موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي
مجموعة من المؤلفين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة حصل بها الباحث على درجة الدكتوراة بتقدير ممتاز من جامعة الملك سعود
سلسلة الرسائل الجامعية (79) موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي [1] مسائل الإجماع في الطهارة
مقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة إن الحمد للَّه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70, 71]. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. • أما بعد: فإن الأمة في أمسّ حاجتها للأسس التي بها تجتمع كلمتها، ويفرق بها بين القطعي الذي لا يجوز ولا يُقبل الخلاف فيه، وبين ما يكون للاجتهاد فيه مجال. ولذا كان من الواجب إبراز تلك الأمور التي تتفق فيها الأمة أجمع، وهي المسائل التي أجمع علماء الأمة فيها على قولٍ واحدٍ، وهي كثيرة وللَّه الحمد. ولما كانت المسائل التي حُكيَ فيها الإجماع كثيرة؛ كان منها ما هو متفق على أنها محلُّ إجماعٍ، ومنها ما هو مختلفٌ فيه. فلا بد إذًا من التدقيق في هذه المسائل -بعد جمعِها- وتمحيصِها بالطرق العلمية؛ يُحقَّق في المسائل التي حُكي فيها الإجماع، ويُدقَّق في مدى صحة عدم وجود المخالف، ثم يُنظر في المخالف -إن وجد- هل خلافه معتبر أو لا؟
مشكلة البحث
ويجب أن يُفرق أيضا في المسائل التي لا نعلم فيها مخالفًا بين الإجماع القطعي والظني، ويبيَّن نوعه، أهو لفظي أم سكوتي، ويتحقق من كل ذلك. يقول الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي: "واعلم أن الإجماع الذي هو حجة قاطعة عند الأصوليين هو القطعي لا الظني. والقطعي هو القولي المشاهد، أو المنقول بعدد التواتر؛ والظني كالسكوتي والمنقول بالآحاد" (¬1). ولأهمية هذا الموضوع، ومدى فائدته الكبيرة ولِما يرجع على الباحث وعلى المسلمين من فائدة؛ رأيت أن أعمل بالجهد المستطاع في هذا الموضوع، وأن يكون في رسالتي لنيل درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله. ولما كانت أبواب الفقه واسعة جدًّا؛ رأيت أن أختار كتاب الطهارة، وهو أول أبواب الفقه الإِسلامي، فتكون الرسالة بعنوان: (مسائل الإجماع في الطهارة جمعًا ودراسةً). • مشكلة البحث: إن الناظر في كتب الفقه الإِسلامي يجد أن هناك كمًّا هائلًا من الإجماعات التي ينقلها العلماء في المذاهب الفقهية المختلفة، بينما يجد لبعض تلك النقول خروقًا من أقوال علماء آخرين. كما أنه في بعض تلك المسائل التي نُقل فيها الإجماع قد يجد من خالف فيها من عالم أو أكثر بعد ذلك، فهل هذا الإجماع صحيح أم أنه لم يتحقق أصلًا؟ وينبني على ذلك: هل تجوز المخالفة في تلك المسائل أو لا؟ كل هذا وذاك يحتاج إلى دراسة علمية تُبَيِّنُ الصحيح في الأمر. ومن ثم كان هذا البحث لجمع مسائل الإجماع التي حُكِيت في كتاب الطهارة ودراسة كل مسألة على حدة. * * * ¬
حدود البحث
• حدود البحث: يشتمل البحث على جميع المسائل التي نقل فيها الإجماع المتعلقة بكتاب الطهارة، وذلك عندما ينقله أحد العلماء بالصيغ التالية: 1 - الإجماع. 2 - الاتفاق. 3 - نفي الخلاف في المسألة. هذا بالإضافة إلى التمهيد الذي سيكون عن الإجماع، وما يتعلق به من الناحية الأصولية دون توسّع. أما ما يتعلق بالإجماعات في الأبواب الأخرى، أو ما يتعلق بأيِّ إجماع خاصّ؛ كإجماع الأئمة الأربعة؛ أو إجماع الخلفاء الراشدين؛ وما أشبه ذلك، فغير داخل في البحث؛ حيث إن ذلك النوع من الإجماعات لا يعتبر حجة شرعية على الصحيح. كما أن أيّ عبارة أجد أن ظاهرها يدل على قصرها على مذهب معين (كإجماع الحنفية)؛ أو بلد معين (كإجماع أهل المدينة) فهي غير داخلة في البحث؛ لأنها ليست داخلة في معنى الإجماع الاصطلاحي الذي هو حجة شرعية. والمسائل التي استطعت أن أجمعها من حكايات العلماء في هذا الباب أربعُ مائة وسبعة وستون مسألة، توصلت إليها من خلال كتب المشروع المعتمدة. فقد رأت اللجنة المشكلة للمشروع من قِبل قسم الدراسات الإِسلامية بجامعة الملك سعود أن يكون اعتماد الإجماعات من خلال ثلاثين كتابا من أهم الكتب التي تعتني بحكاية الإجماع، اختيرت بعناية اللجنة والقسم، وقد روعي فيها التنوع المذهبي وتاريخ تأليف الكتاب، وقد كان لي وجهة نظر مختلفة في اختيار بعض الكتب، حيث إنني لم أكن أرى جدوى إضافة بعض الكتب، إلا أنها فُرضت من قبل القسم، ولهم وجهة نظر أحترمها، وهي كالتالي: 1 - "الأم" للإمام الشافعي (204 هـ). 2 - "سنن الترمذي" (279 هـ). 3 - "تفسير الطبري" (310 هـ). 4 - "الإجماع" لابن المنذر (318 هـ). 5 - "مراتب الإجماع" لابن حزم الظاهري (456 هـ).
6 - "المحلى" لابن حزم. 7 - "الاستذكار" لابن عبد البر المالكي (463 هـ). 8 - "شرح السنة" للبغوي (516 هـ). 9 - "عارضة الأحوذي" لابن العربي المالكي (543 هـ). 10 - "الإفصاح" لابن هبيرة الحنبلي (560 هـ). 11 - "بدائع الصنائع" للكاساني الحنفي (587 هـ). 12 - "المغني" لابن قدامة (620 هـ). 13 - "الجامع لأحكام القرآن" (¬1) للقرطبي المالكي (671 هـ). 14 - "المجموع" للنووي الشافعي (676 هـ). 15 - "الذخيرة" للقرافي المالكي (684 هـ). 16 - "نقد مراتب الإجماع" لابن تيمية الحنبلي (728 هـ). 17 - "مجموع الفتاوى" لابن تيمية، جمع الشيخ ابن قاسم. 18 - "جامع الرسائل" لابن تيمية، جمع د. محمد رشاد سالم. 19 - "مجموع الرسائل والمسائل" لابن تيمية، جمع الشيخ محمد رشيد رضا. 20 - "مختصر الفتاوى المصرية" لابن تيمية، جمع البعلي. 21 - "زاد المعاد" لابن القيم الحنبلي (751 هـ). 22 - "إعلام الموقعين" لابن القيم. 23 - "فتح الباري" لابن حجر الشافعي (852 هـ). 24 - "البناية شرح الهداية" للعيني الحنفي (855 هـ). 25 - "فتح القدير" لابن الهمام الحنفي (861 هـ). 26 - "البحر الرائق" لابن نجيم الحنفي (970 هـ). ¬
الدراسات السابقة
27 - "مغني المحتاج" للشربيني الشافعي (977 هـ). 28 - "سبل السلام شرح بلوغ المرام" للصنعاني (1182 هـ). 29 - "نيل الأوطار" شرح منتقى الأخبار" للشوكاني (1250 هـ). 30 - "حاشية الروض المربع" لابن قاسم الحنبلي (1392 هـ). • الدراسات السابقة: أولًا: كتاب (موسوعة الإجماع في الفقه الإِسلامي). لمؤلفه: الشيخ سعدي أبو جيب. وهو كتاب موسوعي في الفقه بشكل عام، ويدخل فيه ضمنًا الطهارة. ويختلف عملي عن هذه الموسوعة بما يلي: 1 - اعتمد المؤلف على ستة عشر كتابا فقط (¬1)، وهي كذلك ليست موزعة على المذاهب. 2 - أنه ليس من منهج المؤلف -وفقه اللَّه- دراسة أيٍّ من تلك الإجماعات وتمحيصها، مما يؤكد الحاجة إلى الدراسة لتلك الإجماعات. 3 - ترتيب المؤلف في كتابه وفق الترتيب الهجائي، وقد رتبت مسائل الإجماع حسب أبواب الفقه الإِسلامي. 4 - أن المؤلف لا يذكر مستند الإجماع ولا دليل المخالف في المسألة. 5 - أن الشيخ سعدي أبو جيب قد جعل عمله موسوعيًّا كبيرًا، وهو مع اعترافنا له بالفضل والأسبقية بلا شك قد اعتراه بعض الزلل والخطأ، نظرًّا لطبيعة الجهد البشري، فقد وجدت له عدة أخطاء في تصوير المسائل، فمثلا انظر مسألة (809) الفقرة الثالثة، ¬
ثانيا: كتاب (إجماعات ابن عبد البر في العبادات).
وقارنها بعبارة صاحبها النووي (¬1)، حيث تجد فرقًا كبيرًا؛ إذ الإجماع على مسألة وما ذكره الشيخ مسألة أخرى. كذلك في نفس المسألة (809) الفقرة الأخيرة؛ نقل الإجماع عن ابن قدامة على مسألة، ونقل بعدها خلافًا فيها، وبعد المراجعة وجدت أن الخلاف في مسألة أخرى (¬2). 6 - أن الشيخ أبو جيب وقع في وهم غريب، وهو أنه ينقل عن ابن حزم إجماعات لم يُرد ابن حزم حكايتها، وذلك أن منهج ابن حزم في حكاية الإجماع مختلف نوعًا ما عن غيره، حيث كثيرًا ما يذكر صورًا لمسائل يستثنيها، ثم بمجموع هذه الاستثناءات يخرج بصورة مجمع عليها (¬3)، والخطأ لدى الشيخ أبو جيب؛ أنه يأخذ كل استثناء من هذه الاستثناءات، ويجعله مسألة مستقلة حكى ابن حزم الإجماع فيها، وهذا خطأ بيِّن من الشيخ أبو جيب، مع اعتذاري واعترافي له بالفضل في عمله جزاه اللَّه خيرًا (¬4). 7 - أن الشيخ أبو جيب يذكر الإجماعات اللفظية والسكوتية دون تفريق، ولا شك أن هناك فرقًا كبيرًا بين الاثنين. ثانيًا: كتاب (إجماعات ابن عبد البر في العبادات). لمؤلفه: الدكتور عبد اللَّه بن مبارك البوصي. وهو رسالة ماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإِسلامية. وهذا البحث ليس في جمع مسائل الإجماع؛ لاختصاصه بعالم واحد وهو الإمام ابن عبد البر فقط، في حين أن عملنا سيكون - بإذن اللَّه - شاملًا لعددٍ من العلماء، ثم إن منهج الباحث في رسالته الاقتصارُ على لفظ الإجماع فقط، دون لفظ الاتفاق أو نفي الخلاف. بخلاف هذه الرسالة التي هي جامعة للاصطلاحات الثلاثة. مجموع المسائل التي بحثها المؤلف في كتاب الطهارة خمسين مسألة فقط، موزعة على أبواب الطهارة؛ باستثناء بابي الاستنجاء والمسح على الخفين، فلم يجد فيهما ¬
ثالثا: كتاب (أحكام الإجماع والتطبيقات عليها من خلال كتاب ابن المنذر وابن حزم).
إجماعات لابن عبد البر، وكل هذه المسائل بحثتها أيضا في رسالتي، ووقع الاتفاق في النتيجة في أغلبها، وخالفت الباحث في بعضها، وسيأتي مناقشة ذلك في ثنايا البحث. وهناك خلاف بين منهجي ومنهج الدكتور عبد اللَّه في دراسة المسائل، فهو ليس من منهجه أن يلتزم بتوثيق المسألة كتابيًّا من كتب المذاهب الفقهية المختلفة، في حال تحقق الإجماع أو عدم تحققه، بينما هذا الأمر من الخطوات المنهجية اللازمة في كل مسألة من مسائل هذه الرسالة. وهذا الكتاب من أفضل ما كتب في الباب؛ إلا أنه يلاحظ عليه الملاحظات السابقة، وأبرزها أنه مقتصر على عالم واحد وعلى لفظ الإجماع فقط، ومع ذلك فالكتاب نافع جدًّا، ولا يعيبه هذا حيث كان هذا من منهج الباحث، وقد أجاد الباحث فيه جزاه اللَّه خيرًا، بل يستحق أن يكون رسالة دكتوراه في نظري. ثالثًا: كتاب (أحكام الإجماع والتطبيقات عليها من خلال كتاب ابن المنذر وابن حزم). لمؤلفه: الشيخ خلف محمد المحمد. وهو رسالة ماجستير تشتمل على قسمين: أحدهما: دراسة نظرية للإجماع كمصدر من مصادر التشريع، وقد استغرقت هذه الدراسة أكثر الكتاب. الثاني: التطبيقات الفقهية، وفيها الأمثلة من بابي الطهارة والصلاة، من خلال كتابي "الإجماع" لابن المنذر؛ و"مراتب الإجماع" لابن حزم. ويختلف عملي عن هذا الكتاب بما يلي: 1 - أنه لم يتناول كل الإجماعات المذكورة في باب الطهارة، وذلك لأنه اعتمد ذكر إجماعات ابن المنذر، من خلال كتابه "الإجماع" فقط؛ وإجماعات ابن حزم من خلال كتابه "مراتب الإجماع" فقط. فهو مقتصر على هذين الكتابين فقط، يذكر الإجماعات فيه من باب التمثيل والتطبيق. 2 - أن نقده للإجماعات غير كافٍ، فهو يعتمد في نقد الإجماع أو تأييده على نفس
رابعا: كتاب (موسوعة الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية).
الكتب التي اعتمدها مؤلف كتاب "موسوعة الإجماع" المتقدم لسعدي أبو جيب، مما يجعل النقد على الموسوعة السابقة يأتي هنا أيضًا. ويُعتذر له بأن مناقشة الإجماعات هو من باب التطبيق لمسائل الإجماع الأصولية فيما يبدو لي. في حين أن هذه الرسالة شاملة بإذن اللَّه لكتب كثيرة في شتى المذاهب والعصور حسب ما هو مبين في خطة المشروع. 3 - أنه ليس من منهج الباحث ذكر مستند الإجماع؛ ولا توثيق المسألة من كتب المذاهب الفقهية المختلفة، ولا دليل المخالف في المسألة إن وجد. 4 - أن عدد المسائل التي ذكرها الباحث ثمان وسبعون مسألة، وهو عدد قليل من مسائل الإجماع التي حُكيت في باب الطهارة. رابعًا: كتاب (موسوعة الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية). لمؤلفه: د. عبد اللَّه بن مبارك البوصي وهذا الكتاب ليس إلا جمعًا لما نقله ابن تيمية فقط من الإجماعات، ولا يتعرض لغيره، وذلك على أبواب الفقه كلها، التي من ضمنها الطهارة. وأيضًا فليس من منهج المؤلف مناقشة هذه الإجماعات، والبحث عن مدى صحتها ودقتها، فهو ليس سوى جمع فقط دون أي تعليق. خامسًا: كتاب (الإجماع لابن عبد البر). لمؤلفه: فؤاد الشلهوب، وعبد الوهاب الشهري. وهذا الكتاب ليس سوى جمع لإجماعات ابن عبد البر من خلال كتابه "التمهيد" فقط على أبواب الفقه، ومن بينها الطهارة. وهو جمع فقط دون أي تعليق، كـ "موسوعة الإجماع" لابن تيمية التي سبق الكلام عنها. سادسًا: كتاب (الإجماع عند الإمام النووي من خلال شرحه لصحيح مسلم دراسة أصولية تطبيقية). لمؤلفه: علي أحمد الراشدي. وهي رسالة ماجستير بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
سابعا: كتاب (تحرير اتفاقات ابن رشد في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد من أول الكتاب إلى نهاية كتاب الاعتكاف).
وقد بذل الباحث جهدًا كبيرًا في رسالته هذه، وهي من أفضل ما كتب في الموضوع؛ إلا أنه يؤخذ عليها اقتصارها على كتاب "شرح مسلم" للنووي فقط، فالمسائل فيه ليست شاملة، حيث لم يذكر سوى خمس وأربعين مسألة فقط. ويؤخذ عليه: عدم التزام الباحث بتوثيق المسألة من الكتب الفقهية للمذاهب في المسائل التي يحكم عليها. ثم إن الباحث يبحث أحيانًا عدة مسائل في عنوان واحد. مثال ذلك: مسألة (الحائض والنفساء ليس عليهما الصلاة ولا الصوم ويجب عليهما القضاء في الصوم دون الصلاة) (¬1)، وهذا العنوان يحتوي على ثمان مسائل في الإجماع. سابعًا: كتاب (تحرير اتفاقات ابن رشد في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد من أول الكتاب إلى نهاية كتاب الاعتكاف). لمؤلفه: عبد اللَّه بن علي بصفر. ذكر في باب الطهارة واحدًا وخمسين مسألة. ويؤخذ عليه: أنه لا يذكر مستند الإجماع، ولا يلتزم الباحث بالنظر في الكتب من خارج المذاهب الأربعة، التي تحكي أقوال أهل العلم، كالمصنف، والأوسط، ولا بذكر من وافق على هذا القول المحكي فيه الإجماع من العلماء المستقلين، ولا ينظر في خلاف الظاهرية، فلا يوثق المسألة عند ابن حزم، وهذه الأمور تفقد الكتاب أهمية كبيرة. ثامنًا: كتاب (المسائل التي حكى فيها ابن قدامة الإجماع والتي نفى علمه بالخلاف فيها في باب الطهارة من كتابه المغني جمعًا ودراسة). لمؤلفه: أحمد بن محمد البلادي. وهو رسالة ماجستير بجامعة أم القرى. ويؤخذ عليه: أن الباحث لا يلتزم بذكر مستند الإجماع، ولا بذكر من وافق ابن قدامة في حكاية الإجماع. ¬
أهداف البحث
ولا يلتزم الباحث بالرجوع إلى كتاب "المحلى" لابن حزم، ويشير إلى قوله في الموافقة أو المخالفة إن وجد، مما يفقد البحث الشيء الكثير. ولا يلتزم أيضًا بذكر الموافقين على القول المحكي فيه الإجماع من العلماء المستقلين أو المتقدمين. والرسالة تفتقد إلى الترتيب والمنهجية الواضحة. هذا علاوةً على أن الرسالة محصورة في ابن قدامة رحمه اللَّه من خلال كتابه "المغني". • أهداف البحث: 1 - بيان تعريف الإجماع، ومكانته، وأنواعه، والألفاظ التي تعبر عنه، والألفاظ التي لها صلة به. 2 - جمع جميع المسائل التي نقل فيها الإجماع في كتاب الطهارة، من خلال الكتب المعتمدة في الدراسة. 3 - البحث عن موافقٍ لذلك الإجماع؛ ومخالفٍ له؛ ودليل خلافه. 4 - التمحيص في صحة الإجماع؛ وتحقق الشروط فيه وعدمها. 5 - بيان الراجح عند الاختلاف بين العلماء في تحقق الإجماع أو عدمه. 6 - ذكر مستند الإجماع الذي بُني عليه الإجماع. • أسئلة البحث: 1 - ما المقصود بالإجماع عند العلماء؟ وما مكانته؟ وما أنواعه؟ وما الألفاظ التي تعبر عن حكايته؟ وما الألفاظ التي لها صلة به؟ 2 - ما المسائل الفقهية التي حُكي فيها إجماع العلماء في كتاب الطهارة؟ 3 - مَنِ العلماء الذين ذكروا ذلك الإجماع؟ ومن الذين خالفوه إن وجد؟ 4 - هل شروط صحة الإجماع متحققة في ذلك الإجماع؟ 5 - ما الراجح من أقوال العلماء في تحقق الإجماع من عدمه إن وجد خلاف؟ 6 - ما المستند الشرعي الذي بُني عليه ذلك الإجماع؟
منهج البحث
• منهج البحث: سأتبع في رسالتي المنهج الاستقرائي والمنهج المقارن (¬1)، المتعارف عليه لدى المختصين في الفقه الإِسلامي بالفقه المقارن. • إجراءات البحث: أولًا: أضع عنوانًا للمسألة التي ذُكرت في الكتب المعتمدة في المشروع. ثانيًا: أشرح المسألة التي تحتاج للشرح بعد العنوان، وأُعَرِّفُ المصطلحات التي تقتضي ذلك، وأميّز المسألة عن المسائل المشتبهة بها إن وجدت، على غرار ما يجري في علم الفروق الفقهية (¬2). ثالثًا: أضع بعد ذلك عنوان: (من نقل الإجماع أو الاتفاق أو نفي الخلاف) (¬3)، أذكر فيه أول من ذكر الإجماع، ثم أذكر من نقله بعده، وأراعي الترتيب الزمني في ذلك. رابعًا: أنقل نصوص العلماء في ذلك؛ إلا إن كانت متقاربة أو متشابهة، وإذا كان العالم قد نقل الإجماع عن غيره، فإنه يكتفى بنص العالم الأول، ويشار إلى أنه نقله عنه فلان. وقد أنقل بعض الاتفاقات المذهبية المطلقة من باب الاعتضاد فقط، في المسائل المبحوثة، لا استقلالا. وأنقل العبارات التي جاءت بألفاظ الإجماع الضعيفة كجميع وكافة وقول العلماء، من باب الاعتضاد أيضا. خامسًا: أضع عنوانا بعد ذلك (الموافقون على الإجماع أو الاتفاق أو نفي الخلاف) أذكر فيه المذاهب التي وافقت الإجماع والعلماء المستقلين أيضًا، إن وجد. ¬
وإذا كان أحد العلماء الذين حكوا الإجماع ينتمي إلى أحد المذاهب الفقهية؛ فيكتفى به في مذهبه الفقهي، ولا يعاد ذكر موافقة مذهبه في نفس المسألة. وبالنسبة لرأي ابن حزم في الموافقة والخلاف، فإني أبحث عنه في كل مسألة؛ إذ إنه المصدر الرئيسي في معرفة آراء الظاهرية - وإن كان يخالفهم أحيانا - ولكن كثيرًا ما يحصل أن لا أجد له رأيًا، وفي هذه الحالة فإني لا أشير لذلك، بل أكتفي بعدم الإشارة إليه. سادسًا: أذكر (مستند الإجماع أو الاتفاق أو نفي الخلاف) من النصوص الشرعية إن عُلم، فإن لم يظهر لي نص في المسألة ذكرت الدليل بطرق الاستنباط الأخرى. فإن كان آيةً؛ فتُذكر الآية بالنص العثماني، ثم أكتب اسم السورة ورقم الآية. أما الأحاديث النبوية؛ فأضعها داخل التنصيص تكريمًا لكلام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفي التخريج إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فإني أكتفي بذلك، وأذكر موضعًا واحدًا عند تعدد المواضع، وأما إذا كان خارج أحدهما؛ فإني أخرجه من كتب السنن الأخرى، وأبحث عن درجته ما استطعت. وعند التخريج فإني أذكر اسم الكتاب الذي أخرج الحديث، واسم الباب، ورقم الحديث، والجزء والصفحة. ومنهجي في توثيق المستند؛ أنني إذا نقلت الدليل الاجتهادي عن أحد من العلماء فإني أوثقه، وإن لم أوثق شيئًا فهو من اجتهادي، إلا إن كان الدليل مشهورًا أو وجه الدلالة واضحًا؛ فقد لا ألتزم بالتوثيق. سابعًا: أبدأ بعد ذلك بالبحث عن ناقضٍ لهذا الإجماع؛ إما بالنص على أنه منقوض، أو حكاية خلاف في المسألة. فإذا وجدت شيئًا من ذلك أثبته وأناقشه، إن كانت المسألة تحتاج لمناقشه. يلاحظ أن الإجماعات المعتمدة هي التي تكون فيها العبارة صريحة في حكاية الإجماع أو الاتفاق أو نفي الخلاف؛ بأن لا يكون لها استثناءات في السياق؛ أو ما يدل على أنها محصورة بمذهب معين؛ أو بالجمهور. وإذا كان نفي الخلاف أو حكاية الاتفاق في سياق مذهبي؛ فإني لا أعتمدها.
وإذا كان الحال أنه لم ينقل الإجماع إلا عالم واحد أو اثنان، فإني أحاول زيادة البحث والتدقيق في المسألة من خلال التنقيب في كتب المذاهب المختلفة عن مخالف لهذا الإجماع، خاصة إذا كان العالم الذي نقل عنه الإجماع من المشهورين بالتساهل. ثامنًا: عندما يتبين سلامة الإجماع أذكر النتيجة التي توصلت إليها من خلال الدراسة. تاسعًا: عندما أجد أن الإجماع المحكي مخروق؛ فإنني أتحقق من هذا الخرق، وأذكر الخلاف المحكي في هذه المسألة، وأعزوه إلى الكتب المعتمدة في المذاهب الفقهية المختلفة. وأذكر الدليل الذي استدل به المخالف من غير مناقشة وترجيح، حسب ما تقتضيه المسألة، حيث لو تمت مناقشة الأدلة والترجيح بينها لأصبحت الرسالة ضخمة جدًّا، بحيث لا تتسع لعدة طلاب. عاشرًا: عندما أجد أنه قد حكي خرق للإجماع، فإنني أجتهد في بيان ما يترجح لي في المسألة، من حيث تحقق الإجماع أو عدم تحققه، مع بيان الأسباب التي جعلتني أختار ذلك. الحادي عشر: أذكر الإجماعات حسب الأبواب الفقهية، على ترتيب مذهب الحنابلة، من خلال كتاب "المقنع". أما ترتيب المسائل داخل الباب؛ فإني لا ألتزم ترتيبًا معينًا، وإنما أجتهد في أن تكون المسائل المتقاربة في الحكم أو الصورة بجانب بعضها. الثاني عشر: ترجمت للأعلام غير المشهورين، ترجمة مختصرة، أما المشهورون كالخلفاء الأربعة، والأئمة الأربعة، وكمشاهير الصحابة كأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، فإني لا أترجم لهم. الثالث عشر: وضعت ترقيمًا لمسائل الرسالة، وذلك بأن جعلت رقمًا للمسألة في الباب، ثم ترقيما ثانيا في الرسالة كاملةً. الرابع عشر: إذا وضعت شرطة كهذه - فما بين الشرطتين من إضافتي، وليس من كلام العالم الذي أنقل عنه.
خطة البحث
الخامس عشر: في التوثيق من الكتب التي هي جزء فقط، فإني أذكر رقم الصفحة بين قوسين مباشرة، دون ذكر حرف ص، وأما الكتب التي هي أكثر من جزء، فإني أتبع الطريقة المعهودة، وهي ذكر رقم الجزء أولًا ثم رقم الصفحة داخل القوس فقط. السادس عشر: عندما أحيل على المسائل، فإنني أحيل على عنوانها، دون الإشارة إلى رقم الصفحة، وذلك لكثرة المسائل وتغير مواضعها أثناء المراجعات أو التغيير والإضافة. • خطة البحث: وتحتوي على مقدمة، وتمهيد، وأحد عشر بابًا، وخاتمة، أذكر فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج في رسالتي، وهي حسب ما يلي: • مقدمة: تشتمل على أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة المتصلة بالموضوع، وأهداف الموضوع، وأسئلة البحث، وحدود الدراسة، ثم منهجي في البحث، وإجراءات البحث، ثم خطة البحث. • تمهيد: وهو في التعريف بالإجماع، ومكانته بين مصادر التشريع الإِسلامي، والمسائل المهمة في هذا الباب، وفيه مباحث: • المبحث الأول: تعريف الإجماع. المطلب الأول: تعريف الإجماع لغةً. المطلب الثاني: تعريف الإجماع اصطلاحًا. • المبحث الثاني: مكانة الإجماع بين مصادر التشريع الإِسلامي. المبحث الثالث: أنواع الإجماعات، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: أنواع الإجماع من حيث أهله. المطلب الثاني: أنواع الإجماع من حيث النطق به وعدمه.
المطلب الثالث: أنواع الإجماع من حيث القطع والظن. • المبحث الرابع: ألفاظ الإجماع. • المبحث الخامس: الألفاظ ذات الصلة. • المبحث السادس: مستند الإجماع. • المبحث السابع: مسائل في الإجماع، وفيه مطالب: المطلب الأول: في حكم الإجماع بعد الخلاف. المطلب الثاني: في الإجماع على أقل ما قيل في المسألة. المطلب الثالث: في حكم مخالفة الواحد والاثنين من العلماء في المسألة. المطلب الرابع: في حكم مخالفة الظاهرية. المطلب الخامس: في حكم مخالفة أهل البدع. • المبحث الثامن: مناهج العلماء في حكاية الإجماع. أبواب الدراسة في كتاب الطهارة • وهي أحد عشر بابًا: الباب الأول: مسائل الإجماع في باب المياه. الباب الثاني: مسائل الإجماع في باب الآنية. الباب الثالث: مسائل الإجماع في باب الاستنجاء. الباب الرابع: مسائل الإجماع في باب السواك وسنن الوضوء. الباب الخامس: مسائل الإجماع في باب فروض الوضوء وصفته. الباب السادس: مسائل الإجماع في باب المسح على الخفين. الباب السابع: مسائل الإجماع في باب نواقض الوضوء. الباب الثامن: مسائل الإجماع في باب الغسل. الباب التاسع: مسائل الإجماع في باب التيمم.
الصعوبات التي واجهتني في البحث
الباب العاشر: مسائل الإجماع في باب إزالة النجاسة. الباب الحادي عشر: مسائل الإجماع في باب الحيض والنفاس. • الخاتمة: وأذكر فيها أهم النتائج والتوصيات. • الفهارس: وتشتمل على الآتي: 1 - فهرس الآيات حسب ترتيب السور. 2 - فهرس الأحاديث والآثار هجائيًا. 3 - فهرس الأعلام المترجم لهم هجائيًا. 4 - فهرس المذاهب والفرق هجائيًّا. 5 - فهرس غريب الألفاظ. 6 - فهرس مسائل الإجماع. 7 - فهرس المراجع. 8 - فهرس الموضوعات. • الصعوبات التي واجهتني في البحث: واجهتني في هذه الرسالة العديد من الصعوبات، أثناء إعدادي للرسالة، ومنها: 1 - عدد الكتب المعتمدة من قبل اللجنة في الالتزام بالألفاظ الدالة على الإجماع كثير، وهي ثلاثون كتابًا، بعضها في مجلدات متعددة، مما جعل البحث فيها شاقًّا جدًّا، حتى إنني في بعض مراحل البحث أصبحت أحدث نفسي بأن إنجاز هذه الرسالة يحتاج إلى عدة سنوات طويلة، ولكن بحمد اللَّه تعالى تمَّ إتمام الرسالة، فله الشكر والمنة. 2 - عدد المسائل التي بحثتها في هذه الرسالة كثير أيضًا، وهي أربع مائة وستون مسألة، وأرجو أن لا تكون كثرتها قد أثرت على مستوى الرسالة، فبطبيعة العمل
البشري النقص، فما بالك إذا كان العمل كبيرًا. 3 - الإجماعات التي يحكيها بعض العلماء في مسائل فرعية دقيقة، يصعب على الباحث الحصول على كلامٍ لأهل العلم فيها (¬1)، فضلًا عن تحقق الإجماع فيها، مما يشكك في صحة الإجماع وعدمه، وقد مرت عليّ بعض المسائل التي لم أجد لها كلامًا لبعض المذاهب، مما جعلني أتوقف عن الحكم على المسألة. 4 - عدم عثوري على مستند الإجماع في بعض المسائل، خاصة إذا لم يوجد نص، مما يضطرني أن أجتهد في الاستدلال من المعقول، أرجو أن أكون مصيبًا فيه. 5 - بعض المسائل لا أجد فيها نصًّا واضحًا للفقهاء، أو لفقهاء مذهب معين، سواء كان بالموافقة أو المخالفة، مما يجعلني أجتهد في فهم معاني كلامهم، ومحاولة القياس عليه، وقد يأخذ مني هذا الوقت الطويل، ربما أيامًا. ومع كل هذه الصعوبات التي استطعت بحمد اللَّه تعالى تجاوزها، لا أدعي الكمال في رسالتي، بل كل عمل بشري يعتريه القصور والنقص، وقد يحصل الوهم والخطأ، بذلت كل ما أستطيع في سبيل إكمال الرسالة على أحسن وجه؛ إلا أن اللَّه تعالى يأبى الكمال إلا له سبحانه وتعالى. * * * ¬
تمهيد
تمهيد وفيه مباحث • المبحث الأول: تعريف الإجماع. المطلب الأول: تعريف الإجماع لغة. المطلب الثاني: تعريف الإجماع اصطلاحًا. • المبحث الثاني: مكانة الإجماع بين مصادر التشريع الإِسلامي. • المبحث الثالث: أنواع الإجماعات، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: أنواع الإجماع من حيث أهله. المطلب الثاني: أنواع الإجماع من حيث النطق به وعدمه. المطلب الثالث: أنواع الإجماع من حيث القطع والظن. • المبحث الرابع: ألفاظ الإجماع. • المبحث الخامس: الألفاظ ذات الصلة. • المبحث السادس: مستند الإجماع. • المبحث السابع: مسائل في الإجماع، وفيه مطالب: المطلب الأول: في حكم الإجماع بعد الخلاف. المطلب الثاني: في الإجماع على أقل ما قيل في المسألة. المطلب الثالث: في حكم مخالفة الواحد والاثنين من العلماء في المسألة. المطلب الرابع: في حكم مخالفة الظاهرية. المطلب الخامس: في حكم مخالفة أهل البدع. • المبحث الثامن: مناهج العلماء في حكاية الإجماع.
المبحث الأول: تعريف الإجماع
المبحث الأول: تعريف الإجماع المطلب الأول: تعريف الإجماع لغة • الإجماع لغةً: مِن أجمع الأمر إذا عزم عليه، ويُقال أيضًا: أجمِع أمرك، ولا تدعه منتشرًا (¬1). قال تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يونس: الآية 71]. يقال: أجمعوا على الأمر اتفقوا عليه (¬2). قال ابن منظور: "جمع أمره، وأجمعه، وأجمع عليه؛ عزم عليه، كأنه جمع نفسه له، والأمر مجمع، ويقال أيضًا: أجمع أمرك ولا تدعه منتشرًا" (¬3). وقال الفيروز آبادي في "القاموس": "الإجماع: الاتفاق. . .، وجعل الأمر جميعًا بعد تفرقه" (¬4). وقال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة": "جمع، الجيم والميم والعين أصل واحد، يدل على تضامّ الشيء، يقال: جمعت الشيء جمعًا" (¬5)، فإذا تضامّت أقوال العلماء على رأي واحدٍ في المسألة، فقد أجمعوا عليه. والأجماع يقال: في أقوام متفاوتة اجتمعوا، وأجمعت كذا، وأكثر ما يقال فيما يكون جمعًا يتوصل إليه بالفكر، ويقال: أجمع المسلمون على كذا: اجتمعت آراؤهم عليه" (¬6). • فيتحصل لنا أن كلمة (أجمع) تطلق على معنيين: الأول: العزم على الشيء. ولعل مناسبة هذا المعنى للمعنى الاصطلاحي؛ أن العلماء عندما اجتمعوا على قول ¬
المطلب الثاني: تعريف الإجماع اصطلاحا
واحد في المسألة، كأنهم عزموا وصمموا على هذا القول في المسألة، مما جعلهم يقولون بقول واحد غير مختلفين فيه. والثاني: الاتفاق والاجتماع. وهذا المعنى هو الأقرب ليتناسب مع المعنى الاصطلاحي للإجماع، فإذا اتفق العلماء على القول برأيٍ في المسألة واجتمعوا عليه؛ فإنهم قد أجمعوا على القول بهذا الرأي. المطلب الثاني: تعريف الإجماع اصطلاحًا • وأما تعريف الإجماع اصطلاحًا: فقد اختلفت تعريفات العلماء في ذلك، أذكر بعضًا منها: 1 - عرفه القاضي أبو يعلى بأنه: "عبارة عمن تثبت الحجة بقوله" (¬1). 2 - عرفه الآمدي بأنه: "اتفاق جملة أهل الحل والعقد من أمة محمد عليه الصلاة والسلام في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع" (¬2). 3 - عرفه ابن السبكي بأنه: "اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في عصرٍ على أي أمرٍ كان" (¬3). • التعريف المختار: فهو اتفاق مجتهدي العصر من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد وفاته على أمرٍ من أمور الدين. وهذا التعريف هو أسلم التعريفات الأصولية من الاعتراضات، وهو مأخوذ من تعريف الإمام ابن السبكي رحمه اللَّه في "جمع الجوامع" إلا أنه أضيف إليه تقييد الأمر المجمع عليه بالديني، وبهذا يكون سالمًا من الاعتراضات الواردة عليه (¬4). • شرح التعريف وبيان محترزاته: (اتفاق): هو أن تكون آراء العلماء متطابقة ومشتركة في الرأي والوجهة، سواء كان عن طريق الأقوال؛ أو الأفعال؛ أو السكوت مع كلام البعض الآخر. ¬
وبهذا يكون التعريف شاملًا لنوعي الإجماع (الصريح أو اللفظي؛ والسكوتي) (¬1). (مجتهدي): المجتهد هو: الفقيه الذي استكمل شروط الاجتهاد المعروفة في أبواب الاجتهاد في أصول الفقه (¬2). وبهذا يخرج من التعريف العوام وطلاب العلم الذين لم يستكملوا شروط الاجتهاد (¬3). (العصر): أي ذلك العصر الذي وقعت فيه تلك الحادثة، ولو خالف عالم بعد ذلك فلا عبرة بخلافه؛ لأنه خالف الإجماع. ويلاحظ هُنا أن العصر مطلق؛ أيْ في أيِّ عصرٍ كان، بخلاف من قال باشتراط حدوث الإجماع في عصر الصحابة فقط، وهم الظاهرية ورواية عن الإمام أحمد رحمه اللَّه، وسيأتي مزيد من البيان لهذه المسألة في المبحث الثالث إن شاء اللَّه تعالى (¬4). وكذلك يلاحظ عدم تقييد التعريف باشتراط انقراض العصر، الذي وقعت فيه تلك الحادثة، بموت جميع العلماء الذين أفتوا في تلك الحادثة برأي موحد، بخلاف من اشترطه (¬5). ¬
(من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-): قَيْدٌ يُخرج المجتهدين من أتباع الأمم الأخرى كاليهود والنصارى، فلا يُعتد بخلافهم أو إجماعهم، ولو وصلوا إلى رتبة الاجتهاد في الشريعة الإسلامية. (بعد وفاته): قيد يُخرج الإجماع في عصر النبوة؛ لأنه لا يتصور وقوعه في حال حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام، إذ بوجوده هو المصدر التشريعي الوحيد الناقل للوحي، فلو أقر الإجماع كان إقراره هو الحجة، ولو أنكر الإجماع كان إنكاره هو الحجة أيضًا، ولا اعتبار لهذا الإجماع الذي أنكره الرسول عليه الصلاة والسلام. ولذلك يقول الجلال المحلي: "ووجهه؛ أنه إن وافقهم فالحجة في قوله، وإلا فلا اعتبار بقولهم دونه" (¬1). (على أمر من أمور الدين): قيد يُخرج الإجماع في الأمور غير الشرعية؛ كاللغة والحساب والفلك وغير ذلك من أمور الدنيا. فالإجماع الاصطلاحي الشرعي هو ما كان في أمور الدين فقط (¬2). * * * ¬
المبحث الثاني: مكانة الإجماع بين مصادر التشريع الإسلامي
المبحث الثاني: مكانة الإجماع بين مصادر التشريع الإِسلامي • مكانة الإجماع: الإجماع هو الأصل الثالث من الأصول التي تستمد منها الشريعة الأحكام، ويذكره علماء الأصول بعد الحديث عن الأصلين الأولين (الكتاب والسنة)، فهو المصدر الثالث من مصادر التشريع الإِسلامي. بل عند تعارض الأدلة النصية من الكتاب والسنة مع الإجماع؛ فقال بعض العلماء بتقديم الإجماع عليهما (¬1)، وذلك لعدم تصور احتمال النسخ في إجماع العلماء واتفاقهم في تلك المسألة على رأي موحد، كما هو محتمل في النصوص (¬2). ولأن الإجماع مستند في الحقيقة إلى نصوص شرعية، سواء علمناها وتوصلنا إليها من خلال المصادر المتوفرة، أم لم نتمكن من الوصول إليها، كما هو الراجح في هذه المسألة (¬3). يقول ابن النجار الفتوحي الحنبلي رحمه اللَّه: "ولأن الإجماع معصوم عن مخالفته دليلًا شرعيًّا لا معارض له، ولا مزيل عن دلالته، فيتعين إذا وجدناه خالف شيئًا أَنَّ ذلك إما غير صحيح إن أمكن ذلك، أو أنه مؤول، أو نسخ بناسخ؛ لأن إجماعهم حق، فالإجماع دليل على النسخ لا رافع للحكم. . . " (¬4). ويقول أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي رحمه اللَّه: "فحكمه - أي الإجماع -: أن يُصار إليه ويُعمل به، ولا يجوز تركه بحال؛ إذ لا يتسلط على حكمه بعد ثبوته نسخ؛ لأنه لا طريق إلى النسخ بعد انقطاع الوحي، ولا نص يعارضه، ولا لنا إجماع يعارضه، بخلاف ما قلنا في النص الذي يعارضه نص آخر؛ لاجتماع نصين في زمنٍ واحد؛ لأن النصين يصدران عن عصرٍ يجتمع فيه النصان، وهو عصر النبوة، والإجماع لا يتحقق ¬
أولا: من الكتاب
في عصر النبوة، والنص لا يبقى لنا مجددًا في زمن الإجماع، فلذلك لم يتصور معارضته بنص ولا إجماع، وامتناع إجماعين في عصر واحد، ولأن الأمة معصومة في اتفاقها عن أن تُجمع على حكم ثبت فيه نص عن اللَّه سبحانه أو عن رسوله بخلاف اتفاقهم" (¬1). فالإجماع ليس دليلًا منفردًا عن الأصلين الأولين، بل هو تابع لهما من حيث كونه لا يقع إلا وله مستند شرعي علمناه أم لم نعلمه. فإذا وقع، دلّ ذلك على وجود الدليل الشرعي، وأن ذلك النص صحيح، غير مؤول ولا منسوخ، بخلاف النصوص الشرعية؛ فقد تكون محتملة التأويل، أو النسخ. وقد أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه القول الذي يقول بأن النظر أولا إلى الإجماع، ثم النصوص، وبين أن طريقة السلف هي النظر أولًا في كتاب اللَّه تعالى، ثم في سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم في الإجماع (¬2). ثم نقل عن بعض المتأخرين قولهم: "يبدأ المجتهد بأن ينظر أولًا في الإجماع، فإن وجده؛ لم يلتفت إلى غيره، وإن وجد نصًّا خالفه؛ اعتقد أنه منسوخ بنص لم يبلغه، وقال بعضهم: الإجماع نسخه! والصواب طريقة السلف" (¬3). • حجية الإجماع: هذا، وقد دلّ على حجيّة الإجماع، وكونه دليلًا يستمد منه الأحكام عدة أدلة، نذكر بعضًا منها: • أولًا: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى توعد بالعذاب لمن شاقّ اللَّه ورسوله، واتبع غير سبيل المؤمنين، أي: الطريق الذي اختاروه لأنفسهم. وهذا يدل على وجوب متابعة سبيل المؤمنين وعدم مخالفتهم. ¬
ولا يصح إطلاق القول؛ بأن ذلك القول أو الفعل هو سبيل المؤمنين؛ إلا باجتماع قولهم أو فعلهم على رأي موحد (¬1). 2 - قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى وصف الأمة بأنها أمة وسط، والوسط: الخيار العدل، يدل لذلك قوله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} [القلم: 28]، أي: أعدلهم. واللَّه تعالى عدّلهم بقبول شهادتهم أيضًا، وشهادة الشاهد حجة، فدل ذلك على حجيّة إجماع الأمة ووجوب الأخذ به (¬2). 3 - قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قد أخبر عن خيرية هذه الأمة؛ بأنهم يأمرون بكل معروف، وينهون عن المنكر. وهذا يقتضي كون قولهم حقًّا وصوابًا في جميع الأحوال، والخيرية توجب حقيقة ما اجتمعوا عليه؛ لأنه لو لم يكن حقًّا لكان ضلالًا، فإذا اجتمعوا على مشروعية شيء يكون ذلك الشيء معروفًا، وإذا اجتمعوا على عدم مشروعية شيء يكون ذلك الشيء منكرًا، فيكون إجماعهم حجة (¬3). 4 - قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]. • وجه الدلالة: نهى اللَّه تبارك وتعالى في الآية عن التفرق، ولا شك أن مخالفة الإجماع تفرق، فيكون منهيًّا عنه، ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى النهي عن مخالفته، ووجوب اتباعه (¬4). 5 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي ¬
ثانيا: من السنة
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، ولا يأمر اللَّه تعالى لأحدٍ بطاعته إلا أن يكون معصومًا عن الخطأ؛ لأنه لو لم يكن معصومًا فإن اللَّه تعالى قد أمر بطاعته فيما لو قُدِّر إقدامه على الخطأ، فدل ذلك على أن اللَّه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر -وهم أهل الحل والعقد من المجتهدين- عند إجماعهم وعدم تنازعهم (¬1). • ثانيًا: من السنة: 1 - قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تجتمع أمتي على ضلالة ويد اللَّه على الجماعة ومن شذ شذ في النار" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر أن أمته لا تجتمع على ضلالة أبدًا، وأن من شذ عن الجماعة فقد شذ في النار، فدل ذلك على أن هذه الأمة أمة معصومة إن أجمعت على أمرٍ، وهذا ما يدل على أن الإجماع من أمة محمد عليه الصلاة والسلام حجة (¬3). 2 - قوله عليه الصلاة والسلام: "ومن فارق الجماعة شبرًا فقد خلع رِبْقَة الإسلام من عنقه" (¬4). ¬
المبحث الثالث: أنواع الإجماع
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصف المفارق -وهو المخالف- للجماعة، عندما اجتمعت الجماعة في أمرها وتوحدت، بأنه قد خلع رِبْقَة (¬1) الإسلام من عنقه، وهذا وعيد شديد لمرتكب هذا الفعل، وهو مخالفة الجماعة، فدل ذلك على وجوب اتباع الجماعة، وعدم مخالفتها ومفارقتها، وعلى اعتبار إجماعها وكونه حجة شرعية (¬2). المبحث الثالث: أنواع الإجماع المطلب الأول: أنواع الإجماع من حيث أهله القسم الأول: إجماع الأمة وهو الإجماع المطلق، والمقصود منه هو أن علماء الأمة أجمعوا على رأي موحد في مسألة ما، دون التقيد بطبقة معينة؛ أو بلد معين؛ أو زمن معين. وعلماء الأمة عبارة تشمل الصحابة والتابعين ومن أتى بعدهم من علماء وفقهاء الأمة رحمهم اللَّه تعالى (¬3). ومما ينبغي التنبيه عليه؛ أن علماء الأمة رحمهم اللَّه تعالى لم يختلفوا إجمالًا في إمكان وقوع الإجماع وتصور ذلك؛ سوى بعض الشيعة والمعتزلة، وخلافهم هنا غير معتبر (¬4). ¬
ولا يمتنع العلم بتحقق وقوع إجماع العلماء رحمهم اللَّه تعالى عقلًا ولا عادةً، خلافًا لما فُهم من كلام الإمام الشافعي، والإمام أحمد رحمهم اللَّه تعالى، وهناك شواهد فقهية دالة على مخالفتهما لما فُهم منهما، سيأتي بعضها في ثنايا البحث بالنسبة للإمام الشافعي. ففي كلام الإمام الشافعي رحمه اللَّه ما تُوهم أنه ينفي إمكان وقوع الإجماع، وهو ليس كذلك، فالذي يدل عليه سياق كلامه في مناظرةٍ له، تحدث فيها عن نقل الإجماع، هو أنه يتشدد في النقل، وأن الإجماع الذي هو حجة شرعية لا يحصل إلا في المسائل التي يعرفها العامة من المسلمين، التي هي من الأصول المعلومة من الدين بالضرورة، وأما ما سوى ذلك مما يدور بين الخاصة من أهل العلم؛ فإنه ليس فيه إلا عدم العلم بالمخالف، وهو ليس إجماعًا عنده، واللَّه تعالى أعلم. وسأنقل بعض كلامه لأهميته، فقد قال رحمه اللَّه: "نعم، نحمد اللَّه كثيرًا في جملة الفرائض التي لا يسع جهلها، فذلك الإجماع هو الذي لو قلت: أجمع الناس؛ لم تجد حولك أحدًا يعرف شيئًا يقول لك: ليس هذا بإجماع، فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيها، وفي أشياء من أصول العلم دون فروعه، ودون الأصول غيرها، فأما ما ادعيت من الإجماع، حيث قد أدركت التفرق في دهرك، وتحكي عن أهل كل قرن؛ فانظره أيجوز أن يكون هذا إجماعًا" (¬1). أما الإمام أحمد فقد روى عنه أنه قال: "من ادعى الإجماع فهو كاذب" (¬2)، ولذلك فُهم من هذه العبارة أنه ينكر إمكان وقوع الإجماع والعلم به، وقد أجاب عنها أهل العلم (¬3). يقول الإمام أحمد رادًّا على مدعٍ للإجماع في إحدى المسائل: "هذا كذب، ما علمه أن الناس مجمعون، ولكن يقول: لا أعلم فيه اختلافًا، فهو أحسن من قوله: ¬
إجماع الناس" (¬1). وعلّق عليه القاضي بقوله: "قال هذا على طريق الورع، نحو أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو قال هذا في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف" (¬2). وكلامه السابق فيه إشارة على أنه يقول بوقوع الإجماع؛ إلا أنه يتشدد فيه ورعًا، ويؤكد ذلك ورود استخدامه لعبارة الإجماع في مسائل فرعية (¬3). يقول ابن القيم عن أصول الفتوى لدى الإمام أحمد: "ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملًا، ولا رأيًا، ولا قياسًا، ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعًا، ويقدمونه على الحديث الصحيح، وقد كذَّب أحمد من ادعى هذا الإجماع، ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضًا نص في رسالته الجديدة على أن ما لا يعلم فيه بخلاف لا يقال له إجماع، ولفظه: "ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعًا" (¬4). وقال عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب، من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، ما يدريه، ولم ينته إليه؟ فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا. . . ولكنه يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، أو لم يبلغني ذلك (¬5). هذا لفظه، ونصوص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفًا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص؛ فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده" (¬6). * * * ¬
القسم الثاني: إجماع الصحابة
القسم الثاني: إجماع الصحابة لا شك أن أولى من يعتبر إجماعهم هم صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، الذين شهدوا الوحي وعاصروه، وهم أعلم الناس بالحلال والحرام وجميع أحكام الدين -رضوان اللَّه عليهم. ولذلك يقول الزركشي: "إجماع الصحابة حجة بلا خلاف بين القائلين بحجية الإجماع، وهم أحق الناس بذلك" (¬1). ويقول الإمام الشوكاني: "إجماع الصحابة حجة بلا خلاف" (¬2). وقد اختلف العلماء في إجماع من بعد الصحابة هل هو حجة؛ أو لا؟ على قولين: • الأول: أن الإجماع إجماع الصحابة دون من بعدهم. وروي هذا القول عن الإمام أحمد رحمه اللَّه في إحدى الروايتين عنه، وعليه سار بعض الحنابلة والظاهرية (¬3). يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: "الذي أنكره أحمد: دعوى إجماع المخالفين بعد الصحابة، أو بعدهم وبعد التابعين، أو بعد القرون الثلاثة المحمودة، ولا يكاد يوجد في كلامه احتجاج بإجماع بعد عصر التابعين أو بعد القرون الثلاثة، مع أن صغار التابعين أدركوا القرن الثالث، وكلامه في إجماع كل عصر إنما هو في التابعين" (¬4). • دليل هذا القول: أن الإجماع يشترط فيه اتفاق الكل، وتحقق العلم بذلك، وهذا لا يحصل إلا بالمشاهدة، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان المجمعون محصورين، كما هو الحاصل في عصر الصحابة دون من بعدهم، حيث من المُحال حصر العلماء المجتهدين في العالم، ومعرفة رأي كل واحد منهم، فيبقى أن الإجماع هو إجماع ¬
الصحابة دون من بعدهم (¬1). • القول الثاني: أن الإجماع حجة في كل العصور. وهذا قول الجمهور من علماء الأمة، وهو الأقرب إلى الصواب واللَّه أعلم، وعليه درج العلماء حتى علماء الحنابلة إجمالًا، وكل أدلة حجية الاحتجاج بالإجماع دالة عليه. ويمكن أن يوجه قول الإمام أحمد رحمه اللَّه بأنه يقصد أن الإجماع مراتب؛ أعلاها إجماع الصحابة، ثم من يليهم (¬2). وحمله القاضي أبو يعلى على أنه يقصد إذا انفرد تابعيٌ أو تابعه؛ فإن الإنسان مخير في ذلك -أي في الأخذ بذلك القول أو رده (¬3). وقال الطوفي الحنبلي بأن الرواية الأخرى للإمام أحمد رحمه اللَّه وهي الموافقة للجمهور -هي المشهورة عنه، وهي التي رجحها الطوفي نفسه (¬4). وقال في "مختصره للروضة" الذي شرحه: "لا يختص الإجماع بالصحابة، بل إجماع كل عصرٍ حجة" (¬5). وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي -بعد ذكره للرواية المذكورة والخلاف في المسألة: "ولنا -وهذه عبارة تدل على اختياره لهذا القول - ما ذكرناه من الأدلة على قبول الإجماع من غير تفريق بين عصر وعصر" (¬6). • دليل الجمهور: أن الأدلة الشرعية الواردة في حجية الإجماع لم تفرق بين إجماع الصحابة ومن بعدهم، وهذا التفريق يحتاج إلى دليل، والدليل غير موجود، فيبقى أن الإجماع حجة، وليس حجة في عصر دون عصر (¬7). ¬
القسم الثالث: إجماع أهل المدينة
وعلى هذا فالإجماع حجة في أي عصر كان، ولكن يمكن أن يقال بأن إجماع الصحابة أقوى درجة من إجماع من بعدهم بلا شك، فإجماعهم يدل على ثبات هذا القول وقوته أكثر مما لو اجتمع العلماء بعد عصرهم. القسم الثالث: إجماع أهل المدينة (¬1) والمقصود بهذا الإجماع: هو إجماع أهل المدينة في القرون المفضلة بعد عصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيما إذا خالفهم آخرون في أمر من أمور الاجتهاد (¬2). واشتهر الإمام مالك رحمه اللَّه بالقول بهذا النوع من الإجماع، وأكْثَرَ من الاستدلال به في الفروع الفقهية (¬3). وأحصى العلامة ابن القيم رحمه اللَّه ما ورد عنه في الاستدلال بإجماع أهل المدينة بنيِّف وأربعين مسألة (¬4). وقد قسم ابن القيم رحمه اللَّه عمل أهل المدينة إلى ثلاثة أقسام: أحدها: أن لا يُعلم أن أهل المدينة خالفهم فيه غيرهم. والثاني: ما خالف فيه أهل المدينة غيرهم. والثالث: ما فيه الخلاف بين أهل المدينة أنفسهم (¬5). فأما الأول: فهو بلا شك حجة؛ لأنه إما أن يكون إجماعًا لفظيًّا أو سكوتيًّا عند من يقول به. وأما الثاني: فهو محل النقاش والخلاف بين المالكية والجمهور. وأما الثالث: فليس بشيء؛ إذ أن قول البعض ليس بحجة على الآخرين. ¬
وهناك قسم قد يتوهم أن يكون نوعًا رابعًا لإجماع أهل المدينة، ولم يذكره ابن القيم رحمه اللَّه، وهو ما لو كان عمل أهل المدينة موافقًا لما كان عليه العمل في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعرفنا ذلك بطريق صحيح، فهو بهذا يرتفع ليصبح سنة تقريرية للمصطفى عليه الصلاة والسلام (¬1). فتبين أن الخلاف فيما إذا أجمع أهل المدينة على قولٍ خالفهم فيه آخرون. والصحيح -واللَّه أعلم- هو قول الجمهور، فيما اختلفوا فيه مع ما نسب إلى المالكية؛ إذ لا دليل على ما ادّعوه، بل هو قول المحققين من علماء المالكية أيضًا. • أدلة الجمهور: أولًا: قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: الآية 115]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى توعد من اتبع غير سبيل المؤمنين، وأطلق المؤمنين، بمعنى كل المؤمنين، وأهل المدينة ليسوا كل المؤمنين، فلا يوجد إجماع إذًا (¬2). ثانيا: أن من شروط الإجماع التي تجعله حجة شرعية غير متوفرة في إجماع أهل المدينة، فالاتفاق بين علماء الأمة لم يحصل، لمخالفة علماء الأمصار (¬3). • دليل المالكية: أن أهل المدينة أقوى اجتهادًا من غيرهم؛ لمشاهدتهم أحوال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعرفتهم بالوحي، وقربهم منه (¬4). • وجوابه: أن المدينة لو كانت جامعة للمجتهدين من الأمة لكان إجماعهم صحيحًا، وليست كذلك، وقول بعض الأمة ليس حجة على الآخرين (¬5). ومن علماء المالكية من قال: إنما أراد الإمام مالك بذلك ترجيح روايتهم على رواية غيرهم. ومنهم من قال: أراد به أن يكون إجماعهم أولى، ولا تمتنع مخالفتهم. ومنهم من قال: أراد بذلك أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6). ¬
المطلب الثاني: أنواع الإجماع من حيث النطق به وعدمه
المطلب الثاني: أنواع الإجماع من حيث النطق به وعدمه • أولًا: الإجماع الصريح أو اللفظي: ويقصد به: اتفاق مجتهدي الأمة في عصر ما، على حكم شرعي عن طريق إبداء كل منهم رأيه صراحةً (¬1). ويعرف ذلك من طريق الإبداء به قولًا، أو بالفعل، أو بأي طريقة تدل على الإقرار بذلك القول والرضا به. وهو ما سماه بعض علماء الحنفية الأصوليين بالعزيمة (¬2). وهذا القسم من الإجماع هو الذي يعتبر في المرتبة الثالثة بعد الكتاب والسنة؛ إذ لم يخالف فيه إلا من لم يحتج بالإجماع، أما الإجماع السكوتي ففي العمل به خلاف مشهور سيأتي، فهو لا يرتقي إلى مرتبة الأول مطلقًا. • ثانيًا: الإجماع السكوتي: ويقصد به: أن يعمل بعض المجتهدين في عصرٍ عملًا، أو يبدي رأيًا صريحًا في مسألة اجتهادية، ويسكت الباقي من المجتهدين بعد علمهم بذلك الرأي (¬3). وهو ما يسميه بعض علماء الحنفية بالرخصة (¬4). ولكي يكون الإجماع سكوتيًّا فيجب أن تتحقق فيه عدة شروط؛ هي: 1 - أن يكون السكوت مجردًا من جميع علامات الرضا والسخط؛ لأنه إن وجد ما ¬
يدل على الرضا كان من قبيل الإجماع الصريح لا الإجماع السكوتي، وإن وجد ما يدل على السخط لم يكن إجماعًا أصلًا. 2 - أن تبلغ المسألة جميع المجتهدين؛ لأنها إذا لم تبلغ الجميع لم يتحقق إجماع؛ لأنه لا يمكن نسبة الحكم إلى من يجهله. 3 - أن يمضي زمن يكفي للنظر والتأمل في تلك المسألة؛ لينقطع احتمال أنهم سكتوا لكونهم في مهلة النظر (¬1). واختلف العلماء في هذه المسألة، على ثلاثة أقوال إجمالًا: القول الأول: أنه حجة وليس إجماعًا. القول الثاني: أنه إجماع وحجة. القول الثالث: أنه ليس بإجماع (¬2). • أدلة القول الأول: أولًا: أن سكوت الساكتين من المجتهدين دليل على موافقتهم على القول المعلن الذي اشتهر عند الناس، وإلا كان سكوتهم كتمًا للحق وما يعتقدون صحته، وهذا لا يجوز، ويجب أن ينزه علماء الأمة عن ذلك (¬3). ثانيًا: أن اشتراط التصريح بالقول من كل المجتهدين شرط صعب المنال، ومن النادر تحققه، ومن المعتاد للناس أن يفتي البعض ويسكت الباقون لعدم الحاجة، إلا أن يكونوا مخالفين لما أُفتي به، فدل ذلك على أن سكوتهم إقرار منهم (¬4). ثالثًا: أن سكوت المجتهد عن التصريح بمخالفته للرأي المعلن لا يعني بالضرورة موافقته على ذلك، ولكن عند النظر إلى عموم المجتهدين؛ فإنهم لن يسكتوا كلهم إلا وهم موافقون، ولكن لوجود احتمال مخالفة البعض دون أن يصرحوا برأيهم، لأي سببٍ كان؛ دل ذلك على أن رتبة هذا الإجماع أقل من سابقه، نظرًا لتعرضه لاحتمال ¬
المطلب الثالث: أنواع الإجماع من حيث القطع والظن
النقض بالمخالفة، فكان ذلك إجماعًا قطعيًّا، وهذا حجة ظنية، واللَّه تعالى أعلم. • دليل القول الثاني: استدلوا بأدلة القول الأول، ولكنهم لم يراعوا تطرق الاحتمال إلى مخالفة البعض وسكوتهم لمراعاتهم آداب الخلاف أو أي سبب آخر، وهذا هو الجواب على استدلالهم (¬1). • دليل القول الثالث: أن قول المجتهد لا يعرف إلا من تصريحه، أو دليل على رضاه وإقراره؛ لأنه قد يسكت لرضاه، وقد يسكت لعدم اجتهاده في المسألة؛ أو توقفه؛ أو لخوفه من الجهر بالمخالفة؛ أو لأي سبب كان، وما دام قد تطرق الاحتمال بالدليل فقد سقط (¬2). • وجوابه: أن سكوت المجتهد بعد مدة يتمكن من خلالها النظر في المسألة، يدل على موافقته، وإلا لكان ذلك طعنًا في ديانته وعلمه؛ لأنه واجب عليه بيان الحق الذي يراه في المسألة، أما إذا كان يخاف من الجهر بالقول، فإنه إذا كان الخوف معتبرًا شرعًا، فإنه لا يتحقق الإجماع السكوتي؛ نظرًا لوجود أمر يضعف الظن بالموافقة، ومع كل ذلك فمثل هذه الاحتمالات هي التي تنزل مرتبة هذا الإجماع إلى الحجة الظنية دون القطعية (¬3). والظاهر -واللَّه أعلم- أن الإجماع السكوتي حجة يؤخذ به كدليل من الأدلة، ولكن ليس إجماعًا قطعيًا رافعًا للخلاف، وذلك لما ذُكر من الأدلة. المطلب الثالث: أنواع الإجماع من حيث القطع والظن • القسم الأول: الإجماع القطعي: يذكر العلماء لهذا القسم عددًا من الشروط، وهي كالتالي: 1 - أن تتوفر فيه جميع شروط الإجماع؛ المتفق عليها، والمختلف فيها أيضًا (¬4)، وذلك لأنه إذا اختل شرط من الشروط، حتى لو كان مختلفًا فيه؛ فإن هناك من يقول بعدم تحقق الإجماع، فلم يكن قطعيًّا بهذا. ¬
القسم الثاني: الإجماع الظني
2 - أن يكون نقله عن المجتهدين متواترًا (¬1)؛ لأن نقله بطريق الآحاد يفيد الظن لا القطع. 3 - أن يكون الإجماع مصرحًا به من قبل المجتهدين، لا أن يكون سكوتيًّا (¬2). 4 - أن يكون منقولًا على أصلٍ من أصول الفرائض، التي هي من المعلوم من الدين بالضرورة، التي يعرفها الخاصة والعامة من المسلمين (¬3). 5 - أن يكون مستند الإجماع دليلًا قطعيًّا، ويجتمعون على كونه قطعيًّا؛ لأن هناك من خالف في كون الإجماع على مستند ظني حجة (¬4). هذه الشروط الخمسة متى تحققت؛ أضحى الإجماع قطعيًّا، لا تجوز مخالفته مطلقًا، ومتى تخلف أحد الشروط؛ فإن هناك من يقول بأنه إجماع ظني (¬5). وهذا النوع من الإجماع قليل، ويكون في المسائل المشهورة كوجوب الصلاة والطهارة مثلًا. • القسم الثاني: الإجماع الظني: وهو ما اختل فيه أحد الشروط السابقة في القسم الأول؛ لوجود من يخالف في حصول الإجماع، أو قطعيته في هذه الحالة. ومن صور هذا الإجماع: الإجماع السكوتي (¬6)، والإجماع بعد الخلاف (¬7)، والإجماع دون انقراض العصر (¬8)، والإجماع الذي مستنده ظنيًّا (¬9)، وغير ذلك من المسائل المختلف فيها في باب الإجماع. وهذا النوع من الإجماع هو الغالب في الإجماعات التي في هذا الكتاب، فهي في الحقيقة ليست حجة قطعية على مخالفها إنما هي الظن، واللَّه أعلم. ¬
المبحث الرابع: ألفاظ الإجماع
المبحث الرابع: ألفاظ الإجماع تتعدد ألفاظ الإجماع بتعدد إطلاقات العلماء الذين ينقلون ويحكون الإجماع، وباختلاف تلك الإطلاقات عن بعضها البعض. وبعد التأمل والنظر نجد أنها تأتي على مراتب متفاوتة في القوة والضعف، ويمكن أن نجملها في التقسيم الآتي -وهي مُرتّبة من حيث القوة-: • أولًا: ألفاظ الإجماع الصريحة: وهذا القسم من مراتب ألفاظ الإجماع أعلى ألفاظ الإجماع وأقواها، وله عدة عبارات وإطلاقات يستخدمها العلماء رحمهم اللَّه تعالى، وهي لفظ الإجماع ومشتقاته، كقولهم: (أجمع العلماء؛ أجمعوا؛ إجماع؛ الإجماع؛ إجماعهم؛ مجمعون؛ مجمع عليه؛ إجماع المسلمين؛ إجماع أهل العلم؛ إجماع العلماء؛ إجماع الفقهاء؛ إجماع الأمة؛ إجماع أهل الملة؛ إجماع أهل القبلة؛ إجماع السلف). وهذه الإطلاقات بعضها أقوى من بعض، وإن كانت تدل على حكاية الإجماع كلها. فمثلًا: عبارة (أجمع المسلمون) أقوى من عبارة (أجمع السلف)؛ إذ إن الأولى يدخل فيها حتى المبتدعة الذين ابتدعوا في الدين، وخرجوا عن أهل السنة، ولكن بدعتهم التي ابتدعوها لم تصل إلى حد الكفر، وقد تصل إلى حد الفسق (¬1). وهنا مسألة يجب التنبيه عليها، وهي: أن عبارة (هذا لا يصح بالإجماع) لا تعتبر دالة على الإجماع؛ وذلك لأن العبارة تدل على معنيين؛ فقد تكون دالة على وقوع الإجماع على نفي الصحة، وقد تكون دالة على نفي وقوع الإجماع على الصحة. فلو قال عالم: "الوضوء بالنبيذ لا يصح بالإجماع"، فإن المعنى يحتمل أن يكون الإجماع على عدم صحة الوضوء بالنبيذ، وقد يكون يريد أن الإجماع لم يقع على صحة الوضوء بالنبيذ. ¬
ثانيا: ألفاظ الإجماع المقيدة
وكلا الأمرين محتمل، ولا ينزل المعنى على أحدهما إلا بوجود قرينة تدل على ذلك (¬1). وقد يكون المقصود بالإجماع إجماع الأئمة الأربعة فقط، دون النظر إلى مذهب الظاهرية أو العلماء الآخرين. وهذا منهج عددٍ من العلماء، منهم على سبيل المثال: الوزير ابن هبيرة، وابن رشد في "البداية"، وغيرهما. • ثانيًا: ألفاظ الإجماع المقيَّدة: وهذا إذا كان الإجماع منسوبًا إلى عصر من العصور، كأن يقال: (أجمع الصحابة)؛ أو (أجمع التابعون)؛ أو (بإجماع أهل القرون المفضلة)، فإن هذا الإجماع صحيح، من حيث إن الإجماع معتبر، سواء كان في زمن الصحابة؛ أو من بعدهم أو في العصور المتأخرة، على التفصيل في ذلك؛ كما بيناه فيما سبق (¬2). ولكن إن قيد الإجماع بالعصر الذي يعيش فيه ذلك العالم، كأن يقول: (بإجماع العلماء في عصرنا) فإن هذا قد يفيد بوجود الخلاف في السابق، مما يفقده صحة الإجماع عند من يشترط انقراض العصر لصحة الإجماع (¬3). • ثالثًا: الألفاظ المفيدة للإجماع: كثيرًا ما يعبر العلماء عن الإجماع بلفظ الاتفاق أو نفي الخلاف بين العلماء في المسألة. ولكن يعتبر هذان اللفظان أقل درجة من الألفاظ التي تنص على الإجماع صراحة، حيث قد يكون المراد منها معاني أخرى غير إجماع العلماء الاصطلاحي، كما سنبين ذلك -بإذن اللَّه تعالى. ¬
1 - الاتفاق
1 - الاتفاق: الاتفاق مرادف للإجماع، ولذا يعرّف الإجماع بالاتفاق (¬1)، وهو من معانيه في اللغة أيضًا، يقال: أجمعوا على الأمر اتفقوا عليه (¬2). • وقد يطلق هذا اللفظ بعدة إطلاقات، منها: (اتفق العلماء؛ اتفقت الأمة؛ اتفق المسلمون؛ اتفق أهل الملة؛ باتفاق العلماء؛ بالاتفاق؛ باتفاقهم؛ متفق عليه؛ . .). وهذه العبارات تتفاوت فيما بينها، فعبارة (اتفق العلماء)، أو (اتفق المسلمون) أو نحوها؛ أقوى مما لو كانت مطلقة، مثل: (متفق عليه)؛ أو (بالاتفاق)؛ أو (باتفاقهم). فالعبارات الأولى أكثر صراحة في الدلالة على الإجماع من الأخيرة، حيث قد تكون (الأخيرة) يقصد بها الاتفاق المذهبي أو قول الجمهور من العلماء. وإن كان التعبير بالاتفاق عمومًا أقل درجة من التعبير بلفظ الإجماع. ولذلك يقول الإمام ابن حزم رحمه اللَّه: "وليعلم القارئ لكلامنا أن بين قولنا: لم يجمعوا، وبين قولنا: لم يتفقوا فرقًا عظيمًا" (¬3)، عبر بهذا في آخر كلامه في كتابه "مراتب الإجماع". فقد يختار بعض العلماء لفظ الاتفاق دون الإجماع؛ وذلك لأنه لم يطمئن كثيرًا على عدم وجود مخالف. 2 - نفي الخلاف في المسألة: تستخدم عبارة نفي الخلاف عند الإطلاق للدلالة على الإجماع. وقد يحصل هذا بعدة عبارات منها: (لا خلاف في هذا بين المسلمين)؛ (بلا خلاف بين الأمة)؛ (بلا خلاف بين السلف)؛ (بلا خلاف بين الصحابة)؛ (بلا خلاف بين العلماء)؛ (بلا نزاع بين العلماء)؛ (بلا نزاع بين الفقهاء)؛ (بلا خلاف)؛ أو مثل ¬
العبارات السابقة، ولكن النفي يكون مقيدًا بنفي العلم بالخلاف فقط، مثل: (بلا خلاف نعلمه)؛ (لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء)، وهكذا. وهذه أضعف من النوعين السابقين من عبارات نقل الإجماع، وهي أيضًا متفاوتة في القوة، فالجزم بنفي الخلاف أقوى بلا شك في نفي العلم بالخلاف؛ إذ إن نفي العلم قد يعني أنه غير متأكد من عدم وجود المخالف، وقد يكون متشككًا من ذلك. ثم إن تقييد نفي الخلاف بأنه بين العلماء أو الفقهاء أو الصحابة أو نحو ذلك أقوى وأصرح مما لو لم يقيده؛ إذ قد يفهم منه نفي الخلاف بين علماء مذهبه الفقهي الخاص. هذا وقد حصل خلاف بين أهل العلم في عبارة نفي الخلاف؛ هل تعتبر إجماعًا أو لا؟ فقيل: إن نفي الخلاف يعد إجماعًا. وهو ما يظهر من كلام ابن عبد البر، حيث استخدم عبارة نفي الخلاف، ثم استخدم لفظ الإجماع في نفس المسألة وفي نفس السياق، حيث قال: "ولم يختلف العلماء فيما عدا المني من كل ما يخرج من الذكر؛ أنه نجس، وفي إجماعهم على ذلك ما يدل على نجاسة المني المختلف فيه" (¬1). • وقيل: إن نفي الخلاف لا يعد إجماعًا. • وقيل بالتفصيل في ذلك؛ فإن كان العالم ممن يعرف الخلاف والإجماع ويحفظه؛ فإنه يُقبل منه، وإن لم يكن هذا العالم كذلك؛ فلا يقبل منه (¬2). يقول الإمام أحمد رادًّا على مدعٍ للإجماع في إحدى المسائل: "هذا كذب، ما عِلْمه أن الناس مجمعون، ولكن يقول: لا أعلم فيه اختلافًا، فهو أحسن من قوله: إجماع الناس" (¬3). وعلّق عليه القاضي بقوله: "قال هذا على طريق الورع، نحو أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو قال هذا في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف" (¬4). وقد التزم بهذا الورع عدد من العلماء، منهم ابن قدامة رحمه اللَّه، فهو قليلًا ما يعبر ¬
بالإجماع، بل يعبر بعدم علمه بالخلاف. ويقول الإمام ابن القيم عن أصول فتوى الإمام أحمد، معلقًا على مسألتنا: "ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملًا، ولا رأيًا، ولا قياسًا، ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعًا، ويقدمونه على الحديث الصحيح، وقد كذَّب أحمد من ادعى هذا الإجماع، ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضًا نص في رسالته الجديدة على أن ما لا يعلم فيه بخلاف لا يقال له إجماع، ولفظه: "ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعًا" (¬1). وقال عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب، من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، ما يدريه، ولم ينته إليه؟ فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا، . .، ولكنه يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، أو لم يبلغني ذلك (¬2)، هذا لفظه، ونصوص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفًا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص؛ فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده" (¬3). وقد عبّر النووي بعدم الاعتداد بنفي العلم بالخلاف، فقال: "لا أعرف فيه خلافًا ولا يلزم من عدم معرفته عدم الخلاف" (¬4)، قال هذا رادًّا على قول الشيرازي بنفي العلم بالخلاف في مسألة أقل الطهر في الحيض (¬5). ولكن جرت عادة العلماء على الاعتداد بمثل هذه العبارة ونقلها، وإن لم تكن في قوة العبارة الصريحة بالإجماع (¬6). خاصة إذا تحققنا من عدم نقل الخلاف عن أحد من العلماء في المسألة، كما هو العمل في هذه الرسالة. ¬
المبحث الخامس: الألفاظ ذات الصلة
المبحث الخامس: الألفاظ ذات الصلة كثيرًا ما تستخدم ألفاظ الإجماع لأغراض أخرى، ليس المقصود منها حكاية الإجماع، وهي تأتي بصيغ متعددة. من هذه الصيغ: 1 - قد يُستخدم لفظ الإجماع منسوبًا ومقيدًا بأهل بلد ما، كأن يقال: (أجمع أهل المدينة)؛ أو (أهل الحجاز)؛ أو (علماء نيسابور)؛ أو غير ذلك من البلدان؛ فإن ذلك لا يكون معتبرًا، باستثناء الخلاف في إجماع أهل المدينة، وقد سبق تفصيل في ذلك (¬1)؛ إذ أن أهل بلدٍ ما ليسوا بحجة على أهل بلد آخرين، وليس هذا من الإجماع في شيء. وقد يستخدم مقيدًا بالجمهور أو الأكثر، فيقال: (أجمع الجمهور)؛ أو (اتفق الجمهور)؛ أو (لا خلاف بين جمهور العلماء)؛ أو (أجمعوا إلا أبا حنيفة أو أحمد)، كل هذه العبارات وإن كانت تستخدم ألفاظًا للإجماع أحيانًا؛ إلا أنها لا تدل عليه، بل إلى قول الأكثر والأغلب، وهو قول الجمهور، وليس إجماعًا؛ لأنه يفهم من هذه العبارات أن هناك من العلماء من خالف الجمهور في هذه المسألة. 2 - هناك الكثير من العلماء من يعبر بلفظ الاتفاق، ويقصد به الاتفاق داخل المذهب الفقهي، الذي ينتسب إليه ذلك العالم. يقول العيني: "الماء المستعمل ثلاثة أنواع: نوع طاهر بالإجماع، . .، ونوع نجس بالاتفاق" (¬2)، فوصف الأول بأنه مجمع عليه، والثاني بأنه متفق عليه، فدل على تمييزه بينهما، والذي يظهر من خلال كتابه أنه يريد بالأول الإجماع الاصطلاحي، والثاني الاتفاق المذهبي. ويقول الحطّاب المالكي: "والمراد بالاتفاق اتفاق أهل المذهب، وبالإجماع إجماع العلماء" (¬3). ¬
وكذلك مصطلح نفي الخلاف من باب أولى، فقد جرت عادة بعض العلماء على استخدامه على نفي الخلاف داخل المذهب، الذي ينتمي إليه ذلك العالم (¬1). 3 - هناك عبارة (وفاقًا)، وهي في الغالب تدل على الوفاق داخل المذهب، بل لم أجد من صرح بها وهو يريد الاتفاق بمعنى الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. وأحيانًا تدل على وفاق بقية المذاهب الفقهية الأربعة غير مذهب المؤلف؛ غير أنها لا تدل على الإجماع، كما هو منهج عدد من الكتب المذهبية (¬2). 4 - هناك عبارات تدل أحيانًا على الإجماع، إلا أنها ضعيفة فيه، وغالبًا ما يقصد بها مذهب الجماهير، ومنها: (عامة أهل العلم)؛ (أهل العلم كافة)؛ (سائر العلماء)؛ (الفقهاء على كذا)؛ (جماعة أهل العلم)؛ (جميع العلماء)؛ (جميعهم)؛ (اجتمع العلماء)؛ (مجتمع عليه)؛ (اجتمعوا) (¬3)، وسأذكرها في ثنايا هذا المشروع من باب الاعتضاد فقط، وليس من باب الاستقلال. 5 - الألفاظ التي تدل على تصريح بعض المجتهدين بالإجماع وسكوت الباقين، وهذا القسم هو ما يسمى بالإجماع السكوتي، أو ما يسمى بالرخصة عند بعض علماء الحنفية، وقد سبقت الإشارة إليه فيما مضى، وشروط اعتباره، والخلاف فيه (¬4). ولهذا القسم عبارات، منها: (وهذا قول فلان من العلماء أو الصحابة ولم يعرف له مخالف)؛ أو (وهذا قول فلان، وقد اشتهر عنه هذا القول ولم ينكره أحد)، ونحو هذه العبارات. وهذه الحكاية للإجماع تعتبر حجة شرعية على الأرجح -كما سبق بيانه- يجب الأخذ بها، خاصة إذا تحققنا من عدم وجود قول مخالف، بالبحث في كتب المذاهب الفقهية المختلفة. ¬
المبحث السادس: مستند الإجماع
المبحث السادس: مستند الإجماع • المستند: هو الدليل الذي ارتكز عليه المجتهدون، الذين أجمعوا على رأيٍ واحد، في مسألة من المسائل. • ومستند الإجماع إما أن يكون نصًّا شرعيًّا، وإما أن يكون غير ذلك. فإن كان نصًّا من الكتاب أو السنة، أكسبه الإجماع رفع كل الاحتمالات التي قد تضعف دلالة النص على المسألة؛ إذ أن الإجماع ينفي كل الاحتمالات الأخرى، فلا يحتمل النسخ ولا التأويل. وإن كان ليس نصًّا، وكان ذلك من القياس (¬1)، اكتسب من الإجماع عدم المنازعة في صحته وسلامته من القادح (¬2). هذا وقد اختلف الأصوليون في مستند الإجماع؛ هل هو شرط للإجماع أم لا؟ • القول الأول: أنه يشترط للإجماع أن يكون له مستند. وهذا قول جماهير العلماء، وهو الراجح. • القول الثاني: أنه لا يشترط للإجماع أن يكون له مستند، فيجوز انعقاد الإجماع من غير مستند، وذلك بأن يوفقهم اللَّه تعالى لاختيار الصواب، من غير أن يكون لهم مستند، أو دليل يستندون إليه. وهذا قول ضعيف، قال به بعض أهل العلم. • دليل القول الراجح: 1 - قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. • وجه الدلالة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يقول قولًا ولا يحكم حكمًا إلا بالوحي، فكذلك علماء الأمة يجب أن لا يجمعوا على حكم إلا من خلال دليل قد استندوا عليه (¬3). ¬
2 - قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]. • وجه الدلالة: أن الإجماع دون مستند شرعي قول على اللَّه تعالى بغير علم، وعلماء الأمة منزهون عن ذلك (¬1). • دليل القول الثاني: استدلوا بالوقوع، كإجماع العلماء على جواز أجرة الحجام، فقالوا: إن الواقع يثبت عددًا من الإجماعات التي لا يعرف لها دليل (¬2). • وجوابه: أن عدم معرفة الدليل لا يعني عدمه، وقد لا يعرفه عالم أتى بعد الإجماع، وقد يعرفه آخر. وهناك مسألة أخرى، وهي: هل يشترط أن يكون الإجماع مستندًا على دليل قطعي، أو أنه يجوز أن يكون ظنيًّا؟ اختلف العلماء في هذه المسألة (¬3) على قولين: القول الأول: أن الدليل الظني يجوز أن يكون مستندًا للإجماع، وهو مذهب الجمهور، وهو الراجح. القول الثاني: أن الإجماع يجب أن يستند إلى دليل قطعي، ولا يجوز أن يستند إلى دليل ظني، وهو قول بعض أهل العلم. • دليل القول الراجح: 1 - أن الدليل الظني يوجب العمل، وإن كان لا يوجب القطع واليقين؛ إلا أن غلبة الظن توجب العمل (¬4). 2 - أن أدلة حجية الإجماع تدل على الاحتجاج بالإجماع عمومًا، ولم تفرق بين إجماع مستند لدليل قطعي وإجماع مستند لظني، فما دام وقع إجماع فإنه يكون حجة، ¬
المبحث السابع: مسائل في الإجماع
وإن كان عن دليل ظني (¬1). • دليل القول الثاني: أن الإجماع حجة شرعية توجب العلم القطعي، ولا يجوز أن يثبته إلا دليل قطعي (¬2). • وجوابه: أنا لا نسلم أن الإجماع يوجب العلم القطعي دائمًا (¬3)، بل هناك إجماعات ظنية (¬4). المبحث السابع: مسائل في الإجماع المطلب الأول: في حكم الإجماع بعد الخلاف إذا اختلف العلماء في عصر من العصور في مسألةٍ ما، ثم اتفقوا بعد ذلك على قولٍ واحد، فهل يكون اتفاقهم هذا إجماعًا يمنع الخلاف؛ أو لا؟ • اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين (¬5): القول الأول: أن اتفاقهم بعد الخلاف يكون إجماعًا يمنع الخلاف في المسألة، ولا تجوز مخالفته، وهو الراجح. القول الثاني: أن اتفاقهم بعد الخلاف لا يكون إجماعًا، وتجوز مخالفته. • دليل القول الراجح: أن الأدلة الموجبة لحجية الإجماع عامة في كل إجماع، سواء كان هذا الإجماع ابتداءً أو بعد الخلاف (¬6). • دليل القول الثاني: قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]. ¬
المطلب الثاني: في الإجماع على أقل ما قيل في المسألة
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب الرد إليه وإلى رسوله عليه الصلاة والسلام عند التنازع، والنزاع قد حصل، فلم يجز الانتقال عن موجب أمر الآية (¬1). • جوابه: أن الآية في المسألة الخلافية، أما وقد وقع الإجماع؛ فإن الخلاف قد رفع (¬2). ولكن يبقى أن كل الإجماعات التي وقعت بعد اختلاف ليست قطعية، وليست حجة على من يرى عدم حجية هذا الإجماع، ويجب أن يتنبه لهذا الأمر عند مناقشة المسائل التي هي من هذا القبيل. المطلب الثاني: في الإجماع على أقل ما قيل في المسألة إذا اختلف العلماء في مسألةٍ ما على أقوال متفاوتة، فيها الأكثر والأقل، فإن القول المُثْبِت للأقل يعتبر مجمعًا عليه، من حيث ثبوت الأقل دون نفي الزيادة، والأصوليون يبحثون مسألة الأخذ بالإجماع في إثبات القول بأقل ما قيل في المسألة، وأنا هنا لا أريد بحث هذه المسألة، فهي مسألة أصولية خلافية مشهورة (¬3)، وإنما أريد الإشارة إلى أن العلماء لم يختلفوا في أن القول بأقل ما قيل في المسألة مجمع عليه من حيث ثبوت هذا الأقل، دون نفي الزيادة التي قالت بها الأقوال الأخرى. فالعلماء اختلفوا في دية اليهودي مثلًا على أقوال؛ فمنهم من قال: إنها مثل دية المسلم، وقيل: النصف، وقيل: الثلث. فالقول بلزوم الثلث مجمع عليه من حيث ثبوت هذا الثلث، لا من حيث نفي الزيادة. ولذلك يقول الإمام الغزالي معلقًا على هذه المسألة: "فإن المجمع عليه وجوب هذا القدر، ولا مخالف فيه، وإنما المختلف فيه سقوط الزيادة" (¬4). ويقول الآمدي: "فوجوب الثلث مجمع عليه، ولا خلاف فيه، وأما نفي الزيادة فغير مجمع عليه" (¬5). ¬
المطلب الثالث: في ححم مخالفة الواحد والاثنين من العلماء في المسألة
وقد يكون الإجماع على أكثر ما قيل في المسألة، بأن يُنظر في أقوال العلماء أيها أكثر أو أعلى، فيكون الإجماع على عدم الزيادة على ذلك. فالقول بأن دية اليهودي كدية المسلم، هذا أكثر ما قيل في المسألة، فلا يجوز بهذا أن يقال بأن ديته أكثر من دية المسلم بحال. يقول ابن رشد في أقل مدة الطهر: "وقيل: سبعة عشر يومًا، وهو أقصى ما انعقد عليه الإجماع فيما أحسب" (¬1)، فهذه الحكاية للإجماع مبنية على الإجماع على أكثر ما قيل. وقد أشرت إلى هذا المعنى؛ لأن كثيرًا من الإجماعات التي يحكيها العلماء هي من هذا القبيل، وأكثر من يتخذ هذا المنهج في حكاية الإجماع هو الإمام ابن حزم رحمه اللَّه في "مراتب الإجماع"، وستأتي مناقشة ذلك في الحديث عن منهجه إن شاء اللَّه تعالى (¬2). المطلب الثالث: في ححم مخالفة الواحد والاثنين من العلماء في المسألة إذا أجمع العلماء على رأي واحدٍ في مسألةٍ ما، مع مخالفة عالم أو اثنين من العلماء، فإن العلماء اختلفوا في هذه المسألة، هل تعتبر إجماعية؛ أو أن هذا الخلاف ينقض الإجماع؟ وقبل أن أذكر الخلاف، فأحب أن أشير إلى مسألة مهمة في هذا الباب، وهي ما لو خالف أحدٌ الأئمةَ الأربعةَ؛ أصحابَ المذاهب، فهل يعتبر خلافه هذا داخلًا في مسألتنا؛ أو لا؟ وأهم من ذلك إذا خالف أحدهم في قولٍ مرويٍ عنه، أو وجه من الأوجه عنه. في الحقيقة لم أجد من تحدث عن هذه المسألة بخصوصها، ولكن يبدو -واللَّه تعالى أعلم- أنها ليست من أمثلة مسألتنا؛ فالإمام المتبوع كأبي حنحفة أو الشافعي إذا خالف في مسألة ما، فإن خلافه هذا ليس محصورًا به فقط، بل تبعه عليه عدد من أهل العلم من أتباعه الحنفية أو الشافعية مثلًا، وهكذا لو كان ذلك برواية عنه فقط، ويلتحق بهم خلاف أبي يوسف ومحمد بن الحسن من أئمة الحنفية، كل ذلك لأن خلافهم ¬
يعني خلاف جمع من أهل العلم من أتباعهم. ويلتحق بهذا خلاف ابن حزم رحمه اللَّه؛ لما له من أتباع قد نعلمهم وقد لا نعلمهم. أما إذا خالف أحد العلماء المستقلين أو اثنان منهم إجماعَ البقية، فما حكم هذا الخلاف؟ • اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال (¬1): • القول الأول: أن خلاف الواحد والاثنين ينقض الإجماع، ويجعله غير حجة، وهو قول الجمهور. يقول الإمام النووي: "الإجماع لا ينعقد إذا خالف من أهل الحل والعقد واحد، وهذا هو الصحيح المشهور، وخالف فيه بعض أصحاب الأصول" (¬2). • القول الثاني: أن خلاف الواحد والاثنين لا ينقض الإجماع، وهو قول بعض العلماء. • القول الثالث: أن خلاف الواحد ينقض الإجماع إذا ساغ الاجتهاد فيما ذهب إليه، بأن كان له مستند من الدليل، وهو الراجح. وكلام الإمام الشاطبي كأنه يميل إلى هذا القول، حيث يقول: "وإنما يعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة، كانت مما يقوى أو يضعف، وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل أو عدم مصادفته فلا" (¬3). وذكر في موضع آخر أن من الخلاف ما لا يعتد به، وذكر منه ما كان من الأقوال خطأ مخالفا لمقطوع به في الشريعة (¬4). وهو اختيار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه اللَّه فيما يظهر من كلامه (¬5). • دليل القول الراجح: 1 - قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]. ¬
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بالرد إلى الكتاب والسنة عند التنازع، وهو موجود في هذه حالة مسألتنا، سواء كان بخلاف واحد أو أكثر، وما دام كذلك فلا إجماع (¬1). 2 - أن العقل يجوِّز الخطأ على هذه الأمة، وإنما نُفي عنها الخطأ بالشرع، والشرع نفاه عنها في حال الإجماع، وهو غير موجود هنا، فيبقى الخلاف مانعًا من حجية الإجماع (¬2). وهذا فيما إذا سوِّغ له الاجتهاد، فأما إذا لم يُسوَّغْ له الاجتهاد، بأن كان مصادمًا لنصٍّ أو لم يدل عليه دليل؛ فإنه لا ينقض الإجماع لشذوذه، بأن كان مصادمًا للنص (¬3). • دليل القول الأول: مثل ما استدل به أصحاب القول الراجح، ولكنهم لم يفصلوا فيما إذا كان الاجتهاد سائغًا أو لا. • وجوابه: أن مخالفة الواحد والاثنين فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد مثل مخالفة العامي أو أشد، فهو قد اجتهد فيما ليس له الاجتهاد فيه، فهو كالجاهل أو العامي، فلا ينبغي اعتماد اجتهاده. • دليل القول الثاني: أن الصحابة لما استخلفوا أبا بكر -رضي اللَّه عنه-؛ انعقدت خلافته بإجماع الحاضرين، ومعلوم أن من الصحابة من كان غائبًا، وقد اعتبر ذلك إجماعًا (¬4). • وجوابه: أن الخلافة انعقدت بمن بايع من الصحابة، وليس من شرطها الإجماع، ثم إن إجماعهم لو كان شرطًا، فإنه يشترط له حضور البقية، وهم غير موجودين (¬5). * * * ¬
المطلب الرابع: في حكم مخالفة الظاهرية
المطلب الرابع: في حكم مخالفة الظاهرية اختلف العلماء في خلاف الظاهرية، هل يقدح في صحة الإجماع، وينفي حجيته؛ أو لا؟ • القول الأول: أن خلاف الظاهرية لا يعتد به، ولا ينقض الإجماع. يقول أبو بكر الرازي رحمه اللَّه عن الظاهرية: "وأمثال هؤلاء لا يعتد بخلافهم، ولا يؤنس بوفاقهم" (¬1). ويقول ابن عبد البر: "فما أرى هذا الظاهري إلا قد خرج عن جماعة العلماء من السلف والخلف، وخالف جميع فرق الفقهاء، وشذ عنهم، ولا يكون إمامًا في العلم من أخذ بالشاذ من العلم" (¬2). واختار هذا القول الإمام النووي رحمه اللَّه، وصرح به في عدة مواضع من كتبه، يقول في موضعٍ منها: "ومخالفة داود لا تقدح في الإجماع عند الجمهور، واللَّه أعلم" (¬3). وقد أنكر عليه الإمام الشوكاني رحمه اللَّه إنكارًا شديد اللهجة، لأجل هذا الأمر، فقال: "وعدم الاعتداد بخلاف داود؛ مع علمه وورعه، وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه، من التعصبات التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى والعصبية، وقد كثر هذا الجنس في أهل المذاهب، وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين، فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة فهي بالنسبة إلى مقالات غيره المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبالغة، فإن التعويل على الرأي وعدم الاعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر، وأما داود؛ فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر وحملوه عليه هي في غاية الندرة" (¬4). وهو اختيار الحافظ العراقي أيضًا، يقول رحمه اللَّه: "إن أهل الظاهر ليسوا من العلماء، ¬
ولا من الفقهاء، فلا يعتد بخلافهم، بل هم من جملة العوام وعلى هذا جل الفقهاء، والأصوليين، ومن اعتد بخلافهم إنما ذلك؛ لأن من مذهبه أنه يعتبر خلاف العوام، فلا ينعقد الإجماع مع وجود خلافهم، والحق أنه لا يعتبر إلا خلاف من له أهلية النظر والاجتهاد، على ما يذكر في الأصول" (¬1). وهو قول ابن العربي رحمه اللَّه، حيث يقول عن قول من قال بأن غسل الرأس لا يجزئ عن المسح: "وهذا تولُّج في مذهب الداودية الفاسد من اتباع الظاهر، المبطل للشريعة، الذي ذمه اللَّه تعالى في قوله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم: 7]، وكما قال: {أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} [الرعد: 33] " (¬2). ونقل القرطبي هذه العبارة عنه (¬3). وهو قول العيني، حيث يقول: "وداود لا يعتبر خلافه في الإجماع، ولا يصح ذلك شريعة" (¬4). وقد حرصت على نقل عبارات العلماء لإثراء البحث، ولأهمية المسألة، فهي تبين أن هؤلاء العلماء لا يعتبرون خلاف الظاهرية، وبالتالي يؤثر في إجماعاتهم التي يحكونها، أو ينقلونها ويقرونها. • القول الثاني: أن خلاف الظاهرية يعتد به، ولا يُحتج بإجماعٍ خالف فيه أهل الظاهر. • دليل القول الأول: أن الظاهرية لا يعملون بالقياس، ومن شروط المجتهد معرفة القياس، فهم كالعوام، والعوام لا يعتبر قولهم في الإجماع (¬5). • وجوابه: أنه يلزمهم بهذا عدم اعتبار قول منكر العموم وخبر الواحد، ولا قائل بهذا إلا من شذّ (¬6). • دليل القول الثاني: أن علماء الظاهرية جزء من علماء الأمة، وفيهم العلماء الكبار كداود وابن حزم رحمهم اللَّه تعالى، ولا يجوز استثناؤهم من الأمة إلا أن يقال بكفرهم، وهذا لا يقول به أحد، فيجب الأخذ بقولهم. ¬
المطلب الخامس: في حكم مخالفة أهل البدع
والراجح واللَّه تعالى أعلم أن خلافهم معتبر فيما إذا لم يصادم القياس الجلي، وما صادم القياس الجلي فلا عبرة به، نحو قولهم: أن البول في الماء القليل الراكد من غير المتوضئ لا يفسده، ويجوز الوضوء والشرب منه (¬1)، قالوا ذلك جمودًا على ظاهر النص، فما كان كذلك فلا يعتدّ به، وهذا جمع بين القولين، واللَّه تعالى أعلم. المطلب الخامس: في حكم مخالفة أهل البدع المقصود بالخلاف في قبول قول المجتهد المبتدع: هو من كانت بدعته غير مكفرة، أما المكفرة؛ فإنه لا عبرة به بلا خلاف (¬2). اختلف العلماء في انعقاد الإجماع مع مخالفة المجتهد المبتدع (¬3)، هل يعتبر قوله ناقضًا للإجماع؛ أو لا؟ • القول الأول: أن مخالفة المجتهد المبتدع معتبرة، ولا ينعقد الإجماع دونها. • القول الثاني: أن مخالفة المبتدع غير معتبرة، وينعقد الإجماع دونها. وقد اختار هذا القول أغلب الفقهاء في كتب الفروع، ولأهمية الموضوع فسأنقل عددًا من عباراتهم هنا؛ لأنني لم أجد من وثّق كلام الأصوليين بكلام الفقهاء في المسألة، فقد يتكلم الأصوليون في المسألة، ولا يعني ذلك التزام الفقهاء بكلامهم في الفروع، وهذا مبني على منهج المتكلمين في الأصول. يقول ابن حزم في مخالفة الأزارقة (¬4) من الخوارج: "أما امتناع الصلاة والصوم والطواف والوطء في الفرج في حال الحيض فإجماع متيقن مقطوع به، لا خلاف بين ¬
أحد من أهل الإسلام فيه، وقد خالف في ذلك قوم من الأزارقة حقهم ألا يعدوا في أهل الإسلام" (¬1). وفي مخالفة المعتزلة للإجماع يقول الكاساني: "ومنها - أي من نواقض الوضوء - النوم مضطجعًا في الصلاة أو في غيرها بلا خلاف بين الفقهاء، وحكي عن النظّام أنه ليس بحدث، ولا عبرة بخلافه لمخالفته الإجماع، وخروجه عن أهل الاجتهاد" (¬2). ويقول النووي: "وحكى أصحابنا عن الشيعة أن تقديم اليمنى واجب، لكن الشيعة لا يعتد بهم في الإجماع" (¬3)، وقال في موضع آخر، في مسألة المسح على الخفين: "وإنما أنكرته الشيعة والخوارج، ولا يعتد بخلافهم" (¬4). وهو لا يعتد بالمتكلمين أيضًا، يقول: "ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف، على المذهب الصحيح، الذي عليه جمهور أهل الأصول، من أصحابنا وغيرهم، لا سيما في المسائل الفقهيات" (¬5). ويقول ابن عابدين عن الشيعة: "ولا عبرة بخلاف الرافضة" (¬6). • دليل القول الأول: 1 - قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل هذه الأمة شهداء على الناس وحجة عليهم، لكونهم وسطًا، والوسط هو العدل، والفاسق ببدعة أو معصية ليس كذلك، فلا يعتد بهم في الإجماع (¬7). 2 - قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]. • وجه الدلالة: أن سبيل أهل الضلال والبدعة ليس سبيل المؤمنين، فلم يجز أن يكون سبيلهم معتبرًا، وهو خارج عن سبيل المؤمنين (¬8). ¬
• دليل القول الثاني: 1 - قوله تعال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]. • وجه الدلالة: أن المجتهد المبتدع داخل في قوله: {الْمُؤْمِنِينَ}؛ لكونه من المسلمين المؤمنين، ولو فسق ببدعته، فلم يجز انعقاد الإجماع دونه (¬1). 2 - قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" (¬2). • وجه الدلالة: أن المجتهد المبتدع داخل في الأمة، ولا يجوز انعقاد الإجماع دونه ما دام مسلمًا (¬3). والأقرب -واللَّه تعالى أعلم- هو الجمع بين القولين، وهو أن قول المبتدعة فيما خالفوا فيه أهل السنة من أقوال في الأصول غير معتبر، وكذا الفروع المبنية على بدعتهم في الأصول، وإلا انهدم الإسلام كله بحجة اعتبار قولهم. أما أقوالهم التي هي غير مبنية على خلافهم العقائدي لأهل السنة والحق؛ فإنهم يعتبرون من جملة الأمة، ويعتبر قولهم في ذلك، واللَّه تعالى أعلم (¬4). وبهذا جمعنا بين أدلة الفريقين، فالأدلة الدالة على عدم اعتبار أقوالهم؛ لبدعتهم أو فسقهم بالبدعة، نخرج بها قولهم في بِدَعِهم، والأدلة الدالة على اعتبار قولهم؛ لكونهم من الأمة، ندخل بها قولهم في غير بِدَعِهم، واللَّه تعالى أعلم. أما الشيعة والخوارج الغلاة الذين يكفرون الصحابة، فإنه لا عبرة بأقوالهم مطلقًا، وذلك لمخالفتهم لأصل الإسلام، وذلك أنهم لا يؤمنون بما نقل من السنة النبوية عن طريق الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، فالمخالفة هنا هي في أصل الإسلام، ومنهجهم في الفقه مختلف تمامًا عن أهل السنة، فهو يختلف في الأصول والفروع، وفي منهج التلقي والاتباع، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
المبحث الثامن: مناهج العلماء في حكاية الإجماع
المبحث الثامن: مناهج العلماء في حكاية الإجماع سأتحدث في هذا المبحث عن مناهج العلماء الذين التزمت بكتبهم في بحث مسائل الإجماع في باب الطهارة، وهم من أهم العلماء الذين يعتنون بحكاية الإجماع والاهتمام به. وقبل البدء بالمناهج الخاصة بكل عالم، هناك ملاحظات عامة، تنبهت لها أثناء البحث، ومنها: 1 - أن الإجماعات التي تأتي في سياق الاستدلال والنقاش للخلاف الفقهي غالبًا ما تكون تعبيرًا عن قول الجمهور، ويظهر هذا جليًّا لدى ابن عبد البر (¬1)، والنووي (¬2)، وابن تيمية (¬3). 2 - أن الكتب المذهبية تستخدم عبارة الاتفاق ونفي الخلاف، وتقصد بذلك المذهب الفقهي الخاص، وسيأتي نقاش لهذا في ثنايا الحديث عن مناهج العلماء. 3 - أن كثيرًا من الإجماعات المبثوثة في الكتب إنما ترجع إلى عددٍ قليل من العلماء الكبار، الذين يعتنون بحكاية الإجماع، كالترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن حزم، وابن عبد البر، وابن هبيرة، وابن رشد، والنووي، وابن تيمية، وأغلب الحكايات للإجماع لا تخرج عن هؤلاء رحمهم اللَّه تعالى، وأحيانا يُذكر ذلك عند النقل، وقد لا يُذكر، وتوصّلت إلى هذا بالتتبع، وسوف يأتي مزيد بيان لهذا في الحديث عن المناهج. أما مناهج العلماء في حكاية الإجماع؛ فسأتحدث عن كل عالم وحده، في الشيء الذي لاحظته من خلال كتابه الذي اعتمدته، ولا أذكر إلا ما تميز به، وسأتحدث عنهم بالترتيب حسب الوفاة: ¬
1 - الإمام الشافعي (204 هـ) من خلال كتابه "الأم"
1 - الإمام الشافعي (204 هـ) من خلال كتابه "الأم": لم أجد له إلا القليل من العبارات، وقد ورد عنه عدم اعتماده لعبارة نفي العلم بالخلاف، مع أنه استخدمها في كل عباراته التي وجدتها إلا واحدة (¬1)، وهذا لا يعني أنه يعتبرها إجماعًا، وسبق نقاش ذلك (¬2)، ولم أجده حكى إجماعًا واحدًا بلفظ الإجماع أو الاتفاق. 2 - الإمام الترمذي (279 هـ) من خلال كتابه "السنن": الترمذي كثيرًا ما يستخدم عبارة: (والعمل على هذا عند أهل العلم)، وهي من عبارات الإجماع الضعيفة، إلا أنني وجدته استخدم عبارة الإجماع في موضع (¬3)، وعبارة (عامة) أحيانًا. وأقوى عباراته: الإجماع، ثم لفظ (عامة) حيث أكده بنفي الخلاف بعده، فقال في موضع: "وقد روي عن عائشة من غير وجه، أن الحائض لا تقضي الصلاة، وهو قول عامة الفقهاء؛ لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة" (¬4). وقال أيضًا: "وهو قول عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافًا في ذلك، بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئًا من المسجد" (¬5). 3 - الإمام ابن جرير الطبري (310 هـ) من خلال كتابه "جامع البيان": غالبًا ما يستخدم عبارة الإجماع، بل لم أجده استخدم غيرها، وهو من العلماء المتقدمين الذين يعتنون بنقل الإجماع، وكثيرًا ما ينقل عنه المتأخرون حكاياته للإجماع كما سيأتي. 4 - الإمام ابن المنذر (318 هـ) من خلال كتابه "الإجماع": الإمام ابن المنذر رحمه اللَّه من أشهر العلماء الذين يحكون الإجماع، وهو أول من صنف فيه كتابًا في الفروع الفقهية، وهو لا يستخدم فيه غالبًا إلا عبارة الإجماع، ¬
5 - الإمام ابن حزم (456 هـ) من خلال كتابيه "مراتب الإجماع"، و"المحلى"
واستخدم في موضعٍ من كتابه "الأوسط" عبارة (كالإجماع) (¬1)، إلا أنها لا تعني الإجماع؛ لأن الإجماع يفتقر إلى الجزم (¬2). وابن المنذر يعتبر من المتساهلين في حكاية الإجماع، ولذا يقول الإمام ابن القيم: "وهذه عادة ابن المنذر؛ أنه إذا رأى قول أكثر أهل العلم حكاه إجماعًا" (¬3). 5 - الإمام ابن حزم (456 هـ) من خلال كتابيه "مراتب الإجماع"، و"المحلى": ابن حزم أحد أكثر العلماء شهرة في هذا المجال، حيث إنه قد صنف كتابًا في الإجماعات الفقهية، وهو مراتب الإجماع، سار فيه على أبواب الفقه كلها، يذكر ما وجده من اتفاقات فقهية فرعية. وقد بيّن كثيرًا من منهجه في مقدمة كتابه الآنف الذكر. وقد وجدت أنه في مسألةٍ حكى فيها الاتفاق في المراتب، ثم خالف هو هذا الاتفاق في "المحلى" (¬4)، وهذا لا شك أنه وهم منه رحمه اللَّه أو نسيان، وهو مما يتعرض له البشر بطبيعتهم. ثم إن ابن حزم له منهج غريب في حكاية الاتفاق في كتابه "المراتب"، وقد قسم الإجماع إلى طرفين: الأول: وهو الإجماع المعروف. الثاني: "هو ما اتفق جميع العلماء على أن من فعله أو اجتنبه؛ فقد أدى ما عليه من فعل أو اجتناب؛ أو لم يأثم، فسمى هذا القسم الإجماع الجازي" (¬5). وفي هذا القسم الثاني إشكال، فهو يحكي الاتفاق على مسألة، بقيود أكثر من المسألة الأصلية، ثم يقول: إن من فعل هذا فقد أدى ما عليه، ومنهجه في هذه القيود أنه يستثني بكل قيدٍ قولًا في المسألة؛ حتى يخرج خلافه منها، فهي أشبه بحكاية الخلاف في المسائل المستثناة أكثر منه حكايةً للإجماع. ¬
6 - الإمام ابن عبد البر (463 هـ) من خلال كتابه "الاستذكار"
وقد أحصيت مسألة ذكر فيها ستة وأربعين قيدًا (¬1)، كل قيد منها يشكّل مسألة مستقلة، وأكثر ما يقال عن هذه الاتفاقات التي يحكيها رحمه اللَّه أنها نوع من الإجماع على أقل ما قيل في المسألة، ولكن دون الوصف الثاني لهذا النوع من الإجماع، وهو نفي الزيادة، ومن هذا الوجه تختلف عن الإجماع على أقل ما قيل، الذي يبحثه الأصوليون. وفي رسالتي هذه لم أعتمد هذه الاتفاقات، حيث إنها في الحقيقة حكاية للخلاف في الاستثناءات لا للإجماع. والإمام ابن حزم رحمه اللَّه من أكثر العلماء اطلاعًا على الخلاف، ولذا فإن إجماعاته التي بلفظ الإجماع قليلًا ما تخطئ، وهذا يدل على تفريقه بين اللفظين، ولذلك يقول: "وليعلم القارئ لكلامنا أن بين قولنا: لم يجمعوا، وبين قولنا: لم يتفقوا فرقًا عظيمًا" (¬2)، إلا أنني وجدته في مسألة استخدم العبارتين فيها (¬3). ومما يُذكر هنا أنه سبقت الإشارة إلى أن ابن حزم لا يعتبر قول المبتدعة ناقضًا للإجماع في حال مخالفتهم (¬4). 6 - الإمام ابن عبد البر (463 هـ) من خلال كتابه "الاستذكار": الإمام ابن عبد البر من العلماء الكبار، العارفين بالخلاف والاجماع، وهو ممن اشتهر عنه حكاية الإجماع، وكثيرًا ما ينقل العلماء عنه حكاياته للإجماع. ومما تميز به ابن عبد البر أن له عبارات خاصة به، واختيارات أصولية بنى عليها منهجه في ألفاظه وحكاياته للإجماع، فهو كثيرًا ما يستخدم لفظ (اجتمع العلماء) أو (مجتمع عليه)، وهي لفظة لا تدل على الإجماع الأصولي على الأظهر، فهي تدل على قول الجمهور. فقد عبر بعدها في موضعٍ بلفظ الإجماع في نفس المسألة، مما يدل على أنهما ¬
7 - الإمام البغوي (516 هـ) من خلال كتابه "شرح السنة"
مختلفتان عنده، حيث يقول: "واجتمعوا على أن الجشاء ليس فيه وضوء بإجماع" (¬1). وكثيرًا ما يصف قول الجمهور بالإجماع، أو يقول (أجمع الجمهور)، وهذا مبني على اختياره أن قول الجمهور نوع من الإجماع. ففي مسألة الغسل من التقاء الختانين، والخلاف فيها بين الصحابة معروف، يقول: "ولكنا نقول: إن الاختلاف في هذا ضعيف، وأن الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم من السلف والخلف انعقد إجماعهم على إيجاب الغسل من التقاء الختانين" (¬2). وسبق الإشارة إلى أن ابن عبد البر إذا حكى الإجماع في سياق الاستعراض للأقوال، والاستدلال للمسائل والنقاش لها؛ فغالبًا ما يكون إجماعه في السياق حكاية عن قول الجمهور (¬3). وقد يحكي الإجماع في المسألة، ونجد خلافًا داخل مذهبه المالكي (¬4). وسبق ذكر كونه يستخدم عبارة نفي الخلاف والإجماع في نفس المسألة، مما يدل على اعتداده بعبارة نفي الخلاف للإجماع. 7 - الإمام البغوي (516 هـ) من خلال كتابه "شرح السنة": وجدت للإمام البغوي أربع عشرة عبارة في مجال رسالتي، عشرٌ منها بلفظ الاتفاق، وأربع بلفظ (عامة) وهي من عبارات الإجماع الضعيفة، وقد بحثتها اعتضادًا لا استقلالًا. وأغلبها كانت في المسائل المشهورة، التي اشتهر فيها الاتفاق، واللَّه تعالى أعلم. 8 - الإمام ابن العربي (543 هـ) من خلال كتابه "عارضة الأحوذي": العلامة ابن العربي من العلماء المتفننين في علوم شتى، وهو ممن يحفظ الخلاف ¬
9 - الإمام ابن هبيرة (560 هـ) من خلال كتابه "الإفصاح"
والإجماع، غير أنني لم أجد له سوى تسعة عشر إجماعًا في باب الطهارة، منها أحد عشر لم أجد فيها مخالفًا، وكانت حكايته متحققة، وثمانية حكاياتٍ لم يتحقق فيها ما ادعاه. وقد سبق رأيه في خلاف الظاهرية. 9 - الإمام ابن هبيرة (560 هـ) من خلال كتابه "الإفصاح": ابن هبيرة رحمه اللَّه من المشهورين بحكاية الإجماع لدى الفقهاء، ولكن الصحيح أنه لا يحكي الإجماع الاصطلاحي، الذي هو حجة لا تجوز مخالفته، وذلك لأنه ينقل إجماع الأئمة الأربعة فقط، وإذا حكى الخلاف فإنه يقتصر على خلافهم فقط. ويدل لذلك منهجه في حكاية الإجماعات، فهو لا يذكر غيرهم، ثم إنه صرح بذلك في مقدمة كتابه فقال: "رأيت أن أجعل ما أذكره من إجماع مشيرًا به إلى إجماع هؤلاء الأربعة، وما أذكره من خلاف مشيرًا إلى الخلاف بينهم" (¬1). وقد يطلق الإجماع، ويكون في مذهبه هو خلاف (¬2). ويبدو أنه لا يفرق بين الإجماع والاتفاق، ولذا نجده يذكر الإجماع ثم يستثنيه، فيقول: أجمعوا على كذا إلا أبا حنيفة، أو اتفقوا على كذا إلا مالكًا، مما يدل على عدم تفريقه بينهما (¬3). وقد بحثت له ستًّا وستين مسألة -مشتركًا مع غيره ومنفردًا- ذكرها في باب الطهارة، خمسون مسألة كانت نتيجتها تحقق الإجماع، والبقية كانت غير متحققٍ فيها الإجماع. 10 - الإمام الكاساني (587 هـ) من خلال كتابه "بدائع الصنائع": يلاحظ على الكاساني رحمه اللَّه أنه كثيرًا ما يعبر بالإجماع وهو يريد الإجماع المذهبي فيما يظهر، حيث إنه أحيانًا يتحدث عن الخلاف داخل المذهب، دون أي ذكر لغيره، في سياق حكاية الإجماع، وأحيانًا يكون يتحدث عن مسائل دقيقة، يستحيل معرفة الإجماع الصريح فيها، ثم يحكي فيها الإجماع؛ مما يدل على أنه يريد المذهب (¬4)، واللَّه تعالى أعلم. ¬
11 - الإمام ابن قدامة (620 هـ) من خلال كتابه "المغني"
وهذا الأمر يتكرر في بعض كتب الحنفية، واللَّه تعالى أعلم. وقد بحثت له إحدى وعشرين مسألة، ثمان مسائل كانت نتيجتها تحقق الإجماع، والبقية لم يتحقق؛ مما يؤكد ما سبق ذكره؛ من أنه يريد بالإجماع المذهبَ، واللَّه تعالى أعلم. وتعبيره رحمه اللَّه بنفي الخلاف يقصد به المذهب بلا إشكالٍ عندي، واللَّه تعالى أعلم (¬1). ومن الملاحظ على الإمام الكاساني رحمه اللَّه؛ أنه لا يذكر خلاف الإمام أحمد إلا نادرًا، ففي كتاب الطهارة كاملًا لم يذكره إلا مرة واحدة، وعدَّه من أصحاب الحديث لا من الفقهاء (¬2)، مما يدل على أنه لا يهتم بمعرفة رأيه في المسائل، وأن إجماعاته مذهبية. وسبق ذكر رأي الكاساني في خلاف المبتدعة (¬3). 11 - الإمام ابن قدامة (620 هـ) من خلال كتابه "المغني": اشتهر ابن قدامة رحمه اللَّه بورعه في ذكر الإجماع، فهو غالبًا لا يعبر بلفظ الإجماع، بل يعبر بعبارة: (لا أعلم فيه خلافًا)، وكثيرًا ما ينقلها عنه علماء المذهب الحنبلي. وفي باب الطهارة، وجدت أنه استخدم لفظ الإجماع قليلًا (¬4). وأحيانًا ينفي الخلاف في المسألة، ونجد خلافًا داخل مذهبه (¬5). وعندما يستخدم عبارة (بلا خلاف)، غير المقيدة بما يدل على أنها تريد العموم لا المذهب، فيظهر أنها في المذهب، ولا يريد بها النفي العام (¬6)، واللَّه تعالى أعلم. ¬
12 - الإمام القرطبي (671 هـ) من خلال كتابه "التفسير"
وقد استقصيت نصف مسائل الرسالة، فوجدت أنني بحثت له ثمانٍ وخمسين مسألة، ستٌّ وثلاثون منها كانت النتيجة تحقق الإجماع فيها، والبقية فيها خلاف، والسبب في كثرة المسائل التي وُجد فيها الخلاف؛ هو أنني أوردت كل ألفاظه في البحث، بما فيها عبارة (لا خلاف) غير المقيدة بما يدل على أنها تريد العموم لا المذهب، مما جعل المسائل الخلافية كثيرة، واللَّه تعالى أعلم. 12 - الإمام القرطبي (671 هـ) من خلال كتابه "التفسير": القرطبي رحمه اللَّه كثيرًا ما ينقل إجماعات غيره، بإشارة أحيانًا، ودونها أخرى، فينقل عن ابن عبد البر كثيرًا، ودون إشارة غالبًا (¬1)، وينقل عن ابن المنذر (¬2)، وعن ابن جرير (¬3)، ودون إشارة أيضًا. 13 - الإمام النووي (676 هـ) من خلال كتابه "المجموع": تكاد تكون رسالتي هذه في النووي رحمه اللَّه، فهو يعتني بالإجماع كثيرًا في كتابه "المجموع"، وإن لم يحكِ أو ينقل إجماعًا في المسألة، فلا يخلو الأمر غالبًا من أن يفيد في المسألة بخلاف أو عدمه. وهو عالم متبحر في الخلاف والاستدلال له، استفدت منه كثيرًا رحمه اللَّه. وقد سبق إشارة إلى منهجه في بعض المسائل، كخلاف المبتدعة، والظاهرية، وعدم جعْله نفي العلم بالخلاف إجماعًا، واعتداده بخلاف الواحد ناقضًا للإجماع، وأن إجماعاته إذا كانت في سياق الاستدلال للخلاف غالبًا ما تكون قول الجمهور. أما عبارات النووي بنفي الخلاف؛ أو الاتفاق المجرد من قرينة العموم، فإنها مذهبية (¬4)، أما إذا قيد عبارته بأنه لا خلاف بين العلماء أو الفقهاء؛ أو باتفاق العلماء، فهو يعني الإجماع (¬5). وللتدليل على الكلام السابق، فقد قال النووي: "ولو وهب له ثمن الماء لم يلزمه ¬
قبوله -أي للتيمم- بالاتفاق، ونقل إمام الحرمين الإجماع فيه" (¬1)، قالها بعد أن تحدث عن المذهب. وقال أيضًا: "قال أصحابنا: إذا غلط في نية الوضوء، فنوى رفع حدث النوم، وكان حدثه غيره؛ صح بالاتفاق" (¬2)، فيدل السياق أنه يريد المذهب. وانظر مسألة: (الماء الذي دون القلتين لا يطهر بأخذ بعضه) (¬3)، حيث حكى الاتفاق في المسألة، وخالفه الجمهور. ونفى الخلاف في المسألة في "شرح مسلم"، ثم وجدت أنه في "المجموع" ينقل الخلاف فيها، مما يؤكد أنه يقصد المذهب فقط. فقد قال عن التثليث في غسل البدن: "فإذا استحب فيه -الوضوء- الثلاث؛ ففي الغسل أولى، ولا نعلم في هذا خلافًا؛ إلا ما انفرد به الإمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي، صاحب "الحاوي" من أصحابنا، فإنه قال: لا يستحب التكرار في الغسل، وهذا شاذ متروك" (¬4). وظاهر من كلام النووي أنه يريد بعدم الخلاف أي في المذهب الشافعي، ويؤكد ذلك أنه لم يذكر شيئًا من ذلك عند بحثه للمسألة في "المجموع"، بل قال: "المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور، . . " (¬5)، ثم ذكر مسألتنا، وهذا لفظ صريح بوجود الخلاف، ثم أخذ ينقل عن فقهاء المذهب الشافعي، ولم يتطرق لغيرهم، إلا أن ابن حجر (¬6)، والشوكاني (¬7) لم يتنبَّها لهذا المعنى، ولم يريَا كلامه هذا، ونقلا نفي الخلاف في المسألة، واللَّه أعلم. كما إنه نقل الإجماع في موضع، ثم حكى الخلاف في موضع آخر (¬8). ¬
14 - الإمام القرافي (684 هـ) من خلال كتابه "الذخيرة"
وقد بحثت عددًا من المسائل التي حكى فيها النووي الاتفاق، وتركتها إثراء للبحث، ولأنني بحثتها قبل أن أتوصل إلى هذه النتيجة، وبعض هذه الاتفاقات كانت في الآداب، ولم أجد فيها مخالفًا، كما في باب الاستنجاء مثلًا. وكذا بعض عبارات نفي الخلاف، مثل مسألة: (طهارة الماء المتغير بمجاورة دون مماسة). 14 - الإمام القرافي (684 هـ) من خلال كتابه "الذخيرة": القرافي رحمه اللَّه من أئمة الفقه المالكي، ولم يعتنِ في كتابه المذكور بالخلاف المقارن، إلا أنه يشير إليه أحيانًا. وقد بحثت له ثمانِ عشرة مسألة، منها خمس لم يتحقق فيها الإجماع. 15 - الإمام ابن تيمية (728 هـ) من خلال كتبه التالية: " نقد مراتب الإجماع" لابن حزم؛ "مجموع الفتاوى"؛ "جامع الرسائل"؛ "مجموعة الرسائل والمسائل"؛ "مختصر الفتاوى المصرية" (¬1). شيخ الإسلام ابن تيمية هو من أفراد زمانه في العلم ومعرفة الخلاف والوفاق، وأهم كتاب له في هذا الباب هو "نقد مراتب الإجماع لابن حزم"، فقد نقد على ابن حزم المسائل التي رأى أن حكايته للاتفاق أو الإجماع فيها غير صحيحة. وابن تيمية يستخدم عبارة (بلا نزاع) أحيانًا، والذي يظهر أنه يريد بها المذهب الحنبلي (¬2). وقد سبق ذكر منهجه في إجماعاته التي تكون في سياق الخلاف والاستدلال له، حيث غالبًا ما تكون قول الجمهور. ولذا؛ فقد وجدته حكى إجماعًا في مسألة أثناء مناقشة الخلاف، ثم خالف فيه هو رحمه اللَّه (¬3) ¬
16 - الإمام ابن القيم (751 هـ) من خلال كتابيه "زاد المعاد"، و"إعلام الموقعين"
وقد بحثت له اثنتين وسبعين مسألة، منها عشرون لم يثبت فيها الإجماع، واللَّه تعالى أعلم (¬1). 16 - الإمام ابن القيم (751 هـ) من خلال كتابيه "زاد المعاد"، و"إعلام الموقعين": ابن القيم رحمه اللَّه من بحور العلم الزاخرة، وكنت آمل أن أجد له حكايات كثيرة؛ إلا أنني لم أجد له سوى ثنتين في "إعلام الموقعين"، كانت نتيجتهما تحقق الإجماع. 17 - الإمام ابن حجر (852 هـ) من خلال كتابه "فتح الباري": ابن حجر من العلماء الكبار، والحفاظ المتقنين، وهو من المطلعين على الخلاف والوفاق أيضًا، وكثيرًا ما ينقل الإجماع عن غيره، فنقل عن غيره ستًّا وثلاثين إجماعًا، بينما لم يحكِ سوى أربعة عشر إجماعًا كانت نتيجتها تحقق الإجماع، وثمانِ إجماعات لم يتحقق الإجماع فيها، فالمجموع هو اثنان وعشرون. ثم هو ينقل أحيانًا إجماعات النووي دون أن يشير لذلك (¬2). 18 - الإمام العيني (855 هـ) من خلال كتابه "البناية": العيني من علماء الحنفية الكبار، وهو من حفاظ الحديث أيضًا، ولكن كتابه "البناية" في الفقه الحنفي المذهبي، ويذكر الخلاف غالبًا، ويستدل له وينقاش. ومن منهجه أنه يفرق بين الإجماع والاتفاق في الاستعمال، فمثلًا؛ يقول: "الماء المستعمل ثلاثة أنواع؛ نوع طاهر بالإجماع، . .، ونوع نجس بالاتفاق" (¬3)، فوصف الأول بأنه مجمع عليه، والثاني بأنه متفق عليه، فدل على تمييزه بينهما، والذي يظهر من خلال كتابه؛ أنه يريد بالأول الإجماع الاصطلاحي، والثاني الاتفاق المذهبي. ويؤكد ذلك عبارته الآتية: "لو أمنى بعد البول أو النوم لا غسل عليه بالاتفاق، وعند الشافعي يجب في الحال. . " (¬4)، فقد حكى الخلاف بعد ذكر الاتفاق في نفس السياق، ذكر ذلك بعد نقله خلافًا بين أبي حنيفة ومحمد، وبين أبي يوسف. ¬
19 - الإمام ابن الهمام (861 هـ) من خلال كتابه "فتح القدير"
وهو يستفيد من النووي في كتابه هذا، وينقل عنه كثيرًا، دون أن يصرح (¬1). وقد سبق ذكر رأيه في خلاف الظاهرية. بحثت له في رسالتي سبعًا وثلاثين مسألة، منها إحدى عشرة مسألة لم يثبت فيها الإجماع. 19 - الإمام ابن الهمام (861 هـ) من خلال كتابه "فتح القدير": وجدت أن ابن الهمام يعبر بالإجماع أحيانًا، ويظهر أنه يريد به المذهب بدليل السياق، فهو يناقش الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه في المسألة، ثم ينقل صورة أخرى قريبة ويحكي فيها الإجماع، ويبدو أنه يريد الإجماع منهم (¬2). ووجدته ينقل حكاية الإجماع عن غيره أحيانًا دون إشارة (¬3). بحثت له ثمان مسائل، منها ثلاث مسائل لم يتحقق فيها الإجماع. 20 - الإمام ابن نجيم (970 هـ) من خلال كتابه "البحر الرائق": قد يستخدم ابن نجيم مصطلح الإجماع ويريد به المذهب، ولذلك وجدته عبر به في مسألة خلافية مشهورة، حكى الإجماع فيها وحده، بينما عبر عدد من علماء الحنفية بالاتفاق، ويريدون به المذهب مما يقوّي كونه يستخدم لفظ الإجماع في المذهب (¬4). وينقل إجماعات النووي دون إشارة (¬5)، وكذا ينقل عن ابن حجر (¬6)، وابن الهمام دون إشارة أيضًا (¬7). وسبق ذكر رأي ابن نجيم في مخالفة المبتدعة. ¬
21 - الإمام الشربيني (977 هـ) من خلال كتابه "مغني المحتاج"
21 - الإمام الشربيني (977 هـ) من خلال كتابه "مغني المحتاج": لا يكاد الشربيني يذكر إجماعًا إلا وقد حكاه النووي، وينقله دون إشارة، ولم أجده انفرد بشيء من الإجماعات عن النووي، وكتابه مذهبيٌّ في الفقه الشافعي، والإجماع فيه نادر. بحثت له عشرين مسألة، منها خمس مسائل لم يتحقق فيها الإجماع. وينقل أحيانًا عن ابن المنذر، والمتولي، والماوردي، خصوصًا إذا نقله عنهم النووي. 22 - الإمام الصنعاني (1182 هـ) من خلال كتابه "سبل السلام": بحثت له إحدى وعشرين مسألة، منها ثلاث مسائل لم يتحقق فيها الإجماع، ولم أجده ينقل عن غيره كثيرًا. 23 - الإمام الشوكاني (1250 هـ) من خلال كتابه "نيل الأوطار": الشوكاني رحمه اللَّه كثيرًا ما ينقل إجماعات النووي، ولكنه لا يشير غالبًا (¬1)، وينقل كثيرًا عن ابن حجر أيضًا، ودون إشارة غالبًا (¬2). وقد يحكي إجماعات خاصة به، لم أجد من حكاها غيره. وسبق ذكر رأي الشوكاني في خلاف الظاهرية. 24 - الشيخ ابن قاسم (1392 هـ) من خلال "حاشيته على الروض المربع": ابن قاسم رحمه اللَّه لم يكن له إجماعات مستقلة، بل أغلب ما يذكره من الإجماعات هي منقولة عن غيره، وكثيرًا ما ينقل إجماعات ابن المنذر، وابن هبيرة، والنووي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن حجر، والشوكاني. وكثيرًا ما ينقل إجماعات "الشرح الكبير" ويترك "المغني"؛ وذلك لأن ترتيب "الشرح" و"الروض" واحد، وأنا أعتبر نقله هذا عن ابن قدامة صاحب "المغني"، حيث إنه من المعلوم أن صاحب "الشرح" قد وضع "المغني" على "المقنع"، ونقله بعد ¬
استئذان صاحب "المغني"، وكل ما فيه فهو كلام صاحب "المغني" إلا زيادات قليلة، واللَّه تعالى أعلم. وقد يقع في الوهم رحمه اللَّه، فمثلًا؛ نقل حكاية النووي (¬1) الإجماع على جواز الوضوء بفضل المرأة، وهو وهْمٌ منه، بل حكاه في مسألتين قريبتين، وهما: (جواز وضوء الرجال والنساء من إناء واحد)، ومسألة: (فضل وضوء الرجل طاهر) (¬2). وقد ينقل ولا يشير رحمه اللَّه (¬3). * * * ¬
الباب الأول: مسائل الإجماع في باب المياه
الباب الأول: مسائل الإجماع في باب المياه [1 - 1] وجوب الطهارة للصلاة: الطهارة واجبة لمن أراد أداء الصلاة، وعلى ذلك إجماع المسلمين، نقل الإجماع في هذه المسألة عدد من أهل العلم (¬1). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "أجمع أهل العلم على أن الصلاة لا تجزئ إلا بطهارة، إذا وجد المرء إليها السبيل" (¬2). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع أهل الأرض قاطبة من المسلمين، على أن صلاة التطوع لا تجزئ إلا بطهارة من وضوء، أو تيمم، أو غسل، ولا بد" (¬3). وهذا في صلاة التطوع ففي صلاة الفرض من باب أولى. ويقول أيضًا: "واتفقوا على أن كل من صلى قبل تمام فرض وضوئه، أو تيممه إن كان من أهل التيمم؛ أن صلاته باطلة، ناسيًا كان أو عامدًا، إذا أسقط عضوًا كاملًا" (¬4). الغزالي (505 هـ) حيث يقول: "ويعرف فوات الشرط، إما بالإجماع، كالطهارة في الصلاة، . . " (¬5). ابن العربي (543 هـ) حيث يقول عن شرط الطهارة للصلاة: "وهي من شرائط الأداء، لا من شرائط الوجوب بإجماع الأمة" (¬6). ويقول: "وقد اجتمعت الأمة على وجوب الوضوء" (¬7). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "أجمعوا على أن الصلاة لا تصح إلا بطهارة، إذا وجد السبيل إليها" (¬8). ¬
النووي (676 هـ) حيث يقول: "لأن النافلة آكد من هذه الأشياء - يريد قراءة القرآن واللبث بالمسجد -، فإنها تفتقر إلى الطهارة بالإجماع" (¬1). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "مسألة فيما تجب له الطهارتان: الغسل، والوضوء، وذلك واجب للصلاة بالكتاب، والسنة، والإجماع، فرضها ونفلها" (¬2). ويقول أيضًا: "وقد أجمع المسلمون على وجوب الطهارة للصلاة" (¬3). القرافي (684 هـ) حيث يقول في سياق استدلاله على وجوب إزالة الخبث: "ولأن البول تتعلق به طهارة حدث وطهارة خبث، والأولى واجبة إجماعًا، . . " (¬4)، وهو يريد أنها واجبة لأداء الفريضة. ويقول: "ويدل على وجوب الطلب - للماء - إلى حين الصلاة، أن الوضوء واجب إجماعًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بغسل أعضاء الوضوء عندما يقوم الإنسان للصلاة، والأمر إنما يكون للوجوب، فدل ذلك على وجوب الوضوء للصلاة (¬7). 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقبل صلاة من أحدث ¬
[2 - 2] مشروعية الطهارة بالماء
حتى يتوضأ" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نص على مسألة الباب بالمطابقة (¬2)، فلا تقبل صلاة بغير طهور.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف، وهذه المسألة تعتبر من المعلوم من الدين بالضرورة، والإجماع فيها قطعي، واللَّه تعالى أعلم. [2 - 2] مشروعية الطهارة بالماء: هذه المسألة من المعلوم من الدين بالضرورة، ولا يختلف فيهما اثنان من أهل الإسلام، وقد نُقل فيها الإجماع من عددٍ من العلماء، وهناك ما يدل عليها في المسائل الأخرى، وكثير من مسائل الباب تدل عليها، إما بالتضمن (¬3) أو الالتزام (¬4). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الوضوء بالماء جائز" (¬5). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "أما من الإجماع؛ فلا يختلف اثنان من أهل الإسلام، في أن كل متوضئ؛ فإنه يأخذ الماء فيغسل به ذراعيه من أطراف أصابعه إلى مرفقه، وهكذا كل عضو في الوضوء. .، " (¬6). وهذا فيه إشارة لما نحن بصدده. ويقول أيضًا: "أجمعت الأمة على أن استعمال الماء الذي لم يُبَلْ فيه، ولا كان سؤر حائض، ولا كافر، ولا جنب، ولا من شراب، ولا من غير ذلك، ولا سؤر حيوان غير الناس، وغير ما يؤكل لحمه، ولا خالطته نجاسة، وإن لم تظهر فيه أو ظهرت، على ¬
اختلافهم فيما ينجس من حيوان أو ميت، ولا كان آجنًا متغيرًا من ذاته، وإن لم يكن من شيء حله، ولا مات فيه ضفدع ولا حوت، ولا كان فضل متوضئ من حدث أو مغتسل من واجب، ولا استعمل بعد، ولا توضأت منه امرأة ولا تطهرت منه، ولم يشمس، ولا سخن، ولم يؤخذ من بحر ولا غصب، ولا أدخل فيه القائم من نومه يده قبل أن يغسلها ثلاثًا، ولا حل فيه شيء طاهر فخالطه، غير تراب عنصره فظهر فيه، ولا بل فيه خبز، ولا توضأ فيه ولا به إنسان، ولا اغتسل، ولا وضأ شيئًا من أعضائه به - فيه الوضوء والغسل، حلوًا كان أو مرًّا، أو ملحًا أو زعاقًا، ففرض على الصحيح الذي يجده ويقدر على استعماله ما لم يكن بحضرته نبيذ. . " (¬1). ويقول أيضًا: "وأجمعوا أن من توضأ وتطهر بالماء كما وصفنا، وإن كان بحضرته نبيذ تمر فقد أدى ما عليه" (¬2). الغزالي (505 هـ) حيث يقول: "والطهورية مختصة بالماء من بين سائر المائعات، أما في طهارة الحدث فبالإجماع" (¬3). نقله عنه النووي (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الطهارة تجب بالماء، على كل من لزمته الصلاة، مع وجوده" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7). • مستند الإجماع: الأدلة كثيرة على هذه المسألة، أكتفي باثنين: 1 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حدد الوضوء بالماء، وحدد العدول عنه بعدم وجوده، فدل ذلك بالالتزام على وجوب الوضوء بالماء، وفيه المشروعية وزيادة، واللَّه أعلم. 2 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}. . . الآية [المائدة: 6]. ¬
[3 - 3] طهارة الماء المضاف إلى مقره
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بغسل الأعضاء قبل الصلاة، والغسل لا يكون إلا بالماء؛ فدل ذلك على مشروعية الوضوء بالماء.Rأن الإجماع متحقق، وحكم المسألة من المعلوم من الدين بالضرورة، وأغلب المسائل في باب المياه تدل عليه بالتضمن أو الالتزام، واللَّه تعالى أعلم. [3 - 3] طهارة الماء المضاف إلى مقره: المياه التي تضاف إلى مقرها التي هي فيه، وتنسب إليه، كمياه الأنهار والآبار والعيون، مياه طاهرة بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على أن جميع أنواع المياه طاهرة في نفسها، مطهرة لغيرها، إلا ماء البحر، فإن فيه خلافًا في الصدر الأول شاذًّا" (¬1)، والمياه المضافة لمقرها هي من أنواع المياه. ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "الضرب الثالث من المضاف: ما يجوز الوضوء به رواية واحدة، وهو أربعة أنواع: أحدها: ما أضيف إلى محله ومقره، كماء النهر، والبئر وأشباههما؛ فهذا لا ينفك منه ماء، وهي إضافة إلى غير مخالط، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "الحكم الذي ذكره - أي صاحب "المهذب" - وهو جواز الطهارة بما نبع من الأرض مجمع عليه، إلا ما سأذكره إن شاء اللَّه تعالى في البحر وماء زمزم" (¬3). وقد كان في عبارة "المهذب" ما يلي: "وما نبع من الأرض، وماء البحار، وماء الأنهار، وماء الآبار" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. • وجه الدلالة: أن الأصل في الماء كونه طهورًا، فكل مياه الآبار والأنهار المضافة ¬
[4 - 4] الماء المتغير بما لا يمكن التحرز منه
لمقرها نازلة من السماء، وهي طهورة ما لم تتغير، واللَّه تعالى أعلم. 2 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: حيث لا يجوز المصير إلى التراب؛ إلا بعدم الماء، وماء الآبار ونحوها تسمى ماء، فيجب الوضوء بها، فهي إذًا طاهرة. 3 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" (¬1). • وجه الدلالة ظاهرة من الحديث بالمطابقة على مياه الآبار، أما غيرها مما أضيف لمقره، كمياه العيون والأنهار فتدخل بالقياس، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [4 - 4] الماء المتغير بما لا يمكن التحرز منه: إذا حصل تغير الماء، بشيء طاهر يسقط فيه، كورق الشجر والعيدان ونحو ذلك، أو بما ينبت فيه كالطحلب والخز ونحوهما، فإن الماء يبقى على طهوريته بالإجماع (¬2). • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وكذلك أجمعوا على أن كل ما يغير الماء، مما لا ينفك عنه غالبًا، أنه لا يسلبه صفة الطهارة والتطهير، إلا خلافًا شاذًّا، روي في الماء الآجن عن ابن سيرين" (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "الثاني: ما لا يمكن التحرز منه، كالطحلب والخز وسائر ما ينبت في الماء، وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء، أو تحمله الريح ¬
فتلقيه فيه، وما تجذبه السيول من العيدان والتبن ونحوه، فتلقيه في الماء، وما هو في قرار الماء كالكبريت والقار وغيرهما، إذا جرى عليه الماء فتغير به، أو كان في الأرض التي يقف فيها الماء، فهذا كله يعفى عنه؛ لأنه يشق التحرز منه. . .، ولا نعلم في هذه الأنواع خلافًا" (¬1). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "الماء المتغير بقراره، كزرنيخ (¬2) أو جير يجري عليه، أو تغير بطحلب أو ورق شجر ينبت عليه، لا يمكن الاحتراز عنه، فاتفق العلماء أن ذلك لا يمنع من الوضوء به، لعدم الاحتراز منه، والانفكاك عنه" (¬3). النووي (676 هـ) معلقًا على كلام الشيرازي في "المهذب" بعد أن قال: "إن تغير أحد أوصافه من طعم أو لون أو رائحة نظرت، فإن كان مما لا يمكن حفظ الماء منه كالطحلب وما يجري عليه الماء من الملح والنورة وغيرهما، جاز الوضوء به" قال النووي: "أما قوله -أولًا-: إذا تغير -أي: الماء- بما لا يمكن حفظه منه جاز الوضوء به؛ فمجمع عليه" (¬4). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "فما كان من التغير حاصلًا بأصل الخلقة، أو بما يشق صون الماء عنه فطهور باتفاقهم" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية في وجه (¬8)، والحنابلة (¬9)، وابن حزم (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قد أمرنا بأن نتوضأ بالماء، ولا نعدل عنه إلى التيمم ¬
إلا عند عدمه، وهذا الماء لا زال يطلق عليه اسم الماء؛ فوجب استعماله (¬1). 2 - أنه لا يمكن صون الماء عن مثل هذه الأشياء، فعفي عنها، كما عفي عن النجاسة اليسيرة، والعمل القليل في الصلاة (¬2). • الخلاف في المسألة: في مسألة تغير الماء بنحو الطحلب والخز والعيدان، لم أجد خلافا سوى ما نقله الحطاب، حيث نقل قولًا محكيًّا عن الإمام مالك بالكراهة فقط، إذا وجد غير ذلك الماء، وأمكن الاستغناء عنه (¬3). ووجدت المرداوي أيضًا حكاه قولًا في المذهب الحنبلي (¬4). ولكن هذا القول غير مخالف لمسألتنا في الحقيقة، فليس فيه إلا الكراهة، وهي لا تنافي الجواز، واللَّه تعالى أعلم. وأما مسألة تغيره بورق الشجر، فقد ثبت فيها الخلاف: فخالف في المسألة الشافعية في وجه (¬5)، فقالوا: هو غير طهور ولا يعفى عن هذا التغير. ويمكن أن يستدل لهذا المذهب بأن الماء قد تغير ولم يصبح ماءً مطلقًا؛ فلا يتوضأ به. وخالف الشافعية في وجه آخر (¬6)، فقالوا بأنه يفرق بين الورق الخريفي والربيعي، فالخريفي لا يضره، وأما الربيعي فيسلبه الطهورية. واستدلوا: بأن الربيعي رطوبة تخالط الماء، وتساقطه نادر فلا يعفى عنه، بخلاف الخريفي. وخالف المالكية في قول (¬7)، فقالوا بأنه يفرق بين التغير البين وغير البين؛ فإن كان التغير بَيِّنًا فيضر، وإن لم يكن كذلك فلا. ويمكن أن يستدل لهذا المذهب بأن الماء إذا تغير وأصبح التغير بَيِّنًا؛ لم يصبح ماءً مطلقًا، ولا يسوغ أن نبرر طهورية الماء بالعفو عن اليسير فالتغير بيِّن، بخلاف ما لو ¬
[5 - 5] الماء المتغير بطاهر يأخذ حكمه
كان التغير يسيرًا غير بين، واللَّه تعالى أعلم. أما الكلام عن الماء الذي تغير بمكثه، وهو الماء الآجن فقد أفردت له مسألة مستقلة؛ لأنه في الحقيقة لم يتغير بشيء آخر وإنما من نفسه بطول المكث، فكان ينبغي إفراده.Rأن الإجماع متحقق فيما دون مسألة التغير بورق الشجر؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. أما الماء الذي تغير بورق الشجر، فالإجماع غير متحقق؛ لوجود الخلاف السابق في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [5 - 5] الماء المتغير بطاهر يأخذ حكمه (¬1): الماء الذي غيَّره شيء طاهر، كلبن أو عسل أو غيره، فإن هذا الماء يأخذ حكم ذلك الشيء الطاهر الذي غيّره، ولا تبحث المسألة في كونه مطهرًا أو لا. ولكن بشرط أن يكون التغير بحيث يزول اسم الماء عنه. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وكذلك أجمعوا أنه إذا تغير بغير نجاسة أنه طاهر على أصله، وقال الجمهور: إنه غير مطهر إلا أن يكون تغيره من تربته وحمأته (¬2)، وما أجمعوا عليه فهو الحق الذي لا إشكال فيه ولا التباس معه" (¬3). ونقل عنه القرطبي هذه العبارة بذاتها دون إشارة (¬4). ويقول: "وهذا إجماع لا خلاف فيه، إذا تغير بما غلب عليه من نجس أو طاهر: أنه غير مطهر" (¬5). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "الماء الذي خالطه زعفران أو غيره من الأشياء الطاهرة، التي تنفك منه غالبًا، متى غيرت أحد أوصافه؛ فإنه طاهر عند جميع العلماء" (¬6). ¬
[6 - 6] جواز الطهارة بالماء الآجن
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: أن الأصل في الأشياء الطهارة، والماء هنا طهور، وبعد تغيره بما أضيف إليه مما هو طاهر في ذاته، فالماء بعد التغير يدور إذًا بين أمرين؛ إما أن يكون طاهرًا أو طهورًا، ولا مجال لاحتمال النجاسة، والطهور طهارة وزيادة، فالماء بعد التغير إما طاهرًا أو طهورًا، على قولين للعلماء في ذلك - ليسا محل بحثنا - (¬5)، فدل ذلك على أن الماء إما أن يكون طاهرًا، وهذا عنوان مسألتنا، أو يبقى طهورًا على أصله، وهذه طهارة وزيادة، وعلى الأمرين فهو طاهر في ذاته، وهذا عنوان مسألتنا، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [6 - 6] جواز الطهارة بالماء الآجِن: إذا وجد المسلم ماء آجنًا، فإنه يجوز أن يتوضأ به، بإجماع العلماء على ذلك. والآجِن: قال في "المصباح": "أجن الماء أجنًا وأجونًا من بابي ضرب وقعد: تغير؛ إلا أنه يشرب، فهو آجِن على فاعل" (¬6). وهو الذي يتغير بطول مكثه في المكان، من غير مخالطة شيء يغيره (¬7)، وقيل: إنه يدخل في مسألة ما تغير بالطحلب والخز ونحوه (¬8). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ): أجمعوا على أن الوضوء بالماء الآجن من غير نجاسة حلت فيه جائز، وانفرد ابن سيرين فقال: لا يجوز (¬9). ونقله عنه ابن قدامة (¬10)، والنووي (¬11)، وابن مفلح (¬12)، والبهوتي (¬13). ¬
ابن رشد (595 هـ) حيث إنه أدخل هذه المسألة في أفراد مسألة تغير الماء بالمخالطة لطاهر، وقد حُكي الإجماع فيها كما سبق، يقول: "وكذلك أجمعوا على أن كل ما يغير الماء، مما لا ينفك عنه غالبًا؛ أنه لا يسلبه صفة الطهارة والتطهير، إلا خلافًا شاذًّا روي في الماء الآجن عن ابن سيرين" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "لا تكره الطهارة بماء البحر ولا بماء زمزم ولا بالمتغير بطول المكث -وهو الآجن- ولا بالمسخن ما لم يخف الضرر لشدة حرارته سواء سخن بطاهر أو نجس، وهذه المسائل كلها متفق عليها عندنا، وفي كلها خلاف لبعض السلف" (¬2). ثم نقل بعدها حكاية الاتفاق عن ابن المنذر ونقل حكايته الخلاف عن ابن سيرين فقط. ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "أما ما تغير بمكثه ومقره، فهو باق على طهوريته باتفاق العلماء" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). ابن مفلح (884 هـ) حيث نقل عنه الرحيباني فقال: "قال في "المبدع": بغير خلاف نعلمه" (¬5). ولكن لم أجد هذه العبارة في "المبدع"، سوى نقله حكاية ابن المنذر للإجماع (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحسن، وقتادة، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى (¬7)، والحنفية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن الآية مطلقة، فكل ما يطلق عليه اسم الماء يتوضأ به، ولا دليل ¬
[7 - 7] الماء طاهر مطهر
على إخراج الماء الآجن من الماء المطلق (¬1). 2 - أنه لا يمكن الاحتراز منه، فأشبه المتغير بما يتعذر صونه عنه (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة ابن سيرين، والقاسم بن مخيمرة (¬3)؛ فقالوا بكراهة الوضوء من الماء الآجن. وقد حكاه المرداوي قولًا في مذهب الحنابلة بالكراهة (¬4). فالخلاف المحكي هو بالكراهة، وهي لا تنافي الجواز (¬5). وعلى فرض كون ابن سيرين يقول بعدم الجواز، كما نقل ذلك ابن المنذر عنه فيما سبق، فقد وصفه ابن رشد بالشذوذ كما سبق، ولم يتابعه على هذا القول أحدٌ من العلماء. أما مخالفة القاسم ورواية الحنابلة، فهي في الكراهة، ولم أجد من نقل القول بعدم الجواز إلا ما حكاه ابن رشد عن ابن سيرين، فلا مخالفة حقيقية إلا منه، واللَّه أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، ولا يضره مخالفة من خالف، كما سبق بيان ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [7 - 7] الماء طاهرٌ مطهِّر: الماء طاهر في نفسه، ومطهر لغيره، سواء من النجاسة أو من الحدث، وعلى ذلك حكى عدد من العلماء الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعت الأمة أن الماء مطهر للنجاسات، وأنه ليس في ذلك كسائر المائعات الطاهرات" (¬6). وقال أيضًا: "وقد أجمعوا معنا على أن ورود الماء على النجاسات لا يضره، وأنه مطهر لها" (¬7). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في أنه يحصل به الطهارة الحقيقية ¬
والحكمية جميعًا" (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أن جميع أنواع المياه طاهرة في نفسها، مطهرة لغيرها" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) في سياق نقاشه لمسألة: "وقد دلت هذه المسألة على أحكام منها: إباحة الطهارة بكل ماء موصوف بهذه الصفة التي ذكرها، على أي صفة كان من أصل الخلقة، من الحرارة والبرودة، والعذوبة والملوحة، نزل من السماء، أو نبع من الأرض، في بحر أو نهر أو بئر أو غدير، أو غير ذلك. . . " ثم قال بعد ذلك: "وهذا قول عامة أهل العلم، إلا أنه حكي عن عبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن عمرو، أنهما قالا في البحر: التيمم أعجب إلينا منه؛ هو نار" (¬3)، واستثناؤه لماء البحر هنا لا يقدح في أصل الإجماع، فماء البحر أحد أفراد هذه المسألة، وسيأتي نقاشها في مسألة مستقلة إن شاء اللَّه تعالى. القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "وأجمعت الأمة لغة وشريعة على أن وصف طهور يختص بالماء، ولا يتعدى إلى سائر المائعات، وهي طاهرة، فكان اقتصارهم بذلك على الماء أدل دليل على أن الطهور هو المطهر" (¬4). النووي (676 هـ) - في سياق نقاشٍ له -: "أن للماء قوة في دفع النجس بالإجماع" (¬5). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "وحاصله أن الماء طهور لا ينجسه شيء، وعدم تنجس الماء إلا بالتغير، بحسب ما هو المراد المجمع عليه" (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. • وجه الدلالة: وصف اللَّه تعالى الماء بأنه طهور، وهو فعول متعدٍّ، فهو طاهر في نفسه، ومتعدٍّ مطهِّرٌ لغيره. 2 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، قال: قال عليه الصلاة والسلام: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" (¬7). ¬
[8 - 8] فضل وضوء الرجل طاهر
• وجه الدلالة: ظاهرة من الحديث، فقد وصف الماء بأنه طهور.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، بل هي من القطعيات الشرعية، فالماء طاهر في ذاته، ومطهرٌ لغيره، واللَّه تعالى أعلم. [8 - 8] فضل وضوء الرجل طاهر: إذا أراد المسلم أن يتوضأ، فوجد فضل وضوء رجل، فإنه يجوز له أن يتوضأ به، وعليه حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وفيه (¬1)؛ أنه لا بأس بفضل وضوء الرجل المسلم يتوضأ به، وهذا كله في فضل وضوء الرجال إجماع من العلماء، وللَّه الحمد" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على جواز وضوء الرجل والمرأة بفضل الرجل" (¬3). وقال بعدها: "ويؤيده أنا لا نعلم أحدًا من العلماء منعها فضل الرجل" (¬4). وقال أيضًا: "وأما تطهير المرأة بفضل الرجل، فجائز بالإجماع أيضًا" (¬5). ونقله عنه بلفظ الإجماع الحافظ العراقي (¬6)، وابن حجر (¬7)، والشوكاني (¬8)، كلاهما بلفظ الاتفاق، وتعقباه أيضًا. ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "وأما تطهر المرأة بفضل الرجل، فجائز بالإجماع" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬10)، والحنابلة على الصحيح (¬11)، وابن حزم (¬12). • مستند الإجماع: 1 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يغتسل بفضل ¬
ميمونة (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يغتسل بفضل امرأة، وهي مسألة اشتهر الخلاف فيها، ومن باب أولى جواز الاغتسال بفضل الرجل، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أنها كانت تغتسل مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من إناء واحد (¬2). • وجه الدلالة: كونها تغتسل بفضل رجل وهو النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم ينكر عليها؛ فدل على جواز ذلك (¬3)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: نقل الطحاوي خلافًا في المسألة، فقال: "فذهب قوم إلى هذه الآثار (¬4)، فكرهوا أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة، أو تتوضأ المرأة بفضل الرجل، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بهذا كله" (¬5). ونقل الحطاب رحمه اللَّه قولًا بعدم جواز الوضوء بفضل الرجل (¬6)، وهو وجه ضعيف عند الحنابلة (¬7). واستدلوا بحديث عبد اللَّه بن سرجس -رضي اللَّه عنه-، قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل ولكن يشرعان جميعًا" (¬8). وخالف ابن عمر، والشعبي، والأوزاعي في المسألة، فقالوا بعدم جواز الوضوء ¬
[9 - 9] جواز وضوء الرجال والنساء من إناء واحد
بفضل الرجل، ولكن مقيدًا بما إذا كانت جنبًا (¬1). ولم يذكر لهم دليلًا.Rأن الإجماع غير متحقق، مع أن القوم الذين أبهمهم الطحاوي ليسوا معروفين، ولم يوضح مقصدهم من الكراهة، هل هي التنزيهية أو التحريمية؟ ولكن حكاية الحطاب صريحة، أزالت الشك والريبة، وقواها الوجه الضعيف عند الحنابلة، وبهما لا يتحقق الإجماع في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [9 - 9] جواز وضوء الرجال والنساء من إناء واحد: إذا توضأ الرجل والمرأة، أو الرجال والنساء معًا في إناء واحد، فإن وضوءهم جائز بالإجماع (¬2). • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "وهو قول عامة الفقهاء؛ أن لا بأس أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد" (¬3)، والاغتسال نوع من الطهارة، وحكمه والوضوء واحد في هذه المسألة. الطحاوي (321 هـ) حيث نقل عنه ابن حجر (¬4)، والشوكاني (¬5) حكايته الإجماع في المسألة (¬6). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا في جواز توضؤ الرجلين والمرأتين معًا" (¬7). القرطبي (626 هـ) حيث يقول: "واتفق العلماء على جواز اغتسال الرجل وحليلته، ووضوئهما معًا، من إناء واحد، إلا شيئًا روي في كراهية ذلك عن أبي هريرة" (¬8). ونقله عنه ابن حجر (¬9)، والشوكاني (¬10). النووي (676 هـ) حيث يقول: "واتفق العلماء على جواز وضوء الرجل والمرأة واغتسالهما جميعًا من إناء واحد" (¬11). ¬
ويقول أيضًا: "وأما تطهير الرجل والمرأة من إناء واحد فهو جائز بإجماع المسلمين" (¬1). ونقله عنه العراقي (¬2)، وابن حجر (¬3)، والشوكاني (¬4)، والأخيران بلفظ الاتفاق. ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وهذا مما اتفق عليه أئمة المسلمين بلا نزاع بينهم، أن الرجل والمرأة أو الرجال والنساء إذا توضؤوا واغتسلوا من ماء واحد جاز" (¬5). ويقول أيضًا: "فأما اغتسال الرجال والنساء جميعًا من إناء واحد؛ فلم يتنازع العلماء في جوازه، وإذا جاز اغتسال الرجال والنساء جميعًا؛ فاغتسال الرجال دون النساء جميعًا أو النساء دون الرجال جميعًا أولى بالجواز، وهذا مما لا نزاع فيه" (¬6). ويقول: "فمن كره أن يغتسل معه غيره، أو رأى أن طهره لا يتم حتى يغتسل وحده؛ فقد خرج عن إجماع المسلمين وفارق جماعة المؤمنين" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع علي، وزيد بن ثابت، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، وعكرمة، والشعبي (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنه-، قال: كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جميعًا (¬9). • وجه الدلالة: حيث حكى ابن عمر وقوع صورة هذه المسألة في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الصحابة، ولم ينكر ذلك عليه الصلاة والسلام، فدل على صحة ذلك. 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أنها كانت تغتسل مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من إناء واحد (¬10). • وجه الدلالة: أن عائشة كانت تغتسل مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من إناء واحد، وهذا لا يختلف عما إذا كانوا أشخاصًا أو شخصين، وهذا مطابق لمسألتنا (¬11). • الخلاف في المسألة: أما وضوء الرجل والمرأة معًا، فقد حكى ابن حزم الخلاف ¬
[10 - 10] الماء المتغير بنجاسة يأخذ حكمها
فيه (¬1) هل يجزئ أو لا؟ بخلاف ما لو كانوا أكثر من ذلك، فقد نقل الاتفاق كما سبق نقله فى بداية المسألة. أما وضوء الرجلين أو المرأتين فأكثر، فنقل ابن حجر قولًا لأبي هريرة -رضي اللَّه عنه- يخالفه، بأنه كان ينهى عنه، ونقل حكاية ابن عبد البر للخلاف عن قوم أيضًا (¬2). ونقل الحطاب رحمه اللَّه قولًا بأنه لا يتوضأ أحدهما بفضل الآخر مطلقًا، سواء كانا جميعًا أو لا (¬3). واستدلوابنهي أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- (¬4) عن ذلك.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، وظاهر مما سبق أن الخلاف كان قديمًا، فقد خالف أبو هريرة -رضي اللَّه عنه-، وتبعه من تبعه، واللَّه أعلم. [10 - 10] الماء المتغير بنجاسة يأخذ حكمها: إذا تغير الماء بالنجاسة، سواء تغير لونه، أو طعمه، أو ريحه؛ فإنه ينتقل من الطهورية إلى النجاسة، وسواء كان الماء قليلًا، أو كثيرًا، ما دام قد تغير. • من نقل الإجماع: الإمام الشافعي (204 هـ) حيث يقول: "وما قلت من أنه إذا تغير طعم الماء أو ريحه أو لونه كان نجسًا، يروى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من وجه لا يثبت مثله أهل الحديث، وهو قول العامة، لا أعلم بينهم فيه اختلافًا" (¬5). ونقله عنه البيهقي (¬6)، والنووي (¬7)، وابن حجر (¬8)، وابن قاسم (¬9). ابن جرير (310 هـ) حيث في سياق نقاش الخلاف في معنى حديث أبي سعيد الآتي بالمستند، قال: "مع إجماع جميعهم على أن الماء ينجس بغلبة لون النجاسة عليه أو ¬
طعمه أو ريحه" (¬1). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الماء القليل والكثير، إذا وقعت فيه النجاسة، فغيرت للماء طعمًا، أو لونًا، أو ريحًا، أنه نجس، ما دام كذلك" (¬2). ونقله عنه ابن قدامة (¬3)، والنووي (¬4)، والبهوتي (¬5)، والصنعاني (¬6)، والشوكاني (¬7). الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: "قد أجمعوا أن النجاسة إذا وقعت في البئر، فغلبت على طعم مائها أو ريحه أو لونه، أن ماءها قد فسد" (¬8). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الماء الذي حلت فيه نجاسة، فأحالت لونه أو طعمه؛ فإن شربه لغير ضرورة، والطهارة به على كل حال، لا يجوز شيء من ذلك على عظيم اختلافهم في النجاسات" (¬9). البيهقي (458 هـ) حيث يقول: "والحديث (¬10) غير قوي، إلا أنا لا نعلم في نجاسة الماء إذا تغير بالنجاسة خلافًا، واللَّه أعلم" (¬11). ونقله عنه النووي (¬12). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "الماء لا يخلو تغيره من أن يكون بنجاسة، أو بغير نجاسة، فإن كان بنجاسة؛ فقد أجمع العلماء على أنه غير طاهر، ولا مطهر" (¬13). ونقل هذه العبارة القرطبي دون إشارة (¬14). ويقول أيضًا: "وهذا إجماع في الماء المتغير بالنجاسة، وإذا كان هذا هكذا، فقد زال عنه اسم الماء مطلقًا" (¬15). ويقول: "وظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: "الماء لا ينجسه شيء" (¬16)، يعني إلا ¬
ما غلب عليه وظهر فيه من النجاسة، بدليل الإجماع على ذلك" (¬1). ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "فإن تغير الماء لم يطهر إجماعًا" (¬2). ابن هبيرة (560) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه إذا تغير الماء بالنجاسة؛ نجس قل أو كثر" (¬3). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الماء الذي غيرت النجاسة إما طعمه أو لونه أو ريحه، أو أكثر من واحد من هذه الأوصاف؛ أنه لا يجوز به الوضوء ولا الطهور" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "فأما نجاسة ما تغير بالنجاسة؛ فلا خلاف فيه" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "واعلم أن حديث بئر بضاعة (¬7) عام مخصوص، خص منه المتغير بنجاسة؛ فإنه نجس للإجماع" (¬8). وقال بعد نقل إجماع ابن المنذر: "ونقل الإجماع كذلك جماعات من أصحابنا وغيرهم، وسواء كان الماء جاريًا أو راكدًا، قليلًا أو كثيرًا، تغير تغيرًا فاحشًا أو يسيرًا، طعمه أو لونه أو ريحه؛ فكله نجس بالإجماع" (¬9). ونقله عنه ابن نجيم (¬10). ابن دقيق العيد (702 هـ) حيث يقول: "الاتفاق واقع على أن الماء إذا غيرته النجاسة؛ امتنع استعماله" (¬11). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وأما الماء إذا تغير بالنجاسات، فإنه ينجس بالاتفاق" (¬12). ويقول أيضًا: "إذا وقع في الماء نجاسة فغيرته تنجس اتفاقًا" (¬13). ¬
ويقول أيضًا: "والماء لنجاسته سببان: أحدهما متفق عليه، والآخر مختلف فيه. فالمتفق عليه: التغير بالنجاسة" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). الحافظ العراقي (806 هـ) حيث يقول: "أن الماء الجاري، وإن كان قليلًا لا تؤثر فيه النجاسة، إلا إذا غيرته، فإنه ينجس إجماعًا" (¬3). ابن الهمام (861 هـ) حيثما يقول: "وهذا لأن حقيقة الخلاف؛ إنما هو في تقدير الكثير الذي يتوقف تنجسه على تغيره، للإجماع على أن الكثير لا ينجس إلا به" (¬4) أي بالتغير. يقول: "للإجماع على أن الكثير لا ينجس إلا بتغيره بالنجاسة" (¬5). ونقل عبارته ابن نجيم (¬6). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث يقول: "ولا ينجس الماء الكثير إلا بتغير، وإن قل التغير، بنجاسة ملاقية له، للإجماع المخصص لخبر الترمذي: "الماء طهور لا ينجسه شيء (¬7) " (¬8). الحطاب (954 هـ) حيثما يقول عن النجاسة: "إن غيرت الماء؛ ضرت باتفاق، وإن لم تغيره، فيكره استعماله مع وجود غيره" (¬9). ابن نجيم (970 هـ) حيثما يقول: "اعلم أن العلماء أجمعوا على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه بالنجاسة؛ لا تجوز الطهارة به؛ قليلًا كان الماء أو كثيرًا؛ جاريًا كان أو غير جارٍ، هكذا نقل الإجماع في كتبنا" (¬10). الشربيني (977 هـ) حيثما يقول شارحًا لمتن "المنهاج": " (فإن غيره) أي: غير النجس الملاقي الماء القلتين، ولو يسيرًا، حسًّا أو تقديرًا فنجس بالإجماع المخصص للخبر السابق" (¬11). ¬
الحصكفي (1088 هـ) حيث يقول: "وبتغير أحد أوصافه من لون أو طعم أو ريح ينجس الكثير، ولو جاريًا إجماعًا" (¬1). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "وإنما حكموا بعدم طهورية ما غيرت النجاسة أحد أوصافه؛ للإجماع على ذلك" (¬2). الدسوقي (1230 هـ) حيث يقول: "أما لو علم أن المغير مما يضر؛ ضر اتفاقًا، كان الماء قليلًا أو كثيرًا" (¬3). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "لكنه قام الإجماع على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه بالنجاسة؛ خرج عن الطهورية" (¬4). ويقول أيضًا: "فما بلغ مقدار القلتين فصاعدًا؛ فلا يحمل الخبث، ولا ينجس بملاقاة النجاسة، إلا أن يتغير أحد أوصافه؛ فنجس بالإجماع" (¬5). ويقول أيضًا: "وأما ما دون القلتين، فإن تغير؛ خرج عن الطهارة بالإجماع" (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" (¬7). زاد أبو أمامة الباهلي -رضي اللَّه عنه- في روايته: "إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه" (¬8). • وجه الدلالة: حيث قال عليه الصلاة والسلام: "إلا ما غلب"، أي فإنه يتنجس إذا غلبت النجاسة. ولكن الحديث ضعفه عدد من أهل العلم (¬9)، واعتدوا بالإجماع، كما صرح بذلك عدد منهم، وسبقت الإشارة إلى ذلك. ¬
[11 - 11] الماء الكثير الواقع فيه نجاسة ولم يتغير فهو طهور
2 - أن الماء إذا تغير بالنجاسة، فتغير لونه أو ريحه أو طعمه، لم يصبح ماء، وانتقل إلى مسمى آخر بحسب ما غيره، فلم يجز أن يتوضأ به؛ لأنه أصبح متغيرًا بالنجاسة، وما غيرته النجاسة أصبح منها، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع في هذه المسألة متحقق بلا شك، فقد رأينا أن عددًا كبيرًا من العلماء صرح بهذا الإجماع، ولم يذكر لهم مخالف، واللَّه تعالى أعلم. [11 - 11] الماء الكثير الواقع فيه نجاسة ولم يتغير فهو طهور: الماء لا يخلو حاله إذا وقعت النجاسة فيه من حالتين: إما أن يكون قليلا فتغيره النجاسة، فيأخذ حكمها. وإما أن يكون كثيرًا؛ فلا يخلو من حالتين: إما أن يتغير، فيكون حكمه حكمها. وإما أن لا يتغير، فيكون حكمه الطهارة، وقد حكى عدد من العلماء الإجماع في هذه المسألة. أما تقدير الكثرة، فقد قدرها البعض بما إذا حرك وسطه لم يتحرك طرفاه (¬1)، والبعض قدرها بما زاد عن القلتين (¬2)، وعلى العموم فتقدير الكثرة ليست مسألتنا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن الماء الكثير من النيل والبحر ونحو ذلك، إذا وقعت فيه نجاسة، فلم تغير له طعمًا أو لونًا أو ريحًا، أنه بحاله ويتطهر منه" (¬3). ونقله عنه ابن قدامة (¬4)، وابن قاسم (¬5). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن الماء الراكد إذا كان من الكثرة، بحيث إذا حرك وسطه لم يتحرك طرفاه ولا شيء منهما، فإنه لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته" (¬6). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وفي هذا الحديث (¬7) أن الماء إذا غلب على ¬
النجاسات وغمرها طهرها، وكان الحكم له لا لها، ولو كان إذا اختلط بالنجاسات لحقته النجاسة ما كان طهورًا، ولا وصل به أحد إلى الطهارة، وهذا مردود بأن اللَّه عز وجل سماه طهورًا، وأجمع المسلمون على ذلك في كثيره، وإن اختلفوا في معانٍ من قليله" (¬1). ابن رشد الجد (520 هـ) حيث يقول: "لا خلاف أن الماء الكثير لا ينجسه ما حل فيه من النجاسة إلا أن يغير أحد أوصافه". نقله عنه الموَّاق (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الماء الكثير المستبحر لا تضره النجاسة التي لم تغير أحد أوصافه، وأنه طاهر" (¬3). ابن قدامة (620 هـ) في حديثه عن البرك التي صنعت موردًا للحاج، يشرب منها، ويجتمع فيها ماء كثير: "فتلك لا تتنجس بشيء من النجاسات ما لم تتغير، لا نعلم أحدًا خالف في هذا" (¬4). ابن دقيق العيد (702 هـ) حيث يقول: "لأن الاتفاق واقع على أن الماء المستبحر الكثير لا تؤثر فيه النجاسة" (¬5). ونقله عنه العراقي (¬6)، ونقل الشوكاني عبارته دون أن ينسبها إليه (¬7). العيني (855 هـ) حيث يقول: "أن هذا الحديث (¬8) عام، فلا بد من تخصيصه اتفاقًا بالماء المستبحر، الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر" (¬9). الحطاب (954 هـ) حيث يقول شارحًا كلامًا للمؤلف: "يعني أن الماء الكثير إذا خالطه شيء نجس، ولم يغيره؛ فإنه على طهوريته، ويعلم قدر الكثير من تحديد القليل الآتي، ثم إن هذا الكثير إن اتفقت الأمة على أنه كثير؛ فلا خلاف في طهوريته، سواء خلط بنجس أو طاهر" (¬10). ¬
[12 - 12] إذا اختلط الماء بما يوافقه في الطهورية فهو طهور
ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "للإجماع على أن الكثير لا ينجس إلا بتغيره بالنجاسة" (¬1). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "كما تفنى النجاسة وتتلاشى إذا وردت على الماء الكثير بالإجماع" (¬2). محمد صديق حسن خان (1307 هـ) حيث يقول في سياق كلامٍ له: "بعد إجماعهم على أن ما غيرت النجاسة أحد أوصافه الثلاثة ليس بطاهر" (¬3). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "والمصانع الكبار لا تنجس بالاتفاق إلا بالتغير" (¬4)، وهو يريد بالمصانع هنا المياه الكثيرة التي كانت موردًا للحجاج. • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى سمى الماء طهورًا، والماء هنا مطلق، فكل ما يطلق عليه ماء فهو طاهر، حتى يتغير أحد أوصافه وينتقل مسماه، وما دام لم يتغير الماء الكثير فهو على أصله، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصف الماء بأنه طهور بإطلاق، ثم أكد ذلك بأنه لا ينجسه شيء إلا ما غلب على أحد أوصافه فغير اسمه، وما دام أن الماء لم يتغير فهو على أصله الطاهر، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [12 - 12] إذا اختلط الماء بما يوافقه في الطهورية فهو طهور: إذا اختلط الماء مع شيء من التراب، ولم ينقله ذلك إلى مسمى آخر، كأن أصبح طينًا؛ فإن ذلك لا يضره. وهنا قيد مهم وهو: أن لا يكون ذلك بفعل فاعل، بل الاختلاط من اللَّه تعالى دون تصرف أحد. ¬
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "الثالث: ما يوافق الماء في صفتيه الطهارة، والطهورية، كالتراب إذا غير الماء لا يمنع الطهورية؛ لأنه طاهر مطهر كالماء". . .، ثم قال: "ولا نعلم في هذه الأنواع خلافًا" (¬1). العيني (855 هـ) حيث يقول: "كما فى أجزاء الأرض، نحو الطين والجص والنورة، فإن التوضؤ بالماء الذي اختلط بهذه الأشياء يجوز بالاتفاق، إذا كان الخلط به قليلًا" (¬2). الحطَّاب (954 هـ) حيث يقول: "أما ما ألقته الريح -يعني التراب- فإنه لا خلاف أنه لا يضر" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قد جعل التراب بدلًا عن الماء فى حال عدمه، فهو طاهر مطهِّر، ولا يمكن أن ينقل الماء من طهوريته ما دام مثله في الطهورية (¬5). 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سمى الأرض طهورًا، والمقصود التراب، في إشارة للتيمم، فالطهور إذا خالط طهورًا لا يغير من حكمه شيئًا، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: حُكي عن إمام الحرمين الجويني، أنه قال بأن التراب غير مطهر، وإنما علقت به إباحة بسبب الضرورة. وقد أنكر عليه ذلك النووي وأبطله (¬7). وهذا خلاف شاذ، لم أقف على من وافقه، ولا عبرة به. ¬
[13 - 13] طهارة الماء المتغير بمجاورة دون مماسة
Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود الخلاف المعتبر في المسألة، وأما خلاف إمام الحرمين فخلاف شاذ منه رحمه اللَّه، ولا ينقض الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. [13 - 13] طهارة الماء المتغير بمجاورة دون مماسة: إذا كان شيء نجس قريبًا من الماء، مجاورًا له، ولكنه خارجه، ولا يمسه، فإنه لا يؤثر على طهارة الماء. • من نقل نفي الخلاف: النووي (676 هـ) حيث يقول شارحًا لكلام الماتن: "وقوله: (كما لو تغير بجيفة بقربه) يعني: جيفة ملقاة خارج الماء قريبة منه، وفي هذه الصورة لا تضر الجيفة قطعًا، بل الماء طهور بلا خلاف" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). ابن مفلح (884 هـ) حيث يقول عن حالات التغير للماء: "أو ما تروح بريح ميتة إلى جانبه، بغير خلاف نعلمه؛ لأنه تغير بمجاورة" (¬3)، ثم قال بعد ذكر الحالات كلها: "فهذا كله طاهر مطهر يرفع الأحداث" (¬4). ونقله عنه البهوتي (¬5). الحطاب (954 هـ) حيث يقول عن الماء: "إذا تغير بمجاورة شيء له، فإن تغيره بالمجاورة لا يسلبه الطهورية، وسواء كان المجاور منفصلًا عن الماء، أو ملاصقًا له، فالأول؛ كما لو كان إلى جانب الماء جيفة، أو عذرة، أو غيرهما، فنقلت الريح رائحة ذلك إلى الماء فتغير، ولا خلاف في هذا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن الماء في هذه الحالة لم يحصل له تغير، بحيث اختلطت به النجاسة فغيرته، فهو باق على أصله الطاهر، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الماء هنا يصح أن يطلق عليه بأنه من الماء المطلق، وهو ما يكفي في كونه طهورًا، واللَّه تعالى أعلم.Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[14 - 14] طهارة ما تغير بمجاورة دون مخالطة
[14 - 14] طهارة ما تغير بمجاورة دون مخالطة: إذا تغير الماء بمجاورة طاهر من غير مخالطة، ولم تخرج به عن كونه ماء مطلقًا، فإنه يجوز الوضوء به، وهو ماء طهور. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "الضرب الثالث من المضاف: ما يجوز الوضوء به رواية واحدة، وهو أربعة أنواع: . .، الرابع: ما يتغير به الماء بمجاورته من غير مخالطة، كالدهن على اختلاف أنواعه، والطاهرات الصلبة، كالعود والكافور والعنبر، إذا لم يهلك في الماء، ولم يمع فيه، لا يخرج به عن إطلاقه، . .، ولا نعلم في هذه الأنواع خلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬2)، والمالكية في قول (¬3)، والشافعية في قول (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن هذا التغير الطارئ على الماء، لا يخرجه عن كونه ماء مطلقا؛ فيجوز التطهر به؛ لأنه ماء مطلق (¬5). 2 - أن هذا الماء تغير بالمجاورة، وهي أشبه ما لو تروح الماء بريح شيء على جانبه دون مخالطة، وهي متفق على أنها لا تؤثر على الماء (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قولٍ (¬7)، والشافعية في قول (¬8)، والحنابلة في وجه (¬9)، فقالوا بأنه لا يتطهر بهذا الماء. ولم أجد لهم دليلًا إلا التعليل بالتغير، فما دام أنه تغير؛ فقد خرج عن أوصاف الماء المطلق، فلا يكون طهورًا.Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، ويظهر مما سبق شهرة الخلاف وكثرته، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[15 - 15] ماء البحر طهور
[15 - 15] ماء البحر طهور: إذا أراد المسلم أن يتوضأ، فإن ماء البحر له طهور، وعليه حُكي إجماع العلماء. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث يقول: "أرأيت رجلًا بال في البحر، أينجس بوله ماء البحر؟ فإن قال: لا، قيل: ماء البحر ماء دائم، وقيل له: أفتنجس المصانع الكبار؟ فإن قال: لا، قيل: فهي ماء دائم، وإن قال: نعم، دخله عليه ماء البحر، فإن قال: وماء البحر ينجس؛ فقد خالف قول العامة مع خلافه السنة" (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار من الفقهاء، أن البحر طهور ماؤه، وأن الوضوء جائز به، إلا ما روي عن عبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، فإنه روي عنهما أنهما كرها الوضوء من ماء البحر، ولم يتابعهما أحد من فقهاء الأمصار على ذلك، ولا عرض عليه ولا التفت إليه" (¬2). وقال: "فإن فقهاء الأمصار وجماعة من أهل الحديث متفقون على أن ماء البحر طهور، . . وهذا إجماع من علماء الأمصار الذين تدور عليهم وعلى أتباعهم الفتوى" (¬3). الباجي (474 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في جواز التطهير بماء البحر، إلا ما يروى عن عبد اللَّه بن عمر" (¬4). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أن جميع أنواع المياه طاهرة في نفسها، مطهرة لغيرها، إلا ماء البحر، فإن فيه خلافًا في الصدر الأول شاذًا" (¬5)، وهذا يعني أنه يرى أن خلافهم غير معتبر، حيث حكم عليه بالشذوذ. ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ما يجوز الوضوء به رواية واحدة، وهو أربعة أنواع: أحدها: ما أضيف إلى محله ومقره، كماء النهر والبئر وأشباههما؛ فهذا لا ينفك منه ماء، وهي إضافة إلى غير مخالط، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم" (¬6). ¬
ويقول: "قد دلت هذه المسألة على أحكام، منها: إباحة الطهارة بكل ماء موصوف بهذه الصفة التي ذكرها، على أي صفة كان من أصل الخلقة، من الحرارة والبرودة، والعذوبة والملوحة، نزل من السماء، أو نبع من الأرض، في بحر أو نهر أو بئر أو غدير أو غير ذلك. . . وهذا قول عامة أهل العلم؛ إلا أنه حكي عن عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عمرو، أنهما قالا في البحر: التيمم أعجب إلينا منه، هو نار، وحكاه الماوردي (¬1) عن سعيد بن المسيب" (¬2). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "والبحر لا ينجسه شيء بالنص والإجماع" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). الحطاب (954 هـ) حيث يقول: "وكذا ما قيد بإضافة لمحله كماء البحر، ولا خلاف في جواز التطهير به، وإن كان قد حكى عن ابن عمر كراهة الوضوء به؛ فقد انعقد الإجماع على خلافه" (¬5). الخرشي (1101 هـ) حيث يقول: "ودخل في تعريف المؤلف للمطلق - أي الماء المطلق - ما إضافته بيانية كماء المطر. . .، والبحر، فقد انعقد الإجماع على جواز التطهير به" (¬6). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول عن أقوال الصحابة المخالفة: "ولا حجة في أقوال الصحابة، لا سيما إذا عارضت المرفوع والإجماع" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع أبو بكر، وعمر، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم- (¬8)، والحنفية (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى شرط جواز التيمم بعدم الماء، والماء مطلق هنا، فما يطلق عليه ماء؛ يجوز التطهر به سواء كان عذبًا أو مالحًا، ومن خصص فعليه بالدليل، ¬
ولا دليل مخصص، فبقي الحكم على الأصل المبيح، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" (¬1). • وجه الدلالة: حيث نص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على طهورية ماء البحر، ولا عبرة بالاجتهاد بمقابل النص (¬2). • الخلاف في المسألة: روي الخلاف في هذه المسألة عن عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة -رضي اللَّه عنهم-، وأبي العالية (¬3)، وابن المسيب (¬4)، ونسب الترمذي مسألة الباب إلى أكثر الفقهاء، ثم نقل القول المخالف ونسبه لبعض الصحابة (¬5). وقد أشار ابن حزم لوجود خلاف في هذه المسألة (¬6). واستدلوا بقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12]، فمنعه من التسوية بينهما يمنع من تساوي الحكم في الطهارة بهما (¬7). وبعد طول بحث في هذه المسألة، لم أجد من قال بهذا القول غير هؤلاء الخمسة، ¬
[16 - 16] ماء السماء طهور
بل صرح ابن عبد البر بأنه لم يتابعهم أحد من علماء الأمصار (¬1)، مما يعني أن قولهم اندرس بعد ذلك، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع غير متحقق في الصدر الأول بلا إشكال، ولكن هناك من قال بتحققه بعد ذلك كما سبق. وبهذا يكون قد تحقق الإجماع بعد الخلاف، وقد اختلف الأصوليون على قولين في هذه المسألة، والصحيح أنه إجماع ظني معتبر، تحرم مخالفته ويجب العمل به على من أخذ بهذا القول (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. [16 - 16] ماء السماء طهور: الماء الذي ينعم اللَّه تعالى به على الناس فينزله من السماء، لا شك أنه طهور، يُتطهر وينتفع به، وقد حُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا على جواز الطهارة بماء السماء" (¬3). الخرشي (1101 هـ) حيث يقول: "ودخل في تعريف المؤلف للمطلق - أي الماء المطلق - ما إضافته بيانية كماء المطر، . .، والبحر، فقد انعقد الإجماع على جواز التطهير به" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11]. 2 - قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى علل إنزال الماء من السماء للتطهير، وفي الآية ¬
[17 - 17] جواز استعمال الماء الجاري في الطهارة
الأخرى وصف الماء الذي ينزله من السماء بأنه طهور، مما يدل على طهارة ماء السماء، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [17 - 17] جواز استعمال الماء الجاري في الطهارة: الماء الجاري هو ما يقابل الدائم والراكد، فإن استعماله في الوضوء جائز، وقد قيد ابن حزم المسألة بما لم تظهر في نجاسة، وهو قيد مهم. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "فأما الجاري؛ فاتفقوا على جواز استعماله، ما لم تظهر فيه نجاسة" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية في قول (¬4)، والحنابلة في قول (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. 2 - حديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه-، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه" (¬6). • وجه الدلالة: أن الأصل في الماء أنه طهور ما لم يتغير، هذا ما يدل عليه النصان السابقان، والماء الجاري غير المتغير ينطبق عليه هذا الاستدلال، واللَّه تعالى أعلم. 3 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال عليه الصلاة والسلام: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرق بين الماء الدائم والجاري، فمنع من البول في الماء الدائم لمن أراد الاغتسال، فدل بمفهوم الصفة على أن الجاري لا يتأثر (¬8). ¬
[18 - 18] الطهارة بغير الماء المطلق غير جائزة
• الخلاف في المسألة: نقد ابن تيمية هذا الاتفاق؛ بأن الشافعي في الجديد (¬1)، وأحمد في قول له (¬2) قالا: بأن الجاري كالراكد، في اعتبار القلتين؛ فينجس ما دون القلتين من الماء الجاري بوقوع النجاسة فيه، وإن لم يتغير (¬3). واستدلوا بمفهوم حديث: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" (¬4)، فإنه لم يفصل فيه بين الماء الجاري والراكد؛ فدل على أن حكمهما سواء ما لم يكن قلتين (¬5).Rأن الاتفاق غير متحقق، فيما إذا كان الماء الجاري أقل من قلتين، وأما ما زاد على ذلك؛ فلم أجد فيه خلافًا، والاتفاق فيه متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [18 - 18] الطهارة بغير الماء المطلق غير جائزة: إذا توضأ الإنسان من غير الماء المطلق، بأن توضأ بشيء يطلق عليه ماء بالإضافة، كماء الورد أو ماء الشجر أو ماء العصفر، فإن هذا الوضوء غير جائز. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الوضوء لا يجوز بماء الورد، وماء الشجر، وماء العصفر، ولا تجوز الطهارة إلا بماء مطلق، يقع عليه اسم الماء" (¬6). ونقله عنه ابن قدامة (¬7)، والنووي (¬8)، وابن قاسم (¬9). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أنه لا يجوز وضوء بشيء من المائعات وغيرها، حاشا الماء والنبيذ" (¬10). الغزالي (505 هـ) حيث يقول: "والطهورية مختصة بالماء من بين سائر المائعات، ¬
أما في طهارة الحدث فبالإجماع، . .، " (¬1). نقله النووي، وتعقبه بقول ابن أبي ليلى (¬2)، وابن قاسم (¬3). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ولو توضأ بالماء المقيد كماء الورد ونحوه لا يصير مستعملًا بالإجماع؛ لأن التوضؤ به غير جائز، فلم يوجد إزالة الحدث ولا إقامة القربة" (¬4). حيث لم يحسب الوضوء به وضوءًا. ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ومنها: أن المضاف لا تحصل به الطهارة، وهو على ثلاثة أضرب؛ أحدها: ما لا تحصل به الطهارة رواية واحدة، وهو على ثلاثة أنواع؛ أحدها: ما اعتصر من الطاهرات كماء الورد، وماء القرنفل، وما ينزل من عروق الشجر إذا قطعت رطبة". . .، ثم قال: "فجميع هذه الأنواع لا يجوز الوضوء بها، ولا الغسل، لا نعلم فيه خلافًا، إلا ما حكي عن ابن أبي ليلى والأصم في المياه المعتصرة، أنها طهور يرتفع بها الحدث، ويزال بها النجس، ولأصحاب الشافعي وجه في ماء الباقلاء المغلي، وسائر من بلغنا قوله من أهل العلم على خلافهم" (¬5). الزيلعي (743 هـ) حيث يقول: "اعلم أن الاتفاق على أن الماء المطلق تزال به الأحداث؛ أعني ما يطلق عليه ماء، والمقيد لا يزيل؛ لأن الحكم منقول إلى التيمم عند فقد المطلق في النص" (¬6). ونقل عبارته ابن الهمام (861 هـ) بنصها دون إشارة (¬7). العيني (855 هـ) حيث يقول: "ولو توضأ بماء الورد، لا يصير مستعملًا إجماعًا" (¬8). حيث لم يحسب الوضوء به وضوءًا. ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "وقد علمت أن العلماء اتفقوا على جواز الوضوء بالماء المطلق، وعلى عدم جوازه بالماء المقيد" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬10). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب الوضوء بالماء، و (ماء) هنا مطلقه، فمن لم ¬
يجد الماء المطلق فيصير للتيمم، ولم يقل: إنه يلجأ إلى غير الماء المطلق، فدل على أنه لا يجوز الوضوء بغيره (¬1)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: نُقل الخلاف في هذه المسألة كما سبق عن ابن أبي ليلى، والأصم، وقد عقَّب الإمام النووي على نقل الغزالي للإجماع؛ بأنه لم يبلغه قول ابن أبي ليلى إن صح عنه (¬2)، وعلى قول الأصم؛ بأنه لا يعتد بخلافه (¬3). ونقد ابن تيمية نقل ابن حزم للإجماع في هذه المسألة؛ بحكاية قول ابن أبي ليلى والأصم (¬4). ونقل المرداوي في "الإنصاف" قولًا عن ابن تيمية في هذه المسألة، وأنقله بنصه، حيث قال: "الطريق الثالث: أنه ينقسم -أي الماء- إلى قسمين: طاهر طهور، ونجس. وهي طريقة الشيخ تقي الدين، فإن عنده أن كل ماء طاهر تحصل الطهارة به، وسواء كان مطلقًا أو مقيدًا، كماء الورد ونحوه. نقله في "الفروع" عنه في باب الحيض" (¬5). وبعد مراجعة كلام ابن مفلح في الفروع، وجدت كلامه غير دال على ذلك، وهذا هو نص كلامه: "وعند شيخنا -يعني ابن تيمية- ما أطلقه الشارع عمل بمطلق مسماه ووجوده، ولم يجز تقديره وتحديده بعده؛ فلهذا عنده الماء قسمان: طاهر طهور، ونجس" (¬6)، ثم عاد إلى الحديث عن مسائل الحيض. وهذا ليس فيه تصريح بما ذكره المرداوي رحمه اللَّه. وبعد التأمل ومراجعة كلام ابن تيمية في المسألة، وجدت أنه قال بقول قريب من هذا في مسألة مشابهة، ولعله اشتبهت عليه المسألتان. فهو يقصد إذا اختلط بالماء شيء من المائعات كالدهن والكافور ونحو ذلك، وهذه مسألة خلافية بين أهل العلم تختلف عما نحن بصدده (¬7)، أو اختلط بشيء من الطاهرات كالزعفران والأشنان والحمص وغير ذلك (¬8). ¬
[19 - 19] الطهارة بالمائعات سوى الماء غير جائزة
فتلك اختلفوا فيها؛ لأنها قد يشملها اسم الماء المطلق على الخلاف بينهم، ولكن هذه لا يشملها، فلا يقول إنسان لماء ورد: هذا ماء، ويسكت، وكذا ما شابهه، واللَّه أعلم (¬1). ولكن بعد مزيد من البحث وجدت أن البعلي في "الإختيارات"، قد نقل هذا القول عنه، فقال: "وتجوز طهارة الحدث بكل ما يسمى ماء، وبمعتصر الشجر، قاله ابن أبي ليلى، والأوزاعي، والأصم، وابن شعبان" (¬2). هذا ما نقله عنه، ولم أجد من يؤكد هذا الزعم. ونقل الإمام ابن القيم دعوى هذا الإجماع، ونقده بأنه ليس فيه إجماع، ونقل قول الحسن بن صالح بن حي، وحميد بن عبد الرحمن في الخل، حيث قالوا: يجوز الوضوء بالخل (¬3). وهناك مسألة أخرى، ولكنها قد تعتبر من نواقض هذا الإجماع المحكي، وهي: ما لو سال الماء من الثمر أو الشجر بدون عصر، فقد صرح بجواز الوضوء به صاحب "الهداية" المرغيناني الحنفي، وقد تفرد بذلك (¬4). وخالف ابن حزم رحمه اللَّه في الماء الذي طُبخ فيه، كالفول والحمص والترمس واللوبيا ما دام يقع عليه اسم الماء، فيجوز الوضوء به (¬5). وخالف الحنفية أيضًا، في ماء الزعفران والصابون والأشنان، ولكن بشرط عدم سلب اسم الماء عنه (¬6).Rأن الإجماع غير متحقق؛ حيث نقل الخلاف عن ابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، وحميد بن عبد الرحمن، وما نقل عن ابن تيمية، وكذلك قول ابن حزم، والمرغيناني، وكل ما سبق يبين وجود الخلاف في المسألة بما لا يدع مجالًا للشك، واللَّه تعالى أعلم. [19 - 19] الطهارة بالمائعات سوى الماء غير جائزة: إذا أراد المسلم الوضوء، ووجد مائعًا من المائعات، فإنه لا يجوز له الوضوء به، ¬
وعليه حُكي الإجماع. وقد تشتبه هذه المسألة بالمسألة السابقة (الوضوء بغير الماء المطلق غير جائزة)، والفرق هو: أن تلك المسألة يطلق على المائع فيها اسم الماء، ولكن بالإضافة، فيقال: ماء الورد، وماء الزعفران. أما هذه المسألة، فالمقصود المائعات التي لا يطلق عليها اسم الماء مطلقًا، إلا من حيث السيولة فقط، مثل القهوة والنبيذ واللبن. .، سواء كانت ماء تغير بمخالطة طاهر، أو طبخ فيه طاهر (¬1). ويستثنى من هذه المسألة النبيذ، حيث وقع فيه خلاف مشهور، أما غيره من المائعات فداخل في هذه المسألة. ويؤكد هذا التقسيم أن ابن المنذر فصل هاتين المسألتين، وكذلك فقول ابن أبي ليلى السابق هو في المعتصر فقط كماء الشجر والورد ونحوهما (¬2). وقد جعلهما بعض العلماء واحدة (¬3)، ورأيت أن أفصل بينهما؛ نظرًا لاختلافهما، واللَّه تعالى أعلم. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه لا يجوز الاغتسال، ولا الوضوء بشيء من الأشربة سوى النبيذ" (¬4). ونقل القرطبي نحو هذه العبارة، دون أن يشير أنها لابن المنذر (¬5). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أنه لا يجوز وضوء بشيء من المائعات وغيرها، حاشا الماء والنبيذ" (¬6). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وأما ما سوى الماء من المائعات الطاهرة، فلا خلاف في أنه لا تحصل بها الطهارة الحكمية، وهي زوال الحدث" (¬7). ¬
ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول "فصل: فأما غير النبيذ من المائعات غير الماء؛ كالخل، والمرق، واللبن، فلا خلاف بين أهل العلم -فيما نعلم- أنه لا يجوز بها وضوء ولا غسل" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). ابن مفلح (884 هـ) حيث يقول عن الطاهر: "وهو قسمان: أحدهما غير مطهر بالإجماع، وهو ما خالطه طاهر يمكن أن يصان الماء عنه، . .، والأول ثلاثة أنواع: ما خالطه طاهر فغير اسمه، بأن صار صبغًا أو خلًّا؛ لأنه أزال عنه اسم الماء، أو غلب على أجزائه فصيره حبرًا، . .، أو طبخ فيه فغيره حتى صار مرقًا كماء الباقلاء" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، والحسن، فيما حكي عنهما في اللبن (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11]. 2 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أثبت الطهورية للماء المطلق، وهذه المائعات لا يقع عليها اسم الماء المطلق؛ فلا يجوز الوضوء بها؛ لأنها ليست ماء (¬7)، واللَّه أعلم. • الخلاف في المسألة: سبق النقل عن الإمام ابن القيم حيث نقد دعوى الإجماع في المسألة الماضية، وقال: ليس فيه إجماع، ونقل عن الحسن بن صالح بن حي وحميد ابن عبد الرحمن أنهما يقولان بجواز الوضوء بالخل (¬8)، وهذا نقض لدعوى الإجماع في المسألتين؛ حيث إن الخل لا يقال فيه ماء، فما يطلق عليه ماء بالإضافة يدخل من باب أولى حيث لا يطلق عليه ماء أصلًا. ونقل البعلي في "اختيارات ابن تيمية" (¬9) عنه القول بأن المائعات كلها حكمها حكم الماء، قلت أو كثرت، وهو رواية عن ¬
[20 - 20] طهارة الماء الملاقي لمحل طاهر
أحمد (¬1)، ومذهب الزهري، والبخاري (¬2)، وحكي رواية عن مالك (¬3). ووجدت كلامًا له نحوه (¬4)، غير أنه ليس فيه توضيح، هل هو يقصد أن حكمها كالماء في الوضوء والغسل، أو أنه يقصد في التنجس والطهارة؟ حيث أخذ يتحدث عن مسألة الدهن الجامد والمائع، وتنجسه من سقوط فأر وعدمه، فالكلام غير واضح، واللَّه تعالى أعلم. وعلى كل حال فالمسألة حكي فيها الخلاف، فليست محل إجماع.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود الخلاف المحكي في المسألة، سواء ثبت خلاف ابن تيمية أو لا، وذلك لخلاف الحسن بن صالح، وحميد بن عبد الرحمن، وسبق شبهه عن ابن أبي ليلى في المعتصر، والخلاف في المطبوخ، حيث إن الخلاف هناك يجري هنا لقيام نفس العلة، فالكل ليس ماء مطلقًا، والكل من المائعات، واللَّه تعالى أعلم. [20 - 20] طهارة الماء الملاقي لمحل طاهر: الماء الطاهر إذا لاقى محلًّا طاهرًا ليس بنجس فإن الماء يبقى على طهوريته، هذا ما تبينه هذه المسألة. والمقصود هنا هو: أن الماء الطاهر إذا لاقى محلًّا جامدًا طاهرًا، كالإناء والكأس والصخرة والتراب ونحو ذلك. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "والماء الطاهر إذا لاقى محلًا طاهرًا؛ لم ينجس بالإجماع" (¬5). ونقل ابن قاسم هذه العبارة دون إشارة (¬6). العيني (855 هـ) حيث يقول: "الماء المستعمل ثلاثة أنواع: نوع طاهر بالإجماع كالمستعمل في غسل الأعيان الطاهرة. . . " (¬7). ¬
[21 - 21] طهورية الماء المستعمل من طاهر لغير قربة
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬1)، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: هذه المسألة من البدهيات التي تدرك بالعقل، فالماء لا يقدَّم أصلًا إلا في إناء طاهر، ولا يشرب إلا في كأس ونحو ذلك. ولو قلنا بتنجسه أو عدم طهارته لهذا السبب؛ لأصبح مناقضًا للعقل، وجالبًا لمشقة كبيرة. ويمكن أن يستدل أيضًا بالآية الكريمة: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن المشروع بنص الآية عدم العدول عن الماء في الوضوء، إلا بعدم وجوده، والماء الملاقي لمحل طاهرٍ هو طاهر في الأصل، ولاقى محلًّا طاهرًا، ولم يغيِّر فيه شيئًا، ولم يستخدم في رفع حدث، ولا إقامة قربة؛ فتنطبق عليه شروط الماء الطهور؛ فكان طهورًا.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [21 - 21] طهورية الماء المستعمَل من طاهرٍ لغير قُربة: الماء الطاهر إذا استعمله إنسان في غير رفع الحدث وإقامة القربة، فإن هذا الاستعمال لا يغير من حكم الماء في شيء. وهنا قيد مهم، وهو: أن يكون هذا المستعمِلُ للماء طاهرًا غير محدث، وإلا أصبح الكلام عن المسألة الخلافية المعروفة، وهي حكم الماء المستعمل في الوضوء أو الغسل (¬3). وهناك قيد آخر، وهو أن يكون الماء قليلًا، فأما ما زاد عن ذلك، فغير داخل؛ حيث إنه لا ينجس (¬4). وعبارة (لغير قربة) في عنوان المسألة؛ لكي تُخْرج أمرين: 1 - الاستعمال لإزالة الحدث. 2 - الاستعمال لإقامة قربة، حتى ولو لم يكن وضوءًا كاملًا، كمن غسل يديه بعد الاستيقاظ بنية القربة. ¬
• من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ولو توضأ أو اغتسل للتبرد؛ فإن كان محدثًا؛ صار الماء مستعملًا، عند أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر والشافعي؛ لوجود إزالة الحدث، وعن محمد لا يصير مستعملًا؛ لعدم إقامة القربة، وإن لم يكن محدثًا؛ لا يصير مستعملًا بالاتفاق، على اختلاف الأصول" (¬1). ويقول أيضًا: "فإن كان طاهرًا وانغمس لطلب الدلو أو للتبرد؛ لا يصير مستعملًا بالإجماع؛ لعدم إزالة الحدث وإقامة القربة" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا تختلف الرواية أن ما استُعمل في التبرد والتنظيف، أنه باق على إطلاقه، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). أبو بكر الحدادي الحنفي (800 هـ) حيث يقول: "وإذا توضأ الطاهر، ولم ينوها؛ لا يصير مستعملًا إجماعًا" (¬5). العيني (855 هـ) حيث يقول: "ولو توضأ متوضئ للتبرد؛ لا يصير الماء مستعملًا بالإجماع" (¬6). ونقل ابن نجيم هذه العبارة دون إشارة (¬7). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول -في سياق كلام له-: "لأن الطاهر -أي الرجل- إذا انغمس لطلب الدلو، ولم يكن على أعضائه نجاسة، لا يصير الماء مستعملًا اتفاقًا؛ لعدم إزالة الحدث وإقامة القربة" (¬8). الرحيباني (1243 هـ) حيث يقول: "وكاستعمال الماء في تبرد وتنظف، فلا يصير الماء مستعملًا في ذلك، ولا يكره استعماله بعد ذلك اتفاقًا" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية على المشهور ¬
[22 - 22] طهارة الندى الباقي على أعضاء المتطهر
عندهم (¬1)، والشافعية (¬2)، وابن حزم (¬3). • مستند الإجماع: حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه" (¬4). • وجه الدلالة: أن الأصل في الماء الطهارة؛ إلا أن يتغير، وهذا الماء طاهر، ولم يستعمل في رفع حدث أو إقامة قربة، أشبه الماء الطاهر الذي غسل به ثوب طاهر (¬5). • الخلاف في المسألة: نقل الحطاب رحمه اللَّه قولًا لأصبغ؛ بأنه يترك هذا الماء ويتيمم، فإن صلى به؛ أعاد أبدًا، وقال: "وسواء عنده توضأ به الأول محدثًا أو مجددًا، أو غسل به ثوبًا طاهرًا" (¬6). ونقل السرخسي عن الطحاوي رحمه اللَّه، بأنه قال: إذا تبرد بالماء صار الماء مستعملًا. وعلق عليه بقوله: "وهذا غلط منه، إلا أن يكون تأويله؛ إن كان محدثًا فيزول الحدث باستعمال الماء، وإن كان قصده التبرد فحينئذ يصير مستعملًا" (¬7).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود الخلاف المعتبر في المسألة، أما ما نقل عن أصبغ، فلم أجد من قال بقوله، ولم يتابعه أحد من المالكية أو غيرهم، فهو شذوذ منه رحمه اللَّه، واللَّه تعالى أعلم. [22 - 22] طهارة الندى الباقي على أعضاء المتطهر: الندى أو البلل الباقي على عضو المتطهر، حكمه أنه طاهر، وقد حكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وفي إجماع أهل العلم أن الندى الباقي على أعضاء المتوضئ والمغتسل، وما قطر منه على ثيابهما طاهر؛ دليل على طهارة الماء المستعمل" (¬8). نقله عنه ابن حجر (¬9). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول في معرض استدلاله لمن قال بطهورية الماء ¬
[23 - 23] طهارة ما قطر من أعضاء المتطهر على الثياب
المستعمل: "لأنه إذا لم يكن في أعضاء المتوضئ به نجاسة؛ فهو ماء طاهر بإجماع" (¬1). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "فإن غسل البدن من الماء المستعمل لا يجب بالاتفاق" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه لم ينقل عنهم أنهم كانوا يغسلون أبدانهم بعدما يتوضؤون (¬7). • وجه الدلالة: حيث إذا كان يجب غسل الماء المستعمل من البدن؛ فلِمَ لم يفعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا أصحابه، ولم ينقل عنهم؛ فدل ذلك على عدم وجوبه؛ إذ الحاجة تدعو لنقله لو ثبت، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق في طهارة الندى الباقي على العضو؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [23 - 23] طهارة ما قطر من أعضاء المتطهر على الثياب: الندى أو البلل الباقي على عضو المتطهر، الذي يقطر من العضو على الثوب طاهر، لا يؤثر في طهارة الثوب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وفي إجماع أهل العلم أن الندى الباقى على أعضاء المتوضئ والمغتسل، وما قطر منه على ثيابهما طاهر؛ دليل على طهارة الماء المستعمل" (¬8). نقله عنه ابن حجر (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية في رواية (¬10)، ¬
[24 - 24] الانتفاع بالماء المستعمل في غير الطهارة
والمالكية (¬1)، والحنابلة على المشهور (¬2)، وابن حزم (¬3). • مستند الإجماع: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه لم ينقل عنهم أنهم كانوا يغسلون ثيابهم عندما يصيبهم أثر من الوضوء (¬4). • وجه الدلالة: حيث إذا كان يجب غسل الماء المستعمل من الثوب؛ فلِمَ لم يفعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا أصحابه، ولم ينقل عنهم؛ فدل ذلك على عدم تأثره؛ إذ الحاجة تدعو لنقله لو ثبت، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة أبو حنيفة في رواية أبي يوسف والحسن بن زياد (¬5)، والحنابلة في رواية (¬6)، فقالوا: بنجاسة ما يقطر من العضو على الثوب (¬7). وأصل هذا القول؛ عند الحديث عن الماء المستعمل، ما حكمه؟ فهناك رواية لأبي حنيفة (¬8)، ورواية لأحمد (¬9) بأنه نجس، ومن ثم يجب غسله من البدن. بل هناك رواية عن أبي حنيفة، بأن الماء المستعمل مغلَّظ النجاسة (¬10)، فلا بد إذًا من غسلها، ما دامت مغلظة النجاسة. واستدلوا بقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من جنابة" (¬11). قالوا: والبول ينجس الماء، فكذا الاغتسال؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد نهى عنهما جميعًا، أي أنه يدل على المساواة بينهما (¬12)، فالماء المستعمل في طهارة نجس.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [24 - 24] الانتفاع بالماء المستعمل في غير الطهارة: إذا كان لدى المسلم ماء مستعملًا في طهارة، وأراد أن يستعمله في شرب أو طبخ أو غيره، فإن ذلك جائز. ¬
• من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول: "فإن قيل: لا يلزم من عدم جمعه الماء المستعمل -منع الطهارة به، ولهذا لم يجمعوه للشرب والطبخ والعجن والتبرد ونحوها، مع جوازها به بالاتفاق" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية على القول بطهارة الماء المستعمل، وعلى القول بنجاسته نجاسةً خفيفةً (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. • وجه الدلالة: حيث إن الآية تدل على أن الأصل في الماء الطهورية، وهذا الماء لم يتغير بحيث أصبح لا يسمى ماء، فيبقى على أصله فيكون طاهرًا، ويجوز استعماله، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الأصل في استعمال الماء الإباحة، وهذا الماء المستعمل يشمله هذا الحكم، ولا يخرج من هذا الأصل إلا بدليل، ولا دليل يخرجه من هذا الأصل، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: يقول الشوكاني رحمه اللَّه: "الإجماع على إضاعته وعدم الانتفاع به -أي الماء المستعمل-" (¬6). وهذا الكلام يصادم كلام النووي السابق تمامًا، ولكن -واللَّه أعلم- أن الشوكاني رحمه اللَّه لا يقصد مسألتنا، بل يقصد مسألة الماء المستعمل في الطهارة. ويظهر أيضًا أنه لا يقصد الإجماع الاصطلاحي، بل يقصد العادة، حيث جرت عادة الناس جميعهم على عدم الاستفادة من الماء الذي يسقط من اليد مثلًا بعد الوضوء، ولا يقصد الإجماع الاصطلاحي، إذ الخلاف في هذه المسألة مشهور. وحتى نتأكد من ذلك؛ فالشوكاني ساق هذا الكلام في معرض الاستدلال لأبي حنيفة ومن معه على نجاسة الماء المستعمل، ثم أجاب على أدلتهم، وأجاب عن هذا الاستدلال بقوله: "وعن الثاني -أي الدليل الثاني- بأن الإضاعة لإغناء غيره عنه، لا ¬
[25 - 25] عدم جواز الوضوء بالنبيذ المشتد
لنجاسته" (¬1)، وبهذا يتأكد ما قلناه، واللَّه تعالى أعلم. خالف أبو حنيفة في رواية الحسن (¬2)، فقال بعدم جواز الانتفاع بالماء المستعمل على كل حال. وذلك لأن الماء المستعمل نجس نجاسة غليظة، وهو لا يجوز استعماله لتنجيسه الطاهر (¬3). وقد قال الحنابلة بنجاسة المستعمل في رواية (¬4)، ونص عليه أحمد في ثوب المتطهر (¬5)، غير أنهم لم يذكروا تفصيلًا لهذه الرواية.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [25 - 25] عدم جواز الوضوء بالنبيذ المشتد: القول بجواز الوضوء بالنبيذ مشهور عن أبي حنيفة رحمه اللَّه، ولكن إذا اشتد النبيذ، فأصبح مسكرًا، فإنه يتفق مع الجماهير من العلماء، فيكون إجماعًا بعدم جواز الوضوء به. • من نقل الإجماع: ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "فإن كان النبيذ مطبوخًا مشتدًّا، فلا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الوضوء به، حتى جاز من أبي حنيفة" (¬6)، وهو يريد أن أبا حنيفة خرق الإجماع، ولكن الصورة التي ذكرها ابن العربي لم يخالف فيها أبو حنيفة، بدليل كلام البابرتي، والعيني الآتيان، وهما من كبار الحنفية. البابرتي (786 هـ) حيث يقول: "وما اشتد منها، وصار مرًّا؛ لا يجوز الوضوء به بالإجماع؛ لأنه صار مسكرًا حرامًا" (¬7). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "ووجه احتجاج البخاري به (¬8) في هذا الباب (¬9)، ¬
[26 - 26] الطهارة المتيقنة للماء لا تزول بالشك
أن المسكر لا يحل شربه، وما لا يحل شربه؛ لا يجوز الوضوء به اتفاقًا" (¬1). العيني (855 هـ) حيث يقول في "شرحه للهداية": "وما اشتد منه صار حرامًا، لا يجوز التوضؤ به -أي لا يجوز الوضوء به- إجماعًا؛ لأنه صار مسكرًا حرامًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11]. 2 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قيد الوضوء بالماء، فإن لم يوجد فالتيمم، ولم يقل: توضؤوا بأي مائع آخر؛ فدل على اشتراط كون المُتوضَأ به ماء، واللَّه تعالى أعلم. 3 - حديث أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثه إلى اليمن، فسأله عن أشربة تصنع بها، فقال: وما هي؟ قال: البِتْع والمِزْر، فقيل للراوي: وما البتع؟ قال: نبيذ العسل، والمزر نبيذ الشعير. فقال: "كل مسكر حرام" (¬5). • وجه الدلالة: حيث إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حرم النبيذ، وذكر قاعدة تشمل كل ما أسكر؛ فهو داخل في نفس الحكم، فإذا كان شربه حرامًا؛ فالوضوء به من باب أولى.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [26 - 26] الطهارة المتيقنة للماء لا تزول بالشك: إذا تيقن المسلم طهارة الماء، ولكنه شك في نجاسته، فإنه يتوضأ به، ولا يعتبر الشك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول شارحًا قول الماتن: "إذا تيقن طهارة الماء، وشك في نجاسته، توضأ به، هذه الصور الثلاث متفق عليها" (¬6)، وهذه ¬
هي الصورة الأولى. القرافي (684 هـ) حيث يقول: "والغالب لا يترك للنادر، وبقي الشك غير معتبر إجماعًا" (¬1). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول عن البئر الذي سقطت فيه ميتة ولم يُعلم ذلك: "وإن لم يعلم فقد صار الماء مشكوكًا في طهارته ونجاسته، فإذا توضؤوا منها وهم متوضئون، أو غسلوا ثيابهم من غير نجاسة، فإنهم لا يعيدون إجماعًا؛ لأن الطهارة لا تبطل بالشك" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: حديث عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شُكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" (¬4). • وجه الدلالة: حيث جعل الأصل عدم خروج شيء، ولا ينتقل منه إلا بيقين، وهو سماع الصوت، أو وجود الريح. وهذا يؤسس لقاعدة: اليقين لا يزول بالشك، التى هى من القواعد الخمس الكلية الكبرى (¬5). فالأصل إذًا أنه طاهر، ويبقى على هذا الأصل وهو الطهارة، حتى يثبت الضد، فيكون طاهرًا إذًا (¬6).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. * * * ¬
[27 - 27] الماء المتيقن نجاسته لا تزول بالشك
[27 - 27] الماء المتيقن نجاسته لا تزول بالشك: إذا تيقن المسلم نجاسة الماء، وشك في طهارتها، فإنه لا يتوضأ بهذا الماء. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول شارحًا قول الماتن: "وإن تيقن نجاسته، وشك في طهارته، لم يتوضأ به، هذه الصور الثلاث متفق عليها" (¬1)، وهذه الصورة الثانية. القرافي (684 هـ) حيث يقول: "والغالب لا يترك للنادر، وبقي الشك غير معتبر إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - أن الأصل بقاء الماء على النجاسة المتيقنة، وأما الشك فلا عبرة به (¬5). 2 - أن الشيء إذا كان على حال، فانتقاله عنها يفتقر إلى عدمها، ووجود الأخرى وبقاؤها وبقاء الأولى لا يفتقر إلا إلى مجرد البقاء، فيكون أيسر من الحديث وأكثر، والأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب، وهو أن الماء على نجاسته (¬6). وهذا الدليل يصلح للمسألتين الأولى والثانية، على حد سواء.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [28 - 28] طهورية الماء غير المتيقن طهارته ولا نجاسته: إذا لم يتيقن المسلم طهارة الماء ولا نجاسته، فإنه يتوضأ بهذا الماء، والأصل طهارته. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول شارحًا قول الماتن: "وإن لم يتيقن طهارته، ولا نجاسته، توضأ به، هذه الصور الثلاث متفق عليها" (¬7)، وهذه الصورة ¬
[29 - 29] المشتبه عليه في طهور وغيره يتوضأ منهما ويصلي مرة
الثالثة. • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الاتفاق: أن الأصل طهارة الماء، ولا ينتقل منه إلا بدليل ولا يوجد، فتبقى المسألة على هذا الأصل (¬4) وقد جعل النووي هذه المسألة كالمسألة الأولى (¬5)، فالأصل الطهارة وهي المتيقنة، فلا ينتقل منها إلى غيرها إلا بناقل متيقن (¬6).Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [29 - 29] المشتبَه عليه في طهور وغيره يتوضأ منهما ويصلي مرةً: إذا اشتبه على المسلم ماء طهور بماء غير مطهر، فإنه يتوضأ من كل واحد منهما وضوءًا، ويصلي صلاة واحدة. في العنوان (طاهر وغيره)، ولم أقل: ونجس، لأنه ليس مقصودًا، فلو كان كذلك لنجس أحدهما المتوضئ، ولكن المقصود طاهر غير مطهر (¬7). • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وإن اشتبه ماء طهور بماء قد بطلت طهوريته، توضأ من كل واحد منهما وضوءًا كاملًا، وصلى بالوضوءين صلاة واحدة، لا أعلم فيه خلافًا" (¬8). ونقله عنه البهوتي (¬9). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الشافعية (¬10). أما الحنفية، فلم أستطع الوصول إلى كلام لهم في المسألة، مع طول بحث. • مستند نفي الخلاف: أن من توضأ بالإناءين أمكنه أداء فرضه بيقين، من غير حرج فيه، كما لو كان الإناءان طهورين ولم يكفه أحدهما، فإنه يستعمل الآخر، فكذلك هنا (¬11). ¬
[30 - 30] المشتبه عليه بين إناءين ووجد طهورا توضأ به
• الخلاف في المسألة: إذا كان الماء الذي بطلت طهارته من قبيل الماء المستعمل، فلا شك في انتقاض المسألة به؛ حيث بينا فيما سبق مسألة طهارة الماء المستعمل، أن لأبي حنيفة وأحمد روايتين بأن الماء نجس إذا استعمل في الوضوء (¬1)، وهناك رواية لأبي حنيفة أيضًا بأن نجاسته نجاسة مغلظة في هذه الحالة (¬2). فإن كان أحد الماءين من هذا القبيل؛ فلا اتفاق في المسألة. وقد خالف المالكية في قول لهم في مسألة الباب (¬3)، فقالوا: يتوضأ وضوءين، ولكن يصلي صلاتين. واستدلوا بالقياس على من نسي صلاة من خمس، فإنه يؤديها كلها (¬4). وخالف المالكية في قول آخر (¬5)، فقالوا: يتحرى أحدهما فيتوضأ به. واستدلوا بالقياس على التحري في الصلاة عندما تشتبه عليه جهة القبلة (¬6). وخالف المالكية في قول آخر (¬7)، فقالوا: يتيمم ويتركها، ولا يتحرى. واستدلوا بالقياس على الأخت من الرضاع إذا اختلطت بأجنبية (¬8).Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [30 - 30] المشتبه عليه بين إناءين ووجد طهورًا توضأ به: إذا اشتبه على المسلم إناءان، ووجد آخر طهورًا، فإنه يلزمه التوضؤ بالطهور، ولا يجوز له التحري والاجتهاد، ولا التيمم. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "إذا لم يجد ماء غير الإناءين المشتبهين، فإنه متى وجد ماء طهورًا غيرهما توضأ به، ولم يجز التحري، ولا التيمم، بغير خلاف" (¬9). النووي (676 هـ) حيث يقول بعد ذكر صورة المسألة، وأن فيها وجهين لدى ¬
[31 - 31] طهارة الماء الذي دون القلتين بالمكاثرة
الشافعية: "واتفقوا على أنه إذا جوزنا التحري؛ استحب تركه، واستعمال الطاهر بيقين احتياطًا" (¬1). وهو يريد اتفاق الشافعية على الأظهر، ولكن ذكرته للاعتضاد فقط. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬2). أما الحنفية، فلم أجد كلامًا لهم في المسألة. • مستند نفي الخلاف: 1 - أن اليقين متوفر، وهو الماء الطهور، ولا يجوز العدول عن اليقين إلى الظن. 2 - أن من عمل باليقين فقد أسقط الفرض بيقين، بخلاف العامل بالظن، فوجب إسقاط الفرض بيقين، وبطل الاجتهاد في المسألة (¬3). • الخلاف في المسألة: كلام النووي السابق ينقض كلام ابن قدامة، ولكن فيه اتفاق على أقل ما قيل في المسألة (¬4)، فكلاهما ينص على أن الوضوء من الماء الطاهر بيقين مستحب وأفضل، ولكن الخلاف في لزوم الوضوء به. فقد خالف في هذه المسألة الشافعية في الأصح عندهم، فقالوا: بجواز الاجتهاد في هذه الحال (¬5). واستدلوا بأن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كان يسمع أحدهم الحديث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من صحابي آخر، فيعمل به، ولا يفيده إلا الظن، ولا يلزمه أن يأتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيسمعه منه؛ فيحصل له العلم قطعًا (¬6).Rأن نفي الخلاف فى المسألة غير متحقق؛ لوجود المخالف فى المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [31 - 31] طهارة الماء الذي دون القلتين بالمكاثرة: إذا تنجس ماءٌ، وأراد المسلم تطهيره، فإنه يضيف إليه ماءً ليكاثره، حتى يبلغ به ¬
القلتين، ثم يصبح عندئذ طاهرًا (¬1). • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول: "أما المسألة الأولى، وهي إذا كاثره -أي الماء المضاف إليه- فبلغ قلتين، فيصير طاهرًا مطهرًا بلا خلاف، سواء كان الذي أورده عليه طاهرًا أو نجسًا، قليلًا أو كثيرًا" (¬2). المرداوي (885 هـ) حيث يقول شارحًا لمتن "المقنع": "قوله: (وإذا انضم إلى الماء النجس ماء طاهر كثير طهَّره، إن لم يبق فيه تغير) وهذا بلا نزاع، إذا كان المتنجس بغير البول والعذرة، إلا ما قاله أبو بكر" (¬3). الحطاب (954 هـ) حيث يقول شارحًا لكلامٍ للماتن: "يعني أن الماء إذا تغير بالنجاسة، ثم زال تغيره، فلا يخلو: إما أن يكون بمكاثرة ماء مطلق خالطه، أم لا، فالأول طهور باتفاق" (¬4). • مستند الاتفاق: حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: قال عليه الصلاة والسلام: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث"، وفي لفظ: "لم ينجس" (¬5). • وجه الدلالة: الحديث فيه أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، والماء النجس إذا أضيف إليه ماء طاهر، فأصبح قلتين، وزال التغير منه؛ انطبق عليه الحديث؛ فيكون دليلًا على طهارته، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة فى هذه المسألة في احتمال؛ بأنه يصبح طاهرًا لا طهورًا (¬6). واستدلوا: بأنه استعمل في إزالة النجاسة، فهو ماء مستعمل. وخالف أبو بكر الحنبلي، فقال: إذا انماعت النجاسة في الماء، فهو نجس لا يطهِّر، ولا يطهَّر (¬7). وهذا في حال كون الماء المضاف طاهرًا كثيرًا، والمنجِّس له غير البول والعذرة، كما عبر بذلك المرداوي فيما سبق. ¬
[32 - 32] الماء الذي دون القلتين لا يطهر بأخذ بعضه
أما إذا كان المنجس هو البول والعذرة، فقد اختلف الحنابلة فيه على ثلاثة أقوال: الأول: أنه لا يطهر إلا بإضافة ما لا يمكن نزحه، وهو أكثر من قلتين (¬1). الثاني: أنه لا يطهر إلا إذا بلغ المجموع ما لا يمكن نزحه (¬2). الثالث: أن يطهر بإضافة قلتين طهورين (¬3). وبحثت عن رأي الحنفية في ذلك؛ فلم أجدهم يذكرون سوى النزح للماء (¬4)، ولم يذكروا المكاثرة بعد طول بحث، ثم وجدت الكاساني أشار إليها إشارة سريعة، ونسبها إلى الشافعية، ورد عليهم بأنه فاسد (¬5). وهم يفرقون بين المنجس المائع وغيره، فالعذرة وخرء الدجاج -مثلًا- لا يطهر الماء بالنزح كاملًا، إذا كان بئرًا، وإلا فهو نجس (¬6).Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود الخلاف في المسألة، وظاهر من عبارة النووي أنها في المذهب، فلو كان المضاف نجسًا كما قال، لزاد الخلاف في المسألة، ولو كان المضاف قليلًا لزاد الخلاف أيضًا، فهو يذكر مذهب الشافعية فقط، وقد خالفهم في ذلك عدد من أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم. [32 - 32] الماء الذي دون القلتين لا يطهر بأخذ بعضه: إذا تنجس ماءٌ دون القلتين، فإنه لا يطهر بأخذ بعضه؛ لأنه ينقص عن القلتين التي لا تحمل الخبث. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول شارحًا قول الماتن: (وإن كان قلتين طهر بجميع ما ذكرناه (¬7)، إلا بأخذ بعضه، فإنه لا يطهر؛ لأنه ينقص عن قلتين وفيه نجاسة)، قال: "هذا الذي قاله متفق عليه" (¬8). ¬
[33 - 33] التطهر بالماء المسخن جائز
• مستند الاتفاق: حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: قال عليه الصلاة والسلام: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث"، وفي لفظ: "لم ينجس" (¬1). • وجه الدلالة: الحديث فيه أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، هذا منطوقه، ويدل بمفهومه على أن الماء إذا قلَّ عن ذلك؛ فإنه يحمل الخبث، فإذا نزح منه؛ فبطريق الأولى أنه لا يطهر، وأنه يحمل الخبث (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية (¬3)، والحنابلة، فقالوا: يطهر بذلك (¬4). وأما الحنفية، فيقولون: لو سقطت فأرة فقط في بئر، فإنه لا يطهر إلا بنزح عشرين دلوًا وجوبًا، فهم يطهرون الماء بالنزح، ولا يذكرون نقصه عن القلتين وزيادته (¬5).Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، وهذه من المسائل التي تؤكد أن النووي يستخدم عبارة: الاتفاق في المذهب، إلا أن تدل قرينة أو تصريح بأنه يريد الإجماع في الحكاية، واللَّه تعالى أعلم. [33 - 33] التطهر بالماء المسخن جائز: إذا كان الماء ساخنًا، وأراد المسلم الوضوء منه، فإن تسخينه له جائز. وقال الإمام الشافعي: "لأن الماء له طهارة النار، والنار لا تنجس الماء" (¬6). • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول عن أثر الوقود في الماء: "فأما الطاهر كالخشب والقصب والشوك، فلا يؤثر باتفاق العلماء" (¬7). ويقول أيضًا: "وأما إذا تيقن طهارته؛ فلا نزاع فيه" (¬8). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "وأما مسألة التطهر بالماء المسخن، فاتفقوا على جوازه إلا ما روي عن مجاهد" (¬9). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق: عمر، وابن عمر، وابن عباس، ¬
[34 - 34] الماء المسخن بالنجاسة
وسلمة بن الأكوع -رضي اللَّه عنهم-، والحسن (¬1)، والحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الاتفاق: 1 - أن الماء المسخن لا يخرج عن كونه ماءً مطلقًا، فيكون على الأصل، وهو كونه طهورًا (¬5). 2 - أن عمر -رضي اللَّه عنه-، أنه كان يتوضأ بالحميم (¬6)، ولا شك أن مكانة عمر معروفة، ولو كان تسخين أثر لبلغه من كثرة ملازمته للمصطفى عليه الصلاة والسلام. • الخلاف في المسألة: سبق ذكر مخالفة مجاهد، وأنه كره الوضوء بالماء المسخن (¬7)، ولم يُفصل هل الكراهة للتنزيه أو للتحريم. وقال ابن المنذر: "وليس لكراهيته لذلك معنى" (¬8). ولم أجد من تابعه في ذلك أبدًا، ولم أجد له دليلًا، إلا أن يقال: أن الماء المسخن جدًّا قد يعوق المتوضئ من إسباغ الوضوء.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود الخلاف المعتبر في المسألة، ومخالفة مجاهد لا تضر، إذ هي شذوذ، ولم يتابعه عليها أحد، واللَّه تعالى أعلم. [34 - 34] الماء المسخن بالنجاسة: إذا سخن الماء بنجاسة، ولكن لا يتحقق وصول شيء منها للماء، فإن الماء ليس بنجس بالاتفاق. وقد اختلف في هذه المسألة، من حيث الكراهة وعدمها (¬9)، ولكن هذه ليست مسألتنا. والمسخن بالنجاسة ثلاثة أقسام: 1 - أن يتحقق وصول شيء من النجاسة إلى الماء. ¬
[35 - 35] النهي عن غمس يد المستيقظ في الإناء قبل غسلها
2 - أن لا يتحقق وصول شيء منها، ولكن الحائل غير حصين. 3 - أن لا يتحقق وصول شيء منها، والحائل حصين (¬1)، وهذه مسألتنا. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وأما المسخن بالنجاسة، فليس بنجس باتفاق الأئمة، إذا لم يحصل له ما ينجسه" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - أن الماء المطلق طهور، ما لم يتيقن أنه نجس، فالأصل في المياه أنها طهورة، ما لم يأت ناقل متيقن منه، وفي هذه المسألة لم يأت هذا الناقل؛ فنبقى على الأصل أن الماء طهور، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن النجاسة هنا قد استحالت، وأصبحت دخانًا، وهي كالميتة إذا أصبحت ملحًا أو ترابًا لا أثر لها (¬7).Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، ولكن يأتي هنا الخلاف في المسألة السابقة المحكي عن مجاهد، فهو يكره الماء المسخن مطلقًا، وقد ذكرت هناك أنه شذوذ منه رحمه اللَّه، واللَّه تعالى أعلم. [35 - 35] النهي عن غمس يد المستيقظ في الإناء قبل غسلها: إذا استيقظ المسلم من نومه، وأراد الوضوء، فإنه لا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول عن فوائد حديث أبي هريرة الآتي بالمستند: "هذه فوائد من الحديث غير الفائدة المقصودة هنا، وهي النهي عن غمس ¬
اليد في الإناء قبل غسلها، وهذا مجمع عليه" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثًا؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر المستيقظ من النوم بغسل اليدين قبل إدخالها الإناء، والأمر يتضمن النهي عن مخالفته، فدل على النهي عن غمس اليد بالإناء قبل غسلها (¬7)، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الباب الثاني: مسائل الإجماع في باب الآنية
الباب الثاني: مسائل الإجماع في باب الآنية [1 - 36] تحريم استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب: آنية الذهب والفضة جاءت النصوص في تحريم استعمالها في الأكل والشرب، وقد حكى الإجماع على التحريم عدد من العلماء. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) نقل الإجماع على تحريم الشرب، في آنية الذهب والفضة، إلا عن معاوية بن قرة (¬1). نقل ذلك عنه الشوكاني (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على أنه لا يجوز الشرب بها -أي: آنية الذهب والفضة-" (¬3). وقال أيضًا: "واختلف العلماء في الشرب، في الإناء المفضض، بعد إجماعهم على تحريم استعمال إناء الفضة والذهب في شرب وغيره" (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن استعمال أواني الذهب، أو الفضة في المأكول، والمشروب، والطيب منهي عنه" (¬5). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف بين أصحابنا في أن استعمال آنية الذهب والفضة حرام، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، ولا أعلم فيه خلافًا" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وحكى أصحابنا عن داود، أنه قال: إنما يحرم الشرب، دون الأكل والطهارة وغيرهما، وهذا الذي قاله غلط فاحش، ففي حديث حذيفة، وأم سلمة (¬7) من رواية مسلم التصريح بالنهي عن الأكل والشرب كما سبق، ¬
وهذان نصان في تحريم الأكل، وإجماعٌ من قَبل داود حجةٌ عليه" (¬1). وقال بعدها: "قال أصحابنا: أجمعت الأمة على تحريم الأكل والشرب وغيرهما من الاستعمال في إناء ذهب أو فضة، إلا ما حكي عن داود، وإلا قول الشافعي في القديم" (¬2). ونقله عنه الصنعاني (¬3)، وابن قاسم (¬4). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "كما في آنية الذهب والفضة؛ فإنهم اتفقوا على أن استعمال ذلك حرام، على الزوجين الذكر والأنثى" (¬5). ونقله عنه ابن قاسم (¬6). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "فيحرم استعماله على الرجل والمرأة والخنثى بالإجماع" (¬7). الرملي (1004 هـ) حيث يقول: "فمن المحرّم؛ الإناءُ من ذهب وفضة بالإجماع، للذكر وغيره" (¬8). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث يدل على تحريم الأكل والشرب، في آنية الذهب والفضة، أما الشرب فبالإجماع، وأما الأكل فأجازه داود" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬10)، وابن حزم (¬11). • مستند الإجماع: 1 - حديث حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" (¬12). 2 - حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-، قالت: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الذي يشرب في آنية الفضة، إنما ¬
يجرجر في جوفه نار جهنم" (¬1). • وجه الدلالة: النهي في الحديثين صريح، حيث قال: "لا تشربوا"، "ولا تأكلوا". • الخلاف في المسألة: تلخص لنا من البحث السابق، مخالفة ثلاثة من العلماء، هم: الأول: معاوية بن قرة، ولم يفصل قوله من نقله، غير أني وجدته في "المصنف"، أباح الشرب بإناء الفضة (¬2). الثاني: داود الظاهري، وقد نص من نقل خلافه، أنه يحرم الشرب فقط، ويبيح الأكل وغيره، وليس له في ذلك مستند، غير أن الشوكاني تعذر له، بأنه ربما لم يبلغه الحديث (¬3)، ولم يتابعه على هذا ابن حزم، بل لم يشر لهذا القول إطلاقا (¬4). الثالث: الشافعي في قول قديم، نسبه إليه العراقيون من أصحابه، ونفاه المحققون من الشافعية، إلا أنه محكي عنه، أنه يقول بالكراهة التنزيهية فقط (¬5).Rلا بد من تفصيل المسألة، فأما الشرب في آنية الذهب؛ فلم يثبت فيه خلاف، إلا ما حكي عن الشافعي في القديم، بأنه كراهة تنزيه. ومردود عليه بالوعيد الشديد في الأحاديث، وهو لا يكون إلا في المحرم تحريمًا شديدًا. وعلى أية حال، فقد رجع عنه، ولا يعتبر قولًا له، ما دام قد رجع عنه، ولم يتابعه عليه أصحابه، ولم يفرعوا عليه، كما قال النووي (¬6). وأما الشرب في آنية الفضة؛ فأجازه معاوية بن قرة، وخلافه هنا مصادم للنص مباشرة، وأما خلاف الشافعي؛ فسبقت مناقشته. وأما الأكل فيهما فخالف داود، وخلافه مصادم للنص، وذكر النووي أنه مخالف ¬
[2 - 37] تحريم استعمال آنية الذهب والفضة للرجال والنساء
للإجماع، الذي وقع قبله، ولكن لم أجد من حكى الإجماع قبل داود، فهو متوفى في سنة مائتين وسبعين للهجرة، أي: قبل ابن المنذر، وكذلك الشافعي ومعاوية، ولذا فالأقرب أن يقال: إن المسألة تحقق فيها الإجماع بعد الخلاف، وهي مسألة أصولية معروفة، والأقرب أنه يكون حجة ظنية لا إجماعًا قطعيًا، واللَّه تعالى أعلم. [2 - 37] تحريم استعمال آنية الذهب والفضة للرجال والنساء: تحريم الأكل والشرب في آنية النقدين يشمل الرجل والمرأة، وعلى ذلك حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن هذا التحريم -الاستعمال- في حق الرجال والنساء" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: يستوي في تحريم استعمال إناء الذهب والفضة الرجال والنساء، وهذا لا خلاف فيه" (¬2). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "كما في آنية الذهب والفضة؛ فإنهم اتفقوا على أن استعمال ذلك حرام، على الزوجين الذكر والأنثى" (¬3). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "فيحرم استعماله على الرجل والمرأة والخنثى بالإجماع" (¬4). الرملي (1004 هـ) حيث يقول: "فمن المحرّم؛ الإناءُ من ذهب وفضة بالإجماع، للذكر وغيره" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تشربوا ¬
[3 - 38] تحريم استعمال الإناء المطلي إذا أمكن فصله
في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" (¬1). 2 - حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-، قالت: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الذي يشرب في آنية الفضة، إنما يجرجر في جوفه نار جهنم" (¬2). • وجه الدلالة: أن هذه الأحاديث عامة، فلم تفرق بين الجنسين، والتخصيص يحتاج إلى دليل ولا دليل يستثني أحدهما، فتبقى عامة (¬3). 3 - أن السبب الذي حرم استعمال آنية الذهب والفضة لأجله موجود في الجنسين، فيكون الحكم شاملا لهما (¬4).Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [3 - 38] تحريم استعمال الإناء المطلي إذا أمكن فصله: إذا طلي الإناء بالذهب أو الفضة، وأمكن فصل الذهب أو الفضة عن الإناء، فإن استعمال الإناء حرام عندئذ، وقد حكى الصنعاني الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "واختلفوا في الإناء المطلي بهما، هل يلحق بهما -أي: إناءي الذهب والفضة- في التحريم أو لا؟ فقيل: إن كان يمكن فصلهما حرم إجماعا؛ لأنه مستعمل للذهب والفضة" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: حديث حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" (¬10). ¬
[4 - 39] جواز استعمال الإناء المضبب
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حرم الأكل والشرب في إناءي الذهب والفضة، كما في هذا الحديث وغيره، والإناء المطلي بأحدهما فيه ذهب وفضة بلا شك، وإذا أمكن فصلهما عنه، فإن الفصل واجب، وإلا سيفضي إلى التساهل في النهي، وإلى التحايل عليه، فمُنِعَ الشرب والأكل إلا بالفصل سدًّا للذريعة، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: الكلام في هذه المسألة من حيث الخلاف، يقال فيه ما قيل عن الخلاف في مسألة استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب، وقد سبقت، ومن خالف هناك خالف هنا من باب أولى، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق بعد الخلاف؛ لعدم وجود المخالف في المسألة بعد زمن المخالفين المتقدمين، واللَّه تعالى أعلم. [4 - 39] جواز استعمال الإناء المضبب: إذا كان لدى المسلم إناء مضبب بالذهب أو الفضة، فإنه يجوز له أن يشرب ويأكل فيه، وحكى الصنعاني الإجماع على ذلك. والمضبب هو: ما أصابه شق ونحوه، فيوضع عليه صفيحة تضمه وتحفظه، وتوسع الفقهاء في إطلاق الضبة على ما كان للزينة بلا شق ونحوه (¬1). • من نقل الإجماع: الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "وأما الإناء المضبب بهما، فإنه يجوز الأكل والشرب فيه إجماعا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية في قولٍ (¬4)، والشافعية في الذهب على طريقٍ لديهم، والفضة على قولٍ (¬5)، والحنابلة في قول، على أن تكون الضبة يسيرة، وأن تكون للحاجة (¬6). ¬
• مستند الإجماع: 1 - حديث أنس -رضي اللَّه عنه-، "أن قدح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- انكسر، فاتخذ مكان الشَّعْب (¬1) سلسلة من فضة" (¬2). • وجه الدلالة: السنة الفعلية في الفضة، وأما الذهب، فبالقياس على الفضة، والأصل استواءهما في الأحكام إلا بدليل، فإن الأصل تحريم الأكل والشرب في إناء الذهب والفضة، وما دام أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رخص في الضبة في الفضة والأصل المنع، دل على عدم جريان المنع في الضبة مطلقا، ومن خصص عليه الدليل، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن هذا القدر من الذهب أو الفضة الذي على الإناء، إنما هو تابع له، والعبرة للمتبوع دون التابع، فلا عبرة بالضبة ولا حكم لها (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في طريقٍ (¬4)، بتحريم الذهب قولًا واحدًا، لحاجة ولغيرها، وفي الفضة على قول (¬5). واستدلوا بأثر عن ابن عمر أنه كان لا يشرب في قدح فيه حلقة فضة ولا ضبة فضة (¬6)، والذهب من باب أولى. وخالف المالكية في قول (¬7)، والحنابلة في قول (¬8)؛ فقالوا: لا يجوز مطلقًا. واستدلوا بأن هذا فيه سرف وخيلاء، فأشبه الذهب والفضة الخالصة (¬9). وخالف الحنابلة في قول آخر (¬10)، فقالوا: لا يجوز إذا كان كثيرًا. وذلك لما فيه من الإسراف (¬11).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[5 - 40] جواز استعمال الأواني الثمينة بسبب صنعتها
[5 - 40] جواز استعمال الأواني الثمينة بسبب صنعتها: الأواني المصنوعة التي تكون نفيسة بصنعتها، لا بجوهرها؛ كالمصنوعة من الزجاج ونحوه، استعمالها جائز بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن الصباغ (477 هـ) حيث نقل عنه النووي (¬1)، والشوكاني (¬2) حكايته الإجماع على جواز استعمال الأواني الثمينة بسبب صنعتها (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية على الصحيح (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - أن العلة التي لأجلها حرمت آنية الذهب والفضة غير موجودة في الآنية الثمينة بصنعتها؛ لأن هذه الآنية لا يعرفها إلا خواص الناس، فلا تنكسر قلوب الفقراء؛ لأنهم لا يعرفونها، فلذلك هي جائزة لعدم علة التحريم (¬8). 2 - أن الأصل جواز استعمالها، ولا دليل ينقلها عن هذا الأصل، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: قال الشوكاني: "ولم يمنعها إلا من شذ" (¬9)، وهو يريد مسألة استعمال الجواهر النفيسة، ولكن مسألتنا في النفيسة بصنعتها، واللَّه تعالى أعلم. وخالف الشافعية في مسألتنا، في وجه ضعيف، حكاه أحد الشافعية غلطًا (¬10)، فقال بتحريم استعمال هذه الأواني. ¬
[6 - 41] تحريم استعمال الإناء المأخوذ بغير حق
وغلطه النووي، وحكى عدم الخلاف بين الشافعية في جواز استعمالها (¬1)، ولم يتابعه أحد من العلماء فيما توصلت إليه من أقوالهم، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، أما وجه الشافعية فقد سبق الكلام عليه بأنه غلط، وليس قولًا في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [6 - 41] تحريم استعمال الإناء المأخوذ بغير حق: استعمال المسلم للإناء المغصوب، أو المأخوذ بغير حق في وضوئه أو غسله محرم، وعلى ذلك نفى ابن حزم الخلاف في التحريم بين أهل الإسلام. • من نقل نفي الخلاف: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "فكان من توضأ بماء مغصوب؛ أو أُخذ بغير حق؛ أو اغتسل به؛ أو من إناء كذلك، فلا خلاف بين أحد من أهل الإسلام أن استعماله ذلك الماء، وذلك الإناء في غسله ووضوئه حرام" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" (¬7). 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وعرضه، وماله" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل مال المسلم على أخيه المسلم حرام، إلا أن ¬
[7 - 42] طهارة جلد ما يؤكل بالذكاة
يأخذه بحق، ومن ذلك التحريم؛ أخذه لإنائه بغير حق، فكان استعماله لهذا الإناء محرم بنهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1).Rأن نفي الخلاف في المسألة متحقق؛ لعدم وجود المخالف فى المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [7 - 42] طهارة جلد ما يؤكل بالذكاة: إذا ذكي ما يؤكل لحمه، فإن جلده طاهر، يجوز استعماله والانتفاع به. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن جلد ما يؤكل لحمه، إذا ذكي؛ طاهر جائز استعماله، وبيعه" (¬2). النووي (676 هـ) في سياق كلام له: "أن الأديم إنما يطلق على جلد الغنم خاصة، وذلك يطهر بالذكاة بالإجماع" (¬3). القرافي (684 هـ) حيث يقول: "والذكاة علة مطهرة إجماعًا" (¬4). البابرتي (786 هـ) حيث يقول: "وتحقيقه أن الجلد الطاهر ليس مما نحن فيه - أي: من الخلاف - بالاتفاق" (¬5). ابن عابدين (1252 هـ) حيث يقول: "فحل جلد المذكاة قبل الدباغ، وبعده، حيث كان من مأكول اللحم؛ متفق عليه" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]. إلى قوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل الذكاة سببا فى الحل، والجلد جزء من البهيمة، فينتفع بها ما دام أنها مذكاة، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[8 - 43] نجاسة جلد الميتة قبل الدبغ
[8 - 43] نجاسة جلد الميتة قبل الدبغ: البهيمة إذا ماتت دون ذكاة، فإنها تعتبر ميتة، وهي نجسة، وجلدها مثل ذلك، وهو قبل الدبغ نجس، لا يجوز استعماله. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) معلقًا على قول الماتن: "وكل جلد ميتة، دبغ أو لم يدبغ؛ فهو نجس" حيث يقول: "لا يختلف المذهب في نجاسة الميتة قبل الدبغ، ولا نعلم أحدًا خالف فيه" (¬1). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "لا نزاع في نجاسة إهاب الميتة قبل دبغه" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حرم هذه الأشياء، ووصفها بأنها رجس، والرجس هو النجس (¬7)، فدل على نجاسة الميتة، وجلدها جزء منها. 2 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وجد شاة ميتة أُعطيتْها مولاة لميمونة من الصدقة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هلا انتفعتم بجلدها؟ ". قالوا: إنها ميتة، قال: "إنما حرم أكلها"، وفي لفظ: "ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به" (¬8). 3 - حديث عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهما-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" (¬9). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ربط حل الانتفاع بالإهاب -وهو الجلد قبل الدبغ- ¬
[9 - 44] تحريم استعمال وسلخ جلد الإنسان
بالدبغ، أما قبل الدبغ؛ فما زال حكم الميتة منطبقًا عليه، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: حُكي عن الزهري قول شاذ في هذه المسألة (¬1)، بعدم اشتراط الدباغ مطلقًا، بل يجوز استعمال الجلد في اليابس والرطب، دون دباغ، ولم يُذكر له دليل على ذلك، إلا أنه مبني على طهارة الميتة عنده واللَّه أعلم، وهو قول مخالف للأدلة الصريحة الدالة على نجاسة الميتة، والجلدُ منها، ولم يتابعه على ذلك أحد، فيما اطلعت عليه (¬2).Rأن نفي الخلاف في المسألة متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، إلا ما ذكر عن الزهري، وسبق التعليق عليه، واللَّه تعالى أعلم. [9 - 44] تحريم استعمال وسلخ جلد الإنسان: اللَّه تعالى كرَّم بني آدم، وجعلهم أفضل الخلق، ولذلك يحرم استعمال جلدهم وسلخه، وعلى ذلك حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: الدارمي (448 هـ) حيث نقل عنه النووي (¬3) قوله: "لا يختلف القول أن دباغ جلود بني آدم، واستعمالها حرام" (¬4). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن جلد الإنسان، لا يحل سلخه ولا استعماله" (¬5). ونقله عنه النووي (¬6)، وابن نجيم (¬7). النووي (676 هـ) حيث يقول: "اتفق أصحابنا على تحريمه -جلد الآدمي- وصرحوا بذلك في كتبهم، منهم إمام الحرمين، وخلائق" (¬8). ويقول أيضًا: "وأما جلد الآدمي، والثوب المتخذ من شعره؛ فيحرم استعماله باللبس وبغيره بالاتفاق" (¬9)، وعبارته وإن كانت في المذهب إلا أني ذكرتها للاعتضاد. ¬
[10 - 45] استحباب تغطية الإناء
المرداوي (885 هـ) حيث يقول: "ويحرم استعمال جلد الآدمي إجماعًا" (¬1). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "وأما الآدمي، فقد قال بعضهم: إن جلده لا يحتمل الدباغة حتى لو قبلها طهر؛ لأنه ليس بنجس العين، لكن لا يجوز الانتفاع به، ولا يجوز دبغه؛ احترامًا له، وعليه إجماع المسلمين كما نقله ابن حزم، وقال بعضهم: إن جلده لا يطهر بالدباغة أصلا؛ احترامًا له، فالقول بعدم طهارة جلده تعظيم له؛ حتى لا يتجرأ أحد على سلخه ودبغه واستعماله" (¬2). عليش (1299 هـ) حيث يقول: "وكذا جلد الآدمي إجماعًا -أي ويحرم- لشرفه، ووجوب دفنه، ولو كافرًا" (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء: 70]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى كرم الإنسان وجعله من أفضل الخلق، ومن إكرامه أنه لا تجوز إهانته والعبث بجسده، وسلخ جلده واستعماله من إهانته التي حرمها اللَّه تعالى (¬4).Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [10 - 45] استحباب تغطية الإناء: إذا كان لدى الإنسان إناء فيه ماء أو لبن، فإنه يستحب له أن يغطيه، وقد حكى النووي الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول: "وهذا الحكم الذي ذكره (¬5)، وهو استحباب تغطية الإناء؛ متفق عليه، وسواء فيه إناء الماء، واللبن، وغيرهما" (¬6). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
[11 - 46] عدم جواز الطهارة في جلد الخنزير
والحنابلة (¬1). • مستند الاتفاق: حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَوْك سقاءك (¬2)، واذكر اسم اللَّه، وخمِّر إناءك، واذكر اسم اللَّه، ولو أن تعرض عليه شيئًا" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بتغطية الإناء، والأمر على أقل الأحوال للاستحباب، واللَّه تعالى أعلم (¬4).Rأن الاتفاق متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة (¬5)، واللَّه تعالى أعلم. [11 - 46] عدم جواز الطهارة في جلد الخنزير: إذا أراد المسلم أن يتوضأ، فإنه لا يجوز له أن يتوضأ في إناء نجس، مصنوع من جلد الخنزير، وعلى هذا حكى ابن عبد البر الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) في سياق استدلاله على عدم طهارة جلود السباع بعد الدبغ: "ولا أعلم خلافا؛ أنه لا يتوضأ في جلد الخنزير، وإن دبغ، فلما كان الخنزير حرامًا، لا يحل أكله، وإن ذكي، وكانت السباع لا يحل أكلها، وإن ذكيت؛ كان حرامًا أن ينتفع بجلودها، وإن دبغت، وأن يتوضأ فيها؛ قياسًا على ما أجمعوا عليه من الخنزير، إذ كانت العلة واحدة" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية عدا أبا يوسف (¬7)، وقول ¬
عند المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]. 2 - قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حرم أكل الخنزير لما فيه من النجاسة، وما يجلبه من الأمراض، وهذا يشمل جلده لأنه جزء منه. وفي الآية الثانية: وصف اللَّه تعالى الميتة، والدم المسفوح، والخنزير بأنها رجس، والرجس هو النجس (¬4)، وما دام أن الخنزير نجس؛ فجلده تبع له. • الخلاف في المسألة: خالف داود (¬5)، وابن حزم (¬6)، وأبو يوسف (¬7)، والمالكية في قول عندهم (¬8)، في هذه المسألة، حيث يقولون بطهارة جلد الخنزير إذا دبغ، ولا يفرقون بين ما يؤكل، وما لا يؤكل، ولا غير ذلك، فكل إهاب دبغ فقد طهر عندهم بلا استثناء. واستدلوا: بعموم حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال: قال عليه الصلاة والسلام: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" (¬9)، ولم يستثن من هذا العموم شيئا (¬10). وهناك قول محكي عن الزهري، أنه يقول: بجواز الانتفاع بالجلود دون دبغ (¬11)، وهو قول شاذ لا دليل له.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة (¬12). ¬
[12 - 47] طهارة مأكول اللحم
[12 - 47] طهارة مأكول اللحم: كل ما يؤكل لحمه من الحيوانات فهو طاهر في ذاته، وقد نفى ابن حزم وجود الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وكل ما يؤكل لحمه؛ فلا خلاف في أنه طاهر" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند نفي الخلاف: قال اللَّه تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]. • وجه الدلالة: حيث إن كل مأكولِ اللحم حلالٍ هو طيب، فقد أحله اللَّه تعالى، والطيب لا يكون نجسا، بل هو طاهر (¬6).Rأن نفي الخلاف في المسألة متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، والمسألة تعتبر من البدهيات، بل من الضروريات، فلو لم يكن المأكول طاهرًا فكيف سيتم حفظ النفس، التي لا تستطيع العيش إلا به (¬7)، واللَّه تعالى أعلم. [13 - 48] طهارة الخيل: كان عليه الصلاة والسلام يركب الخيل، وكذلك صحابته رضوان اللَّه تعالى عليهم، وهي طاهرة باتفاق الأئمة، كما نقله ابن تيمية. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "أما مقاود الخيل ورباطها؛ فطاهر باتفاق الأئمة؛ لأن الخيل طاهرة بالاتفاق" (¬8). ¬
[14 - 49] طهارة مقاود الخيل
• الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أباح ركوب الخيل لنا، ومن لوازم الانتفاع؛ أننا سنتأثر بها، ولم يذكر اللَّه تعالى ولا رسوله عليه الصلاة والسلام أننا نتوضأ بعدها، أو أنها نجسة، مع اقتضاء الحاجة له، مما يدل على عدمه. 2 - أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، وسائر المسلمين بعدهم، يركبون الخيل والبغال والحمير في الجهادِ، والحجِ، وسائرِ الأسفار، ولا يكاد ينفك الراكب -في مثل ذلك- عن أن يصيبه شيء من عرقها، أو لعابها، وكانوا يصلون في ثيابهم التي ركبوا فيها، ولم يعدوا ثوبين؛ ثوبًا للركوب وثوبًا للصلاة، مما يؤكد أنهم لم يكونوا يتحرزون منها، مما يعني طهارتها (¬6).Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [14 - 49] طهارة مقاود الخيل: المقاود: جمع مِقْود بالكسر، الرباط الذي تقاد به الخيل (¬7)، ومن المعلوم أن المقود والرباط الذي يكون في الخيل، لا بد أن يتأثر بشيء من لعاب الخيل، أو عرقها، ولكن حكى ابن تيمية الاتفاق على طهارة مقاود الخيل ورباطها. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "أما مقاود الخيل ورباطها؛ ¬
[15 - 50] طهارة الكبد والطحال
فطاهر باتفاق الأئمة؛ لأن الخيل طاهرة بالاتفاق" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الاتفاق: قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أباح ركوب الخيل، وهو لا يكون غالبا إلا برباط ومقود، ولو كانت ليست طاهرة لنبَّه اللَّه تعالى أو رسوله عليه الصلاة والسلام، وما دام لم يبيّن فالأصل طهارته، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [15 - 50] طهارة الكبد والطحال: الكبد والطحال للحيوان المأكول طاهرة، وقد حُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "فالدم هنا -يريد آية البقرة- يراد به المسفوح؛ لأن ما خالط اللحم فغير محرم بإجماع، وكذلك الكبد والطحال مجمع عليه" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وإنما قاس على الكبد والطحال؛ لأنهما طاهران بالإجماع" (¬7). المرداوي (885 هـ) حيث يقول: "ومنها -في سياق ذكره للدماء الطاهرة- الكبد ¬
[15 - 51] طهارة المسك
والطحال، وهما وإن، ولا خلاف في طهارتهما" (¬1)، وهي عبارة مذهبية ذكرتها للاعتضاد. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2). • مستند الإجماع: حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: "أحلت لنا ميتتان ودمان، فالميتتان: السمك والجراد، والدمان: الكبد والطحال" (¬3). • وجه الدلالة: ظاهرةٌ من الحديث، فما دام أنهما أحلَّا لنا، فالله تعالى يحل الطيبات، ويحرم الخبائث؛ فهي طيبة طاهرة إذًا، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [15 - 51] طهارة المسك: المسك ريح طيب يحبه الناس، وهو طاهر بإجماع المسلمين، كما حكاه عدد من العلماء. • من نقل الإجماع: الباجي (474 هـ) -في سياق حديثه عن طهارة المسك-: "وقد أجمع المسلمون على طهارته" (¬4). النووي (676 هـ) حيث يقول: "المسك طاهر بالإجماع" (¬5). ونقله عنه ابن حجر (¬6)، وابن عابدين (¬7)، وابن قاسم (¬8). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع المسلمون على طهارة المسك، إلا ما حكي عن عمر من كراهته" (¬9). ¬
الحطّاب (954 هـ) حيث يقول عن المسك: "وحكي الإجماع على طهارته" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "أطيب الطيب المسك" (¬5). • وجه الدلالة: ظاهر من الحديث، فقد وصف المسك بالطيّب، وهو لا يكون إلا لطاهر. 2 - حديث أم المؤمنين عائشة -رضي اللَّه عنها-، أنها قالت: "كأني أنظر إلى وَبِيص (¬6) الطيب، في مفرق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو محرم" (¬7)، وفي لفظ: "المسك" (¬8). • وجه الدلالة: السنة الفعلية من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، مما يدل على طهارته، فقد استعمله، وهو في وقت عبادة، مما يدل على طهارته، وإلا لاجتنبه عليه الصلاة والسلام. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الضحاك، فقال: إنه دم وميتة، فهو نجس عنده (¬9). ونقل عن عمر -رضي اللَّه عنه-، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وعطاء (¬10)، والحسن (¬11)، كراهتهم له. ولكن قال ابن المنذر: "لا أحسبه يصح" (¬12)، يريد عن عمر، وقال عن مخالفة ¬
غيره: "ولا نعلم تصح كراهية ذلك إلا عن عطاء" (¬1). وقد أشار ابن حجر للخلاف في المسألة، ولم ينسبه لأحد في موضع (¬2)، وأشار إليه في موضع آخر، وقال: "هو منقول عن الحسن، وعطاء، وغيرهما"، ثم قال بعد ذلك: "ثم انقرض هذا الخلاف، واستقر الإجماع على طهارة المسك، وجواز بيعه" (¬3). وفي موضع ثالث؛ حكى الإجماع فيه كما سبق، ثم نقل حكاية كراهته عن عمر (¬4). وقد حكى ابن عابدين قولا بعدم طهارته، معللا له بأن المسك من دابة حية، ولكنه لم يذكر صاحب القول، وعلق عليه بقوله: "وهذا القول لا يعول عليه، ولا يلتفت إليه" (¬5). ونقل الحطاب عن المازري، أنه حكى عن طائفةٍ قولا بنجاسته، ولم يعلق عليه (¬6)، مع أنه نقل حكاية الإجماع على طهارته (¬7). ولم أجد خلافًا لدى الحنابلة في المسألة، ولكن أشكل عليَّ أن المرداوي نقل عن ابن مفلح، ما يوحي بوجود احتمال للحنابلة في المسألة. فبعد أن ذكر طهارة المسك، ولم يشر لخلاف فيه، وأشار بعدها إلى الخلاف في فأرته، قال: "قال في "الفروع": ويحتمل نجاسة المسك؛ لأنه جزء من حيوان، لكنه ينفصل بطبعه" (¬8). ولكن عندما راجعت الفروع، وجدت عبارته كالآتي: "فصل، ودود القز، والمسك، وفأرته طاهر. وقال الأزجي: فأرته طاهرة، ويحتمل نجاستها؛ لأنه جزء من حيوان حي، لكنه ينفصل بطبعه؛ كالجنين" (¬9). والكلام هنا يحتمل أمرين: الأول: أن قوله: "يحتمل نجاستها" راجع إلى الفأرة، حيث لم يشر للمسك، ¬
وتحدث بصيغة التأنيث، والمسك مذكّر، وهذا هو الأظهر، وهو الذي يتوافق مع سائر كلام الحنابلة (¬1)، ولكن يشكل عليه الآتي. الثاني: أن قولَه راجعٌ إلى المسك، كما نقل المرداوي، ويدل له أنه قال: "لأنه جزء"، ولم يقل: "لأنها"، والمرداوي إمام في المذهب ويبعد أن يفوت عليه مثل هذا. ولكن الأظهر أن المرداوي وهم في ذلك، لأن هذا الاحتمال لم يذكره غيره، ولم يُذكر له قائل، واللَّه تعالى أعلم. هذا ويمكن أن يستدل لهذا القول: بأن أصله دم، والدم نجس، وهو جزء منفصل من حيوان حي؛ فهو كالميتة.Rأن الإجماع غير متحقق، فمما سبق؛ يتبين أن الخلاف في المسألة موجود، وإن كان خلافًا ضعيفًا؛ فالإجماع لا يتحقق مع وجود المخالف، أما ما ذكره ابن حجر من أن الخلاف انقرض، وأن الإجماع استقر بعده؛ فالجواب عليه من وجهين: الأول: أن هذه مسألة أصولية مشهورة، وهي: ما إذا اختلف علماء عصر متقدم، في مسألة ما، ثم اتفق علماء عصر متأخر، في نفس المسألة؛ فهل يعتبر اتفاقهم إجماعًا شرعيًّا أو لا؟ اختلف الأصوليون في هذه المسألة على قولين؛ بالاعتبار، وعدمه (¬2). ويكفي أنها مسألة خلافية، فمن العلماء من لا ينظر إلى المسألة من الأصل، ولا يعتبره إجماعًا، فلا يعتد بإجماع كهذا، ما دام أنه يوجد من لا يعتبره، ولكن يمكن أن يكون حجة أو دليلًا لمن يرى ذلك. الثاني: من خلال ما سبق عرضه، فيما ورد من خلافٍ في المسألة؛ يتبين أن الخلاف انتشر، والقائلون به ليسوا قلةً، وهذا يكفي في خرق الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[16 - 52] جواز البول في الآنية
[16 - 52] جواز البول في الآنية: إذا أراد المسلم أن ينام، وأعد له آنية للبول فيها، فإن ذلك جائز، وقد نفى الشوكاني علمه بالخلاف في هذه المسألة. • من نقل نفي الخلاف: الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث (¬1) يدل على جواز إعداد الآنية للبول فيها بالليل، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا" (¬2). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول شارحًا لعبارة البهوتي: "ويكره أيضًا بوله في إناء بلا حاجة"، قال: "لا خلاف في جوازه" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية على الأظهر، فلم يذكروا هذا في الحديث عن المكروهات عند التبول (¬4)، والمالكية على الأظهر، حيث لم يذكوا المسألة، إلا أنهم ذكروا كراهة ذلك في الأواني النفيسة، وسكتوا على ذلك (¬5)، مما قد يدل على عدم كراهة ذلك في الأواني العادية، وصرح الشافعية بالجواز (¬6)، والحنابلة في قولٍ لهم (¬7)، ولم يذكر ابنُ قدامة غيرَه بقوله: "لا بأس"، ولم يشر إلى اختلاف الأصحاب (¬8). • مستند نفي الخلاف: حديث أميمة بنت رقيقة عن أمها -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قدح من عيدان (¬9)، تحت سريره، يبول فيه بالليل" (¬10). ¬
• وجه الدلالة: حيث فيه فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه دلالة على الجواز (¬1)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في الصحيح من مذهبهم، فقالوا بكراهة البول في الإناء من غير حاجة (¬2). ولم أجد لهم دليلًا، ولكن ربما خوفًا من انتشار البول على صاحبه، ككراهة البول في الأرض الصلبة، أو لتنجيس الإناء بعده، واللَّه تعالى أعلم. ولكن القول بالكراهة لا ينافي الجواز، فلا يعتبر ناقضًا، واللَّه تعالى أعلم.Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الباب الثالث: مسائل الإجماع في باب الاستنجاء
الباب الثالث: مسائل الإجماع في باب الاستنجاء [1 - 53] استحباب قول: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) عند دخول الخلاء: الخُبُث: جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة، وهم ذكران الجن وإناثهم (¬1). وإذا أراد الإنسان دخول الخلاء، فإنه يستحب له أن يقول ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول شارحًا لحديث أنس الآتي في المستند: "وقوله: (إذا دخل الخلاء) أي: إذا أراد دخوله، وكذا جاء مصرحًا به في رواية للبخاري، وهذا الذكر مجمع على استحبابه، وسواء فيه البناء والصحراء" (¬2). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول عن هذا الذكر: "وهذا الذكر مجمع على استحبابه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" (¬7). • وجه الدلالة: الحديث يدل على مسألة الباب بالمطابقة، ففيه قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لها، وهي سنة فعلية (¬8).Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[2 - 54] كراهة الكلام عند التخلي
[2 - 54] كراهة الكلام عند التخلي: إذا كان الرجل في الخلاء، فإنه يكره له الكلام أثناءه، حكى النووي الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول: "وهذا الذي ذكره المصنف، من كراهة الكلام على قضاء الحاجة متفق عليه" (¬1). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "والحديث (¬2) دليل على وجوب ستر العورة، والنهي عن التحدث حال قضاء الحاجة، والأصل فيه التحريم، وتعليله بمقت اللَّه عليه، أي: شدة بغضه لفاعل ذلك؛ زيادة في بيان التحريم، ولكنه ادعى في "البحر" (¬3): أنه لا يحرم إجماعًا، وأن النهي للكراهة، فإن صح الإجماع، وإلا فإن الأصل هو التحريم" (¬4). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وقيل: إن الكلام في تلك الحال مكروه فقط، والقرينة الصارفة إلى معنى الكراهة، الإجماع على أن الكلام غير محرم في هذه الحالة، ذكره الإمام المهدي في "الغيث"، فإن صلح الإجماع؛ صلح للصرف، عند القائل بحجيته، ولكنه يبعد حمل النهي على الكراهة ربطه بتلك العلة" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-: "أن رجلا مر ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه" (¬9). 2 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يخرج ¬
[3 - 55] مشروعية الاستنجاء بالماء
الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان، فإن اللَّه يمقت على ذلك" (¬1). • وجه الدلالة: في الحديث الأول: سلم الرجل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يرد عليه، ولم يتحدث معه، مما يدل على الكراهه للكلام وقت التخلي، والكراهة مأخوذة من مجرد الفعل، إذ هي غاية ما يدل عليه الفعل. أما الحديث الثاني: فقد ذكر عليه الصلاة والسلام أن من يتخلى، ويتحدث، ممقوت عند اللَّه تعالى، وهذا يدل على التحريم، لا الكراهة فحسب. ولكن يجاب عن ذلك بأن الحديث قيَّد المقت بأمرين إذا هما اجتمعا، وهما: كشف العورة لبعضهما، والتحدث لبعض. فإذا الفعل بعض موجبات المقت فهو مكروه (¬2)، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [3 - 55] مشروعية الاستنجاء بالماء: إذا تخلى المسلم، فإنه يسن له أن يستنجي بالماء، وقد حُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "قال اللَّه تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] فجاء النص والإجماع بأنه غسل الفرج والدبر بالماء" (¬3). العيني (855 هـ) حيث يقول معددًا سنن الوضوء، وذكر منها: "والاستنجاء بالماء، وهو كان أدبًا في عصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصار سنة بعد عصره بإجماع الصحابة كالتراويح" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬5)، . . . . . . . ¬
[4 - 56] جواز الاستجمار بالأحجار
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: حديث أنس -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة، فيستنجي بالماء" (¬3). • وجه الدلالة: أن أنسًا ذكر من فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يستنجي بالماء، وهذا يكفي في إثبات المشروعية. • الخلاف في المسألة: نُقل قول لمالك وابن حبيب أنهما أنكرا كون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استنجى بالماء. نقله الحطاب المالكي في "المواهب"، وقال: "قلت: وهذان النقلان غريبان، والمنقول عن ابن حبيب، أنه منع الاستجمار مع وجود الماء، بل لا أعرفهما في المذهب" (¬4). وقوى كونهما يقصدان الماء العذب (¬5). وهذا القول محكي عن سعد بن أبي وقاص، وحذيفة، وابن الزبير، وابن المسيب، وعطاء (¬6). واستدلوا بكون هذا الفعل، غير موجود في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أنهم محجوجون بالأحاديث الصريحة الصحيحة في ذلك.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف من الصحابة والتابعين في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [4 - 56] جواز الاستجمار بالأحجار: إذا دخل الإنسان الخلاء، وتغوط، فإنه يشرع له أن يستجمر بالحجارة، وهذا على وجه العموم، وقد حكى عدد من العلماء الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الاستنجاء ¬
بالحجارة، وبكل طاهر، ما لم يكن طعامًا، أو رجيعًا، أو نجسًا، أو جلدًا، أو عظمًا، أو فحمًا، أو حُمَمَة جائز" (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأيُّ الأمرين كان، فإن الفقهاء اليوم مجمعون على أن الاستنجاء بالماء أطهر وأطيب، وأن الأحجار رخصة وتوسعة، وأن الاستنجاء بها جائز في السفر والحضر" (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أيضًا على أن الحجارة تزيلها - النجاسة - من المخرجين" (¬3). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع المسلمون على جواز الاستجمار" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). الزيلعي (743 هـ) حيث يقول: "لأن الطهارة من الأنجاس بالماء، شرط جواز الصلاة، فلا بد منها، إلا أنه اكتفى بغير الماء في موضع الاستنجاء؛ للضرورة؛ أو الإجماع" (¬6). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "قال في "البحر" (¬7): والاستجمار مشروع إجماعًا" (¬8). ابن عابدين (1252 هـ) حيث يقول: "ولنا أن القليل عفو إجماعًا؛ إذ الاستنجاء بالحجر كاف بالإجماع" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - حديث عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-، قال: "أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار" (¬11). ¬
[5 - 57] مشروعية الجمع بين الاستجمار والاستنجاء بالماء
• وجه الدلالة: أن النبي عليه الصلاة والسلام أمره بأن يأتيه بثلاثة أحجار، وهذا تشريع منه عليه الصلاة والسلام، فدل على أن هذا العمل مشروع. 2 - حديث سلمان -رضي اللَّه عنه-، قال: "لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار" (¬1). • وجه الدلالة: ظاهر من أمره عليه الصلاة والسلام بعدم الاكتفاء بدون ثلاثة أحجار، مما يدل على المشروعية وزيادة.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [5 - 57] مشروعية الجمع بين الاستجمار والاستنجاء بالماء: إذا أراد الإنسان تطهير المحل، فإنه يشرع له أن يستجمر، ثم يتبعه بالاستنجاء، وقد حكى الكاساني الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) بعد ذكره فعل الصحابة، أنهم أصبحوا يتبعون الحجارة الماء حيث يقول: "ثم صار بعد عصره من السنن بإجماع الصحابة، كالتراويح" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية على المشهور (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108]. • وجه الدلالة: أنه لما نزلت هذه الآية في أهل قباء، سألهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شأنهم، فقالوا: إنا نتبع الحجارة الماء (¬6)، فقد ذكروا أن فعلهم الذي أثنى اللَّه تعالى عليهم به هو الجمع بين الاستجمار والاستنجاء (¬7). ¬
[6 - 58] الاستجمار بغير الحجارة
2 - أن الحجر يزيل عين النجاسة؛ فلا تصيبها يده، ثم يأتي بالماء فيطهر المحل، فيكون أبلغ في التنظيف وأحسن (¬1). • الخلاف في المسألة: يأتي هنا الخلاف السابق في مسألة مشروعية الاستنجاء بالماء، ومن خالف هناك يخالف هنا بالتبع.Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف المعتبر، وعلى هذا، لا يتحقق إجماع في هذه المسألة، حيث يوجد من قال بعدم شرعية الاستنجاء بالماء أصلًا، واللَّه تعالى أعلم. [6 - 58] الاستجمار بغير الحجارة: إذا أراد المسلم الاستجمار، فإن استعماله للطاهر المنقي جائز، ما لم يكن طعامًا. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الاستنجاء بالحجارة، وبكل طاهر، ما لم يكن طعامًا، أو رجيعًا، أو نجسًا، أو جلدًا، أو عظمًا، أو فحمًا، أو حُمَمَة جائز" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والمالكية في قول (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة على المذهب (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - حديث سلمان -رضي اللَّه عنه-، قال: "لقد نهانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيع أو عظم" (¬7). 2 - حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-، قال: "نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يتمسح بعظم أو ببعر" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد خص في هذين الحديثين هذه الأشياء؛ فيدل بمفهوم المخالفة أن ما عدا المستثنى في النصوص غير داخل في الحكم معها، بل ¬
[7 - 59] جواز الاستجمار مع وجود الماء
يجوز الاستجمار بها. 3 - أن العبرة بتنقية المحل، وأن لا يكون المنقي شيئا محترمًا، ولا نجسًا، فإذا لم يكن هذا، ولا ذاك، وكان منقيًا للمحل؛ فلا مانع من استِخدامه. • الخلاف في المسألة: نقد ابن تيمية هذه الدعوى بأن الخلاف في المسألة معروف، وأن هناك روايتين معروفتين عن أحمد (¬1)، إحداهما بأن الاستجمار بغير الحجارة لا يجزئ (¬2). ولم أجد لهم دليلًا، وقد يستدل لهذا القول بأن الوارد في النصوص، إنما هو مقتصر على ذكر الحجارة فقط؛ فيقتصر عليه. وقد وجدته قولًا للمالكية أيضًا، ونقله الحطاب عن داود، وأصبغ (¬3). وقد عللوا ذلك: بأن الاستنجاء بالأحجار رخصة؛ فيجب الاقتصار عليها (¬4).Rأن الاتفاق غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [7 - 59] جواز الاستجمار مع وجود الماء: إذا أراد الإنسان تنقية المحل، فإنه يجوز له أن يستجمر مع وجود الماء، وقد حكى الإجماع على ذلك عدد من العلماء. • من نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) حيث يقول: "اتفاق الجميع على جواز صلاة المستنجي بالأحجار مع وجود الماء، وعدم الضرورة، في العدول عنه إلى الأحجار" (¬5). الباجي (474 هـ) حيث يقول: "وجميع الفقهاء على أن الاستجمار يجزي مع وجود الماء، وقال ابن حبيب: ليس الاستجمار يجزي؛ إلا مع عدم الماء، ولعله أراد بذلك وجه الاستحباب، وإلا فهو خلاف الإجماع، فيما علمناه" (¬6). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ولأنا أجمعنا على جواز الصلاة بدون الاستنجاء ¬
بالماء، ومعلوم أن الاستنجاء بالأحجار لا يستأصل النجاسة" (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وإن اقتصر على الحجر أجزأه، بغير خلاف بين أهل العلم؛ لما ذكرنا من الأخبار، ولأنه إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬2). الزيلعي (743 هـ) حيث يقول: "لأن الطهارة من الأنجاس بالماء، شرط جواز الصلاة، فلا بد منها، إلا أنه اكتفى بغير الماء في موضع الاستنجاء؛ للضرورة؛ أو الإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬4). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط، فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن؛ فإنها تجزئ عنه" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "تجزئ عنه"، ولم يفصل بوجود الماء، أو مع عدمه، وترك التفصيل في المقال، ينزل منزلة العموم في المقال، كما يقول الأصوليون، فيكون دليلًا على إجزاء الاستجمار، مع وجود الماء. • الخلاف في المسألة: نقل الخلاف في هذه المسألة، عن بعض المالكية منهم ابن حبيب، أنهم يقولون بأنه لا يجوز الاستجمار؛ إلا مع عدم الماء (¬6). ولكن بعد طول بحث، لم أجده ذكر عن غير ابن حبيب، بل لم ينص أحد من المالكية في هذا القول بأنه قول البعض، بل ينسبونه إلى ابن حبيب فقط، هذا فيما اطلعت عليه، ورأيته عند غيرهم ينسب إلى بعض المالكية (¬7)، بل حاول الباجي تأويل قوله؛ بأنه لعله أراد بذلك وجه الاستحباب، وجعله خلاف الإجماع (¬8). ¬
[8 - 60] الاستنجاء بالماء أطيب
Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف المعتبر في المسألة، إلا أن يعلم مخالفون غير ابن حبيب، أما خلاف ابن حبيب، فقد أوله البعض، ولم يتابعه عليه أحد، واللَّه تعالى أعلم. [8 - 60] الاستنجاء بالماء أطيب: إذا تخلى الإنسان، فإن الأفضل له أن يستنجي بالماء، وعليه حكى ابن عبد البر الإجماع. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "وعليه العمل عند أهل العلم؛ يختارون الاستنجاء بالماء، وإن كان الاستنجاء بالحجارة يجزئ عندهم، فإنهم استحبوا الاستنجاء بالماء ورأوه أفضل" (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأيُّ الأمرين كان، فإن الفقهاء اليوم مجمعون على أن الاستنجاء بالماء أطهر وأطيب، وأن الأحجار رخصة وتوسعة، وأن الاستنجاء بها جائز في السفر والحضر" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الثوري، وابن المبارك؛ وإسحاق (¬3)، والحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث أنس -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة، فيستنجي بالماء" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يستنجي بالماء مع وجود الأحجار وتوفرها، فدل على أنه أطيب. 2 - أن الاستنجاء بالماء يطهر المحل، ويزيل العين والأثر، وهو أبلغ في التنظيف والإنقاء (¬8). • الخلاف في المسألة: سبق نقل قول لمالك وابن حبيب أنهما أنكرا كون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استنجى بالماء. ¬
[9 - 61] جواز الاستجمار في السفر والحضر
وسبقت مناقشة ذلك (¬1). وأن هذا القول محكي عن سعد بن أبي وقاص، وحذيفة، وابن الزبير، وابن المسيب، وعطاء، والحسن (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [9 - 61] جواز الاستجمار في السفر والحضر: إذا أراد المتخلي الاستجمار، فإنه يباح له ذلك في الحضر والسفر، وعليه حكى ابن عبد البر الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "فإن الفقهاء اليوم مجمعون على أن الاستنجاء بالماء أطهر وأطيب، وأن الأحجار رخصة وتوسعة، وأن الاستنجاء بها جائز في السفر والحضر" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: أن جميع النصوص الواردة (¬7) في الاستجمار عامة، ولم تقيد السفر دون الحضر، فتبقى على عمومها حتى يأتي مخصص، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [10 - 62] عدم وجوب الاستنجاء من النوم: إذا استيقظ المسلم من نومه، وأراد الوضوء، فإن الاستنجاء لا يجب عليه، وقد حكى عدد من العلماء الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) حكايته الإجماع، على أنه لا يجب ¬
الاستنجاء من النوم والريح (¬1). نقله عنه البجيرمي (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول -بعد مسألة للخرقي هي: وليس على من نام، أو خرجت منه ريح استنجاء-: "لا نعلم في هذا خلافًا" (¬3). ونقله ابن قاسم (¬4). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على أنه لا يجب الاستنجاء من الريح والنوم ولمس النساء والذكر" (¬5). المتولي (478 هـ) حيث نقل عنه الشربيني (¬6) حكايته الإجماع في هذه المسألة، فقال: "نقل المتولي وغيره الإجماع، على أنه لا يجب الاستنجاء من النوم والريح". ونقله عنه أيضًا الرملي (¬7)، والجمل (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قال: {إِذَا قُمْتُمْ}، فأمر بالوضوء مباشرة، ولم يأمر بالاستنجاء، فدل على أنه لا يجب في كل الحالات، فإذا لم يكن موجب له فلا يجب، كما في مسألتنا. 2 - أن الوجوب من الشرع، ولم يرد بالاستنجاء هنا نص، ولا هو في معنى المنصوص عليه؛ لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة، ولا نجاسة ها هنا (¬11). • الخلاف في المسألة: قال النووي حيث يقول: "وحُكي عن قوم من الشيعة أنه يجب، والشيعة لا يعتد بخلافهم" (¬12). ¬
[11 - 63] عدم وجوب الاستنجاء من الريح
وهو قولٌ عند الحنابلة (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [11 - 63] عدم وجوب الاستنجاء من الريح: إذا خرج من المسلم ريحٌ، وأراد الوضوء، فإن الاستنجاء لا يجب عليه، وقد حكى عدد من العلماء الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) حكايته الإجماع، على أنه لا يجب الاستنجاء من النوم والريح (¬2). نقله عنه البجيرمي (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول -بعد مسألة للخرقي هي: وليس على من نام، أو خرجت منه ريح استنجاء-: "لا نعلم في هذا خلافًا" (¬4). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على أنه لا يجب الاستنجاء من الريح والنوم ولمس النساء والذكر" (¬5). المتولي (478 هـ) حيث نقل عنه الشربيني (¬6) حكايته الإجماع في هذه المسألة، فقال: "نقل المتولي وغيره الإجماع، على أنه لا يجب الاستنجاء من النوم والريح". ونقله عنه أيضًا الرملي (¬7)، والجمل (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10). • مستند الإجماع: يستند في هذه المسألة بما استند عليه في المسألة السابقة. • الخلاف في المسألة: الخلاف المذكور في النوم يندرج هنا، وما قيل هناك يقال في ¬
[12 - 64] الحجر ذو الثلاثة أحرف يجزئ في الاستجمار
مسألتنا (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [12 - 64] الحجر ذو الثلاثة أحرف يجزئ في الاستجمار: إذا استجمر المتخلِّي بحجر له ثلاثة أحرف، فإن ذلك جائز له، وحُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الفرغاني (593 هـ) حيث يقول: "فإنه لو استنجى بحجر، له ثلاثة أحرف؛ جاز بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية في المشهور (¬3)، والشافعية على الصحيح (¬4)، والحنابلة في المشهور (¬5). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط، فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن، فإنها تجزئ عنه" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بالاستطابة بثلاثة أحجار، والمقصود هنا عدد المسحات، وليس عدد الممسوح به، ولا فرق بين أن يمسح بثلاثة أحجار، أو أن يمسح بحجر كبير، له ثلاثة أحرف (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قولٍ (¬8)، والشافعية في وجه شاذ (¬9)، ونقل عن أبي إسحاق إبراهيم بن جابر (¬10)، والحنابلة في رواية (¬11). ¬
[13 - 65] الاستنجاء بماء زمزم مجزئ
واستدلوا (¬1) بقوله عليه السلام: "لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار" (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [13 - 65] الاستنجاء بماء زمزم مجزئ: إذا استنجى المتخلي بماء زمزم، فإن ذلك يجزئه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) حيث يقول: "ثم لو استنجى به -ماء زمزم- مع حرمته أجزأه إجماعًا" (¬3). ونقله النووي (¬4)، وزكريا الأنصاري (¬5). البجيرمي (1221 هـ) حيث يقول: "ولو من ماء زمزم، ويجزئ إجماعا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي ذر -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ماء زمزم أنها "طعام طعم" (¬10). 2 - حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ماء زمزم لما شُرب له" (¬11). • وجه الدلالة: أن هذه الأحاديث وغيرها، تدل على بركة هذا الماء، وينبغي أن يشرف ويكرم عن استخدامه في الرذائل. ولكن إذا استخدم في الاستنجاء، لا يعني هذا أنه لا يجزئ، فهو ماء. وقد قال تبارك وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. ¬
[14 - 66] تحريم استقبال القبلة بالتخلي واستدبارها
فالأصل في الماء أنه طهور، مطهر لغيره، وأحق ما يكون ذلك في ماء زمزم. • الخلاف في المسألة: هناك مسألة خلافية، وهي حكم إزالة النجاسة بماء زمزم، اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال، بين الإباحة والكراهة والتحريم (¬1). ولكن هذه ليست مسألتنا، حيث تتحدث عن الإجزاء وعدمه. وهنا إشكال! وهو: أن من قال بالتحريم، أليس معنى ذلك؛ أنه غير مجزئ؟ هذا محل نظر (¬2)، ولكن بعد البحث، وجدت أن ممن قال بالحرمة؛ نص على الإجزاء، فليس بلازم هذا الإلزام (¬3). وبعد التأمل والبحث مزيدًا، وجدت أن ممن قال بالتحريم - وهو ابن شعبان من المالكية - نُقل عنه تعليله لهذا القول بأنه مطعوم (¬4)، والمطعوم لا يجزئ الاستنجاء به، في قولٍ للعلماء (¬5)، وبالتالي فهو غير مجزئ. ولكن أنكر الحطاب كونه علل بهذا التعليل، ونقل عنه نقلًا، يفيد أنه يعلل بتكريم هذا الماء المبارك فقط (¬6).Rأن الإجماع متحقق، لعدم التأكد من وجود المخالف المعتبر، حيث من خلال ما سبق لم يثبت مخالفة أحد من العلماء في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [14 - 66] تحريم استقبال القبلة بالتخلي واستدبارها: إذا أراد المسلم التخلي، فإنه يحرم عليه أن يستقبل القبلة بغائط أو بول، ولا يستدبرها (¬7). • من نقل الإجماع: ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول شارحًا لكلام البهوتي: "ويحرم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة"، قال: "إجماعًا" (¬8). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع مجاهد، وإبراهيم النخعي، وابن سيرين، وطاوس، وعمر بن عبد العزيز (¬1)، والحنفية في الاستقبال، وفي الاستدبار على رواية (¬2) (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أتيتم الغائط، فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا" (¬6). 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا جلس أحدكم على حاجته، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى في الحديثين عن استقبال القبلة واستدبارها بقضاء الحاجة، وهذا يدل على التحريم (¬8)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة عائشة (¬9)، وابن عمر فيما رُوي عنهما، وعروة بن الزبير، وداود بن علي (¬10)، وربيعة (¬11)، فقالوا: يجوز استقبال القبلة واستدبارها. وهي رواية عن أحمد (¬12). واستدلوا (¬13) بحديث ابن عمر، وفيه: "رقيت على بيت أختي حفصة، فرأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قاعدًا لحاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة" (¬14). وخالف الحنفية في رواية (¬15)، بأنه يجوز الاستدبار دون الاستقبال. ¬
[15 - 67] عدم تحريم استقبال بيت المقدس بالتخلي
واستدلوا (¬1) بحديث ابن عمر السابق (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [15 - 67] عدم تحريم استقبال بيت المقدس بالتخلي: إذا أراد المسلم أن يتخلى، فإن استقباله لبيت المقدس بالتخلى ليس حرامًا، وعلى ذلك حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: الخطابي (388 هـ) حيث نقل عنه الشوكاني (¬3) حكايته الإجماع في هذه المسألة (¬4). النووي (676 هـ) حيث يقول -في معرض حديثه عن حديث النهي عن استقبال بيت المقدس بالتخلي (¬5) -: "فإن قيل: لم حملتموه في بيت المقدس على التنزيه -أي: النهي-؟ قلنا: للإجماع، فلا نعلم من يعتد به حرّمه" (¬6). ونقله عنه الرملي (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والحنابلة (¬10). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] • وجه الدلالة: حيث نسخ في هذه الآية كون بيت المقدس قبلة للمسلمين، ولهذا لا يكره استقباله بالتخلي؛ لكونه ليس قبلة (¬11). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة عدد من أهل العلم، وقالوا: بتحريم استقبال بيت المقدس بالتخلي، منهم إبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وعطاء، والزهري (¬12)، وهو قول ابن عقيل من الحنابلة (¬13). ¬
[16 - 68] جواز التخلي فيما عدا المسجد
واستدلوا بحديث معقل بن أبي معقل الأسدي -رضي اللَّه عنه-، قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط" (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [16 - 68] جواز التخلي فيما عدا المسجد: قضاء الحاجة في المسجد لا يجوز، ولا إشكال في ذلك، وأما ما عدا ذلك من المواطن؛ فالأصل فيها أنه يجوز، ولكن بدون الإخلال بالضوابط الأخرى. فمثلا؛ لا يجوز أن يتخلى في طريق الناس، أو ظلهم، أو أماكن جلوسهم، أو في الماء الراكد، وسبق الحديث عنه في مسألة سابقة، وهكذا مما يؤذي الناس ويضر بهم. أما ما عدا ذلك فإنه يجوز التخلي فيه. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وإلا فقد جاء النص والإجماع، بأن البول والغائط جائز، فيما عدا المسجد" (¬2). • الموافقون على الإجماع: لم أجد من نص على هذه المسألة، وذلك لأنها أمر بدهي، ولكن هم يشيرون لها عندما يتحدثون عن الأماكن التي يكره التخلي فيها، فمعناه أن غيرها يجوز التخلي فيها. وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خذ الإداوة"، فأخذتها فانطلق حتى توارى عني، فقضى حاجته (¬7). ¬
[17 - 69] النهي عن الاستنجاء باليمين
• وجه الدلالة: في هذا الحديث وغيره من الأحاديث المشابهة، يذكر الصحابة -رضي اللَّه عنهم- فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في قضاء حاجته، ولم يذكروا عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يفرق بين مكان وآخر في الحكم، سوى الأماكن المقدسة، أو التي يكون في التخلي فيها ضرر على الناس؛ فدل ذلك على أن التخلي في أي مكان يجوز، بالضوابط والآداب المعروفة. 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اتقوا اللعانين: الذي يتخلى في طريق الناس، أو ظلهم" (¬1). • وجه الدلالة: إن الحديث استثنى بعض الأماكن، التي يردها الناس وينتفعون بها، فدل ذلك بمفهومه على إباحة ما دون ذلك.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [17 - 69] النهي عن الاستنجاء باليمين: الاستنجاء باليمين منهي عنه في النصوص الصريحة، وقد نقل الإجماعَ فيه بعضُ العلماء، والمقصود الإجماع على أنه منهي عنه، دون الدخول في التفصيلات. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم؛ كرهوا الاستنجاء باليمين" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع العلماء على أنه منهي عن الاستنجاء باليمين، ثم الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب، لا نهي تحريم" (¬3). ونقله عنه الشوكاني (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[18 - 70] تحريم مباشرة الاستنجاء باليد وعدم إجزائه
والحنابلة (¬1)، وابن حزم (¬2). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أتى أحدكم الخلاء، فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه" (¬3). 2 - حديث سلمان الفارسي -رضي اللَّه عنه-، قال: "نهانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نستنجي باليمين" (¬4). • وجه الدلالة: الحديث صريح بدلالة المطابقة على مسألة الباب.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [18 - 70] تحريم مباشرة الاستنجاء باليد وعدم إجزائه: إذا أراد المتخلي تنظيف المحل، فإنه يحرم عليه أن يباشره بيده مباشرة، ولا يجزئه ذلك لو فعله. • من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "ومحل الاختلاف -أي: الاختلاف في النهي الوارد للكراهة أو للتنزيه- حيث كانت اليد تباشر ذلك بآلة غيرها، كالماء وغيره، أما بغير آلة؛ فحرامٌ، غير مجزئ، بلا خلاف، واليسرى في ذلك كاليمنى" (¬5). ونقل الصنعاني كلام ابن حجر السابق، ولكن بلفظ آخر، فقال حيث يقول: "أما لو باشر بيده فإنه حرام إجماعًا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: لم أجد من نص على المسألة بصراحة غير الحنابلة، وابن حزم، أما غيرهم، فيستنبط من كلامهم الموافقة بلا ريب. وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وابن حزم (¬10). ¬
[19 - 71] كراهة التخلي في مساقط الثمار
• مستند الإجماع: 1 - حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أتى أحدكم الخلاء؛ فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه" (¬1). • وجه الدلالة: أن النهي في الحديث السابق متوجه إلى الاستنجاء باليمين، وذلك مفهوم من عرف الناس؛ أنهم لا يستنجون باليد، دون ماء أو حجر، فإذا كان من دونهما؛ فمن باب أولى. 2 - أن في الاستنجاء باليد مباشرة انتقال للنجاسة، من مكان لآخر، من دون أن يطهر أحدهما الآخر، فلا فائدة إذًا من هذا الاستنجاء.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [19 - 71] كراهة التخلي في مساقط الثمار: إذا أراد الإنسان التخلي، فإنه يكره له أن يتخلى في مساقط الثمار، وقد حكى النووي الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) شارحًا لقول الماتن: "ويكره أن يبول في مساقط الثمار"، حيث يقول: "هذا الذي ذكره متفق عليه، ولا فرق بين الشجر المباح والذي يملكه، ولا بين وقت الثمر وغير وقته؛ لأن الموضع يصير نجسًا، فمتى وقع الثمر تنجس، وسواء البول والغائط، وإنما اقتصر المصنف على البول اختصارًا، وتنبيها للأدنى على الأعلى" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اتقوا اللعانين: الذي يتخلى في طريق الناس، أو ظلهم" (¬6). ¬
[20 - 72] استحباب البول في موضع لين
2 - حديث معاذ -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل" (¬1). • وجه الدلالة: حيث ورد اللعن في الحديث على فاعل ذلك، وسواء كان اللعن من باب الإخبار عن حال الناس، أو لعن من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فهو يكفي في كون هذا الفعل منهيًا عنه. • الخلاف في المسألة: الحديث فيه ما يدل على التحريم، حيث فيه ذكر اللعن، وهو لا يكون إلا على الكبائر المحرمات (¬2). وهو قول عند الشافعية (¬3)، ووجه عند الحنابلة (¬4). ولكن هذا الرأي لا يخالف مسألتنا، فالكراهة نوعان: تنزيهية، وتحريمية، وكلاهما من قبيل المنهيات.Rأن الاتفاق متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، أما الخلاف الذي سبقت الإشارة إليه، فليس ناقضًا للمسألة؛ لأن التحريم كراهة وزيادة، واللَّه تعالى أعلم. [20 - 72] استحباب البول في موضع لين: إذا أراد الإنسان البول، فإنه يستحب له أن يختار مكانا ليِّنًا، لكي لا يرتد إليه البول. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) معلقًا على قول الماتن: "ويرتاد موضعًا للبول، فإن كانت الأرض الأصلية دقها بعود أو حجر؛ حتى لا يترشش عليه البول" حيث يقول: "وهذا الأدب متفق على استحبابه" (¬5). ¬
[21 - 73] استحباب تقديم اليسرى للخلاء واليمنى للخروج منه
ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول شارحًا لكلام البهوتي: "ويستحب. . . وارتياده لبوله مكانًا رخوًا"، قال: "بالاتفاق" (¬1)، أي: على استحبابه. • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق المالكية (¬2)، والحنابلة (¬3). ولم أجد كلاما للحنفية، في هذه المسألة، بعد طول بحث، ولكن واللَّه تعالى أعلم أنها لا تخالف أصولهم، فهم قد قالوا: بكراهة البول واقفًا، وفي مهب الريح، وفي أسفل الأرض إلى أعلاها، وعللوا ذلك: بألا يعود عليه رشاش بوله؛ فيتنجس، وهي نفس علة مسألتنا، غير أني لم أجد لهم ذكرًا لمسألتنا (¬4). • مستند الاتفاق: حديث أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه-، قال: كنت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم، فأراد أن يبول، فأتى دمثًا في أصل جدار فبال، ثم قال: "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله" (¬5). • وجه الدلالة: ظاهرة من الحديث، حيث ذكر أنه يرتاد لبوله، أي: يبحث عن مكانٍ أرضه رخوة، لا تردُّ الماء، قال العظيم آبادي: "والحديث فيه مجهول، لكن لا يضر، فإن أحاديث الأمر بالتنزه عن البول تفيد ذلك" (¬6).Rأن الاتفاق متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [21 - 73] استحباب تقديم اليسرى للخلاء واليمنى للخروج منه: إذا أراد الإنسان دخول الخلاء، فإنه يستحب له أن يدخل باليسرى، ويخرج باليمنى، وعلى ذلك حكى النووي الاتفاق. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) معلقًا على قول الماتن: "ويستحب أن يقدم في الدخول رجله اليسرى، وفي الخروج اليمنى؛ لأن اليسار للأذى، واليمنى لما ¬
سواه"، حيث يقول: "وهذا الأدب متفق على استحبابه، وهذه قاعدة معروفة، وهي أن ما كان من التكريم بدئ فيه باليمنى، وخلافه باليسار" (¬1). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول عن مسألتنا: "وهذا الأدب متفق على استحبابه" (¬2)، ويبدو أنها عبارة النووي، إلا أنه لم يشرْ لذلك. • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كانت يد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت اليسرى لخلائه، وما كان من أذى" (¬6). 2 - حديث حفصة -رضي اللَّه عنها-: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويساره لما سوى ذلك" (¬7). • وجه الدلالة: من هذين الحديثين وغيرهما كثير، تدل على استحباب تقديم اليمين في المكارم والطاهرات، وعلى العكس في الأشياء الدنية والنجاسات، فمن جملتها نأخذ هذا المعنى، فيستحب الدخول للخلاء -وهو موطن نجاسة- باليسرى، والخروج منه باليمنى، وعلى العكس في المسجد (¬8). • الخلاف في المسألة: هناك من أخرج هذا الحكم في حال كون الإنسان في الصحراء (¬9)، وهذا الخلاف لا يقدح في مسألتنا؛ لخروجه عن توصيفها؛ إذ هي ¬
[22 - 74] استحباب عدم رفع الثوب للخلاء حتى يدنو من الأرض
تتحدث عن الذهاب لمكان معروف، متخذ لهذا الشأن، وهو ما يسمى الحمام، وهي أيضًا في بعض تفصيلات المسألة، والتفصيلات دائما يدخلها الخلاف، والاتفاق غالبا في العموميات.Rأن الاتفاق متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [22 - 74] استحباب عدم رفع الثوب للخلاء حتى يدنو من الأرض: إذا أراد الإنسان أن يتخلى، فإنه يستحب له أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، كي لا تنكشف عورته. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) شارحًا قول الماتن: "ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" حيث يقول: "وهذا الأدب مستحب بالاتفاق وليس بواجب" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-، "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه؛ حتى يدنو من الأرض" (¬6). • وجه الدلالة: في دلالة السنة الفعلية من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والحديث -وإن كان ضعيفًا- إلا أن علة الفعل في الحديث صحيحة، وهي الستر، وعدم كشف العورة. 2 - أن عدم رفع الثوب حتى الدنوّ من الأرض أستر للخارج للخلاء، وأحفظ لعورته؛ فيكون أولى (¬7). ¬
[23 - 75] استحباب عدم إطالة القعود للخلاء
• الخلاف في المسألة: هناك روايتان لدى الحنابلة في المسألة، بين التحريم والكراهة (¬1)، لمن فعل ذلك، وعلى كلٍّ؛ فلا يخالف هذا مسألتنا؛ إذ الكراهة للضد استحباب له، والتحريم للضد إيجاب له، وهو استحباب وزيادة، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [23 - 75] استحباب عدم إطالة القعود للخلاء: إذا دخل الإنسان الخلاء، فإنه يستحب له أن لا يطيل القعود فيه، ونقل النووي الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) شارحًا قول الماتن: "ولا يطيل القعود" حيث يقول: "هذا الأدب مستحب بالاتفاق" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - لما يورثه طول القعود من مضار على الإنسان، وذكروا من ذلك أنه يورث مرض الباسور (¬6)، ووجع الكبد (¬7). وكل ما هو ضار ومهلك للإنسان فهو ممنوع منه، والأدلة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. 2 - حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم، إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم، وأكرموهم" (¬8). ¬
[24 - 76] النهي عن البول فيما ينجسه البول
• وجه الدلالة: استدل الحنابلة بهذا الحديث على تحريم طول المكث في الخلاء، في أحدى الروايتين عندهم، قالوا: لما في طول المكث الزائد من كشف للعورة، دون حاجة لذلك، وكشف العورة محرم، فيكون هذا الفعل محرمًا (¬1)، والتحريم كراهة للضد وزيادة؛ فلا يعارض اتفاق مسألتنا. وهذه المسألة مبنية عندهم على مسألة كشف العورة، في خلوة دون حاجة، وفيها روايتان عندهم أيضًا (¬2).Rأن الاتفاق متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [24 - 76] النهي عن البول فيما ينجسه البول: البول في الماء الذي يتنجس به منهيٌ عنه، وقد حُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول فيمن يفرق بين الماء القليل والكثير في النهي عن البول فيه: "فإذا كان النص، بل والإجماع؛ دل على أنه نهى عن البول فيما ينجسه البول، بل تقدير الماء، وغير ذلك، فيما يشترك فيه القليل والكثير؛ كان هذا الوصف المشترك بين القليل والكثير؛ مستقلا بالنهي" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه" (¬7). • وجه الدلالة: حيث نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن البول في الماء الدائم الذي لا يجري، وهو ما يكون احتمال تنجسه قوي، فدل ذلك على النهي عن البول فيما ينجسه البول. ¬
[25 - 77] جواز الوضوء في المسجد
Rأن الإجماع متحقق، وذلك لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [25 - 77] جواز الوضوء في المسجد: الوضوء في المسجد جائز، إلا أن يكون مؤذيًا لأحد (¬1). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) نقله عنه ابن قدامة (¬2) حيث قال: "ولا بأس بالوضوء في المسجد إذا لم يؤذ أحدًا بوضوئه، ولم يبلّ موضع الصلاة، قال ابن المنذر: أباح ذلك كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار، منهم: ابن عمر، وابن عباس، وعطاء، وطاوس، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وابن جريج، وعوام أهل العلم" (¬3). ونقله عنه النووي بنحو هذه العبارة (¬4)، ونقله ابن مفلح (¬5)، والشوكاني (¬6) بلفظ الإجماع. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عمر، وابن عباس، وعطاء، وطاوس، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وابن جريج، والنخعي (¬7)، والحنفية (¬8)، والمالكية في قول (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11). • مستند الإجماع: 1 - أن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه-، وُجد يتوضأ على المسجد (¬12). • وجه الدلالة: فيه فعل صحابي، وهو حجة عند عددٍ من أهل العلم (¬13). 2 - أن الأصل جواز الوضوء في المسجد، ولا دليل يمنع من ذلك، فيبقى هذا الحكم حتى يأتي الدليل الناقل، واللَّه تعالى أعلم. ¬
• الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قول (¬1)، فقالوا: بعدم جواز الوضوء في المسجد. واستدلوا بقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36]، فواجب أن ترفع وتنزه عن أن يتوضأ فيها؛ لما يسقط فيها من غسل الأعضاء من أوساخ، ولتمضمضه فيه ومجّه (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الباب الرابع: مسائل الإجماع في باب السواك وسنن الوضوء
الباب الرابع: مسائل الإجماع في باب السواك وسنن الوضوء [1 - 78] مشروعية السواك: يشرع للمسلم أن يستاك بالسواك، وقد حكى عدد من العلماء الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "اتفقوا أن السواك لغير الصائم حسن" (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث قوله: "وفضل السواك مجتمع عليه لا اختلاف فيه" (¬2). ونقله عنه العيني (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "اتفقوا على استحباب السواك عند أوقات الصلوات، وعند تغير الفم" (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول عن السواك: "واتفق أهل العلم على أنه سنة مؤكدة" (¬5). ونقل ابن قاسم نحو عبارته (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "فالسواك سنة ليس بواجب، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة، إلا ما حكى الشيخ أبو حامد، وأكثر أصحابنا، عن داود أنه أوجبه" (¬7). ونقله عنه الحطاب (¬8)، والشوكاني (¬9)، وابن قاسم (¬10). العراقي (806 هـ) حيث يقول: "وقد حكى بعضهم الإجماع، على أنه لا يجب" (¬11). وهذا يعني مشروعيته تضمنًا. ولذلك قال أيضًا عن حديث أبي هريرة الآتي: "والمنفي إنما هو الوجوب، دون الاستحباب اتفاقًا" (¬12). ¬
[2 - 79] استحباب السواك عند الصلاة
الحطاب (954 هـ) حيث يقول عن السواك: "لا خلاف أنه مشروع عند الوضوء، والصلاة، مستحب فيهما، وأنه غير واجب" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬2). • مستند الاتفاق: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" (¬3). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا دخل بيته بدأ بالسواك" (¬4). • وجه الدلالة: هذان الحديثان يدلان على استحباب السواك ومشروعيته (¬5)، ففي الأول يبين عليه الصلاة والسلام أنه لولا المشقة على الناس لأمرهم أمرًا لازمًا بالسواك للصلاة. وفي الحديث الثاني من فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث إنه كان يبتدئ بيته بالسواك، وهذه سنة فعلية، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: هناك خلاف بين العلماء في السواك للصائم، وهذه حالة خاصة، لا تخرم الإجماع العام.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [2 - 79] استحباب السواك عند الصلاة: يستحب السواك عند الصلاة، فقبل أن يتوجه إلى ربه، يستحب له أن ينظف فمه بالسواك. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "اتفقوا على استحباب السواك عند أوقات الصلوات" (¬6). ¬
[3 - 80] استحباب السواك عند تغير الفم
الحطاب (954 هـ) حيث يقول: "لا خلاف أنه مشروع عند الوضوء، والصلاة، مستحب فيهما، وأنه غير واجب" (¬1). وهو يريد نفي الخلاف المذهبي، وذكرته للاعتضاد. • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3). • مستند الاتفاق: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" (¬4). • وجه الدلالة: ظاهرة من النص بالمطابقة.Rأن الاتفاق متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [3 - 80] استحباب السواك عند تغير الفم: يستحب السواك في عدة مواضع، ومنها إذا تغيرت رائحة الفم، فإنه يستحب عند ذلك أن يغيرها بالسواك. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "اتفقوا على استحباب السواك عند أوقات الصلوات، وعند تغير الفم" (¬5). ونقله عنه ابن قاسم (¬6). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9). • مستند الاتفاق: 1 - حديث حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنهما-، قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك" (¬10). ¬
[4 - 81] مشروعية الختان للرجال
2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا دخل بيته يبدأ بالسواك (¬1). • وجه الدلالة: مع تنوع الحالات التي ورد فيها فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع السواك، إلا أنها تظهر أنه كان يتسوك عند تغير فمه، سواء كان بنوم، أو بطول خروج عن البيت فيكون البطن خاويًا، أو غير ذلك، فهي تدل بمعظمها على استحبابه عند تغير رائحة الفم، ولذا يقول الإمام الشافعي: "واستحب السواك عند كل حال يتغير فيه الفم، وعند الاستيقاظ من النوم، وأكل كل ما يغير الفم، وشربه، وعند الصلوات كلها" (¬2). 3 - ومن المعقول: فالفم عندما تتغير رائحته، فإن الآخرين يتأذون من رائحته، وكذلك الزوجة والأبناء، فكان من المناسب أن يغير رائحته بالسواك وينظفه.Rأن الاتفاق متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [4 - 81] مشروعية الختان للرجال: الختان للرجال من سنن الإسلام الحنيف، وقد حكى عدد من العلماء الإجماع على مشروعيته. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن من ختن ابنه، فقد أصاب" (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "والذي أجمع عليه المسلمون؛ الختان في الرجال، على ما وصفنا" (¬4). وقال أيضًا: "والختان من ملة إبراهيم، لا يختلفون في ذلك" (¬5). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الختان في حق الرجال" (¬6). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "إذا لم يخف عليه ضرر الختان، فعليه أن يختتن، فإن ذلك مشروع مؤكد للمسلمين باتفاق الأئمة، وهو واجب عند الشافعي، وأحمد في المشهور عنه" (¬7). ¬
[5 - 82] إباحة الختان للنساء
ونقله عنه ابن قاسم (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط" (¬4). • وجه الدلالة: ظاهرة من الحديث، حيث اعتبر الختان من الفطرة، وهو استحسان له، مما يدل على مشروعيته، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف الحسن في المسألة (¬5)، فقال: بالترخيص فيه، فإذا أسلم الكافر لا يبالي أن لا يختتن. ويقول: أسلم الناس الأسود، والأبيض، لم يُفتش أحد منهم، ولم يختتنوا (¬6). ولكن هذا لا ينافي أن يكون يقول بالمشروعية، حيث إنه رخص فيه، والرخصة لا تكون إلا في مقابل العزيمة. وهناك رواية عن الإمام أحمد أنه لا يجب مطلقا (¬7)، ولكن هذا لا يعني أنه غير مشروع.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [5 - 82] إباحة الختان للنساء: الختان للنساء مباح، وقد حكى ابن حزم الاتفاق على ذلك. والحديث في هذه المسألة عن الإباحة، التي هي دون مرتبة الاستحباب، فليس المقصود أن كل العلماء قالوا: إنه مباح فحسب، فهناك من قال باستحبابه وبوجوبه، ¬
[6 - 83] مشروعية الختان للإناث
والمسألة لا تنكرها، ولكن المهم أن لا يكون هناك من يخالف الإباحة، بأن يقول: بالتحريم لختان النساء. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على إباحة الختان للنساء" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر الختان بصيغة العموم، ولم يفرق بين الرجل والمرأة، مما يدل على إباحته للمرأة، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل" (¬7). • وجه الدلالة: حيث في الحديث بيان أن النساء كن يختتن على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأقل أحواله الإباحة (¬8).Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [6 - 83] مشروعية الختان للإناث: شرع اللَّه تعالى للإناث الختان (الخفاض)، وقد حُكي الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الختان في ¬
[7 - 84] إبراهيم عليه السلام أول من اختتن
حق الرجال، والخفاض (¬1) في حق الإناث مشروع" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الاتفاق: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط" (¬6). • وجه الدلالة: حيث ذكر الختان بصيغة العموم، ولم يفرق بين الرجل والمرأة، مما يدل على مشروعيته للمرأة كما هو للرجل، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [7 - 84] إبراهيم عليه السلام أول من اختتن: إبراهيم عليه الصلاة والسلام جد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو أول من سن سنة الختان، وقد حُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على أن إبراهيم أول من اختتن" (¬7). ابن العربي (543 هـ) حيث يقول عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: "وكان أول من اختتن، وأقام مناسك الحج، وضحى، وعمل بالسنن نحو قص الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، وأعطاه اللَّه الذكر الجميل في الدنيا، فاتفقت الأمم عليه" (¬8)، في كلامه إشارة للاتفاق، وليس صريحًا. القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على أن إبراهيم عليه الصلاة ¬
[8 - 85] تقليم الأظفار سنة
والسلام أول من اختتن" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- (¬2)، وابن المسيب (¬3)، والشافعية (¬4). أما الحنفية والحنابلة، فقد بحثت في كتبهم كثيرًا، إلا أنني لم أجد نصًّا منهم في مسألتنا، بأن إبراهيم هو أول من اختتن. • مستند الإجماع: لم أجد ما يدل على ذلك، إلا ما ورد من الأمر باتباع ملة إبراهيم، في قوله: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء: 125]. • وجه الدلالة: الآية الكريمة كأن فيها إشارة، على أنه الأول في اتباع هذه الفطرة، حيث أمرنا باتباع ملته، وكان من ملته أنه يختتن عليه الصلاة والسلام، لما روى أبو هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اختتن إبراهيم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم" (¬5) (¬6).Rكما سبق، فإنني لم أجد كلامًا للحنفية والحنابلة على مسألتنا، غير أنهم لم يذكروا مخالفة لها، ولم أجد عند غيرهم مخالفًا أيضًا، واللَّه تعالى أعلم. [8 - 85] تقليم الأظفار سنة: تقليم الأظفار من سنن الفطرة، وفيها إزالة للخبث من جسد الإنسان، وقد حُكي الإجماع على سنيتها. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن قص الشارب، وقطع الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، حسن" (¬7). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأما قص الأظفار، وحلق العانة؛ فمجتمع على ¬
[9 - 86] الاستحداد سنة
ذلك أيضًا" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أما تقليم الأظفار فمجمع على أنه سنة، وسواء فيه الرجل والمرأة، واليدان والرجلان" (¬2). العراقي (806 هـ) حيث يقول: "فإن قيل قد قدمتم الاتفاق، على أن حلق العانة، وتقليم الأظفار سنة، وليس بواجب" (¬3). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "قوله (¬4): (تقليم الأظفار). . . وهو سنة بالاتفاق أيضًا" (¬5). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "وتقليمها سنة إجماعا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط" (¬9). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، وحلق العانة، ونتف الإبط، وانتقاص الماء" ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة (¬10). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر تقليم الأظفار من سنن الفطرة.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [9 - 86] الاستحداد سنة: الاستحداد: هو استعمال الحديدة في إزالة شعر العانة، وصار كناية عن حلق العانة (¬11). ¬
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن قص الشارب، وقطع الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط حسن" (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأما قص الأظفار، وحلق العانة؛ فمجتمع على ذلك أيضًا، إلا أن من أهل العلم من وقت في حلق العانة أربعين يومًا، وأكثرهم على أن لا توقيت في شيء من ذلك" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأما حلق العانة؛ فمتفق على أنه سنة أيضًا" (¬3). العراقي (806 هـ) حيث يقول: "الاستحداد استفعال من استعمال الحديد في حلق العانة، وهو مستحب إجماعًا" (¬4). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: " (الاستحداد) هو حلق العانة، سمِّي استحدادًا؛ لاستعمال الحديدة، وهي الموسى، وهو سنة بالاتفاق" (¬5). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "يسن للرجل والمرأة حلقها إجماعًا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط" (¬9). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، وحلق العانة، ونتف الإبط، وانتقاص الماء"، ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة (¬10). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر الاستحداد من سنن الفطرة.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
[10 - 87] نتف الإبط سنة
[10 - 87] نتف الإبط سنة: يسن للمسلم أن ينتف إبطه، وهو من النظافة والطهارة التي جاء بها الإسلام، وحكى عدد من العلماء الاتفاق على سنيته. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن قص الشارب، وقطع الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، حسن" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأما نتف الإبط؛ فمتفق أيضًا على أنه سنة" (¬2). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "قوله (¬3): (ونتف الإبط) هو سنة بالاتفاق أيضًا" (¬4). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "يسن قلع شعر إبطه إجماعًا" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الاتفاق: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط" (¬9). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، وحلق العانة، ونتف الإبط، وانتقاص الماء"، ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة (¬10). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عدَّ نتف الإبط من سنن الفطرة.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[11 - 88] غسل البراجم سنة
[11 - 88] غسل البراجم سنة: غسل البراجم في يد المسلم سنة مستحبة. والبراجم هي: العُقد التي في ظهور الأصابع، والرواجب: ما بين البراجم. ومعناه: تنظيف المواضع التي تشنج، ويجتمع فيها الوسخ (¬1). وقال العراقي: "والبراجم جمع برجمة بضمها، وهي عقد الأصابع التي في ظاهر الكف" (¬2). • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأما غسل البراجم؛ فمتفق على استحبابه، وهو سنة مستقلة، غير مختصة بالوضوء" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الاتفاق: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، وحلق العانة، ونتف الإبط، وانتقاص الماء"، ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر غسل البراجم من سنن الفطرة.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [12 - 89] حلق اللحية لا يجوز: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بإعفاء اللحية، وقد اتفق العلماء على تحريم حلق اللحية بالكلية. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن حلق جميع اللحية مُثلةٌ لا تجوز، وكذلك الخليفة، والفاضل، والعالم" (¬8). ¬
[13 - 90] إباحة حلق الرأس وحبسه
• الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الاتفاق: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خالفوا المشركين، وفِّروا اللحى، وأحفوا الشوارب" (¬5). وجه الدلالة من وجهين: 1 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بتوفير اللحى، والأمر يقتضي الوجوب، فكان الحلق منافيًا لمقتضى الأمر، فهو محرم، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بدأ الأمر بمخالفة المشركين، ومخالفتهم واجبة، فكأنه أمر ثانٍ على توفير اللحى، ومن خالف الأمر فقد ارتكب محرمًا، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: هناك من قال: يؤخذ من اللحية، وبينهم خلاف في مقدار ما يؤخذ (¬6)، ولكن هذا لا يخالف مسألتنا، فهي في حلقها بالكلية.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [13 - 90] إباحة حلق الرأس وحبسه: حلق المسلم لرأسه مباح، وكذا حبسه، وقد حُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "قد أجمع العلماء في جميع الآفاق على إباحة حبس الشعر، وإباحة الحلاق، وكفى بهذا حجة" (¬7). ونقله عنه ابن قدامة (¬8)، والقرطبي (¬9)، والبهوتي (¬10)، والرحيباني (¬11). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: حديث عبد اللَّه بن جعفر -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما جاء نعي جعفر أمهل آل جعفر ثلاثًا أن يأتيهم، ثم أتاهم، فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم"، ثم قال: "ادعوا بني أخي"، فجيء بنا، قال: "ادعوا لي الحلاق" فأمر بنا فحلق رؤوسنا (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بحلق رؤوسهم، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يأمر إلا بمباح أو أكثر، وهذا يدل على الإباحة (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف بعض الشافعية، فقالوا بأنه بدعة في غير المولود وإسلام الكافر والحج والعمرة (¬6)؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحلق رأسه إلا في النسك (¬7). وخالف أحمد في رواية بالكراهة في ذلك (¬8)، وروي عن عمر، وابن عباس -رضي اللَّه عنهما- (¬9)، قال أحمد: كانوا يكرهون ذلك (¬10). واستدلوا بما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال في الخوارج: "سيماهم التحليق" (¬11)، فجعله علامة لهم (¬12).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[14 - 91] حلق الرأس في غير النسك ليس قربة
[14 - 91] حلق الرأس في غير النسك ليس قربة: إذا أراد إنسان أن يحلق رأسه في غير نسك، فإن فعله هذا لا يُتقرب به، ولا يسن، وحُكي الاتفاق على ذلك (¬1). • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وليس حلق الرأس في غير نسك بسنة، ولا قربة باتفاق المسلمين" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق بعض الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإتفاق: أن المسنون والمتقرَّب به في الإسلام لا يشرع إلا أن يدل دليل على السنية أو القربة، ولا دليل على ذلك في غير النسك، فيبقى على الأصل وهو الإباحة، حتى يأتي ناقل عنها (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف بعض الحنفية، وعبروا بأنه سنة (¬7). لم أجدهم ذكروا دليلًا، إلا أنهم جعلوه من باب النظافة (¬8).Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [15 - 92] كراهة القزع: حلق الإنسان لبعض رأسه وتركه للبعض منهي عنه، وهو ما يسمى بالقزع (¬9)، وقد ¬
حُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على كراهة القزع، إذا كان في مواضع متفرقة، إلا أن يكون لمداواة ونحوها، وهي كراهة تنزيه" (¬1). ونقله عنه ابن حجر (¬2)، والشوكاني (¬3). المرداوي (885 هـ) حيث يقول شارحًا لكلام ابن قدامة في "المقنع": "قوله: (ويكره القزع) بلا نزاع، وهو أخذ بعض الرأس، وترك بعضه" (¬4). وهو يريد المذهب بلا شك، وذكرته للاعتضاد فقط. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع عائشة -رضي اللَّه عنها- (¬5)، والحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن القزع، فقيل لنافع: ما القزع؟ قال: أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض" (¬10). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن القزع، ومجرد نهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يدل على الكراهة؛ إذ أن النهي أتى في مقابل الجواز المطلق للحلق، فيكون للكراهة حتى تأتي قرينة على التحريم، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف بعض المالكية -فيما نقله عنهم النووي- بالقول بجوازه في الغلام (¬11)، وهو مخالف لمنصوص الإمام مالك، فقد قال: لا يعجبني ذلك في الجواري، ولا الغلمان، ووجّه ذلك بأنه قزع (¬12). ¬
[16 - 93] مشروعية الأخذ من الشارب
ولم أجد هذا القول في كتبهم.Rأن الإجماع متحقق في غير الغلمان؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. أما الغلمان: فلم أجد ما يؤكد كلام النووي في كتب المالكية، فإن صح النقل، فلا إجماع في الغلمان، وإلا فالإجماع صحيح في الغلمان أيضًا، واللَّه تعالى أعلم. [16 - 93] مشروعية الأخذ من الشارب: الأخذ من الشارب سنة من سنن الفطرة، وقد أجمع على ذلك العلماء. وعبرت بالأخذ؛ لأتجنب الخلاف في المسألة، فهناك خلاف هل الواجب القص؛ أو الحلق؟ وهذا العنوان يشمل الاثنين. وهناك أمر آخر وهو: أن المشروعية تشمل الاستحباب، وما فوقه (¬1)، وناقض المسألة -إن وجد- فهو من قال بالإباحة، أو ما دونها، وهذا ما سنراه في المسألة إن شاء اللَّه تعالى. • من نقل الإجماع: الجوهري (350 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن إحفاء الشارب من السنة؛ إلا مالكًا فإنه كرهه" (¬2). وهذا مبني على الخلاف الذي سبقت الإشارة إليه، فهو يقول -مالك- بالقص، لا الإحفاء بمعنى الحلق؛ لأنه يعتبره مثلة. ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن قص الشارب، وقطع الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، حسنٌ" (¬3). ونقل عنه ابن مفلح حكاية الإجماع، حيث قال: "وذكر ابن حزم الإجماع أن قص الشارب، وإعفاء اللحية فرض" (¬4). وراجعت كلامه فوجدته نص على فرضيته، ولم يحك إجماعًا (¬5)، ولعل ابن مفلح ¬
[17 - 94] استحباب التيامن في الطهارة
اشتبه عليه كلامه في "المراتب" مع "المحلى"، وكذا حكاه ابن قاسم (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا أنه لا بد للمسلم من قص شاربه، أو حلقه" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأما قص الشارب، فمتفق على أنه سنة" (¬3). العراقي (822 هـ) حيث يقول: "فيه استحباب قص الشارب، وهو مجمع على استحبابه" (¬4). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول شارحًا لحديث الفطرة: "قوله: (وقص الشارب) هو سنة بالاتفاق" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط" (¬8). 2 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى" (¬9). وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكره من سنن الفطرة في الحديث الأول، والأمر به في الحديث الثاني، وهو يكفي في المشروعية، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [17 - 94] استحباب التيامن في الطهارة: إذا أراد المسلم الطهارة فإنه يستحب له أن يتيامن فيها، وعليه حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا أن الأفضل أن ¬
يغسل اليمنى قبل اليسرى، وأجمعوا أن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام كذلك كان يتوضأ، وكان عليه الصلاة والسلام يحب التيامن في أمره، كما في طهوره، وغسله، وغير ذلك من أموره" (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وغسل الميامن قبل المياسر لا خلاف بين أهل العلم -فيما علمنا- في استحباب البداءة باليمنى" (¬2). ونقله عنه ابن حجر (¬3)، والشوكاني في "النيل" (¬4)، وابن قاسم (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول: "واستثني منه -أي: من الترتيب- تقديم اليمين بالإجماع" (¬6). وقال أيضًا: "وتقديم اليمنى سنة بالإجماع، وليس بواجب بالإجماع" (¬7). ونقله عنه الحافظ ابن حجر (¬8)، والشوكاني في "النيل" (¬9)، وابن قاسم (¬10). العيني (855 هـ) حيث يقول: "واتفق العلماء أنه يستحب تقديم اليمنى في كل ما هو من باب التكريم، كالوضوء والغسل ولبس الثوب. . " (¬11). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث يدل على استحباب البداءة بالميامن، ولا خلاف فيه" (¬12). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يحب التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله" (¬13). 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم" (¬14). ¬
[18 - 95] جواز تقديم اليد اليسرى في الطهارة
• وجه الدلالة: ظاهر من ذكر حب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للتيمن في الحديث الأول، وفي الثاني من الأمر بالبدء بالميامن، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: قال النووي: "وحكى أصحابنا عن الشيعة أن تقديم اليمنى واجب، لكن الشيعة لا يعتد بهم في الإجماع" (¬1). وعلى كل حال، فالقول بالوجوب لا ينافي الاستحباب في كونهما في درجة المشروعية.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [18 - 95] جواز تقديم اليد اليسرى في الطهارة: إذا أراد المسلم الوضوء، وقدم اليسرى على اليمنى، فإن وضوءه صحيح، ولا إعادة عليه بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه لا إعادة، على من بدأ بيساره قبل يمينه في الوضوء" (¬2). ونقله عنه النووي، وقال بعده: "وكذا نقل الإجماع فيه آخرون" (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وكذلك أجمعوا أن من غسل يسرى يديه قبل اليمنى أنه لا إعادة عليه" (¬4). وقال أيضًا: "لأن اليمنى واليسرى لا تنازع بين المسلمين في تقديم إحداهما على الأخرى" (¬5). وقال أيضًا: "وكذلك أجمعوا أن من غسل يسرى يديه قبل يمناه أنه لا إعادة عليه" (¬6). ¬
ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "قوله (¬1): (فإذا غسل يديه)، فذكر مجموعهما، ولأجل هذا اتفق العلماء على سقوط الترتيب بينهما -أي: اليمنى واليسرى" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه لا إعادة على من بدأ بيساره قبل يمينه" (¬3). وقال أيضًا: "ولا يجب الترتيب بين اليمنى واليسرى، لا نعلم فيه خلافًا" (¬4). ونقله ابن قاسم (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وتقديم اليمنى سنة بالإجماع، وليس بواجب بالإجماع" (¬6). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "ولو بدأ في الطهارة بمياسره قبل ميامنه، كان تاركًا للاختيار، وكان وضوؤه صحيحًا من غير نزاع أعلمه بين الأئمة" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يحب التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله" (¬9). • وجه الدلالة: قولها -رضي اللَّه عنها-: (يحب) يفيد الاستحباب، وأنه كان يفعل ذلك، ويحبه، ولكن لم يأمر به على الإلزام، وإلا قالت: كان يأمر، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: سبق نقل النووي في المسألة الماضية عن الشيعة (¬10) أنهم يقولون بوجوب تقديم اليمين، وأنه لا يعتد بخلافهم. ونسب المرتضى الشيعي هذا القول للشافعي فيما نقله عنه ابن حجر (¬11)، وغلطه فيها. ¬
[19 - 96] استحباب تثليث غسل أعضاء الوضوء
وبعض الشيعة نسب القول بالوجوب للفقهاء السبعة؛ وهو تصحيف من الشيعة، وهو غير صحيح أيضًا (¬1). ونسب بعض الشافعية هذا القول إلى الإمام أحمد، وهو غير صحيح أيضًا (¬2)، وقد سبق النقل عن ابن قدامة بما يخالفه، وقال الزركشي: هو منكر، وهما في حكم اليد الواحدة (¬3). ولابن حزم كلام محتمل للوجوب، حيث قال: "ولا بد في الذراعين والرجلين من الابتداء باليمين قبل اليسار كما جاء في السنة" (¬4). ولكن ذلك لم يثبت، وراجعت كلامه في صفة الوضوء، فلم يشر لذلك لا من بعيد، ولا من قريب (¬5). فلم يصرح بالوجوب، والواجب حمل كلامه على ما وافق الإجماع؛ حتى يثبت الضد (¬6).Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف المعتبر في المسألة، وقد سبق مناقشة خلاف الشيعة وعدم اعتباره في خرق الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. [19 - 96] استحباب تثليث غسل أعضاء الوضوء: يستحب لمن توضأ أن يغسل أعضاءه ثلاثًا، وهذا يشمل جميع الأعضاء سوى الرأس؛ فالخلاف فيه مشهور، ولا يدخل في حديث من نقلت عنه من العلماء، في هذه المسألة. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أن الوضوء يجزئ مرة مرة، ومرتين أفضل، وأفضله ثلاث، وليس بعده شيء" (¬7). ¬
ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "فالثلاث في ذلك في سائر الأعضاء أكملُ الوضوء وأتمه، وما زاد فهو اعتداء، ما لم تكن الزيادة لتمام نقصان، وهذا لا خلاف فيه" (¬1). ونفيه للخلاف هنا يحتمل كونه في مسألة الزيادة على الثلاث، وفي مسألتنا، وكونه في المسألتين معا, ولكن كونه في المسألتين أظهر، حيث إن السياق يدل لذلك، واللَّه تعالى أعلم. سند بن عنان (541 هـ) حيث يقول: "لا خلاف في ثبوت فضيلة التكرار" (¬2) أي في غسل الأعضاء، فيما نقله عنه الحطاب (¬3). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على أن الواجب من طهارة الأعضاء المغسولة، هو مرة مرة، إذا أسبغ، وأن الاثنين والثلاث مندوب إليهما" (¬4). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أما حكم المسألة: فالطهارة ثلاثًا ثلاثًا مستحبة في جميع أعضاء الوضوء بإجماع العلماء، إلا الرأس؛ ففيه خلاف للسلف" (¬5). ونقل عنه الشوكاني حكايته للإجماع في ذلك (¬6). المرداوي (885 هـ) حيث يقول شارحًا لعبارة "المقنع" في سنن الوضوء: "قوله: (والغسلة الثانية والثالثة) بلا نزاع" (¬7). وهو يقصد النزاع في المذهب بلا شك. ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "ومنها التثليث في حق كل واحد بالإجماع" (¬8)، وهو يريد تثليث المضمضة والاستنشاق هنا، إلا أن كلامه ينساق أيضًا على غيرها. ابن حجر الهيتمي (974 هـ) في سنن الوضوء: " (وتثليث الغسل) وذلك للإجماع على طلبه، ويحصل بتحريك اليد ثلاثًا, ولو في ماء قليل" (¬9). الصنعاني (1182 هـ) شارحًا حديث عثمان (¬10): " (دعا بوضوء) أي: بماء يتوضأ به ¬
(فغسل كله ثلاث مرات) هذا من سنن الوضوء بإتفاق العلماء" (¬1). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع العلماء على أن الواجب غسل الأعضاء مرة واحدة، وأن الثلاث سنة" (¬2). وقال أيضًا: "وقد قدمنا أن التثليث سنة بالإجماع" (¬3). • مستند الإجماع: 1 - حديث عثمان -رضي اللَّه عنه-، أنه وصف وضوء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا (¬4). 2 - حديث علي -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- توضأ ثلاثًا ثلاثًا (¬5). • وجه الدلالة: ظاهر من السنة الفعلية للنبي عليه الصلاة والسلام. • الخلاف في المسألة: خالف بعض العلماء في المسألة، وقالوا بعدم المشروعية. وقد نَقَل النووي حكاية هذا القول عن بعض الشافعية (¬6)، نسبوه لبعض العلماء، وأنكر أن يكون صحيحًا، فقال: "وحكى بعض أصحابنا عن بعض العلماء أنه لا يستحب الثلاث، وعن بعضهم أنه أوجب الثلاث، وكلاهما غلط، ولا يصح هذا عن أحد، فإن صح؛ فهو مردود بالأحاديث الصحيحة" (¬7)، قال هذا بعد حكايته للإجماع في المسألة كما سبق، مما يعني أنه يرى أن لا خلاف في المسألة معتبر. وحُكي عن مالك بأنه لم ير التوقيت لا بواحدة ولا بثلاث (¬8). واستدل بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، حيث الأمر بالغسل فقط، ولم يحدد (¬9). ¬
[20 - 97] التثليث في الوضوء غير واجب
ولكن المعروف عنه موافقة الجمهور، بل عنه رواية بكراهة النقض عن الثلاث (¬1). وبعد مزيد من البحث، وجدت القرافي نقل عن صاحب "الطراز" وغيره (¬2) تفسيرًا لما نقل عن مالك في ذلك، بأنه يريد به نفي الوجوب (للثلاث)، لا نفي الفضيلة، وهذا يتوافق مع قول الجمهور وللَّه الحمد. وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز بمشروعية التثليث إلا في الرجلين (¬3)، وهو قول عند المالكية (¬4).Rأن الإجماع غير متحقق في الرجلين، بلا إشكال، فالنقل فيها واضح؛ لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. أما بقية الأعضاء فالنقل فيها -كما سبق- غير واضح، فالنووي نفى وجود الخلاف، وغلط من نقله، وأما ما نُقل عن مالك فغير قوي أيضًا, ولولا أن من نقله غير ابن عبد البر لنفيت صحته، مع أنه سبق نقل نفيه للخلاف في المسألة، والمسألة محل إشكال عندي، ولكن الأظهر أن المسألة إجماعية، وما نقل فيها فهو شاذ إن صح؛ لمخالفته الأحاديث الصحيحة والصريحة، ولمخالفته الإجماع، واللَّه أعلم (¬5). [20 - 97] التثليث في الوضوء غير واجب: إذا أراد المسلم الوضوء، فإنه لا يجب عليه أن يغسل أعضاءه ثلاثًا، وعلى ذلك حكي الإجماع. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في أن النجاسة الحكمية، وهي الحدث والجنابة تزول بالغسل مرة واحدة، ولا يشترط فيها العدد" (¬6). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على أن الواجب من طهارة الأعضاء المغسولة هو مرة مرة إذا أسبغ، وأن الاثنين والثلاث مندوب إليهما" (¬7). ¬
النووي (676 هـ) حيث يقول: "ولأن فيه غسل الكفين والتكرار وغيرهما مما ليس بواجب بالإجماع" (¬1). ويقول: "فإن الثلاث لا تجب بالإجماع" (¬2). ويقول: "أجمع العلماء على أن الواجب مرة واحدة" (¬3). وقال بعدها بقليل: "والأحاديث في هذا كثيرة مشهورة، وهو مجمع عليه، ولم يثبت عن أحد خلافه" (¬4). ونقله عنه الشوكاني (¬5). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول في سياق حديثه عن قول بعض العلماء بوجوب التثليث: "وكأنه تمسك بظاهر الحديث المذكور (¬6)، وهو محجوج بالإجماع" (¬7). ابن الهمام (861 هـ) حيث يقول عن وجوب الغسلات الثلاث: "لكن انعقد الإجماع على خروج اثنتين منهما"، أي: الثانية والثالثة عن الوجوب (¬8). ونقله عنه ابن نجيم (¬9). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "وأما التثليث فغير واجب بالإجماع، وفيه خلاف شاذ" (¬10). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع العلماء على أن الواجب غسل الأعضاء مرة واحدة، وأن الثلاث سنة" (¬11). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنابلة (¬12). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بغسل الأعضاء، ولم يحدد عز وجل عدد الغسل، فيكفي ما يحصل به الغسل، ولو كان مرة واحدة أو مرتين (¬13). ¬
[21 - 98] إجزاء الغسلة الواحدة إذا عمت
2 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال "توضأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مرة مرة" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ورد عنه أنه توضأ بغسل الأعضاء مرة واحدة، وهذه سنة فعلية، ولو كان التثليث واجبًا لالتزم به عليه الصلاة والسلام (¬2). • الخلاف في المسألة: نقل النووي عن بعض الشافعية حكايتهم قولًا عن بعض العلماء بوجوب التثليث، ولكنه أنكر صحته، ولم يعتبره (¬3). ونقله ابن حجر أيضًا عن بعض العلماء، وأنكره أيضًا (¬4). ونُقل عن ابن أبي ليلى مخالفته بقوله بوجوب التثليث (¬5). واستُدل (¬6) لهذا القول بظاهر حديث عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: "فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم" (¬7).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف المعتبر في المسألة، فأما ما نقله النووي وابن حجر؛ فلم يذكروا عالمًا معينًا ولم يتابعهم عليه أحد، وأنكره أيضًا، مما يقوي شذوذه، وأما ابن أبي ليلى؛ فلم يثبت عنه، بالإضافة إلى مخالفة الأحاديث الصحيحة, واللَّه تعالى أعلم. [21 - 98] إجزاء الغسلة الواحدة إذا عمت: إذا غسل المتوضئ عضوه مرة واحدة، وكانت سابغة، فإنها مجزئة له، وعلى ذلك الإجماع. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أن الوضوء يجزئ مرة مرة، ومرتين أفضل، وأفضله ثلاث، وليس بعده ¬
شيء" (¬1). ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث نقل عنه النووي حكايته الإجماع في المسألة (¬2). نقله عنه النووي (¬3)، وابن قاسم (¬4). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم على أن من توضأ مرة مرة، فأسبغ الوضوء؛ أن ذلك يجزيه" (¬5). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "والغسلة الواحدة إذا أوعبت تجزئ بإجماع العلماء؛ لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد توضأ مرة مرة، ومرتين، وثلاثة، وهذا أكثر ما فعل من ذلك عليه الصلاة والسلام، وتلقت الجماعة ذلك من فعله على الإباحة والتخيير في الثنتين، والثلاث، إلا إن ثبت أن شيئًا من ذلك نسخ لغيره، فقف على إجماعهم فيه" (¬6). وقال أيضًا: "وأجمع العلماء أن غسلة واحدة سابغة في الرجلين، وسائر الوضوء تجزئ" (¬7). وقال أيضًا: "وأجمعت الأمة أن من توضأ مرة واحدة سابغة؛ أجزأه" (¬8). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الوضوء مرة مرة مسبغة في الوجه والذراعين والرجلين يجزئ" (¬9). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في أن النجاسة الحكمية، وهي الحدث والجناية تزول بالغسل مرة واحدة، ولا يشترط فيها العدد" (¬10). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "ومسح الرأس مرة مرة يكفي بالاتفاق، كما يكفي تطهير سائر الأعضاء مرة" (¬11). الحطاب (954 هـ) حيث يقول: "لأنا لا نعلم أن أحدًا يقول بحرمة الاقتصار عليها" (¬12)، أي: الواحدة. ¬
الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع العلماء على أن الواجب غسل الأعضاء مرة واحدة" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬2). • مستند الإجماع: 1 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- "توضأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرة مرة" (¬3). 2 - حديث عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "توضأ مرتين مرتين" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- توضأ بغسلة واحدة للعضو، ومرتين، وهذه سنة فعلية يجب الأخذ بها، على أنها دليل على جواز الاقتصار على غسلة واحدة، وأنها مجزئة، وأن الثلاث غير ملزمة، ولكن بشرط الإنقاء، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: نُقل عن ابن أبي ليلى أنه لا يجزئ ما دون الثلاث، نقله النووي، ثم قال: "وهذا مذهب باطل، لا يصح عن أحد من العلماء، ولو صح؛ لكان مردودًا بإجماع من قبله" (¬5). ولكن عن مالك قول بوجوب اثنتين فما فوق (¬6). وهنا كلام مشكل للحطاب، حيث قال: "أن المقتصر على الواحدة تارك للفضل، وتارك الفضل مقصر، ولا يجوز الاقتصار على الواحدة بإجماع، كما لا تجوز الزيادة على الثلاث، إذا عم بها بإجماع" (¬7). قال هذا الكلام بعد أن نقل كلامًا للقرافي، ثم قال بعده: (انتهى)، والظاهر أنه يقصد أنه كلام القرافي. وقد راجعت كلام القرافي، فوجدت الكلام السابق، ولم أجد اللاحق (¬8)، فالظاهر أن هناك تصحيفًا، أو وهمًا في دعوى الإجماع، ويحمل كلام الحطاب على الكراهة، وقال بعدها: "لأنا لا نعلم أن أحدًا يقول بحرمة الاقتصار عليها -أي: على الواحدة" (¬9)، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[22 - 99] إجزاء الغسلتين إذا عمت
Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف المعتبر في المسألة (¬1)، فخلاف ابن أبي ليلى وقول مالك يكفي في خرق الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. [22 - 99] إجزاء الغسلتين إذا عمت: في المسألة السابقة ناقشنا الاكتفاء بغسلة واحدة، وهنا بثنتين، ومن البديهي أن أي إجماع حكي هناك فهو شامل لهذه المسألة بالتضمن، بخلاف العكس، وهو ما انتهت إليه الدراسة هناك، فنحن نبحث الآن عن الاقتصار على ثنتين، حيث حُكي الإجماع على إجزاء الاقتصار عليها. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، أن الوضوء يجزئ مرة مرة، ومرتين أفضل، وأفضله ثلاث، وليس بعده شيء" (¬2). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث يدل على أن التوضؤ مرتين يجوز، ويجزئ، ولا خلاف في ذلك" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: حديث عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "توضأ مرتين مرتين" (¬8). • وجه الدلالة: فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المجرد يعتبر سنة فعلية، وقد يكون بيانًا للجواز كما في مسألتنا، فمن هذا الفعل يؤخذ الجواز، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: ما قيل في مسألة إجزاء الغسلة الواحدة من خلاف ابن أبي ليلى في عدم جواز ما دون الثلاث يأتي هنا, ولكن لم يذكر له متابع من العلماء، وشكك النووي في نسبة القول إليه (¬9)، ولو صح فهو شذوذ منه رحمه اللَّه تعالى. ¬
[23 - 100] جواز المخالفة في غسل الأعضاء في عدد مرات الغسل
Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [23 - 100] جواز المخالفة في غسل الأعضاء في عدد مرات الغسل: سبق الكلام عن مسألة أن التثليث في الوضوء مستحب، وأن الاقتصار على الواحدة مجزئ إذا عمّ. ولكن لو توضأ رجل، فغسل عضوًا ثلاثًا، ثم غسل آخر مرتين، فإن فعله جائز، هذا ما تتحدث عنه مسألتنا. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول شارحًا لقول صاحب "المهذب": " (خالف بين الأعضاء فغسل بعضها مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثًا جاز) هذا الحكم مجمع عليه" (¬1). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول شارحًا لكلام البهوتي: "ولو غسل بعض أعضاء الوضوء أكثر من بعض لم يكره" قال: "إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: حديث عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "توضأ فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه مرتين" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يلتزم بعددٍ معينٍ في وضوءٍ واحدٍ، مما يبين الجواز في ذلك، واللَّه تعالى أعلم (¬7). • الخلاف في المسألة: سبق في مناقشة مسألة الاقتصار على غسلة واحدة، والتي توصلتْ إلى عدم صحة الإجماع بإجزاء ذلك، فيكون هنا من باب أولى، إذا غسل أحد الأعضاء مرة واحدة. وأما إذا اقتصر على ثنتين، فإن الدراسة انتهت إلى صحة الإجماع في ذلك، وأن ما ¬
[24 - 101] عدم مشروعية الزيادة على الثلاث
نقل عن ابن أبي ليلى من مخالفةٍ، فإنها لم تثبت، أو أنها شاذة.Rأن الإجماع متحقق إذا لم يقتصر على غسلة واحدة لعضوٍ من الأعضاء؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، وأما إذا اقتصر على غسلة واحدة، فلا إجماع على ذلك، بخلاف ما لو تردد بين غسلتين وثلاث، واللَّه تعالى أعلم. [24 - 101] عدم مشروعية الزيادة على الثلاث: سبق مناقشة استحباب التثليث في غسل أعضاء الوضوء، ولكن إذا زاد على الثلاث فإن الزيادة غير مشروعة. • من نقل الإجماع: البخاري (256 هـ) حيث أشار للإجماع في هذه المسألة، فقال: "وكره أهل العلم الإسراف فيه، وأن يجاوز فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬1). نقله النووي عنه (¬2)، والعيني (¬3)، وابن قاسم (¬4). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الزيادة على الثلاث لا معنى لها" (¬5). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "فالثلاث في ذلك في سائر الأعضاء أكملُ الوضوء وأتمه، وما زاد فهو اعتداء، ما لم تكن الزيادة لتمام نقصان، وهذا لا خلاف فيه" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع العلماء على كراهة الزيادة على الثلاث، والمراد بالثلاث: المستوعبة للعضو" (¬7). ونقله الحطاب عنه (¬8)، وابن قاسم (¬9). القرافي (684 هـ) حيث يقول: "كما لا تجوز الزيادة على الثلاث، إذا عم بها بإجماع". نقله الحطاب عنه (¬10). ¬________ (¬1) "صحيح البخاري" (1/ 63). (¬2) "المجموع" (1/ 468). (¬3) "البناية" (1/ 233). (¬4) "حاشية الروض" (1/ 175). (¬5) "مراتب الإجماع" (39). (¬6) "الاستذكار" (1/ 122). (¬7) "شرح مسلم" (3/ 109). (¬8) "مواهب الجليل" (1/ 262). (¬9) "حاشية الروض" (1/ 175). (¬10) "مواهب الجليل" (1/ 262)، وقد ناقشت هذا النقل في مسألة إجزاء الغسلة الواحدة إذا عمت.
ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول مجيبًا لسائل: "ما ذكره من الوسوسة في الطهارة، مثل غسل العضو أكثر من ثلاث مرات. . . هو أيضًا بدعة وضلالة باتفاق المسلمين" (¬1). وكررها في نفس الموضع، فقال: "لكونها بدعة مذمومة باتفاق المسلمين" (¬2). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في كراهة الزيادة على الثلاث" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4). • مستند الإجماع: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: "هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا، أو نقص؛ فقد أساء وظلم" (¬5). وجه الدلالة من وجهين: 1 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فمن زاد" ووصف هذا الفعل بالسوء والظلم، مما يدل على عدم المشروعية. 2 - أنه لم يأت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه غسل عضوًا أكثر من الثلاث (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في وجه (¬7)، فقالوا: إنها خلاف الأولى، لا تكره ولا تحرم. ولم يذكروا دليلًا. وهذا القول مشكل لدي، هل ينقض أو لا؟ مع أن النووي هو ممن نقل الإجماع في المسألة، ونقل هذا الوجه (¬8)، وهو من أئمة الشافعية. ولكن الأظهر أنه ناقض؛ لأنه لا يقول بالكراهة كحدٍّ أدنى لعدم المشروعية. وهناك كلام للكاساني في المسألة، حيث قال بعدم الكراهة إذا لم يعتقد السنية في الزيادة، وكان وضوءًا على وضوء (¬9). وقد استشكله ابن عابدين، وقيده بعدم اعتقاد السنية، وأن لا يعتاد هذا (¬10). ¬
[25 - 102] تخليل الأصابع سنة
Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، من خلاف وجه الشافعية وقول الكاساني، وهو - الأخير - من أئمة الحنفية المتقدمين، ولا يخلو الأمر من متابعين له، واللَّه تعالى أعلم. [25 - 102] تخليل الأصابع سنة: التخليل يكون لأصابع اليدين والرجلين، ويحصل بتشبيك بعضها ببعض (¬1). ويقصد من تخليل الأصابع إيصالُ الماء إلى ما بين الأصابع، والتأكد من وصوله، والسنيّة تكون فيما إذا غلب على ظنه أن الماء يصل، ولكن إذا علم أنه لم يصل؛ فلا شك في وجوب إيصال الماء. فالتخليل في الأصل مستحب، وإيصال الماء واجب (¬2). • من نقل الاتفاق: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يخلل أصابع رجليه في الوضوء" (¬3). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أنه إن غسلهما وغسل مرفقيه، وخلل أصابعه بالماء، وما تحت الخاتم؛ فقد تم ما عليه في الذراعين" (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن تخليلَ اللحية إذا كانت كثَّةً، وتخليلَ الأصابع سنةٌ من سنن الوضوء" (¬5). عثمان الزيلعي (743 هـ) حيث يقول: "وأما تخليل الأصابع؛ فسنة إجماعًا" (¬6). أبو بكر العبادي (800 هـ) حيث يقول: "وأما تخليل الأصابع فسنة إجماعًا" (¬7). المرداوي (885 هـ) حيث يقول في تخليل أصابع الرجلين: "يستحب تخليل أصابع الرجلين بلا نزاع" (¬8)، وهو يقصد المذهب بلا شك. ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "وأما تخليل الأصابع؛ فهو إدخال بعضها في بعض ¬
بماء متقاطر، ويقوم مقامه الإدخال في الماء، ولو لم يكن جاريًا؛ فسنة اتفاقًا، أعني أصابع اليدين والرجلين" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع إسحاق (¬2)، والمالكية على المشهور عندهم (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة في أصابع الرجلين، أما اليدين فعلى الصحيح عندهم (¬5). • مستند الاتفاق: حديث لقيط بن صبرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا توضأت فأسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بالتخليل، ولم يحدد أصابع الرجلين أو اليدين، فهو مطلق يشمل الاثنين، فيدل على الاستحباب فيهما، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في رواية عندهم بأنه لا يستحب تخليل الأصابع في اليدين (¬7)، وهو ظاهر من عبارة المرداوي السابقة، حيث نص على عدم النزاع في أصابع الرجلين. ولم أجد لهم عليه دليلًا, ولكن قد يستدل بأن اليدين تختلط بالماء مباشرة، فلا يحتاج لتخليلها، بخلاف الرجلين؛ إذ الغالب أن الماء يُصب عليها. وحُكي عن مالكٍ مثلُه، ولكن في اليدين، والرجلين أيضًا، وحُكي عنه الإنكار لهذا الفعل أيضًا (¬8). ¬
[26 - 103] عدم وجوب الاستنثار عند الاستيقاظ
واستدل لذلك بأن كل من نقل وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الصحاح لم يذكره فيه، ولأن الماء يتخلل الأصابع بطبيعته (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، من خلاف مالك ورواية أحمد، واللَّه تعالى أعلم. [26 - 103] عدم وجوب الاستنثار عند الاستيقاظ: إذا استيقظ المسلم من نومه، فإنه لا يجب عليه أن يستنثر، ويستحب له ذلك. • من نقل الاتفاق: الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول في سياق حديث له: "لأنه قد وقع الاتفاق على عدم وجوب الاستنثار عند الاستيقاظ، ولم يذهب إلى وجوبه أحد" (¬2). وقد نقل النووي رحمه اللَّه الإجماع على عدم وجوبه في الوضوء، ففي مسألتنا من باب أولى، حيث قال: "فإن التنثر لا يجب بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الاتفاق: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه، فليستنثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه" (¬9). وفي لفظ: "إذا استيقظ أحدكم من منامه، فتوضأ؛ فليستنثر ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه" (¬10). • وجه الدلالة: حيث جاء الأمر في الرواية الأولى مطلقًا، وفي الثانية مقيدًا، ¬
[27 - 104] المبالغة في المضمضة والاستنشاق سنة
فيحمل المطلق على المقيد، ويكون الأمر بالاستنثار باعتبار إرادة الوضوء (¬1)، أما عند عدم ذلك فلا أمر حينئذ، ويبقى على الأصل وهو الإباحة، غير أن التعليل في الحديث (فإن الشيطان يبيت على خيشومه)، يكفي في كونه ناقلًا للاستحباب، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق، لعدم العلم بالمخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [27 - 104] المبالغة في المضمضة والاستنشاق سنة: المضمضة والاستنشاق من أعمال الوضوء بلا شك، وهناك خلاف في وجوبها وعدمه في الوضوء، ولكن المبالغة فيهما مسنونة. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "المبالغة في المضمضة والاستنشاق سنة بلا خلاف" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). العيني (855 هـ) حيث يقول عن المضمضة والاستنشاق: "المبالغة فيهما سنة إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬5)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث لقيط بن صبرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا" (¬7). • وجه الدلالة: حيث في الحديث الأمر بالمبالغة في المضمضة والاستنشاق، وهو ¬
[28 - 105] المبالغة في الاستنشاق غير واجبة
ما يدل على مسألتنا بالمطابقة، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن المبالغة من باب التكميل للوضوء، وهي من الإسباغ، فكانت المبالغة مستحبة، سواء كانت في المضمضة أو الاستنشاق. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة ابن الزاغوني من الحنابلة، وعليه ظاهر كلام الخرقي في المضمضة فقط، فقالوا: بعدم استحباب المبالغة فيها (¬1). ولم يذكروا دليلًا، غير أنه يمكن الاستدلال بأن الحديث الوارد في الحث على المبالغة في الاستنشاق وحده؛ فيُكتفى به (¬2). وخالف ابن حزم، فقال بوجوب المبالغة (¬3)، ولدى الحنابلة خلاف في وجوب المبالغة؛ أو استحبابه، وكون الوجوب في الاثنين؛ أو في الاستنشاق فقط، وهل هي واجبة في الكبرى أو الصغرى (¬4)، غير أن هذا كله لا ينافي الاستحباب؛ فلا نناقشه كقولٍ مخالفٍ للإجماع، وهي مبحوثة في مسألة وجوب المبالغة في الاستنشاق، في هذه الرسالة.Rأن الإجماع غير متحقق في مسألة المبالغة في المضمضة؛ لوجود المخالف في المسألة، خاصة أن القول المخالف عليه ظاهر كلام الخرقي، وهو من أشهر مختصرات الحنابلة، وعليه شروح لا تحصى، واللَّه تعالى أعلم. أما مسألة المبالغة في الاستنشاق؛ فالإجماع فيها متحقق؛ لعدم وجود المخالف فيها، واللَّه تعالى أعلم. [28 - 105] المبالغة في الاستنشاق غير واجبة: لا شك أن المبالغة في الاستنشاق سنة مستحبة، ولكن الأمر الوارد في الحديث (¬5) ليس للوجوب، بل هو للاستحباب، هذا ما تتحدث عنه مسألتنا. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول: "وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وبالغ في ¬
[29 - 106] تقديم المضمضة على الاستنشاق سنة
الاستنشاق" محمول أيضًا على الندب؛ فإن المبالغة لا تجب بالاتفاق" (¬1). السراج الهندي (773 هـ) فقال: "والصارف له عن الوجوب -أي: حديث الأمر بالمبالغة- الاتفاق على عدمه، كما نقله السراج الهندي" (¬2). نقله ابن نجيم عنه (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق المالكية (¬4)، والحنابلة على المشهور من مذهبهم (¬5). • مستند الاتفاق: حديث لقيط بن صبرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا" (¬6). • وجه الدلالة: حيث أمر بالمبالغة، ثم نهى عنها الصائم، والوجوب يستلزم عدم جواز الترك، فدل على عدم الوجوب، وبقي الاستحباب (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في رواية لهم بأنها واجبة، وهل الوجوب مخصوص بالطهارة الكبرى أو في الكل؟ على قولين عندهم (¬8). ووافقهم على هذا ابن حزم، فقال بوجوب المبالغة لغير الصائم (¬9). واستدل بحديث: "وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا"، فحمل الأمر هنا على الوجوب (¬10).Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [29 - 106] تقديم المضمضة على الاستنشاق سنة: إذا شرع المسلم في الوضوء، فإنه يسن له أن يقدم المضمضة على الاستنشاق في وضوئه (¬11). ¬
[30 - 107] استحباب غسل اليدين عند القيام من نوم الليل
• من نقل الإجماع: ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "المضمضة والاستنشاق سنتان مشتملتان على سنن منها تقديم المضمضة على الاستنشاق بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: حديث عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه-، في صفة وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه: "ثم أدخل يده، فمضىمض واستنشق واستنثر ثلاثًا بثلاث غرفات" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يمضمض ويستنشق ويستنثر بغرفة واحدة، يكرر ذلك ثلاثًا، وهذا لا يتأتى إلا أن يبدأ بالمضمضة، فلو بدأ بالاستنشاق والاستنثار لما بقي من الماء شيء ليتمضمض به، مما يدل على أنه من فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذه سنة فعلية، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [30 - 107] استحباب غسل اليدين عند القيام من نوم الليل: إذا استيقظ الإنسان من نوم الليل، فإنه يستحب له أن يغسل يديه ثلاثًا قبل أن يدخلها الإناء، وذلك بأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على استحباب غسل اليدين عند القيام من نوم الليل" (¬6). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق عطاء، والأوزاعي، وإسحاق (¬7)، والحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، . . . . . . . ¬
[31 - 108] تخليل اللحية الكثيفة سنة
والشافعية (¬1)، ورواية عند الحنابلة (¬2). • مستند الاتفاق: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا توضأ أحدكم؛ فليجعل في أنفه ماء، ثم لينتثر، ومن استجمر؛ فليوتر، وإذا استيقظ أحدكم من نومه؛ فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثًا؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وهذا يدل على مسألتنا بالمطابقة. • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في رواية بالوجوب (¬4)، وهو قول ابن عمر، وأبي هريرة، والحسن (¬5)، ونسبه الكاساني إلى قومٍ (¬6). ولكن هذا لا يتنافى مع الاستحباب، كما كررت ذلك كثيرًا، فهو غير منافٍ لمسألتنا.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [31 - 108] تخليل اللحية الكثيفة سنة: اللحية إذا كانت كثيفة تمنع وصول الماء إلى البشرة، فإنه يستحب تخليل اللحية لإيصال الماء. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن تخليلَ اللحية إذا كانت كثَّةً، وتخليلَ الأصابع سنةٌ من سنن الوضوء" (¬7). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق عثمان بن عفان، وعمار بن ياسر، وعبد اللَّه بن أبي أوفى، وأبو الدرداء، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وأنس، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، وأبو البختري، وأبو ميسرة، وابن سيرين، والحسن، وأبو عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود، وعبد الرزاق (¬8)، . . . . . . ¬________ (¬1) "أسنى المطالب" (1/ 38)، و"مغني المحتاج" (1/ 187). (¬2) "المغني" (1/ 140). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) "المغني" (1/ 140). (¬5) "المغني" (1/ 140). (¬6) "بدائع الصنائع" (1/ 20). (¬7) "الإفصاح" (1/ 33). (¬8) "المحلى" (1/ 281)، و"المغني" (1/ 148).
وهو قول أبي يوسف (¬1)، وقولٌ لمالك (¬2)؛ كما وافق الشافعية على الصحيح عندهم (¬3)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬4). • مستند الاتفاق: حديث عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "كان يخلل لحيته" (¬5). • وجه الدلالة: النص على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يخلل لحيته، ومجرد فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يدل على الاستحباب. • الخلاف في المسألة: خالف النخعي، وابن سيرين، وربيعة بن أبي عبد الرحمن (¬6)؛ أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن (¬7)، وهو قول لمالك (¬8)، وابن حزم (¬9)، وهو قول عند الحنابلة (¬10)، فقالوا بعدم استحباب التخليل في الوضوء. واستدلوا بحديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال: "ألا أخبركم بوضوء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فتوضأ مرة مرة" (¬11). وغسل الوجه مرة لا يمكن معه بلوغ الماء إلى أصول الشعر، ولا يتم ذلك إلا بترداد الغسل والعرك، مما يدل على أنه لم يكن يخلل لحيته عليه الصلاة والسلام (¬12). وهناك من قال بالوجوب، وهو مروي عن عمر، وابنه رضي اللَّه تعالى عنهما، وعطاء، وابن سابط، وابن أبي ليلى، وسعيد بن جبير (¬13)، وهو قول لمالك (¬14)، وهو وجه عند الشافعية، واختاره المزني (¬15)، وهو قول للحنابلة (¬16)، ولكن هذا القول غير منافٍ للاستحباب، كما سبق.Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود الخلاف في المسألة، كما هو ظاهر ¬
[32 - 109] تخليل اللحية ليس بواجب
مما سبق، واللَّه تعالى أعلم. [32 - 109] تخليل اللحية ليس بواجب: إذا أراد المسلم الوضوء، فإنه لا يجب عليه أن يخلل لحيته، وعلى ذلك حُكي الاتفاق. • من نقل الإجماع: ابن خويز منداد حيث يقول: "إن الفقهاء اتفقوا على أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء، إلا شيء روي عن سعيد بن جبير". نقله عنه القرطبي (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق كل من وافق على المسألة الماضية، ومن خالف أيضًا، باستثناء من قال بوجوب التخليل، ومنهم الحنفية (¬2)، وقول لمالك (¬3)، والشافعية على الصحيح من مذهبهم (¬4)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الاتفاق: حديث عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "كان يخلل لحيته" (¬7). • وجه الدلالة: أن الوارد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في التخليل للحية هو من فعله عليه الصلاة والسلام، ومجرد الفعل يدل على الاستحباب، ولا دليل صحيح يدل على الوجوب، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة عمر، وابنه رضي اللَّه تعالى عنهما، وعطاء، وابن سابط، وابن أبي ليلى، وسعيد بن جبير (¬8)، وهو قول لمالك (¬9)، وهو وجه عند الشافعية، واختاره المزني (¬10)، وهو قول للحنابلة (¬11)؛ فقالوا بوجوب التخليل. ¬
واستدلوا بحديث أنس مرفوعًا: "كان إذا توضأ أخذ كفًّا من ماء، فجعله تحت حنكه، وخلل به لحيته، وقال: "هكذا أمرني ربي" (¬1)، فهو أمر، والأمر يقتضي الوجوب (¬2).Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الباب الخامس: مسائل الإجماع في باب فروض الوضوء وصفته
الباب الخامس: مسائل الإجماع في باب فروض الوضوء وصفته [1 - 110] التفريق اليسير بين غسل أعضاء الوضوء لا يضر: من توضأ وضوءه للصلاة، وفرّق بين غسل أعضاء الوضوء تفريقًا يسيرًا، فإن هذا لا يضره (¬1). • من نقل الإجماع: الغزالي (505 هـ) حيث نقل عنه النووي (¬2) حكايته للإجماع في المسألة (¬3). المحاملي (415 هـ) حيث نقل عنه النووي (¬4) حكايته للإجماع في المسألة. النووي (676 هـ) حيث يقول: "فالتفريق اليسير بين أعضاء الوضوء لا يضر بإجماع المسلمين" (¬5). ونقله عنه ابن قاسم (¬6). الشربيني (977 هـ) حيث يقول عن التفريق اليسير: "وأما اليسير، فلا يضر إجماعًا" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والحنابلة (¬10)، وابن حزم (¬11). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "ذروني ما تركتكم، فإنما هَلَك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" (¬12). ¬
[2 - 111] الاقتصار على النية بالقلب مجزئ
• وجه الدلالة: حيث إن تحقيق الأوامر مربوط بالاستطاعة، والموالاة الدقيقة فيها مشقة وعسر على الناس، فكان مقتضى التيسير أن يخفف فيها ما دام أنها يسيرة، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [2 - 111] الاقتصار على النية بالقلب مجزئ: إذا نوى مريدُ الوضوء بقلبه، ولم يتلفظ بالنية بلسانه، فإن فعله هذا مجزئٌ (¬1). • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أنه لو اقتصر على النية بقلبه أجزأ، بخلاف ما لو نطق بلسانه دون أن ينوي بقلبه" (¬2). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "نية الطهارة من وضوء أو غسل أو تيمم، والصلاة، والصيام، والزكاة، والكفارات، وغير ذلك من العبادات، لا تفتقر إلى نطق اللسان باتفاق أئمة الإسلام" (¬3). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول عن الاقتصار على النية بالقلب: "ولو اقتصر عليه بقلبه أجزأه إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬5)، وهم لا يشترطون النية في الوضوء أصلًا؛ كما وافق المالكية (¬6)، والشافعية (¬7). • مستند الاتفاق: 1 - حديث عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى" (¬8). ¬
• وجه الدلالة: حيث ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الأعمال بالنيات، والنيات محلها القلب، ولم يبين في الحديث أنه يجب مع النية التلفظُ، مع الحاجة لبيانه لو كانت لازمة، فدل ترك البيان على عدم لزوم التلفظ، واللَّه تعالى أعلم. 2 - عدم وجود نص يُلزم بالتلفظ، أو حتى على استحبابه، فلم ينقل عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا عن أصحابه، ولا أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدًا من أمته أن يتلفظ بالنية، ولا علَّم أحدًا من المسلمين (¬1)، ولذلك أنكره عدد من أهل العلم، منهم ابن تيمية (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف أبو عبد اللَّه الزبيري من الشافعية في هذه المسألة، فقال: لا بد من الجمع بين نية القلب ولفظ اللسان (¬3). وقال الماوردي عن هذا القول: "وهذا لا وجه له" (¬4). وخالف الشافعية في وجهٍ مشهورٍ عندهم بأن نية الصلاة تجب باللفظ والقلب معًا، وغلّطه النووي، ونَقَل عن الماوردي، أنه أشار إلى جريانه في الوضوء، وقال النووي بعده: "هو أشذّ وأضعف" (¬5). وهذا القول يعني أنه لا يجزئ إلا إذا جمع بين اللفظ بالنية والعزم بالقلب. وليس لهؤلاء دليل، وهو قول شاذ لا يدعمه دليل، وقد صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصحابته بالناس، ولم يذكر أحد عنهم أنهم كانوا يتلفظون بشيء من ذلك، ولو كانوا يفعلونه لنقل، فضلًا عن أن يلتزموا به، ولم يُذكر هذا القول عن أحد من السلف، ولا ممن يعتد بقولهم، ومن نسبه للشافعي فقد غلط، كما قال النووي (¬6).Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف المعتبر في المسألة، وإن كان وجهًا مشهورًا للشافعية، إلا أنه لم يذكر عن السلف خلاف في المسألة، ولم يشتهر الخلاف إلا عند المتأخرين، فخلافهم أتى بعد الإجماع، فلا عبرة به، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[3 - 112] النية محلها القلب
[3 - 112] النية محلها القلب: النية -التي هي عبارة عن القصد للشيء- محلها القلب، وقد حكي الإجماع على ذلك (¬1). • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "نية الطهارة من وضوء أو غسل أو تيمم، والصلاة، والصيام، والزكاة، والكفارات، وغير ذلك من العبادات، لا تفتقر إلى نطق اللسان باتفاق أئمة الإسلام، بل النية محلها القلب باتفاقهم" (¬2). وقال: "محل النية القلب باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، إلا بعض المتأخرين أوجب التلفظ بها، وهو مسبوق بالإجماع" (¬3). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "محل النية القلب إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7). • مستند الاتفاق: أن النية عبارة عن القصد للشيء، ومحل القصد هو القلب (¬8).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [4 - 113] استحباب النية من أول الوضوء واستدامتها: إذا توضأ المتوضئ ناويًا الوضوءَ، وكان ذلك من أول الوضوء، ثم استدام النية إلى أن فرغ من صلاته، فإن فعله مستحب ومحمود. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول: "الأفضل أن ينوي من أول الوضوء، ويستديم إحضار النية؛ حتى يفرغ من الوضوء، وهذا الاستحباب متفق ¬
[5 - 114] صحة طهارة من نوى عند المضمضة واستدامها إلى غسل الوجه
عليه" (¬1). • من نقل الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الاتفاق: حديث عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى" (¬6). • وجه الدلالة: الحديث فيه أن الأعمال تحتسب بالنيات، فإذا توضأ المسلم ناويًا الوضوء، فإن فعله ذلك محتسب له، ولذا قال الجمهور باشتراط النية في الوضوء، وأن من توضأ بلا نية لا عمل له، ولكن الجميع متفقون على أنه إذا نوى من أول الوضوء إلى آخره فقد فعل المستحب، ويكون مأجورًا على ذلك، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [5 - 114] صحةُ طهارةِ من نوى عند المضمضة واستدامها إلى غسل الوجه: إذا نوى المتوضئ عند بداية الوضوء قبل الشروع في غسل الأعضاء، واستدام النية إلى نهاية الوضوء، فإن وضوءه صحيح (¬7). • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه إذا نوى عند المضمضة، واستدام النية، واستصحب حكمها إلى غسل أول جزء من الوجه؛ صحت طهارته" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9)، وقد سبق أنهم لا يرون ¬
[6 - 115] صحة وضوء الغالط في تعيين نوع الحدث
وجوب النية في الوضوء، والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: حديث عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لك امرئٍ ما نوى" (¬3). • وجه الدلالة: حيث فيه ذكر أن الأعمال تكون بالنيات، وإذا توضأ المتوضئ بنيةٍ واستدامها، فإنه يكون قد أتى بما عليه، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [6 - 115] صحة وضوء الغالط في تعيين نوع الحدث: إذا توضأ متوضئ وهو يظن حدثه البول، ثم تبين أنه النوم أو غيره من النواقض، فوضوؤه هذا صحيح، ونُقل نفي الخلاف في ذلك (¬4). ويخرج من هذه المسألة من توضأ مجددًا، فبان محدثًا، حيث يوجد فيها خلاف، فمن العلماء من اشترط تحديد نية الفرض (¬5). وعلى هذا نضع قيدًا في المسألة يخرج هذه الصورة: وهو أن يكون الخطأ في تحديد نوع الحدث، لا في سبب الوضوء، فقد يكون سببه التجديد مثلًا. وهذا القيد أيضًا يخرج الطهارة للخبث، فليست داخلة في المسألة التي نحن بصددها (¬6). • من نقل الإجماع: المزني (264 هـ) حيث يقول: "ليس على المحدث عندي معرفة أي الأحداث كان منه، وإنما عليه أن يتطهر للحدث، ولو كان عليه معرفة أي الأحداث كان منه، كما عليه معرفة أي الصلوات عليه؛ لوجب لو توضأ من ريح، ثم علم أن ¬
حدثه بول، أو اغتسلت امرأة تنوي الحيض، وإنما كانت جنبًا، أو من حيض وإنما كانت نفساء؛ لم يجزئ أحدًا منهم حتى يعلم الحدث الذي تطهر منه، ولا يقول بهذا أحد نعلمه" (¬1). وهذه العبارة مطلقة، ليس فيها ما يدل على أنها للمذهب فقط. نقله عنه النووي (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "إذا نوى رفع حدث البول، ولم يكن حدثه البول، بل النوم مثلًا، فإن كان غالطًا، بأن ظن حدثه البول؛ صح وضوؤه بلا خلاف، وقد أشار المزني رحمه اللَّه إلى نقل الإجماع على هذا، فإنه قال في باب التيمم من "مختصره": ولا نعلم أحدًا منع صحة وضوء هذا الغالط، وذكر إمام الحرمين هنا في باب النية أن المزني نقل الإجماع على ذلك" (¬3). وقال أيضًا: "قال أصحابنا: إذا غلط في نية الوضوء، فنوى رفع حدث النوم، وكان حدثه غيره؛ صح بالاتفاق" (¬4). والنووي في العبارتين لم يرد الإجماع على الأظهر، إلا أن المزني أراده على الأظهر. • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية، وهم لا يرون وجوب النية في الوضوء أصلًا، فمن باب أولى هنا (¬5) المالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - أن الحدث لا يتجزأ، بل هو شيء واحد مانع للصلاة، وإذا ارتفع بعضه، ارتفع كله، وزال المانع، فإذا توضأ ونوى، وأخطأ في النية، فقد أخطأ فيما لا اعتبار له، ما دام أن المنوي خطأ في درجة المبطل الحقيقي (¬8). 2 - أن الأحداث التي تنقض الوضوء تتداخل، وإذا قام عدد من المبطلات فإنه يكفيها وضوء واحد، ولم يقل أحد بتعدد الوضوء لها، وكذا ما لو أخطأ الناوي في تعيين الحدث المبطل (¬9). ¬
[7 - 116] استحباب التسمية في طهارة الحدث
Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [7 - 116] استحباب التسمية في طهارة الحدث: إذا أراد المسلم الطهارة من الحدث، فإنه يستحب له أن يبدأ بالبسملة. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على استحباب التسمية لطهارة الحدث، ثم اختلفوا في وجوبها" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬2)، والمالكية في روايةٍ عندهم (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللَّه عليه" (¬6). 2 - حديث أنس -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وضع يده في الإناء الذي فيه الماء، ثم قال: "توضؤوا باسم اللَّه"، قال: فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه، والقوم يتوضؤون، حتى توضؤوا من عند آخرهم، وكانوا نحو سبعين رجلًا (¬7). • وجه الدلالة: في الحديث الأول نفى الوضوء لمن لم يذكر اسم اللَّه تعالى عليه، والنفي هنا مختلف فيه؛ هل هو للصحة أو للكمال؟ ولكن على كلا القولين يدل على ¬
[8 - 117] غسل الكفين قبل الوضوء غير واجب
مسألتنا بأن من لم يذكر اسم اللَّه تعالى عليه، فوضوؤه غير كامل على أقل القولين. أما الحديث الآخر: فقد ربط عليه الصلاة والسلام الوضوءَ بالتسمية، والأمر للاستحباب أو الوجوب، وكلاهما تدل لمسألتنا، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف مالك في روايةٍ عنه، ورأى أن التسمية غير مشروعة (¬1). واستدل بأنه غير معروف لدى السلف، ولم يأت به دليل صحيح (¬2). وله رواية ثالثة: أن المتوضئ مخيرٌ بين الفعل والترك، فذكر التسمية مباحٌ إذًا (¬3). ولم يذكروا دليلًا على هذه الرواية.Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [8 - 117] غسل الكفين قبل الوضوء غير واجب: غسل الكفين لمن أراد الوضوء غير واجب على المتوضئ، وعلى ذلك حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول عن غسل اليدين: "وليس ذلك بواجب عند غير القيام من النوم، بغير خلاف نعلمه" (¬4). النووي (676 هـ) حيث يقول أثناء نقاشه لمسألة حكم المضمضة والاستنشاق: "ولأن فيه -حديث وصف وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غسل الكفين والتكرار وغيرهما، مما ليس بواجب بالإجماع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬8)، وظاهر كلام ابن حزم (¬9). ¬
[9 - 118] غسل الوجه فرض
• مستند الإجماع: أن غسل اليدين لم يرد ذكره في آية الوضوء، بينما ورد فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له في أحاديث صفة وضوئه، وسبق عدد منها، من دون أن يأمر به، فدل ذلك على السنية وعدم الوجوب؛ لأن مجرد فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دون أن يأمر به يدل على الاستحباب، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف أحمد في رواية, فقال بوجوبه، وعدَّه في "الإنصاف" من المفردات (¬1). وذكره الحطاب قولًا عند غير المالكية (¬2). ولم يذكروا لهذا القول دليلًا ولكن يمكن أن يستدل له بأنه فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الوضوء، وكونه عليه الصلاة والسلام واظب عليه يدل على الوجوب.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [9 - 118] غسل الوجه فرض: الأعضاء التي تغسل في الوضوء أربعة، منها الوجه، فلا يصح الوضوء بدون غسل الوجه، وهذه مسألة قطعية؛ لأنها واردة في القرآن صراحةً، ولإجماع أهل العلم على ذلك في الجملة، دون الدخول في التفصيلات. • من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: "فرأينا الأعضاءَ التي قد اتفقوا على فرضيتها في الوضوء، هي: الوجه، واليدان، والرجلان، والرأس" (¬3). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن غسل الوجه من أصل منابت الشعر في الحاجبين (¬4) إلى أصول الأذنين إلى آخر الذقن فرضٌ على من لا لحية له" (¬5). وقال أيضًا: "وأما قولنا في الوجه فإنه لا خلاف في أن الذي قلنا فرض غسله قبل خروج اللحية" (¬6). ¬
ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "أجمعوا على أن غسل الوجه، واليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين، ومسح الرأس فرض ذلك كله، . . . لا خلاف علمته في شيء من ذلك إلا في مسح الرجلين، وغسلهما. . " (¬1). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على وجوب غسل الوجه كله، وغسل اليدين مع المرفقين، وغسل الرجلين مع الكعبين، ومسح الرأس" (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على أن غسل الوجه بالجملة من فرائض الوضوء" (¬3). ونقل عنه الحطاب حكايته الإجماع على فرضية الأعضاء الأربعة (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "غسل الوجه واجب بالنص والإجماع" (¬5). وقال أيضًا: "والمفروض من ذلك -فروض الوضوء- بغير خلاف خمسة: النية، وغسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "غسل الوجه واجب في الوضوء بالكتاب، والسنن المتظاهرة، والإجماع" (¬7). ويقول أيضًا: "وأجمع العلماء على وجوب غسل الوجه، واليدين، والرجلين، واستيعاب جميعها بالغسل، وانفردت الرافضة عن العلماء؛ فقالوا: الواجب في الرجلين المسح، وهذا خطأ منهم" (¬8). ونقله عنه الشوكاني (¬9). الحطّاب (954 هـ) حيث يقول: "وقدم المصنف الكلام على الأعضاء الأربعة "المجمع عليها" أي: على فرضيتها (¬10). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "الثاني من الفروض غسل ظاهر وجهه؛ لقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وللإجماع" (¬11). ¬
[10 - 119] الوجه حكمه الاستيعاب
الرملي (1004 هـ) حيث يقول: "الثاني من الفروض غسل ظاهر وجهه بالإجماع للآية" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بغسل الوجه، والأمر يقتضي الوجوب. 2 - الأحاديث الواردة في صفة وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث فيها ذكر غسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لوجهه، ولم يترك في واحدٍ منها غسله لوجهه، مما يدل على فرضيته، ومنها حديث حُمران مولى عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنهما-: "أنه رأى عثمان دعا بوضوء، فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثًا، ثم قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضأ نحو وضوئي هذا" (¬3).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، وهذه المسألة من المسائل المشهورة التي لا مجال للاجتهاد فيها، والإجماع عليها قطعي، واللَّه تعالى أعلم. [10 - 119] الوجه حكمه الاستيعاب: إذا أراد المتوضئ أن يغسل وجهه، فيجب عليه أن يستوعب الوجه كله، وعلى ذلك حكي الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن غسل الوجه، من أصل منابت الشعر في الحاجبين (¬4) إلى أصول الأذنين إلى آخر الذقن فرضٌ على من لا لحية له" (¬5). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على وجوب غسل الوجه كله، . . " (¬6). ¬
[11 - 120] غسل بعض الوجه غير مجزئ
القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في أن حكم الوجه في التيمم والوضوء الاستيعاب وتتبع مواضعه" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بغسل الوجه، ولا يكون الإتيان بمقتضى الأمر إلا بغسل الوجه كله، وإلا فإن إتيانه بالأمر غير كامل، فدل على وجوب استيعاب الوجه؛ لأن الأمر مطلق، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [11 - 120] غسل بعض الوجه غير مجزئ: إذا غسل المتوضئ جزءًا من العضو الواجبِ غسلُه في الوضوء - وهو هنا الوجه - وترك جزءًا من العضو، فإن وضوءه غير مجزئ. • من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: "فكلٌ قد أجمع أن ما وجب غسله من ذلك؛ فلا بد من غسله كله، ولا يجزئ غسل بعضه دون بعض" (¬4). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا أنه لا يجوز غسل بعض الوجه في الوضوء، ولا مسح بعضه في التيمم" (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وفي هذا الحديث (¬6) أن من ترك جزءًا يسيرًا مما يجب تطهيره، لا تصح طهارته، وهذا متفق عليه" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنابلة (¬8). ¬
[12 - 121] ترك المضمضة والاستنشاق في الوضوء غير موجبة للإعادة
• مستند الإجماع: حديث عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، أن رجلًا توضأ فترك موضع ظفرٍ على قدمه، فأبصره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "ارجع فأحسن وضوءك"، قال: فرجع، ثم صلى" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنكر على هذا الرجل الذي ترك جزءًا من قدمه لم يغسله، مما يدل على وجوب الإسباغ، وعدم ترك أي جزء مما يجب غسله، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [12 - 121] ترك المضمضة والاستنشاق في الوضوء غير موجبة للإعادة: • من نقل نفي الخلاف: الشافعي (204 هـ) حيث يقول عن المضمضة والاستنشاق: "ولم أعلم اختلافًا في أن المتوضئ لو تركهما عامدًا أو ناسيًا، وصلى لم يعد" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، وأَحمد في رواية في الوضوء (¬5)، وفي المضمضة على رواية أخرى (¬6)، وابن حزم في المضمضة (¬7). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن المضمضة والاستنشاق لم يصح بها عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر، وإنما هي فعلٌ فعَلَه عليه الصلاة والسلام، وأفعاله -صلى اللَّه عليه وسلم- ليست فرضًا؛ لأن اللَّه تعالى إنما أمرنا بطاعة أمر نبيه عليه الصلاة والسلام، ولم يأمرنا بأن نفعل أفعاله (¬8). 2 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يواظب في العبادات على ما فيه تحصيل الكمال، كما يواظب على الأركان، وفي كتاب اللَّه تعالى أمر بتطهير أعضاء مخصوصة، والزيادة على النص لا تجوز إلا بما يثبت به النسخ (¬9). ¬
[13 - 122] الاستنثار غير واجب
• الخلاف في المسألة: خالف أحمد على المذهب (¬1) بأن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء. وخالف أحمد في رواية أخرى (¬2) ابن حزم في الاستنشاق (¬3)، فقال بوجوبه، وأن الوضوء لا يصح إلا به. واستدلوا (¬4) بحديث أبي هريرة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "وإذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه ماء، ثم لينتثر" (¬5).Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [13 - 122] الاستنثار غير واجب: الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بدفع النَّفَس (¬6). فإذا أراد المسلم أن يتوضأ، فإنه لا يجب عليه الاستنثار. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "فإن ظن ظان أن في الأخبار التي رويت عن رسول اللَّه، أنه قال: "إذا توضأ أحدكم فليستنثر" (¬7) دليلًا على وجوب الاستنثار، فإن في إجماع الحجة على أن ذلك غير فرض يجب على من تركه إعادة الصلاة التي صلاها قبل غسله -ما يغني عن إكثار القول فيه" (¬8). النووي (676 هـ) حيث يقول: "فإن التنثر لا يجب بالإجماع" (¬9). ونقله عنه الشوكاني (¬10). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬11)، والمالكية (¬12)، والحنابلة في الصحيح من المذهب (¬13). ¬
[14 - 123] جواز المضمضة والاستنشاق من كف واحدة
• مستند الإجماع: حديث عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه-، وفيه: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مضمض واستنشق" (¬1). • وجه الدلالة: أن عددًا ممن وصف وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يذكر الاستنثار، فدل على أنه للاستحباب، وأن الاستنشاق يكفي عنه؛ لأنه لم ينقل فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: نقل ابن حجر قولًا لبعض العلماء بوجوب الاستنثار، ثم قال: "وفيه تعقب على من نقل الإجماع على عدم وجوبه" (¬2)، ولعله يريد النووي في قوله. وقد خالف أحمد في رواية عنه، فقال بوجوبه (¬3)، وهو قول ابن حزم (¬4). واستدلوا بحديث: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء؛ ثم ليستنثر" (¬5)؛ حيث فيه الأمر، وهو للوجوب إلا بصارف، ولا صارف عندهم.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [14 - 123] جواز المضمضة والاستنشاق من كف واحدة: إذا تمضمض واستنشق المتوضئ من كف واحدة، فإن فعله هذا جائز بلا خلاف. • من نقل نفي الخلاف: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "قال أبو عمر في حديث عبد اللَّه بن زيد بن عاصم: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تمضمض واستنشق واستنثر من كف واحدة" (¬6). . وهو أمر لا أعلم فيه خلافًا أنه من شاء فعله" (¬7). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10). ¬
[15 - 124] غسل داخل العين غير واجب
• مستند نفي الخلاف: حديث عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه- في وصف وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ حيث فيه: "فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثًا بثلاث غرفات" (¬1). وفي لفظ: "من كفٍّ واحدة" (¬2). • وجه الدلالة: أن قوله في وصف وضوئه عليه الصلاة والسلام: "بثلاث غرفات" يدل على أنه يأخذ الماء مرة واحدة، ويأتي بالأفعال الثلاثة مرة واحدة، وهذا يعني أنه يفعلها بكف واحدة، واللفظ الآخر صريح في ذلك (¬3)، واللَّه تعالى أعلم.Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [15 - 124] غسل داخل العين غير واجب: الواجب على المتوضئ غسل وجهه، وبما أن العين من الوجه، فإن العلماء قد أجمعوا على أنه لا يجب عليه غسل داخلها (¬4). • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث يقول: "فلم أعلم مخالفًا في أن الوجه المفروض غسله في الوضوء ما ظهر دون ما بطن، وأن ليس على الرجل أن يغسل عينيه، ولا أن ينضح فيهما" (¬5). ابن جرير (310 هـ) حيث يقول مستدلًّا على أن ما تحت اللحية والشارب لا يغسل بعد نباتهما، ثم قال: "لإجماع جميعهم على أن العينين من الوجه، ثم هم مع إجماعهم على ذلك؛ مجمعون على أن غسل ما علاهما من أجفانهما دون إيصال الماء إلى ما تحت الأجفان منهما مجزئ" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "فلا يجب غسل داخل العين بالاتفاق" (¬7). ¬
[16 - 125] غسل اليدين فرض
سند بن عنان (541 هـ)، أنه قال: "لا خلاف بين أرباب المذاهب أنه لا يشرع غسل داخل العينين". نقله عنه الحطاب (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬3). • مستند الإجماع: 1 - أن جميع من ذكر وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يذكروا أنه عليه الصلاة والسلام غسل داخل عينيه، ولو كان واجبًا لغسله عليه الصلاة والسلام، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن في ذلك ضررًا على الإنسان، فقد ذُكر عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه عمي بسببه، والإسلام لا يأمر بضرر، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف أحمد في رواية بأنه يجب (¬4). وهو ظاهر كلام "المقنع"، كما قال المرداوي، وذكره من المفردات (¬5). وعنه رواية أخرى بأنه واجب في الغسل فقط (¬6). وذكره المرداوي من المفردات أيضًا (¬7). ولم أجد له دليلًا ولكن نُقل فعله عن ابن عمر (¬8)، وابن عباس (¬9) -رضي اللَّه عنهم-. وقد يقال: إنه من ظاهر الوجه؛ فيلزمه ما يلزم الوجه.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [16 - 125] غسل اليدين فرض: اليدان من الأعضاء الأربعة الواردة في آية الوضوء، وقد نقل الإجماع على فرضية غسلها عددٌ من أهل العلم. ¬
• من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "اختلف أهل التأويل في المرافق، هل هي من اليد الواجب غسلها، أم لا؟ بعد إجماع جميعهم على أن غسل اليد إليها واجب" (¬1)، يريد غسل اليد إلى المرافق. الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: "فرأينا الأعضاءَ التي قد اتفقوا على فرضيتها في الوضوء، هي: الوجه، واليدان، والرجلان، والرأس" (¬2). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن غسلَ الذراعين إلى مشدّ المرفقين فرضٌ في الوضوء" (¬3). وأقره ابن تيمية في نقده "للمراتب"، وذكر خلافًا في مسألة دخول المرفقين، وستأتي (¬4). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "أجمعوا على أن غسل الوجه، واليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين، ومسح الرأس؛ فرض ذلك كله، . . . لا خلاف علمته في شيء من ذلك؛ إلا في مسح الرجلين، وغسلهما. . " (¬5). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على وجوب غسل الوجه كله، وغسل اليدين مع المرفقين، وغسل الرجلين مع الكعبين، ومسح الرأس" (¬6). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على أن غسل اليدين والذراعين من فروض الوضوء" (¬7). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "لا خلاف بين علماء الأمة في وجوب غسل اليدين في الطهارة" (¬8). ويقول أيضًا: "ثم يغسل يديه إلى المرفقين، وهو فرض بالإجماع" (¬9). وقال أيضًا: "والمفروض من ذلك -من فروض الوضوء- بغير خلاف خمسة: النية، وغسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين" (¬10). ¬
النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على وجوب غسل الوجه، واليدين، والرجلين، واستيعاب جميعها بالغسل، وانفردت الرافضة عن العلماء؛ فقالوا: الواجب في الرجلين المسح، وهذا خطأ منهم" (¬1). وقال أيضًا: "فغسل اليدين فرض بالكتاب والسنة والإجماع" (¬2). ابن مفلح (763 هـ) حيث يقول: "ثم يغسل يديه إلى المرفقين، وهو فرض إجماعًا" (¬3). الحطّاب (954 هـ) حيث يقول: "هذه هي الفريضة الثانية، وهي غسل اليدين مع المرفقين، وهي ثابتةٌ أيضًا بالكتاب والسنة والإجماع" (¬4). وقال أيضًا: "وقدم المصنف الكلام على الأعضاء الأربعة المجمع عليها" أي على فرضيتها (¬5). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول جوابًا على إشكال قد يرد بوجوب غسل يد واحدة ورجل واحدة فقط: "وجوب واحدة بالعبارة، والأخرى بالدلالة لا طائل تحته بعد انعقاد الإجماع القطعي على افتراضهما، بحيث صار معلومًا من الدين بالضرورة" (¬6). ونقله عنه الحصكفي في "الدر المختار"، وعلق عليه ابن عابدين بقوله: "أي على افتراض غسل كل واحدة من اليدين والرجلين" (¬7). ابن حجر الهيتمي (974 هـ) حيث يقول: "الثالث: غسل يديه من كفيه وذراعيه، واليد مؤنثة مع مرفقيه. . .، ودل على دخولهما الاتباع والإجماع؛ بل والآية أيضًا" (¬8). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "الثالث من الفروض: غسل يديه من كفيه وذراعيه؛ للآية والإجماع" (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]. ¬
[17 - 126] دخول المرفقين في غسل اليدين
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بغسل اليدين إلى المرافق، والأمر يقتضي الوجوب. 2 - الأحاديث الواردة في صفة وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيها ذكر غسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليديه، ولم يترك في واحدٍ منها غسلَه ليديه، مما يدل على فرضية غسلهما، ومنها حديث حُمران مولى عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنهما-، وفيه: "ويديه إلى المرفقين ثلاثًا" (¬1).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم المخالف في المسألة، وهي من مسائل الإجماع القطعي التي لا مجال للاجتهاد فيها، واللَّه تعالى أعلم. [17 - 126] دخول المرفقين في غسل اليدين: سبق ذكر مسألة فرضية غسل اليدين، ولكن هل المرفقان يدخلان في اليدين، فلا يصح الوضوء من دون غسلهما؟ نقل الإجماع في هذه المسألة عددٌ من أهل العلم بأن المرفقين تدخل في اليدين. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث يقول: "فلم أعلم مخالفًا في أن المرافق مما يغسل. . . ولا يجزي في غسل اليدين أبدًا إلا أن يُؤتى على ما بين أطراف الأصابع إلى أن تُغسل المرافق" (¬2). ونقله عنه ابن حجر (¬3)، وابن نجيم (¬4)، والصنعاني (¬5)، وابن عابدين (¬6). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن غسل الذراعين إلى مشدِّ المرفقين؛ فرض في الوضوء" (¬7). وفي نقد ابن تيمية لهذه العبارة، نقلها بلفظ: "منتهى المرفقين" (¬8)، وهي أوضح في مسألتنا. ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على وجوب غسل الوجه كله، وغسل اليدين مع المرفقين، وغسل الرجلين مع الكعبين، ومسح الرأس" (¬9). ¬
النووي (676 هـ) حيث يقول: "وهذا الذي ذكره المصنف (¬1) من وجوب غسل المرفقين، هو مذهبنا ومذهب العلماء كافة؛ إلا ما حكاه أصحابنا عن زفر، وأبي بكر ابن داود" (¬2). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث يقول: "الثالث: غسل اليدين مع المرفقين. . .، ودل على دخولها الآيةُ، والإجماعُ" (¬3). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "وأما غسل المرافق والكعبين؛ ففرضيته بالإجماع" (¬4). ابن حجر الهيتمي (974 هـ) حيث يقول: "الثالث: غسل يديه، من كفيه وذراعيه، واليد مؤنثة مع مرفقيه. . .، ودل على دخولهما الاتباع والإجماع؛ بل والآية أيضًا" (¬5). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "الثالث من الفروض: غسل يديه من كفيه وذراعيه؛ للآية، والإجماع (مع) بفتح العين وتسكن بقلة (مرفقيه). .؛ لما روى مسلم (¬6) عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه. .، وللإجماع" (¬7). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول عن غسل المرفقين: "واتفق العلماء على وجوب غسلهما، ولم يخالف في ذلك إلا زفر، وأبو بكر بن داود الظاهري" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع عطاء، وإسحاق (¬9)، والحنفية (¬10)، والمشهور من مذهب المالكية (¬11)، والمذهب عند الحنابلة (¬12). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ¬
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: قوله: {إِلَى الْمَرَافِقِ}، و"إلى" هنا تحتمل معنيين: إما أنها بمعنى مع، وهي بهذا تدل بالمطابقة على المسألة، وإما أنها بمعنى الغاية، فالغاية تدخل إذا كان التحديد شاملًا للحد والمحدود؛ كقولك: قطعت أصابعه من الخنصر إلى المسبحة، أو بعتك هذه الأشجار من هذه إلى هذه، فإن الأصبعين والشجرتين داخلان في القطع والبيع بلا شك؛ لشمول اللفظ (¬1). 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، "أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم غسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد. . .، ثم قال: هكذا رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضأ" (¬2). • وجه الدلالة: أن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- غسل اليد حتى شرع في العضد، مما يعني أنه غسل المرفقين وزيادة، وقد قال: "هكذا رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضأ"، وفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له يدل على السنة المأمور بفعلها في الوضوء (¬3)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف زفرُ من الحنفية في هذه المسألة (¬4)، وهي رواية عن مالك أنكر صحتها بعض المالكية (¬5)، ورواية عن أحمد (¬6)، وهو قول أبي بكر بن داود الظاهري (¬7)، فقالوا بأن المرفقين لا يدخلان في غسل اليدين. ونقد ابن تيمية هذا الإجماع بخلاف زفر، وبعض المالكية، وداود (¬8). واستدلوا بأنه غاية في كتاب اللَّه تعالى، والغاية حد، فلا يدخل تحت المحدود، واستدلالًا بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (¬9)، فإن الليل لا ¬
[18 - 127] الكمال والتمام بغسل المرفقين مع اليدين
يدخل في وجوب الصيام فكذلك هنا. وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام الشافعي ثم علق على قول زفر بقوله: "فعلى هذا فزفرُ محجوجٌ بالإجماع قبله، وكذا من قال ذلك من أهل الظاهر بعده، ولم يثبت ذلك عن مالكٍ صريحًا" (¬1). وخالف ابن حزمٍ؛ فقال بأن غسل اليدين من دون المرفقين مجزئ (¬2). واستدل بأن "إلى" في لغة العرب تكون بمعنى الغاية، وبمعنى مع، قال اللَّه تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} بمعنى مع أموالكم، فلما كانت تقع على هذين المعنيين وقوعًا صحيحًا مستويًا، لم يجز أن يقتصر بها على أحدهما دون الآخر، فيكون ذلك تخصيصًا لما تقع عليه بلا برهان، فوجب أن يجزئ غسل الذراعين إلى أول المرفقين بأحد المعنيين (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، أما كلام ابن حجر السابق، فغير دقيق لأمرين: الأول: أن الخلاف منقولٌ عن زفر بن الهذيل، وهو متوفى سنة 158 هـ رحمه اللَّه، فهو سابقٌ للشافعي بكثير، وعدم علم الشافعي بخلافه لا يعني عدمه. الثاني: أن الخلاف منقولٌ عن أحمد أيضًا، وهو من معاصري الشافعي، فلم يثبت الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. [18 - 127] الكمال والتمام بغسل المرفقين مع اليدين: هذه المسألة تأتي وكأنها استكمالٌ للمسألة السابقة، فبعد أن ناقشنا دخول المرفقين من اليد في الوضوء، وأنه لم يثبت الإجماع فيها، أتت هذه المسألة لتجمع الفُرَقاء، فهم كلهم مجمعون على أن من غسل المرفقين؛ فقد أدى الكمال والتمام. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أنه إن غسلهما وغسل مرفقيه وخلل أصابعه بالماء، وما تحت الخاتم فقد تم ما عليه في الذراعين" (¬4). ¬
[19 - 128] عدم دخول العضد في غسل اليدين
• الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الاتفاق: ما سبق أن ذُكر في مستند المسألة السابقة. 3 - الاحتياط في الدين، فإذا فعل الإنسان الأحوط له، فقد دفع الخلاف، واستبرأ لدينه، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [19 - 128] عدم دخول العضد في غسل اليدين: آية الوضوء حددت الأعضاء التي يجب غسلها، ومنها اليدان بأنهما يغسلان إلى المرفقين، فما بعد المرفقين لا يدخل في حكم ما قبله (¬6). • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول في سياق استدلاله لدخول المرفقين في غسل اليد عن حرف (إلى) في آية الوضوء: "فإن كانت بمعنى مع، فدخول المرفق ظاهر، وإنما لم يدخل العضد للإجماع" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والحنابلة (¬10). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن الآية حددت محل العضو المغسول بأنه إلى المرافق، وما دام أن الأمر محددٌ، فيجب الأخذ بتحديده في حد العضو، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[20 - 129] غسل ما فوق المرفقين والكعبين غير مستحب
Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [20 - 129] غسل ما فوق المرفقين والكعبين غير مستحب: إذا أراد المسلم الوضوء، فإنه يستحب له أن يغسل ما فوق المرفقين والكعبين. • من نقل الإجماع: ابن بطال (449 هـ) حيث يقول عن قول أبي هريرة في استحباب غسل ما فوق المرفقين والكعبين: "هذا الذي قاله أبو هريرة لم يتابع عليه، والمسلمون مجمعون على أن الوضوء لا يتعدى به ما حد اللَّه ورسوله، ولم يجاوز رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قط مواضع الوضوء فيما بلغنا". نقله عنه النووي (¬1)، والشوكاني (¬2). القاضي عياض (544 هـ) حيث يقول بعد ذكره لرأي أبي هريرة في إطالة الغرة والتحجيل: "والناس مجموعون (¬3) على خلاف هذا" (¬4). ونقله عنه الموّاق (¬5)، والشوكاني (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنابلة في رواية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - استدل المالكية على هذا القول بأن عمل أهل المدينة على عدم إطالة الغرة، وهي غسل ما فوق المرفقين والكعبين (¬8). 2 - أن إطالة الغرة فيه زيادة على محل الفرض، والزيادة في الدين بدعة (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الشافعية (¬10)، والحنفية (¬11)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬12)، فقالوا باستحباب غسلهما. قال النووي: "هذا الذي ذكرناه من استحباب غسل ما فوق المرفقين والكعبين هو مذهبنا لا خلاف فيه بين أصحابنا" (¬13). واستدلوا بحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إن أمتي يأتون يوم القيامة ¬
[21 - 130] أقطع اليد لا فرض عليه
غُرًّا مُحَجَّلين (¬1) من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" (¬2). وقال الشوكاني: "والتحجيل: غسل ما فوق المرفقين والكعبين وهما مستحبان بلا خلاف" (¬3). ويبدو أنه نقل نفي الخلاف عن النووي، وهو يريد المذهب الشافعي، ولو كان يقصد الإجماع، فهو غير صحيح قطعًا، مع خلاف المالكية والحنابلة السابق، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، بل هو على خلاف قول الجمهور، وقد تأملت كلام ابن بطال فوجدت أنه لم يحكِ الإجماع في مسألتنا بعينها، وإنما يريد أن المسلمين أجمعوا على أنه لا يُتعدى ما حدّ اللَّه تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، وهذا صحيح لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في هل حدّ الرسول عليه الصلاة والسلام التحجيل؛ أو أنه من فهم أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-؟ ومن هنا نشأ الخلاف. فابن بطال والقاضي عياض استدلا بالإجماع في مسألة عامة، وأنزلوه على مسألتنا، ولم يحكوا الإجماع فيها، واللَّه تعالى أعلم. [21 - 130] أَقْطَعُ اليد لا فرْضَ عليه: إذا قطعت يد المسلم، وهي من أعضاء الوضوء الأربعة، فإنه لا يلزمه شيء في هذه الحالة، ويسقط عنه فرض غسل اليد. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول معلقًا على قول الماتن: "وإن كان أقطع اليد، ولم يبق من محل الفرض شيء، فلا فرض عليه"، قال معلقًا: "هذا متفق عليه" (¬4). ¬
[22 - 131] استحباب مسح الباقي من العضو المقطوع
• الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. • وجه الدلالة: أن أقطع اليد لا يستطيع غسل يده، لما في ذلك من التكليف بالمحال، فلم يجب ذلك؛ لأن اللَّه تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "وإذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم" (¬5). • وجه الدلالة: أن تحقيق هذا الأمر -وهو غسل اليد- بالنسبة للأقطع غير مستطاع، فسقط عنه هذا الفرض، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [22 - 131] استحباب مسح الباقي من العضو المقطوع: والمقصود: الباقي من العضو من غير محل الفرض؛ لأنه إن بقي شيء من محل الفرض وجب غسله بالاتفاق، على ما يأتي بيانه، فيستحب مسح هذا الباقي. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول معلقًا على قول الماتن: "والمستحب أن يمس ما بقي من اليد ماء حتى لا يخلو العضو من الطهارة"، قال: "كذا اتفقوا على استحباب إمساسه الماء" (¬6). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنابلة (¬7). • مستند الاتفاق: لم أجد لهم مستندًا، ولكنهم عللوا بأنه حتى لا يخلو العضو من الطهارة، كما سبق. ¬
[23 - 132] وجوب مسح الباقي من محل الفرض
وعلَّل بعضهم بأنه موضع الغرة والتحجيل (¬1). • الخلاف في المسألة: لم يذكر ابن حزم هذا الاستحباب في مناقشته للمسألة، بل قال: سقط عن العضو حكمه -أي الغسل- (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. وكذا الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، فلم أجد لهم ذكرًا للمسألة بخصوصها بعد طول بحث، وذكروا مثل ما ذكر ابن حزم، فلا أدري هل هم موافقون أو مخالفون، واللَّه تعالى أعلم.Rأنني لا أجزم بشيء، فالمسألة جزئية، ولم يتحدث عنها العلماء بشكل واضح، ولم أجد من نَصَّ على هذا الاستحباب سوى من ذكرت، فهم يذكرون عدم الوجوب، ويكتفون بذلك، فهل يعني هذا أنهم لا يقولون بالاستحباب؟ من المعلوم أنه لا ينسب لساكت قولٌ، فاللَّه تعالى أعلم. والأظهر أن النووي يقصد بهذا الاتفاقِ الاتفاقَ المذهبي، وذلك يتبين من خلال الكلام التالي بعده، حيث أخذ يناقش أئمة المذهب الشافعي (¬5)، واللَّه تعالى أعلم. [23 - 132] وجوب مسح الباقي من محل الفرض: إذا قطعت يد إنسان، وبقي منها من محل الفرض شيء، فإنه يبقى الحكم السابق، وهو وجوب الغسل لهذا الباقي من العضو. • من نقل نفي الخلاف: النووي (676 هـ) حيث يقول معلقًا على قول الماتن: "وإن كان أقطع اليد، ولم يبق من محل الفرض شيء، فلا فرض عليه"، قال: "فيه احتراز مما إذا بقي من محل الفرض شيء، فإنه يجب غسله بلا خلاف" (¬6). وهو يريد هنا نفي الخلاف المذهبي بلا شك لدي. ¬
[24 - 133] عدم وجوب غسل الجلدة المتدلية
المرداوي (885 هـ) حيث يقول معددًا لثلاث مسائل: "الأولى: أن يبقى من محل الفرض شيء، فيجب غسله بلا نزاع" (¬1). الحطّاب (954 هـ) حيث يقول: "إذا قطع بعض محل الفرض، وجب غسل ما بقي منه بلا خلاف" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في المسألة الحنفية (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ". . . وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" (¬4). • وجه الدلالة: أن الأمر معلق بالاستطاعة، وهي هنا متحققة فيما بقي من العضو، فيجب غسله. 2 - أن الباقي من محل الفرض جزء من العضو الواجب غسله، فإذا تعذر غسل البعض بالقطع وجب غسل الباقي منه.Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [24 - 133] عدم وجوب غسل الجلدة المتدلية: إذا تقلّعت جلدة من محل الفرض، ولكنها متدلية من غير محل الفرض، فإنه لا يجب غسلها. وحاصل هذه المسألة أن الاعتبار في الجلد المتقلِّع بالمحل الذي انتهى التقلع إليه، وتدلى منه، ولا ينظر إلى الموضع الذي تقلع منه. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول عن جلدة اليد: "وإن تقلعت من محل الفرض، حتى صارت متدلية من غير محل الفرض، لم يجب غسلها؛ قصيرة كانت أو طويلة بلا خلاف" (¬5). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في المسألة الحنفية (¬6)، ¬
[25 - 134] مسح الرأس فرض
وقول عند المالكية (¬1)، وقول عند الشافعية، واختاره النووي (¬2). • مستند نفي الخلاف: عللوا لهذه المسألة بأن الجلدة المتدلية أصبحت من غير محل الفرض، فلا يجب غسلها (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في المسألة في قولٍ (¬4)، والشافعية في قولٍ كذلك (¬5) بأنه يعتبر بأصله، فيجب غسل جلدة الساعد المتدلية من العضد، ولا يجب غسل جلدة العضد المتدلية من الساعد إذا لم تلتصق به. وعللوا بأن الاعتبار بالأصل، فإذا كانت الجلدة تغسل قبل التقلع، وما زالت موجودة، فتبقى على حكمها وتغسل، وكذلك الجلدة غير المغسولة سابقًا، تبقى على حكمها السابق، فلا تغسل (¬6).Rمن خلال المناقشة السابقة يظهر أن ابن قدامة رحمه اللَّه تعالى ربما يقصد نفي الخلاف في المذهب، خصوصًا أنه لم يستخدم عبارته المعتادة في حكاية الإجماع: (لا أعلم فيه خلافًا)، فلعله يريد نفي الخلاف في المذهب، واللَّه أعلم. والنتيجة -كما يظهر- مما سبق أن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [25 - 134] مسح الرأس فرض: الرأس من أعضاء الوضوء الأربعة التي لا يصح إلا بها، وهناك خلاف في الجزء المجزئ مسحُه من الرأس، وهذه ليست مسألتنا، إذ أنها في مسح الرأس عمومًا، دون الدخول في التفصيلات. • من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: "فرأينا الأعضاءَ التي قد اتفقوا على فرضيتها في الوضوء، هي: الوجه، واليدان، والرجلان، والرأس" (¬7). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن مسح بعض الرأس بالماء غير معين ¬
لذلك البعض فرضٌ" (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "أجمعوا على أن غسل الوجه، واليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين، ومسح الرأس فرض ذلك كله، . . . لا خلاف علمته في شيء من ذلك إلا في مسح الرجلين، وغسلهما. . " (¬2). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على وجوب غسل الوجه كله، وغسل اليدين مع المرفقين، ومع الكعبين، ومسح الرأس" (¬3). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على أن مسح الرأس من فروض الوضوء" (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "لا خلاف في وجوب مسح الرأس" (¬5). وقال أيضًا: "ثم يمسح رأسه، وهو فرض بغير خلاف" (¬6). وقال أيضًا: "والمفروض من ذلك -فروض الوضوء- بغير خلاف خمسة: النية، وغسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين" (¬7). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "ذكر تعالى أربعة أعضاء: الوجه وفرضه الغسل، واليدين كذلك، والرأس فرضه المسح اتفاقًا" (¬8). وقال أيضًا: "واختلفوا في رد اليدين على شعر الرأس؛ هل هو فرض أو سنة؟ بعد الإجماع على أن المسحة الأولى فرضٌ بالقرآن. . " (¬9). النووي (676 هـ) حيث يقول: "فمسح الرأس واجب بالكتاب والسنة والإجماع" (¬10). وقال أيضًا: "وأجمعوا على وجوب مسح الرأس" (¬11). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول في حديث له عن التيمم في آية الأمر به: "لأنه لو ¬
[26 - 135] استحباب مسح الرأس كله
قال: فامسحوا وجوهكم وأيديكم، أو امسحوا بها؛ لكان يكتفي بمجرد المسح من غير إيصال للطهور إلى الرأس، وهو خلاف الإجماع" (¬1). يعني أن المسح للرأس متضمن للمسح باليد، وإيصال الماء إليه، وهو معنى كلام العلماء السابق. ابن مفلح -صاحب "المبدع"- (884 هـ) حيث يقول: "ثم يمسح رأسه، وهو فرض بالإجماع" (¬2). الحطّاب (954 هـ) حيث يقول: "هذه الفريضة الثالثة من الفرائض المجمع عليها، وهي مسح الرأس" (¬3). وقال أيضًا: "وقدم المصنف الكلام على الأعضاء الأربعة المجمع عليها" أي: على فرضيتها (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بمسح الرأس، والأمر يقتضي الوجوب. 2 - أحاديث صفة وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومنها حديث حُمران مولى عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنهما-، وفيه: "ثم مسح برأسه" (¬5). • وجه الدلالة: أن كل من ذكر صفة وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر مسح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لرأسه، مما يدل على فرضيته.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، وهذه من المسائل التي لا يجوز فيها الاجتهاد بخلافه، فهي من مسائل الإجماع القطعي، واللَّه تعالى أعلم. [26 - 135] استحباب مسح الرأس كله: نقل عدد من العلماء الإجماع على استحباب مسح الرأس كاملًا، وأن من فعله فقد ¬
أدى ما عليه وأحسن في ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن من مسح جميع رأسه فأقبل وأدبر، ومسح أذنيه، وجميع شعره؛ فقد أدى ما عليه" (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأما المسح بالرأس: فقد أجمعوا أن من مسح برأسه كله؛ فقد أحسن وعمل أكمل ما يلزمه" (¬2). وقال أيضًا: "وأجمع العلماء أن من عم رأسه بالمسح؛ فقد أدى ما عليه، وأتى بأكمل شيء فيه" (¬3). وقال أيضًا: "وقد أجمعوا على أن الرأس يمسح كله، ولم يقل أحد إن مسح بعضِه سنة، وبعضِه فريضة، فدل على أن مسحه كله فريضة" (¬4). اللخمي (478 هـ) حيث نقل عنه الحطاب أنه نفى الخلاف في أنه مأمور بالجميع ابتداء -أي بمسح الجميع -، وإنما الخلاف إذا اقتصر على بعضه (¬5). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على أن من مسح رأسه كله؛ فقد أحسن وفعل ما يلزمه" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "واستيعابه بالمسح مأمور به بالإجماع" (¬7). ونقله عنه الشوكاني بلفظ الاتفاق (¬8)، وابن قاسم بلفظ الإجماع (¬9). ولعل النووي يريد أنه مأمور به بالاستحباب إجماعًا، ولا شك أنه لا يريد الأمر الملزم؛ لشهرة الخلاف في المسألة. ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "اتفق الأئمة على أن السنة مسح جميع الرأس، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة والحسنة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬10). ¬
وقال أيضًا: "ولا خلاف بين الأئمة أن مسح جميع الرأس مرة واحدة أولى من مسح بعضه ثلاثًا" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). ابن عبد السلام (749 هـ) حيث نقل عنه الحطاب أنه نفى الخلاف في أنه مأمور بالجميع ابتداء -أي بمسح الجميع-، وإنما الخلاف فيما إذا اقتصر على بعضه (¬3). ابن السمعاني (617 - 618 هـ) حيث نقل عنه ابن حجر قوله: "وأجاب بأن الخفة تقتضي عدم الاستيعاب، وهو -الاستيعاب- مشروع بالاتفاق" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بالمسح للرأس، وهذا اللفظ عام، ومن مسح رأسه كله فقد أتى بالواجب على أكمل وجه، فلزم استحباب ذلك، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه- في صفة وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه: "فمسح رأسه، فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة" (¬6). وفي رواية: "بدأ بمقدم رأسه، حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه" (¬7). • وجه الدلالة: أن فيه فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذه سنة فعلية، فقد مسح رأسه عليه الصلاة والسلام كله، حيث بدأ بمقدم رأسه؛ حتى ذهب إلى قفاه، وهذا يكفي أن يمر على الرأس كله، ولكنه ردهما أيضًا إلى المكان الذي بدأ منه، فدل على استحباب مسح الرأس كله، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[27 - 136] مسح جميع الرأس غير مراد من آية الوضوء
[27 - 136] مسح جميعِ الرأس غير مرادٍ من آية الوضوء: سبق أن ذكرنا أن مسح جميع الرأس مستحب، ونقل الإجماع على ذلك عدد من أهل العلم، ولم نجد من خالف في هذا حتى علماء الحنفية، ولكن هل مسح جميع الرأس مراد من الآية أو لا؟ فقد أجاب الإمام الكاساني بأنه غير مراد بالإجماع. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول مقررًا لمذهب الحنفية بالاقتصار في المسح بالناصية: "وأما وجه التقدير بالناصية؛ فلأن مسح جميع الرأس ليس بمراد من الآية بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬2)، وابن حزم (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة من وجهين: 1 - قالوا: الباء في قوله: {بِرُءُوسِكُمْ} للتبعيض؛ أي: أن من مسح بعض رأسه كأنه مسحه كله، فهو يطلق عليه أنه مسح رأسه (¬4). 2 - المسح في اللغة التي نزل بها القرآن هو غير الغسل بلا خلاف، والغسل يقتضي الاستيعاب، والمسح لا يقتضيه، فكانت الآية دالة على أنه ليس المراد غسل الجميع (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة كل من قال بوجوب مسح جميع الرأس، وهذا استدلال بالإجماع في موضع النزاع من الكاساني رحمه اللَّه. فقد خالف المالكية (¬6)، والحنابلة في هذه المسألة (¬7)، وقالوا بأن الآية دالة على مسح جميع الرأس. ¬
[28 - 137] جواز ترك مسح القليل من الرأس
وهو قول ابن عليّة (¬1). فقالوا بأن الآية تدل على ذلك من وجوه، أبرزها وجهان، هما: 1 - أن الباء في الآية للإلصاق، وليست للتبعيض (¬2)، وبهذا يبطل الاستدلال بأن مسح بعض الرأس مجزئ. 2 - الأمر في الآية يقتضي مسح الرأس؛ لأن هذا اللفظ إنما يقع حقيقةً على جميعه، دون بعضه، وقد أمر بمسح ما يتناوله الاسم؛ فيجب مسح جميعه (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود الخلاف في المسألة، ولو كانت عبارة الكاساني غير لفظ الإجماع؛ لقلت: إنه يقصد المذهب الحنفي، ولكن وجدت أنه يستخدم عبارة الإجماع في المذهب كثيرًا (¬4)، واللَّه تعالى أعلم. [28 - 137] جواز ترك مسح القليل من الرأس: إذا مسح المتوضئ رأسه، وترك قليلًا من الرأس دون مسح، واقتصر على البعض، فإن ذلك جائز. • من نقل الإجماع: العيني (855 هـ) حيث يقول: "ويدل على أنه قد أريد بها - الباء - التبعيض في الآية اتفاقُ الجميع على جواز ترك القليل من الرأس في المسح، والاقتصار على البعض" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع مَن قال بأن الواجب في غسل الرأس البعض لا الكل، وقد سبقت الإشارة لهذه المسألة، وهم: الحسن، والثوري، والأوزاعي (¬6)، والشافعية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. ¬
[29 - 138] العفو عن ترك اليسير في مسح الرأس
• وجه الدلالة: في قوله {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] فالباء هنا للتبعيض، فأي جزء من الرأس مسح؛ صح أن يُطلق عليه أنه مسح رأسه، فإذا ترك شيئًا يسيرًا غير قاصد، فلا شيء عليه من باب أولى (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية (¬2)، والحنابلة في هذه المسألة (¬3)، فقالوا بعدم جواز الاقتصار على بعض الرأس، وترك القليل منه دون مسح. وسبق الاستدلال لهذا القول (¬4).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [29 - 138] العفو عن ترك اليسير في مسح الرأس: أعضاء الوضوء أربعة، ومنها الرأس، ولا يعفى عن ترك اليسير في أيٍّ منها؛ إلا أن الرأس له حكم مختلف، فهو مبني على التخفيف، ولذا كان حكمه المسح دفعًا للمشقة، فإذا ترك اليسير منه، دون أن يكون ذلك بقصد، فإنه متجاوز عنه، بمعنى أنه لا يلزم أن يوصل الماء إلى كل شعرة في الرأس، بل إذا أمرّ يده على ظاهر رأسه كله، فإنه يجزئه ذلك، وإذا بقي شيء من الشعر لم يصله الماء، فإن ذلك عفو. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول في معرض نقاشٍ له: "على أنهم قد أجمعوا على أن اليسير -أي: اليسير المتروك فيمن مسح رأسه-، لا يقصد إلى إسقاطه متجاورٌ عنه، لا يضر المتوضئ" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وابن حزم (¬9). ¬
[30 - 139] استحسان مسح الرأس باليدين معا
• مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بمسح الرأس، والمسح يكون بفعله مرة واحدة، وهو لا يأتي بها على كل الشعر قطعًا، فتبين تبعًا أن ذلك معفو عنه، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [30 - 139] استحسان مسح الرأس باليدين معًا: إذا أراد المسلم أن يمسح على رأسه في وضوئه، فإنه يستحسن أن يمسح باليدين معًا. • من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "والإجماع منعقد على استحسان المسح باليدين معًا، وعلى الإجزاء إن مسح بيدٍ واحدةٍ" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: حديث عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه- في وصف وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه: "فمسح رأسه، فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة" (¬5). • وجه الدلالة: أنه ذكر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عندما توضأ أقبل بيديه وأدبر، فذكر يديه، ولا شك أنها بذلك سنة فعلية (¬6).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [31 - 140] إجزاء مسح الرأس بيد واحدة: إذا شرع المسلم في وضوئه، وأتى للمسح على الرأس، ثم مسحه بيد واحدة، فقد أجزأه ذلك، وتم وضوؤه. ¬
[32 - 141] كراهة غسل الرأس بدل المسح
• من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "والإجماع منعقد على استحسان المسح باليدين معًا، وعلى الإجزاء إن مسح بيدٍ واحدةٍ" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: أن الواجب في العضو -الرأس- هو المسح، فإذا حصل المسح بيدٍ واحدة، فقد تم المسح، وتحقق الواجب كما أمر اللَّه تعالى به، فدل على إجزاء المسح بيد واحدة، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [32 - 141] كراهة غسل الرأس بدل المسح: لا شك أن مسح الرأس هو المشروع، المنصوص عليه، ولكن إذا غسله المتوضئ بدل المسح، فإن فعله هذا مكروه، وقد حكى ابن حجر الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "وقد اتُّفق على كراهة غسل الرأس بدل المسح، وإن كان مجزئًا" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق المالكية؛ إذ أن لديهم قولين: بعدم الإجزاء، والكراهة، وعدم الإجزاء كراهة وزيادة (¬6)، والشافعية في وجهٍ (¬7)، والحنابلة لديهم قولان في المسألة (¬8): بإجزاء الغسل عن المسح، وعدم الإجزاء، فأما عدم الإجزاء: فهذه كراهة وزيادة، وأما القول الأول: فالأظهر أنه لا يخالف مسألتنا، حيث إن ما يقابل الإجزاء هو خلاف الأولى، وقد صرح بعضهم بالكراهة (¬9). ولم أجد للحنفية كلامًا في المسألة، ولكن وجدتهم قد عبروا بإجزاء الغسل عن المسح في الغسل، وأنه متضمن له (¬10)، إلا أن ظاهر الرواية عندهم أنه لا بد من مسح ¬
الرأس حتى في الغسل (¬1). وقال العيني بعد تفريقه بين الغسل والمسح في الوضوء: "وفيه -تفسير المسح- ثبوت المسح، والشارع أوجب المسح" (¬2). وأقرب مسألة وجدتها لمسألتنا هي مسألة ما إذا نسي المتوضئ مسح رأسه، فأصابه ماء المطر مقدار ثلاثة أصابع، فمسحه بيده، أو لم يمسحه أجزأه عن مسح الرأس، وهي تفيد أن الغسل مجزئ عن المسح، إلا أن الإجزاء يقابله خلاف الأولى أو الكراهة كما قلنا. فمما سبق نجد أن كلام الحنفية محتمل لقولين، وهو الكراهة أو خلاف الأولى، والمنع، ولهذا جعلت الكلام عن الحنفية في الموافقين؛ لأنه الأقرب دون جزمٍ؛ إذ أن المنع كراهة وزيادة، واللَّه تعالى أعلم. • مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]. 2 - الأحاديث التي وصفت وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذكرت أنه كان يمسح رأسه (¬3). • وجه الدلالة: أن الوارد في الشرع -سواء في الكتاب أو السنة- هو المسح للرأس، ولم يرد الغسل، وكل أمر في العبادات لم يأت به الشرع فالأصل فيه الحظر، ولكن لأن الغسل متضمن للمسح فيحمل على الكراهة فقط، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قولٍ (¬4)، والشافعية في الوجه الثاني (¬5)، بأنه لا يكره غسل الرأس بدل المسح. واستدلوا بأن الغسل للرأس فيه مسح وزيادة، فلا يكون مكروهًا (¬6).Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[33 - 142] إجزاء المسح على الناصية والعمامة
[33 - 142] إجزاء المسح على الناصية والعمامة: إذا مسح المتوضئ على الناصية والعمامة معًا، وكان ذلك لعذر، فإن فعله هذا مجزئ، ونفى ابن تيمية النزاع في ذلك. • من نقل نفي النزاع: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "ومن فعل ما جاءت به السنة من المسح بناصيته وعمامته؛ أجزأه مع العذر بلا نزاع" (¬1). • الموافقون على نفي النزاع: وافق على نفي الخلاف أبو بكر الصديق، وعمر، وعلي، وعمرو بن أمية الضمري، وأبو ذر، وأنس، والمغيرة بن شعبة، وبلال، وسلمان، وكعب بن عجرة، وأم سلمة، وأبو موسى، وأبو أمامة الباهلي -رضي اللَّه عنهم-، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وداود الظاهري (¬2)، ورُوي عن أبي الدرداء -رضي اللَّه عنه-، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، وقتادة، ومكحول، وابن المنذر (¬3)، وعلى قولٍ عند الحنفية بأنه يجوز المسح للرأس بمقدار الناصية، وقولٍ آخر عندهم بمقدار ثلاثة أصابع، وإلا فهم لا يجيزون المسح على العمامة فقط، فإذا أوفى بهذا القدر من الرأس فمجزئ عندهم، على هذا القول (¬4)، وأما المالكية، فإنهم يجيزونه مع العذر (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند نفي النزاع: 1 - حديث عمرو بن أمية -رضي اللَّه عنه-، قال: "رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمسح على عمامته وخفيه" (¬8). 2 - حديث ثوبان -رضي اللَّه عنه-، قال: "بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سرية، فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين (¬9) " (¬10). ¬
• وجه الدلالة: في الأحاديث السابقة ورد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه مسح على العمائم، أو أمر بذلك، وهذه سنة فعلية أو قولية يجب الأخذ بها. أما من اشترط المسح على الناصية مع العمامة فزادوا بأن اللَّه تعالى قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] والعمامة ليست رأسًا. ولأنه عضو طهارته المسح؛ فلم يجز المسح على حائل دونه، كالوجه واليد في التيمم (¬1). أما إذا مسح الناصية والعمامة؛ فقد أتى بسنة الاستيعاب عندهم. • الخلاف في المسألة: الحنفية لديهم في المسح على الرأس ثلاثة أقوال: فقيل: بمقدار الناصية، وقيل: ثلاث أصابع، وقيل: بمقدار ربع الرأس، وهو قول زفر (¬2). فعلى القول الثالث عندهم لا يجزئ المسح على الناصية فقط، وكذلك الثاني إذا كانت الناصية لا تكفي لثلاثة أصابع. واستدلوابنحو الأدلة التي ذكرتها في آخر المستند عمن يشترط المسح على الناصية، ولكنهم هنا لا يعتبرون المسح على الناصية كافيًا، بل لا بد من المسح على ربع الرأس. ولكن إذا كان ذلك لعذر، فالتفصيل؛ فإن كان بقي جزء من الرأس يمكن فيه المسح، فإنه يُمسح ويُكتفى به، ولا يمسح على العمامة، أما إذا لم يكن كذلك؛ فيمسح للعذر (¬3). وبهذا لا يكون هذا القول مخالفًا لمسألتنا، واللَّه تعالى أعلم.Rأن نفي النزاع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
[34 - 143] مسح الأذنين عن الرأس غير مجزئ
[34 - 143] مسح الأذنين عن الرأس غير مجزئ: إذا اكتفى المتوضئ بمسح الأذنين عن مسح الرأس، فإن مسحه غير مجزئ عن مسح الرأس، وقد نقل النووي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: المازري (536 هـ) حيث يقول عن مسح الأذنين: "إن الأمة مجمعة على أن مسحهما لا يجزئه عن الرأس". نقله عنه القرافي (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول عن الأذنين: "الإجماع منعقد على أنه لا يجزئ مسحهما عن مسح الرأس، بخلاف أجزائه (¬2) " (¬3). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "ولا يجوز الاقتصار بالمسح على الأذنين عوضًا عن مسح الرأس بالإجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بمسح الرأس، ولا يتبادر إلى الذهن من هذا الأمر إلا الرأس الذي يبدو عليه الشعر غالبًا، بدليل فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونقل هذا المعنى إلى غيره لا يجوز بغير دليل، فلا يجزئ مسحهما عن مسح الرأس، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الأذنين تبع للرأس -على قول أنهما من الرأس-، فلا يجتزأ بمسحهما عن مسح الأصل، وهو الرأس، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [35 - 144] البياض الدائر حول الأذن ليس من الرأس: البياض الذي يقع خلف الأذن بينه وبين منابت الشعر حوله ليس من الرأس؛ أي: ليس من الرأس المأمور بمسحه، حكى عدد من العلماء الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) (¬1)، والقاضي أبو الطيب (450 هـ)، نقله عنهما النووي، حيث يقول: "قال الماوردي والقاضي أبو الطيب: ولأن الإجماع منعقد على أن البياض الدائر حول الأذن ليس من الرأس" (¬2)، قالا ذلك استدلالًا على أن الأذنين ليسا من الرأس، فأدخلا الأذنين من باب الأولى من البياض حولهما. ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "ولا يختلف أحد في أن البياض الذي بين منابت الشعر من الرأس، وبين الأذنين ليس هو من الرأس في حكم الوضوء" (¬3). نقل ابن مفلح (¬4)، والمرداوي (¬5)، والبهوتي (¬6) عن جماعة، ولم يسمِّ أحدًا، بأنهم ذكروا أنه ليس من الرأس إجماعًا. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬7)، والحنابلة في قولٍ عندهم (¬8). وقد بحثت عن كلامٍ للحنفية في هذه المسألة، ولكن لم أجد، ولعلهم لم يعتنوا بهذا؛ لأجل أنهم يقولون بأن غسل جزء من الرأس يكفي، واللَّه تعالى أعلم. • مستند الإجماع: أن الأصل في العبادات التوقيف على ما يأتي عن اللَّه تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولم يرد عنهما دليل فيه الأمر بمسحه؛ أو من فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه مسحه مع الرأس، فهذا يدل على أنه ليس من الرأس؛ إذ لو كان كذلك، لمسحه لكونه منه، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في هذه المسألة، على الصحيح من المذهب، وبعضهم اقتصر عليه، وقالوا بأنه من الرأس (¬9). نقل المرداوي عن ابن تيمية، أنه قال: يجوز الاقتصار على مسحه دون الشعر، إذا قلنا: يجزئ مسح بعض الرأس، على إحدى روايات المذهب الحنبلي (¬10). ¬
[36 - 145] مشروعية مسح الأذنين
واستدلوا بالقياس على حكم الموضِحة (¬1)، حيث إن ضرب هذا المكان يعتبر من الرأس (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [36 - 145] مشروعية مسح الأذنين: مسح الأذنين سنة من سنن الوضوء، وهناك من قال بوجوبه، ولكن الجميع قالوا بأنه مشروع للوضوء، وحُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، يرون مسح الأذنين ظهورهما وبطونهما" (¬3)، وهو يشير إلى الخلاف في وجوبه وعدمه. ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع المسلمون طرًّا أن الاستنشاق والاستنثار من الوضوء، وكذلك المضمضة، ومسح الأذنين" (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن مسح باطن الأذنين وظاهرهما سنة من سنن الوضوء، إلا أحمد فإنه رأى مسحهما واجبًا. . " (¬5). ونقله عنه ابن قاسم (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمعت الأمة على أن الأذنين تطهران" (¬7). الحطّاب (954 هـ) حيث يقول: "والمراد بالداخل هنا الصماخ، وأما خارجه فلا خلاف في فرضيته" (¬8). ابن عابدين (1306 هـ) حيث يقول: "أما لو أخذ ماء جديدًا مع بقاء البلة؛ فإنه يكون ¬
[37 - 146] ترك مسح الأذنين لا يبطل الوضوء
مقيما للسنة اتفاقًا" (¬1). وهو في هذا يشير إلى الخلاف في المذهب، هل يحتاج إلى ماء جديد للمسح أو لا؟ ولكن الكلام يشير إلى أنه إذا أخذ ماء جديدًا فإنه بهذا قد حقق المسح المسنون اتفاقًا، ففيه حكاية للاتفاق الضمني في مذهبهم، على مسألتنا. • مستند الإجماع: 1 - حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-، وفيه قال: "ثم مسح برأسه، وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه" (¬2). • وجه الدلالة: ظاهر من الحديث، حيث فيه فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي سنة فعلية. 2 - الحديث الذي رواه عدد من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وفيه: "الأذنان من الرأس" (¬3). • وجه الدلالة: التصريح بأن الأذنين من الرأس، والرأس ورد التصريح فيه أنه أحد أعضاء الوضوء المجمع عليها، فيُمسح على الأذنين؛ لأنه جزء منه. • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في رواية بوجوب المسح، بل عندهم رواية بأنه عضو مستقل (¬4)، ولكن هاتين الروايتين لا تنقضان الإجماع؛ إذ أن الإجماع في المشروعية، والوجوب مشروعية وزيادة. وهناك خلاف للشيعة بعدم مشروعيته، إلا أنه لا يعتد بخلافهم (¬5).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [37 - 146] ترك مسح الأذنين لا يبطل الوضوء: سبقت مسألة مشروعية مسح الأذنين، وأن الإجماع متحقق فيها، ولكن إذا ترك المتوضئ مسح الأذنين، سواء كان الترك نسيانًا أو سهوًا أو عمدًا، فإن وضوءه ¬
صحيح (¬1). • من نقل الإجماع: ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث يقول: "وأما الأذنان فإن في إجماع جميعهم على أن ترك غسلهما، أو غسل ما أقبل منهما على الوجه، غير مفسدٍ صلاةَ من صلى بطهْره الذي ترك فيه غسلهما" (¬2). ونقله عنه النووي، وذكر أنه حكى الإجماعَ غيرُه من العلماء (¬3)، ونقله ابن قاسم أيضًا (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في أن الأذنين لا يجب مسحهما" (¬5). القرافي (684 هـ) حيث يقول: "وإن قلنا: إن مسحهما واجب، فتَرَكهما سهوًا وصلى، فلا يُختلف في صحة صلاته، والذي صرَفَ المتأخرين عن الإعادة إجماعُ المتقدمين على الصحة" (¬6). وهذه العبارة نأخذ منها أمرين: وجود الخلاف في الترك العمد، ونقل الإجماع على الترك سهوًا. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، والمالكية في المشهور عندهم (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة في رواية (¬10)، وابن حزم (¬11). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] الآية. • وجه الدلالة: أن الآية الكريمة لم تذكر مسح الأذنين، ولو كان المسح واجبًا لذكره تبارك وتعالى؛ فدل على عدم وجوب مسحهما. 2 - أنه لم يرد نصٌ يدل على الوجوب، وأكثر من ذكر صفة وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يذكر مسح الأذنين، والقول بالوجوب يحتاج ليقين، ولا وجود له؛ فدل على عدم ¬
[38 - 147] ترك مسح العنق لا يبطل الوضوء
وجوبه (¬1)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف إسحاق بن راهويه، فقال بأن من ترك مسحهما عمدًا، لم تصح طهارته، ولكن أجاب النووي عن مخالفته، بأنه محجوج بإجماع من قبله (¬2). وخالف المالكية في قولٍ غير مشهورٍ عندهم بشرط أن يكون عمدًا (¬3)، وخالف الحنابلة مطلقًا، دون التقييد بالعمد في رواية (¬4)، فقالوا بوجوب مسحهما، مما يعني عدم صحة الطهارة بدونه. وهو قول محمد بن مسلمة، وأبي بكر الأبهري (¬5). واستدلوا بالأحاديث التي تثبت فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمسح أذنيه، فما دام أنه فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في وضوئه، فيجب إذًا. ومنها: حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-، وفيه قال: "ثم مسح برأسه، وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه" (¬6).Rأن الإجماع غير متحقق فيما إذا كان الترك عمدًا؛ لوجود المخالف في المسألة، وأما كلام النووي رحمه اللَّه فغير دقيق، إذ القول بالوجوب مشهور، فالأظهر أن المسألة غير مجمع عليها. أما إذا كان سهوًا، فيبقى خلاف الحنابلة في رواية، ومن معهم، فلم يفرقوا بين العمد والسهو، وهذا يدل على شهرة الخلاف، وبهذا يكون الإجماع غير متحقق في المسألة عمومًا، واللَّه تعالى أعلم. [38 - 147] ترك مسح العنق لا يبطل الوضوء: إذا ترك المتوضئ مسح العنق، فإن وضوءه صحيح، ونقل ابن تيمية الاتفاق على المسألة. ¬
[39 - 148] غسل القدمين فرض
• من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "ومن ترك مسح العنق، فوضوؤه صحيح باتفاق العلماء، واللَّه أعلم" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - أن مسح العنق لم يرد به نصٌ من كتاب أو سنة، وقد وجد الداعي لذلك، فدل على أن ترك المسح ليس مبطلًا، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الأحاديث الواردة في فضل مسح العنق لم يصح منها شيء (¬7). 3 - أن الأصل عدم الوجوب، ما دام لم يرد الناقل عن هذا الأصل، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [39 - 148] غسل القدمين فرض: القدمان من الأعضاء الأربعة التي وردت في نص آية الوضوء، ولكن هل فرضها الغَسل أو المسح؟ لا شك أن الصحيح هو الغَسل، كما تدل عليه الأدلة الكثيرة، وقد نقل عدد من العلماء الإجماع على وجوب الغسل. • من نقل الإجماع: الإمام عبد الرحمن بن أبي ليلى (83 هـ) فيما نقله عنه ابن قدامة (¬8)، وابن حجر (¬9)، والزركشي (¬10)، وابن مفلح -صاحب "المبدع"- (¬11)، ¬
والشوكاني (¬1)، وابن قاسم (¬2)، حيث قال: "أجمع أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على غسل القدمين". ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "أجمع عوام أهل العلم على أن الذي يجب على من لا خف عليه غسلُ القدمين إلى الكعبين" (¬3). الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: "فرأينا الأعضاءَ التي قد اتفقوا على فرضيتها في الوضوء هي: الوجه، واليدان، والرجلان، والرأس" (¬4). أبو حامد الإسفراييني (406 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على وجوب غسل الرجلين، ولم يخالف في ذلك من يعتد به". نقله عنه النووي (¬5). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن إمساس الرجلين المكشوفتين الماء لمن توضأ فرضٌ، واختلفوا أتمسح أم تغسل" (¬6). وهذه العبارة تشير للاتفاق في إمساس الماء دون الغسل، فهي تشير للخلاف في المسألة. ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "أجمعوا على أن غسل الوجه، واليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين، ومسح الرأس فرض ذلك كله، . . . لا خلاف علمته، في شيء من ذلك إلا في مسح الرجلين، وغسلهما. . " (¬7). وهذه العبارة فيها إشارة للخلاف، وقد حكى الخلاف أيضًا في موضع آخر (¬8). ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "هذه سنة اتفق المسلمون عليها، قال أبو عيسى -أي: الترمذي-: لا يجوز المسح على الأقدام المجردة، خلافًا لمحمد بن جرير الطبري، حيث قال: هو مخير بين المسح والغسل، وقال بعض الرافضة في صفة المسح: وحُكي عن بعض أهل الظاهر أنه يجمع بينهما" (¬9). ونقله عنه القرطبي (¬10). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على وجوب غسل الوجه كله، وغسل ¬
اليدين مع المرفقين، وغسل الرجلين مع الكعبين، ومسح الرأس" (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول في فروض الوضوء: "والمفروض من ذلك بغير خلاف خمسة: النية، وغسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على وجوب غسل الوجه، واليدين، والرجلين، واستيعاب جميعها بالغسل، وانفردت الرافضة عن العلماء؛ فقالوا: الواجب في الرجلين المسح، وهذا خطأ منهم" (¬3). ونقله عنه الشوكاني (¬4)، وابن قاسم (¬5). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "ثم يغسل قدميه كما أمره اللَّه، ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك" (¬6). ونقله عنه الشوكاني (¬7). الحطّاب (954 هـ) حيث يقول: "وقدم المصنف الكلام على الأعضاء الأربعة المجمع عليها" أي: على فرضيتها (¬8). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "وأما غسل المرافق والكعبين ففرضيته بالإجماع" (¬9). وقال أيضًا: "فإن الإجماع انعقد على غسلهما، ولا اعتبار بخلاف الروافض" (¬10). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "الخامس من الفروض: غسل رجليه بإجماع من يعتد بإجماعه مع كعبيه" (¬11). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وبإجماع الصحابة على الغسل؛ فكانت هذه الأمور موجبة لحمل تلك القراءة -قراءة الخفض لآية الوضوء-، على ذلك الوجه النادر" (¬12). ¬
أي أن قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} معطوف على {وُجُوهَكُمْ}، والنصب للمجاورة. ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "وغسل الرجلين مع الكعبين واجب بالكتاب والسنة والإجماع" (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] الآية. • وجه الدلالة: حيث عطف اللَّه تعالى {وَأَرْجُلَكُمْ} على {وُجُوهَكُمْ}، والأمر يقتضي الوجوب. 2 - الأحاديث الواردة في صفة وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث إنها أطبقت على ذكر غسله لقدميه، مما يدل على فرضية الغسل، ومنها حديث حمران مولى عثمان -رضي اللَّه عنهما-، وفيه: "ثم غسل كلتا رجليه ثلاثًا" (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف بعض أهل العلم في هذه المسألة، وخلافهم على ثلاثة أقوال: الأول: أن الواجب المسح، وهو قول محكيٌ عن علي، وأنس، وابن عباس، وعكرمة، والحسن، والشعبي، وابن جرير الطبري، وهو قول ابن حزم، وقول الشيعة الإمامية (¬3). واستدلوا بقراءة الخفض لقوله: (وأرجلِكم)، أي: أنه معطوف على قوله: (برؤوسكم). الثاني: أنه مخير بين المسح والغسل، وهو قول محكيٌ عن الحسن، وابن جرير، وأبي علي الجُبّائي (¬4). ولم أجد له دليلًا غير أنه قد يكون مبنيًّا على العمل بأدلة الفريقين، جمعًا بينهما على أن أيَّهما مجزئ. الثالث: أن الواجب الجمع بين المسح والغسل، وهو قول محكي عن ابن عباس، ¬
[40 - 149] الغسل للقدمين مجزئ
وعكرمة، والحسن، وقتادة (¬1)، ونُسب إلى الظاهرية (¬2). واستدلوا بأن الآية فيها قراءتان: الخفض يدل على المسح، والنصب يدل على الغسل، فوجب الجمع بينهما (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، فبالنظر للأقوال السابقة نجد أن كل قولٍ منها يكفي في نقض الإجماع، والمخالفون الذين توصلت لأقوالهم عشرة من العلماء، وبينهم صحابة، بالإضافة إلى مذهب من المذاهب الفقهية، وهو الظاهرية. أما دعوى أن الصحابة رجعوا؛ فرجوعهم غير صريح، ولو ثبت ذلك فخلاف بقية التابعين يكفي في نقض الإجماع مع عدم تيقن إجماع الصحابة، واللَّه تعالى أعلم. [40 - 149] الغسل للقدمين مجزئ: إذا غسل المتوضئ قدميه، فإن ذلك يجزئه بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع المسلمون أن من غسل قدميه، فقد أدى الواجب عليه، من قال منهم بالمسح، ومن قال بالغسل" (¬4). العيني (855 هـ) حيث يقول: "فالدليل على أن المراد الغسل دون المسح اتفاقُ الجميع على أنه إذا غسل، فقد أدى فرضه" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] الآية. • وجه الدلالة: عطف اللَّه تعالى قولَه: {وَأَرْجُلَكُمْ} على قوله: {فَاغْسِلُوا}، ¬
[41 - 150] غسل الكعبين من القدم واجب
وهو يدل على الغسل، وأقل مؤدى الأمر الإجزاء. 2 - الأحاديث الواردة في صفة وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ فيها أنه عليه الصلاة والسلام غسل رجليه، وهي تدل على الإجزاء وزيادة، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة علي، وأنس، وابن عباس، وعكرمة، والحسن، والشعبي، وابن جرير الطبري فيما حُكي عنهم، وهو قول ابن حزم، والشيعة الإمامية (¬1)، فقالوا بأن الواجب المسح. واستدلوا بقراءة الخفض لقوله: (وأرجلِكم)، أي: أنه معطوف على قوله: (برؤوسكم).Rأن الإجماع غير متحقق على الأظهر؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [41 - 150] غسل الكعبين من القدم واجب: إذا غسل المتوضئ رجليه، فإنه يلزمه غسل الكعبين، ونفى الإمام الشافعي علمه بالخلاف في المسألة. • من نقل نفي الخلاف: الشافعي (204 هـ) حيث يقول: "ولم أسمع مخالفًا في أن الكعبين اللذين ذكر اللَّه عز وجل في الوضوء الكعبان الناتئان، وهما مجمع مفصل الساق والقدم، وأن عليهما الغسل" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في هذه المسألة من وافق على مسألة دخول المرفقين في اليدين (¬3). • مستند نفي الخلاف: قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} الآية [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: هو ما سبق مناقشته في مسألة دخول المرفقين في اليدين، ومعنى (إلى) فيها. ¬
[42 - 151] مشروعية الترتيب في الطهارة
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة من خالف في مسألة دخول المرفقين في اليدين، فانظره هناك.Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [42 - 151] مشروعية الترتيب في الطهارة: الترتيب بين الأعضاء في الطهارة مشروع، وحكى ابن هبيرة الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الترتيب والموالاة في الطهارة مشروع، ثم اختلفوا في وجوبها" (¬1). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "والصحيح أن يقال: إن الترتيب متلقى من وجوه: . . الثاني: من إجماع السلف فإنهم كانوا يرتبون" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أدخل الممسوح بين المغسولات، ولا يعلم لهذا فائدةٌ غير الترتيب، والآية سيقت لبيان الواجب، فكان الترتيب مشروعًا (¬8). 2 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنه-، أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- توضأ وضوءًا مرتبًا، وقال: "هذا وضوءٌ لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به" (¬9). ¬
[43 - 152] مشروعية الموالاة في الطهارة
• وجه الدلالة: أن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ وضوءًا مرتبًا، ثم قال بأن اللَّه تعالى لا يقبل الصلاة إلا بهذه الكيفية، فكان الترتيب مشروعًا (¬1).Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [43 - 152] مشروعية الموالاة في الطهارة: الموالاة بين الأعضاء في الطهارة مشروع، وحكى ابن هبيرة الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الترتيب والموالاة في الطهارة مشروع، ثم اختلفوا في وجوبها" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم على ما يظهر (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنه-، أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- توضأ على سبيل الموالاة، وقال: "هذا وضوءٌ لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ وضوءًا متواليًا، ثم قال بأن اللَّه تعالى لا يقبل الصلاة إلا بهذه الكيفية، فكانت الموالاة مشروعة (¬8). 2 - أن الأصل في العبادات التوقيف، والنبي عليه الصلاة والسلام توضأ على سبيل الموالاة، فكان الواجب في الوضوء كما توضأ عليه الصلاة والسلام مواليًا بين الأعضاء.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[44 - 153] فعل صلوات متعددة بوضوء واحد جائز
[44 - 153] فعل صلوات متعددة بوضوء واحد جائز: إذا توضأ المسلم، وصلى به صلاة، فإنه يجوز له أن يصلي صلاة أخرى بوضوئه الأول، ولا يجب عليه تجديد الوضوء ما لم يحدث، نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أحمد بن حنبل (204 هـ) حيث يقول فيمن صلى أكثر من خمس صلوات بوضوء واحد: "لا بأس بذلك إذا لم ينتقض وضوؤه، ما ظننت أن أحدًا أنكر هذا". نقله عنه ابن تيمية (¬1). الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "والعمل على هذا عند أهل العلم، أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم يحدث" (¬2). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع أهل العلم على أن لمن تطهر للصلاة أن يصلي ما شاء بطهارته من الصلوات، إلا أن يحدث حدثًا ينقض طهارته" (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وروي عن ابن عباس و. . . أن الآية عني بها حال القيام إلى الصلاة على غير الطهر، وهذا أمر مجتمع عليه، لا خلاف بين الفقهاء فيه، والحمد للَّه" (¬4). وقال بعدها بقليل بعد ذكر الأدلة على المسألة: "وهذا أمر مجمع عليه فسقط القول فيه" (¬5). وقال نحو الكلام السابق في "التمهيد"، ثم قال: "وأجمعت الأمة على أن ذلك جائز" (¬6). ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "الثانية -أي: الفائدة الثانية-: ترك التوضؤ لكل صلاة، أصح الأحاديث المتقدمة والإجماع عليه" (¬7). النووي (676 هـ) حيث يقول: "في هذا الحديث (¬8) أنواع من العلم منها: . . . وجواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث، وهذا جائز بإجماع ¬
من يعتد به" (¬1). ثم ذكر قولًا محكيًّا عن طائفة من أهل العلم بالوجوب، وعلق عليه بقوله: "وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة" (¬2). ونقله عنه ابن حجر (¬3). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "أما الحكم، وهو أن من توضأ لصلاة، صلى بذلك الوضوء صلاة أخرى؛ فهذا قول عامة السلف والخلف، والخلاف في ذلك شاذ" (¬4). وقال أيضًا: "وأما القول بوجوبه؛ فمخالف للسنة المتواترة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولإجماع الصحابة" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عباس، وسعد بن أبي وقاص، وأبو موسى، وجابر -رضي اللَّه عنهم-، وعبيدة السلماني، وأبو العالية، وسعيد بن المسيب، والأسود بن يزيد، والحسن، وإبراهيم النخعي، والسدّي (¬6)، والحنفية (¬7)، والحنابلة في الصحيح من المذهب عندهم (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث بريدة -رضي اللَّه عنه-، قال: "صلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم فتح مكة خمس صلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال له عمر: صنعت شيئًا -يا رسول اللَّه- لم تكن تصنعه، فقال عليه الصلاة والسلام: "عمدا فعلته يا عمر" (¬9). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ترك مداومته على الوضوء لكل صلاة؛ بيانًا للأمة بأنه مستحب، وليس بواجب (¬10). 2 - حديث أنس -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضأ عند كل صلاة، قيل له: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم نحدث" (¬11). ¬
• وجه الدلالة: الحديث فيه بيان أن فعل الصحابة عدم الالتزام بالتجديد، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- موجود، والسكوت عن البيان وقت الحاجة غير جائز، والنبي عليه الصلاة والسلام منزّه عن ذلك؛ فدل على عدم وجوب التجديد، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف البعض في مسألتنا في قولين: القول الأول: وجوب الوضوء لكل صلاة (¬1)، ونُقل عن عُبيد بن عُميْر (¬2)، ونقل ابن حجر حكايةَ ابن عبد البر له عن عكرمة، وابن سيرين (¬3)، وبعد مراجعة كلام ابن عبد البر، وجدته حكى القول عن عمر، وعن عكرمة يروي عن علي، وعن ابن سيرين، ولكن كلامه رحمه اللَّه فيه إشكال، حيث قال ابن عبد البر بعده: "وهذا معناه أن يكون الوضوء على المحدث إذا قام إلى الصلاة واجبًا، وعلى غير المحدث ندبًا وفضلًا" (¬4). حيث حمله على قول الجماهير، ولم أجد من أكّد هذا القول عنهما. وعمر -رضي اللَّه عنه- هو من سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن فعله في الخندق كما سبق، بل روى عنه ابن المنذر ما يوافق الجماهير (¬5). أما علي -رضي اللَّه عنه-؛ فقال ابن تيمية بأنه لم يثبت عنه هذا القول، بل الثابت بخلاف ذلك (¬6). وقد نسبه الطحاوي إلى قومٍ، ثم نسب القول الآخر إلى أكثر العلماء (¬7). وهؤلاء استدلوا بظاهر آية الوضوء؛ إذ فيها تعليق للأمر بالوضوء على القيام للصلاة، فقالوا: يجب الوضوء لكل صلاة. وهنا فائدة؛ فقد نقل البيهقي عن الإمام الشافعي في القديم أنه يرى أن الآية نزلت خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام، بعدما صلى الصلوات بوضوء واحد (¬8). القول الثاني: وهو منسوب للنّخعي بأنه لا يصلي بوضوئه أكثر من خمس صلوات (¬9). وليس له دليل. ¬
[45 - 154] استحباب تجديد الوضوء لكل صلاة
Rأن الإجماع متحقق بعد الاختلاف، وهم على قسمين: الوجوب، والظاهر -واللَّه أعلم- أن الخلاف شاذٌ، واندرس فيما بعد، فلم يعد يُذكر عن أيٍّ من العلماء في القرون التاليةِ لعصر من نُقل عنهم الخلاف، ولم أجد من قال به من أصحاب المذاهب، فالظاهر أن الإجماع قد استقر على عدم الوجوب، كما ذكر ذلك القاضي عياض (¬1)، والنووي، وابن تيمية، وقد سبق كلامهما. أما قول النخعي، فهو قول شاذ، لا دليل عليه، ويقال فيه ما قيل في القول الآخر، واللَّه تعالى أعلم. [45 - 154] استحباب تجديد الوضوء لكل صلاة: إذا أراد المسلم الصلاة، وهو على وضوءٍ سبق أن صلى به صلاة أخرى، فإنه يستحب له أن يجدد وضوءه، وعلى ذلك حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: القاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: "ولكن تجديده -أي الوضوء- لكل صلاة مستحب، وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك، ولم يبق بينهم فيه خلاف" (¬2). أي: لم يبق بينهم من يقول بالوجوب، بل كلهم يقول بالاستحباب. نقله عنه النووي (¬3)، ونقله عن النوويِّ الشوكانيُّ (¬4). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "وتجديده كل صلاة مستحب إجماعًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة في الصحيح من المذهب عندهم (¬9). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "لولا أن أشق ¬
على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، أو مع كل وضوء سواك" (¬1). • وجه الدلالة: فهذا الحديث دليل على أن التجديد مستحب، وأنه غير مأمورٍ به للوجوب، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث أنس -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضأ عند كل صلاة، قيل له: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم نحدث" (¬2). • وجه الدلالة: حيث كان فعل الصحابة عدم الالتزام بالتجديد، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- موجود، والسكوت عن البيان غير جائز، والنبي عليه الصلاة والسلام منزّه عن ذلك؛ فدل على استحباب التجديد، وعدم وجوبه، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف أحمد في رواية عنه، فقال بعدم استحباب التجديد (¬3). ولم يذكروا له دليلًا، وإن كان القول عنه مشهورًا في كتبهم، ولكن قد يقال بأنه أخذه من فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة الخندق، فهو لم يجدد الوضوء، مما يعني النسخ لفعله السابق. وخالف النخعي في قولٍ منسوب إليه بأنه لا يصلي بوضوئه أكثر من خمس صلوات (¬4). وليس له دليل. وخالف أحمد رواية أخرى بأنه لا يداوم على التجديد (¬5)، مما يعني كراهة المداومة، وهذا ينافي الاستحباب المطلق في مسألتنا. وخالف أحمد في قول محكيّ عنه أيضًا بأنه يكره التجديد (¬6). ولم يذكروا لهاتين الروايتين دليلًا، وربما لم يثبت لهم دليل على استحباب التجديد، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[46 - 155] تنشيف الأعضاء بعد الوضوء لا يحرم
Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [46 - 155] تنشيف الأعضاء بعد الوضوء لا يحرم: تنشيف الأعضاء بعد الوضوء غير محرم، وهناك خلاف ظاهر في استحباب التنشيف أو إباحته أو كراهته، ولكن نُقل الإجماع على عدم حرمة التنشيف. • من نقل الإجماع: المحاملي (415 هـ) حيث نقل عنه النووي، فقال: "ونقل المحاملي الإجماع على أنه لا يحرم، وإنما الخلاف في الكراهة، واللَّه أعلم" (¬1). ونحو هذه العبارة نقلها العيني، ويبدو أنه نقلها عن النووي إلا أنه لم يشر (¬2). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "لا خلاف في أنه لا يحرم تنشيف الماء عن الأعضاء، ولا يستحب" (¬3). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول عن تنشيف الأعضاء: "ولا يحرم إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع عثمان بن عفان، والحسن بن علي، وأنس بن مالك، وبشير بن أبي مسعود -رضي اللَّه عنهم-، والحسن البصري، وابن سيرين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، والضحاك، والثوري، وإسحاق (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - حديث قيس بن سعد -رضي اللَّه عنهما-، قال: "أتانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فوضعنا له غسلًا فاغتسل، ثم أتيناه بملحفة وَرْسية (¬8)، فالتحف بها، فكأني أنظر إلى أثر الوَرْس على عكنه" (¬9). ¬
[47 - 156] تنشيف الأعضاء لا يستحب
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى له ملحفة ليتنشف بها ففعل، بدليل آخر الحديث؛ إذ أن قيسًا رأى أثر الورس من الملحفة بعدما تنشف منها عليه الصلاة والسلام (¬1)، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الأصل في الأشياء الحل، ولا دليل ينقل التنشيف عن هذا الأصل، فيكون مباحًا ما دام أنه لم يثبت شيء يدل على التحريم (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- (¬3)، فكان ينهى عن التنشيف. واستُدل له (¬4) بحديث ميمونة: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اغتسل، فأتيته بخرقة، فلم يردها، وجعل ينفض الماء بيده" (¬5). وكرهه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وإبراهيم النخعي، ومجاهد، وابن المسيب، وأبو العالية، وروي القولان عن ابن جبير (¬6). ولكن مجرد الكراهة لا تخالف مسألتنا، إلا أن يُراد بها التحريمية، وهي غير ظاهرة من كلامهم. ووجدت ابن المنذر حكى الخلاف في المسألة ولم يدعِ فيها إجماعًا (¬7)، مع ما قيل من تساهله، وظاهر من الخلاف أنه قديم، ولا يثبت معه إجماع.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [47 - 156] تنشيف الأعضاء لا يستحب: إذا توضأ المسلم، فإن تنشيفه لأعضائه غير مستحب، وحُكي الاتفاق على ذلك. ¬
• من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أنه لا يستحب تنشيف الأعضاء من الوضوء، ثم اختلفوا هل يكره؟ " (¬1). نقل ابن نجيم عن الإمام (¬2) أنه قال: "وقال الإمام: لا خلاف في أنه لا يحرم تنشيف الماء عن الأعضاء، ولا يستحب" (¬3). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول عن تنشيف الأعضاء: "ولا يستحب اتفاقًا" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الاتفاق: حديث ميمونة بنت الحارث -رضي اللَّه عنها- زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، في غسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه: "فأتيته بخرقة فلم يردها، فجعل ينفض الماء بيده" (¬8). • وجه الدلالة: أنه عليه الصلاة والسلام ردّ الخرقة، ولم يردها في الحديث، ففيه دلالة على كراهته عليه الصلاة والسلام للتنشيف، ويصرفه عن التحريم عدم وجود نهي في ذلك، ومجرد الفعل والترك لا يدل إلا على الاستحباب؛ أو الكراهة، فدل الحديث على عدم الاستحباب إن لم يكن الكراهة (¬9)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في وجهٍ عندهم بأنه يستحب (¬10)، ونقله ابن نجيم عن صاحب "منية المصلي" (¬11). ولم أجد لهم دليلًا، لكن هناك أحاديث وردت تدل على هذا، إلا أنها كلها ضعيفة (¬12)، منها: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كانت لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرقة يتنشف بها ¬
[48 - 157] لا إثم بتأخير الوضوء عن الحدث
بعد الوضوء" (¬1).Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [48 - 157] لا إثم بتأخير الوضوء عن الحدث: إذا كان المسلم على حدث أو جنابة، فإنه لا يجب عليه الغسل أو الوضوء حتى يجب عليه الأداء وجوبًا ضيِّقًا، ولا يأثم بذلك. وهنا قيد، وهو: أن لا يكون التأخير إلا مع العزم على الأداء، ولذلك قال ابن مفلح الحنبلي في تأخير الصلاة: "ويأثم من عزم على الترك إجماعًا" (¬2). وقيد آخر، وهو: أن لا يكون التأخير لترددٍ في العزم. • من نقل الإجماع: أبو محمد الجويني (438 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء أنه إذا أجنب، أو أحدث؛ لا يجب عليه الغسل، ولا الوضوء؛ حتى يدخل وقت الصلاة بالفعل أو الزمان" (¬3). نقله عنه النووي (¬4). وبيَّن النووي مراده من هذا الإجماع، حيث قال: "هذا الذي قاله ليس مخالفًا لما سبق -الخلاف في متى يجب الوضوء-؛ لأن مراده لا يكلف بالفعل" (¬5). ومعنى كلام النووي -واللَّه أعلم- أنه لا يجب الوجوب المضيق، بمعنى أنه لا يجب وجوبًا فوريًّا إلا في وقت لا يسع إلا للقيام به، ويبينه كلامه الآتي. النووي (676 هـ) حيث يقول: "فإذا قلنا: يجب -الوضوء- بوجود الحديث، فهو ¬
وجوب موسع إلى القيام إلى الصلاة، ولا يأثم بالتأخير عن الحدث بالإجماع" (¬1). يعني أنه لا يأثم بتأخير الوضوء إلى وسط وقت الصلاة أو آخره المباح. ونقله عنه ابن قاسم دون إشارة (¬2). أبو بكر الحدَّادي العبادي (800 هـ) حيث نقله عنه ابن نجيم، فقال في سياق كلامٍ له: "لما نقله "السراج الوهاج" (¬3)، من أنه لا يأثم بالتأخير عن الحدث بالإجماع" (¬4). أي: بتأخير الوضوء عن الحدث. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جاءه جبريل عليه السلام، فقال له: "قم فصلِّه، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر، فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه المغرب، فقال: قم فصله، فصلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم جاءه العشاء، فقال: قم فصله، فصلى العشاء حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر، فقال: قم فصله، فصلى الفجر حين برق الفجر، أو قال: سطع الفجر، ثم جاءه من الغد للظهر، فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه العصر، فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم جاءه المغرب وقتًا واحدًا لم يزل عنه، ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل، أو قال: ثلث الليل فصلى العشاء، ثم جاءه حين أسفر جدًّا، فقال: قم فصله، فصلى الفجر، ثم قال: ما بين هذين الوقتين وقت" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى بداية الوقت ونهايته، وهو دليل الجواز في ¬
[49 - 158] جواز الوضوء قبل وقت الصلاة
التأخير إلى وقت يسع للصلاة، والوضوء إنما شرع للصلاة، فإذا جاز تأخير الأصل وهو الصلاة جاز الفرع وهو الوضوء، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [49 - 158] جواز الوضوء قبل وقت الصلاة: إذا أراد المسلم أن يتوضأ قبل وقت الصلاة، فإن طهارته صحيحة، وعلى هذا الإجماع. وهذا الحكم يستثنى منه المستحاضة ومن في معناها، فإنه لا إجماع في المسألة، فهي مسألة خلافية مستقلة (¬1). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن من تطهر بالماء، قبل وقت الصلاة أن طهارته كاملة" (¬2). ونقله عنه النووي (¬3). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على جواز الوضوء قبل دخول وقت الصلاة" (¬4). الحطاب (954 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن من توضأ قبل الوقت، واستتر واستقبل، ثم جاء الوقت وهو على هذه الصورة وصلى من غير أن يجدد فعلًا في هذه الثلاثة؛ أجزأته صلاته إجماعًا، واللَّه تعالى أعلم" (¬5). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول عند الاستدلال لمن قال باشتراط دخول الوقت للتيمم: "واستدلوا بقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] ولا قيام قبله -أي للتيمم-، والوضوء خصه الإجماع والسنة" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وابن حزم (¬9). ¬
• مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى لم يقل: إذا قمتم إلى صلاة فرض، ولا إذا دخل وقت صلاة فرض فقمتم إليها، بل قال عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] فعم تعالى ولم يخص، والصلاة تكون فرضًا، وتكون تطوعًا بلا خلاف، ولا يقول قائل بعدم الوضوء قبل وقت صلاة التطوع؛ فوجب عدم التفريق بينهما (¬1). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وراح، فكأنما قدم بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشًا، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" (¬2). • وجه الدلالة: هذا نص جلي على جواز الوضوء للصلاة قبل دخول وقتها؛ لأن الإمام يوم الجمعة لا بد ضرورة من أن يخرج قبل الوقت، أو بعد دخول الوقت، وأي الأمرين كان، فتطهر هذا الرائح من أول النهار؛ كان قبل وقت الجمعة بلا شك (¬3). • الخلاف في المسألة: ذكر ابن حزم (¬4) قولًا بعدم جواز الوضوء قبل الوقت. واستدلوا (¬5) بنفس الآية السابقة، حيث فيها {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] فقيد الغسل للأعضاء بالقيام للصلاة.Rأن الإجماع غير متحقق؛ نظرًا لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[50 - 159] الماء المجزئ في الطهارة غير مقدر
[50 - 159] الماء المجزئ في الطهارة غير مقدر: الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد، فعن سفينة -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد" (¬1). وعن أنس -رضي اللَّه عنه-، أنه عليه الصلاة والسلام: "كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد" (¬2). ولكن هذا التقدير غير ملزم، والماء المجزئ غير مقدر، وعلى هذا حُكي الإجماع، وهذا ما تبينه المسألة. • من نقل الإجماع: ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث نقله عنه النووي (¬3) فقال -بعد ذكر المسألة-: "وممن نقل الإجماع فيه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري" (¬4). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع أهل العلم على أن المد من الماء في الوضوء، والصاع في الاغتسال غيرُ لازم للناس" (¬5). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وجملتها تدل على أن لا توقيت فيما يكفي من الماء، والدليل على ذلك أنهم أجمعوا على أن الماء لا يكال للوضوء ولا للغسل، . . . لا يختلفون أنه لا يكال الماء لوضوء ولا لغسل، لا أعلم فيه خلافًا" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "فأجمعت الأمة على أن ماء الوضوء والغسل، لا يشترط فيه قدر معين، بل إذا استوعب الأعضاء كفاه بأي قدر كان، وممن نقل الإجماع فيه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري" (¬7). ويقول أيضًا: "وأجمع المسلمون على أن الماء الذي يجزئ في الوضوء والغسل غير مقدر، بل يكفي فيه القليل والكثير، إذا وجد شرط الغسل، وهو جريان الماء على الأعضاء" (¬8). ونقله عنه ابن نجيم (¬9). ¬
محمد الخادمي (1176 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا على أن المقدار المجزئ في الوضوء والغسل غير مقدر؛ فيجزئ ما قل أو كثر، حيث وجد جري الماء على جميع الأعضاء" (¬1). ابن عابدين (1252 هـ) حيث يقول: "نقل غير واحد إجماع المسلمين على أن ما يجزئ في الوضوء والغسل؛ غير مقدر بمقدار" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنابلة في المشهور (¬3). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في إناء واحد، يسع ثلاثة أمداد وقريبًا من ذلك" (¬4). 2 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد" (¬5). • وجه الدلالة: من خلال ما سبق من الأحاديث، وما ورد من الأحاديث في مقدمة المسألة، نجد أن مقدار ما كان يتوضأ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ويغتسل اختلف، ولم يداوم عليه الصلاة والسلام على مقدار معين، وفي حديث ميمونة لم يذكر قدرًا محددًا، فدل ذلك على عدم اشتراط مقدار محدد، وإنما الضابط في ذلك هو الكفاية والإسباغ (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف ابن شعبان (¬7)، فقال بأنه لا يجزئ في الوضوء أقل من مد، ولا في الغسل أقل من صاع. وحكاه ابن قدامة رحمه اللَّه قولًا في المسألة (¬8)، واستدل له ورد عليه، وقال هو محكي عن أبي حنيفة (¬9). ¬
[51 - 160] إجزاء الوضوء بالمد
وهو قول عند الحنابلة ذكره في الإنصاف (¬1). ويدل لهذا القول حديث جابر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يجزي من الوضوء المد، ومن الغسل الصاع" (¬2). حيث إن لفظ الإجزاء في الحديث يدل بمفهوم المخالفة على أن ما قل عن ذلك لا يجزئ، والحديث فيه تحديد (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق (¬4)؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [51 - 160] إجزاء الوضوء بالمد: إذا توضأ المسلم بالمد، فإن ذلك مجزئ، ونُفي الخلاف عليه، وهو ما سيتبين من مسألتنا. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ليس في حصول الإجزاء بالمد في الوضوء، والصاع في الغسل خلاف نعلمه" (¬5). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8). • مستند نفي الخلاف: 1 - حديث سفينة -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يغتسل بالصاع، ويتطهر بالمد" (¬9). ¬
[52 - 161] النهي عن الإسراف في الماء عند الطهارة
2 - حديث أنس بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه، قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد" (¬1). • وجه الدلالة: أن الحديث يدل على المسألة بالمطابقة، فالحديث فيه سنة فعلية للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [52 - 161] النهي عن الإسراف في الماء عند الطهارة: الإسراف في الماء عند الوضوء منهي عنه، وعلى ذلك إجماع أهل العلم. • من نقل الإجماع: البخاري (256 هـ) حيث يقول: "كره أهل العلم الإسراف فيه" (¬2). نقله عنه النووي (¬3)، والصنعاني (¬4). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء، ولو كان على شاطئ البحر" (¬5). ونقله عنه الحطاب (¬6). ويقول أيضًا: "اتفق أصحابنا وغيرهم على ذم الإسراف في الماء في الوضوء والغسل" (¬7)، وهذا اتفاق مذهبي ذكرته للاعتضاد. ويقول: "والإسراف مكروه بالاتفاق" (¬8). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء، ولو كان على شاطئ النهر" (¬9). وهي عبارة النووي ولم ينسبها له رحمه اللَّه. ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على النهي عنه في ماء الوضوء والغسل، ولو على شاطئ النهر" (¬10). ¬
[53 - 162] إجزاء الانغماس في الماء للوضوء
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]. • وجه الدلالة: النهي في الآية عن الإسراف، ومنه الإسراف في الماء عند الوضوء. 2 - حديث سفينة -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقتصر على أقل القليل من الماء في وضوئه وغسله، فيتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، مما يدل على كراهته الإسراف، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [53 - 162] إجزاء الانغماس في الماء للوضوء: إذا انغمس المتوضئ في الماء، أو وقع فيه، أو وقف تحت ميزاب؛ فإن ذلك يجزئه عن الوضوء، وحُكي الإجماع على ذلك (¬4). • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "أجمعوا أن الجنب إذا انغمس في النهر، وتدلك فيه للغسل؛ أن ذلك يجزئه، وإن كان لم ينقل الماء بيديه إليه، ولا صبه عليه، وكذلك الوضوء، ولا يلزم نقل الماء إلى العضو" (¬5). ونقله عنه الموّاق (¬6)، والحطاب (¬7)، ويلاحظ أنه قيده بالدَّلْك. النووي (676 هـ) حيث يقول: "الإجماع منعقد على أن من وقع في ماء، أو وقف تحت ميزاب ونوى؛ صح وضوئه وغسله" (¬8). ¬
وقال في موضع آخر: "مذهبنا أن دلك الأعضاء في الغسل، وفي الوضوء سنة ليس بواجب، فلو أفاض الماء عليه فوصل به، ولم يمسه بيديه، أو انغمس في ماء كثير، أو وقف تحت ميزاب، أو تحت المطر ناويًا، فوصل شعره وبشره؛ أجزأه وضوؤه وغسله، وبه قال العلماء كافة إلا مالكًا والمزني، فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء" (¬1). والاستثناء الذي ذكره لا ينقض مسألتنا؛ إذ هو في التفصيلات، واشتراط الدلك. العيني (855 هـ) حيث يقول: "وأما أدلة الإجماع، فإنه لو انغمس في الماء بنية الوضوء أجزأه اتفاقًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية عدا أبا يوسف (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة، ولكن بشرط أن يكون جاريًا؛ أو يتحرك قليلًا في الراكد، ويمسح رأسه، ويغسل قدميه بعده (¬5). • مستند الإجماع: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي ذر -رضي اللَّه عنه-: "فإذا وجدت الماء فأمسّه جلدك" (¬6). • وجه الدلالة: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره بإمساس الماء، ولم يأمره بزيادة، فدل على كفاية إمساس الماء، كما في مسألتنا (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف أبو يوسف، واشترط الصب لإسقاط الفرض (¬8). وهذا القول يخالف صورتي المسألة: الانغماس والوقوع في الماء، ولا تنقض مسألة الوقوف تحت الميزاب. ولم أجدهم يذكرون له دليلًا. واشترط الحنابلة -في قول عندهم- المسح على الرأس، وعدم إجزاء الغَسل عنه، ¬
[54 - 163] وجوب إمرار اليد على أعضاء الوضوء
فإذا لم يمسح؛ فإن وضوءه لا يصح، ولا بد بعده من غسل القدمين؛ ليتمّ الترتيب عندهم (¬1). ويستدل هنا بأن فرض الرأس المسح بنص الآية، فلم يجزِ عنه غيرُه. واشترطوا في قولٍ أن يكون الماء جاريًا؛ حيث إن الغمس غير الغسل، فالجاري فيه نوع غسل. وعندهم قولٌ بإجزاء الماء الراكد؛ بشرط تَحَرُّكِه قليلًا؛ ليقوم مقام الغسل. ولديهم قول آخر باشتراط أن يمكث قدر المدة التى يقضي فيها وضوءه؛ بناء على اشتراط الترتيب (¬2). وخالف ابن حزم، واشترط أن يتمّه مرتبًا، ونقله عن إسحاق، فيخرج رأسه أولًا، ثم يديه، ثم يمسح رأسه، ثم يخرج رجليه (¬3). لأن الانغماس فقط ليس فيه التزام بالترتيب فلا بد من الخروج مرتبًا.Rأن الإجماع في عبارة النووي والعيني غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، وكذلك عبارة ابن رشد؛ لخلاف أبي يوسف، وابن حزم، واللَّه تعالى أعلم. [54 - 163] وجوب إمرار اليد على أعضاء الوضوء: إذا أراد المسلم الوضوء، فإنه يجب عليه أن يمر يده على أعضاء الوضوء عند غسلها، وعلى ذلك حكى ابن بطال الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن بطال (449 هـ) حيث نقل عنه ابن حجر حكايته للإجماع على وجوب إمرار اليد على أعضاء الوضوء عند غسلها (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية في المشهور عنهم (¬5)، والمزني (¬6). ¬
[55 - 164] نية وضوء النافلة تجزئ للفريضة
• مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، حيث قال لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وادلكي جسدك بيدك" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرها بدلك جسدها بيدها، والدلك هو الإمرار وزيادة، والأمر يقتضي الوجوب (¬2). 2 - الأحاديث الواردة (¬3) في وصف وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تذكر أنه يمسح بيديه، وهذا هو الدلك الواجب، ومتابعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في العبادات واجبة، إلا أن يدل دليل على العكس، وهو غير موجود، فدل على وجوب الدلك، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: قال ابن حجر: "وتعقب بأن جميع من لم يوجب الدلك أجازوا غمس اليد في الماء للمتوضئ من غير إمرار فبطل الإجماع" (¬4). فخالف الحنفية (¬5)، والمالكية في قول (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، فقالوا بعدم وجوب إمرار اليد في الوضوء، وهو خطأ بيّن من ابن بطال رحمه اللَّه (¬9).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، بل قول جمهور العلماء على خلاف ما ادعاه ابن بطال رحمه اللَّه، واللَّه تعالى أعلم. [55 - 164] نية وضوء النافلة تجزئ للفريضة: إذا نوى المصلي في وضوئه النافلة، فإن ذلك يجزئه ليصلي به الفرضَ، نُقل نفي الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول معلقًا على قول الماتن: "وإذا توضأ لنافلة صلى فريضة"، قال: "لا أعلم في هذه المسألة خلافًا" (¬10). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية، وهم لا يرون وجوب النية في الوضوء أصلًا، فمن باب أولى هنا (¬11)، والمالكية، ولكن بشرط أن لا ¬
[56 - 165] الحدث لا يرتفع حتى اكتمال الطهارة
تكون النية باستباحة النافلة بعينها دون غيرها، إذ فيها خلاف (¬1)؛ كما وافق الشافعية (¬2)، والحنابلة على الصحيح من المذهب على نفي الخلاف في المسألة (¬3). • مستند نفي الخلاف: مستندهم القياس؛ حيث إن النافلة تفتقر إلى رفع الحدث، ولا تصح إلا بوضوء كالفريضة؛ فكانت نيتهما واحدة، وإذا ارتفع الحدث تحقق شرط الصلاة، وارتفع المانع، فيباح له الفرض والنفل (¬4). • الخلاف في المسألة: هناك خلاف لدى الحنابلة في هذه المسألة، فهناك قول عندهم بأنه لا يجزئ وضوؤه هذا عن الفريضة، وهو قول معروف في المذهب، بل لديهم قول أنه إذا توضأ للفريضة؛ فإنه لا يجزئ للنفل (¬5). ولم أجد لهم دليلًا، ولكن يمكن أن يستدل لهم بأن النية للتعيين والتمييز، ولا بد من تمييز العبادات.Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [56 - 165] الحدث لا يرتفع حتى اكتمال الطهارة: إذا غسل المتوضئ أعضاءً ولم يكمل وضوءه، فإن المنع من الصلاة باقٍ، حتى يُتم وضوءه، وعلى هذا حكى القرافي الإجماع. • من نقل الإجماع: القرافي (684 هـ) حيث يقول: "والقصد إلى رفع الحدث الذي هو السبب محال؛ لاستحالة رفع الواقع، فيتعين أن يكون المنوي هو رفع المنع، وإذا ارتفع المنع ثبتت الإباحة، فيظهر بهذا البيان بطلان القول بأن الحدث يرتفع عن كل عضو على حياله؛ لأن المنع باقٍ بالإجماع حتى تكمل الطهارة" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). ¬
• مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] الآية. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر عند القيام للصلاة بغسل الأعضاء كلها، وإذا لم يتم غسلها كاملة، فإنه لم يتم الامتثال للأمر، ولم يتحقق الوضوء المجيز للصلاة، فلم يرتفع الحدث حتى يتم طهارته، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ويل للأعقاب من النار" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر الوعيد لمن لا يتم الوضوء على العضو كاملًا، فدل على وجوب إتمام الوضوء كاملًا، وأنه لا يتحقق حتى يتم الأعضاء كلها، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الباب السادس: مسائل الإجماع في باب المسح على الخفين
الباب السادس: مسائل الإجماع في باب المسح على الخفين [1 - 166] جواز المسح على الخفين: إذا توضأ المسلم، ثم لبس خفيه، فإنه يجوز له المسح عليهما، إذا أراد الوضوء، ويُكتفى بذلك من خَلع الخف غسل القدمين. • من نقل الإجماع: ابن المبارك (181 هـ) حيث يقول: "ليس في المسح على الخفين اختلاف أنه جائز" (¬1). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن من أكمل طهارته، ثم لبس الخفين وأحدث؛ أن له أن يمسح عليهما" (¬2). وقال: "وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وكل من لقيت منهم؛ على القول به" (¬3). ونقله عنه النووي (¬4)، والعيني (¬5)، وابن قاسم (¬6). القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث يقول: "اتفق أهل العلم ومالك رحمه اللَّه على جواز المسح على الخفين" (¬7). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول عن المسح على الخفين: "فأهل الفقه والأثر لا خلاف بينهم في ذلك، بالحجاز والعراق والشام وسائر البلدان؛ إلا قوما ابتدعوا؛ فأنكروا المسح على الخفين" (¬8). وقال: "لا أعلم أحدًا من الصحابة جاء عنه إنكار المسح على الخفين، من لا يختلف عليه فيه؛ إلا عائشة، وكذلك لا أعلم أحدًا من فقهاء المسلمين روي عنه إنكار ذلك؛ إلا مالكًا، والروايات الصحاح عنه بخلاف ذلك، "مُوَطؤه" يشهد للمسح على الخفين في الحضر والسفر، وعلى ذلك جميع أصحابه وجماعة أهل السنة" (¬9). ونقله ¬
عنه الشوكاني (¬1). البغوي (516 هـ) حيث يقول: "أما المسح على الخفين، فجائز عند عامة أهل العلم، من الصحابة فمن بعدهم" (¬2). محمد السمرقندي (615 هـ) حيث يقول في المسح على الخفين: "وثبوته بالإجماع". نقله عنه ابن عابدين (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على جواز المسح على الخفين في السفر" (¬4). وقال أيضًا: "وأجمعوا على من أكمل طهارته، ثم لبس الخفين، وهو مسافر سفرًا مباحا تقصر في مثله الصلاة، ثم أحدث، فله أن يمسح عليهما" (¬5). والإجماع هنا يصب في المسح عمومًا دون التفصيل. الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "فالمسح على الخفين جائز عند عامة الفقهاء، وعامة الصحابة -رضي اللَّه عنهم-؛ إلا شيئًا قليلًا، رُوي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- أنه لا يجوز" (¬6). وقال أيضًا: "وكذا الصحابة -رضي اللَّه عنهم-؛ أجمعوا على جواز المسح قولًا وفعلًا" (¬7). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "المسح على الخفين جائز عند عامة أهل العلم" (¬8). النووي (676 هـ) حيث يقول: "مذهبنا ومذهب العلماء كافة جواز المسح على الخفين، في الحضر والسفر" (¬9). وعبارة "كافة" من عبارات الإجماع الضعيفة. ونقل بعد ذلك اتفاق الصحابة على الجواز (¬10). وقال أيضًا: "وأجمع من يعتد به في الإجماع، على جواز المسح على الخفين، في ¬
السفر والحضر؛ سواء كان لحاجة أو لغيرها، حتى يجوز للمرأة الملازِمة بيتها، والزَّمِن الذي لا يمشي، وإنما أنكرته الشيعة والخوارج، ولا يعتد بخلافهم" (¬1). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وكذلك اتفق الفقهاء على أن من توضأ وضوءًا كاملًا، ثم لبس الخفين؛ جاز له المسح بلا نزاع" (¬2). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وقد ذكر في الباب الأول أن المسح على الخفين مجمع عليه بين الصحابة" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع عمر، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عباس، وحذيفة بن اليمان، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو موسى الأشعري، وعمار بن ياسر، وجابر بن عبد اللَّه، وعمرو بن العاص، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد، وأبو مسعود الأنصاري، والمغيرة بن شعبة، والبراء بن عازب، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن سمرة، وأبو أمامة الباهلي؛ وأبو زيد الأنصاري، وسلمان، وبريدة، وعمرو بن أمية، ويعلى بن مرة، وعبادة بن الصامت، وأسامة بن شريك، وأسامة بن زيد، وصفوان بن عسال، وأبو هريرة، وعوف بن مالك، وابن عمر، وأبو بكرة، وبلال، وخزيمة بن ثابت (¬4)، والمشهور عند المالكية (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه-، قال: كنت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: "دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين" فمسح عليهما (¬7). 2 - حديث حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنهما-، قال: "كنت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فبال، وتوضأ، ومسح على خفيه" (¬8). ¬
3 - حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، قال: "جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم" يعني: في المسح على الخفين (¬1). • وجه الدلالة: في الأولين من فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي سنة فعلية. أما الثالث؛ ففيه ذكر أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للماسح أن يعمل به يوما وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، فيدل على مشروعيته (¬2)، وهو بالمناسبة من رواية علي رضي اللَّه تعالى عنه، خلافا لما رُوي من إنكاره للمسح على الخفين. • الخلاف في المسألة: رُوي الخلاف عن عائشة، وعلي، وابن عباس، وأبي هريرة، ومجاهد، وسعيد بن جبير (¬3)، ورُوي عن أهل البيت (¬4)، وخالف الشيعة والخوارج أيضًا، فقالوا: لا يجوز، وحكي عن أبي بكر بن داود (¬5). ولكن ذكر ابن المبارك، أن كل من روي عنه أنه كره المسح على الخفين؛ رُوي عنه خلاف ذلك (¬6). ورُوي ذلك عن مالك، ولكن أنكر صحتَها عنه أكثرُ القائلين بقوله (¬7). واحتجوا بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. فقراءة النصب تقتضي وجوب غسل الرجلين مطلقا؛ لأنه جعل الأرجل معطوفةً على الوجه واليدين، إذ حكمها الغسل، فكذا الأرجل.Rأن الإجماع غير متحقق في زمن الصحابة (¬8)؛ لوجود المخالف في المسألة من بينهم -وإن أنكر صحةَ السند إليهم بعضُ العلماء- وذلك لشهرة الخلاف في المسألة، ومالك رحمه اللَّه أنكر المسح على الخفين في بداية الأمر؛ لما رأى عمل أهل ¬
[2 - 167] اشتراط لبس الخفين على طهارة
المدينة على ذلك، مما يدل على شهرة الخلاف في المسألة (¬1)، ولكن استقر الإجماع بعد ذلك بين الفقهاء على القول بالمسح على الخفين، فلم يُذكر الخلاف بين الفقهاء بعد ذلك، لتواتر النقل عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا ما روي عن مالك، وقد أنكر صحةَ الرواية عنه أكثرُ أصحابه، ولم يعملوا بها (¬2)، فالإجماع في هذه المسألة من قبيل الإجماع بعد الخلاف، وهي مسألة أصولية معروفة، سبقت الإشارة لها عدة مرات، وهو حجة على الصحيح، خاصة مع ورود النصوص المتواترة في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [2 - 167] اشتراط لبس الخفين على طهارة: إذا أراد المسلم الوضوء والمسح على الخفين، فإنه يشترط لذلك أن يكون قد أدخل الخفين على طهارة (¬3). • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يمسح على الخفين إلا من لبسهما على طهارة" (¬4). ونقله عنه القرافي بغير لفظه (¬5). البغوي (516 هـ) حيث يقول: "وفيه (¬6) دليل على أن المسح على الخفين إنما يجوز إذا لبسهما على كمال الطهارة، وهذا قول عامة أهل العلم" (¬7). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ولو لبس خفيه وهو محدث، ثم أحدث قبل أن يتم الوضوء، ثم أتم، لا يجوز المسح بالإجماع" (¬8). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وأما شرط المسح على الخفين؛ فهو أن تكون الرجلان طاهرتين بطهر الوضوء، وذلك شيء مجمع عليه إلا خلافًا شاذًّا، وقد روي عن ¬
ابن القاسم عن مالك" (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "لا نعلم في اشتراط تقدم الطهارة لجواز المسح خلافًا" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول في نقاش له: "وجواب آخر وهو: أن المسح رخصة، واتفقوا على اشتراط الطهارة له" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). ابن الهمام (861 هـ) حيث يقول: "وإنما يُمسح على خف رجل لا حدث فيها إجماعًا" (¬5). ونقل ابن نجيم عبارته دون أن يشير (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: حديث المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه-، قال: كنت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين" فمسح عليهما (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رخص في هذا الحديث بالمسح على الخفين، وعلق تركه للأصل بأنه أدخلهما طاهرتين، فلا يجوز غيره إلا بدليل، ولا دليل على جواز المسح دون الطهارة قبله (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة مالك في روايةٍ عنه (¬10)، وروي عن داود (¬11)، فقالوا: الطهارة ليست بشرط في المسح. قالوا: المقصود في الحديث الطهارة من النجاسة (¬12)، أو الطهارة اللغوية (¬13). ولكن الرواية عن مالك رواية شذذها ابن رشد، ولم أجدها عند غيره.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، وهو قول روي ¬
[3 - 168] المسح على الخفين جائز في السفر
عن عالمين من مذهبين مختلفين، مما يضعف دعوى الإجماع أكثر، واللَّه تعالى أعلم. [3 - 168] المسح على الخفين جائز في السفر: إذا كان المسلم في سفر، وأراد الوضوء وهو لابسٌ خفيه، فإنه يجوز له المسح على الخفين. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على جواز المسح على الخفين في السفر" (¬1). وقال أيضًا: "وأجمعوا على من أكمل طهارته، ثم لبس الخفين، وهو مسافر سفرًا مباحًا تقصر في مثله الصلاة، ثم أحدث، فله أن يمسح عليهما" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "مذهبنا ومذهب العلماء كافة جواز المسح على الخفين، في الحضر والسفر" (¬3). وقال أيضًا: "وأجمع من يعتد به في الإجماع، على جواز المسح على الخفين، في السفر والحضر؛ سواء كان لحاجة أو لغيرها، حتى يجوز للمرأة الملازِمة بيتها، والزَّمِن الذي لا يمشي، وإنما أنكرته الشيعة والخوارج، ولا يعتد بخلافهم" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: 1 - حديث صفوان بن عسال -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم" (¬8). • وجه الدلالة: الحديث يدل على مسألتنا بالمطابقة، فقد روى صفوان -رضي اللَّه عنه- أن ¬
[4 - 169] المسح على الخفين مأخوذ من الأثر
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأمرهم بأن لا ينزعوا خفافهم في السفر ثلاثة أيام ولياليهن، مما يدل على استحباب المسح على الخفين، وهو جواز وزيادة، واللَّه تعالى أعلم (¬1). 2 - حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، قال: "جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم" يعني: في المسح على الخفين (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حدد للمسافر إذا مسح خفيه ثلاثة أيام ولياليهن، مما يدل على جواز المسح للمسافر تضمنًا، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة من خالف في مسألة جواز المسح على الخفين ابتداءً، وما قيل هناك يقال هنا.Rأن الإجماع بعد الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة بعد الاختلاف قبلُ، واللَّه تعالى أعلم. [4 - 169] المسح على الخفين مأخوذ من الأثر: بعد أن تم بحث مسألة الإجماع على شرعية المسح على الخفين، فقد حكي الإجماع على أن المسح على الخفين مأخوذ من طريق الأثر، وليس من القياس. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "أجمعوا على أن المسح على الخفين مأخوذ من طريق الأثر، لا من طريق القياس" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: 1 - حديث علي -رضي اللَّه عنه-، قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمسح على ظاهر الخفين" (¬8). ¬
[5 - 170] المسح على الخفين غير واجب
• وجه الدلالة: أن عليًّا -رضي اللَّه عنه- نص على أن الدين ليس بالرأي، والمقصود هنا القياس، بمعنى أن العبادات لا يدخلها القياس، ولذا استدل بهذا الحديث منكرو القياس (¬1)، ثم قال بأنه رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يمسح على الظاهر، وهذا استدلال منه على قوله الأول بأنه رَأَى، والواجب حينئذ الاتباع، مع أن القياس يقول بأن الباطن أولى بالمسح، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أننا لو قلنا بأنه من طريق القياس لوجب القول بالمسح على القفازين، وعلى كل ما غيب الذراعين، من غير علة ولا ضرورة، فدل على أن المسح على الخفين خصوص لا يقاس عليه ما كان في معناه (¬2).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [5 - 170] المسح على الخفين غير واجب: إذا أراد إنسان أن يتوضأ، وهو لابسٌ خفيه، فلا يجب عليه أن يمسح عليهما في وضوءه (¬3). • من نقل الإجماع: الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "وظاهر قوله: (يأمرنا) (¬4) للوجوب، ولكن الإجماع صرفه عن ظاهره؛ فبقي للإباحة وللندب" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وابن حزم (¬10). • مستند الإجماع: غسل الرجلين ركن من أركان الوضوء، والواجب فيهما الغسل، ولكن رُخص للتيسير في المسح على الخفين، وليس أمامَنا إلا أمران؛ إما الغسل وهو الأصل، أو المسح وهو الرخصة، فإذا أوجبنا المسح فهو مقابل الأصل، ولا يمكن أن ¬
[6 - 171] المسح مرة واحدة مجزئ
يكون البدل أقوى من المبدل منه (الأصل)، وبهذا لا يقال بالوجوب. حتى من قال: إن المسح عزيمة، فيقال له: إنها عزيمة في مقابل واجب، فلا يمكن أن يقال بوجوب المسح عليه، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [6 - 171] المسح مرة واحدة مجزئ: إذا مسح المتوضئ على خفيه مرة واحدة، فإن ذلك مجزئ. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن المسح على الخفين مرة واحدة مجزئ" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). هذه المسألة لم يفردها العلماء بالكلام في كتبهم -فيما وقفت عليه- بل هي تابعة لما ذكروه في إجزاء الغسلة الواحدة في الوضوء، فالمسح قائم مقام غسل الرجل، وهي عضو من أعضاء الوضوء، وقد سبق بيان المسألة بعنوان: (إجزاء الغسلة الواحدة إذا عمت)، ولذا لن أكرر بحث المسألة هنا. [7 - 172] استيعاب الخف بالمسح لا يجب: إذا أراد المتوضئ أن يمسح على خفيه، فإنه لا يجب عليه استيعاب الخف بالمسح. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول عن استيعاب الخف بالمسح: "الإجماع على أنه لا يجب" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، وابن مسلمة، وجماعة من المالكية (¬5)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: أن لفظ المسح على الخفين ورد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مطلقًا، وفسره عليه الصلاة والسلام بفعله، حيث ورد أنه مسح على الخفين دون أن يُحدّد تحديد ¬
[8 - 173] المسح إلى الكعبين غير واجب
محدد، فيجب الرجوع إلى تفسيره، فكل ما يصح أن يقال فيه أنه مَسَحَ خفيه فهو مجزئ (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في الظاهر من المذهب (¬2)، وهو وجه عند الحنابلة (¬3)، فقالوا: يجب استيعاب الخف بالمسح. واحتجوا بأنه مسحٌ أُبدل عن غسل؛ فكان حكمه في الاستيعاب كالجبيرة (¬4).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [8 - 173] المسح إلى الكعبين غير واجب: إذا أراد المتوضئ المسح على الخفين، فإنه لا يجب عليه المسح إلى الكعبين، وحكى العيني، وابن نجيم على هذا الإجماع. • من نقل الإجماع: العيني (855 هـ) حيث يقول: "المسح إلى الكعبين غير واجب إجماعًا" (¬5). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "وقال الجمهور: لم يثبت بالكتاب، وهو الصحيح بدليل قوله: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ}؛ لأن المسح غير مقدر بهذا بالإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وابن حزم (¬10). • مستند الإجماع: 1 - حديث حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنهما-، قال: "كنت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فبال، وتوضأ، ومسح على خفيه" (¬11). 2 - حديث علي -رضي اللَّه عنه-، قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح ¬
[9 - 174] عدم إجزاء مسح أسفل الخف
من أعلاه، وقد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمسح على ظاهر الخفين" (¬1). • وجه الدلالة: في الحديث الأول: ذكر أنه عليه الصلاة والسلام مسح على خفيه، ولم يقل أنه مسح على الكعبين، ولو كان واجبًا لبينه عليه الصلاة والسلام. وفي الحديث الثاني: ذكر علي -رضي اللَّه عنه- أنه رأى مسح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنه مسح على ظاهر الخفين، ولم يذكر الكعبين، وكذا كل ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام لم يرد فيه أنه مسح كعبيه في المسح على الخفين، مما يدل على أن المسح عليهما غير واجب، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [9 - 174] عدم إجزاء مسح أسفل الخف: إذا مسح المتوضئُ الذي يريد المسح على خفيه أسفلَ الخف، واكتفى بذلك، فإن فعله هذا غير مجزئ. • من نقل الإجماع: ابن سريج (306 هـ) حيث يقول عن مسح أسفل الخف: "لا يجزئ ذلك بإجماع العلماء". نقله عنه النووي (¬2). إبراهيم بن جابر (310 هـ) فقد نقل عنه الكاساني حكايته الإجماعَ على أن الاقتصار على أسفل الخف لا يجوز (¬3). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "لا أعلم أحدًا يرى أن مسح أسفل الخف وحده يجزئ من المسح" (¬4). نقله عنه ابن قدامة (¬5)، وابن قاسم (¬6). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وإنْ مَسَحَ أسفله دون أعلاه؛ لم يُجْزِهِ، لا نعلم أحَدا قال: يجزئه مسح أسفل الخف، إلا أشهب من أصحاب مالك، وبعض أصحاب الشافعي" (¬7). ¬
[10 - 175] المسح مختص بما حاذى ظاهر القدمين
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية على المشهور من المذهب (¬1)، وقول عند الشافعية (¬2)، وابن حزم (¬3). • مستند الإجماع: حديث علي -رضي اللَّه عنه-، قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمسح على ظاهر الخفين" (¬4). • وجه الدلالة: أن عليًّا -رضي اللَّه عنه- ينقل عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه رآه يمسح ظاهر الخف، والوضوء فعل تعبدي تجب المتابعة فيه، وأكد ذلك بقوله أن الدين ليس بالرأي، فإذا مسح غير محل الفرض، لم يجزئ مسحه كالساق، وقد ذكرنا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما مسح ظاهر الخف (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة أشهب من المالكية (¬6)، وهو قول عند الشافعية، وقول أبي إسحاق المروزي (¬7)، فقالوا: بأن مسح أسفل الخف مجزئ. واحتجوا بأنه إذا كان أسفل الخف عندنا محلًّا للفرض؛ جاز الاقتصار عليه في المسح إذًا (¬8).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [10 - 175] المسح مختص بما حاذى ظاهر القدمين: إذا أراد المسلم أن يمسح على خفيه، فإنه يمسح على ما حاذى ظاهر قدميه، وقد حُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن المسح يختص بما حاذى ظاهر القدمين" (¬9). ونقله عنه ابن قاسم (¬10). ¬
[11 - 176] المقيم يمسح مسح مسافر إذا لم يمسح حتى سافر
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬1)، والمالكية على المشهور من المذهب (¬2)، وقول عند الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: حديث علي -رضي اللَّه عنه-، قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمسح على ظاهر الخفين" (¬6). • وجه الدلالة: أن عليًّا -رضي اللَّه عنه- وصف ما رأى من مسح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لخفيه، وأنه مسح ظاهرهما، وأكد على ذلك بالتعجب الذي ذكره بأن الدين ليس بالرأي، وإلا لكان مسح الباطن أولى من الظاهر، مما يفيد أن الباطن لا يمسح، فصار المسح لظاهر القدمين وما حاذاهما، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة من خالف في مسألة: (عدم إجزاء مسح أسفل الخف) وهم: أشهب من المالكية (¬7)، وهو قول عند الشافعية، وقول أبي إسحاق المروزي (¬8)، حيث قالوا: بإجزاء مسح أسفل الخف عن ظاهره، فلا يكون المسح مختصًّا بما حاذى ظاهر القدمين بذلك (¬9).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [11 - 176] المقيم يمسح مسح مسافر إذا لم يمسح حتى سافر: إذا نوى المسلم السفر، وقد لبس الخفين على طهارة، ثم سافر قبل أن يمسح، فإنه يمسح مسح مسافر، سواء أحدث مقيمًا أو لا، وحكى الإجماع على ذلك عدد من العلماء. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "فإن سافر قبل الحدث، أو بعد الحدث، قبل المسح، تحولت مدته إلى مدة السفر من وقت الحدث (¬10) ¬
بالإجماع" (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "لا نعلم بين أهل العلم خلافًا، في أن من لم يمسح حتى سافر؛ أنه يُتم مسْحَ المسافر" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول عن مريد المسح: "لَبَس وأحدث في الحضر، ثم سافر قبل خروج وقت الصلاة؛ فيمسح مسح مسافر أيضًا، عندنا وعند جميع العلماء، إلا ما حكاه أصحابنا عن المزني أنه مسح مقيم" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). • مستند الإجماع: حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، قال: "جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم" يعني: في المسح على الخفين (¬5). • وجه الدلالة: أن الحديث نصَّ على أن المسافر يمسح ثلاث ليالٍ، وهو في مسألتنا حال ابتدائه بالمسح كان مسافرًا؛ فيأخذ حكم المسافر في المدة (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف مالك (¬7) في التوقيت، فقال: لا توقيت للمسح مطلقًا، ولا فرق بين المسافر وغيره. وروي عن عمر، وعقبة بن عامر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي سلمة، والحسن، وعروة بن الزبير (¬8). ووجهه أنها طهارة؛ فلم تُوقت بوقت معين، كغسل الرجلين (¬9). وخالف في المسألة المزني من الشافعية (¬10)، وأحمد في رواية عنه (¬11)، فقال: يمسح مسح مقيم. وأنكر هذا القولَ عن المزنيِّ بعضُ الشافعية (¬12). وهناك قول آخر للحنابلة؛ بأنه إن مضى وقت صلاة، ثم سافر؛ أتم مسح ¬
[12 - 177] المقيم إذا سافر قبل الحدث فيمسح مسح مسافر
مقيم (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [12 - 177] المقيم إذا سافر قبل الحدث فيمسح مسح مسافر: إذا سافر المتوضئ، ولم يحدث حتى سافر، فإنه يمسح مسح مسافر بالإجماع. والفرق ظاهر بين هذه المسألة ومسألة: (المقيم يمسح مسح مسافر إذا لم يمسح حتى سافر)، حيث في مسألتنا زيادة قيد السفر وهو طاهر. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "لبس الخف في الحضر، وسافر قبل الحدث؛ فيمسح مسح مسافر بالإجماع" (¬2). ونقل نحو هذه العبارة العيني، دون أن يشير (¬3). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول عن من سافر قبل انتقاض وضوئه: "ولا خلاف في أن مدته تتحول إلى مدة المسافر" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، قال: "جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم" يعني: في المسح على الخفين (¬6). • وجه الدلالة: أن الحديث ينص على أن المسافر يمسح ثلاثة أيام، وهذا لم يمسح إلا مسافرًا، فيأخذ حكم المسافر لعموم الحديث، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: سبق ذكر خلاف مالك في التوقيت، وأنه لا توقيت للمسح عنده (¬7).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، حيث إن مالكًا يخالف في أصل المسألة، وهو الإلزام بالتوقيت، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[13 - 178] المسافر إذا أقام يمسح مسح مقيم
[13 - 178] المسافر إذا أقام يمسح مسح مقيم: إذا مسح المسافر على خفيه، ثم أقام، فإنه يتم مسحه مسح مقيمٍ، بألا يتجاوز يومًا وليلة. • من نقل الإجماع: أبو العباس بن سريج (306 هـ) حيث يقول معلقًا على قول المزني (¬1) بقوله: "إن كان المزني يذهب إلى أن القياس هذا، ولكن ترك للإجماع أو غيره؛ فليس بيننا وبينه كبير خلاف، وإن كان يذهب إلى أنه يحكم بهذا؛ فهو خلاف الإجماع". نقله عنه النووي، ثم قال: "وهذا الذي قاله ابن سريج تصريح بانعقاد الإجماع على خلاف قول المزني" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وإذا مسح مسافر أقل من يوم وليلة، ثم أقام أو قدم؛ أتم على مسح مقيم وخلع، وإذا مسح مسافر يومًا وليلة فصاعدًا، ثم أقام أو قدم خلع، وهذا قول الشافعي، وأصحاب الرأي، ولا أعلم فيه مخالفًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، وقول عن مالك (¬5). • مستند الإجماع: 1 - حديث صفوان بن عسال -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" (¬6). 2 - حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، قال: "جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم" (¬7)، يعني: في المسح على الخفين. • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقَّت للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة، وهذا المسافر صار مقيما، فلم يجز له أن يمسح مسح المسافر. 3 - أن المسح عبادة يختلف حكمها بالحضر والسفر، فإذا ابتدأها في السفر، ثم حضر في أثنائها، غُلّب حكم الحضر، كالصلاة (¬8). • الخلاف في المسألة: خالف مالك في قول عنه، بعدم المسح في الحضر أصلًا (¬9). ¬
واستُدل له بأن رواية المسح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما كانت في السفر (¬1). وخالف أيضًا في قولٍ ثانٍ عنه، بأنه لا توقيت للمسح (¬2)، ولكن أنكر صحة هذا القول عنه بعض أصحابه (¬3). ووجهه أنها طهارة فلم تتوقت بوقت معين، كغسل الرجلين (¬4). وخالف في هذه المسألة المزني (¬5)، وقال: بأنه إذا مسح يومًا وليلة؛ يمسح ثلث يومين وليلتين، وهو ثلثا يوم وليلة. واحتج لقوله بأنه "لو مسح ثم أقام في الحال؛ مسح ثلث ما بقي، وهو يوم وليلة، فإذا بقي له يومان وليلتان وجب أن يمسح ثلثهما" (¬6). ومعنى استدلاله؛ أن الماسح ليوم وليلة وهو مسافر، لم يستكمل من رخصته إلا الثلث، وبقي له الثلثان، فيأخذ ثلث اليومين اللذين قد استحقهما من قبل ولم يستكملهما، فيكون حقه ثلثا يوم وليلة، واللَّه تعالى أعلم. وخالف بعض الحنابلة، فقالوا: يتم مسح مسافر؛ إن كان مسح مسافرًا فوق يوم وليلة، وشذذه بعضهم (¬7). وخالف ابن حزم بقولٍ خامس (¬8)، وقال: "إن مسح في سفر، ثم أقام أو دخل موضعه؛ ابتدأ مسح يوم وليلة؛ إن كان قد مسح في السفر يومين وليلتين فأقل، ثم لا يحل له المسح، فإن كان مسح في سفره أقل من ثلاثة أيام بلياليها وأكثر من يومين وليلتين؛ مسح باقي اليوم الثالث وليلته فقط، ثم لا يحل له المسح، فإن كان قد أتم في السفر مسح ثلاثة أيام بلياليها؛ خلع ولا بد، ولا يحل له المسح حتى يغسل رجليه" (¬9). واستدل بأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يبح المسح إلا ثلاثة أيام للمسافر بلياليها، ويومًا وليلة للمقيم، فصح أنه لم يبح لأحد أن يمسح أكثر من ثلاثة أيام بلياليها، لا مقيمًا ولا مسافرًا، وإنما نهى عن ابتداء المسح، لا عن الصلاة بالمسح المتقدم (¬10)، فالعبرة ¬
[14 - 179] المسح على الخف المخروق لا يجزئ
عنده بابتداء المسح، وعدم تجاوز ثلاثة أيام. وخالف بعض الظاهرية في قول سادس (¬1)، وقالوا: "إذا مسح في سفره أقل من ثلاثة أيام بلياليها وقدم؛ استأنف مسح يوم وليلة، فإن لم يزد على ذلك حتى سافر؛ استأنف ثلاثة أيام بلياليها" (¬2). واحتج هؤلاء بظاهر لفظ الخبر في ذلك (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [14 - 179] المسح على الخف المخروق لا يجزئ: إذا مسح المتوضئ على الخف، وكان هذا الخف مخروقًا خرقًا كبيرًا، فإن المسح عليه غير جائز. وقد قيد الطحاوي هذا الخرق بأن القدمين باديان أو أكثرهما، مما يعني أن الخرق كبير. • من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: "ولم يكن فيه حجة (¬4) في جواز المسح على النعلين، التمسنا ذلك من طريق النظر، لنعلم كيف حكمه؟ فرأينا الخفين اللذين قد جوز المسح عليهما إذا تخرقا، حتى بدت القدمان منهما أو أكثر القدمين، فكلٌ قد أجمع أنه لا يمسح عليهما" (¬5). ونقله عنه ابن حجر (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: أن الواجب الذي دلت عليه النصوص في القدمين هو الغسل، ولكن أتى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رخصة بالمسح على الخفين، فالمسح بدل عن الغسل، ¬
[15 - 180] المسح على الخف المقطوع لا يجزئ
والغسل لا يكون إلا شاملا لمحل الفرض، فكان لا بد أن يكون البدل في حكم المبدل، فيكون شاملًا لمحل الفرض، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: نقل ابن حجر عن الطحاوي الإجماع، ثم قال: "لكنه منازع في نقل الإجماع المذكور" (¬1)، ولم يذكر تفصيلًا في المسألة. وخالف ابن حزم في المسألة (¬2)، فقال بجواز المسح على ما يطلق عليه خف، حتى لو كان مخرقًا. واحتج بأن النص يشمل كل ما يطلق عليه خف، ولا دليل على إخراج الخف المخروق من الرخصة الواردة.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [15 - 180] المسح على الخف المقطوع لا يجزئ: الخف المقطوع هنا: هو الخف القصير الساق، الذي لا يستر محل الفرض (¬3). فإذا مسح المتوضئ على خفٍ مقطوع، فإن هذا المسح لا يجوز باتفاق المسلمين. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول عن الخف المقطوع: "لأن المقطوع يصير كالنعلين، فإنه ليس بخف، ولهذا لا يجوز المسح عليه باتفاق المسلمين، فلم يدخل في إذنه في المسح على الخفين" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية على الأظهر، فقد قالوا: بأن القطع الكبير يمنع المسح، حتى لو كان من جهة العقب، وقد اختلفوا في تقدير المتجاوز عنه، إلا أن ذلك ليس من مسألتنا (¬6)، والمالكية في المشهور عنهم (¬7)، والشافعية (¬8). • مستند الاتفاق: 1 - أن المسح على الخفين بدل عن الغسل، والبدل يأخذ حكم ¬
المبدل، فكان لا بد من أن يكون الخف ساترًا لمحل الفرض، واللَّه تعالى أعلم. 2 - والغسل إنما يكون مجزئا عندما يكون شاملًا لمحل الفرض، وإذا كان الخف غير شامل لمحل الفرض، لا يكون ممسوحا على خفٍّ ساتر لمحل الفرض، فكان لا بد إما من الترك للباقي، أو غسل الظاهر مع مسح الخف المقطوع، وهذا الجمع غير جائز؛ لأنه زيادة على المشروع، فأصبح بدعة، مما يدل على وجوب أن يكون الخف ساترًا لمحل الفرض، واللَّه تعالى أعلم. 3 - أن الخف المقطوع لا يستر محل الفرض، فكان حكمه حكم النعلين (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف الأوزاعي (¬2)، وابن حزم (¬3) في الخف المقطوع، بأنه يجوز المسح عليه. وروي عن مالك أنه أجاز المسح على الخف المقطوع، واشترط مسح الظاهر من محل الفرض، إلا أن بعض أصحابه أنكر هذه الرواية عنه، وقال: إنما هي للأوزاعي (¬4). واحتجوا بأنه خف يمكن متابعة المشي فيه؛ فأشبه الساتر (¬5). والعجيب أنني وجدت أن ابن تيمية نفسه يخالف الإجماع، ويقول بجواز المسح على الخف المقطوع (¬6). رُوي عن علي -رضي اللَّه عنه- (¬7)، أنه يقول بجواز المسح على النعلين. واحتج بحديث المغيرة بن شعبة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "توضأ ومسح على الجوربين والنعلين" (¬8). ¬
[16 - 181] من توضأ إلا القدمين فأدخل المغسولة الخف ثم الأخرى فهو طاهر
ومن أجاز المسح على النعلين فمن باب أولى الخف المقطوعة، ولكن نقل ابن حجر تضعيف هذه الرواية من عدد من الأئمة (¬1). ثم نقل قولًا بعده بأنه إنما يجوز على النعلين إذا لبسهما على الجوربين، ويمسح عليهما (¬2).Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [16 - 181] من توضأ إلا القدمين فأدخل المغسولة الخف ثم الأخرى فهو طاهر: إذا توضأ المسلم إلا أحد رجليه، ثم أدخل الرجل المغسولة الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف، فإنه يكون طاهرًا. ولا يعني هذا أن هذا الإجماع على صحة المسح عليهما فيما بعد، إذ في هذه المسألة خلاف (¬3)، بل هو في صحة الطهارة فقط، كما هو ظاهر من عبارة ابن المنذر الآتية (¬4). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه إذا توضأ إلا غسل إحدى رجليه، فأدخل المغسولة الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف؛ أنه طاهر" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وابن حزم (¬10). • مستند الإجماع: أن من توضأ وأدخل الخف في إحدى قدميه قبل غسل الأخرى فقد أتى بطهارة كاملة مرتبة، ولم يأت بما ينقضها، فوجب أن تكون صحيحة، واللَّه ¬
[17 - 182] من لبس الخف في إحدى قدميه قبل تمام الطهارة فنزعه بعدها جاز له المسح
تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [17 - 182] من لبس الخف في إحدى قدميه قبل تمام الطهارة فنزعه بعدها جاز له المسح: إذا توضأ المسلم إلا إحدى قدميه، ثم لبس الخف فيها، ثم غسل الأخرى، ثم نزع الخف من الأولى، ولبسه بعد مرة ثانية بعد تمام وضوئه، فإنه يجوز له المسح. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول عن صورة مسألتنا: "وقد أجمعوا أنه لو نزع الخف الأول بعد لبسه؛ جاز له المسح" (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وكلهم أجمعوا أنه لو نزع الخف الأول، بعد غسل الرجل الثانية، ثم لبسها؛ جاز له المسح" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: أن المتوضئ إذا نزع الخف من قدمه التي قد غسلها، وغسل الأخرى، فقد أتم وضوءه، ومن ثم فقد لبس الخفين على طهارة، واستكمل شروط المسح؛ فيجوز له المسح إذًا، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [18 - 183] لا يُمسح على الخفين الفوقيَّيْن الملبوسين بعد الحدث: إذا لبس المتوضئ الخفين على طهارة، ثم أحدث، ثم لبس خفين آخرين فوقهما، فإنه لا يجوز له المسح عليهما بلا خلاف. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "إذا لبس خفين، ثم ¬
[19 - 184] المسح خاص بالطهارة الصغرى
أحدث، ثم لبس فوقهما خفين أو جرموقين (¬1)، لم يجز المسح عليهما بغير خلاف" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في المسألة الحنفية (¬3)، والمالكية في قول (¬4)، والشافعية على المذهب عندهم (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن من لبس الخفين الفوقيين بعد الحدث، لم يحقق شرط المسح على الخفين، وهو أن يلبسهما على طهارة؛ فلم يجز له المسح عليهما (¬6). 2 - أن ابتداء مدة المسح من وقت الحدث -هذا على قولٍ للعلماء-، وقد انعقد في الخف الأول؛ فلا يتحول إلى الخف الثاني بعد ذلك (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قولٍ عندهم (¬8)، والشافعية في وجهٍ عندهم (¬9)، فقالوا: يجوز المسح عليهما. وضعّف النووي هذا الوجه عندهم (¬10). قالوا: كما لو لبس الخف على طهارة، ثم أحدث، ثم رقع فيه رقعة (¬11). ويأتي هنا الخلاف المروي عن داود ورواية عن مالك، بعدم اشتراط الطهارة للمسح من باب أولى.Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [19 - 184] المسح خاص بالطهارة الصغرى: المسح على الخفين خاص بالطهارة من الحدث الأصغر فقط، ولا يجوز في ¬
الطهارة من الحدث الأكبر بالإجماع. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول في مَعْرِض شرحٍ له: "يعني: الحدث الأصغر؛ فإن جواز المسح مختص به، ولا يجزئ المسح في جنابة، ولا غسل واجب، ولا مستحب، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "لا يجزئ المسح على الخف في غسل الجنابة، نص عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب وغيرهم، ولا أعلم فيه خلافًا لأحد من العلماء" (¬2). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "المسح على الخفين خاص بالوضوء، لا مدخل للغسل فيه بإجماع" (¬3). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "وفيه (¬4) دلالة على اختصاصه بالوضوء دون الغسل، وهو مجمع عليه" (¬5). ونقل ابن قاسم نحو عبارته دون إشارة (¬6). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند نفي الخلاف: 1 - حديث صفوان بن عسال قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا بسفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" (¬10). • وجه الدلالة: قوله: "إلا من جنابة" يفيد بدليل الخطاب أنه كان يأمر بنزع الخفاف عندها، ولا يجيز المسح، فدل على عدم جواز المسح إلا في الحدث الأصغر، وهو ما يوافق الأصل، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن وجوب الغسل يندر، فلا يشق إيجاب غسل القدم عندئذٍ، بخلاف الطهارة ¬
[20 - 185] المسح على اللفائف والخرق لا يجوز
الصغرى فهي تتكرر كثيرًا (¬1).Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [20 - 185] المسح على اللفائف والخرق لا يجوز: إذا شد مريد الوضوء على رجله لفائف أو خرق، وأراد أن يمسح عليها، فإنه لا يجوز له ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا يجوز المسح على اللفائف والخرق، . . .، ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في المسألة الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - النص الوارد في جواز المسح على الخفين لم يذكر اللفائف والخرق، بل اقتصر على الخفين والجوربين؛ فيجب الاقتصار على ما ورد عليه النص، واللَّه تعالى أعلم. 2 - من شروط المسح أن يكون الممسوح مما يثبت بنفسه، واللفافة والخرقة لا تثبت بنفسها، إنما تثبت بشدها؛ فلزم عدم المسح عليها (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية (¬6)، والحنابلة في وجه عندهم (¬7)؛ قالوا: بأن المسح على اللفائف مجزئ. واختاره ابن تيمية، ونفى وجود إجماعٍ في المسألة (¬8). واحتجوا: بأن تلك اللفائف إنما تستعمل للحاجة في العادة، وفي نزعها ضرر؛ إما إصابة بالبرد، أو التأذي بالحفاء، أو التأذي بالجرح (¬9). ¬
[21 - 186] الترتيب في اللبس ليس شرطا للمسح
Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [21 - 186] الترتيب في اللبس ليس شرطًا للمسح: إذا لبس متوضئ خُفَّيْهِ، فلا يشترط له كي يمسح عليهما أن يلبسهما بترتيب معين. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "والترتيب في اللبس ليس بشرط بالإجماع" (¬1). ذكر هذه المسألة بعد ذكر مسألة نزع أحد الخفين. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - أن النصوص الواردة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الترخص بالمسح على الخفين لم يرد فيها ما يدل على اشتراط الترتيب في اللبس للخفين، مما يدل على عدم اشتراطه، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الترتيب بين العضوين المتشابهين -اليدين والرجلين- لا يشترط فيهما الترتيب حتى في الوضوء، فكذلك المسح، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [22 - 187] النزع لأحد الخفين موجب لنزع الآخر: إذا نزع الماسح أحد الخفين دون الآخر، ثم أحدث وأراد أن يتوضأ، فإنه يجب عليه أن ينزع الآخر ويغسل القدم. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه متى نزع أحد الخفين، وجب عليه نزع الآخر" (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الثوري، والأوزاعي، وابن المبارك (¬1)، والحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى، وإذا خلع فليبدأ بالشمال، ولينعلهما جميعًا، أو ليخلعهما جميعًا" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بلبس الخفين جميعًا، أو خلعهما جميعًا، وإذا كان هذا في المشي ففي الوضوء من باب أولى (¬7)، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الوارد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غسله للرجلين، أو مسحه للخفين، ولم يَرِدْ أنه مسح أحدهما دون الآخر، فوجب متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعدم ترك سنته (¬8). 3 - أن القدمين في الحكم كعضو واحد، ولهذا لا يجب ترتيب أحدهما على الآخر، فيبطل مسح أحدهما بظهور الآخر، كالرجل الواحدة (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة سفيان الثوري في رواية عنه (¬10)، والزهري (¬11)، وأبو ثور (¬12)، فقالوا: يغسل المكشوفة، ويمسح الأخرى المستورة. ولم يذكروا لهم دليلًا، ويمكن أن يقال: بأن الأصل الجواز للمسح على الخف، ولا دليل على المنع.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
[23 - 188] المسح على الجوربين الرقيقين لا يجوز
[23 - 188] المسح على الجوربين الرقيقين لا يجوز: الجورب إذا كان رقيقًا، فإنه لا يجوز المسح عليه، وقد حكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول عن الجوربين: "وإن لم يكونا مجلدين، ولا منعلين، فإن كانا رقيقين يشفان الماء، لا يجوز المسح عليهما بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - أن الجورب الرقيق كالجورب المكشوف، فيجب خلعه وغسل القدم، ولا يجوز المسح عليه (¬5). 2 - أن الجورب الرقيق لا يستر العضو، فلا يعتبر جوربا يُمكن المسح عليه (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في وجه (¬7)، فقالوا: يجوز المسح على الجورب الرقيق. وقال النووي عن هذا الوجه بأنه وجه غريب ضعيف (¬8). ولم يذكروا دليلًا، ويمكن أن يقال: إن الجورب وإن كان رقيقًا فهو يطلق عليه جورب، ولا دليل على التفريق بين الرقيق والصفيق.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، والوجه الذي عند الشافعية وإن كان ضعيفًا، إلا أنه قد حكاه اثنان من أئمة الشافعية (¬9)، مما يدل على شهرته، فلا ينعقد معه الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. [24 - 189] جواز المسح على الجبيرة: إذا وقع للإنسان جرح أو كسر، واحتاج للجبيرة، فإنه يجوز له أن يضعها ويمسح ¬
[25 - 190] عدم جواز المسح على حائل دون القدم
عليها، وعليه حكى القرافي الإجماع. • من نقل الإجماع: القرافي (684 هـ) حيث يقول مناقشًا مسألة عدم إعادة الصلاة بالمسح على الجبيرة: "ولأن الإجماع منعقد على جواز الصلاة بالمسح على الجبيرة" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلًا منا حجر، فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر بذلك، فقال: "قتلوه قتلهم اللَّه، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر، أو يعصب عن جرحه، ثم يمسح عليه، ويغسل سائر جسده" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبرهم بأنه كان يكفيه أن يعصب على الجرح، وهو نوع من الجبائر، وأن يمسح عليها، مما يدل على جواز المسح على الجبائر (¬6)، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [25 - 190] عدم جواز المسح على حائل دون القدم: إذا أراد المسلم الوضوء، وكان على يده أو أي جزء من أعضاء وضوئه حائل، فلا يجوز المسح عليه (¬7). ¬
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا يجزئ المسح على الوقاية (¬1)، رواية واحدة، لا نعلم فيه خلافًا" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أنه لا يجوز المسح على القفازين في اليدين، والبرقع في الوجه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أن المسح على الخفين إنما شرع دفعًا للحرج الحاصل من المشقة في نزع الخفين عند كل وضوء، ولا حرج في نزع القفازين؛ أو الوقاية (¬7). 2 - أن المسح على الخفين إنما ثبت بطريق الأثر، وهو رخصة، ولا قياس في الرخص والعبادات، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الباب السابع: مسائل الإجماع في باب نواقض الوضوء
الباب السابع: مسائل الإجماع في باب نواقض الوضوء [1 - 191] تعليل نواقض الوضوء: الأحداث التي جعلها الشارع تنقض الوضوء، ليست مما يعلل، وعلى ذلك اتفق الأئمة. • من نقل الاتفاف: إمام الحرمين الجويني (410 هـ) حيث يقول: "وقد اتفق الأئمة على أن اقتضاء الأحداث الوضوء ليس مما يعلل". نقله عنه النووي (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4). لم أجد من نصَّ على مسألتنا؛ غير ما ذكرت -من خلال ما يُفهم كلامهم- ولكن عدم تعليل الأحداث، يعني أنها غير معقولة المعنى، فلم يتكلم أحد عن علة كون المني موجبا للغسل، بينما البول وغيره لا يوجبه، واللَّه تعالى أعلم. وهذا في العلة كما ذكرت أما الحِكَم فهي تُتَلَمَّس ولا إشكال (¬5). • مستند الإجماع: لم أجد من ذكر لهذه المسألة دليلًا. ولكنْ يقول اللَّه تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى لم يأمرنا بالبحث عن عللٍ لهذه الأحداث، ولم يعللها عز وجل، بل تركها غير معقولة المعنى، كسائر العبادات، وقد أمرنا بامتثال الأمر دون أن يعلل للأمر، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق فيما يظهر؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[2 - 192] الغائط ينقض الوضوء
[2 - 192] الغائط ينقض الوضوء: إذا تغوط المسلم وقد كان على وضوء، فإنه ينتقض وضوؤه، هذه مسألتنا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن خروج الغائط من الدبر، و. . .؛ أحداثٌ ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء" (¬1). ونقله عنه ابن قدامة (¬2)، والنووي (¬3). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول عن نقض الغائط والبول للوضوء: "وأما البول والغائط فإجماع متيقن" (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الخارج من السبيلين ينقض الوضوء، سواء كان نادرًا أو معتادًا، قليلًا كان أو كثيرًا، نجسًا كان أو طاهرًا. . " (¬5). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على انتقاض الوضوء، مما يخرج من السبيلين، من غائطٍ، وبولٍ، وريحٍ، ومذي" (¬6). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وجملة ذلك؛ أن الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد؛ كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء إجماعًا" (¬7). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أما الغائط؛ فبنص الكتاب والسنة والإجماع" (¬8). العيني (855 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أن الخارج المعتاد من أحد السبيلين؛ كالغائط، والريح من الدبر، والبول، والمذي من القبل ناقضٌ للوضوء" (¬9). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث يقول عن النواقض: "وبعضها بالإجماع؛ كالودي والغائط والقيح" (¬10). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول عن النوم: "فأشعر ذلك؛ بأنه من نواقض ¬
[3 - 193] ما يخرج من السبيلين بالدواء ناقض
الوضوء، لا سيما بعد جعله مقترنا بالبول والغائط؛ اللذين هما ناقضان بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] الآية. • وجه الدلالة: أن اللَّه تبارك وتعالى جعل الغائط موجبا للتيمم؛ إذا لم يجد الماء؛ فدل على أنه ناقض، والأدلة في هذا كثيرة معلومة، لا تحتاج إلى بيان.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، وهذه المسألة من اليقينيات التي تُعلم من الدين بالضرورة، ومنكرها يكفر، واللَّه تعالى أعلم. [3 - 193] ما يخرج من السبيلين بالدواء ناقض: إذا استعمل الإنسان الدواء لإخراج الفضلات من أيِّ السبيلين، فإن ما يخرج منهما ناقض للوضوء بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول عن ما يخرج من السبيلين: "وكذلك ما يخرجه الدواء ليس معتادًا، فيه الوضوء بإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] الآية. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل ما يخرج من الغائط ناقضا، ولم يفرق بين ما يخرج بالدواء أو دونه، فكل ما يخرج ناقض، وكذا كل الأدلة التي تدل على أن الغائط والبول ناقض، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[4 - 194] البول ينقض الوضوء
[4 - 194] البول ينقض الوضوء: إذا بال المسلم، وقد كان على وضوء، فإنه ينتقض وضوؤه بالإجماع، هذه مسألتنا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن. .، وخروجَ البول من الذكر، وكذلك المرأة، و. . .؛ أحداثٌ ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء" (¬1). ونقله عنه ابن قدامة (¬2)، والنووي (¬3)، وابن قاسم (¬4). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن البول من غير المستنكَح به (¬5)؛ . .؛ ينقض الوضوء؛ بنسيان كان ذلك أو بعمد" (¬6). ويقول أيضًا: "وأما البول والغائط فإجماع متيقن" (¬7). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الخارج من السبيلين ينقض الوضوء، سواء كان نادرا أو معتادا، قليلا كان أو كثيرا، نجسا كان أو طاهرا. . " (¬8). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على انتقاض الوضوء، مما يخرج من السبيلين، من غائطٍ، وبولٍ، وريحٍ، ومذي" (¬9). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وجملة ذلك؛ أن الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد؛ كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء إجماعًا" (¬10). ونقله عنه ابن قاسم (¬11). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأما البول؛ فبالسنة المستفيضة، والإجماع، والقياس على الغائط" (¬12). العيني (855 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أن الخارج المعتاد من أحد السبيلين؛ كالغائط، والريح من الدبر والبول، والمذي من القبل ناقضٌ للوضوء" (¬13). ¬
[5 - 195] السلس بعد الوضوء لا ينقض الوضوء
الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول عن النوم: "فأشعر ذلك؛ بأنه من نواقض الوضوء، لا سيما بعد جعله مقترنا بالبول والغائط؛ اللذين هما ناقضان بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2). • مستند الإجماع: حديث صفوان بن عسال -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأمرهم أن يتوضؤوا من الغائط والبول والنوم، وأن يمسحوا على الخفاف؛ فدل على أن البول من النواقض، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، وهذه من المسائل القطعية التي لا مجال للخلاف فيها، وهي من المعلوم من الدين بالضرورة، واللَّه تعالى أعلم. [5 - 195] السلس بعد الوضوء لا ينقض الوضوء: كل من لا يستطيع حفظ الطهارة، سواء كان به سلس، أو جرح لا يرقأ، أو غير ذلك، فإنه يتوضأ ويصلي، ولا يضره ما يخرج منه بعد ذلك، ولا ينتقض وضوؤه (¬4). • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة، فإنه يتوضأ ويصلي، ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوؤه بذلك باتفاق الأئمة" (¬5). وقال أيضًا: "وأما ما يخرج في الصلاة دائمًا، فهذا لا ينقض الوضوء باتفاف العلماء" (¬6). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
[6 - 196] خروج المني ينقض الوضوء
والشافعية (¬1). • مستند الاتفاق: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن دم الحيض دمٌ أسود يعرف، فإذا كان ذلك؛ فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر، فتوضئي وصلي، فإنما هو عرق" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمرها بإعادة الوضوء فيما لو نزل دم الاستحاضة بعد الوضوء، والسلس يقاس عليه، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [6 - 196] خروج المني ينقض الوضوء: إذا خرج المني من المتوضئ؛ فإن وضوءه يبطل بذلك بالإجماع. ومسألتنا فيما إذا كان في الخروج المعتاد، أي أنه بلذة معتادة، أما لو كان بلا لذة، أو أنه بشكل غير معتاد، فليس من مسألتنا. • من نقل الإجماع: أبو بكر محمد بن داود الظاهري (297 هـ) حيث يقول: "واتفق علماء الأمة على أن خروج المني، والودي، والمذي، وتواري الحشفة في الفرج، وذهاب العقل بكل حال؛ ناقض للطهارة؛ إلا من ذهب عقله" (¬3). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن. .، وخروجَ المني، . . .، أحداثٌ ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء" (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الخارج من السبيلين ينقض الوضوء، سواء كان نادرًا أو معتادًا، قليلًا كان أو كثيرًا، نجسًا كان أو طاهرًا. . " (¬5). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وجملة ذلك؛ أن الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد؛ كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء ¬
إجماعًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: 1 - حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فقالت: يا رسول اللَّه، إن اللَّه لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل؛ إذا هي احتلمت؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: نعم؛ إذا رأت الماء" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ربط وجوب الغسل بخروج الماء ورؤيته؛ فإذا خرج المني وجب الغسل، مما يعني أنه ناقض وزيادة (¬6)، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنهما-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما الماء من الماء" (¬7). • وجه الدلالة: حيث إن ماء الغُسل يجب بماء الرجل، فإذا خرج المني وجب الماء للغسل. • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في المسألة؛ فقالوا بأن خروج المني وحده لا ينقض الوضوء، بل يوجب الغسل (¬8). قالوا: لأن الخارج الواحد لا يوجب طهارتين، وهذا قد أوجب الجنابة؛ فيكون جنبًا لا محدثًا (¬9). ولكن في المحصلة؛ نجد أنهم يوجبون الغسل (¬10)، وهو وضوء وزيادة؛ فلا يكونون بهذا مخالفين في الحقيقة، وستأتي مناقشة المسألة في كون خروج المني ¬
[7 - 197] خروج الريح من الدبر ينقض الوضوء
موجب للغسل بإذن اللَّه تعالى.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [7 - 197] خروج الريح من الدبر ينقض الوضوء: إذا خرج ريحٌ من الدبر، فإن من كان متوضأً يلزمه الوضوء بعد خروجه بالإجماع. أما من كان مستنكحًا بالريح، بمعنى أن عنده سلسًا في الريح، أو كان كبيرًا ولا يستطيع رد ما فيه من الريح؛ فليس هذا من مسألتنا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن. .، وخروجَ الريح من الدبر؛ . . .؛ أحداثٌ ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء" (¬1). وقال: "وأجمع أهل العلم على أن خروج الريح من الدبر حدثٌ ينقض الوضوء" (¬2). ونقله عنه ابن قدامة (¬3)، والنووي (¬4). ابن بطال (444 هـ) حيث يقول: "الأحداث التي أجمع العلماء أنها تنقض الوضوء، سوى ما ذكره أبو هريرة، البول، والغائط، والمذي، والودي، والمباشرة، وزوال العقل بأي حال زال، والنوم الكثير". والذي ذكره أبو هريرة هو الريح (¬5). نقله عنه العراقي (¬6). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن. .، وأن الفَسْوَ والضّراط إذا خرج كل ذلك من الدبر؛ . .؛ ينقض الوضوء؛ بنسيانٍ كان ذلك أو بعمد" (¬7). وقال: "والريح الخارجة من الدبر خاصة لا من غيره؛ بصوت خرجت أم بغير صوت، وهذا أيضًا إجماع متيقن، ولا خلاف في أن الوضوء من الفسو والضراط" (¬8). ¬
أي على أنها تنقض الوضوء، إذ هذا هو عنوان المسألة التي ذكرها. ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الخارج من السبيلين ينقض الوضوء، سواء كان نادرًا أو معتادًا، قليلًا كان أو كثيرًا، نجسًا كان أو طاهرًا. . " (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على انتقاض الوضوء، مما يخرج من السبيلين، من غائطٍ، وبولٍ، وريحٍ، ومذي" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وجملة ذلك؛ أن الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد؛ كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء إجماعًا" (¬3). النووي (676 هـ) حيث يقول عن حديث أبي هريرة الآتي في المستند: "ألا تراه لم يذكر الريح وزوال العقل، وهما مما ينقض بالإجماع" (¬4). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول عن الطهارة الصغرى: "فإن الصغرى تجب من الريح إجماعًا" (¬5). وقال: "ونقضها - الريح - متفق عليه بين المسلمين" (¬6). العيني (855 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أن الخارج المعتاد من أحد السبيلين؛ كالغائط، والريح من الدبر، والبول، والمذي من القبل ناقضٌ للوضوء" (¬7). الكمال ابن الهمام (861 هـ) حيث يقول عن دليل النقض بالريح: "ويستدل على الريح بالإجماع" (¬8). ونقل ابن نجيم نحو عبارته دون إشارة (¬9). • مستند الإجماع: 1 - حديث عبد اللَّه بن زيد بن عاصم -رضي اللَّه عنه-، قال: شكي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: "لا ينصرف حتى يسمع ¬
[8 - 198] الحيض حدث للنساء
صوتًا أو يجد ريحًا" (¬1). 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح" (¬2). • وجه الدلالة: ظاهر من الحديثين؛ حيث في الأول؛ أن المصلي ينصرف من صلاته بمجرد تأكده من خروج الريح، مما يدل على إبطالها للوضوء والصلاة بالتبع. وفي الثاني؛ حيث نفى الوضوء إلا من الريح.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [8 - 198] الحيض حدثٌ للنساء: إذا حاضت المرأة، فإنها تكون محدثة، وحُكى على هذا الإجماع، وهو من الأمور القطعية؛ إذ أنه يوجب الغسل وهو أعلى من الوضوء. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن (من) (¬3) أحداث النساء الحيض" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: قوله: {حَتَّى يَطْهُرْنَ}، فقد سمى اللَّه تعالى انقطاع الدم طهارة، ثم ¬
[9 - 199] النفاس حدث للنساء
سمح بالجماع بعد التطهير، مما يدل على أن الحيض حدث، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن كل ما يخرج من الفرج فالأصل فيه الحدث، فكيف بالشيء المنتن كالحيض، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [9 - 199] النفاس حدث للنساء: إذا نفست المرأة، فإنها تكون محدثة، وحكى ابن هبيرة الإجماع على هذا، وهو من موجبات الغسل، وهو وضوء وزيادة. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن النفاس من أحداث النساء" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: النفاس يقاس على الحيض في كل شيء، فهو دم أسود منتن كالحيض، فيأخذ أحكامه (¬5).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [10 - 200] زوال العقل ينقض الوضوء: إذا زال عقل المتوضئ بجنون أو إغماء أو غيرهما؛ فإن وضوءه ينتقض، وقد حكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن. .، وزوالَ ¬
العقل بأي وجه زال العقل؛ . . .؛ أحداثٌ ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء" (¬1). ونقله ابن قدامة في المغمى عليه (¬2)، والنووي مطلقا (¬3)، وابن قاسم (¬4). ابن بطال (444 هـ) حيث يقول: "الأحداث التي أجمع العلماء أنها تنقض الوضوء، سوى ما ذكره أبو هريرة؛ البول، والغائط، والمذي، والودي، والمباشرة، وزوال العقل بأي حال زال، والنوم الكثير". والذي ذكره أبو هريرة هو الريح (¬5). نقله عنه العراقي (¬6). نقله عنه ابن حجر (¬7). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على. .، وكذلك ذهاب العقل بسكر أو إغماء أو جنون" (¬8). وقال: "قال قوم: ذهاب العقل بأي شيء ذهب، من جنون أو إغماء أو سكر من أي شيء سكر، وقالوا: هذا إجماع متيقن" (¬9). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "زوال العقل على ضربين؛ نوم وغيره، فأما غير النوم، وهو الجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل؛ فينقض الوضوء؛ يسيره وكثيره إجماعًا" (¬10). ونقله عنه ابن قاسم (¬11). النووي (676 هـ) حيث يقول عن حديث أبي هريرة الذي اكتفى بذكر الريح: "ألا تراه لم يذكر الريح وزوال العقل، وهما مما ينقض بالإجماع" (¬12). وقال: "أجمعت الأمة على انتقاض الوضوء بالجنون وبالإغماء" (¬13). ويقول: "واتفقوا على أن زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر بالخمر أو النبيذ أو البنج أو الدواء ينقض الوضوء، سواء قل أو كثر، وسواء كان ممكَّن المقْعدة أو غير ¬
ممكنها" (¬1). ونقل هذه العبارة الأخيرة الشوكاني (¬2)، ونقل ابن نجيم عنه الإجماع أيضًا، في المغمى عليه (¬3)، وابن قاسم (¬4). ابن حجر الهيتمي (974 هـ) حيث يقول معددًا النواقض: "الثاني: زوال العقل؛ أي التمييز بجنون؛ أو إغماء؛ أو نحو سكر، ولو ممكنا مقعده إجماعًا" (¬5). البهوتي (1051 هـ) حيث يقول معددًا النواقض: "الثالث: زوال عقل؛ كحدوث جنون أو برسام، كثيرًا كان أو قليلًا إجماعًا" (¬6). ولم يذكر السكر في الإجماع. الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "هذا وقد ألحق بالنوم الإغماء والجنون والسكر بأي مسكر، بجامع زوال العقل، وذكر في "الشرح" (¬7): أنهم اتفقوا على أن هذه الأمور ناقضة، فإن صح؛ كان الدليل الإجماع" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - حديث صفوان بن عسال -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" (¬11). • وجه الدلالة: هذا الحديث وغيره من أدلة وجوب الوضوء من النوم، تدل على وجوب الوضوء بزوال العقل، فالنوم مظنة الحدث؛ نظرًا لذهاب العقل، ومظنة الحدث آكد في الجنون والإغماء (¬12). 2 - أن من زال عقله لا يدري أحْدث أو لا، بل لا يبالي بذلك، فهو مظنة الحدث، فوجب الوضوء بعده (¬13). ¬
[11 - 201] ذهاب العقل بالسكر ينقض الوضوء
• الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم هذا الإجماع، ونقده في "المحلى"، مع أنه أحد ناقليه في كتابه "المراتب" كما سبق، حيث قال: "وليس كما قالوا، أما دعوى الإجماع فباطل، وما وجدنا في هذا عن أحد من الصحابة كلمة، ولا عن أحد التابعين، إلا عن ثلاثة نفر: إبراهيم النخعي -على أن الطريق إليه واهية- وحماد والحسن فقط، عن اثنين منهم الوضوء، وعن الثالث إيجاب الغسل" (¬1). فدليله عدم الدليل الموجب. وفي كلام محمد بن داود ما يوافق كلامه، حيث استثنى من ذهب عقله من ذهاب العقل بالنوم، وجعل النوم ناقضًا (¬2)، مما يدل على أنهم يقولون - الظاهرية - بنقض النوم دون زوال العقل، بناء على منع القياس عندهم. وقد نسب ابن رشد مسألة الباب إلى جمهور العلماء (¬3)، فهذا يوحي أنه يعلم في المسألة خلافًا، لكنه لم يذكر شيئًا، واللَّه تعالى أعلم. وقال المرداوي عبارة مناقضة للإجماع، حيث يقول: "زوال العقل بغير النوم لا ينقض إجماعًا، وينقض بالنوم في الجملة" (¬4). وراجعت الطبعة المحققة (¬5)؛ فوجدت نفس العبارة، ولعل كلمة (لا) زائدة، فهو يقصد أنه ناقض، بدليل سياق الكلام بعده، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، وهم الظاهرية، إلا على قول من لم يعتبرهم من الفقهاء (¬6)، واللَّه تعالى أعلم. [11 - 201] ذهاب العقل بالسكر ينقض الوضوء: إذا شرب المتوضئ الخمر، وزال عقله، فإن وضوءه ينتقض، وحكي الإجماع على ذلك. وقد فصلت هذه المسألة عن سابقتها؛ لأن ذهاب العقل بالسكر من فعل الإنسان، وتلك ليست من فعله، فكان الفصل أنسب. ¬
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على. .، وكذلك ذهاب العقل بسكر أو إغماء أو جنون" (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "زوال العقل على ضربين؛ نوم وغيره، فأما غير النوم، وهو الجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل؛ فينقض الوضوء؛ يسيره وكثيره إجماعًا" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر بالخمر أو النبيذ أو البنج أو الدواء ينقض الوضوء، سواء قل أو كثر، وسواء كان ممكّن المقْعدة أو غير ممكنها" (¬3). ونقله عنه الشوكاني (¬4). ابن حجر الهيتمي (974 هـ) حيث يقول معددًا النواقض: "الثاني: زوال العقل؛ أي التمييز بجنون؛ أو إغماء؛ أو نحو سكر، ولو ممكنا مقعده إجماعًا" (¬5). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "هذا وقد ألحق بالنوم الإغماء والجنون والسكر بأي مسكر، بجامع زوال العقل، وذكر في "الشرح" (¬6) أنهم اتفقوا على أن هذه الأمور ناقضة، فإن صح؛ كان الدليل الإجماع" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9). • مستند الإجماع: يُستند هنا بأدلة نقض الوضوء بزوال العقل، فالسكر يزول معه العقل، وهو مظنة الحدث مع زوال العقل، سواء كان الزوال بإرادة الإنسان أو لا؛ لأن العلة موجودة في الحالتين وهي زوال العقل، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف الخراسانيون من الشافعية في السكران، نقله النووي عنهم، وقال: "ولا خلاف في شيء من هذا؛ إلا وجهًا للخراسانيين أنه لا ينتقض وضوء السكران؛ إذا قلنا: له حكم الصاحي في أقواله وأفعاله" (¬10). ¬
[12 - 202] نوم المضطجع ينقض الوضوء
وقال بعده: "وهو غلط صريح، فإن انتقاض الوضوء منوط بزوال العقل، فلا فرق فيه بين العاصي والمطيع" (¬1). ولم أجد لهم دليلًا، إلا أن يستدل لهم بعدم الدليل الموجب للنقض، كما سبق في مسألة زوال العقل، واللَّه تعالى أعلم. وقد سبق نقل خلاف الظاهرية في زوال العقل عمومًا، وهو هنا يندرج أيضًا.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [12 - 202] نوم المضطجع ينقض الوضوء: إذا نام المتوضئ مضطجعًا، فإن وضوءه ينتقض، وقد حُكى الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وفي هذا الحديث (¬2) من الفقه؛ إيجابُ الوضوء من النوم، وهذا أمر مجتمع عليه في النائم المضطجع، الذي قد استثقل نومًا" (¬3). وقال: "حجة من ذهب مذهب المزني (¬4) في النوم حديثُ صفوان بن عسال (¬5)، مع القياس على ما أجمعوا عليه في أن غلبة النوم وتمكنه حدثٌ يوجب الوضوء" (¬6). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن نوم المضطجع، والمستند، والمتكئ ينقض الوضوء" (¬7). الكاساني (587 هـ) حيث يقول معددًا للنواقض: "ومنها النوم مضطجعًا في الصلاة، أو في غيرها بلا خلاف بين الفقهاء، وحُكي عن النظَّام أنه ليس بحدث، ولا عبرة بخلافه لمخالفته الإجماع، وخروجه عن أهل الاجتهاد" (¬8). وقال العيني: "وذكر في العارضي (¬9)، . .، قال: وأجمعوا على أن النوم المضطجع ¬
ينقض الوضوء" (¬1). الزيلعي (743 هـ) حيث يقول في أثناء نقاشه للمسألة: "هذا لا يخلو إما أن تكون مقعدته زائلة عن الأرض، أو لا، فإن كانت زائلة؛ نقض بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬3)، والصحيح من مذهب الحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: 1 - حديث صفوان بن عسال -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" (¬6). 2 - حديث أنسٍ: "كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينامون، ثم يصلون، ولا يتوضؤون" (¬7). • وجه الدلالة في الحديث الأول: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ينزعوا خفافهم للوضوء من أجل النوم؛ مما يدل على أن ناقض، وفي الثاني أن الصحابة ينامون ثم يصلون بلا وضوء، وهو يخصص عموم الأول، فيجمع بين الدليلين بأن المقصود بالنوم الناقض ما كان النائم فيه مستغرقًا ومقعدته زائلة عن الأرض كالمضطجع؛ إذ أنه لا يملك نفسه عندئذ (¬8)، وهو يدل أيضًا على أن النوم ناقض، حيث إنه قال: يصلون ولا يتوضؤون، مما يعني أنه على خلاف العادة من توضؤ النائم، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة عدد من أهل العلم، فروي عن أبي موسى الأشعري، وعبيدة، أنهما لم يكونا يريان النوم حدثًا (¬9). ونقله ابن حزم عن الأوزاعي، وقال: "وهو قول صحيح عن جماعة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وعن ابن عمر، وعن مكحول، وعبيدة السلماني" (¬10)، ثم قال: "ولقد ادعى بعضهم الإجماع على خلافه ¬
[13 - 203] النوم القليل لا ينقض الوضوء
جهلًا وجرأة" (¬1). وبعد ذكره لحديث أنسٍ: "كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون" (¬2)؛ قال: "لو جاز القطع بالإجماع، فيما لا يتيقن أنه لم يشذ عنه أحد؛ لكان هذا يجب أن يقطع فيه بأنه إجماع، لا لتلك الأكاذيب التي لا يبالي من لا دين له بإطلاق دعوى الإجماع فيها" (¬3). علمًا بأنه يرى بأن النوم ناقض؛ قليله وكثيره. وعن أحمد رواية توافق ما سبق في أن النوم غير ناقض مطلقًا إن ظن بقاء طهره (¬4)، وحكي عن أبي مجلز، وعمرو بن دينار، وحميد الأعرج (¬5). ونُقل عن ابن تيمية (¬6). واستدلوا بظاهر حديث أنس السابق وغيره.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [13 - 203] النوم القليل لا ينقض الوضوء: النوم الكثير ينقض الوضوء، ولكن إذا نام المتوضئ نومًا قليلًا، فإن وضوءه لا ينتقض. • من نقل الإجماع: ابن القطان (628 هـ) حيث يقول: "أجمع الفقهاء أن النوم القليل لا ينقض الوضوء؛ إلا المزني، فإنه خرق الإجماع، وجعل قليله حدثًا" (¬7). نقله عنه العيني (¬8). المهلب (433 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا على أن النوم القليل لا ينقض الوضوء، ¬
وخالف المزني فقال: ينقض قليله وكثيره، فخرق الإجماع". نقله عنه ابن حجر (¬1). ابن بطال (449 هـ) حيث نقل عنه ابن حجر حكايته الإجماع في المسألة (¬2). ابن التين حيث نقل عنه ابن حجر حكايته الإجماع في المسألة (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والصحيح من مذهب الحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: حديث أنسٍ -رضي اللَّه عنه-: "كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينامون، ثم يصلون، ولا يتوضؤون" (¬8). • وجه الدلالة: أن الصحابة كانوا ينامون في المسجد، ثم يصلون ولا يتوضؤون، ويُفهم من الحديث أنه نوم قليل، فَهُمْ في المسجد، ولا يستطيع الإنسان أن ينام نومًا كثيرًا فيه، وبهذا يجمع بين هذا الحديث وأحاديث النقض بالنوم، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف المزني كما سبق، وقال بأنه حدث، ونُقل عن إسحاق ابن راهويه (¬9)، وأبي عبيد، وابن المنذر (¬10). وهي رواية عن أحمد (¬11)، وهو قول ابن حزم (¬12). قال ابن حجر بعد حكايته الإجماعات السابقة، ونقل إنكارهم على المزني، قال: "وقد تحاملوا على المزني في هذه الدعوى، فقد نقل ابن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتابعين المصير إلى أن النوم حدث ينقض قليله وكثيره" (¬13). واحتجوا (¬14) بعموم حديث صفوان بن عسال -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" (¬15). ¬
[14 - 204] المذي ينقض الوضوء
Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [14 - 204] المذي ينقض الوضوء: المذي: هو ماء لزج رقيق، يخرج عقيب الشهوة على طرف الذكر (¬1). فإذا خرج مَذْي من المتوضئ بدون أن يكون عن مرضٍ؛ فإنه ينتقض وضوؤه بالإجماع. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول بعد روايته لأحد ألفاظ حديث علي الآتي في المستند والذي فيه الأمر بالوضوء من المذي: "وهو قول عامة أهل العلم؛ من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتابعين ومن بعدهم، وبه يقول سفيان، والشافعي، وأحمد، وإسحاق" (¬2). أبو بكر محمد بن داود الظاهري (297 هـ) حيث يقول: "واتفق علماء الأمة على أن خروج المني، والودي، والمذي، وتواري الحشفة في الفرج، وذهاب العقل بكل حال ناقض للطهارة؛ إلا من ذهب عقله" (¬3). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول عن المذي: "ولست أعلم في وجوب الوضوء منه اختلافًا بين أهل العلم" (¬4). ونقله النووي عنه بلفظ الإجماع (¬5). ابن بطال (444 هـ) حيث يقول: "الأحداث التي أجمع العلماء أنها تنقض الوضوء سوى ما ذكره أبو هريرة: البول، والغائط، والمذي، والودي، والمباشرة، وزوال العقل بأي حال زال، والنوم الكثير". والذي ذكره أبو هريرة هو الريح (¬6). نقله عنه العراقي (¬7). ¬
ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "هذا الحديث (¬1) مجتمع على صحته، لا يختلف أهل العلم فيه، ولا في القول به، والمذي عند جميعهم يوجب الوضوء، ما لم يكن خارجًا عن علة أبردة أو زمانة" (¬2). ويقول: "إجماعهم على أن المذي والودي فيهما الوضوء" (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الخارج من السبيلين ينقض الوضوء، سواء كان نادرًا أو معتادًا، قليلًا كان أو كثيرًا، نجسًا كان أو طاهرًا. . " (¬4). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على انتقاض الوضوء، مما يخرج من السبيلين، من غائطٍ، وبولٍ، وريحٍ، ومذي" (¬5). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وجملة ذلك؛ أن الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد؛ كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء إجماعًا" (¬6). العيني (855 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أن الخارج المعتاد من أحد السبيلين؛ كالغائط، والريح من الدبر، والبول، والمذي من القبل ناقضٌ للوضوء" (¬7). ويقول: "فإن المذي يوجب الوضوء الشرعي، ولا يكفي فيه غسل بعض الأعضاء بالإجماع" (¬8). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "وأما المذي، فتقدم الكلام عليه، وأنه ناقض إجماعًا" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع عمر بن الخطاب، وابن عباس، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم- (¬10)، والشافعية (¬11)، وابن حزم (¬12). • مستند الإجماع: حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، قال: "كنت رجلًا مذاءً، ¬
[15 - 205] الودي ينقض الوضوء
فاستحييت أن أسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: "يغسل ذكره ويتوضأ" (¬1). • وجه الدلالة: حيث أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليًّا بالوضوء وغسل الذكر، والأمر يقتضي الوجوب (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: نُقل عن عمر، وابن المسيب أنهما كانا لا يريان الوضوء من المذي، ولكن لما بلغتهما السنة رجعا إليها (¬3). والثابت عنهما هو ما يوافق مسألتنا (¬4).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، أما ما روي عن عمر وابن المسيب، فقد روي رجوعهما أيضًا، ثم بيَّنا أن الثابت عنهم هو ما يوافق مسألتنا، واللَّه تعالى أعلم. [15 - 205] الودي ينقض الوضوء: الودي: هو ماء أبيض، يخرج عقيب البول خاثر (¬5). فإذا خرج وَدْيٌ من المتوضئ دون أن يكون عن مرضٍ؛ فإنه ينتقض وضوؤه، وعليه حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: أبو بكر محمد بن داود الظاهري (297 هـ) حيث يقول: "واتفق علماء الأمة على أن خروج المني، والودي، والمذي، وتواري الحشفة في الفرج، وذهاب العقل بكل حال ناقض للطهارة إلا من ذهب عقله" (¬6). ابن بطال (444 هـ) حيث يقول: "الأحداث التي أجمع العلماء أنها تنقض الوضوء، سوى ما ذكره أبو هريرة: البول، والغائط، والمذي، والودي، والمباشرة، وزوال العقل بأي حال زال، والنوم الكثير". ¬
والذي ذكره أبو هريرة هو الريح (¬1). نقله عنه العراقي (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "إجماعهم على أن المذي والودي فيهما الوضوء" (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الخارج من السبيلين ينقض الوضوء، سواء كان نادرًا أو معتادًا، قليلًا كان أو كثيرًا، نجسًا كان أو طاهرًا. . " (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وجملة ذلك؛ أن الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد؛ كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء إجماعًا" (¬5). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث يقول معدِّدًا النواقض: "وبعضها بالإجماع (¬6)؛ كالودي والغائط والقيح" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، قال: كنت رجلًا مذَّاءً، فاستحييت أن أسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: "يغسل ذكره ويتوضأ" (¬9). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بغسل الذكر والوضوء من المذي، مع أنه يخرج مع الشهوة، وهو أخف مما يخرج مع التخلي في النجاسة كالودي، فالودي يُتوضأ منه من باب قياس أولى، واللَّه تعالى أعلم. 2 - الودي -كما سبق- لا يخرج إلا بعد البول، وما يخرج بعد البول فهو مثله، فيأخذ حكمه في النجاسة (¬10).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. ¬
[16 - 206] القهقهة لا تنقض الوضوء في غير الصلاة
[16 - 206] القهقهة لا تنقض الوضوء في غير الصلاة: القهقهة في غير الصلاة لا تنقض الوضوء بإجماع أهل العلم. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمع أهل العلم على أن الضحك في غير الصلاة لا ينقض طهارةً، ولا يوجب وضوءًا" (¬1). الماوردي (450 هـ) حيث يقول: "وأما القهقهة فإن كانت في غير الصلاة لم ينتقض الوضوء إجماعًا" (¬2). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "قياسًا على ما أجمع عليه من أن الضحك لا ينقص الوضوء في غير الصلاة، فكذلك لا يجب أن ينقضه في الصلاة، ولكنهم لا يطردون القياس" (¬3). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن الضحك إذا لم يكن فيه قهقهة لا يبطل الوضوء، وعلى أن القهقهة خارج الصلاة لا تنقض الوضوء" (¬4). الزيلعي (762 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الضحك ينقض الصلاة، ولا ينقض الوضوء" (¬5). العبادي (800 هـ) حيث نقل عنه ابن نجيم (¬6) أنه حكى الإجماع في المسألة (¬7). الخرشي (1101 هـ) حيث يقول عن ما لا ينقض الوضوء: "ومنها قهقهة بصلاة، خلافًا لأبي حنيفة، وبغيرها اتفاقًا" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: 1 - حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الضحك ينقض الصلاة، ولا ينقض الوضوء" (¬10). ¬
[17 - 207] اللذة دون اللمس للنساء لا تنقض الوضوء
• وجه الدلالة: ظاهرة من الحديث بالمطابقة. 2 - أن الضحك لو كان ناقضًا، لنقض في الصلاة وغيرها كالحدث؛ لأنها صلاة شرعية؛ فلم ينقض الضحك فيها الوضوء (¬1). • الخلاف في المسألة: نقد ابن نجيم حكاية الإجماع في المسألة وقال: "فيه نظر"، ونقده بأن في المسألة ثلاثة أقوال، ونقل عن سلمة بن شداد (¬2) أنه قال بنقض الوضوء دون الصلاة بالقهقهة (¬3). ونقل قولًا آخر: أن القهقهة تنقض الوضوء والصلاة (¬4). ثم قال: "إلا أن يقال: لما كان القولان الأخيران ضعيفين كانا كالعدم" (¬5). ولكن بعد التأمل يظهر أن مسار المسألة التي ذكرها ابن نجيم مختلف؛ فهو يتحدث فيما إذا قهقه في أثناء الصلاة، وهذا قد استثنيناه في العنوان.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [17 - 207] اللذة دون اللمس للنساء لا تنقض الوضوء: إذا تلذذ متوضئ بنظرٍ لامرأةٍ أو تفكير، دون أن يلمس؛ فإنه لا ينتقض الوضوء بهذه اللذة. • من نقل الإجماع: محمد بن نصر المروزي (294 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا أنه لو تلذذ واشتهى دون أن يلمس؛ لم يجب عليه وضوء". نقله عنه ابن عبد البر (¬6)، والقرطبي (¬7). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "لأن اللذة إذا تعرت من اللمس؛ لم توجب وضوءًا بإجماع" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9)، والمالكية في ¬
[18 - 208] لمس العضو المقطوع من المرأة لا ينقض الوضوء
المشهور (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: أن اللذة المجردة عن اللمس هي مجرد تفكير، واللَّه تعالى لا يؤاخذ بها، فإذا تلذذ بالنظر ولم يتبع ذلك أمر آخر، كاللمس أو الإمذاء، فإنه لم يحصل أي ناقض من نواقض الوضوء، والأصل بقاء طهارته إلا أن يدل دليل على الضد، وهو لا يوجد، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قولٍ عندهم، فقالوا بنقض الوضوء بالنظر (¬5). ولم يجعل ابنُ حزم المسألةَ متفقًا عليها في المراتب، حيث استثناها من المسائل المتفق عليها، وإن كان لا يخالف المسألة، كما سبق الإشارة لذلك (¬6). ولم يذكروا دليلًا، ولكن لعله تغليبًا لمظنة الإمذاء، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة (¬7)، واللَّه تعالى أعلم. [18 - 208] لمس العضو المقطوع من المرأة لا ينقض الوضوء: إذا قُطع عضوٌ من امرأة، ومسه الرجل، فإنه لا يأخذ حكم مس المرأة عموما بلا خلاف (¬8). • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا ينتقض الوضوء بلمس عضو مقطوع من المرأة. .، ولا أعلم في هذا كله خلافًا" (¬9). ¬
• الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية في طريقٍ عندهم، ووجهٍ من وجهيِّ الطريق الثاني عندهم (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن العضو المقطوع قد زال اسم المرأة عنه، فلا يكون ناقضًا. 2 - أن مسَّ عضو مقطوع من المرأة يخرج عن أن يكون محلًّا للشهوة، فلا يأخذ حكم النساء. 3 - أن الأصل الطهارة، فلا تزول بالشك (¬4). • الخلاف في المسألة: عن الشافعي في هذه المسألة طريقان، أحد الطريقين فيه وجهان أحدهما أنه ينتقض الوضوء؛ كلمس العضو في حال الاتصال (¬5). وذلك بناءً على قولهم بنقض الوضوء بمجرد لمس المرأة ولو بدون لذة. واستدلوا بظاهر قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}. وهناك من خالف من أئمة السلف في مسألة مسّ المرأة لغير شهوة، والخلاف فيها معروف (¬6)، غير أننا لا نعلم هل يستثنون مسألتنا أو لا؟ ومنهم الشافعي، غير أننا عرفنا قوله في مسألتنا عن أصحابه، ولكن البقية لا ندري عن قولهم. وبالتالي لا نستطيع أن نجزم بنفي الخلاف في هذه المسألة دون أن نتبين استثناءها من المسألة الأم.Rأن نفي الخلاف في المسألة غير متحقق؛ لعدم التمكن من استثناء ¬
[19 - 209] مس الجنس لجنسه لا ينقض الوضوء
المخالفين لهذه المسألة من المسألة الأم التي ثبت خلافهم فيها، ولوجود الوجه المخالف عند الشافعية، واللَّه تعالى أعلم. [19 - 209] مسُّ الجنس لجنسه لا ينقض الوضوء: إذا مسَّ الرجلُ الرجلَ، أو المرأةُ المرأةَ، فإنه لا ينتقض الوضوء (¬1). • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا ينتقض الوضوء بلمس عضو مقطوع من المرأة، . .، ولا بمسِّ رجل ولا صبي، ولا بمس المرأةِ المرأةَ؛ لأنه ليس بداخل في الآية ولا هو في معنى ما في الآية؛ لأن المرأة محل لشهوة الرجل شرعًا وطبعًا، وهذا بخلافه، . .، والأصل الطهارة، فلا تزول بالشك، ولا أعلم في هذا كله خلافًا، واللَّه أعلم" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن هذا اللمس ليس بداخل في الآية التي فيها الأمر بالوضوء من الملامسة للنساء - على الخلاف في معنى الملامسة. 2 - أنه ليس في معنى ما في الآية؛ حيث إن المرأة محلٌ لشهوة الرجل شرعًا وطبعًا، وهذا بخلافه. 3 - أن الأصل الطهارة، فلا تزول بالشك (¬7).Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [20 - 210] مسُّ البهيمة لا ينقض الوضوء: إذا مس المتوضئ البهيمة فإنه لا ينتقض وضوؤه (¬8). ¬
[21 - 211] مس الحرير والميتة لا ينقض الوضوء
• من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا ينتقض الوضوء بلمس عضو مقطوع من المرأة، . .، ولا بمس البهيمة لذلك، . .، ولا أعلم في هذا كله خلافًا، واللَّه أعلم" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن هذا المس ليس بداخل في الآية التي تأمر بالوضوء من مس النساء، ولا مس البهيمة في معنى ما في الآية؛ لأن المرأة محل لشهوة الرجل شرعًا وطبعًا، ومس البهيمة بخلافه (¬6). 2 - أن الأصل الطهارة، فلا تزول بالشك (¬7).Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [21 - 211] مس الحرير والمَيْتة لا ينقض الوضوء: إذا مسَّ المتوضئُ الحريرَ أو المَيْتةَ، فإنه لا ينتقض وضوؤه. وذكرت الحرير والميتة معا لسببين؛ لكون النووي ذكرهما معًا، ولكون الحرير من فضلات دودة القز، والميتة نجسة، فكلاهما يجتمع فيهما ظن التنجس بمسِّهما. • من نقل الإجماع: المزني (264 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا على أن من مس حريرًا أو ميْتة ليس عليه وضوء، ولا غسل" (¬8). نقله النووي وقال: "هذا كلام المزني، وهو قوي، واللَّه أعلم" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬10)، والمالكية (¬11)، ¬
[22 - 212] مس الخنثى لا ينقض الوضوء
والحنابلة (¬1). هذا بناء على ما فهمته من كلامهم، وإلا فلم أجد لهم نصًّا على مسألتنا. • مستند الإجماع: أن مسَّ الحرير والميتة مما تعم به البلوى، ولا يعقل أن يكتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيانَ مثل هذا الحكم لو كان ناقضًا فدل على أن حكمَ المسألة حكمُ الأصل، وهو أنه لا ينقض الوضوء، واللَّه تعالى أعلم.Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [22 - 212] مس الخنثى لا ينقض الوضوء: إذا مس المتوضئ خنثًا، أو مس الخنثى رجلًا أو امرأة، فإنه لا ينتقض وضوؤه بلا خلاف (¬2). • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا ينتقض الوضوء بلمس عضو مقطوع من المرأة. . .، ولا بمس خنثى مشكل؛ لأنه لا يعلم كونه رجلًا ولا امرأة، ولا بمس الخنثى لرجل أو امرأة؛ لذلك، والأصل الطهارة، فلا تزول بالشك، ولا أعلم في هذا كله خلافًا، واللَّه أعلم" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5). أما المالكية، فلم أجد لهم كلامًا في المسألة، ولكن بناء على أصولهم فلديهم في مسألة مسِّ المرأة ثلاثة أقوال: بعدم النقض مطلقًا، وبالنقض مطلقًا، وبالنقض إن كان للذة، وهذا هو المشهور عندهم (¬6)، فبناء على هذا فقد يخرج عليها مثلها في الخنثى غير المشكل فقط، واللَّه تعالى أعلم. • مستند نفي الخلاف: 1 - زوال كون الخنثى من النساء، على الأخذ بالقول بتفسير الآية بأن المس هو ما دون الجماع. 2 - أن الأصل الطهارة، فلا ينتقل منها إلى غيرها إلا بيقين، وهو غير موجود، ¬
[23 - 213] اليقين بالحدث والشك في الطهارة يوجب الوضوء
فيبقى الأصل وهو الطهارة (¬1)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: لم نتبين من قول مَن قال بنقض الوضوء بلمس المرأة، هل يستثني الخنثى، خاصةً غير المشكل، وكذلك إذا مسَّ الخنثى لمن يخالف أغلبه، هل يستثنون ذلك أو لا؟ مع أن قياس قولهم يقول بطرد قولهم هنا، واللَّه تعالى أعلم.Rلم يتسنَّ لي أن أتحقق من نفي الخلاف في هذه المسألة، حيث لم أجدْ -مع طول بحثٍ في المسألة- نصًّا من المالكية في المسألة، وإن كان القول بعدم تحقق نفي الخلاف هنا هو الأظهر؛ نظرًا لما سبق أن ذكرته، واللَّه تعالى أعلم. [23 - 213] اليقين بالحدث والشك في الطهارة يوجب الوضوء: إذا أحدث المتوضئ وتيقن من ذلك، ثم شك أنه متوضئ، فإنه لا يكون متوضأً بالإجماع. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) حيث يقول: "وأما إذا تيقن الحدث وشك بعده في الوضوء؛ فإنه يبني على اليقين ويتوضأ، ولا يأخذ بالشك إجماعًا" (¬2). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن من أيقن بالحدث، وشك في الوضوء، أو أيقن أنه لم يتوضأ؛ فإن الوضوء عليه واجب" (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء أن من أيقن بالحدث، وشك في الوضوء أن شكه لا يفيد فائدة، وأن الوضوء واجب عليه" (¬4). ونقله عنه الموَّاق (¬5). ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "فإن تيقن الحدث وشك في الطهارة، أو تيقن الطهارة وشك في إتمامها؛ فلا خلاف بين الأمة أنه يجب عليه الوضوء إجماعًا" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "إذا تيقن الحدث، وشك هل تطهر أم لا؛ فيلزمه الوضوء بالإجماع" (¬7). وقال أيضًا: "وأما إذا تيقن الحدث، وشك في الطهارة؛ فإنه يلزمه الوضوء بإجماع ¬
[24 - 214] العبرة في الحدث بالوقوع وليس السماع والشم
المسلمين" (¬1). ونقله عنه الشوكاني (¬2)، والمباركفوري (¬3). شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: "أما إذا تيقن الحدث، وشك في الطهارة؛ فهو محدث يلغي الشك ويبني على اليقين، لا نعلم في ذلك خلافًا" (¬4). ابن الملقن (804 هـ) حيث يقول: "لو تيقن الحدث وشك في الطهارة؛ فهو محدث بالإجماع" (¬5). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول شارحًا لكلام الماتن: "بأن تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين"، قال: "لأن الحدث إذًا يقين، فلزم ما تيقن، ولغا المشكوك بإجماع المسلمين" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - حديث عبد اللَّه بن زيد بن عاصم المازني -رضي اللَّه عنه-، قال: "شُكي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجلُ يخيل إليه أنه يجد الشيء فى الصلاة، فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا" (¬8). • وجه الدلالة: حيث نهى الشاكَّ أن ينصرف حتى يتيقن أنه أحدث، فيبني على اليقين ويترك الشك، وهكذا فى مسألتنا، فإذا تيقن الحدث، يكون محدثًا حتى يتيقن من الضد، واللَّه تعالى أعلم. 2 - قاعدة اليقين لا يزول بالشك، هذه القاعدة الكلية، وكل الأدلة المثبتة لها تدل على مسألتنا.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [24 - 214] العبرة في الحدث بالوقوع وليس السماع والشمّ: إذا شك متوضئ في إحداثه بالريح، ولم يسمع صوتًا، ولم يشمَّ رائحة، فإنه لا ¬
ينتقض وضوؤه حتى يتيقن ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "معناه (¬1): يعلم بوجود أحدهما، ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين" (¬2). ونقله عنه الشوكاني (¬3). ويقول: "ولأن العلماء مجمعون على أن من أحس بالحدث، كالقرقرة والريح، ولم يخرج منه شيء؛ لا وضوء عليه" (¬4). العيني (855 هـ) حيث يقول: "ظاهر هذا (¬5) متروك بالإجماع؛ لأن في البول والغائط يجب الوضوء، وإن لم يوجد الصوت والريح" (¬6). ابن الملقن (804 هـ) حيث يقول: "معناه (¬7): يعلم وجود أحدهما يقينًا، ولا يشترط اجتماع السماع والشم بالإجماع" (¬8). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول في سياق استدلاله على عدم الاغتسال من انتقال المني دون خروجه: "وللإجماع على عدم الوضوء من الإحساس بالحدث، كالقرقرة والريح؛ ما لم يخرج منه شيء" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬10)، والحنابلة (¬11). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يقبل اللَّه صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" (¬12). • وجه الدلالة: حيث جعل الناقض الحدث، ولم يذكر السماع والشم، مما يدل على أن المقصود من حديث عبد اللَّه بن زيد العلم بالحدوث والتحقق من ذلك فقط، وأنه ليس على ظاهره (¬13)، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[25 - 215] الأكل مما مسته النار لا ينقض الوضوء
Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [25 - 215] الأكل مما مسته النار لا ينقض الوضوء: أكْل المتوضئ من شيء مسته النار لا ينقض الوضوء، وعليه الإجماع (¬1). • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتابعين ومن بعدهم، مثل: سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق؛ رأوا ترك الوضوء مما مست النار" (¬2). عثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ) حيث يقول عن اختلاف الأحاديث في المسألة: "اختلف الأول والآخر من هذه الأحاديث، فلم يقف على الناسخ منها ببيان يحكم به، فأخذنا بإجماع الخلفاء الراشدين، والأعلام من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في الرخصة في ترك الوضوء، مع أحاديث الرخصة" (¬3). نقله عنه النووي (¬4). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول بعد ذكر الخلاف في المسألة: "ولا أعلم اليوم بين أهل العلم اختلافًا في ترك الوضوء مما مست النار، إلا الوضوء من لحوم الإبل خاصة" (¬5). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه لا يجب الوضوء من أكل ما مسته النار" (¬6). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وأما تغميض الميت، وغسله، وحمل الجنازة، وأكل ما مسته النار، والكلام الفاحش، فليس شيء من ذلك حدثًا عند عامة العلماء" (¬7). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اختلف الصدر الأول في إيجاب الوضوء من أكل ما مسته النار؛ لاختلاف الآثار الواردة في ذلك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واتفق جمهور ¬
فقهاء الأمصار بعد الصدر الأول على سقوطه؛ إذ صحح عندهم أنه عمل الخلفاء الأربعة. . " (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وما عدا لحم الجزور من الأطعمة لا وضوء فيه، سواء مسته النار، أو لم تمسه، هذا قول أكثر أهل العلم، رُوي ذلك عن الخلفاء الراشدين، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس، وعامر بن ربيعة، وأبي الدرداء، وأبي أمامة، وعامة الفقهاء، ولا نعلم اليوم فيه خلافًا" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول بعد أن ذكر خلافًا في المسألة: "ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول؛ ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء بأكل ما مسته النار" (¬3). ونقله عنه ابن حجر (¬4)، والشوكاني (¬5). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "أما لحوم الغنم، فلا نقض بأكلها بالاتفاق، كذا قيل، ولكن حكى في "شرح السنة" وجوب الوضوء مما مست النار" (¬6). ولحوم الغنم تدخل فيما مسته النار. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس، وابن عمر، وأنس، وجابر بن سمرة، وزيد بن ثابت، وأبو موسى، وأبو هريرة، وأبي بن كعب، وأبو طلحة، وعامر بن ربيعة، وأبو أمامة، وعائشة (¬7) -رضي اللَّه عنهم-، والثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، وأبو عبيد، وداود، وابن جرير (¬8)، والحنفية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، وابن حزم (¬12). • مستند الإجماع: 1 - حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان آخرُ الأمرين من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تركَ الوضوء مما غيرت النار" (¬13). ¬
2 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ" (¬1). • وجه الدلالة: ظاهرةٌ من الحديث الأول في نسخ الأحاديث الأولى، وأن الأمر استقر على عدم نقض ما مسته النار للوضوء (¬2). أما الحديث الثاني، فقد أكل عليه الصلاة والسلام ما مسته النار، ثم صلى ولم يتوضأ، وهذه سنة فعلية يجب الأخذ بها، تدل على عدم وجوب الوضوء مما مست النار، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: روي عن ابن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي طلحة، وأبي موسى، وأبي هريرة، وأنس -رضي اللَّه عنهم- وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والزهري، وأبي قلابة، وأبي مجلز، وغيرهم، أنهم قالوا: بإيجاب الوضوء مما غيرت النار (¬3). ولم يجعل ابنُ حزم المسألةَ متفقًا عليها في المراتب، حيث استثناها من المسائل المتفق عليها، وإن كان لا يخالف المسألة، كما سبق الإشارة لذلك (¬4). غير أني لم أجد من تابعهم من أهل المذاهب، ولا ممن بعدهم من أهل العلم. واستدلوا بحديث أبي هريرة مرفوعا: "توضؤوا مما مسته النار" (¬5). وهو إما منسوخ، أو أنه في غسل اليدين بعد الأكل (¬6).Rأن الإجماع متحقق بعد عصر المخالفين الذين ذكرتهم؛ لعدم وجود المخالف في المسألة بعدهم، واللَّه تعالى أعلم، وهذا مبني على مسألة الإجماع على أحد القولين؛ هل يعتبر إجماع أو لا؟ وهي مسألة أصولية خلافية، وإن كان الأقرب أنه إجماع، ولكن ليس في حق من يرى أنه ليس بإجماع (¬7)، وهذا يضعف حكم مسألتنا، ¬
[26 - 216] الإيلاج ينقض الوضوء
ويجعلها في مرتبةٍ دون الإجماع الظني، واللَّه تعالى أعلم. [26 - 216] الإيلاج ينقض الوضوء: المقصود بالإيلاج هو: تغييب الحشفة في فرج المرأة. ومسألتنا في إيجابه الوضوء ولو دون الإنزال، أما في إيجابه الغسل فسيأتي في باب الغسل، إن شاء اللَّه تعالى وليس من مسألتنا. • من نقل الإجماع: أبو بكر محمد بن داود الظاهري (297 هـ) حيث يقول: "واتفق علماء الأمة على أن خروج المني، والودي، والمذي، وتواري الحشفة في الفرج، وذهاب العقل بكل حال؛ ناقض للطهارة؛ إلا من ذهب عقله" (¬1). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الملامسة حدثٌ ينقض الطهارة" (¬2). وهو يقصد بالملامسة الجماع. ابن بطال (444 هـ) حيث يقول: "الأحداث التي أجمع العلماء أنها تنقض الوضوء، سوى ما ذكره أبو هريرة: البول، والغائط، والمذي، والودي، والمباشرة، وزوال العقل بأي حال زال، والنوم الكثير". والذي ذكره أبو هريرة هو الريح (¬3). نقله عنه العراقي (¬4). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن. .، وأن إيلاج الذكر في فرج المرأة باختيار المُولِج ينقض الوضوء، بنسيان كان ذلك أو بعمد" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهم- (¬6)، والحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وابن حزم (¬10). ¬
[27 - 217] دم الاستحاضة ينقض الوضوء
• مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختانُ الختانَ؛ فقد وجب الغسل" (¬1). • وجه الدلالة: حيث ربط النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجوب الغسل بأن يمس الختان الختان، ولم يربطه بالإنزال، فدل على أنه ناقضٌ للوضوء موجبٌ للغسل، وسيأتي المزيد في باب الغسل، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف عددٌ من الصحابة (¬2)، فقالوا: لا يجب الغسل إلا بالإنزال. ولكن خلافهم هنا لا ينقض مسألتنا، حيث إنهم يقولون كلهم بوجوب الوضوء، ولكن لا يوجبون الغسل، وسيأتي بحث المسألة في الغسل إن شاء اللَّه تعالى.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [27 - 217] دم الاستحاضة ينقض الوضوء: دم الاستحاضة ينقض وضوء المرأة، وذلك إذا خرج الوقت، أو بدؤه بعد الوضوء والانقطاع، وحكي على ذلك الإجماع (¬3). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن دم الاستحاضة ينقض الوضوء، وانفرد ربيعة وقال: لا ينقض الطهارة" (¬4). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "السيلان -سيلان الدم كالاستحاضة والجرح- ملحق بالعدم في الوقت، بدليل أن طهارته تنتقض بالإجماع إذا خرج الوقت، وإن لم يوجد الحدث" (¬5). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ودم الاستحاضة ينقض الطهارة في قول عامة أهل ¬
العلم، إلا في قول ربيعة" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول عن النواقض: "فالمتفق عليه انقطاع الحدث الدائم؛ كدم الاستحاضة، وسلس البول، والمذي ونحو ذلك، فإن صاحبه إذا توضأ حكم بصحة وضوئه، فلو انقطع حدثه وشفي انتقض وضوءه، ووجب وضوء جديد" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية في رواية شاذة عندهم (¬4)، وفي الرواية الثانية المشهورة عندهم، إذا كان على غير وجه السلس، بأن يكون ينقطع لأكثر الوقت، أو تقدر على رفعه، وهذه رواية المغاربة (¬5). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن دم الحيض دمٌ أسود يعرف، فإذا كان ذلك؛ فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر؛ فتوضئي وصلي، فإنما هو عرق" (¬6). • وجه الدلالة: حيث صرح بأنه إذا كان دم الاستحاضة؛ فإنها تتوضأ وتصلي. • الخلاف في المسألة: خالف هنا ربيعة -وسبق الإشارة لذلك- ومالك رحمه اللَّه في رواية العراقيين، فقال بأنه لا ينقض الوضوء مطلقًا (¬7). وعلى الرواية المشهورة عندهم، إذا كان الدم يأتي على وجه السلس، بأن يكون لأكثر الوقت، أو لا تستطيع رفعه، فإنه لا ينقض أيضًا (¬8). وبنوه على قاعدة أن غير المعتاد لا ينقض، كسلس البول عندهم. ولم أجدهم ذكروا دليلًا، غير أني وجدت الماوردي استدل لهم بحديث: "لا وضوء ¬
[28 - 218] الدم اليسير لا ينقض
إلا من صوت أو ريح" (¬1). قالوا: أي الخارج المعتاد، أما غير المعتاد فلا (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [28 - 218] الدم اليسير لا ينقض: إذا خرج دم يسير من المتوضئ، ولم يكن من أحد السبيلين، ولم يكن فاحشًا أو سائلًا، فإنه لا ينقض الوضوء. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "فإن كان الدم يسيرًا، غير سائل ولا خارج، فإنه لا ينقض الوضوء عند جميعهم، ولا أعلم أحدًا أوجب الوضوء من يسير الدم إلا مجاهدًا وحده، واللَّه أعلم" (¬3). وقال أيضًا: "ولا أعلم أحدًا من العلماء أوجب الوضوء للصلاة من قليل الدم يخرج من الجسد، رعافا كان أو غيره؛ إلا ما قدمت لك عن مجاهد" (¬4). ويقول في باب العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف: "وأجمعوا أنه لا يمنع ذلك من أراد الصلاة على كل حال" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عباس، وابن عمر، وابن أبي أوفى -رضي اللَّه عنهم-، وابن المسيب (¬6)، وجابر، وأبي هريرة، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، وسالم بن عبد اللَّه، وطاوس، وعطاء، ومكحول، وربيعة، وداود (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة على المشهور (¬9)، وابن حزم (¬10). • مستند الإجماع: 1 - حديث أنس -رضي اللَّه عنه-: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- احتجم وصلى، ولم يتوضأ، ولم يزد على غسل محاجمه" (¬11). ¬
[29 - 219] تعدد موجبات الوضوء تتداخل
2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "ليس في القطرة والقطرتين من الدم وضوء، إلا أن يكون دمًا سائلًا" (¬1). • وجه الدلالة: في الأول حيث لم يتوضأ عليه الصلاة والسلام من دم الحجامة، وهي سنة فعلية، والثاني في بيان أن الدم القليل ليس فيه الوضوء (¬2). 3 - أن هذا القول روي عن عددٍ من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كما سبق (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف الحنفية (¬4)، وأحمد في رواية (¬5)، قالوا: ينقض الدم اليسير. وقد روى بعض أصحاب أحمد، أنه قال: ينقض حتى اليسير (¬6). ولكن قال ابن قدامة عنها بأنه لا يعرفها (¬7). واستدلوابنحو حديث سلمان -رضي اللَّه عنه-، قال: "رآني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد سال من أنفي دم، فقال: "أحدِث وضوءا" (¬8).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [29 - 219] تعدد موجبات الوضوء تتداخل: إذا أحدث متوضئٌ أحداثًا مختلفة، ونوى الوضوء منها جميعًا، فإنه يجزئه هذا عنها كلها. ¬
[30 - 220] مس الذكر بالعضد لا ينقض الوضوء
يلاحظ فيما سبق؛ قيدُ النية لها جميعا، حتى لا ندخل فى تفصيلات تخرجنا عن أصل المسألة (¬1). • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "إذا أحدث أحداثًا متَّفقة، أو مختلفة؛ كفاه وضوء واحد بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث أنس -رضي اللَّه عنه- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يطوف على نسائه في ليلة بغسل واحد" (¬7). • وجه الدلالة: حيث فيه أنه يغتسل غسلًا واحدًا بعد عدة مسببات للغسل، ويقاس عليه الوضوء من باب أولى، واللَّه تعالى أعلم. 2 - الاستدلال بأحاديث وصف غسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الجنابة (¬8)، حيث فيها أنه عليه الصلاة والسلام يغتسل غسلًا واحدًا، ولم يأت حديث واحد يذكر أنه عليه الصلاة والسلام اغتسل غسلين مرة واحدة، مع أنه يجب الغسل من شيئين: التقاء الختانين، والإنزال، فدل على إجزاء الغسل الواحد عن الموجبات المتعددة، وهكذا الوضوء من باب أولى، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [30 - 220] مس الذكر بالعضد لا ينقض الوضوء: إذا مس المتوضئ ذكرَه بعضده -وهذا متصوَّر في بعض الحالات- فإنه لا يأخذ ¬
العضدُ حكمَ الكف في نقض الوضوء بمس الذكر. وهذا بناء على القول بنقض الوضوء بمس الذكر. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول فى معرض استدلاله على كون المس بالذراع لا ينقض -وهي مسألة خلافية: "ولأنه ليس بآلة للمس، أشبه العضد، وكونه من يده يبطل بالعضد، فإنه لا خلاف بين العلماء فيه" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند نفي الخلاف: حديث بُسْرة بنت صفوان -رضي اللَّه عنها-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا مسَّ أَحدكم ذكره فليتوضأ" (¬5). • وجه الدلالة: حيث قيد الحديث الأمر بالوضوء بمس الذكر، وملامسة العضد للذكر لا يقال عنها مسٌّ إذا أطلق؛ إذ الغالب أنه يكون باليد، ثم إن الشهوة لا تكون بمس العضد وإنما باليد، فيبقى مس العضد للذكر على الأصل، وهو عدم النقض، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: من سياق كلام ابن حزم، لا يتضح أنه يقول بالنقض به أو لا، حيث يقول: "ومس الرجل ذكر نفسه خاصة عمدًا، بأي شيء مسه، من باطن يده، أو من ظاهرها، أو بذراعه -حاشا مسه بالفخذ، أو الساق، أو الرجل من نفسه- فلا يوجب وضوءًا" (¬6). وهو وإن لم يُشر للعضد إلا أنه لم يستثنه، فلا يفهم كلامهم في مسألتنا شيئًا واضحًا، وكلا الاحتمالين وارد، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[31 - 221] مس الفرج بغير اليد لا ينقض الوضوء
Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، أما ما سبق عن ابن حزم فهو غير ظاهرٍ منه المخالفة لمسألتنا، واللَّه تعالى أعلم. [31 - 221] مس الفرج بغير اليد لا ينقض الوضوء: إذا مس المتوضئ فرجه بغير يده، فإن وضوءه لا ينتقض، وقد حُكي الاتفاق على ذلك، وذلك إذا جعلنا معنى اليد كلها بالكف والساعد. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن من مس فرجه بغير يده من أعضائه، أنه لا ينقض وضوؤه" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الاتفاق: حديث بُسْرة بنت صفوان -رضي اللَّه عنها-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا مسَّ أَحدكم ذكره فليتوضأ" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خصَّ مس الذكر باليد بالأمر بالوضوء، ولم يدخل غيره، والمس يطلق على المس باليد إذا أطلق، مما يدل على خصوصية النقض بالمس، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [32 - 222] لمس فرج الحيوان لا ينقض الوضوء: إذا لمس المتوضئ فرج حيوان، فإنه لا يأخذ حكم فرج الإنسان، فلا ينقض الوضوء. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "لمس فرج الحيوان غير الإنسان لا ينقض الوضوء؛ حيًّا ولا ميتًا باتفاق الأئمة" (¬7). ¬
[33 - 223] مس الأنثيين لا ينقض الوضوء
• الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية على الصحيح من المذهب (¬3)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬4). • مستند الاتفاق: 1 - أن النص الآمر بالوضوء لِمَسِّ الذكر جاء في حق الإنسان، وليس في البهائم، ولو كان ينقض مسها لبينه عليه الصلاة والسلام؛ إذ الحاجة داعية إليه، فدل على أن مس فروجها لا ينقض، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن البهائم لا حرمة لها، بمعنى أنها ليس لها حرمات تنتهك، ولا تَعبّد عليها، فهي بهائم، فلا ينتقض وضوء من لمس فرجها (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في قولٍ عندهم (¬6)، والحنابلة في احتمالٍ عندهم (¬7)؛ قالوا بأن لمس فرج البهيمة ينقض الوضوء. قالوا: لأنها تشتهى فتأخذ حكم الإنسان (¬8).Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [33 - 223] مس الأنثيين لا ينقض الوضوء: إذا مس المتوضئ أنثييه، فإن وضوءه لا ينتقض، وحكي الإجماع على ذلك. والأنثيين: الخصيتين (¬9). • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه لا وضوء على من مس أنثييه، سواء كان من وراء حائل، أو من غير وراء حائل" (¬10). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن، كالرُّفغ (¬11) والأنثيين والإبط، في قول عامة أهل العلم" (¬12)، ثم ذكر بعد ¬
ذلك الأقوال المخالفة، وستأتي. ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول معلقًا على استثناء البهوتي للأنثيين من النواقض: "أي لا ينقض مس الأنثيين، وهما الخصيتان إجماعًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: لم يأتِ نص في أن الأنثيين لهما حكم الذكر، والأصل عدم ذلك ما لم يدل دليل، ولا دليل في هذا، ولا هو في معنى المنصوص عليه؛ فلا يثبت الحكم فيه (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة عروة (¬7)، فقال: يجب الوضوء من مس الأنثيين. ويستدل له بحديث مرسل: "من مس ذكره أو أنثييه أو رفغه فليتوضأ" (¬8). وخالف عكرمة (¬9)، فقال: يجب الوضوء من مس ما بين الفرجين عمومًا. ولم أجد له دليلًا.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
[34 - 224] مس الرفغين لا ينقض الوضوء
[34 - 224] مس الرفغين لا ينقض الوضوء: إذا مس المتوضئ رفغيه، فإن وضوءه لا ينتقض، وحكي الإجماع على ذلك. الرُّفغ: أصل الفخذ، وسائر المغابن، وكل موضع اجتمع فيه الوسخ فهو رفغ (¬1). • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن؛ كالرفغ والأنثيين والإبط، في قول عامة أهل العلم" (¬2)، ثم ذكر بعد ذلك الأقوال المخالفة، وستأتي. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: لم يأتِ نص في أن الرفغين لهما حكم الذكر كذلك، والأصل أن مسهما غير ناقضٍ ما لم يدل دليل، ولا دليل في هذا، ولا مسهما في معنى المنصوص عليه؛ فلا يثبت الحكم فيه (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة عروة (¬8)، عكرمة (¬9)، فقالا: يجب الوضوء من مس ما بين الفرجين عمومًا، ومنها الرفغين. ويستدل لهما بحديث مرسل: "من مس ذكره أو أنثييه أو رفغه فليتوضأ" (¬10).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [35 - 225] الجُشَاء لا ينقض الوضوء: إذا تجشى المسلم فإن ذلك لا ينقض وضوءه، وحكي فيه الإجماع. ¬
[36 - 226] الكلام القبيح لا ينقض الوضوء
والجُشَاء: صوت مع ريح يحصل من الفم عند حصول الشبع (¬1). • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "واجتمعوا على أن الجشاء ليس فيه وضوء بإجماع" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "فأما الجُشَاء فلا وضوء فيه، لا نعلم فيه خلافًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: 1 - أن الجشاء لا ينبعث عن محل نجاسة، فما يخرج منه ليس ناقضًا للوضوء. 2 - أن الجشاء مما تعم به البلوى، وهو من عادة الناس وطبيعتهم، ولم يبين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه يجب منه الوضوء، وترك البيان عن وقت الحاجة غير جائز، فدل على أنه لا وضوء منه، وإلا لبيَّنه عليه الصلاة والسلام، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [36 - 226] الكلام القبيح لا ينقض الوضوء: إذا تلفظ متوضئ بكلمة قبيحة نحو قذف أو غيبة، فإن وضوءه لا ينتقض. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "أجمع كل من نحفظ قوله من علماء الأمصار، على أن القذف وقول الكذب والغيبة لا تنقض طهارة، ولا توجب وضوءًا" (¬8). نقله عنه النووي (¬9). ابن الصباغ (477 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أنه لا يجب الوضوء من ¬
الكلام القبيح، كالغيبة والقذف وقول الزور وغيرها" (¬1). نقله عنه النووي (¬2). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وأما تغميض الميت، وغسله، وحمل الجنازة، وأكل ما مسته النار، والكلام الفاحش؛ فليس شيء من ذلك حدثًا عند عامة العلماء" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع أهل المدينة، وأهل الكوفة من أصحاب الرأي وغيرهم، وإسحاق (¬4)، والزهري، وأبو العالية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة على المذهب (¬7). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قال في حلفه باللات والعزى فليقل: لا إله إلا اللَّه، ومن قال لغيره: تعال أقامرك؛ فليتصدق" (¬8). • وجه الدلالة: حيث إنه لم يأمر عليه الصلاة والسلام من تلفظ بشرك -وهو أعظم الكلام القبيح- أن يعيد وضوءه، فدل على أنه لا ينقض الوضوء (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف أحمد في رواية عنه غير مشهورة، بالنقض بمثل هذا (¬10). ونسبه الحطاب إلى قومٍ (¬11). وهناك عبارات عن عدد من الأئمة قد تفهم هذا القول، وإن كنت لم أرَ من نسبه لهم (¬12). ولم يجعل ابنُ حزم المسألةَ متفقًا عليها في المراتب، حيث استثناها من المسائل ¬
[37 - 227] قص الشارب والأظفار لا ينقض الوضوء
المتفق عليها، وإن كان لا يخالف المسألة (¬1). ولم أجد لهم دليلًا عليه إلا أقوال الصحابة، نحو قول عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: (يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب، ولا يتوضأ من الكلمة الخبيثة يقولها لأخيه! ! ) (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [37 - 227] قص الشارب والأظفار لا ينقض الوضوء: إذا قص المتوضئ شاربه، أو قلَّم أظفاره، فإنه لا ينتقض وضوؤه. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "ولا أعلم أحدًا يوجب عليه اليوم وضوءًا" (¬3)، أي: مَنْ قصَّ شاربه أو أظفاره. ونقله عنه ابن حجر بلفظ الإجماع، حيث قال: "ونقل ابن المنذر أن الإجماع استقر على خلاف ذلك -أي: قول المخالفين" (¬4). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ومن توضأ، ثم جز شعره، أو قلم ظفره، أو قص شاربه، أو نتف إبطيه؛ لم يجب عليه إيصال الماء إلى ذلك الموضع، عند عامة العلماء" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عمر -رضي اللَّه عنه-، والحسن، وعطاء، والزهري، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق (¬6)، والحنابلة على المذهب (¬7)، والشافعية (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط" (¬10). ¬
• وجه الدلالة: أن النبي عليه الصلاة والسلام قد ذكر أن قص الشارب والأظفار من الفطرة، وهما بهذا سنة، ولم يذكر أنه يجب الوضوء بعدهما، مع الحاجة لهذا البيان، فدل على أنه غير مؤثر، وأنه لا ينقض الوضوء، وإلا لبينه عليه الصلاة والسلام، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة عليٌّ -رضي اللَّه عنه-، ومجاهد، والحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان فيما رُوي عنهم، فقالوا بأن عليه أن يعيد الوضوء (¬1). وهو قول غير مشهور عند المالكية (¬2)، وقول ضعيف غير مشهور عند الحنابلة (¬3). ولم يجعل ابنُ حزم المسألةَ متفقًا عليها في المراتب، حيث استثناها من المسائل المتفق عليها، وإن كان لا يخالف المسألة، كما سبق الإشارة لذلك (¬4). وقال ابن قدامة بعد ذكره لهذه المسألة: "إلا أنه قد حكي عن مجاهد، والحكم، وحماد، في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط الوضوء، وقول جمهور العلماء بخلافهم" (¬5). فسماه قول الجمهور. واستدلوا على ذلك بأنه كخلع الخف، ينتقض معه الوضوء - على الخلاف في المسألة - واللَّه تعالى أعلم. وقال بعض العلماء بأنه يُجري عليه الماء، رُوي عن النخعي، وعطاء، والشعبي، والحكم (¬6). واختاره عبد العزيز بن أبي سلمة، واللخمي من المالكية (¬7). وروي استحبابه عن أحمد، ولم يوجبْه (¬8). وحُكي وجوبُه عن ابن جرير الطبري (¬9). وهذا القول لا يخالف مسألتنا، وإنما ذكرته للفائدة.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. ¬
[38 - 228] قراءة القرآن للمحدث جائزة
[38 - 228] قراءة القرآن للمحدث جائزة: إذا أراد محدثٌ قراءة القرآن الكريم، دون أن يمسه، فإنه يجوز له ذلك. والمقصود هنا هو الحدث الأصغر. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وما أعلم خلافًا في جواز قراءة القرآن، على غير وضوء؛ ما لم يكن حدثه جنابة" (¬1). الباجي (474 هـ) حيث يقول: "وأما الحدث الأصغر فإنه لا يمنع القراءة لتكرره، ولا خلاف في ذلك نعلمه" (¬2). البغوي (516 هـ) حيث يقول: "فأما قراءة القرآن عن ظهر القلب، فاتفقوا على جوازها للمحدث غير أنه لا يسجد للتلاوة" (¬3). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث" (¬4). وقال أيضًا: "أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث الحدث الأصغر" (¬5). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "والقراءة تجور مع الحدث الأصغر، بالنص واتفاق الأئمة" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث علي -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقرئنا القرآن على كل حال، ما لم يكن جنبًا" (¬9). ¬
[39 - 229] مس المصحف بغير العضو النجس لا يحرم
• وجه الدلالة: الحديث صريح في الدلالة على مسألتنا، حيث يدل عليها بالمطابقة من السنة الفعلية. 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يذكر اللَّه على كل أحيانه" (¬1). • وجه الدلالة: السنة الفعلية في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام كان يذكر اللَّه في كل أحيانه، ومن ذكر اللَّه تعالى قراءة القرآن، ولم يأت دليل على منع المحدث من القراءة، فتبقى على أصل الإباحة، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: ذكر ابن رشد عن قومٍ قولًا بأنه لا يجوز ذلك إلا أن يتوضأ (¬2). وذكر لهم دليلًا، وهو حديث أبي جهم، قال: "أقبل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى أقبل على الجدار، فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه السلام" (¬3). قالوا: فلا يجوز الذكر ولا القراءة إلا بالوضوء أو ما يقوم مقامه. ولم أجد لهذا القول قائلًا، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف المعتبر في المسألة، أما ما ذكره ابن رشد فلم أعلم له قائلًا، وهو شذوذ ما لم نجد له قائلا معتبرًا، خاصة أن الإجماع حكاه من هو متقدم على ابن رشد، كابن عبد البر والباجي، واللَّه تعالى أعلم. [39 - 229] مس المصحف بغير العضو النجس لا يحرم: إذا قام المتوضئ بمس المصحف بعضو ليس عليه نجاسة، وكان على أحد أعضاءه نجاسة، فإنه لا يحرم مسه ذلك. • من نقل الإجماع: القاضي أبو الطيب (450 هـ) حيث يقول: "هذا الذي قاله ¬
الصيمريُّ مردودٌ بالإجماع". نقله عنه النووي، بعد أن ذكر ما نصُّه: "وأما إذا كان على موضع من بدنه نجاسة، غير معفو عنها؛ فإن أصاب المصحف بموضع النجاسة فهو حرام بلا خلاف، وإن أصابه بغيره فوجهان، الصحيح أنه لا يحرم، وبه قطع الجمهور، وقال الصيمري: يحرم، . . .، قال القاضي أبو الطيب: هذا الذي. . " (¬1). • الموافقون على الإجماع: أما الحنفية والمالكية؛ فلم أجد لهم كلامًا في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ووافق على مسألتنا الحنابلةُ على الصحيح من المذهب (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79]. • وجه الدلالة: أن الآية تنص أن القرآن -على الخلاف في هذه المسألة- لا يمسه إلا المتطهرون، فمن مس القرآن وهو متوضئ بعضو من أعضاءه وليس متنجسًا، فقد أدَّى ما عليه، حتى وإن كان على عضو آخر نجاسة، فهو في الحقيقة قد أتى بالواجب، وإن كان الأفضل أن يبعد هذه النجاسة، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن حكم الحدث يتعدى محله، وحكم النجاسة لا يتعدى محلها (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة الصيمري من الشافعية كما سبق، وهو قول عند الحنابلة (¬4)، وقالوا بالتحريم، فلا يجوز أن يمس المصحف في هذه الحالة. واستدل الصيمري بالقياس على المنع من مس المصحف بظهره (¬5).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، وإن كنت لم أجد كلام الحنفية والمالكية فيها، إلا أن خلاف الحنابلة في قولٍ يكفي في خرق الإجماع، ثم إن النووي لم يدَّعِ الإجماع في المسألة، فقد نسب القول للجمهور فقط، وقد تكون حكاية أبي الطيب في الإجماع المذهبي؛ حيث من الصعب تحقق الإجماع في مسائل تفصيلية كهذه، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[40 - 230] مس المصحف للمحدث لا يجوز
[40 - 230] مس المصحف للمحدث لا يجوز: إذا كان الإنسان على حدث، وأراد أن يمس المصحف، فلا يجوز له ذلك إلا أن يتطهر. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى، وعلى أصحابهم؛ بأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر" (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا يمس المصحف إلا طاهر (¬2)، يعني: طاهرًا من الحدثين جميعًا، وهو قول. . .، ولا نعلم مخالفًا لهم إلا داود فإنه أباح مسه" (¬3). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز للمحدث حدثًا أكبر أن يمس المصحف، وخالف في ذلك داود" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عمر، والحسن، وعطاء، وطاوس، والشعبي، والقاسم بن محمد (¬5)، والحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79]. • وجه الدلالة: أن الآية الكريمة تنص على أن القرآن لا يمسه إلا المتطهرون، فلا يجوز مسه إلا إذا كان على طهارة (¬10). 2 - حديث عمرو بن حزم، أن في كتاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليه: "لا يمس المصحف إلا طاهر" (¬11). ¬
[41 - 231] مس المحدث كتب التفسير جائز
• وجه الدلالة: حيث يدل الحديث بالمطابقة على مسألتنا (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف الظاهرية، وابن حزم في هذه المسألة (¬2)، فقالوا بجواز قراءة القرآن للمحدث. ونقله ابن حزم عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وربيعة، وابن المسيب (¬3). قال ابن تيمية: "هذا مذهب داود وأصحابه، وابن حزم، وهذا منقول عن بعض السلف" (¬4). فنسبه لبعض السلف، ولم يدَّعِ في المسألة إجماعًا. واحتجوا بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب في كتابه آية إلى قيصر (¬5)، مع أنه كافر، مما يدل على جواز مس المصحف من غير طهارة (¬6). وخالف الحكم، وحماد (¬7)، فقالوا بجواز مسه بظاهر الكف. واحتجَّا بأن آلة المس باطن اليد، فينصرف النهي إليه دون غيره (¬8).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [41 - 231] مس المحدث كتب التفسير جائز: إذا أراد محدثٌ مسَّ كتب التفسير، فإنه يجوز له ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "اتفق المسلمون على جواز مس المحدث لكتب التفسير" (¬9). ¬
[42 - 232] جواز اللبث في المسجد للمحدث
• الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية في قولٍ (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية في أحد الأوجه عندهم (¬3)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬4). • مستند الاتفاق: 1 - أن الأصل الجواز، والآية والحديث في المنع من مس المصحف إلا بالطهارة لا تنطبق على مسألتنا، حيث إن كتب التفسير ليست مصاحف، فيجوز إذًا مسُّها دون طهارة، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب إلى هرقل (¬5)، وكان فيما كتب آيات من القرآن الكريم، وهرقل على الكفر، والتفاسير هكذا فيها آيات، ولكنها ليست مصاحف، فيجوز إذًا مسها دون طهارة، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف الحنفية في قولٍ (¬6)، والشافعية في وجهٍ لديهم (¬7)، والحنابلة في رواية، وقيل وجه (¬8)، فقالوا بالمنع. قالوا: إنها متضمنةٌ قرآنًا كثيرًا؛ فتأخذ حكمه (¬9).Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [42 - 232] جواز اللبث في المسجد للمحدث: إذا أراد المحدث أن يجلس في المسجد، دون أن يتوضأ، فإنه يجوز له ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "يجوز للمحدث الجلوس في المسجد بإجماع المسلمين، وسواء قعد لغرض شرعي؛ كانتظار صلاة؛ أو اعتكاف؛ أو سماع قرآن؛ أو علم آخر؛ أو وعظ، أم لغير غرض، ولا كراهة في ذلك، وقال ¬
[43 - 233] مس الكتابي لا ينقض الوضوء
المتولي: إن كان لغير غرض كره، ولا أعلم أحدًا وافقه على الكراهة" (¬1). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "ويجوز للمحدث اللبث فيه بإجماع المسلمين" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: علي، وأبو الدرداء، وجابر بن زيد -رضي اللَّه عنهم-، وسعيد بن جبير، وعطاء، والحكم (¬3)، والحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: لم يُنقل أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أنهم كرهوا المكثَ في المسجد أو منعوا منه، والأصل عدم الكراهة حتى يثبت النهي عن ذلك، واللَّه أعلم (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة سعيد بن المسيب، والحسن، فقالا: يمر ولا يجلس (¬8). وكره أبو السوار أن يتعمد الرجل الجلوس في المسجد على غير وضوء (¬9). وتبعه المتولي من الشافعية، كما سبق من كلام النووي، إلا أن القول الثاني غير مخالف لمسألتنا، فهو في الكراهة فقط، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [43 - 233] مس الكتابيِّ لا ينقض الوضوء: إذا مس المتوضئُ يهوديًّا أو نصرانيًّا، فإن وضوءه لا ينتقض، وقد حكى ابن تيمية الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "ومس اليهودي أو النصراني لا ينقض الوضوء باتفاق المسلمين" (¬10). ¬
• الموافقون على الاتفاق: لم أجد من صرح بالموافقة على مسألتنا، إلا أنهم يذكرون مسائل تشتمل على مسألتنا بالعموم أو من باب الأولى، فقد وافق على هذا الاتفاق الحنفية، فهم يقولون بأن نجاسة المشرك في اعتقاده لا ظاهره (¬1)، كما وافق المالكية (¬2)، والشافعية (¬3). • مستند الاتفاق: كل ما ينقض الوضوء لم يكن ناقضًا إلا بجعل الشرع له ناقضًا، وما سكت عنه اللَّه تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام فالأصل فيه أنه لا ينقض، وكذا مس اليهودي والنصراني فلم يرد دليل على أنه ناقض للوضوء، فيبقى على الأصل وهو عدم النقض به، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الباب الثامن: مسائل الإجماع في باب الغسل
الباب الثامن: مسائل الإجماع في باب الغسل [1 - 234] الترتيب بين الأعضاء في الغسل لا يجب: إذا أراد المجنب الغسل، فلا يجب عليه ترتيب أعضاءه في الغسل كالوضوء. • من نقل الاتفاق: القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "احتج من أجاز ذلك -أي عدم الترتيب في الوضوء - بالإجماع على أن لا ترتيب في غسل أعضاء الجنابة" (¬1). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وأما في الغسل فالبدن كعضو واحد، والعضو الواحد لا ترتيب فيه بالاتفاق" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة على المذهب (¬5). • مستند الاتفاق: قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر الجنب بالغسل بالماء، ولم يفصل في ذلك كالوضوء، ومن غسل جسده دون ترتيب فقد حقق مقتضى الأمر، وهو الغسل للبدن، مما يدل على عدم وجوب الترتيب، مع عدم الدليل الموجب، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف أحمد في رواية غير مشهورةٍ عنه، فقال: يجب البداءة بالمضمضة والاستنشاق في الغسل (¬6). ولم يذكروا دليلًا، غير أنه ربما كان مبنيًّا على أحاديث اغتسال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7)، وفيها أنه بدأ بهما بعد غسل يديه. وخالف ابن حزم في المسألة أيضًا، فقال: يجب أن ينوي البداءة بالرأس أولا، ثم الجسد (¬8). ¬
[2 - 235] وجوب الغسل بالإنزال
واحتج بأنه قد صح عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "ابدءوا بما بدأ اللَّه به" (¬1)، حيث في الحديث بدأ بغسل الرأس، فيجب البداءة به (¬2).Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [2 - 235] وجوب الغسل بالإنزال: إذا أنزل المسلم، فإنه يوجب عليه الاغتسال بالماء (¬3). • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول بعد ذكر حديث: "ومن المنيِّ الغسل" (¬4): "وهو قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم، وبه يقول سفيان، والشافعي، وأحمد، وإسحاق" (¬5). نقله عنه ابن قدامة (¬6)، وابن قاسم (¬7). ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث نقل عنه النووي (¬8) وابن قاسم (¬9) أنه حكى الإجماع على وجوب الغسل بالإنزال من الرجل والمرأة (¬10). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن خروج الجنابة في نوم أو يقظة من الذكر بلذة، لغير مغلوب باستنكاح، أو مضروب، وقبل أن يغتسل للجنابة؛ فإنه ¬
يوجب غسل جميع الرأس والجسد" (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف أن الماء يكون من الماء الذي هو الإنزال" (¬2). وقال: "والعلماء مجمعون على ذلك -أي: على وجوب الغسل - فيمن وجد الماء الدافق من الرجال والنساء" (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه إذا نزل المني بشهوة وجب الغسل" (¬4). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "فالجنابة تثبت بأمور بعضها مجمع عليه، وبعضها مختلف فيه، أما المجمع عليه فنوعان: أحدهما: خروج المني عن شهوة، دفقًا من غير إيلاج، بأي سبب حصل الخروج كاللمس، والنظر، والاحتلام، حتى يجب الغسل بالإجماع" (¬5). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "واتفق العلماء على وجوب الطهارة من حدثين: أحدهما: خروج المني على وجه الصحة في النوم أو اليقظة، من ذكر أو أنثى، إلا ما روي عن النخعي من أنه كان لا يرى على المرأة غسلًا من الاحتلام" (¬6). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "فخروج المني الدافق بشهوة يوجب الغسل من الرجل والمرأة، في يقظة أو في نوم، وهو قول عامة الفقهاء، قاله الترمذي، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬7). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على وجوب الغسل بخروج المني" (¬8). وقال: "فالذي يوجب اغتسال الحي أربعة متفق عليها، وهي: إيلاج حشفة الذكر في فرج، وخروج المني، والحيض، والنفاس" (¬9). البابرتي (786 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في وجوب الغسل بسبب خروج ¬
المني" (¬1). ابن رسلان (805 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المني". نقله عنه الشوكاني (¬2). العيني (855 هـ) حيث يقول: "فإنه إذا أنزل يجب -الغسل- بالإجماع" (¬3). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "أعلم أن الأمة مجمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع، وإن لم يكن معه إنزال، وعلى وجوبه بالإنزال" (¬4). وقال: "لا يجب الغسل بإنزال المذي والودي والبول بالإجماع، والإنزال عن شهوة مراد بالإجماع" (¬5). ابن حجر الهيتمي (974 هـ) حيث يقول: "وبخروج مني، . . . -أي من موجبات الغسل خروج المني- من طريقه المعتاد إجماعًا" (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-، قالت: جاءت أم سليم -امرأة أبي طلحة- إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: يا رسول اللَّه، إن اللَّه لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم، إذا رأت الماء" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرر في الحديث وجوب الاغتسال على المرأة إذا رأت الماء، ولم يذكر الجماع، فدل على وجوب الغسل بالإنزال (¬8). 2 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الماء من الماء" (¬9). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ربط وجوب الماء -وهو الاغتسال- بخروج الماء (¬10).Rأن الإجماع متحقق في حق الرجل؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، أما المرأة فسأناقشها في المسألة التالية، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[3 - 236] وجوب الغسل على المرأة كالرجل بالإنزال
[3 - 236] وجوب الغسل على المرأة كالرجل بالإنزال: إذا أنزلت المرأة، فيجب عليها الاغتسال بالماء كالرجل، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "وهو قول عامة الفقهاء: أن المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل، فأنزلت أن عليها الغسل، وبه يقول سفيان الثوري، والشافعي" (¬1). ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث نقل عنه النووي أنه حكى الإجماع على وجوب الغسل بالإنزال من الرجل والمرأة (¬2). ابن بطال (449 هـ) حيث نقل عنه ابن حجر نفيه للخلاف في وجوبه في حق المرأة، حيث قال ابن حجر: "ونفى ابن بطال الخلاف فيه - يعني: الخلاف في وجوبه على المرأة بالإنزال" (¬3). ونقله عنه الشوكاني (¬4). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وفي هذا الحديث (¬5) والذي قبله إيجاب الغسل على النساء إذا احتلمن، ورأين الماء، حكمهن في ذلك حكم الرجال في الاحتلام إذا كان معه الإنزال، وهذا ما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء، والحمد للَّه" (¬6). وقال: "والعلماء مجمعون على ذلك -أي: على وجوب الغسل- فيمن وجد الماء الدافق من الرجال والنساء" (¬7). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "واتفق العلماء على وجوب الطهارة من حدثين: أحدهما: خروج المني على وجه الصحة في النوم أو اليقظة، من ذكر أو أنثى، إلا ما روي عن النخعي من أنه كان لا يرى على المرأة غسلًا من الاحتلام" (¬8). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "فخروج المني الدافق بشهوة؛ يوجب الغسل من الرجل والمرأة، في يقظة أو في نوم، وهو قول عامة الفقهاء، قاله الترمذي، ولا نعلم ¬
فيه خلافًا" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على وجوب الغسل بخروج المني، ولا فرق عندنا بين خروجه بجماع أو احتلام. . .، وسواء خرج في النوم أو اليقظة، من الرجلِ والمرأةِ، العاقلِ والمجنونِ" (¬2). ونقله عنه الشوكاني (¬3). ابن رسلان (805 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المني". نقله عنه الشوكاني (¬4). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث (¬5) يدل على وجوب الغسل على الرجل والمرأة إذا وقع الإنزال، وهو إجماع إلا ما يحكى عن النخعي" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7). • مستند الإجماع: حديث أم سلمة المشهور عن المرأة التي تسأل عن الاحتلام للمرأة هل يوجب الغسل؟ وفيه: "نعم، إذا رأت الماء" (¬8). • وجه الدلالة: أن السائلة امرأة، وقد أجابها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بوجوب الغسل إذا رأت الماء، فدل على وجوب الغسل في حقها بالإنزال (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف إبراهيم النخعي في مسألة غسل المرأة بمجرد الإنزال، فقال: لا يجب على المرأة الغسل بخروج المني (¬10). وعلق عليه النووي بقوله: "ولا أظن هذا يصح عنه، فإن صح عنه فهو محجوج بحديث أم سلمة (¬11) " (¬12). ولكن جوَّد إسناده عنه ابنُ حجر (¬13). وقد اعترض ابن حجر على كلام ابن بطال السابق بوجود خلاف النخعي في وجوب ¬
[4 - 237] المحتلم الذي لم يجد بللا لا غسل عليه
الغسل على المرأة بالإنزال (¬1).Rأن الإجماع متحقق، فقد سبق ذكر خلاف النخعي في المسألة، إلا أنه لم يتابعه غيره، فيقال في خلافه أحد أمور: إما أنه يقصد إنكار كون المرأة تحتلم، ولم يقصد عدم وجوب الغسل عليها (¬2)، وبهذا: العبرة تكون بخروج الماء، فمتى تأكد إنزالها، وجب عليها الغسل عنده. أو أن النقل عنه غير صحيح، وهذا سبق الرد عليه بأن ابن حجر جود إسناده. أو أن يقال: قد خالف صريح النصوص وعلماء الأمة؛ فيكون قوله شاذًّا (¬3)، فالخلاصة أحد الأمرين: الأول أو الثالث، إن لم يصح الأول فالنتيجة تكون أن قوله شاذ، ولا عبرة به، ثم إن ثبت خلافه في المسألة، فلم يتابعه على قوله أحد، مما يدل على اندراس هذا القول، وحصول الاتفاق بعده، فتكون المسألة حينئذ من باب الاتفاق بعد الاختلاف، واللَّه تعالى أعلم. [4 - 237] المحتلم الذي لم يجد بللًا لا غسل عليه: إذا نام المسلم ورأى في منامه أنه يجامع، ثم استيقظ ولم يجد بللًا، فلا يجب عليه الغسل بهذا. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "وإذا رأى احتلامًا، ولم يرَ بَلَّة، فلا غسل عليه عند عامة أهل العلم" (¬4). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الرجل إذا رأى في منامه أنه احتلم، أو جامع، ولم يجد بللًّا، أن لا غسل عليه" (¬5). ونقله عنه ابن قدامة (¬6)، والنووي (¬7)، وابن قاسم (¬8). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وهذا مجتمع عليه؛ فيمن رأى أنه يجامع ولا ينزل، أنه لا غسل عليه، وإنما الغسل في الاحتلام على من أنزل الماء، هذا ما لم يختلف فيه العلماء" (¬9). ¬
القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "ومتى لم يكن إنزال، وإن رأى أنه يجامع، فلا غسل، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء كافة" (¬1). النووي (676 هـ) شارحًا كلام الماتن عندما ذكر مسألتنا بقوله: "فإن احتلم ولم يرَ المني"، حيث قال النووي: "وهذا الحكم الذي ذكره المصنف متفق عليه" (¬2). القرافي (684 هـ) حيث يقول: "فإن الوطء فيه -النوم- من غير إنزال، لا يوجب شيئًا إجماعًا" (¬3). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "لأن الرجل لو رأى أنه جامع، وعلم أنه أنزل في النوم، ثم استيقظ فلم ير بللًا، لم يجب عليه الغسل اتفاقًا" (¬4). ابن الهمام (861 هـ) حيث يقول: "ولو تذكر الاحتلام والشهوة، ولم ير بللًا، لا يجب اتفاقًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وإبراهيم النخعي، والشعبي، ومجاهد، وابن جبير، وعطاء، وقتادة (¬6)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬7). • مستند الإجماع: حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-، قالت: جاءت أم سليم -امرأة أبي طلحة- إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: يا رسول اللَّه، إن اللَّه لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم، إذا رأت الماء" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قيد الأمر بالغسل برؤية الماء، فإذا لم يُر الماء فلا غسل، واللَّه تعالى أعلم (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة أحمد في رواية عنه، فقال: يجب الغسل في هذه الحالة (¬10). وخالف في رواية أخرى بأنه يجب إن وجد لذة الإنزال، وإن لم يرَ الماء (¬11). ¬
[5 - 238] من رأى منيا ولم يذكر احتلاما فعليه الغسل
ولعل ما ورد عن ابن جبير من قوله: "إنما الغسل من الشهوة والفترة" (¬1) موافقًا لها. ولم يذكروا دليلًا، ويمكن أن يقال بأنه ربما يجف الماء، أو يكون خفيفًا، فيخفى على المحتلم، ويظن أنه لم يُنزل، فاحتياطًا قالوا بوجوب الغسل، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع غير متحقق (¬2)؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [5 - 238] من رأى منيَّا ولم يذكر احتلامًا فعليه الغسل: إذا استيقظ النائم، ووجد منيًّا، ولكنه لا يذكر الاحتلام، فإنه يجب عليه الغسل. • من نقل الإجماع: ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "ولإجماع الأمة على أن من استيقظ ووجد المني، ولم ير احتلامًا، أن عليه الغسل" (¬3). نقله عنه القرافي (¬4)، ونقله عن القرافيِّ الحطابُ (¬5). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "إذا استيقظ فوجد على فخذه، أو على فراشه بللًا، على صورة المذي، ولم يتذكر الاحتلام فعليه الغسل، . . .، وأجمعوا أنه لو كان منيًّا أن عليه الغسل" (¬6). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وإن انتبه فرأى منيًّا، ولم يذكر احتلامًا، فعليه الغسل لا نعلم فيه خلافًا" (¬7). ونقله عنه ابن قاسم (¬8). النووي (676 هـ) حيث يقول معلقًا على قول صاحب "المهذب": "وإن رأى المني، ولم يذكر احتلامًا؛ لزمه الغسل" قال النووي: "وهذا الحكم الذي ذكره المصنف متفق عليه" (¬9). ¬
[6 - 239] من رأى منيا وذكر الاحتلام فعليه الغسل
المرداوي (885 هـ) حيث يقول: "فأما النائم؛ إذا رأى شيئًا في ثوبه، ولم يذكر احتلامًا ولا لذة؛ فإنه يجب عليه الغسل، لا أعلم فيه خلافًا" (¬1). وهو يقصد المذهب، فهو لا يعتني إلا بالمذهب، ولكن نقلته تعزيزًا للإجماع. • الموافقون على الإجماع: وافق على نفي الخلاف ابن عباس، وابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، والنخعي، وابن جبير، وعطاء (¬2)، وسفيان الثوري (¬3). • مستند الإجماع: حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-، قالت: جاءت أم سليم -امرأة أبي طلحة- إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: يا رسول اللَّه، إن اللَّه لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم، إذا رأت الماء" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ربط الأمر بالاغتسال برؤية الماء، وفي مسألتنا هذا متحقق، فوجب الغسل إذًا (¬5)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة مجاهد، والحكم، وحماد، وقتادة، وابن جبير (¬6)، فقالوا: لا يغتسل. والنقول عنهم تتفاوت في الصراحة، أصرحها ما نقل عن الحكم وحماد ومجاهد، والبقية محتملة، واللَّه تعالى أعلم. وخالف المالكية في قول غير مشهور، فقالوا بهذا القول (¬7). ولم يذكروا دليلًا، غير أنه يمكن أن يقال بأن من لم يذكر الاحتلام لا يقين لديه بموجب الغسل، ووجوب الغسل يحتاج ليقين، فلا يجب عليه الغسل.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [6 - 239] من رأى منيًّا وذكر الاحتلام فعليه الغسل: إذا رأى النائم بعد الاستيقاظ منيًّا، وتذكر أنه احتلم، فإنه يجب عليه الغسل. ¬
[7 - 240] الإيلاج يوجب الغسل
• من نقل نفي الخلاف: ابن العربي (543 هـ) حيث يقول عمن رأى ماءً بعد الاستيقاظ: "فإن ذكر -أي: الاحتلام- فلا خلاف أنه يغتسل" (¬1). ابن الهمام (861 هـ) حيث يقول عن السكران إذا أفاق وقد وجد بللًا: "ولا يشبه النائم إذا استيقظ، فوجد على فراشه مذيًا، حيث كان عليه الغسل؛ إن تذكر الاحتلام بالإجماع" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - حديث أم سلمة السابق، حيث فيه: "نعم، إذا رأت الماء" (¬5). • وجه الدلالة: أن الغسل واجب بالاحتلام، ورؤية الماء بنص الحديث، وهذه مسألتنا. 2 - يدل لمسألتنا أيضًا كل أدلة إيجاب الغسل بالإنزال، فهو قد أنزل هنا، وذكر الاحتلام، فوجب عليه الغسل للإنزال، واللَّه تعالى أعلم.Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [7 - 240] الإيلاج يوجب الغسل: إذا أولج المجامع ذكره في فرج المرأة، ولم ينزل، فيجب عليه الغسل بهذا، وإن لم ينزل. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، على أنه إذا جامع الرجل امرأته في الفرج، وجب عليهما الغسل، وإن لم ينزلا" (¬6). وهذا يشير إلى عدم اعتباره الإجماع في المسألة، فقد نسبه للأكثر. ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول عن مسألتنا: "وهو قول كل من نحفظ عنه من أهل ¬
الفتيا من علماء الأمصار، ولست أعلم اليوم بين أهل العلم فيه اختلافًا" (¬1). الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: "فثبت بذلك قول الذين قالوا: إن الجماع يوجب الغسل، كان معه إنزال أو لم يكن، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، وعامة العلماء رحمهم اللَّه تعالى" (¬2). ابن القصار (397 هـ) حيث يقول: "وأجمع التابعون ومن بعدهم، بعد خلاف من قبلهم، على الأخذ بحديث: "إذا التقى الختانان" (¬3)، وإذا صح الإجماع بعد الخلاف؛ كان مسقطًا للخلاف". نقله عنه القرطبي (¬4). ابن خويز منداد حيث نقل عنه ابن عبد البر قوله: "إجماع الصحابة انعقد على إيجاب الغسل من التقاء الختانين" (¬5). ونقله عنه الشوكاني (¬6). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وعلى هذا مذاهب أهل العلم، وبه الفتوى في جميع الأمصار فيما علمت" (¬7). ويلاحظ عدم تصريحه بالإجماع، وإنما ذكر ما عليه الفتوى والمذاهب، وسيأتي مزيد عنه في الخلاف في المسألة. ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "وانعقد الإجماع على وجوب الغسل بالتقاء الختانين، وإن لم ينزل، وما خالف إلا داود، ولا يعبأ به، فإنه لولا الخلاف ما عرف" (¬8). وقال: "واتفقوا -الصحابة- على وجوب الغسل بالتقاء الختانين، وإن لم يكن إنزال" (¬9). ونقله عنه ابن الملقن (¬10)، وابن حجر (¬11)، والشوكاني (¬12). القاضي عياض (544 هـ) حيث يقول عن القول بخلاف مسألتنا: "لا نعلم من قال به من بعد خلاف الصحابة إلا ما حُكي عن الأعمش، ثم داود الأصبهاني" (¬13). نقله عنه ¬
القرطبي (¬1). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الغسل بالتقاء الختانين" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "فالجنابة تثبت بأمور، بعضها مجمع عليه، وبعضها مختلف فيه، أما المجمع عليه فنوعان. . . والثاني: إيلاج الفرج في الفرج في السبيل المعتاد، سواء أنزل أو لم ينزل" (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "واتفق الفقهاء على وجوب الغسل في هذه المسألة -يعني مسألتنا- إلا ما حكي عن داود، أنه قال: لا يجب" (¬5). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "فقد أجمعت الأمة على أن رجلًا لو استكره امرأة، فمس ختانُه ختانَها، وهي لا تلتذ لذلك، أو كانت نائمة فلم تلتذ ولم تشته أن الغسلَ واجبٌ عليها" (¬6). والمسألة في المستكرهة، إلا أنها في مسألتنا من باب الأولى. النووي (676 هـ) حيث يقول: "فالذي يوجب اغتسال الحي أربعة متفق عليها وهي: إيلاج حشفة الذكر في فرج. . . " (¬7). وقال: "أعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع، وإن لم يكن معه إنزال، وعلى وجوبه بالإنزال، وكان جماعة من الصحابة على أن لا يجب إلا بالإنزال، ثم رجع بعضهم، وانعقد الإجماع بعد الآخرين" (¬8). ونقل ابن نجيم هذه العبارة دون إشارة (¬9). وقال: "وقد أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المني أو إيلاج الذكر في الفرج" (¬10). ونقله عنه الشوكاني (¬11). ابن الملقن (804 هـ) حيث يقول: "إن إيجاب الغسل لا يتوقف على إنزال المني، ¬
بل متى غابت الحشفة في الفرج وجب الغسل. . .، وهذا لا خلاف فيه اليوم، وقد كان فيه خلاف لبعض الصحابة، كعثمان، وأبيّ، ومن بعدهم، كالأعمش، وداود، ثم انعقد الإجماع على ما ذكرنا" (¬1). الحصكفي (1088 هـ) حيث يقول: "وإن لم ينزل -بأن أولج ولم ينزل- منيًّا بالإجماع" أي: يجب وإن لم ينزل (¬2). وأقره ابن عابدين في حاشيته على كلامه (¬3). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وقد ذهب إلى ذلك الخلفاء الأربعة، والعترة، والفقهاء، وجمهور الصحابة والتابعين، ومن بعدهم" (¬4). وهذا ليس فيه حكاية إجماع صريح، إلا أن قوله: "والفقهاء" من ألفاظ الإجماع الضعيفة. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع أبو بكر، وعمر بعد رجوعه، وعثمان، وعلي، وعائشة، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وأبو هريرة (¬5)، وسهل بن سعد، والنعمان بن بشير -رضي اللَّه عنهم-، وشريح، وعكرمة، وعبيدة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها؛ فقد وجب عليه الغسل" (¬8)، وفي لفظ: "وإن لم ينزل" (¬9). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا قعد بين شعبها الأربع، ثم مس الختان الختان، فقد وجب الغسل" (¬10). ¬
• وجه الدلالة: قال الشوكاني: "جهد وأجهد أي: بلغ المشقة، قيل: معناه كدها بحركته، أو بلغ جهده في العمل بها، والمراد به هنا معالجة الإيلاج، كنى به عنها" (¬1)، فربط عليه الصلاة والسلام وجوب الختان بالجهد في الحديث الأول، وبالمس في الحديث الثاني، ولم يذكر الإنزال، فدل على عدم الحاجة إليه لوجوب الغسل، وبعد ورود اللفظ الآخر: "وإن لم ينزل" أزال الشك، وأوضح أن الإيلاج دون الإنزال موجب للغسل، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: رُوي الخلاف في المسألة عن عثمان، وعلي، والزبير، وطلحة، وأبي بن كعب (¬2)، وابن عباس، وسعد بن أبي وقاص (¬3)، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت، وابن مسعود (¬4)، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن خالد، ومعاذ، ورافع بن خديج، وجمهور الأنصار -رضي اللَّه عنهم-، وعمر بن عبد العزيز (¬5)، والظاهرية (¬6). وخالف البخاري في المسألة، وقال بعد روايته أحد أدلة المخالفين: "الغسل أحوط، وذاك الآخِر، وإنما بيَّنا لاختلافهم" (¬7)، فيؤخذ من عبارته مخالفته وذكره للخلاف. ونسبه الشافعي لبعض الحجازيين (¬8). وهناك من العلماء من أنكر صحة الإجماع صراحة، كالخطَّابي، وابن حجر (¬9)، والزرقاني (¬10)، وجعلوه قول الجمهور فقط، وصححوا ثبوت الخلاف عن الأعمش، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهشام بن عروة، وعطاء (¬11). وكذلك ابن عبد البر (¬12)، ونسبه للجمهور (¬13). ¬
[8 - 241] الإيلاج في النائمة والمستكرهة موجب للغسل
وقال: "وكيف يجوز القول بإجماع الصحابة في شيء من هذه المسألة، مع ما ذكرنا في هذا الباب - يقصد خلاف بعض الصحابة" (¬1). وهناك من حكى الخلاف في عصر الصحابة، ولم يذكر الإجماع، كالطحاوي (¬2). وهناك من العلماء من ذكر رجوع الصحابة الذين خالفوا في بداية الأمر، ومنهم علي بن المديني (¬3)، وابن أبي شيبة راويًا عن بعضهم ذلك (¬4)، وابن عبد البر (¬5)، والقاضي عياض (¬6)، والنووي (¬7)، وابن حجر (¬8). واحتج من خالف بحديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الماء من الماء" (¬9). فقالوا: الغسل بالماء لا يجب إلا بالماء، الذي هو المني (¬10)، ورُد عليهم بأنه منسوخ.Rأن الإجماع غير متحقق في عصر الصحابة، وإلا لما رأينا عددًا من التابعين خالفوا في المسألة، أما بعدهم فوجدنا من خالف من بعض أهل الظاهر والحجازيين، وخلاف البخاري وغيره، فالمسألة لم يتحقق فيها إجماع في القرون الأولى بلا إشكال عندي، ولكن بعد ذلك لم أجد من خالف من العلماء، ولا من أتباع المذاهب في المسألة، كما أشار لذلك ابن المنذر، وابن القصار، وابن عبد البر، والقاضي عياض، والنووي، وابن الملقن فيما سبق، فيقال في هذه المسألة بأنها من قبيل الاتفاق بعد الاختلاف، وسبق أن أشرنا للخلاف عند الأصوليين في هذه المسألة، إلا أنني اخترت القول بأنه إجماع ظني في حق من يختار هذا القول، واللَّه تعالى أعلم. [8 - 241] الإيلاج في النائمة والمستكرهة موجب للغسل: إذا أولج الرجل في فرج امرأته وهي نائمة، أو أولج في مستكرَهة، فإنه يجب عليهما الغسل، وإن لم تقع لذة. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول في معرض حديثٍ له: ¬
"واحتج بالإجماع في إيجاب الغسل، وهي الطهارة الكبرى على المستكرهة والنائمة إذا جاوز الختانُ الختانَ، وإن لم تقع لذة" (¬1). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "فقد أجمعت الأمة على أن رجلًا لو استكره امرأة، فمس ختانُه ختانَها، وهي لا تلتذ لذلك، أو كانت نائمة فلم تلتذ ولم تشته، أن الغسلَ واجبٌ عليها" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا قعد بين شعبها الأربع، ثم مس الختان الختان، فقد وجب الغسل" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بالغسل من مس الختانين، ولم يفرق بين وجود اللذة وعدمها، فدل على عدم تأثير ذلك، ما دام أن الإيلاج قد حصل، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة ابن حزم، فقال بأن عليهما الوضوء فقط، ما دامت لم تنزل (¬7). واستدل بحديث أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إذا قعد بين شعبها الأربع، وأجهد نفسه، فقد وجب عليه الغسل، أنزل أو لم ينزل" (¬8). فقوله: "أجهد نفسه" هذا الإطلاق ليس إلا للمختار القاصد، ولا يسمى المغلوب أنه قعد، ولا النائم، ولا المغمى عليه" (¬9).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، حيث إن هذه المسألة تعد من فروع المسألة الأم، وهي وجوب الغسل من التقاء الختانين، وقد ¬
[9 - 242] مس الختان دون إيلاج لا يوجب الغسل
سبقت مناقشة تلك المسألة، وبيان أن الخلاف حاصل في القرون الأولى، بالإضافة لخلاف ابن حزم في مسألتنا أيضًا، وتعتبر هذه المسألة استثناءً من المسألة السابقة، واللَّه تعالى أعلم. [9 - 242] مسُّ الختان دون إيلاج لا يوجب الغسل: إذا مسّ ذكر الرجل فرج المرأة، دون أن يولج أو ينزل، فلا يجب عليه الغسل بهذا. • من نقل الإجماع: ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "ولو مسه من غير إيلاج ما وجب الغسل إجماعًا" (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولو مسَّ الختانُ الختانَ من غير إيلاج؛ فلا غسل بالاتفاق" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "فإنه لو وضع موضع ختانه على موضع ختانها، ولم يدخله في مدخل الذكر؛ لم يجب غسلٌ بإجماع الأمة" (¬3). ويقول: "وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها، ولم يولجه؛ لم يجب عليه الغسل، لا عليه ولا عليها" (¬4). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "ولو حصل المس قبل الإيلاج؛ لم يجب الغسل بالإجماع" (¬5). العيني (855 هـ) حيث يقول: "ولو ألصق الختان بالختان من غير إيلاج؛ فلا غسل بالاتفاق" (¬6). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "وليس المراد بالتقاء الختانين انضمامهما؛ لعدم إيجابه الغسل بالإجماع، بل تحاذيهما" (¬7). الزرقاني (1122 هـ) حيث يقول: "فلو وقع مسُّ بلا إيلاج؛ لم يجب الغسل ¬
[10 - 243] الحيض يوجب الغسل
بالإجماع" (¬1). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها، ولم يولجه؛ لم يجب الغسل على واحد منهما" (¬2). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "فقد انعقد الإجماع على أنه لو وضع ذكره على ختانها، ولم يولجه، لم يجب الغسل على واحد منهما" (¬3). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها؛ فقد وجب عليه الغسل" (¬4). • وجه الدلالة: في قوله: "ثم جهدها"، فلم يكتفِ بالجلوس، وفي بعض الألفاظ: "إذا مسّ الختان الختان ثم جهدها" فالجهد غير المس، ولا يجب الغسل إلا بالاثنين، ومن دون الجهد الذي هو الإيلاج لا يجب الغسل، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [10 - 243] الحيض يوجب الغسل: إذا حاضت المرأة، ثم طهرت، فإن الغسل يجب عليها بالإجماع، وهذا ما سنناقشه في مسألتنا. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول عن الحائض: "وفي إجماع الجميع من الأمة على أن الصلاة لا تحل لها إلا بالاغتسال" (¬5). ونقله عنه النووي (¬6)، وابن قاسم (¬7). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وجاءت الأخبار الثابتة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على وجوب الاغتسال على الحائض إذا طهرت، وأجمع أهل العلم على ذلك" (¬8). ونقله عنه النووي (¬9)، وابن قاسم (¬10). ¬
ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الدم الأسود الخارج في أيام الحيض من فرج المرأة التي من كانت في مثل سنها حاضت يوجب الغسل على المرأة" (¬1). ويقول: "وانقطاع دم الحيض في مدة الحيض، ومن جملته دم النفاس، يوجب الغسل لجميع الجسد والرأس، وهذا إجماع متيقن، من خالفه كفر عن نصوص ثابتة" (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وأما الحدث الثاني -أي: الحدث الموجب للغسل - الذي اتفقوا أيضًا عليه؛ فهو دم الحيض، أعني: إذا انقطع" (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في وجوب الغسل بالحيض والنفاس" (¬4). ونقله عنه البهوتي (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على وجوب الغسل بسبب الحيض، وبسبب النفاس" (¬6). ونقله عنه ابن قاسم (¬7). الزركشي (772 هـ) حيث يقول: "لا خلاف في وجوب الاغتسال بذلك -الحيض والنفاس- في الجملة" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: قوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يعني: إذا اغتسلن، مَنَع الزوجَ من وطئها قبل الغسل؛ فدل على وجوبه عليها (¬10). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: "لا، إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر ¬
[11 - 244] النفاس يوجب الغسل
الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرها بالاغتسال قبل الصلاة (¬2).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، والمسألة من المعلوم من الدين بالضرورة، التي لا يعذر المكلف بجهلها، واللَّه تعالى أعلم. [11 - 244] النفاس يوجب الغسل: إذا خرجت المرأة من النفاس، فإن الغسل عليها واجب، وقد حكى الإجماع عليه عددٌ من أهل العلم، هذا ما سنناقشه في مسألتنا. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث نقل عنه النووي (¬3)، والعيني (¬4)، وابن قاسم (¬5) حكايته للإجماع في المسألة (¬6). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن على النفساء الاغتسال إذا طهرت" (¬7). ونقله عنه العيني (¬8)، وابن قاسم (¬9). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وكذلك الغسل منه -النفاس- واجب بإجماع" (¬10). الكاساني (587 هـ) حيث يقول بعد ذكر دليل وجوب الغسل من الحيض: "ولا نص في وجوب الغسل من النفاس، وإنما عرف بإجماع الأمة، ثم إجماع الأمة يجوز أن يكون بناء على خبر من الباب، لكنهم تركوا نقله اكتفاء بالإجماع عن نقله؛ لكون الإجماع أقوى" (¬11). ونقله عنه ابن نجيم (¬12). المرغيناني (593 هـ) حيث يقول: "وكذا النفاس بالإجماع" (¬13)، أي وكذا الخروج من النفاس يوجب الغسل بالإجماع (¬14). ¬
[12 - 245] غسل النفاس كغسل الحيض
ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في وجوب الغسل بالحيض والنفاس" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على وجوب الغسل بسبب الحيض، وبسبب النفاس" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). الزركشي (772 هـ) حيث يقول: "لا خلاف في وجوب الاغتسال بذلك -الحيض والنفاس- في الجملة" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - أن دم النفاس دم حيض مجتمع، فيأخذ حكمه، ويستدل على وجوب الغسل من النفاس بأدلة الحيض (¬6). 2 - أن دم النفاس يحرم الصوم والوطء، ويسقط فرض الصلاة؛ فأوجب الغسل كالحيض، فيأخذ حكمه إذًا (¬7).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [12 - 245] غسل النفاس كغسل الحيض: إذا خرجت المرأة من النفاس، فإنها تغتسل كما تغتسل من الحيض، وعلى هذا حكى ابن حزم الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وقد صح الإجماع بأن غسل النفاس كغسل الحيض" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، ¬
[13 - 246] الوضوء للحائض لا يكفي للصلاة
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: أن دم النفاس دم حيض مجتمع، فيأخذ حكمه، فكل ما ورد من الأمر والبيان في غسل الحيض وارد في النفاس؛ لأنهما شيء واحد (¬3).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [13 - 246] الوضوء للحائض لا يكفي للصلاة: إذا طهرت الحائض، وأرادت الصلاة، فإن الوضوء لا يكفي لحِلِّ أدائها للصلاة، وقد حكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "لإجماع الجميع على أنها لا تصير بالوضوء بالماء طاهرًا الطهر الذي يحل لها به الصلاة" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى منع من الوطء إلا بعد التطهر، والتطهر هو الاغتسال، والصلاة أعظم شأنًا من الوطء، فلا بد فيها من الغسل، ولا يكفي الوضوء (¬10). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: "لا، إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي" (¬11). ¬
[14 - 247] تجدد الإسلام يوجب الوضوء
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرها بأن تغتسل بعد الحيض، مما يدل على لزومه، وأن الوضوء لا يكفي، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [14 - 247] تجدد الإسلام يوجب الوضوء: إذا ارتد مسلم -والعياذ باللَّه- ثم أسلم من جديد، فإنه يجب عليه الوضوء عندئذٍ. • من نقل الإجماع: سند بن عنان (541 هـ) حيث يقول عمَّن جدد إسلامه: "هو مأمور بالوضوء إجماعًا". نقله عنه القرافي (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الأوزاعي، وأبو ثور (¬2)، والحنفية (¬3)، والمالكية في المشهور (¬4)، والشافعية في وجه (¬5)، والحنابلة على الصحيح (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]. • وجه الدلالة: أن الآية تدل على أن العمل يحبطه الشرك، والطهارة عمل، فيجب أن تحبط بالشرك (¬7). 2 - أن الوضوء عبادة يفسده الحدث، فيفسده الشرك؛ كالصلاة (¬8). 3 - علَّل القرافي هذا الأمر بأنه مأمور بالصلاة التي من شرطها الطهارة، فيجب عليه تحصيل الشرط وهو الطهارة، لا أنه مؤاخذ بأمر تقدم الإسلام (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف ابن القاسم من المالكية في المسألة، وقال باستحباب الوضوء فقط (¬10). ¬
[15 - 248] الغسل يجزئ عن الوضوء
وحكى الحطاب في المسألة الخلاف، وسمى الرأي الأول بالمشهور (¬1). وخالف الشافعية على الوجه الأشهر عندهم (¬2)، والحنابلة على قول عندهم (¬3)، فقالوا بعدم وجوب الوضوء. واستدلوا بقول اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 217] فحيث شرط الموت لحبوط العمل، إذًا لا تبطل الطهارة (¬4).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، أما إذا كان المقصود أنه بإسلامه ستجب عليه الصلاة، ومن ثم يجب عليه الوضوء، ففي هذه الحالة الإجماع متحقق في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [15 - 248] الغسل يجزئ عن الوضوء: إذا اغتسل الجنب، ولم يتوضأ قبل اغتساله ولا بعده، فإنه يجزئه غسله عن الوضوء (¬5). • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "فإن لم يتوضأ المغتسل للجنابة قبل الغسل، ولكنه عم جسده ورأسه ويديه وجميع بدنه بالغسل بالماء، وأسبغ ذلك؛ فقد أدى ما عليه، إذا قصد الغسل ونواه. . .، وهذا إجماع من العلماء لا خلاف بينهم فيه، والحمد للَّه" (¬6). ونقله عنه ابن قدامة (¬7). ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "لم يختلف أحد من العلماء في أن الوضوء داخل في الغسل، وأن نية طهارة الجنابة. . . يأتي على طهارة الحدث ويقضي عليها" (¬8). ونقله الشوكاني (¬9)، وصديق خان عنه (¬10). العدوي (1189 هـ) حيث يقول: "ويجزئ -الغسل- عن الوضوء اتفاقًا" (¬11). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬1)، والشافعية في وجه (¬2)، والحنابلة على المذهب عندهم (¬3)، وابن حزم، إلا أنه اشترط أن يبدأ بالرأس ثم الجسد (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى إنما افترض على الجنب الغسل دون الوضوء (¬5)، فلم يذكر الوضوء مع الحاجة لذكره لو كان واجبًا، ولم يأتي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إيجابه، فدل على عدم وجوبه. 2 - يقول السرخسي: "والاطِّهار -يقصد في الآية- يحصل بغسل جميع البدن، ولأن مبنى الأسباب الموجبة للطهارة على التداخل" (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف أحمد في رواية عنه، فقال: لا يجزئه الغسل عن الوضوء، حتى يأتي به قبل الغسل أو بعده (¬7). وهو قول أبي ثور، وداود كما سبق، وحكاه السرخسي قولًا للعلماء (¬8). واحتجوا بأنه فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويجب اتباعه (¬9). وأما الشافعية، فقالوا: عندما يكون قد أحدث قبل الجنابة، فلديهم في هذه المسألة ثلاثة أوجه، والمخالف لمسألتنا منها قولان: أحدهما: أن عليه أن يجمع بين الوضوء والغسل. والثاني: أنه لا يجب عليه الجمع بينهما، ولكن يجب الترتيب في الغسل، فيكون قد توضأ بذلك (¬10). وهذان الوجهان عندهم يخالفان مسألتنا في حالة الحدث قبل الجنابة فقط. ¬
[16 - 249] الوضوء ليس واجبا في الغسل
واحتجوا بأن الوضوء والغسل حكمان مختلفان، وجبا لسببين مختلفين؛ فوجبا أن لا يتداخلا (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، وقد سبق نقل كلام ابن حجر في المسألة، حيث رد نقل ابن بطال للإجماع، واللَّه تعالى أعلم. [16 - 249] الوضوء ليس واجبًا في الغسل: إذا أجنب المسلم وأراد الغسل، فإنه لا يجب عليه الوضوء مع الغسل، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث حكى عنه النووي (¬2)، وابن قاسم (¬3) أنه نقل الإجماع بأن الوضوء لا يجب مع الغسل (¬4). ابن بطال (449 هـ) نقله عنه ابن حجر، حيث قال ابن حجر: "ونقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل، وهو مردود فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما بأنه لا ينوب عنه" (¬5). ونقله الصنعاني (¬6)، والشوكاني (¬7). النووي (676 هـ) حيث يقول: "الوضوء سنة في الغسل، وليس بشرط ولا واجب، هذا مذهبنا، وبه قال العلماء كافة إلا ما حُكي عن أبي ثور وداود أنهما شرطاه" (¬8). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "وقام الإجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجب" (¬9). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "واتفق العلماء على عدم وجوب الوضوء في الغسل إلا داود الظاهري، فقال بالوجوب في غسل الجنابة" (¬10). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬11)، والحنابلة (¬12). ¬
[17 - 250] استحباب الوضوء قبل الاغتسال
• مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بالغسل ولم يذكر الوضوء، مما يدل على عدم وجوبه فيه (¬1). 2 - حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-، في قوله عليه الصلاة والسلام لها: "إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اكتفى في الحديث بإفاضة الماء، ولم يذكر الوضوء، مما يدل على عدم وجوبه في الغسل (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف أبو ثور، وداود (¬4) في المسألة، فقالوا باشتراط الوضوء في الغسل. ولم يذكروا لهما دليلًا، إلا أنه يمكن أن يقال بأن الوارد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هديه في الغسل أنه يتوضأ فيه، فوجب أن يكون كذلك كي يكون مجزئًا.Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [17 - 250] استحباب الوضوء قبل الاغتسال: إذا أراد الجنب الاغتسال، فإنه يستحب له الوضوء قبل الاغتسال. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "إلا أنهم مجمعون أيضًا على استحباب الوضوء قبل الغسل للجنب" (¬5). ونقله عنه ابن قدامة (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "الوضوء سنة في الغسل، وليس بشرط ولا واجب، هذا مذهبنا، وبه قال العلماء كافة إلا ما حُكي عن أبي ثور وداود أنهما شرطاه" (¬7). وقول أبي ثور، وداود وغيرهم منصبٌ على مسألة وجوب الوضوء مع الغسل، لا ¬
[18 - 251] عدم مشروعية إعادة الوضوء بعد الغسل
على الاستحباب، فخلافهم ليس معارضًا لمسألتنا. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وابن حزم (¬3). • مستند الإجماع: فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الوارد في عدد من الأحاديث، حيث في صفة اغتساله عليه الصلاة والسلام أنه يتوضأ قبل الاغتسال (¬4)، ومجرد الفعل يدل على الاستحباب، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [18 - 251] عدم مشروعية إعادة الوضوء بعد الغسل: إذا اغتسل الجنب آتيًا بالسنة في ذلك بأن توضأ ثم اغتسل، كما ورد من صفة غسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه لا يشرع له أن يعيد وضوءه بعد الغسل. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "وهذا قول غير واحد من أهل العلم، أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والتابعين؛ أن لا يتوضأ بعد الغسل" (¬5). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع العلماء على أن الوضوء لا يعاد بعد الغسل؛ من أوجب منهم المضمضة والاستنشاق، ومن لم يوجبها" (¬6). ونقل عنه القرافي نحوه (¬7). البغوي (516 هـ) حيث قال بعد حديث: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة" (¬8)، قال: "وهذا قول عامة أهل العلم" (¬9). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وتحصيل الفضيلة بالوضوء قبل الغسل أو بعده، وإذا توضأ أولًا لا يأتي به ثانيًا، فقد اتفق العلماء على أنه لا يستحب وضوءان" (¬10). ونقله ¬
عنه ابن نجيم (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عمر، وحذيفة -رضي اللَّه عنهم-، وعلقمة، وابن جبير، وعكرمة (¬2)، والحنفية (¬3)، والشافعية في حالة ما لو أجنب ولم يحدث، وعلى الصحيح عندهم فيما لو أحدث أيضًا (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - أحاديث وصف وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6)، إذ فيها أنه لم يعد الوضوء بعد الغسل، والزيادة عليها بدعة، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يتوضأ بعد الغسل" (¬7). • وجه الدلالة: وصف فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والزيادة عليه بدعة، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: ورد عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه كان يتوضأ بعد الغسل (¬8). ونقل القرافي عن بعض المالكية بعد نقله الإجماع عن ابن عبد البر في المسألة بالموافقة، أنه جعل الأمر بالوضوء بعد الغسل ظاهر المذهب عندهم (¬9). وخالف الشافعية أيضًا فيما لو أحدث ثم أجنب، على وجه عندهم، بأن عليه إعادة الوضوء (¬10). وإن أحدث بعد أن أجنب؛ ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا يؤثر، فيكون كمن لم يحدث، وسبق في الموافقة. والثاني: أن يكون كمن أحدث قبل الجنابة، وسبق (¬11). ¬
[19 - 252] الإيلاج في غير الفرج والدبر لا يوجب الغسل
ففي هاتين الصورتين ثبت خلاف الشافعية فيهما، ولم يذكروا دليلًا. ولكن يمكن أن يقال بأن الوضوء والغسل واجبان لا يتداخلان، وقد وُجد الموجب لهما، فيجب لكل موجب ما أوجبه، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، خصوصًا مع ورود خلاف علي -رضي اللَّه عنه-، ومع ثبوت خلاف الشافعية لم يبق إشكال، إلا في مسألة من لم يحدث مع الغسل، وهذا لا يقع إلا في صور قليلة، ولا يثبت فيها إجماع مع خلاف علي -رضي اللَّه عنه- (¬1)، واللَّه تعالى أعلم. [19 - 252] الإيلاج في غير الفرج والدبر لا يوجب الغسل: إذا أولج الرجل ذكره في غير الفرج والدبر، ولم ينزل، فلا يجب عليه الغسل. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث نقل عنه النووي (¬2) حكايته الإجماعَ في المسألة بعد قوله: "لو أولج ذكره في فم المرأة، وأذنها، وإبطها، وبين إليتها، ولم ينزل؛ فلا غسل" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: يستدل هنا بأدلة إيجاب الغسل بالتقاء الختانين التي سبقت، فالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علق وجوب الاغتسال بالتقائهما، ولم يحصل الالتقاء في مسألتنا؛ فلم يجب الغسل حتى يأتي الدليل الموجب للغسل، وهو لا يُعلم، فيبقى الأصل بعدم وجوب الغسل، واللَّه تعالى أعلم (¬8).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. ¬
[20 - 253] الغسل ليس على الفور
[20 - 253] الغسل ليس على الفور: إذا أجنب المسلم، فإنه لا يجب عليه أن يغتسل فورًا من ساعته. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "وغسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة، وهذا بإجماع المسلمين" (¬1). ونقله عنه الشوكاني (¬2). سراج الدين الهندي (773 هـ) حيث يقول: "الإجماع على أنه لا يجب الوضوء على المحدث، والغسلُ على الجنب والحائض والنفساء، قبل وجوب الصلاة أو إرادة ما لا يحل إلا به". نقله عنه ابن نجيم (¬3). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول بعد نقله الإجماع السابق: "فإنهم اتفقوا على عدم الإثم قبل وجوب الصلاة" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع حذيفة، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم- (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - حديث عبد اللَّه بن أبي قيس أنه سأل عائشة: كيف كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصنع في الجنابة، أكان يغتسل قبل أن ينام؛ أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: "كل ذلك قد كان يفعل؛ ربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن يلتزم الفور في الغسل، فدل على عدم وجوبه، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث عمر -رضي اللَّه عنه-، قال: يا رسول اللَّه أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: "نعم، إذا توضأ" (¬9). ¬
[21 - 254] النوم والأكل والجماع جائز للجنب بعد الوضوء
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجاز للجنب أن ينام دون أن يغتسل؛ فدل على أن الفور ليس بواجب (¬1)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: ذكر القرافي أن الفور فريضة (¬2)، ولكنه يقصد بالفور الموالاة، واللَّه تعالى أعلم (¬3).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [21 - 254] النوم والأكل والجماع جائز للجنب بعد الوضوء: إذا أراد الجنب أن ينام أو يأكل أو يجامع، وقد توضأ بعد الجنابة، فإنه يجوز له ذلك، ولا يجب عليه الغسل لذلك. والمسألة مقيدة بما إذا توضأ، وذلك لوجود الخلاف فيما لو لم يتوضأ. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "حاصل الأحاديث كلها (¬4) أنه يجوز للجنب أن ينام ويأكل ويشرب ويجامع قبل الاغتسال، وهذا مجمع عليه" (¬5). ونقله الشوكاني عنه (¬6). وبما أن النووي أطلق المسألة، ولم يبين كون الإجماع بعد الوضوء أو من دونه سأحمله على العموم، وأنه لم يرد التفصيل (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع حذيفة، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، وابن المسيب (¬8)، والحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والحنابلة (¬11)، وابن حزم (¬12). • مستند الإجماع: 1 - حديث عمر -رضي اللَّه عنه-، قال: يا رسول اللَّه, أينام أحدنا وهو ¬
[22 - 255] عدم وجوب الوضوء على الجنب للأكل والشرب
جنب؟ قال: "نعم، إذا توضأ" (¬1). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا كان جنبًا، فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة" (¬2). • وجه الدلالة: بدلالة المطابقة، فليس فيها ذكر الإلزام بالاغتسال (¬3). • الخلاف في المسألة: نقل القرافي عن بعض الشافعية مخالفتهم، ومنعهم من ذلك (¬4)، ولكن الأظهر أنه يقصد حالة ما لو لم يتوضأ، فلم أجد خلافًا لدى الشافعية في المسألة (¬5).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [22 - 255] عدم وجوب الوضوء على الجنب للأكل والشرب: إذا أراد الجنب أن يأكل أو يشرب، فإنه لا يجب عليه الوضوء قبل أن يفعل ذلك. • من نقل الاتفاق: الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول عن الجنب: "وأما من أراد أن يأكل أو يشرب؛ فقد اتفق الناس على عدم وجوب الوضوء عليه" (¬6). ولعله يريد بالناس هنا العلماء. • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق مجاهد، وابن المسيب، والزهري، والنخعي فيما يفهم من أقوالهم (¬7)، والحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، وابن حزم (¬12). • مستند الاتفاق: حديث عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من تعار من الليل فقال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد للَّه، وسبحان اللَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى؛ قبلت ¬
[23 - 256] تكرر الجماع يكفي فيه غسل واحد
صلاته" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أباح الذكر الذي هو أعظم من الطعام، للمستيقظ من نومه، ولا يخلو من أن يكون يومًا جنبًا، ومع ذلك لم يأمره عليه الصلاة والسلام بأن يتوضأ، فإباحة الطعام من باب أولى (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: حكى ابن سيد الناس، عن ابن عمر أنه واجب (¬3). ولم أجد من يؤكد ذلك، هناك عبارات لعدد من الصحابة والتابعين (¬4) بأن الجنب إذا أراد الطعام فإنه يتوضأ، ولكن ليس فيها التصريح بالإلزام، فهي تحتمل المشروعية فقط، وتحتمل الإلزام أيضًا، ولكن الأظهر -واللَّه تعالى أعلم- أنها ليست للإلزام؛ لأن أحدًا من العلماء لم يذكر ذلك، غير ابن سيد الناس عن ابن عمر، ولم يدعّم دعواه بالنقل عنه، فيبقى الأمر للمشروعية حتى يثبت الإلزام، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق على الأظهر؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [23 - 256] تكرر الجماع يكفي فيه غسل واحد: إذا وطئ الرجل المرأة عدة مرات، ولم يغتسل بينها، فيجزئه غسل واحد. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن من وَطِئَ مرارًا امرأةً واحدةً فغسلٌ واحدٌ يجزئ" (¬5). ونقله عنه النووي كما سيأتي. النووي (676 هـ) حيث يقول: "وكذا لو أجنب مرات بجماع امرأة واحدة، أو نسوة، أو احتلام أو بالمجموع؛ كفاه غسل بالإجماع. . . وممن نقل الإجماع فيه أبو محمد بن حزم، واللَّه تعالى أعلم" (¬6). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والحنابلة (¬9). ¬
[24 - 257] عدم وجوب الغسل لمعاودة الجماع
• مستند الاتفاق: 1 - حديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود، فليتوضأ" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمر بالغسل قبل المعاودة، فدل على عدم وجوبه، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث أنس رضي اللَّه تعالى عنه، "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد" (¬2). • وجه الدلالة: التصريح بأنه اغتسل بغسل واحد، بعد أن طاف على نسائه، وهو يدل بالمطابقة على مسألتنا (¬3)، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [24 - 257] عدم وجوب الغسل لمعاودة الجماع: إذا أراد الرجل أن يعود لجماع زوجته وهو جنب، فإنه لا يجب عليه الغسل قبل الجماع. والفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة أن الأولى في الإجزاء وعدمه لمن جامع عدة مرات، وأتى بغسل واحد، فلا يجب عليه سوى غسل واحد. أما مسألتنا فتتحدث عن الإلزام بالغسل قبل فعل الجماع. • من نقل الإجماع: ابن العربي (543 هـ) حيث يقول بعد ذكر حديث أبي رافع في الاغتسال بعد كل جماع (¬4): "ولم أعلم أحدًا قال به؛ لأنه لا يصح" (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول: "حاصل الأحاديث كلها أنه يجوز للجنب أن ينام، ويأكل، ويشرب ويجامع قبل الاغتسال وهذا مجمع عليه" (¬6). ونقله عنه الشوكاني (¬7). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا على أن الغسل بينهما -الجماعين- ¬
[25 - 258] استحباب الغسل لمعاودة الجماع
لا يجب" (¬1). العيني (855 هـ) حيث يقول عن الغسل بين الجماعين: "أجمع العلماء على أنه لا يجب بينهما، وإنما هو مستحب" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: حديث أنس -رضي اللَّه عنه-، "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يطوف على نسائه بغسل واحد" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كرر الجماع دون أن يغتسل، مما يدل على عدم وجوب الغسل لمعاودة الجماع (¬5).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [25 - 258] استحباب الغسل لمعاودة الجماع: إذا أراد الجنب أن يعاود الجماع، فيستحب له أن يغتسل عند كل معاودة. • من نقل نفي الخلاف: الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث (¬6) يدل على عدم وجوب الاغتسال، على من أراد معاودة الجماع. . . وأما الاستحباب فلا خلاف في استحبابه" (¬7). ويقول أيضًا: "والحديث (¬8) يدل على استحباب الغسل قبل المعاودة، ولا خلاف فيه" (¬9). ¬
[26 - 259] الاغتسال مرتان للمجنب لموجبين مجزئ
• الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنابلة (¬1)، والشافعية (¬2). أما الحنفية فلم أجد كلامًا لهم في المسألة غير استحباب الغسل للمحتلم قبل المعاودة (¬3). وأما المالكية فلم أجد لهم كلامًا في المسألة سوى أنهم يذكرون استحباب الوضوء قبل المعاودة فقط (¬4). • مستند نفي الخلاف: حديث أبي رافع -رضي اللَّه عنه-، مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طاف على نسائه في ليلة، فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلًا، فقلت: يا رسول اللَّه لو اغتسلت غسلًا واحدًا، فقال: "هذا أطهر وأطيب" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الاغتسال عند كل جماع أطهر وأطيب، وهذا يدل على استحباب هذا الفعل (¬6)، واللَّه تعالى أعلم.Rلم أستطع الوصول لنتيجة ظاهرة، نظرًا لعدم حصولي على كلامٍ لأهل العلم من الحنفية والمالكية في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [26 - 259] الاغتسالُ مرَّتانِ للمُجنب لموجِبينِ مجزئ: إذا اجتمع على المسلم سببان يوجبان الغسل، ثم أراد الاغتسال، فاغتسل مرتين، فإن ذلك يجزئه بالاتفاق. هناك من العلماء من قال بوجوب الغسل مرتين (¬7)، فذكر ابن حزم هذه المسألة بناءً ¬
[27 - 260] غسل واحد بنية عن موجبين مجزئ
على عادته في ذكر الإجماع على أقل ما قيل في المسألة. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا إن اجتمع عليه أمران كل واحد منهما يوجب الغسل، فاغتسل لكل واحد منهما غسلًا ينويه به، ثم للآخر منهما كذلك؛ أنه قد طهر، وأدَّى ما عليه" (¬1). وقال: "واتفقوا أن من اجتمع عليه غسلان، كحائض أجنبت أو نحو ذلك، فاغتسل أو اغتسلت غسلين؛ فقد أديا ما عليهما" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). أما الحنفية فلم أجد لهم كلامًا عن المسألة، ولكن وجدت كلامهم في الوضوء بأنه يجزئ من أحداث متعددة (¬6)، وكونه اغتسل عن كل موجب فمجزئ من باب أولى، وهم لا يفرقون بينهما (¬7)، واللَّه تعالى أعلم. • مستند الاتفاق: كل ما يوجب الغسل من جنابة أو حيض أو جمعة -عند من يوجبه- إذا وقع على المسلم، لزمه الاغتسال بعده، فإذا اجتمع عليه سببان، ثم اغتسل لكلٍّ منهما؛ فقد أتى بالواجب على أكمل وجه، وأتى بما أمر اللَّه تعالى من الاغتسال، فيستدل هنا بما يُستدل به على وجوب الغسل من كل سبب من أسباب وجوب الغسل، ويضاف إليه بأنه اغتسل لكل سبب، ولم يجمعها في نية واحدة، فقد أدى ما عليه، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، والأصل عدم الخلاف حتى يثبت، خاصة أن المسألة محكية على طريقة الإجماع على أقل ما قيل، واللَّه تعالى أعلم. [27 - 260] غسل واحد بنيةٍ عن موجِبينِ مجزئ: إذا أجنب المسلم لموجبين مختلفين، وأراد الاغتسال، فاغتسل غسلًا واحدًا عن ¬
الاثنين، فيجزئه غسله هذا. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن من اغتسل ينوي الغسل للجنابة والجمعة جميعًا، في وقت الرواح؛ أن ذلك يجزئه منهما جميعًا، وأن ذلك لا يقدح في غسل الجنابة، ولا يضره اشتراك النية في ذلك، إلا قومًا من أهل الظاهر شذوا فأفسدوا الغسل إذا اشترك فيه الفرض والنفل، وقد روي مثل هذا في رواية شذت عن مالك" (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "فإن اغتسل للجمعة والجنابة غسلًا واحدًا، ونواهما؛ أجزأه، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وكذا لو أجنب مرات بجماع امرأة واحدة أو نسوة أو احتلام أو بالمجموع؛ كفاه غسل بالإجماع، وسواء كان الجماع مباحًا أو زنى، وممن نقل الإجماع فيه أبو محمد بن حزم" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عمر (¬4)، ومجاهد، ومكحول، والثوري، والأوزاعي، وأبو ثور (¬5)، والحنفية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن يغتسل من الجماع إلا اغتسالًا واحدًا، وهو يتضمن التقاء الختانين والإنزال غالبًا؛ فدل على عدم وجوب اغتسالين، وإلا لبينه عليه الصلاة والسلام (¬7). 2 - أنهما سببان يوجبان الغسل؛ فأجزأ الغسل الواحد عنهما، كالحدث، والنجاسة (¬8). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الحسن، والنخعي (¬9)، وابن حزم (¬10)، فقالوا بوجوب غسلين لكل موجب غسل يخصه. ¬
[28 - 261] الغسل واجب من الزنى كالحلال
وحكاه ابن حزم عن جابر بن زيد، والحسن، وقتادة، وإبراهيم النخعي، والحكم، وطاوس، وعطاء، وعمرو بن شعيب، والزهري، وداود، والظاهرية (¬1). ولا شك أن النووي عندما نقل عن ابن حزم حكايته للإجماع في المسألة وهِمَ في ذلك، والذي حكى فيه الاتفاق هو كما في المسألتين السابقتين فقط، أما مسألتنا فخالف فيها هو. واستدلوا بقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى" (¬2)، فقد صح يقينًا أنه مأمور بكل غسل من هذه الأغسال، فإذ قد صح ذلك؛ فمن الباطل أن يجزئ عمل واحد عن عملين أو عن أكثر (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [28 - 261] الغسل واجبٌ من الزِّنى كالحلال: إذا أجنب المسلم من الزنا، فإنه يجب عليه ما يجب من جنابة الحلال، فيغتسل كما يغتسل من الحلال. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الغسل في الإجناب من الزنى واجبٌ، كوجوبه من وطْءِ الحلال" (¬4). ونقله عنه النووي (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وكذا لو أجنب مرات بجماع امرأة. . . كفاه غسلٌ بالإجماع، وسواء كان الجماع مباحًا؛ أو زنى" (¬6). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية، حيث لم يشترطوا ذلك عند حديثهم عن موجبات الغسل (¬7)، والمالكية كذلك، بل أوجبوا الغسل من وطء البهيمة (¬8)، والزنا من باب أولى، والحنابلة، حيث لم يشترطوا أن يكون الفرج مباحًا، ولم يشيروا لذلك (¬9). ¬
[29 - 262] الإنزال ثانيا للمغتسل بعد البول أو النوم أو المشي لا يوجب الغسل
• مستند الاتفاق: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن الآية الكريمة وغيرها من أدلة وجوب الغسل من الجنابة، لم تفرق بين الجنابة من الحلال والحرام، بل هي مجملة تحتمل الجميع، ولا تخصيص دون دليل، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [29 - 262] الإنزال ثانيًا للمغتسل بعد البول أو النوم أو المشي لا يوجب الغسل: إذا اغتسل من وجب عليه الغسل، بعدما بال أو نام أو مشي، ثم خرج منه مني، فلا يجب عليه الاغتسال ثانيًا. • من نقل الإجماع: الزيلعي (743 هـ) حيث يقول عن المني: "لو خرج بعدما بال أو نام أو مشى؛ لا يجب عليه الغسل اتفاقًا" (¬1). العيني (855 هـ) حيث يقول: "لو أمنى بعد البول أو النوم لا غسل عليه بالاتفاق، وعند الشافعي يجب في الحال. . " (¬2). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "فلو خرج بقية المني بعد البول أو النوم أو المشي؛ لا يجب الغسل إجماعًا" (¬3). وقال بعدها أيضًا: "أن المني الخارج بعد البول لا يوجب الغسل إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع علي، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، وعطاء، والزهري، والليث، والثوري (¬5)، والأوزاعي، والحسن (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة على الصحيح من المذهب عندهم، وعلى رواية أنه يجب الغسل إذا خرج المني قبل ¬
[30 - 263] الغسل من المذي لا يجب
البول، دون ما بعده (¬1). • مستند الإجماع: 1 - أن ما يخرج بعد البول أو النوم أو المشي يكون مذيًا، وليس بمني، فيجب الوضوء فقط (¬2). 2 - أن البول والنوم والمشي يقطع مادة الشهوة، وما يخرج من دون شهوة ليس موجبًا للغسل -على القول بعدم وجوب الغسل من الإنزال دون شهوة (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الشافعية (¬4)، وأحمد في رواية عنه (¬5)، أنه يجب الغسل مطلقًا، سواء خرج المني قبل البول أو بعده. وقد حكى العيني كما سبق الخلاف في المسألة، مما يعني أنه يقصد الاتفاق المذهبي. واحتجوا بحديث أم سليم: فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم، إذا رأت الماء" (¬6). فمتى رُئِيَ الماء وجب الغسل. وخالف أحمد في رواية أخرى، أنه إن خرج المني بعد البول؛ فيجب الغسل دون ما قبله (¬7). ولم يذكروا دليلًا عليها.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [30 - 263] الغسل من المذي لا يجب: خروج المذي من ذكر الرجل غير موجب للغسل، وقد حُكي الإجماع في المسألة. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "فأجمع المسلمون على أن المذي والودي لا يوجبان الغسل" (¬8). ونقله عنه ابن نجيم (¬9)، وابن قاسم (¬10). ¬
ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "واستُدل بقوله عليه الصلاة والسلام: "توضأ" (¬1) على أن الغسل لا يجب بخروج المذي، وصرح بذلك في رواية لأبي داود وغيره، وهو إجماع" (¬2). ونقله عنه الشوكاني (¬3). العيني (855 هـ) حيث يقول: "الماء من الماء (¬4) عام، يتناول المني والمذي والودي، ولم يكن إجراؤه على العموم؛ لعدم وجوب الغسل في المذي والودي بالإجماع" (¬5). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "لا يجب الغسل بإنزال المذي والودي والبول بالإجماع" (¬6). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول عن حديث علي (¬7): "ودليلٌ على أنه لا يوجب غسلًا، وهو إجماع" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬9)، والحنابلة (¬10)، وابن حزم (¬11). • مستند الإجماع: حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، قال: كنت رجلًا مذاءً، فاستحييت أن أسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: "يغسل ذكره ويتوضأ" (¬12). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمره بالاغتسال، بل أمره بالوضوء وغسل الذكر، ولو كان الاغتسال واجبًا عليه لذكره عليه الصلاة والسلام؛ فدل على عدم وجوبه (¬13). • الخلاف في المسألة: في مسألة ما لا يوجب غسلًا، استثنى ابن حزم الإمذاءَ منها، ما يدل على علمه بوجود خلافٍ في المسألة (¬14). ولعله وهم منه، حيث لم أجد من ذكر خلافًا في المسألة إطلاقا، حتى ابن حزم ¬
[31 - 264] الغسل من الودي لا يجب
نفسه لم يذكر شيئًا (¬1)، فلا حكم لهذه الإشارة حتى نتيقن من الخلاف، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. [31 - 264] الغسل من الودي لا يجب: خروج الودي من الرجل لا يوجب الغسل، وعليه حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أنه إن كان وديًا؛ لا غسل عليه" (¬3)، يريد ما يراه المستيقظ من الاحتلام. النووي (676 هـ) حيث يقول: "فأجمع المسلمون على أن المذي والودي لا يوجبان الغسل" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). العيني (855 هـ) حيث يقول: "الماء من الماء عام، يتناول المني والمذي والودي، ولم يكن إجراؤه على العموم؛ لعدم وجوب الغسل في المذي والودي بالإجماع" (¬6). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "لا يجب الغسل بإنزال المذي والودي والبول بالإجماع" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وابن حزم (¬10). • مستند الإجماع: الودي سائل لا يخرج إلا بعد البول، فهو بول غليظ يأخذ حكم البول، والبول لا يوجب الغسل إجماعًا، وهو نوع منه (¬11).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة (¬12)، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[32 - 265] الغسل من البول لا يجب
[32 - 265] الغسل من البول لا يجب: تبوُّلُ الإنسان غير موجبٍ للغسل بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "لا يجب الغسل بإنزال المذي والودي والبول بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: كل ما يذكر في كون البول ناقضًا للوضوء (¬5) يدل لمسألتنا، فالنصّ أتى بالأمر بالوضوء منه، ولم يأتِ بالأمر بالغسل، ولا يجب الغسل حتى يأتي دليل يدل لذلك، وهو غير موجود، فإذًا الغسلُ من البول غير واجب، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [33 - 266] الغسل من الكتابية كالمسلمة: جماع المسلم للكتابية كجماعه للمسلمة، فيغتسل منها كاغتساله من المسلمة. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا على جواز نكاح الكتابية، وأن لا غسل على زوجها منها إلا كما هو عليه من المسلمة" (¬6). • الموافقون على الإجماع: بعد طول بحث عن كلام للعلماء في المسألة؛ لم أجد من ذكرها بنصها غير ابن عبد البر، ولم أجد من خالفها، حيث من مقتضى كلامهم عدم التفريق في حكم الاغتسال من الجماع بين المسلمة والكافرة، ولو كانوا يفرقون لذكروه (¬7). ¬
[34 - 267] الغسل من الإغماء بعد الإفاقة لا يجب
• مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قد أمر بالطهارة من الجنابة، ولم يفرق بين المسلمة وغيرها، مع الحاجة لذلك لو كان هناك فرق، فحيث لم يفرق تبين من العموم أن الحكم واحد، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كان لديهم إماء كتابيات، ولم يذكر عن أحد منهم أنه فرق في الاغتسال بين الكتابية والمسلمة، فدل على عدم التفريق، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، مع عدم الجزم بذلك، واللَّه تعالى أعلم. [34 - 267] الغسل من الإغماء بعد الإفاقة لا يجب: إفاقة المسلم من الإغماء لا يوجب عليه الغسل، وعليه حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وليس في اغتسال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الإغماء - دليل على أن ذلك واجب، إذ لو كان واجبًا لأمر به، فالوضوء واجب لإجماع أهل العلم عليه، والاغتسال يستحب لفعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). وليس في الكلام السابق إجماع في مسألتنا، ولكن نقل عنه ابن قدامة (¬2)، والنووي (¬3) حكايته للإجماع في مسألتنا، ولم أجد سوى هذه العبارة. ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا يجب الغسل على المجنون والمغمى عليه، إذا أفاقا من غير احتلام، ولا أعلم في هذا خلافًا" (¬4). ابن الصباغ (477 هـ) حيث نقل عنه النووي حكايته إجماع العلماء على أن الغسل لا يجب على المغمى عليه (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، وابن حزم (¬8). ¬
[35 - 268] الغسل من الجنون إذا أفاق لا يجب
• مستند الإجماع: أن زوال العقل بالإغماء ليس موجبًا للغسل في نفسه، وإنما يخشى من أن يحدث إنزال بالاحتلام، ووجود الإنزال مشكوك فيه، فلا نزول عن اليقين بالشك، فنبقى على الأصل وهو عدم إيجاب الغسل (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في وجه عندهم، بأن الغسل عليه واجب (¬2). ولكن وصفه النووي بالشذوذ والضعف (¬3). وهو رواية من أحمد (¬4). ولم يذكروا دليلًا، غير أنهم يشيرون إلى احتمال الإنزال بالاحتلام (¬5).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [35 - 268] الغسل من الجنون إذا أفاق لا يجب: إفاقة المسلم من الجنون لا يوجب عليه الغسل. والمسألة مع عدم احتمال الاحتلام، أما مع احتماله، أو وقوعه؛ فهي مسألة أخرى لن أتطرق إليها. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ولا يجب الغسل على المجنون والمغمى عليه، إذا أفاقا من غير احتلام، ولا أعلم في هذا خلافًا" (¬6). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف إبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان (¬7)، والحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية في الأصح (¬10)، والحنابلة على المشهور (¬11)، وابن حزم (¬12). • مستند نفي الخلاف: 1 - إيجاب الغسل من الجنون تكليف، والتكليف لا يثبت إلا بدليل، ولا دليل على هذا الإيجاب، فيبقى الأصل، وهو عدم وجوبه، واللَّه أعلم. ¬
[36 - 269] الغسل من العاصي لا يجب
2 - أن المجنون إذا أفاق، ولم يجد ما يحتمل كونه منيًّا، أو يشتبه بأنه احتلم؛ لم يحصل شيء موجب للغسل، فالغسل لا يجب حتى يتيقن خروج المني، والقواعد تقتضي أن لا تنتقض الطهارة إلا بتيقّن الحدث (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في وجه عندهم، بأن الغسل عليه واجب (¬2). ولكن وصفه النووي بالشذوذ والضعف (¬3). وهو رواية من أحمد أيضًا (¬4). ولم أجد لهم استدلالًا إلا أنهم يشيرون للإنزال من المجنون. وقد قال الشافعي: "وقد قيل: قلما جُنَّ إنسان إلا أنزل، فإن كان هذا هكذا؛ اغتسل المجنون للإنزال، وإن شك فيه؛ أحببت له الاغتسال احتياطًا، ولم أوجب ذلك عليه حتى يستيقن الإنزال" (¬5).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [36 - 269] الغسل من العاصي لا يجب: إذا وقع من المسلم معصية، كالقتل؛ أو ترك الصلاة؛ أو غيرها، مما لم يأت فيها دليل خاص بوجوب الغسل بعدها، فهي غير موجبةٍ للغسل. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول رادًّا على من قاس الوطء في الدبر على الوطء في الفرج: "قيل له: بل هو معصية، فقياسها على سائر المعاصي من القتل وترك الصلاة أولى، ولا غسل في شيء من ذلك بإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬7). ولم أجد من نص على هذه المسألة من الحنفية والمالكية والحنابلة، إلا أنهم لا يذكرون وجوب الغسل من المعاصي في موجبات الغسل، ولم أجد من ذكر ذلك بعد طول بحث (¬8). ¬
[37 - 270] الغسل من مس الحرير لا يجب
• مستند الإجماع: 1 - الأدلة جاءت بما يوجب الغسل، كوجوبه من الإيلاج؛ أو التقاء الختانين وغير ذلك، وسكتت عن الباقي، مما يعني أنه لا يوجب الغسل غيرُ ما ذكر، وبما أن المعاصي لم يأت ما يدل على إيجابها للغسل، فتكون إذًا غير موجبة له، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن عددًا من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وقع منهم معاصٍ، ولم يأت ما يدل على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرهم بالغسل، فدل على عدم وجوبه منها، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [37 - 270] الغسل من مس الحرير لا يجب: مس المسلم للحرير لا يوجب عليه الاغتسال بالإجماع. • من نقل الإجماع: المزني (264 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا على أن من مسَّ حريرا؛ أو ميتة ليس عليه وضوء، ولا غسل" (¬1). نقله النووي، وقال: "هذا كلام المزني، وهو قوي، واللَّه تعالى أعلم" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). هذا ما يفهم من كلامهم، وإلا فلم أجد لهم نصًّا في مسألتنا. • مستند الإجماع: النساء في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كنَّ يلبسن الحرير، وكان بعض الرجال يلبسونه للحاجة، ومع ذلك لم يأتِ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أمر بالاغتسال من مَسِّهِ، مما يدل على عدم وجوبه، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[38 - 271] الغسل من مس الميتة لا يجب
[38 - 271] الغسل من مس الميتة لا يجب: إذا مسّ مسلم ميتة، فإنه لا يجب عليه الغسل من ذلك (¬1). • من نقل الإجماع: المزني (264 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا على أن من مس حريرًا؛ أو ميتة ليس عليه وضوء، ولا غسل" (¬2). نقله النووي وقال: "هذا كلام المزني، وهو قوي، واللَّه تعالى أعلم" (¬3). • الموافقون على الإجماع: لم أجد من نص على مسألتنا، ولم أجد مخالفًا فيها، إلا أنني وجدت أنهم يذكرون الاغتسال من غسل الميت فقط، ولم يشيروا إلى الغسل من مس الميتة، مما يشير إلى عدم ورود الخلاف في مسألتنا، واللَّه تعالى أعلم (¬4). • مستند الإجماع: الوجوب الشرعي لا يأتي إلا من اللَّه تعالى أو من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يرد في وجوب الغسل من مس الميتة نص، ولا هو في معنى المنصوص عليه، فيبقى على الأصل، وهو أنه لا يجب فيه غسل؛ حتى يأتي نص، واللَّه تعالى أعلم (¬5).Rأن الإجماع متحقق على الظاهر؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [39 - 272] الماء المجزئ في الغسل غير مقدر: هذه المسألة مبحوثة بعنوان: (الماء المجزئ في الطهارة غير مقدر) في باب صفة الوضوء، ولا فرق في الحديث عنها في البابين، واللَّه تعالى أعلم. [40 - 273] إجزاء الاغتسال بالصاع: إذا اغتسل الجنب بصاعٍ من الماء، فقد أجزأه ذلك، وكان آتيًا بالسنة. ¬
[41 - 274] النهي عن الإسراف في الماء عند الغسل
• من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ليس فى حصول الإجزاء بالمد في الوضوء، والصاع في الغسل خلافٌ نعلمه" (¬1). • الموافقون على نفى الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - عن سفينة -رضي اللَّه عنه-، أنه قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد" (¬5). 2 - عن أنس بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه، أنه قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد" (¬6). • وجه الدلالة: الحديثان يدلان على المسألة بالمطابقة من فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي أقوى أنواع الدلالات لدى الأصوليين على المسألة.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [41 - 274] النهي عن الإسراف في الماء عند الغسل: وهذه المسألة مبحوثة في باب صفة الوضوء بعنوان: (النهي عن الإسراف في الماء عند الطهارة). [42 - 275] استحباب التيامن في الغسل: إذا أراد المسلم الاغتسالَ، فيستحب له أن يبدأ بميامنه في اغتساله. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول عن سنن الغسل: "منها؛ استصحاب النية إلى آخر الغسل، والابتداء بالأيامن، فيغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر، وهذا متفق على استحبابه" (¬7). والأظهر أن النووي يقصد الاتفاق المذهبي، كما يدل عليه السياق، واللَّه أعلم. ¬
[43 - 276] إجزاء الانغماس في الماء للغسل
الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث (¬1) يدل على استحباب البداءة بالميامن، ولا خلاف فيه" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة؛ دعا بشيء نحو الحلاب (¬7)، فأخذ بكفه، فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم أخذ بكفيه، فقال بهما على رأسه" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بدأ بشق رأسه الأيمن، وهذه سنة فعلية منه عليه الصلاة والسلام (¬9). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله" (¬10). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يحب التيمن فى شأنه كله، والغسل من شأنه عليه الصلاة والسلام (¬11).Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [43 - 276] إجزاء الانغماس في الماء للغسل: إذا وقع من يجب عليه الغسل في ماءٍ؛ أو وقف تحت ميزابٍ، ونوى الغسل، فإن ¬
ذلك يجزئه (¬1). • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "والعمل على هذا عند أهل العلم، وقالوا: إنِ انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ؛ أجزأه، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق" (¬2). نقل ابن حزم عمَّن يرى وجوب التدلّك (¬3) للغسل قوله: "واحتج من رأى التدلك فرضًا؛ بأن قال: قد صح الإجماع على أن الغسل إذا تدلك فيه، فإنه قد تم، واختلف فيه إذا لم يتدلك، فالواجب أن لا يجزئ زوال الجنابة إلا بالإجماع" (¬4). ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "إذا عم المرء نفسه بالماء أجزأه إجماعًا، إلا أن الأفضل له أن يمتثل فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬5). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "أجمعوا أن الجنب إذا انغمس في النهر، وتدلك فيه للغسل؛ أن ذلك يجزئه، وإن كان لم ينقل الماء بيديه إليه، ولا صبه عليه، وكذلك الوضوء، ولا يلزم نقل الماء إلى العضو". نقله عنه الموّاق (¬6)، والحطاب (¬7)، ويلاحظ أنه قيده بالدَّلْك. النووي (676 هـ) حيث يقول: "الإجماع منعقد على أن من وقع في ماء؛ أو وقف تحت ميزاب ونوى؛ صح وضوؤه وغسله" (¬8). وقال في موضع آخر: "مذهبنا أن دلك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب، فلو أفاض الماء عليه فوصل به، ولم يمسه بيديه؛ أو انغمس في ماء كثير؛ أو وقف تحت ميزاب؛ أو تحت المطر؛ ناويًا، فوصل شعره وبشره؛ أجزأه وضوؤه وغسله، وبه قال العلماء كافة؛ إلا مالكًا والمزني، فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء" (¬9). ¬
والاستثناء الذي ذكره لا ينقض مسألتنا؛ إذ هو في التفصيلات، واشتراط الدلك. الحطّاب (954 هـ) حيث يقول: "كما أن الجنب إذا انغمس في نهر، وتدلك؛ فإنه يجزئه اتفاقًا" (¬1). ويلاحظ أنه قيده بالدَّلْك أيضًا. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع في إجزاء الانغماس في الغسل سفيانُ الثوري، والأوزاعي، وداود (¬2)، والحنفية باستثناء أبي يوسف (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة، ولكن بشرط أن يكون جاريًا؛ أو يتحرك قليلًا في الراكد، ويمسح رأسه، ويغسل قدميه بعده (¬5)، وابن حزم فيما عدا غسل الجنابة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي ذر -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره بإمساس الماء، ولم يأمره بإمرار اليد، فدل على كفاية إمساس الماء، كما في مسألتنا (¬8). 2 - أن الانغماس غسل، فلا يجب إمرار اليد فيه؛ كغسل الإناء من ولوغ الكلب، حيث لا يجب فيه إمرار اليد، بل يكفي فيه الغسل (¬9). 3 - أن الانغماس في الماء مع إمرار اليد على الأعضاء هو تمامٌ للغسل، وإتيان بالأمر بالاغتسال، فيطلق عليه أنه اغتسل بالماء وتدلك، فكان ذلك مجزئا، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف أبو يوسف، واشترط الصبَّ لإسقاط الفرض (¬10). ولم أجد له دليلًا. وخالف ابن حزم في غسل الجنابة فقط، وقال: يجب عليه أن ينوي تقديم رأسه قبل ¬
[44 - 277] اشتراط جريان الماء على الأعضاء في الغسل
جسده (¬1). واستدل (¬2) بقوله عليه الصلاة والسلام لأم سلمة: "إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين" (¬3). وقد سبق ذكر خلاف الحنابلة في إجزاء الانغماس عن الوضوء، وهي أقوال جارية هنا، فتراجع هناك (¬4).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [44 - 277] اشتراط جريان الماء على الأعضاء في الغسل: إذا مسح الجنبُ بدنَه، ولم يجرِ الماء عليه، فلا يكفي ذلك في غسله، ولا ترتفع جنابته. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع العلماء على أن الجنب لو مسح بدنه بالماء، وكرر ذلك؛ لا ترتفع جنابته، بل يشترط جري الماء على الأعضاء" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن الطهارة من التطهير، وهو لا يكون بمجرد المسح. 2 - قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن الاغتسال المأمور به ظاهر فى الاستغراق بالاغتسال، وهو لا يكون بالمسح وحده (¬9). ¬
[45 - 278] مشروعية تخليل الشعر بالماء في الغسل
Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [45 - 278] مشروعية تخليل الشعر بالماء في الغسل: يشرع للمغتسل أن يخلل شعره بالماء، وقد نفى الشوكاني حفظه لمخالف في ذلك. • من نقل الإجماع: ابن بطال (449 هـ) حيث نقل عنه العيني (¬1) حكايته الإجماع على تخليل شعر الرأس". أي: على مشروعيته. الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث (¬2) يدل على مشروعية تخليل الشعر بالماء في الغسل، ولا أحفظ فيه خلافًا" (¬3). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في مشروعية تخليل الشعر بالماء في الغسل" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث أسماء -رضي اللَّه عنها-، أنها سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن غسل الجنابة، فقال: "تأخذ ماءً، فتطهَّر، فتحسن الطهور، أو تبلغ الطهور، ثم تصب على رأسها، فتدلكه حتى تبلغ شؤون (¬9) رأسها، ثم تفيض عليها الماء" (¬10). • وجه الدلالة: قوله عليه الصلاة والسلام: "فتدلكه حتى تبلغ شؤون. . . " فالدلك للشعر نوع من التخليل، وبلوغ شؤون الرأس لا يكون إلا بالتخليل (¬11)، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[46 - 279] استحباب غسل البدن ثلاثا في الغسل
2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم اغتسل، ثم يخلل بيديه شعره، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يخلل بيديه شعره؛ حتى يظن أنه قد أروى بشرته، وهذا يدل على مسألتنا بالمطابقة (¬2).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [46 - 279] استحباب غسل البدن ثلاثًا في الغسل: إذا أراد المسلم الاغتسال، فإنه يستحب له أن يغسل بدنه ثلاثًا. • من نقل نفي الخلاف: أبو علي السنجي (427 هـ) حيث نقل عنه ابن حجر بعد نقله حكاية النووي للإجماع في المسألة، حيث قال: "وكذا قال الشيخ أبو علي السنجي" (¬3). ونقله عنه الشوكاني (¬4). القرطبي (656 هـ) حيث نقل عنه ابن حجر (¬5) بعد نقله عن النووي والسنجي، فقال: "وكذا قال القرطبي" (¬6). ونقله عنه الشوكاني (¬7). النووي (676 هـ) حيث يقول عن التثليث في غسل البدن في الوضوء: "فإذا استحب فيه الثلاث؛ ففي الغسل أولى، ولا نعلم في هذا خلافًا؛ إلا ما انفرد به الإمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي، صاحب "الحاوي" من أصحابنا، فإنه قال: لا يستحب التكرار في الغسل، وهذا شاذ متروك" (¬8). وظاهر من كلام النووي أنه يريد بعدم الخلاف أي: في المذهب الشافعي، ويؤكد ¬
ذلك أنه لم يذكر شيئًا من ذلك عند بحثه للمسألة في "المجموع"، بل قال: "المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور، . . " (¬1)، ثم ذكر مسألتنا، وهذا لفظ صريح بوجود الخلاف، ثم أخذ ينقل عن فقهاء المذهب الشافعي، ولم يتطرق لغيرهم، إلا أن ابن حجر والشوكاني كأنهما لم يريانِ كلامه هكذا، واللَّه تعالى أعلم. ونقله عنه ابن حجر (¬2)، والشوكاني (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬4)، والحنابلة على الصحيح عندهم (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، في وصف غسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه: "فيدخل أصابعه في أصول الشعر، ثم حَفَنَ على رأسه ثلاث حفنات. . . " (¬6). • وجه الدلالة: فى قولها: "ثلاث حفنات"، فهذه سنة فعلية منه عليه الصلاة والسلام (¬7). 2 - حديث جبير بن مطعم -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه ذُكر عنده الغسل من الجنابة، فقال: "أما أنا فإني أفيض على رأسي ثلاث أكف" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يفرغ على رأسه ثلاث مرات في الغسل، وهذه سنة فعلية (¬9). • الخلاف في المسألة: نقل النووي عن الماوردي خلافه في المسألة كما سبق، ولم أجده (¬10)، واللَّه تعالى أعلم. وخالف الحنابلة في قولٍ، بأنه يغسل مرةً سابغة فقط (¬11). ¬
[47 - 280] بقاء أثر خضاب الحائض بعد الغسل لا يضر
ولم يذكروا دليلًا، واللَّه تعالى أعلم.Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [47 - 280] بقاء أثر خضاب الحائض بعد الغسل لا يضر: إذا خضبت الحائض نفسها بخضاب يبقى أثره في اليد بعد غسله، فإنه يجوز لها ذلك. وهذا بشرط أن لا يكون متجسدًا، يمنع وصول الماء إلى بشرتها. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أن للحائض أن تخضب يدها بخضاب يبقى أثره في يدها بعد غسله" (¬1). نقله عنه النووي (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها- "أنها أخرجت شعرًا من شعر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مخضوبًا" (¬7). • وجه الدلالة: أن الحناء كان يخضب به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو لا يذهب أثره إلا بعد أيام، ومع ذلك فقد خَضَب به عليه الصلاة والسلام، ولم يأمرْ بتركه، مما يدل على أنه لا يؤثر بقاء أثره، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الخضاب كان مشهورًا في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم ينه عنه عليه الصلاة والسلام، مع أنه يبقى أثره بعد غسله لأيام، مما يدل على جواز وضعه، وأنه لا يمنع الوضوء، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[48 - 281] الجنابة تحل في جميع البدن
Rأن الإجماع متحقق (¬1)؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [48 - 281] الجنابة تحل في جميع البدن: إذا أجنب المسلم، فإن الجنابة تحل في جميع بدنه؛ حتى يغتسل. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمعوا أن الجنابة تحل جميع البدن" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر" (¬6). • وجه الدلالة: ظاهرة من الحديث، حيث فيه أن الجنابة تحت كل شعرة، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الوطء الذي هو سبب الجنابة لا يكون إلا باستعمالٍ لجميع ما في البدن من القوة، حتى يضعف الإنسان بالإكثار منه، ويقوى بالامتناع، فإذا أخذ الموجبُ للجنابة جميعَ البدن؛ حَلَّت الجنابة في جميعه (¬7).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[49 - 282] وجوب غسل جميع البدن في الجنابة
[49 - 282] وجوب غسل جميع البدن في الجنابة: إذا أجنب المسلم، فإنه يجب عليه أن يغسل جميع بدنه من الجنابة، وعلى ذلك حكى الصنعاني الإجماع. • من نقل الإجماع: الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "والحديث (¬1) دليل على أنه يجب غسل جميع البدن في الجنابة، ولا يعفى عن شيء منه، قيل: وهو إجماع إلا المضمضة والاستنشاق، ففيها خلاف" (¬2). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول معلقًا على قول الماتن: "يدلك بدنه بيديه ليتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه"، قال: "إجماعًا" (¬3)، وهو يريد قوله: "وجميع بدنه". • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر" (¬7). • وجه الدلالة: الحديث يدل على أن الجنابة تحل في جميع البدن، ثم أمر بالغسل والإنقاء بعدها، مما يدل على وجوب تعميم الجسد (¬8)، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أحاديث وصف غسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث فيها أنه عمم جميع جسده بالماء، ومتابعته عليه الصلاة والسلام في الفرائض من الواجبات، فدل على وجوب التعميم، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[50 - 283] جواز الذكر للجنب
[50 - 283] جواز الذِّكر للجنب: إذا أراد الجنب أن يذكر اللَّه تعالى، قبل أن يغتسل، فإنه يجوز له ذلك. • من نقل الإجماع: البغوي (516 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أنه يجوز لهما (¬1) ذكر اللَّه تعالى بالتسبيح والتحميد والتهليل وغيرها" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول عن الجنب والحائض والنفساء: "فإنه لا خلاف في أن لهم ذكر اللَّه تعالى، ويحتاجون إلى التسمية عند اغتسالهم، ولا يمكنهم التحرز من هذا" (¬3). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على جواز التسبيح، والتهليل، والتكبير، والتحميد، والصلاة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وغير ذلك من الأذكار، وما سوى القرآن للجنب والحائض، ودلائله مع الإجماع في الأحاديث الصحيحة مشهورة" (¬4). ويقول: "أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمحدث، والجنب، والحائض، والنفساء، وذلك في التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، والصلاة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والدعاء، وغير ذلك" (¬5). ونقله عنه الشوكاني (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يذكر اللَّه على كل أحيانه" (¬10). • وجه الدلالة: ومن أحيانه عليه الصلاة والسلام أنه يكون جنبًا، فدل على جواز الذكر للجنب بالسنة الفعلية (¬11). ¬
2 - حديث عمرو بن عبسة -رضي اللَّه عنه-، يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما من امرئ مسلم يبيت طاهرًا على ذكر اللَّه، فيتعار من الليل، يسأل اللَّه تعالى شيئًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه" (¬1). • وجه الدلالة: السؤال في الحديث من الذكر، وهو هنا يذكر اللَّه تعالى بعد النوم، فهو على غير طهارة وقد يكون جنبًا، ولو كان الذكر للجنب ممنوعًا لنبَّه عليه النبي عليه الصلاة والسلام؛ فدل ذلك على جواز الذكر للجنب (¬2). • الخلاف في المسألة: ذكر الطحاوي رحمه اللَّه قولًا عن قومٍ، أنهم قالوا: لا ينبغي لأحد أن يذكر اللَّه تعالى إلا وهو على طهارة (¬3). ولكن لم يبين قولهم؛ هل هو للكراهة أو التحريم، فاللفظ محتمل للاثنين. واستدلوا (¬4) بحديث المهاجر بن قنفذ -رضي اللَّه عنه-، أنه سلم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يتوضأ، فلم يرد عليه، فلما فرغ من وضوئه؛ قال: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك؛ إلا أني كرهت أن أذكر اللَّه عز وجل إلا على طهارة" (¬5). وذكر قولًا آخر، بأنه حتى السلام لا يرده إلا على طهارة، فإذا لم يكن كذلك تيمم، ثم يرد السلام، وما سوى السلام؛ فقالوا مثل مقالة القول السابق (¬6). واستندوا إلى الحديث الذي فيه: "أن رجلا سلم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يبول، فلم يرد عليه حتى أتى حائطًا فتيمم" (¬7)، وعددٍ من الآثار عن السلف (¬8). ¬
[51 - 284] استحباب الغسل في يوم الجمعة
Rلم أستطع الوصول إلى معرفة القائلين الذين ذكرهم الطحاوي (¬1)، ولكن ذكره للقول وأدلته يدل على شهرته، والأصل عدم وقوع الإجماع حتى يتأكد من ذلك، فالأظهر أن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [51 - 284] استحباب الغسل في يوم الجمعة: إذا أراد المسلم أن يذهب للجمعة، فيستحب له أن يغتسل للصلاة. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل، ويلبس ثوبين نظيفين، ويتطيب، لا خلاف في استحباب ذلك" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في المسألة الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث سلمان الفارسي -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، ويمس من طيب بيته، ثم يخرج لا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام؛ إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" (¬7). 2 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "غسل يوم الجمعة على كل محتلم" (¬8). • وجه الدلالة: ظاهرة من الحديثين.Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[52 - 285] الاغتسال بعد الجمعة لا يحقق السنة
[52 - 285] الاغتسال بعد الجمعة لا يحقق السنة: إذا اغتسل مسلم بعد الجمعة، وقبل الغروب، ونوى ذلك غسلًا للجمعة، فإنه لا يعتبر مؤديًا للسنة. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع العلماء على أن من اغتسل بعد صلاة الجمعة يوم الجمعة؛ فليس بمغتسل للسنة، ولا للجمعة، ولا فاعل لما أُمر به" (¬1). ونقله عنه الشوكاني (¬2). قاضي خان (592 هـ) حيث يقول: "أنه لو اغتسل -أي: للجمعة - بعد الصلاة؛ لا يُعتبر بالإجماع" (¬3)، أي: لا يُعتبر أدى السنة في غسل الجمعة. نقله عنه ابن نجيم (¬4)، والحصكفي (¬5). أبو بكر محمد بن الفضل (381 هـ) حيث يقول: "والاغتسال للصلاة لا لليوم؛ لإجماعهم على أنه لو اغتسل بعد الصلاة لا يعتبر". نقله عنه الزيلعي (¬6)، وداماد (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل" (¬10). وجه الدلالة من وجهين: 1 - أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة، والمقصود عدم تأذي الحاضرين، وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة (¬11). 2 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ربط الأمر بالغسل بالمجيء؛ فإذا فات الغسل قبل المجيء؛ لم ¬
[53 - 286] غسل العيدين مستحب
يحصل تحقيق الأمر، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف داود، وابن حزم في المسألة، وقالوا: لو اغتسل قبل الغروب أجزأ (¬1). وهو قول إبراهيم النخعي (¬2)، وهو محكي عن الحسن بن زياد حيث يقول: إن الغسل لليوم وليس للصلاة، فجعلوا قوله في مسألتنا مخالفًا للجمهور (¬3)، إلا أن ابن نجيم رجح أنه يشترط كونه قبل الصلاة (¬4). واستدلوا بحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "حق اللَّه على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام" (¬5). فالأمر في الحديث لليوم وليس للصلاة (¬6).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [53 - 286] غسل العيدين مستحب: إذا جاء يوم العيد، فإنه يستحب للمسلم الاغتسال (¬7). • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول عن غسل العيدين: "واتفق الفقهاء على أنه حسن لمن فعله" (¬8). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على استحسان الغسل لصلاة العيدين" (¬9). النووي (676 هـ) حيث يقول: "ومن الغسل المسنون؛ غسل العيدين، وهو سنة ¬
[54 - 287] عدم وجوب الغسل للصلاة على المستحاضة
لكل أحد بالاتفاق، سواء الرجال والنساء والصبيان" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع علي، وعبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهم-، وابن أبي ليلى، وابن المسيب، ومجاهد، والحسن (¬2)، وعلقمة، وعروة، وعطاء، والنخعي، والشعبي، وقتادة، وابن المنذر (¬3)، والحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "كان يغتسل يوم الفطر والأضحى" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يغتسل فى العيدين -على فرض صحة الحديث- وهذه سنة فعلية، تدل على الاستحباب (¬7). 2 - أن العيد يوم يجتمع الناس فيه للصلاة، فاستحب الاغتسال فيه؛ قياسًا على يوم الجمعة (¬8).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [54 - 287] عدم وجوب الغسل للصلاة على المستحاضة: إذا استُحيضت المرأة، وأرادت أن تصلي، فلا يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: الخطابي (388 هـ) حيث يقول عن المستحاضة: "اتفق العلماء على عدم وجوب الغسل إلا أن تشك" (¬9). نقله عنه القرافي (¬10). ¬
القرافي (684 هـ) حيث يقول عن استحباب الوضوء للمستحاضة وعدم استحباب الغسل: "لأن ترك الغسل متفق عليه، وإنما الخلاف في الوضوء" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق علي، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابن المسيب فيما حُكي عنهم (¬2)؛ كما وافق الحنفية (¬3)، والحنابلة على المذهب (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الاتفاق: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن فاطمة بنت أبي حبيش -رضي اللَّه عنها-، سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: "لا، إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمر المستحاضة بأن تغتسل لكل صلاة، ولو كان واجبًا لبينه لها عليه الصلاة والسلام. وفي رواية للحديث السابق: "وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فيها، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرها بغسل الدم، ثم الصلاة، ولم يأمرها بالاغتسال لكل صلاة، مما يدل على عدم وجوبه، والروايتان تدلان على أن الواجب هو أن تغتسل بعد انتهاء فترة الحيض، ثم تتوضأ لكل صلاة (¬8)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف علي، وابن عباس في رواية عنهما (¬9)، وابن عمر، وعبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنهم-، وعطاء (¬10)، والنخعي، وابن المسيب (¬11)، والحنابلة في رواية (¬12)؛ فقالوا: يجب الغسل لكل صلاة. واستدلوا بحديث أم حبيبة بنت جحش "أنها استحيضت في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمرها بالغسل لكل صلاة" (¬13). ¬
وخالف ابن عمر، وأنس -رضي اللَّه عنهما-، وابن المسيب، في رواية عنهم (¬1)، وسالم بن عبد اللَّه (¬2)، فقالوا: تغتسل كل ظهرِ يوم. ولم يذكروا لهم دليلًا.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الباب التاسع: مسائل الإجماع في باب التيمم
الباب التاسع: مسائل الإجماع في باب التيمم [1 - 288] مشروعية التيمم: إذا أراد إنسان فعل شيء يجب له الوضوء، ولم يكن لديه ماء، فإنه يشرع له التيمم بدلًا عن الماء، وعلى هذا إجماع المسلمين. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأما كون عمل التيمم للجنابة، وللحيض، وللنفاس، ولسائر ما ذكرنا (¬1) كصفته لرفع الحدث؛ فإجماع لا خلاف فيه، من كل من يقول بشيء من هذه الأغسال، وبالتيمم لها" (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء بالأمصار بالمشرق والمغرب، فيما علمت أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء طهورُ كل مسلم، مريضٌ؛ أو مسافر، وسواء كان جنبًا؛ أو على غير وضوء، ولا يختلفون في ذلك" (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على التيمم بالصعيد الطيب عند عدم الماء أو الخوف من استعماله" (¬4). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "فلا خلاف في أن التيمم من الحدث جائزٌ، عُرف جوازه بالكتاب والسنة والإجماع" (¬5). وقال بعدها: "وعليه إجماع الأمة" (¬6). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وهو -التيمم- جائز بالكتاب والسنة والإجماع" (¬7). ¬
[2 - 289] التيمم يكون بالوجه واليدين
وقال بعدها: "وأما الإجماع؛ فأجمعت الأمة على جواز التيمم في الجملة" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "والتيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة" (¬2). ابن الملقن (804 هـ) حيث يقول: "وهو ثابت بالكتاب والسنة الشهيرة والإجماع" (¬3). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول في سياق استدلال له: "ولا يَرِد كون مسح الخف بدلًا عن غسل الرجل؛ لأن الرخصة فيه -أي: التيمم- ثبتت بالإجماع" (¬4). الحطّاب (954 هـ) حيث يقول: "وانعقد الإجماع على مشروعيته" (¬5). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] (¬6) إلى قوله: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والتيمم ثابت بالكتاب والسنة والإجماع" (¬7). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "والتيمم مشروع بالكتاب والسنة والإجماع" (¬8). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى ذكر في الآية الكريمة أن من لم يجد الماء؛ فعليه بالتيمم، وهذا يدل لمسألتنا بالمطابقة. وأما من السنة؛ فالأحاديث كثيرة جدًّا، سيأتي عدد منها في المسائل القادمة، وهي تدل لتلك المسائل، ولمسألتنا بدلالة التضمّن.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [2 - 289] التيمم يكون بالوجه واليدين: أعضاء التيمم التي لا يجزئ التيمم إلا بها هي الوجه واليدان، وعليه حُكي ¬
الإجماع (¬1). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن مسحَ بعض الوجه غيرِ معين، وبعضِ الكفين كذلك، بضربة واحدة في التيمم فرضٌ" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "لا خلاف في وجوب مسح الوجه والكفين" (¬3)، أي: في التيمم. النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن التيمم مختص بالوجه واليدين، سواء تيمم عن الحدث الأصغر؛ أو الأكبر، سواء تيمم عن كل الأعضاء؛ أو بعضها" (¬4). ونقل عبارته ابن قاسم دون إشارة (¬5). ابن الملقن (804 هـ) حيث نقل عبارة النووي السابقة، ولكنه لم يُشِرْ لذلك (¬6). الخطيب الشربيني (977 هـ) حيث نقل عبارة النووي السابقة، ولم يُشِرْ لها أيضًا (¬7). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "مسح اليدين فرض إجماعًا" (¬8)، أي في التيمم. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر عند التيمم بمسح الوجه واليدين، وهذا يدل على مسألتنا بالمطابقة. 2 - حديث عمار بن ياسر -رضي اللَّه عنهما-، قال: بعثني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حاجة فأجنبت؛ فلم أجد الماء؛ فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرت له ذلك، ¬
[3 - 290] عدم مسح الكفين إلى الزندين في التيمم غير جائز
فقال: "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا"، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عندما وصف التيممَ لعمار -رضي اللَّه عنه-؛ لم يُعمِل سوى يديه ووجهه؛ فدل على أنهما عضوا التيمم، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [3 - 290] عدم مسح الكفين إلى الزندين في التيمم غير جائز: الزند: عظمات الساعد، وهو ما انحسر عنه اللحم من الذراع (¬2). فاليدان في التيمم هي من الكفين إلى الزندين، ولا يجوز التقصير عن ذلك في المسح، كما قال ابن جرير. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "والصواب من القول في ذلك أن الحد الذي لا يجزئ المتيمم أن يقصر عنه في مسحه بالتراب من يديه: الكفان إلى الزندين؛ لإجماع الجميع على أن التقصير عن ذلك غير جائز" (¬3). ثم قال: "وقد أجمع الجميع على أن التقصير عن الكفين غير مجزئ" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية على المشهور (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. ¬
[4 - 291] مسح الأذنين غير لازم في التيمم
• وجه الدلالة: أن الباء في {بِوُجُوهِكُمْ} زائدة، فصار كأنه قال: فامسحوا وجوهكم وأيديكم منه، فيجب تعميمهما، كما يجب تعميمهما بالغسل؛ لقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] (¬1). 2 - أن الأمر بالمسح في باب التيمم تعلق باسم الوجه واليد، وأنه يعم الكل، ولأن التيمم بدل عن الوضوء، والاستيعاب في الأصل من تمام الركن، فكذا في البدل، فوجب استيعاب الكل، وعدم الاقتصار على أقل من الكف كاملًا (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف سليمان بن داود، وابن حزم (¬3)، فقالوا: بعدم وجوب الاستيعاب للكفين. قالوا: لأن الأمر لا يقتضي لغةً الاستيعاب، فيجزئ الاقتصار على البعض. وخالف أبو حنيفة في رواية (¬4)، فقال بأنه إذا يمم الأكثر من اليد جاز. ووجهه: أن هذا مسح، فلا يجب فيه الاستيعاب كمسح الرأس (¬5).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [4 - 291] مسح الأذنين غير لازم في التيمم: إذا أراد المسلم أن يتيمم، فإنه لا يلزمه مسح الأذنين في التيمم، وعليه حكى النووي الإجماع. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "ولأن الإجماع منعقد على أن المتيمم لا يلزمه مسحهما -الأذنين-" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وابن حزم (¬10). • مستند الإجماع: حديث عمار بن ياسر -رضي اللَّه عنهما-، قال: بعثني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حاجة ¬
[5 - 292] جواز التيمم عن الحدث الأصغر
فأجنبت؛ فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرت له ذلك، فقال: "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا"، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصف التيمم لعمار، وليس فيه مسح الأذنين، مما يدل على عدم لزومه، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [5 - 292] جواز التيمم عن الحدث الأصغر: إذا أحدث المسلم حدثًا أصغر، ولم يجد ماء، فإنه يجوز له أن يتيمم. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأما كون عمل التيمم للجنابة، وللحيض، وللنفاس، ولسائر ما ذكرنا (¬2) كصفته لرفع الحدث؛ فإجماع لا خلاف فيه، من كل من يقول بشيء من هذه الأغسال، وبالتيمم لها" (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء بالأمصار بالمشرق والمغرب، فيما علمت، أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء طهورُ كل مسلم، . . .، وسواء كان جنبًا أو على غير وضوء، ولا يختلفون في ذلك" (¬4). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "فلا خلاف في أن التيمم من الحدث جائزٌ، عُرف جوازه بالكتاب والسنة والإجماع" (¬5). والحدث ينصرف على الأقل على الأصغر. ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على أن هذه الطهارة -التيمم- هي بدلٌ من هذه الطهارة الصغرى" (¬6). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول في سياق استدلال له: "وذلك لأن التيمم للحدث ¬
[6 - 293] التيمم عن الفريضة يجزئ عن النافلة
ثابت بالنص والإجماع" (¬1). ونقله عنه العيني (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "فيجوز التيمم عن الحدث الأصغر بالكتاب والسنة والإجماع" (¬3). شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: "يجوز التيمم للحدث الأصغر بغير خلاف علمناه؛ إذا وجدت الشرائط" (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى ذكر من الأسباب المبيحة للتيمم الغائطَ، وهو موجب للحدث الأصغر، فدل على أن التيمم يجوز للحدث الأصغر، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [6 - 293] التيمم عن الفريضة يجزئ عن النافلة: إذا تيمم المسلم عن الفريضة، فإنه يجوز له أنه يصلي بتيممه هذا النافلة، سواء كانت بعدها أو قبلها. • من نقل الاتفاق: البغوي (516 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أنه يجوز أن يصلي بتيمم واحد مع الفريضة ما شاء من النوافل قبلها وبعدها" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬6)، والشافعية على الصحيح (¬7)، والحنابلة على المذهب (¬8). • مستند الاتفاق: أن فعل النافلة تطوع، فيباح له فعلها إذا نوى الفرض تبعًا، كالسنن الراتبة، وكما أنه يباح له التنفل بعد الفرض، فقبلها أيضًا (¬9). ¬
[7 - 294] بطلان طهارة التيمم بوجود الماء
• الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في وجه (¬1)، بأنه لا يستبيح النافلة بهذا مطلقًا. ولم يذكروا دليلًا لهذا؛ إلا أنه يمكن أن يقال: بأن نية التيمم كانت للفرض، وهو عن بدل وهو الوضوء، وليس أصلًا، فلم يبح بهذه النية إلا ما نُوي لها. وخالف المالكية (¬2)، والشافعية في قول (¬3)، وأحمد في رواية (¬4)، فقالوا: لا يتطوع قبل الفريضة بنافلة إلا الراتبة. واستدلوا بأن النفل تبع للفرض، فلا يتقدم المتبوع (¬5). وخالف الحنابلة في وجه (¬6)، فقالوا: بأن كل نافلة تحتاج إلى تيمم. ولم يذكروا دليلًا لهذا؛ إلا أنه يمكن أن يقال فيه ما قيل في دليل القول الأول.Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، ومن العجيب أن البغوي شافعي والخلاف فى مذهبه أشهر، ولكن لعلها سهو منه رحمه اللَّه، واللَّه تعالى أعلم. [7 - 294] بطلان طهارة التيمم بوجود الماء: إذا تيمم المسلم، ثم وجد الماء، فإنه ينتقض تيممه ويلزمه حينئذ الوضوء بالماء. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن من تيمم كما أمر، ثم وجد الماء قبل دخوله في الصلاة؛ أن طهارته تُنقض، وعليه أن يعيد الطهارة ويصلي" (¬7). وقال: "وأجمعوا على أنه إذا تيمم للمكتوبة في أول الوقت؛ فلم يصلّ، ثم صار إلى مكان فيه ماء؛ أن عليه أن يعيد (الطهارة) (¬8)؛ لأنه حين وصل إلى الماء انتقضت ¬
طهارته" (¬1). ونقله النووي عنه (¬2)، والشربيني (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء أن من تيمم بعد أن طلب الماء؛ فلم يجده، ثم وجد الماء قبل دخوله في الصلاة؛ أن تيممه باطل، لا يجزيه أن يصلي به، وأنه قد عاد بحاله قبل التيمم" (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن المحدث إذا تيمم، ثم وجد الماء قبل الدخول في الصلاة؛ أنه يبطل تيممه، ويلزمه استعمال الماء قبل الدخول" (¬5). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "فإن وجده -الماء- قبل الشروع في الصلاة؛ انتقض تيممه عند عامة العلماء" (¬6). وقال: "ولو ظن أن ماءه قد فني، فتيمم وصلى، ثم تبين له أنه قد بقي، لا يجزئه بالإجماع؛ لأن العلم لا يبطل بالظن، فكان الطلب واجبًا" (¬7). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول أثناء استدلالٍ له: "فنظيره؛ إذا قدر على الماء بعد تيممه، ولا خلاف في بطلانه" (¬8)، أي بطلان التيمم. ونقله عنه ابن قاسم بلفظ الإجماع (¬9). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن من تيمم، ثم وجد الماء قبل الدخول في الصلاة؛ بطل تيممه، وعليه استعمال الماء" (¬10). وقال في أثناء استدلالٍ له: "بدليل إجماع المسلمين على بطلانها بوجود الماء، وإن لم يُحْدث" (¬11). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وقد ثبت بالنص والإجماع، أنه يبطل بالقدرة على استعمال الماء" (¬12). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬1)، وابن حزم (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى عندما أباح التيمم؛ اشترط عدم وجود الماء، فدل على عدم جواز البدل بوجود الأصل المبدل منه. 2 - حديث أبي ذر الغفاري -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "التراب طهور المسلم، ولو إلى عشر حجج؛ ما لم يجد الماء" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل حِلَّ التيمم بعدم وجود الماء، مما يدل على أنه إذا وجد الماء بطل التيمم (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف (¬5)، والشعبي (¬6)؛ فقال: لا يبطل التيمم بوجود الماء؛ ما دام أنه عندما تيمم لم يكن لديه ماء، فإن رآه في أثناء التيمم بطل. ويقول ابن حزم: "وبإحداث الغسل والوضوء يقول جمهور المتأخرين" (¬7)، يعني: أنهم يوجبون استعمال الماء عند وجوده، وهذا يدل على أنه لا يرى وجود الإجماع في المسألة. ونسب ابن رشد القول الأول للجمهور، وهذا القول إلى قوم، واستدل لهم (¬8). واستُدلّ لهذا القول بأن الطهارة بعد صحتها لا تنقض إلا بالحدث، ووجود الماء ليس بحدث (¬9). ¬
[8 - 295] التيمم يبطل بتذكر مكان الماء بعد النسيان النادر
Rأن الإجماع متحقق بعد الخلاف؛ لعدم وجود المخالف المعتبر في المسألة بعد زمن الخلاف، فلم أجد من وافق أو تابع أبا سلمة والشعبي على قولهما هذا، والمسألة من باب الاتفاق بعد الخلاف، وقد سبق التعرض لهذه المسألة كثيرًا، واللَّه تعالى أعلم. [8 - 295] التيمم يبطل بتذكر مكان الماء بعد النسيان النادر: إذا كان لدى المسلم ماء، سواء كان معه على رأسه أو ظهره. . . أو كان في نحو مقدم رحله أو مؤخرته، ثم تيمم ناسيًا وجود الماء، فإنه لا يجزئه ذلك التيمم. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ولو كان على رأسه أو ظهره ماء، أو كان معلقًا في عنقه، فنسيه فتيمم، ثم تذكر، لا يجزئه بالإجماع؛ لأن النسيان في مثل هذه الحالة نادر" (¬1). ونقل الزيلعي نفس العبارة دون الإشارة لصاحبها (¬2). ويقول الكاساني أيضًا: "وإن كان -الماء- في مقدم الرحل لا يجوز بالإجماع؛ لأن نسيانه نادر" (¬3)، أي: لا يجوز التيمم. ويقول: "وهو أنه إن كان -الماء- في مؤخر الرحل لا يجوز بالإجماع؛ لأنه يراه، ويبصره، فكان النسيان نادرًا" (¬4)، أي: لا يجوز التيمم. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية على المشهور (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة على المذهب (¬7). • مستند الإجماع: أن الطهارة بالماء تجب مع الذكر، فلم تسقط بالنسيان، كما لو صلَّى ناسيًا لحدثه، ثم تذكر، أو صلى الماسح، ثم بانَ له انقضاءُ مدة المسح قبل صلاته، وكذا من تذكر وجود الماء معه، فإنه يجب عليه إعادة الوضوء، ولا يجزئه ذلك التيمم لصلاته (¬8). ¬
[9 - 296] التيمم لا يرفع الحدث ولا الجنابة
• الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قولٍ (¬1)، والحنابلة في رواية (¬2)، فقالوا: يجزئه تيممه ذلك. واستدلوا بأنه مع النسيان غير قادر على استعمال الماء، فهو كالعادم للماء (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [9 - 296] التيمم لا يرفع الحدث ولا الجنابة: إذا تيمم المسلم من الحدث أو الجنابة، ثم وجد الماء، فإن حدثه أو جنابته لا ترتفع، وعليه حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على أن الطهارة بالتيمم لا ترفع الجنابة، ولا الحدث إذا وجد الماء، إلا شيء روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن" (¬4). نقله عنه ابن قدامة (¬5). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن التيمم لا يرفع الحدث على الاستمرار، وفائدته؛ أن المتيمم إذا رأى الماء قبل الدخول في الصلاة؛ بطل تيممه، ولزمه استعمال الماء" (¬6). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على أن التيمم لا يرفع الجنابة ولا الحدث، وأن المتيمم لهما إذا وجد الماء عاد؛ جنبًا كما كان أو محدثًا" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، والشافعية (¬9)، وابن حزم (¬10). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي ذر الغفاري -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "التراب ¬
[10 - 297] وجوب استعمال الماء للمتيمم إذا وجده
طهور المسلم، ولو إلى عشر حجج؛ ما لم يجد الماء" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل جواز التيمم بما لم يجد الماء، فإذا وجده لزمه الماء، ولو كان يرفع الحدث والنجاسة؛ لما لزمه التطهير من جديد (¬2). 2 - أن المتيمم لو وجد الماء؛ لزمه استعماله لرفع الحدث الذي كان قبل التيمم، إن كان جنبًا، أو محدثًا، أو امرأة حائضًا، ولو رفع الحدث؛ لاستوى الجميع فيما يلزمهم من التطهير؛ وذلك لأنهم قد تطهروا بالتيمم، مما يدل على بقاء الحدث مع إباحة العبادة (¬3). 3 - أن التيمم طهارة ضرورة، فلم ترفع الحدث؛ كطهارة المستحاضة (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف أبو سلمة بن عبد الرحمن (¬5)، فقال: يرفع الحدث الأصغر والأكبر. وحجته: أن التيمم طهارة مشروعة عن الحدث تبيح الصلاة، فترفع الحدث؛ كطهارة الماء، ما لم يحدث أو يجد الماء (¬6). خالف الزهري، وابن المسيب، والحسن (¬7)، فقالوا: يرفع الحدث الأصغر. ولم يذكروا له دليلًا.Rأن الإجماع متحقق بعد الخلاف؛ لعدم وجود المخالف في المسألة بعد زمن المخالفين، فلم أجد من تابعهم من أصحاب المذاهب، أو غيرهم من العلماء، مما يدل على أن هذا القول المخالف قد اندرس، واللَّه تعالى أعلم. [10 - 297] وجوب استعمال الماء للمتيمم إذا وجده: إذا وجد المتيمم الماء، فإنه يجب عليه أن يغتسل أو يتوضأ لما يستقبل. وهي قريبة من المسألة الماضية (¬8)، إلا أن بينهما فرقًا، وهو أن السابقة في حصول النقض بوجود الماء، وفي مسألتنا هذه حصول الأمر بالطهارة -غسلًا أو وضوءًا- ¬
بوجود الماء لما يستقبل، والتفريق بينهما ظاهر في كلام ابن المنذر (¬1). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه إذا تيمم للمكتوبة في أول الوقت؛ فلم يصلّ، ثم صار إلى مكان فيه ماء؛ أن عليه أن يعيد الطهارة (¬2)؛ لأنه حين وصل إلى الماء انتقضت طهارته" (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد غلط بعض الناس في هذا المعنى عن ابن مسعود، فزعم أنه كان يرى الجنب إذا تيمم، ثم وجد الماء؛ لم يغتسل، ولا وضوء عليه حتى يحدث، وهذا لا يقوله أحد من علماء المسلمين، ولا روي عن أحد من السلف، ولا الخلف فيما علمت، إلا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، ولا يعرف عنه، والمحفوظ عن ابن مسعود ما وصفنا عنه" (¬4). وقال معلقًا على قول أبي سلمة: "وأما سائر العلماء، الذين هم الحجة على من خالف جميعهم؛ فقالوا في الجنب إذا تيمم، ثم وجد الماء: إنه يلزمه الغسل لما يستقبل" (¬5). ويقول في سياق استدلال له: "بدليل الإجماع على أن الجنب إذا صلى بالتيمم، ثم وجد الماء؛ لزمه الغسل، وأن المتيمم غير الجنب، يلزمه الوضوء إذا وجد الماء" (¬6). ونقله عنه القرافي (¬7). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وإذا صلى الجنب بالتيمم، ثم وجد الماء، وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء، إلا ما حكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الإمام التابعي أنه قال: لا يلزمه، وهو مذهب متروك بإجماع من قبله، ومن بعده، وبالأحاديث الصحيحة المشهورة، في أمره عليه الصلاة والسلام للجنب بغسل بدنه إذا وجد الماء" (¬8). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "فإنه قد ثبت بالنص والإجماع، أنه إذا قدر على ¬
استعمال الماء استعمله، وإن لم يتجدد بعد الجنابة الأولى جنابةٌ ثانية، بخلاف الماء" (¬1). ابن الملقن (804 هـ) حيث نقل نحو عبارة النووي دون إشارة كما هي عادة المتقدمين (¬2). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "فصار الأصل أنه متى قدر على الاغتسال بوجه من الوجوه لا يباح له التيمم إجماعًا" (¬3). ونقله عنه ابن عابدين (¬4). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وإذا صلى الجنب بالتيمم، ثم وجد الماء، وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء، إلا ما يُحكى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الإمام التابعي أنه قال: لا يلزمه، وهو مذهب متروك بإجماع من بعده ومن قبله، وبالأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- للجنب بغسل بدنه إذا وجد الماء" (¬5). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول عن الماء: "لكن إذا وجده الجنب وجب عليه الاغتسال إجماعًا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث عمران بن الحصين -رضي اللَّه عنه-، قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر. . . "، وفيه: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى بالناس، فلما انفتل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من صلاته؛ إذ هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال: "ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ ". قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: "عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك"، ثم قال: وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، وقال: "اذهب فأفرغه عليك" (¬9). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى المتيمم ماءً ليتوضأ؛ بعد أن تيمم، ولو كانت الطهارة بالماء بعد التيمم غيرَ واجبة؛ لما فعل ذلك عليه الصلاة والسلام (¬10). ¬
[11 - 298] التيمم يبيح العبادة المتيمم لها
2 - حديث أبي ذر -رضي اللَّه عنه-، وفيه: "فإذا وجد الماء فليمسه بشرته" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بأن يمس بشرته بالماء عندما يجده، والأمر يقتضي الوجوب، قال ذلك بعد أن أباح التيمم لعادم الماء (¬2). • الخلاف في المسألة: الخلاف هنا كما هو في المسألة السابقة، فأبو سلمة يرى أن التيمم لا يبطل بوجود الماء مطلقًا، ولذا لا حاجة للطهارة بعد وجودها، والزهري وابن المسيب والحسن يرون عدم بطلان طهارة التيمم من الحدث الأصغر، وسبقت المناقشة هناك.Rأن الإجماع متحقق بعد الخلاف؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، مع ملاحظة ما قيل في نتيجة المسألة السابقة، واللَّه تعالى أعلم. [11 - 298] التيمم يبيح العبادة المتيمَّم لها: إذا تيمم المسلم، فإنه يباح له الإقدام على العبادة، وعليه حكى القرافي الإجماع. • من نقل الإجماع: القرافي (684 هـ) حيث يقول: "وإن كان المراد الثاني -المنع الشرعي من الإقدام على العبادة حتى التطهر- فقد ارتفع بالضرورة -أي: بالتيمم- فإن الإباحة ثابتة إجماعًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمرنا بالتيمم لعدم الماء، وهذا فيه إباحة للعبادة به، وأنه يقوم مقام الوضوء. 2 - حديث أبي ذر الغفاري -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "التراب طهور المسلم، ولو ¬
[12 - 299] رؤية الماء أثناء التيمم تبطله
إلى عشر حجج؛ ما لم يجد الماء" (¬1). • وجه الدلالة: أن التراب طهور المسلم مع عدم الماء، وهذا فيه إباحة وزيادة.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، وهذه المسألة أشبه بالإجماع على أقل ما قيل، فمن قال بأن التيمم رافع للحدث مطلقًا -وهو أبو سلمة ومن معه- (¬2) يقول بالإباحة وزيادة، ومن قال بأن التيمم يبطل بوجود الماء؛ فقد قال بمسألتنا أيضًا، ولا يخالف فيها أي من الطرفين، واللَّه تعالى أعلم. [12 - 299] رؤية الماء أثناء التيمم تبطله: إذا شرع مسلم بالتيمم، وفي أثنائه رأى الماء، فإنه يبطل تيممه، وعليه أن يتوضأ بالماء. • من نقل الإجماع: القاضي أبو الطيب الطبري (450 هـ) حيث نقل الإجماع على أنه إذا رأى الماء أثناء التيمم بطل تيممه. نقله عنه النووي (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: يستند في هذه المسألة بما تستند إليه مسألة وجوب استعمال الماء إذا وجد، وقد سبقت، إلا أنه يضاف هنا أنه برؤيته الماء قبل إنهائه التيمم، فهو قد رآه قبل إتمام الطهارة، وإحداثه للتيمم مع وجود الماء غير جائز، وبهذا يبطل ما استدل به المخالفون هناك -أبو سلمة ومن معه- ويدخلون في هذه المسألة من الموافقين، واللَّه تعالى أعلم (¬8).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [13 - 300] مشروعية التيمم للجنب: إذا أجنب المسلم، وتحققت فيه شروط جواز التيمم، فإنه يشرع له أن يتيمم، وعليه ¬
حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "وهو قول عامة الفقهاء؛ أن الجنب والحائض إذا لم يجدا الماء، تيمما وصليا" (¬1). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأما كون عمل التيمم للجنابة، وللحيض، وللنفاس، ولسائر ما ذكرنا (¬2) كصفته لرفع الحدث؛ فإجماع لا خلاف فيه، من كل من يقول بشيء من هذه الأغسال، وبالتيمم لها" (¬3). وهذا وإن كان ظاهره أنه يحكي الإجماع؛ إلا أنه بعد التأمل ليس فيه حكاية، إذ أنه قيده بمن يقول بهذه الأغسال، فهو يقصد إجماع القائلين، وليس إجماع العلماء، واللَّه أعلم (¬4). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء بالأمصار بالمشرق والمغرب، فيما علمت، أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء طهورُ كل مسلم، مريضٌ؛ أو مسافر، وسواء كان جنبًا؛ أو على غير وضوء، ولا يختلفون في ذلك" (¬5). ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "قال بعضهم: وقد حكي عن عبد اللَّه بن مسعود أنه لا يجوز -تيمم الجنب- وانعقد الإجماع بعد ذلك على جوازه بهذه النصوص (¬6) " (¬7). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول عن التيمم: "وأجمعوا على أنه يجوز للجنب بشرطه؛ كما يجوز للمحدث" (¬8). ونقل نحو عبارته ابن قاسم دون إشارة (¬9). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن التيمم مختص بالوجه واليدين، ¬
سواء تيمم عن الحدث الأصغر أو الأكبر، سواء تيمم عن كل الأعضاء أو بعضها" (¬1). وقال: "وكذلك أجمع أهل هذه الأعصار، ومن قبلهم، على جوازه للجنب والحائض، والنفساء، ولم يخالف فيه أحد من الخلف، ولا أحد من السلف، إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب، وعبد اللَّه بن مسعود، وحُكي مثله عن إبراهيم النخعي الإمام التابعي، وقيل: إن عمر وعبد اللَّه رجعا عنه" (¬2). ونقله عنه العيني (¬3). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وكان هو -يعني عمر بن الخطاب- وابن مسعود يريان أن الجنب لا يتيمم، وخالفهما عمار، وأبو موسى، وابن عباس، وغيرهم من الصحابة، وأطبق العلماء على قول هؤلاء؛ لما كان معهم الكتاب والسنة" (¬4). ابن الملقن (804 هـ) حيث نقل عبارة النووي السابقة، ولكنه لم يُشِرْ (¬5). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث (¬6) يدل على مشروعية التيمم للصلاة عند عدم الماء؛ من غير فرق بين الجنب وغيره، وقد أجمع على ذلك العلماء، ولم يخالف فيه أحد من الخلف، ولا من السلف؛ إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب، وعبد اللَّه بن مسعود، وحكي مثله عن إبراهيم النخعي من عدم جوازه للجنب، وقيل: إن عمر وعبد اللَّه رجعا عن ذلك" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع علي، وابن عباس، وعمرو بن العاص، وأبو موسى، وعمار -رضي اللَّه عنهم-، والثوري، وأبو ثور، وإسحاق، وابن المنذر (¬8)، والحنفية (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلى قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، ثم قال تعالى: ¬
{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا} عائد إلى المحدث والجنب جميعًا، بدليل السياق (¬1). 2 - حديث عمار بن ياسر -رضي اللَّه عنهما-، قال: بعثني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حاجة فأجنبت؛ فلم أجد الماء؛ فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرت له ذلك، فقال: "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا"، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه (¬2). • وجه الدلالة: أن عمار -رضي اللَّه عنه- أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان جنبًا، ثم أخبره عليه الصلاة والسلام أنه كان يكفيه التيمم بضربة اليد إلى آخره، فدل على مشروعية التيمم للجنب (¬3)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة عمر، وابن مسعود، وإبراهيم النخعي، والأسود (¬4)، فقالوا: إن الجنب لا يتيمم (¬5). وقيل إن عمر وابن مسعود رجعا، وقد سبق (¬6). وحكى ابن رشد الخلاف في المسألة، وقال عن القول الأول: "وبه قال عامة الفقهاء" (¬7). وقال ابن عبد البر: "ولم يقل بقول عمر وعبد اللَّه -يعني: ابن مسعود- في هذه المسألة أحدٌ من فقهاء الأمصار، من أهل الرأي وحملة الآثار" (¬8). وهو غير صحيح، حيث ورد القول عن غيرهم. واستدلوا: بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. فأوجب التطهر، وقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ ¬
[14 - 301] مشروعية التيمم للحيض
الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، وحملوا الملامسة على ما دون الجماع، وقالوا: ذكر اللَّه تعالى هنا الحدث الأصغر فقط (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق في عصر الصحابة ولا التابعين؛ لوجود المخالف في المسألة، ولكن بعد البحث لم أجد من تابعهم من الأئمة بعدهم، ولا من أرباب المذاهب، ولذا فالأظهر أن المسألة من باب الاتفاق بعد الخلاف، فهي متفق عليها بين العلماء بعد عصر التابعين، واللَّه تعالى أعلم. [14 - 301] مشروعية التيمم للحيض: إذا طهرت الحائض وانقطع دمها، ولم تجد ماء، فإن التيمم يجوز لها بالإجماع، كما حكاه عدد من العلماء، وهذا ما تناقشه مسألتنا. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "وهو قول عامة الفقهاء؛ أن الجنب والحائض إذا لم يجدا الماء، تيمما وصليا" (¬2). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأما كون عمل التيمم للجنابة، وللحيض، وللنفاس، ولسائر ما ذكرنا (¬3) كصفته لرفع الحدث؛ فإجماع لا خلاف فيه، من كل من يقول بشيء من هذه الأغسال، وبالتيمم لها" (¬4). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "سئل مالك عن الحائض تطهر، فلا تجد ماء أتتيمم؟ قال: نعم، فإن مثلها مثل الجنب إذا لم يجد الماء تيمم، وهذا إجماع كما قال مالك، لا خلاف فيه، والحمد للَّه" (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وكذلك أجمع أهل هذه الأعصار، ومَن قبلهم، على جوازه -التيمم- للجنب والحائض، والنفساء، ولم يخالف فيه أحد من الخلف، ولا أحد من السلف، إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب، وعبد اللَّه بن مسعود، وحُكي مثله ¬
[15 - 302] مشروعية التيمم للمسافر العادم للماء
عن إبراهيم النخعي الإمام التابعي، وقيل: إن عمر وعبد اللَّه رجعا عنه" (¬1). ونقله عنه العيني (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - حديث عمار بن ياسر -رضي اللَّه عنهما-، الذي فيه؛ أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له بعد تمرغه بالتراب وهو جنب: "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا" (¬5)، ثم وصف له التيمم. • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أباح له التيمم وهو جنب، والجنابة والحيض كلاهما حدث أكبر، فيقاس الحيض على الجنابة، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الحيض بعد انقطاع دمه حدث، يمكن رفعه بالغسل كالجنابة، والجنب إذا لم يجد الماء تيمم للصلاة، وغيرها من موانع الجنابة؛ فكذلك الحائض إذا لم تجد الماء تتيمم (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في مسألتنا مَن خالف في مسألة تيمم الجنب، فالمخالفون خالفوا في التيمم من الحدث الأكبر؛ كالجنابة، والحيض، والنفاس، فالخلاف هناك يجري هنا، فليراجع هناك (¬7).Rأن الإجماع -كما سبق في مسألة الجنب- غير متحقق في العصر الأول؛ لوجود المخالف فى المسألة، ولكن الأظهر أنه تحقق بعد ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [15 - 302] مشروعية التيمم للمسافر العادم للماء: إذا أراد المسافر الوضوء، ولم يجد الماء، فإنه يجوز له أن يتيمم. • من نقل الإجماع: ابن الحارث (361 هـ) حيث نقل عنه الموّاق (¬8) والحطاب (¬9) ¬
حكايته الاتفاق على جواز تيمم المسافر الذي لم يجد الماء. ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن المسافر سفرًا تقصر فيه الصلاة، إذا لم يقدر على ماء أصلًا، وليس بقربه ماء أصلًا؛ أن له أن يتيمم بدل الوضوء للصلاة فقط" (¬1). وقال: "وأجمعوا أن المسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا، ولا يجد ماء ولا نبيذًا؛ فإن التيمم له بالتراب الطاهر جائز في الوضوء للصلاة، الفريضة خاصة" (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع علماء الأمصار بالمشرق والمغرب فيما علمت، أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء طهور كل مسلم؛ مريض أو مسافر" (¬3). وقال: "التيمم للمريض والمسافر إذا لم يجد الماء بالكتاب والسنة والإجماع" (¬4). وقال: "وفي هذا الحديث التيمم في السفر، وهو أمر مجمع عليه" (¬5). الباجي (474 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في وجوب ذلك -التيمم- في السفر وإجزائه" (¬6). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "فأجمع العلماء أنها تجوز لاثنين؛ للمريض وللمسافر إذا عدما الماء" (¬7). ابن الحاجب (646 هـ) حيث نقل عنه الحطاب أيضًا حكايته الاتفاق على جواز تيمم المسافر الذي لم يجد الماء (¬8). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على جواز التيمم في السفر حسبما ذكرنا" (¬9). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وقد اتفق المسلمون على أنه إذا لم يجد الماء في السفر تيمم وصلى إلى أن يجد الماء" (¬10). ¬
[16 - 303] جواز التيمم في السفر القصير
وقال: "لا نزاع بين المسلمين أنه إذا علم المسافر العادم للماء أنه يجده بعد الوقت؛ لم يجز له تأخير الصلاة، ليصليها بعد الوقت بوضوء أو غسل، بل هو الفرض" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). العيني (855 هـ) حيث يقول عن المسافة في السفر: "والبعيدة غير مانعة بالإجماع" (¬3)، أي: غير مانعة للتيمم. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نصّ على جوازه للمسافر الذي لم يجد الماء، وهذه مسألتنا. 2 - حديث عمران بن الحصين -رضي اللَّه عنه-، قال: "كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر. . . " وذكر الحديث إلى أن قال له عليه الصلاة والسلام: "عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشد المجنب لكيفية التيمم الصحيح في السفر، مما يدل على جوازه في السفر، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [16 - 303] جواز التيمم في السفر القصير: إذا سافر المسلم سفرًا قصيرًا على نحو ميل، ولم يجد الماء، فإنه يجوز له التيمم. • من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا على أن من كان ¬
خارج المصر، على ميل أو أقل، ونيته العود إلى منزله، لا إلى سفر آخر، ولم يجد ماء؛ أنه يجوز له التيمم". نقله عنه ابن حجر (¬1). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وسواء كان السفر قريبًا أو بعيدًا، سفر طاعة كان أو سفر معصية أو مباحًا، هذا مما لا نعلم فيه خلافًا، إلا أن بعض العلماء ذكر قولًا لم ينسبه إلى أحد، وهو أن التيمم لا يجوز إلا في سفر تقصر فيه الصلاة" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية على الصحيح من المذهب (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: الآية مطلقة في إباحة التيمم في السفر، فتدل بإطلاقها على إباحة التيمم في كل سفر (¬6). 2 - أن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أقبل من الجُرُف (¬7)، حتى كان بالمِربد (¬8) فتيمم وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة؛ فلم يعد الصلاة (¬9). • وجه الدلالة: أن ابن عمر تيمم في سفر لا قصر فيه، وهذا فعل صحابي، فهو إما حجة عند بعض العلماء، أو مما يستأنس به (¬10). 3 - أن السفر القصير يكثر، ويكثر عدم الماء فيه، فيحتاج إلى التيمم فيه؛ فينبغي أن يسقط به الفرض، كالطويل (¬11). ¬
[17 - 304] مشروعية التيمم للمريض العادم للماء
• الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قولٍ (¬1)، وحكاه ابن قدامة (¬2)، والنووي (¬3) قولًا في المسألة، ولم يسميا القائلين، فقالوا: لا يباح إلا في السفر الطويل. وحكاه بعض الشافعية قولًا في المذهب (¬4). أشار ابن حزم للخلاف في المسألة، حيث جعل مسألتنا قيدًا للإجماع على التيمم في السفر كما سبق (¬5)، ونقل الخلاف بصراحة في النقل السابق، إلا أنه يظهر من كلامه أنه لا يعرف القائل به، ويرد عليه بأنه معروف كما يظهر من كلام المالكية وغيرهم. واحتجوا بأنه لا يجوز له القصر فلا يجوز له التيمم؛ كما لو كان في الحضر (¬6). وخالف محمد بن الحسن فيما هو دون الميل (¬7)، فلا يجوز له التيمم في هذه الحالة.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [17 - 304] مشروعية التيمم للمريض العادم للماء: إذا أراد المريض أن يقوم بما لا يباح فعله إلا بطهارة، ولم يجد الماء، فإنه يشرع له التيمم عندئذٍ (¬8). • من نقل الإجماع: ابن الحارث (361 هـ) حيث نقل عنه الموّاق (¬9) والحطاب (¬10) حكايته الاتفاق على جواز تيمم المريض الذي لم يجد الماء. ¬
ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن المريض الذي يتأذى بالماء، ولا يجد الماء مع ذلك، أن التيمم له بدل الوضوء والغسل" (¬1). وقال أيضًا: "وأجمعوا أن المريض الذي يؤذيه الماء، ولا يجده مع ذلك، أن له التيمم" (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع علماء الأمصار بالمشرق والمغرب فيما علمت أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء طهور كل مسلم؛ مريض أو مسافر" (¬3). وقال: "التيمم للمريض والمسافر إذا لم يجد الماء بالكتاب والسنة والإجماع" (¬4). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "فأجمع العلماء أنها تجوز لاثنين؛ للمريض وللمسافر إذا عُدِما الماء" (¬5). ابن الحاجب (646 هـ) حيث نقل عنه الحطاب حكايته الاتفاق على جواز تيمم المريض الذي لم يجد الماء (¬6). القرطبي (671 هـ) حيث يقول عن المرض: "فإذا كان كثيرًا، بحيث يخاف الموت لبرد الماء، أو للعلة التي به، أو يخاف فوت بعض الأعضاء، فهذا يتيمم بإجماع، إلا ما روي عن الحسن وعطاء، أنه يتطهر وإن مات" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نصّ على جوازه للمسافر الذي لم يجد الماء، وأطلق ذلك، وهذه مسألتنا. (¬11). ¬
[18 - 305] جواز التيمم للمريض إذا خاف على نفسه أو عضوه الهلاك
2 - قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حرم علينا قتل أنفسنا، ومِنْ قَتْلها أن يغتسل أو يتوضأ المريض الذي يخشى على نفسه الهلاك، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] (¬1). 3 - حديث عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-، قال: "احتلمت في ليلة باردة، وأنا في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، ثم أخبرت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فضحك، ولم يقل شيئًا" (¬2). • وجه الدلالة: أن عَمرًا تيمم لخوف البرد، فيقاس عليه المريض الذي يخشى على نفسه (¬3).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [18 - 305] جواز التيمم للمريض إذا خاف على نفسه أو عضوه الهلاك: إذا خاف المريض على نفسه الهلاك أو تلف العضو إن استعمل الماء مع وجوده، فإنه يجوز له التيمم. • من نقل الإجماع: السرخسي (483 هـ) حيث يقول: "أما إذا كان -المريض- يخاف الهلاك باستعمال الماء؛ فالتيمم جائز له بالاتفاق" (¬4). العيني (855 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه لو خاف على نفسه الهلاك أو على عضوه ومنفعته يباح له التيمم" (¬5). ابن الهمام (861 هـ) حيث يقول: "والإجماع على تخصيص حالة القدرة، حتى لا يتيمم المريض القادر على استعمال الماء"، أي: تخصيص المنع بالجواز للمريض غير ¬
القادر (¬1). ونقل ابن نجيم نحو عبارته دون إشارة (¬2). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول عن النوع الثاني من أنواع المرض: "الثاني: مرض يخاف معه من استعمال الماء تلف النفس أو عضو أو حدوث مرض يخاف منه تلف النفس أو عضو أو فوات منفعة عضو، فهذا يجوز له التيمم إجماعًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، ومجاهد، وعكرمة، وطاوس، والنخعي، وقتادة (¬4)، والمالكية على الظاهر (¬5)، والشافعية في الهلاك (¬6)، وأما العضو فعلى الصحيح عند الحنابلة (¬7)؛ كما وافقوا على بقية الصور (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى يأمرنا بعدم قتل أنفسنا، والتيمم مع خوف الهلاك أو العضو نوع من قتل النفس أو الإتلاف، فهو منهي عنه بالآية (¬9). 2 - قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: تقدير الآية {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43] فعجزتم، أو خفتم من استعمال الماء، أو كنتم على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا (¬10). • الخلاف في المسألة: خالف الحسن، وعطاء (¬11)، والمالكية في قولٍ غير مشهورٍ عندهم (¬12)، فقالوا: لا يجوز التيمم في المرض إلا مع عدم الماء. ¬
[19 - 306] جواز التيمم بالتراب
واستدلوا بعموم قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] (¬1). وذكر الماوردي قولًا من أحد طريقين عن الشافعي ذكرهما (¬2)، أنه لا يجوز التيمم في خوف الشلل والشين. واستنكره النووي (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [19 - 306] جواز التيمم بالتراب: إذا أراد المسلم التيمم، فإنه يجوز له التيمم بالتراب الطيب، وعليه حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن التيمم بالتراب ذي الغبار جائز" (¬4). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أن التيمم بالتراب جائز" (¬5). ونقله عنه العيني (¬6). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وذلك أنهم اتفقوا على جوازها بتراب الحرث الطيب" (¬7). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "مكان الإجماع مما ذكرناه أن يتيمم الرجل على تراب منبت طاهر، غير منقول ولا مغصوب" (¬8)، وقد ذكر تفصيلات لسنا بحاجة لها لصحة الإجماع. القرافي (684 هـ) حيث يقول: "فتلخص أن المتيمم به ثلاثة أقسام: جائز اتفاقًا، وهو التراب الطاهر" (¬9). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "والتراب الذي ينبعث مراد من النص بالإجماع، وفيما سواه نزاع" (¬10). ¬
الصاوي (1241 هـ) حيث يقول شارحًا كلام الماتن: "قوله: (التراب) أي: للاتفاق عليه في جميع المذاهب" (¬1)، أي: على جواز استعماله في التيمم. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: قال ابن عباس: "الصعيد: تراب الحرث"، ويقول الشافعي: "ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذي غبار" (¬5)، فالتراب منصوص على جواز استعماله بالآية الكريمة (¬6). 2 - حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه-، قال عليه الصلاة والسلام: "جعلت لنا الأرض كلها مسجدًا وجعلت تربتها لنا طهورًا" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر مما أبيح له طهارة التراب وتطهيره (¬8). • الخلاف في المسألة: نقل ابن المنذر خلافًا بعد حكايته الإجماع، ووصفه بالشذوذ (¬9). إلا أنه لم يذكر هذا القول، وماذا يقصد به، ولا من قال به. ونقل بعده أقوالًا لأهل العلم ليس فيها مخالف لمسألتنا (¬10).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف المعتبر في المسألة، أما ما نقله ابن المنذر؛ فكما قيل سابقًا بأن القول غير معروف، ولا قائله معروف أيضًا، ولم يذكرْه أحدٌ من العلماء فيما رأيت، وأقل ما يقال: إنه قول شاذ غير معتبر، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[20 - 307] صحة التيمم بالرمل الذي لا يعلق باليد
[20 - 307] صحة التيمم بالرمل الذي لا يعلق باليد: إذا ضرب المتيمم بيديه أرض رمل، ولم يعلق بيديه منها شيء، فإن ذلك مجزئه. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "وإن لم يعلق بيديه من الغبار شيء، وقد ضرب بيديه أو إحداهما الصعيد، ثم مسح بهما أو بها وجهه، أجزأه ذلك؛ لإجماع جميع الحجة على أن المتيمم لو ضرب بيديه الصعيد، وهو أرض رمل، فلم يعلق بيديه منها شيء، فتيمم به، أن ذلك مجزئه، لم يخالف ذلك من يجوز أن يعتد بخلافه" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وأبو يوسف في قولٍ رجع عنه (¬2)، والمالكية على المشهور (¬3)، والشافعية في قولٍ من أحد طريقين عندهم (¬4)، وأحمد في رواية (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن الصعيد الذي أمر اللَّه تعالى بالتيمم به مشتق من الصعود، وهو العلو، وهذا لا يوجب الاختصاص بالتراب، بل يعم جميع أنواع الأرض، فكان التخصيص ببعض الأنواع تقييدًا لمطلق الكتاب دون دليل، فوجب البقاء على إطلاقه (¬7). 2 - حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" (¬8). • وجه الدلالة: أن اسم الأرض التي جعلها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مكانا للتيمم يتناول جميع أنواع الأرض، فوجب بقاء هذا الإطلاق إلا بدليل، وهو غير موجود، فوجب البقاء عليه (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف أبو يوسف في قوله الأخير (¬10)، والمالكية في ¬
[21 - 308] مسح ما تحت العارضين غير واجب
قول (¬1)، والشافعية في الطريق الصحيح عندهم (¬2)، والحنابلة على المذهب عندهم (¬3)، بأن التيمم لا يكون إلا بتراب يعلق باليد. واستدلوا (¬4) بقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، قال ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنه: الصعيد هو التراب الخالص، فقالوا: لا يجوز التيمم إلا بالتراب الخالص، وبعضهم قال بجواز التراب المخلوط.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود وشهرة المخالفين في المسألة، ولعل ابن جرير قد وهم في النقل، أو أنه ذكر الرمل دون أن يريد حقيقته، واللَّه تعالى أعلم. [21 - 308] مسح ما تحت العارضين غير واجب: إذا أراد المتيمم أن يمسح على وجهه في التيمم، فإنه لا يجب عليه أن يمسح ما تحت عارضيه. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "قد أجمعوا أن ليس على المتيمم أن يمسح ما تحت عارضيه، فقضى إجماعهم في ذلك على مراد اللَّه تعالى منه" (¬5). • الموافقون على الإجماع: لم يتكلم العلماء عن حد الوجه الواجب مسحه في التيمم، في حدود ما بحثت، إلا أنهم يتكلمون عنه في باب الوضوء، وإذا كان ما تحت العارضين لا يجب غسله في الوضوء الذي يجب فيه الإسباغ؛ ففي التيمم من باب أولى. وعليه فقد وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بغسل الوجه، والوجه من المواجهة، فكل ما ¬
[22 - 309] جواز التيمم لخوف العطش للمسافر
يواجَه به فهو من الوجه، أما ما تحت العارضين فليس من الوجه؛ لأنه لا يواجه به، والتيمم بدل عن الوضوء فيأخذ حكمه (¬1).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [22 - 309] جواز التيمم لخوف العطش للمسافر: إذا كان مع المسافر ماء، ويريد أن يتطهر، ولكنه يخشى إن استعمل هذا الماء أن يعطش ويهلك، فإنه يجوز له أن يستعمل الماء في الشرب ويتيمم (¬2). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن المسافر إذا كان معه ماء، وخشي العطش؛ أنه يبقي ماءه للشرب، ويتيمم" (¬3). ونقله عنه ابن قدامة (¬4)، والنووي (¬5)، والمرداوي (¬6)، وابن قاسم (¬7). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن المسافر إذا كان معه -ماء-، وهو يخشى العطش؛ فإنه يحبسه فيشربه ويتيمم" (¬8). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ولأن الأمة أجمعت على أن من كان في السفر ومعه ماء يكفيه لوضوئه، وهو بحال يخاف على نفسه العطش؛ يباح له التيمم" (¬9). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "قوله (¬10): (باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم)، مراده إلحاق خوف المرض، وفيه -التيمم لخوف المرض- اختلاف بين الفقهاء بخوف العطش، ولا اختلاف فيه" (¬11). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع علي، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، والحسن، وعطاء، ومجاهد، وطاوس، وقتادة، والضحاك، والثوري، وإسحاق (¬12)، ¬
[23 - 310] المتيمم الواجد للماء بعد الوقت لا إعادة عليه
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. • وجه الدلالة: أن من خاف على نفسه العطش ممنوع من استعماله، بمنع الإلقاء بالنفس للتهلكه (¬3). 2 - أن من خاف على نفسه من العطش خائفٌ على نفسه من استعمال الماء، فأبيح له التيمم، قياسًا على المريض (¬4).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [23 - 310] المتيمم الواجد للماء بعد الوقت لا إعادة عليه: إذا صلى المسلم متيممًا، ثم وجد الماء بعد خروج الوقت، فإنه لا تجب عليه الإعادة (¬5). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن من تيمم وصلى، ثم وجد الماء بعد خروج الوقت؛ أن لا إعادة عليه" (¬6). ونقله ابن قدامة (¬7)، والنووي (¬8)، وابن قاسم (¬9). البغوي (516 هـ) حيث يقول مستدلًّا على أن من صلى، وعلى بدنه نجاسة، وهو لا يشعر، ثم علم بها، أن لا إعادة عليه، ثم قال: "كما لو صلى بالتيمم، ثم وجد الماء لا تجب عليه الإعادة بالاتفاق" (¬10). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "إن وجده -الماء- بعد خروج الوقت؛ فلا إعادة عليه إجماعًا" (¬11). ¬
ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول بعد أن ذكر عددًا ممن يجوز لهم التيمم: "أو لخوف الضرر باستعماله، ولا إعادة على أحد من هؤلاء، ففي كثير من الضرر (¬1) لا إعادة عليه باتفاق المسلمين كالمريض والمسافر" (¬2). ويقول: "وكذلك لا إعادة إذا صلى بالتيمم باتفاقهم" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه-، أن رجلين خرجا في سفر، فحضرت الصلاة، وليس معهما ماء، فتيمما صعيدًا، فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرا له ذلك، فقال للذي لم يعد: "أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك"، وقال للذي أعاد: "لك الأجر مرتين" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صوَّب الذي لم يعد الصلاة، وهذا فيما لو وجد الماء قبل خروج الوقت، ومسألتنا من باب أولى (¬9). 2 - أن من تيمم بعد استكمال الشروط وصلى؛ فقد أدى فرضه كما أمره اللَّه تعالى، فلم تلزمه الإعادة إن وجد الماء، سواء في الوقت أو بعده (¬10).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[24 - 311] جواز إمامة المتطهر للمتيمم
[24 - 311] جواز إمامة المتطهر للمتيمم: إذا أمَّ المتطهرُ المتيممَ، فإنه يجوز ذلك، وصلاته صحيحة (¬1). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن لمن تطهر بالماء أن يؤم المتيممين" (¬2). نقله عنه النووي (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-، أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك؛ فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكروا ذلك له، فقال عليه الصلاة والسلام: "يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ "، فقلت: ذكرت قول اللَّه تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]، فتيممت ثم صليت، فضحك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يقل شيئًا (¬9). • وجه الدلالة: أن عمرًا -رضي اللَّه عنه- صلى بأصحابه وهو متيمم، وهم متوضئون، وأقره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ذلك، فدل على جواز إمامة المتيمم للمتوضئ، وفي مسألتنا من باب أولى. 2 - أن المتوضئ مرفوع الحدث، بخلاف التيمم، فالحدث فيه غير مرفوع، فطهارة المتطهر أعلى من المتيمم، فجازت إمامة المتوضئ للمتيمم؛ لأنه أعلى منه (¬10).Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[25 - 312] التيمم قبل الوقت لا يجوز
[25 - 312] التيمم قبل الوقت لا يجوز: إذا أراد المسلم أن يتيمم قبل دخول وقت صلاة الفرض، فإنه لا يجوز له ذلك، وحُكي عليه الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول في سياق استدلالٍ له: "أجمعوا أنه لا يتيمم قبل دخول الوقت" (¬1). أبو سعيد الإصطخري (328 هـ) حيث يقول عن مسألتنا: "لا نناظر الحنفية في هذه المسألة؛ لأنهم خرقوا الإجماع فيها". نقله عنه النووي (¬2)، والعيني (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع داود (¬4)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] إلى قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن الآية الكريمة تقتضي أنه يتوضأ أو يتيمم عند القيام، وخرج جواز تقديم الوضوء بفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبقي التيمم على مقتضاه؛ لأنه تيمم وهو مستغن عن التيمم، فلم يصح، كما لو تيمم ومعه ماء (¬6). 2 - أن التيمم طهارة ضرورة، فلم يجز التيمم قبل دخول الوقت؛ كطهارة المستحاضة (¬7). 3 - أن المتيمم قبل دخول الوقت متيمم للفرض، في وقت هو مستغن عنه؛ فأشبه ما لو تيمم عند وجود الماء (¬8). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة الحنفية (¬9)، والحنابلة في رواية (¬10)، وابن حزم (¬11)، فقالوا: يجوز التيمم قبل دخول الوقت. واحتجوا بأن الصلاة جائزة بلا خلاف في أول وقتها، فإذا كان كذلك فلا يكون ¬
[26 - 313] صحة التيمم لمن غلط في تعيين نية الموجب
ذلك إلا وقد صحت الطهارة لها قبل ذلك، وهذا يدل ولا بد على جواز التيمم قبل أول الوقت (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، والمسألة خلافية مشهورة، ومستبعد أن يفوت على ابن عبد البر مثل هذا الخلاف، ولعله وهم منه رحمه اللَّه، أو أنه يريد بلفظ الإجماع هذا إجماع المالكية، وهذا قوي حيث قد أشار بعدها للخلاف في المسألة عند غير المالكية (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. [26 - 313] صحة التيمم لمن غلط في تعيين نية الموجِب: إذا أراد المسلم أن يتيمم، وأخطأ في تعيين نية الحدث بين الأكبر والأصغر، فإنه يصح تيممه. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول في سياق استدلالٍ له: "أنه لو كان جنبًا، فغلط وظن أنه محدث فتيمم عن الحدث، أو كان محدثًا، فظن أنه جنب فتيمم للجنابة؛ صح بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، وابن وهب من المالكية (¬5)، والحنابلة في قول (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أن طهارة الحدث والجنابة واحدة، فسقطت إحداهما بفعل الأخرى؛ كما أن الطهارة من البول والغائط واحدة، ويجزئهما نية واحدة (¬7). 2 - أن التيمم يفتقر إلى النية ليصير طهارة؛ إذ هو ليس بتطهير حقيقة، وإنما جُعل تطهيرًا بالشرع للحاجة، والحاجة تُعرف بالنية، ونية الطهارة تكفي أن تكون دلالةً على الحاجة (¬8). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة المالكية (¬9)، والحنابلة في المشهور عندهم (¬10)؛ فقالوا: لا تجزئ نية الحدث الأصغر عن الأكبر. ¬
[27 - 314] اشتراط عدم الماء لجواز التيمم
احتجوا بحديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (¬1)، وهذا لم ينو الجنابة؛ فلم يجزه عنها (¬2). وخالف الجصاص من الحنفية (¬3)؛ فقال: "لا بد من نية التمييز بين الحدث والجنابة". واحتج بأن التيمم للحدث والجنابة يقع على صفة واحدة؛ فلا بد من التمييز بينهما (¬4).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، والذي يبدو أن النووي لم يقصد الإجماع الاصطلاحي، وإنما يقصد إجماع الشافعية، واللَّه تعالى أعلم. [27 - 314] اشتراط عدم الماء لجواز التيمم: إذا أراد المسلم فعل ما يستوجب الطهارة، ولم يجد الماء، فإنه يجوز له التيمم حينئذٍ (¬5). • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "إذا عدم الماء بعد طلبه المعتبر؛ جاز له التيمم للآيةِ، والأحاديثِ الصحيحة، والإجماعِ" (¬6). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "الشرط الثالث -من شروط جواز التيمم-: إعواز الماء بعد الطلب، ولا خلاف في اشتراطه" (¬7). المراغي (816 هـ) حيث يقول: "أما إن وضعه بنفسه، ولم يطلبه. . . ففي الأول -يريد كلامه السابق- لم يجزئه التيمم بالإجماع"، وذلك لوجود الماء. نقله عنه العيني (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، وابن ¬
[28 - 315] لا أثر لتيقن وجود الماء آخر الوقت
حزم (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى اشترط الأمر بالتيمم بعدم وجود الماء، فلا يجوز التيمم إلا بعدم الماء (¬2). 2 - حديث أبي ذر -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "التراب كافيك ما لم تجد الماء" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اشترط لاستعمال التراب عدم وجود الماء، فلا يجوز التيمم إلا بعدم الماء (¬4).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، وهي من المسائل القطعية، واللَّه تعالى أعلم. [28 - 315] لا أثر لتيقن وجود الماء آخر الوقت: إذا أراد المسلم فعل ما يستوجب الطهارة، ولم يجد الماء، ولكنه يتيقن وجوده في آخر الوقت، فإنه يجوز له التيمم، ولا اعتبار لوجوده آخر الوقت، ما دام أنه قد صلى (¬5). • من نقل الإجماع: المحاملي (415 هـ) حيث نقل الإجماع على أنه لا فرق في جواز التيمم بين أن يتيقن وجود الماء في آخر الوقت أو لا يتيقنه. نقله عنه النووي (¬6). الغزالي (505 هـ) حيث نقل عنه النووي أيضًا حكايته عدم الخلاف في المسألة (¬7). النووي (676 هـ) حيث يقول: "ولا فرق في الجواز بين أن يتيقن وجود الماء في آخر الوقت أو لا يتيقنه، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة" (¬8). ¬
[29 - 316] عدم حل التيمم للحاضر الراجي لوجود الماء
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: قول اللَّه تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بالمسارعة إلى المغفرة، ومن المسارعة إقامة الصلاة في أول الوقت، وهو لا يتم إلا بأن يتيمم، فدل على جواز التيمم في هذه الحالة (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة علي -رضي اللَّه عنه-، وعطاء (¬6)، وأبو حنيفة، وأبو يوسف في غير رواية الأصول (¬7)، والشافعي في قولٍ ضعيف عندهم (¬8)، وأحمد في رواية (¬9) بأنه لا يجوز التيمم في حالة ما إذا تيقن وصوله إلى الماء آخر الوقت. وقال النووي عن القول السابق المنسوب للشافعي: "وهو شاذ ضعيف لا تفريع عليه" (¬10). واستُدل له بأن حكم العجز عن الماء -وهو جواز التيمم- يزول عند تيقن وجود الماء في الوقت؛ فوجب الوضوء بالماء، إلا أن يتضايق الوقت (¬11).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [29 - 316] عدم حلِّ التيمم للحاضر الراجي لوجود الماء: إذا أراد الحاضرُ فعلَ ما يستوجب الطهارة، ولم يجد الماء، ولكنه يتيقن وجوده في آخر الوقت، فإنه لا يجوز له التيمم (¬12). • من نقل نفي الخلاف: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأما الحاضر فلا خلاف ¬
من أحد في أنه ما دام يرجو بوجود الماء قبل خروج الوقت؛ فإنه لا يحل له التيمم" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: المخالفون في المسألة السابقة (¬2)، هم الموافقون في مسألتنا هذه، فمن منع التيمم للمسافر في هذه الحالة؛ فمن باب أولى أن يمنعه هنا. وعلى هذا، وافق على نفي الخلاف في المسألة علي -رضي اللَّه عنه-، وعطاء (¬3)، وأبو حنيفة، وأبو يوسف في غير رواية الأصول (¬4)، والشافعي في قولٍ ضعيف عندهم (¬5)، وأحمد في رواية (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. 2 - حديث عمران بن الحصين -رضي اللَّه عنه-، قال: "كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر. . . "، وفيه: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى بالناس، فلما انفتل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من صلاته إذ هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك" (¬7). وجه الدلالة من النصّين الكريمين: أن النص ورد في المسافر، ولم يرد في الحاضر، فوجب الالتزام به، ما دام أن التيمم بدلٌ خلافُ الأصل (¬8). • الخلاف في المسألة: هذا العنوان مبنيٌ على حكم تيمم الحاضر، فمن أجاز تيممه إذا تحققت الشروط، فلم أجد منهم تفريقًا في مسألتنا، فهم لم يستثنوه من المسألة السابقة، ولا في الكلام عن تيمم الحاضر، مما يدل على عدم التفريق (¬9). فعلى هذا خالف في المسألة من يقول بجواز تيمم الحاضر ممن وافق على المسألة السابقة، ومنهم الحنفية (¬10)، والمالكية (¬11)، والشافعية (¬12)، والحنابلة على ¬
[30 - 317] سقوط مسح الرأس والرجلين في التيمم
الصحيح (¬1). واحتج (¬2) لهم بحديث: "الصعيد الطيب طهور المسلم" (¬3). فالحديث عام للمسافر والحاضر الذي لم يجد الماء، ولا دليل على التفريق.Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [30 - 317] سقوط مسح الرأس والرجلين في التيمم: إذا أراد المسلم أن يتيمم، فليس عليه أن يمسح رأسه ورجليه. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأما سقوط مسح الرأس والرجلين وسائر الجسد في التيمم؛ فإجماعٌ متيقن" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: أن التيمم عبادة محضة، ولا تصح إلا إذا كانت موافقة لسنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكل ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام ليس فيه أنه مسح الرأس والرجلين في التيمم (¬9)، فوجب الالتزام بها، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [31 - 318] عدم وجوب مسح ما وراء المرفقين: إذا أراد المتيمم أن يمسح، فإنه لا يجب عليه أن يمسح على ما وراء المرفقين. • من نقل نفي الخلاف: الخطابي (388 هـ) حيث يقول: "لم يختلف أحد من أهل ¬
العلم أنه لا يلزم المتيمم أن يمسح بالتراب ما وراء المرفقين" (¬1)، أي في التيمم. نقله عنه النووي (¬2)، والشوكاني (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - حديث عمار بن ياسر -رضي اللَّه عنهما-، وفيه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا"، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصف لعمار التيمم، ولم يذكر مسح ما وراء المرفقين، بل ذكر الكفين فقط. 2 - أن كل ما جاء عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس فيه أنه مسح ما وراء المرفقين في التيمم، فوجب الالتزام به. • الخلاف في المسألة: خالف الزهري في المسألة، فقال: يمسح إلى الآباط (¬8). وقال النووي: "ما أظنه يصح عنه" (¬9)، وهناك رواية عن الزهري أخرى موافقة لمسألتنا (¬10). واحتج بأن اللَّه تعالى أمر بمسح اليد، واليد اسم لهذه الجارحة من رءوس الأصابع إلى الآباط، ولولا ذكر المرافق غاية للأمر بالغسل في باب الوضوء؛ لوجب غسل هذا المحدود، والغاية ذكرت في الوضوء دون التيمم (¬11).Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود الخلاف المعتبر في المسألة، وأما خلاف الزهري، فلم يتابعْه أحد، ولم يصح عنه، ولمخالفته النصوص الشرعية، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[32 - 319] وجوب استيعاب الوجه في التيمم
[32 - 319] وجوب استيعاب الوجه في التيمم: إذا أراد المتيمم أن يمسح وجهه، فإنه يجب عليه أن يستوعب جميع وجهه. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول عن مسح الوجه: "وقد أجمعوا أن عليه أن يمسح جميع الوجه" (¬1). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف في أن حكم الوجه في التيمم والوضوء الاستيعاب وتتبع مواضعه" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول في سياق استدلال له: "وقد أجمع المسلمون على أن الوجه يستوعب في التيمم؛ كالوضوء" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية في رواية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. وجه الدلالة من وجهين: أ - أن الباء زائدة، فصار كأنه قال: فامسحوا وجوهكم وأيديكم منه؛ فيجب تعميمهما، كما يجب تعميمهما بالغسل (¬6). ب - أن الأمر بالمسح في التيمم تعلق باسم الوجه، وهو مطلق يعم كل الوجه، فوجب مسحه كله (¬7). 2 - أن التيمم بدل عن الوضوء، والاستيعاب في الأصل من تمام الركن، فكذا في البدل وهو التيمم؛ فوجب استيعاب الوجه كله (¬8). • الخلاف في المسألة: خالف أبو داود في المسألة (¬9)، وابن حزم (¬10)، فقال: يجزئه ¬
[33 - 320] جواز التيمم لمن خاف من البرد
مسح بعض الوجه. ولم يذكروا دليلًا، ولكن قد يقال: إن مسح بعض الوجه هو الواجب؛ لأن الواجب في الأمر المطلق هو أقل ما يصدق عليه، فإذا مسح بعضه صدق عليه أنه مسح وجهه، فأجزأ مسح البعض، واللَّه تعالى أعلم. وخالف أبو حنيفة في رواية (¬1)؛ فقال: يجب مسح الأكثر فقط. ووجهها: أن هذا مسح، فلا يجب فيه الاستيعاب؛ كمسح الرأس (¬2). وخالف ابن مسلمة (¬3)، فقال: يجوز ترك اليسير. ولم يذكر له دليل غير أنه يستدل له بأدلة العفو عن اليسير العامة.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [33 - 320] جواز التيمم لمن خاف من البرد: إذا أراد المسلم فعل ما يستوجب الطهارة، وخشي على نفسه من البرد، فإنه يجوز له أن يتيمم (¬4). • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على التيمم بالصعيد الطيب عند عدم الماء، أو الخوف من استعماله" (¬5). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "فإن كان عادمًا للماء، أو يتضرر باستعماله لمرض، أو برد، أو غير ذلك، وهو محدثٌ أو جنب؛ يتيمم الصعيد الطيب، وهو التراب؛ يمسح به وجهه ويديه ويصلي، ولا يؤخرها عن وقتها باتفاق العلماء" (¬6). وقال: "فإن التيمم لخشية البرد جائز باتفاق الأئمة" (¬7). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنيفة (¬8)، والمالكية (¬9)، ¬
[34 - 321] جواز التيمم لخوف خروج الوقت
والشافعية (¬1). • مستند الاتفاق: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]. 2 - قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمرنا بعدم قتل النفس، ومن خشي الهلاك من البرد إن استعمل الماء، ثم استعمله فقد قتل نفسه؛ فدل على جواز التيمم (¬2). 3 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أباح لنا التيمم مع عدم وجود الماء، ومن عدم وجوده عدم القدرة على استعماله، فبخوف الهلاك من البرد تنتفي القدرة (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وعطاء، والحسن (¬4)، فقالوا: لا يتيمم، وإن مات. ويحتج لهم بأنه واجد للماء، ومن وجده لم يتحقق لديه شرط عدم الماء، فوجب استعماله، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق غير متحقق لدى المتقدمين، ولكن بعد عصرهم لم يذكر موافق لهم، وأصحاب المذاهب لم يذكروا متابعا لهم، مما يدل على اندراس الخلاف في المسألة، فلعل المسألة من باب الاتفاق بعد الخلاف، واللَّه تعالى أعلم. [34 - 321] جواز التيمم لخوف خروج الوقت: إذا استيقظ المسلم في أول الوقت، وعلم أنه لا يجد الماء إلا بعد خروج الوقت، فإنه يصلي بالتيمم في الوقت، نقل ابن تيمية الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول عن المجنب: "بدليل أنه إن استيقظ في الوقت، وعلم أنه لا يجد الماء إلا بعد الوقت؛ فإنه يصلي بالتيمم في الوقت بإجماع المسلمين، ولا يصلي بعد خروج الوقت بالغسل" (¬5). ¬
وقال: "ومن كان مستيقظًا في الوقت، والماء بعيد منه، لا يدركه إلا بعد الوقت؛ فإنه يصلي في الوقت بالتيمم باتفاق العلماء" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الأوزاعي، والثوري (¬3)، وزفر، وبعض الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، ووجه شاذ عند الشافعية (¬6)، والحنابلة في رواية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، في أوقات الصلاة، وفيه عندما صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أول الوقت وآخره، قال له جبريل عليه السلام: "ما بين هذين الوقتين وقت" (¬8). • وجه الدلالة: أن وقت الصلوات محدد بما بين أول وقت الصلاة إلى نهايته، ولا يجوز التأخير عنه، وقد شرع لنا التيمم عند الحاجة إليه؛ فلزم العمل به ما دام أنه به ستؤدى الصلاة في وقتها. 2 - أن أوقات الصلاة محددة بالشرع، ولها حرمة يجب مراعاتها، فالصلاة فيها لازمة بأي حال، فإذا علم الإنسان أنه لا يصل للماء في الوقت؛ لزمه التيمم والأداء في الوقت (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف الحنفية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة على المذهب عندهم (¬12)، فقالوا: لا يجوز التيمم في هذه الحالة. واستدلوا بعموم أدلة اشتراط عدم وجود الماء لصحة التيمم (¬13).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[35 - 322] كل ناقض للوضوء ناقض للتيمم
[35 - 322] كل ناقض للوضوء ناقض للتيمم: إذا تيمم المسلم، وأتى بناقض من نواقض الوضوء، فإن تيممه ينتقض بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وكل حدث ينقض الوضوء فإنه ينقض التيمم، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من أهل الإسلام" (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفقوا على أنه ينقضها ما ينقض الأصل، الذي هو الوضوء أو الطهر" (¬2). المرداوي (885 هـ) حيث يقول: "وأما مبطلات الوضوء فيبطل التيمم عن الحدث الأصغر بما يبطل الوضوء بلا نزاع" (¬3)، وهو يريد المذهب، ولكن ذكرته للاعتضاد. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: التيمم طهارة بدل عن الماء، وكل ما ينقض طهارة الماء التي هي الأصل ينقض التيمم الذي هو البدل والفرع، إذ أن ما يبطل الأصل يبطل البدل.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [36 - 323] صحة طهارة من تيمم لكل صلاة: إذا تيمم المسلم لكل صلاة، فإن طهارته وصلاته تكون صحيحة بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أنه إن تيمم لكل صلاة؛ فقد صلاها بطهارة" (¬6). وقال: "واتفقوا إن تيمم كما ذكرنا بعد دخول الوقت وطلب الماء؛ فله أن يصلي صلاة واحدة" (¬7). ¬
[37 - 324] جواز التيمم للنافلة
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: هذه المسألة مبنية على مسألة الإجماع على أكثر ما قيل في المسألة، فمن العلماء من قال: يصلي بتيممه ما شاء من الصلوات ما لم يحدث، ومنهم من قال: يصلي ما شاء في وقت واحد، ومنهم من قال: يصلي صلاة واحدة بتيممه، وهو أشد الأقوال، وعليه بنى ابن حزم حكايته الإجماع، وهو كثيرًا ما يذكر هذا النوع من الإجماعات. ولا يمكن ذكر مستند لهذا النوع من الإجماعات، لأن الاستدلال له كما هو ينقض الإجماع، فإذا استدللنا له بأدلة من قال بأشد الأقوال؛ لم يرضَ بها القول الأخف، وهكذا العكس، إلا أن يقال: إنه إذا فعل ذلك فقد خرج من الخلاف وأخذ بالاحتياط، واللَّه أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [37 - 324] جواز التيمم للنافلة: إذا أراد المسلم أن يتنفل، ولا ماء لديه، فيجوز له التيمم للنافلة عندئذٍ. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "ولهذا يصلي النافلة بالتيمم باتفاق المسلمين" (¬5). وقال في سياق استدلال له: "وإن أراد به أنه لا يجوز التيمم إلا إذا كان التيمم واجبًا؛ فقد غلط، فإن هذا خلاف السنة وخلاف إجماع المسلمين، بل يتيمم للواجب، ويتيمم للمستحب" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول عن مسألة: "-إذا- نوى بتيممه استباحة نافلة معينة ¬
[38 - 325] التيمم يكون بالطيب الطاهر
أو مطلقة؛ فالصحيح الذي تظاهرت عليه نصوص الشافعي، وأطبق عليه الأصحاب وسائر العلماء، أن تيممه صحيح" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع عطاء، ومكحول، والزهري، وربيعة، والثوري (¬2)، والليث، وداود (¬3)، والحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي ذر -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين" (¬7). 2 - حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" (¬8). • وجه الدلالة: أن هذين الحديثين يدلان على جواز التيمم للمسلم، وهما عامان ولا مخصص لهما، فدل على جواز التيمم للنافلة إلا بمخصص، وهو غير موجود (¬9). 3 - أن النافلة جوزت إلى غير القبلة للحاجة والتخفيف؛ فالتيمم أولى؛ لأنه بدل (¬10). • الخلاف في المسألة: خالف أبو مخرمة في المسألة، فقال: لا يتيمم إلا للمكتوبة (¬11). وخالف الشافعية في قولٍ غير مشهور لهم (¬12)؛ فقالوا: لا يصح التيمم للنفل مفردًا، وإنما يصح تبعًا للفرض (¬13). ووجهه: أن التيمم إنما جوز للضرورة، ولا ضرورة للنفل (¬14).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [38 - 325] التيمم يكون بالطيب الطاهر: شرع اللَّه تعالى التيمم للمسلمين، وأمرهم بأنهم إذا لم يجدوا الماء أن يتيمموا ¬
[39 - 326] الأرض الخبيثة ليست بطهور
صعيدًا طيبًا، والطيب يعني: الطاهر، ولا يحصل التيمم إلا بالطاهر الطيب. • من نقل الإجماع: المرغيناني (593 هـ) حيث يقول عن الطيب في آية التيمم: "والطيب يحتمل الطاهر فحمل عليه؛ لأنه أليق بموضع الطهارة؛ أو هو مراد الإجماع" (¬1). قال ابن الهمام شارحًا كلامه: "وأما قوله: (والطيب) يحتمل الطاهر، فحمل عليه، ففيه أن مجرد كون اللفظ يحتمل معنى لا يوجب حمله عليه، فالمعول عليه كون الطيب مرادًا به الطاهر بالإجماع" (¬2). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "والطيب الطاهر بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. 2 - حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه-، قال عليه الصلاة والسلام: "جعلت لنا الأرض كلها مسجدًا وجعلت تربتها لنا طهورًا" (¬6). • وجه الدلالة: أن الاحتمال في معنى الطيب في الآية (¬7) يبينه وصف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- التربة بالطهور، فالطهارة بالتيمم تكون استفعالًا من التربة، ولا يمكن أن توصف بأنها طهور؛ إلا وهي تحمل هذه الصفة من الطهورية، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [39 - 326] الأرض الخبيثة ليست بطهور: إذا كانت الأرض نجسة، فلا يجوز التيمم منها، وعليه الإجماع. ¬
[40 - 327] عدم إجزاء التيمم بالنجس
• من نقل نفي الخلاف: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وأما قوله -يريد أبا يوسف- سماه طيبًا -أي: التراب- فنعم، لكن الطيب يستعمل بمعنى الطاهر، وهو الأليق ههنا؛ لأنه شرع مطهرًا، والتطهير لا يقع إلا بالطاهر، مع أن معنى الطهارة صار مرادًا بالإجماع" (¬1). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "فإنه لا خلاف أن الأرض الخبيثة ليست بطهور" (¬2). العيني (855 هـ) حيث يقول شارحًا قول الماتن: "لأن الطيب أريد به الطاهر في النص"، يقول: "بالإجماع؛ إذ طهارة التراب شرط عند الأئمة الأربعة" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على هذا الاتفاق المالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند نفي الخلاف: حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" (¬6). • وجه الدلالة: مفهوم المخالفة في الحديث، فكل أرض خبيثة نجسة ليست بطهور (¬7).Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [40 - 327] عدم إجزاء التيمم بالنجس: إذا تيمم المسلم بغير طاهر، فإنه لا يجزئه تيممه ذلك بالإجماع. • من نقل الاتفاق: الغزالي (505 هـ) حيث نقل عدم جواز التيمم بالتراب النجس عن العلماء كافة. نقله عنه النووي (¬8). ¬
ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول معلقًا على قول صاحب المتن: "وإن كان ما ضرب بيديه غير طاهر؛ لم يجزه" قال: "لا نعلم في هذا خلافًا" (¬1). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "ومكان الإجماع على المنع أن يتيمم الرجل على الذهب الصرف، والفضة، والياقوت، والزمرد، والأطعمة كالخبز واللحم وغيرهما، أو على النجاسات" (¬2). القرافي (684 هـ) حيث يقول: "فتلخص أن المتيمم به ثلاثة أقسام: . .، وغير جائز اتفاقًا، وهو المعادن والتراب النجس" (¬3). العيني (855 هـ) حيث يقول: "ألا ترى أنه لو كان التراب المنبت نجسًا؛ لم يجز التيمم به إجماعًا" (¬4). • مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: قوله "طيبًا"، فَقَيَّدَ التيمم بالصعيد الطيب، مما يدل بالمخالفة على عدم جوازه بغيره (¬5). 2 - أن التيمم طهارة شرعت بدل طهارة الماء، فلم يجز التيمم بغير طاهر، كما أن الوضوء لا يجوز بغير طاهر (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف الأوزاعي في التيمم بتراب المقابر (¬7). ولكن القول بدون تفصيل، فهو يحتمل أنه يريد غير المنبوشة، وعلى هذا وافقه عدد من العلماء، وهم لا يجيزون التيمم بالنجس (¬8)، وعليه فلا يخرق مسألتنا ما دام أن المخالفة لم تثبت، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[41 - 328] هبة ثمن الماء لمن لا يجدها غير لازمة
Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [41 - 328] هبة ثمن الماء لمن لا يجدها غير لازمة: إذا لم يجد المسلم ماءً، ووهب له ثمنه، فلا يلزمه أن يقبله. • من نقل الإجماع: إمام الحرمين الجويني (478 هـ) حيث نقل الإجماع على أن الذي لم يجد الماء، لو وهب له ثمن الماء لم يلزمه قبوله. نقله عنه النووي (¬1)، وابن قاسم (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "ولو وهب له ثمن الماء، لم يلزمه قبوله بالاتفاق" (¬3). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "ولو وهب ثمنه، . .، فلا يجب قبوله بالإجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الإجماع: أن قبول ثمن الماء في هذه الحالة فيه منة عليه، ولما فيه من الذلة له، وهي من عدم القدرة التي لم يكلفنا اللَّه معها شيئًا (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في رواية (¬10)، فقالوا: يلزمه قبول الثمن. وحجتهم: أنه قادر على الماء في هذه الحالة، فلزمه أن يقبل الثمن ويتوضأ.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. ¬
[42 - 329] جواز تيمم الجماعة من موضع واحد
[42 - 329] جواز تيمم الجماعة من موضع واحد: إذا تيمم جماعة من المسلمين من موضع واحد، فيجوز لهم ذلك، وتيممهم صحيح. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "ويجوز أن يتيمم جماعة من موضع واحد بغير خلاف" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - أنه يجوز أن يتوضأ جماعة من حوض واحد، فكذا التيمم من موضع واحد بجامع الطهارة في كلٍّ (¬5). 2 - أن التراب المتيمَّم به لم يصر مستعملًا بهذا؛ إذ التيمم إنما يتأدى بما التزق بيده، لا بما فضل؛ كالماء الفاضل في الإناء بعد وضوء الأول (¬6).Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [43 - 330] وجود الماء النجس لا يمنع التيمم: إذا وجد المسلم ماءً نجسًا، ولم يجد غيره، فإنه لا يتوضأ به، ولا يمنعه من أن يتيمم. • من نقل الإجماع: ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "فإن وجود الماء النجس لا يمنعه من التيمم إجماعًا" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، ¬
[44 - 331] لا يصح التيمم إلا بنية
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: 1 - أن الطهارة من التطهير والتنظيف، والوضوء بالماء النجس يخالف المقصود من الطهارة، فليس أمامه إلا التيمم لمن لا يجد غير الماء النجس. 2 - أن واجد الماء النجس كالعادم للماء في الحكم؛ إذ لا فائدة منه في الطهارة ولا الشرب، فوجب التيمم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [44 - 331] لا يصح التيمم إلا بنية: إذا أراد المسلم التيمم، فإنه يجب عليه أن ينوي التيمم. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن النية شرط في صحة التيمم" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "لا نعلم خلافًا في أن التيمم لا يصح إلا بنية، غير ما حكي عن الأوزاعي، والحسن بن صالح، أنه يصح بغير نية، وسائر أهل العلم على إيجاب النية فيه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على نفي الخلاف ربيعة، والليث، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر (¬4)، والحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (¬9). • وجه الدلالة: أن الأعمال إنما تكون بالنيات، فما لم يكن بنية ليس بعمل، فوجب تعيين النية في التيمم. 2 - أن التيمم ليس بطهارة حقيقية، وإنما جُعل طهارة عند الحاجة، والحاجة إنما تعرف بالنية، بخلاف الوضوء؛ لأنه طهارة حقيقية، فلا تشترط له الحاجة ليصير ¬
[45 - 332] المسافر إذا ظن عدم الماء في رحله وتيمم وصلى ثم وجده يعيد الصلاة؟
طهارة، فلا تشترط له النية (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الأوزاعي، والحسن بن صالح (¬2)، وزفر (¬3)؛ فقالوا: لا تشترط النية في التيمم. ووجهه: أن التيمم خلفٌ (¬4)، والخلف لا يخالف الأصل في الشروط، ثم الوضوء يصح بدون النية، كذا التيمم (¬5).Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [45 - 332] المسافر إذا ظن عدم الماء في رحله وتيمم وصلى ثم وجده يعيد الصلاة؟ إذا ظن المسافر عدم الماء في رحله، ثم تيمم وصلى، ثم وجده في رحله، فهل يجب عليه إعادة الصلاة، أو لا؟ هذه مسألتنا. • من نقل الإجماع: السغناقي (711 هـ) حيث يقول بعد عبارة الماتن: "والمسافر إذا نسي الماء في رحله، فتيمم وصلى، ثم ذكر الماء، لم يعدها" (¬6)، قال: "قيَّد بالنسيان؛ لأن في الظن لا يجوز بالإجماع يعيد الصلاة". نقله عنه العيني (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية في قول (¬8)، والشافعية على القول الأصح (¬9)، والحنابلة على الصحيح (¬10). • مستند الإجماع: 1 - أن من تيمم بعد ظنه عدم الماء في رحله، ثم وجده بعد الصلاة مفرطٌ، فهو تيمم والماء موجود عنده، فوجب عليه إعادة الصلاة (¬11). 2 - أن الطهارة بالماء واجبة، ولا تسقط بالظن مع التمكن من العلم، فوجب على من عمل بالظن، ثم تبين خلافه الإعادة، فيعيد الصلاة إذا وجد الماء في رحله (¬12). ¬
[46 - 333] إجزاء التيمم للمسافر إذا وضع غيره الماء في رحله ولم يعلم
• الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قولٍ (¬1)، والشافعية على قول (¬2)، والحنابلة في رواية (¬3)، فقالوا: يجزئه تيممه ذلك، ولا يعيد. واحتجوا بعدم تقصيره، وأنه مع النسيان غير قادر على الاستعمال (¬4).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [46 - 333] إجزاء التيمم للمسافر إذا وضع غيرُه الماءَ في رحله ولم يعلم: إذا أراد المسافر أن يصلي، وبحث عن الماء فلم يجده، ثم تيمم وصلى، وبعد ذلك وجد الماء في رحله، بعد أن وضعه غيره فيه دون علمه؛ فإنه يجزئه تيممه هذا. • من نقل الإجماع: المراغي (816 هـ) حيث يقول معددًا لعدد من الصور: "أو وضعه خلافه أو جيرانه، وهو لا يعلم. . .، وفي الثاني - يعني: الصورة الماضية - يجوز بالإجماع". نقله عنه العيني (¬5). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ولو وضع غيره في رحله ماء، وهو لا يعلم به، فتيمم وصلى، ثم علم، لا رواية لهذا أيضًا، وقال بعض مشايخنا: إن لفظ الرواية في "الجامع الصغير" يدل على أنه يجوز بالإجماع" (¬6). السغناقي (710 هـ) حيث يقول: "فإنه لو وضعه غيره، وهو لا يعلم به؛ يجزئه بالإجماع". نقله عنه العيني (¬7). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "لو وضعه غيره، ولو عبده أو أجيره، بغير أمره لا يعيد اتفاقًا" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬9)، والشافعية على الأصح (¬10)، والحنابلة في وجه (¬11). ¬
[47 - 334] أقطع اليدين يتيمم إذا لم يجد من يوضئه ووجد من ييممه
• مستند الإجماع: 1 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال بأن الخطأ مرفوع عن الأمة، ومن الخطأ أن يصلي الإنسان متيممًا وهو لا يدري أن في رحله ماء (¬2). 2 - أن المرء مخاطب بفعله، ولا يخاطب بفعل الغير، ومن وُضع في رحله ماء، فهو ليس من فعله (¬3). • الخلاف في المسألة: نقد العيني دعوى الإجماع هذه، وقال: ليست بصحيحة (¬4). خالف الشافعية على قولٍ من أحد الطريقين عندهم (¬5)، والحنابلة على الصحيح (¬6)، فقالوا بعدم الإجزاء، ووجوب الإعادة للصلاة. ويمكن أن يحتج له بأن الماء قريب منه، وتبين إمكان استعماله.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [47 - 334] أقطع اليدين يتيمم إذا لم يجد من يوضئه ووجد من ييممه: إذا لم يجد أقطع اليدين من يوضئه، ووجد من ييممه، فإن التيمم يلزمه في هذه الحالة. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وإن وجد من ييممه، ولم يجد من يوضئه، لزمه التيمم؛ كعادم الماء إذا وجد التراب، وهذا مذهب الشافعي، ولا أعلم فيه خلافًا" (¬7). ¬
[48 - 335] لا يجوز التيمم بالمعادن
• الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية على الصواب عندهم (¬3). • مستند نفي الخلاف: قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قد أسقط التكليف على ما ليس في وسع الإنسان، ومن لم يستطع الوضوء، ويستطيع التيمم، فإنه يقوم بما يستطيع من التيمم، فمن كان أقطع اليدين، ولم يجد من يوضئه، ووجد من ييممه، فإنه يتيمم؛ لأنه استطاعته، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف أبو الخير يحيى بن سالم صاحب "البيان" من الشافعية (¬4)، فقال بأنه لا يتيمم، بل يصلي على حاله. وقال النووي عن هذا القول: "وهذا شاذ ومنكر" (¬5).Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف المعتبر في المسألة، أما ما ذكره النووي من معارضة صاحب "البيان"، فقد أجاب عنه النووي بأنه شاذ ومنكر، ولم يتابعه أحد عليه، فهو خطأ ولا يُنقض بمثله، واللَّه تعالى أعلم. [48 - 335] لا يجوز التيمم بالمعادن: إذا أراد المسلم أن يتيمم، فلا يجوز له أن يتيمم بالمعادن التي تنطبع (¬6). • من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "ومكان الإجماع على المنع أن يتيمم الرجل على الذهب الصرف، والفضة، والياقوت، والزمرد، والأطعمة كالخبز واللحم وغيرهما، أو على النجاسات" (¬7). ونقله عنه العيني (¬8). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن ما ينطبع، كالحديد والنحاس ¬
والرصاص لا يسمى صعيدًا، ولا يجوز التيمم به" (¬1). القرافي (684 هـ) حيث يقول: "فتلخص أن المتيمَّم به ثلاثة أقسام: . .، وغير جائز اتفاقًا، وهو المعادن والتراب النجس" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية في قول (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. • وجه الدلالة: أمره تعالى بالمسح يقتضي أن يمسح بما له غبار يعلق بعضه بالعضو، والمعادن لا غبار لها؛ فلم يجز التيمم بها (¬6). 2 - حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه: "جعلت لنا الأرض مسجدًا، وجعل تربتها لنا طهورًا" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علق الصلاة على الأرض، ثم نزل في التيمم إلى التراب، فلو جاز التيمم بجميع الأرض لما نزل عن الأرض إلى التراب (¬8). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قول (¬9)، وابن حزم (¬10) في المسألة، فقالوا: يجوز التيمم بها إذا كانت ما زالت على الأرض، فالتيمم بها جائز. وأشار ابن حزم للخلاف في المسألة، باستثناء المعادن من الاتفاق بين العلماء (¬11). ووجهه: قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. إذ أن الصعيد ما صعد على وجه الأرض، وهو يشمل كل ذلك، فيجوز التيمم بها ما ¬
[49 - 336] التيمم على الأطعمة ممنوع
دامت على الأرض (¬1). وخالف الأوزاعي، والثوري (¬2)، والحنابلة في قول (¬3)؛ فقالوا: يجوز التيمم بكل ما على وجه الأرض. واحتجوا بأن الصعيد كل ما صعد على وجه الأرض (¬4).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [49 - 336] التيمم على الأطعمة ممنوع: إذا أراد المسلم أن يتيمم على الأطعمة، فإنه لا يجوز، وقد حكى القرطبي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "ومكان الإجماع على المنع أن يتيمم الرجل على الذهب الصرف، والفضة، والياقوت، والزمرد، والأطعمة كالخبز واللحم وغيرهما، أو على النجاسات" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بالتيمم بالصعيد، وليس الطعام منه، فلا يجوز التيمم به إلا بدليل يجوز ذلك، ولا يوجد، فدل على عدم جواز التيمم بالطعام، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه: "جعلت لنا الأرض مسجدًا، وجعل تربتها لنا طهورًا" (¬9). ¬
[50 - 337] التيمم على الرماد لا يجوز
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصف التراب بأنه طهور، يُتطهر به بدلًا عن الماء، ولا دليل على أن الطعام يقوم مقامه كذلك، فدل على عدم جواز التيمم بالطعام، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [50 - 337] التيمم على الرماد لا يجوز: إذا أراد المسلم أن يتيمم على الرماد، فإنه لا يجوز له ذلك بالإجماع. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "ولا يجوز التيمم بالرماد بالإجماع؛ لأنه من أجزاء الخشب" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. 2 - حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه: "جعلت لنا الأرض مسجدًا، وجعل تربتها لنا طهورًا" (¬5). • وجه الدلالة: أن النصين الكريمين السابقين جعلا التيمم على الصعيد أو التراب، وأما الرماد ففيه تدخل البشر بالحرق، وليس ترابًا، فلم يجز التيمم به (¬6)، واللَّه أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. * * * ¬
الباب العاشر: مسائل الإجماع في باب إزالة النجاسة
الباب العاشر: مسائل الإجماع في باب إزالة النجاسة [1 - 338] غسل النجاسة مأمور بها: إذا أراد المسلم أن يصلي فإنه يجب عليه أن يزيل النجاسة عنه، وقد حُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "غسل النجاسة واجتناب المحرمات فرض بلا خلاف" (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على غسل النجاسات كلها، من الثياب والبدن، وألا يصلي بشيء منها في الأرض، ولا في الثياب" (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وأما المحال التي تزال عنها النجاسات فثلاثة، ولا خلاف في ذلك: أحدها: الأبدان، ثم الثياب، ثم المساجد ومواضع الصلاة، وإنما اتفق العلماء على هذه الثلاثة؛ لأنها منطوق بها في الكتاب والسنة" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4]. • وجه الدلالة: حيث أمر اللَّه تعالى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتطهير ثيابه، والثياب غير القلوب عند العرب، وهي لغة القرآن، فدل ذلك على أن غسل النجاسة مأمور بها (¬7). 2 - أحاديث أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لغسل دم الحيض (¬8)، إذ فيها الأمر بغسل النجاسة، مما يدل على أن غسل النجاسة مأمور به. 3 - حديث أبي السمح -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يغسل من بول الجارية، ¬
[2 - 339] إزالة النجاسة من الثياب مأمور بها
ويرش من بول الغلام" (¬1). • وجه الدلالة: حيث أمر بغسل النجاسة وتطهيرها. 4 - فيما يخص المساجد فيستند لحديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، قال: "جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما قضى بوله أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذنوب من ماء فأهريق عليه" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بغسل مكان النجاسة في المسجد، وهو موضع الصلاة.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [2 - 339] إزالة النجاسة من الثياب مأمور بها: إذا وقعت نجاسة في الثوب فإن المصلي مأمور بإزالتها، وقد حُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على غسل النجاسات كلها، من الثياب والبدن، وألا يصلي بشيء منها في الأرض، ولا في الثياب" (¬3). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وأما المحال التي تزال عنها النجاسات فثلاثة، ولا خلاف في ذلك: أحدها: الأبدان، ثم الثياب، ثم المساجد ومواضع الصلاة، وإنما اتفق العلماء على هذه الثلاثة؛ لأنها منطوق بها في الكتاب والسنة" (¬4). ¬
[3 - 340] النجاسة تزول بالماء
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: حديث أبي السمح -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بإزالة البول في الحديث، سواء بالرش أو الغسل، وهذا الأمر عام في البدن والثياب، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة المالكية على المشهور عندهم (¬5) أن غسلها سنة مؤكدة. وقد رأى الحطاب أن الخلاف في مذهبهم هنا لفظي، حيث إنهم متفقون على أن من صلى عامدًا ذاكرًا للنجاسة أن صلاته باطلة في الوقت (¬6). وقد استدلوا بأنه لا دليل على وجوب غسل الثياب (¬7).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، أما الخلاف المنسوب للمالكية، فقد سبق الجواب عنه، وأنه خلاف لفظي، ولذا من حكى الإجماع في مسألتنا هما اثنان من كبار علماء المالكية، وهم أعرف بمذهبهم، واللَّه تعالى أعلم. [3 - 340] النجاسة تزول بالماء: النجاسة إذا عوملت بالماء فإنها تزول، ويطهر المحل به إذا ذهب أثرها، وقد حكى الإجماع على ذلك عدد من أهل العلم. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن من غسل موضع النجاسات متبعًا بالماء حتى لا يبقى لها أثر ولا ريح فقد أنقى وطهر" (¬8). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعت الأمة أن الماء مطهر للنجاسات، ¬
وأنه ليس في ذلك كسائر المائعات الطاهرات" (¬1). وقال أيضًا: "وقد أجمعوا معنا على أن ورود الماء على النجاسات لا يضره، وأنه مطهر لها" (¬2). الكاساني (587 هـ) حيث يقول عن أنواع ما يحصل به التطهير: "منها الماء المطلق، ولا خلاف في أنه يحصل به الطهارة الحقيقية والحكمية جميعًا" (¬3). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وأما الشيء الذي يزال به، فإن المسلمين اتفقوا على أن الماء الطاهر المطهر يزيلها من هذه الثلاثة المحال -يقصد: البدن والثوب والمسجد" (¬4). ويقول أيضًا: "واتفقوا على أن الغسل عام لجميع أنواع النجاسات، ولجميع محال النجاسات" (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول في سياق نقاشٍ له: "أن للماء قوة في دفع النجس بالإجماع" (¬6). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول في سياق كلام له: "لأن النجاسة تزول بالماء بالنص والإجماع" (¬7). ابن القيم (751 هـ) حيث يقول: "إن القياس يقتضي أن الماء إذا لاقى نجاسة لا ينجس، كما أنه إذا لاقاها حال الإزالة لا ينجس، فهذا القياس أصح من ذلك القياس؛ لأن النجاسة تزول بالماء حِسًّا وشرعًا، وذلك معلوم بالضرورة من الدين بالنص والإجماع" (¬8). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "قوله: (يطهر البدن والثوب بالماء) وهذا بالإجماع" (¬9). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول عن النجاسة: "فتزول بالماء حِسًّا وشرعًا، وذلك معلوم بالضرورة من الدين بالنص والإجماع" (¬10). ¬
[4 - 341] الحدث لا يرفعه إلا الماء
• مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. • وجه الدلالة: وَصَف اللَّه تعالى الماء بأنه طهور، وهو فعول متعدي، فهو طاهر في نفسه، ومتعدٍّ مطهرٍ لغيره (¬1). 2 - حديث أنس -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة وعَنَزَة (¬2)، فيستنجي بالماء" (¬3). • وجه الدلالة: ذكر أنس من فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يستنجي من النجاسة بالماء، وهذا نوع من إزالة النجاسة، وهي سنة فعلية.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [4 - 341] الحدث لا يرفعه إلا الماء: إذا أحدث المتوضئ، وأراد رفع الحدث، فلا يرفعه إلا الماء، وقد حكى عدد من العلماء الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الغزالي (505 هـ) حيث يقول: "والطهورية مختصة بالماء من بين سائر المائعات، أما في طهارة الحدث فبالإجماع، . .، " (¬4). نقله عنه النووي (¬5). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الحدث لا يرفعه على الإطلاق إلا الماء" (¬6). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "وأجمعت الأمة لغة وشريعة على أن وصف طهور يختص بالماء، ولا يتعدى إلى سائر المائعات، وهي طاهرة، فكان اقتصارهم بذلك على الماء أدلَّ دليلٍ على أن الطهور هو المطهر" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل الماء هو الأصل في الطهارة، ولم يبح الانتقال ¬
[5 - 342] إزالة النجاسة لا تفتقر إلى نية
لغيره إلا لعدمه، مما يدل على أن الحدث لا يرفعه إلا الماء. 2 - قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى سمى الماء طهورًا، ولم يسمِّ غيره بالطهور، إلا ما ورد في التراب، ولاستعماله شروط من أهمها: عدم الماء أو الضرورة، وهذا يدل على أن الحدث لا يرفعه إلا الماء (¬1).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [5 - 342] إزالة النجاسة لا تفتقر إلى نية: • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "الإجماع على إزالة النجاسات من الأبدان والثياب بغير نية" (¬2). البغوي (516 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن إزالة النجاسة لا تفتقر إلى النية" (¬3). ونقله عنه النووي (¬4)، وابن قاسم (¬5). الماوردي (450 هـ) حيث يقول: "فأما طهارة النجس فلا تفتقر إلى نية إجماعًا" (¬6). نقله عنه النووي (¬7). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "فإنهم لا يختلفون أن العبادة المحضة مفتقرة إلى النية، والعبادة المفهومة المعنى غير مفتقرة إلى النية" (¬8). وكان ذكر قبلها مباشرة أن غسل النجاسة من العبادات المعقولة المعنى. القرطبي (671 هـ) حيث يقول مستدلًّا للحنفية في قولهم في نية الوضوء: "قياسًا على إزالة النجاسة بالإجماع من الأبدان والثياب بغير نية" (¬9). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "ومن قال -من أصحاب الشافعي وأحمد- إنه ¬
يعتبر فيها النية، فهو قول شاذ مخالف للإجماع السابق، مع مخالفته الأئمة الأربعة" (¬1). ونقله الحطَّاب عن أربعة من أهل العلم: عن ابنِ القصار (397 هـ)، وابنِ الصلاح (643 هـ) بلفظ الإجماع، وابنِ بشير (القرن السادس)، وابنِ عبد السلام (749 هـ) بلفظ الاتفاق (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3). • مستند الإجماع: أن إزالة النجاسة من باب التروك، فهي كترك المحرمات؛ كالزنا واللواط والربا وسائر ما أمر باجتنابه، كذا في إزالة النجاسة؛ إذ أنها شيءٌ طارئٌ على الأصل (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قول عندهم نقله القرافي، بأنها شرط للإزالة (¬5). وقال به بعض الشافعية في وجهٍ عندهم، فقالوا: إنها تفتقر إلى النية (¬6). وحُكي عن ابن سريج -ونفاه البعض عنه- وعن أبي سهل الصعلوكي (¬7). وهو قولٌ عند الحنابلة (¬8). واستدلوا بالقياس على طهارة الحدث، فكما تشترط النية في طهارة الحدث، فكذا في طهارة النجس (¬9). واستدل له القرافي بأنه مبني على أن الإزالة من باب المأمورات لا التروك (¬10). وخالف الحنابلة في قول ثالث أنه إن كانت النجاسة على البدن فالنية شرط، وإلا فلا (¬11). وليس على هذا دليل. ¬
[6 - 343] النجاسة لا تعامل بالمائعات غير المزيلة لها
Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، فمما سبق تبينت شهرةُ القول المخالف في المسألة، وأنه ليس مقتصرًا على أتباع مذهب واحد فقط، بل له قائلون متفرقون بين المذاهب، واللَّه تعالى أعلم. [6 - 343] النجاسة لا تعامل بالمائعات غير المزيلة لها: إذا وقعت نجاسة على المحل، وأُريد إزالتها، فإنها لا تعامل بالمائعات التي لا تزيلها، وقد نفي ابن قدامة الخلاف في أنها لا تزال لها (¬1). • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "فأما ما لا يزيل كالمرق واللبن؛ فلا خلاف في أن النجاسة لا تزال به" (¬2). ونقل ابن قاسم نحو عبارته دون إشارة (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفى الخلاف الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند نفي الخلاف: لم أجد نصًّا في ذلك، ولكن يمكن الاستدلال بالمعقول: فإزالة النجاسة شرط لصحة الصلاة، فما دام أنه لا بد من إزالتها، فإنها تزال بما يمكنه إزالتها به من المياه أو غيرها من المائعات التي تزيل النجاسة -على قول الحنفية (¬7). وأما محاولة إزالتها بما لا يمكنه إزالتها فهو نوع من العبث. ¬
[7 - 344] نجاسة رجيع الآدمي
فوجب إذًا الالتزام في الإزالة بأحد أمرين: إما بالماء، أو بالمائعات المزيلة للنجاسة - على قول الحنفية. • الخلاف في المسألة: لم أجد خلافًا على أصل المسألة، وهي أن ما لا يزيل النجاسة لا يزال به، ولكن وجدت خلافًا في أحد مثالي ابن قدامة، وهو اللبن؛ إذ فيه قول مخالف عند الحنفية، ذكره أبو بكر العبادي بأنه يزال به (¬1). ويمكن أن يستدل له بأنه يمكن الإزالة به.Rأن نفي الخلاف في المسألة متحقق -سوى ما ذكرت من الخلاف عند الحنفية في أحد أفراد المسألة وهو اللبن- وذلك لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [7 - 344] نجاسة رجيع الآدمي: ما يخرج من الآدمي من غائط فإنه نجس، وقد حكى الإجماع على ذلك عدد من العلماء. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن بول ابن آدم إذا كان كثيرًا ولم يكن كرؤوس الإبر، وغائطه نجس" (¬2). ويقول أيضًا -في معرض حديث له: "إننا إن لم نجد نصًّا على تحريم الأبوال جملة، والأنجاء جملة، وإلا فلا يحرم من ذلك شيء، إلا ما أُجمع عليه من بول ابن آدم ونجوه" (¬3). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على نجاسة بول ابن آدم، ورجيعِه، إلا بول الصبي الرضيع" (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول شارحًا للمتن: "وما خرج من الإنسان، أو البهيمة التي لا يؤكل لحمها، من بول أو غيره، فهو نجس، يعني: ما خرج من السبيلين، كالبول، والغائط، والمذي، والودي، والدم، وغيره، فهذا لا نعلم في نجاسته خلافًا" (¬5). ¬
[8 - 345] نجاسة غائط الكبير والصغير لا فرق بينها
النووي (676 هـ) حيث يقول: "ويغني عنه (¬1) الإجماع على نجاسة الغائط" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3). • مستند الإجماع: أن الشرع المطهر قد أمر بأن يُتطهر بالماء من الغائط، أو أن يُمسح بالحجر، وأن لا يكون أقل من ثلاثة أحجار، وأن يُزال بالماء إذا وقع على البدن أو الثوب أو المصلى، وكل ما ورد من نصوص في باب الاستنجاء تدل على نجاسة الغائط، وإلا لما أمرنا بذلك، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [8 - 345] نجاسة غائط الكبير والصغير لا فرق بينها: لا فرق بين غائط الآدمي الصغير والكبير في النجاسة، وقد حكى النووي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "ولا فرق بين غائط الصغير والكبير بالإجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: أن النصوص الواردة في الطهارة من الغائط، والدالة على نجاسته لم تفرق بين الكبير والصغير، مما يدل على شمولهما بالحكم دون فرق، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [9 - 346] نجاسة بول الآدمي الكبير الذي يأكل الطعام: ما يخرج من الإنسان من البول نجس، وقد حكى الإجماع على ذلك عدد من العلماء. ¬
ويجب تحديد الإنسان هنا بمن يأكل الطعام، فالصغير والصغيرة اللذان لا يأكلان الطعام لا يدخلان في الحديث هنا، ففي نجاسة بولهما خلاف ليس هذا محله (¬1). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على نجاسة البول" (¬2). ونقله عنه النووي (¬3)، والعيني (¬4). الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: "فنظرنا في ذلك، فإذا لحوم بني آدم كلٌ قد أجمع أنها لحوم طاهرة، وأن أبوالهم حرام نجسة، فكانت أبوالهم -باتفاقهم- محكومًا لها بحكم دمائهم، لا بحكم لحومهم" (¬5). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن بول ابن آدم، إذا كان كثيرًا ولم يكن كرؤوس الإبر، وغائطه نجس" (¬6). ويقول أيضًا - في معرض حديث له: "إننا إن لم نجد نصًّا على تحريم الأبوال جملة، والأنجاء جملة، وإلا فلا يحرم من ذلك شيء، إلا ما أُجمع عليه من بول ابن آدم ونجوه" (¬7). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على أن بول كل آدمي يأكل الطعام نجس" (¬8). السرخسي (483 هـ) حيث يقول: "والتقدير بالدرهم فيما اتفقوا على نجاسته، كالخمر، والبول، وخرء الدجاج" (¬9). ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "اتفقت الأمة على نجاسة البول في الجملة" (¬10). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على نجاسة بول ابن آدم ورجيعِه، إلا بول الصبي الرضيع" (¬11). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول شارحًا للمتن: "وما خرج من الإنسان، أو البهيمة التي لا يؤكل لحمها، من بول أو غيره، فهو نجس، يعني: ما خرج من السبيلين، ¬
كالبول، والغائط، والمذي، والودي، والدم، وغيره، فهذا لا نعلم في نجاسته خلافًا" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "فأما بول الآدمي الكبير فنجس بإجماع المسلمين" (¬2). الحافظ العراقي (806 هـ) حيث يقول: "فيه (¬3) نجاسة بول الآدمي، وهو إجماع من العلماء، إلا ما حكي عن داود في بول الصبي الذي لم يطعم أنه ليس بنجس" (¬4). وهذا الاستثناء منه لا يخرم الإجماع؛ لأننا سبق وأن أخرجنا هذه الصورة من مسألتنا. العيني (855 هـ) حيث يقول: "بول الآدمي الكبير فحكمه أنه نجس مغلظ بإجماع المسلمين من أهل الحل والعقد" (¬5). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "والحديث فيه (¬6) دلالة على نجاسة بول الآدمي، وهو إجماع" (¬7). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث (¬8) يدل على نجاسة البول من الإنسان، ووجوب اجتنابه، وهو إجماع" (¬9). وقال أيضًا: "واستدل بحديث الباب (¬10) أيضًا على نجاسة بول الآدمي وهو مجمع عليه" (¬11). • مستند الإجماع: حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، قال: "جاء أعرابي، فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما قضى بوله أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذنوب من ماء فأهريق عليه" (¬12). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بإهراق الماء عليه فدل على نجاسته، ولو لم يكن ¬
[10 - 347] نجاسة بول الصغير الذي يأكل الطعام كالكبير
كذلك لما أمر بصب الماء عليه (¬1). • الخلاف في المسألة: يقول الخرشي في "شرحه على خليل": "فأما بول الآدمي غير الأنبياء فقد اختلف المذهب فيه، والمشهور نجاسته" (¬2)، قال ذلك بعد أن ذكر خليل نجاسة بول وعذرة الآدمي (¬3). وهذا في البول، أما الغائط فنقل العدوي في "حاشيته على الخرشي" عدم الخلاف فيه (¬4). ثم استبعد العدوي وجود الخلاف في الكبير، ونقل وجوده في البول الذي زالت رائحته، والمريض الذي لا يستقر الماء في بطنه، وينزل بصفته (¬5). ولم يحك المِوَّاق خلافًا عن مالك في ذلك، أثناء شرحه لنفس الموضع من كلام خليل في أن البول نجس (¬6)، وكذا الحطاب في "شرحه" (¬7)، وعليش في "شرحه" (¬8). ويقول الباجي -بعد أن قرر نجاسة بول الصبي: "هذا مذهب مالك في بول الصبي والجارية، سواء أكلا الطعام أو لم يأكلاه" (¬9). ولذا يظهر -واللَّه تعالى أعلم- أن الخلاف متحقق فعلًا، ولكن في الصغير والصغيرة اللذان لم يأكلا الطعام.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [10 - 347] نجاسة بول الصغير الذي يأكل الطعام كالكبير: بول الطفل الصغير الذي فطم عن ثدي أمه وأصبح يأكل الطعام، فإن بوله نجس بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع المسلمون على أن كل صبي يأكل الطعام، ولا يرضع نجس، كبول أبيه" (¬10). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على نجاسة بول ابن آدم ورجيعِه، إلا ¬
[11 - 348] نجاسة بول الرجل والمرأة بلا فرق
بول الصبي الرضيع" (¬1)، فقد استثنى الرضيع فقط. العيني (855 هـ) حيث يقول: "وبول الكبير والصغير سواء عند سائر العلماء، إلا ما يروى عن داود أن بول الصغير طاهر" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: أن الصبي الذي يأكل الطعام كالكبير لا فرق بينهما إلا في الحجم، وإذا قيل بطهارة بول الصغير الذي لا يأكل، فإن ذلك عائد إلى أنه يشرب الحليب فقط، وأما من يأكل الطعام فهو كالكبير في هذا، فوجب أن يكون حكمهما واحد، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [11 - 348] نجاسة بول الرجل والمرأة بلا فرق: المسألة الماضية كانت تتحدث عن حكم بول الآدمي في ذاته، وهنا النص على أنه لا فرق في نجاسة البول بين الرجل والمرأة، وقد أجمع العلماء على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع المسلمون أنه لا فرق بين بول الرجل والمرأة" (¬5). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأيضًا فقد جاء القرآن والسنة والإجماع المتيقن بإفساد علتكم هذه، وإبطال قياسكم هذا؛ لصحة كل ذلك بأن لا تقاس أبوال النساء ونجوهن على ألبانهن في الطهارة والاستحلال" (¬6). أي أن أبوالهن عكس ألبانهن في الطهارة، وهذا في بول النساء ونجوهن خاصة. • مستند الإجماع: أن كل النصوص الدالة على نجاسة البول ليس فيها ما يدل على التفريق بين الرجل والمرأة، وهما مقصودان في التشريع معًا، إلا أن يأتي استثناء، ولا استثناء في ذلك، فدل على أنه لا فرق بينهما في مسألتنا.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[12 - 349] نجاسة المذي
[12 - 349] نجاسة المذي: المذي: هو ماء لزج رقيق، يخرج عقيب الشهوة، على طرف الذكر (¬1)، وقد نقل عدد من العلماء الإجماع على نجاسته. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "ولم يختلف العلماء فيما عدا المني من كل ما يخرج من الذكر أنه نجس، وفي إجماعهم على ذلك ما يدل على نجاسة المني المختلف فيه" (¬2). ويقول أيضًا: "وإنما النجاسة في الميتة، وفيما ثبتت معرفته عند الناس من النجاسات المجتمع عليها، والتي قامت الدلائل على نجاستها، كالبول، والغائط، والمذي، والخمر" (¬3). البغوي (516 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على نجاسة المذي والودي كالدم" (¬4). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمعت الأمة على نجاسة المذي والودي" (¬5). ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أن المذي نجس" (¬6). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "واتفق العلماء على أن المذي نجس" (¬7). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "والمذي نجس إجماعًا" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9)، والحنابلة على المشهور (¬10). • مستند الإجماع: 1 - حديث علي -رضي اللَّه عنه-، قال: "كنت رجلًا مذاء، فأمرت المقداد ¬
[13 - 350] نجاسة الودي
أن يسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فسأله فقال: "توضأ، واغسل ذكرك" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر عليًّا بالوضوء وغسل الفرج من خروج المذي، مما يعني نجاسته ووجوب تطهير موضعه. 2 - أن المذي خارج من سبيل الحدث كالبول، ولا يُخلق منه طاهر كالمني، فهو كالبول فيأخذ حكمه (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في رواية عندهم، فقالوا بطهارة المذي (¬3). ونسب ابن قدامة هذا القول -طهارة المذي- لابن عباس (¬4). وعللوا لهذا القول بأنه ليس من مخرج البول، إنما هو من الصلب والترائب، وأن المذي جزء من المني؛ لأن سببهما جميعًا الشهوة، ولأنه خارج تخلله الشهوة، أشبه المني (¬5).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [13 - 350] نجاسة الودي: الودي هو: ماء أبيض، يخرج عقيب البول خاثر (¬6)، وقد حُكي الإجماع على نجاسته. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "ولم يختلف العلماء فيما عدا المني من كل ما يخرج من الذكر أنه نجس، وفي إجماعهم على ذلك ما يدل على نجاسة المني المختلف فيه" (¬7). البغوي (516 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على نجاسة المذي والودي كالدم" (¬8). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "يعني ما خرج من السبيلين، كالبول، والغائط، والمذي، والودي، والدم، وغيره، فهذا لا نعلم في نجاسته خلافًا، إلا أشياء يسيرة، نذكرها إن شاء اللَّه تعالى" (¬9)، ثم ذكر خلافًا في المذي، مما يعني عدم حكايته لنفي ¬
[14 - 351] طهارة ما يرشح من الحيوان المأكول
الخلاف فيه، وذكر الودي، ولم يذكر خلافًا فيه (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمعت الأمة على نجاسة المذي والودي" (¬2). الشربيني (977 هـ) حيث يقول في سياق ذكره لأنواع الأنجاس: " (وودي). . قياسًا على ما قبله، وإجماعًا" (¬3). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "وأما الودي فنجس إجماعًا" (¬4). • مستند الإجماع: 1 - أن الودي يقاس على البول، فحكمه وحكم البول سواء؛ لأنه خارج من مخرج البول، وجارٍ مجراه دون شهوة (¬5). 2 - أن الودي يخرج عقب البول، لا عقب الشهوة، مما يدل على أنه تبع له، فيأخذ حكمه. • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في رواية عندهم، فقالوا بأنه طاهر (¬6). وعللوا ذلك بالقياس على المني (¬7).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [14 - 351] طهارة ما يرشح من الحيوان المأكول: ما يرشح من الحيوان مأكول اللحم، من ريق ودمع وعرق ولبن طاهر، وقد حُكي الاتفاق في المسألة. • من نقل الاتفاق: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "القسم الثاني: ما أكل لحمه، فالخارج منه ثلاثة أنواع: . . . الثاني: طاهر، وهو الريق، والدمع، والعرق، واللبن، فهذا لا نعلم فيه خلافًا" (¬8). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأما قوله -الماتن-: (كرطوبات البدن)، فمعناه: ¬
[15 - 352] طهارة بول مأكول اللحم
أنها طاهرة بالاتفاق، وهو كما قال" (¬1)، ثم نفى الخلاف بعدها أيضًا، ونص على الدمع اللعاب والعرق والمخاط (¬2). وعبارته تدل على المذهب، وذكرتها للاعتضاد. • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4). • مستند الاتفاق: أن ما يرشح من الحيوان المأكول ليس له اجتماع واستحالة في باطن الجسد، وإنما يرشح رشحًا، فيكون حكمه حكم الحيوان المنفصل عنه، فما دام أنه مأكولًا فما رشح عنه فهو طاهر (¬5).Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [15 - 352] طهارة بول مأكول اللحم: بول مأكول اللحم ليس كبقية الأبوال، فهو طاهر، وقد حكى ابن تيمية الإجماع على طهارته. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث نقل عنه ابن تيمية، أنه نقل القول بطهارة أبوال ما يؤكل لحمه عن عامة السلف (¬6). والذي وجدته من كلامه: "وأجمعوا أن الصلاة في مرابض الغنم جائزة، وانفرد الشافعي، فقال: إذا كان سليمًا من أبوالها" (¬7). ونقله ابن قدامة عنه هكذا (¬8)، وقال أيضًا: "وهو إجماع، كما ذكر ابن المنذر" (¬9)، أي: في الصلاة في مرابض الغنم. ¬
ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وقد ذكرنا عن ابن المنذر وغيره، أنه لم يعرف عن أحد من السلف القول بنجاستها -أبوال مأكول اللحم- ومن المعلوم الذي لا شك فيه أن هذا إجماع على عدم النجاسة" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع عطاء، والثوري، والنخعي (¬2)، وداود، والظاهرية بإطلاق سوى الآدمي (¬3)، وقد نسبه الترمذي إلى أكثر أهل العلم (¬4)، وهو وجه للشافعية (¬5)، والمالكية (¬6)، والمشهور من مذهب الحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- (حديث العرنيين) الذي فيه: "أمر لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذَوْدٍ (¬8) وراعٍ، ورخص لهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها" (¬9). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرهم بأن يشربوا من أبوال الابل، مما يدل على طهارتها. 2 - حديث أنسٍ أيضًا: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي في المدينة حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم" (¬10). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي في مرابض الغنم، وهي الأماكن التي تربض فيها وتستريح، وينتج غالبا عن ذلك أنها تبول وتتبرز فيها، ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يصلي فيها، مما يدل على أنها طاهرة (¬11). ¬
• الخلاف في المسألة: حكى ابن تيمية نفسه عن الشافعي، أنه قال بأن أبوال الأنعام وأبعارها نجسة (¬1). ولكنه أجاب عنه بأنه لم يعرف هذا القول عن أحد قبله، مما يجعله مخالفًا للإجماع (¬2). وهذا القول -أي: بالنجاسة- هو مذهب أبي حنيفة (¬3)، والشافعي (¬4)، وهو رواية عن أحمد (¬5)، وقول الحسن البصري (¬6)، وابن حزم (¬7). واستدلوا بقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] والعرب تستخبث هذا (¬8). وبأنه داخل في عموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- كما في حديث ابن عباس: "تنزهوا من البول" (¬9). ولأنه رجيع، فكان نجسًا كرجيع الآدمي (¬10). وهناك قول ثالث بطهارة البول دون الروث، وهو قول الليث، ومحمد بن الحسن (¬11). واحتجوا بحديث العرنيين، وأخذوا به فيما ورد به وهو البول، دون الروث (¬12).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، وعدد منهم من المتقدمين، ونسبه الترمذي للجمهور، وهذا يدل على وجود الخلاف، مما يبطل ¬
[16 - 353] نجاسة روث ما لا يؤكل لحمه
دعوى الإمام ابن تيمية، وقد يكون لا يقصد الإجماع الاصطلاحي كما سبق، واللَّه تعالى أعلم. [16 - 353] نجاسة روث ما لا يؤكل لحمه: روث ما لا يؤكل لحمه أنواع؛ فالكلب والخنزير ناقشتهما في مسألة مستقلة، والهرة وما دونها في الخلقة كذلك، وما لا نفس له سائلة فلا يدخل أيضًا؛ لوجود الخلاف فيه، أما ما عداهما من سباع البهائم وجوارح الطير والبغل والحمار ونحوها؛ فهذه كلها تدخل في مسألتنا، وحكى عدد من العلماء الإجماع على نجاسة روثها. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وأما العذرات وخرء الدجاج والبط، فنجاستها غليظة بالإجماع" (¬1). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن روث ما لا يؤكل لحمه نجس إلا أبا حنيفة، فإنه يرى أن ذرق سباع الطير، كالباز والصقر والباشق ونحوه طاهر" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وما خرج من الإنسان، أو البهيمة التي لا يؤكل لحمها، من بول أو غيره فهو نجس. . . فهذا لا نعلم في نجاسته خلافًا، إلا أشياء يسيرة" (¬3). الخرشي (1101 هـ) حيث يقول: "وأما بول محرم الأكل وروثة غير الآدمي؛ فإنه نجس اتفاقًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية، في غير خرء سباع الطير، ما لم يكن فاحشًا (¬5)، والحنابلة على المذهب (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: 1 - حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، قال: "أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: "هذا رِكْس" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علل نجاسة الروث بأنه ركس، ولم يستجمر به؛ فكان ¬
[17 - 354] نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه
نجسًا، مع أنه يمكن أن يكون روث حيوان مأكول، وحينئذ يحكم في مسألتنا من باب أولى (¬1). 2 - القياس على نجاسة روث الإنسان، مع أن الإنسان أطهر منها، فهي نجسة من باب أولى. • الخلاف في المسألة: خالف أبو حنيفة وأبو يوسف في رواية عنه، في خرء سباع الطير، فقالا بأنه لا يضر ما لم يكن كثيرًا فاحشًا (¬2). وقال محمد بن الحسن وأبو يوسف في رواية بأن نجاسته مغلظة ما لم يكن قدر درهم (¬3). قالوا: لما في التحرز منه من المشقة. وخالف النخعي، وداود (¬4)، وأحمد في رواية مشهورة عنه في هذه المسألة أيضًا بأن أرواث ما لا يؤكل لحمه وأبوالها طاهرة (¬5). وأشار ابن تيمية إلى الخلاف، وصحح القول بطهارتها (¬6). واستدل بأن الأصل في الأعيان الطهارة، وأما دعوى أن الأصل في الأرواث النجاسة فلم يدل عليه نص ولا إجماع، كما قال (¬7).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [17 - 354] نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه: بول ما لا يؤكل لحمه من الحيوانات نجس، وحكى الإجماع على ذلك عدد من العلماء. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وبول ما لا يؤكل لحمه نجس نجاسة غليظة بالإجماع" (¬8). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وما خرج من الإنسان، أو البهيمة التي لا يؤكل ¬
لحمها، من بول أو غيره، فهو نجس. . . فهذا لا نعلم في نجاسته خلافًا، إلا أشياء يسيرة" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأما بول باقي الحيوانات، التي لا يؤكل لحمها، فنجس عندنا، وعند مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، والعلماء كافة" (¬2). العيني (855 هـ) حيث يقول: "وأما بول باقي الحيوانات التي لا يؤكل لحمها، فينجس عند العلماء قاطبة، كالأئمة الأربعة وغيرهم، إلا ما نقل عن النخعي أنه طاهر، وحكى ابن حزم عن داود أن الأبوال والأرواث طاهرة من كل حيوان، إلا الآدمي، وهذا في نهاية الفساد" (¬3). الخرشي (1101 هـ) حيث يقول: "وأما بول محرم الأكل وروثة غير الآدمي فإنه نجس اتفاقًا" (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حرم الخبائث، والأبوال من الخبائث، ومنها ما يخرج من الحيوانات التي لا تؤكل، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الأصل في الأبوال النجاسة، ومنها أبوال ما لا يؤكل، ولا دليل على إخراجها من هذا الأصل. • الخلاف في المسألة: خالف النخعي، وداود (¬5)، وأحمد في رواية مشهورة عنه بأن أبوال ما لا يؤكل لحمه طاهرة (¬6). وأشار ابن تيمية إلى الخلاف، وصحح القول بطهارتها (¬7). واستدل بأن الأصل في الأعيان الطهارة، وأما دعوى أن الأصل فيها النجاسة، فلم يدل عليه نص ولا إجماع، كما قال (¬8).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. ¬
[18 - 355] جواز التداوي بأبوال الإبل
[18 - 355] جواز التداوي بأبوال الإبل: سبقت مناقشة طهارة أبوال مأكول اللحم، ومنها الإبل، ونناقش الآن حكم التداوي ببول الإبل إذْ نُفي الخلاف في المسألة. وهنا قيد لا بد منه، وهو أن التداوي هنا للضرورة، وإلا أصبحت المسألة خلافية. • من نقل نفي الخلاف: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "ولست أعلم مخالفًا في جواز التداوي بأبوال الإبل" (¬1). الحطّاب (954 هـ) حيث يقول: "يجور التداوي بشرب بول الأنعام بلا خلاف" (¬2). وكلامه يشمل الإبل وغيره، وهو يقصد -واللَّه تعالى أعلم- الخلاف في المذهب عندهم. • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف محمد بن الحسن للتداوي وغيره (¬3)، وأبو يوسف للتداوي فقط (¬4)، كما وافق المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند نفي الخلاف: حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- (حديث العرنيين)، حيث "أمر لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذَوْدٍ وراعٍ، ورخص لهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها" (¬9). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرهم بأن يتداووا من أبوالها، وقد كانوا مَرِضوا من جوِّ المدينة، فأوصاهم عليه الصلاة والسلام بأن يتداووا بها، مما يدل على جواز التداوي بها. • الخلاف في المسألة: خالف أبو حنيفة، فقال بعدم جواز التداوي وغيره (¬10)، ¬
[19 - 356] نجاسة بول الكلب
الشافعية -في وجه عندهم- (¬1)، وقال عنه النووي بأنه شاذ (¬2)، أنه لا يجوز التداوي بشيء من النجاسات مطلقًا، وقد علمنا أنهم يرون نجاسة أبوال مأكول اللحم (¬3). وظاهر كلامٍ لأحمد أنه لا يجوز (¬4). قالوا: لأنه نجس -عند الحنفية ووجه الشافعية-، أو مستخبث عند غيرهم، وقد سبق بحث حكم أبوال مأكولة اللحم، من حيث الطهارة وعدمها، وقولهم هنا مبني على رأيهم هناك فتراجع هناك.Rأن نفي الخلاف في المسألة غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [19 - 356] نجاسة بول الكلب: بول الكلب نجس، حُكي الإجماع على ذلك، وسنناقش هذا في مسألتنا هذه. • من نقل الإجماع: البيهقي (458 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على نجاسة بولها -الكلاب-" (¬5). ونقله عنه النووي رحمه اللَّه (¬6). ابن المنيِّر (683 هـ) حيث نقل عنه ابن حجر أنه نقل الاتفاق على نجاسة بول الكلب" (¬7). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "ورُدّ (¬8) بأن البول مجمع على نجاسته، فلا يصلح حديث بول الكلاب في المسجد (¬9) حجة يعارض بها الإجماع" (¬10). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬11)، . . . . . . . . ¬
والمالكية (¬1)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬2)، وابن حزم (¬3). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات" (¬4). • وجه الدلالة: أن الطهارة إنما تكون عن حدث، أو نجس، ولا حدث على الإناء، فتعين أن يكون ذلك لنجاسته (¬5)، وإذا كان هو نجس العين فبوله من باب أولى. • الخلاف في المسألة: من قال بطهارة الكلب، ويقول بطهارة بول غير المأكول فلا بد أن يصرح برأيه في الكلب، وإلا فهو داخل في عموم قوله، ولم أجد منهم تصريحًا، وهو قول عند المالكية (¬6)، ورواية عند الحنابلة (¬7)، واللَّه تعالى أعلم. وقد يستدل لهذا القول بحديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: "كانت الكلاب تقبل وتدبر زمان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئًا من ذلك" (¬8). وتعقب ابن حجر قول ابن المنير السابق بأن من يقول: أن الكلب يؤكل، وأن بول ما يؤكل لحمه طاهر، يقدح في نقل الاتفاق، لا سيما وقد قال جمع بأن أبوال الحيوانات كلها طاهرة إلا الآدمي، ونقله عن ابن وهب (¬9)، وقد سبق ذكر لهذا القول ومن قال به. أما أكل الكلب (¬10)، فالمشهور من المذهب عند المالكية أن الذكاة لا تعمل فيه ¬
[20 - 357] نجاسة الدم المسفوح
فيكون ميتة، وهو محرم الأكل (¬1). وهناك قول عندهم بكراهة أكله (¬2)، وعليه فمن أكله فهو غير آثم، وهو ممن يؤكل لحمه، فيدخل في بول مأكول اللحم، الطاهر عند المالكية.Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [20 - 357] نجاسة الدم المسفوح: الدم المسفوح: هو الدم السائل (¬3)، ويقال: سفح الماء إذا انصب فهو مسفوح (¬4). فإذا كان الدم مسفوحًا، فإنه يكون نجسًا، وقد حكى عدد من العلماء الإجماع على ذلك. وهناك مستثنيات في هذه المسألة، لا تدخل فيما نحن بصدده، وبما أنه قد يشتبه على القارئ دخولها؛ فسأذكرها وهي: 1 - الدم اليسير. 2 - دم عروق المأكول. 3 - دم السمك. 4 - دم البق والذباب ونحوه، مما لا نفس له سائلة. 5 - دم الشهيد. 6 - الكبد والطحال. 7 - المسك. 8 - العلقة التي يخلق منها الإنسان، والحيوان الطاهر. فهذه الدماء المستثناة، منها ما هو متفق على طهارته، ومنها ما اشتهر الخلاف فيها، ولذا فهي خارجة عما نحن بصدده (¬5). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الكثير من الدم، أيَّ دم كان، حاشا دم السمك وما لا يسيل دمه نجس" (¬6). ويقول أيضًا: "فإن الدم الذي في أعلى القدر، إن كان أحمر ظاهرًا فهو بلا شك مسفوح، ولا خلاف في تحريمه" (¬7)، ونفيه للخلاف هنا منصب على الدم المسفوح، ¬
وليس الكلام السابق. ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وهذا إجماع من المسلمين أن الدم المسفوح رجس نجس" (¬1). ويقول أيضًا: "ولا خلاف أن الدم المسفوح رجس نجس" (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وأما أنواع النجاسات فإن العلماء اتفقوا من أعيانها على أربعة: . . . وعلى الدم نفسه من الحيوان الذي ليس بمائي، انفصل من الحي، أو الميت، إذا كان مسفوحًا، أعني كثيرًا" (¬3). ويقول أيضًا: "اتفق العلماء على أن دم الحيوان البري نجس" (¬4). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس" (¬5). ويقول أيضًا: "ذكر اللَّه تعالى الدم ها هنا مطلقًا، وقيده في الأنعام بقوله: "مسفوحا" وحمل العلماء ها هنا المطلق على المقيد إجماعًا" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "والدلائل على نجاسة الدم متظاهرة، ولا أعلم فيه خلافًا عن أحد من المسلمين، إلا ما حكاه صاحب "الحاوي" عن بعض المتكلمين، أنه قال: هو طاهر" (¬7). وحكى الشوكاني عنه الإجماع في دم الحيض (¬8). القرافي (684 هـ) حيث يقول: "والدم المسفوح نجس إجماعًا" (¬9). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "والدم نجس اتفاقًا" (¬10). العيني (855 هـ) حيث يقول: "ونجاسته مجمع عليها بلا خلاف، وهو حجة قطعية، والمراد من الدم الدم المسفوح" (¬11). ويقول: "وفيه (¬12) دلالة على نجاسة الدم، وهو إجماع المسلمين" (¬13). ¬
ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "إذا استاك للصلاة ربما يخرج منه دم، وهو نجس بالإجماع" (¬1). ابن حجر الهيتمي (974 هـ) في سياق ذكره للنجاسات: "ودم إجماعًا" (¬2)، أي أن الدم نجس إجماعًا. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حرم هذه الأشياء، ووصفها بأنها رجس، والرجس هو النجس (¬4)، فدل على أن الدم المسفوح نجس. 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للمستحاضة: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" (¬5). 3 - حديث أسماء -رضي اللَّه عنها-، قالت: "جاءت امرأة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض، كيف تصنع به؟ قال: "تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بالغسل في الحديث الأول، ولا يغسل إلا النجس، وفي الثاني أمر بالحت، ثم القرص، ثم النضح، مما يدل على نجاسة الدم (¬7). • الخلاف في المسألة: سبقت الإشارة إلى نقل النووي لخلاف بعض المتكلمين، ثم علق هو بعد ذلك بقوله: "ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف، على المذهب الصحيح، الذي عليه جمهور أهل الأصول، من أصحابنا وغيرهم، لا سيما في المسائل الفقهيات" (¬8). ¬
[21 - 358] دم الحيض نجس
ولكن خالف في هذه المسألة محمد صديق حسن خان، وقال بنجاسة دم الحيض فقط، وأما ما عدا ذلك فهو على البراءة الأصلية عنده (¬1). واستدل بأن الأدلة فيها مضطربة، والبراءة الأصلية مستصحبة، حتى يأتي الدليل الخالص عن المعارضة الراجحة، أو المساوية (¬2). وهو الأظهر من كلام الشوكاني، فلم يذكر في النجاسات سوى دم الحيض (¬3)، ولكن لم أجد له نصًّا صريحًا بموافقته لهذا القول. وقد قوى هذا القول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه اللَّه، مقيدًا بألا يكون الدم خارجًا من أحد السبيلين (¬4).Rالحقيقة أن المسألة مشكلة عندي (¬5)، وذلك لأنني لم أجد مخالفًا من المتقدمين، إلا ما ذكره النووي من مخالفة بعض المتكلمين دون تسمية، وهو من أهل القرن السابع، ثم لما وجدت مخالفة من ذكرت قبلُ من المتأخرين، ولسمو منزلتهم العلمية لم أستطع أن أجزم بعدم اعتبار مخالفتهم، ولذا أقول بأن المسألة محل إشكال عندي، خاصة وأني لم أجد مخالفًا متقدمًا، واللَّه تعالى أعلم. [21 - 358] دم الحيض نجس: دم الحيض الذي يخرج من المرأة نجس، وهو نوع خاص من الدماء، وحُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث نقل عنه الشوكاني حكايته الإجماع في دم الحيض (¬6). القرافي (684 هـ) حيث يقول عن دم الحيض: "وهو نجس إجماعًا" (¬7). ¬
[22 - 359] الدم القليل غير المسفوح متجاوز عنه
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وابن حزم (¬3). • مستند الإجماع: يستند هنا بما استند به في نجاسة الدم، وقد ذكرت هناك حديثين في دم الحيض، فهي دالة على مسألتنا من باب أولى.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، والخلاف الذي سبق ذكره في الدم لا يظهر أنه جارٍ في مسألتنا، واللَّه تعالى أعلم. [22 - 359] الدم القليلُ غيرُ المسفوحِ متجاوزٌ عنه: سبقت مناقشة نجاسة الدم، ولكن إذا كان الدم قليلًا غير مسفوح، فإنه متجاوز عنه. • من نقل الاتفاق: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "فأما ما كان قد صار في معنى اللحم، كالكبد والطحال، وما كان في اللحم غير منسفح، فإن ذلك غير حرام؛ لإجماع الجميع على ذلك" (¬4). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف أن الدم المسفوح رجس نجس، وأن القليل من الدم الذي لا يكون جاريًا مسفوحًا متجاوز عنه" (¬5). ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "يسير الدم يعفى عنه اتفاقًا من علمائنا من غير تجديد" (¬6)، أي: تجديد للوضوء، وعبارته هذه في الاتفاق في المذهبي، وأوردتها للاعتضاد. ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وقد ثبت أنهم كانوا يضعون اللحم بالقدر، فيبقى الدم خطوطًا (¬7)، وهذا لا أعلم بين العلماء خلافًا في العفو عنه، وأنه لا ينجس باتفاقهم" (¬8). ونقله عنه ابن قاسم (¬9). ¬
• الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الإجماع ابن عباس، وأبو هريرة، وجابر -رضي اللَّه عنهم-، وابن المسيب، وابن جبير، وطاوس (¬1)، والحنفية (¬2)، ورواية عند المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - أن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- لم يكن يرى بالقطرتين من الدم في الصلاة بأسًا (¬6). 2 - أن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عصر بثرة في وجهه، فخرج شيء من دمٍ، فحكه بين إصبعيه، ثم صلى، ولم يتوضأ" (¬7). • وجه الدلالة: حيث إنه فعل صحابي، وهو من الأدلة في قولٍ للعلماء، ولم يريا في اليسير شيئًا. 3 - أن التحرز من يسير الدم فيه مشقة، والمشقة تجلب التيسير، كما هو معلوم من القواعد الكلية. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة زفر (¬8)، ورواية عن مالك (¬9)، وأحمد في رواية عنه (¬10)، أنه لا يعفى عن يسير شيءٍ من النجاسات. وهو ظاهر كلام ابن حزم، فهو لا يفرق بين المسفوح وغيره، ويرى تحريم حتى الدم الذي يظهر على اللحم من العروق، وهو قليل (¬11). واستدلوا بعموم الأدلة الدالة على نجاسة الدم، حيث لم يفرق بين القليل ¬
[23 - 360] العفو عن دم البراغيث في البدن والثياب
والكثير (¬1).Rأن الاتفاق في المسألة غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [23 - 360] العفو عن دم البراغيث في البدن والثياب: إذا وقع على بدن الإنسان أو ثوبه دم برغوث، فإنه يتجاوز عنه، وعلى ذلك حكى ابن عبد البر الإجماع. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) حيث يقول: "وأما المعفو عن يسيره من النجاسات، فدم البراغيث للإجماع السلف عليه" (¬2). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "واختلف العلماء من هذا الباب في إزالة النجاسة من الأبدان والثياب، بعد إجماعهم على التجاوز والعفو عن دم البراغيث، ما لم يتفاحش" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، ورواية عند المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: أن التحرز عن يسير النجاسات ومنها دم البراغيث أمر شاق، ويصعب التحرز منه، وربما أن الغالب في الإنسان أنه لا يدري عنه، والمشقة تجلب التيسير، فكان التجاوز عن دم البراغيث من التيسير الذي يأمر به الشرع، واللَّه أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة من قال بعدم العفو عن يسير شيءٍ من النجاسات، وهم زفر (¬8)، ورواية عن مالك (¬9)، وأحمد في رواية عنه (¬10)، وهو ظاهر ¬
[24 - 361] جميع النجاسات بمثابة الدم
كلام ابن حزم (¬1)، كما سبق في مسألة التجاوز في قليل الدم. حيث إن دم البراغيث من يسير النجاسات.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [24 - 361] جميع النجاسات بمثابة الدم: • من نقل الإجماع: الخطابي (388 هـ) حيث يقول: "في هذا الحديث (¬2) دليل على أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات؛ لأن جميع النجاسات بمثابة الدم، لا فرق بينه وبينها إجماعًا" (¬3). نقله عنه ابن حجر (¬4)، والشوكاني (¬5). كلام الإمام الخطابي غير دقيق، فالنجاسات أنواع، منها ما هو معفو عن يسيرها، كالدم ونحوه، ومنها ما لا يعفى عنه، كالعذرة على الثوب - مثلًا" (¬6). ولذا يقول الخرقي: "ولا يعفى عن يسير من النجاسات، إلا الدم، وما تولد منه من القيح والصديد" (¬7). وكذلك فمن المعلوم أن النجاسات أنواع، منها مغلظة ومخففة، ومنها عينية وحكمية، فالحكم العام كهذا غير دقيق. وحكاية الإجماع بالتعميم هكذا من دون تخصيص مسألة محددة قلّما يتحقق؛ إذ يدخل تحت هذا التعميم العديد من الصور والمسائل، فإذا كان الإجماع يصعب تحققه في مسألة بعينها، فكيف بعدة مسائل مشتركة. فكلامه يحتمل عدة مسائل لا ندري أيتها يريد، ولذا لا نستطيع بحث مسألة كهذه، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[25 - 362] نجاسة الخنزير
[25 - 362] نجاسة الخنزير: لا شك في تحريم أكل الخنزير، فقد نص القرآن على تحريمه، ولكن هل هو طاهر أو نجس؟ حكى عدد من العلماء الإجماع على نجاسته، وهي مسألتنا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث نقل النووي (¬1)، والشربيني (¬2) أنه حكى الإجماع على نجاسة الخنزير في كتاب "الإجماع"، إلا أنني لم أجده فيه. ووجدت في "الأوسط" (¬3) ما نصه: "وأجمع أهل العلم على تحريم الخنزير، والخنزير محرم بالكتاب، والسنة، واتفاق الأمة"، وليس فيه تصريح بأنه على النجاسة. ونقله عنه ابن قاسم (¬4). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن لحم الميتة. . . وأن لحم الخنزير، وشحمه، وودكه، وغضروفه، ومخه، وعصبه حرام كله، وكل ذلك نجس" (¬5). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وأما أنواع النجاسات: فإن العلماء اتفقوا من أعيانها على أربعة: . . . وعلى لحم الخنزير بأي سبب اتفق أن تذهب حياته. . . " (¬6). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وحكم الخنزير حكم الكلب -أي: في النجاسة- لأن النص وقع في الكلب، والخنزير شر منه وأغلظ؛ لأن اللَّه تعالى نص على تحريمه، وأجمع المسلمون على ذلك، وحرم اقتناؤه" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، والشافعية (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} الآية [المائدة: 3]. 2 - قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} الآية [الأنعام: 145]. ¬
[26 - 363] نجاسة لبن الكلب وما تولد منه
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نص في أكثر من موضع في القرآن الكريم على تحريم الخنزير، بينما لم يحصل ذلك في الكلب، ومع ذلك كان نجسًا، فالخنزير من باب أولى. وفي الآية الثانية وصف اللَّه تعالى الميتة، والدم المسفوح، والخنزير بأنها رجس، والرجس هو النجس (¬1). 3 - ومن المعقول: فإن الكلب قد يجوز اقتناؤه في بعض الحالات، بينما لا يجوز ذلك في الخنزير بحال، فدل على أنه أشد من الكلب في التحريم والنجاسة (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في نجاسة الخنزير، فهم يقولون بحرمة شرب لبنه (¬3)، وأن لبنه نجس (¬4)، وأن الذكاة لا تعمل فيه، ويحرم أكله إجماعًا (¬5). إلا أن المذهب عندهم هو طهارة الخنزير في حالة الحياة (¬6). ولم أجد لهم دليلًا غير أن لديهم قاعدة: أن كل حي طاهر، سواء كان بحريًّا، أو بريًّا، أو متولدًا من عذرة، أو كلبًا، أو خنزيرًا (¬7). ويمكن أن يقال: أنهم تمسكوا بدليل أن الأصل في الحيوانات الطهارة، ولا ناقل عندهم عنها. ولذا يقول النووي: "وليس لنا دليل واضح على نجاسة الخنزير في حياته" (¬8)، مع أنه لم يقل بطهارته.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [26 - 363] نجاسة لبن الكلب وما تولد منه: لبن الكلب وما تولد منه نجس، حكى النووي الاتفاق على ذلك. ¬
• من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول معددًا لأنواع الألبان: "والثاني: لبن الكلب، والخنزير، والمتولد من أحدهما، وهو نجس بالاتفاق" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنابلة (¬3). • مستند الاتفاق: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال عليه الصلاة والسلام: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات" (¬4). • وجه الدلالة: أنه يجب غسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات، وإذا كان هذا في ولوغه، فما يخرج منه أشد، وكل شيء نجس ما خرج منه من لبن أو غيره، فهو تبع لذاته. • الخلاف في المسألة: خالف الحنفية (¬5)، والشافعية في قول (¬6)، في الصغير من الغنم، إذا رُبيَ بلبن الكلبة، فقالوا بأنه لا يتأثر بذلك. وعللوا قولهم بأن لحمه لا يتغير بذلك (¬7). وأما المالكية، فهم يخالفون في أصل المسألة، إذ أنهم يقولون: بطهارة الكلب (¬8)، ولكن المشهور من المذهب عندهم؛ أن الذكاة لا تعمل فيه فيكون ميتة، وهو محرم الأكل (¬9). وهناك قول عندهم بكراهة أكله فقط (¬10)، واللبن من باب أولى. وهذا مبني على طهارته، ولم أجد لهم استدلالًا على هذا القول، ولكن يستدل له بما يستدلون عليه في طهارة الكلب، وهو قول اللَّه تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا ¬
[27 - 364] نجاسة لبن الخنزير وما تولد منه
اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4]. ووجه ذلك حيث أجاز الأكل من صيد الكلب، مع أنه قد يكون أكل شيئًا من الصيد، وسال لعابه عليه، والقرآن مقدم على آحاد السنة (¬1).Rأن الاتفاق متحقق في لبن الكلب؛ لوجود المخالف في المسألة، وكذا في مسألة المتغذي من لبنه؛ لوجود المخالف فى المسألة أيضًا، واللَّه تعالى أعلم. [27 - 364] نجاسة لبن الخنزير وما تولد منه: لا شك في تحريم لبن الخنزير؛ إذ أنه جزء منه، وهو محرم بنص القرآن الكريم، وقد حكى النووي الاتفاق على نجاسة اللبن وما تولد منه. • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول معددًا لأنواع الألبان: "والثاني: لبن الكلب، والخنزير، والمتولد من أحدهما، وهو نجس بالاتفاق" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الاتفاق: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال عليه الصلاة والسلام: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بغسل ولوغ الكلب، مما يدل على نجاسته، وإذا كان ذلك في الكلب ففي الخنزير من باب أولى؛ إذ أن الخنزير لا يجوز اقتناؤه، وهو محرم بنص القرآن، فدل ذلك على نجاسته، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[28 - 365] وجوب غسل الإناء بولوغ الكلب
[28 - 365] وجوب غسل الإناء بولوغ الكلب: إذا ولغ الكلب في الإناء، فإنه يجب غسله بعد ذلك، وقد حكى العيني الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: العيني (855 هـ) حيث يقول: "وقد انعقد الإجماع على وجوب غسل الإناء بولوغه" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية في قول (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر من ولغ الكلب في إنائه أن يغسله، والأمر المطلق يدل على الوجوب، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قول بأن هذا الغسل مندوب (¬6). قال الباجي: "ووجه الندب: أنه حيوان؛ فلم يجب غسل الإناء من ولوغه" (¬7).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [29 - 366] إجزاء غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعًا والثامنة بالتراب: إذا ولغ الكلب في إناءٍ، ثم غسل أثره بالماء سبعًا، ثم بالتراب ثامنة، فقد طهر الإناء. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن من غسل أثر الكلب، والخنزير، والهر، سبع مرات بالماء، والثامنة بالتراب؛ فقد طهر" (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طهور ¬
[30 - 367] وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا
إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات" (¬1). 2 - حديث عبد اللَّه بن مغفل المزني -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا ولغ الكلب في الإناء؛ فاغسلوه سبع مرار، وعفروه الثامنة في التراب" (¬2). • وجه الدلالة: حيث فيهما الأمر بغسل ولوغ الكلب سبع مرات، وفي الثاني ذكر غسله بالتراب في الثامنة، وهو أقصى ما ورد في المسألة، فمن غسل سبع مرات والثامنة بالتراب فقد طهر الإناء، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف، وهو من باب الإجماع على أكثر ما قيل في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [30 - 367] وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعًا: إذا ولغ الكلب في الإناء، فإن الواجب أن يغسل الإناء سبعًا، كل واحدة منهن واجبة، وعلى ذلك حكى ابن عبد البر الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا أن جميع الغسلات واجب" (¬3). ذكر رحمه اللَّه هذا الكلام في معرض استدلاله للشافعية بوجوب سبع غسلات. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات" (¬6). • وجه الدلالة: الأمر بغسل الإناء، والأمر يدل على الوجوب، إلا بقرينة صارفة على الصحيح، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في قول بأن هذا الغسل مندوب (¬7). ¬
[31 - 368] غسل الإناء من ولوغ الكلب لا يكون بنفس الماء
قال الباجي: "ووجه الندب: أنه حيوان؛ فلم يجب غسل الإناء من ولوغه" (¬1). وخالف الحنفية (¬2)، فقالوا: إن الواجب الغسل حتى يغلب على الظن طهارته، ولو بمرة واحدة. وهذا القول ينقض كلام ابن عبد البر السابق، والعجيب أنه ذكر قول أبي حنيفة بعده بقليل (¬3). واستدلوا بحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- في أحد ألفاظه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، في الكلب يلغ في الإناء، قال: "يغسله ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا" (¬4)، وبالقياس على سائر النجاسات (¬5). وخالف الحنابلة في رواية (¬6)، وداود (¬7) أن الواجب الغسل ثمان مرات، إحداهن بالتراب. واستدلوا بلفظ: "وعفروه الثامنة بالتراب" (¬8). وهذا القول لا ينقض في الحقيقة؛ لأنه يريد أن الغسلات كلها واجبة على القولين؛ من قال بوجوب الثمان والسبع، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [31 - 368] غسل الإناء من ولوغ الكلب لا يكون بنفس الماء: إذا ولغ الكلب في إناء فيه ماء، فإنه لا يغسل بنفس الماء المولوغ فيه. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول في سياق استدلاله للشافعية: ¬
[32 - 369] غسل الإناء من ولوغ الكلب واجب عند الاستعمال
"واحتجوا بالإجماع على أنه لا يجوز أن يغسل الإناء بذلك الماء -أي: الماء الذي ولغ فيه الكلب-" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والشافعية إذا انفصلت متغيرة (¬3)، والحنابلة على الصحيح (¬4). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم؛ فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بالاراقة، وذلك يدل على عدم جواز الانتفاع به، مع الحاجة لذلك، فدل على نجاسة هذا الماء، والماء النجس لا يغسل به الإناء؛ لأنه سينجسه، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف هنا مالك في رواية عنه، فقال بجواز غسل هذا الإناء بهذا الماء (¬6). وقالوا بهذا القول، بناء على القول بأن الغسل للتعبد لا للنجاسة، وهو المشهور من مذهب المالكية (¬7)، فالماء طاهر عندهم، والغسل للتعبد فقط. وقياس قول رواية عند الحنابلة هو هذا القول، فلديهم رواية بطهارة سؤر الكلب، إلا أنه يغسل تعبدًا (¬8). وخالف الشافعية فيما إذا انفصلت الغسالة غير متغيرة، فلديهم قول بأنها طاهرة (¬9).Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [32 - 369] غسل الإناء من ولوغ الكلب واجب عند الاستعمال: إذا ولغ الكلب في الإناء، فإنه يجب غسله عند الاستعمال، أما إذا لم يرد استعماله ¬
[33 - 370] طهارة أثر الكلب بالغسل سبعا والثامنة بالتراب
فلا يجب. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) في سياق استدلاله للشافعية: "وقد أجمعوا أنه لا يلزم غسله، إلا عند الاستعمال" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة على الصحيح (¬4). • مستند الإجماع: أن الغسل للإناء واجب لنجاسة سؤر الكلب، فلم يجب الغسل، إلا عند إرادة الاستعمال لذلك الإناء، وإلا لوجب قتل كل الكلاب؛ نظرًا لما تحمله من نجاسة، وهذا لا يقول به أحد، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف المالكية هنا أيضًا، في قولٍ لهم، فقالوا: بل يجب عند الولوغ (¬5). واستدلوا: بأن الغسل تعبد، كما هو المشهور عندهم، وسبق ذكره، فيجب عند الولوغ؛ لأن العبادة لا تؤخر (¬6). وهو قياس قول رواية عند الحنابلة أيضًا، فلديهم رواية بطهارة سؤر الكلب -سبقت الإشارة لها- إلا أنه يغسل تعبدًا (¬7).Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [33 - 370] طهارة أثر الكلب بالغسل سبعًا والثامنة بالتراب: إذا غُسل أثر الكلب بالماء سبعًا، وعُفر بالثامنة فإنه يطهر، وقد حكى ابن حزم الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن من غسل أثر ¬
[34 - 371] غسل الإناء من أثر الكلب ثمانيا غير واجب
الكلب، والخنزير، والهر، سبع مرات بالماء، والثامنة بالتراب؛ فقد طهر" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)؛ الحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: حديث عبد اللَّه بن مغفل، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بغسل الإناء سبع مرات وتعفيره بالتراب، فمن فعل ذلك سبعًا، وعفر بالتراب ثامنة، فقد استكمل التطهير.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [34 - 371] غسل الإناء من أثر الكلب ثمانيًا غير واجب: إذا ولغ الكلب في الإناء، فإنه يجب غسله سبعًا، وأما الثامنة فغير واجبة بالإجماع. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وفي بعضها -الروايات-: "وعفروا الثامنة بالتراب" (¬7)، وذلك غير واجب بالإجماع" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع أبو هريرة، وابن عباس، وعروة ابن الزبير، وطاوس، وعمرو بن دينار، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬12)، وابن حزم (¬13). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال عليه الصلاة والسلام: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات، أولاهن بالتراب" (¬14). ¬
[35 - 372] طهارة أثر الخنزير بالغسل سبعا
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بالغسل سبعًا، وأن تكون أولاهن بالتراب، فدل على وجوب السبع فقط (¬1)، وأما رواية التعفير بالثامنة؛ فمنسوخة عند الحنفية (¬2)، أو أن المقصود: أن يكون التعفير مصاحبًا للسابعة (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف الحسن، والحنابلة في رواية (¬4)، ورواية عن داود (¬5)؛ فقالوا: يجب غسله ثمانيًا، إحداهن بالتراب. واستدلوا بحديث عبد اللَّه بن مغفل، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب" (¬6). وأجاب عنه ابن قدامة، بأنه: "يحمل هذا الحديث على أنه عدَّ التراب ثامنة؛ لأنه وإن وجد مع إحدى الغسلات، فهو جنس آخر، فيجمع بين الخبرين" (¬7).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [35 - 372] طهارة أثر الخنزير بالغسل سبعًا: إذا غُسل أثر الخنزير بالماء سبعًا، وعُفر بالثامنة بالتراب، فإنه يطهر، وقد حكى ابن حزم الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن من غسل أثر الكلب، والخنزير، والهر، سبع مرات بالماء، والثامنة بالتراب؛ فقد طهر" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12). ¬
[36 - 373] عدم وجوب غسل الإناء من ولوغ الهرة
• مستند الإجماع: حديث عبد اللَّه بن مغفل، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب" (¬1). • وجه الدلالة: هذا نص في ولوغ الكلب، وبما أن الخنزير أشد في النجاسة؛ فيقاس عليه.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [36 - 373] عدم وجوب غسل الإناء من ولوغ الهرة: إذا ولغ الهر في الإناء، فإن غسله لا يجب. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "فإن ظاهره (¬2) يقتضي وجوب غسل الإناء من ولوغ الهرة، ولا يجب ذلك بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع أبو يوسف (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في الهرة: "إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم" (¬8). • وجه الدلالة: الحديث فيه التصريح بعدم نجاستها، ثم وصفها بأنها من الطوافين، ومن لوازم الطوافة وجود السؤر منها، فهذا يدل على عدم وجوب غسل ولوغها؛ لأنها طاهرة، ولأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمر بذلك (¬9). ¬
[37 - 374] غسل أثر الهر
• الخلاف في المسألة: رُوي الخلاف هنا عن أبي هريرة، وابن عمر -رضي اللَّه عنهما- في إحدى الروايتين عنه، وسعيد بن المسيب، والحسن، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبي حنيفة، ومحمد بن الحسن (¬1)، فقالوا بوجوب غسله. وكلام ابن حزم السابق، فيه إشارة إلى الخلاف في المسألة، ويدل على أن هناك من خالف في غسل أثر الهر أقل من ذلك، إلا أنه يعني أنه لم يقل أحد بأزيد من ذلك، فهو من باب الإجماع على أكثر ما قيل في المسألة، وهذان النقلان عن النووي وابن حزم فيهما شيء من التعارض، ولذا ذكرتهما سويًّا، وإن كانا على مسألتين. ولكن ما نقل عن أبي حنيفة ومحمد، فيه قولان؛ بين كراهة سؤر الهر وتحريمه، والأصح أنهما يقولان بالكراهة التنزيهية فقط، وإن كان هناك من قوى كون قولهما التحريمية، إلا أن الأقوى كونه للتنزيه (¬2)، والناقض لمسألتنا القول بالتحريم، حيث معه يجب الغسل. وهو قول طاوس وعطاء، إلا أنهما قالا بأن غسل ولوغه كالكلب (¬3). واستدلوا: بحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "طهور الإناء إذا ولغ فيه الهر غسل مرة" (¬4).Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [37 - 374] غسل أثر الهر: إذا ولغ الهر في الإناء، وغُسل سبعًا، والثامنة بالتراب، فقد طهر الإناء. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن من غسل أثر الكلب، والخنزير، والهر، سبع مرات بالماء، والثامنة بالتراب؛ فقد طهر" (¬5). ¬
[38 - 375] نجاسة القيح
وقال أيضًا: "واتفقوا أن من غسل أثر السنور؛ فقد طهر" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم؛ فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات" (¬7). وفي رواية: "وعفروه الثامنة بالتراب" (¬8). • وجه الدلالة: أن الكلب إذا غسل أثره سبعًا والثامنة بالتراب، فقد طهر، والهر نوع من السباع، فمن غسل أثر ولوغه، فقد طهر الإناء من باب أولى، واللَّه أعلم. 2 - حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات" (¬9). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصف الهرة بما يوصف به الأطفال، وأنها ليست بنجس، فإذا ولغت في الإناء، وغسلناه سبعًا، فإنه يطهر بلا شك (¬10).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [38 - 375] نجاسة القيح: القيح الذي يخرج من الإنسان نجس، وقد نفى النووي الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: النووي (676 هـ) حيث يقول: "القيح نجس بلا خلاف" (¬11). ¬
[39 - 376] نجاسة ماء القروح المتغير
ونقله عنه ابن قاسم (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة على المشهور (¬4). • مستند نفي الخلاف: أن أصل القيح الدم، لكنه استحال فصار نتنًا، فإذا كان الدم نجسًا، فهذا دم فاسد منتن؛ فهو من باب أولى أن يكون نجسًا (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة ابن حزم (¬6)، وأحمد في رواية عنه (¬7)، وحكي عن الحسن (¬8)، فقالوا بطهارة القيح، وحكاه المرداوي عن ابن تيمية (¬9). واستدل ابن حزم بحديث أبي هريرة: "إن المؤمن لا ينجس" (¬10). وما كان طاهرًا كله -أي المسلم- فبعضه من باب أولى (¬11). أما الحنابلة؛ فلم يذكروا دليلًا، ولكن نقل المرداوي عن ابن تيمية، أنه قال بأنه لم يثبت دليل على نجاسته (¬12)، مما يعني أنه يستدل بأن الأصل طهارته، ولا ناقل عنها.Rأن نفي الخلاف في المسألة غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [39 - 376] نجاسة ماء القروح المتغير: ماء القروح إذا تغير فإنه نجس، وقد حكى النووي الاتفاق على ذلك. ومن عنوان المسألة يتبين أنها مقيدة بالتغير، وضابط ذلك: هو الرائحة، فإن كان له ¬
رائحة؛ فهو متغير، وإلا فلا (¬1)، أو أن يتغير بنجاسة (¬2)، وقد يطلق عليه صديد (¬3). • من نقل الاتفاق: النووي (676 هـ) حيث يقول: "ماء القروح المتغير نجس بالاتفاق" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة على المشهور (¬8). • مستند الاتفاق: 1 - ماء القروح لا يخرج ويتحلل إلا بعلة، فهو كالقيح (¬9). 2 - ولأنه يستحيل ويتجمع في داخل الجسم، ثم يخرج، فهو كغيره مما يخرج من الجسم من النجاسات، كالدم والبول ونحوهما (¬10). • الخلاف في المسألة: خالف أحمد في رواية، وابن حزم في القيح، فقالوا: بطهارته كما سبق (¬11)، وهو أشد نتنًا من ماء القروح، فمن باب أولى مخالفتهم هنا. أما الحنابلة؛ فلجماعة منهم قول بأن ماء القروح، إن تغير بنجس؛ فهو نجس، وإلا فلا (¬12)، مما يعني طهارة المتغير عندهم، إلا إن تغير بنجاسة. وتخريجًا على رواية طهارة القيح؛ فلا ينجسه إلا نجاسة خارجة، كدم ظاهر، أو بول ونحوه.Rأن الاتفاق غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[40 - 377] طهارة سؤر الآدمي
[40 - 377] طهارة سؤرِ الآدميِّ: سؤر الآدمي طاهر، سواء كان مسلمًا أو كافرًا، طاهرًا أو جنبًا، وقد حكى الإجماع عدد من العلماء في هذه المسألة. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "أما السؤر الطاهر المتفق على طهارته؛ فسؤر الآدمي بكل حال، مسلمًا كان أو مشركًا، صغيرًا أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى، طاهرًا أو نجسًا، حائضًا أو جنبًا، إلا في حال شرب الخمر" (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على طهارة آسار المسلمين، وبهيمة الأنعام" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "القسم الثاني: طاهر في نفسه، وسؤره، وعرقه، وهو ثلاثة أضرب: الأول: الآدمي، فهو طاهر، وسؤره طاهر، سواء كان مسلمًا أم كافرًا، عند عامة أهل العلم، إلا أنه حكي عن النخعي، أنه كره سؤر الحائض، وعن جابر بن زيد، لا يتوضأ منه" (¬3). أبو بكر الحدادي العبادي (800 هـ) حيث يقول: "السؤر على خمسة أنواع؛ سؤر طاهر بالاتفاق. . .، أما الطاهر؛ فسؤر الآدمي، وما يؤكل لحمه، ويدخل فيه الجنب والحائض والنفساء والكافر، إلا سؤر شارب الخمر، ومن دمي فوهُ، إذا شرب على فورهما فإنه نجس" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-: "كنت أشرب وأنا حائض، فأناوله النبي عليه الصلاة والسلام، فيضع فاه على موضع فيّ" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يضع فمه في موضع فيّ عائشة -رضي اللَّه عنها-؛ فهذا يدل على طهارة سؤرها؛ إذ لو لم يكن كذلك لما فعله عليه الصلاة والسلام، وهو يدل على ¬
طهارة سؤر الحائض وغيرها من باب أولى. 2 - أن الآدمي طاهر في ذاته، وسؤره تابع له، وليس مما يخرج من مخرج النجاسة، فهو طاهر. • الخلاف في المسألة: ذكر ابن نجيم قولًا بكراهة سؤر المرأة للرجل والعكس، ولكنه برره؛ بأن ذلك إنما هو في الشرب، لا الطهارة (¬1). كما ذكر ذلك أيضًا ابن عابدين (¬2). وبهذا لا يكون لهذا القول تأثير في مسألتنا. وهناك كلام في الحائض وسيأتي في مسألة مستقلة. وخالف المالكية في لعاب النائم، فقالوا: إن كان من الفم؛ فطاهر، وإن كان من المعدة؛ فينظر: إن كان متغيرًا وفيه نتن؛ فنجس، وإلا طاهر (¬3). وقيل: إن كان الرأس على مخدة؛ فاللعاب من الفم، وإلا فمن المعدة؛ فيكون نجسًا (¬4). ولم يذكروا دليلًا، ولا تعليلًا، إلا أنه يفهم من تقييدهم بالتغير، أنهم يعللون به، فاللعاب أو السؤر بعد التغير أصبح نجسًا، كالماء المتغير، واللَّه تعالى أعلم. وخالف الحنابلة في رواية (¬5) في سؤر الكافر، فقالوا: سؤره نجس مطلقًا، وهو ظاهر كلام ابن حزم (¬6). ولم أجد استدلالًا لهم، ويمكن أن يستدل لهم بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}، وهو ما استدل به ابن حزم (¬7). ولديهم رواية أخرى، بأنه إن لَابَسَ النجاسة غالبًا، أو تدين بها، أو كان وثنيًّا، أو مجوسيًّا، أو يأكل الميتة النجسة؛ فسؤره نجس (¬8). ولم أجد استدلالًا لهم على هذه الرواية أيضًا، غير أنه من قيود الرواية يمكن القول بأن العلة هي خشية أن يكون عليه نجاسة فينقلها (¬9)، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[41 - 378] طهارة سؤر الحائض
Rأن الإجماع متحقق في سؤر الآدمي المسلم غير النائم، لعدم وجود المخالف في المسألة، وإلى هذا أشار ابن رشد في حكايته، حيث قيده بالمسلمين، ومن عادة الناس في هذا الأمر؛ أنهم يتبادلون الآنية للشرب والاستعمال، من دون نظر وتدقيق في السؤر من حيث وجوده وعدمه، واللَّه تعالى أعلم. أما سؤر الكافر؛ فقد ثبت فيه الخلاف، كما سبق، فلا إجماع، وكذلك النائم وقد سبق تفصيله، والنوم خلاف الأصل والمعتاد، فلا يقدح هذا في الإجماع، واللَّه أعلم. [41 - 378] طهارة سؤر الحائض: سؤر الحائض طاهر، وهو من سؤر الآدمي الذي سبق بحثه بلا شك، ولكن لما أُفردت من بعض العلماء بحكاية الإجماع، التزمت بإفرادها بمسألة مستقلة. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث نقل عنه النووي ذلك، فقال بعد قوله: "وسؤرها وعرقها -أي الحائض - طاهران": "وقد نقل ابن جرير إجماع المسلمين على هذا" (¬1). ونقله ابن مفلح (¬2). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "أما السؤر الطاهر المتفق على طهارته؛ فسؤر الآدمي بكل حال، مسلمًا كان أو مشركًا، صغيرًا أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى، طاهرًا أو نجسًا، حائضًا أو جنبًا، إلا في حال شرب الخمر" (¬3). النووي (676 هـ) حيث يقول عن الحائض: "وسؤرها وعرقها طاهران، وهذا كله متفق عليه، وقد نقل ابن جرير إجماع المسلمين على هذا، ودلائله في الأحاديث الصحيحة ظاهرة مشهورة" (¬4). أبو بكر الحدادي العبادي (800 هـ) حيث يقول: "السؤر على خمسة أنواع؛ سؤر طاهر بالاتفاق. . .، أما الطاهر؛ فسؤر الآدمي، وما يؤكل لحمه، ويدخل فيه الجنب والحائض والنفساء والكافر، إلا سؤر شارب الخمر، ومن دمي فوه، إذا شرب على فورهما فإنه نجس" (¬5). ¬
[42 - 379] طهارة سؤر مأكول اللحم
الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث (¬1) يدل على أن ريق الحائض طاهر، ولا خلاف فيه فيما أعلم، وعلى طهارة سؤرها من طعام أو شراب، ولا أعلم فيه خلافًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كنت أشرب وأنا حائض، فأناوله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيضع فاه على موضع فيّ فيشرب، وأتعرق العَرْق (¬6) وأنا حائض، فأناوله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيضع فاه على موضع فيّ" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يضع فاه على موضع فيّ عائشة -رضي اللَّه عنها- وهي حائض، مما يدل على طهارة سؤرها، وإلا لم يفعله عليه الصلاة والسلام، أو بيّن وجوب الطهارة بعده (¬8). • الخلاف في المسألة: خالف النخعي في سؤر الحائض، وقال بكراهته (¬9). وزاد جابر بن زيد بأنه لا يتوضأ منه، ولعله يقصد التحريم (¬10). ولم أجد دليلًا لهذا القول. والقول الأول ليس مناقضًا لمسألتنا، إلا أن يقصد الكراهة التحريمية، وهي تحتاج إلى قرينة، ولا توجد، فيبقى القول على التنزيه.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، وأما خلاف جابر بن زيد فشذوذ لم يتابعه أحد، مع أنه لم يصرح بالنجاسة، واللَّه تعالى أعلم. [42 - 379] طهارة سؤر مأكول اللحم: سؤر مأكول اللحم من الحيوانات طاهر، وقد حكى عدد من العلماء الإجماع على ¬
طهارته. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن سؤر ما أكل لحمه طاهر، ويجوز شربه، والوضوء به" (¬1). ونقله عنه ابن قدامة في "المغني" (¬2)، وابن قاسم (¬3). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وكل ما يؤكل لحمه فلا خلاف في أنه طاهر" (¬4)، قال ذلك بعد حديثه عن لعاب المؤمنين. ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن سؤر ما يؤكل لحمه من البهائم طاهر مطهر" (¬5). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "أما السؤر الطاهر المتفق على طهارته؛ فسؤر الآدمي بكل حال. . .، وكذا سؤر ما يؤكل لحمه من الأنعام والطيور، إلا الإبل الجلالة، والبقرة الجلالة، والدجاجة المخلاة؛ لأن سؤره متولد من لحمه، ولحمه طاهر" (¬6). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على طهارة آسار المسلمين وبهيمة الأنعام" (¬7). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وإن كان طاهرًا -الحيوان- وهو سائر الحيوانات؛ فهو -السؤر- طاهر بلا خلاف" (¬8). أبو بكر الحدادي العبادي (800 هـ) حيث يقول: "السؤر على خمسة أنواع؛ سؤر طاهر بالاتفاق. . .، أما الطاهر؛ فسؤر الآدمي، وما يؤكل لحمه. . .، وكذا سؤر مأكول اللحم طاهر كلبنه، إلا الإبل الجلالة، وهي تأكل العذرة" (¬9). ¬
[43 - 380] طهارة لبن الآدمي
الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "والحديث (¬1) دليل على أن لعاب ما يؤكل لحمه طاهر، قيل: وهو إجماع" (¬2)، وكلامه هنا عن اللعاب، وهو أصل السؤر، فما يقال في السؤر يقال في اللعاب من باب أولى. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن حزم (¬3). • مستند الإجماع: 1 - عمرو بن خارجة -رضي اللَّه عنه-، قال: "خطبنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمنى، وهو على راحلته، ولعابها يسيل على كتفي" (¬4). • وجه الدلالة: أن لعاب الراحلة كان يسيل على كتف عمرو، والنبي عليه الصلاة والسلام يخطب فوقه، ولو كان لعابها نجسًا لأخبره عليه الصلاة والسلام، وما دام أنه لم يخبره بذلك دل على الطهارة (¬5)، واللَّه تعالى أعلم. 2 - البهائم المأكولة اللحم لحمها يؤكل وهو طاهر، وإذا كان كذلك؛ فسؤرها طاهر من باب أولى؛ لأن سؤره متولد من لحمه، ولحمه طاهر (¬6).Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، وهذا باستثناء الجلالة، وهي غير داخلة في مسألتنا، نظرًا لأكلها النجاسة، واللَّه تعالى أعلم. [43 - 380] طهارة لبن الآدمي: لبن الأدمية طاهر، وهو جزء من الآدمية، وقد حُكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الغزالي (505 هـ) (¬7) حيث نقل عنه النووي (¬8)، وابن قاسم (¬9) حكايته الإجماع على طهارة لبن الآدمي. المرداوي (885 هـ) حيث يقول: "لبن الآدمي والحيوان المأكول طاهر، بلا ¬
[44 - 381] طهارة لبن مأكول اللحم
نزاع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحسن، وإبراهيم (¬2)، والحنفية (¬3)، والمالكية (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى كرم بني آدم، ومن التكريم أنه طاهر في ذاته، ولا شك أن غذاءه طاهر، وإلا لأصبح الآدمي غير طاهر به، لأنه هو الذي ينبته، وكل آدمي نبت من اللبن الآدمي ولا بد، فدل ذلك على طهارة لبن الآدمي، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف الأنماطي من الشافعية في المسألة (¬5)، وقال بنجاسة لبن الآدمية. وقال عنه النووي: "وهذا ليس بشيء، بل هو خطأ ظاهر" (¬6). ولم أجد من تابع على هذا القول، وهو كما قال النووي بأنه خطأ.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، وأما مخالفة الأنماطي فهي خطأ أو شذوذ، ولا عبرة بمخالفته، واللَّه تعالى أعلم. [44 - 381] طهارة لبن مأكول اللحم: لبن ما أكل لحمه من البهائم طاهر، وقد حكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "القسم الثاني: ما أكل لحمه، فالخارج منه ثلاثة أنواع: . . . الثاني: طاهر، وهو الريق، والدمع، والعرق، واللبن، فهذا لا نعلم فيه خلافا" (¬7). النووي (676 هـ) حيث يقول: "الألبان أربعة أقسام: أحدها: لبن مأكول اللحم، كالإبل، والبقر، والغنم، والخيل، والظباء، وغيرها من الصيود وغيرها، وهذا طاهر بنص القرآن، والأحاديث الصحيحة، والإجماع" (¬8). ¬
ويقول: "وأما اللبن، فطاهر من مأكول اللحم بالإجماع" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). المرداوي (885 هـ) حيث يقول: "لبن الآدمي والحيوان المأكول طاهر، بلا نزاع" (¬3). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث يقول: "لا (درّ) حيوانٍ مباحٍ أكلُه بالدال المهملة أي: لبنه لِمَنِّ اللَّه تعالى علينا به، بقوله: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} [النحل: 66] الآية، وللإجماع" (¬4). قوله: (لا درّ حيوان) أي لا يشمل الكلام السابق، الذي ذكره في فصل بيان النجاسات وإزالتها، بل هو طاهر، كما هو ظاهر من السياق. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5)؛ المالكية (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)} [النحل: 66]. 2 - قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21)} [المؤمنون: 21]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نص على كون اللبن سائغًا للشاربين، وذكره تعالى على صيغة المدح، وذلك لا يكون إلا في طاهر، هذا فيما يخص الآية الأولى. أما الآية الثانية -وهذا الاستدلال ينطبق أيضًا على الأولى- فقد قال تعالى: {نُسْقِيكُمْ}، ولا يسقينا اللَّه تعالى إلا طاهرًا حلالًا، وله الحمد والمنة (¬8).Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[45 - 382] طهارة بيض مأكول اللحم
[45 - 382] طهارة بيض مأكول اللحم: البيض الذي يخرج من الحيوانات مأكولة اللحم، حكمه أنه طاهر. وهنا شرط وهو: أن يخرج من الأم، في حال الحياة، وإلا فلا بد أن يكون متصلبًا حتى يُحكم بطهارته (¬1). • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "البيض من مأكول اللحم طاهر بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: أن البيض جزء من الحيوان المأكول اللحم، وهو طاهر بلا شك، والبيض ناتج عنه، فتكون طاهرة مباحة الأكل (¬7)، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في هذه المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [46 - 383] طهارة صوف مأكول اللحم ووبره: صوف الحيوان مأكول اللحم حلال اتخاذه، وهو طاهر بالإجماع. ولكن المسألة التي نقل فيها الإجماع فيها شرطان؛ هما: 1 - أن يكون من حيوان مأكول اللحم، كما هو ظاهر من العنوان. 2 - أن يكون الجزُّ أثناء حياة هذا الحيوان (¬8). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الانتفاع بأشعارها، وأوبارها، وأصوافها؛ جائز إذا أخذ ذلك وهي حية" (¬9). ونقله عنه ابن ¬
حجر (¬1). إمام الحرمين الجويني (458 هـ) حيث يقول: "وكان القياس نجاسته، كسائر أجزاء الحيوان المنفصلة في الحياة، ولكن أجمعت الأمة على طهارتها؛ لمسيس الحاجة إليها في ملابس الخلق، ومفارشهم". نقله عنه النووي (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "ولإجماعهم على الصوف من الحي؛ أنه طاهر" (¬3). ويقول أيضًا: "وأجمع العلماء على أن جز الصوف عن الشاة، وهي حية حلال" (¬4). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الشعر، إذا قطع من الحي؛ أنه طاهر" (¬5). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "وأيضًا؛ فإن الأصل كونها -شعر الميتة- طاهرة قبل الموت بإجماع" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "إذا جُز شعر، أو صوف، أو وبر من مأكول اللحم؛ فهو طاهر بنص القرآن، وإجماع الأمة" (¬7). ويقول أيضًا: "الأصل أن ما انفصل من حي؛ فهو نجس، ويستثنى الشعر المجزوز من مأكول اللحم في الحياة، والصوف، والوبر، والريش؛ فكلها طاهرة بالإجماع" (¬8). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "فلما اتفق العلماء على أن الشعر والصوف، إذا جز من الحيوان، كان حلالًا طاهرًا؛ علم أنه ليس مثل اللحم" (¬9). ابن مفلح (763 هـ) حيث يقول عن شعر الحيوان المأكول: "كجزه. .؛ إجماعًا" (¬10). قال المرداوي معلقًا على ذلك: "أن ظاهر قوله بعد ذلك: (كجزه إجماعًا)؛ أن ¬
[47 - 384] العضو المنفصل من الحيوان الحي نجس
الإجماع عائد إلى شعر الحيوان الطاهر، الذي لا يؤكل، وليس الأمر كذلك، وإنما الإجماع عائد إلى شعر الحيوان المأكول" (¬1). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "فإن الأصل كونها -شعر الميتة- طاهرة قبل الموت بإجماع" (¬2). ابن حجر الهيتمي (974 هـ) حيث يقول: "إلا شعر المأكول؛ فطاهر إجماعًا، وكذا الصوف والوبر والريش، سواء أنتف، أم جزّ، أم تناثر" (¬3). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "إلا شعر أو صوف أو ريش أو وبر المأكول؛ فطاهر بالإجماع، ولو نتف منها، أو انتتف" (¬4). ونقل عنه هذه العبارة البجيرمي بنصها في "حاشيته على شرح الخطيب" (¬5). الرملي (1004 هـ) حيث يقول: "إلا شعر المأكول؛ فطاهر بالإجماع في المجزوز، . .، وصوفه ووبره وريشه مثله، سواء انتُتف منه أم انتَتف" (¬6). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى ذكرها في سياق النعم، التي يسديها للبشر، ووصفها تعالى بأنها {أَثَاثًا وَمَتَاعًا}، ولم يكن يقل ذلك، لولا أنها غير مباحة الاستعمال، وطاهرة. يقول الإمام القرطبي: "أذن اللَّه تعالى بالانتفاع بصوف الغنم، ووبر الإبل، وشعر المعز، كما أذن في الأعظم، وهو ذبحها وأكل لحومها" (¬7).Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [47 - 384] العضو المنفصل من الحيوان الحي نجس: إذا انفصل عضو من حيوان حي، فإنه يكون نجسًا كالميتة، وقد حكى النووي الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول بعد روايته لحديث أبي واقد الآتي في المستند: "والعمل على هذا عند أهل العلم" (¬1). ونقله عنه النووي (¬2). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وإن كان المبان جزءًا فيه دم، كاليد والأذن والأنف ونحوها، فهو نجس بالإجماع" (¬3). ونقله ابن نجيم عنه (¬4)، وابن عابدين (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول: "العضو المنفصل من حيوان حي؛ كألية الشاة وسنام البعير وذنب البقرة والأذن واليد وغير ذلك نجسٌ بالإجماع" (¬6). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وأيضًا؛ فلو كان الشعر جزءًا من الحيوان، لما أبيح أخذه في حال الحياة، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عن قوم يجبون أسنمة الإبل وألياف الغنم؟ فقال: "ما أبين من البهيمة وهي حية فهو ميت" رواه أبو داود وغيره (¬7)، وهذا متفق عليه بين العلماء" (¬8). ونقله عنه ابن قاسم (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬10). • مستند الإجماع: حديث أبي واقد الليثي -رضي اللَّه عنه-، قال: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة وهم يجبّون (¬11) أسنمة الابل، ويقطعون أليات الغنم، فقال: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة" (¬12). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصف ما قطع من البهيمة وهي حية بأنه ميتة، وهذا ¬
[48 - 385] طهارة المسلم حيا
يدل على مسألتنا بالمطابقة (¬1).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [48 - 385] طهارة المسلم حيًّا: المسلم إذا كان حيًّا، فإنه طاهر بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "هذا الحديث (¬2) أصل عظيم في طهارة المسلم حيًّا وميتًا، فأما الحي؛ فطاهر بإجماع المسلمين" (¬3). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وحديث الباب (¬4) أصل في طهارة المسلم حيًّا وميتًا، أما الحي؛ فإجماع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، قال: فانخنست منه فاغتسلت، ثم جئت؛ فقال: "أين كنت يا أبا هريرة؟ " قال: يا رسول اللَّه كنت جنبًا، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: "سبحان اللَّه، إن المؤمن لا ينجس" (¬10). • وجه الدلالة: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن المؤمن لا ينجس"، فإذًا هو طاهر بدليل الخطاب، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [49 - 386] طهارة بدن الجنب: إذا أجنب المسلم، فإن بدنه طاهر بالإجماع، حكاه عدد من أهل العلم. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) إذْ نقل عنه النووي حكايته للإجماع في ¬
المسألة (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "قال أصحابنا وغيرهم: أعضاء الجنب، والحائض، والنفساء، وعرقهم طاهر، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء" (¬2). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وهذا متفق عليه بين الأئمة: أن بدنَ الجنب طاهرٌ، وعرقَه طاهرٌ، والثوبَ الذي يكون فيه عرقُه طاهرٌ، ولو سقط الجنب في دهن، أو مائع؛ لم ينجسه، بلا نزاع بين الأئمة، وكذلك الحائض عرقها طاهر، وثوبها الذي يكون فيه عرقها طاهر" (¬3). ويقول: "وأيضًا فبدن الجنب طاهر بالنص والإجماع" (¬4). ويقول: "ولا نزاع بين المسلمين أن الجنب لو مس مغتسلًا؛ لم يقدح في صحة غسله" (¬5). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: "وبدن الجنب طاهر بالإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، قال: فانخنست منه فاغتسلت، ثم جئت؛ فقال: "أين كنت يا أبا هريرة؟ " قال: يا رسول اللَّه كنت جنبًا، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة. فقال: "سبحان اللَّه، إن المؤمن لا ينجس" (¬10). 2 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قدم إليه بعض نسائه قصعة؛ ليتوضأ منها، فقالت: إني غمست يدي فيها وأنا جنب، فقال: "الماء لا يجنب" (¬11). ¬
[50 - 387] طهارة بدن الحائض
• وجه الدلالة: في كلا النصين "إن المؤمن لا ينجس"، و"الماء لا يجنب"، دلالة على أن الجنابة شيء معنوي لا حسي، وأن المؤمن طاهر في ذاته، ولو كان على جنابة، أو كانت المرأة حائضًا (¬1). • الخلاف في المسألة: قال النووي: "حكى أصحابنا عن أبي يوسف، أن بدن الحائض نجس، فلو أصابت ماء قليلًا نجسته، وهذا النقل لا أظنه يصح عنه، فإن صح فهو محجوج بالإجماع" (¬2)، وذكره عنه في "المغني" (¬3)، و"الشرح الكبير" (¬4) في بدن الجنب أيضًا. وقد ذكره البابرتي كذلك في الجنب، قياسًا على قوله في الحائض، وضعّف القول لمقابلته النص (¬5)، غير أني لم أجد لهذا القول مزيد ذكر في الكتب الأخرى، مما يقوي كلام النووي السابق.Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود خلاف أبي يوسف، وهو يُعد علمًا عند الحنفية، أشبه الرواية أو القول عند المذاهب الأخرى، ولا يخلو من أتباع له في هذه المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [50 - 387] طهارة بدن الحائض: إذا حاضت المرأة، فإن حكم بدنها لا يتغير، فهو طاهر بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث نقل عنه ابن مفلح (¬6)، والبهوتي (¬7) حكايته للإجماع في المسألة. ابن المنذر (318 هـ) نقل عنه النووي حكايته للإجماع في المسألة (¬8). النووي (676 هـ) حيث يقول: "قال أصحابنا وغيرهم: أعضاء الجنب، والحائض، والنفساء، وعرقهم طاهر، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء" (¬9). ¬
[51 - 388] الجنب والحائض إذا مس ماء قليلا فهو باق على طهارته
ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وهذا متفق عليه بين الأئمة: أن بدنَ الجنب طاهرٌ، وعرقَه طاهرٌ، والثوبَ الذي يكون فيه عرقُه طاهر، ولو سقط الجنب في دهن، أو مائع؛ لم ينجسه، بلا نزاع بين الأئمة، وكذلك الحائض عرقها طاهر، وثوبها الذي يكون فيه عرقها طاهر" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي اللَّه عنها-، تقول: سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن دم الحيض يصيب الثوب، فقال: "تَحُتُّهُ، ثم تقرضه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه" (¬5) • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر الحائض بغسل دم الحيض من ثوبها، ولم يأمرها بغسل الثوب كله (¬6)، مع أنه لا بد من إصابته بشيء من السؤر والعرق، ومع ذلك لم يأمرها، فدل على أنه طاهر، ومن باب أولى أن يكون البدن طاهرًا. • الخلاف في المسألة: يجري في مسألتنا هذه ما قيل في بدن الجنب، من حكاية خلاف أبي يوسف، وهو في مسألتنا هذه آكد.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [51 - 388] الجنب والحائض إذا مس ماءً قليلًا فهو باقٍ على طهارته: إذا غمس الجنب أو الحائض اليد في ماء قليل، فإن الماء باقٍ على طهارته، وحُكي الإجماع على ذلك (¬7). • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الجنب، والحائض، والمشرك، إذا غمس كل واحد منهم يده في إناء، فيه ماء قليل؛ فإن الماء باق على طهارته" (¬8). ¬
[52 - 389] طهارة عرق الجنب وسؤره
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية فيما إذا كان الغمس لحاجة (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" (¬5). • وجه الدلالة: أنه عليه الصلاة والسلام عمّ ولم يخص، فلا يحل تخصيص ماء بالمنع لم يخصه نص آخر؛ أو إجماع متيقن، فيبقى الماء على طهوريته لعدم المانع (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف الحنفية في المسألة، فيما إذا أدخل يده لغير حاجة، سواء أدخلها للتبرد؛ أو غير ذلك (¬7). قالوا: لأنه يصير بذلك ماءً مستعملًا (¬8).Rأن الإجماع متحقق فيما إذا كان الغمس لحاجة؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، أما إذا كان لغير حاجة؛ فقد خالف الحنفية كما سبق، واللَّه تعالى أعلم. [52 - 389] طهارة عرق الجنب وسؤره: إذا أجنب المسلم فإن عرقه وسؤره يبقى على طهارته، وحكي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن عرق الجنب طاهر. . . (¬9)، وكذلك الحائض" (¬10). ونقله عنه ابن قدامة (¬11)، والنووي (¬12). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "فلا خلاف بين العلماء في طهارة عرق الجنب، وعرق الحائض" (¬13). ¬
البغوي (516 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على طهارة عرق الجنب والحائض" (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول بعد ذكر إجماع ابن المنذر: "ثبت ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، وغيرهم من الفقهاء. . .، وكل ذلك قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا يحفظ عن غيرهم خلافهم" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "قال أصحابنا وغيرهم: أعضاء الجنب، والحائض، والنفساء، وعرقهم طاهر، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء" (¬3). ويقول أيضًا: "وسؤرها وعرقها طاهران، وهذا كله متفق عليه، وقد نقل ابن جرير إجماع المسلمين على هذا ودلائله في الأحاديث الصحيحة ظاهرة مشهورة" (¬4). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وهذا متفق عليه بين الأئمة: أن بدن الجنب طاهر، وعرقه طاهر، والثوب الذي يكون فيه عرقه طاهر، ولو سقط الجنب في دهن، أو مائع لم ينجسه، بلا نزاع بين الأئمة، وكذلك الحائض عرقها طاهر، وثوبها الذي يكون فيه عرقها طاهر" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع عائشة، وابن عمر، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، والحسن، وابن جبير، وعطاء؛ مكحول، والشعبي، والنخعي (¬6)، والحنفية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، قال: فانخنست منه فاغتسلت، ثم جئت؛ فقال: "أين كنت يا أبا هريرة؟ " قال: يا رسول اللَّه كنت جنبًا، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة. فقال: "سبحان اللَّه، إن المؤمن لا ينجس" متفق عليه (¬9). 2 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قدم إليه بعض نسائه قصعة؛ ليتوضأ منها، فقالت: إني غمست يدي فيها وأنا جنب، فقال: "الماء لا يجنب" (¬10). • وجه الدلالة: في كلا النصين "إن المؤمن لا ينجس"، و"الماء لا يجنب"، دلالة ¬
[53 - 390] طهارة عرق الحائض
على أن الجنابة شيء معنوي لا حسي، وأن المؤمن طاهر في ذاته، ولو كان على جنابة، أو كانت المرأة حائضًا، إذ أن الإنسان لا يخلو من تعرق في أعضائه، وقد ينتقل شيء من السؤر إلى القصعة، ومع ذلك لم يمنع عليه الصلاة والسلام من الوضوء منها، مما يدل على طهارة السؤر والعرق، للحائض والجنب (¬1). • الخلاف في المسألة: الكلام في هذه المسألة تبع لمسألة بدن الجنب، وقد سبق ذكر ما روي عن أبي يوسف، في بدن الجنب والحائض، ولم أجد من حكى خلافًا مستقلا في هذه المسألة عند الحنفية، إلا بالموافقة.Rأن الإجماع متحقق، لعدم ثبوت الخلاف المعتبر في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [53 - 390] طهارة عرق الحائض: إذا حاضت المرأة، فإن عرقها وسؤرها طاهر، وقد حكى عدد من العلماء الإجماع في المسألة. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث نقل عنه النووي ذلك، فقال بعد قوله: "وسؤرها وعرقها -أي الحائض - طاهران": "وقد نقل ابن جرير إجماع المسلمين على هذا" (¬2). ونقله ابن مفلح (¬3). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن عرق الجنب طاهر. . . (¬4)، وكذلك الحائض" (¬5). ونقله عنه ابن قدامة (¬6)، والنووي (¬7). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "فلا خلاف بين العلماء في طهارة عرق الجنب، وعرق الحائض" (¬8). البغوي (516 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على طهارة عرق الجنب والحائض" (¬9). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول بعد ذكر إجماع ابن المنذر: "ثبت ذلك عن ابن ¬
عمر، وابن عباس، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، وغيرهم من الفقهاء، وقالت عائشة: عرق الحائض طاهر، وكل ذلك قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا يحفظ عن غيرهم خلافهم" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "قال أصحابنا وغيرهم: أعضاء الجنب، والحائض، والنفساء، وعرقهم طاهر، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء" (¬2). ويقول أيضًا: "وسؤرها وعرقها طاهران، وهذا كله متفق عليه، وقد نقل ابن جرير إجماع المسلمين على هذا، ودلائله في الأحاديث الصحيحة ظاهرة مشهورة" (¬3). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وهذا متفق عليه بين الأئمة: أن بدن الجنب طاهر، وعرقه طاهر، والثوب الذي يكون فيه عرقه طاهر، ولو سقط الجنب في دهن، أو مائع لم ينجسه، بلا نزاع بين الأئمة، وكذلك الحائض عرقها طاهر، وثوبها الذي يكون فيه عرقها طاهر" (¬4). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث يدل على أن ريق الحائض طاهر، ولا خلاف فيه فيما أعلم، وعلى طهارة سؤرها من طعام أو شراب، ولا أعلم فيه خلافًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع عائشة، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، والحسن، وعطاء؛ مكحول، والشعبي (¬6)، والحنفية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي اللَّه عنها-، تقول: سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن دم الحائض يصيب الثوب، فقال: "تحتّه، ثم تقرضه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه" (¬9). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر الحائض بغسل دم الحيض من ثوبها، ولم يأمرها ¬
[54 - 391] طهارة الميسر والأنصاب والأزلام
بغسل الثوب كله (¬1)، مما يعني أن عرقها طاهر، إذ يلزم من لبسها له التعرق، كعادة الناس، وكونه لم يأمرها؛ دل على طهارته (¬2). • الخلاف في المسألة: الكلام هنا كما قيل في مسألة عرق الجنب، من خلاف أبي يوسف فيها، فليراجع هناك.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم ثبوت الخلاف المعتبر في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [54 - 391] طهارة الميسر والأنصاب والأزلام: الميسر هو: القمار (¬3)، وهو شيء معنوي، لا معنى لحكاية الإجماع عليه. والأنصاب هي: الأصنام، وقيل: النرد والشطرنج (¬4). والأزلام هي: القِداح (¬5). • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "واحتج أصحابنا بالآية الكريمة -أي على نجاسة الخمر- قالوا: ولا يضر قرن الميسر، والأنصاب، والأزلام بها، مع أن هذه الأشياء طاهرة؛ لأن هذه الثلاثة خرجت بالإجماع، فبقيت الخمر على مقتضى الكلام" (¬6). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "أما الخمر، فلقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90]، والرجس في عرف الشرع، هو: النجس، صدَّ عما عداها الإجماعُ، فبقيت هي" (¬7)، يريد الخمر. ونقلها عنه ابن حجر الهيتمي (¬8). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث يقول: "ولقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90]، خرجت الثلاثة المقرونة معها بالإجماع، فبقيت هي" أي الخمر (¬9). ¬
[55 - 392] نجاسة الخمر
ويبدو أن الثلاثة استفادوا الإجماع من كلام النووي، واللَّه تعالى أعلم. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)؛ أما الحنابلة فلم أجد لهم كلامًا في المسألة. • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} [المائدة: 90]. • وجه الدلالة: أن الرجس قد يطلق على الخبيث من الأشياء (¬3)، فمثلًا: قال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30]، والأوثان مكونة في الغالب من الحجارة التي في الأرض، وهي ككسب الحجام أيضًا، فهو خبيث، ولكن لا يعني أنه نجس. والآية ليس فيها صراحة، بنجاسة هذه الأشياء، فتبقى على الأصل حتى يثبت الضد. يقول الجصاص في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]: "إطلاق اسم النجس على المشرك؛ من جهة أن الشرك الذي يعتقده يجب اجتنابه، كما يجب اجتناب النجاسات والأقذار؛ فلذلك سماهم نجسًا. . .، وكذلك الرجس، والرجز. . . قال تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90]، وقال في وصف المنافقين: {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ} [التوبة: 95] فسماهم رجسًا كما سمى المشركين نجسًا" (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم (¬5) في المسألة، وقال: هي نجسة، ومن صلى وهو حامل لها بطلت صلاته. واستدل بحمل الآية على ظاهرها.Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [55 - 392] نجاسة الخمر: حرم اللَّه تعالى الخمر في كتابه، ووصفه بأنه رجس، وهو نجس، وقد حكى عدد ¬
من العلماء الإجماع على نجاسته. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) حيث نقل عنه النووي (¬1)، والشربيني (¬2)، وابن حجر الهيتمي (¬3) حكايته للإجماع في المسألة (¬4). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وإنما النجاسة في الميتة، وفيما ثبتت معرفته عند الناس، من النجاسات المجتمع عليها، والتي قامت الدلائل على نجاستها، كالبول، والغائط، والمذي، والخمر" (¬5). الغزالي (505 هـ) حيث حكى الإجماع على نجاستها (¬6). نقله عنه النووي (¬7)، وابن قاسم (¬8). ابن رشد (595 هـ) حيث نقل عنه ابن قاسم أنه قال: "اتفق المسلمون على نجاسة الخمر إلا خلافًا شاذًّا" (¬9)، والذي وجدته أنه قال: "وأكثرهم على نجاسة الخمر، وفي ذلك خلاف عن بعض المحدثين" (¬10). أبو جسامة (¬11) حيث نقل الإجماع على نجاستها. نقله عنه العيني (¬12). العيني (855 هـ) حيث يقول: "قد انعقد الإجماع على نجاستها، وداود لا يعتبر خلافه في الإجماع، ولا يصح ذلك شريعة" (¬13). ابن مفلح (884 هـ) حيث يقول: "والخمر يخمر العقل؛ أي: يغطيه ويستره وهي نجسة إجماعًا" (¬14). نقله عنه ابن قاسم (¬15). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} [المائدة: 90]. ¬
[56 - 393] طهارة النبيذ غير المشتد
قالوا: والرجس هو النجس، بدليل قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43]، فقد وصف اللَّه تعالى الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير بنفس الوصف، وهي نجسة بالإجماع (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف ربيعة، والليث بن سعد، والمزني صاحب الشافعي، وهو وجه عند الشافعية ضعفه النووي (¬2)، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين (¬3)، وداود (¬4)، فقالوا بأن الخمر طاهر وليس بنجس. ورجح هذا القول الصنعاني (¬5)، والشيخ ابن عثيمين رحمه اللَّه (¬6). واستدلوا: بأن الخمور لما حُرمت؛ سُفكت في الأسواق والطرقات في المدينة، ولو كانت نجسة؛ لما فعل ذلك الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، ولنهى عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما نهى عن التخلي في الطرقات (¬7). وهناك قول مخالف أيضًا، بالتفريق بين الخمر المحترمة -كالتي تكون لأهل الذمة بالشروط الشرعية- وغيرها، وهو وجه للشافعية، وحكم عليه النووي بالشذوذ (¬8). وقد يستدل لهذا: بأن الخمر هنا محترمة، وتملكها غير ممنوع لهم، من حيث الأصل، فما دام أنه غير ممنوعة؛ فليست محرمة لذاتها، فهي غير رجس ولا نجس، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [56 - 393] طهارة النبيذ غير المشتد: النبيذ إذا لم يشتد، ولم يصر مسكرًا، فإنه طاهر يجوز شربه، وقد حكى النووي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأما القسم الثاني من النبيذ؛ فهو ما لم يشتد، ولم يصر مسكرًا، وذلك كالماء الذي وضع فيه حبات تمر، أو زبيب، ¬
[57 - 394] طهارة الخمر المتخللة بنفسها
أو مشمش، أو عسل، أو نحوها؛ فصار حلوًا، وهذا القسم طاهر بالإجماع، يجوز شربه وبيعه، وسائر التصرفات فيه" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينبذ له الزبيب في السقاء، فيشربه يومه، والغد، وبعد الغد، فإذا كان مساء الثالثة؛ شربه وسقاه، فإن فضل شيء أهراقه" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شرب من النبيذ الذي لم يشتد، وهو لا يشرب إلا طاهرًا مباحًا، فدل على طهارة النبيذ غير المشتد (¬6).Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [57 - 394] طهارة الخمر المتخللة بنفسها: إذا تخللت الخمر بنفسها، ولم تتخلل بفعل أحد، فإنها تطهر حينئذ، وحكى الإجماع عدد من العلماء. • من نقل الإجماع: القاضي عبد الوهاب (422 هـ) أنه حكى الإجماع في هذه المسألة (¬7). نقله النووي عنه (¬8). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول في سياق استدلال له: "واحتجوا بالإجماع، على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها طهرت وطابت" (¬9). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الخمر إذا انقلبت خلًّا، من غير معالجة الآدمي طهرت" (¬10). ¬
الكاساني (587 هـ) حيث يقول عن الخمر: "إذا تخللت بنفسها؛ يحل شرب الخل، بلا خلاف" (¬1)، والشرب طهارة وزيادة. ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها؛ جاز أكلها" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "فأما إذا انقلبت بنفسها، فإنها تطهر وتحل، في قول جميعهم" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أنها إذا انقلبت بنفسها خلًّا؛ طهرت" (¬5). (¬6). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وأيضًا؛ فقد اتفقوا كلهم على الخمر إذا صارت خلًّا، بفعل اللَّه تعالى، صارت حلالًا طيبة" (¬7). ويقول مصرحًا بلفظ الإجماع: "فإن المسلمين أجمعوا أن الخمر إذا بدأ اللَّه بإفسادها وتحويلها خلًّا؛ طهرت" (¬8). ونقله عنه ابن قاسم (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن حزم (¬10). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة أم المؤمنين -رضي اللَّه عنها-، قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم الإدام الخل" (¬11). • وجه الدلالة: إذا كان الخل حلالًا، فهو بيقين غير الخمر المحرمة، وإذا سقطت ¬
عن العصير الحلال صفات العصير، وحلت فيه صفات الخمر؛ فليست تلك العين عصيرًا حلالًا، بل هي خمر محرمة، وإذا سقطت عن تلك العين صفات الخمر المحرمة، وحلت فيها صفات الخل الحلال، فليست خمرًا محرمة، بل هي خل حلال. وهكذا كل ما في العالم، إنما الأحكام على الأسماء، فإذا بطلت تلك الأسماء بطلت تلك الأحكام المنصوصة عليها، وحدثت لها أحكام الأسماء التي انتقلت إليها، فللصغير حكمه، وللبالغ حكمه، وللميت حكمه (¬1). 2 - قول عمر -رضي اللَّه عنه-، أنه خطب فقال: "لا يحل خل من خمر قد أُفسدت، حتى يبدأ اللَّه إفسادها، فعند ذلك يطيب الخل" (¬2). • وجه الدلالة: في قوله: "أفسدت"، إذ معناها: خللت، فإذا بدأ اللَّه تخليلها، دون تدخل إنساني؛ فهي عند ذلك طيب (¬3). 3 - أنها إذا انقلبت بنفسها، فقد زالت علة تحريمها، من غير علة خلفتها، فطهرت، كالماء إذا زال تغيره بمكثه (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في قول غير مشهور (¬5)، وحكاه النووي عن سحنون المالكي (¬6)، وحكاه في "المدونة" عن سحنون، والحسن البصري (¬7)، فقالوا: لا يطهر الخمر بتخلله مطلقًا. ولم أجد له دليلًا عندهم، غير أنه يمكن أن يستدل بحديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، أنه قال: كان عندنا خمر ليتيم، فلما نزلت "المائدة"، سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: يا رسول اللَّه، إنه ليتيم؟ قال: "أهريقوه" (¬8). ¬
[58 - 395] النجاسة الرطبة في ذيل الثوب وأسفل الخف لا تطهر بالجر
• وجه الدلالة: أن الخمر محرم، وهو نجس العين، وقد وجب إراقته، فبقاؤه محرم، وما بني على باطل فهو باطل. خالف الحنابلة في قول غير مشهور أيضًا (¬1)، فقالوا بعدم تطهير نبيذ التمر خصوصًا بتخلله بنفسه. وعللوا هذا القول: بأنه فيه ماء (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، ويجب التنبيه إلى أن النووي عندما نقل الإجماع السابق، وحكى قول سحنون، عقب عليه بأنه محجوج بإجماع من قبله (¬3)، ولكن هذا الكلام غير صحيح؛ إذ أوردت خلاف الحنابلة، وما نُقل عن الحسن، واللَّه تعالى أعلم. [58 - 395] النجاسة الرطبة في ذيل الثوب وأسفل الخف لا تطهر بالجر: إذا وقعت نجاسة رطبة في ذيل الثوب أو أسفل الخف، فإن هذا الجر على الأرض لا يكفي في إزالة النجاسة، وقد حكي الإجماع في المسألة. • من نقل الإجماع: أبو سليمان الخطابي (388 هـ) حيث نقل عنه النووي حكايته للإجماع في المسألة (¬4). نقله عنه النووي (¬5). الغزالي (505 هـ) أنه حكى "الإجماع أنها - المرأة - لو جرت ثوبها على نجاسة رطبة فأصابته؛ لم يطهر بالجر على مكان طاهر" (¬6). نقله عنه النووي (¬7). النووي (676 هـ) حيث يقول: "إذا أصابت أسفل الخف أو النعل نجاسة رطبة، فدلكه بالأرض، فأزال عينها وبقي أثرها؛ نظر، إن دلكها وهي رطبة؛ لم يجزئه ذلك، ولا تجوز الصلاة فيه بلا خلاف" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9)، وهو قول عند ¬
المالكية (¬1)، ورواية عند الحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: 1 - أن النجاسة إذا كانت رطبة، حين جرها أو مسحها، تنتشر ولا تزول، بل تنتقل إلى الأجزاء الأخرى (¬3). 2 - أن النجاسة إن كانت يابسة وأزيلت؛ فإنها تزول بالكلية، لأنها قد تجمعت، أما إن كانت رطبة، فإن العين وإن زالت، إلا أن الرطوبات باقية، مما يوجب إزالتها بالماء. • الخلاف في المسألة: خالف أبو يوسف (¬4)، وقول لبعض المالكية (¬5)، ورواية عند الحنابلة (¬6)، فقالوا: إنه يجزئ الجر والدلك، ولا فرق بين النجاسة اليابسة والرطبة، ما دام أن أثرها ورائحتها قد زالت. واستدلوا: بأنه ظاهر الخبر، حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى؛ فإن التراب له طهور" (¬7). ولأنه محل اجتُزئ فيه بالمسح، فجاز في حال رطوبة الممسوح، كمحل الاستنجاء، ولأن رطوبة المحل معفو عنها إذا جفت قبل الدلك، فيعفى عنها إذا جفت به، كالاستجمار (¬8).Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، ولعل النووي في النقل الثاني يقصد نفي الخلاف داخل مذهبه، ويدل لذلك كثرة الخلاف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
[59 - 396] النجاسة اليابسة تزول بالمسح من النعل وأسفل الثوب
[59 - 396] النجاسة اليابسة تزول بالمسح من النعل وأسفل الثوب: إذا علق نجاسة بالنعل أو الخف، أو في أسفل الثوب، وكانت يابسة، فإن مسحها أو فركها بالتراب أو الأرض تطهير للمحل، وقد حكى ابن رشد الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن. . .، وأن المسح. . .، ويجوز في الخفين، وفي النعلين من العشب اليابس، وكذلك ذيل المرأة الطويل؛ اتفقوا على أن طهارته هي على ظاهر حديث أم سلمة من العشب اليابس" (¬1). ويقول: "وقوم لم يجيزوه -الفرك- إلا في المتفق عليه، وهو المخرج (¬2)، وفي ذيل المرأة، وفي الخف، وذلك من العشب اليابس، لا من الأذى غير اليابس" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية في المني اليابس خاصة (¬4)، ووافق في غيره من النجاسات -على قولهم في المني- أبو حنيفة وأبو يوسف (¬5)، والشافعية على قول في صحة الصلاة، دون طهارة الخف (¬6)، والحنابلة في رواية (¬7). • مستند الاتفاق: 1 - حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-، قالت: قلت: يا رسول اللَّه إني امرأة أطيل ذيلي، فأجره على المكان القذر، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يطهره ما بعده" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجاب على أم سلمة بأن تطهير ذيل الثوب بالجر على الأرض، وهو مطابق لمسألتنا (¬9). 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "إذا وطئ أحدكم بنعله ¬
[60 - 397] المني اليابس في الثوب يطهره الحت
الأذى؛ فإن التراب له طهور" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن أن تطهير النجاسة التي تعلق بالنعل تكون بالتراب، أي: بالمشي عليه، وهذا مطابق لمسألتنا (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف محمد بن الحسن في غير المني من النجاسات عندهم، كالعذرة وغيرها (¬3)، فقال: لا بد من الغسل. وخالف الشافعية (¬4)، فقالوابنجاسة الخف، ولكن هل يعفى عن هذه النجاسة في الصلاة فتصح؟ لديهم قولان؛ الأول ذكرته في الموافقة، والثاني: قالوا: لا تصح (¬5). وخالف الحنابلة في رواية (¬6)، فقالوا: يجب الغسل مطلقًا، سواء كانت رطبة أو يابسة. ولم يذكروا دليلًا، ويقال بأن إزالة النجاسة واجبة، وما دام أن النجاسة قد تلبست بالثوب أو النعل، فإنه يجب إزالتها بالغسل لتيقن الإزالة، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [60 - 397] المني اليابس في الثوب يطهره الحت: إذا علق المني في الثوب، وكان يابسًا، فإنه يطهر بالحتِّ، وقد حكى الكاساني الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وإن كانت يابسة -النجاسة-. . .، وإن كان لها جرم كثيف، فإن كان منيًّا؛ فإنه يطهر بالحت بالإجماع" (¬7)، وهذا مبني على نجاسة المني عند الحنفية (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية (¬9)، وهو رواية عن ¬
أحمد (¬1)، وابن حزم (¬2). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "لقد كنت أفركه من ثوب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فركًا، فيصلي فيه" (¬3). وفي لفظ: "لقد كنت أحكه يابسًا بظفري من ثوبه" (¬4). • وجه الدلالة: ظاهرة من الحديث من فعل عائشة -رضي اللَّه عنها-، وإقرار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لفعلها. 2 - ولأنه شيء غليظ لزج، لا يتشرب في الثوب إلا برطوبته، ثم تنجذب تلك الرطوبة بعد الجفاف، فلا يبقى إلا عينه، وأنها تزول بالفرك بخلاف الرطب؛ لأن العين - وإن زالت بالحت - فأجزاؤها المتشربة في الثوب قائمة، فبقيت النجاسة (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في رواية (¬6)، فقالوا: يجزئ في يابسه من الرجل دون المرأة. ولم يذكروا دليلًا على هذا، ولكن ربما اكتفاء بما ورد في حق جناب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن هذا للرجال فقط. وخالف عمر، وأبو هريرة، وأنس -رضي اللَّه عنهم-، وابن المسيب (¬7)، والأوزاعي، والثوري (¬8)، والمالكية (¬9)، ورواية عن أحمد (¬10)، فقالوا: لا يجزئ فركه وحتُّه مطلقا، ولا بد من الغسل. وهذا مبني على نجاسة المني، وقد استدلوا على ذلك بحديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، وفيه عن المني: "كنت أغسله من ثوب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬11). قالوا. والمني نجس فيجب غسله. ¬
[61 - 398] غسل المني من الثوب جائز
Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف في المسألة، وربما أن الكاساني يقصد إجماع أهل مذهبه، ولا يقصد الإجماع الاصطلاحي، وأقول هذا لشهرة الخلاف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [61 - 398] غسل المني من الثوب جائز: إذا وقع مني على الثوب، فإن غسله جائز، ونفى الشوكاني الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "يجوز غسل المني من الثوب، وهذا مما لا خلاف فيه" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند نفي الخلاف: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، عن المني: "كنت أغسله من ثوب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬7). • وجه الدلالة: حيث فيه النص على غسل المني من ثوب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذه سنة فعلية تدل على الجواز وأكثر.Rأن نفي الخلاف في المسألة متحقق، وهذه المسألة من البدهيات؛ إذ أن غسل المتفق على طهارته، كالطيب والتراب يجوز، فكيف بما كان مستقذرًا، والخلاف فيما هو فوق الجواز، من الندب والوجوب، ولا يُعلم مخالف للجواز في هذه المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
[62 - 399] وجوب رش بول الآدمي
[62 - 399] وجوب رش بول الآدمي: إذا بال الصبي الذي لم يأكل على الثوب، فإن رش بوله واجب، حكى البيهقي الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: البيهقي (458 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع المسلمون على نجاسة بولها -الكلاب- ووجوبِ الرش على بول الآدمي" (¬1). ونقله النووي عنه، ولكن بلفظ "الصبي" بدل "الآدمي" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: 1 - حديث أم قيس بنت محصن "أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول اللَّه، فأجلسه رسول اللَّه في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله" (¬8). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "أتي رسول اللَّه بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله" (¬9). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نضح أو رش بول الصبي في الحديثين، مما يدل على أنه قام بالتطهير، والمصلي مأمور بإزالة النجاسة عمومًا، وهذا بول يجب تطهيره، والنبي عليه الصلاة والسلام قام بالتطهير، فلزم متابعته، واللَّه تعالى أعلم (¬10). ¬
[63 - 400] الجلالة إذا حبست تطيب
• الخلاف في المسألة: خالف ابن القاسم من المالكية (¬1) بعض الحنابلة (¬2) في المسألة، فقالوا بأن بول الصبي طاهر، وعليه فلا يجب رشُّه وجوبًا. قالوا بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يغسل بول الصبي، فدل على طهارته، وما كان طاهرًا لا يجب غسله (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [63 - 400] الجلَّالة إذا حُبست تطيب: الجلالة هي: البهيمة التي تأكل العذرة (¬4)، ولا شك أن الحيوان يتأثر بما يأكله، فالذي يأكل النجاسة يتأثر بها، فهي تستحيل بداخله، وتختلط بلحمه، ولذا نهى عليه الصلاة والسلام عن أكلها كما سيأتي، ولكن إذا حبست الجلالة حتى تطيب، فإنها تزول نجاستها. • من نقل الاتفاق: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وتزول الكراهة بحبسها -أي الجلالة- اتفاقًا" (¬5). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "فإن الجلالة التي تأكل النجاسة، قد نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن لبنها، فإذا حبست حتى تطيب؛ كانت حلالًا باتفاق المسلمين" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، وابن حزم (¬11). • مستند الاتفاق: حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما-، قال: "نهى رسول ¬
[64 - 401] الأصل في الأعيان الطهارة
اللَّه عن الإبل الجلالة أن يؤكل لحمها ولا يحمل عليها إلا الأُدُم (¬1) ولا يركبها الناس حتى تُعلف أربعين ليلة" (¬2). • وجه الدلالة: حيث قال: "حتى تعلف. . " وحتى هنا للانتهاء، فإذا علفت أربعين انتهى النهي، وأصبحت طيبة، فإذا حبست من النجاسة وأكلت الطيب مدة -على الخلاف في تقدير المدة- فإنها تصبح طيبة.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [64 - 401] الأصل في الأعيان الطهارة: كثيرًا ما يتردد في عبارة الفقهاء؛ أن الأصل في الأشياء الطهارة، فقد حكى ابن تيمية الاتفاق على ذلك. والأظهر أن هذه مسألة أصولية (¬3)، تبحث في كتب الأصولِ، لا الفروعِ، ويبحثونها تحت مسألة الأفعال والأعيان المنتفع بها، قبل ورود الشرع بحكمها (¬4). • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "أن الفقهاء كلهم اتفقوا على أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن النجاسات محصاة مستقصاة، وما خرج عن الضبط والحصر فهو طاهر" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، . . . . . . ¬
والحنابلة (¬1)، وعدد من الأصوليين (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]. • وجه الدلالة: حيث فيها أن ما خلقه اللَّه تعالى في الأرض فهو لنا، ويحل الانتفاع به، حتى يرد دليل يغير هذا الأصل. 2 - قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا} [الأنعام: 145]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل - في هذه الآية - أن الأصل في هذه الأشياء الإباحة، إلا ما استثني، وغيرها ينطبق عليه هذا الأصلُ بالقياس. • الخلاف في المسألة: هذه المسألة الأصولية مسألة خلافية مشهورة، وإن كان المشهورُ الأخذَ بالقول السابق، وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة، أو الطهارة. فقد خالف عدد من العلماء: بأن الأصل في الأعيان والأفعال التوقف (¬3). واستدلوا: بأن المباح: ما أذن فيه صاحب الشرع، والمحظور: ما حرمه. فإذا لم يوجد دليل في مسألة معينة بحظر أو إباحة؛ فليس أمامنا إلا التوقف؛ لأن طريق الإباحة والحظر لم يوجد (¬4). وخالف بعض العلماء: بأن الأصل فيها الحظر والتحريم (¬5). ¬
[65 - 402] عدم نجاسة الشجر والزرع والأرض الميتة
واستدلوا: بأن هذه الأشياء ملك للَّه تعالى، والانتفاع بملك الغير قبيح، قياسًا على ملك المخلوق (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [65 - 402] عدم نجاسة الشجر والزرع والأرض الميتة: الشجر والزرع نعمة من نعم اللَّه تعالى علينا، فمنها نأكل ونتغذى، وهي من الطيبات التي أباحها اللَّه لنا، ولكن إذا ماتت ويبست؛ فإنها تستمر على طهارتها باتفاق المسلمين. وكذا الأرض التي فيها يُزرع، والتي منها خلقنا، وإليها نعود، ومنها نعود تارة أخرى، إذا ماتت. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "فإن الشجر والزرع إذا يبس؛ لم ينجس باتفاق المسلمين، وقد قال اللَّه تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [النحل: 65]، وقال: "اعلموا أن اللَّه يحيي الأرض بعد موتها"، فموت الأرض لا يوجب نجاستها باتفاق المسلمين" (¬2). • الموافقون على الإجماع: من الصعب بمكان؛ أن تجد نصوصًا خاصة بهذه المسألة؛ لأنها افتراضية، فهي من البدهيات، ولكن هي داخلة في حكم الجمادات والأعيان، وبهذا أو بنصهم على طهارتها أثناء الكلام، على أنها مسألة مسلَّمةٌ؛ نصل إلى رأي العلماء فيها. فقد وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى خلق لنا ما في الأرض ليكون عونًا لنا فيها على ¬
[66 - 403] نجاسة الميتة وأجزائها
الحياة، والأصل في المخلوقات الطهارة ما لم تستثنى، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الميتة لا تحرم إلا لأنها تفسد بموتها، وتفقد خاصية الحركة والحياة، أما الجمادات -ومنها الأشجار والزرع والأرض- فليست كذلك؛ فلا تقاس عليها، بل هي طاهرة، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [66 - 403] نجاسة الميتة وأجزائها: الميتة تطلق على البهائم المباحة الأكل، إذا ماتت دون تذكية شرعية، وتطلق أحيانا على عموم الحيوانات (¬1). • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن لحمَ الميتة، وشحمَها، ووَدَكَها (¬2)، وغضروفَها، ومخَّها، وأن لحمَ الخنزير. . حرامٌ كله، وكل ذلك نجس" (¬3). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "وأما أنواع النجاسات: فإن العلماء اتفقوا من أعيانها على أربعة: ميتةِ الحيوان ذي الدم الذي ليس بمائي. . . " (¬4). النووي (676 هـ) حيث يقول بعد حديثه عن ميتة السمك والجراد: "وأما باقي الميتات فنجسة، ودليلها الإجماع" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى: {حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ. . .} [البقرة: 173]. ¬
[67 - 404] نجاسة سلى الذبيحة الميتة
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حرم الميتة بإطلاق، ويدخل تبعا الشحمُ، والمخ، والودك، والغضروف، وقد قرنها تبارك وتعالى بالدم ولحم الخنزير النجسيْنِ، مما يدل على أن حكمهم واحد. 2 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" (¬1). • وجه الدلالة: أن جلد الميتة نجس، إلا أن يدبغ، وهو ظاهر على البدن، فالباطن من لحم وشحم ونحوهما من باب أولى.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [67 - 404] نجاسة سلى الذبيحة الميتة: السَّلَى: الغشاء الذي يكون فيه الولد في بطن أمه، من غير الإنسان، ويطلق عليه المشيمة أيضًا (¬2). والسلى هنا يأخذ حكم حاملته من حيث النجاسة وعدمها؛ لأنه تبع لها. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "فإن قيل: فالسلى لحم من ذبيحة المشركين، وذلك نجس، وذلك باتفاق" (¬3). أما مستند الاتفاق، وتوثيقُ المسألةِ، فلا يختلف عن المسألة السابقة (نجاسة الميتة وأجزائها)؛ إذ أن السلى جزءٌ رطبٌ من الأم - الميتة - وليس صلبًا كالعظام ونحوها، فيأخذ حكمَ لحمِ الميتة.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [68 - 405] طهارة السمك والجراد إذا ماتا: السمك والجراد يشتركان في أنه لا يتصور تذكيتهما كالبهائم، فمن يسر الإسلام أنهما لا ذكاة لهما. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: "فالسمك والجراد إذا ماتا؛ ¬
[69 - 406] طهارة القرد
طاهران بالنصوص والإجماع" (¬1). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "وأما ميتة السمك والجراد؛ فللإجماع على طهارتهما" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نص على حل ميتة البحر، ومنها السمك، ومن المعلوم أن حل الأكل طهارة وزيادة. 2 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالجراد والحوت، وأما الدمان: فالطحال والكبد" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نص على حل ميتة الجراد والحوت، وهو طهارة وزيادة، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة, واللَّه أعلم. [69 - 406] طهارة القرد: القرد له أنياب يمكن أن يقاتل بها، وهو يعد من السباع، ولذا يشمله الحكم الذي ينطبق على السباع؛ لأنه منها، فهو ليس بنجس. • من نقل الاتفاق: ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "القرد ليس بنجس اتفاقًا" (¬9). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق المالكية، وفي جواز أكله عندهم ¬
قولان (¬1). • مستند الاتفاق: 1 - النجاسة حكم شرعي، ولا تطلق على شيء إلا بدليل شرعي، ولم يدل على نجاسة القرد دليل؛ فيبقى على الأصل وهو الطهارة. 2 - أن مسَّ القرود، قد يتعرض له الناس كثيرًا، ولو كانت نجسة لنجست ما يلامسها، ولو كان كذلك لبينه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في وقته، لحاجة الناس إليه، وترك البيان عند الحاجة لا يجوز (¬2)، فدل على أنها على الأصل وهو الطهارة، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4)، فقالوابنجاسة القرد، وكل ما لا يؤكل من الطير والسِّباع، مما هو فوق الهر خلقةً. واستدل الحنفية على نجاستها بنجاسة سؤرها؛ لما روي عن ابن عمر وعمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما-، أنهما وردا حوضًا، فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض، أترد السباع ماءكم هذا. فمال ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنه: يا صاحب الحوض، لا تخبرنا (¬5). فقالوا: لولا أنه كان إذا أخبر بورود السباع يتعذر عليهم استعماله؛ لما نهاه عن ذلك (¬6). أما الحنابلة فلم أجد لهم دليلًا؛ إلا وصفَهم له بأنه خبيث ومستقبح، وقولهم بتحريم أكله لأنه سبع (¬7). وكأن ابن حزم يميل إلى هذا القول -نجاسة القرد- وإن لم يصرح به، إلا أنه يشبهه بالخنزير، وأنه من الخبائث، فقد يفهم منها أنه يقول بنجاسته (¬8)، واللَّه أعلم. ¬
[70 - 407] غسالة النجاسة المتغيرة نجسة
Rأن الاتفاق غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [70 - 407] غسالة النجاسة المتغيرة نجسة: النجاسة إذا غسلت بالماء، وانفصل الماء متغيرًا بها، فهو نجس يأخذ حكمها (¬1)، وهنا قيد مهم، وهو أن ينفصل الماء متغيرًا. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "والمنفصل من غسالة النجاسة، ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: أن ينفصل متغيرًا بها؛ فهو نجس إجماعًا؛ لأنه متغير بالنجاسة، فكان نجسًا، كما لو وردت عليه" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "فغسالة النجاسة، إن انفصلت متغيرة الطعم، أو اللون، أو الريح بالنجاسة؛ فهي نجسة بالإجماع" (¬3). ونقل عبارته ابن قاسم دون إشارة (¬4). الحافظ العراقي (806 هـ) حيث يقول: "فيه (¬5) أن غسالة النجاسة طاهرة. .، فإن تغيرت؛ كانت نجسة إجماعًا" (¬6). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول شارحًا لكلام البهوتي عن الماء النجس: "أو انفصل عن محل نجاسة متغيرًا"، قال: "أي: فينجس بمجرد الملاقاة بالإجماع" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" (¬10). زاد أبو أمامة الباهلي -رضي اللَّه عنه- في روايته: "إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه" (¬11). ¬
[71 - 408] المحل النجس لا يطهر بالماء القليل إذا تغير
• وجه الدلالة: الحديث ينص على أن الماء في الأصل طهور، لا ينجسه شيء، ولكن إذا غلب على ريحه، أو طعمه، أو لونه نجاسة، فإن الماء في هذه الحالة يأخذ حكم ما غيَّره، فإن غيَّرته نجاسة أخذ حكمها، هذا هو مفهوم الحديث، وغسالة النجاسة يرد عليها هذا الكلام، فإذا تغيرت الغسالة بالنجاسة المغسولة؛ فإنها تتنجس، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الماء إذا غسل به النجاسة، فقد انتقلت إليها؛ إذ لا يخلو كل ماء غسل به نجاسة عن نجاسة، فأوجب تنجيسها للماء (¬1).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [71 - 408] المحل النجس لا يطهر بالماء القليل إذا تغير: إذا أدخل المحل النجس في إناء أو إجانة (¬2)، فغسله فيها، وتغير الماء، فإن المحل لم يطهر. • من نقل الإجماع: ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "إذا أدخل المحل النجس في إجانة، وهي القصعة، فغسلها فيها، فإن تغير الماء لم يطهر إجماعًا، . .، هذا إن كان الماء يسيرًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة في أحد الوجهين عندهم (¬6). • مستند الإجماع: أن الماء الذي تغير بالنجاسة، أصبح نجسًا، والنجس لا يرفع النجاسة؛ إذ نجس في ذاته، فلا يطهر المحل النجس (¬7)، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف ابن سريج في المسألة (¬8)، وقال: إن قصد إزالة النجاسة لم ينجس الماء، وطهر المحل. ¬
[72 - 409] المحل النجس يطهر بالماء الكثير
وخالف الحنابلة في أحد الوجهين (¬1)، فقالوا: هو طاهر. ولم أجد دليلًا، للقولين.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [72 - 409] المحل النجس يطهر بالماء الكثير: إذا أدخل المحل النجس في ماء كثير، وغسله فيه، فإنه يطهر بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: "إذا أدخل المحل النجس في إجانة، وهي القصعة فغسلها فيها، فإن تغير الماء لم يطهر إجماعًا، . .، هذا إن كان الماء يسيرًا، فإن كان كثيرًا طهر المحل إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" (¬6). • وجه الدلالة: أن الماء إذا كان كثيرًا، فإنه لا يحمل الخبث ولا ينجس، فإذا أدخل المحل النجس فيه، فإنه يطهر؛ لأنه أدخل في ماء طاهر، لم يتأثر بإدخال النجاسة، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [73 - 410] النجس يطهر بالغسل في الماء الجاري: إذا غسل المحل النجس في الماء الجاري، فإنه يطهر بلا خلاف. وتعبيره بالماء الجاري دون تقييد يدخل فيه الكثير والقليل. • من نقل نفي الخلاف: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وأما طريق التطهير ¬
بالغسل، فلا خلاف في أن النجس يطهر بالغسل في الماء الجاري" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬2)، والشافعي في القديم (¬3)، والحنابلة في رواية (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" (¬5). • وجه الدلالة: عموم الحديث، فهو يدخل فيه الماء الجاري، فلا ينجس حتى يتغير، وإذا غسل في المحل النجس طهر (¬6). 2 - أن الأصل طهارة الماء الجاري، ولو أدخل فيه المحل النجس، ما لم يتغير، وإذا كان كذلك فإن المحل النجس يطهر إذا زالت النجاسة (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في المشهور (¬8)، والحنابلة في رواية، هي المذهب عندهم (¬9)، فقالوا: الماء الجاري كالراكد، فإن كان قلتين دفع النجاسة إن لم تغيره، وإلا فإنه ينجس بوقوع النجاسة فيه، فلا يطهر المحل النجس حينئذ. واستدلوا بحديث: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" (¬10)، وسواء كان الماء جاريًا أو راكدًا فلم يفرق الحديث (¬11). وخالف الشافعية في قول آخر (¬12)، وقالوا بالفرق بين النجاسة الجامدة والمائعة إذا سقطت في الماء الجاري القليل، فإذا كانت مائعة مستهلكة لا ينجس الماء، وإذا كانت جامدة فإنه ينجس، فلا يطهر المحل النجس إذًا. لأن المائعة تختلط وتستحيل مع الماء، بخلاف الجامدة.Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[74 - 411] العفو عن أثر الاستجمار بعد الإنقاء
[74 - 411] العفو عن أثر الاستجمار بعد الإنقاء: إذا استجمر المسلم، فإن الأثر الباقي بعد إنقاء المحل معفو عنه، وقد نفى ابن قدامة الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وقد عفي عن النجاسات المغلظة لأجل محلها، في ثلاثة مواضع أحدها: محل الاستنجاء، يعفي فيه عن أثر الاستجمار بعد الإنقاء، واستيفاء العدد، بغير خلاف نعلمه" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند نفي الخلاف: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أباح لنا الاستنجاء بالأحجار، وهي لا تزيل النجاسة بالكلية، بل يبقى أثر لاصق لا يزيله إلا الماء، ومع ذلك أباح لنا الاستنجاء، فدل على أن هذا الأثر معفو عنه، واللَّه تعالى أعلم (¬5).Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [75 - 412] إراقة المائع الواقع فيه نجاسة: إذا وقعت نجاسة في مائع قليل، فإن المائع يجب أن يراق، ولا ينتفع به، وعليه حكى ابن حجر الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) حيث يقول في ترجيح القول بأن النهي عن إضاعة المال مخصوص بالأمر بإراقة المتنجس: "ويترجح هذا الثاني بالإجماع على إراقة ما تقع فيه النجاسة، من قليل المائعات، ولو عظم ثمنه" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الشافعية، والحنابلة في قول (¬7). ¬
• مستند الإجماع: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عن الفأرة تموت في السمن، فقال: "إن كان جامدًا فألقوها وما حولها وإن كان مائعًا فلا تقربوه" (¬1). • وجه الدلالة: أنه عليه الصلاة والسلام أمر بعدم الاقتراب منه، وهو ما يعني عدم الاستفادة منه وإراقته، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أنه لا يشق حفظ المائع من النجاسة، وإن كثر، بل العادة حفظه (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)؛ فقالوا: بل ينتفع به ولا يراق. واستدلوا: بأن نجاسته لم تكن لعينه، بل لمجاورة النجاسة إياه، كالثوب المتنجس (¬5). خالف ابن حزم في المسألة (¬6)، وقال: إن الحكم مرتبط بالتغير، فإذا تغير المائع بالنجاسة يجتنب ويراق، وإلا فينتفع به. وهناك رواية عن أحمد، وهو قول الزهري وغيره، أن المائعات لها حكم الماء، فلا تتنجس إلا بالتغير، واستظهر ابن تيمية هذا القول (¬7). واستدلوا: بأن الحرج في الماء أقل في العادة من الأشربة والأطعمة، فإن في نجاستها من المشقة، والحرج، والضيق، ما لا يخفى على الناس، وقد عُلم أن جميع الفقهاء يعتبرون رفع الحرج في هذا الباب، فإذا لم ينجسوا الماء الكثير رفعًا للحرج؛ فكيف ينجسون نظيره من الأطعمة والأشربة، والحرج في هذا أشق (¬8). يظهر مما سبق، أن الإجماع واقع داخل مذهب الشافعية فقط، والعجيب أن ابن حجر نفسه أشار إلى الخلاف في موضع آخر (¬9). ¬
[76 - 413] السمن الجامد إذا وقعت فيه نجاسة يطهر بإزالتها
Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [76 - 413] السمن الجامد إذا وقعت فيه نجاسة يطهر بإزالتها: إذا وقع الفأر الميت أو غيرها من النجسات في السمن الجامد أو مثله، فإن طرح الفأر وما حوله يكفي في التطهير. • من نقل الاتفاق: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "فأما ما اجتمع عليه العلماء من ذلك؛ أن الفأرة ومثلها من الحيوان كله يموت في سمن جامد، أو ما كان مثله من الجامدات؛ أنها تطرح وما حولها من ذلك الجامد" (¬1). ونقله عنه ابن حجر بلفظ الاتفاق (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الاتفاق: حديث ميمونة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أن فأرة وقعت في سمن، فماتت فيه، فسئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنها، فقال: "ألقوها وما حولها فاطرحوه وكلوا سمنكم" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمر بأن يلقى السمن كله، بل قيده بما حول النجاسة فقط، مما تأثر بالمجاورة، والأكل لا يقال للسمن المائع، بل هو للجامد فقط، فهو المفهوم من الحديث، فما دام أن النجاسة لم تسر في كل السمن، أو الطعام الجامد أيًّا كان؛ فإن النجاسة تلقى وما حولها، ويبقى الباقي طاهرًا، ويؤخذ من قوله {وَكُلُوا} [البقرة: 187] التصريح بإباحة أكله وطهارته (¬8).Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[77 - 414] السنور كالفأر إذا وقع في السمن الجامد
[77 - 414] السنور كالفأر إذا وقع في السمن الجامد: إذا وقع السنور في السمن الجامد، فإنه يأخذ حكم الفأرة إذا وقعت، بأن يلقى السنور وما حوله، ويؤكل الباقي، وعليه حُكي الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "فأما ما اجتمع عليه العلماء من ذلك؛ أن الفأرة ومثلها من الحيوان كله يموت في سمن جامد، أو ما كان مثله من الجامدات؛ أنها تطرح وما حولها من ذلك الجامد" (¬1). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن السنور كالفأرة في ذلك" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: القياس على الفأرة، فإذا رخص عليه الصلاة والسلام في الفأرة الميتة في السمن الجامد، وأمر بنزعها وما حولها مما تأثر بها، وأكل الباقي، فإن السنور من باب أولى؛ إذ ليس من عادة السنور أكل النجاسات كالفأرة، فما دام أن النجاسة لم تنتشر في السمن، وأننا ألقينا المتنجس، فإن العلة حينئذ واحدة، ويجب العمل بالقياس، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم (¬6) في المسألة، ورأى الاقتصار على الفأر في ذلك، وأن الحكم لا يشمل غيرها، بل يجب طرح الكل عندئذٍ. وقال ذلك بناء على رأيه في منع القياس (¬7).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، وهي مبنية على اعتبار قول الظاهرية وعدم اعتباره، فمن لم يعتبره كالنووي، رأى تحقق الإجماع، والصحيح أن خلافهم معتبر، وأنهم جزء من علماء الأمة لا بد من اعتبار أقوالهم، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[78 - 415] غسل النجاسة يقدم على الحدث إذا لم يكف الماء
[78 - 415] غسل النجاسة يقدم على الحدث إذا لم يكف الماء: إذا اجتمع نجاسة وحدث، ومع المسلم ماء لا يكفي إلا لأحدهما، فإنه يغسل النجاسة ويتيمم. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "فإن اجتمع عليه نجاسة وحدث، ومعه ما لا يكفي إلا أحدهما، غسل النجاسة وتيمم للحدث، . . .، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية عدا رواية عن أبي يوسف (¬2)، والمالكية في قول (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن التيمم للحدث ثابت بنص الشارع والإجماع، ومختلف فيه للنجاسة، فوجب تقديم المختلف فيه دفعًا للخلاف (¬5). 2 - أنه لا بدل في الشرع لغسل الجنابة، بخلاف الحدث فبدل غسله بالماء غسله بالتراب (¬6). 3 - أن صرف الماء إلى النجاسة يجعله مصليًّا بطهارتين؛ حقيقية وهي غسل النجاسة، وحكمية وهي التيمم، فكان أولى من الصلاة بطهارة واحدة وهي الوضوء مع بقاء النجاسة (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف حماد بن أبي سليمان (¬8)، ورواية عن أبي يوسف (¬9)، والمالكية في قول (¬10) في المسألة، فقالوا: يتوضأ ولا يغسل النجاسة. • ووجهه: أن الحدث أغلظ النجاستين؛ بدليل أن الصلاة مع الثوب النجس جائزة في الجملة للضرورة، ولا جواز لها مع الحدث بحال (¬11). ¬
[79 - 416] النجاسة إذا زادت عن قدر الدرهم تغسل
Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [79 - 416] النجاسة إذا زادت عن قدر الدرهم تغسل: النجاسة إذا كانت على الإنسان، وزادت عن قدر الدرهم، فإن إزالتها واجبة بالإجماع (¬1). • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وهذا كله، إذا لم يتعد النجس المخرج، فإن تعداه؛ ينظر إن كان المتعدي أكثر من قدر الدرهم؛ يجب غسله بالإجماع" (¬2). العيني (855 هـ) حيث يقول: "وما جاوز موضع الفرج، وزاد على قدر الدرهم؛ فإنه يغسل إجماعًا، ولا تكفيه الأحجار" (¬3). ابن الهمام (861 هـ) حيث يقول عن تخصيص قدر الدرهم من النجاسة بالتجاوز عنه: "فيخص أيضًا قدر الدرهم بنص الاستنجاء بالحجر؛ لأن محله قدره، . .؛ أو بدلالة الإجماع عليه" (¬4). ونقله عنه ابن نجيم دون إشارة (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بعموم تطهير الثياب، والبدن يدخل بالأولى، فيجب تطهير النجاسة على البدن أو الثوب (¬9). 2 - عموم أدلة إزالة النجاسة، فهي تدل على وجوب إزالتها من البدن، وما زاد عن ¬
[80 - 417] الطاهر من الأشياء
قدر الدرهم، فإنه كثير يجب إزالته قطعًا بدلالة النصوص، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [80 - 417] الطاهر من الأشياء: الشيء الذي لا يعرف طهارته أو نجاسته، وليس عليه نجاسة حسية أو حكمية، فإنه يكون طاهرًا. وهذه المسألة عامة ليس فيها تفصيل، ولم تتعرض لماهيَّة النجاسة -مثلًا- ولا ماهيَّة هذا الشيء الطاهر، فهي مطلقة، ولذا يصعب أن تجد من يتحدث عن مثل هذا الإطلاق من أهل العلم، ولكنه مفهوم من كلامهم ومن تفصيلاتهم. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن ما لم يكن بولًا، ولا رجيعًا، حاشا ما خرج من برغوث، أو نحل، أو ذباب، ولا خمرًا، ولا ما تولد منها ولامسه، ولا ما أخذ منها، ولا ما أخذ من حيٍّ، حاشا الصوف، والوبر، والشعر، مما يؤكل لحمه، ولا كلبًا، ولا حيوانًا لا يؤكل لحمه من سبع، أو غيره، ولا لعاب ما لا يؤكل، ولا صديدًا، ولا قيئًا، ولا قيحًا، ولا دمًا، ولا بصاقًا، ولا مخاطًا، ولا قلسًا، ولا ما مسه شيء من كل ما ذكرنا؛ فإنه طاهر" (¬1). وهذه العبارة من ابن حزم هي أشبه بحكاية الخلاف في المستثنيات التي ذكرها رحمه اللَّه منها بحكاية الاتفاق في المسألة، ولكن ذكرتها تتميمًا لعبارة الشوكاني الآتية، وبيانًا لمحترزاتها. الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "الإجماع على أن الشيء الذي ليس عليه نجاسة حسية، ولا حكمية؛ يسمى طاهرًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: لم أجد من تحدث عن نفس المسألة مباشرة، وإنما بالتبع، وهي لا شك مفهومة من كلامهم. وبالتالي نقول: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا. . . " الحديث (¬2). • وجه الدلالة: أن الأصل في الأشياء الطهارة، ما لم يتبين عليها أثر نجاسة، ولذلك قال: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، فالأصل فيما على هذه الأرض الطهارة حتى يثبت الضد، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الباب الحادي عشر: مسائل الإجماع في باب الحيض والنفاس
الباب الحادي عشر: مسائل الإجماع في باب الحيض والنفاس [1 - 418] دماء الرحم إما حيض أو نفاس أو عرق: الدماء التي تخرج من رحم المرأة لا تخرج عن ثلاثة؛ إما أن تكون حيضًا، أو نفاسًا، أو استحاضة -دم عرق- وحكى الإجماع على هذا عدد من العلماء، وهذا ما سنناقشه في مسألتنا. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وأجمع العلماء على أن للدماء الظاهرة من الأرحام ثلاثة أحكام: أحدها: دم الحيض، . .، والثاني: دم النفاس عند الولادة، . .، والدم الثالث: دمٌ ليس بعادة، ولا طبع للنساء، ولا خلقة معروفة منهن، وإنما هو عرق انقطع وسال دمه" (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "اتفق المسلمون على أن الدماء التي تخرج من الرحم ثلاثة: دم حيض، وهو الخارج على جهة الصحة، ودم استحاضة، وهو الخارج على جهة المرض، . .، ودم نفاس، وهو الخارج مع الولد" (¬2). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أن للمرأة ثلاثة أحكام، في رؤيتها الدم الظاهر السائل من فرجها، فمن ذلك، الحيض المعروف، . .، والثاني من الدماء: دم النفاس عند الولادة، . .، والثالث من الدماء: دمٌ ليس بعادة، ولا طبع منهن، ولا خلقة، وإنما هو عرق انقطع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: من الصعب جدًّا أن نأتي بمستند في مثل هذه المسألة، ولكن نقول: إن الدم الخارج من رحم المرأة، إما أن يكون أسود، أو مميزًا للمرأة بأنه ¬
[2 - 419] الدفعة من الدم الأسود أيام الحيض حيض
حيض، ومثله النفاس بعد الولادة في الحكم، وإما أن يكون ملونًا - على الخلاف في لون دم الاستحاضة - أو غير مميز للمرأة أنه حيض أو لا، فيكون دم عرق وهو الاستحاضة، وعلى هذا أتت النصوص بأحكامٍ خاصةٍ لكل صنف من هذه الدماء، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [2 - 419] الدفعة من الدم الأسود أيام الحيض حيض: إذا نزل من المرأة دم حيضٍ أيام حيضتها، ثم انقطع قبل أن يتم يومًا أو ليلة، فإن هذا الدم يعتبر -حين يأتيها- حيضةً، وذلك قبل أن ينقطع، هذه مسألتنا (¬1). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول أثناء مناقشة له: "ثم نسألهم عمن رأت الدم في أيام حيضتها: بماذا تفتونها؟ فلا يختلف منهم أحد في أنها حائض ولا تصلي ولا تصوم، فنسألهم: إن رأت الطهر إثرها؟ فكلهم يقول: تغتسل وتصلي، فظهر فساد قولهم، وكان يلزمهم إذا رأت الدم في أيام حيضتها ألا تفطر، ولا تدع الصلاة، وألا يحرم وطؤها؛ إلا حتى تتم يوما وليلة، في قول من يرى ذلك أقل الحيض، . .، فإذ لا يقولون بهذا، ولا يقوله أحد من أهل الإسلام؛ فقد ظهر فساد قولهم، وصح الإجماع على صحة قولنا" (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "أجمع الفقهاء على أن يأمروا المبتدأة بالدم بترك الصلاة في أول ما ترى الدم" (¬3). الباجي (474 هـ) حيث يقول في سياق استدلال له: "أجمعنا على وجوب ترك الصلاة بأول ما ترى من الدم" (¬4). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: "اتفق العلماء على أن إقبال المحيض يعرف بالدفعة من الدم، في وقت إمكان الحيض" (¬5). ¬
[3 - 420] رؤية الدم ساعة ثم انقطاعه ليس حيضا
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ردًّا على سائلةٍ: "فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، ثم صلي" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل إقبال الحيضة -الدم- حيضًا، وفي مسألتنا كذلك، فهي عندما ترى الدم لا تدري أنه سينقطع أو لا (¬4).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [3 - 420] رؤية الدم ساعة ثم انقطاعه ليس حيضًا: إذا رأت المرأة الدم ساعة، ثم انقطع، فلا يعتبر ذلك حيضًا بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنها لو رأت الدم ساعة وانقطع؛ لا يكون حيضًا". نقله عنه النووي (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: أن أقل الحيض غير محدود شرعًا، فوجب الرجوع فيه إلى العرف والعادة، وقد ثبت الوجود في يوم وليلة، ولم يوجد حيض أقل من ذلك عادة مستمرة في عصر من الأعصار، فلا يكون حيضًا بحال (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف مالك (¬10)، وابن حزم (¬11) في المسألة، فقالوا: هو حيض، حيث إنهم يقولون: لا حد لأقل الحيض. قال النووي بعد نقله عن ابن جرير: "وهذا الإجماع الذي ادعاه غير صحيح، فإن مذهب مالك أن أقل الحيض يكون دفعة فقط" (¬12). ¬
[4 - 421] الحيض لا يكون أزيد من سبعة عشر يوما
• واحتجوا: بأن النص ورد بأن دم الحيض أسود يعرف، وما عداه ليس حيضًا، ولم يخص عليه السلام لذلك عدد أوقات من عدد، بل أوجب برؤيته أن لا تصلي ولا تصوم (¬1). وخالف ابن تيمية في المسألة، حيث أرجع أقل الحيض إلى عادة المرأة، فلو كانت المرأة تحيض كمسألتنا فهو حيضها (¬2). ويحتج له بالعرف، فإذا كانت هذه عادتها فهي حيضتها.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [4 - 421] الحيض لا يكون أزيد من سبعة عشر يومًا: إذا حاضت المرأة أكثر من سبعة عشر يومًا، فإنه لا يكون حيضًا بالإجماع (¬3). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الحيض لا يكون أزيد من سبعة عشر يومًا" (¬4). ويقول: "وكان ما زاد على ذلك -أي سبعة عشر يومًا- إجماعًا متيقنًا أنه ليس حيضًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الأوزاعي، وداود (¬6)، والحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة على المذهب (¬10). • مستند الإجماع: لم يأتِ توقيتٌ من الشرع في أكثر مدة الحيض (¬11)، وقد صح النص بأن الحيض قد يكون دمًا أسود وليس حيضًا (¬12)، فوجب أن نراعي أكثر ما قيل ¬
[5 - 422] أكثر مدة الحيض خمسة عشر يوما
عن مدة الحيض، فلم نجد إلا سبعة عشر يومًا، فوجب جعلها أكثر مدة للحيض (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في قول (¬2)، بزيادة أكثر الحيض ليلة، فيكون سبعة عشر يومًا وليلة. ولم أجد لهم دليلًا، ولكن ربما استندوا إلى وقوع ذلك، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع غير متحقق في سبعة عشر يومًا، وإنما هو متحقق في سبعة عشر يومًا وليلة؛ لوجود المخالف في المسألة، ولكن لا يعني هذا أنه يمكن الاستدلال بالمسألة، على إثبات أن أكثر مدة الحيض سبعة عشر يومًا، كما فعل ابن حزم (¬3)، وإنما مساق المسألة على عدم وجود من قال بأن مدة الحيض قد تزيد على سبعة عشر يومًا، فهي من باب الإجماع على أكثر ما قيل في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [5 - 422] أكثر مدة الحيض خمسة عشر يومًا: إذا حاضت المرأة أكثر من خمسة عشر يومًا، فلا يقول أحد من العلماء بأن هذا حيض (¬4). • من نقل الإجماع: الداودي حيث يقول: "اتفقوا على أن أكثره خمسة عشر يومًا". نقله عنه ابن حجر (¬5). ونقله ابن حزم مبهمًا، حيث قال: "وأما من قال: خمسة عشر يومًا؛ فإنهم ادعوا الإجماع على أنه لا يكون حيض أكثر من ذلك" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ ¬
[6 - 423] أقل الطهر خمسة عشر يوما
فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: الآية تقتضي حمل الحيض على كل أذى من جنسه، إلا ما خصه الدليل، ولا دليل في مسألتنا (¬1). 2 - أن العادة والعرف تدل على أن أكثر ما يقع هو خمسة عشر يومًا، فوجب الرجوع إليها (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف الأوزاعي، وداود (¬3)، والحنابلة على قول (¬4)، وابن حزم (¬5) في المسألة، فقالوا: أكثره سبعة عشر يومًا. وخالف الحنابلة في قول آخر (¬6)، بزيادة أكثر الحيض ليلة، فيكون سبعة عشر يومًا وليلة. وقال ابن حزم عن هذه الدعوى للإجماع: "وهذا باطل" (¬7). • واحتجوا: بوقوع ذلك، وأن المسألة عائدة للعرف (¬8).Rأن الإجماع غير متحقق (¬9)؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [6 - 423] أقل الطهر خمسة عشر يومًا: إذا طهرت المرأة، فإن أقل مدة طهرها خمسة عشر يومًا، هذه مسألتنا. • من نقل الإجماع: المحاملي (415 هـ) حيث يقول: "أقل الطهر خمسة عشر يومًا بالإجماع". نقله عنه النووي (¬10). القاضي أبو الطيب (450 هـ) حيث يقول: "أجمع الناس أن أقل الطهر خمسة عشر يومًا". نقله عنه النووي (¬11)، والعيني (¬12). الشيرازي (476 هـ) حيث يقول: "وأقل طهر فاصل بين الدمين خمسة عشر يومًا لا ¬
أعرف فيه خلافًا" (¬1). نقله عنه العيني (¬2). الكاساني (587 هـ) حيث يقول بعد أن قرر القول بنحو مسألتنا: "ولنا، إجماع الصحابة على ما قلنا" (¬3)، وهو يريد الإجماع السكوتي (¬4). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "وأقل الطهر خمسة عشر يومًا بإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الثوري، وأبو ثور (¬6)، والنخعي (¬7)، والحسن بن صالح، وعطاء (¬8)، والمالكية في قول (¬9)، والحنابلة في رواية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - حديث حمنة بنت جحش -رضي اللَّه عنها-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم اللَّه، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن" (¬11). • وجه الدلالة: أن الشهر يدور بين الحيض والطهر، ووجب أن يكون الطهر أكثر من الحيض؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أثبت في هذا الحديث الست أو السبع حيضًا، وجعل بقية الشهر طهرًا، فدل على أن الطهر يكون أكثر (¬12). 2 - أن ما لم يقيده الشارع، يترك للعادة والعرف، وأقل ما ثبت وجوده خمسة عشر يومًا، فوجب الأخذ به (¬13). • الخلاف في المسألة: قال النووي عن قول المحاملي وأبي الطيب: "مردود غير ¬
مقبول" (¬1). وأما قول الشيرازي؛ فحمله على نفي الخلاف في المذهب (¬2). خالف مالك في رواية (¬3)، وأحمد في رواية (¬4)، وإسحاق (¬5)، والأوزاعي (¬6)، وابن حزم (¬7)، وقال: لا حد لأقله. واحتجوا بقول ابن عباس (¬8)، وأن الطهر يعود للعرف والعادة (¬9). وخالف سعيد بن جبير (¬10)، وأحمد في رواية (¬11)، بأنه ثلاثة عشر يومًا. واحتجوا بأثر عن علي -رضي اللَّه عنه- (¬12). وخالف يحيى بن أكثم (¬13)، وأبو حازم القاضي، وأبو عبد اللَّه البلخي (¬14)، بأن أقله تسعة عشر يومًا. وهذا مبني على أن أكثر الحيض عشرة أيام، فبقي تسعة عشر أو عشرون - على تمام الشهر ونقصانه (¬15). وخالف قوم بأنه سبعة عشر يومًا (¬16). بل قال ابن رشد: "وقيل سبعة عشر يومًا، وهو أقصى ما انعقد عليه الإجماع فيما أحسب" (¬17). وخالف مالك في رواية (¬18)، بأن أقله خمسة أيام. وخالف مالك في رواية (¬19)، بأن أقله عشرة أيام. ولم أجد لهما دليلًا. ¬
[7 - 424] لا حد لأكثر الطهر
Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [7 - 424] لا حد لأكثر الطهر: إذا طهرت المرأة، فلا حدَّ لأكثر طهرها، وعلى ذلك حكي الإجماع. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "ولا حد لأقل الطهر، ولا لأكثره، فقد يتصل الطهر باقي عمر المرأة فلا تحيض، بلا خلاف من أحد، مع المشاهدة لذلك" (¬1). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "وأما أكثر الطهر؛ فلا غاية له، حتى إن المرأة إذا طهرت سنين كثيرة؛ فإنها تعمل ما تعمل الطاهرات، بلا خلاف بين الأئمة" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "ولا حد لأكثره بالإجماع" (¬3). ويقول: "أجمع العلماء على أن أكثر الطهر لا حد له" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). القرافي (684 هـ) حيث يقول: "وأكثر الطهر لا حد له إجماعًا" (¬6). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "والطهر بين الحيضتين لا حد لأكثره باتفاقهم" (¬7). ابن حجر (852 هـ) حيث نقل عنه ابن قاسم حكايته للإجماع في المسألة (¬8). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث يقول: "ولا حد لأكثر الطهر بالإجماع" (¬9). ابن حجر الهيتمي (974 هـ) حيث يقول: " (ولا حد لأكثره) إجماعًا" (¬10). • مستند الإجماع: 1 - أن الشرع لم يأتِ بتحديد في المسألة، فوجب الرجوع إلى عادة النساء، ومن عادتهن أنه لا حد لأكثره، بل ذكر النووي عن أبي الطيب أنه يعرف امرأة صحيحة تحيض يومًا وليلة في السنة فقط، فلا حد لأكثر الطهر (¬11)، واللَّه أعلم. ¬
[8 - 425] الحائض لا تصلي
2 - أن الطهارة في بنات آدم أصل، والحيض عارض، فإذا لم يظهر العارض، وجب بناء الحكم على الأصل، وإن طال (¬1).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [8 - 425] الحائض لا تصلي: إذا حاضت المرأة، فإن الصلاة لا تجب عليها أثناء الحيض. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "أجمعوا على أن عليها اجتناب كل الصلوات فرضها ونفلها" (¬2). نقله عنه النووي (¬3). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على إسقاط فرض الصلاة عن الحائض" (¬4). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الحائض لا تصلي ولا تصوم أيام حيضها، ولا يطؤها زوجها في فرجها ولا في دبرها" (¬5). وقال: "أما امتناع الصلاة، والصوم، والطواف، والوطء في الفرج في حال الحيض؛ فإجماع متيقن مقطوع به، لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام فيه، وقد خالف في ذلك قوم من الأزارقة، حقهم ألا يُعَدُّوا في أهل الإسلام" (¬6). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "فبان بذلك أن الحائض لا تصلي، وهذا إجماع" (¬7). وقال: "وهذا نص ثابت عنه عليه الصلاة والسلام (¬8)، في أن الحيض يمنع من الصلاة، وهذا إجماع من علماء المسلمين، نقلته الكافة، كما نقلته الآحاد العدول، ولا مخالف فيه إلا طائفة من الخوارج، يرون على الحائض الصلاة" (¬9). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن فرض الصلاة ساقط عن ¬
الحائض مدة حيضها، وأنه لا يجب عليها قضاؤه" (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "واتفق المسلمون على أن الحيض يمنع أربعة أشياء؛ أحدها: فعل الصلاة ووجوبها" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث أشار إلى الإجماع بعد أن ذكر عددًا من الأحكام التي يوجبها الحيض، قال: "ومنها أنه يمنع فعل الصلاة والصوم، . . .، وأكثر هذه الأحكام مجمع عليها بين علماء الأمة" (¬3). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "وفيه (¬4): أن الحائض لا تصلي، وهو إجماع من كافة العلماء، إلا طوائف من الخوارج يرون على الحائض الصلاة" (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمعت الأمة على أنه يحرم عليها -الحائض- الصلاة فرضها ونفلها" (¬6). نقله عنه ابن نجيم (¬7). القرافي (684 هـ) حيث يقول: "الحيض والنفاس قال في "التلقين" (¬8): يمنعان أحد عشر حكمًا: وجوب الصلاة، وصحة فعلها؛ . .، أما الأول والثاني؛ فبالإجماع" (¬9). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "كما يحرم على الحائض الصلاة والصيام بالنص والإجماع" (¬10). الزيلعي (743 هـ) حيث يقول: " (يمنع صلاة وصوما) أي: الحيض يمنع صلاة وصومًا لإجماع المسلمين على ذلك" (¬11). ابن مفلح (763 هـ) حيث يقول: "الحيض، وهو دم طبيعة، يمنع الطهارة له، . .، والصلاة (ع) (¬12)، ولا تقضيها (ع") (¬13). أي ويمنع الصلاة. المرداوي (885 هـ) حيث يقول: "ويمنع عشرة أشياء: فعل الصلاة، ووجوبها، ¬
وهذا بلا نزاع، ولا تقضيها إجماعًا" (¬1). منلا خسرو (885 هـ) حيث يقول: "فثبت به حكم الصلاة عبارةً، وحكم الوطء والصوم دلالةً؛ لانعقاد الإجماع على أن دم الرحم يمنع الصلاة، والصوم، والوطء" (¬2). داماد (1078 هـ) حيث يقول: "يمنع الصلاة والصوم؛ للإجماع عليه" (¬3). الزرقاني (1122 هـ) حيث يقول: " (فاتركي الصلاة) (¬4) تضمن نهي الحائض عن الصلاة، وهو للتحريم، ويقتضي فساد الصلاة بالإجماع" (¬5). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "يتضمن (¬6) نهي الحائض عن الصلاة، وتحريم ذلك عليها، وفساد صلاتها، وهو إجماع" (¬7). ويقول: "وهو إخبار (¬8) يفيد تقريرها على ترك الصوم والصلاة، وكونهما لا يجبان عليها، وهو إجماع في أنهما لا يجبان حال الحيض" (¬9). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "وقد أجمعوا أن الحائض لا تصلي" (¬10). ويقول: "والحديث يدل على عدم وجوب الصوم والصلاة على الحائض حال حيضها، وهو إجماع" (¬11). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: "لا، إن ذلك عرق, ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي" (¬12). • وجه الدلالة: أن فاطمة -رضي اللَّه عنها- قالت: (أفأدع الصلاة)، يعني تفعل في الاستحاضة كالحيض، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا"، فدل بالمفهوم أنها تدع الصلاة ¬
[9 - 426] الحائض لا تقضي الصلاة
للحيض (¬1). 2 - سئلت عائشة -رضي اللَّه عنها-، ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: "أحرورية أنت؟ " فقالت: لست بحرورية، ولكني أسأل، فقالت عائشة: "كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" (¬2). • وجه الدلالة: أن عائشة -رضي اللَّه عنها- ذكرت أنهنّ كنَّ لا يؤمرن بقضاء الصلاة، مما يدل على عدم وجوبها عليهن (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة بعض طوائف الخوارج (¬4)، ولا عبرة بخلافهم؛ لمخالفتهم النص والإجماع.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [9 - 426] الحائض لا تقضي الصلاة: إذا طهرت المرأة الحائض، فإنه لا يلزمها قضاء الصلاة المفروضة، وحكي على هذا الإجماع. • من نقل الإجماع: الزهري (125 هـ) حيث يقول: "اجتمع الناس عليه" أي: على عدم قضاء الحائض للصلاة. نقله عنه ابن حجر (¬5). الشافعي (204 هـ) حيث يقول: "في هذا دلائل على أن فرض الصلاة في أيام الحيض زائل عنها، فإذا زال عنها وهي ذاكرة عاقلة مطيقة؛ لم يكن عليها قضاء الصلاة، وكيف تقضي ما ليس بفرض عليها بزوال فرضه عنها، قال: وهذا مما لا أعلم فيه مخالفًا" (¬6). الترمذي (297 هـ) حيث يقول: "وقد روي عن عائشة من غير وجه، أن الحائض لا تقضي الصلاة، وهو قول عامة الفقهاء؛ لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي ¬
الصوم، ولا تقضي الصلاة" (¬1). ونقله عنه النووي (¬2). ابن جرير (310 هـ) حيث نقل عنه النووي حكايته للإجماع في المسألة (¬3). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن قضاء ما تركت من الصلاة في أيام حيضها غير واجب عليها" (¬4). ونقله عنه النووي (¬5)، وابن حجر (¬6)، والشوكاني (¬7). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "ولا تقضي الحائض إذا طهرت شيئًا من الصلاة التي مرت في أيام حيضها، وتقضي صوم الأيام التي مرت لها في أيام حيضها، وهذا نص مجمع لا يختلف فيه أحد" (¬8). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "والأمة مجمعة على ذلك، وعلى أن الحائض بعد طهرها لا تقضي صلاة أيام حيضها، لا خلاف في ذلك بين علماء المسلمين" (¬9). البغوي (516 هـ) حيث يقول: "وهذا قول عامة أهل العلم أن الحائض إذا طهرت تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة، وكذلك النفساء" (¬10). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن فرض الصلاة ساقط عن الحائض مدة حيضها، وأنه لا يجب عليها قضاؤه" (¬11). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "واتفق المسلمون على أن الحيض يمنع أربعة أشياء؛ أحدها: فعل الصلاة ووجوبها، أعني: أنه ليس يجب على الحائض قضاؤها بخلاف الصوم" (¬12). القرافي (684 هـ) حيث يقول: "أن الحائض تنوي القضاء إجماعًا" (¬13). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء أن الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة" (¬14). ¬
النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه يسقط عنها فرض الصلاة، فلا تقضي إذا طهرت" (¬1). وقال: "وأما الحائض والنفساء، فلا صلاة عليهما، ولا قضاء بالإجماع" (¬2). ونقله عنه الشوكاني (¬3). الزيلعي (743 هـ) حيث يقول: " (وتقضيه دونها) أي: تقضي الصوم دون الصلاة، . .، وعليه انعقد الإجماع" (¬4). ابن مفلح (763 هـ) حيث يقول: "الحيض، وهو دم طبيعة، يمنع الطهارة له، . .، والصلاة (ع) (¬5)، ولا تقضيها (ع) " (¬6). أي: ويمنع الصلاة، ولا تقضيها إجماعًا. المرداوي (885 هـ) حيث يقول: "ويمنع عشرة أشياء: فعل الصلاة، ووجوبها، وهذا بلا نزاع، ولا تقضيها إجماعًا" (¬7). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول بعد حكاية خلاف سمرة في المسألة (¬8): "لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره" (¬9). ونقله عنه الشوكاني (¬10). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: " (فتقضيه دونها) أي: فتقضي الصوم لزومًا دون الصلاة، . .، وعليه انعقد الإجماع" (¬11). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "ويجب قضاؤه بخلاف الصلاة، . .، وانعقد الإجماع على ذلك" (¬12). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول في خلاف الخوارج في المسألة: "والخوارج لا يستحقون المطاولة والمقاولة، لا سيما في مثل هذه المقالة الخارقة للإجماع، الساقطة عند جميع المسلمين بلا نزاع" (¬13). ¬
[10 - 427] الحائض لا تصوم أثناء الحيض
ابن عابدين (1252 هـ) حيث يقول: "لأن في قضاء الصلاة حرجًا بتكررها في كل يوم، وتكرر الحيض في كل شهر، بخلاف الصوم؛ فإنه يجب في السنة شهرًا واحدًا، وعليه انعقد الإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع النخعي، والشعبي، ومجاهد (¬2). • مستند الإجماع: سئلت عائشة -رضي اللَّه عنها-: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: "أحرورية أنت؟ " فقالت: لست بحرورية، ولكني أسأل، فقالت عائشة: "كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" (¬3). • وجه الدلالة: أن عائشة -رضي اللَّه عنها- ذكرت أنهن لم يكنَّ يؤمرن بالقضاء، وهذا يدل على عدم وجوبه، واللَّه تعالى أعلم (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف سمرة بن جندب -رضي اللَّه عنه- في المسألة، إذ كان يأمر يالقضاء، ولكن أنكرت عليه أم سلمة -رضي اللَّه عنها- (¬5)، ولعله رجع عن قوله، حيث لم يشتهر عنه. وخالف الخوارج في المسألة أيضًا، ولكن خلافهم هنا لا يعتد به، كما أشار لذلك عدد من أهل العلم، منهم الإمام ابن عبد البر (¬6)، والإمام النووي (¬7)، والشوكاني (¬8).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة. أما خلاف سمرة؛ فقد سبق أن أم سلمة أنكرت عليه، وهي أعلم منه بمثل هذا، ولم يشتهر عنه هذا القول، ولم يوافقه أو يتابعه عليه أحد، ولمخالفته النصوص الصريحة، واللَّه تعالى أعلم. [10 - 427] الحائض لا تصوم أثناء الحيض: إذا حاضت المرأة، فإنه لا يجوز لها الصيام بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "أجمعوا على أن عليها اجتناب ¬
كل الصلوات؛ فرضها ونفلها، واجتناب جميع الصيام؛ فرضه ونفله". نقله عنه النووي (¬1). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الحائض لا تصلي ولا تصوم أيام حيضها" (¬2). وقال: "أما امتناع الصلاة، والصوم، والطواف، والوطء في الفرج في حال الحيض؛ فإجماع متيقن مقطوع به، لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام فيه، وقد خالف في ذلك قوم من الأزارقة، حقهم ألا يُعَدُّوا في أهل الإسلام" (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وهذا إجماع أن الحائض لا تصوم في أيام حيضتها، وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، لا خلاف في شيء من ذلك" (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن فرض الصوم غير ساقط عنها مدة حيضها؛ إلا أنه محرم عليها الصوم في حال الحيض، ويجب عليها قضاؤه" (¬5). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "واتفق المسلمون على أن الحيض يمنع أربعة أشياء. . .، والثاني: أنه يمنع فعل الصوم لا قضاءه" (¬6). ابن قدامة (620 هـ) حيث أشار إلى الإجماع بعد أن ذكر عددًا من الأحكام التي يوجبها الحيض، قال: "ومنها أنه يمنع فعل الصلاة والصوم، . . .، وأكثر هذه الأحكام مجمع عليها بين علماء الأمة" (¬7). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على أن للمرأة ثلاثة أحكام، في رؤيتها الدم الظاهر السائل من فرجها، فمن ذلك: الحيض المعروف، ودمه أسود خاثر، تعلوه حمرة، تترك له الصلاة والصوم، لا خلاف في ذلك" (¬8). النووي (676 هـ) حيث يقول: "فأجمعت الأمة على تحريم الصوم على الحائض والنفساء، وعلى أنه لا يصح صومها" (¬9). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "كما يحرم على الحائض الصلاة والصيام بالنص ¬
والإجماع" (¬1). الزيلعي (743 هـ) حيث يقول: " (يمنع صلاة وصومًا) أي: الحيض يمنع صلاة وصوما لإجماع المسلمين على ذلك" (¬2). ابن مفلح (763 هـ) حيث يقول: "ويمنع الحيض أيضًا الصوم (ع) وتقضيه (ع) " (¬3). منلا خسرو (885 هـ) حيث يقول: "فثبت به حكم الصلاة عبارةً، وحكم الوطء والصوم دلالةً لانعقاد الإجماع على أن دم الرحم يمنع الصلاة، والصوم، والوطء" (¬4). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث يقول: "يحرم على المرأة به -أي بالحيض-. .، مع زيادة تحريم الصوم، وعدم صحته للإجماع" (¬5). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "ويحرم به أي: بالحيض، . . .، وثانيها الصوم للإجماع على تحريمه، وعدم صحته" (¬6). داماد (1078 هـ) حيث يقول: "يمنع الصلاة والصوم؛ للإجماع عليه" (¬7). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "وهو إخبار (¬8) يفيد تقريرها على ترك الصوم والصلاة، وكونهما لا يجبان عليها، وهو إجماع في أنهما لا يجبان حال الحيض" (¬9). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث يدل على عدم وجوب الصوم والصلاة على الحائض حال حيضها، وهو إجماع" (¬10). • مستند الإجماع: 1 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-، الذي فيه: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم" (¬11). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نص على أن الحائض لا تصلي ولا تصوم أثناء الحيض. ¬
[11 - 428] الحائض تقضي الصوم
2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أنها قالت: "كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" (¬1). • وجه الدلالة: أن عائشة -رضي اللَّه عنها- ذكرت أنهنَّ كنَّ يؤمرْنَ بقضاء الصوم، يعني: بعد الطهر، مما يعنى أنهن يمنعن من الصلاة والصوم أثناء الحيض.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [11 - 428] الحائض تقضي الصوم: إذا حاضت المرأة في رمضان، فإن قضاء هذا الصوم الذي يفوتها وهي حائض فرض لازم عليها بالإجماع. • من نقل الإجماع: الترمذي (297 هـ) حيث يقول: "وقد روي عن عائشة من غير وجه، أن الحائض لا تقضي الصلاة، وهو قول عامة الفقهاء، لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة" (¬2). ونقله عنه النووي (¬3). ابن جرير (310 هـ) حيث نقل عنه النووي حكايته للإجماع في المسألة (¬4). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن عليها قضاء ما تركت من الصوم في أيام حيضتها" (¬5). ونقله عنه النووي (¬6)، والشوكاني (¬7)، وابن قاسم (¬8). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "ولا تقضي الحائض إذا طهرت شيئًا من الصلاة التي مرت في أيام حيضها، وتقضي صوم الأيام التي مرت لها في أيام حيضها، وهذا نص مجمع لا يختلف فيه أحد" (¬9). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وهذا إجماع أن الحائض لا تصوم في أيام حيضتها، وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، لا خلاف في شيء من ذلك" (¬10). البغوي (516 هـ) حيث يقول: "وهذا قول عامة أهل العلم أن الحائض إذا طهرت ¬
تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة، وكذلك النفساء" (¬1). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن فرض الصوم غير ساقط عنها مدة حيضها؛ إلا أنه محرم عليها الصوم في حال الحيض، ويجب عليها قضاؤه" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء أن الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة" (¬4). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأجمعت الأمة أيضًا على وجوب قضاء صوم رمضان عليها" (¬5). ونقله عنه ابن قاسم (¬6). ابن مفلح (763 هـ) حيث يقول: "ويمنع الحيض أيضًا الصوم (ع)، وتقضيه (ع) " (¬7). الزيلعي (743 هـ) حيث يقول: " (وتقضيه دونها) أي: تقضي الصوم دون الصلاة، وعليه انعقد الإجماع" (¬8). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: " (فتقضيه دونها) أي: فتمضي الصوم لزومًا دون الصلاة، وعليه انعقد الإجماع" (¬9). الشربيني (977 هـ) حيث يقول: "ويجب قضاؤه بخلاف الصلاة، وانعقد الإجماع على ذلك" (¬10). البهوتي (1051 هـ) حيث يقول: "وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة إجماعًا" (¬11). ابن عابدين (1252 هـ) حيث يقول: "لأن في قضاء الصلاة حرجًا بتكررها في كل يوم، وتكرر الحيض في كل شهر، بخلاف الصوم؛ فإنه يجب في السنة شهرًا واحدًا، ¬
[12 - 429] دم النفاس كالحيض في كل ما يمنع
وعليه انعقد الإجماع" (¬1). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أنها قالت: "كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" (¬2). • وجه الدلالة: أن عائشة -رضي اللَّه عنها- ذكرت أنهن كنّ يؤمرن بالقضاء، وهذا يدل على مسألتنا بالمطابقة (¬3). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان، وذلك لمكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬4). • وجه الدلالة: أن عائشة -رضي اللَّه عنها-، ذكرت أنه كانت تقضي رمضان، وأنها كانت لا تستطيع أن تتم القضاء إلا في شعبان، مما يدل على أنها واجب عليها، وإلا لما سمته قضاءً، ولما حرصت أن تقضي قبل رمضان.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [12 - 429] دم النفاس كالحيض في كل ما يمنع: إذا نفست المرأة، فإنه يمنعها النفاس مما يمنع منه الحيض. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول نقل عنه النووي حكايته للإجماع في المسألة (¬5). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "ودم النفاس يمنع ما يمنع منه دم الحيض، هذا لا خلاف فيه من أحد" (¬6). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "دم النفاس عند الولادة، وحكمه في الصلاة كحكم دم الحيض بإجماع" (¬7). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن النفاس من أحداث النساء، وأنه ¬
يحرم ما يحرمه الحيض، ويسقط ما يسقطه" (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "فإنهم أجمعوا على أنه دم نفاس، وأن حكمه حكم الحيض في منعه الصلاة، وغير ذلك من أحكامه" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وحكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها، ويسقط عنها، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬3). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وهذا الذي ذكرناه من أن النفساء لها حكم الحائض لا خلاف فيه" (¬4). وهو يقصد هنا المذهب، كما يدل له السياق، وذكرته للاعتضاد فقط. ابن حجر الهيثمي (974 هـ) حيث يقول: "ويحرم به ما حرم بالحيض، حتى الطلاق إجماعًا" (¬5). الشربيني (977 هـ) حيث يقول عن النفاس: "ويحرم به ما حرم بالحيض بالإجماع" (¬6). القنوجي (1307 هـ) حيث يقول: "وهو أي: النفاس كالحيض في تحريم الوطء، وترك الصلاة، والصيام، ولا خلاف في ذلك، . . .، وقد تقدم الإجماع على ذلك في الحائض، وهو في النفاس بإجماع كذلك" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أنها قالت: "خرجنا مع رسول اللَّه لا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف (¬9) فطمثت (¬10) فدخل عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا أبكي فقال: "ما لك لعلك نفست؟ " فقالت: نعم. قال: "هذا شيء كتبه اللَّه على بنات آدم افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" (¬11). ¬
[13 - 430] تحريم الوطء حال الحيض
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سمى الحيض نفاسًا، فدل على أنه مثله في الحكم (¬1). 2 - أن دم النفاس هو دم الحيض، إنما امتنع خروجه مدة الحمل لكونه ينصرف إلى غذاء الحمل، فإذا وضع الحمل، وانقطع العرق الذي كان مجرى الدم، خرج من الفرج، فيأخذ حكمه، كما لو خرج من الحائض (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم في الطواف (¬3)، فقال: يجوز للنفساء الطواف. واحتج بأن النهي ورد في الحائض، ولم يرد في النفساء (¬4). ويرد عليه بحديث عائشة السابق، وهو الذي احتج به رحمه اللَّه.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، فيما عدا الطواف بالبيت؛ لمخالفة ابن حزم في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [13 - 430] تحريم الوطء حال الحيض: إذا حاضت المرأة، وأراد زوجها الاستمتاع منها، فلا يجوز له الوطء في الفرج ما دامت حائضا. • من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: "ثم إذا حاضت، حرم عليه الجماع في فرجها، وحل له منها ما فوق الإزار باتفاقهم" (¬5). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الحائض لا تصلي، . . .، ولا يطؤها زوجها في فرجها ولا في دبرها" (¬6). ويقول: "واتفقوا على أن من وطئ مَن بزّ الدم الأسود ما بين ثلاثة أيام إلى سبعة أيام، في أيام الحيض المعهود، ولم تر بعد ذلك شيئًا غيره؛ فقد وطئ حرامًا" (¬7). ¬
ويقول: "أما امتناع الصلاة، والصوم، والطواف، والوطء في الفرج في حال الحيض؛ فإجماع متيقن مقطوع به، لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام فيه، وقد خالف في ذلك قوم من الأزارقة، حقهم ألا يُعَدُّوا في أهل الإسلام" (¬1). الباجي (474 هـ) حيث يقول: "فأما الوطء في الفرج، في وقت الحيض؛ فلا خلاف في منعه، فمن فعل ذلك؛ فقد أثم" (¬2). البغوي (516 هـ) حيث يقول: "اتفق أهل العلم على تحريم غشيان الحائض" (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه يحرم وطء الحائض في الفرج، حى ينقطع حيضها" (¬4). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: "واتفق المسلمون على أن الحيض يمنع أربعة أشياء؛ . . .، والرابع: الجماع في الفرج" (¬5). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة جائز بالنص والإجماع، والوطء في الفرج محرم بهما" (¬6). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على تحريم وطء الحائض للآية الكريمة والأحاديث الصحيحة" (¬7). ويقول: "فالمراد به (¬8): اعتزال وطئهن، ومنع قربان وطئهن؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" (¬9)، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بمعناه، مع الإجماع" (¬10). ونقله عنه ابن قاسم (¬11). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وطء الحائض لا يجوز باتفاق الأئمة" (¬12). ابن مفلح (763 هـ) حيث يقول: "والوطء (ع) " (¬13)، أي: إجماعًا. ¬
العيني (855 هـ) حيث يقول بعد ذكر آية الحيض: "هذا نهي عن القربان في حالة الحيض؛ فيقتضي التحريم، فلا يجوز الجماع، وعليه إجماع المسلمين واليهود والمجوس، بخلاف النصارى" (¬1). ابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: "أما حرمة وطئها عليه؛ فمجمع عليها" (¬2). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "فأما لو جامع وهي حائض؛ فإنه يأثم إجماعًا" (¬3). الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: "والحديث يدل على حكمين: تحريم النكاح، وجواز ما سواه، أما الأول، فبإجماع المسلمين، وبنص القرآن العزيز، والسنة الصريحة" (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: أن الآية الكريمة قد نصت على الأمر باعتزال النساء في المحيض، ثم أكد ذلك بالنهي عن قربانهن حتى يطهرن، مما يدل على تحريم الوطء أثناء الحيض (¬5). 2 - حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم؛ لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنزل اللَّه عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] إلى آخر الآية، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أباح للصحابة أن يستمتعوا من أزواجهم بكل شيء إلا النكاح، مما يدل على المنع من ذلك (¬7). ¬
[14 - 431] تحريم الوطء حال النفاس
Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [14 - 431] تحريم الوطء حال النفاس: إذا نفست المرأة، فإنه يحرِّم عليها الوطء، وعليه حكي الإجماع (¬1). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "ودم النفاس يمنع ما يمنع منه دم الحيض، هذا لا خلاف فيه من أحد" (¬2) ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أن النفاس من أحداث النساء، وأنه يحرم ما يحرمه الحيض، ويسقط ما يسقطه" (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "وحكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها، ويسقط عنها، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬4). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "ووطء النفساء كوطء الحائض حرام باتفاق الأئمة" (¬5). وقال: "أما وطؤها قبل أن ينقطع الدم؛ فحرام باتفاق الأئمة" (¬6). ابن حجر الهيتمي (974 هـ) حيث يقول: "ويحرم به -النفاس- ما حرم بالحيض، حتى الطلاق إجماعًا" (¬7). القنوجي (1307 هـ) حيث يقول: "وهو، أي: النفاس، كالحيض في تحريم الوطء، وترك الصلاة، والصيام، ولا خلاف في ذلك، . . .، وقد تقدم الإجماع على ذلك في الحائض، وهو في النفاس بإجماع كذلك" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10). ¬
[15 - 432] جواز الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة
• مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أنها قالت: "خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف فطمثت فدخل علي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا أبكي فقال: "ما لك لعلك نفست" فقالت: نعم. قال: "هذا شيء كتبه اللَّه على بنات آدم افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سمى الحيض نفاسا، مما يدل على أنه يأخذ حكمه، واللَّه تعالى أعلم. 2 - حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كانت النفساء تقعد على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد نفاسها أربعين يوما" (¬2). • وجه الدلالة: أن النساء في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كنّ يقعدن، أي: أنهن يقعدن عن الصلاة والصيام والوطء وكل ما يحرم من الدم، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [15 - 432] جواز الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة: إذا حاضت المرأة، وأراد الزوج الاستمتاع منها، فيجوز له أن يباشرها فيما فوق السرة ودون الركبة. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث نقل النووي عنه حكايته للإجماع على مسألتنا (¬3). أبو حامد الإسفراييني (406 هـ) حيث نقل عنه النووي حكايته للإجماع في المسألة (¬4). المحاملي (415 هـ) حيث نقل عنه النووي حكايته للإجماع في المسألة (¬5). ¬
ابن الصباغ (477 هـ) حيث نقل عنه النووي حكايته للإجماع في المسألة (¬1). الغزالي (505 هـ) حيث نقل عنه النووي حكايته للإجماع في المسألة (¬2). البغوي (516 هـ) حيث يقول: "أما مخالطة الحائض ومضاجعتها ومباشرتها فوق الإزار، فغير حرام بالاتفاق" (¬3). العبدري (493 هـ) حيث نقل عنه النووي حكايته للإجماع في المسألة (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة جائز بالنص والإجماع، والوطء في الفرج محرم بهما" (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أما ما سواه -يعني: المباشرة فيما بين السرة والركبة- فمباشرتها فيه حلال بإجماع المسلمين" (¬6). ويقول: "المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة، بالذكر؛ أو القبلة؛ أو المعانقة؛ أو اللمس؛ أو غير ذلك، وهو حلال باتفاق العلماء، وأما ما حكي عن عبيدة السلماني وغيره، من أنه لا يباشر شيئا منها بشيء منه؛ فشاذ منكر غير معروف، . . .، بإجماع المسلمين قبل المخالف وبعده" (¬7). ونقل الشوكاني العبارة الأخيرة (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع علي، وعائشة، وأم سلمة، وابن جبير، والشعبي، وأبو قلابة؛ النخعي، وعكرمة، وابن المسيب، والحكم، والحسن، وعبيدة في رواية (¬9)، والحنفية (¬10)، والمالكية (¬11). • مستند الإجماع: 1 - حديث أنس -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" (¬12). • وجه الدلالة: أن النهي إنما هو مقتصر على الجماع، أما دون ذلك فليس فيه ¬
[16 - 433] جواز وطء الحائض والنفساء إذا طهرت واغتسلت
شيء (¬1). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كان رسول اللَّه يأمرني فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يباشر عائشة -رضي اللَّه عنها-، وأدنى المباشرة صورة مسألتنا، فدل على جوازها (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف عبيدة السلماني كما سبق، فقال: لا يجوز أي نوع من المباشرة أثناء الحيض، ولكن الذي وجدته أنه موافق على مسألتنا (¬4)، وكما سبق من كلام النووي أن هذا القول غير معروف، وأقل أحواله أنه شاذ، مخالف لما قبله وبعده، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [16 - 433] جواز وطء الحائض والنفساء إذا طهرت واغتسلت: إذا طهرت المرأة من الحيض، ثم اغتسلت، فإنه يجوز للزوج الاستمتاع منها بالوطء حينئذ. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن من لا ترى دمًا، ولا كدرة، ولا صفرة، ولا استحاضة، ولا غير ذلك، بعد أن تغتسل كلها بالماء؛ فوطؤها حلال لمن هي فراش له، ما لم يكن هنالك مانع من صوم، أو اعتكاف، أو إحرام، أو ظهار" (¬5). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول في النفساء: "وإذا انقطع الدم واغتسلت؛ قرأت القرآن وصلَّت بالاتفاق" (¬6)، أي: أنها تأخذ أحكام الطاهر حينئذ. الزيلعي (743 هـ) حيث يقول: "خلاف إنهاء الحرمة -أي: حرمة الوطء- بالغسل الثابت بقراءة التشديد فهو مخرج منه -الخلاف- بالإجماع" (¬7). ونقله عنه ابن الهمام ¬
دون إشارة (¬1)، ونقله ابن نجيم عن ابن الهمام (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: قول اللَّه تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: الآية فيها قراءتان بالتخفيف والتشديد، فقراءة التشديد صريحة في اشتراط الغسل، وقراءة التخفيف يستدل بها من وجهين: أحدهما: أن معناها أيضًا يغتسلن، وهذا شائع في اللغة فيصار إليه، جمعًا بين القراءتين. والثاني: أن الإباحة معلقة بشرطين؛ أحدهما: انقطاع دمهن، والثاني: تطهّرهن وهو اغتسالهن، وما علق بشرطين لا يباح بأحدهما (¬6).Rعبارة ابن حزم في هذه المسألة يجعلها من مسائل الإجماع على أكثر ما قيل، فمن العلماء من اشترط صورة مسألتنا، ومنهم من قال: إذا طهرت من أكثر زمن الحيض، وذهب وقت صلاة؛ جاز الوطء، وإن لم تغتسل. فابن حزم رحمه اللَّه كعادته يصوّر المسائل بأكثر ما قيل فيها، ثم يجعلها متفقًا عليها، وهذا خطأ منهجي في نظري واللَّه أعلم؛ إذ أن من نظر في مسألتنا ظن أن العلماء متفقين على وجوب الغسل للوطء مطلقًا. والعبارة التي ذكرها ابن تيمية، وابن الهمام هي الأصوب، فصورة مسألتنا هي الصوره التي يكون الإنسان قد خرج من الخلاف إذا التزم بها، وهذا ما عناه ابن الهمام، رحمهم اللَّه جميعًا. فعلى عبارة ابن حزم تكون النتيجة على اعتبار مسائل الإجماع على أكثر ما قيل، فالاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، أما على عدم اعتبار هذه المسألة، ¬
[17 - 434] تحريم الوطء للحائض قبل الغسل
وهو القول الأقرب كما سبق الإشارة لذلك؛ فلا اعتبار لما ذكره. أما عبارة ابن تيمية، والزيلعي، فالإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [17 - 434] تحريم الوطء للحائض قبل الغُسل: إذا طهرت المرأة من الحيض، ولم تغتسل بعد، فلا يجوز لزوجها أو سيدها أن يطأها حتى تغتسل. • من نقل الإجماع: أحمد بن محمد المرُّوذِي (275 هـ) حيث يقول: "لا أعلم في هذا خلافا" يريد مسألتنا. نقله عنه ابن قدامة (¬1). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وإذا بطلت الروايات التي رويت عن عطاء، وطاوس، ومجاهد (¬2)، كان المنع من وطء من قد طهرت من المحيض، ولما تطهر بالماء؛ كالإجماع من أهل العلم، إلا ما قد ذكرناه من منع ذلك، ولا نجد أحدا ممن قد يعد قوله خلافًا قابلهم، إلا بعض من أدركنا من أهل زماننا، ممن لا أن يقابل عوام أهل العلم به" (¬3). نقله عنه النووي (¬4)، وابن قدامة (¬5)، وابن قاسم (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الزهري، وربيعة، والثوري، والليث، وإسحاق، وأبو ثور، وعطاء، ومجاهد في الرواية الأصح عنهما (¬7)، والحنفية، فيما إذا انقطع دمها لأقل من أكثر مدة الحيض مع تمام العادة (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10). • مستند الإجماع: قول اللَّه تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: الآية تدل على مسألتنا من وجهين: ¬
[18 - 435] تحريم الوطء للحائض إذا طهرت حتى تغسل فرجها أو تتوضأ
الأول: قوله: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] يعني: إذا اغتسلن، هكذا فسره ابن عباس. الثاني: أن اللَّه تعالى قال في الآية: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] فأثنى عليهم بالتطهّر، فيدل على أنه فِعْلٌ منهم أثنى عليهم به، وفعلهم هو الاغتسال دون انقطاع الدم؛ إذ أن انقطاع الدم ليس فعلًا لهم، فشرط لإباحة الوطء شرطين: انقطاع الدم، والاغتسال، فلا يباح إلا بهما (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف طاوس، وعطاء، ومجاهد (¬2)؛ قالوا: يجوز أن يطأها بعد الوضوء. واحتجوا: بأن المنع في قوله: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ} [البقرة: 222] في الحائض، والتي انقطع دمها ليست حائضًا، فوجب التفريق في الحكم (¬3). وقال الظاهرية، وابن حزم (¬4) بقولهم، وزادوا الجواز بعد غسل الفرج. وأشكل عليَّ قول ابن مفلح: "وإن انقطع الدم أبيح فعل الصوم، . . .، وكذا الوطء عنده في الأصح، . . .، ولم يبح الباقي قبل غسلها" (¬5). إذ أن ظاهره الجواز، وهو مخالف لكلام غيره من الحنابلة، واللَّه تعالى أعلم. وخالف الحنفية (¬6) فيما إذا انقطع دمها لتمام أكثر مدة الحيض، أو مر عليها بعد الانقطاع وقت صلاة؛ فلا يشترطون الغُسل، وسيأتي مزيد بيان لهذا الكلام بإذن اللَّه.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [18 - 435] تحريم الوطء للحائض إذا طهرت حتى تغسل فرجها أو تتوضأ: إذا طهرت المرأة من الحيض، فلا يجوز للزوج الوطء قبل أن تغسل المرأة فرجها. ¬
والوضوء مستلزم لغسل الفرج أيضًا في هذه الحالة. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "أجمعوا على تحريم الوطء حتى تغسل فرجها، وإنما الخلاف بعد غسله" (¬1). نقله عنه النووي (¬2). ويقول: "وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ "حتى يطَّهَّرن" بتشديدها وفتحها، بمعنى: حتى يغتسلن؛ لإجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع دم حيضها حتى تطهر" (¬3)، ثم بين الخلاف في الطهارة المجيزة، وأقل الأقوال هو غسل الفرج. ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن الحائض إذا رأت الطهر، ما لم تغسل فرجها أو تتوضأ؛ فوطؤها حرام" (¬4). القرطبي (671 هـ) حيث يقول: "لإجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع الدم حتى تطهر" (¬5)، وهي نحو عبارة ابن جرير، ولكن دون إشارة. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية، فيما إذا انقطع دمها لأقل من أكثر مدة الحيض مع تمام العادة (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نهى عن قربان النساء بعد الحيض حتى يطهرن، بالتخفيف والتشديد - قراءتان - وأقل معاني التطهير أن تغسل فرجها أو تتوضأ، فدل ¬
[19 - 436] جواز الوطء بعد انقطاع الدم وقبل انتهاء العادة
على وجوب غسل الفرج قبل الجماع -القربان- أو الوضوء، واللَّه تعالى أعلم (¬1). 2 - واستدل الظاهرية بنفس الآية الكريمة. • وجه الدلالة: قوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] معناه حتى يحصل لهن الطهر، الذي هو عدم الحيض، وقوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] هو صفة فعلهن، وكل ما ذكرنا -من الغسل أو الوضوء أو غسل الفرج- يسمى في الشريعة وفي اللغة تطهُّرًا وطهُورًا وطهْرًا، فأي ذلك فعلت فقد تطهرت (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف الحنفية فيما إذا انقطع دمها لتمام أكثر مدة الحيض، أو مر عليها بعد الانقطاع وقت صلاة؛ فلا يشترطون الغُسل، ولم أجد من نصّ منهم على وجوب غسل الفرج، أو الوضوء، مع اقتضائه؛ حيث إنهم لا يشترطون الغسل في هذه الحالة، ووجدت أنهم يذكرون قول داود بإيجاب غسل الفرج من الدم، بعد انقطاعه لحل الوطء في هذه المسألة، إلا أنهم لا ينصون على وجوب غسل الفرج، بل يطلقون جواز الوطء، واستحباب الاغتسال قبله (¬3)، وقد نقد ابن تيمية كلام ابن حزم هذا بقول أبي حنيفة السابق، وقال بعده: "وإن لم تغتسل، ولم تتوضأ، ولم تغسل فرجها" (¬4)، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق فيما إذا انقطع دمها لأدنى من أقل الحيض، أو أقل من تمام العادة، غير متحقق فيما سوى ذلك؛ لوجود المخالف في المسألة، وعلى كل حال؛ فمسألتنا هي من باب الإجماع على أقل ما قيل في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [19 - 436] جواز الوطء بعد انقطاع الدم وقبل انتهاء العادة: إذا انقطع الدم من المرأة دون عشرة أيام، ودون تمام العادة، وفوق ثلاثة أيام -أقل الحيض عند الحنفية- فيجوز لزوجها أن يطأها، وتأخذ حكم الطاهر. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث حكى في مسألة انقطاع الدم دون عشرة أيام، ودون تمام العادة، وفوق ثلاثة أيام: "الإجماع على أنها تغتسل وتصلي، ¬
[20 - 437] منع الحائض والنفساء من الطواف بالبيت
ولا يحرم وطؤها" (¬1). نقله عنه ابن نجيم (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى وصف الحيض بكونه أذى، فإذا ذهب الأذى وجب أن يزول الحيض، وفي مسألتنا ذهب الأذى، فوجب أن يزول حكم الحيض (¬5). 2 - استدلوا بقول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "أما ما رأت الدم البحراني؛ فإنها لا تصلي، وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل" (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف الحنفية في المسألة (¬7)، فقالوا: لا يجوز وطؤها حتى لو اغتسلت. واحتجوا: بأن لأن العود في العادات غالب فكان الاحتياط في الاجتناب (¬8).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [20 - 437] منع الحائض والنفساء من الطواف بالبيت: إذا حاضت المرأة، وأرادت الطواف بالبيت، فلا يجوز لها ذلك حتى تطهر (¬9). • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "أجمع العلماء على تحريم الطواف على الحائض والنفساء". نقله عنه النووي (¬10)، وابن قاسم (¬11). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "أما امتناع الصلاة، والصوم، والطواف، والوطء في الفرج في حال الحيض؛ فإجماع متيقن مقطوع به، لا خلاف بين أحد من أهل ¬
الإسلام فيه، وقد خالف في ذلك قوم من الأزارقة، حقهم ألا يعدوا في أهل الإسلام" (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "وفيه من الفقه (¬2): أن الحائض لا تطوف بالبيت، وهو أمر مجتمع عليه، لا أعلم خلافًا فيه" (¬3). ويقول: "فهذا ما لا خلاف فيه أيضًا؛ أن الحائض لا تطوف بالبيت" (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه يحرم عليها الطواف بالبيت" (¬5). النووي (676 هـ) حيث نقل عنه ابن نجيم حكايته للإجماع في المسألة (¬6). والذي وجدته أنه نقل حكاية ابن جرير للإجماع ولم يحكه هو (¬7). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "وأما الطواف؛ فلا يجوز للحائض بالنص والإجماع" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، وأبو العالية (¬9)، والحنفية (¬10)، والشافعية (¬11). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها: "اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" (¬12). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عائشة عن الطواف، وكانت حائضًا، مما يدل على المنع من الطواف للحائض (¬13). 2 - حديث عائشة، أنها قالت: يا رسول اللَّه، إن صفية قد حاضت، فقال عليه ¬
[21 - 438] عدم صحة الطواف من الحائض والنفساء
الصلاة والسلام: "لعلها تحبسنا ألم تكن طافت معكن بالبيت؟ " قلن: بلى، قال: "فاخرجن" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عبر بقوله: "لعلها تحبسنا"، مما يدل على أنها ممنوعة من الطواف، ثم أكد ذلك بأنه لم يبح لها الطواف مع الحيض، واللَّه تعالى أعلم (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم في النفساء (¬3)، فقال: يجوز لها الطواف. واحتج بأن النهي ورد في الحائض، ولم يرد في النفساء.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف المعتبر في المسألة، أما خلاف ابن حزم في النفساء؛ فغير معتبر؛ لمخالفته النص الصريح، وللإجماع قبله، ولعدم متابعته على قوله، واللَّه تعالى أعلم. [21 - 438] عدم صحة الطواف من الحائض والنفساء: إذا طافت الحائض أو النفساء بالبيت، فلا يصح منهما الطواف حتى تطهر. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أنه لا يصح منها طواف مفروض، ولا تطوع". نقله عنه النووي (¬4). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وفيه (¬5) دليل على أن الطواف لا يصح من الحائض، وهذا مجمع عليه" (¬6). ونقله عنه العراقي (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬11). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها: "اصنعي ما يصنع ¬
[22 - 439] صحة مناسك الحج من الحائض والنفساء إلا الطواف
الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عائشة وهي حائض أن تطوف، والنهي يقتضي الفساد، فدل على أن الطواف غير صحيح (¬2). 2 - أن الطواف يفتقر إلى الطهارة، والطهارة لا تصح من الحائض، فلا يصح الطواف إذًا (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في رواية (¬4)، أن الطواف يصح مع التقصير في الواجب، ويجبره بدم. واختار ابن تيمية أنه يصح بعذر، بلا دم (¬5). واحتجوا: بأنه لم ينقل أحد عنه أنه أمر الطائفين بالوضوء، ولا باجتناب النجاسة، كما أمر المصلين بالوضوء (¬6).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [22 - 439] صحة مناسك الحج من الحائض والنفساء إلا الطواف: إذا أرادت المرأة الحج، ثم حاضت، فإنه يصح منها الحج -غير الطواف- وهي حائض، ولا فرق بينها وبين الطاهر إلا في الطواف. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا أن الحائض والنفساء لا تمنع من شيء من مناسك الحج إلا الطواف وركعتيه". نقله عنه النووي (¬7). الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: "وفيه (¬8) دليل على أن الحائض يصح منها جميع أفعال الحج غير الطواف بالبيت، وهو مجمع عليه" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬10)، والمالكية (¬11)، ¬
[23 - 440] تحريم لبث الحائض في المسجد
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها: "اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر عائشة -رضي اللَّه عنها-، بأن تفعل ما يفعله الحاج إلا الطواف، و (ما) في الحديث من الصيغ التي تدل على العموم، فتشمل كل أفعال الحج إلا الطواف، فدل على أن الحائض تصح منها أفعال الحج إلا الطواف، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [23 - 440] تحريم لبث الحائض في المسجد: إذا حاضت المرأة، فلا يجوز لها اللبث في المسجد بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: "وأجمعوا على أنه يحرم عليها اللبث في المسجد" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة على الصحيح من المذهب (¬9). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: جاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد؛ فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" (¬10). • وجه الدلالة: الحديث يدل على مسألتنا بالمطابقة (¬11). ¬
[24 - 441] جواز تناول الحائض للشيء من المسجد
• الخلاف في المسألة: خالف داود (¬1)، وابن حزم في المسألة (¬2)، وقال: يجوز للحائض والنفساء أن يلبثا في المسجد. واحتج بعدم الدليل المانع، وأن الأصل الجواز، ولأن المؤمن لا ينجس (¬3). وخالف الحنابلة في قول (¬4)، فقالوا: يجوز إذا توضأت وأمنت التلويث. واحتجوا بأن الوضوء يخفف الحدث (¬5). وخالف محمد بن مسلمة (¬6)، فقال: يجوز لها اللبث إذا استثفرت، وأمنت تنجيس المسجد، بناء على أن المسلم لا ينجس (¬7).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [24 - 441] جواز تناول الحائض للشيء من المسجد: إذا أرادت الحائض أن تتناول الشيء من المسجد، فيجوز لها ذلك بلا خلاف. ومسألتنا مقتصرة على إن أمنت الحائض من تلويث المسجد. • من نقل نفي الخلاف: الترمذي (279 هـ) حيث يقول بعد ذكر حديث عائشة الآتي، في باب ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد: "وهو قول عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافًا في ذلك، بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئًا من المسجد" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على نفي الخلاف ابن مسعود، وابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وابن المسيب، وابن جبير، والحسن (¬9)، وزيد بن أسلم (¬10)، والشافعية على الصحيح (¬11)، والحنابلة على المذهب (¬12). ¬
[25 - 442] مؤاكلة الحائض جائزة
وكل من خالف في مسألة المنع من اللبث في المسجد، فهو موافق في مسألتنا من باب أولى، وهم داود (¬1)، وابن حزم في المسألة (¬2)، ومحمد بن مسلمة (¬3). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: قال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ناوليني الخُمْرة (¬4) من المسجد"، قالت: قلت: إني حائض، قال: "إن حيضتك ليست في يدك" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر عائشة أن تأتيه بالخمرة من المسجد وهي حائض، وهذا هو التناول للشيء في مسألتنا، مما يدل على الجواز (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف الثوري وإسحاق (¬7)، وزيد بن أسلم (¬8)، والحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية في وجه (¬11)، والحنابلة في قول (¬12)؛ فقالوا: لا يجوز. واحتجوا (¬13): بعموم حديث "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" (¬14)، ولغلظ حدث الحائض (¬15).Rأن نفي الخلاف غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [25 - 442] مؤاكلة الحائض جائزة: إذا حاضت المرأة، فيجوز أن يُؤكل معها، وعليه الإجماع. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول عن مؤاكلتها: "وهو قول أهل ¬
العلم، لم يروا بمؤاكلة الحائض بأسًا" (¬1). ونقله عنه الشوكاني (¬2). ابن جرير (310 هـ) حيث نقل عنه النووي حكايته للإجماع، بعد قوله: "لا تكره مؤاكلة الحائض، . .، " (¬3). ونقله عنه الشوكاني (¬4). ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن له -الزوج- مؤاكلتها ومشاربتها" (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول بعد العبارة السابقة: "وهذا كله متفق عليه" (¬6)، ولعله يريد الاتفاق المذهبي. ابن سيد الناس (734 هـ) حيث يقول عن مسألتنا: "وهذا مما أجمع الناس عليه"، وهو يريد بالناس هنا العلماء، وإلا فلا قيمة لإجماع العامة. ونقله عنه الشوكاني (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والحنابلة (¬10). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي فيضع فاه على موضع فيّ فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض فأناوله النبي فيضع فاه على موضع فيّ" (¬11). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأكل ويشرب مع عائشة وهي حائض، مما يدل على مسألتنا بالسنة الفعلية بالمطابقة (¬12). 2 - حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم؛ لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنزل اللَّه عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]. إلى آخر الآية، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" (¬13). • وجه الدلالة: أن الحديث يدل على إباحة كل شيء إلا النكاح، و"شيء" نكرة في سياق الإثبات، أكدت بكل، تدل على العموم، حتى يثبت مانع، مما يدل على جواز ¬
[26 - 443] جواز الطبخ والعجن للحائض
مسألتنا، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [26 - 443] جواز الطبخ والعجن للحائض: إذا حاضت المرأة، وأرادت أن تطبخ أو تعجن، فيجوز لها ذلك بالإجماع. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث نقل عنه النووي حكايته لإجماع المسلمين في المسألة، بعد قوله: "ولا تمتنع من فعل شيء من الصنائع، ولا من الطبخ والعجن والخبز" (¬1). النووي (676 هـ) حيث قال بعد قوله: "ولا تمتنع من فعل شيء من الصنائع، ولا من الطبخ والعجن والخبز" قال: "وهذا كله متفق عليه" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: حديث أنس -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أباح كل شيء للحائض إلا النكاح، ولو كان الطبخ والعجن ممنوعًا عليها؛ لبينه عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أو غيره، وما دام لم يمنع منه فهو جائز، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [27 - 444] جواز الذكر للحائض والنفساء: إذا حاضت المرأة أو نفست، فإنه يجوز لها أن تذكر اللَّه تعالى وهي على تلك الحال. • من نقل الإجماع: البغوي (516 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أنه يجوز لهما (¬7) ¬
ذكر اللَّه تعالى بالتسبيح والتحميد والتهليل وغيرها" (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول عن الجنب والحائض والنفساء: "فإنه لا خلاف في أن لهم ذكر اللَّه تعالى، ويحتاجون إلى التسمية عند اغتسالهم، ولا يمكنهم التحرز من هذا" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "أجمع المسلمون على جواز التسبيح، والتهليل، والتكبير، والتحميد، والصلاة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وغير ذلك من الأذكار، وما سوى القرآن للجنب والحائض، ودلائله مع الإجماع في الأحاديث الصحيحة مشهورة" (¬3). وقال: "وأجمع العلماء على جواز التسبيح، والتهليل، وسائر الأذكار؛ غير القرآن، للحائض والنفساء" (¬4). ويقول: "أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمحدث، والجنب، والحائض، والنفساء، وذلك في التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، والصلاة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والدعاء، وغير ذلك" (¬5). ونقله عنه الشوكاني (¬6). ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "والحائض لا يستحب لها شيء من ذلك، ولا يكره الذكر بدونه -الطهارة- عند أحد من العلماء؛ للسنة المتواترة في ذلك" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، وابن حزم (¬10). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يذكر اللَّه على كل أحيانه" (¬11). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يذكر اللَّه تعالى في كل أحواله، ومن أحواله الجنابة، ويقاس عليها الحيض بالنسبة للنساء، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[28 - 445] الطهارة من الحيض بالجفوف والقصة البيضاء
2 - أن ذكر اللَّه تعالى فعل خير مندوب إليه، مأجور فاعله، فمن ادعى المنع فيه في بعض الأحوال كالحيض؛ كلف أن يأتي بالبرهان، ولا برهان ضد ما ذكرنا (¬1). • الخلاف في المسألة: سبق ذكر قولين مخالفين في مسألة جواز الذكر للجنب، وهما جاريان في مسألتنا: أولهما: أنه لا يجوز الذكر إلا على طهارة مطلقًا. والثاني: أنه لا يجوز كذلك، حتى السلام لا يرده إلا بطهارة، وإذا لم يكن على طهارة، ولا ماء حوله؛ فيتيمم ويرد السلام (¬2).Rلم يتبين لي في هذه المسألة شيء، فلم يذكر أحد من العلماء خلافًا في المسألة سوى ما ذكره الطحاوي، ولم يبين من هم القائلون، وإلى أي مذهب ينتمون؟ وبعد البحث لم أجد من ذكرهم سواه، ولذا لم أصل لنتيجة، واللَّه تعالى أعلم. [28 - 445] الطهارة من الحيض بالجفوف والقصة البيضاء: إذا رأت الحائض القصة البيضاء، وجف فرج المرأة من الدم، فإنها تكون طاهرًا، وعليه حكي الإجماع. والقصة البيضاء: هو الماء الأبيض الذي يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض (¬3). ومسألتنا تتحدث عن الطهارة بالأمرين معًا: الجفوفِ، والقصةِ البيضاء. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول في سياق استدلالٍ له على قولٍ لداود: "فلن يزول ما أجمعوا عليه -الحيض- إلا بالإجماع، وهو النقاء بالجفوف، والقصة البيضاء" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، ¬
[29 - 446] القصة البيضاء طهر صحيح
والحنابلة (¬1)، وابن حزم (¬2). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أنه كان النساء يبعثن إليها بالدُّرْجة (¬3) فيها الكُرْسُف (¬4)، فيه الصفرة من دم الحيضة، يسألنها عن الصلاة؟ فتقول لهن: "لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" (¬5). • وجه الدلالة: الحديث فيه فتوى من عائشة -رضي اللَّه عنها-، في أن الطهر يكون بالقصة البيضاء، وهي أعرف الناس فيما يخص النساء؛ لقربها من جناب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والجفوف أكثر نقاء من القصة من باب أولى، واللَّه تعالى أعلم (¬6).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [29 - 446] القصة البيضاء طهر صحيح: إذا رأت الحائض القصة البيضاء، فإنها تكون قد طهرت طهرًا صحيحًا. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن القصة البيضاء المتصلة شهرًا غير يوم طهرٌ صحيح" (¬7). الاستثناء في العبارة السابقة يبدو واللَّه أعلم أنه غير مقصود، ولم أجد له معنى، ويؤكده عدم تكراره في العبارة الآتية (¬8). يقول في سياق استدلال له: "لما كانت القصة البيضاء طهرًا، وليست حيضًا بإجماع" (¬9). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق مكحول، وعطاء (¬10)، ¬
[30 - 447] كل نقاء ليس طهرا مستقلا للملفقة في العدة والطلاق
والحنفية (¬1)؛ والمالكية في المشهور (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أنه كان النساء يبعثن إليها بالدُّرْجة فيها الكُرْسُف، فيه الصفرة من دم الحيضة، يسألنها عن الصلاة؟ فتقول لهن: "لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" (¬5). • وجه الدلالة: أن الحديث فيه فتوى من عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن الطهر يكون بالقصة البيضاء، وهي -كما سبق- أعرف الناس فيما يخص النساء. • الخلاف في المسألة: خالف ابن حبيب (¬6)، فقال: لا تطهر المرأة إلا بالجفوف، وإن كانت ممن ترى القصة البيضاء. واحتج بأن أول الحيض دم، ثم صفرة، ثم كدرة، ثم يكون نقاء كالقصة، ثم ينقطع، فالقصة علامة قرب الطهر، وليست الطهر (¬7). ولكن وجدت أن ابن رشد نقل عن ابن حبيب أنه يرى الطهر بالقصة أو الجفوف، أيهما وقع (¬8)، وبهذا لا يكون مخالفًا لمسألتنا، واللَّه تعالى أعلم. وخالف المالكية في قولٍ (¬9)، بأن من كانت عادتها الطهر بالجفوف، فرأت القصة، أنها لا تطهر حتى ترى الجفوف، فلا تكون القصة بهذا طهرًا في هذه المسألة. قالوا: لأن الجفوف أبلغ من القصة في النقاء والطهر (¬10).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، وقد عبر ابن رشد باختلاف الفقهاء في المسألة (¬11)، واللَّه تعالى أعلم. [30 - 447] كل نقاء ليس طهرًا مستقلًّا للملفَّقة في العدة والطلاق: إذا كانت المرأة تحيض يومًا وتطهر يومًا باستمرار، فإن كل طهر من الأطهار ¬
[31 - 448] انقطاع الدم ساعة كاتصاله
المتكررة ليس طهرًا مستقلًّا في العدة والطلاق، وإن قلنا بأنه طهر صحيح -على الخلاف في ذلك. والتلفيق: هو ضم الدم إلى الدم اللذيْنِ بينهما طهر، وجعلهما حيضًا واحدًا (¬1). • من نقل الإجماع: الغزالي (505 هـ) حيث يقول: "ولا خلاف أنها لو رأت يومًا دمًا ويومًا نقاءً وهكذا على التعاقب فلا يجعل كل يوم طهرًا كاملًا" (¬2). نقله عنه النووي بلفظ الإجماع (¬3). المتولي (478 هـ) حيث يقول: "إذا قلنا بالتلفيق؛ فلا خلاف أنه لا يجعل كل دم حيضًا مستقلًّا، ولا كل نقاء طهرًا مستقلًّا" (¬4). نقله عنه النووي (¬5). النووي (676 هـ) حيث يقول في سياق استدلالٍ له: "ويدل عليه الإجماع على أنها لو كانت تحيض يومًا وتطهر يومًا، على الاستمرار؛ لا يجعل كل نقاء طهرًا مستقلًّا كاملا" (¬6). ويقول: "ولا خلاف أن النقاء ليس بطهر في انقضاء العدة، وكون الطلاق سنيًّا" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والحنابلة (¬10). • مستند الإجماع: أن من كانت تحيض يومًا، ثم تطهر يومًا، ثم تحيض يومًا وهكذا؛ فإنها لم تحقق أقل زمن الطهر، ولذا لا يعتبر كل نقاء طهرًا مستقلًّا (¬11).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [31 - 448] انقطاع الدم ساعة كاتصاله: إذا حاضت المرأة، ثم انقطع دمها ساعة من الزمن، فإن حكمها أنها كمن اتصل ¬
دمها، وعلى هذا حكى الطحاوي الإجماع، والعبارة عامة، فسآخذها على عمومها دون الدخول في التفصيلات. • من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: "قد أجمعوا أنه لو انقطع ساعة أو نحوها، أنه كدم متصل" (¬1). نقله عنه ابن عبد البر (¬2). المرغيناني (593 هـ) حيث يقول: "والطهر إذا تخلل بين الدمين في مدة الحيض، فهو كالدم المتوالي (¬3)، . .، ووجهه أن استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط بالإجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة في رواية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قول عائشة -رضي اللَّه عنها- للنساء اللاتي يبعثن إليها بالدُّرْجة (¬8) فيها الكُرْسُف (¬9)، فيه الصفرة من دم الحيضة، يسألنها عن الصلاة فتقول لهن: "لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" (¬10). • وجه الدلالة: أن عائشة أمرت النساء بعدم التعجل، وانقطاع الدم ساعة ثم رجوعه كثيرًا ما يحصل، فلزم عدم التعجل في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الدم كثيرًا ما يجري مرة وينقطع أخرى، فلا يثبت الطهر بمجرد انقطاعه القليل، كما لو انقطع أقل من ساعة (¬11). • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في رواية (¬12)، فقالوا: الطهر ساعة يكفي في ثبوت الطهر، إلا أن ترى ما يدل على خلافه. ¬
[32 - 449] المسح بفرصة المسك غير واجب
واحتجوا بقول (¬1) ابن عباس: "أما ما رأت الدم البحراني، فإنها لا تصلي، وإذا رأت الطهر ساعة، فلتغتسل" (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [32 - 449] المسح بفرصة المسك غير واجب: إذا طهرت المرأة من الحيض، وأرادت الغسل، فإن المسح بفرصة مسك غير واجب، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن حزم. والفِرْصة هي: قطعة قطن أو خرقة، تستعملها المرأة في مسح دم الحيض (¬3). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن تتطهر بالفرصة المذكورة (¬4) -وهي القطعة- وأن تتوضأ بها، وإنما بعثه اللَّه تعالى مبينًا ومعلمًا، فلو كان ذلك فرضًا، لعلمها عليه السلام كيف تتوضأ بها، أو كيف تتطهر، فلما لم يفعل؛ كان ذلك غير واجب، مع صحة الإجماع جيلًا بعد جيل، على أن ذلك ليس واجبًا" (¬5). نقله عنه ابن مفلح (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬7)؛ والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10). • مستند الإجماع: أن التطهر المأمور به هو الذي يكون بالماء أو التراب، أما غير ذلك؛ فليس فيه الوجوب، ولم يأتِ دليل بالوجوب، واللَّه تعالى أعلم (¬11).Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. ¬
[33 - 450] الدم الأسود حيض
[33 - 450] الدم الأسود حيض: دم المرأة يختلف، فمنه الأسود، ومنه الأحمر، ومنه الأصفر، فأما الأسود فهو حيض بلا شك، ونُقل عليه الإجماع، وممن نقله: ابن حزم، والكاساني، وابن قدامة كما سيأتي. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن الدم الأسود المحتوم حيض فصيح، إذا ظهر في أيام الحيض، ولم يتجاوز سبعة أيام، ولم ينقص من ثلاثة أيام" (¬1). وقال: "وقد صح النص، والإجماع، واللغة، على أن الدم الأسود حيض" (¬2). الكاساني (587 هـ) حيث يقول: "أما لونه -أي الحيض- فالسواد حيض بلا خلاف" (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: "فالأسود حيض بلا خلاف" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الاتفاق المالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن دم الحيض دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عرّف الحيض بأنه دم أسود، وهذا يدل على مسألتنا بالمطابقة.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [34 - 451] الدم الخارج بعد الولادة دم نفاس: إذا خرج الدم بعد ولادة المرأة؛ فإن هذا الدم دم نفاس، وقد نقل ابن حزم الإجماع ¬
[35 - 452] دم النفاس إذا دام سبعة أيام فهو نفاس
على ذلك، وهذه هي مسألتنا. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا على أن المرأة إذا وضعت آخر ولد في بطنها؛ فإن ذلك الدم الظاهر منها بعد خروج ذلك الولد الآخر دمُ نفاس لا شك فيه، تجتنب فيه الصلاة والصيام والوطء" (¬1). ويقول: "ودم النفاس: هو الخارج إثر وضع المرأة آخر ولد في بطنها؛ لأنه المتفق عليه" (¬2). النووي (676 هـ) حيث يقول: "فأما الدم الخارج بعد الولادة، فنفاس بلا خلاف" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول مستدلًّا على أن الدم الذي يهراق بعد ولادة الطفل التوأم الثاني نفاس، قال: "وللاتفاق على أن الدم المهراق بعد الولادة نفاس" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الاتفاق: لم أجد من استدل للمسألة، ولكن برجوعنا لمعنى الكلمة اللغوي، نجد أن أصل كلمة النفاس مشتقة من تنفَّس الرحم؛ أو خروج النفْس بمعنى الولد، فإذا حصل هذا فقد تحقق النفاس، وهذا متحقق في حال خروج الدم بعد الولادة، فالرحم تنفس الولد والدم، والنفس -الولد- خرجت مع الولادة، فيكون الحال أنها في نفاس (¬9)، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [35 - 452] دم النفاس إذا دام سبعة أيام فهو نفاس: إذا نفست المرأة، ودام نفاسها سبعة أيام، فإن هذه المدة تكون نفاسًا، وعلى هذا نقل ابن حزم الاتفاق، وهذه مسألتنا. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أن دم النفاس إذا دام ¬
سبعة أيام، فهو نفاس" (¬1). ويقول بعد سياق خلاف العلماء في أكثر النفاس، وبعد تقريره أن أكثر النفاس سبعة أيام: "وأما نحن؛ فلا نقول إلا بما أجمع عليه، من أنه دم يمنع مما يمنع منه الحيض، فهو حيض" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الاتفاق: بنى ابن حزم هذا الاتفاق على مسألة الاتفاق على أقل ما قيل، فأقل ما قيل في أكثر النفاس هو قول ابن حزم، فهو يقول بأن أكثره سبعة أيام (¬7)، وبهذا حكى هذا الاتفاق، وقد سبق بيان لهذه المسألة كثيرًا، ولا يمكن أن نستدل لها، لأن المسألة في الحقيقة ليس فيها اتفاق على مسألة واضحة، فهو لم يدعِ أن العلماء اتفقوا على أن أكثر النفاس سبعة أيام مثلًا، وإنما معنى كلامه أن أقل ما قال به العلماء في أكثر النفاس هو سبعة أيام. وقد استدل رحمه اللَّه بالقياس على الحيض، وجعل النفاس حيضًا؛ فيأخذ حكمه، وهو عنده أن أكثره سبعة أيام (¬8). ولكن استدلالنا هذا هو على قول من الأقوال، فهل هذا الدليل يصلح أن يكون مستندًا لإجماعٍ؟ فمن قال: إن أكثر الحيض أربعون -كما سيأتي- لا يتأتى له هذا الدليل! ومن ثم نؤكد أن إجماعات ابن حزم أكثرها في الحقيقة ليست إجماعًا، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، والمسألة من باب الاتفاق على أقل ما قيل كما سبق، وقد سبق بيان لهذه المسألة كثيرًا، واللَّه أعلم. * * * ¬
[36 - 453] النفساء تدع الصلاة أربعين يوما
[36 - 453] النفساء تدع الصلاة أربعين يوما: إذا نفست المرأة، فإنها تجلس أربعين يومًا، وعلى هذا حكى الترمذي الإجماع، وهذه مسألتنا. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتابعين ومن بعدهم، على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يومًا؛ إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإنها تغتسل وتصلي" (¬1). نقله عنه ابن قدامة (¬2)، والشوكاني (¬3). أبو عبيد (224 هـ) حيث يقول عن مسألتنا: "وعلى هذا جماعة الناس". نقله عنه ابن قدامة (¬4)، والنووي (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع عمر، وابن عباس، وعثمان بن أبي العاص، وأنس، وأم سلمة -رضي اللَّه عنهم-، والثوري، وإسحاق (¬6)، وابن المبارك (¬7)، والحنفية (¬8)، والحنابلة على المذهب (¬9)، والمزني (¬10). • مستند الإجماع: حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-، قالت: "كانت النفساء تجلس على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أربعين يومًا" (¬11). • وجه الدلالة: أن أم سلمة -رضي اللَّه عنها- روت أن النفاس على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان أربعين يومًا، ولم يأتِ أنهم زادوا عن ذلك، فوجب التقيّد بما ورد، واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف الشعبي، ومعمر، وابن جريج (¬12) في المسألة، فقالوا: لا حد لأكثر النفاس، بل تنتظر حتى أكثر ما تنتظر به امرأة واختاره ابن تيمية (¬13). ¬
[37 - 454] النفاس لا يكون أكثر من خمسة وسبعين يوما
ويحتج لهم بأنه لم يأت دليل صريح في تحديد أكثره، فنرجع للواقع، وهو أنها تتنفس حتى ينقطع دمها، ما دام الدم ينزل. وخالف قتادة، وعطاء، والثوري (¬1) في المسألة، فقالوا: تجلس حسب عادة نسائها. ويحتج لهم بأن الشرع لم يحدد، فنرجع للعادة والعرف. وخالف الأوزاعي (¬2) في المسألة، فقال: تجلس عن الغلام ثلاثين ليلة، وعن الجارية أربعين. ولم أجد له دليلًا. وخالف الحسن (¬3) في المسألة، فقال: تجلس خمسين. ولم أجد له دليلًا. وخالف عطاء، والشعبي (¬4)، والحجاج بن أرطاة، وأبو ثور، وداود (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة في رواية (¬8)، فقالوا: تجلس ستين يومًا، وروي عن مالك أنه رجع عنه إلى القول بالأخذ بعادة النساء، وقول أصحابه الأول (¬9). واحتجوا بأن الاعتماد في هذا الباب على الوجود، وقد ثبت الوجود في الستين (¬10).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، ويلاحظ أن الترمذي حكى أقوالًا بأكثر من الأربعين، ولم يحك دونها، مما يدل واللَّه تعالى أعلم أن مسألتنا من باب الإجماع على أقل ما قيل، في نظر الترمذي رحمه اللَّه، واللَّه أعلم. [37 - 454] النفاس لا يكون أكثر من خمسة وسبعين يومًا: إذا اتصل الدم بعد الولادة أكثر من خمسة وسبعين يومًا، فإن هذا الدم ليس نفاسًا، ¬
[38 - 455] دفعة دم النفاس إذا انقطعت ولم تعد فهو طهر
وعلى هذا حكى ابن حزم الاتفاق، وهذه مسألتنا. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "واتفقوا أنه -النفاس- إن اتصل أزيد من خمسة وسبعين يومًا؛ فليس دم نفاس" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الاتفاق: أن عادة النساء في النفاس لا تتجاوز خمسة وسبعين يومًا، في أكثر ما قيل في المسألة، فإذا زاد الدم على هذا؛ دل على أنه مرض أو دم عرق، فلا يكون نفاسًا، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسأدة، والمسألة من باب الاتفاق على أكثر ما قيل -كما هو ظاهر- واللَّه تعالى أعلم. [38 - 455] دفعة دم النفاس إذا انقطعت ولم تَعُدْ فهو طهر: إذا خرجت دفعة من الدم في نفاس المرأة، ثم انقطعت، ولم تعد، فإنها تعتبر طاهرا، تصلي وتصوم، وعلى هذا حكى ابن حزم نفي الخلاف في المسألة. • من نقل نفي الخلاف: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: "ولم يختلف أحد في أن دم النفاس إن كان دفعة، ثم انقطع الدم، ولم يعاودها؛ فإنها تصوم، وتصلي، ويأتيها زوجها" (¬6). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10). • مستند نفي الخلاف: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ردًّا على ¬
[39 - 456] المحيض في قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض} [البقرة: 222] هو دم الحيض
سائلةٍ: "فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ربط الاغتسال بإدبار الحيضة، وكذلك دم النفاس، فإذا أدبر فقط طهرت، واللَّه تعالى أعلم. 2 - أن الدم إذا انقطع ولم يعُد، فإنه علامة صريحة على الطهر، فما دام أنه انقطع؛ فبمَ نمنعها من الصلاة ونحوها وقد طهرت.Rأن نفي الخلاف متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [39 - 456] المحيض في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] هو دم الحيض: • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) حيث يقول: "أما قوله سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]، فالمحيض في هذا الموضوع (¬2) عبارة عن دم المحيض باتفاق أهل العلم" (¬3). نقله عنه النووي بلفظ الإجماع (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: أن اللَّه تعالى أتبع هذا السؤال بالجواب، ورد بقوله: {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222]، والأذى صفة لنفس الحيض، وليس صفة للموضع الذي فيه، ولا للزمان (¬8). • الخلاف في المسألة: خالف ابن العربي، وقال: يصح أن يفسر المحيض على ثلاثة أشياء: الحيض، وزمان الحيض، ومكان الحيض (¬9). قال ذلك بناء على أن اللغة تحتمل كل هذه المعاني. ¬
[40 - 457] دم المستحاضة لا يأخذ حكم الحيض
ويكون تقدير الآية بتفسير المحيض بالحيض: ويسألونك عن منع الحيض. يكون تقدير الآية مجازًا بتفسيره بزمان الحيض: ويسألونك عن الوطء في زمان الحيض. وعلى تفسيره بالمكان؛ يكون التقدير مجازًا: ويسألونك عن الوطء في موضع الحيض حالة الحيض (¬1). وذكره القرطبي قولا (¬2)، وهذا يدل على أنه قول مشهور.Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [40 - 457] دم المستحاضة لا يأخذ حكم الحيض: إذا استحيضت المرأة، فإنها لا تأخذ حكم الحائض. • من نقل الإجماع: ابن جرير (310 هـ) حيث حكى الإجماع على أنها تقرأ القرآن، وأن عليها جميع الفرائض التي على الطاهر (¬3). نقله عنه النووي (¬4)، وابن قاسم (¬5). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: "وقد أجمع أهل العلم على التفريق بينهما، قالوا: دم الحيض مانع من الصلاة، ودم الاستحاضة ليس كذلك، ودم الحيض يمنع الصيام والوطء، والمستحاضة تصوم وتصلي، وأحكامها أحكام الطاهر" (¬6). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: "والثالث من الدماء: دم ليس بعادة، ولا طبع منهن، ولا خلقة، وإنما هو عرق، انقطع سائل دمه، لا انقطاع له إلا عند البرء منه، فهذا حكمه أن تكون المرأة فيه طاهرًا، لا يمنعها من صلاة ولا صوم بإجماع من العلماء، واتفاق من الآثار المرفوعة" (¬7). القرطبي حيث نقل عبارة ابن عبد البر دون أن ينسبها إليه (¬8). النووي (676 هـ) حيث يقول: "وأما الصلاة، والصيام، والاعتكاف، وقراءة ¬
القرآن، ومس المصحف، وحمله، وسجود التلاوة، وسجود الشكر، ووجوب العبادات عليها؛ فهي في كل ذلك كالطاهرة، وهذا مجمع عليه" (¬1). العيني (855 هـ) حيث يقول: "فإن الإجماع على أن دم العرق لا يمنع الصلاة، والصوم، والوطء، بخلاف دم الرحم؛ فإنه يمنع منها، فكما لم يمنع هذا الدم الصلاة على أنه عرق؛ فلا يمنع الصوم والوطء بدلالة الإجماع" (¬2). الزرقاني (1099 هـ) حيث يقول: "وفيه (¬3)؛ أن حكم المستحاضة حكم الطاهرة في الصلاة وغيرها، كصيامٍ، واعتكاف، وقراءة، ومس مصحف، وحمله، وسجود تلاوة، وسائر العبادات، وهذا أمر مجمع عليه" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: "لا إن ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فيها فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يعتبر الاستحاضة حيضًا، وأمرها بالصلاة معها. 2 - حديث حمنة بنت جحش -رضي اللَّه عنها-، قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أستفتيه، فقال: "إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي فإذا استنقأت فصلي أربعة وعشرين أو ثلاثة وعشرين وصومي وصلي فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلي حين تطهرين وتصلي الظهر والعصر جميعًا ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الصبح وتصلين" قال: "وهو أعجب الأمرين إلي" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجاز لها الصلاة والصيام في أثناء الاستحاضة، مما يدل على أنها لا تأخذ حكم الحيض. ¬
[41 - 458] دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة
Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [41 - 458] دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة: إذا استُحيضت المرأة، فإن الصلاة لا تسقط عنها، ولا تمنعها الاستحاضة، وقد حُكي الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: المرغيناني (593 هـ) حيث يقول: "ودم الاستحاضة كالرعاف الدائم لا يمنع الصوم، ولا الصلاة، ولا الوطء، لقوله عليه الصلاة والسلام: "توضئي وصلي. . . " (¬1)، وإذا عُرف حكم الصلاة (¬2) ثبت حكم الصوم والوطء بنتيجة الإجماع" (¬3). قال البابرتي معلقًا على الكلام السابق: "وتقريره؛ أجمع المسلمون على وجوب الصلاة، وهو يوجب وجوب الصوم، وحل الوطء بطريق الأولى" (¬4). وخلاصة ذلك أن المرغيناني حكى الإجماع في الصلاة، ويريد إدخال الصوم والوطء فيه بالأولى، فلا يكون قد حكى الإجماع في الحقيقة إلا في الصلاة. ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: "ولأن المستحاضة، ومن به سلس البول ونحوهما، يطوف ويصلي باتفاق المسلمين" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، أن فاطمة بنت أبي حبيش -رضي اللَّه عنها-، سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: إني أُستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: "لا إن ذلك عرق ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي" (¬10). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر المستحاضة بأن تغتسل بعد مضي قدر أيام حيضها ¬
[42 - 459] المستحاضة يجوز لها الطواف
وتصلي، مما يدل على أن الاستحاضة لا تمنع الصلاة. وفي رواية للحديث السابق: "وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فيها فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرها بغسل الدم فقط، بعد أن يذهب قدر حيضتها وتصلي، وهو يدل لما في مسألتنا، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الإجماع متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [42 - 459] المستحاضة يجوز لها الطواف: إذا استحيضت المرأة وتوضأت، فإنه يجوز لها الطواف، إذا أمنت من تلطيخ الحرم. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول في سياق استدلاله على جواز الطواف لغير المتوضئ: "ولأن المستحاضة، ومن به سلس البول ونحوهما، يطوف ويصلي باتفاق المسلمين" (¬2). ابن القيم (751 هـ) حيث يقول: "والمستحاضة يجوز لها دخول المسجد للطواف إذا تلجمت اتفاقا" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الاتفاق: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-، في المستحاضة، وفيه "ثم اغتسلي وصلي" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر المستحاضة أن تصلي، والطواف نوع من الصلاة، والنص جاء بوجوب الطهارة للصلاة، ومع ذلك أمرت بالصلاة، والطواف من باب ¬
[43 - 460] لا كفارة في وطء المستحاضة
أولى، فجاز لها الطواف، واللَّه تعالى أعلم.Rأن الاتفاق متحقق؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، واللَّه أعلم. [43 - 460] لا كفارة في وطء المستحاضة: إذا وطئ الرجل امرأته وهي مستحاضة، فإن الكفارة لا تجب. • من نقل الإجماع: ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول معلقًا على قول البهوتي: "ولا توطأ المستحاضة إلا مع خوف العنت منه أو منها, ولا كفارة فيه"، قال: "إجماعًا" (¬1)، يريد عبارة "ولا كفارة فيه". • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). حيث قالوا: بجواز الوطء للمستحاضة، وعدم وجوب الكفارة من باب أولى. • مستند الإجماع: 1 - وجوب الكفارة في الوطء لا يأتي إلا من الشرع، ولم يرد بإيجابها في حق المستحاضة، فلا تجب إلا بالورود (¬5). 2 - المستحاضة ليست في معنى الحائض؛ لما بينهما من الاختلاف، فلا يجب في حقها ما وجب في الحائض (¬6). • الخلاف في المسألة: حكي عن عائشة، والنخعي، والحكم، وابن سيرين (¬7)، وسليمان بن يسار، والزهري (¬8)؛ المنع من وطء المستحاضة، ولم أجد لهم شيئًا في الكفارة، وإيجابها محتمل مع قولهم بالمنع، ولكني لم أجد من صرح بذلك منهم، واللَّه تعالى أعلم. ولكني لم أجد من صرح بذلك منهم.Rالأظهر أن الإجماع غير متحقق، حتى نتحقق من موافقة المانعين لوطء المستحاضة؛ لأن الإجماع لا يثبت إلا بالتحقق، وهنا لم نتحقق، واللَّه تعالى أعلم. ¬
سلسلة الرسائل الجامعية (69) موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي [2] مسائل الإجماع في عقود المعاوضات المالية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
المقدمة إن الحمد للَّه نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. • أما بعد: إن نعم اللَّه على هذه الأمة تترى، وآلاءه لا تعد ولا تحصى، ومما فضلها اللَّه عز وجل به على سائر الأمم، أن جعل إجماع علمائها على أمر من أمور دينها معصوما من الخطأ والزلل؛ ليحفظ اللَّه به الدين، وتبقى هذه الملة ما بقيت السماوات والأرض، لا يضرها كيد الكائدين، ولا تحريف الضالين، ولا انتحال المبطلين (¬1). ولا يخفى على أحد مكانة الإجماع، ومنزلته من الدين، فهو المصدر الثالث من مصادر التشريع، منه تؤخذ الأحكام، وبه يعمل الناس، وقد أشار إلى ذلك أئمة الهدى ممن سلف من هذه الأمة، وبيَّنوا عظم شأنه، وخطورة مخالفته، وضرورة معرفته، بل لا يبلغ المجتهد درجة الاجتهاد حتى يكون على دراية ومعرفة به، حتى يقيه من الوقوع في الزلل والشذوذ. ومما يجلي الموضوع، ويوضح أهميته، أن من العلماء من جعل الإجماع مقدمًا على أخبار الآحاد لتطرق الاحتمال إليها من نسخ، أو تأويل، أو خطأ وأشباهها، وقد بيَّن ذلك أبو محمد بن قتيبة (¬2) حين قال: [ونحن نقول: إن الحق ¬
يثبت عندنا بالإجماع أكثر من ثبوته بالرواية؛ لأن الحديثَ قد تعترضُ فيه عوارضُ من السهو والإغفال، وتدخل عليه الشبه والتأويلات والنسخ، ويأخذه الثقة عن غير الثقة، وقد يأتي بأمرين مختلفين وهما جميعًا جائزان، كالتسليمة الواحدة والتسليمتين، وقد يحضر الصحابي الأمر يأمر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا، ثم يأمر بخلافه ولا يحضره، فينقل لنا الأمر الأول ولا ينقل لنا الثاني؛ لأنه لا يعلمه، والإجماع سليم من هذه الأسباب كلها] (¬1). ومما يزيد في خطورة الموضوع، أن من خالف الإجماع القطعي وحاد عنه وهو عالم به، فإنه على خطر في دينه، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (¬2): [والتحقيق أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه، لكن هذا لا يكون إلا فيما علم ثبوت النص به، وأما ثبوت الإجماع في مسألة لا نص فيها فهذا لا يقع، وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره] (¬3). ولذا كان لزامًا على أهل العلم والدين أن يظهروا هذا الدليل، ويعلنوه للناس، حتى لا يقع الزيغ والانحراف عن الجادة الحقة، والطريقة السوية. ولو نظرنا في اهتمام العلماء بأدلة الشرع، لوجدنا عنايتهم فائقة في الدليلين الأصليين: الكتاب والسنة، فتجد الأدلة مبثوثة في كتبهم، مبسوطة في ثنايا بحوثهم، فكتاب اللَّه محفوظ بحفظ اللَّه له، وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وحي من اللَّه، فهو لا ينطق عن الهوى، وقد هيأ اللَّه لها رجالًا كانت لهم عناية فائقة بها، جمعًا ¬
مشكلة البحث
وترتيبًا، تصنيفًا وتبويبًا، صحة وضعفًا، جرحا وتعديلًا. . .، وهذا واضح من خلال الكتب المصنفة في السنة من الصحاح والمسانيد والسنن والمصنفات والأجزاء، وكتب التراجم والرجال، والجرح والتعديل وغيرها مما هو خادم في هذا الباب. ومثلهما الدليل الثالث، لكنه لم يحظ بالعناية كما حظي سابقاه، فجاءت عنايتهم به عابرة من خلال كتبهم، ولم يفردْه بالتصنيف إلا النوادر من العلماء لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، وأصبح المتأخرون ينقلون عن المتقدمين حكايتهم له نقلا من غير تمحيص ولا تدقيق، وهذا هو الغالب. ولذا كانت الحاجة ماسة إلى دراسة هذه الإجماعات وتمييز صحيحها من ضعيفها، وقطعيها من ظنيها، فوقع نظري على أن تكون أطروحة الدكتوراه في خدمة جانب من جوانب الموضوع، وهو دراسة الإجماعات الواردة في كتاب المعاملات المالية، واقتصرت على جزء منه نظرا لطوله، واخترت أن يكون هذا الجزء هو فاتحة أبواب المعاملات وهي عقود المعاوضات، فكان عنوان الأطروحة (مسائل الإجماع في عقود المعاوضات المالية، جمعا ودراسة). • مشكلة البحث: لا بد لكل بحث من مشكلات تعتريه، تعليق البحث والباحث، وهذا البحث أُجمل مشكلاته في النقاط التالية: أولًا: أن المسائل التي حُكِي فيها الإجماع كثيرة جدًّا، وهذا يعني طول البحث وتشعب طرقه مما يتطلب جهدا كبيرًا، ووقتًا كثيرًا. ثانيًا: قلة الكتب التي تحكي الإجماع، فعلى كثرة كتب الفقه وتنوع مذاهبها إلا أن التي تعتني بنقل الإجماع قليلة، وهذا يتطلب من الباحث التعرف على الكتب التي تحكي الإجماع وانتقاءها دون غيرها، ومثله التعرف على الكتب التي تنقل من غيرها واستبعادها. ثالثًا: مناهج العلماء في مسائل الإجماع متباينة، فمنهم: من لا يعتد بخلاف الواحد والاثنين، ويحكي الإجماع في المسألة، ومنهم من يعتد بخلاف الواحد، وينفي الإجماع معه، وهذا يتطلب أيضًا جهدًا مضاعفًا في التعرف على مناهجهم
حدود البحث
الأصولية في تقرير الإجماع قبل النقل من كتبهم الفقهية. • حدود البحث: من المعلوم أن الألفاظ التي تدل على الإجماع ليست قليلة، ولو أدرجت ضمن البحث لازداد طولا وتشعبًا، لكن الباحث اقتصر على أبرز الألفاظ في نقل الإجماع، وهي تتمثل في: 1) لفظة [الإجماع] وما تصرف منها. 2) وكذلك لفظة [الاتفاق] وما تصرف منها. 3) نفي الخلاف في المسألة، وهو قولهم: [لا أعلم خلافا في المسألة] ونحوها من العبارات التي تدل على هذا المعنى. وسيكون البحث شاملا للإجماعات التي قصدها العلماء حين عرَّفوا الإجماع، وهو الإجماع الأصولي المنطوق به لفظا فقط، دون غيره من سائر الإجماعات: كإجماع الخلفاء الأربعة، أو الأئمة الأربعة، أو الصحابة، أو أهل المدينة، أو السكوتي، أو الإجماع المذهبي، أو أهل بلد معين، أو نحوها من أنواع الإجماع، سواء وجد الباحث ذلك عن طريق التصريح به من قبل العلماء، أو قامت قرينة من القرائن على أن العالم أراد به نوعا من أنواع الإجماع، والدراسة ستكون مقصورة على عقود المعاوضات المالية فقط دون غيرها من أبواب الفقه، أما الإجماعات اللغوية أو الحديثية وغيرها من الإجماعات التي يذكرها الفقهاء، فإن الباحث لا يتعرض لها. وقد جمع الباحث الإجماعات التي يذكرها العلماء صراحة، أو ينقلونها عن غيرهم من غير نقد؛ إذ يعد هذا قرينة على الموافقة والإقرار. أما ما ينقله العالم من الإجماع بصيغة التمريض، ولم ينسبه إلى أحد، فلا يدخل في البحث، كقولهم: [حُكي إجماعا] و [منهم من حكى الإجماع] ونحوها من العبارات. وكذلك إذا نقله ثم نقل بعده الخلاف، أو تعقَّبه، فلا أدرجه ضمن البحث. ومما ينبغي التنبيه عليه هنا: أن الباحث ربما يتجوز في ذكر بعض الإجماعات
أولا: الكتب المتخصصة في نقل الإجماع
خاصة المذهبية منها إذا كان ذلك عن طريق التبع لا الاستقلال، فغاية ما هنالك أن الحاكي للإجماع اختصر لنا قول مذهبه. وقد قامت اللجنة المختصة بالمشروع، والمشكَّلة من قبل القسم مشكورة، باختيار الكتب التي تقوم عليها دراسة الباحث، مراعية في ذلك عناية العالم بالإجماع واهتمامه بحكايته، مع النظر في اختلاف المذاهب، وتفرق الأزمنة، وهي مرتبة على النحو التالي: أولًا: الكتب المتخصصة في نقل الإجماع: 1) الإجماع لابن المنذر (¬1) (318 هـ). 2) مراتب الإجماع لابن حزم (¬2) (456 هـ). 3) الإفصاح إلى معاني الصحاح لابن هبيرة (¬3) (560 هـ). 4) نقد مراتب الإجماع لابن تيمية (¬4) (728 هـ). ¬
ثانيا: المذهب الحنفي
ثانيًا: المذهب الحنفي: 1) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (¬1) (587 هـ). 2) البناية في شرح الهداية للعيني (¬2) (855 هـ). 3) فتح القدير شرح الهداية لابن الهمام (¬3) (861 هـ). ¬
ثالثا: المذهب المالكي
4) البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم (¬1) (970 هـ). ثالثًا: المذهب المالكي: 1) الاستذكار لابن عبد البر (¬2) (463 هـ). 2) عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي لابن العربي (¬3) (543 هـ). 3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (¬4) (671 هـ). 4) الذخيرة للقرافي (¬5) (684 هـ). ¬
رابعا: المذهب الشافعي
رابعًا: المذهب الشافعي: 1) الأم للإمام الشافعي (204 هـ). 2) شرح السنة للبغوي (¬1) (516 هـ). 3) المجموع شرح المهذب للنووي (¬2) (676 هـ). 4) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (¬3) (852 هـ). 5) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشربيني (¬4) (977 هـ). ¬
خامسا: المذهب الحنبلي
خامسًا: المذهب الحنبلي: 1) المغني لابن قدامة (¬1) (620 هـ). 2) مجموع فتاوى ابن تيمية (728 هـ) جمع: عبد الرحمن القاسم (¬2) وابنه محمد. 3) جامع الرسائل لابن تيمية، جمع: د. محمد رشاد سالم. 4) مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية، جمع الشيخ: محمد رشيد رضا. 5) مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، جمع: البعلي (¬3). 6) زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية (¬4) (751 هـ). 7) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية. ¬
سادسا: المذاهب الأخرى
8) حاشية الروض المربع لعبد الرحمن القاسم (1392 هـ). سادسًا: المذاهب الأخرى: 1) جامع الترمذي للإمام الترمذي (¬1) (279 هـ). 2) جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري (¬2) (310 هـ). 3) المحلى لابن حزم (456 هـ). 4) سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام للصنعاني (¬3) (1182 هـ). 5) نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار للشوكاني (¬4) (1250 هـ). ¬
أهمية الموضوع
• أهمية الموضوع: تبرز أهمية الموضوع في النقاط التالية: أولًا: قلة الأحاديث الواردة في كتاب البيوع، بالنسبة لكتاب العبادات، وقد جمع أحد الإخوة الأحاديث في كتاب البيوع من الكتب التسعة، فلم تتجاوز الخمسمائة حديث فقط (¬1)، وهذا يعني أهمية إبراز الدليل الثالث، حتى يستفاد منه في قضايا المعاملات ونوازلها المعاصرة. ثانيًا: تسهيل الوصول إلى الدليل الثالث من أدلة الشريعة المتفق عليه، وتقريبه بين يدي الأمة الإِسلامية، خاصة العلماء منهم الذين إليهم مردُّ الفتوى في الدين؛ إذ إن من شروط بلوغ درجة الاجتهاد أن يكون المجتهد على بصيرة بمواطن الإجماع والخلاف. ثالثًا: تضييق دائرة الخلاف بين المسلمين، وقطع دابر التعصب الذي فشا بين المذاهب الأربعة المعتبر؛ إذ مسائل الإجماع التي اتفقت عليها الأمة كثيرة وليست قليلة، ولا يخفى أن من الخلاف ما فرق جمع الأمة، وشتت شملها، وأفسد رأيها، وسلط أعداءها عليها، فبالإجماع تتحد الصفوف، وتجتمع الكلمة، ويَلْتم الشعث، ويندحر التعصب. رابعًا: ظهر في هذا الزمان أناس نسبوا أنفسهم للعلم وأهله، وليس لهم من الفقه إلا رسمه، ولا لهم من العلم إلا اسمه، فأخذوا يبحثون في كتب الفقهاء ما يوافق أهواءهم، ويحقق شهواتهم، فنظروا في الأقوال الشاذة، وأظهروها للناس على أنها أقوال قال بها علماء متقدمين، بل تعدى الأمر إلى أن يصبغ هذا بصبغة الدين، وأنه من المرونة التي تتسم بها هذه الشريعة الغراء، من غير النظر في صحة الأقوال وعدمها، أو موافقتها للدليل، أو مخالفتها للإجماع، وهذا أدهى وأمر، فكل يؤخذ منه ويرد إلا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتعبد للَّه إنما هو بالنصوص الشرعية لا بأقوال الفقهاء، وتتبعُ الشواذ من طرائق أهل البدع والإلحاد، وليس هذا من سمت أهل الحق والاستقامة في شيء. ¬
أسباب اختيار البحث
فلعل هذا البحث أن يَسدَّ الطريق عليهم، ويغلق المنافذ التي ولجوا منها للوصول إلى هذه الثغرات. • أسباب اختيار البحث: ترجع أسباب اختيار الباحث للبحث إلى أمور أهمها: أولًا: عدم وجود دراسات سابقة تجمع بين الشمول والتمحيص متخصصة في هذا الباب. ثانيًا: قلة الكتب المؤلفة في هذا الباب عند المتقدمين، وهذا البحث يجمع شتات ما تفرق في بطون الكتب من الإجماعات المتناثرة فيها، فيكون هذا من المساهمة في إبراز هذا الدليل للعلماء والمتعلمين، وتقريب مسائله، حتى يسهل الوصول إليها بعيدا عن العناء والمشقة. ثالثًا: أنه بمعرفة الإجماع يجعل الأمة كلها تقف على دليل من الأدلة القطعية التي لا تجوز لهم مخالفته، فلا يتعدوا حَدَّه، ولا يتجاوزوا رسمه، إذا نظروا في المسائل والنوازل. رابعًا: إعانة الباحثين على تحرير محل النزاع في المسائل الفقهية، وذلك لا يتم إلا بمعرفة مواطن الإجماع في المسألة. خامسًا: هذا البحث يُعرَّف الباحث بالإجماعات الصحيحة من الضعيفة، وكذلك الإجماعات المذهبية من الإجماعات المرادة بالمعنى الأصولي؛ إذ المسائل التي حُكي فيها الإجماع كثيرة جدًّا، لكن ليس كل ما حُكي فيه الإجماع يعتبر إجماعًا صحيحًا، لذا فلا غرابة في مقولة أبي إسحاق الإسفراييني (¬1) حين يقول: [نحن نعلم أن مسائل الإجماع أكثر من عشرين ألف مسألة. وبهذا يُردُّ قول الملحدة: إن هذا الدين كثير الاختلاف؛ إذ لو كان حقًّا لما اختلفوا فيه. فنقول: ¬
الدراسات السابقة
أخطأت، بل مسائل الإجماع أكثر من عشرين ألف مسألة، ثم لها من الفروع التي يقع عليها الاتفاق منها وعليها، وهي صادرة عن مسائل الإجماع التي هي أصول أكثر من مائة ألف مسألة، يبقى قدر ألف مسألة هي من مسائل الاجتهاد، والخلاف في بعضها يحكم بخطأ المخالف على القطع، وبفسقه، وفي بعضها ينقض حكمه، وفي بعضها يتسامح، ولا يبلغ ما بقي من المسائل التي تبقى على الشبهة إلى مائتي مسألة] (¬1). سادسًا: معرفة قول جماهير العلماء يعتبر من الأهمية بمكان، ولذا جعله بعض الأصوليين مرجحًا من المرجحات (¬2)، ولا شك أن الإجماع إن لم يكن صحيحًا فهو قول جماهير العلماء، وينبغي لطالب العلم أن يتهيب مخالفته إلا بحجة وبرهان. • الدراسات السابقة: لم تكن هذه الموسوعة التي يشترك فيها الباحث مع زملائه في هذا البحث بدعة لم يُسْبقوا إليها، بل ثمة دراسات كثيرة في هذا الموضوع سبقت هذا المشروع، والدراسات التي وقف عليها الباحث في هذا سارت على طريقتين، هما: الطريقة الأولى: التخصص في عالم معين، والباحثون على هذه الطريقة لهم اتجاهان: الاتجاه الأول: جمع الإجماعات التي تكلم عنها العالم مع دراستها صحة وضعفًا، وذكر من خالف الإجماع، وتحقيق الخلاف في المسألة، ومن هؤلاء الذي وقفت على بحوثهم: 1) إجماعات ابن عبد البر، من الأيمان والنذور إلى كتاب البيوع لعبد الرحمن الموجان، رسالة دكتوراه مقدمة في جامعة أم القرى. 2) إجماعات ابن عبد البر في البيوع والنكاح وفرقه من كتابه التمهيد جمعا ودراسة، لمحمد بن عبد اللَّه بن عتيق، رسالة ماجستير مقدمة في قسم الثقافة ¬
الإِسلامية في كلية التربية بجامعة الملك سعود. 3) تحرير اتفاقات ابن رشد، من كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد [أحكام الأسرة والمعاملات المالية عدا الوصايا] لمحمد عبد الرحيم الخالد، رسالة ماجستير مقدمة في جامعة أم القرى. 4) إجماعات الإمام النووي في شرح مسلم، لعلي الراشدي، رسالة ماجستير في جامعة أم القرى. ويمكن إجمال المآخذ على هذه الطريقة، ومن كتب فيها في النقاط التالية: أولًا: عدم ذكر الموافقين للإجماع من المذاهب الأخرى الذين لم يَذْكُروا الإجماع في المسألة، وتوثيق ذلك من كتب المذاهب، وهذا من شأنه أن يوقف القارئ على أقوال العلماء في المسألة، فلربما اختلفت وجهات النظر في فهم القول ومعرفته. ثانيًا: الاقتصار على عالم واحد في دراسة المسائل، وهذا فيه بُعْد عن الشمولية في بحث المسائل، وربما يكون فيه جانب إيجابي وهو التعرف على منهج العالم واستخلاص النتائج الدقيقة في بيان منهجه في حكاية الإجماع، وألفاظه التي يستخدمها في حكايته للإجماع، والتفريق بينها. ثالثًا: الاقتصار على تحرير كلام المذاهب الأربعة فقط دون من عداهم، ودون النظر في مستند الإجماع، وهذا ما وقع للرسالة الثالثة. رابعًا: فوات كثير من الإجماعات التي ينقلها العالم على الباحث، وهذا ما وقع للأول منهم. الاتجاه الثاني: الاقتصار على ذكر الإجماعات التي حكاها العالم فقط، ومن هؤلاء: 1) موسوعة الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية، للدكتور/ عبد اللَّه بن مبارك البوصي. جمع فيها جميع المسائل التي حكى فيها شيخ الإسلام الإجماع في مسائل الفقه، ورتب أبوابها على ترتيب متأخري الحنابلة، وقد جمعها من أكثر من خمسين مجلدًا من كتب شيخ الإسلام.
2) الإجماع لابن عبد البر، لفؤاد الشلهوب وعبد الوهاب الشهري. وقد جمعا إجماعات ابن عبد البر في كتاب التمهيد فقط. ويمكن إجمال الملاحظات على هذه الطريقة ومن كتب فيها في النقاط التالية: أولًا: أن حظ أصحابها منها إنما هو الجمع فقط، دون التمحيص والتدقيق، والنظر في صحة الإجماع من عدمه. ثانيًا: عدم الاهتمام بمسائل كثيرة تخدم الإجماع في المسألة المنقولة، كتصوير المسألة وبيان المراد منها، وذكر مستند الإجماع، والموافقين والمخالفين للإجماع ونحو ذلك. ثالثًا: مع اهتمام الأول بهذا الجمع إلا أنه فاته إجماعات كثيرة لم ينقلها عن ابن تيمية في كتبه. الطريقة الثانية: الجمع المطلق لمجموعة من العلماء: وهذا -حسب علمي القاصر- لم أجد من فعله إلا اثنين: الأول: الحافظ ابن القطان في كتاب سماه [الإقناع في مسائل الإجماع] جمع الإجماعات فيه من أربعة وعشرين كتابًا من كتب المتقدمين، بعضها لا يُعرفُ له وجود، وقد سُجل تحقيق الكتاب في رسالتي ماجستير في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإِسلامية، ومنهج التحقيق عند الباحِثَين إنما هو توثيق الإجماع من المذاهب الأربعة، من غير النظر في صحة الإجماع وعدمه (¬1). الثاني: الأستاذ سعدي أبو حبيب في كتاب أسماه [موسوعة الإجماع في الفقه الإِسلامي] وقد جمع جمعا مباركا، استخلصها من ستة عشر كتابًا من الكتب التي رأى أنها تعتني بالإجماع (¬2). ¬
أهداف البحث
وأجمل المآخذ على هذه الطريقة ومن كتب فيها في الأمور التالية: الأول: أن حظهما من التصنيف إنما هو الجمع فقط، ولم يُعْملا القلم في التحرير والتدقيق والنقد لما نقلاه من المسائل. الثاني: التصرف في نقل عبارات العلماء، فلم يكن نقلهم نقلا نصيا؛ ولذا وقع لهم بعض القصور في نقل المسائل. الثالث: التكرار في المسائل وهذا عند ابن القطان، فهو ينقل عن العالم من كتابه، ثم ينقل عن العالم الآخر، فربما تكرر الإجماع عند الثاني وهكذا. الرابع: أن الأول منهما نقل عن كتاب متخصص في نقل النوادر الفقهية، ولم يكن في نقل الإجماعات (¬1). الخامس: أن الثاني عَدَّ من الإجماع ما يذكره الترمذي في جامعه من قوله: [العمل على هذا عند أهل العلم] وهذه العبارة لم يقصد منها المؤلف حكاية الإجماع في المسألة كما سيأتي. ولذا سيكون العمل في هذا البحث جامعًا بين الطريقتين، وهما: الأولى: جمع المسائل التي حُكِي فيها الإجماع من كتب الفقهاء. الثانية: تحرير هذا الإجماع بالنظر في ثبوته من عدمه، وذكر مستنده، وبيان المخالف في المسألة وتأثير المخالفة فيها. ولا شك أن هذا يحتاج إلى جهد مضاعف، وأوقات كبيرة، وقبل هذا وبعده عون اللَّه وتوفيقه. • أهداف البحث: أما الهدف الكلي العام للبحث فهو: تقريب المصدر الثالث من مصادر الشريعة المتفق عليها بين يدي الأمة، وذلك من خلال جمع المسائل التي حُكي ¬
أسئلة البحث
فيها الإجماع، ثم تمييز الصحيح من الضعيف منها، تقريبًا مرتبًا حسب الأبواب الفقهية. أما الأهداف الجزئية فهي إجمالًا ما يلي: 1) جمع المسائل التي حكي فيها الإجماع في عقود المعاوضات، من خلال الكتب التي أُقرت من قبل اللجنة المشرفة على المشروع، ودراسة صحتها من عدمه. 2) ذكر مستند الإجماع في مسائل الباب من الكتاب والسنة، وسائر الأدلة الأخرى المختلف فيها. 3) التعرف على ألفاظ العلماء في حكايتهم للإجماع في المسألة. 4) معرفة أقوال جماهير العلماء. 5) الاطلاع على الأقوال الشاذة التي لا يُعتد بها، وتعتبر مخالفة للإجماع. 6) هذا البحث يجمع للباحث بين علمي الوسيلة والغاية، وهما: الفقه وأصوله، ذلك أن طبيعة البحث تتطلب النظر في القواعد الأصولية المنضبطة، ومن ثم الخوض في غمارها بين الكتب الفقهية، ومثل هذا يُمكَّن الباحث من الملكة الفقهية، والدربة العلمية، في الجمع بين التأصيل والتطبيق. • أسئلة البحث: من خلال النظر في البحث فإن الباحث قد أجاب على عدة أسئلة، أهمها: س: ما المسائل التي حُكِي فيها الإجماع بين العلماء في عقود المعاوضات؟ س: ما مستند الإجماع في هذه المسائل؟ س: ما صحة الإجماع في مسائل البحث المبحوثة؟ س: ما الطريقة العلمية المناسبة في التمييز بين الأقوال الشاذة والمعتبرة التي خالفت الإجماع؟ س: ما الكتب التي تعتني بذكر الإجماع ابتداءً، وكذلك نقلا عن الآخرين؟ س: ما طرائق العلماء في الإجماع، سواء كان في نقله، أو في التفريق بين ألفاظه؟
منهج البحث
• منهج البحث: الناظر في هذا البحث يجد أن الباحث يحتاج إلى الجمع بين طريقتي البحث المعتمدة، وهما: الطريقة الاستقرائية، والطريقة الاستنتاجية. فأولًا: يعتمد استقراء النصوص المتصلة بالموضوع استقراءً تامًا، ثم تصنيفها وترتيبها حسبما يقتضيه التحليل العلمي. ثم ثانيًا: التحليل العلمي لهذه النصوص، ويعني الفحص والاختبار لهذه المادة العلمية والتوصل إلى النتائج بإقرار ما كان صحيحا مناسبًا، وإلغاء ما كان ضعيفًا غير مناسب (¬1). • إجراءات البحث: أما إجراءات البحث التي سار عليها الباحث فكما يلي: الأول: الكتابة في الموضوع ذاته وتكون على النحو التالي: أولًا: يقوم الباحث بحصر جميع الإجماعات الواردة في الكتب المقررة، وهي ثلاثون كتابا -سبق تسميتها-، ومن ثَم ترتيبها على حسب الأبواب الفقهية في عقود المعاوضات المالية، وقد سار الباحث في ترتيب المسائل داخل الأبواب على ما كتبه متأخروالحنابلة، وأعتمد كتاب الروض المربع إذ هو المشهور عند متأخريهم، إلا نزرا يسيرا منها، وهي المسائل التي لم يَنص عليها الحنابلة في كتبهم، واحتاج الباحث إلى بحثها لكونها في كتب لا يمكن استدراكها في البحوث الأخرى، كالمسائل التي ذكرها ابن المنذر وابن حزم وابن هبيرة، وغيرهم في كتبهم المفردة للإجماع. ثانيًا: أضع عنوانا مناسبا للمسألة، يكون شاملا لها. ثالثًا: أشرع بعد هذا ببيان المراد من المسألة التي حكي فيها الإجماع، وهذا يشمل تعريف المصطلحات الواردة في عنوان المسألة من جهة اللغة والاصطلاح، ثم تصوير المسألة والاقتصار عليه من غير بيان المسائل الأخرى ¬
المشابهة، أو ذكر تقسيمات متابعة للمسألة إلا عند الحاجة لذلك، مع مراعاة أن العلماء قد يتفاوتون في حكاية الإجماع فمنهم: الذي يذكره مختصرا، ومنهم الذي يسترسل في ذكر قيود وفروع له، فأراعي ذلك في شرح المسألة. والمقصود بالاصطلاح عند إطلاقه إنما هو اصطلاح الفقهاء، والتنبيه عليه هنا من أجل الاستغناء عن ذكره في ثنايا البحث. رابعًا: بعد هذا أذكر من نقل الإجماع في المسألة، فأذكر اسم العالم، ثم تاريخ وفاته، ثم أنقل نص عبارته التي حكى فيها الإجماع، وقد تكون العبارة في معرض كلام له لا يستقيم الكلام إلا بذكر ما يوضحها، فأذكر ما يوضح المراد إما قبل إيراد كلامه، أو أثناء الكلام لكني أميز التوضيح بوضعه بين شرطتين وأفتتحه بكلمة [أي] للدلالة على أن الكلام من الباحث، وألتزم بنقل الإجماع عن العلماء ترتيبَهم الزمني حسب وفاتهم. خامسًا: أذكر من نقل الإجماع عن العالم، فإن نص أحد العلماء على أنه نقله عن عالم آخر، فإني أذكر بعد هذا أن فلانا نقله من الأول، وإلا فإني أنقل عبارة العالم حتى وإن كانت بالنص، من أجل أن يتعرف القارئ الكريم على مناهج العلماء في النقل والاستفادة من بعضهم، وطرقهم في ذلك، وتصرفهم في العبارة في بعض الأحيان، ولا شك أن النقل أوكد وأوثق في موافقة الإجماع. سادسًا: أذكر من وافق العلماء الذين نقلت عنهم الإجماع من المذاهب الأخرى الذين لا ينتمي إليهم العلماء المنقول عنهم الإجماع، فمثلا: إذا انفرد ابن عبد البر بحكاية الإجماع في المسألة، فإني أذكر المذاهب الأخرى التي لا ينتمي إليها ابن عبد البر وهي المذهب الحنفي، ثم الشافعي، ثم الحنبلي، وأذكر المسألة عند ابن حزم من المذهب الظاهري إذا وجدتها صراحة، وإلا فلا، إلا في القليل النادر من المسائل الظاهرة التي يعلم قوله فيها وإن لم ينص عليه مبينا ذلك في الحاشية، واقتصرت على ذكر المذاهب الأربعة دون ذكر مذاهب الصحابة والتابعين وأتباعهم، وغيرهم من العلماء المستقلين عن المذاهب؛ وذلك لأن القول الذي حُكي فيه الإجماع هو الأصل، فذكرهم استكثار لا حاجة له. فإن وجدت المسألة في المذهب منصوصا عليها، فالحمد للَّه، وإلا فإني
الثاني: الهوامش
أجتهد في إلحاق المسألة بنظائرها من مسائل المذهب وما يشبهها من الفروع الفقهية، وأنبه على هذا في الحاشية. سابعًا: أذكر مستند الإجماع في المسألة من الكتاب والسنة إن كان، وإلا فمن أدلة الاستنباط الأخرى المعتبرة عند العلماء، هذا كله إذا وجدت العلماء قد استدلوا به، وإلا فإني أجتهد في استنباط الأدلة للإجماع، وعلامة ذلك في البحث عدم التوثيق وهذا من حيث الأصل، ولا أستقصي بذكر جميع الأدلة، وإنما اقتصر على الدليلين والثلاثة حتى لا يخرج البحث عن المقصود، ولا أزيد على هذا إلا إذا كانت المسألة ذات فروع متعددة. ثامنًا: أذكر القول المخالف للإجماع المحكي في المسألة، ثم أذكر دليله إن وجد وإلا فأجتهد في استنباط دليل له، ثم بعد هذا أُثني بذكر نقد القول إن كان، وذلك ببيان ضعفه، أو شذوذه إن وافق القاعدة، سواء نص على ذلك عالمٌ، أو كان اجتهادا من الباحث. تاسعًا: أذكر نتيجة الإجماع المحكي في المسألة هل ثبت أم لا؟ مع بيان التعليل باختصار، وهي بحسب اجتهاد الباحث واطلاعه. عاشرًا: وحَّد الباحث العناوين المندرجة تحت المسألة، فجعلها كلها بلفظ الإجماع سواء كان الإجماع بلفظ الاتفاق أو بنفي الخلاف. الحادي عشر: قام الباحث بترقيم المسائل ترقيما تسلسليا، ووضع رقمين لكل مسألة، رقم بحسب ورودها في البحث، وآخر بحسب ورودها في المبحث أو المطلب. الثاني: الهوامش: 1) عزوت الآيات إلى سورها مع ذكر رقمها. 2) خرجت الأحاديث والآثار من مصادرها في كتب السنة المعتمدة، فإذا كان الحديث في الكتب الستة، فإني أذكر رقم الحديث أو الأثر، ثم رقم الجزء، والصفحة، فإذا كان الحديث في الصحيحين، أو في أحدهما فأكتفي بتخريجه منهما فقط ولا أزيد، وإلا فأُخرج الحديث من المصادر الأخرى مع نقل كلام العلماء المتقدمين الذين يعتمد عليهم في نقد الحديث وبيان درجته صحة وضعفا،
الثالث: الخاتمة
ولا ألتزم هذا في الآثار. 3) وثقت أقوال الفقهاء من الكتب المعتمدة في كل مذهب، وجمعت توثيق المذاهب في فقرة الموافقين على الإجماع، حسب ترتيبهم الزمني في حاشية واحدة، طلبا للاختصار في الحواشي، وعادة الباحث عند توثيق الكتب ألا يذكر معلومات الكتاب اكتفاء بما سيذكر في قائمة المراجع إلا في الكتب المتشابهة. 4) عرفت بالمصطلحات الأصولية والفقهية التي ترد في صلب البحث، موثقة من مصادرها ومراجعها المعتمدة. 5) بينت معاني الألفاظ اللغوية الغريبة التي ترد في البحث مع توثيقها من كتب معاجم اللغة المعتمدة. 6) في حالة النقل من كتاب يشتمل على جزء واحد، فقد ذكرت الصفحة مسبوقة بحرف الصاد هكذا (ص: ). 7) ترجمت باختصار لكل علم يرد في صلب البحث ترجمة تتضمن: اسمه، ونسبه، ومذهبه الفقهي، وشهرته، وأهم مؤلفاته، وتاريخ مولده ووفاته، مع ذكر مصادر ترجمته. واقتصرت في التراجم على غير المشهورين، فالخلفاء الأربعة، والأئمة الأربعة، والمعاصرون، ومشاهير الصحابة -وهم الذي كثرت روايتهم لحديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحوهم أشهر من أن أترجم لهم. الثالث: الخاتمة: دونت فيها أهم نتائج البحث وتوصياته التي خلصت إليها في البحث، وجعلتها على هيئة عناصر مرقومة، راعيت فيها دقة الصياغة والإيجاز، بحيث تعطي صورة واضحة عن البحث. الرابع: الفهارس، وتتضمن ما يلي: 1) فهرس المصادر والمراجع. 2) فهرس الموضوعات. هذه هي إجراءات البحث التي التزمها الباحث في بحثه، وبذل وسْعه في السير
خطة البحث
عليها، وما ندَّ عنها، فهي غفلة الذهن المكدود، أو الضرورة التي ليس عنها محيد. • خطة البحث: وتحتوي على مقدمة، وتمهيد، وثمانية أبواب، وخاتمة، وهي على النحو التالي: المقدمة: وقد بينت فيها مشكلة البحث، ثم حدوده وأهميته، ومن بعدها أسباب اختياره، والدراسات السابقة، ثم أهدافه وأسئلته ومنهجه، ويأتي بعدها إجراءاته وخطته. أما التمهيد: وفيه الدراسة التأصيلية لبعض مسائل الإجماع. ويشتمل على سبعة مباحث: المبحث الأول: تعريف الإجماع في اللغة والاصطلاح. المبحث الثاني: مكانة الإجماع وحجيته. المبحث الثالث: أنواع الإجماع، وتحته مطلبان: المطلب الأول: أنواع الإجماع باعتبار ذاته. المطلب الثاني: أنواع الإجماع باعتبار قوته. المبحث الرابع: شروط الإجماع. المبحث الخامس: خلاف أهل الظاهر. المبحث السادس: القول الشاذ أحكامه وضوابطه. المبحث السابع: وقفات وملاحظات مع مناهج العلماء في حكاية الإجماع. أما أبواب الدراسة في عقود المعاوضات المالية، فيندرج تحتها ثمانية أبواب: الباب الأول: مسائل الإجماع في أسباب التملك والكسب. الباب الثاني: مسائل الإجماع في كتاب البيع، ويندرج تحته ستة فصول: الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب شروط البيع.
الصعوبات التي واجهت الباحث
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الشروط في البيع. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب الخيار في البيع. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب الصرف. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في باب بيع الأصول والثمار. الفصل السادس: مسائل الإجماع في باب السلم. الباب الثالث: مسائل الإجماع في كتاب الإجارة. الباب الرابع: مسائل الإجماع في كتاب المساقاة والمزارعة. الباب الخامس: مسائل الإجماع في كتاب الجعالة. الباب السادس: مسائل الإجماع في كتاب الصلح. الباب السابع: مسائل الإجماع في كتاب المسابقة. الباب الثامن: مسائل الإجماع في كتاب الشفعة. أما الخاتمة فأبرزت فيها أهم النتائج والتوصيات التي توصلت إليها من خلال رحلة البحث. • الصعوبات التي واجهت الباحث: لا يخفى أن البحوث العلمية متفاوتة في الكم والكيفية، وليست على درجة واحدة، وكل بحث تعتريه مشاكل وصعوبات تعليق البحث والباحث، وفي هذا البحث مرت على الباحث بعض الصعوبات، أذكر أبرزها: أولًا: أن البحث متعلق بالمعاملات التي هي أدق أبواب الفقه على الإطلاق، وكانت تمر بالباحث مسائل يمكث فيها الليالي ذوات العدد في فهمها، ومعرفة المراد منها، وتمييزها عما يشبهها من المسائل. ثانيًا: كثير من المسائل التي مرت بالباحث مسائل متعلقة بتفريعات المذاهب، وفي أحيان كثيرة لا يجد الباحث هذه الفروع في المذاهب الأخرى، مما يجعله يبحث عن تخريج أو قياس على هذا الفرع، ومثل هذا لا يخفى فيه قدر الطاقة والجهد المبذولين فيه على الممارس له.
شكر وعرفان
ثالثًا: طول البحث وتشعب فروعه، فالمسائل المبحوثة تربو على الثلاثمائة وستين مسألة، والباحث جاوز الوقت المعتاد للبحث، ووقته وجهده وطاقته كلها مصروفة إلى هذا البحث، واللَّه يعلم الحال، وإليه المرد والمآل. ومع هذه الصعاب إلا أن أفضال ربي علي لا تعدُّ ولا تحصى، فلولا فضله وتوفيقه على عبده الضعيف لبقي البحث حبيسا، وسُلِب الباحث توفيقا. • شكر وعرفان: في ختام هذه المقدمة أحمد ربي على نعمه العظام، وفضائله الجسام، أن يسر لي السبيل، وسهل علي الطريق، فلولا فضل ربي لما كان هذا البحث قد تم، ولا كان هذا الخير قد عم، ولا أملك إلا أن أمثتل قول النبي الصالح سليمان عليه السلام {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (¬1). ومن باب "لا يشكرُ اللَّه من لا يشكرُ الناس" (¬2)، فإني أكتب صفحات الشكر لجامعة الملك سعود التي أتاحت لي فرصة المواصلة والبحث في قسم الثقافة الإِسلامية، بكلية التربية. ثم أُثني بصاحب الخلق العالي، والأدب الضافي، المشرف على البحث، فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الرحيم صالح يعقوب، فقد كانت له آثار ظاهرة، وبصمات واضحة على البحث والباحث، فالباحث مدين له بالفضل والإحسان في بحثه ما بقي في الحياة. ثم أثلث بذي الرأي المُسدد، والقول الموفق، فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد اللَّه ابن إبراهيم الناصر، فقد كانت له آثار لا تُنسى، وأفضال لا تُجحد، في إعدادات البحث ومقدماته، بل ما استقام مشروع البحث على عوده، ولا استوى على سوقه إلا باهتمامه وحرصه، فله مني الثناء، وله علي الدعاء. ¬
ثم أعرج على بقية أعضاء لجنة المناقشة، وهم فضيلة شيخي الأستاذ الدكتور/ خالد بن علي المشيقح، وفضيلة شيخي الأستاذ الدكتور/ حسن بن عبد الغني أبو غدة، وفضيلة الشيخ الدكتور/ بله الحسن عمر، فأشكر لهم قبولهم المناقشة، وتكبدهم قراءة الرسالة. وأختم كلمات الشكر لكل من أسدى إلي معروفا، أو أهدى إلي خيرا، فأهل الفضل علي كثير، وحقهم علي عظيم، فاللهم اجزهم عني خير الجزاء وأوفاه، وأعظم البر وأعلاه. وأخيرا أستغفر اللَّه مما زلَّ به القلم، أو طغى به الفِكر، ورحم اللَّه عبدا أقال العَثرة، وستر العَيبة، وأسدى النصيحة، وأخفى النقيصة. واللَّه أعلم وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبها علي بن عبد العزيز بن أحمد الخضيري يوم الاثنين الموافق 9/ 3/ 1429 هـ
التمهيد: الدراسة التأصيلية لبعض مسائل الإجماع
التمهيد: الدراسة التأصيلية لبعض مسائل الإجماع وتحته عدة مباحث: المبحث الأول: تعريف الإجماع في اللغة والاصطلاح. المبحث الثاني: مكانة الإجماع وحجيته. المبحث الثالث: أنواع الإجماع. المبحث الرابع: شروط الإجماع. المبحث الخامس: خلاف أهل الظاهر. المبحث السادس: القول الشاذ أحكامه وضوابطه. المبحث السابع: وقفات وملاحظات مع مناهج العلماء في حكاية الإجماع. * * *
المبحث الأول: تعريف الإجماع في اللغة والاصطلاح
المبحث الأول: تعريف الإجماع في اللغة والاصطلاح أولًا: تعريفه في اللغة: أصل الكلمة الجيم والميم والعين يدل على ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض، يقال: جمعته فاجتمع، ومنه قوله تعالى: {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} (¬1). ويقال: وأَجْمعت كذا، أكثر ما يقال فيما يكون جمعا يُتوصل إليه بالفكرة، نحو {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} (¬2) وقال تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} (¬3) ويقال: أجمع المسلمون على كذا، أي: اجتمعت آراؤهم عليه (¬4). والإجماع: الإحكام والعزيمة على الشيء، تقول: أجمعت الخروج، وأجمعت على الخروج، ويقال: أجمعت الرأي، وأزمعته، وعزمت عليه، كلها بمعنى، وفي الحديث: "من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له" (¬5) أي: إحكام النية والعزيمة (¬6). ثانيًا: تعريفه في الاصطلاح عرف العلماء الإجماع بعدة تعاريف مختلفة؛ نظرا لاختلاف العلماء في كثير ¬
بيان شرح التعريف ومحترزاته
من المسائل المتعلقة بأركان الإجماع، وشروطه، وأحكامه (¬1). وسأكتفي بذكر أجمع التعاريف في بيان معنى الإجماع الأصولي، وهو: اتفاق مجتهدي الأمة، بعد وفاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في عصر على أيِّ أمر كان (¬2). بيان شرح التعريف ومحترزاته (¬3): [اتفاق] أي: الاشتراك في الرأي أو الاعتقاد، سواء أدلَّ عليه الجميع بأقوالهم جميعا، أم بأفعالهم جميعا، أم يقول البعض وفعل البعض -وهذا يشمل أنواع الإجماع الصريح- أم يقول البعض أو فعله مع سكوت البعض الآخر -وهذا يشمل الإجماع السكوتي- (¬4). [مجتهدي] المجتهد: هو الذي يبذل وُسْعه في طلب الظن بحكم شرعي على وجه يُحِس معه بالعجز من المزيد عليه (¬5). [الأمة] المراد بها: أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- الذين آمنوا به واتبعوه في أي زمان كان. وخرج بهذه الألفاظ السابقة: 1) اتفاق المقلدين والعوام. 2) اتفاق بعض المجتهدين. 3) اتفاق المجتهدين من غير هذه الأمة. فكل هؤلاء لا يعد اتفاقهم إجماعا يحتج به (¬6). ¬
[بعد وفاة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-] وهذا يخرج الاتفاق الذين يكون في حياته؛ فإنه لا عبرة به، يقول الرازي (¬1): [الإجماع إنما ينعقد دليلا بعد وفاة الرسول عليه السلام؛ لأنه ما دام عليه السلام حيا لم ينعقد الإجماع من دونه. . .، ومتى وجد قوله فلا عبرة يقول غيره] (¬2). [في أي عصر] أي: أن الاتفاق يحصل في أي زمن كان، سواء كان في زمان الصحابة، أم في زمن من بعدهم (¬3). والمقصود أن يتفق العلماء كلهم على أمر ثم ينقرض زمانهم ولم يخالف أحد منهم. [على أيِّ أمر كان] وهذا قيد يدخل فيه: 1) الأمر الديني: كأحكام الطهارة، والصلاة، والمعاملات، ونحوها. 2) الأمر الدنيوي: كترتيب الجيوش، والحروب، وتدبير أمور الرعية، ونحوها. 3) الأمر العقلي: كحدوث العالم. 4) الأمر اللغوي: يكون الفاء للترتيب والتعقيب (¬4). وهذه الأمور الثلاثة الأخيرة المراد منها ما له صلة بالحكم الشرعي، وعليه فيكون الإجماع فيها ليس مقصودا لذاتها بل لما يلزم منها (¬5). فلا حاجة لتقييد التعريف بالأمر الديني إذا كان هذا هو المراد. ¬
المبحث الثاني: مكانة الإجماع وحجيته
المبحث الثاني: مكانة الإجماع وحجيته • أولًا: مكانة الإجماع: 1) الإجماع حجة قاطعة، ودليل ظاهر من أدلة الشريعة، بل هو ثالث الأدلة المتفق عليها بعد كتاب اللَّه، وسنة النبي عليه السلام، كما دل عليه كتاب عمر -رضي اللَّه عنه- إلى شريح القاضي (¬1) حين قال له: [اقض بما في كتاب اللَّه، فإن لم تجد فبما في سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإن لم تجد فبما قضى به الصالحون] وفي رواية: [فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به] (¬2). وما جاء عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه قال: [من عرض له منكم قضاء بعد اليوم، فليقض بما في كتاب اللَّه، فإن جاء أمر ليس في كتاب اللَّه، فليقض بما قضى به نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإن جاء أمر ليس في كتاب اللَّه، ولا قضى به نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فليقض بما قضى به الصالحون، فإن جاء أمر ليس في كتاب اللَّه، ولا قضى به نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا قضى به الصالحون، فليجتهد رأيه] (¬3). وفي هذا رد على ما جاء عن بعض المتأخرين من الرجوع أولا للإجماع، فإن ¬
وجده لم يلتفت إلى غيره، وإن وجد نصا يخالفه اعتقد أنه منسوخ بنص لم يبلغه، وهو رد على الطائفة الأخرى التي تقول بأن الإجماع نفسه ينسخ النص، وهذا كله مخالف لمنهج السلف الصالح (¬1). وهذا مراد منه الإجماع الظني، أما الإجماع القطعي فهو مقدم على غيره من الأدلة؛ لأن غاية ما في الأمر هو تقديم النصوص القطعية الثبوت والدلالة على النصوص الظنية الثبوت أو الدلالة، لا أنه تقديم للإجماع على النص (¬2). 2) والإجماع دليل تبعي وليس استقلاليا، فهو تابع للكتاب والسنة؛ لأن مرده إليهما، فلا بد له من مستند يرجع إليه، سواء عُلم هذا المستند أم لا فإذا ثبت دل على رفع الاحتمال، والتأويل، والتخصيص، والنسخ في النصوص الشرعية، وكان هذا سبيلا من سبل رفع الجهد عن المجتهد في النظر والاستنباط (¬3). 3) والمنكر للإجماع، أو المخالف له بعد علمة به، وقيام الحجة عليه، يعد متبعا لسبيل غير المؤمنين، وفي هذا يقول ابن حزم: [ومن خالفه -أي: الإجماع - بعد علمه به، أو قيام الحجة عليه بذلك، فقد استحق الوعيد المذكور في الآية] (¬4). يقصد ما جاء في قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} (¬5). ومن جحد المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة، وهو: ما يعرفه الخواص والعوام من غير تشكيك: كوجوب الصلاة والصوم، وحرمة الزنا والخمر، فهذا كافر قطعا؛ لأن جحده يستلزم تكذيب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ومن جحد المجمع عليه الخفي الذي لا يعرفه إلا الخواص، حتى وإن كان منصوصا عليه: كفساد الحج بالجماع قبل الوقوف، واستحقاق بنت الابن السدس ¬
ثانيا: حجية الإجماع
مع بنت الصلب، فإنه لا يكفر جاحده (¬1). • ثانيًا: حجية الإجماع: اتفق أهل العلم من أهل السنة والجماعة على أن الإجماع حجة شرعية، يجب اتباعه، والمصير إليه (¬2). يقول ابن حزم: [اتفقنا نحن وأكثر المخالفين لنا على أن الإجماع من علماء الإسلام حجة، وحجة مقطوع به في دين اللَّه عز وجل] (¬3). ويستدل لهذا بعدة أدلة من الكتاب والسنة: فمن الكتاب: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} (¬4). • وجه الدلالة: أن معنى مشاقة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: منازعته ومخالفته فيما جاء عن ربه، ومعنى سبيل المؤمنين: ما اختاروه لأنفسهم من قول أو فعل أو اعتقاد، وقد جعل اللَّه كلا من المشاقة واتباع غير المؤمنين موجبا للعقاب؛ لأنه عطفهما على بعض بالواو المفيدة للتشريك في الحكم، فيلزم أن يكون اتباع غير سبيل المؤمنين محرما، كما حرمت مشاقة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ لو لم يكن محرما لما جمع بين الحرام والمباح في الوعيد، وإذا حرُم اتباع غير سبيل المؤمنين وجب تجنُّبه باتباع سبيلهم؛ لأنه لا واسطة بينهما, ولزم من وجوب اتباع سبيلهم كون الإجماع حجة (¬5). ¬
• الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (¬1). • وجه الدلالة من الآية من وجهين: الأول: أن اللَّه تبارك وتعالى عَدَّلهم بقبول شهادتهم، ولما كان قول الشاهد حجة؛ إذ لا معنى لقبول شهادته إلا كون قوله حجة يجب العمل بمقتضاه، فيدل هذا على أن إجماع الأمة حجة يجب العمل بمقتضاه وهو المطلوب. الثاني: أنه تعالى جعل شهادتهم حجة على الأمم السابقة في الآخرة، كما جعل شهادة الرسول حجة علينا حينئذ، فيكون قولهم في الأحكام في الدنيا حجة أيضًا، قياسا على قولهم في الآخرة؛ لأنه لا معنى لكون الإجماع حجة سوى كون أقوالهم حجة على غيرهم (¬2). الدليل الثالث: قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (¬3). • وجه الدلالة من وجهين: الأول: أن الألف واللام إذا دخلت على اسم جنس دل على استغراق العموم، وعلى ذلك تكون الآية إخبارا من اللَّه عن أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر، وصِدْق خبر اللَّه يستلزم أنهم إذا نهوا عن شيء علمنا أنه منكر، وإذا أمروا بشيء علمنا أنه معروف، فكان نهيهم وأمرهم حجة يجب اتباعه. الثاني: أن النهاية في الخيرية الموصوفة بها الأمة تقتضي أن يكون ما أجمعوا عليه حقا؛ لأنه لو لم يكن حقا كان ضلالا؛ إذ ليس بعد الحق إلا الضلال، والحق ¬
ومن السنة
واجب الاتباع، فيكون إجماعهم على الحق واجبَ الاتباع (¬1). ومن السنة: يستدل على الإجماع من سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بجملة الأحاديث التي وردت في لزوم الجماعة، وبيان فضلها، وتعظيم شأنها، والإخبار بعصمتها عن الخطأ، ومنها (¬2): الدليل الأول: ما جاء في حديث عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فمن أراد بحبوحة (¬3) الجنة فليلزم الجماعة؛ فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد" (¬4). الدليل الثاني: ما جاء في حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه لا يجمع أمتي - أو قال: أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- على ضلالة" (¬5). الدليل الثالث: ما جاء في حديث أبي ذر (¬6) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬
"من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع رِبقة (¬1) الإسلام من عنقه" (¬2). • وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: قال الشافعي: [إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان، فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة أبدان قوم متفرقين، وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفُجَّار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى؛ لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئًا، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا عليهم جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما، ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أُمر بلزومها، وإنما تكون الغفلة في الفرقة، فأما الجماعة فلا يمكن فيها كافة غفلة عن معنى كتاب ولا سنة ولا قياس -إن شاء اللَّه-] (¬3). وها هنا مسألتان (¬4): المسألة الأولى: أن هذه النصوص أفادت أن العصمة ثابتة للأمة دون اشتراط عدد معين، بل إن أهل الإجماع متى ثبت اتفاقهم وجب اتباع قولهم وثبتت ¬
العصمة لهم، وبناء عليه فلا يشترط لصحة الإجماع أن يبلغ المجمعون عدد التواتر؛ لأن الدليل الشرعي لم يشترط ذلك، بل علق العصمة على الإجماع والاتفاق فقط (¬1). المسألة الثانية: أن هذه النصوص تدل على أن الإجماع حجة ماضية في جميع العصور، سواء في ذلك عصر الصحابة أو عصر من بعدهم؛ لأن أدلة حجية الإجماع عامة مطلقة، ولا يجوز تخصيص هذه الأدلة أو تقييدها دون دليل شرعي معتبر (¬2). ¬
كما لا يصح الاحتجاج لإبطال إجماع غير الصحابة بصعوبةٍ، أو تعذرِ وقوع الإجماع بعد عصر الصحابة لتفرق المجتهدين في الآفاق وانتشارهم في الأقطار، إذ غاية ذلك هو القول بعدم صحة وقوع الإجماع بعد عصر الصحابة وتعذر إمكانه. أما حجية الإجماع فأمر آخر، فلا بد من التفريق بين حصول الإجماع وإمكان ¬
وقوعه، وبين حجيته في كل عصر، وليس بين الأمرين تلازم. فالأول محل نظر بين العلماء: إذ منع بعضهم وقوع إجماع بعد عصر الصحابة (¬1)، ونقل البعض الآخر الإجماع في عصر الصحابة وفي عصر من بعدهم. والثاني وهو حجية الإجماع: فلا شك أن الدليل الشرعي قاطع في ثبوت حجية الإجماع مطلقا في كل عصر. * * * ¬
المبحث الثالث: أنواع الإجماع
المبحث الثالث: أنواع الإجماع الإجماع له أنواع متعددة، وأنواعه مختلفة باختلاف اعتباره: • المطلب الأول: أنواع الإجماع باعتبار ذاته: وينقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين: القسم الأول: الإجماع الصريح: هو عبارة عن اتفاق كل مجتهدي الأمة المحمدية في عصر من العصور على حكم شرعي لواقعة، بأن يبدي كل واحد منهم رأيه صراحة، أو يبين بعضهم الحكم قولا، ويفعل البقية على ذلك القول، وهذا حجة قاطعة بلا نزاع كما مر. القسم الثاني: الإجماع السكوتي: هو أن يعمل بعض المجتهدين عملا، أو يبدي رأيا في مسألة اجتهادية، قبل استقرار المذاهب فيها، ويسكت باقي المجتهدين عن إبداء رأيه بالموافقة أو بالمخالفة بعد علمهم سكوتا مجردا عن أمارات الرضا والسخط، مع مضي زمن يكفي للبحث والنظر (¬1). ومثله الإجماع الاستقرائي، وهو: أن يُسْتَقرأ أقوال العلماء في مسألة، فلا يُعْلم خلاف فيها (¬2). وقد اختلف العلماء في هذا النوع من أنواع الإجماع، فأقول: تحرير محل النزاع: أولًا: لا خلاف بين العلماء القائلين بحجية الإجماع في أن الإجماع السكوتي حجة فيما تعم به البلوى، إذا اشتهر الحكم المجمع عليه، وتكرر السكوت من مجتهدي عصر الإجماع؛ لأن السكوت مرة بعد أخرى يحصِّل علما ضروريا ¬
سبب الخلاف بين العلماء
بالرضا بذلك القول، كما أن العادة تحيل السكوت في كل مرة من غير رضا به. ثانيًا: لا خلاف بين العلماء أنه ليس بحجة، إذا حصل السكوت بعد استقرار المذاهب؛ لأن الظاهر أنهم سكتوا اعتمادا على معرفة مذهبهم في تلك المسألة من قبل، مثل أن يسكت الحنفي عن مذهب الشافعي. ثالثًا: إذا كان السكوت من المجتهد مقترنا بما يدل على الرضا بالقول المشتهر، فهو إجماع بلا نزاع، وإن كان مقترنا بما يدل على السخط، فليس بإجماع. رابعًا: محل النزاع فيما إذا كان السكوت في غير ما تعم به البلوى، ولم يكن هناك مانع من إبداء الرأي، وكان السكوت قبل استقرار المذاهب، ومضت مدة تكفي للنظر والتأمل بعد الفتوى أو القضاء، وكانت المسألة اجتهادية تكليفية، وعُلِم أن القول قد بلغ جميع علماء العصر (¬1). سبب الخلاف بين العلماء: سبب الخلاف راجع إلى أن السكوت محتمل للرضا وعدمه، فمن رجح جانب الرضا وجزم به قال: إنه حجة قاطعة، ومن رجح جانب الرضا, ولم يجزم به، قال: إنه حجة ظنية، ومن رجح جانب المخالفة، قال: إنه لا يكون حجة (¬2). الخلاف والأدلة في المسألة: اختلف العلماء في هذا الإجماع على عدة أقوال، أبرزها: القول الأول: أنه حجة وإجماع. وهو قول جماهير العلماء (¬3). واستدلوا على قولهم بعدة أدلة، أهمها: الدليل الأول: أنه لو اشترط لانعقاد الإجماع أن ينص كل واحد منهم على رأيه ¬
صراحة لأدى ذلك إلى عدم انعقاد الإجماع أبدا؛ لأنه يتعذر اجتماع أهل كل عصر على قول يسمع منهم، والمتعذر معفو عنه؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬1) والمعتاد في كل عصر أن يتولى كبار العلماء إبداء الرأي، ويُسلِّم الباقون لهم، فثبت بذلك: أن سكوت الباقين دليل على أنهم موافقون على قول من أعلن رأيه في المسألة، فكان إجماعا وحجة. الدليل الثاني: الوقوع: وذلك أن المجتهدين من التابعين إذا حدثت حادثة بينهم، ولم يجدوا حكما لها في نص، ووجدوا قولا فيها لصحابي، وعلموا أن هذا القول قد انتشر وسكت بقية الصحابة عن الإنكار، فإن التابعين لا يُجوِّزون العدول عن ذلك القول، بل يعملون به؛ بناء على أنه قول قد أجمع عليه. الدليل الثالث: أنه قد وقع الإجماع على أن السكوت عن رضا معتبر في المسائل الاعتقادية، فيقاس عليها المسائل الاجتهادية؛ لأن الحق في الموضعين واحد (¬2). القول الثاني: أنه ليس بإجماع ولا حجة. وهذا القول نسبه إلى الإمام الشافعي كثير من الشافعية، وهو اختيار الغزالي (¬3) والرازي وابن حزم (¬4). ¬
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الدليل الأول: قصة ذي اليدين (¬1) لما قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول اللَّه؟ فنظر رسول اللَّه إلى أبي بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما- وقال: "أحقٌّ ما يقوله ذو اليدين؟ " (¬2). • وجه الدلالة: أن السكوت لو كان دليلا لاكتفى به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكنه سأل أبا بكر وعمر، فدل على أن السكوت لا يدل على الرضا. وأجيب عنه: أن الصحابة إنما سكتوا اكتفاء بما قاله ذو اليدين؛ لكونهم مثله في عدم العلم (¬3). الدليل الثاني: أن مذهب المجتهد يعلم بقوله الصريح الذي لا يتطرق إليه أي احتمال، أما سكوت الساكت فإنه يحتمل أنه سكت؛ لأنه لم يجتهد في المسألة، أو اجتهد ولكنه لم يتوصل فيها إلى حكم معين، أو وصل إلى حكم معين لكنه لم يعلنه تقية ومخافة، أو يسكت لعارض طرأ عليه لم يظهره لنا، وغيرها من الاحتمالات وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال، ولا ينسب له كلام في هذه الحالة ما لم يصرح به، ويعلنه للناس. وأجيب عن هذا الدليل: أنه إذا سكت المجتهد بعد أن يعلن المجتهد رأيه مدة يستطيع من خلالها التفكر في المسألة؛ فإن سكوته يدل على رضاه بذلك الرأي المعلن؛ فيكون حجة وإجماعا. أما هذه الاحتمالات فهي احتمالات عقلية، وليس حقيقية، فليس من عادة العلماء السكوت على قول الحق خشية من سطوة أحد من الناس، وليس هذا ¬
الإجابة والمناقشة
ديدنهم في النوازل التي تنزل. ونوقشت هذه الإجابة: بأن الواقع يرد هذه الإجابة، ويجعل هذه الاحتمالات حقيقة وواردة عند المجتهدين، ولا يمكن إنكارها. القول الثالث: أنه حجة، وليس بإجماع. قال به بعض الشافعية، وهو اختيار الآمدي (¬1) (¬2). ودليل هذا المذهب: أن سكوت الباقين يدل دلالة ظاهرة على الموافقة، فيكون قول ذلك المجتهد المعلن مع سكوت الباقين من المجتهدين عن الإنكار حجة يجب العمل به، كخبر الواحد والقياس. وإنما لم نقل: إنه إجماع؛ لأن سكوت الباقين من المجتهدين يحتمل عدة احتمالات قد سبقت في الدليل الثاني للقول الثاني، ومع وجود الاحتمال فإنه يضعف الاستدلال به، وجعله إجماعا. الإجابة والمناقشة: قد سبقت الإجابة عن هذه الاحتمالات ومناقشتها عند إيراد الدليل (¬3). الترجيح: يظهر -واللَّه أعلم- أن الراجح هو القول الأول؛ لقوة أدلة القائلين به، وضعف أدلة القائلين بالقولين الآخرين ومناقشتها. ¬
المطلب الثاني: أنواع الإجماع باعتبار قوته
تنبيه: المتأمل للإجماعات التي يحكيها العلماء، يجد أن غالبها مردُها إلى هذا النوع من أنواع الإجماع، سوى نزر يسير منها، وهي الإجماعات القطعية التي هي معلومة من الدين بالضرورة، فالعالم إما أن ينقل الإجماع عن عالم آخر، أو ينقله ابتداء، ونعلم أنه لم يستنطق العلماء الذين في زمانه واحدا واحدا، أو يتتبع أقوالهم وإنما غاية ما في الأمر أنه لم يطلع على المخالف في المسألة، ويرى اشتهارها بين العلماء، ولم يعلم أحدا خالف من المتقدمين من العلماء، فيحكيه ابتداء، خاصة إذا علمنا أن الإجماع الذي يذكره الأصوليون بشروطه المعروفة يَصْعب وقوعه، ويقِل حدوثه؛ لصعوبة تحقق الشروط مجتمعة، وهذا يؤدي إلى عدم الاستفادة بأصل الإجماع، ويفتح أبوابا من الشر عظيمة، يقول د. عمر الأشقر: [فَتَح القول بهذا النوع من الإجماع -يقصد الذي يذكره الأصوليون- بابَ شر على المسلمين، فبعض ضعاف النفوس الذين يريدون أن يلبِسوا على المسلمين دينهم، يجادلون وينازعون في قضايا مسلَّمة عند جمهور الأمة، وعندما يُواجهون ويحاورون، يقولون: إن هذه المسائل خلافية، ليس فيها إجماع، اثبتوا لي أن جميع علماء الأمة ذهبت هذا المذهب، أو قالت بهذا القول! ! فإذا لم نستطع إثبات ذلك، جعل هذا الرجل عدم قدرتنا على تلبية طلبه ذريعة لمخالفته ما سار عليه جمهور علماء الأمة، كما هو حادث في هذه الأيام] (¬1). • المطلب الثاني: أنواع الإجماع باعتبار قوته: وهو بهذا الاعتبار على قسمين: القسم الأول: الإجماع القطعي، وهو ما توفرت فيه الشروط التالية: الشرط الأول: أن تتوفر فيه شروط الإجماع كافة، المتفق عليها والمختلف فيها. الشرط الثاني: أن يصرح كل واحد من المجتهدين بحكم المسألة، أو أن يصرح البعض، ويعمل البعض الآخر على وفق القول المصرح به. الشرط الثالث: أن ينقل إلينا هذا القول وهذا التصريح نقلا متواترا. ¬
فإذا توفرت هذه الشروط مجتمعة أصبح الإجماع قطعيا، وهو لا يكون إلا في الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، وإجماع الصحابة المنقول بالتواتر خاصة (¬1). القسم الثاني: الإجماع الظني، وهو: ما اختل فيه شرط من شروط الإجماع القطعي. ويدخل في هذا النوع صور من مسائل الإجماع التي يذكرها العلماء، منها: الإجماع السكوتي والاستقرائي، الاتفاق بعد الخلاف، الاتفاق دون انقراض العصر، الإجماع الذي يكون مستنده ظنيا، وأشباهها من المسائل التي لا تدخل في القسم الأول (¬2). وعامة الإجماعات ظنية، لا يحكم بقطعيتها، لعدم توفر الشروط فيها. * * * ¬
المبحث الرابع: شروط الإجماع
المبحث الرابع: شروط الإجماع يشترط للإجماع جملة من الشروط أذكر أهمها (¬1): الشرط الأول: أن يكون للإجماع مستند. والمستند هو: الدليل الذي يعتمد عليه المجتهدون فيما أجمعوا عليه، وهذا شرط عند جماهير العلماء، بل قال الآمدي: [اتفق الكل على أن الأمة لا تجتمع على الحكم إلا على مأخذ ومستند يوجب اجتماعها عليه، خلافًا لطائفة شاذة. . .] (¬2). ويؤيد قول الجمهور عدة أدلة، منها: الدليل الأول: قياس علماء الأمة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكما أنه لا يتكلم إلا بوحي، كما وصفه اللَّه بقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} (¬3) فكذلك علماء الأمة -وهم أقل منزلة منه- أولى ألَّا يتكلموا إلا بدليل. الدليل الثاني: أنه لو جاز انعقاد الإجماع من غير دليل لم يكن لاشتراط الاجتهاد في قول المجمعين معنى، وهذا محال، وما أدى إلى المحال فهو محال، ولا يخفى أن اشتراط الاجتهاد مجمع عليه. الدليل الثالث: أن الإجماع بغير مستند قول في الدين بغير علم، وقد نهى اللَّه سبحانه وتعالى عن ذلك فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} (¬4) (¬5). ¬
الشرط الثاني: أن يكون الإجماع صادرا من جميع مجتهدي العصر
الشرط الثاني: أن يكون الإجماع صادرا من جميع مجتهدي العصر: وهذا يعني أنه إذا خالف واحد أو اثنان فإن اتفاق الباقين غير معتبر. وقد اختلف العلماء في هذا الشرط على قولين، هما (¬1): القول الأول: أنه لا بد من اتفاق الجميع على المسألة، وهذا قول جماهير العلماء (¬2) (¬3). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الدليل الأول: الأدلة السابقة التي في حجية الإجماع، وهي دالة على عصمة الأمة عن الخطأ، ولفظ الأمة إنما يطلق على الجميع، وليس على الأكثر، ولا يطلق عليه إلا بقرينة. الدليل الثاني: وقوع اتفاق الأكثر في زمن الصحابة مع مخالفة الأقل لهم، فقد سوغوا لهم الاجتهاد بلا نكير، فلو كان اتفاق الأكثر إجماعا يلزم غيرهم أن يأخذوا به لأنكروا عليهم، وبادروا بتخطئتهم، كما وقع في مخالفة ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في بعض مسائل الربا والفرائف، وأما ما يوجد منهم من الإنكار في هذه الصورة فلم يكن إنكار تخطئة، بل إنكار مناظرة في المأخذ، ولذلك بقي الخلاف الذي ذهب إليه الأقلون منقولا إلى زماننا، بل ربما ظهر أن ما ذهب إليه الأقل هو ¬
المعوَّل عليه فيما بعد، كما وقع في قتال الردة (¬1). القول الثاني: أن مخالفة الواحد والاثنين لا تؤثر في الإجماع. وهذا قول ابن جرير الطبري، وأبي بكر الجصاص (¬2)، وبعض المعتزلة (¬3)، وقد أومأ إليه الإمام أحمد (¬4). واستدلوا بعدة أدلة، منها: الدليل الأول: الوقوع: فإنه لما اتفق أكثر الأمة على مبايعة أبي بكر -رضي اللَّه عنه- بالخلافة، انعقد الإجماع على ذلك، ومن المعلوم أن بعض الصحابة خالف في ذلك، فلو لم يكن اتفاق الأكثر إجماعا لما كانت خلافة أبي بكر ثابتة بالإجماع. وأجيب عن هذا الدليل: بعدم التسليم بما ذكر، حيث إن خلافة أبي بكر وقعت باتفاق الصحابة، فبعضهم نطق بالمبايعة، وبعضهم لم ينكر ذلك، وما نُقل عن تأخر بعضهم إنما كان لعذر خاص، ثم نقل عنه المبايعة صراحة. الدليل الثاني: أنه لو اعتبرت مخالفة الواحد أو الاثنين لما انعقد الإجماع أصلا؛ لأنه ما من إجماع إلا ويمكن مخالفة الواحد والاثنين فيه (¬5). الترجيح: ويظهر -واللَّه أعلم- أن الراجح هو القول الأول؛ وذلك لقوة أدلته، ¬
الشرط الثالث: أن يكون المجمعون عدولا
وضعف أدلة القول الثاني. الشرط الثالث: أن يكون المجمعون عدولًا: والعدالة، هي: ملكة راسخة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة (¬1). وقد اختلف العلماء في اشتراط هذا الشرط على قولين، بعد اتفاقهم على أن الكافر الأصلي لا عبرة بمخالفته أبدا (¬2): القول الأول: أن العدالة شرط في الإجماع، فلا يقبل قول الفاسق مطلقا. وهو قول الجمهور (¬3). واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها: الدليل الأول: أن الأدلة على حجية الإجماع تتضمن العدالة، خاصة قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (¬4) إذ معنى الوسط هو: العدل. الدليل الثاني: أن غير العدل أوجب اللَّه التوقف في أخباره بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (¬5) واجتهاده إخبار بأن رأيه كذا، فيجب التوقف في قوله، وإذا وجب التوقف في قبول إخباره، لم يحكم بقبول خبره (¬6). القول الثاني: أنه لا يشترط عدالة المجتهدين إذا بلغوا درجة الاجتهاد. وهو ¬
الشرط الرابع: أن يسبق الإجماع خلاف مستقر بين العلماء.
مذهب الجويني (¬1)، والإسفراييني، والشيرازي (¬2)، والغزالي، والآمدي، وأبي الخطاب الحنبلي (¬3) (¬4). ودليلهم، قالوا: إن أدلة حجية الإجماع عامة، ولم تشترط عدالة المجتهد، فاشتراطها تخصيص بلا دليل. وأجيب عن ذلك: بأن الأدلة قد اشترطت ذلك وإن لم يكن هذا صراحة، ثم هذا الفاسق لا يؤمن عصيانه في الإجماع كما يعصي في غيره (¬5). الترجيح: يظهر -واللَّه أعلم- أن القول الأول هو الراجح؛ وذلك لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الثاني والإجابة عليها. الشرط الرابع: أن يسبق الإجماع خلاف مستقر بين العلماء. ويدخل في هذا الشرط خلاف العلماء في مسألة اختلاف الصحابة أو الأولين ¬
في مسألة على قولين، ثم أجمع التابعون أو المتأخرون على أحد قولي الصحابة أو الأولين: القول الأول: أن إجماع المتأخرين إجماع صحيح، وتحرم مخالفته. وهو قول أكثر الحنفية، وأكثر المالكية، وأبي بكر القفال (¬1)، وأبي الخطاب من الحنابلة (¬2). واستدلوا على ذلك بما يلي: الدليل الأول: أن النصوص الدالة على حجية الإجماع عامة، يدخل فيها أيُّ إجماع من مجتهدي العصر سواء سبقه خلاف أم لا. الدليل الثاني: القياس على اتفاق الصحابة على مسألة بعد اختلافهم فيها: فهذا إجماع صحيح، فكذلك في المسألة معنا، بجامع أن كلا منهما اتفاق بعد اختلاف (¬3). القول الثاني: أنه لا يكون إجماعا صحيحا، وعليه فتجوز مخالفته. قال به الشيرازي، والجويني، والغزالي، والآمدي من الشافعية، وأبو يعلى (¬4) من الحنابلة (¬5). ¬
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الدليل الأول: قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه أوجب الرد إليه عند التنازع، ولو جوزنا انعقاد الإجماع الثاني، للزم الرد إلى الإجماع، وهذا مخالف لما أوجب اللَّه. وأجيب عنه: أن وجوب الرد إلى اللَّه مشروط بوجود التنازع، فإذا حصل الإجماع زال هذا الوجوب، ثم إن الرد إلى الإجماع هو رد إلى اللَّه تعالى؛ لأن المجمعين اتفقوا على هذا الحكم المستند إلى الكتاب والسنة. الدليل الثاني: أن اختلاف الصحابة على قولين هو إجماع على جواز الأخذ بأي قول كان، فلو انعقد الإجماع على أحد القولين فإنه يلزم من ذلك رفع الإجماع. وأجيب عنه: بعدم التسليم على أن اختلافهم على قولين هو إجماع على جواز الأخذ بأي قول كان؛ لأن كلا من الفريقين لا يُجَوِّز الأخذ إلا بقوله فقط، دون قول الفريق الآخر (¬2). الترجيح: يظهر -واللَّه أعلم- أن الراجح هو القول الأول؛ لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الثاني والإجابة عنها، وكذلك لو قيل بالقول الثاني، لضعفت الإجماعات وندرت، لأن كثيرا من الإجماعات وقعت بعد خلاف سبقها. * * * ¬
المبحث الخامس: خلاف أهل الظاهر
المبحث الخامس: خلاف أهل الظاهر أهل الظاهر: هم أتباع داود بن علي (¬1)، وإليه ينسب المذهب. وقد اختلف العلماء في الاعتداد بقول الظاهرية على أقوال: القول الأول: عدم الاعتداد بقولهم مطلقا. وعلى هذا القول جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين (¬2). قالوا: لأنهم نفوا القياس الذين قَبلته الأمة وأجمعت عليه (¬3)، ومن أنكره لا يعرف طرق الاجتهاد، وإنما هو متمسك بالظواهر، فهو كالعامي الذي لا معرفة له، ويكون حكمهم كالشيعة في الفروع، فلا يبلغون رتبة الاجتهاد، ولا يجوز تقليدهم القضاء، ولا يلتفت إلى أقوالهم، ولا ندُل مستفتيا عليهم. ثم إن النصوص الشرعية لا تفي بعشر معشار ما يحتاجه الناس، فلو جمد الناس على ظواهر النصوص، لوقع لهم خلل وقصور في معاملاتهم التي يحتاجونها (¬4). وأجيب عن ذلك: أن القول بنفي القياس هو قول أدى إليه اجتهادهم، كما أدى القول عند المثبتين إلى إثباته (¬5). ¬
القول الثاني: الاعتداد بقولهم في الوفاق والخلاف. وهذا قال به القاضي عبد الوهاب (¬1)، والأستاذ أبو منصور البغدادي (¬2)، وهو الصحيح من مذهب الشافعية، كما نسبه إليهم ابن الصلاح (¬3) (¬4). وهؤلاء قالوا: ما اعتددنا بخلافهم؛ لأن مفردات المسائل عندهم حجة، ولكن لأن أقوالهم مثل أقوال غيرهم من العلماء، فيها السائغ، وبعضها القوي، وبعضها ساقط لا يُعتد به، ويلزم من لم يعتد بخلافهم ألَّا يعتد بخلاف من ينفي المرسل، ويمنع العموم، ومن حمل الأمر على غير الوجوب، وغيرها من المسائل الأصولية ولا قائل بهذا، ثم ما تفردوا به هو شيء من قبيل مخالفة الإجماع الظني، ¬
وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي. ويشهد لهذا أيضا ما كان عليه العمل عند المتقدمين الذين أدركوا إمام المذهب أبا سليمان داود بن علي، فإن مذهبه كان مشهورا، بل مما يزيد في شهرته أنه كان في بغداد، حاضرة العالم، ومعقل العلم والعلماء، ولم يُذْكر إنكار العلماء عليه، لا في فتاويه، ولا في دروسه، ولا في تآليفه، وقد عاصره علماء أجلاء، وشيوخ كبار، بل كانوا يذكرونه بالعلم والخير، ولما سُئل الطبري وابن سريج (¬1) عن كتاب ابن قتيبة في الفقه، أين هو عندكم؟ فقالا: [ليس بشيء، ولا كتاب أبي عبيد (¬2)، فإذا أردت الفقه: فكتب الشافعي وداود ونظرائهما]. وكذلك العلماء من بعدهم، بل كانوا يتجالسون ويتناظرون فيما بينهم، ويبرز كل واحد منهم حجته، ولا يسعون بالداودية إلى السلطان، بل أبلغ من ذلك أنهم ينصبون معهم الخلاف في تصانيفهم قديما وحديثا، وهذا دليل على اعتبار قولهم وخلافهم، وإلا فلا فائدة من ذلك (¬3). القول الثالث: التفصيل: الاعتداد بقوله إلا فيما خالف فيه القياس الجلي، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه، أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها، فاتفاق من سواه إجماع منعقد، كقوله في التغوط في الماء الراكد، وقوله: لا ربا إلا في ستة الأصناف المنصوص عليها، فخلافه فيها غير معتد به؛ لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه. وهذا القول اختاره الأبياري (¬4)، وابن الصلاح من ¬
الشافعية (¬1). ويمكن أن يستدل لهم: بأن هؤلاء من علماء الأمة، ولا يمكن الإجماع إلا بقول الجميع دون استثناء أحد منهم، فيؤخذ بقولهم ويعتد به إلا ما كان مبنيا على الأمر الذي خالفوا فيه إجماع العلماء وهو ترك العمل بالقياس، وإلا فليس من العدل والإنصاف أن يطرح قولهم جملة وتفصيلا، ولا يعتد به، لترك القياس، فيترك قولهم الذي كان مبنيا على المخالفة فقط. الترجيح: يظهر -واللَّه أعلم- أن الراجح هو القول الثالث؛ لسلوكه طريق العدل والإنصاف تجاه هؤلاء العلماء. وقفتان لا بد منهما: الأولى: الذي ظهر للباحث من خلال البحث أن ظاهر صنيع كثير من العلماء الذين يعتنون بنقل الخلاف بين المذاهب أنهم يعتدون بخلاف الظاهرية؛ وذلك لذكر خلافهم في بطون كتبهم، لكن إذا جاءت مسائل الإجماع فإنهم يحكون الإجماع ولا ينظرون إلى خلافهم، ومثلها المسائل التي انفردوا بها وهي من غرائبهم فإنهم لا يذكرونهم أصلا، أو يذكرونهم ويردون عليهم. الثاني: أن مذهبهم كسائر المذاهب التي لم يُعْتنى بها، وأصبحت كالمندثرة، فلم يبق من آثارهم شيء يُعَول عليه، إلا ما ذكره ابن حزم في "المحلى"، وابن حزم أحد أفرادهم لكنه خالفهم في مسائل ليست قليلة، وأقول: لعل من أسباب عدم الاعتداد بقولهم والتهجم على مذهبهم، ما عرف عن ابن حزم من حدة لسانه وتهكمه بالعلماء، فربما كان هذا سببا في هجران أقوالهم وعدم الالتفات إليها، خاصة وأنه لا يعرف القول بعدم الاعتداد بقولهم إلا في زمن ابن حزم، كما يفهم من دليل القول الثاني. ¬
المبحث السادس: القول الشاذ: أحكامه وضوابطه
المبحث السادس: القول الشاذ: أحكامه وضوابطه (¬1) أولًا: تعريفه: • تعريفه في اللغة: هو ما انفرد به عن الجمهور وندر، أو الخارج عن الجماعة، وما خالف القاعدة أو القياس، ومن الناس: خلاف السوي، وكل شيء منفرد فهو شاذ (¬2). • وفي الاصطلاح: التفرد بقول مخالف للحق بلا حجة معتبرة (¬3). ثانيًا: استعمال الفقهاء لهذه اللفظة: هذه اللفظة بهذا المعنى استعملها الفقهاء في أمرين: الأول: الحكم على القول بالشذوذ بالنسبة للمذهب. مثال ذلك: ما قال ابن تيمية: [وفي المذهب خلاف شاذ يشترط الإشهاد على إذنها] (¬4). وهذا القسم ليس عليه الكلام؛ لأنه ربما يكون شاذا في مذهب، معتبرا في مذهب آخر له دليله وحظه من النظر. الثاني: الحكم على القول بالشذوذ بالنسبة لأقوال العلماء عموما، أو بالنسبة إلى الحق والصواب. ¬
ثالثا: ضوابط في معرفة القول الشاذ
مثال ذلك: قال ابن عبد البر: [وروي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في الجدة أيضا قول شاذ أجمع العلماء على تركه] (¬1). ثالثًا: ضوابط في معرفة القول الشاذ: الأول: أن يكون القول على خلاف النصوص الصريحة الصحيحة. الثاني: أن يكون القول مسبوقا بإجماع. الثالث: أن ينفرد به صاحبه، ولم يتابعه عليه أحد، وضعف مأخذه فيه. الرابع: أن يكون القول لم يجر عليه عمل العلماء وهجروه. الخامس: أن يكون مخالفا لأصول الشريعة وقواعدها العامة. ولا يعرف هذه القواعد أو يحكم بها في الأصل إلا العلماء الذين علا كعبهم، ورسخت أقدامهم، وارتفع شأنهم في العلم. رابعًا: حكاية القول الشاذ: الأصل في حكاية الأقوال الشاذة التي ليس عليها أثارة من علم، والاشتغال بها وبردها، مضيعة للوقت والجهد، وهو من باب التكلف والخوض فيما لا طائل تحته (¬2)، وفيه تسويد للصفحات من غير فائدة. إلا أنه متى اشتهر القول الشاذ، وسارت به الركبان، وتعلق به أهل الأهواء، أو خُشي من ذلك، فإن في ذكره وبيان ضعفه، إسقاط له، وإعذار إلى اللَّه تعالى، كالحديث الموضوع. وهذا هو ظاهر صنيع العلماء في نقلهم للشذوذات التي وقعت، كما أنهم أتوا بأقوال اليهود والنصارى وغيرهم ليبطلوا ما فيها. يقول الشاطبي (¬3): [فأما المخالف للقطعي، فلا إشكال في اطِّراحه، ولكن ¬
العلماء ربما ذكروه للتنبيه عليه، وعلى ما فيه، لا للاعتداد به] (¬1). وعلى هذا متى تبين شذوذ القول، فلا يصح أن يُعَد خلافا في المسألة، ولا يخرق الإجماع المحكي فيها، ولو صدر ممن هو من أهل الاجتهاد، فضلا عن أن يصدر من صاحب هوى، أو متزبب (¬2). يقول الشاطبي: [لا يصح اعتمادها خلافا في المسائل الشرعية؛ لأنها لم تصدر في الحقيقة عن اجتهاده، ولا هي من مسائل الاجتهاد، وإن حصل من صاحبها اجتهاد فهو لم يصادف فيها محلا، فصارت في نسبتها إلى الشرع، كأقوال غير المجتهد، وإنما يعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة، كانت مما يقوى أو يضعف، وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل، أو عدم مصادفته فلا، فلذلك قيل: إنه لا يصح أن يعتد بها في الخلاف، كما لم يعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل، والمتعة، ومحاشي النساء، وأشباهها من المسائل التي خفيت فيها الأدلة على من خالف فيها] (¬3). ويقول القرافي: [كل شيء أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح، لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس، ولا يفتي به في دين اللَّه] (¬4). ويقول العز بن عبد السلام (¬5): [والضابط في هذا أن مأخذ المخالفة إن كان في ¬
المبحث السابع: وقفات وملاحظات مع مناهج العلماء في حكاية الإجماع
غاية الضعف والبعد عن الصواب فلا نظر إليه، ولا التفات عليه، إذا كان ما اعتمد عليه لا يصح نصبه دليلا شرعا، ولا سيما إذا كان مأخذه مما ينقض الحكم بمثله] (¬1). المبحث السابع: وقفات وملاحظات مع مناهج العلماء في حكاية الإجماع هذا المبحث معقود لبيان جملة من الملاحظات والفوائد والتنبيهات التي سجلها الباحث أثناء رحلته مع البحث، تمثل طريقة العلماء في تعاملهم مع الإجماع، وحكايتهم له، وبيان مناهجهم فيه، فإلى بيانها في النقاط التالية: أولًا: أن مردَّ حكاية الإجماع إلى جملة من العلماء هم الذين اعتنوا به وأكثروا منه، منهم: ابن المنذر، وابن حزم، وابن عبد البر، وابن هبيرة، وابن قدامة، وابن تيمية، ومن عداهم فالغالب عليهم النقل عنهم. ثانيًا: أن غالب الكتب المذهبية التي تعتني بذكر المذهب، ولا تذكر غيره، لا تنقل الإجماعات المرادة بالمعنى الأصولي، وإذا ذكرت إجماعا فإما أن يكون نقلا عن عالم آخر، أو يراد منه الإجماع المذهبي. ثالثًا: أن ألفاظ الإجماع متفاوتة في استعمالات العلماء، فليست كلها على درجة واحدة، فأعلاها كلمة [أجمع] وما تصرف منها، ثم [اتفق] وما تصرف منها، ثم ما يُذكر من نفي الخلاف في المسألة (¬2). ¬
ويلاحظ أن الكتب المذهبية تستخدم كلمة [اتفاقا] كثيرا، ويقصدون بها الاتفاق المذهبي، وليس الاتفاق المقارن. رابعًا: قد يَنص العالم على مراده بالإجماع وهذا قليل، منهم ابن هبيرة، وقد لا ينص وهم أكثر العلماء (¬1). خامسًا: أما الترمذي: فلم أجد له إجماعا في الأبواب المدروسة في البحث، وما يذكره البعض من أن مراده حين يقول: [العمل على هذا عند أهل العلم] يقصد به الإجماع، فهذا -كما يظهر للباحث- غير صحيح؛ وذلك لعدة قرائن تظافرت تدل على عدم صحة هذا المقصود، سأذكرها مع بعض الأمثلة على سبيل الاختصار، منها: الأولى: أنه يحكي هذه العبارة ثم يحكي بعدها خلاف العلماء، أو ينقلها عن غيره ثم يحكي معها الخلاف، وهذه أقوى القرائن؛ إذ لو أراد بها الإجماع لما حكى الخلاف في المسألة. من أمثلة ذلك: يقول: [والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر ¬
أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق (¬1)، وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، ولم ير الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين] (¬2). وكذلك يقول: [والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا: أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب اللَّه، وأعلمهم بالسنة، وقالوا: صاحب المنزل أحق بالإمامة، وقال بعضهم: إذا أذن صاحب المنزل لغيره فلا بأس أن يصلي به، وكرهه بعضهم وقالوا: السنة أن يصلي صاحب البيت، قال أحمد بن حنبل: وقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولا يؤم الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه"، فإذا أذن فأرجو أن الإذن في الكل، ولم ير به بأسا إذا أذن له أن يصلي به] (¬3). ويقول أيضا: [على هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر: أن يكون على غير وضوء، أو أمر لا بد منه، ويُروى عن إبراهيم النخعي (¬4) أنه قال: يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة] (¬5). ويقول أيضا لما ذكر انصراف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن يمينه وعن يساره بعد انقضاء الصلاة: [وعليه العمل عند أهل العلم أنه ينصرف على أي جانبيه شاء: إن شاء عن ¬
يمينه، وإن شاء عن يساره، وقد صح الأمران عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويُروى عن علي بن أبي طالب أنه قال: إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه، وإن كانت حاجته عن يساره أخذ عن يساره] (¬1). ومثال الحالة الثانية: ما ذكره حين قال: [اختلف أهل العلم في المشي إلى المسجد: فمنهم من رأى الإسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى، حتى ذكر عن بعضهم أنه كان يهرول إلى الصلاة، ومنهم من كره الإسراع واختار أن يمشي على تؤدة ووقار، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقالا: العمل على حديث أبي هريرة. وقال إسحاق: إن خاف فوت التكبيرة الأولى، فلا بأس أن يسرع في المشي] (¬2). الثانية: أنه يورد هذه العبارة في أحايينَ كثيرة في بعض المسائل الخلافية التي الخلاف فيها ظاهر منتشر، يجزم معه القارئ عدم خفائه على الإمام الترمذي. مثال ذلك: لما أورد حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينهض في الصلاة على صدور قدميه". قال بعده: [حديث أبي هريرة عليه العمل عند أهل العلم يختارون أن ينهض الرجل في الصلاة على صدور قدميه] (¬3). ويقصد بهذا عدم شرعيةِ جلسة الاستراحة، والخلاف في هذه المسألة سلفي معروف (¬4)، بل الترمذي نفسه ذكر قبل هذا الحديث الذي يدل على شرعية جلسة الاستراحة، ثم قال: [العمل على هذا عند بعض أهل العلم] (¬5). وكذلك لما أورد حديث عبد اللَّه بن زيد (¬6) في صفة الاستسقاء قال بعده: ¬
[حديث عبد اللَّه بن زيد حديث حسن صحيح، وعلى هذا العمل عند أهل العلم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق] (¬1). والخلاف في المسألة قديم معروف (¬2). وكذلك لما أورد حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في قتل اللائط في البهيمة وقتلها معه، قال: [والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق] (¬3). والخلاف في المسألة مشهور (¬4). الثالثة: أنه لو كان مراده الإجماع لما حكى الإجماع صراحة في مواضع متفرقة من كتابه، فلما غاير بين الألفاظ دلَّ على اختلاف المراد (¬5). الرابعة: أنه يغاير في استعمال هذه العبارة أحيانا كثيرة فيقول: [عند أكثر أهل العلم] ويقول أيضا: [عند بعض أهل العلم]، مما يتعذر معه حمله على معنى ¬
الإجماع، وهذا أشهر من أن يُمثَّل له. هذه بعض القرائن التي تدل على عدم قصده بهذه العبارة الإجماع في المسألة، ومعرفة معناها يحتاج إلى استقراء تام لجامعه، حتى يعرف المراد، ويفهم على ما أراد. سادسًا: أما الإمامان: الشافعي والطبري؛ فلم أجد لهما من الإجماعات إلا القليل، وقد حكى كل واحد منهما ستة إجماعات، ولم ينقلا أو يَنْقل عنهما أحد شيئًا من الإجماعات. سابعًا: أما ابن المنذر: فهو بحق إمام أهل الإجماع، وعمدة كثير ممن ينقل الاتفاق، وعنه ينقل المتأخرون، وبكلامه يصدرون، فهو ابن بجدتها، ولا ينبئك مثل خبير، يقول ابن تيمية: [عليه اعتماد كثير من المتأخرين في نقل الإجماع والخلاف. . .] (¬1). ويقول ابن القيم: [وهو من أعلم الناس بالإجماع والاختلاف. . .] (¬2). وقد حكى خمسين إجماعا، منها أربعون مسألة نقلها عنه العلماء، ونقل هو عن غيره مسألتين فقط. غالبا ما يحكي الإجماع باللفظ الصريح في كتابه الإجماع، أما في كتاب الإشراف فيقول في الغالب في نفس المسائل المذكورة في كتاب الإجماع: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم] وهذا من ورعه واحتياطه في ذكر الإجماع. أحيانا إذا قال: [أجمع عوام أهل العلم] فإنه يحكي بعدها الخلاف، فهناك مخالفون لكنهم قلة، كما فعل في مسألة: إجارة الأرض بالذهب والفضة. أحيانا يحكي الإجماع في المسألة، ثم يذكر من خالف فيها من العلماء، كما في مسألة: ملكية ثمر النخل، ومسألة الأخذ بالشفعة للصبي. وهذا ربما يكون راجعا إلى أنه يرى أن مخالفة الواحد والاثنين لا تخرق الإجماع (¬3). ¬
يغلب على ظن الباحث أنه لم يؤلف كتاب الإجماع استقلالا، وإنما هو مُسْتل من كتاب الإشراف، حتى إنه سار في ترتيب الإجماعات على ما هو مذكور في الإشراف حذو القذة بالقذة. ثامنًا: أما ابن عبد البر: فهو إمام موسوعي، لا يُشَق له غبار في معرفة مواطن الخلاف والإجماع بين العلماء، مشهود له بذلك، حتى عُدت بعض كتبه من نوادر الكتب التي إليها مرد العلم والفقه في الدين (¬1). وقد حكى سبعة وأربعين إجماعا، منها عشرون مسألة نقلها عنه غيره، ولم ينقل عن غيره شيئا. وقد عُرف عنه اهتمامه بحكاية الإجماع ودقة نقله فيه، فهو يُميِّز بين ألفاظ الإجماع، ويُغَاير بينها، إذا لزم الأمر، فإذا قال [أجمعوا على كذا] ليس كما لو قال: [أجمع الفقهاء]، أو [بلا خلاف بين العلماء] ونحوها من العبارات. من غريب ما يذكر أنه وإن كان إماما مبرزا في العلم، إلا أن أزهد الناس في النقل عنه هم علماء مذهبه، فلا تكاد تجدهم ينقلون عنه إلا قليلا، ولذا حاز قصب السبق في النقل عنه أئمة المذاهب الأخرى. ¬
تاسعًا: ابن حزم: لا يخفى -كما مر- أن مذهبه لا يرى الاعتداد بالإجماع إلا بالإجماعات القطعية، أو التي وقعت وانتشرت انتشارا ظاهرا في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بحيث لا يتخلف عن معرفتها أحد من الصحابة (¬1). وقد حكى ثلاثة وخمسين إجماعا، منها ثلاث وثلاثون مسألة نقلها عنه غيره، ولم ينقل عن أحد شيئًا. كل الإجماعات التي حكاها في كتابه مراتب الإجماع، حكاها بلفظ الاتفاق، دون غيرها من سائر الألفاظ، إلا في مسألتين من مسائل السبق، وهما: إخراج السبق من الإمام، وإخراجه من أحد المتسابقَين، فقد حكاهما بنفي العلم في الخلاف. من عادته أنه يُحاج المذاهب الأخرى بإجماعات الصحابة ولا يعتد هو بها. وقد ذكر في خاتمة كتابه المراتب أنه يفرق بين الألفاظ في حكاية الإجماع، فقال: [وليعلم القارئُ لكلامنا، أن بين قولنا لم يجمعوا وبين قولنا لم يتفقوا فرقا عظيما] (¬2) ثم ختم الكتاب ولم يذكر هذا الفرق. ذكر في كتابه مراتب الإجماع [وإنما ندخل في هذا الكتاب الإجماع التام الذي لا مخالف فيه ألبتة، الذي يعلم كما يعلم أن صلاة الصبح في الأمن والخوف ركعتان، وأن شهر رمضان هو الذي بين شوال وشعبان، وأن الذي في المصاحف هو الذي أتى به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأخبر أنه وحي من اللَّه، وأن في خمس من الابل شاة، ونحو ذلك] (¬3). ولم يلتزم شرطه في الكتاب، ولو التزمه لم يبق من كتابه إلا النزر اليسير من المسائل، بل تجده يحكي الاتفاق في مراتب الإجماع، ويخالفه هو في كتابه المحلى، كما في مسألة: اشتراط الخيار ثلاثة أيام بلياليها. أو أحيانا ينقل الخلاف هو في المسألة، كما في مسألة: اشتراط المشتري مال الرقيق. ¬
أحيانا ينقل الصورة الصحيحة في المسألة، فيذكر لها قيودا كثيرة مما يتفق عليها العلماء ويحكي فيه الاتفاق، وربما تكثر قيودها حتى تتجاوز صفحة كاملة (¬1). عاشرًا: أما ابن هبيرة: فقد نص في المقدمة على أنه اقتصر في حكاية الاتفاق على المذاهب الأربعة فقال: [. . . رأيت أن أجعل ما أذكره من إجماع مشيرا به إلى إجماع هؤلاء الأربعة] (¬2). ويظهر أنه مقصوده المشهور في المذاهب، ولذا كثرت مخالفته لروايات مذهبه المذهب الحنبلي، كما في: مسألة العتق في زمن الخيار، والسلم في المكيلات والموزونات، وحمل الثمن على غالب نقد البلد، وبيع أمهات الأولاد، وشراء المصحف، وخيار المجلس في العقود الجائزة. وقد حكى تسعة وستين إجماعا، منها خمس وعشرون مسألة، نقلها عنه العلماء، ولم ينقل عن غيره إجماعا. كثيرا ما يحكي الاتفاق في المنهيات بلفظ الكراهة لا التحريم، وأحيانا لا يكون أحد من أهل العلم يقول بالكراهة، كما في مسألة: البيع بعد النداء يوم الجمعة، وبيع العنب ممن يتخذه خمرا، وبيع عسب الفحل. وربما يتبعها بلفظة تدل على التحريم، فيقول: [اتفقوا على كراهة التسعير للناس، وأنه لا يجوز]. فإما أن يكون مقصوده الكراهة التحريمية، أو يكون من باب الاحتياط في حكاية الإجماع. الحادي عشر: أما ابن قدامة: إمام حنبلي بارز، مغنيه أغنى عن كثير من الكتب، وقد حكى مائة وواحد وأربعين إجماعا، منها تسع وثلاثون مسألة نقلها عنه العلماء، ونقل تسعا وعشرين ¬
مسألة عن غيره. لا يجزم بحكاية الإجماع إلا في المسائل الظاهرة المشتهرة، أو التي ينقلها عن غيره، وفي الغالب ينقل عن ابن المنذر. ما عدا ذلك فإنه ينفي علمه بالخلاف، اتباعا لسنة إمامه الإمام أحمد كما سبق ذكر ذلك عنه. والحنابلة مرد إجماعاتهم التي ينقلونها -في الغالب- إليه، فمثلا شمس الدين ابن قدامة، وابن مفلح، والبهوتي، والقاسم، وغيرهم لا يتعدون ما يذكره ابن قدامة. أما شمس الدين ابن قدامة، فلا يخفى أنه نقل كتاب المغني على كتاب المقنع ولم يُضفْ إليه إلا القليل، لكنه نقل إجماعات لم ينقلها الموفق أبو محمد في مغنيه انظر على سبيل المثال: (11/ 34، 49، 130، 175، 289، 375) وكذا (14/ 193، 266، 312). وكذلك لم ينقل إجماعا ذكره الموفق في مغنيه كما في مسألة: استئجار الأرض التي ماء دائم للزرع والغرس (¬1). كثير من الحنابلة ينقل عن شمس الدين؛ لأنه رتب كتابه على ترتيب متأخري الحنابلة فسَهُلَ الرجوع إليه أكثر من الكتاب الأم وهو المغني. الثاني عشر: أما النووي: فهو إمام الشافعية في زمانه، وله أثر على المذهب لا ينكر، وقد حكى اثنين وسبعين إجماعا، منها عشر مسائل نقلت عنه، وإحدى عشرة مسألة نقلها عن غيره. ومن الملاحظ أنه إذا حكى الإجماع بلفظ الإجماع ففي الغالب يقصد به الإجماع الأصولي. ¬
أما إذا حكاه بلفظ نفي الخلاف، ففي الغالب يقصد به الإجماع المذهبي، ولذا كثيرا ما يسبقها بلفظ: [قال أصحابنا] أو [عندنا]، وهذا هو الأكثر عنده في كتاب المجموع فهو مليء بالإجماعات المذهبية، بل لا تكاد تخلو صفحة من صفحات الكتاب منه. ونادرا ما يحكي الإجماع بلفظ الاتفاق، فلم ترد في القسم الذي بحثه الباحث إلا في موضعين، انظرها في المجموع (9/ 287، 466). الثالث عشر: أما القرافي: فقد حكى ثلاثة عشر إجماعا، منها مسألة واحدة نقلها عن غيره، ولم ينقل أحد من العلماء عنه. وهو ينفي الخلاف في المسائل كثيرا، وإذا نفاه بهذا اللفظ فمقصوده الخلاف المذهبي. إذا حكى الإجماع بهذا اللفظ فهو في الغالب يقصد منه الإجماع بالمعنى الأصولي. كثيرا ما يحكي الإجماع في القواعد الفقهية والأصولية في كتاب الذخيرة (¬1). الرابع عشر: أما ابن تيمية: فهو عالم نحرير، وجهبذ خبير، لم يُر مثله في زمانه، كما شهد بذلك القاصي والداني، كان له اطلاع واسع على الخلاف في زمن قلَّ فيه معرفة الخلاف، ولذا اتهم بمخالفة الإجماع في جملة من المسائل. وله اهتمام واسع بنقل الإجماع، ولذا استقل بنقل جملة منها، فقد حكى ستة وشين إجماعا، منها ثمان مسائل نقلت عنه، وأربع استفادها من غيره، وفي الغالب يذكر الإجماعات في معرض المحاجَّة والمناقشة لأقوال المخالفين لمذهبه الذي يرجحه. ولوفرة علمه فقد انتقد جملة من الإجماعات المحكية في المسائل. الخامس عشر: الإجماعات التي يحكيها علماء الحنفية هي أكثر الإجماعات ¬
بالنسبة للمذاهب الأخرى، لكن لا يفرح بها كثيرا؛ لأنهم غالبا ما يريدون بها الإجماع المذهبي لا الإجماع بالمعنى الأصولي، وقد درس الباحث في بحثه الإجماعات التي حكاها: الكاساني، والعيني، وابن الهمام، وابن نجيم. أما الكاساني: فقد حكى أربعة وأربعين إجماعا، نُقلت عنه مسألتان، ولم ينقل عن غيره مسألة واحدة. أما العيني: فقد حكى أربعة وتسعين إجماعا، منها ثماني عشر نقلها عن غيره، ولم ينقل أحد عنه. أما ابن الهمام: فقد حكى سبعة وخمسين إجماعا، منها تسع مسائل نقلت عنه، وواحدة نقلها هو عن غيره. أما ابن نجيم: فقد حكى ثمانية وعشرين إجماعا، منها خمس مسائل نقلت عنه، ونقل هو خمس مثلها عن العلماء. وهم غالبا ما يوردون الإجماع بلفظه الصريح، وهذا الذي جعل إجماعاتهم أقل الإجماعات أهمية من بين سائر المذاهب، فلذا لم ينقل الإجماع عنهم أحد من المذاهب الأخرى، ولم ينقلوا هم عن غيرهم إلا القليل. وأوثقهم في حكاية الإجماع ابن الهمام والعيني، وما يورده الأول بصيغة الاتفاق فيقصد به غالبا علماء المذهب، وقد جاء هذا ظاهرا في مسألة: الزيادة المتصلة وأثرها في رد العين المعيبة، فقد ذكر الاتفاق، ثم ذكر خلاف المذاهب. السادس عشر: أما ابن العربي: فهو من علماء المالكية، وخرج عن مذهبه في مسائل كثيرة، وقد حكى تسعة عشر إجماعا، منها ست نقلت عنه، ولم ينقل عن غيره شيئا. السابع عشر: أما القرطبي: فقد حكى تسعة وعشرين إجماعا، نقل منها أربع عشرة مسألة، ولم يَنقل عنه أحد من العلماء، ولعل سبب ذلك أن كتابه كتاب تفسير وليس كتاب فقه؛ ولذا لم يَنقل عنه أحد. الثامن عشر: أما البغوي وابن حجر والشربيني:
فهؤلاء من علماء الشافعية، ولم يكن لهم إلا إجماعات قليلة. أما البغوي فقد حكى ستة إجماعات، نقل العلماء عنه إجماعا واحدا، ولم ينقل هو عن أحد شيئا. أما ابن حجر فقد حكى ثلاثة وثلاثين إجماعا، منها ثلاث عشرة مسألة نقلها عن غيره، ونُقِل عنه عشر مسائل. أما الشربيني: فقد حكى تسعة وعشرين إجماعا، منها ثمان مسائل نقلها عن غيره، ولم يَنقل عنه أحد من العلماء. التاسع عشر: أما الصنعاني والشوكاني: فقد استفادا كثيرا من ابن حجر في كتابه فتح الباري، فربما نقلا عنه شرح أحاديث بأكملها، ولذا فهما لم ينفردا بذكر إجماعات إلا شيئا يسيرا، وإن لم يذكرا ذلك. أما الصنعاني: فقد حكى سبعة وعشرين إجماعا، منها ثمان مسائل نقلها عن غيره. أما الشوكاني: فقد حكى سبعة وثلاثين إجماعا، منها إحدى وعشرون مسألة نقلها عن غيره، ونُقِلت عنه مسألة واحدة. والشوكاني مذهبه في الإجماع أنه لا يعتد به إلا على سبيل الاعتضاد لا الاعتماد (¬1)، ولذا فهو ناقل للإجماع، وليس موردا له ابتداء، وقد نقل إجماعات كثيرة عن علماء مذهب بلده، وهم الزيدية (¬2) (¬3). ¬
العشرون: أما عبد الرحمن القاسم: فقد حاول أن يحوي في حاشيته إجماعات من سبقه، فهو ينقل عن الأئمة، وغالبا ينسب ذلك لهم، وقد لا ينسبه أحيانا، وعلى كثرة الإجماعات التي حكاها إلا أنه نادرا ما ينفرد بذكر إجماع. وقد حكى أربعة عشر ومائة إجماع، منها أربعة وسبعون نقلها عن غيره. * * * ¬
التمهيد
التمهيد من عوائد أهل العلم تقسيم الفقه إلى عدة أبواب، وهي: العبادات، والمعاملات، والنكاح، والحدود والجنايات، والقضاء. ويختلف ترتيبهم لهذه الأبواب مع اتفاقهم على تقديم الأول وهو العبادات. ومثله ترتيبهم للفصول داخل هذه الأبواب، ولكل وجهة هو موليها في الترتيب بحسب اجتهاده، وفي داخل كل مذهب اختلاف أيضًا في التقديم والتأخير في بعض الفصول الفقهية، وفي كل زمن يجتهد علماؤه في الترتيب الذي يرون أنه أوفق في جمع الأبواب المتشابهة والمتماثلة، فترتيب المتأخرين يختلف عن المتقدمين، وهذا الاهتمام من العلماء وإن كان في الأمور الشكلية إلا أن له أثرا على الأمور الجوهرية، فلا تتم الاستفادة من المسائل الفقهية حقا إلا إذا كانت مرتبة ترتيبا سهل المأخذ، قريب المنزع، موافقا للمنطق، متصورا في الذهن، متفقا مع العقل. وفي زماننا حدث ما حدث في الأزمنة السابقة خاصة مع ظهور فقه النظريات. وتظهر المباينة -لمن سبق- في التقسيم جلية في فقه المعاملات على وجه الخصوص، على أنك لا تكاد تجد تقسيما ينتظم جميع الأبواب المتشابهة ويسلم من النقد. والذي سار عليه الباحث في التقسيم بعد إقرار القسم له، هو تقسيم فقه المعاملات إلى عدة أقسام: الأول: عقود المعاوضات: ويندرج تحتها الأبواب التالية: البيع والإجارة والمساقاة والمزارعة والجعالة والصلح والمسابقة والشفعة. الثاني: عقود الإرفاق والاستيثاق: ويندرج تحتها الأبواب التالية: القرض والدين والحوالة والضمان والرهن. الثالث: عقود الاستحفاظ: ويندرج تحتها الأبواب التالية: العارية والوديعة
الرابع: عقود الشركة والاطلاقات
واللقطة. الرابع: عقود الشركة والاطلاقات: ويندرج تحتها الأبواب التالية: الشركة والوكالة والولاية والوصاية. الخامس: عقود التبرعات: ويندرج تحتها الأبواب التالية: الوصية والوقف والهبة. السادس: عقود المحرمات المالية: ويندرج تحتها الأبواب التالية: الربا والغصب وأكل المال بالباطل. السابع: عقود متفرقة: ويندرج تحتها الأبواب التالية: الحجر والقسمة. وكان من نصيب الباحث القسم الأول وهو عقود المعاوضات المالية، وأُدرج معها أسباب التملك والكسب المتضمنة لأحكام إحياء الموات؛ لأنه لا ينتظمها قسم من الأقسام السابقة، ومن المناسب جعله فاتحة المعاملات؛ إذ هو تحصيل للمال بسبب مباح، فكان سابقا للمعاوضات التي بين طرفين. * * *
الباب الأول: مسائل الإجماع في أسباب التملك والكسب
الباب الأول: مسائل الإجماع في أسباب التملك والكسب 1] مشروعية إحياء الموات: • المراد بالمسألة: الإحياء: من الحياة وهو: ضد الموت، وأحياه جعل الشيء حيا (¬1). الموات: من الموت، وأصل الكلمة وهو الميم والواو والتاء يدل على ذهاب القوة من الشيء (¬2)، والموات والمَوَتان، هو: كل أرض ليس لها مالك، ولا بها ماء، ولا عمارة، ولا ينتفع بها إلا أن يُجرى إليها ماء، أو تُستنبط فيها عين، أو يحفر لها بئر (¬3). وإحياء الموات في اصطلاح الفقهاء، هو: التسبب للحياة النامية في الأرض التي ليس لها مالك. ببناء، أو غرس، أو حرث، أو سقي، أو نحو ذلك (¬4). وهو بهذا المعنى مشروع بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • العمراني (¬5) (558 هـ) يقول: [وأجمع المسلمون على جواز إحياء الموات ¬
والتملك به] (¬1). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [عامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء، وإن اختلفوا في شروطه] (¬2). نقله عنه البهوتي (¬3)، والرحيباني (¬4) (¬5). • شمس الدين ابن قدامة (¬6) (682 هـ) يقول: [عامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء، وإن اختلفوا في شروطه] (¬7). نقله عنه البهوتي، والرحيباني (¬8). ¬
• أبو عبد اللَّه الدمشقي (¬1) (كان حيا: 780 هـ) يقول: [اتفق الأئمة على أن الأرض الميتة يجوز إحياؤها] (¬2). • الأسيوطي (¬3) (880 هـ) يقول: [اتفق العلماء -رضي اللَّه عنهم- على أن الأرض الميتة يجوز إحياؤها] (¬4). • برهان الدين ابن مفلح (¬5) (884 هـ) يقول: [والأصل في جوازه قبل الإجماع. . .] (¬6). • زكريا الأنصاري (¬7) (926 هـ) يقول: [الأصل فيه -أي: إحياء الموات- قبل الإجماع. . .] (¬8). ¬
• ابن حجر الهيتمي (¬1) (974 هـ) يقول: [وأجمعوا عليه في الجملة] (¬2). • الشربيني (977 هـ) يقول: [الأصل فيه قبل الإجماع. . .] (¬3). • الرملي (¬4) (1004 هـ) يقول: [وأجمعوا عليه في الجملة] (¬5). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [عامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء، وإن اختلفوا في شروطه] (¬6). ويقول أيضًا: [الأصل فيه السنة والإجماع في الجملة] (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أعمر أرضا ليست لأحد ¬
2] تحريم إحياء الأرض المملوكة لمعين
فهو أحق" (¬1). الثاني: عن سعيد بن زيد (¬2) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق" (¬3). الثالث: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر" (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة، وذلك لعدم المخالف فيها. 2] تحريم إحياء الأرض المملوكة لمعين: • المراد بالمسألة: إذا كانت الأرض مملوكة لشخص معين، وكان ملك الشخص لها عن طريق الشراء أو الهبة أو نحوها من طرق التملك، عدا الإحياء، فإنه لا يجوز إحياؤها، بإجماع العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [أجمع العلماء على أن ما عرف ملكا لمالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه وملكه لأحد غير أربابه] (¬1). نقله عنه ابن قدامة، وشمس الدين ابن قدامة، والمرداوي (¬2)، وعبد الرحمن القاسم (¬3). • العمراني (558 هـ) يقول: [موات قد كان جرى الملك عليه لمسلم ثم مات، أو غاب وخربت الأرض، وصارت كالموات، فإن كان المالك لها معروفا، فهذا لا يجوز إحياؤه، بلا خلاف] (¬4). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ما جرى عليه ملك مالك، وهو ثلاثة أنواع: أحدها: ما له مالك معين، وهو ضربان: أحدهما: ما مُلك بشراء أو عطية، فهذا لا يملك بالإحياء، بغير خلاف] (¬5). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ما جرى عليه ملك، وهو ثلاثة أنواع: أحدها: ما له مالك معين، وهو ضربان: أحدهما: ما ملك بشراء أو عطية، فهذا لا يملك بالإحياء، بغير خلاف] (¬6). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [فإن علم أنه جرى عليه ملك بشراء أو عطية، فلا، بغير خلاف نعلمه] (¬7). ¬
3] جواز إحياء الأرض غير المملوكة
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أعمر أرضًا ليست لأحد فهو أحق" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل شرط الإحياء عدم ملكية الأرض لأحد، فإذا كانت مملوكة لأحد فلا يصح الإحياء. الثاني: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أخذ شيئًا من الأرض بغير حقه، خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين" (¬3). • وجه الدلالة: أن من أحيا أرضا وهي مملوكة، فإن إحياءه يعد اعتداء على حق الغير، يتعرض به العبد إلى العقوبة من اللَّه (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 3] جواز إحياء الأرض غير المملوكة: • المراد بالمسألة: من شروط إحياء الأرض الموات أن تكون الأرض غير مملوكة لأحد، فإذا كانت غير مملوكة، ولم يوجد فيها أثر ملك كعمارة أو زرع ونحوهما، صح إحياؤها بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على جواز إحياء الأرض الميتة العاديَّة] (¬5). . . . . . ¬
نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬1). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [جملته أن الموات قسمان: أحدهما: ما لم يجر عليه ملك لأحد، ولم يوجد فيه أثر عمارة، هذا يملك بالإحياء، بغير خلاف بين القائلين بالإحياء (¬2)] (¬3). نقله عنه البهوتي، والرحيباني، وابن ضويان (¬4) (¬5). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وجملة ذلك: أن الموات قسمان: أحدهما: ما لم يجر عليه ملك لأحد، ولم يوجد فيه أثر عمارة، فهذا يملك بالإحياء، بغير خلاف بين القائلين بالإحياء] (¬6). نقله عنه البهوتي، والرحيباني (¬7). • المرداوي (885 هـ) يقول: [إن كان الموات لم يجر عليه ملك لأحد، ولم يوجد فيه أثر عمارة، ملك بالإحياء بلا خلاف] (¬8). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [أن يكون من الموات التي لا يختص بها أحد، وهذا أمر متفق عليه] (¬9). ¬
• عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [(فمن أحياها) أي: الأرض الموات ملكها) بإجماع العلماء القائلين بملك الأرض الموات بالإحياء] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" (¬3). • وجه الدلالة: أن الأرض الميتة إنما سميت ميتة لعدم الملك والإحياء لها. الثاني: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "العباد عباد اللَّه، والبلاد بلاد اللَّه، فمن أحيا من موات الأرض شيئًا فهو له، وليس لعرق ظالم حق" (¬4). الثالث: عن طاوس (¬5) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عاديُّ الأرض للَّه ولرسوله، ثم لكم من بعد، فمن أحيا شيئًا من موتان الأرض فله رقبتها" (¬6). ¬
4] ليس لمن استعان بهم المحيي نصيب في ملك الأرض
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 4] ليس لمن استعان بهم المحيي نصيب في ملك الأرض: • المراد بالمسألة: من يريد إحياء أرض موات، واستعان بمن يعينه على إحيائها، سواء كانت الإعانة بأجرة أم لا، وسواء كان المعينون له من خَدَمه أو قومًا متعاونين معه وكان من نيتهم إعانته على الإحياء، فإن الرجل ينفرد بملك الأرض المحياة، دون من كان معه، وليس لهم حق في الأرض، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن من استعمل في إحياء الأرض أُجراء، أو رقيقه، أو قوما استعانهم، فأعانوه طوعا، ونيتهم إعانته، والعمل له، أن تلك الأرض له لا للعاملين فيها] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2) (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
5] تحريم إحياء أو إقطاع الأرض التي فيها مصالح أهل القرية
الأول: من المعلوم بالضرورة أن الواحد لا يستطيع أن يقوم بالإحياء بنفسه، بل لا بد من أحد يعينه على عمله؛ وذلك لوجود المشقة، خاصة في زماننا هذا ومع تطور العلم وتغير الأحوال، ومع هذه الضرورة لم يذكر الشارع فيها شيئًا، فدل على أنه لو استأجر أحدا فليس للأجير من الملك شيء، ومن باب أولى كذلك من أعانه من غير أجرة. الثاني: أن الشارع لم يجعل من شروط الإحياء أن يقوم بالإحياء بنفسه، فسكوته دليل على بقاء الأمر على الأصل وهو الإباحة. الثالث: القياس على الوكيل في الوكالة: فكما أنه يُنَفِّذ ما وكله به المُوَكِّل، وليس له حق في المشاركة في الحق الذي وُكِّل عليه، فكذلك المعينون للمحي في إحياء الموات.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 5] تحريم إحياء أو إقطاع الأرض التي فيها مصالح أهل القرية: • المراد بالمسألة: الأرض التي تكون مجاورة للقرية، ولأهلها منافع بها، كأن تكون مرعى لماشيتهم، ومحتطبا لهم، أو يكون فيها طرقهم، أو إليها مسيل مائهم، وما أشبه ذلك، فهذه لا يجوز إحياؤها، ولا يجوز للإمام إقطاعها، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [ولا خلاف بين العلماء أن الإمام لا يجوز له إقطاع. . .، مسارح القوم التي لا غنى لهم عنها لإبلهم ومواشيهم] (¬1). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن الأرض إذا كانت أرض ملح، أو ما فيه للمسلمين منفعة، فلا يجوز للمسلم أن ينفرد بها] (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ما تعلق بمصالح القرية: كفنائها، ومرعى ماشيتها، ومحتطبها، وطرقها، ومسيل مائها، لا يملك بالإحياء، ولا نعلم فيه ¬
أيضًا خلافا بين أهل العلم] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ما تعلق بمصالح القرية، كفنائها، ومرعى ماشيتها، ومحتطبها، وطرقها، ومسيل مائها، لا يملك بالإحياء، لا نعلم فيه أيضًا خلافا بين أهل العلم] (¬3). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه: كطرقه، وفنائه، ومسيل مائه، ومرعاه، ومحتطبه، وحريمه، لم يملك بالإحياء بغير خلاف نعلمه] (¬4). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عمرو بن عوف (¬7) -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له، وليس لعرق ظالم حق" (¬8). • وجه الدلالة: أن الحديث قيد جواز الإحياء في غير حق مسلم، فدل مفهومه أن ¬
ما كان في حق مسلم فلا يجوز فيه الإحياء، فيدخل فيه ما قارب العمران، وما تعلقت به مصالح القرية (¬1). الثاني: عن قيلة بنت مخرمة (¬2) -رضي اللَّه عنها- قالت: قدمنا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: فتقدم صاحبي -تعني: حريث بن حسان (¬3) وافد بكر بن وائل (¬4) - فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه، ثم قال: يا رسول اللَّه، اكتب بيننا وبين بني تميم (¬5) بالدهناء (¬6) أن لا يجاوزها إلينا منهم أحد إلا مسافر أو مجاور، فقال: "اكتب له يا كلام بالدهناء" فلما رأيته قد أمر له بها، شَخَص (¬7) بي وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول اللَّه، إنه لم يسألك السوية من الأرض إذ سألك، إنما هي هذه الدهناء ¬
6] تحريم إحياء وإقطاع أراضي المعادن الظاهرة
عندك: مُقَيَّدُ الجمل (¬1)، ومرعى الغنم، ونساء بني تميم وأبناؤها وراء ذلك، فقال: "أمسك يا غلام! صدقت المسكينة، المسلم أخو المسلم، يسعهما الماء والشجر، ويتعاونان على الفتَّان (¬2) " (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما علم أن الأرض التي أقطعه إياها فيها منافع أهل القرية ومصالحهم رد ذلك، ولم يُمْضه له. الثالث: أن ما قارب العمران وتعلقت به مصالح القرية، يكون من مصلحة ذات المملوك، ولذا فإنه يعطى حكمه (¬4)، وذلك جريا على القاعدة: أن ما قارب الشيء فإنه يأخذ حكمه (¬5).Rصحة الإجماع في المسألة، وذلك لعدم المخالف فيها. 6] تحريم إحياء وإقطاع أراضي المعادن الظاهرة: • المراد بالمسألة: الإقطاع في اللغة: مصدر أقطعه إذا ملَّكه، أو أذن له في التصرف بالشيء (¬6). وفي اصطلاح الفقهاء: تسويغ الإمام من مال اللَّه شيئًا لمن يراه أهلا لذلك، وأكثر ما يستعمل في إقطاع الأرض، وهو: أن يخرج منها شيئًا لمن يحوزه، إما أن يملكه إياه فيعمره، أو يجعل له غلته مدة (¬7). ¬
المعادن الظاهرة هي: ما كان جوهرها المستودع فيها بارزا، والمؤونة إنما تكون في تحصيلها (¬1). والمقصود هنا: أن المعادن الظاهرة: كالملح، والماء، والكبريت، والقِير (¬2)، والمومياء (¬3)، والنِفط (¬4)، والكحل، والبِرام (¬5)، والياقوت، ومقاطع الطين، ونحوها، لا يجوز تملكها بالإحياء، ولا يجوز للإمام إقطاعها، ولا يحق لأحد من الناس تحجيرها، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على الأرض إذا كانت أرض ملح. . .، فلا يجوز للمسلم أن ينفرد بها] (¬6). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [المعادن الظاهرة. . .، ينتابها الناس، وينتفعون بها: كالملح، والماء، والكبريت، والقير، والمومياء، والنفط، والكحل، ¬
والبرام، والياقوت، ومقاطع الطين، وأشباه ذلك، لا تملك بالإحياء، ولا يجوز إقطاعها لأحد من الناس، ولا احتجازها دون المسلمين. . .، وهذا مذهب الشافعي، ولا أعلم فيه مخالفا] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [المعادن الظاهرة. . .، ينتابها الناس، وينتفعون بها: كالملح، والماء، والكبريت، والقِير، والمومياء، والنِّفط، والكحل، والبرام، والياقوت، ومقاطع الطين، وأشباه ذلك، لا يملك بالإحياء، ولا يجوز إقطاعه لأحد من الناس، ولا احتجازه دون المسلمين. . .، وهذا مذهب الشافعي، ولا أعلم فيه مخالفا] (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [(لا يجوز للإمام أن يقطع ما لا غنى بالمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقي الناس منها) ولا نعلم فيه خلافا] (¬4). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [ولا تملك المعادن الظاهرة كالملح والقار. . .، والنفط. . .، والكحل والجص بالإحياء. . .، وليس للإمام إقطاعه، بغير خلاف علمناه] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبيض بن حمَّال (¬7) -رضي اللَّه عنه- أنه وفد إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستقطعه الملح الذي ¬
بمأرب (¬1)، فقطعه له، فلما ولَّى، قال رجل في المجلس: أتدري ما قطعت له؟ إنما قطعت له الماء العِدّ (¬2)، قال: فانتزعه منه (¬3). الثاني: أن هذه المعادن تتعلق بها مصالح المسلمين العامة، فلم يجز إحياؤها، ولا إقطاعها، كمشارع الماء، وطرقات المسلمين (¬4). الثالث: قال ابن عقيل (¬5): [هذا من مواد اللَّه الكريم، وفيض جوده الذي لا غناء عنه، فلو ملكه أحد بالاحتجاز، ملك منعه، فضاق على الناس، فإن أخذ العوض عنه أغلاه، فخرج عن الموضع الذي وضعه اللَّه من تعميم ذوي الحوائج من غير كلفة] (¬6).Rالإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
7] الغرس والزرع في إحياء الأرض الموات
7] الغرس والزرع في إحياء الأرض الموات: • المراد بالمسألة: إذا جاء شخص إلى أرض موات وأراد إحياءها، فغرس فيها غرسا، أو زرع فيها زرعا، فإن فعله هذا يعد أبلغ علامة على الإحياء، فيحكم له بملك الأرض، بلا خلاف بين العلماء (¬1). • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [فإن غرسها -أي: الأرض التي يراد إحياؤها- أو زرعها، فهو أبلغ في إحيائها، وهو ما لا خلاف فيه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على إحاطة الحائط على الأرض: فكما أن هذه علامة شرعية قد جاءت بها السنة، كما في حديث سمرة بن جندب (¬4) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أحاط حائطا على أرض فهي له" (¬5). فكذلك الغرس والزرع، بل هما من ¬
8] جواز التصرف في النصيب الذي يؤخذ من النهر غير المملوك
باب أولى؛ لتحقق معنى الإحياء فيهما أكثر من بناء الحائط. الثاني: أن من شروط ملك الأرض إحياءها، والإحياء لا بد له من علامة يعرف بها، وأبلغ علامة ظاهرة في معرفته هي الزرع والغرس في الأرض.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 8] جواز التصرف في النصيب الذي يؤخذ من النهر غير المملوك: • المراد بالمسألة: إذا كان ثمة نهر صغير غير مملوك لأحد، ووضع عليه دولابا يغرف منه، فإنه يجوز له أن يسقي بنصيبه أيَّ أرض شاء، سواء كانت هذه الأرض لها رسم في الشرب أو ليس لها رسم، ما لم يضق الماء على من كان له رسم في هذا الشرب، كل هذا لا خلاف فيه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وإن كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك، جاز أن يسقي بنصيبه من الماء أرضا لا رسم لها في الشِّرب منه، بغير خلاف نعلمه] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وإن كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك، جاز أن يسقي بنصيبه من الماء أرضا لا رسم لها في الشرب منه، بغير خلاف نعلمه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬3). ¬
9] حريم البئر والعين في الأرض الموات
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن هذا الماء لما كان صاحبه قد استحق الانتفاع منه، كان له التصرف فيه بما شاء، سواء استفاد هو منه، أو أفاده لغيره، كما لو انفرد به من أصله (¬1). الثاني: القياس على من حاز الماء إلى رحله أو إنائه، فله حق التصرف فيه بما شاء، فكذلك الماء الذي غرفه بدولابه له حق التصرف فيه بما شاء.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 9] حريم البئر والعين في الأرض الموات: • المراد بالمسألة: حريم الشيء هي: حقوقه ومرافقه التي حوله وأطرافه، وتسميته بالحريم؛ لأن التصرف به والانتفاع منه لغير مالكه حرام وممنوع (¬2). والمقصود هنا: أن المحيي للبئر والعين يملكهما مع حريمهما المحيطة بهما، فإذا ملكهما فلا يحق لأحد الاعتداء على ملكه ولا على حريمه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) يقول: [لا خلاف في أن من حفر بئرا في أرض الموات، يكون لها حريم، حتى لو أراد أحد أن يحفر في حريمه، له أن يمنعه. . .، وكذلك العين لها حريم بالإجماع] (¬3). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن مغفل (¬2) -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا (¬3) لماشيته" (¬4). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حريم البئر البدي (¬5) خمسة وعشرون ذراعا، وحريم البئر العادية (¬6) خمسون ذراعا، وحريم العين السائحة (¬7) ثلاثمائة ذراع، وحريم عين الزرع ستمائة ذراع" (¬8). ¬
10] منع الإمام من التصرف في الأرض المحياة التي ليس فيها معادن
• وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل لكل بئر حريما محددة بحسب الحاجة، فدل على أن أصل الحريم مشروع، وإن اختلفت الأحاديث في التحديد.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 10] منع الإمام من التصرف في الأرض المحياة التي ليس فيها معادن: • المراد بالمسألة: من شروط الإحياء: أن تكون الأرض مواتا لا يملكها أحد من الناس، فإذا أحيا الأرض شخص، وليس فيها معادن، فإنها تكون ملكه، ولا يجوز للإمام أن ينتزعها منه، ولا كذلك أن يقطعها شخص آخر، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن من ملك أرضا محياة ليست معدنا، فليس للإمام أن ينتزعها منه، ولا أن يُقطعها غيره] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن سعيد بن زيد -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أحيا أرضا ميتة ¬
11] منع تحجير الأرض بغير إقطاع الإمام
فهي له" (¬1). • وجه الدلالة: هذا الحديث وما جاء في معناه، يدل دلالة صريحة على أن المحيي يملك الأرض بالإحياء، فإذا ملكها لم يكن لأحد أن يعتدي عليها لا الإمام ولا غيره. الثاني: أن أموال الناس معصومة، وحقوقهم محفوظة، لا يجوز الاعتداء عليها بغير حق، ولا يحل منها شيء إلا ما طابت به أنفسهم، وهذا الحكم يستوي فيه الحكام وغيرهم.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 11] منع تحجير الأرض بغير إقطاع الإمام: • المراد بالمسألة: التحجير في اللغة مشتق من الحجر وهو: المنع (¬2). وسمي التحجير بذلك؛ لأنه إذا عَلَّم في موضع الموات علامة، فكأنه منع من إحياء ذلك فسمي فِعْله تحجيرا (¬3). وفي الاصطلاح هو: ضرب حدود حول ما يريد إحياءه (¬4). وقيل: معناه أعم من ذلك وهو: الشروع في إحياء الأرض الموات، مثل: أن يدير حول الأرض ترابا أو أحجارا، أو يحيطها بجدار صغير، أو يحفر بئرا لم يصل إلى مائها، أو يسقي شجرا مباحا، ويصلحه ولم يركبه (¬5). والمقصود هنا: أنه إذا حجَّر شخص أرضا، والإمام لم يقطعه إياها، وهو لا يريد إحياءها، فإن تصرفه هذا لا يجوز باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أنه لا يجوز لأحد أن يتحجر أرضا بغير ¬
12] منع إقطاع الإمام المرافق العامة
إقطاع الإمام، فيمنعها -أي: المحجر- ممن يحييها -أي: ممن يريد إحياءها- ولا يحييها هو] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: ما جاء عن عمر -رضي اللَّه عنه- "أنه جعل التحجير ثلاث سنوات، فإن تركها حتى تمضي ثلاث سنين، فأحياها غيره، فهو أحق بها" (¬4). • وجه الدلالة: أن التعرض لأموال الناس بغير حق، أمر منكر وباطل، وعمر أجاز للغير أن يتعرض للمتحجر إذا لم يحي الأرض، فدل على أن تحجُّره غير صحيح، بل باطل لا حرمة له. فهذا رأي الفاروق عمر -رضي اللَّه عنه- في قضاء عام، يعد مظنة للانتشار والاشتهار، ولم يعلم إنكار أحد من الصحابة عليه. الثاني: أن المقصود من الإحياء هو عمارة الأرض والاستفادة منها، فإذا لم يتحقق المقصود فإنه يمنع من العمل، فالذي يتحجر الأرض وهو لا يريد الإحياء قد منع غيره من الاستفادة من الأرض.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 12] منع إقطاع الإمام المرافق العامة: • المراد بالمسألة: المرافق: واحدها مَرفق، بفتح الميم، وكسر الفاء وفتحها (¬5)، والمرفق من الأمر هو: ما ارتفقت به، وانتفعت منه، ومنه مرافق ¬
الدار وهي: مصاب الماء ونحوها، كخلائها وسطحها (¬1). والمرافق العامة هي: ما ينتفع به الناس جميعا، كالطرقات، والحدائق، والمساجد ونحوها (¬2). وهذه المرافق العامة التي يستفيد منها الناس وينتفعون بها، لا يجوز للإمام أن يقطعها إقطاع تملك لأحد، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن الصباغ (¬3) (477 هـ) يقول: [وأجمعوا على منع إقطاع المرافق العامة]. نقله عنه ابن حجر الهيتمي، والشربيني، والرملي (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬5). ¬
13] تحريم تحجير وإقطاع المياه المباحة
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبيض بن حمال -رضي اللَّه عنه- أنه وفد إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستقطعه فأقطعه الملح، فلما أدبر، قال رجل: يا رسول اللَّه أتدري ما أقطعته؟ إنما أقطعته الماء العد، قال: فرجع فيه (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رد ما أقطعه لأبيض بن حمال لما علم أن المكان المقطع، فيه منفعة لعامة الناس وهو من المعادن الظاهرة، فمن باب أولى إذا كان من مرافقهم التي يرتفقونها في القرية. الثاني: ما جاء أن رجلا قال لعمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: [إن قِبَلنا أرضا بالبصرة ليست من أرض الخراج، ولا تَضرُّ بأحد من المسلمين، فإن رأيت أن تقطعينها أتخذ فيها قضبا لخيلي فافعل؟ ] قال: فكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري (¬2): [إن كانت كما يقول فأقطعها إياه] (¬3). • وجه الدلالة: أن عمر لما علم أن إقطاعه الأرض ليس فيه مضرة على المسلمين أجاز ذلك، فدل على أن انتفاء المضرة قيد في الجواز. الثالث: أن ما كان من مرافق أهل البلدة فهو حق أهل البلدة، وفي الإقطاع اعتداء عليهم، وإبطال لحقهم (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 13] تحريم تحجير وإقطاع المياه المباحة: • المراد بالمسألة: المياه المباحة هي: المياه غير المملوكة لأحد. والمقصود ¬
هنا: مياه الأودية الكبار: كالنيل، والفرات، ودجلة، وسيحون وجيحون وأشباهها، ومياه العيون الكائنة في الجبال والمتحدرة من الأراضي الموات، وكذا سيول الأمطار، هذه كلها الناس في الاستفادة منها على حد سواء، ولا يجوز لأحد تحجرها، ولا للإمام إقطاعها لأحد من الناس، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • أبو الطيب الطبري (¬1) (450 هـ) يقول: [والمياه المباحة من الأودية، والعيون في الجبال ونحوها من الموات، وسيول الأمطار يستوي الناس فيها، لا يجوز لأحد تحجرها، ولا للإمام إقطاعها إجماعا]. نقله عنه الشربيني (¬2). • ابن الصباغ (477 هـ) يقول: [والمياه المباحة من الأودية، والعيون في الجبال ونحوها من الموات، وسيول الأمطار يستوي الناس فيها، لا يجوز لأحد تحجرها، ولا للإمام إقطاعها إجماعا]. نقله عنه الشربيني (¬3). • ابن حجر الهيتمي (974 هـ) يقول: [(المياه المباحة) بأن لم تملك (من الأودية): كالنيل والفرات (والعيون) الكائنة (في الجبال) ونحوها من الموات، وسيول الأمطار (يستوي الناس فيها). . .، لا يجوز لأحد تحجرها، ولا للإمام إقطاعها إجماعا] (¬4). • الشربيني (977 هـ) يقول: [المياه المباحة من الأودية: كالنيل، والفرات، والعيون في الجبال وغيرها، وسيول الأمطار، يستوي الناس فيها. . .، فلا يجوز لأحد تحجرها، ولا للإمام إقطاعها بالإجماع] (¬5). ¬
• الرملي (1004 هـ) يقول: [(والمياه المباحة) بأن لم تملك (من الأودية): كالنيل والفرات ودجلة (والعيون) الكائنة (في الجبال) ونحوها من الموات، وسيول الأمطار (يستوي الناس فيها). . .، فلا يجوز لأحد تحجرها، ولا للإمام إقطاعها بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: غزوت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثا أسمعه يقول: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ، والماء، والنار" (¬3). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار" (¬4). • وجه الدلالة من الحديثين: أن أولى ما يدخل في الماء المياه المباحة التي لم ¬
14] تقسيم ماء النهر أو السيل الذي يتشاح الناس عليه
تكن مملوكة لأحد، والحديث جاء عاما لم يفرق بين ما كان من قبل الإمام أو غيره، فيبقى على عمومه (¬1). الثالث: القياس على المعادن الظاهرة: فكما أنه ليس للإمام أن يُقْطعها لأحد، فكذلك المياه المباحة، بجامع وجود الضرر على الناس في تملكها، أو تخصيص أحد بها.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 14] تقسيم ماء النهر أو السيل الذي يتشاح الناس عليه: • المراد بالمسألة: الماء الجاري الذي يجري من الأنهار الصغيرة، أو التي يستفيدها الناس من الأمطار، إذا تشاح الناس عليه، واختلفوا فيه، ولم يكن أحد منهم أقدم في المكان من الآخر، فإنه يقسم بينهم، وطريقة القسمة بينهم: أن يبدأ من في أول طريق الماء، فيأخذ نصيبه منه حتى يبلغ إلى الكعب، ثم يرسله إلى من يليه، حتى يمر على الجميع، وإذا لم يفضل منه شيء فإن الآخر ليس له منه نصيب، وليس له حق المطالبة، وهذه القسمة لا خلاف فيها بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه، ويتشاحون في مائه، أو سيلا يتشاح فيه أهل الأرض الشاربة منه، فإنه يبدأ من في أول النهر، فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ إلى الكعب، ثم يرسل إلى الذي يليه فيصنع كذلك، وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي كلها، فإن لم يفضل عن الأول شيء، أو عن الثاني، أو عمن يليهم فلا شيء للباقين. . .، وهذا قول فقهاء المدينة، ومالك، والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا] (¬2). نقله عنه العيني (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه، ويتشاحون في مائه، أو سيلا يتشاح فيه أهل الأرضين الشاربة منه، فإنه يبدأ من في أول النهر، فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ إلى الكعب، ثم يرسل إلى الذي ¬
يليه فيصنع كذلك، وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي كلها، فإن لم يفضل عن الأول شيء، أو عن الثاني، أو عمن يليهم فلا شيء للباقين. . .، وهذا قول فقهاء المدينة، ومالك، والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا] (¬1). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه، ويتشاحون في مائه: كنهر الشام، أو مسيلا يتشاح فيه أهل الأرضين الشاربة منه، فيبدأ بمن في أول النهر فيسقى ويحبس الماء حتى يصل إلى الكعبين، ثم يرسل إلى الثاني فيفعل كذلك، حتى تنتهي الأراضي كلها، فإن لم يفضل عن الأول شيء، أو عن الثاني، أو عن من يليهما، فلا شيء للباقين. . .، ولا نعلم فيه خلافا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن الزبير (¬4) -رضي اللَّه عنهما- أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في شراج (¬5) الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرِّح الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للزبير: "اسق يا ¬
زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك" فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك! فتلوَّن وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم قال: "اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر" فقال الزبير: واللَّه إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (¬1) (¬2). الثاني: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى في السيل المهزور (¬3) أن يمسك حتى يبلغ الكعبين، ثم يرسل الأعلى على الأسفل" (¬4). الثالث: أن الأعلى أرضه قريبة من فوهة النهر فهو أسبق إلى الماء، فكان أولى به، كمن سبق إلى المشرعة.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. * * * ¬
الباب الثاني: مسائل الإجماع في كتاب البيع
الباب الثاني: مسائل الإجماع في كتاب البيع وفيه ستة فصول: الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب شروط البيع. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الشروط في البيع. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب الخيار في البيع. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب الصرف. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في باب بيع الأصول والثمار. الفصل السادس: مسائل الإجماع في باب السلم. * * *
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب شروط البيع
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب شروط البيع 1] مشروعية البيع وحكمه: • المراد بالمسألة: البيع في اللغة: ضد الشراء، وهو إعطاء المثمن وأخذ الثمن، ففيه معنى المبادلة بين طرفين، ويطلق على الشراء، فهو من ألفاظ الأضداد (¬1). • وفي الاصطلاح: تمليك عين مالية، أو منفعة مباحة على التأبيد بعوض مالي، من غير ربا ولا قرض (¬2). والمقصود به هنا: أن البيع بهذه الصورة مباح مشروع من حيث الأصل، وأنه أحد أسباب الملك، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الماوردي (¬3) (450 هـ) يقول: [الأصل في إحلال البيوع: كتاب اللَّه، وسنة ¬
نبيه، وإجماع الأمة. . .، وأما إجماع الأمة: فظاهر من غير إنكار بجملته] (¬1). • الغزالي (505 هـ) يقول: [واجتمعت الأمة على كونه سببا لإفادة الملك] (¬2). نقله عنه النووي (¬3). • السمرقندي (¬4) (539 هـ) يقول: [اعلم: أن البيع مشروع، عرفت شرعيته بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة] (¬5). • العمراني (558 هـ) يقول: [والبيع جائز، والأصل في جوازه: الكتاب والسنة والإجماع. . .، وأما الإجماع: فأجمعت الأمة على جوازه] (¬6). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على جواز البيع] (¬7). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وأجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة] (¬8). • النووي (676 هـ) يقول: [أما الحكم الذي ذكره المصنف وهو جواز البيع، فهو مما تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وأجمعت الأمة على أن المبيع بيعا صحيحا يصير بعد انقضاء الخيار ملكا للمشتري] (¬9). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وأجمع المسلمون على جواز البيع ¬
في الجملة] (¬1). • الزيلعي (743 هـ) يقول: [ثبت جوازه بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. . .، وأما الإجماع: فإن الأمة أجمعت على جوازه، وأنه أحد أسباب الملك] (¬2). • الزركشي (¬3) (772 هـ) يقول: [وقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على ذلك. . .، وأما الإجماع: فبنقل الأثبات] (¬4). • البابرتي (¬5) (786 هـ) يقول: [وجوازه ثابت بالكتاب. . .، والسنة. . .، وبالإجماع فإنه لم ينكره أحد من الملبِّين وغيرهم] (¬6). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [وأجمع المسلمون على جواز البيع] (¬7). • العيني (855 هـ) يقول: [. . . فدليل جوازه الكتاب. . .، والسنة. . .، وإجماع الأمة، فإنه منعقد على جواز البيع] (¬8). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [وشرعية البيع: بالكتاب. . .، والسنة. . .، والإجماع منعقد عليه] (¬9). ¬
• الأسيوطي (880 هـ) يقول: [والأصل في جوازه: الكتاب والسنة والإجماع. . .، وأما الإجماع: فأجمعت الأمة على جوازه] (¬1). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [والأصل فيه قبل الإجماع. . .] (¬2). • زكريا الأنصاري (926 هـ) يقول: [الأصل فيه قبل الإجماع آيات. . .] (¬3). • حطاب (¬4) (954 هـ) يقول: [والإجماع على جوازه من حيث الجملة] (¬5). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [أما دليله: فالكتاب والسنة والإجماع والمعقول] (¬6). • الشربيني (977 هـ) يقول: [الأصل في الباب قبل الإجماع آيات. . .] (¬7). • الرملي (1004 هـ) يقول: [والأصل في الباب قبل الإجماع. . .] (¬8). • البهوتي (1051 هـ) يقول: [والبيع جائز بالإجماع] (¬9). • عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (¬10) (1078 هـ) يقول: [ومشروعية ¬
البيع. . .، وبإجماع الأمة وبالمعقول] (¬1). • الحصكفي (¬2) (1088 هـ) يقول: [وثبوته: بالكتاب والسنة والإجماع والقياس] (¬3). • علي حيدر (¬4) (1353 هـ) يقول: [قد أجمع الأئمة على مشروعية البيع، وأنه أحد أسباب التملك] (¬5). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [والإجماع معلوم في الجملة] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬8). الثاني: من السنة: قد توارد على هذا الحكم أنواع السنة الثلاثة: القولية والفعلية والتقريرية. ¬
2] منع الفصل بين الإيجاب والقبول
فالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بُعِث والناس يتبايعون فيما بينهم، فأقرهم عليه من غير إنكار، بل إنه -صلى اللَّه عليه وسلم- باع واشترى، فقد جاء عنه أنه باع حِلْسا (¬1) وقَدَحا (¬2) (¬3)، واشترى من جابر بعيرا (¬4)، ثم إنه حث على الكسب الطيب كما في حديث رافع بن خديج (¬5) -رضي اللَّه عنه- أنه سئل: أيُّ الكسب أطيب؟ فقال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور" (¬6).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 2] منع الفصل بين الإيجاب والقبول: • المراد بالمسألة: من أركان البيع: الصيغة. وهي قائمة على الإيجاب من البائع، والقبول من المشتري، فإذا أوجب البائع البيع، وطال الفصل، والمشتري لم يقبل، وانشغلا بكلام أجنبي عن العقد، فإن العقد غير سائغ إذا قبل المشتري بعدها، بلا نزاع بين العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [ومثل هذه الوقوف -أي: الوقوف بين المعطوفات في كتاب اللَّه التي يفصلها التحزيبات الموجودة في المصحف العثماني - لا يسوغ في المجلس الواحد إذا طال الفصل بينهما بأجنبي، ولهذا لو ألحق بالكلام: عطف، أو استثناء، أو شرط، ونحو ذلك، بعد طول الفصل بأجنبي، لم يسغ، باتفاق العلماء. ولو تأخر القبول عن الإيجاب، بمثل ذلك بين المتخاطبين، لم يسغ ذلك، بلا نزاع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن العقد إذا طال الفصل فيه بين الإيجاب والقبول انقطعت فائدة الكلام فيه، ويعد لا ارتباط فيه بينهما، كالاستثناء والشرط وخبر المبتدأ الذي لا يتم ¬
3] عدم انعقاد البيع الذي تقدم فيه الإيجاب على القبول بلفظ الاستفهام
الكلام إلا بذكر طرفه الآخر (¬1). الثاني: أن طول الفصل بينهما، يدل على إعراض المشتري عن العقد، وعدم رغبته في إتمام البيع، وإذا قبل بعد طول المدة لربما اختل جانب الرضا من الطرف الآخر، فلزم إعادة العقد من أصله (¬2). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: ابن العربي من المالكية، فقال بجواز تأخير القبول عن الإيجاب حتى وإن طالت المدة، إلا ما يتطرق في أثناء ذلك إلى السلعة من فساد يلحق عينها، أو حَطٍّ يُدرِكُ قيمتها (¬3). ويفهم من هذا القيد الذي ذكره: أن التأخير لا يضر، حتى وإن تغيَّر المجلس. ودليله على هذا الرأي: أن الأدلة جاءت مطلقة من غير تحديد مدة بين القبول والإيجاب، فما دام أنهما وقعا، على أي صفة كان، فالعقد تام وصحيح (¬4). ولم أجد من وافقه على هذا الرأي.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 3] عدم انعقاد البيع الذي تقدم فيه الإيجاب على القبول بلفظ الاستفهام: • المراد بالمسألة: الصيغة المشتملة على الإيجاب والقبول ركن من أركان البيع، والأصل تقدم الإيجاب على القبول، فإذا حدث العكس وكان بصيغة الاستفهام، فإن البيع لا يصح ولا ينعقد إلا إذا رد المشتري بالقبول بعد هذا، بلا خلاف بين العلماء. وصورة ذلك: أن يقول المشتري للبائع: أتبيعني هذه السلعة بألف ريال؟ فيقول البائع: بعتك، فلا بد أن يقول المشتري: قبلت. ¬
• من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [ولا ينعقد بصيغة الاستفهام بالاتفاق، بأن يقول المشتري للبائع: أتبيع مني هذا الشيء بكذا؟ أو ابعته مني بكذا؟ فقال البائع: بعت، لا ينعقد ما لم يقل المشتري: اشتريت] (¬1). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [فأما إن تقدم -أي: القبول على الإيجاب- بلفظ الاستفهام، مثل أن يقول: أتبيعني ثوبك بكذا؟ فيقول: بعتك، لم يصح بحال. نص عليه أحمد، وبه يقول أبو حنيفة، والشافعي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم] (¬2). • النووي (676 هـ) يقول: [أما إذا قال المشتري: أتبيعني عبدك بكذا؟ أو قال: بعتني بكذا، فقال: بعت، لا ينعقد البيع بلا خلاف، إلا أن يقول بعده: اشتريت] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [فأما إن تقدم -أي: القبول على الإيجاب- بلفظ الاستفهام، مثل أن يقول: أتبيعني ثوبك بكذا؟ فيقول: بعتك، لم يصح بحال. نص عليه أحمد، وبه يقول أبو حنيفة، والشافعي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم] (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الاستفهام سؤال الإيجاب والقبول، وليس إيجابا وقبولا بنفسه، ولذا يُعد البيع هنا قد فَقَد أحد ركني الصيغة وهو القبول، فلم ينعقد (¬5). الثاني: أن هذه الصيغة تعتبر مساومة وليست إيقاعا للعقد، وفرق بين المساومة والعقد (¬6). ¬
4] لزوم اتحاد المجلس في عقد البيع
• المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: المالكية فقالوا: إن البيع بلفظ الاستفهام صحيح ومنعقد (¬1). وخالف أيضا ابن حزم من الظاهرية، وقال: لا يجوز البيع إلا بلفظ البيع، أو بلفظ الشراء، أو بلفظ التجارة، أو بلفظ يُعبَّر به في سائر اللغات عن البيع. ولم يذكر صيغة معينة ولا صفة معينة فدل على أنه يرى جواز البيع بأي لفظ دال عليه (¬2). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: القياس على النكاح: فكل ما كان إيجابا وقبولا في عقد النكاح، كان إيجابا في البيع (¬3). الثاني: أن الشارع لم يَحدَّ ألفاظا معينة عند التبايع، وما لم يحده الشرع فمرده إلى العرف، وكل لفظ دال على البيع تراضيا عليه، فإنه ينعقد عليه البيع، فيدخل فيه هذه الصيغة.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 4] لزوم اتحاد المجلس في عقد البيع: • المراد بالمسألة: إذا صدر الإيجاب من البائع في مجلس لم يكن المشتري حاضرا فيه، فإن العقد لا يتم حتى وإن وافق المشتري على العقد بعد ذلك، بإجماع العلماء، ما لم يكن ثمة وكيل عن المشتري حاضر في المجلس وقَبِل عنه، أو كان العقد مكتوبا إلى المشتري، أو أرسل إليه رسولا في ذلك. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [إذا أوجب أحدهما البيع، والآخر غائب، ¬
فبلغه، فقبل، لا ينعقد، بأن قال: بعت عبدي هذا من فلان الغائب بكذا فبلغه فقبل، ولو قبل عنه قابل ينعقد، والأصل في هذا: أن أحد الشطرين من أحد العاقدين في باب البيع يتوقف على الآخر في المجلس، ولا يتوقف على الشطر الآخر من العاقد الآخر فيما وراء المجلس بالإجماع، إلا إذا كان عنه قابل، أو كان بالرسالة، أو بالكتابة] (¬1). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [من قال: بعت عبدي هذا من فلان الغائب بكذا، وبلغه الخبر، فقبل، لا يصح؛ لأن شطر العقد لا يتوقف فيه، بالإجماع] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن تغير مجلس الإيجاب عن القبول يُعد فاصلا طويلا، والفاصل الطويل يخرج الثاني عن أن يكون جوابا عن الأول (¬4). الثاني: أن أحدا لا يَعدُّ الكلام متصلا إذا تباعد وقته، فكيف إذا اختلف مجلسه، فحال القبول مع الإيجاب كحال المستثنى مع المستثنى منه، وحال الشرط مع المشروط، وحال الخبر مع المبتدأ، لا يتم أحدهما إلا أن يرتبط بالآخر قريبا منه (¬5).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
5] جواز البيع بلفظ الهبة
5] جواز البيع بلفظ الهبة: • المراد بالمسألة: الهبة في اللغة هي: العطية الخالية عن الأعواض والأغراض (¬1). وتطلق كذلك على إيصال الشيء إلى الغير بما ينفعه، سواء كان مالا أو غير مال (¬2). • وفي الاصطلاح: تمليكُ جائزِ التصرفِ مالا معلوما أو مجهولا تعذر علمه، موجودا مقدورا على تسليمه، غير واجب فى الحياة، بلا عوض، بما يعد هبة عرفا (¬3). والمقصود هنا: لو باع البائع السلعة بلفظ الهبة، وقرنها بذكر العوض، فقال: وهبتك هذه الدار، بمائة ألف ريال، فإن هذا يُعَدُّ بيعا، فيأخذ أحكامه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول: [لو قال: وهبت لك هذه الدار، أو هذا العبد، بثوبك هذا، فبيعٌ بالإجماع] (¬4). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [لو قال: وهبت لك، أو وهبت لك هذه الدار، أو هذا العبد، بثوبك هذا، فرضي، فهو بيع بالإجماع] (¬5). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [لو قال: وهبتك، أو وهبت لك هذه الدار، بألف درهم، أو قال: هذا العبد، بثوبك هذا، فرضي، كان بيعا إجماعا] (¬6). • الحموي (¬7) (1098 هـ) يقول: [إذا قال: وهبت لك هذه الدار بألف، وهذا ¬
العبد بثوبك هذا، فرضي، كان بيعا إجماعا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، وهو مشهور مذهب الشافعية، وكذا مشهور مذهب الحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وذلك أن اللَّه ذكر البيع مطلقا في كتابه، ليس له حد في اللغة، ولا في الشرع، فيرجع فيها إلى العرف، والمقصود بالخطاب إفهام المعاني، فأيُّ لفظ دل عليه مقصود العقد انعقد به، وهذه الصيغة يقصد منها البيع، فتعد بيعا، وإن اختلف لفظها (¬3). الثاني: أن صورة الهبة الشرعية ليس فيها عوض، فإذا شُرط ذلك في العقد علم أن مقصود العاقد ليس ذات اللفظ، وإنما معناه، وإعمال كلامه أولى من إهماله (¬4). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في وجه عندهم، والحنابلة في رواية، وابن حزم من الظاهرية، وقالوا: بأنه لا ينعقد البيع إذا كان بلفظ الهبة (¬5). ¬
6] لزوم التراضي في البيع بين المتعاقدين
واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: أن العبرة في الألفاظ بظواهرها؛ إذ إن الصيغ موضوعة لإفادة المعاني، وتفهيم المراد منها عند إطلاقها، فلا تترك ظواهرها؛ لأن هذا يؤدي إلى ترك استعمال الألفاظ (¬1).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 6] لزوم التراضي في البيع بين المتعاقدين: • المراد بالمسألة: الرضا هو: قصد الفعل دون أن يشوبه إكراه (¬2). • والمقصود هنا: أن حلَّ أموال الناس إنما هو منوط بالتراضي بين المتعاقدين، بإجماع العلماء، مع توفر الأركان والشروط، وانتفاء الموانع. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول [. . . والنص، والإجماع المتيقن، قد بيَّنا بأنه لا يخرج عن ملك البائع إلا ما رضي بإخراجه عن ملكه] (¬3). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [الأصل المجتمع عليه: أنه لا يحل مال امريء مسلم إلا عن طيب نفس منه، وأن التجارة لا تجوز إلا عن تراض] (¬4). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [الأصل المتفق عليه: تحريم مال الغير إلا بطيب نفس منه] (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬2). الثاني: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما البيع عن تراض" (¬3). الثالث: عن أبي حميد الساعدي (¬4) -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه، وذلك لشدة ما حرم اللَّه عز وجل مال المسلم على المسلم" (¬5). • وجه الدلالة: كل هذه الأدلة تدل على أن الرضا لا بد منه في التعاقد بين الطرفين، وأن الإكراه إذا كان بغير حق فإنه مانع من العقد. ¬
7] تحريم بيع وشراء المكره بغير حق وعدم لزومه
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 7] تحريم بيع وشراء المكره بغير حق وعدم لزومه: • المراد بالمسألة: الإكراه هو: حمل الغير على ما لا يرضاه من قول أو فعل، ولا يختار مباشرته لو تُرِك ونفسه (¬1). • والمقصود بالمسألة: أنه إذا أُكره مكلف على البيع أو الشراء، وكان الإكراه بغير حق، فإن الفعل لا يجوز، والعقد الذي عقده المُكْرَه غير لازم، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • المهلب (¬2) (435 هـ) يقول: [أجمع العلماء أن الإكراه على البيع والهبة، لا يجوز]. نقله عنه ابن بطال (¬3)، وابن حجر (¬4). • ابن بطال (449 هـ) يقول: [قال سحنون (¬5): أجمع أصحابنا وأهل العراق على أن بيع المكره على الظلم والجور، لا يجوز. وقال الأُبْهري (¬6): إنه ¬
إجماع] (¬1). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [قال سحنون: أجمع أصحابنا وأهل العراق على أن بيع المكره على الظلم والجور، لا يجوز. وقال الأُبْهري: إنه إجماع] (¬2). • ابن تيمية (728 هـ) لما سُئِل عن أناس صُودرت أملاكهم وبيعت، فذهبوا إلى من آلت إليه أملاكهم، فاشتروها منه، فقال: [. . . وبيع المكره بغير حق، بيع غير لازم، باتفاق المسلمين. فلو قُدِّر مع ذلك أن المشتري أُكره على الشراء منه -أي: البائع -، وأدَّاه الثمن عنه، فأعطاه البائع الثمن الذي أداه عنه، لوجب تسليم المبيع إليه، باتفاق المسلمين، فكيف والمشتري لم يكره على الشراء، والبائع قد بذل له الثمن الذي أداه عنه، فليس للمشتري والحالة هذه، مطالبته بزيادة على ذلك، باتفاق الأئمة، ولا مطالبته برد الأعيان التي كانت ملكه] (¬3). ويقول أيضا: [المكره بغير حق، لا يلزم بيعه، ولا إجارته، ولا إنفاذه، باتفاق المسلمين] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬5). ¬
8] صحة بيع المكلف الحر الرشيد
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬1). • وجه الدلالة: أنه إذا لم يكن التعاقد عن تراض من الطرفين، فإن المال يُعد من أكل أموال الناس بالباطل، وهذا حال المكرَه (¬2). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرِهوا عليه" (¬3). • وجه الدلالة: أن الحديث دليل على أن الإكراه من عوارض الأهلية التي يُرفَع عن المكلف فيها الحرج، فلا يترتب على الفعل أثره (¬4). الثالث: القياس على كلمة الكفر التي يتلفظ بها المسلم وهو مكره، فكما أنه غير مؤاخذ بها فكذلك هنا، بجامع الإكراه بغير حق في كل منهما (¬5).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 8] صحة بيع المكلف الحر الرشيد: • المراد بالمسألة: من كان مكلفا -وهو: البالغ العاقل- وهو حر غير عبد، ¬
صالح غير فاسق، رشيد غير سفيه، مختار في تصرفه غير مكره، وليس وكيلا عن غيره، فإن تصرفه بالبيع والشراء صحيح، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن من كان بالغا عاقلا حرا عدلا في دينه، حسن النظر في ماله، أنه لا يحجر عليه، وأن كل ما أنفذه مما يجوز إنفاذه في ماله، فهو نافذ] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا أنه يصح البيع من كل بالغ عاقل مختار مطلق التصرف] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬5). • وجه الدلالة: جعل اللَّه من شرط التجارة الرضا، ومن كان بالغا، عاقلا، مختارا، فإنه يصح بيعه؛ لأن رضاه صادر من أهله، وواقع في محله. الثاني: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق" (¬6). ¬
9] بطلان بيع المجنون والمغمى عليه
• وجه الدلالة: أن قلم التكليف رفع عن هؤلاء الثلاثة دون غيرهم، فدل على أن تصرفات غيرهم الأصل أنها محمولة على الصحة والجواز.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 9] بطلان بيع المجنون والمغمى عليه: • المراد بالمسألة: زوال العقل: قد يكون من عند اللَّه من غير تصرف المخلوق، وقد يكون بتسبب الآدمي، فمن زال عقله بالكلية، من غير تسبب الآدمي: كالمجنون، فإن بيعه وابتياعه باطل، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الماوردي (450 هـ) يقول: [أما المجنون فشراؤه باطل، ولا يقف على إجازة الولي إجماعا] (¬1). • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع الذي لُبِسَ في عقله - بغير السكر - باطل، وكذلك ابتياعه] (¬2). نقله عنه ابن القطان (¬3). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [المجنون ليس له قول حسا ولا شرعا، باتفاقٍ من العلماء] (¬4). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه لا يصح بيع المجنون] (¬5). ¬
ابن بزيزة (¬1) (662 هـ) يقول: [لم يختلف العلماء أن بيع الصغير والمجنون باطل]. نقله عنه الصاوي (¬2) والدسوقي (¬3) (¬4). • النووي (676 هـ) يقول: [وأما المجنون: فلا يصح بيعه بالإجماع، وكذلك المغمى عليه] (¬5). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وأما المجنون الذي رفع عنه القلم. . .، لا تصح عقوده باتفاق العلماء، فلا يصح بيعه ولا شراؤه] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُفِع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق" (¬8). ¬
10] بطلان بيع من لم يصل سن البلوغ
الثاني: أن أهلية المتصرف شرط في انعقاد التصرف، والأهلية لا تثبت بدون العقل، فلا يثبت الانعقاد بدونه. الثالث: أن البيع قول يعتبر له الرضا، والرضا لا يصح من غير المكلف. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: ابن عرفة (¬1) من المالكية، فقال: إن عقد المجنون حال جنونه، ينظر له السلطان بالأصلح في إتمامه وفسخه، إن كان مع من يلزمه عقده (¬2). فعقد المجنون على رأيه موقوف على إجازة السلطان. واستدل لقوله: بالقياس على من جُنَّ في أيام الخيار، فالسلطان ينظر له بالأصلح (¬3). وهو قول لم أجد من وافقه عليه من العلماء.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 10] بطلان بيع من لم يصل سن البلوغ: • المراد بالمسألة: الصبي: إما أن يكون مميزا أو غير مميز. ومعنى التمييز: أن يفهم الخطاب، ويَرُدّ الجواب، وهو في البيع: أن يكون على دراية أن البيع سالب للملك، والشراء جالب له، وأن يكون من مقاصد متاجرته الربح، ويعرف الغبن اليسير من الفاحش (¬4). فأما غير المميز: فقد رفع عنه قلم التكليف، فلا كلام فيه. ¬
أما المميز: فإذا تصرف من دون إذن وليه ببيع أو شراء، ولم يكن ذلك ضرورة، فإن تصرفه باطل، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع من لم يبلغ، لما لم يؤمر به، ولا اضطر إلى بيعه لِقُوته، باطل، وأن ابتياعه كبيعه في كل ذلك] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، ومشهور مذهب الحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ. . . " (¬4). الثاني: أن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به التصرف؛ لخفائه، وتزايده تزايدا خفي التدريج، فجعل الشارع له ضابطا، وهو البلوغ، فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة. الثالث: أن البيع قول يعتبر له الرضا، فلم يصح من غير الرشيد، كالإقرار (¬5). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في رواية جاءت عن الإمام أحمد: بأنه يصح ¬
11] تحريم بيع الوصي مال نفسه على الصغير الذي لم يكن له فيه نفع ظاهر وكذا شراؤه
تصرف المميز، لكن في الشيء اليسير (¬1). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: أن أبا الدرداء (¬2) اشترى من صبي عصفورا وأطلقه (¬3). الثاني: أن الحكمة في الحجر عليه، هو خوف ضياع ماله بتصرفه، وهذا مفقود في الشيء اليسير (¬4).Rصحة الإجماع في بطلان تصرف الصبي المميز في الشيء الكثير، أما الشيء اليسير فلا؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 11] تحريم بيع الوصي مال نفسه على الصغير الذي لم يكن له فيه نفع ظاهر وكذا شراؤه: • المراد بالمسألة: الوصي هو: من يعهد إليه الأب أو الجد أو القاضي، بالتصرف بعد موت الأب أو الجد، فيما كان له التصرف فيه في حياته من شؤونه: كقضاء ديونه واقتضائها، ورد المظالم والودائع، واستردادها، وتنفيذ وصاياه، والولاية على أولاده الذين له الولاية عليهم من أطفال ومجانين وسفهاء، والنظر في أموالهم، بحفظها والتصرف فيها بما لهم فيه الحظ (¬5). وهذا الوصي لا يجوز له أن يبيع مال نفسه على الصبي -الذي هو وصي عليه- وليس له أن يشتري مال الصبي لنفسه، إذا لم يكن للصبي في هذا البيع والشراء منفعة ظاهرة، تتحقق فيها مصلحة له، وهذا أمر مجمع عليه. ¬
• من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [وأما الوصي إذا باع مال نفسه من الصغير، أو اشترى مال الصغير لنفسه، فإن لم يكن فيه نفع ظاهر، لا يجوز بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الوصي متهم على المحاباة في البيع والشراء من الصبي، فربما زاد في سعر البيع عليه، ونقص في سعر الشراء منه، فلذا مُنع سدا لهذا الباب (¬3). الثاني: أن الوصي مأمور بالنظر في المصلحة في التعامل مع الصبي الذي تولاه، فإذا باع واشترى من نفسه شيئا، لم يكن فيه منفعة ظاهرة للصبي، كان ذلك تعديا منه على المأمور به، والمتعدي يوقف عنده حده، ويمنع من تصرفه. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: المالكية، وقالوا: يكره للوصي أن يشتري شيئا من تركة الميت، فإن فعل نظر الحاكم فيه، فإن وجد في شرائه مصلحة لليتيم، بأن اشترى ذلك المبيع بقيمته أمضاه، وإلا رده، ويستثنى من ذلك الشيء القليل الذي انتهت إليه الرغبات بعد شهرته للبيع في سوقه، فيجوز اشتراؤه للوصي (¬4). واستدل هؤلاء: بأن الوصي مثله مثل غيره في الشراء من تركة الميت، لكن لما كان متهما بالمحاباة لنفسه كره ذلك ولم يحرم (¬5). ¬
12] صحة تصرف المرأة بالبيع والشراء
Rصحة الإجماع على النهي عن شراء الوصي من مال الصبي، والخلاف إنما هو هل النهي على التحريم أو على الكراهة؟ 12] صحة تصرف المرأة بالبيع والشراء: • المراد بالمسألة: إذا أرادت المرأة أن تبيع أو تبتاع، وهي جائزة التصرف -أي: بالغة رشيدة حرة- فإن تصرفها صحيح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن بطال (449 هـ) يقول: [والأمة مجمعة على أن المرأة إذا كانت مالكة أمر نفسها، جاز لها أمرها أن تبيع وتشتري، وليس لزوجها عليها في ذلك اعتراض] (¬1). • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن المرأة الحرة العاقلة البالغة، كالرجل في كل ما ذكرنا] (¬2). نقله عنه ابن القطان (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع في المسألة: الحنفية، والشافعية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على الرجل: فما جاز في حق الرجل، جاز في حق المرأة، بجامع أن كلا منهما مكلف. الثاني: أنه لو قيل: بعدم جوازه للمرأة لكان فيه مشقة عظيمة، خاصة المرأة التي لم يكن لها وليٌّ، وتحتها أيتام، ولا عائل لهم. الثالث: أن الأصل في النصوص الشرعية أنها تكون للمكلفين من الرجال ¬
13] اشتراط الإباحة في عقد البيع
والنساء على حد سواء ولا فرق، إلا ما ورد الدليل فيه بالتخصيص.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 13] اشتراط الإباحة في عقد البيع: • المراد بالمسألة: من شروط عقد البيع: أن يكون المعقود عليه يباح الانتفاع به شرعا، فإذا كانت العين المعقود عليها محرمة في الشريعة، فلا يجوز العقد عليها، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [اتفقوا أن بيع جميع الشيء الحاضر الذي يملكه بائعه كله ملكا صحيحا. . .، ولم يكن المبيع. . . محرما، فبيعه. . . جائز] (¬1). • المازري (¬2) (536 هـ) يقول: [إن كانت سائر منافعه محرمة صار هو القسم الأول الذي لا منفعة فيه: كالخمر والميتة، وإن كانت سائر منافعه -أي: المعقود عليه - محللة، جاز بيعه إجماعا، كالثوب والعبد، والعقار، والثمار، وغير ذلك من ضروب الأموال] (¬3). نقله عنه الحطاب (¬4). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا تناولت صفقة البيع مباحا، فإنه جائز، وإذا تناولت المحظور كالخمر، لم يجز] (¬5). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [كل عين مملوكة يجوز اقتناؤها، والانتفاع بها في غير حال الضرورة، يجوز بيعها، إلا ما استثناه الشرع. . .، وسواء في ذلك ما كان طاهرا كالثياب، والعقار، وبهيمة الأنعام، والخيل، ¬
والصيود، أو مختلفا في نجاسته، كالبغل، والحمار، لا نعلم في ذلك خلافا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬3). • وجه الدلالة: أن هذه الآية عامة في تحريم كل مال كان باطلا، فيدخل في ذلك ما جاء الشارع بتحريمه، وأما ما عدا ذلك مما حصل بالتجارة عن تراض فهو مباح (¬4). الثاني: عن المغيرة بن شعبة (¬5) -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات. وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" (¬6). • وجه الدلالة: أن مما كرهه اللَّه عز وجل إضاعة المال، ويدخل في الإضاعة كل ما أنفق من المال في غير وجهه المأذون فيه شرعا، فدل على أن المبايعة فيما أباح اللَّه جائزة لا حرج فيها، وما كان محرما فهو داخل في إضاعة المال الممنوعة (¬7). ¬
14] تحريم مهر البغي وحلوان الكاهن
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 14] تحريم مهر البغي وحلوان الكاهن: • المراد بالمسألة: البغي: يطلق على جنس من الفساد، يقال: بَغت المرأة، وهي تبغي بِغاءً، إذا فَجَرَتْ، ووقعت في الزنا (¬1). والمقصود بمهر البغي: هو ما تعطاه المرأة على الزنا (¬2). وسماه مهرا لكونه على صورة المهر الشرعي (¬3). والحلوان: أصله من الحلو، ويطلق ويراد به: العطية، يقال: حلوت الرجل حُلْوَانا، إذا أعطيته (¬4). والكاهن: هو الذي يتعاطى الخبر، عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار (¬5). والمقصود بحلوان الكاهن: هو ما يعطاه من الأجر، والرشوة على كهانته (¬6). وسبب تسميته وتشبيهه بالشئ الحلو، من جهة أنه يأخذه سهلا بلا كلفة، ولا في مقابلة مشقة (¬7). والمراد هنا: أن ما تأخذه المرأة على الزنا، وما يأخذه الكاهن على كهانته، هو من الكسب المحرم الذي لا يجوز، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [لا خلاف بين علماء المسلمين في أن مهر البغي حرام، وهو على ما فسره مالك، لا خلاف في ذلك. . .، وكذلك لا خلاف في حلوان الكاهن، أنه ما يعطاه على كهانته] (¬8). ويقول أيضا: [فأما مهر ¬
البغي. . .، فمجتمع على تحريمه. . .، وأما حلوان الكاهن، فمجتمع أيضا على تحريمه] (¬1). نقله عنه النفراوي (¬2)، ونقل عنه ابن القيم، والزرقاني (¬3) الإجماع على حلوان الكاهن (¬4). • البغوي (516 هـ) يقول: [اتفق أهل العلم على تحريم مهر البغي، وحلوان الكاهن] (¬5). نقله عنه النووي (¬6). • المازري (536 هـ) يقول: [ولا خلاف في حرمة ما يأخذه الكاهن]. نقله عنه الأُبّي (¬7)، والزرقاني (¬8). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [ومهر البغي، فلا خلاف في تحريمه] (¬9). ويقول أيضا: [وأما حلوان الكاهن. . .، فمحرم بإجماع الأمة] (¬10). ¬
• القاضي عياض (544 هـ) يقول: [أجمع المسلمون على تحريم حلوان الكاهن]. ويقول أيضا: [ولم يختلف في حرمة مهر البغي]. نقل عنه العبارة الأولى النووي (¬1)، ونقل العبارة الثانية الأُبّي (¬2). • أبو العباس القرطبي (¬3) (656 هـ) يقول: [المهر والحلوان محرمان بالإجماع] (¬4). • النووي (676 هـ) يقول: [وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة، بالنهي عن إتيان الكهان، وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يعطون من الحلوان؛ وهو حرام بإجماع المسلمين]. ويقول أيضا: [أما مهر البغي. . .، وهو حرام بإجماع المسلمين] (¬5). • ابن دقيق العيد (¬6) (702 هـ) يقول لما تكلم عن حديث أبي مسعود (¬7) في ¬
النهي عن مهر البغي وحلوان الكاهن: [والإجماع قائم على تحريم هذين] (¬1). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وصناعة التنجيم، وأخذ الأجرة عليها، وبذلها، حرام بإجماع المسلمين] (¬2). • الزركشي (772 هـ) لما تكلم عن كسب الحجام، وذكر الأدلة على منعه، ومنها حديث رافع بن خديج الذي فيه النهي عن ثمن الكلب والبغي والحجام، ذكر من قرائن المنع أنه اقترن بمهر البغي المتفق على تحريمه فقال: [وقد قارنه بما لا نزاع في تحريمه] (¬3). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [فإنا عرفنا تحريم مهر البغي وحلوان الكاهن من الإجماع لا من مجرد النهي. . .، حلوان الكاهن وهو حرام بالإجماع] (¬4). نقله عنه الشوكاني، والمباركفوري (¬5) (¬6). ¬
• العيني (855 هـ) يقول: [ومهر البغي حرام إجماعا]. ويقول أيضا: [مهر البغي. . .، مجمع على تحريمه، لا خلاف فيه بين المسلمين] (¬1). • السنوسي الحسيني (¬2) (895 هـ) يقول لما تكلم عن معنى حلوان الكاهن: [ولا خلاف في حرمته] (¬3). • المناوي (¬4) (1031 هـ) يقول: [ومهر البغي. . .، حرام إجماعا] (¬5). • الزرقاني (1122 هـ) يقول لما تكلم عن معنى مهر البغي: [وهو حرام إجماعا] (¬6). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [وأجمع العلماء على تحريم حلوان الكاهن] (¬7). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [ومهر البغي. . .، هو مجمع على تحريمه] (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
15] اشتراط الانتفاع بالمبيع
الأول: عن أبي مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن" (¬1). الثاني: عن رافع بن خديج -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث" (¬2). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن مهر البغي وحلوان الكاهن، وسمى كسبهما كسبا خبيثا، وهذا دليل على التحريم والمنع. وكذلك إذا حرم اللَّه شيئا حرم ثمنه، فالبغاء والكهانة لا شك في تحريمهما في الشرع، فما أخذ عليهما فهو محرم مثلهما.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 15] اشتراط الانتفاع بالمبيع: • المراد بالمسألة: من شروط العين المباعة: إمكانية الانتفاع بها نفعا حسيا وشرعيا، وهذا الشرط لا خلاف فيه بين العلماء. وقد اختلف تعبير العلماء لهذا الشرط: فالمالكية والشافعية عبروا عنه بما ذكر. والحنفية والحنابلة عبروا عنه بكون العين مالا (¬3). • من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) يقول: [شروط المبيع خمسة، إحداها: أن يكون منتفعا به، وهذا شرط لصحة البيع، بلا خلاف] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة (¬5). ¬
16] جواز بيع الحيوان المملوك
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬1). • وجه الدلالة: أن تبايع ما لا منفعة فيه يعتبر من أكل المال بالباطل. الثاني: عن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعَ وهات. وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن إضاعة المال، ومن إضاعته إنفاقه فيما لا نفع فيه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 16] جواز بيع الحيوان المملوك: • المراد بالمسألة: الحيوان الذي حازه المكلف وملكه، وهو مما ينتفع به منفعة شرعية، سواء كانت المنفعة في الحال أو في المآل: كالصيد والحفظ والحراسة والقتال والركوب ونحوها، فإنه يجوز بيعه بإجماع العلماء، إلا ما استثني، مثل الكلب والنحل والخنزير. • من نقل الإجماع: • الكرخي (¬3) (340 هـ) يقول: [أما الفيل فأجمعوا على جواز بيعه]. نقله عنه العيني (¬4). ¬
• ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع الحيوان المتملك، ما لم يكن كلبا، أو سنورا، أو نحلا، أو ما لا ينتفع به، جائز] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [وزعم القائلون بهذا القول -وهو جواز أكل لحم الخيل- أنه ليس في السكوت عن ذكر الإذن في الخيل، دليل على أن ما عدا الركوب والزينة لا يجوز، ألا ترى أنه لم يذكر البيع والتصرف، وإنما ذكر الركوب والزينة لا غير، وجائز بيعها، والتصرف فيها، وفي ثمنها، بإجماع] (¬3). ويقول أيضا: [. . . بدليل إجماعهم على بيع الهر، والسباع، والفهود المتخذة للصيد، والحمر الأهلية] (¬4). • الكاساني (587 هـ) يقول: [ويجوز بيع الفيل، بالإجماع] (¬5). نقله عنه ابن نجيم، وابن عابدين (¬6) (¬7). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وما ذكراه يبطل بالبغل والحمار، فإنه لا خلاف في إباحة بيعهما] (¬8). • النووي (676 هـ) يقول: [قال أصحابنا: الحيوان الطاهر المملوك من غير الآدمي، قسمان: قسم ينتفع به فيجوز بيعه: كالإبل والبقر والغنم والخيل والبغال ¬
والحمير والظباء والغزلان والصقور والبزاة والفهود والحمام والعصافير والعُقاب، وما ينتفع بلونه: كالطاوس، أو صوته: كالزرزور والببغاء والعندليب، وكذلك القرد والفيل والهرة ودود القز والنحل، فكل هذا وشبهه، يصح بيعه بلا خلاف] (¬1). ويقول: [. . . والبغل والحمار الأهلي، فإن أكلها حرام، وبيعها جائز بالإجماع] (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [كل عين مملوكة يجوز اقتناؤها والانتفاع بها في غير حال الضرورة، يجوز بيعها، إلا ما استثناه الشرع. . .، وسواء في ذلك ما كان طاهرا. . .، أو مختلفا فى نجاسته: كالبغل والحمار، لا نعلم في ذلك خلافا] (¬3). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [. . . بخلاف البغل والحمار، فإن بيعهما جائز، باتفاق المسلمين] (¬4). • الحداد (¬5) (800 هـ) يقول: [ويجوز بيع الهر، بالإجماع] (¬6). • العيني (855 هـ) لما تكلم عن الخلاف في بيع النحل بين أنه على القول بالجواز، لا يؤثر فيه عدم جواز أكلها، وقاسه على بيع الحمار والبغل، فقال: [كالبغل والحمار، فإن بيعهما يجوز، بلا خلاف] (¬7). • الموافقون على الإجماع: ¬
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه أباح البيع إباحة مطلقة، فيبقى الإطلاق على إطلاقه إلا ما استثناه الدليل، فيدخل في الإباحة جميع الحيوانات المملوكة التي ينتفع بها. الثاني: أن ما لا ينتفع به يعد من أكل المال بالباطل الذي نهانا اللَّه عنه في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في بعض أجزاء المسألة بعض العلماء: فالحنفية: خالفوا في الفيل، ففي رواية عن محمد بن الحسن (¬4) أنه نجس العين، وعليه فلا يجوز بيعه (¬5). والحنابلة: خالفوا في الفيل، وسباع البهائم: كالفهد والنمر ونحوها، حتى وإن كان فيها منفعة، ففي رواية اختارها أبو بكر (¬6) وابن أبي موسى (¬7): أنه لا ¬
يجوز بيعها (¬1). واستدل هؤلاء: بالقياس على الكلب، فكما أنه لا يجوز بيعه، فكذلك السباع، بجامع النجاسة في كل منهما (¬2). واختلف العلماء في الهرة على قولين: القول الأول: عدم جواز بيعها. قال به: أبو هريرة وجابر بن عبد اللَّه وجابر بن زيد (¬3) ومجاهد (¬4) وطاوس والحسن (¬5)، وهو قول ابن القاص (¬6) من الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها أبو بكر وابن أبي موسى وابن القيم وابن ¬
رجب (¬1)، وهو قول الظاهرية (¬2). واستدل هؤلاء بدليل من السنة، وهو: ما جاء أن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- سئل عن ثمن الكلب والسنور؟ قال: "زجر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك". وفي رواية: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن ثمن الكلب والسنور" (¬3). القول الثاني: التفصيل: إن كان المقصود من بيعه الانتفاع بجلده، أو الانتفاع به حيا، فهذا جائز، أما إن قصد الانتفاع بلحمه، فلا يجوز بيعه على القول بتحريم أكله، ومكروه على القول بكراهة أكله. قال به المالكية (¬4). واستدلوا لقولهم: أن مرد الأمر إلى الطهارة وعدمها، فجلده طاهر ينتفع به في اللباس والصلاة به وعليه. أما إن كان المقصود لحمها للأكل فالكراهة؛ لكراهة أكل لحوم السباع على المشهور (¬5).Rصحة الإجماع في المسألة، إلا ما استثني من سباع البهائم والفيل والهرة، وذلك لعدم الاطلاع على المخالف في غيرها. ¬
17] جواز اقتناء الكلب للصيد وحفظ الماشية والزرع
17] جواز اقتناء الكلب للصيد وحفظ الماشية والزرع: • المراد بالمسألة: اتخاذ الكلب المعلَّم لأنْ يَصيد به ما يَقتات به، أو يستفيد منه في حفظ الماشية والحرث -ما لم يكن أسود بهيما أو عقورا- جائز، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) يقول: [وأما الحاجة التي تجوز الاقتناء -أي: اقتناء الكلب- لها، فقد ورد هذا الحديث بالترخيص لأحد ثلاثة أشياء، وهي: الزرع والماشية والصيد، وهذا جائز بلا خلاف] (¬1). • ابن القيم (751 هـ) يقول: [اتفقت الأمة على إباحة منافع كلب الصيد من الاصطياد والحراسة] (¬2). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [واتفقوا على أن المأذون في اتخاذه، ما لم يحصل الاتفاق على قتله، وهو الكلب العقور] (¬3). نقله عنه الشوكاني (¬4). • العيني (855 هـ) يقول: [وأما اقتناء الكلب للصيد، والزرع، والبيوت، والمواشي، فيجوز بالإجماع] (¬5). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [وأما اقتناؤه للصيد، وحراسة الماشية، والبيوت، والزرع، فيجوز بالإجماع] (¬6). نقله عنه ابن نجيم، والشلبي (¬7) (¬8). • عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول: [وأما اقتناء ¬
الكلب للصيد، أو لحفظ الزرع، أو المواشي، أو البيوت، فجائز بالإجماع] (¬1). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [ويحرم اقتناؤه. . .، إجماعا، ولو لحفظ البيوت، إلا كلب صيد، أو ماشية، أو حرث، فيباح] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (¬4). • وجه الدلالة: أن من الجوارح المكلبة الكلب، وقد أباح اللَّه لنا صيد المعلم منها، وقرن صيده بالحلال الطيب، فدل على إباحة اقتنائه للصيد (¬5). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من اتخذ كلبا -إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع- انتقص من أجره كل يوم قيراط" (¬6). الثالث: عن سفيان بن أبي زهير (¬7) -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من اقتنى كلبا، لا يغني عنه زرعا، ولا ضرعا، نقص من عمله كل يوم قيراط" قال: آنت سمعت هذا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: إي ورب هذا المسجد (¬8). ¬
• وجه الدلالة: أن الشارع استثنى من اقتناء الكلب هذه الحالات الثلاث، فدل على جوازها، وبقاء ما عداها على الأصل وهو الحرمة. • المخالفون للإجماع: أولًا: خالف في مسألة جواز اقتناء الكلب للزرع: ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، وقال: بتحريمه، وقد نسب ذلك له ابن عبد البر رحمه اللَّه (¬1)، وفي هذه النسبة نظر، لأمور: الأول: لم أجد من نسبه إليه غيره، بل لم أجد عن ابن عمر رواية تدل على هذه النسبة. الثاني: لعل ابن عبد البر نسب هذا القول لابن عمر، لمَّا روى الحديث في الباب، ولم يذكر من ضمن الاستثناء كلب الحرث أو الأرض، وكان ينسبها لأبي هريرة، فيقول: [وقال أبو هريرة: أو كلب حرث] وجاء في حديث أبي هريرة السابق، قال الزهري (¬2): فذكر لابن عمر قول أبي هريرة فقال: [يرحم اللَّه أبا هريرة! كان صاحب زرع]. وهذا لا يدل على أنه لا يرى استثناء كلب الزرع من التحريم، وإنما يدل على شيئين: 1) تَثبُّت ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- في نسبة ذلك إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهو لم يسمعها من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما من أبي هريرة. 2) مقصود ابن عمر حين نسبه إلى أبي هريرة، أن من كان مهتما بشيء، فإنه سيكون ضابطا له أكثر من غيره، وأبو هريرة كان مهتما بالحرث، ويدل لهذا حين قال: وكان صاحب حرث (¬3). ¬
18] تحريم بيع القرد الذي لا ينتفع به
وهذا هو الأليق بفقه ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، حتى لا ينسب إلى الشذوذ بمخالفته الإجماع، خاصة أني لم أجد من قال بهذا القول من المتقدمين، ولا من المتأخرين. الثالث: جاء عن ابن عمر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من اتخذ كلبا -إلا كلب زرع أو غنم أو صيد- ينقص من أجره كل يوم قيراط". فأثبت ابن عمر هنا الزرع في الحديث (¬1). ثانيًا: ما ذكره الحنفية: العيني وابن الهمام وغيرهما في الإجماع من ذكر البيوت، واقتناء الكلب لحفظ البيوت والدور، مما اختلف فيه العلماء، فقد قال بمنعه: المالكية في المشهور عنهم، والشافعية في رواية مرجوحة عندهم، وهو المشهور من مذهب الحنابلة (¬2). واستدل هؤلاء: بأن النص إنما ورد في هذه الثلاثة فقط، دون غيرها، فيبقى غيرها على الأصل وهو التحريم.Rصحة الإجماع في جواز اقتناء الكلب للأمور الثلاثة، وهي: الصيد وحفظ الماشية والزرع؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 18] تحريم بيع القرد الذي لا ينتفع به: • المراد بالمسألة: القرد من السباع التي مُسِخت أمة على شكله (¬3)، وقد ينتفع به ¬
للحراسة والحفظ ونحوها، وهو مما يقبل التعليم إذا عُلِّم (¬1)، فإذا كان منتفعا به لهذه المنافع ونحوها، فإنه يجوز بيعه وشراؤه، وإذا لم يكن منتفعا به، فإنه لا يجوز بيعه ولا ابتياعه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الطحاوي (¬2) (321 هـ) يقول: [وقد اتفقوا على أن ما لا منفعة فيه من الحيوان لا يجوز بيعه: كالرخم والحدأة والقرد والذئب والزنابير] (¬3). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [ولم يختلفوا في القرد والفأر، وكل ما لا منفعة فيه، أنه لا يجوز بيعه، ولا شراؤه، وأكل ثمنه] (¬4). ويقول أيضًا: [لا أعلم بين العلماء خلافا أن القرد لا يؤكل، ولا يجوز بيعه] (¬5). نقله عنه ابن قدامة، وابن القطان، وأبو عبد اللَّه القرطبي، وبرهان الدين ابن مفلح، والمواق (¬6) (¬7). ¬
• ابن رشد الجد (¬1) (520 هـ) يقول: [فأما ما لا يصح ملكه، لا يجوز بيعه بإجماع: كالحُرِّ، والخمر، والخنزير، والقرد، والدم، والميتة، وما أشبه ذلك] (¬2). • المتيطي (¬3) (570 هـ) يقول: [ما لا يصح ملكه، لا يصح بيعه إجماعا: كالحر، والخمر، والخنزير، والقرد، والدم، والميتة، وما أشبه ذلك]. نقله عنه الحطاب (¬4). • النووي (676 هـ) يقول: [الحيوان الطاهر المملوك من غير الآدمي، قسمان: قسم ينتفع به فيجوز بيعه: كالإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير والظباء والغزلان والصقور والبزاة والفهود والحمام والعصافير والعقاب، وما ينتفع بلونه: كالطاوس، أو صوته: كالزرزور والببغاء والعندليب، وكذلك القرد والفيل والهرة ودود القز والنحل، فكل هذا وشبهه يصح بيعه بلا خلاف] (¬5). ويقول أيضًا: [الأعيان الطاهرة المنتفع بها، التي ليست حرا، ولا موقوفا، ولا أم ¬
ولد، ولا مكاتبة، ولا مرهونا، ولا غائبا، ولا مستأجرة، يجوز بيعها بالإجماع. . .، سواء المأكول، والمشروب، والملبوس، والمشموم، والحيوان المنتفع به: بركوبه أو صوته أو صوفه أو دره أو نسله: كالعندليب والببغاء، أو بحراسته: كالقرد، أو بركوبه: كالفيل، أو بامتصاصه الدم وهو العلق] (¬1). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬2). • وجه الدلالة: هذه الآية قاعدة في هذا الباب، فكل ما لا منفعة فيه ولا فائدة، فأخذ المال عليه من باب أكل أموال الناس بالباطل، الذي نهى اللَّه جل جلاله عنه، فدل على أن القرد إذا كان لا منفعة فيه فيدخل في أكل أموال الناس بالباطل، وإلا فإنه يبقى على الأصل وهو الإباحة. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنفية وقد اختلفت الرواية عندهم عن الإمام: الرواية الأولى: اختارها الحسن (¬3) وصححها عامة علمائهم أنه يجوز بيعه، وقالوا: بأنه إن لم يكن منتفعا به بذاته، فيمكن الانتفاع بجلده. الرواية الثانية: اختارها أبو يوسف (¬4) وصححها الكاساني أنه لا يجوز بيعه، وقالوا: بأنه غير منتفع به شرعا، وهو لا يشترى للانتفاع بجلده عادة بل للتلهي به ¬
وهذا القصد محرم شرعا (¬1). ولما ذكر ابن عابدين هذا القول عقب عليه قائلا: [وظاهره أنه لولا قصد التلهي به لجاز بيعه] (¬2). فدل على أن محل الخلاف عندهم ليس محلا واحدا، وإنما هو معلق بوجود النفع عندهم، فمتى وجد جاز بيعه وشراؤه. أما الحنابلة فقد اختلف المذهب عندهم، بناء على الاختلاف في تفسير مقولة الإمام أحمد حين قال: [أكره بيع القرد]. فمنهم من قال بتقييد هذه العبارة، وحمل الكراهة على القرد الذي لا منفعة فيه. وعلى هذا التفسير عامة الأصحاب، ولذا أجازوا مبايعته؛ لأنه ينتفع به في الحراسة. ومنهم من قال بإطلاق الكراهة، سواء كان منتفعا به أم لا، وهذا قياس قول أبي بكر، وابن أبي موسى، واختاره ابن عبدوس (¬3) (¬4). وخالف في هذا أيضًا: ابن حزم من الظاهرية، ولم ينص على هذه المسألة بعينها، وإنما ذكر قاعدة في هذا الباب: بأن ما كان محرما أكله فمحرم بيعه (¬5)، وبيّن في موضع آخر: أن القرد محرم أكله، فدل على أن مذهبه تحريم مبايعته مطلقا (¬6). وبهذا التقرير يتبين أن المخالفة، إنما هي رواية عند الحنابلة، وقال به ابن ¬
19] إباحة اتخاذ السنور
حزم.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 19] إباحة اتخاذ السنور: • المراد بالمسألة: السِّنور، ويسمى: الهر، من الحيوانات الطوافة في بيوت الناس، واتخاذها واستعمالها للحاجة وغيرها، من غير قصد المتاجرة بها بالبيع والشراء، جائز بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن اتخاذ السِّنور مباح] (¬1). نقله عنه النووي (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "عُذِّبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت النار فيها، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" (¬4). ¬
20] جواز شراء المصحف
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنكر عمل هذه المرأة تعذيبها للهرة، ولو كان اتخاذ الهر محرما لأنكره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليها، بل إنه ذكر أن أحد أوجه الإحسان لهذه الهرة إطعامها عند حبسها. الثاني: عن أبي قتادة (¬1) -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في الهرة: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تكلم في الحديث عن طهارة سؤر الهرة، وبين أن سبب ذلك هو كثرة دخولها على الناس، ولو كان اتخاذها محرما لبين ذلك لأمته.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم وجود المخالف فيها. 20] جواز شراء المصحف: • المراد بالمسألة: إذا أراد شراء المصحف -وهو المشتمل على كلام اللَّه- من المسلم، فإن شراءه جائز، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن شراء المصحف جائز] (¬3). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬4). • أبو عبد اللَّه الدمشقي (كان حيا: 780 هـ) يقول: [واتفقوا على جواز شراء المصحف] (¬5). ¬
• الأسيوطي (880 هـ) يقول: [واتفقوا على جواز شراء المصحف] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬3). • وجه الدلالة: هذه الآية أفادت بعمومها أن الأصل في البيوع أنها على الإباحة، ما لم يأت نص بالتحريم، فيدخل في هذا بيع المصحف، وإذا كان بيعه مباحا فمن باب أولى الشراء (¬4). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللَّه" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أن أخذ الأجرة على كتاب اللَّه جائز، وهذا عام فيشمل البيع والشراء جميعا (¬6). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: أن شراء المصحف مكروه. وهذا قال به: عمر وابن مسعود وأبو هريرة وجابر وعَبيدة السلماني (¬7). . . . . . ¬
وابن سيرين (¬1) وشريح ومسروق (¬2) وعبد اللَّه بن زيد (¬3) وعلقمة (¬4) والنخعي (¬5)، ¬
21] صحة بيع العين الطاهرة
وهو رواية عند الحنابلة (¬1). واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: أن المقصود من الشراء كلام اللَّه، وواجب صيانته عن الابتذال، وفي إجازة شرائه تسبب لذلك، ومعونة عليه، ولذا قيل بالكراهة (¬2). القول الثاني: أن شراءه محرم. روي عن عمر (¬3)، وهو رواية عند الحنابلة (¬4). ولعلهم يستدلون: بالقياس على البيع، فكما أن البيع محرم، فكذلك الشراء.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 21] صحة بيع العين الطاهرة: • المراد بالمسألة: العين الطاهرة التي لم تخالطها النجاسة، يجوز بيعها إذا توفرت معها باقي الشروط، ولم يكن ثمة مانع يمنع البيع، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع العين الطاهرة صحيح] (¬5). • أبو عبد اللَّه الدمشقي (كان حيا: 780 هـ) يقول: [بيع العين الطاهرة صحيح بالإجماع] (¬6). • الأسيوطي (880 هـ) يقول: [بيع العين الطاهرة صحيح بالإجماع] (¬7). ¬
22] بطلان بيع الحر
• القونوي (¬1) (978 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع العين الطاهرة صحيح] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬4). الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول عام الفتح وهو بمكة: "إن اللَّه ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" فقيل: يا رسول اللَّه! أرأيت شحوم الميتة، فإنها: يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: "لا هو حرام" (¬5). • وجه الدلالة من الدليلين: أن اللَّه جل جلاله جعل الأصل في البيوع الحل، ثم جاءت السنة باستثناء بعض أنواع البيوع المحرمة، كما في حديث جابر؛ وذلك لتحقق النجاسة في بعضها، فدل على أن ما كان طاهرا فإنه باق على الأصل وهو الإباحة.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 22] بطلان بيع الحُرِّ: • المراد بالمسألة: معلوم أن الناس إما أحرار وإما عبيد، والعبيد يعتبرون أموالا ¬
يباعون ويشترون، بخلاف الأحرار فليسوا بأموال، ومن باع حرا من بني آدم، عالمًا متعمدًا، فالبيع باطل بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن بيع الحر باطل] (¬1). • الطحاوي (322 هـ) يقول: [. . . وهذا -أي: بطلان بيع الحر - قول أهل العلم جميعا] (¬2). • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع أحرار بني آدم، في غير التفليس، لا يجوز] (¬3). نقله عنه ابن القطان (¬4). • البيهقي (¬5) (458 هـ) لما روى حديث سُرَّق (¬6) في قصة بيع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له لما إدَّان من الناس وكثر دينه (¬7)، تكلم عن ضعفه وجعل من قرائن ضعفه الإجماع، فقال: [وفي إجماع العلماء على خلافه. . .] (¬8). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [من السنة المجتمع عليها: أن لا يباع ¬
الحر] (¬1). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع الحر، لا يجوز بيعه، ولا يصح] (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ولا يجوز بيع الحر، ولا ما ليس بمملوك، ولا نعلم في ذلك خلافًا] (¬3). • النووي (676 هـ) يقول: [بيع الحر، باطل بالإجماع] (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ولا يجوز بيع الحر، ولا ما ليس بمملوك، كالمباحات قبل حيازتها وملكها، لا نعلم في ذلك خلافًا] (¬5). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [استقر الإجماع على المنع] (¬6) يقصد بيع الحر. نقله عنه الشوكاني (¬7). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [. . وكذا بيع الحر، مجمع على تحريمه] (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قال اللَّه تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره" (¬9). • وجه الدلالة: أن اللَّه توعد هؤلاء الثلاثة بالوعيد الشديد، ومنهم: الذي باع الحر وأكل ثمنه، وهذا يفيد تغليظ التحريم، بل عده بعض العلماء من كبائر ¬
الذنوب (¬1). والسبب في التغليظ أن المسلمين أكفاء في الحرية، فمن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح اللَّه له، وألزمه الذل الذي أنقذه اللَّه منه، قال ابن الجوزي (¬2): [الحر عبدُ اللَّه، فمن جنى عليه، فخصمه سيده] (¬3). الثاني: ما جاء عن الزهري أنه قال: [كانت تكون على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ديون على رجال، ما علمنا حرًّا بيع في دين] (¬4). • المخالفون للإجماع: قد حكي الخلاف في المسألة عن بعض الصحابة والتابعين، فممن حكي عنه الخلاف: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، فقد جاء أن رجلا باع نفسه، فقضى عمر بأنه عبد، وجعل ثمنه في سبيل اللَّه (¬5). وكذا جاء عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه قال: [إذا أقر على نفسه بالعبودية، فهو عبد] (¬6). وذكر ابن حزم عن زرارة بن أوفى (¬7) أنه باع حرا في دين. ¬
وأخرج ابن حزم عن إبراهيم النخعي فيمن ساق إلى امرأته رجلا حرا، فقال إبراهيم: [هو رهن بما جعل فيه، حتى يفتك نفسه]. وقال: [وقد روينا هذا القول عن الشافعي، وهي قولة غريبة، لا يعرفها من أصحابه إلا من تبحر في الحديث والآثار] (¬1). هذه الأدلة كلها استدل بها ابن حزم على نقض الإجماع في المسألة، وهو ممن وافق الإجماع ولم يخالفه. ويمكن الإجابة عنها بما يلي: فأما أثر عمر، فعنه عدة أجوبة: 1) الأثر فيه إقرار الرجل على نفسه بالبيع، ولأجل هذا حكم عمر عليه بالعبودية؛ لأن الحر لا يباع. 2) ثم إن الرجل هو الذي باع نفسه، ولم يكن أحد اعتدى عليه فباعه، وفرق بين الأمرين. 3) وقد جاء عن عمر ما يخالف ذلك، فقد أخرج مالك في الموطأ أن رجلا من جهينة (¬2) كان يسبق الحاج فيشتري الرواحل فيغلي بها، ثم يسرع السير فيسبق الحاج فأفلس، فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب، فقال: [أما بعد أيها الناس: فإن الأسيفع (¬3) -أسيفع جهينة- رضي من دينه وأمانته بأن يقال: سبق الحاج، ألا وإنه قد دان معرضا، فأصبح قد رِينَ به، فمن كان له عليه دين، فليأتنا بالغداة نقسم ماله بينهم، وإياكم والدين: فإن أوله هَمٌّ، وآخره حرب] (¬4). ¬
4) ومما يدل على ضعف ما جاء عن عمر، ما جاء عن الزهري -وقد مر في مستند الإجماع- وهو يحكي ما عليه الأمر في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنَّى لعمر أن يخالف ما كان عليه الأمر في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وأما ما جاء عن علي -رضي اللَّه عنه-، فعنه عدة أجوبة: 1) أن ظاهر الأثر إنما هو في مسألة الإقرار بالعبودية، وليس في مسألة بيع الحر. 2) ويدل لهذا أن ابن أبي شيبة (¬1) في المصنف بوب عليه بقوله: [الحر يقر على نفسه بالعبودية] (¬2). 3) ثم على التسليم بأنه في بيع الحر، فإنه محمول على عدم العلم بالحرية، وهذا خارج محل النزاع (¬3). 4) وقد أورده ابن حجر بصيغة التمريض، فكأنه مال إلى ضعفه. أما ما ذكر عن ابن أوفى: فلم أجد له إسنادا، وذكره ابن حزم بلا إسناد، ولم أجد من ذكره قبل ابن حزم، فمثل هذا لا يخرق الإجماع، خاصة وأنه نقل عن عالم مشهور، بل عن قاض في بلد من البلاد المعروفة، فَحقُّ مثل هذا أن يروى في الدواوين المشهورة. أما ما جاء عن النخعي: فلا يُفْهم منه ما فهمه ابن حزم، وكأن النخعي حكم بذلك من باب العقوبة لهذا الرجل. أما ما ذكر عن الشافعي: فقد ذكر علماء المذهب العارفين به، بأنها رواية لم يذكرها أكثر الأصحاب (¬4)، فرواية لم يذكرها الأكثر لا يعتبر بها، ولو ثبتت لعدت شاذة. ¬
23] تحريم بيع أمهات الأولاد
Rصحة الإجماع في المسألة، ولا عبرة بما نقل من الخلاف، ولو صح لكان شاذًا، أو يقال: استقر الأمر على الإجماع -كما أشار إليه ابن حجر- (¬1). 23] تحريم بيع أمهات الأولاد: • المراد بالمسألة: أم الولد هي: الأمة التي ثبت نسب ولدها من مالك لها، كلها أو بعضها (¬2). ولا يجوز بيعها إذا أصبحت أم ولد، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • محمد بن الحسن (189 هـ) حين سئل عن قاض حكم بجواز بيع أم الولد بعد موت مولاها؟ فقال: [إني أبطل قضاءه؛ لأن الصحابة كانت اختلفت فيه، ثم أجمع بعد ذلك قضاة المسلمين وفقهاؤهم على أنها حرة لا تباع، ولا تورث، لم يختلف في ذلك أحد من قضاة المسلمين وفقهائهم في جميع الأمصار إلى يومنا هذا، ولم يكن اللَّه تعالى ليَجْمع أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- على ضلالة] (¬3). • الباجي (¬4) (474 هـ) يقول لما ذكر المسألة: [والدليل على ذلك: إجماع الصحابة، روى الشعبي (¬5) عن عَبيدة السلماني قال: خطبنا علي بن أبي طالب ¬
-رضي اللَّه عنه- فقال: رأى أبو بكر رأيا، ورأى عمر رأيا، عتق أمهات الأولاد، حتى مضيا لسبيلهما، ثم رأى عثمان ذلك، ثم رأيت أنا بعدُ بيعهن في الدين، فقال عَبيدة: فقلت لعلي: رأيك ورأي أبي بكر وعمر وعثمان في الجماعة أحب إلينا من رأيك بانفرادك في الفرقة، فقبل مني وصدقني (¬1). فوجه الدليل: أنه أخبره أن رأي أبي بكر وعمر وعثمان بالمنع من بيعهن كان في وقت جماعة، ولم يخالفوا فيه فثبت أنه إجماع، ووجه آخر: أنه قال: رأيي في بيعهن في الدين خاصة، فهذا يقتضي انفراده بهذا القول، ثم صدقه وقبل منه في إثبات القول الأول، فتجدد بذلك الإجماع أيضًا في زمن علي -رضي اللَّه عنه-] (¬2). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن أم الولد لا يجوز بيعها] (¬3). • ابن قدامة (620 هـ) يقول لما أثبت رجوع علي وابن عباس: [قد ثبت الإجماع باتفاقهم قبل المخالفة، واتفاقهم معصوم عن الخطأ، فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يجوز أن يخلو زمن عن قائم للَّه بحجته، ولو جاز ذلك في بعض العصر، لجاز في جميعه، ورأي الموافق في زمن الاتفاق، خير من رأيه في الخلاف بعده، فيكون الاتفاق حجة على المخالف له منهم، كما هو حجة على غيره] (¬4). • النووي (676 هـ) يقول: [وإجماع التابعين فمن بعدهم على تحريم بيعها. . .، وحينئذ يستدل بهذا الثابت عن عمر بالإجماع على نسخ الأحاديث الثابتة في جواز بيع أم الولد] (¬5). ¬
• الزركشي (772 هـ) لما ذكر الأثر الذي جاء فيه ما وقع لعبيدة السلماني مع علي قال: [وهذا دليل الإجماع] (¬1). • ابن الهمام (861 هـ) لما أورد المسألة، وذكر الأحاديث الدالة على عتق أمهات الأولاد قال بعدها: [إذا كان أقل ما يوجبه اللفظ ثبوت استحقاقه الحرية على وجه لازم، فالمجاز -وهو تحريم بيعها- مراد منه، بالإجماع] (¬2). • الأسيوطي (880 هـ) يقول: [اتفق الأئمة على أن أمهات الأولاد لا تباع، وهذا مذهب السلف والخلف من فقهاء الأمصار، إلا ما يحكى عن بعض الصحابة، وقال داود: يجوز بيع أمهات الأولاد] (¬3). • زكريا الأنصاري (926 هـ) يقول: [وقد قام الإجماع على عدم صحة بيعها] (¬4). • الشربيني (977 هـ) يقول: [وقد قام الإجماع على عدم صحة بيعها] (¬5). • الرملي (1004 هـ) يقول: [أجمع التابعون فمن بعدهم عليه -أي: تحريم بيعها] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأم إبراهيم (¬8) حين ولدته: ¬
"أعتقها ولدها" (¬1). • وجه الدلالة: في هذا دليل على استحقاق أم الولد العتق بعد ولادتها، وذلك يمنع البيع (¬2). الثاني: عن عبيدة قال: خطب علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- الناس، فقال: شاورني عمر عن أمهات الأولاد، فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن، فقضى بها عمر حياته، وعثمان حياته، فلما وليت رأيت أن أرقهن. قال عبيدة: فرأى عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأى علي وحده (¬3). • وجه الدلالة: أن هذا قضاء عمر ومعه علي -رضي اللَّه عنهما-، وكان ذلك في زمان عمر والصحابة متوافرون، وهو قضاء عام للناس، وليس حكما خاصا فيما بينهما، ولم يذكر أن أحدا من الصحابة قد اعترض على هذا القضاء. الثالث: عن بريدة بن الحصيب (¬4) -رضي اللَّه عنه- قال: كنت جالسا عند عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- إذ سمع صائحة، فقال: "يا يرفأ! (¬5) انظر ما هذا الصوت؟ " فانطلق فنظر، ثم جاء، فقال: جارية من قريش تباع أمها، قال: فقال عمر: "أدع لي"، أو قال: "عليَّ بالمهاجرين والأنصار"، قال: فلم يمكث إلا ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة، قال: فحمد اللَّه عمر وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد: فهل تعلمونه كان مما جاء به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- القطيعة؟ " قالوا: لا، قال: "فإنها قد أصبحت فيكم فاشية"، ¬
ثم قرأ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)} (¬1) ثم قال: "وأيُّ قطيعة أقطع من أن تباع أم امرئ فيكم، وقد أوسع اللَّه لكم! " قالوا: فاصنع ما بدا لك، قال: فكتب في الآفاق أن لا تباع أم حُر، فإنها قطيعة، وإنه لا يحل (¬2). • المخالفون للإجماع: قد خالف في هذه المسألة جماعة من الصحابة ومن بعدهم، منهم: أبو بكر وعلي وجابر وأبو سعيد وابن الزبير وابن عباس (¬3)، ثم قتادة (¬4) من بعدهم (¬5)، وداود إمام أهل الظاهر (¬6)، ونُقِل هذا عن الشافعي في القديم (¬7)، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن تيمية (¬8). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: "كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حي، ما نرى بذلك بأسا". وفي لفظ: "كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يُنْكر ذلك علينا" (¬1). الثاني: أن الأمة مجمعة على أنها تباع قبل أن تحمل بولدها، ثم اختلفوا إذا وضعت، فالواجب بحق النظر ألَّا يزول حكم ما أجمعوا عليه مع جواز بيعها وهي حامل إلا بإجماع مثله إذا وضعت، ولا إجماع ها هنا (¬2). أما ما جاء عن علي -رضي اللَّه عنه- فقد ذكر بعض العلماء رجوعه عن هذا، فقد جاء عن عبيدة السلماني، قال: [بعث إليَّ علي -رضي اللَّه عنه- وإلى شريح، أن اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أبغض الاختلاف] (¬3). وكذلك ابن عباس وابن الزبير -رضي اللَّه عنهم-، فقد جاء عنهما أنها تعتق وتكون في نصيب ابنها (¬4). وأما أبو بكر: فالذي جاء عنه هو حديث جابر -رضي اللَّه عنه- قال: "بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا" (¬5). فهذا ليس فيه أنه رأي أبي بكر، وإنما كان في زمانه كما في زمان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومثل هذا يؤيد ما قاله جمع من العلماء بأنه كان في أول الإسلام ثم نسخ، ولذا لم يشتهر النسخ في أول الأمر، حتى جاء عمر ثم بيَّنه للناس. ومعلوم أن زمان أبي بكر كان قصيرا وجلُّه كان في محاربة المرتدين (¬6). وكذلك جابر -رضي اللَّه عنه- ظاهر النص عنه أنه ناقل لما كان في الزمانين، وليس هذا رأيه. ¬
أما أبو سعيد: فقد ضعف النقل عنه: النسائي (¬1)، والعقيلي (¬2). أما ما جاء عن الإمام الشافعي: فالثابت عنه أنه يرى عدم بيعهن، وقد نص على هذا في خمسة عشر موضعا من كتابه (¬3). وما نقل عنه إنما هو مجرد نقل وتمثيل، وليس بقول (¬4). أما ما جاء عن الإمام أحمد: فقد روى ابنه صالح (¬5) قال: قلت لأبي: إلى أي شيء تذهب في بيع أمهات الأولاد؟ قال: [أكرهه، وقد باع علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-]. وقال في رواية إسحاق بن منصور (¬6): [لا يعجبني بيعهن]. قال أبو الخطاب: [فظاهر هذا أنه يصح بيعهن مع الكراهة]. فجعل هذه رواية ثانية عن أحمد. ¬
24] جواز بيع المدبر تدبيرا مقيدا
والظاهر أن هذه ليست برواية مخالفة لقوله: [إنهن لا يبعن]، في الروايات الأخرى؛ لأمور: الأول: أن السلف رحمة اللَّه عليهم، ومنهم الإمام أحمد، كانوا يطلقون الكراهة على التحريم كثيرا، وهذا اصطلاح كان ظاهرا عندهم، ومن المعلوم أن الاصطلاح المتعارف عليه في التفريق بين التحريم والكراهة لم يستقر إلا بعدهم. الثاني: أنه متى كان التحريم والمنع مصرحا به في سائر الروايات عن الإمام، وجب حمل اللفظ المحتمل، على المصرح به، ولا يجعل ذلك اختلافا، خاصة إذا كان معارضا لقول عامة العلماء (¬1). أما ما جاء عن قتادة فلم أجد من نسبه إليه إلا الشوكاني.Rهذا المسألة من عُضَل المسائل، التي يصعب على الباحث الجزم فيها بشيء، خاصة وأن أئمة كبارا ممن عُنوا بحكاية الإجماع لم يذكروه في هذه المسألة، بل نصوا على الخلاف: كابن المنذر وابن عبد البر (¬2)، والجزم برجوع الصحابة يحتاج إلى يقين، وعلى سبيل المثال: الإمام أحمد استدل بفعل علي، ولو ثبت عنده رجوعه، لم يذكره. 24] جواز بيع المدبر تدبيرا مقيدا: • المراد بالمسألة: التدبير: تعليق العتق دبر الحياة، سمي تدبيرا من لفظ الدبر، وقيل: لأنه دبَّر أمر دنياه باستخدامه واسترقاقه، وأمر آخرته بإعتاقه، وتحصيل أجر عتقه. وهذا عائد إلى الأول؛ لأن التدبير في الأمر مأخوذ من لفظ الدبر أيضًا؛ إذ هو نظر في عواقب الأمور وإدبارها (¬3). والتدبير منه ما هو مطلق، وصورته أن يقول: إذا متُّ فأنت حر، وأشباه هذا اللفظ. ومنه ما هو مقيد، وصورته أن يقول: إن متُّ من مرضي هذا، أو من سفري ¬
هذا فأنت حر، أو قال: إن مت إلى عشر سنين، أو بعد موت فلان. والمدبر تدبيرا مقيدا إذا باعه سيده، فإن البيع صحيح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول: [ويباع المدبر المقيد، بالإجماع] (¬1). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [أما المقيد -أي: المدبر منهم- فجواز بيعه، اتفاق] (¬2). • عبد الرحمن المعروف -رضي اللَّه عنهما-[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول: [قيدنا بالمطلق -أي: عدم جواز بيع المدبر-؛ لأن بيع المقيد جائز اتفاقا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المدبر لا يباع، ولا يوهب، وهو حر من الثلث" (¬5). الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر، ¬
لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن عبد اللَّه (¬1) بثمانمائة درهم، فدفعها إليه (¬2). • وجه الدلالة من الحديثين: الحديث الأول يدل على المنع من بيع المدبر، والثاني يدل على الإباحة، فيفرق بين الحالتين، ويحمل على التفريق بين المطلق فيمنع، والمقيد فيباح (¬3). الثالث: القياس على الموصى بعتقه: فكما أنه يجوز بيعه، فكذلك المدبر تدبيرا مقيدا، بجامع أن كلا منهما معلق على أمر لا يُدرى هل يقع أو لا؟ . • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال: القول الأول: جواز بيع المدبر عموما، من غير تفريق بين المطلق والمقيد منه. وهذا القول قال به: عائشة -رضي اللَّه عنها- (¬4) ومجاهد وطاوس وعمر بن عبد العزيز (¬5) وإسحاق وأبو ثور (¬6). . . . . . ¬
وداود وعثمان البَتِّي (¬1) وعمرو بن دينار (¬2) وعطاء (¬3) (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة في المشهور عنهم (¬6)، وابن حزم (¬7). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬8). • وجه الدلالة: أن الأصل في البيوع أنها على الإباحة إلا ما دل الدليل على استثنائه. الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- باع المدبر (¬9). ¬
الثالث: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر، لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن عبد اللَّه بثمانمائة درهم، فدفعها إليه (¬1). القول الثاني: عدم جواز بيع المدبر عموما. قال به: ابن عمر وزيد بن ثابت (¬2) وشريح والشعبي وابن المسيب (¬3) وسالم (¬4) (¬5) والنخعي والثوري (¬6) والأوزاعي (¬7). . . . . . . . ¬
والزهري وابن سيرين (¬1)، وهو رواية عند الحنابلة (¬2). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المدبر لا يباع، ولا يوهب، وهو حر من الثلث" (¬3). الثاني: القياس على أم الولد: فلا يجوز بيعها، بجامع أن كلا منهما استحق العتق بموت سيده (¬4). القول الثالث: جواز بيعه إذا احتاج إلى بيعه. قال به: عطاء بن أبي رباح والحسن (¬5)، وقتادة وطاوس (¬6)، وهو رواية عند الحنابلة (¬7). استدل هؤلاء: بحديث جابر الذي في مستند الإجماع، وقالوا: بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- باعه لما كان الرجل محتاجا، ليس له مال غيره (¬8). القول الرابع: التفريق بين العبد والأمة، فالعبد يجوز بيعه دون الأمة. وهذا القول رواية عند الحنابلة (¬9). واستدل هؤلاء: بأن في جواز بيع الأمة إباحة لفرجها، وتسليط مشتريها على وطئها، مع وقوع الخلاف في بيعها وحلها، بخلاف المدبر (¬10). القول الخامس: لا يباع المدبر إلا من نفسه، أو من رجل يُعَجِّل عتقه. قال به: الأوزاعي (¬11)، وابن سيرين (¬12)، لكنه لم يذكر إلا الحالة الأولى. ¬
25] تحريم بيع العين المتنجسة التي لا تقبل التطهير
القول السادس: يكره بيعه، إلا إذا أعتقه الذي ابتاعه، فإنه يجوز حينئذ. قال به الليث بن سعد (¬1) (¬2). واستدل هؤلاء: بالقياس على بيع الفضولي: فإذا أعتقه المشتري تبين أن البيع صحيح وإلا فلا، فإنه لو بطل البيع من الأول لما صح العتق؛ لأنه لا يكون إلا في ملك، ولو صح من الأول لم ينقلب باطلا بكون المشتري لم يعتقه (¬3).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 25] تحريم بيع العين المتنجسة التي لا تقبل التطهير: • المراد بالمسألة: العين المائعة، غير الدهن، وهي طاهرة في ذاتها، ثم لاقتها النجاسة، ولا يمكن تطهيرها: كالخل واللبن والدبس والعسل والمرق ونحوها، لا يجوز بيعها، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) يقول: [إذا كانت العين الطاهرة المتنجسة بملاقاة النجاسة مائعة، فينظر: إن كانت لا يمكن تطهيرها: كالخل واللبن والدبس والعسل والمرق ونحو ذلك، لم يجز بيعها بلا خلاف. . .، ونقلوا فيه إجماع المسلمين] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والحنابلة في المشهور عنهم (¬5). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ميمونة (¬1) -رضي اللَّه عنها- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عن الفأرة تموت في السمن؟ فقال: "إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوه، وإن كان ذائبا فلا تقربوه" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بعدم قربان الذائب الذي وقعت عليه النجاسة، ولو جاز بيعه والانتفاع به لما أمر بذلك، الذي يعد إضاعة للمال. الثاني: أنه نجس لا يمكن تطهيره من النجاسة، فلم يجز بيعه، كالأعيان النجسة (¬3). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في المسألة على قولين: القول الأول: جواز بيع المائعات المتنجسة. قال به: الحنفية والحنابلة في رواية اختارها ابن تيمية، وقال به الزهري والبخاري (¬4) وابن حزم من ¬
الظاهرية (¬1). واستدلوا بما يلي: الأول: عن ميمونة -رضي اللَّه عنها- أن فأرة وقعت في سمن فماتت، فسئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنها؟ فقال: "ألقوها وما حولها، وكلوه" (¬2). • وجه الدلالة: أن سائر المائعات تأخذ حكم السمن، فإذا جاز أكلها، جاز بيعها من باب أولى (¬3). الثاني: القياس على الثوب المتنجس، فكما أنه يجوز بيعه بإجماع، فكذلك هنا (¬4). القول الثاني: جواز بيع المائعات لكافر يعلم نجاستها دون المسلم. وهذا القول رواية عند الحنابلة (¬5). ودليلهم: أن الكفار يعتقدون حله، ويستبيحون أكله، فلا يمنعون من بيعه (¬6).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ¬
26] جواز بيع العين الجامدة المتنجسة
26] جواز بيع العين الجامدة المتنجسة: • المراد بالمسألة: العين الطاهرة في أصلها، والتي وقعت عليها نجاسة عارضة، ولم يستتر شيء منها بالنجاسة (¬1)، وهي جامدة ليست مائعة؛ كالثوب والبساط والجلود والأواني وأشباهها، يجوز بيعها، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) يقول: [إذا كانت العين متنجسة بعارض، وهي جامدة؛ كالثوب والبساط والسلاح والجلود والأواني والأرض وغير ذلك، جاز بيعها بلا خلاف. . .، ونقلوا فيه إجماع المسلمين] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
27] تحريم بيع الدم المسفوح
الأول: أن البيع يتناول الثوب وهو في أصله طاهر، وإنما جاورته النجاسة (¬1)، ولا يؤثر ذلك عليه، ولو قيل بالمنع لكان فيه تضييعا للمال، وهو محرم شرع. الثاني: أن الأصل في البيع أنه على الإباحة، ما لم يثبت التحريم، والتحريم ثبت في النجسة، ولم يثبت في المتنجسة، فتبقى على أصل الإباحة، وهو إنما باع الثوب المتنجس، لا النجاسة التي فيه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 27] تحريم بيع الدم المسفوح: • المراد بالمسألة: المراد بالدم هنا: هو الدم المسفوح، وهو محرم البيع، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على تحريم ما حرم اللَّه: من الميتة والدم والخنزير] (¬2). ويقول أيضًا: [وثبت أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن ثمن الدم، وأجمع أهل العلم على القول به] (¬3). نقله عنه ابن قدامة، وابن القطان، وشمس الدين ابن قدامة (¬4). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [وجميع العلماء على تحريم بيع الدم والخمر] (¬5). • ابن رشد الجد (520 هـ) يقول: [فأما ما لا يصح ملكه، فلا يصح بيعه بإجماع: كالحر والخمر والخنزير والدم والميتة، وما أشبه ذلك] (¬6). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [وهو حرام إجماعا - أعني: بيع الدم، وأخذ ¬
ثمنه -] (¬1). نقله عنه الشوكاني (¬2). • ابن الهمام (861 هـ) لما ذكر من أسباب الفساد في العقد، كون أحد العوضين محرما، ذكر نماذج، منها: بيع الدم، ثم استدل على التحريم بالنص، وبعده قال: [وأما الإجماع -أي: على: تحريم بيعها- فظاهر] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه عز وجل قد حرم هذه الأشياء، وظاهر التحريم أنه في الأكل والشرب، فإذا كان هذا محرما، فإن من لازمه تحريم ثمنه كما دل على ذلك صريح السنة، وقد جاء في حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالسا عند الركن، قال: فرفع بصره إلى السماء، فضحك، فقال: "لعن اللَّه اليهود - ثلاثا - إن اللَّه حرم عليهم الشحوم، فباعوها، وأكلوا أثمانها، وإن اللَّه إذا حرم على قوم أكل شيء، حرم عليهم ثمنه" (¬6). الثاني: عن أبي جحيفة (¬7) -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ثمن الدم، وثمن ¬
28] تحريم بيع الميتة
الكلب، وكسب الأمة، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور" (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم وجود المخالف فيها. 28] تحريم بيع الميتة: • المراد بالمسألة: الميتة: بفتح الميم، هي ما زالت عنها الحياة لا بذكاة شرعية (¬2). والمقصود هنا: الميتة التي زالت عنها الحياة، ولم تكن مما أباحها الشارع: كالسمك والجراد، ولا مما لا تحله الحياة منها: كالشعر والصوف والوبر والأعظم والسن والقرن، فإنه لا يجوز بيعها، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على تحريم بيع الميتة]، وقال بعده كذلك: [وأجمعوا على تحريم ما حرم اللَّه من الميتة والدم والخنزير] (¬3). نقله عنه: ابن بطال، وابن قدامة، وابن القطان، والنووي، وشمس الدين ابن قدامة، وابن حجر، والشوكاني (¬4). • ابن بطال (449 هـ) يقول: [أجمعت الأمة على أنه لا يجوز بيع الميتة والأصنام] (¬5). نقله عنه العيني (¬6). • الغزالي (505 هـ) لما ذكر أن من شروط المعقود عليه: الطهارة، تكلم عن الخلاف في بيع السرجين، ثم قال: [ومعتمد المذهب: الإجماع على بطلان بيع ¬
الخمر والجيفة. . .] (¬1). • ابن رشد الجد (520 هـ) يقول: [فأما ما لا يصح ملكه، فلا يصح بيعه بإجماع: كالحر والخمر والخنزير والدم والميتة، وما أشبه ذلك] (¬2). • ابن رشد الحفيد (¬3) (595 هـ) يقول: [والنجاسات على ضربين: ضرب اتفق المسلمون على تحريم بيعها: وهي الخمر. . .، والميتة بجميع أجزائها التي تقبل الحياة] (¬4). • ابن الهمام (861 هـ) لما ذكر من أسباب الفساد في العقد، كون أحد العوضين محرما، ذكر نماذج منها: بيع الميتة، ثم استدل على التحريم بالنص، وبعده قال: [وأما الإجماع -أي: على تحريم بيعها- فظاهر] (¬5). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [(والميتة لا يصح بيعها) بالإجماع] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول عام الفتح وهو ¬
29] تحريم بيع الخمر
بمكة: "إن اللَّه ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" فقيل: يا رسول اللَّه، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: "لا هو حرام" ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند ذلك: "قاتل اللَّه اليهود، إن اللَّه لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه" (¬1). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه حرم الخمر وثمنها، وحرم الميتة وثمنها، وحرم الخنزير وثمنه" (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 29] تحريم بيع الخمر: • المراد بالمسألة: إذا تولى المسلم بيع الخمر بنفسه، سواء كان لنفسه أو لغيره، فإن فعله محرم، وبيعه غير صحيح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن بيع الخمر، غير جائز] (¬3). نقله عنه ابن قدامة، والنووي، وشمس الدين ابن قدامة، وابن حجر (¬4). • ابن حزم (456 هـ) حكاه بعد أن ذكر صفة البيع الصحيح المتفق عليه، وذكر قيوده قال في ضمنها: [ولم يكن المبيع. . . محرما] (¬5) فيدخل في المحرم الخمر. • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [هذا إجماع من المسلمين كافة عن كافة، أنه لا يحل لمسلم بيع الخمر، ولا التجارة في الخمر] (¬6). وقال أيضًا: [وجميع ¬
العلماء على تحريم بيع الدم والخمر] (¬1). • الباجي (474 هـ) لما ذكر أثر ابن عمر في رجال من أهل العراق سألوه فقالوا: إنا نبتاع من ثمر النخيل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها فمنع من ذلك عبد اللَّه بن عمر (¬2) يقول: [ولا خلاف نعلمه في منعه] (¬3). • الغزالي (505 هـ) حين تكلم عن اشتراط الطهارة في المعقود عليه، ذكر الخلاف في مسألة بيع الأعيان النجسة، وجعل من أدلة المذهب عليها هذا، فقال: [ومعتمد المذهب: الإجماع على بطلان بيع الخمر والجيفة] (¬4). • ابن رشد الجد (520 هـ) يقول: [فأما ما لا يصح ملكه، فلا يصح بيعه بإجماع: كالحر والخمر والخنزير والدم والميتة، وما أشبه ذلك] (¬5). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [والنجاسات على ضربين: ضرب اتفق المسلمون على تحريم بيعها: وهي الخمر، وأنها نجسة إلا خلافا شاذا في الخمر أعني: في كونها نجسة] (¬6). نقله عنه ابن الشاط (¬7) (¬8). • النووي (676 هـ) يقول: [فيه -أي: حديث أبي سعيد الذي في مستند الإجماع- تحريم بيع الخمر، وهو مجمع عليه] (¬9). ¬
30] تحريم بيع الخنزير وشراؤه
• ابن الهمام (861 هـ) يقول لما ذكر أن من أسباب الفساد في العقد كون أحد العوضين محرما ذكر نماذج، منها: الخمر، ثم استدل على التحريم بالنص ثم قال: [وأما الإجماع -أي: على تحريم بيعها- فظاهر] (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- لما نزلت آيات سورة البقرة عن آخرها، خرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "حرمت التجارة في الخمر" (¬2). الثاني: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب بالمدينة، قال: "يا أيها الناس، إن اللَّه تعالى يُعرِّض بالخمر، ولعل اللَّه سيُنْزل فيها أمرا، فمن كان عنده منها شيء؛ فليبعه، ولينتفع به". قال: فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه تعالى حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء، فلا يشرب ولا يبع" قال: فاستقبل الناس بما كان عنده منها في طريق المدينة، فسفكوها (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 30] تحريم بيع الخنزير وشراؤه: • المراد بالمسألة: الخنزير حيوان من الحيوانات النجسة، المحرم أكلها، فلا يصح بيعه ولا شراؤه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن بيع الخنزير وشراءه حرام] (¬4). نقله عنه ابن قدامة، وابن القطان، والنووي، وشمس الدين ابن قدامة (¬5). ¬
• ابن رشد الجد (520 هـ) يقول: [فأما ما لا يصح ملكه، فلا يصح بيعه بإجماع؛ كالحر والخمر والخنزير والدم والميتة، وما أشبه ذلك] (¬1). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [والنجاسات على ضربين: ضرب اتفق المسلمون على تحريم بيعها: وهي الخمر. . .، والميتة بجميع أجزائها التي تقبل الحياة، وكذلك الخنزير بجميع أجزائه التي تقبل الحياة] (¬2). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [وأجمعوا على تحريم بيع الميتة، والخمر، والخنزير] (¬3). نقله عنه الشوكاني (¬4). • ابن الهمام (861 هـ) لما ذكر أن من أسباب الفساد في العقد كون أحد العوضين محرما، ذكر نماذج منها: بيع الخنزير، ثم استدل على التحريم بالنص، وبعده قال: [وأما الإجماع -أي: على تحريم بيعها- فظاهر] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (¬7). الثاني: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول عام الفتح بمكة: "إن اللَّه ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. . . " (¬8). الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه حرم الخمر ¬
31] تحريم بيع شعر الخنزير
وثمنها، وحرم الميتة وثمنها، وحرم الخنزير وثمنه" (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 31] تحريم بيع شعر الخنزير: • المراد بالمسألة: شعر الخنزير إذا جُزَّ جزا ولم يُقْطع، فإنه لا يجوز بيعه، باتفاق الأئمة. • من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول: [(ولا يجوز بيع شعر الخنزير) باتفاق الأئمة] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية في رواية عندهم، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (¬4). الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول عام الفتح وهو بمكة: "إن اللَّه ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" (¬5). الثالث: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لعن اللَّه اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فباعوها، وأكلوا أثمانها، وأن اللَّه -تبارك وتعالى- إذا حرم أكلة شيء حرم ثمنه" (¬6). ¬
وجه الدلالة من الأدلة السابقة: أن الشارع الحكيم قد حَرَّم الخنزير، وجعله رجسا نجسا، فيبقى التحريم على عموم أجزائه كلها، والشعر منها، وما كان حراما فإن ثمنه حرام أيضًا، فلا يجوز بيعُ ولا ابتياع أي جزء من أجزائه (¬1). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين، هما: القول الأول: جواز بيع شعر الخنزير. هذا هو المشهور من مذهب المالكية (¬2). واستدل هؤلاء: بالقياس على صوف الميتة: فكما أنه يجوز بيعه والانتفاع به، فكذلك شعر الخنزير، وذلك أن كلا منهما نجس، وأمكن الانتفاع بجزء منه لا أثر للنجاسة فيه (¬3). القول الثاني: الترخيص في شرائه وكراهة بيعه. قال به الأوزاعي (¬4)، وأبو الليث (¬5) من الحنفية (¬6). واستدل هؤلاء: بالحاجة إليه، وذلك أن الأساكفة (¬7) يستفيدون منه؛ إذ خرز ¬
32] تحريم بيع هوام الأرض
النعال والخفاف لا يتأتى إلا به، فكان موضع حاجة، فجاز شراؤه، دون بيعه؛ لانعدام الحاجة فيه (¬1).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 32] تحريم بيع هوام الأرض: • المراد بالمسألة: الهوام: جمع هامَّة، والهامَّة: الدابة. والهميم: دواب هوام الأرض. والهوام: ما كان من خشاش الأرض، نحو: العقارب وما أشبهها، الواحدة هامة؛ لأنها تَهم، أي: تدب. وتطلق الهوام على الحيات، وكل ذي سم يقتل سمه. وأما ما لا يقتل ويسم، فهو السوام، مثل: الزنبور، والعقرب، وأشباهها. وتطلق الهامة: على غير ذوات السم القاتل، ويدل عليه قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لكعب ابن عجرة (¬2): "أيؤذيك هوام رأسك" (¬3) أراد بها: القمل. سماها هوام؛ لأنها تدب في الرأس، وتهم فيه. وتطلق الهوام على غير ما يدب من الحيوان، وإن لم يقتل: كالحشرات (¬4). • والمقصود بالمسألة: أن كل ما يطلق عليه هوام الأرض، وهي مما ثبت عدم نفعها، فإن بيعها محرم، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الكرخي (340 هـ) يقول: [وأجمعوا أن بيع هوام الأرض لا يجوز: ¬
الحيات، والعقارب، والوزغ، والعظاية، والقنافذ، والجعل، والضب، وهوام الأرض كلها]. نقله عنه العيني، والشلبي (¬1). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [والاتفاق على عدم جواز بيع ما سواهما -أي: النحل ودود القز- من الهوام: كالحيات، والعقارب، والوزغ، والعظاية، والقنافذ، والجعل، والضب] (¬2). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [قيد بالنحل والدود؛ لأن ما سواهما من الهوام: كالحيات، والعقارب، والوزغ، والقنافذ، والضب، لا يجوز بيعه اتفاقا] (¬3). • الحصكفي (1088 هـ) يقول: [(ويباع دود القز) أي: الإبريسم (وبيضه) أي: بزره، وهو بزر الفيلق الذي فيه الدود (والنحل) المحرز. . .، (بخلاف غيرهما من الهوام) فلا يجوز اتفاقا: كحيات وضب] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬6). • وجه الدلالة: أن أخذ العوض على ما لا منفعة فيه، يعد من أكل أموال الناس بالباطل، وهو ضرب من ضروب السفه التي ينهى عنها، ومنها بيع هوام الأرض (¬7). ¬
33] تحريم بيع جلود الميتة قبل الدبغ وإباحته بعدها
الثاني: عن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعَ وهات، وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" (¬1). • وجه الدلالة: أن من أعظم أوجه إضاعة المال، إنفاقه فيما لا منفعة فيه، ومنها مبايعة هوام الأرض. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية، فقالوا بالتفصيل: يجوز بيع الحشرات التي يباح أكلها؛ كالضب واليربوع وأم حبين وابن عرس والدلدل والقنفذ والوبر. أما التي يحرم أكلها، فلا يجوز (¬2). ويمكن أن يستدل لهؤلاء: بأن الأكل منفعة من المنافع، بل هي أعظم المنافع، فما دام أن له منفعة فيصح مبايعته، وما عداه فيبقى على التحريم؛ لانعدامها.Rصحة الإجماع في طرف من المسألة، وهو المنع من الحشرات التي لا يحل أكلها؛ وذلك لعدم وجود المخالف فيها، أما ما يحل أكلها فلا يصح فيها الإجماع؛ لثبوت الخلاف عند الشافعية. 33] تحريم بيع جلود الميتة قبل الدبغ وإباحته بعدها: • المراد بالمسألة: الدبغ: ما يدبغ به الجلد، وهو: معالجته بمادة ليلين ويزول ما به من رطوبة ونتن (¬3). وجلد الميتة -وهي: ما زالت حياتها بغير ذكاة شرعية- قبل دباغته لا يجوز بيعه، أما بعدها فيجوز، وهذان أمران أجمع عليهما العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) لما ذكر الخلاف عن الزهري، وأجاب عنه: بأنهما ¬
قولان متكافئان فيسقطان، قال بعده: [. . . ويثبت تحريم الانتفاع بجلد الميتة قبل الدباغ باتفاق أهل العلم، إذ لا نعلم أحدا أرخص في ذلك، إلا ما اختلف فيه عن الزهري] (¬1). ومن وجوه الانتفاع البيع. • الطحاوي (321 هـ) يقول: [لم نجد عن أحد من العلماء جواز بيع جلود الميتة قبل الدباغ] (¬2). • الجصاص (370 هـ) يقول: [اتفقوا أنه لا ينتفع بالجلود قبل الدباغ] (¬3). ومن صور الانتفاع البيع. • النووي (676 هـ) يقول: [لا يجوز بيع الجلد النجس بالاتفاق] (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ولا يجوز بيعه قبل الدبغ، لا نعلم فيه خلافا] (¬5). • العيني (855 هـ) يقول: [(ولا بيع جلود الميتة قبل أن تدبغ) أي: ولا يجوز بيعها قبل الدباغة. وقيد بقوله: قبل أن تدبغ؛ لأن بعد الدبغ يجوز، بلا خلاف بين الفقهاء] (¬6). ¬
• ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(ولا بيع جلود الميتة قبل أن تدبغ). . .، ولا خلاف في هذا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه عز وجل حرم الميتة في كتابه، فكان ذلك واقعا على اللحم والجلد جميعا، وجاءت سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالترخص في جلد الشاة الميتة بعد الدباغ، فوجب استثناء ذلك من جملة التحريم، وبقي حكم الجلد قبل الدباغ على الأصل وهو التحريم (¬4). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: ماتت شاة لسودة بنت زمعة (¬5) -رضي اللَّه عنها- فقالت: يا رسول اللَّه ماتت فلانة، تعني الشاة، قال: "فلولا أخذتم مَسْكها؟ ". فقالت: نأخذ مسك شاة قد ماتت؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما قال اللَّه: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} (¬6) الآية، فإنه لا بأس بأن تدبغوه فتنتفعوا به". قالت: فأرسلت إليها، فسلخت مسكها فدبغته، فاتخذت منه قِرْبة، حتى تخرَّقت (¬7). ¬
• وجه الدلالة: قال الطحاوي: [ففي هذا الحديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما سألته عن ذلك، قرأ عليها الآية التي نزل فيها تحريم الميتة، فأعلمها بذلك أن ما حرم عليهم بتلك الآية من الشاة حين ماتت إنما هو الذي يطعم منها إذا ذكيت لا غير، وأن الانتفاع بجلودها إذا دبغت، غير داخل في ذلك الذي حرم منها] (¬1). وإذا جاز الانتفاع بها جاز بيعها. الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه إذا حرم على قوم أكل شيء، حرم عليهم ثمنه" (¬2). • وجه الدلالة: أن الميتة الأصل فيها التحريم، فيكون ثمنها محرما، ويستثنى منه ما استثناه الدليل، وهو جلدها المدبوغ. • المخالفون للإجماع: هذه المسألة يمكن جعلها على قسمين: الأول: بيع جلود الميتة قبل الدبغ: وهذه خالف فيها الليث بن سعد (¬3)، والزهري (¬4)، ورواية عن الإمام مالك (¬5)، قالوا بجواز البيع. واستدل هؤلاء قالوا: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أذن في الانتفاع بجلود الميتة، والانتفاع عام يدخل فيه البيع (¬6). الثاني: بيع جلود الميتة بعد الدبغ: فالمشهور عند المالكية (¬7)، والقول القديم ¬
عن الشافعي (¬1)، ورواية عند الحنابلة (¬2)، وقال به إبراهيم النخعي من التابعين (¬3)، وهو القول بمنع بيعها (¬4). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: أن الجلد جزء من الميتة، فلا يكون قابلا للعوض، أخذا من النصوص الدالة على تحريم ثمنه وبيعه (¬5). الثاني: أنه حرم التصرف فيه بالموت، ثم رخص في الانتفاع به، فبقي ما سوى الانتفاع على التحريم (¬6). أما ما جاء في القسم الأول: فالليث والزهري فهو وإن كان المشهور عنهما هذا، إلا أن لهم أقوالا ثابتة توافق الإجماع، وإذا جاء عن الإمام قولان متقابلان، لا يعلم الناسخ من المنسوخ، ولا الأول من الآخر، فالقاعدة أن يسقط عنه القولان، كما قرر ذلك ابن المنذر رحمه اللَّه (¬7). وما جاء عن الإمام مالك، فقد حكم عليه ابن عبد البر بالشذوذ، والشاذ لا يعتد به (¬8). ¬
34] بطلان البيع بالميتة والدم
Rصحة الإجماع في تحريم بيع جلود الميتة قبل الدبغ؛ وذلك لشذوذ الأقوال المخالفة فيها؛ ولذا حكى الاتفاق من ذَكَر هذه الأقوال: كابن المنذر والطحاوي. أما بيع جلود الميتة بعد الدبغ، فلا يصح فيه الإجماع، وذلك لثبوت الخلاف فيها. 34] بطلان البيع بالميتة والدم: • المراد بالمسألة: إذا جعل الميتة -وهي: التي زالت عنها الحياة بغير ذكاة شرعية- أو الدم المسفوح، ثمنا لسلعة أيَّا كانت هذه السلعة، فإن البيع باطل، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(البيع بالميتة والدم باطل) لا فاسد، بإجماع علماء الأمصار] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
35] تحريم بيع ما ليس عند العاقد
الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬1). • وجه الدلالة: أن جعل الميتة والدم ثمنا في البيع، يعد من أكل أموال الناس بالباطل؛ لأنها نجسة، ولا يحصل بها منفعة للمسلم، أو تحصل منفعة يسيرة، فتكون كأنها غير منتفع بها أصلا (¬2). الثاني: القياس على تحريم بيع الميتة والدم: فكما أن بيع الميتة والدم محرم -وهو أمر مجمع عليه بين العلماء- فكذلك جعلها ثمنا، بل هو من باب أولى. الثالث: أن ركن البيع الذي هو المالية منعدم في هذا العقد، فإن الميتة والدم لا تعدان مالا عند أحد ممن له دين سماوي (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 35] تحريم بيع ما ليس عند العاقد: • المراد بالمسألة: المشتري إذا أراد سلعة، ولم تكن عند البائع، وأراد البائع أن يبيعه سلعة معينة، غير موصوفة في الذمة، ليست له، ولم يملكها بعدُ، والغالب عدم وجودها عنده، فإنه لا يجوز له هذا البيع بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الجصاص (370 هـ) يقول عند تفسير قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬4): [ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية وإن كان مخرجها مخرج العموم فقد أريد به الخصوص؛ لأنهم متفقون على حظر كثير من البياعات، نحو: بيع ما لم يقبض، وبيع ما ليس عند الإنسان، وبيع الغرر والمجاهيل، وعقد البيع على المحرمات من الأشياء] (¬5). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه لا يجوز بيع ما ليس عنده، وهو ¬
أن يبيعه شيئا ليس عنده، ولا في ملكه، ثم يمضي فيشتريه له] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها، ليمضي ويشتريها ويسلمها. . .، ولا نعلم فيه مخالفا] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [(ولا يجوز بيع ما لا يملكه ليمضي ويشتريه ويسلمه) رواية واحدة، وهو قول الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن حكيم بن حزام (¬6) -رضي اللَّه عنه- قال: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قلت: يا رسول اللَّه، يأتيني الرجل يسألني بيع ما ليس عندي أبيعه منه، ثم ابتاعه له من السوق؟ فقال: "لا تبع ما ليس عندك" (¬7). ¬
36] بطلان بيع المرء ما لا يملكه
الثاني: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما ليس عندك" (¬1). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع ما ليس عند البائع، والنهي في الأصل أنه على التحريم (¬2). الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر" (¬3). • وجه الدلالة: أن بيع ما ليس عند العاقد من باب بيوع الغرر، ووجه الغرر فيها: أن البائع ليس على ثقة في الحصول على السلعة، بل قد تحصل له، وقد لا تحصل (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 36] بطلان بيع المرء ما لا يملكه: • المراد بالمسألة: إذا أراد المرء بيع عين من الأعيان، وليست موصوفة في الذمة، ولم تكن هذه العين مملوكة له، ولم يكن الذي تولى البيع الحاكم بحكم ولايته في قضاءِ حق أوجبه القضاء، أو وجد مالا ولم يعثر على مالكه، فإن بيعه باطل، باتفاق العلماء. ويدخل في هذه المسألة، ما إذا باع ملك غيره بغير إذنه، ولم يجزه مالك العين. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع المرء ما لا يملك، ولم يجزه ¬
مالكه، ولم يكن البائع حاكما، ولا متنصفا من حق له أو لغيره، أو مجتهدا في مال قد يئس من ربه، فإنه باطل] (¬1). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [أما بيع نصيب الغير: فلا يصح إلا بولاية، أو وكالة، وإذا لم يجزه المستحق، بطل باتفاق الأئمة] (¬2). • الزيلعي (743 هـ) يقول: [وأجمعنا على أنه لو باع عينا حاضرة غير مملوكة له لا يجوز] (¬3). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [(فإن باع ملك غيره، بغير إذنه، لم يصح) بالاتفاق] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن حكيم بن حزام -رضي اللَّه عنه- قال: قلت: يا رسول اللَّه، يأتيني الرجل يسألني البيع، ليس عندي ما أبيعه، ثم أبتاعه من السوق، فقال: "لا تبع ما ليس عندك" (¬6). الثاني: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك، ولا وفاء نذرٍ إلا فيما تملك" (¬7). ¬
37] صحة بيع العبد المأذون له
• وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علق صحة البيع على الملك، فدل على أنه شرط من شروطه، وما ليس عند المرء فإنه لا يملكه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 37] صحة بيع العبد المأذون له: • المراد بالمسألة: العبد المكلف إذا أذن له سيده فى المتاجرة، فإنه يجوز له ذلك، في حدود ما أذن له، من غير زيادة أو نقصان، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن العبد العاقل البالغ المأذون له في التجارة، جائز له أن يبيع ويشتري، فيما أذن له فيه مولاه] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الكاساني (587 هـ) يقول: [. . . ينفذ بيع العبد المأذون، بالإجماع] (¬3). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وأما العبد المأذون له، فيصح تصرفه في قدر ما أذن له فيه، لا نعلم فيه خلافا] (¬4). • الرافعي (¬5) (623 هـ) يقول: [وإن أذن له سيده فى التجارة تصرف بالإجماع] (¬6). نقله عنه الشربيني (¬7). • الرملي (1004 هـ) يقول: [وإن أُذِن له في التجارة -من السيد أو من يقوم ¬
38] بطلان عقد الفضولي الذي تولى طرفي العقد
مقامه- تصرف بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن العبد محجور عليه لحظ سيده، فملكه بيده، فإذا أذن له سيده، زال الحجر عنه. الثاني: أنه لا يمكن ثبوت الملك له، فليس أهلا للملك إلا إذا أذن له سيده (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 38] بطلان عقد الفضولي الذي تولى طرفي العقد: • المراد بالمسألة: الفضولي هو: من لم يكن وليَّا، ولا وصيَّا، ولا أصيلا، ولا وكيلا في العقد (¬4). والفضولي إذا تولى العقد عن الطرفين من دون أن يكون وكيلا عنهما أو عن أحدهما، فقال: بعت السلعة من فلان، وقبلتها عن فلان، فأجاز مالك السلعة البيع، وأجاز المشتري الشراء، فإن ذلك لا يجوز، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [والفضولي من الجانبين في باب البيع إذا بلغهما، فأجازا، لم يجز بالإجماع] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬6). ¬
39] ملك المشتري المبيع بالعقد
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أنه لا يصلح أن يكون الواحد عاقدا من الجانبين في باب البيع، وذلك لأن للبيع حقوقا متضادة مثل التسليم والتسلم والمطالبة، فيؤدي إلى أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسَلِّما ومتسلما، طالبا ومطالبا، وهذا محال، فكيف إذا كان فضوليا، فهذا من باب أولى. الثاني: القياس على الوكيل في الوكالة: فكما أنه لا يجوز أن يكون شخصا واحدا وكيلا من الجانبين، فكذلك لا يجوز أن يكون عاقدا من الجانبين، بجامع أن كلا منهما يترتب عليه حقوقا متضادة، مُحَال اجتماعها (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 39] ملك المشتري المبيع بالعقد: • المراد بالمسألة: إذا تعاقد المتعاقدان، وتم الإيجاب والقبول بينهما، فإن ملك المشتري للعين يكون من حين العقد، بإجماع العلماء، ما لم يكن ثمة خيار لهما، أو لأحدهما، أو كان بينهما خيار المجلس. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [ويملك المشتري المبيع بالعقد، ويصح عتقه قبل القبض، إجماعا فيهما] (¬2). نقله عنه برهان الدين ابن مفلح، والمرداوي (¬3). ¬
• عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [(ومن اشترى مكيلا ونحوه، وهو الموزون والمعدود والمذروع، صح البيع، ولزم بالعقد حيث لا خيار) أي: لزم بالبيع؛ لتمام شروطه، وملك بالعقد إجماعا، حيث لا خيار لهما، أو لأحدهما إلى أمد، ولا خيار مجلس، كباقي المبيعات، وسواء احتاج لحق توفية أو لا، إلا ما يوجب الرد بنحو عيب] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" وفي لفظ "حتى يقبضه" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيّن أنه إذا اشترى أحد طعاما، فإنه يُنهى عن التصرف به في البيع إلا بعد قبضه، فدل على أن ملكه له تام قبل القبض. الثاني: أن العقد عقد معاوضة يوجب الملك، فانتقل الملك فيه بنفس العقد، كالنكاح. الثالث: أن العقد قد تمت أركانه وهي: الإيجاب والقبول والعاقدان، فتترتب ¬
40] تحريم بيع بقاع المناسك
آثاره، وأعظمها ملك المشتري للمعقود عليه. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في رواية عندهم، وقالوا: بأن ملك المشتري لا يثبت بالعقد، بل حتى يوفي البائع حقه (¬1). ويستدل لهؤلاء بدليل عقلي، وهو: أن العقد لا يستقر إلا بقبض المبيع، ولذا لو تلف المبيع قبل قبضه، فإنه يكون من ضمان البائع لا المشتري، فلا يملكه المشتري إلا بعد قبضه.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 40] تحريم بيع بقاع المناسك: • المراد بالمسألة: البقاع والأراضي التي تؤدى عليها مناسك الحج، مثل منى وعرفة ومزدلفة، وكذلك موضع السعي ونحوها، لا تجوز مبايعتها ولا إجارتها، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عقيل (513 هـ) يقول: [والخلاف -أي: في بيع رباع مكة وإجارتها- في غير مواضع المناسك، أما بقاع المناسك كموضع السعي والرمي، فحكمه حكم المساجد، بغير خلاف]. نقله عنه ابن قدامة، وشمس الدين ابن قدامة (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). ¬
41] جواز بيع العقار
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن مسيكة عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قلنا: يا رسول اللَّه، ألا نبني لك بيتا يظلك بمنى؟ قال: "لا! منى مناخ من سبق" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منع أن يوضع له شيء يظله في هذه البقعة، وعلل ذلك بأنها لمن سبق فلا يملكها أحد، فدل على عدم جواز أن يحتجز الواحد شيئا في مثل هذه البقاع، فيكون البيع من باب أولى. الثاني: القياس على المساجد: فكما أنه لا يجوز بيعها؛ لأنها أوقاف غير مملوكة، فكذلك بقاع المناسك المقدسة (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 41] جواز بيع العقار: • المراد بالمسألة: العقار في اللغة: كل ملك ثابت له أصل، من دار، أو أرض، أو نخل، أو ضيعة ونحوها، ومنه قيل: عُقْر الدار، أي: أصلها (¬3). وفي اصطلاح الفقهاء: ما له أصل ثابت لا يمكن نقله ولا تحويله. فلا يدخل في هذا البناء والشجر، فهي من المنقولات، إلا إذا كانت على وجه التبع (¬4). وقيل: هو الأرض وما يتصل بها (¬5). فيدخل فيه البناء والشجر. ¬
ويراد بالمسألة: إذا أراد أن يبيع عقارا يملكه، سواء كانت أرضا، أم دارا، أم شجرة، ولم يكن هذا بمكة، وكذا لم يكن من الأراضي التي فتحها المسلمون عَنْوة، وأوقفها الإمام على مصالح الإسلام، ولم يقسمها بين المجاهدين: كأرض العراق والشام ومصر، فإن هذا جائز، ولا شيء فيه، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع المرء عقاره، من الدور والحوائط والحوانيت -ما لم يكن العقار بمكة- فهو جائز. واتفقوا أن بيع العقار، من المزارع والحوائط غير المشاعة جائز، ما لم يكن أرضَ عَنْوة غير أرضٍ مقسومة] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه جل جلاله قد أباح البيع مطلقا، فدل على أن الأصل في المبايعات الإباحة، ما لم يأت نص بالمنع، فيدخل في هذا العقار. ¬
42] جواز بيع المحوز من الماء والكلأ والمعادن وتحريم المباح منها
الثاني: قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه أضاف الديار إلى المهاجرين الذين أخرجوا منها، والإضافة في الأصل تقتضي الملك، فإذا ثبت لهم تملك الديار التي هي من العقار في مكة، فغيرها من باب أولى (¬2). الثالث: أن الأصل في الأراضي أنها للتمليك، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا لعارض شرعي: كالوقف، ونحوه (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 42] جواز بيع المحوز من الماء والكلأ والمعادن وتحريم المباح منها: • المراد بالمسألة: الماء والكلأ والمعادن من الحقوق المشتركة بين الناس، لا يجوز بيعها إذا كانت في الأرض المباحة، بإجماع العلماء. أما إذا حازها أحد إلى إنائه، أو رحله، أو أخذه، فإنه يعتبر قد ملكه، وإذا ملكه فقد حل له بيعه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن بيع الماء من سيل النيل والفرات، جائز] (¬4). ¬
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ما يحوزه من الماء في إنائه، أو يأخذه من الكلأ في حبله، أو يحوزه في رحله، أو يأخذه من المعادن، فإنه يملكه بذلك، وله بيعه بلا خلاف بين أهل العلم] (¬1). • أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [أما بيع الماء: فالمسلمون مجمعون على أن الإنسان إذا أخذ الماء من النيل مثلا، فقد ملكه، وأن له بيعه، وأما ماء الأنهار والعيون والفيافي التي ليست بمملوكة، فالاتفاق حاصل على أن ذلك لا يجوز منعه، ولا بيعه] (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ما يحوزه من الماء في إنائه، أو يأخذه من الكلأ في حبله، أو يحوزه في رحله، أو يأخذه من المعادن، فإنه يملكه بذلك، بلا خلاف بين أهل العلم] (¬3). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [أما الماء الذي يكون بالأرض المباحة، والكلأ الذي يكون بها، فهذا لا يجوز بيعه باتفاق العلماء] (¬4). • شمس الدين الأسيوطي (880 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن بيع الماء من سيل النيل والفرات جائز] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لأن يحتزم أحدكم حُزمة من حطب، فيحملها على ظهره، فيبيعها، خير له من أن يسأل رجلا يعطيه أو يمنعه" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجاز البيع لمن أخذ الحطب من الفلاة، والحطب من الكلأ المباح الذي لا يملكه أحد، فدل على أن من حاز المباح فقد ملكه، وجاز له بيعه. الثاني: ما جاء أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "نهى عن بيع الماء إلا ما حُمِل منه" (¬2). الثالث: وهو استدلال بالعرف: يقول ابن قدامة: [وعلى ذلك مضت العادة في الأمصار ببيع الماء في الروايا، والحطب، والكلأ، من غير نكير] (¬3). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال: القول الأول: لا يملك الماء بحال حتى وإن أحرزه إلى إنائه، وإنما يكون هو أولى به من غيره، وإذا كان لا يملك فلا يجوز له بيعه. وهذه هي الرواية الثانية عند الشافعية، واختارها ابن عقيل من الحنابلة (¬4). ويمكن أن يستدل لهؤلاء: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الماء، والنهي عن بيعه حتى لا يقع ملكه لأحد، بل يكون حقا مشاعا بين الناس أجمعين. القول الثاني: لا يجوز بيع الماء بحال من الأحوال، وله أن يملكه إذا أحرزه إلى ساقيته ونحوها، وإذا رده انتفى ملكه له. أما بيع الكلأ فيجوز بيعه مطلقا. ¬
وهذا رأي ابن حزم من الظاهرية (¬1). واستدل ابن حزم على قوله بعدة أدلة، منها: الأول: عن إياس بن عبد المزني (¬2) -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الماء" (¬3). • وجه الدلالة: أن الحديث عام في النهي، فلا يفرق بين المحرز وغيره. الثاني: أما بيع الكلأ، فلأنه مال من مال صاحب الأرض، وكل ما تولد من مال المرء فهو من ماله، كالولد من الحيوان، والثمر، والنبات، واللبن، والصوف (¬4). القول الثالث: كراهة بيع الكلأ كله. قال به الحسن البصري وعكرمة (¬5) (¬6). أما الرواية عند الشافعية: فقد حكم عليها النووي بأنها غلط ظاهر (¬7). وأما رأي ابن عقيل: فهو خرَّجه على أن النهي عن بيع الماء يمنع التمليك (¬8)، ولا عبرة بالتخريج إذا خالف الإجماع (¬9). ¬
43] صحة بيع العين الحاضرة المرئية
أما رأي الحسن وعكرمة: فلعله محمول -إن صح عنهما- على الذي لم يحرز. أما رأي ابن حزم: فلم أجد من وافقه عليه مطلقا.Rصحة الإجماع في المنع من بيع الماء والكلأ في الأرض المباحة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. أما مسألة بيع ما حازه أو أخذه البائع إلى رحله، فكذلك الإجماع فيها صحيح، وإن وجد الخلاف فيها؛ وذلك لشذوذه فيها. 43] صحة بيع العين الحاضرة المرئية: • المراد بالمسألة: العين التي يراد بيعها: إما أن تكون حاضرة في مجلس العقد، أو تكون غائبة، فإذا كانت حاضرة مرئية من قبل المتعاقدين، فإن البيع صحيح، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع الضِّياع (¬1) والدور، التي يعرفها البائع والمشتري بالرؤية حين التبايع، جائز] (¬2). ويقول أيضا: [بيع الحاضر المرئي المقلّب بمثله، أو بدنانير، أو دراهم حاضرة، مقبوضة، أو إلى أجل مسمى، أو حالة في الذمة، فمتفق على جوازه] (¬3). نقل عبارته الأولى ابن القطان (¬4). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول لما ذكر كلام الإمام مالك في بيع الحاضر: [لا خلاف فيه إذا اشتري على وجهه بعد النظر إليه، وقد حلب اللبن، وجنى التمر] (¬5). ¬
44] جواز الغرر اليسير وتحريم الكثير
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على صحة بيع العين الحاضرة التي يراها البائع والمشتري حالة العقد] (¬1). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [المبيعات على نوعين: مبيع حاضر مرئي، فهذا لا خلاف في بيعه. . .] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر" (¬4). • وجه الدلالة: أن العين إذا كانت حاضرة مرئية في مجلس العقد، فإنها تكون قد سلمت من أهم قوادح البيع، وهو الغرر الذي نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنه. الثاني: أن رؤية المشتري للسلعة حين الشراء أبلغ في معرفتها على حقيقتها، فيكون قد دخل على بينة وبصيرة.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 44] جواز الغرر اليسير وتحريم الكثير: • المراد بالمسألة: الغرر لغة هو: الخطر والخديعة، وتعريض المرء نفسه أو ماله للهلكة (¬5). • وفي الاصطلاح: ما هو مجهول العاقبة، فلا يُدْرى أيكون أم لا؟ (¬6). ¬
• ويقصد بالمسألة: أن ما جهلت عاقبته من البيوع، فلا يدرى أيقع أم لا؟ فيقال: إن دعت الحاجة إلى ارتكابه، ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، وكان الغرر حقيرا جاز البيع، واغتفر ما فيه من الغرر، أما إذا كان كثيرا فلا يغتفر فيه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الجصاص (370 هـ) يقول عند تفسير قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬1): [ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية وإن كان مخرجها مخرج العموم، فقد أريد به الخصوص؛ لأنهم متفقون على حظر كثير من البياعات، نحو: بيع ما لم يقبض، وبيع ما ليس عند الإنسان، وبيع الغرر والمجاهيل] (¬2). • القاضي عبد الوهاب (422 هـ) يقول: [ولا خلاف أن يسيره لا يمنع صحة البيع، وأن ما تدعوا الحاجة إليه منه معفو عنه، وأن الذي يُمنع ما زاد على ذلك] (¬3). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [لا يختلفون في جواز قليل الغرر] ويقول أيضا: [وكثير الغرر لا يجوز بإجماع، وقليله متجاوز عنه] (¬4). نقل العبارة الأولى ¬
ابن القطان (¬1). • الباجي (474 هـ) يقول: [معنى بيع الغرر -واللَّه أعلم- ما كثر فيه الغرر وغلب عليه حتى صار البيع يوصف ببيع الغرر، فهذا الذي لا خلاف في المنع منه، وأما يسير الغرر فإنه لا يؤثر في فساد عقد بيع، فإنه لا يكاد يخلو عقد منه] (¬2). • المازري (536 هـ) يقول: [وقد رأينا العلماء أجمعوا على فساد بعض بياعات الغرر، وأجمعوا على صحة بعضها، واختلفوا في بعضها، فيجب أن يبحث عن الأصل الذي يعرف منه اتفاقهم واختلافهم، فنقول: إنا لما رأيناهم أجمعوا على منع بيع الأجنة، والطير في الهواء، والسمك في الماء، ثم رأيناهم أجمعوا على جواز بيع الجبة وإن كان حشوها مغيبا عن الأبصار، ولو بيع حشوها على انفراده لم يجز. . .، قلنا: يجب أن يفهم عنهم أنهم منعوا بيع الأجنة لمعظم غررها وشدة خطرها، وأن الغرر فيها مقصود يجب أن يفسد العقود، ولما رأيناهم أجمعوا على جواز المسائل التي عددناها قلنا: ليس ذلك إلا أن الغرر فيها نزر يسير غير مقصود وتدعو الضرورة إلى العفو عنه] (¬3). نقله عنه الزرقاني (¬4). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [ولا خلاف بين العلماء في أن يسير الغرر لغو معفو عنه] (¬5). ولما أورد حديث أبي هريرة - المذكور في مستند الإجماع - قال بعده: [وأجمعت عليه الأمة] (¬6). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع الغرر. . .، باطل] (¬7). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬8). ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وبالجملة فالفقهاء متفقون على أن الغرر الكثير في المبيعات لا يجوز، وأن القليل يجوز] (¬9). نقله عنه الشوكاني (¬10). ¬
• أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [وبيع الغرر: هو البيع المشتمل على غرر مقصود؛ كبيع الأجنة، والسمك في الماء، والطير في الهواء، وما أشبه ذلك، فأما الغرر اليسير الذي ليس بمقصود، فلم يتناوله هذا النهي؛ لإجماع المسلمين على جواز إجارة العبد، والدار مشاهرة (¬1) ومساناة (¬2)، مع جواز الموت وهدم الدار قبل ذلك] (¬3). • النووي (676 هـ) يقول: [أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير، وأجمعوا على بطلان بيع الأجنة في البطون، والطير في الهواء، قال العلماء: مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده. . . هو أنه إن دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة وكان الغرر حقيرا جاز البيع، وإلا فلا] (¬4). ويقول أيضا: [والأصل أن بيع الغرر باطل. . .، والمراد: ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز عنه، فأما ما تدعوا الحاجة، ولا يمكن الاحتراز عنه؛ كأساس الدار، وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر، وذكر أو أنثى، وكامل الأعضاء أو ناقصها، وكشراء الشاة في ضرعها لبن، ونحو ذلك، فهذا يصح بيعه بالإجماع، ونقل العلماء الإجماع أيضا في أشياء غررها حقير، منها: أن الأمة أجمعت على صحة بيع الجبة المحشوة، وإن لم ير حشوها، ولو باع حشوها منفردا لم يصح. وأجمعوا على جواز إجارة الدار وغيرها شهرا، مع أنه قد يكون ثلاثين يوما، وقد يكون تسعة وعشرين. وأجمعوا على جواز دخول الحمام بأجرة، وعلى جواز الشرب من ماء السقاء بعوض مع اختلاف أحوال الناس في استعمال الماء أو مكثهم في الحمام] (¬5). نقله عنه أبو زرعة العراقي (¬6)، ¬
والمباركفوري (¬1). • القرافي (684 هـ) يقول: [الغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعا: كالطير في الهواء، وقليل جائز إجماعا: كأساس الدار، وقطن الجبة، ومتوسط اختلف فيه: هل يلحق بالأول أو الثاني؟ ] (¬2). الخرشي (¬3) (1101 هـ) يقول: [والغرر ثلاثة أقسام: ممتنع إجماعا: كطير الهواء، وسمك الماء، وجائز إجماعا: كأساس الدار المبيعة، وحشو الجبة المغيبة، ونقص الشهور وكمالها في إجارة الدار ونحوها، واختلاف الاستعمال في الماء في دخول الحمام، والشرب من السقاء، ومختلف في إلحاقه بالأول أو بالثاني؟ ] (¬4). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [قد يحتمل ببعض الغرر فيصح معه البيع، إذا دعت إليه الحاجة: كالجهل بأساس الدار، وكبيع الجبة المحشوة وإن لم ير حشوها، فإن ذلك مجمع عليه. وكذا على جواز إجارة الدار والدابة شهرا، مع أنه قد يكون الشهر ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين، وعلى دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء وقدر مكثهم، على جواز الشراب قي السقاء بالعوض مع الجهالة. وأجمعوا على عدم صحة بيع الأجنة في البطون، والطير في ¬
الهواء] (¬1). • الدردير (¬2) (1201 هـ) يقول: [(واغتفر غرر يسير) إجماعا (للحاجة). . .، فخرج بقيد اليسارة الكثير: كبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء، فلا يغتفر إجماعا] (¬3). • عليش (1299 هـ) يقول: [(واغتفر). . . إجماعا (غرر). . . (يسير) للضرورة. . .، فخرج بقيد اليسير الكثير: كبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء، فلا يغتفر إجماعا] (¬4). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول لما ذكر ما يستثنى من رؤية المبيع مما لا يعد غررا: [ويستثنى ما يدخل تبعا، وما يتسامح بمثله: إما لحقارته، أو للمشقة في تمييزه، أو تعيينه: كأساسات البنيان، والقطن المحشو في الجبة؛ وذلك بالإجماع] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر" (¬7). ¬
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الغرر وهو محمول على الكثير دون القليل، وذلك لاتفاق العلماء على جواز بعض البيوع التي فيها غرر يسير، مما يُحتاج إليه ولا يمكن التحرز منه. الثاني: أن الغرر لا يسلم منه بيع، ثم إنه لا يمكن الإحاطة بكل المبيع، لا بنظر ولا بصفة، والأغلبُ في العامِّ السلامة، إن لم يكن في تلك كان في آخر؛ لأجل هذا جاز في اليسير دون الكثير (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: ابن سيرين فقد ثبت عنه بإسناد صحيح أنه قال: [لا أعلم ببيع الغرر بأسا] (¬2). ورُوي عن شريح أنه كان لا يرى بأسا ببيع الغرر، إذا كان علمهما فيه سواء (¬3). ولعلهم يستدلون بالعموم وهو: أن البيع قد توفرت فيه الشروط والأركان، فيبقى على أصل الإباحة. وأجيب عن قولهما بعدة أجوبة منها: أولًا: لعله لم يبلغهما النهي الوارد في سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ثانيًا: لعل مقصودهما ما كان الغرر فيه يسيرا. ونوقش هذا الجواب: أنه يمنع من توجيه ذلك ما جاء عن ابن سيرين أنه قال: [لا بأس ببيع العبد الآبق، إذا كان علمهما فيه واحدا]. فهذا يدل على أنه يرى بيع الغرر إن سلم في المآل (¬4). ثالثًا: أن يقال بأن هذا القول شاذ لا يعتد به؛ لمخالفته الصريحة لسنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. ¬
45] جواز بيع الأعمى الذي كان بصيرا
45] جواز بيع الأعمى الذي كان بصيرا: • المراد بالمسألة: الذي يرى السلعة بعينه وهو مبصر، ثم يصاب بالعمى بعد ذلك، في مدة لا تتغير فيها العين غالبا، فإن عقده جائز، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول بعد أن ذكر الخلاف في بيع من هو أعمى وقت العقد: [أما إذا كان بصيرا، فعَمِي بعد ذلك، لا خلاف في جواز بيعه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على المبصر: فكما أنه يصح بيعه، فكذلك المبصر الذي عمي، وذلك لتوفر الشروط وانتفاء الموانع، خاصة وأنه مطلع على السلعة عارف بها كمعرفة المبصر. الثاني: الاستدلال بالقياس على العرف، وهو: أن الناس منذ الصدر الأول وهم يتبايعون العميان ويبيعونهم، ولم يظهر لهم مُنْكِر، خاصة وأن منهم صحابة: كابن عمر، وابن عباس، والعباس (¬3) -رضي اللَّه عنهم- وغيرهم، ولم يثبت عن أحد إنكار ذلك ¬
46] فساد بيع العبد الآبق والجمل الشارد
عليهم، فدل على جواز عقودهم، فإذا جاز عقد من كان أعمى ولم يطلع على العين، جاز عقد من اطلع على العين وعَرَفها، ثم عَمي من باب أولى (¬1). الثالث: أن العاقد الذي عمي، قد عرف السلعة بالرؤية التي هي أقوى علامات معرفة العين، فلم يبق غرر ولا جهالة عنده، ولذا صح عقده (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 46] فساد بيع العبد الآبق والجمل الشارد: • المراد بالمسألة: إذا أبق العبد من سيده، وكذا إذا شرد الجمل من مالكه، ولم يعلما مكانهما، وكانا مقصودين بالبيع، ولم يكونا في يد المشتري أو يدعي معرفتهما؛ فإنه لا يجوز للسيد ولا للمالك، بيع العبد والجمل، والعقد لو وقع فإنه فاسد، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [أجمع علماء المسلمين أن مبتاع العبد الآبق، والجمل الشارد، وإن اشترط عليه البائع أنه لا يرد الثمن الذي قبضه منه، قَدِر على العبد أو الجمل، أو لم يقدر، أن البيع فاسد مردود] (¬3). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [الآبق إذا لم يكن عند المشتري، لا يجوز بيعه باتفاق الأئمة الأربعة. . .] ثم تكلم بعده عن الحديث - وهو حديث أبي سعيد الخدري وسيأتي في مستند الإجماع - وكلام العلماء على تضعيفه وقال بعده: [وعلى كل حال، فالإجماع على ثبوت حكمه، دليل على أن هذا المضَعَّف بحسب الظاهر، صحيح في نفس الأمر] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية، والحنابلة (¬5). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} (¬1). • وجه الدلالة: أن العبد إذا أبق، والبعير إذا شرد، فإن صاحبه إذا باعه إنما يبيعه مخاطرة، فيشتريه المشتري بدون ثمنه بكثير، فإن حصل له، قال البائع: قمرتني وأخذت مالي بثمن قليل، وإن لم يحصل، قال المشتري: قمرتني وأخذت الثمن بلا عوض، وهذه هي سورة الميسر الذي حرمه اللَّه في الآية، وذكر أنه سبب لإيقاع العداوة والبغضاء (¬2). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر" (¬3). • وجه الدلالة: أن الغرر الذي نهى عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هو ما كان مجهول العاقبة، فلا يدرى أيحصل أم لا؟ فيدخل في ذلك العبد الآبق، والجمل الشارد؛ لأنه لا يدرى هل يجده المشتري أم لا؟ . الثالث: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن ما في ضروعها إلا بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء الغنائم حتى تقسم، وعن بيع الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن شراء العبد وهو آبق، والنهي في الأصل ¬
يقتضي التحريم. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: جملة من الصحابة والتابعين، منهم: ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- فقد ثبت عنه أنه اشترى بعيرا وهو شارد (¬1). وممن خالف أيضا: شريح، وابن سيرين، والشعبي، وطاوس، والبتي، وأبو بكر بن داود (¬2)، وابن حزم وقال بأنه مذهب أصحابه من الظاهرية (¬3)، وكذا ذكره الحسن عن أبي حنيفة (¬4)، كل هؤلاء يرون جواز بيع العبد الآبق، إذا كان علمهما فيه واحد. وهؤلاء يستدلون بدليل عقلي، وهو: أن كل ما صح ملكه عليه وعرفت صفاته، فإنه يصح تصرفه فيه بأي لون من ألوان التصرف، فالعبد الآبق، والبعير الشارد، ملك البائع عليهما صحيح، فيصح بيعه لهما (¬5). ¬
47] بطلان بيع المعدوم
Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 47] بطلان بيع المعدوم • المراد بالمسألة: المعدوم في اللغة: أصل الكلمة يدل على فقدان الشيء وذهابه، فهو ضد الموجود (¬1). ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي للكلمة. والمقصود هنا: أن المعدوم الذي لم يوجد بعد، وربما يوجد في المستقبل، أن بيعه باطل لا يصح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) يقول: [فبيع المعدوم، باطل بالإجماع] (¬2). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [المعدوم لا يصح بيعه، بالإجماع في الجملة] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الغرر" (¬5). ¬
• وجه الدلالة: أن المعدوم لا يملك البائع تسليمه للمشتري، وهذا غرر ومخاطرة لا يجوز مع مثله البيع. الثاني: أن هذا لون من ألوان القمار؛ إذ بيع المعدوم قائم على الوكس والشطط، فإن العين إذا أمكن المشتري تسلُّمها فيكون قد قَمَر البائع، وإن لم يمكنه ذلك فيكون قد قمره البائع في البيع. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: ابن تيمية وابن القيم، وقالوا بجواز بيع المعدوم في بعض الأحوال، فليس النهي عاما في كل معدوم (¬1)، وقسموه إلى ثلاثة أقسام: الأول: معدوم موصوف في الذمة، فهذا يجوز بيعه اتفاقا، وهو السلم. الثاني: معدوم تبع للموجود، وإن كان أكثر منه، وهو نوعان: نوع متفق عليه، ونوع مختلف فيه، فالمتفق عليه: بيع الثمار بعد بدو صلاح ثمرة واحدة منها، فاتفق الناس على جواز بيع ذلك الصنف الذي بدا صلاح واحدة منه، وإن كانت بقية أجزاء الثمار معدومة وقت العقد، ولكن جاز بيعها تبعا للموجود. والنوع المختلف فيه؛ كبيع المقاثي والمباطخ إذا طابت، فهذا فيه قولان. الثالث: معدوم لا يدرى يحصل أو لا يحصل، ولا ثقة لبائعه بحصوله، بل يكون المشتري منه على خطر، فهذا الذي منع الشارع بيعه لا لكونه معدوما بل لكونه غررا، منه: بيع حبل الحبلة. واستدلوا بعدة أدلة، منها: الأول: يقول ابن القيم: [ليس في كتاب اللَّه، ولا في سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا في كلام أحد من الصحابة أن بيع المعدوم لا يجوز، لا بلفظ عام، ولا بمعنى عام، وإنما في السنة النهي عن بيع بعض الأشياء التي هي معدومة، كما فيها النهي عن بيع بعض الأشياء الموجودة، فليست العلة في المنع لا العلم ولا الوجود، بل الذي وردت به السنة النهي عن بيع الغرر، وهو ما لا يقدر على تسليمه، سواء كان موجودا أو معدوما] (¬2). ¬
48] بطلان بيع الطائر في الهواء
الثاني: يقول أيضا: [الشرع صحيح بيع المعدوم في بعض المواضع، فإنه أجاز بيع الثمر بعد بدو صلاحه، والحب بعد اشتداده، ومعلوم أن العقد إنما ورد على الموجود والمعدوم الذي لم يخلق بعد] (¬1).Rعدم صحة الإجماع في مسألة النهي عن بيع المعدوم؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها، والمقصود من عدم الصحة في المسألة هو تعميم النهي عن بيع المعدوم، فالعلماء قاطبة كما ذكر ابن القيم أجازوا بعض صور بيع المعدوم، وهو مراد من حكى الإجماع في المسألة، فهم يوافقون على هذه المسائل. 48] بطلان بيع الطائر في الهواء: المراد بالمسألة: الطائر إذا كان يطير في الهواء، وهو غير محبوس في مكان، وعلم أنه لا يرجع، فإن بيعه محرم ولا يصح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • المازري (536 هـ) يقول: [أجمعوا على منع بيع الأجنة، والطير في الهواء، والسمك في الماء] (¬2). نقله عنه الزرقاني (¬3). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إذا باع طائرا في الهواء، لم يصح، مملوكا أو غير مملوك. . .، ولا نعلم في هذا خلافا] (¬4). • النووي (676 هـ) يقول: [وأجمعوا على بطلان بيع الأجنة في البطون، والطير في الهواء] (¬5). نقله عنه أبو زرعة العراقي (¬6). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ولا يجوز بيع الطير في الهواء، مملوكا كان أو لا. . .، ولا نعلم في هذا خلافا] (¬7). ¬
• القرافي (684 هـ) يقول: [الغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعا: كالطير في الهواء. . . .] (¬1). • الخرشي (1101 هـ) يقول: [والغرر ثلاثة أقسام: ممتنع إجماعا: كطير الهواء] (¬2). • النفراوي (125 هـ) يقول: [وأما السمك فى الماء، أو الطير فى الهواء، فممتنع إجماعا] (¬3). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [وأجمعوا على عدم صحة بيع الأجنة في البطون، والطير في الهواء] (¬4). • العدوي (¬5) (1189 هـ) يقول: [وأما السمك فى الماء، والطير فى الهواء، فممتنع إجماعا] (¬6). • الدردير (1201 هـ) يقول: [(واغتفر غرر يسير) إجماعا (للحاجة). . .، فخرج بقيد اليسارة الكثير: كبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء، فلا يغتفر إجماعا] (¬7). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [ومن جملته -أي: بيع الغرر-: بيع الطير في الهواء، وهو مجمع على ذلك] (¬8). • عليش (1299 هـ) يقول: [(واغتفر). . . إجماعا (غرر). . . (يسير) ¬
للضرورة. . .، فخرج بقيد اليسير الكثير: كبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء، فلا يغتفر إجماعا] (¬1). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [(ولا طير في هواء) أجمعوا على النهي عنه] (¬2) • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر" (¬4). • وجه الدلالة: أن من بيع الغرر: بيع الطائر إذا كان في الهواء، فهو مجهول العاقبة، لا يُدرى عن حصوله شيء. الثاني: أن بيع الطائر في الهواء قد اختل فيه شرطان من شروط البيع، وهما: القدرة على تسليمه، فقد يقدر عليه وقد لا يقدر، وكذا عدم الملك إذا لم يكن يملكه، فإذا كان كذلك، فهو بيع باطل لفقده هذين الشرطين. الثالث: أنه إن قدر عليه فيكون المشتري قد قمر البائع؛ حيث أخذ ماله بدون قيمته، وإن لم يقدر عليه، كان البائع قد قمر المشتري، وفي كل منهما أكل مال بالباطل؛ فهو قمار (¬5). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: ابن حزم من الظاهرية، فقال: يجوز بيع الطائر في الهواء إذا كان مملوكا (¬6). ¬
49] بطلان بيع المجهول
واستدل لقوله: أن من شروط البيع الملك، وليس من شروطه أن يكون في يده، وليس في صريح الأدلة ما يدل على المنع من بيعه في هذه الحالة. ولم أجد من وافقه على هذا الرأي.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 49] بطلان بيع المجهول: • المراد بالمسألة: من شروط المبيع: أن يكون معلوما للمتعاقدين، وعليه: فإذا كان مجهولا لهما أو لأحدهما، جهالة تمنع التسليم والاستلام، فالبيع غير صحيح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الشافعي (204 هـ) يقول: [والبيع في السنة والإجماع، لا يجوز أن يكون مجهولا عند واحد منهما، فإن لم يجز بأن يجهله أحد المتبايعين، لم يجز بأن يجهلاه معا] (¬1). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [اتفقت الأمة على أنه لا يجوز إلا بيع معلوم بمعلوم بأيِّ طريق من طرق العلم وقع] (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [بيع المجهول، لا يصح إجماعا] (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [لا خلف لأحد، أن جهالة المبيع تمنع الجواز] (¬4). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [وبيع المجهول، لا يصح إجماعا] (¬5). ¬
50] صحة رؤية بعض الدار والأرض إذا وقفا على جزء منها
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬2). • وجه الدلالة: أن الرضا لا يوجد مع الجهالة، وإنما يقع التراضي على ما كان معلوما، وعليه فما كان مجهولا فلا يحل بيعه؛ إذ هو من أكل أموال الناس بالباطل. الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الغرر" (¬3). • وجه الدلالة: أن من صور الغرر، وجود الجهالة في المبيع (¬4). الثالث: أن جهالة المبيع تمنع من تسليمه وتسلمه، وتؤدي إلى تنازع المتبايعين، ويصير العقد بها غير مفيد، وكل عقد يؤدي إلى النزاع فهو فاسد (¬5).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 50] صحة رؤية بعض الدار والأرض إذا وقفا على جزء منها: • المراد بالمسألة: الدار: اسم لما أُدِير عليه الحدود من الحائط، ويشمل البيوت والمنازل والصحن غير المسقف (¬6). فإذا أراد بيع الدار، ورآها المتعاقدان ووقفا على بيت منها، أو أراد بيع الأرض ووقفا على طرف منها، فإن البيع صحيح، حتى وإن لم يطَّلع المشتري على الباقي، بلا خلاف بين العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [لو رأيا دارا، ووقفا في بيت منها، أو أرضا، ووقفا في طرفها، وتبايعاها، صح بلا خلف، مع عدم المشاهدة للكل في الحال] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [لو رأيا دارا ووقفا في بيت منها، أو أرضا ووقفا على طرفها، وتبايعاها، صح بلا خلاف، مع عدم المشاهدة للكل في الحال] (¬2). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [إذا رُؤي من المبيع ما يدل على ما لم يُر، جاز البيع باتفاق المسلمين، في مثل بيع العقار والحيوان] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية في رواية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الدار شيء واحد، إذا رأى جزءا منها فكأنه رآها كلها (¬5). ¬
51] فساد بيع حبل الحبلة
الثاني: أن المقصود من رؤية المبيع هو العلم بحاله، وإذا كانت أجزاؤه لا تتفاوت غالبا، فلا حاجة لرؤية باقيه. • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين، هما: القول الأول: المالكية على المشهور عندهم: قالوا: إن المتقوم لا بد من رؤية جميعه، ولا يكفي رؤية بعضه، ويدخل في المتقوم الدور والأراضي (¬1). القول الثاني: الشافعية قالوا: إذا كان المبيع مما يستدل برؤية بعضه على باقيه، فيكفي رؤية بعضه، وهذا يدخل فيه الأراضي، أما الدور فقد نصوا على أنه لا بد من رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران والمستحم والبالوعة (¬2). ويمكن أن يستدل لمن قال بأنه لا بد من رؤية الجميع: بأن رؤية جميع المبيع والوقوف عليه، أبعد عن الوقوع في الجهالة والغرر، التي يَتْبعها الخصومة والمنازعة.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ولعل عذر ابن قدامة في هذا أنه لم يذكر المسألة ابتداء، وإنما ذكرها في معرض الاستدلال على مسألة أخرى. 51] فساد بيع حبل الحبلة: • المراد بالمسألة: هذا البيع من البيوع التي كان أهل الجاهلية يبتاعونها بينهم، وقد اختلف العلماء في تفسيره على عدة أقوال، أشهرها قولان: القول الأول: هو أن يبتاع الرجل الجزور بثمن مؤجل إلى أن تنتج الناقة، وتنتج التي في بطنها. وهذا هو الذي فسره به ابن عمر راوي الحديث، وهو قول المالكية، والشافعية، فيكون سبب النهي هو: الجهالة في الأجل (¬3). ¬
القول الثاني: هو بيع ما سوف يحمله الحمل بعد أن يولد، ويحمل ويلد، وهو نتاج النتاج. وهو قول الحنفية، ومشهور مذهب الحنابلة، فتكون العلة في المنع هي: الجهالة والعدم (¬1). وهو وإن كان القول الأول أقوى من الثاني، إلا أن كلا من التفسيرين يجعلان هذا النوع من البيوع الفاسدة والمنهي عنها، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على فساد بيع حبل الحبلة. . . .] (¬2). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول بعد أن ذكر تفسير حبل الحبلة: [ولا خلاف بين العلماء أن البيع إلى مثل هذا من الأجل لا يجوز، وقد جعل اللَّه الأهلة مواقيت للناس، ونهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن البيع إلى مثل هذا من الأجل، وأجمع المسلمون على ذلك] (¬3). • الماوردي (450 هـ) يقول: [وأيُّ التأويلين -يقصد بيع نتاج الناقة الحامل أو جعل الأجل في البيع مقدرا بنتاج الناقة- فالبيع فيه باطل؛ لأن حكم البيع في التأويلين متفق عليه، وإن اختلف المراد به] (¬4). • البغوي (516 هـ) يقول: [والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، أن بيع نتاج النتاج لا يجوز] (¬5). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول بعد أن ذكر جملة من بيوع الجاهلية، ومنها: حبل الحبلة: [فهذه كلها بيوع جاهلية، متفق على تحريمها] (¬6). • أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [حبل الحبلة: قد فسره ابن عمر في الحديث، وهذه البيوع كانت بيوعا في الجاهلية، نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنها. . .، فمتى وقع شيء منها، فهو فاسد لا يصح بوجه، ولا خلاف أعلمه في ذلك] (¬7). ¬
• النووي (676 هـ) يقول: [اتفقوا على أنه لا يجوز البيع بثمن إلى أجل مجهول]. ويقول بعد أن ذكر الخلاف في تفسير حبل الحبلة: [. . . وعلى التقديرين، البيع باطل، بالإجماع] (¬1). • ابن الشاط (723 هـ) يقول بعد أن ذكر أن الغرر منقسم إلى ثلاثة أقسام من جهة الجهالة: [الأول: كثير ممتنع إجماعا: كالطير في الهواء، ومن ذلك جميع البيوع التي نهي عنها -صلى اللَّه عليه وسلم-: كبيع حبل الحبلة] (¬2). • أبو زرعة العراقي (826 هـ) يقول بعد ذكر الخلاف في تفسير حبل الحبلة: [البيع المذكور بالتفاسير الثلاثة الأولى، متفق على بطلانه] (¬3). • شمس الدين الأسيوطي (880 هـ) يقول: [وأجمعوا على منع بيع حبل الحبلة] (¬4). • ابن عابدين (1252 هـ) يقول: [اعلم أن البيع بأجل مجهول، لا يجوز إجماعا] (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية: كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها" (¬6). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الغرر" (¬7). • وجه الدلالة: أن من الغرر الجهالة، سواء كانت الجهالة في الأجل، أو في المبيع ذاته، فيدخل فيه النهي عن بيع حبل الحبلة.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
52] بطلان بيع المضامين والملاقيح
52] بطلان بيع المضامين والملاقيح: • المراد بالمسألة: اختلف العلماء في تفسير المضامين والملاقيح على أقوال: القول الأول: المضامين هي: ما في بطون إناث الإبل، والملاقيح هي: ما في أصلاب الفحول. وهذا قال به الإمام مالك (¬1). القول الثاني: المضامين هي: ما في أصلاب الفحول، والملاقيح هي: ما في بطون الإناث. وهذا قال به أبو عبيدة (¬2)، وأبو عبيد، والأزهري (¬3)، والجوهري (¬4)، وجماهير العلماء، وأهل اللغة (¬5). القول الثالث: أن المضامين والملاقيح بمعنى واحد، وهي: ما في بطون النوق من الأجنة. قال به ابن خطيب الدهشة (¬6) (¬7). وهو ضعيف؛ لأنه قرن ¬
بينهما، ولو كانا بمعنى واحد لكان تكرارا. وأيا كان الراجح من القولين الأولين فالحكم واحد فيهما جميعا، وهو تحريم بيعهما، بإجماع العلماء. والمقصود بما في أصلاب الفحول هو: بيع ما يتكون عن ضرابه، كأن يقول: أبيعك ما يتكون من ماء فحلي هذا في بطن ناقتي هذه. وبهذا يتبين الفرق بينه وبين بيع عسب الفحل المنهي عنه، وهو قول أكثر العلماء (¬1). ومما ينبغي أن يشار إليه هنا: أن ما في بطون الأنعام يسمى أيضا بالمجر، فهو: شراء ما في بطن الناقة، أو بيع الشيء بما في بطنها (¬2). وعلى هذا فيدخل حكمه في المسألة معنا، سواء نص من حكى الإجماع عليه أم لا. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على فساد بيع. . .، ما في بطن الناقة، وبيع المجر. . .، وأجمعوا على فساد بيع المضامين والملاقيح] (¬3). ويقول أيضا لما ذكر النهي عن بيع المجر: [والبيع في هذا باطل، لا أعلمهم يختلفون فيه] (¬4). نقل عبارته الأولى: ابن قدامة، والنووي، وشمس الدين ابن قدامة، والبهوتي، والرحيباني (¬5). • الماوردي (450 هـ) يقول: [وأما بيع الحمل في بطن أمه فباطل؛ لأنه غرر. . . على أنه متفق عليه] (¬6). نقله عنه النووي (¬7). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [وقد روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه نهى عن بيع ¬
المجر، وهو: بيع ما في بطون الإناث، ونهى عن المضامين والملاقيح (¬1)، وأجمعوا أنه بيع لا يجوز] (¬2). ويقول أيضا: [جعل مالك استثناء البائع للجنين كاشترائه له لو كان، وقد أجمعوا أنه لا يجوز شراؤه] (¬3). ويقول أيضا: [اتفق العلماء على أن بيع ما في بطون الإناث لا يجوز] (¬4). ويقول لما ذكر الخلاف في تفسير معناهما: [وأيُّ الأمرين كان، فعلماء المسلمين مجمعون على أن ذلك كله لا يجوز في بيوع الأعيان، ولا في بيوع الآجال] (¬5). • الباجي (474 هـ) يقول: [ولا خلاف بين الفقهاء في الحكم، أنه لا يجوز أن يباع ما في بطن الناقة من جنين، ولا ما في ظهر هذا الفحل] (¬6). • المازري (536 هـ) يقول: [أجمعوا على منع بيع الأجنة] (¬7). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع المضامين -وهو: بيع ما في بطون الأنعام- وبيع الملاقيح -وهو: بيع ما في ظهورها-. . .، باطل] (¬8). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول بعد أن ذكر بعض بيوع الجاهلية، وذكر منها المضامين والملاقيح: [فهذه كلها بيوع جاهلية، متفق على تحريمها] (¬9). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [بيع الحمل في البطن دون الأم، ولا خلاف في فساده] (¬10). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول بعد أن ذكر الخلاف في تفسير المضامين والملاقيح: [وأيُّ الأمرين كان: فعلماء المسلمين مجمعون على أن ذلك لا يجوز] (¬11). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [بيع الحمل في البطن، فاسد بلا ¬
خلاف] (¬1). • أبو زرعة العراقي (826 هـ) يقول بعد أن ذكر أربعة أقوال في تفسير حبل الحبلة، وكان الثالث منها: بيع ما في بطون الأنعام: [البيع المذكور بالتفاسير الثلاثة الأولى متفق على بطلانه] (¬2)، وقال أيضا: [أجمعوا على بطلان بيع الأجنة في البطون] (¬3). • شهاب الدين الأسيوطي (880 هـ) يقول: [وأجمعوا على فساد بيع المضامين والملاقيح] (¬4). • المرداوي (885 هـ) يقول: [بيع الحمل في البطن نهى الشارع عنه، فلا يصح بيعه إجماعا] (¬5). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [والحديث -أي: حديث أبي هريرة في النهي عن بيع المضامين والملاقيح- دليل على عدم صحة بيع المضامين والملاقيح. . .، وهو إجماع] (¬6). ويقول أيضا: [بيع ما في بطون الحيوان، وهو مجمع على تحريمه] (¬7). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [فيه -أي: حديث أبي سعيد في النهي عن شراء ما في بطون الأنعام- دليل على أنه لا يصح شراء الحمل، وهو مجمع عليه] (¬8). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [(ولا يباع حمل في بطن) إجماعا] (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬10). ¬
53] بطلان بيع الحصاة
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع المضامين والملاقيح، وحبل الحبلة" (¬1). الثاني: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "أنه نهى عن بيع المَجْر" (¬2). الثالث: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع" (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 53] بطلان بيع الحصاة: • المراد بالمسألة: هذا البيع لون من ألوان البيوع التي كانوا يتبايعونها في الجاهلية، وقد اختلف العلماء في بيان معناه على عدة أقوال: الأول: أن يلقي حصاة على أثواب، فأي ثوب وقع عليه كان هو المبيع بلا تأمل، ولا رَويَّة، ولا خيار بعد ذلك. وهذا المعنى ذكره الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬4). الثاني: أن يقول البائع للمشتري: بعتك من هذه الأرض من محل وقوفي أو وقوف فلان إلى ما تنتهي إليه رمية هذه الحصاة بكذا. نص على هذا التفسير ¬
المالكية، والشافعية، والحنابلة، وقيده الأولون، بأن يقع البيع على اللزوم (¬1). الثالث: أن يقول البائع: إذا رميت هذه الحصاة، فهذا الثوب مبيع منك بعشرة، أي: يجعل الرمي صيغة البيع. وهذا وجه من التفسير قال به الشافعية (¬2). الرابع: أن يقول البائع للمشتري: بعتك هذا بكذا، على أني متى رميت هذه الحصاة وجب البيع ولزم. وهذا ذكره المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬3). الخامس: وصورته: أن يقول البائع للمشتري: ارم بالحصاة، فما خرج ووجد من أجزاء تلك الحصاة التي تكسرت كان لي بعدده دنانير أو دراهم. أو يقول المشتري للبائع: ارم بالحصاة، فما خرج من أجزائها المتفرقة حال رميها، كان لك بعدده دنانير أو دراهم. ويحتمل أيضا عندهم أن يكون المراد بالحصاة الجنس، أي: يقول البائع للمشتري: خذ جملة من الحصى، في كفك أو كفيك، وحركه مرة أو مرتين -مثلا- فما وقع فلي بعدده دراهم أو دنانير. وهذا التفسير ذكره المالكية (¬4). وهذه التفاسير وإن اختلفت في ألفاظها إلا أنها متفقة في المعنى، ومرد هذا المعنى إلى أن هذا البيع من البيوع التي مبنية على الجهالة والغرر والقمار، وما كان كذلك فإنه ينهى عنه أيا كانت صفته، وما وقع منه فهو باطل، باتفاف العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع الحصاة. . .، باطل] (¬5). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ومن البيوع المنهي عنها: بيع الحصاة. . .، لا نعلم فيه خلافا] (¬6). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [(ولا بيع الحصاة. . .) لا نعلم بين أهل العلم خلافا في فساد هذه المبايعات] (¬7). ¬
54] تحريم بيع الثوب في طيه
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه عز وجل جعل من شرط التجارة وجود الرضا من الطرفين حال التعاقد، وإلا فإنه يكون من أكل أموال الناس بالباطل، وبيع الحصاة قد انعدم الرضا فيه إما من الطرفين كما في بعض صوره، أو من أحدهما. الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الحصاة، والنهي للتحريم، ويقتضي فساد المنهي عنه إذا كان راجعا إلى ذاته.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 54] تحريم بيع الثوب في طيه: • المراد بالمسألة: إذا أراد بيع الثوب وكان مطويا - وهو الذي لا يظهر منه إلا ظاهره - ولم ينظر إليه، أو كان مما يوضع في جراب فلا يظهر منه شيء، فإنه لا يجوز له بيعه من دون وصف ولا رؤية، عند جميع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [وأما بيع الثوب في طيه دون أن ينظر إليه، فلا يجوز عند الجميع] (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والقول الجديد عند الشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر" (¬2). • وجه الدلالة: أن من الغرر أن يبيع الثوب وهو لا يعرف وصفه ولا جنسه، ولم يكن رآه من قبل. الثاني: القياس على الملامسة؛ فإذا نهي عن الملامسة وهي: لمس الثوب ولمَّا يتبين ما فيه ويعرف حقيقته، فمن باب أولى بيعُ الثوب في طَيِّه الذي لم ينظر إليه أصلا (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في القديم، وقالوا: إذا قال: بعتك الثوب المَرَوي الذي في كمي. فإنه يصح ويثبت له الخيار. فالذي في كمه لم يره ولم يوصف له. واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها: الأول: ما جاء أن عثمان -رضي اللَّه عنه- ابتاع من طلحة بن عبيد اللَّه (¬4) -رضي اللَّه عنه- أرضا ¬
55] جواز بيع الجنين مع أمه
بالمدينة ناقلة بأرض له بالكوفة، فلما تباينا ندم عثمان، ثم قال: بايعتك ما لم أره، فقال طلحة: إنما النظر لي، إنما ابتعت مغيبا، وأما أنت فقد رأيت ما ابتعت، فجعلا بينهما حكما، فحكما جبير بن مطعم (¬1) -رضي اللَّه عنه- فقضى على عثمان أن البيع جائز، وأن النظر لطلحة أنه ابتاع مغيبا (¬2). الثاني: أنه عقد على عين، فجاز مع الجهل بصفته، كالنكاح (¬3).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 55] جواز بيع الجنين مع أمه: • المراد بالمسألة: بيع ذات الحمل من الدواب -سواء كانت آدمية أو غيرها- وهي حامل، من غير ذكرٍ لحملها في العقد، جائز بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الشافعي (204 هـ) يقول: [والدلالة بالسنة في النخل قبل أن يؤبر، وبعد الإبار في أنه داخل في البيع، مثل الدلالة بالإجماع في جنين الأمة وذات الحمل من البهائم، فإن الناس لم يختلفوا في أن كل ذات حمل من بني آدم ومن البهائم، بيعت فحملها تبع لها كعضو منها، داخل في البيع، بلا حصة من الثمن] (¬4). • النووي (676 هـ) يقول: [إذا باع حاملا بيعا مطلقا، دخل الحمل في البيع بالإجماع] (¬5). ¬
• الشربيني (977 هـ) يقول: [(ولو باع حاملا) حملها له (مطلقا) من غير تعرض لدخول أو عدمه (دخل الحمل في البيع) تبعا لها، بالإجماع] (¬1). • الجاوي (¬2) (1316 هـ) يقول: [ولو باع حاملا مطلقا، من غير تعرض لدخول وعدمه، دخل الحمل في البيع، إن كان مالكهما متحدا، إجماعا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على بيع الثمرة مع أصلها، وكذا اللبن في الضرع مع بيع الشاة، والنوى مع بيع التمر، وأساسات الحيطان في بيع الدار، كلها جائزة، بجامع أنها حصلت تبعا في البيع ولم تكن مقصودة، فيحتمل الغرر والجهالة فيها، ويُغْتفرُ في التبعية ما لا يغتفر في الاستقلال (¬5). ¬
56] بطلان بيع اللبن في الضرع
الثاني: القياس على سائر أطراف الأم: فلا يحتاج إلى ذكرها، وتدخل في البيع، والحمل يعد جزءا منها (¬1). الثالث: أن الناس ما زالوا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبعلمه، يتبايعون إناث الضأن والبقر والخيل والمعز والإبل والإماء والظباء -حوامل وغير حوامل- ويغنمون كل ذلك، ويقتسمونهن، ويتوارثونهن ويقتسمونهن كما هن، ولم يأت نص قط بأن للأولاد حكما آخر قبل الوضع، فدل على أن بيع الحامل بحملها جائز كما هو، ما لم تضعه (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 56] بطلان بيع اللبن في الضرع: • المراد بالمسألة: اللبن إذا كان في الضرع، ولم ينفصل عن البهيمة، فإن بيعه على هذا الوجه مطلقا من غير تحديد، منهي عنه، ولو وقع فهو باطل غير صحيح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [والحديث -أي: حديث أبي سعيد المذكور في مستند الإجماع- اشتمل على ست صور منهي عنها. . .، والثانية: اللبن في الضروع، وهو مجمع عليه] (¬3). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [قوله: "وعن بيع ما في ضروعها" هو أيضا مجمع على عدم صحة بيعه قبل انفصاله. . .، إلا أن يبيعه منه كيلا، نحو أن يقول: بعت منك صاعا من حليب بقرتي، فإن الحديث يدل على جوازه] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، وهو الصحيح عند الشافعية، والحنابلة، وهو رأي ابن حزم من الظاهرية (¬5). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعما في ضروعها إلا بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن اللبن ما دام أنه في الضرع، وقيد الجواز بالكيل، وهذا يدل على أنه لا بد من خروجه؛ إذ لا يعرف الكيل إلا بعد خروجه. الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها، أو يباع صوف على ظهر، أو سمن في لبن، أو لبن في ضرع" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن ذلك، والنهي في الأصل أنه على التحريم، ويقتضي فساد المنهي عنه. الثالث: أن البيع على هذه الصفة فيه جهالة كبيرة في الصفة والمقدار؛ أما الصفة: فانتفاخ الضرع ربما يكون لبنا أو يكون لحيما (¬3)، واللبن قد يكون صافيا وقد يكون كدرا لا ينتفع به. أما المقدار: فإن اللبن في العروق ينصب إلى الضرع وقت الحلب فيختلط المبيع بغيره، وربما الشاة تدر فيستطيع المشتري حلبها، وربما ترفس وتمتنع من الحلب ولا تدر، فلا يتمكن من حلبها، والمشتري ربما يستقصى في الحلب والبائع يطالبه بأن يترك داعية اللبن، كل هذا وغيره من الجهالة التي تفضي إلى المنازعة بينهما، وهو بلا شك غرر ينهى عن مثله ¬
الشارع (¬1). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في المسألة على عدة أقوال: القول الأول: المالكية: قالوا بجواز بيع اللبن في الضرع بشروط سبعة، هي: 1) أن يكون لبن شياهٍ كثيرة، أما إن كان لبن شاة أو شاتين فكرهه مالك إلا أن يكون كيلا، كل قسط بكذا وكذا. 2) أن تكون متساوية في اللبن. 3) أن يكون قد عرف وجه حلابها. 4) أن يشرع في أخذ اللبن بعد العقد. 5) أن يعجل الثمن. 6) أن يكون الشراء في إبان الحلاب. 7) أن يكون الشراء لأجلٍ لا ينقص اللبن قبله (¬2). القول الثاني: وجه عند الشافعية: قالوا بالجواز إذا حلب شيئا من اللبن فأراه إياه، ثم قال: بعتك رطلا مما في الضرع (¬3). وعندهم وجه بجواز ما لو قَبَضَ قدرا من الضرع ثم أحكم شده، وقال: أبيعك هذا القدر المقبوض (¬4). القول الثالث: اختاره ابن تيمية وابن القيم، وقالوا: يجوز بيع اللبن في الضرع إذا كان موصوفا في الذمة، وكان من شاة أو بقرة معينة (¬5). ¬
القول الرابع: قال به سعيد بن جبير (¬1)، ومحمد بن مسلمة (¬2)، قالوا: بجواز بيع اللبن في الضرع مطلقا (¬3). القول الخامس: قال به الحسن البصري، وطاوس، ومجاهد، قالوا: بالكراهة لهذا البيع، ونقل عن طاوس الكراهة إلا أن يكون كيلا محددا (¬4). واستدل المخالفون بعدة أدلة (¬5)، منها: الأول: عن أبي البختري (¬6) قال: سألت ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن السلم في النخل ¬
57] جواز بيع الحيوان الذي في ضرعه لبن
فقال: "نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الثمر حتى يصلح، ونهى عن الورق بالذهب نساء بناجز". وسألت ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- فقال: "نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع النخل حتى يَأكل أو يُؤكل، وحتى يوزن، قلت: وما يوزن؟ قال رجل عنده: حتى يحرز" (¬1). • وجه الدلالة: قال: ابن القيم: [وقد دل على جوازه نهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يسلم في حائط بعينه إلا أن يكون قد بدا صلاحه. . .، فإذا أسلم إليه في كيل معلوم، من لبن هذه الشاة، وقد صارت لبونا، جاز، ودخل تحت قوله: ونهى عن بيع ما في ضروعها إلا بكيل أو وزن. فهذا إذنٌ لبيعه بالكيل والوزن معينا أو مطلقا؛ لأنه لم يفصِّل، ولم يشترط سوى الكيل والوزن، ولو كان التعيين شرطا لذكره] (¬2). الثاني: القياس على استئجار الظئر لإرضاع الولد، فكما أنه يجوز فكذلك في المسألة معنا، بجامع أن كلا منهما معلوم القدر والصفة في العادة. الثالث: أن حلب اللبن معلوم في الغالب مقداره، وإن اختلفت الأيام فيه، فهو اختلاف يسير، والغرر اليسير معفو عنه (¬3).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 57] جواز بيع الحيوان الذي في ضرعه لبن: • المراد بالمسألة: حين يريد البائع بيع الحيوان الذي يملكه، وفي ضرعه لبن لا يُعلم مقداره، ولم يشترطه أو يذكره أحدهما في البيع، فإن البيع صحيح بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) يقول: [أجمع المسلمون على جواز بيع حيوان في ضرعه ¬
لبن، وإن كان اللبن مجهولا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُصَرُّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعا من تمر" (¬3). • وجه الدلالة: أن الحديث دليل على جواز بيع بهيمة الأنعام التي يكون في ضرعها لبن؛ إذ المنهي عنه هو حبس اللبن في ضرعها مدة، تدليسا على المشتري (¬4). الثاني: القياس على بيع الثمرة قبل بدو الصلاح مع أصلها، وكذا النوى في التمر مع التمر، وأساسات الحيطان مع الدار، كل هذه جائزة؛ لأنها بيعت مع أصلها، ولم تكن مقصودة في البيع فاغتفرت الجهالة فيها، ثم إنه يغتفر في التبعية ¬
58] جواز بيع المسك
ما لا يغتفر في الاستقلال (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 58] جواز بيع المسك: • المراد بالمسألة: المسك: لون من ألوان الطيب، يؤخذ من بعض فصائل الغزلان التي لها أنياب، يجتمع في صرتها الدم، فيؤذيها، فتندفع إلى صخور حادة، فتحتك بها، فينفجر منها على تلك الصخور، ويؤخذ من هذه الأماكن بعد جفافه، ويوضع في نوافج تحفظه، ومنهم من يصطاده، ويقطع هذه السرة التي يجتمع فيها، تبقى زمانا حتى تستحيل الرائحة الخبيثة إلى رائحة طيبة، والأول أجود وأذكى رائحة (¬2). والمسك الذي هو الطيب الخالص الذي لم يخلط مع غيره، يجوز بيعه، إذا كان خارجا عن وعائه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) يقول: [المسك طاهر، ويجوز بيعه، بلا خلاف، وهو إجماع المسلمين] (¬3). نقله عنه المناوي، وابن عابدين (¬4). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [واستقر الإجماع على طهارة المسك، وجواز بيعه] (¬5). ¬
• العيني (855 هـ) يقول: [واستقر الإجماع على طهارته، وجواز بيعه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء: كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نص في هذا على أن حامل المسك قد تشتري منه المسك، ولو كان بيعه حراما لما ذكره أو مثَّل به عليه السلام (¬4). الثاني: عن أم سلمة (¬5) -رضي اللَّه عنها- قالت: لما تزوجني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إني قد ¬
59] جواز بيع الصوف المنفصل عن الحيوان
أهديت إلى النجاشي (¬1) حُلَّة، وأواقي مسك، ولا أُراه إلا قد مات، وسترد الهدية، فإن كان كذلك فهي لك" قالت: فكان كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مات النجاشي، وردت الهدية، فدفع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى كل امرأة من نسائه أوقية مسك، ودفع الحلة، وسائر المسك إلى أم سلمة (¬2). • وجه الدلالة: أن ما جازت هديته، جاز بيعه، كسائر المملوكات (¬3). الثالث: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر امرأة من بني إسرائيل حشت خاتمها مسكا، والمسك أطيب الطيب" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سماه أطيب الطيب واستعمله، فدل على طهارته، وما كان طاهرا جاز استعماله ومبايعته.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 59] جواز بيع الصوف المنفصل عن الحيوان: • المراد بالمسألة: الصوف للغنم هو: كالشعر للمعز والوبر للإبل (¬5). إذا جُزَّ وانفصل عن الغنم، فإن بيعه جائز، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على جواز بيع الصوف المنفصل عن ¬
60] منع بيع عسب الفحل
الحيوان] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬3). • وجه الدلالة: هذه الآية تفيد أن الأصل في البيع أنه على الحل، ما لم يأت دليل يدل على المنع، فيدخل فيها بيع الصوف المنفصل عن الحيوان. الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها، أو يباع صوف على ظهر، أو سمن في لبن، أو لبن في ضرع" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الصوف، وقيد النهي بما إذا كان على ظهر البهيمة، فدل بمفهومه على جوازه إذا كان منفصلا عنها.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 60] منع بيع عسب الفحل: • المراد بالمسألة: عَسْب الفحل يطلق في أصل اللغة: على ضرابه وعلى مائه، ثم أُريد به الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل، وهذا من باب تسمية الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه، وهذا مستعمل عند العرب، كما قالوا للمزادة راوية، وإنما الراوية البعير الذي يستقى عليه. وكأنه سمي عسبا؛ لأن الفحل يركب العسيب إذا سَفِد (¬5). ¬
ويطلق في اصطلاح الفقهاء على معنيين، هما: الأول: كراء الفحل للضراب. الثاني: بيع ضراب الفحل أو مائه (¬1). ولعل المراد بالمسألة المعنى الأول دون الثاني؛ إذ لم يحك الإجماع إلا ابن هبيرة وقد فسره بالمعنى الأول. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع عسب الفحل، وهو: أن يستأجر فحل الإبل، أو البقر، أو الغنم، أو غيرها لينزو على الإناث، مكروه] (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن عَسْب الفحل" (¬3). الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع ضراب الجمل، وعن بيع الماء والأرض لتحرث" (¬4). الثالث: أن بيع الضراب أو إجارته يترتب عليه عدة محاذير، منها: أن ضرابه غير معلوم، ثم هو غير مقدور على تسليمه، وكذا أيضا غير متقوم، وكل واحدة من هذه كافية في تحريمه (¬5). • المخالفون للإجماع: هذه المسألة وقع الخلاف فيها بين العلماء على أقوال (¬6): ¬
القول الأول: قول الحنفية، وابن حزم من الظاهرية: أن بيع عسب الفحل وإجارته على التحريم (¬1). القول الثاني: قول المالكية: إن كان يعطيه ثمنا على أن يحمل فحله على ناقة المشتري مدة غير محددة، إلى أن تحمل مثلا، فهذا لا يجوز. وإذا استأجره على أن ينزيه على ناقته أكواما معدودة يسيرة تتأتى منه في وقت أو أوقات فلا بأس في هذا. وحملوا النهي الوارد على الحالة الأولى، أو على التنزيه (¬2). والكراهة قال بها من الصحابة: أبو سعيد الخدري، والبراء بن عازب (¬3) (¬4). القول الثالث: قول الشافعية: إن كان الثمن على أنه بيع فهو باطل قطعا، وإن كان على أنه إجارة فعندهم روايتان: الأصح أنه لا يصح. والثانية: أنه يجوز مع الكراهة (¬5). القول الرابع: قول الحنابلة: لا يجوز بيع عسب الفحل وهو ضرابه بلا نزاع عندهم، أما إجارته: فالمشهور والذي عليه أكثر الأصحاب عدم الجواز أيضا، وخرج أبو الخطاب وجها بالجواز، وهو احتمال عند ابن عقيل (¬6). وقال به -أي: ¬
61] بطلان بيع الملامسة والمنابذة
الجواز- من التابعين: الحسن وابن سيرين (¬1). استدل من قال بالجواز بعدة أدلة، منها: الأول: أن العقد إنما يكون على منافع الفحل ونزوه، وهذه منفعة مقصودة، والماء يكون تابعا لها، ثم إن الغالب حصوله عقب نزوه، فيكون كالعقد على الظئر لحصول اللبن في بطن الصبي (¬2). الثاني: القياس على الإعارة: فكما أنه تجوز إعارة الفحل للنزو، فكذلك إجارته، بجامع المنفعة في كل منهما (¬3). واستدل من قال بالكراهة بدليل عقلي، وهو: أن الحاجة تدعو إلى هذه المنفعة؛ إذ ليس كل الناس يملك الفحل، وربما لا يجده إلا بأجرة، فأبيح لذلك، وهي منفعة مقصودة (¬4).Rأما مسألة بيع ماء الفحل فهذه لم يقع فيها خلاف بين العلماء، أما مسألة إجارة ضرابه فهذه لا يصح الإجماع فيها؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. وربما قصد ابن هبيرة بالاتفاق هو على أقل ما قيل في المسألة، وهذا لا يتأتى أيضا لوجود من قال بالجواز. 61] بطلان بيع الملامسة والمنابذة: • المراد بالمسألة: هذان البيعان من بيوع الجاهلية التي كانوا يتعاملون بها، وقد اختلف العلماء في تفسيرها على عدة أقوال: الأول: أن يجعلا اللمس والنبذ بيعا من دون صيغة، مثاله في الملامسة: يكون الثوب مطويا، فيقول البائع للمشتري: إذا لمسته فقد وجب البيع، اكتفاء بلمسه عن الصيغة. ومثاله في المنابذة: أيُّ ثوب أنبذه إليك فقد وجب البيع بيننا بعشرة. ¬
وهذا ذكره الحنفية والشافعية والحنابلة (¬1). الثاني: أن يبيعه شيئا على أنه متى لمسه أو نبذه إليه لزم البيع، وانقطع خيار المجلس وغيره. وهذا ذكره الشافعية (¬2). الثالث: في الملامسة: أن يلمس ثوبا مطويا، أو في ظلمة، ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه، اكتفاء بلمسه عن رؤيته، أو يلمس كل منهما ثوب صاحبه بغير تأمل. وفي المنابذة: أن ينبذ كل واحد من المتبايعين ثوبه إلى الآخر، ولا ينظر كل واحد منهما إلى ثوب صاحبه، أو ينبذه إليه بلا تأمل، على جعل النبذ بيعا. وهذا ذكره المالكية والشافعية (¬3). الرابع: أن المراد بالمنابذة: هو بيع الحصاة. وهو تأويل عند الشافعية (¬4). والتفسير الثالث أقعد باللفظين؛ لأنها مفاعلة فتستدعي وجود الفعل من الجانبين، وهو أقرب للتفاسير الواردة عن الصحابة (¬5). وأيًّا كان المراد فإن المعاني الأربعة كلها منهي عنها، فاسدة لو وقعت، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع الحصاة، والملامسة، والمنابذة باطل] (¬6). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬7). ¬
• ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [أما بيع الملامسة: فكانت صورته في الجاهلية أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره، أو يبتاعه ليلا ولا يعلم ما فيه، وهذا مجمع على تحريمه]. ثم عدد بيوع الجاهلية وذكر منها المنابذة وقال بعدها: [فهذه كلها بيوع جاهلية متفق على تحريمها] (¬1). • ابن قدامة (620 هـ) يقول لما ذكر كلام الخرقي (¬2) في عدم جواز بيع الملامسة والمنابذة: [لا نعلم بين أهل العلم خلافا في فساد هذين البيعين] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ولا يجوز بيع الملامسة. . .، ولا بيع المنابذة. . . لا نعلم بين أهل العلم خلافا في فساد هذه المبايعات] (¬4). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول لما ذكر معنى الملامسة: [وأجمعوا على تحريمه]. ولما ذكر معنى المنابذة قال: [وأجمع العلماء على تحريمه] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (¬7). ¬
• وجه الدلالة: أن اللَّه أمر باجتناب الميسر، والميسر هو القمار (¬1)، وبيع الملامسة والمنابذة فيه معني القمار، وذلك بأنه لا يدري ما يقع عليه البيع هل هو مساوٍ للثمن أو أقل منه أو أكثر؟ وهذا هو معنى القمار (¬2). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الملامسة والمنابذة" (¬3). الثالث: عن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن لبستين، وعن بيعتين: الملامسة والمنابذة" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن هاتين البيعتين، والنهي للتحريم، ويقتضي فساد المنهي عنه. • المخالفون للإجماع: على التفسير الأول للملامسة والمنابذة وهو جعل اللمس والنبذ بيعا من دون صيغة، قال بعض الشافعية أنه يجيء في هذه الصورة الخلاف في بيع المعاطاة، فإنهما مع قرينة البيع هي نفس المعاطاة (¬5). وبيع المعاطاة وقع فيه الخلاف على قولين في المذهب: الأول: أنه غير منعقد. وهو المذهب. الثاني: أنه صحيح ومنعقد. وهو المعمول به، وعليه الفتوى (¬6). وبناء على الخلاف في المعاطاة فإنه يُخرَّج عليه الخلاف في صورة المسألة معنا، ويكون الخلاف فيها على القولين السابقين. واستدل هؤلاء: بأن اللَّه أحل البيع، ولم يثبت في الشرع لفظ له، فوجب ¬
62] تحريم بيع ضربة القانص
الرجوع إلى العرف، فكل ما عدَّه الناس بيعا فهو بيع شرعا (¬1). ويقال بأن هذا تخريج، والتخريج لا يخرق الإجماع، خاصة وأنه لم يقل به إلا قلة من علماء الشافعية.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. قد يشكل في هذه المسألة أن المعنى لم يتفق عليه العلماء، فكل مذهب له تفسير ربما لا تذكره المذاهب الأخرى؟ ! ويقال في الجواب: إنه بالنظر إلى أصول المذاهب في هذه المسألة، نجد أنهم متفقون على علة الحكم، وهي وجود الغرر والجهالة والقمار، وكل هذه المعاني متفق عليها بين الجميع. 62] تحريم بيع ضربة القانص: • المراد بالمسألة: القانص: الصائد، والقنَّاص: الصيَّاد (¬2)، وصورته هنا أن يقول: اضرب هذه الشبكة للاصطياد، فما أخذته، فهو لك بكذا (¬3). ويقال: ضربة الغائص، والغوص: النزول تحت الماء، ويقال للذي يغوص على الأصداف في البحر فيستخرجها: غائص وغوَّاص (¬4). وصورته: أن يقول له: أغوص في البحر غوصة بكذا، فما أخرجته، فهو لك (¬5). وبعض العلماء جعل القانص أعم من الغائص، فيشمل صائد صيد البر والبحر، والغائص صائد صيد البحر فقط، وبعضهم خص القانص بصائد البر، والغائص بصائد البحر (¬6). والمقصود أن هذا اللون من ألوان البيع، لا خلاف بين العلياء على تحريمه. ¬
• من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول: [لا يجوز بيع ما يخرج من ضربة القانص -أي: الصياد بالشبكة - ولا خلاف فيه لأحد] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الغرر" (¬3). • وجه الدلالة: أن من الغرر البيع على ضربة القانص، بل الغرر يتجلى في هذه الصورة في أعلى درجاته، فهو قد يحصل على صيد في هذه الضربة وقد لا يحصل، وإذا حصل فربما يكون قليلا وربما كان كثيرا، فيكون سببا للمنازعة. الثاني: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعما في ضروعها إلا بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء الغنائم حتى تقسم، وعن شراء الصدقات حتى تقبض، وعن ضربة الغائص" (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
63] منع بيع السمك في الماء
63] منع بيع السمك في الماء: • المراد بالمسألة: السمك إذا كان في الماء، وكان الماء كثيرا، بحيث لا يمكن اصطياده وإمساكه بسهولة، فهو ممنوع من بيعه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • المازري (536 هـ) يقول: [أجمعوا على منع بيع الأجنة، والطير في الهواء، والسمك في الماء] (¬1). نقله عنه الزرقاني (¬2). • الخرشي (1101 هـ) يقول: [والغرر ثلاثة أقسام: ممتنع إجماعا؛ كطير الهواء، وسمك الماء. . .] (¬3). • النفراوي (1125 هـ) يقول: [وأما السمك فى الماء، أو الطير في الهواء، فممتنع إجماعا] (¬4). • العدوي (1189 هـ) يقول: [وأما السمك في الماء، والطير في الهواء، فممتنع إجماعا] (¬5). • الدردير (1201 هـ) يقول: [(واغتفر غرر يسير) إجماعا (للحاجة). . .، فخرج بقيد اليسارة الكثير: كبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء، فلا يغتفر إجماعا] (¬6). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [ومن جملة بيع الغرر: بيع السمك في الماء، كما في حديث ابن مسعود، ومن جملته بيع الطير في الهواء، وهو مجمع على ذلك] (¬7). • عليش (1299 هـ) يقول: [(واغتفر). . . إجماعا (غرر). . . (يسير) ¬
للضرورة. . .، فخرج بقيد اليسير الكثير: كبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء، فلا يغتفر إجماعا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر" (¬3). • وجه الدلالة: أن من بيع الغرر: بيع السمك في الماء، فهو مجهول العاقبة، لا يُدرى عن حصوله شيء. الثاني: عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تشتروا السمك في الماء، فإنه غرر" (¬4). الثالث: أن بيع السمك في الماء قد اختل فيه ثلاثة شروط من شروط البيع، وهي: القدرة على تسليمه، فقد يقدر عليه وقد لا يقدر، وكذا الملك إذا لم يكن ¬
يملكه، وكذا العلم بالمبيع، فهو مجهول بالنسبة له كجهالة اللبن في الضرع، والنوى في التمر، فإذا كان كذلك فهو بيع باطل لفقده هذه الشروط (¬1). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين، هما: القول الأول: يصح بيع السمك في الآجام (¬2). قال به عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى (¬3) (¬4). واستدل هؤلاء بدليل عقلي، وهو: أن يقدر على تسليمه ظاهرا، أشبه ما يحتاج إلى مؤنة في كيله ووزنه ونقله (¬5). القول الثاني: يصح بيع السمك في الماء إذا كان مملوكا. قال به ابن حزم من الظاهرية (¬6). واستدل ابن حزم بدليل عقلي، وهو: أن بيع ما لا يملك يعد من الغرر البيِّن، ومن أكل أموال الناس بالباطل المحرم شرعا، أما ما يملكه فله حق التصرف فيه بأي لون من ألوان التصرف، وليس من ¬
64] تحريم بيع البيض في الدجاج والنوى في التمر
شروط البيع أن تكون العين بيده.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها، ومما يؤيد هذا عدم حكاية من عرف عنهم الاهتمام بالإجماع له؛ كابن المنذر وابن عبد البر وابن قدامة والنووي وغيرهم، ولو كان ثابتا عندهم لذكروه. 64] تحريم بيع البيض في الدجاج والنوى في التمر: • المراد بالمسألة: إذا كان عنده دجاج، وأراد أن يبيع البيض الذي تحمله دون الدجاج، أو كان عنده تمر وأراد أن يبيع النوى الذي بداخله دون التمر، فإنه لا يجوز أن يفردهما بالبيع دون أصلهما، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) لما ذكر تحريم بيع ما تجهل صفته، ذكر بعض الأمثلة عليها فقال: [ومن ذلك: البيض في الدجاج، والنوى في التمر، لا يجوز بيعهما. . .، ولا نعلم في هذا خلافا نذكره] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ولا يجوز بيع النوى في التمر، والبيض في الدجاج. . .، ولا نعلم في هذا خلافا] (¬2). نقله عنه برهان الدين ابن مفلح (¬3). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [(ولا نوى في تمره) بلا خلاف] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذه المسألة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬5). ¬
65] جواز بيع النوى داخل التمر مع التمر
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬1). • وجه الدلالة: أن الرضا لا يمكن أن يوجد مع الجهالة، وإنما يقع التراضي على ما علم وعرف، فإذ لا سبيل إلى معرفة صفات البيض وهو في الدجاج، والنوى وهو في التمر، فلا سبيل إلى التراضي به، وإذا كان كذلك فلا يحل بيعه، فيدخل في أكل أموال الناس بالباطل (¬2). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الغرر" (¬3). • وجه الدلالة: أن من صور الغرر وجود الجهالة في المبيع، فالبيض والنوى كلاهما لا تعرف صفته، ولا مقداره، وهما يحتملان الوجود والعدم.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 65] جواز بيع النوى داخل التمر مع التمر: • المراد بالمسألة: إذا أراد البائع أن يبيع التمر بعد بدو صلاحه، فإنه يجوز له أن يبيعه مع النوى الذي بداخله، من غير أن ينص عليه، أو يفرده بالبيع عنه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع النوى داخل التمر مع التمر، ¬
66] جواز الاستثناء من الثمن إذا كان المستثنى من جنس المستثنى منه
جائز] (¬1). ويقول أيضا: [وقد أجمعوا وصحت السنن المجمع عليها على جواز بيع التمر، والعنب، والزبيب، وفيها النوى، وأن النوى داخل في البيع] (¬2). نقل عبارته الأولى ابن القطان (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن بيع النخل حتى يزهو". قيل: وما يزهو؟ قال: "يحمارّ ويصفار" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أباح بيع التمر بعد ظهور الزهو فيه، من غير أن يستثني منه شيء، فدل على إباحة بيع النوى مع التمر. الثاني: أن الناس لا زالوا في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبعلمه يتبايعون التمر على هذه الصفة، من غير إنكار (¬6). الثالث: أن التمر خلقه اللَّه هكذا مع النوى، فما دام أن النوى بداخله لم يبع استقلالا، فإنه لا محظور فيه، ويثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 66] جواز الاستثناء من الثمن إذا كان المستثنى من جنس المستثنى منه: • المراد بالمسألة: إذا استثنى البائع من الثمن شيئا، وكان المستثنى من جنس ¬
المستثنى منه، كاستثناء الدنانير من الدنانير ونحوها، فإن هذا جائز بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن للرجل أن يبيع سلعته بدينار إلا قيراطا، وبدينار ودرهم] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الباجي (474 هـ) لما تكلم عن جواز استثناء من باع ثوبا بخمسة دنانير غير ربع دينار يقول: [. . . بمنزلة ما لو قال: بعتك هذا الثوب بخمسة دنانير إلا دينارا، فدفع إليه ثلاثة دنانير وأخذ دينارا، فلا خلاف في جواز ذلك] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الثنيا، إلا أن تعلم" (¬5). ¬
67] جواز استثناء المبيع المعلوم وتحريم المجهول
• وجه الدلالة: أن الاستثناء في البيع إذا كان معلوما فإن البيع صحيح، فيدخل في هذا الاستثناء إذا كان من جنس المستثنى منه. الثاني: أن المستثنى يجوز إفراده بالبيع، وما جاز إفراده بالبيع جاز استثناؤه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 67] جواز استثناء المبيع المعلوم وتحريم المجهول: • المراد بالمسألة: الاستثناء في البيع لا يخلو من حالين: الأول: أن يكون الاستثناء معلوما، والمبيع بعده معلوما، يمكن فصله عن المستثنى منه بغير ضرر، فإذا كان كذلك، وكان محرزا، فإن هذا جائز. مثل أن يقول: بعتك ثمرة هذا الحائط إلا ثمرة هذه النخلات العشر المعينات، أو يقول: بعتك هذه الدار إلا ربعها. الثاني: أن يكون الاستثناء مجهولا، والمبيع بعده مجهولا، فإنه لا يجوز، مثل أن يقول: بعتك هذه الثمرة إلا قوت سنتي، أو قوت غلماني (¬1). وكلا الحالتين مجمع عليها بين العلماء. • من نقل الإجماع: • الإمام الشافعي (204 هـ) لما أورد عن عطاء جملة من الآثار، منها ما جاء عن ابن جريج (¬2) أنه قال: قلت لعطاء: أبيعك حائطي إلا خمسين فرقا، أو كيلا مسمى ما كان؟ قال لا، قال ابن جريج: فإن قلت: هي من السواد سواد الرطب؟ قال: لا. ومنها ما أخرجه عن ابن جريج أنه قال: قلت لعطاء: أبيعك نخلي إلا عشر نخلات أختارهن؟ قال: لا، إلا أن نستثني أيهن هي قبل البيع تقول هذه وهذه. وكذلك ما أخرجه عن ابن جريج أنه قال لعطاء: أيبيع الرجل نخله أو عنبه أو بره أو عبده أو سلعته ما كانت على أني شريكك بالربع وبما كان من ذلك؟ قال: لا بأس ¬
بذلك. وكذلك ما أخرجه عن ابن جريج أنه قال: قلت لعطاء: أبيعك ثمر حائطي بمائة دينار، فضلا عن نفقة الرقيق؟ فقال: لا، من قبل أن نفقة الرقيق مجهولة ليس لها وقت، فمن ثم فسد. يقول لما أورد هذه الآثار عن عطاء: [ما قال عطاء من هذا كله كما قال -إن شاء اللَّه- وهو في معنى السنة والإجماع] (¬1). • الماوردي (450 هـ) يقول: [أن يقول: بعتك ثمرة هذا الحائط إلا ثمرة هذه النخلات العشر بعينها، فهذا بيع جائز باتفاق العلماء. . .، أن يكون الاستثناء مجهولا والمبيع بعده مجهولا. . .، فالمشاع: أن يقول: بعتك هذه الثمرة إلا قوت نفسي، أو إلا ما يأكله عبيدي، فهذا باطل باتفاق] (¬2). • ابن حزم (456 هـ) يقول [الحلال في ذلك: أن يستثني من الجملة إن شاء أيَّ جملة كانت: حيوانا أو غيره، أو من الثمرة: نصف كل ذلك مشاعا، أو ثلثي كل ذلك، أو أكثر، أو أقل، جزءا مسمى منسوبا مشاعا في الجميع. أو يبيع جزءا كذلك من الجملة مشاعا، أو يستثني منها عينا معينة محوزة -كثرت أو قلت- فهذا هو الحق الذي لا خلاف من أحد في جوازه] (¬3). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [لا أعلم خلافا بين فقهاء الأمصار أنه لا يجوز لأحد أن يستثني ثمر نخلات معدودات، من حائط رجل، غير معينات، يختارها من جميع النخل، وكذلك لا يجوز ذلك عندهم في ألوان النخيل، ولا في الثياب، ولا في العبيد، ولا في شيء من الأشياء] (¬4). نقله عنه ابن القطان (¬5). • الباجي (474 هـ) يقول: [استثناء الرجل من حائطه في البيع عدد نخلات، يكون على ثلاثة أوجه، أحدها: أن يعينها، وذلك لا خلاف في جوازه] (¬6). • القاضي عياض (544 هـ) يقول بعد أن تحدث عن الثنيا في البيع: [فأما النخلات المعينات، بلا خلاف في جواز استثنائه] (¬7). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا باع حائطا، واستثنى منه ¬
نخلة بعينها، جاز] (¬1). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وأجمعوا من هذا الباب على جواز بيع الرجل ثمر حائطه، واستثناء نخلات معينات، منه. . .، واتفقوا على أنه لا يجوز أن يستثني من حائط له عدة نخلات غير معينات، إلا بتعيين المشتري لها بعد البيع] (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إذا استثنى نخلة، أو شجرة بعينها، جاز ولا نعلم في ذلك خلافا] (¬3). • أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [أن يستثني نخلات مجهولات، أو كيلا مجهولا من الثمرة، على أن يُعيَّن ذلك بعد البيع، فذلك ممنوع فاسد باتفاق] (¬4). • النووي (676 هـ) يقول: [فلو قال: بعتك هذه الأشجار إلا هذه الشجرة، أو هذه الشجرة إلا ربعها، أو الصبرة إلا ثلثها، أو بعتك بألف إلا درهما، وما أشبه ذلك من الثنيا المعلومة، صح البيع باتفاق العلماء] (¬5). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [فإن استثنى معينا من ذلك جاز. . .، لا نعلم في هذا خلافا] (¬6). • ابن تيمية (728 هـ) يقول في معرض كلامه عن الشروط في العقود: [فكما جاز بالإجماع استثناء بعض المبيع، وجوَّز أحمد وغيره استثناء بعض منافعه، جوز أيضا استثناء بعض التصرفات] (¬7). ويقول أيضا: [أجمع المسلمون -فيما أعلمه- على جواز استثناء الجزء الشائع، مثل: أن يبيعه الدار إلا ربعها أو ثلثها. واستثناء الجزء المعين إذا أمكن فصله بغير ضرر، مثل: أن يبيعه ثمر البستان إلا نخلات بعينها، أو الثياب أو العبيد، أو الماشية التي قد رأياها، إلا شيئا منها قد عيَّناه] (¬8). ¬
• تقي الدين السبكي (¬1) (756 هـ) يقول: [أن يكون الاستثناء معلوما، والمبيع بعده معلوما، وهذا على ضربين: مشاع ومحدد، فالمحدد: بعتك ثمرة هذا الحائط إلا ثمرة هذه النخلات العشر بعينها، فهذا جائز بالاتفاق، . . . أن يكون الاستثناء مجهولا، والمبيع بعده مجهولا، وهو ضربان: مشاع ومحدد، فالمشاع: كقوله: بعتك هذه الثمرة إلا قوت سنتي، أو قوت غلماني، باطل اتفاقا] (¬2). • الأُبِّي (827 هـ) يقول لما ذكر أن لبيع الثنيا صورا: [الأولى: أن يستثني من الحائط نخلات معينة، فيجوز باتفاق قَلَّت أو كثرت. . .، الثانية: أن يستثني نخلات يختارها، فلا يجوز باتفاق]. نقله عنه السنوسى (¬3) وزاد صورة فقال: [أن يستثني بعضها مجهولا، فكذلك لا يجوز باتفاق] (¬4). • ابن نجيم (970 هـ) لما ذكر مسألة استثناء أرطال معلومة عند شراء النخل يقول: [فإن استثنى جزءا: كربع وثلث، فإنه صحيح اتفاقا] (¬5). نقله عنه ابن عابدين (¬6). ¬
• عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول: [فإن استثنى جزءا كربع وثلث، فإنه صحيح اتفاقا] (¬1). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [أن يبيع أشجارا أو أعنابا ويستثني واحدة معينة، فإن ذلك يصح اتفاقا] (¬2). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [إن كان الذي استثناه معلوما، نحو: أن يستثني واحدة من الأشجار، أو منزلا من المنازل، أو موضعا معلوما من الأرض، صح بالاتفاق] (¬3). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه متى كان المستثنى معلوما، يعرفانه، صح البيع] (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المحاقلة (¬5) والمزابنة (¬6) والمخابرة (¬7) والثُّنيا إلا أن تعلم" (¬8). ¬
68] منع إفراد أطراف الحيوان الحي بالعقد
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الاستثناء في البيع إذا كان مجهولا، فإذا زالت الجهالة، وعلم المستثنى عاد الأمر إلى الإباحة. الثاني: أن المستثنى لا يجوز إفراده بالبيع، فلا يجوز استثناؤه؛ وذلك للجهالة في المعقود عليه، والجهالة تمنع من انعقاد البيع (¬1). وهذا بخلاف المستثنى المعلوم فإنه يجوز إفراده بالبيع، فيجوز استثناؤه. • المخالفون للإجماع: جاءت المخالفة عن ابن عمر فقد جاء عنه أنه باع ثمرته بأربعة آلاف، واستثنى طعام الفتيان (¬2). وهذا الاستثناء معين، لكنه مجهول القدر. وقد أجيب عنه: أن هذا -إذا ثبت عنه- محمول على أنه استثنى نخلا معينا، بقدر طعام الفتيان؛ إذ لا يتصور منه المخالفة لصريح سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). وخالف في جواز الاستثناء في البيع مطلقا فقال بالمنع: جابر بن زيد حين سئل عن الرجل يبيع البيع، ويستثني بعضه؟ قال: لا يصلح ذلك (¬4). ولعله لم يبلغه الخبر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في جواز الاستثناء المعلوم، أو يكون محمولا على الاستثناء المجهول، وهو الذي يشهد له ظاهر الأثر.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 68] منع إفراد أطراف الحيوان الحي بالعقد: • المراد بالمسألة: إذا باع حيوانا مأكولا يستباح ذبحه، واستثنى أطرافه: رأسه، أو يده، أو رجله، فإنه لا يصح هذا الاستثناء، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [وأطراف الحيوان، لا تفرد بالعقد إجماعا] (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية في رواية، والشافعية، والحنابلة في رواية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن ما لا يصح إفراده بالعقد ابتداء، لا يصح استثناؤه من العقد، كاستثناء الحمل (¬2). الثاني: أن فيه لونا من ألوان الغرر: فهو إن كان استثناؤه لهذا الطرف بجلده، فما تحت الجلد مُغيَّب، وإن كان لم يستثنه بجلده، فإنه لا يدري بأي صفة يخرج له بعد كشط الجلد عنه (¬3). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال، وهي: القول الأول: جواز إفراد الأطراف بالاستثناء. قال به المالكية، وهو مشهور مذهب الحنابلة، وقال به الحسن بن حي (¬4) والليث (¬5). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الثُّنيا إلا أن ¬
69] جواز بيع ما كان عليه قشرتان
تعلم" (¬1). والاستثناء هنا معلوم. الثاني: أنه يُعد استثنى عضوا معينا معلوما، فلم يضره ما عليه من الجلد، كشراء الحب في سنبله، والجوز في قشره (¬2). القول الثاني: التفريق في الاستثناء بين ما له قدر وقيمة -أي: يسقط له بعض الثمن- وبين ما ليس كذلك، فإن كان المستثنى له قدر وقيمة واشترط ذبحه، فلا يجوز الاستثناء على المشهور، وإلا فيجوز. وهذا رواية عند المالكية (¬3). واستدل هؤلاء: بأنه إن كان استثناؤه بجلده، فما تحت الجلد مغيب، وإن كان لم يستثنه بجلده، فإنه لا يَدري بأيِّ صفة يخرج له بعد كشط الجلد عنه (¬4)، أما ما ليس له قيمة فهو يسير غير مؤثر، فيعفى عنه. القول الثالث: التفريق بين المسافر والحاضر، فإن كان مسافرا، فلا بأس بهذا الاستثناء، وإن كان حاضرا، فلا خير فيه. وهذه الرواية هي التي نص عليها الإمام مالك في المدونة (¬5). واستدل هؤلاء على التفريق فقالوا: إذا استثنى البائع في السفر الرأس ونحوه، فإن هذه ليس لها عند المشتري قيمة وثمن، بخلاف ما إذا كان في الحضر (¬6).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 69] جواز بيع ما كان عليه قشرتان: • المراد بالمسألة: من الثمار ما يكون له قشرتان أو كُمَّان، قشر ملاصق بالمقصود منه، وهي القشرة السفلى، وأخرى فوقه، وهي القشرة العليا: كالجوز واللوز والباقلا ونحوها، فإذا نزعت عنه القشرة العليا، فإنه يجوز بيعه، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن ما له قشرتان: كاللوز والجوز، ¬
70] جواز بيع ما له قشر واحد يفسد بإخراجه منه
فنزعت القشرة العليا، أن بيعه حينئذ جائز] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • النووي (676 هـ) يقول: [يجوز بيع الباقلا في القشر الأسفل، بلا خلاف، وسواء كان أخضر أو يابسا]. ويقول أيضا: [وأما ما له كمامان، يزال أحدهما ويبقى الآخر إلى وقت الأكل؛ كالجوز واللوز والرانج، فيجوز بيعه في القشر الأسفل، بلا خلاف] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض، ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل النهي إلى غاية، فما بعد هذه الغاية فإنه يجوز مطلقا، فيدخل في هذا المستور بالقشرة السفلى. الثاني: أن المقصود منه هو ما في باطنه، ولا يمكن بقاء صلاحه وحفظه إلا ببقاء ظاهره وهو قشره، فبقاء القشرة السفلى من مصلحته، فيجوز للحاجة (¬6).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 70] جواز بيع ما له قشر واحد يفسد بإخراجه منه: • المراد بالمسألة: إذا كان المبيع له قشر واحد، إذا طُرِح عنه ذهبت رطوبته، ¬
وتغير طعمه، وأسرع إليه الفساد: كالبيض والرمان والموز ونحوها، فإنه يجوز بيعه على حاله من غير رؤيةِ مقصوده وهو ما بداخله، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع كل ما له قشر واحد يفسد إذا فارق، جائز في قشره: كالبيض وغيره] (¬1). ويقول أيضا: [وأجمعوا على جواز بيع البيض كما هو، وإنما الغرض منه ما في داخله، ودخل القشر في البيع بلا خلاف من أحد] (¬2). نقل عبارته الأولى ابن القطان (¬3). • النووي (676 هـ) يقول: [إذا كان الشيء مما لا يستدل برؤية بعضه على الباقي، فإن كان المرئي صوانا -بكسر الصاد وضمها- كقشر الرمان والبيض والقشر الأسفل من الجوز واللوز وقشر البندق ونحوه، كالخشكنان، كفى رؤيته، وصح البيع، بلا خلاف. ولا يصح بيع لب الجوز واللوز ونحوهما بانفراده، ما دام في قشره، بلا خلاف]. ويقول أيضا: [ولو كان للثمر والحب كمام لا يزال إلا عند الأكل: كالرمان ونحوه كالعلس، جاز بيعه في كمامه أيضا، بلا خلاف] (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [يجوز بيع ما مأكوله في جوفه: كالرمان، والبيض، والجوز، لا نعلم فيه خلافا] (¬5). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [بيع ما يكون قشره صَوْنا له: كالعنب والرمان والموز والجوز واللوز في قشره الواحد، جائز باتفاق الأئمة] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬7). ¬
71] اشتراط الثمن لصحة البيع
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أنس -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها" (¬1). • وجه الدلالة: أن مفهوم الحديث إباحة بيعها بعد بدو صلاحها مطلقا، فيدخل في ذلك ما كان مستورا بقشر، أو غير مستور. الثاني: أن المقصود منه هو ما في باطنه، ولا يمكن بقاء صلاحه وحفظه إلا ببقاء ظاهره وهو قشره، والقشر من أصل خلقته، فالحاجة تدعو لبقائه. الثالث: أنه من المشقة رؤية مقصوده، فعُفِيَ عنه. الرابع: أنه قدر يسير جرى تسامح الناس عليه في العادة، وليس فيه غرر يَفُوت به مقصودٌ معتبر (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 71] اشتراط الثمن لصحة البيع: • المراد بالمسألة: الثمن في اللغة: هو العوض عما يباع، وكل ما يحصل عوضا عن شيء فهو ثمنه (¬3). ويطلق في اصطلاح الفقهاء على معنيين، هما: الأول: ما يكون بدلا للمبيع، ويتعلق بالذمة. وهذا المعنى في مقابل المبيع. الثاني: العوض الذي تراضى عليه المتعاقدان. وهذا المعنى في مقابل القيمة (¬4). والمعنى الموافق للمسألة هو الأول، فإذا عقد البيع على عين، فلا بد من الثمن الذي يقابل هذه العين، باتفاق العلماء. ¬
72] فساد المبيع المجهول الثمن
• من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن البيع لا يجوز إلا بثمن] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من الكتاب، وهو: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬4). • وجه الدلالة: أن صورة البيع التي أباحها اللَّه جل جلاله هي: مبادلة مال بمال، فإذا لم تحصل المبادلة لم يتم البيع، وإذا أُخِذ المبيع في البيع من دون عوض، فإنه يختل أمر لازم وهو العوض، فيبطل العقد بهذا.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 72] فساد المبيع المجهول الثمن: • المراد بالمسألة: معلوم أن من أركان البيع الثمن، فإذا تعاقد المتعاقدان بنفسيهما من غير توكيل، فلا بد أن يكون الثمن في العقد معلوما، وإلا -بأن كان الثمن مجهولا- فالبيع فاسد، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن من باع سلعته بثمن مجهول غير معلوم، ولا مسمى، ولا عينا قائما، أن البيع فاسد] (¬5). ¬
• ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [والسنة المجتمع عليه، أنه لا يجوز الثمن إلا معلوما] (¬1). • النووي (676 هـ) يقول: [فلو قال: بعتك هذا بدراهم، أو بما شئت، أو نحو هذه العبارات، لم يصح البيع بلا خلاف] (¬2). • العيني (855 هـ) يقول: [(والأثمان المطلقة لا تصح إلا أن تكون معروفة القدر والصفة. . .، هذا هو الأصل) أي: في كتاب البيوع، بالإجماع] (¬3). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [معرفة الثمن شرط لصحة البيع، بالإجماع] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الغرر" (¬6). • وجه الدلالة: أن من صور الغرر المنهي عنه أن يكون الثمن مجهولا. الثاني: أن الجهالة في الثمن تكون مفضية إلى المنازعة والخصومة، خاصة إذا وُجِد في المبيع عيب وأراد أحدهما الرد (¬7). الثالث: أن الثمن أحد العوضين، فاشتُرط العلم به، كالمبيع. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في رواية ضعيفة عندهم، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن تيمية (¬8). وقالوا بأنه إذا لم يعلم الثمن فإن العقد صحيح، ¬
73] صحة بيع السلعة برقمها المعلوم للمتعاقدين
ويرجع فيه إلى ثمن المثل. واستدلوا لقولهم بعدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر، وكنت على بَكْر صعب، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمر: "بعنيه؟ " فابتاعه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هو لك يا عبد اللَّه تصنع به ما شئت" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بايع عمر، ولم يسأله عن الثمن (¬2). الثاني: الإجماع العملي كما قال ابن تيمية: [وعلى هذا عمل المسلمين دائما، لا يزالون يأخذون من الخباز الخبز، ومن اللحَّام اللحم، ومن الفامي الطعم، ومن الفاكهي الفاكهة، ولا يقدرون الثمن، بل يتراضون بالسعر المعروف، ويرضى المشتري بما يبيع به البائع لغيره من الناس] (¬3). الثالث: القياس على النكاح: فكما أنه لا يشترط فيه ذكر المهر، ويرجع فيه إلى مهر المثل، فكذلك البيع، بل هو أولى؛ لأن اللَّه اشترط العوض في النكاح، ولم يشترطه في إعطاء الأموال (¬4).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 73] صحة بيع السلعة برقمها المعلوم للمتعاقدين: • المراد بالمسألة: الرقم في اللغة هو: الكتابة والختم (¬5). يقال: التاجر يرقم الثياب، أي: يُعلِّمها بأن ثمنها كذا (¬6). وفي الاصطلاح هو: علامة يعرف بها مقدار ما يقع به البيع من الثمن (¬7). والمقصود هنا: أنه إذا باع السلعة بناء على الرقم الموجود عليها، وكان ¬
المشتري جاهلا بالرقم الذي هو الثمن، ثم علم به قبل لزوم البيع سواء كان في المجلس، أو قبله، فإن البيع صحيح، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) يقول: [ولو قال: بعتك هذه السلعة برقمها. . .، فإن كانا عالمَين بقدره، صح البيع بلا خلاف] (¬1). • البابرتي (786 هـ) يقول: [فإذا قال: بعتك هذا الثوب برقمه، وقبل المشتري من غير أن يعلم المقدار، انعقد البيع فاسدا، فإن علم المشتري قدر الرقم في المجلس، وقبله، انقلب جائزا بالاتفاق] (¬2). • العيني (855 هـ) يقول: [فإن قال: بعتك هذا الثوب برقمه، وقبل المشتري، من غير أن يعلم المقدار، انعقد البيع فاسدا، فإن علم المشتري قدر الرقم في المجلس، وقبله، انقلب جائزا بالاتفاق] (¬3). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [إن علم المتعاقدان الرقم، صح البيع، بلا خلاف] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عموم ما جاء في الكتاب والسنة من أن الأصل إباحة البيع، ولا يرتفع هذا الأصل إلا لدليل، ولا دليل على المنع هنا. الثاني: أن العاقِدَين إذا كانا على علم بالثمن، فقد تحقق شرط البيع وهو العلم به، وارتفع الجهل، فيلزم التصحيح. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: طاوس بن كيسان فقد جاء عنه أنه كره بيع الرقم، ¬
74] جواز الحلول والتأجيل في ثمن المبيع
وقال: [إني أكره أن أُزيِّن سلعتي بالكذب] (¬1). وهذه المقولة محمولة على أحد أمرين: الأول: تحمل على أن مراده الرقم الذي يجهله المتعاقدان أو أحدهما. الثاني: تحمل على أن مراده أن يشتري السلعة ثم يزيد على ثمن الشراء ويضع الزيادة مرقومة عليه، ويبيعها مرابحة على هذا الرقم، ولا يبين أن ما وضعه عليها غير ما اشتراها به، وهذا أظهر في مراده؛ لأنه قال: أكره أن أزين سلعتي بالكذب، والبيع بالرقم لا مدخل للكذب فيه. وهذا المراد جاء صريحا عن بعض الأئمة كالإمام مالك (¬2) ونافع (¬3) وربيعة وإبراهيم (¬4). وكذا خالف في المسألة ابن حزم من الظاهرية، فقال بعدم الجواز (¬5). ويظهر -واللَّه أعلم- أن مراده محمول على ما حُمِل عليه مراد طاوس.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم أو شذوذ الخلاف فيها. واللَّه أعلم. 74] جواز الحلول والتأجيل في ثمن المبيع: • المراد بالمسألة: الثمن الذي يكون بدلا عن المبيع يجوز أن يكون حالا، ويجوز أن يكون مؤجلا، لكن يشترط في الأجل أن يكون معلوما، وأن لا يكون طويلا طولا خارجا عن العادة، وكذلك لا يكون المبيع مما يؤكل أو يشرب، وهذا الأمر مجمع عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: ¬
• ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن من باع معلوما من السلع، بمعلوم من الثمن، إلى أجل معلوم من شهور العرب، أو إلى أيام معروفة العدد، أن البيع جائز] (¬1). • ابن بطال (449 هـ) يقول: [والعلماء مجمعون على جواز البيع بالنسيئة] (¬2). نقله عنه ابن حجر (¬3). • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن الابتياع بدنانير أو دراهم حالة أو في الذمة، غير مقبوضة، أو بهما إلى أجل محدود بالأيام، أو بالأهلة، أو الساعات، أو الأعوام القمرية، جائز، ما لم يتطاول الأجل جدا، وما لم يكن المبيع مما يؤكل أو يشرب] (¬4). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على جواز البيع بالثمن الحال والمؤجل] (¬5). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [لا خلاف بين العلماء أن من باع معلوما من السلع، بثمن معلوم، إلى أجل معلوم من شهور العرب، أو إلى أيام معروفة العدد، أن البيع جائز] (¬6). • ابن القيم (751 هـ) يقول: [الأمة مجمعة على جواز اشتراط الرهن، والكفيل، والضمين، والتأجيل، والخيار ثلاثة أيام، ونقد غير نقد البلد] (¬7). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬8). ¬
75] حمل الثمن على غالب نقد البلد إذا أطلق
• العيني (855 هـ) لما ذكر كلام صاحب الهداية وهو [ويجوز البيع بثمن حال ومؤجل] قال معلقا: [وعليه إجماع العلماء] (¬1). • ابن الهمام (861 هـ) يقول بعد أن ذكر كلام صاحب الهداية وذكر الأدلة على المسألة: [وعلى كل ذلك انعقد الإجماع] (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه جل جلاله أطلق حل البيع، ولم يُفصِّل في شيء، فدل على أن الأصل الجواز، حتى يدل الدليل على المنع، فيدخل في ذلك الثمن سواء كان حالا أو مؤجلا (¬4). الثاني: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اشترى طعاما من يهودي إلى أجل، ورهنه درعا من حديد" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجل الثمن ولم يدفعه إلى اليهودي، فدل فعله على الجواز (¬6). الثالث: القياس على السلم: فكما أنه يجوز تأجيل أحد العوضين في السلم وهو المثمن، فكذلك يجوز في البيع وهو الثمن، بجامع أن كلا منهما ركن في العقد.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 75] حمل الثمن على غالب نقد البلد إذا أطلق: • المراد بالمسألة: إذا تبايع المتعاقدان على سلعة، وأطلقا الثمن عن نقد البلد وعن وصفه بعد تحديد مقداره، وكان في البلد عدة أنواع من النقود يتعامل الناس ¬
بها، وهي متفاوتة في القيمة والرواج، وأحدها هو الغالب في التعامل، فإنه يحمل عليه، ويصح البيع وإن لم يذكر، باتفاق العلماء. مثال ذلك: لو قال: بعتك هذه السيارة بألف ريال، وأطلق، وكان في البلد الريال السعودي والإماراتي واليماني، أخذت الألف من العملة الغالبة. • من نقل الإجماع: • ابن العربي (543 هـ) يقول: [وقد اتفق العلماء على حكم، وهو: إذا باع الرجل سلعة بدينار، فإنه يقضى له بغالب نقد البلد، ولا ينظر إلى سائر النقود المختلفة] (¬1). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا أطلق البيع بالثمن، ولم يعين النقد، انصرف إلى غالب نقد البلد] (¬2). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أنه الغالب هو المتعارف عليه، فيحمل الكلام عند الاطلاق عليه، والمعلوم بالعرف كالمعلوم بالنص (¬5). فإن كان إطلاق اسم الدراهم في العرف يختص بها مع وجود دراهم غيرها، فهو تخصيص الدراهم بالعرف القولي، وهو من أفراد ترك الحقيقة بدلالة العرف، وإن كان التعامل بها في الغالب كان من تركها بدلالة العادة، وكل منهما العمل به واجب تحريا للجواز (¬6). ¬
76] جواز بيع الجزاف
الثاني: الأصل في كلام المكلف الإعمال وعدم الإهدار، فإذا أبطلنا كلام العاقد في هذه الحالة أهملنا كلامه ولم نعمله، مع إمكان إعماله وتصحيح فعله (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في رواية عندهم ليست هي المذهب، وقالوا بأنه إذا أطلق الثمن في البيع فإنه يفسد ولا يصح (¬2). ولعلهم يستدلون: أن عدم التعيين في هذه الحالة يعد لونا من ألوان الجهالة في العقد، فلا يصح معها البيع، كالجهالة في تحديد المبيع.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 76] جواز بيع الجزاف: • المراد بالمسألة: الجزاف: مثلث الأول والكسر فيه أفصح، وهو أخذ الشيء مجازفة، وهو: الحدس في البيع والشراء (¬3). • وفي الاصطلاح: بيع ما يكال، أو يوزن، أو يعد جملة، بلا كيل، ولا وزن، ولا عدّ (¬4). ويراد بالمسألة هنا: أن بيع العين -سواء كانت من الطعام أو من غيره- المشاهدة للمتبايعين، وهما يجهلان قدر كيلها أو وزنها أو عدها، وعلم منهما اعتياد الحزر والتقدير، جائز ولا شيء فيه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [وبيع الطعام جزافا في الصبرة ونحوها، أمر مجتمع على إجازته، وفي السنة الثابتة في هذا الحديث دليل على إجازة ذلك، ولا ¬
أعلم فيه اختلافا. . .، بل قد وردت السنة في إجازة بيع الطعام جزافا، ولم تختلف العلماء في ذلك] (¬1). • الباجي (474 هـ) يقول: [وأما أن يبيعه جزافا: فإن ذلك جائز، ولا خلاف فيه] (¬2). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [وأما المكيل والموزون من الطعام، فلا خلاف بين العلماء في جوازه جزافا] (¬3). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إباحة بيع الصبرة جزافا مع جهل البائع والمشتري بقدرها، وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي، ولا نعلم فيه خلافا] (¬4). نقله عنه ابن حجر العسقلاني، والعيني، والصنعاني، والشوكاني (¬5). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [بيع العين جزافا، جائز بالسنة والإجماع] (¬6). • الشربيني (977 هـ) يقول: [(ولو بيع الشيء تقديرا: كثوب وأرض ذرعا، وحنطة كيلا، أو وزنا، اشترط) في قبضه (مع النقل) في المنقول (ذرعه) إن بِيعَ ذرعا بأن كان يذرع (أو كيله) إن بيع كيلا بأن كان يكال (أو وزنه) إن بِيع وزنا بأن كان يوزن، أو عَدِّه إن بيع عدا بأن كان يعد؛ لورود النص في الكيل. . .، وليس بمعتبر -أي: الكيل- في بيع الجزاف إجماعا] (¬7). • الرملي (1004 هـ) يقول: [(ولو بيع الشيء تقديرا: كثوب وأرض ذرعا وحنطة كيلا أو وزنا) ولبن عدا (اشترط) في قبضه (مع النقل ذرعه) في الأول (أو كيله) في الثاني (أو وزنه) في الثالث، أو عده في الرابع؛ لورود النص في ¬
الكيل. . .، وليس بمعتبر في بيع الجزاف بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا، فنهانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نبيعه حتى ننقله من مكانه" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهاهم عن بيع الطعام إلا بعد نقله، ولم ينهاهم عن بيعه جزافا، فدل على أن ذلك جائز، وأنه كان مشتهرا عندهم (¬4). الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: "قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشفعة في كل شركة لم تقسم: ربعة، أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإذا باع، ولم يؤذنه، فهو أحق به" (¬5). • وجه الدلالة: أن الشفعة في الذي لم يقسم تعد صورة من صور بيع الجزاف؛ إذ العين معلومة لديهما، لكنها مجهولة القدر على وجه التحديد. الثالث: أن الشارع أباح بيع الثمر على الشجر بعد بدو صلاحه، وهذا دليل على جواز بيع الجزاف، إذ هما يعلمان المبيع، ويجهلان القدر على وجه التحديد (¬6). الرابع: أن بيع الصبرة معلوم بالرؤية، ويتأتى فيه الحزر، ويقل فيه الغرر، ولا يظهر فيه القصد إلى المخاطرة والمغابنة، فصح بيعه، قياسا على الثياب والحيوان (¬7). ¬
77] بطلان بيع المعلوم والمجهول صفقة واحدة
• المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في الأصح عندهم في بيع الصبرة دون غيرها، وقالوا بأن بيع الصبرة مع جهل المتعاقدين صحيح، لكنه مكروه (¬1). ودليلهم على هذا: أن بيع الصبرة على هذه الصفة مجهول القدر على الحقيقة، ومثل هذه الجهالة ربما تفضي إلى المنازعة والمخاصمة (¬2).Rصحة الإجماع على جواز بيع الجزاف؛ وذلك لعدم المخالف فيها. أما حكم بيع الصبرة جزافا فقد وقع الخلاف بين الجمهور والشافعية بين الإباحة والكراهة كما تبين. 77] بطلان بيع المعلوم والمجهول صفقة واحدة: • المراد بالمسألة: إذا جمع في صفقة واحدة بين مبيع معلوم ومجهول يتعذر معرفة قيمته مطلقا، كأن يقول: بعتك هذه الدابة وما في بطن هذه الدابة الأخرى، ويسمي ثمنا واحدا لهما جميعا، فإن العقد باطل فيهما بكل حال، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [أن يبيع معلوما ومجهولا، كقول: بعتك هذه الفرس، وما في بطن هذه الفرس الأخرى بألف. فهذا البيع باطل بكل حال، ولا أعلم في بطلانه خلافا] (¬3). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [أن يبيع معلوما ومجهولا، كقولك: بعتك هذه الفرس، وما في بطن هذه الفرس الأخرى بكذا. فهذا بيع ¬
باطل بكل حال، ولا أعلم في بطلانه خلافا] (¬1). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [باع معلوما ومجهولا يتعذر علمه، فلا يصح بغير خلاف نعلمه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية على المشهور عندهم، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن المجهول لا يصح بيعه لجهالته، والمعلوم مجهول الثمن، ولا سبيل إلى معرفته؛ لأن معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما، والمجهول لا يمكن تقويمه فيتعذر التقسيط، فالجهالة لحقت العقد بأكمله (¬4). الثاني: أن العقد وقع التراضي فيه بين الطرفين على المعلوم والمجهول جميعا، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما؛ لوجود الجهالة في الثمن، الذي يختل به شرط من شروط العقد، وإذا أُجيز العقد كانت الصفقة صحيحة فاسدة في وقت ¬
78] بطلان الصفقة التي جمع فيها بين ما هو مال وما ليس بمال
واحد، ولا يمكن اجتماع النقيضين في محل واحد، وإذا فصلا انتفى التراضي بينهما، فلم يبق إلا إبطالهما معا. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: المالكية في قول، والشافعية في قول أيضا، وقالوا: يصح العقد في المعلوم بقسطه من الثمن، دون المجهول (¬1). ويستدل لهؤلاء بدليل من المعقول، وهو: أن الفساد بقدر المفسِد؛ لأن الحكم يثبت بقدر العلة، والمفسِد خص أحدهما، فلا يُعَمم الحكم مع خصوص العلة، والجهالة في الثمن جهالة نسبية، يمكن ارتفاعها بالرجوع إلى ثمن المثل في كل منهما.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 78] بطلان الصفقة التي جمع فيها بين ما هو مال وما ليس بمال: • المراد بالمسألة: إذا اتحدت الصفقة ولم تتعدد بين شيئين في عقد واحد، أحدهما قابل للبيع دون الآخر، ولم يكن متقوما، ولا سُمي ثمن كل منهما في العقد، فإن العقد باطل بالإجماع. مثال ذلك: لو باعه هذا العبد وهذا الحر، أو هذا العصير وهذا الخمر، أو هذه الميتة وهذه الذبيحة، بكذا وكذا. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [ولو جمع بين ما هو مال، وبين ما ليس بمال في البيع بأن جمع بين حر وعبد، أو بين عصير وخمر، أو بين ذكيَّة وميتة، وباعهما صفقة واحدة، فإن لم يبين حصة كل واحد منهما من الثمن، لم ينعقد العقد أصلا بالإجماع] (¬2). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [قوله: (ومن جمع بين حر وعبد، أو شاة ذكية وميتة، بطل البيع فيهما) سواء فصل ثمن كل واحد، أو لم يفصل (وهذا عند أبي ¬
حنيفة رحمه اللَّه تعالى. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما اللَّه: إن سمى لكل واحد منهما جاز في العبد) بما سمى له، وكذا في الذكية، وإذا لم يسم، بطل بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة في رواية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الصفقة واحدة، وقد فسدت في أحدهما فلا تصح في الآخر. والدليل على أن الصفقة واحدة: أن لفظ البيع والشراء لم يتكرر، والبائع واحد، والمشتري واحد، وقد فسدت في أحدهما بيقين؛ لخروج الحر والخمر والميتة عن حليَّة البيع بيقين، فلا يصح في الآخر؛ لاستحالة كون الصفقة الواحدة صحيحة وفاسدة. الثاني: أن في تصحيح العقد في أحدهما تفريق الصفقة على البائع قبل التمام؛ لأنه أوجب البيع فيهما، فالقبول في أحدهما يكون تفريقا (¬3). الثالث: أنه إذا اجتمع حلال وحرام، غلب جانب الحرام، كما رُوي عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (¬4). الرابع: أنه اختل شرط من شروط البيع وهو جهالة العوض، فالذي يقابل ¬
79] صحة بيع ما لا تتساوى أجزاؤه من العدديات والذرعيات
الحلال مجهولٌ عوضه، فلا يصح العقد عليه (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في رواية عندهم اختارها الأكثر، قالوا: يصح العقد فيما يصح إفراده بالبيع، ويبطل فيما عداه (¬2). واستدل هؤلاء: بأن ما يصح بيعه مفردا، كأنه باعه مستقلا عن الآخر، فلا يؤثر فيه انضمام غيره إليه.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 79] صحة بيع ما لا تتساوى أجزاؤه من العدديات والذرعيات: • المراد بالمسألة: إذا أراد أن يبيع شيئا مما لا تتساوى أجزاؤه مما كان عدديا أو مذروعا جملة، وقد بيَّن الكمية المباعة، أو جملة الثمن، فإن البيع صحيح باتفاق العلماء. مثال ذلك، أن يقول: بعتك هذا الثوب، وهو عشرة أذرع، كل ذراع بعشرة ريالات، أو يقول: بعتك هذا الثوب، بمائة ريال، كل ذراع بعشرة ريالات. • من نقل الإجماع: • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [قال: بعتك هذه القطيع، كل شاة بدرهم، أو هذا الثوب، كل ذراع بدرهم، ولم يُبيِّن عدد الغنم، ولا الذراعين، ولا جملة الثمن، فسد في الكل عند أبي حنيفة، أما إذا سُمي أحدهما، فيصح بالاتفاق] (¬3). • مولى خسرو (885 هـ) يقول: [لو بيَّن جملة الذرعان، ولم يبين جملة الثمن، كما إذا قال: بعت هذا الثوب، وهو عشرة أذرع، كل ذراع بدرهم، أو بين جملة الثمن، ولم يُبيِّن جملة الذرعان، كما إذا قال: بعت هذا الثوب، بعشرة دراهم، كل ذراع بدرهم، فالبيع جائز اتفاقا] (¬4). ¬
• ابن نجيم (970 هـ) يقول: [إذا قال: بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم، كل ذراع بدرهم، فإنه جائز في الكل اتفاقا] (¬1). نقله عنه ابن عابدين (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية في المشهور عندهم، والحنابلة (¬3). يستند الإجماع: يستند الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: أنه ببيان جملة الذرعان أو العدد صار الثمن معلوما، وببيان جملة الثمن صار جملة الذرعان أو العدد معلومة، فيكون بهذا قد ارتفعت الجهالة عن الثمن والمثمن (¬4). الثاني: القياس على بيع المرابحة: فيما لو كان رأس ماله اثنان وسبعون فأراد بيعه مرابحة، فقال: أعطني على كل ثلاثةَ عشرَ درهمٌ، فكذلك هنا، بجامع أن كلا منهما لا يعلم ثمنه على التفصيل في الحال (¬5). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في رواية عندهم غير مشهورة، فقالوا: لو باع ما لا تتساوى أجزاؤه كل ذراع بعشرة، وقد علما جملة ذُرْعانها، فإنه لا يصح البيع (¬6). ¬
80] بطلان بيع القطيع من الغنم المحدد قيمة جزء منها غير منفرد
واستدل هؤلاء: بأن جملة الثمن مجهولة، وهي تمنع صحة البيع (¬1).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 80] بطلان بيع القطيع من الغنم المحدد قيمة جزء منها غير منفرد: • المراد بالمسألة: إذا أراد أن يبيع قطيعا من الغنم معيَّنًا - والغنم مما لا تتساوى أجزاؤها على وجه العموم - وحدّد له قيمة جزء من القطيع غير منفرد، فقال له: بعتك هذا القطيع كل شاتين، أو ثلاث منه بخمسمائة ريال، فإن البيع يعتبر فاسدا لا يصح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [لو قال: بعت منك هذا القطيع من الغنم، كل شاتين بعشرين درهما، فالبيع فاسد في الكل بالإجماع] (¬2). نقله عنه ابن نجيم (¬3). • النووي (676 هـ) يقول: [إذا قال: بعتك عشرة من هذه الأغنام بمائة درهم، وعلم عدد الشياه، فلا يصح البيع، بلا خلاف] (¬4). • الحداد (800 هـ) يقول: [لو قال: بعتك هذا القطيع كل شاتين منه بعشرين درهما، وسمى جملته مائة، لا يجوز البيع في الكل بالإجماع] (¬5). نقله عنه ابن عابدين (¬6). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [لو اشترى الرجل غنما، أو بقرا، أو عدل زطي، كل اثنين من ذلك بعشرة دراهم، فهو باطل إجماعا] (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والحنابلة (¬8). ¬
81] صحة بيع المشاع
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن ثمن كل واحدة من الشاتين مجهول؛ لأنه لا يعرف حصة كل شاة منها من الثمن إلا بعد ضم شاة أخرى إليها، ولا يعلم أية شاة يضم إليها ليعلم حصتها؛ لأنه إن ضم إليها أردأ منها كانت حصتها أكثر، وإن ضم إليها أجود منها كانت حصتها أقل؛ لذلك فسد البيع (¬1). الثاني: أن الشياه مما لا تتساوى أجزاؤها، ثم إنّ تفاوت الأثمان يتبع تفاوت الأجزاء، ولذا لا يمكن تمييزها إلا إذا انفردت.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 81] صحة بيع المشاع: • المراد بالمسألة: المشاع: ما يحتوي على حصص شائعة: كالنصف والربع والسدس والعشر وغير ذلك من الحصص السارية إلى كل جزء من أجزاء المال، منقولا كان أو غير منقول، وقد سميت الحصة السارية في المال المشترك شائعة؛ لعدم تعيُّنها في أي قسم من أقسام المال المذكور. ويطلق على الحصة المشتركة غير المقسَّمة (¬2). ¬
فإذا كان ثمة ملك غير مقسَّم، لاثنين فأكثر، وحصصهم شائعة بينهم كالنصف أو الثلث ونحوها، أو مذكورة بالأسهم: كسهم من عشرة أسهم ونحوها، وأراد أحدهم بيع حصته، فإن البيع صحيح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الإسبيجابي (¬1) (حدود: 480 هـ) يقول: [وبيع المشاع يجوز من غير شريكه بالإجماع، سواء كان مما يحتمل القسمة، أو لا يحتمل القسمة]. نقله عنه العيني، والشلبي (¬2). • الكاساني (587 هـ) يقول: [لو باع عشرة أسهم من مائة سهم، جاز بالإجماع] (¬3). • النووي (676 هـ) يقول: [يجوز بيع المشاع، كنصف من عبد، أو بهيمة، أو ثوب، أو خشبة، أو أرض، أو شجرة، أو غير ذلك، بلا خلاف، سواء كان مما ينقسم أم لا، كالعبد والبهيمة؛ للإجماع] (¬4). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [يجوز بيع المشاع، باتفاق المسلمين] (¬5). • البابرتي (786 هـ) يقول: [وشراء عشرة أسهم من مائة سهم، جائز بالاتفاق] (¬6). • الحداد (800 هـ) يقول: [وإن اشترى عشرة أسهم من مائة سهم، جاز إجماعا] (¬7). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [وبيع الشائع جائز اتفاقا، كما في بيع عشرة ¬
أسهم من مائة سهم] (¬1). نقله عنه الشلبي (¬2). • مولى خسرو (885 هـ) يقول: [(صح بيع عشرة أسهم من مائة سهم من دار) إجماعا] (¬3). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [وبيع الشائع جائز اتفاقا] (¬4). • عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول: [(وصح بيع عشرة أسهم) أو أقل أو أكثر (من مائة سهم من دار) أو غيرها، بالاتفاق] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الشفعة في كل شرك: ربعة أو حائط، لا يصلح له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن باع فهو أحق به حتى يؤذنه" (¬7). • وجه الدلالة: قال ابن عبد البر: [وفي قضاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشفعة في المشاع بعد تمام البيع، دليل على جواز بيع المشاع، وإن لم يتغير، إذا علم السهم والجزء، والدليل على صحة تمام البيع في المشاع، أن العهدة إنما تجب على المبتاع] (¬8). ¬
82] منع البيع بعد النداء الثاني يوم الجمعة
الثاني: أن الجزء المشاع جزء معلوم لكلا المتعاقدين، فارتفعت عنه الجهالة والغرر، فصح التعاقد عليه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 82] منع البيع بعد النداء الثاني يوم الجمعة: • المراد بالمسألة: التعاقد على البيع بعد ظهور الإمام وأذان المؤذن الأذان الثاني من يوم الجمعة، ممن تلزمهما الجمعة منهي عنه، ما لم يكن ثمة ضرورة أو حاجة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن العربي (543 هـ) لما تكلم عن تفسير قوله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} (¬1) قال: [وهذا مجمع على العمل به، ولا خلاف في تحريم البيع] (¬2). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على كراهية البيع في وقت النداء يوم الجمعة] (¬3). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وهذا أمر مجمع عليه -فيما أحسب- أعني: منع البيع عند الأذان الذي يكون بعد الزوال والإمام على المنبر] (¬4). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول بعد ذكر حكم البيع ممن تلزمه الجمعة بعد النداء الثاني: [واتفقوا على كراهته] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬6). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (¬1). وجه الدلالة من وجهين: 1) أن اللَّه جل جلاله أمر بالسعي عند المناداة، وهذا يقتضي أن من تشاغل عن السعي بأي أمر فقد خالف أمر اللَّه الذي أمر به. 2) أن اللَّه نهى عن البيع بعد النداء، والنهي يقتضي التحريم (¬2). الثاني: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تحرم التجارة عند الأذان، ويحرم الكلام عند الخطبة، ويحل الكلام بعد الخطبة، وتحل التجارة بعد الصلاة" (¬3). الثالث: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: [لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادى للصلاة، فإذا قضيت فاشتر وبع] (¬4).Rصحة الإجماع في النهي عن البيع بعد النداء الثاني من يوم الجمعة لمن تلزمه؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
83] تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمرا
83] تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمرا: • المراد بالمسألة: حين يبيع البائع العنب، ويعلم أن المشتري قصد من هذا الشراء أن يتخذ هذا العنب خمرا، فإن هذا البيع منهي عنه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه يكره أن يباع العنب لمن يتخذه خمرا] (¬1). • الصنعاني (1182 هـ) يقول لما ذكر حديث بريدة "من حبس العنب أيام القطاف. . . " (¬2): [والحديث دليل على تحريم بيع العنب ممن يتخذه خمرا؛ لوعيد البائع بالنار، وهو مع القصد محرم إجماعا] (¬3). • الشوكاني (1250 هـ) يقول لما ذكر حديث بريدة: [قوله: "حبس" وقوله: "أو ممن يعلم أن يتخذه خمرا" يدلان على اعتبار القصد والتعمد للبيع إلى من يتخذه خمرا، ولا خلاف في التحريم مع ذلك] (¬4). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول لما ذكر مسألة بيع العصير ممن يتخذه خمرا: [وهو مع القصد، محرم إجماعا] (¬5). مستند الإجماع (¬6): يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬7). • وجه الدلالة: أن من أوجه الإعانة على الإثم والعدوان التي نهى اللَّه عنها، بيع ¬
العنب ممن يعلم أنه سيتخذه خمرا (¬1). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أتاني جبريل، فقال: يا محمد! إن اللَّه عز وجل قد لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبايعها، وساقيها، ومسقيها" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن في هذا الحديث أن لعنة اللَّه حقت على كل من كانت له صلة في الخمر، سواء كانت مباشرة، أو بتسبب، أو بإعانة، أو نحو هذا، وبائعها ممن يعلم أنه يتخذها خمرا يعد كالبائع لها مباشرة، وهو يعين على ذلك، وكذلك يتسبب في نشرها، بل إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعن حتى العاصر الذي عصر العصير ليتخذه خمرا؛ لأنه أعان بفعله عليها (¬3). الثالث: عن بريدة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرا، فقد تقحَّم (¬4) النار على بصيرة" (¬5). • وجه الدلالة: أن من فعل هذا وهو حبس العنب إلى أن يحين وقت القطاف، وكان مقصده حتى يبيعه ممن يتخذه خمرا، فإنه مستحق للوعيد الشديد لفساد مقصده. الرابع: عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ¬
الكبائر شتم الرجل والديه" قالوا: يا رسول اللَّه: وهل يشتم الرجل والديه؟ ! قال: "نعم! يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه" (¬1). • وجه الدلالة: قال أبو العباس القرطبي: [دليل على أن سبب الشيء قد ينزله الشرع منزلة الشيء في المنع، فيكون حجة لمن منع بيع العنب ممن يعصره خمرا] (¬2). • المخالفون للإجماع: هذه المسألة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال: القول الأول: الجواز. وهذا قال به: الزهري، والثوري، والنخعي، والحسن، وعطاء في قول عنه (¬3)، وأبو حنيفة (¬4). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: أنه لا فساد في قصد البائع؛ إذ قصده التجارة فيما هو حلال لاكتساب الربح، والمحرم هو قصد المشتري حين يتخذه خمرا، فيكون الوزر عليه لا على البائع {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬5) وهذا كبيع الجارية ممن لا يستبرئها، أو يأتيها في غير المأتى (¬6). ¬
الثاني: أن المعصية لا تقوم بعينه حين عقد البيع، فهو عنب حلال البيع، والمعصية إنما كانت بعد تغيره، والتغير يكون بعد وقوع العقد، فيبقى أن العقد وقع على مباح، فيحل (¬1). القول الثاني: أنه على الكراهة. وهذا قال به: طاوس (¬2)، وكذلك أبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية (¬3)، وهو قول عند المالكية (¬4)، ونص عليه الإمام الشافعي (¬5). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: أن كل عقد كان صحيحا في الظاهر فإنه لا يبطل بالتهمة، ولا بالعادة بين المتبايعين، وتكره لهما النية التي لو ظهرت في العقد لأفسدته (¬6). الثاني: أن فيه إعانة على المعصية، والإعانة عليها مكروهة (¬7). القول الثالث: أنه على التحريم. وهذا هو المذهب عند المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬8). وقد تقدمت أدلتهم في مستند الإجماع.Rعدم صحة الإجماع في المسألة، سواء كان على القول بالكراهة أو ¬
84] تحريم بيع السلاح لأهل الحرب
التحريم؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها، خاصة القول بالجواز، فهو ناقض للإجماعين. 84] تحريم بيع السلاح لأهل الحرب: • المراد بالمسألة: أهل الحرب -وهم غير المسلمين الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين، ولا عهدهم (¬1) - إذا دخلوا بلاد المسلمين بعقد استئمان، فإن بيع السلاح عليهم حرام، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) يقول: [وأما بيع السلاح لأهل الحرب، فحرام بالإجماع] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬4). • وجه الدلالة: من أعظم الإعانة على الإثم والعدوان بيع السلاح على أهل الحرب؛ إذ الأصل أنهم يستعملونه في التقوِّي على المسلمين، والاعتداء عليهم (¬5). ¬
85] جواز شراء المسلم للعبد المسلم والكافر
الثاني: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لعن اللَّه الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمول إليه، وآكل ثمنها" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَقْصر اللعن على شارب الخمر، وإنما عَدَّاه على كل من كان سببا فيها، فدل على أن كل من كان سببا في معصية وأعان عليها فإنه شريك في الإثم، كالذي يعطي السلاح لأهل الحرب (¬2)، وقد بوب البيهقي على هذا الحديث بقوله: [باب كراهية بيع العصير ممن يعصر الخمر، والسيف ممن يعصي اللَّه عز وجل به] (¬3). الثالث: أنه عقد على عينٍ يُعْصى اللَّه سبحانه وتعالى بها، فلم يصح، كإجارة الأمة للزنى والزمر (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 85] جواز شراء المسلم للعبد المسلم والكافر: • المراد بالمسألة: إذا أراد المسلم أن يشتري عبدا رقيقا فإن ذلك جائز لا إشكال فيه، لا فرق في ذلك بين أن يكون العبد مسلما أو كافرا، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على جواز شراء المسلم للعبد المسلم والكافر] (¬5). ¬
86] تحريم التفريق بين الوالدة وولدها الذي لم يميز
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه جل جلاله بيَّن أن الأصل في البيع أنه على الإباحة، فيبقى هذا الأصل حتى يأتي الصارف الذي يصرفه إلى غيره، فيدخل فيه شراء المسلم للعبد سواء كان مسلما أو كافرا. الثاني: قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} (¬3). • وجه الدلالة: هذه الآية بيَّن اللَّه عز وجل فيها أن المحرمات مفصلة في شريعتنا، فإذا لم نجد الأمر مذكورا في المحرمات فهو على الأصل باق على الإباحة، فيدخل في هذا المسألة معنا. الثالث: أن على هذا عمل المسلمين من لدن الصدر الأول إلى الزمان القريب، في شراء العبيد، فمنهم المسلم ومنهم الكافر وهو الأصل فيهم، ولم يظهر النكير من أحد من العلماء.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 86] تحريم التفريق بين الوالدة وولدها الذي لم يميز: • المراد بالمسألة: التفريق بين الأرقاء إذا كان بين الوالدة وولدها الصغير الذي لم يميِّز، في المبايعات، وهما مملوكان لشخص واحد، فإنه محرم، بإجماع العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على ما ثبت به الخبر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "من فرق بين الوالدة وولدها، فرَّق اللَّه بينه وبين أحبته يوم القيامة" (¬1) إذا كان الولد طفلا لم يبلغ سبع سنين] (¬2). نقله عنه المواق، وابن القطان، وميارة (¬3) (¬4). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [ومن هذا الباب: التفرقة بين الوالدة وولدها، وذلك أنهم اتفقوا على منع التفرقة في المبيع بين الأم وولدها] (¬5). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [أجمع أهل العلم على أن التفريق بين الأم وولدها الطفل غير جائز. هذا قول مالك في أهل المدينة، والأوزاعي في أهل الشام، والليث في أهل مصر، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي فيه] (¬6). • النووي (676 هـ) يقول: [قال الشافعي والأصحاب رحمهم اللَّه تعالى: يحرم التفريق بين الجارية وولدها الصغير، بالبيع والقسمة والهبة ونحوها، بلا خلاف] (¬7). • العيني (855 هـ) يقول: [(فإن فرق -أي: السيد بين الوالدة وولدها- كره ذلك، وجاز العقد) الكراهةُ بالإجماع] (¬8). • الرملي (1004 هـ) يقول: [ويحرم على من ملك جارية وولدها. . .، ¬
التفريق بين الأم الرقيقة. . .، والولد الرقيق الصغير المملوكين لواحد بنحو بيع. . .، أو هبة، أو قرض، أو قسمة، بالإجماع] (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي أيوب الأنصاري (¬2) -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من فرَّق بين الوالدة وولدها، فرَّق اللَّه بينه وبين أحبته يوم القيامة" (¬3). الثاني: عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- "أنه باع جارية وولدها، ففرَّق بينهما، فنهاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، وردَّ البيع" (¬4).Rصحة الإجماع في النهي عن التفريق بين الوالدة وولدها؛ لعدم وجود المخالف في المسألة، ولكن وقع الخلاف بين العلماء، هل النهي على التحريم أم على الكراهة؟ الجمهور على التحريم، والحنفية على الكراهة (¬5). ¬
87] جواز التفريق بين ذوي الأرحام المحرمة إذا كانوا بالغين
87] جواز التفريق بين ذوي الأرحام المحرمة إذا كانوا بالغين: • المراد بالمسألة: إذا كان عند بائعٍ عبدان بينهما رحم محرمة: كأن يكون ولد وأمه أو أبوه، أو أخ وأخوه أو أخته ونحوهم، وكانا كبيرين أدركهما سن البلوغ وهما عاقلان صحيحان، فإنه يجوز التفريق بينهما في البيع، بأن يبيعهما لاثنين، أو يبيع أحدهما ويُبْقي الآخر، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن الفرقة بين ذوي الأرحام المحرمة، إذا كانوا كلهم بالغين عقلاء أصحاء غير زَمْنى، جائزة] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، وهو رواية عند الحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن سلمة بن الأكوع (¬4) -رضي اللَّه عنه- قال: غزونا فزارة، وعلينا أبو بكر أمَّره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- علينا، فلما كان بيننا وبين الماء ساعة، أَمَرَنا أبو بكر فعرَّسْنا، ثم شنَّ الغارة، فورد الماء، فقتل من قتل عليه وسبى، وينظر إلى عنق من الناس فيهم الذراري، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فرميت بسهم بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم وقفوا، فجئت بهم أسوقهم، وفيهم امرأة من بني فزارة (¬5)، عليها قشع ¬
من آدم - قال: القشع: النطع - معها ابنة لها من أحسن العرب، فسقْتهم حتى أتيت بهم أبا بكر، فنفلني أبو بكر ابنتها، فقدمنا المدينة، وما كشفت لها ثوبا، فلقيني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في السوق فقال: "يا سلمة: هب لي المرأة؟ " فقلت: يا رسول اللَّه واللَّه لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوبا، ثم لقيني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الغد في السوق، فقال لي: "يا سلمة: هب لي المرأة للَّه أبوك؟ " فقلت: هي لك يا رسول اللَّه، فوالله ما كشفت لها ثوبا. فبعث بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أهل مكة، ففدى بها ناسا من المسلمين كانوا أسروا بمكة (¬1). • وجه الدلالة: أنه فُرِّق بين المرأة وابنتها، وأقر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا التفريق ولم ينكره، بل جعل البنت فداء لأسرى المسلمين بمكة. فحمل العلماء هذا على أن البنت كانت كبيرة، ولذا جاز التفريق، ومما يدل على كبرها أن سلمة ذكر أنه لم يكشف لها ثوبا، ولو كانت صغيرة لم يكن ثمة حاجة لذكره؛ لأن مثلها لا يكشف لها ثوب. الثاني: عن عبادة بن الصامت (¬2) -رضي اللَّه عنه- يقول: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يفرق بين الأم وولدها". فقيل: يا رسول اللَّه إلى متى؟ قال: "حتى يبلغ الغلام، وتحيض الجارية" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل أمدا لمنع التفريق وهو البلوغ والحيض، فدل على أن ما بعده لا حرج فيه. • المخالفون للإجماع: اختلاف العلماء في هذه المسألة على قولين، هما: ¬
88] النهي عن بيع وشراء وسوم المسلم على أخيه المسلم
القول الأول: تحريم التفريق بعد البلوغ. وهو قول: ابن عبد الحكم (¬1) من المالكية، ومشهور مذهب الحنابلة (¬2). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: عن أبي أيوب الأنصاري -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من فرَّق بين والدة وولدها، فرق بينه وبين أحبته يوم القيامة" (¬3). • وجه الدلالة: أن الحديث جاء عاما، ولم يفرق بين ما كان قبل البلوغ ولا بعده، فيبقى على عمومه. الثاني: أن الوالدة تحتاج إلى ولدها الكبير، وتتضرر بمفارقته، ولهذا حرم عليه الجهاد بدون إذنهما (¬4). القول الثاني: كراهة التفريق. قال به الشافعية (¬5). واستدل هؤلاء بتعليل، وهو: ما يترتب على التفريق بينهما من التشويش والتفرقة، والآثار السيئة، ولذا يقال بالكراهة لا التحريم (¬6).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 88] النهي عن بيع وشراء وسوم المسلم على أخيه المسلم: • المراد بالمسألة: صورة البيع على البيع: أن يكون البيع وقع بالخيار، فيأتي في ¬
مدة الخيار رجل فيقول للمشتري: افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه، أو أحسن منه. وصورة الشراء على الشراء: أن يقول للبائع في مدة الخيار: افسخ البيع، وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن. وصورة السوم على السوم: أن يكون قد اتفق مالك السلعة والراغب فيها على البيع، بعد أن ركن كل منهما للآخر، ولم يتعاقدا بعد، فيقول آخر للبائع: أنا أشتريه منك بأكثر، بعد أن كانا قد اتفقا على الثمن. أو يقول للمشتري: أنا أبيعه منك بأقل (¬1). فإذا وقعت صورة من هذه الصور، فإن هذا الفعل منهي عنه، وصاحبه آثم، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الجوهري (¬2) (حدود: 350 هـ) يقول: [وأجمعوا أنه لا ينبغي أن يسوم الرجل على سوم الرجل] (¬3). نقله عنه ابن القطان (¬4). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [كلهم يكرهون أن يسوم الرجل على سوم أخيه، أو يبيع على بيعه، بعد الركون والرضا] (¬5). ويقول أيضا: [ولا خلاف بينهم في كراهية بيع الرجل على بيع أخيه المسلم، وسومه على سوم أخيه المسلم] (¬6). • الباجي (474 هـ) يقول لما ذكر تفسير الإمام مالك لمعنى البيع على البيع والسوم على السوم: [وهو على ما قال، ولا خلاف فيه] (¬7). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع السائم على سوم أخيه، ¬
وبيعه على بيع أخيه، مكروه] (¬1). • النووي (676 هـ) يقول: [وأجمع العلماء على منع البيع على بيع أخيه، والشراء على شرائه، والسوم على سومه] (¬2). • ابن تيمية (728 هـ) في جوابه على سؤال رجل اشترى على شراء أخيه، فنقض البائع البيع الأول، وباع للثاني عندما دفع له أكثر من الأول قال: [الذي فعله البائع غير جائز، بإجماع المسلمين. . .، وهذا البائع لم يترك البيع الأول لكونه معتقدا تحريمه، لكن لأجل بيعه للثاني، ومثل هذا حرام، بإجماع المسلمين] (¬3). • أبو زرعة العراقي (826 هـ) يقول: [تحريم البيع على بيع أخيه. . .، وهو مجمع عليه. . .، وفي معناه الشراء على شراء أخيه. . .، وهو مجمع على منعه أيضا]. ويقول أيضا: [والسوم على السوم متفق على منعه، إذا كان بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر، وإنما يحرم ذلك إذا حصل التراضي صريحا] (¬4). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [قال العلماء: البيع على البيع حرام، وكذلك الشراء على الشراء. . .، وهو مجمع عليه. . .، وأما السوم. . .، فإن كان ذلك صريحا، فلا خلاف في التحريم] (¬5). نقله عنه الشوكاني، وعبد الرحمن القاسم (¬6). • المرداوي (885 هـ) يقول معلقا على كلام صاحب المقنع في النهي عن البيع على البيع والشراء على الشراء: [وهذا بلا نزاع فيهما] (¬7). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [وقد أجمع العلماء على تحريم هذه الصور كلها، وأن فاعلها عاص] (¬8). ¬
• عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول بعد ذكر صورة بيع المسلم على أخيه المسلم: [واتفق أهل العلم على كراهته] (¬1). ويقول أيضا: [(ويحرم أيضا شراؤه على شرائه) بلا خلاف] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يبيع بعضكم على بيع بعض" (¬4). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يتلقى الركبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا" (¬5). الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن يستام الرجل على سوم أخيه" (¬6). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن البيع على البيع، ويقاس عليه الشراء على الشراء، ونهى عن السوم على السوم، والنهي في الأصل أنه على ¬
89] النهي عن سوم المسلم أو الذمي على سوم الذمي
التحريم.Rصحة الإجماع في المسألة وهو النهي عن هذه الصور الثلاث التي نص عليها العلماء، ومن الملاحظ أن من العلماء من ذكر الكراهة، ومنهم من نص على التحريم، ولا يمكن الجزم بحكاية الإجماع على التحريم إلا إذا قلنا بأن الكراهة التي ذكرها العلماء المراد بها التحريمية، وهذا هو الظاهر، فالعلماء الذين ذكروا الكراهة، وهم ابن عبد البر وابن هبيرة وعبد الرحمن القاسم، علماء مذاهبهم كلهم ينصون على التحريم ولم يذكروا الكراهة، ولم أجد من نص على الكراهة إلا الحنفية، وقد تقدم المراد بهذا عندهم. 89] النهي عن سوم المسلم أو الذمي على سوم الذمي: • المراد بالمسألة: إذا رضي الذمي بثمن كان بينه وبين البائع في سلعة وركن إليه، فجاء مسلم أو ذمي آخر، وعرض على البائع مثل الثمن الذي عرضه الأول أو أكثر منه، فإن هذا منهي عنه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الطحاوي (321 هـ) يقول: [قال الأوزاعي: لا بأس بدخول المسلم على الذمي في سومه، ولا نعلم أحدا قال بذلك غير الأوزاعي. . .، واتفقوا على كراهة سوم الذمي على الذمي] (¬1). • الجوهري (حدود: 350 هـ) يقول: [وأجمعوا أنه لا ينبغي أن يسوم الرجل على سوم الرجل ولا الكتابي الذمي، إلا الأوزاعي، فإنه أباحه له على سوم الذمي] (¬2). نقله عنه ابن القطان (¬3). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [أجمع العلماء على كراهة سوم الذمي على سوم المسلم، وعلى سوم الذمي، إذا تحاكموا إلينا] (¬4). ¬
ويقول أيضا: [قد أجمعوا على كراهية سوم الذمي على الذمي] (¬1). ويقول أيضا: [لا أعلم خلافا في أن الذمي لا يجوز لأحد أن يبيع على بيعه، ولا يسوم على سومه، وأنه والمسلم في ذلك سواء، إلا الأوزاعي، فإنه قال: لا بأس بدخول المسلم على الذمي في سومه] (¬2). ويقول أيضا: [وأجمع الفقهاء أيضا على أنه لا يجوز دخول المسلم على الذمي في سومه إلا الأوزاعي وحده، فإنه قال: لا بأس بدخول المسلم على الذمي في سومه. . .، وإذا أطلق الكلام على المسلمين، دخل أهل الذمة، والدليل على ذلك اتفاقهم على كراهية سوم الذمي على الذمي، فدل على أنهم مرادون] (¬3). نقل العبارة الأخيرة أبو زرعة العراقي (¬4). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [ومن غريب الفقه أن الأوزاعي يقول: يجوز مساومة المسلم على الذمي. . .، وسائر العلماء على منعه] (¬5). • العيني (855 هـ) يقول: [وقام الإجماع على كراهة سوم الذمي على مثله] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬7). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القاعدة الفقهية: أن كل حكم بين مسلم وذمي، فإنه يكون على حكم الإسلام، فيدخل في ذلك سومه على سوم الذمي (¬1). الثاني: أن لهم عهدًا وذمة، ومن العهد أن لا يرزأوا في أبدانهم ولا في أموالهم، ولا في أولادهم، ومن الرزء السوم عليهم (¬2). • المخالفون للإجماع: خالف في مسألة سوم المسلم على الذمي جماعة من العلماء، وقالوا: يجوز سوم المسلم على الذمي، وهم: الأوزاعي (¬3)، وابن حربويه (¬4) من الشافعية (¬5)، والحنابلة في المنصوص عنهم (¬6). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يستام الرجل على ¬
90] صاحب السلعة أحق بالسوم
سوم أخيه". وفي لفظ: "لا يسم المسلم على سوم أخيه" (¬1). • وجه الدلالة: أن هذه الألفاظ صريحة في قصر النهي على المسلم خاصة، ويفهم منه عدم دخول الذمي في الحكم. الثاني: أن الذمي ليس كالمسلم، فحرمته ليست كحرمته؛ ولذا لم تجب إجابة دعوته للوليمة، ولا كذلك أن ينصحه، ونحوها من الحقوق، فلا يصح أن يُلْحق في الحكم به (¬2).Rصحة الإجماع في النهي عن سوم الذمي على سوم الذمي إذا تحاكموا إلينا؛ وذلك لعدم الاطلاع على المخالف فيها. وعدم صحة الإجماع في النهي عن سوم المسلم على سوم الذمي؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 90] صاحب السلعة أحق بالسوم: • المراد بالمسألة: السوم في اللغة: الكلمة تدل على طلب الشيء وابتغائه (¬3). يقال: سام البائع السلعة سوما، أي: عرضها للبيع، وطلبها بثمن يذكره. وسام المشتري المبيع واستامه: طلب شراءه بالثمن الذي تقرر به البيع (¬4). والتساوم بين اثنين: أن يعرض البائع سلعته بثمن ما، ويطلبها الآخر بثمن دونه (¬5). ولا يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللغوي. ويراد بالمسألة هنا: أن صاحب السلعة المالك لها، إذا أراد بيع سلعته، وعرضها لهذا الغرض، فإنه أحق بسوم سلعته، ممن يطلبون سلعته، وذلك بأن يذكر لهم سعرها الذي يَرْغبه لها، بلا خلاف بين العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: • ابن بطال (449 هـ) يقول: [لا خلاف بين الأمة أن صاحب السلعة أحق الناس بالسوم فى سلعته، وأولى بطلب الثمن فيها، ولا يجوز ذلك إلا له، أو لمن وكله على البيع] (¬1). نقله عنه ابن حجر، والعيني (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا بني النَّجار (¬4) ثامنوني بحائطكم هذا" قالوا: لا واللَّه! لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما أراد أن يشتري من بني النجار أرضا يتخذها مسجدا له بعد مهاجره إلى المدينة، ساوم أهلها عليها، وطلب منهم أن يخبروه بالثمن على سبيل المساومة، فيذكر لهم ثمنا يختاره ثم يقع التراضي عليه والتعاقد، وهذا يدل على أن الأفضل هو البدء بما بدأ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو أمره لهم بالبدء بالسوم (¬6). الثاني: أن صاحب السلعة أعرف بسلعته بمدخلها ومخرجها، وما فيها ¬
91] جواز بيع المزايدة
وعليها، فكان من الحكمة والعقل أن يبدأ هو بذكر الثمن قبل طُلَّابها.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 91] جواز بيع المزايدة: • المراد بالمسألة: بيع المزايدة هو: أن ينادي على السلعة، ويزيد الناس فيها بعضهم على بعم، حتى تقف على آخر زائد فيها، فيأخذها (¬1). وهو جائز لا كراهة فيه، بإجماع العلماء. ويطلق عليه بعض الفقهاء: بيع الفقراء، وبيع من كسدت بضاعته (¬2). • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [أجمعوا على جواز البيع فيمن يزيد] (¬3). نقله عنه ابن حجر، والصنعاني (¬4). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [والمزايدة مباحة بالإجماع] (¬5). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وهذا أيضا إجماع المسلمين، يبيعون في أسواقهم بالمزايدة] (¬6). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وهذا أيضا إجماع، فإن المسلمين ¬
يبيعون في أسواقهم بالمزايدة] (¬1). نقله عنه ابن ضويان (¬2). • ابن النجار (¬3) (972 هـ) يقول: [وهذا إجماع، فإن المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة] (¬4). • البهوتي (1051 هـ) يقول: [فأما المزايدة في المناداة فجائز إجماعا، فإن المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة] (¬5). • عبد الرحمن البعلي (¬6) (1192 هـ) يقول: [وأما المزايدة في المناداة قبل الرضا، فجائزة بالإجماع] (¬7). • الرحيباني (1243 هـ) يقول: [و (لا) يحرم (زيادة في مناداة) قبل الرضا إجماعا، فإن المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة] (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬9). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- باع حِلسا وقَدَحا، وقال: "من يشتري هذا الحلس والقدح؟ " فقال رجل: أخذتهما بدرهم. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من يزيد على درهم؟ من يزيد على درهم؟ " فأعطاه رجل درهمين، فباعهما منه (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- باع الحلس والقدح مزايدة، ولم يقتصر على السوم الأول من الرجل الأول، فدل فعله على الجواز. الثاني: أن المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة في كل زمان ومكان من غير نكير (¬2). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين، هما: الأول: كراهة بيع المزايدة مطلقا. وهذا قال به: إبراهيم النخعي، وأيوب السختياني (¬3) وعامر الشعبي، وعقبة (¬4) (¬5). ¬
واستدل هؤلاء بدليل من السنة، وهو: حديث سفيان بن وهب (¬1) -رضي اللَّه عنه- قال: "سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينهى عن بيع المزايدة" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع المزايدة، وأقل أحوال النهي الكراهة. الثاني: جواز بيع المزايدة في المواريث والمغانم فقط. وهذا قال به: الحسن البصري، وابن سيرين، ومكحول (¬3)، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه (¬4). واستدل هؤلاء بدليل من السنة، وهو: ما جاء عن زيد بن أسلم (¬5) قال: سئل ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن بيع المزايدة فقال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يبيع أحدكم على بيع أخيه حتى يذر إلا الغنائم ¬
92] جواز بيع الحاضر للحاضر والبادي للبادي
والمواريث" (¬1).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ولعل عذر من حكى الإجماع في المسألة، إما أنه حكاه في معرض الاستدلال لمسألة أخرى، فيقع التجوز في الحكاية، كما هو ظاهر صنيع ابن عبد البر، أو كانت حكايته من باب حكاية الإجماع السكوتي، والخلاف في الاحتجاج به ظاهر ومعروف، كما يظهر من صنيع ابن قدامة، أما الباقون فهم نقلة عن غيرهم، خاصة ممن عرف عنهم العناية بالفقه المذهبي دون غيره. واللَّه أعلم. 92] جواز بيع الحاضر للحاضر والبادي للبادي: • المراد بالمسألة: الحاضر: ضد البادي، والحاضرة ضد البادية. والحاضر: من كان من أهل الحضر (¬2)، وهو ساكن الحاضرة، وهي: المدن والقرى والريف، وهي أرض فيها -عادة- زرع وخصب. والبادي: ساكن البادية، وهي: ما عدا ما ذكر من المدن والقرى والريف. وهو الذي عليه الجمهور (¬3). وقيل: إن البادية يشمل المقيم في البادية، وكل من يدخل البلدة من غير أهلها، سواء أكان بدويا، أم كان من قرية، أو أي بلدة أخرى. وهو قول عند المالكية، ورأي الحنابلة (¬4). وبعض المالكية يعبر عن البادي بالعمودي، والعمودي هو: البدوي، نسبة إلى عمود؛ لأن البدو يسكنون الخيام. ويراد بالمسألة: أن الحاضر إذا باع حاضرا مثله، والبادي إذا باع باديا مثله، ¬
فإن البيع بينهما جائز إذا توفرت شروطه وأركانه، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [اتفقوا أن بيع الحاضر للحاضر، والبادي للبادي جائز] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها" (¬4). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تلقوا الركبان، ولا يبيع حاضر لباد"، قال: فقلت لابن عباس: ما قوله: "لا يبيع حاضر لباد؟ " قال: لا يكون له سمسارا (¬5). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الحاضر للبادي، فدل على أن بيع الحاضر للحاضر، والبادي للبادي صحيح وتام.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
93] جواز تولي البادي البيع لنفسه
93] جواز تولي البادي البيع لنفسه: • المراد بالمسألة: البادي: - وهو من سكن البادية، أو من دخل البلدة من غير أهلها، على القول الآخر -إذا قدم بالسلعة، وقام بالبيع بنفسه، فإن البيع جائز لا إشكال فيه، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560) يقول: [واتفقوا على أن بيع البادي لسلعة نفسه، جائز] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق اللَّه بعضهم من بعض" (¬3). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تلقوا الركبان، ولا يبيع حاضر لباد"، قال: فقلت لابن عباس: ما قوله: "لا يبيع حاضر لباد؟ " قال: لا يكون له سمسارا (¬4). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الحاضر للبادي، فدل على أن بيع البادي لنفسه صحيح وتام، بل هو الأصل، بناء على العلة التي من أجلها وقع النهي. ¬
94] بطلان البيعتين في بيعة
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 94] بطلان البيعتين في بيعة: • المراد بالمسألة: هذه المسألة قد اختلف العلماء في بيان صورتها على أقوال عدة، كل يتأول في بيان المعنى المراد منها على ما يوافق مذهبه (¬1)، وإليك بيان هذه الأقوال: الأول: أن يقول البائع للمشتري: بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم نقدا، أو بخمسة عشر نسيئة إلى سنة، فيقبل المشتري من غير تعيين لأحد الثمنين. قال بهذا التفسير: الثوري، وإسحاق، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي في أحد قوليه، وابن حزم من الظاهرية (¬2). الثاني: أن يقول: بعتك بستاني هذا بكذا على أن تبيعني دارك بكذا. قال بهذا التفسير: الحنفية، والشافعية في القول الآخر لهم، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). الثالث: أن يقول له: بعتك هذا بعشرة دنانير على أن تعطيني بها صرفها كذا دراهم. قال به: الثوري، وأبو ثور، وأبو حنيفة، والشافعي في قول آخر لهما، وأحمد، وإسحاق، وداود، وابن حزم (¬4). الرابع: أن يقول: أبيعك هذه السلعة بمائة إلى سنة، على أن أشتريها منك بثمانين حالة. وهي نفس بيع العينة. اختار هذا التفسير ابن تيمية، وابن القيم من الحنابلة (¬5). ¬
وقد جاء في موطأ الإمام مالك أنه بلغه أن رجلا قال لرجل: ابتع لي هذا البعير بنقد، حتى أبتاعه منك إلى أجل. فسئل عن ذلك عبد اللَّه بن عمر، فكرهه ونهى عنه. قال ابن عبد البر: [هذا الحديث عند مالك فيه وجهان: أحدهما: العينة. والثاني: أنه من باب بيعتين في بيعة؛ لأنها صفقة جمعت بيعتين أصلها البيعة الأولى] (¬1). وظاهر هذا أنه يقول بالتفريق بين العينة، وبين البيعتين في بيعة. الخامس: أن يقول: بعني سلعتك هذه بدينار نقدا، أو بشاة موصوفة إلى أجل، ويقع التفرق بينهما على لزوم البيع من غير تعيين لأحدهما. قال بهذا التفسير الإمام مالك (¬2). السادس: أن يتبايعا سلعتين بثمنين مختلفين على أنه تلزمه إحدى البيعتين، مثل: أن يتبايعا هذا الثوب بدينار، والثوب الآخر بدينارين على أن المشتري يختار أحدهما. أو سلعة واحدة بثمنين مختلفين، مما يجوز أن يُحَوَّل بعضها في بعض. مثل: بعتك هذا السلعة بدينار وثوب، أو ثوب وشاة. قال به الإمام مالك (¬3). السابع: أن يقول رجل لآخر: اشتر لي، أو اشتر السلعة نقدا بكذا، أو بما اشتريتها به، وبعها مني بكذا إلى أجل. فيكون داخلا في بيع ما ليس عند البائع. ذكر هذا التفسير المالكية (¬4). الثامن: أن يقول: بعني هذا التمر الصيحاني عشرة آصع بدينار، والعجوة خمسة عشر بدينار. قال به الإمام مالك (¬5). التاسع: هو أن يسلفه دينارا في قفيز بر إلى شهر، فإذا حل الأجل وطالبه بالبر، قال: بعني القفيز الذي لك عليّ بقفيزين إلى شهرين. فهذا بيع ثان قد دخل على ¬
البيع الأول، فصار بيعتين في بيعة، فيرد أوكسهما، وهو الأول، فإن تبايعا المبيع الثاني قبل أن يتقابضا الأول كانا مربيين. هذا التفسير قال به الخطابي (¬1) لما ذكر رواية: "فله أوكسهما أو الربا" (¬2) قال: [فيشبه أن يكون ذلك في حكومة في شيء بعينه] (¬3). ثم ذكره. فالمعنى -كما ترى- قد وقع الخلاف فيه بين العلماء، وبعض هذه الأقوال هي في حقيقتها صور كما هو ظاهرٌ مِن ذِكْر بعض العلماء لها، كابن حزم مثلا. أما التفاسير التي جاءت عن الإمام مالك ومن وافقه فيجمعها ما ذكره ابن رشد في تعريف البيعتين في بيعة حين قال: [تناول البيع مبيعين، لا يتم مع لزومه للمتبايعين أو لأحدهما إلا في أحد المبيعين] (¬4). ويدخل فيه الصحيح والفاسد، ولذا أجاز الإمام مالك بعض هذه الصور. والمقصود هنا: أن ما جاء في حديث أبي هريرة يُعدُّ من الأمور المنهي عنها، وإذا وقعت فهي باطلة شرعا، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيعتين في بيعة باطل] (¬5). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [فأما المنطوق به في الشرع، فمنه: نهيه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . .، عن بيعتين في بيعة. . .، فهذه كلها بيوع جاهلية متفق على تحريمها] (¬6). • النووي (676 هـ) يقول لما ذكر ما جاء عن الشافعي في تفسير البيعتين في ¬
95] صحة شراء السلعة التي باعها بأقل من ثمنها في غير مجلس العقد
بيعة من تفسيرين لها: [وعلى التقديرين: البيع باطل بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة" (¬3). وفي رواية: قال: "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا" (¬4). الثاني: عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع وسلف، وعن بيعتين في صفقة واحدة، وعن بيع ما ليس عندك" (¬5). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيعتين في بيعة، والنهي يقتضي تحريم المنهي عنه، وبطلانه كذلك.Rصحة الإجماع في النهي عن بيعتين في بيعة، وأنه إذا وقع يعد باطلا. أما المعنى فقد تبين وقوع الخلاف فيه بين المذاهب كما سبق. 95] صحة شراء السلعة التي باعها بأقل من ثمنها في غير مجلس العقد: • المراد بالمسألة: إذا باع سلعة ولم يقبض ثمنها، ثم اشتراها من المشتري بأقل ¬
من ثمنها الذي باعها عليه، وهي على حالها لم تتغير، ولم يكن ذلك في مجلس العقد، بل بعد مدة منه، فإن البيع صحيح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حجر (852 هـ) يقول: [واستدل أيضا -أي: الشافعي- على جواز العينة بالاتفاق على أن من باع السلعة التي اشتراها، ممن اشتراها منه بعد مدة، فالبيع صحيح] (¬1). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [وأيد ما ذهب إليه الشافعي -أي: في تجويزه العينة- بأنه قد قام الإجماع على جواز البيع من البائع بعد مدة، لا لأجل التوصل إلى عوده إليه بالزيادة] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬4). • وجه الدلالة: أن الآية دليل على أن الأصل في المعاملات أنها على الإباحة ما لم يأت نص بالتحريم، وهو كذلك في مسألتنا، فليس ثمة نص على تحريمها، فتبقى على الأصل. ¬
96] جواز بيع المشتري السلعة من البائع بمثل الثمن أو أكثر منه
الثاني: أن البائع ما دام أنه لم يشتر السلعة في مجلس العقد، بل وجد المشتري يبيعها في السوق، فإن الربا غير متحقق في العقد، وعليه فيكون حاله حال الرجل الأجنبي إذا أراد شراء السلعة، ولا فرق. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة جماهير العلماء من الحنفية، والمالكية، والحنابلة، فقالوا: لا يجوز للبائع أن يشتري السلعة ممن اشترها منه بأقل من ثمنها نقدا مطلقا، سواء كان في مجلس العقد أو بعد مدة، ما دامت العلقة موجودة بين البائع والمشتري (¬1). ويستدل لهؤلاء بدليل من المعقول وهو: أن شبهة العينة لا زالت قائمة، ولا فرق بين أن يكون شراء البائع للسلعة في مجلس العقد أو بعده، فالتواطؤ ليس شرطا في تحقيق معنى العينة المحرمة، وما كان شبهة فهو ملحق بالحقيقة، سدا للذريعة.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 96] جواز بيع المشتري السلعة من البائع بمثل الثمن أو أكثر منه: • المراد بالمسألة: إذا اشترى البائع من المشتري السلعة، لكن بمثل ما اشتراها منه أو أكثر، فإن البيع جائز، بإجماع العلماء، سواء كان قبل نقد الثمن في البيع الأول، أو بعده. • من نقل الإجماع: • الجصاص (370 هـ) لما أورد أثر سعيد بن المسيب حين سئل عن رجل باع طعاما من رجل إلى أجل، فأراد الذي اشترى الطعام أن يبيعه بنقد من الذي باعه منه. فقال: هو ربا. قال: [ومعلوم أنه أراد شراءه بأقل من الثمن الأول؛ إذ لا ¬
خلاف أن شراءه بمثله أو أكثر منه جائز] (¬1). • الكاساني (587 هـ) يقول: [ولو اشترى ما باع بمثل ما باع، قبل نقد الثمن، جاز بالإجماع. . .، وكذا لو اشتراه بأكثر مما باع قبل نقد الثمن] (¬2). • العيني (855 هـ) يقول: [واعلم أن شراء ما باع بأقل مما باع، قبل نقد الثمن لا يجوز عندنا. . .، وبعد نقد الثمن يجوز عندنا أيضا، وبالمثل أو الأكثر يجوز بالإجماع، سواء كان قبل نقد الثمن أو بعده] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الأصل في المعاملات الإباحة، بنص القرآن كما قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬5) ولا يَحْرمُ إلا ما حرمه اللَّه كما أخبر عن ذلك فقال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} (¬6) وهذه المعاملة قد توفرت فيها شروط البيع وأركانه، وانتفت موانعه، فتبقى على الأصل الذي جعله اللَّه في كتابه (¬7). الثاني: أن المقصود من المنع إنما هو من أجل الذريعة إلى الربا، وهي منتفية هنا إذا باعه بأكثر أو مثل ما اشتراها به (¬8).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
97] جواز بيع السلعة المباعة نسيئة بعد نقد الثمن بأقل منه
97] جواز بيع السلعة المباعة نسيئة بعد نقد الثمن بأقل منه: • المراد بالمسألة: لو اشترى سلعة بألف ريال، سواء كانت حالة أو مؤجلة، ثم قبض المشتري السلعة، وقبض البائع الثمن، وبعدها باعها على البائع بأقل من ثمنها الذي اشتراها به، فإن البيع جائز، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(ومن اشترى جارية بألف درهم حالة أو نسيئة، فقبضها، ثم باعها من البائع قبل نقد الثمن) بمثل أو أكثر جاز. . .، وقيد بقوله: نقد الثمن؛ لأن ما بعده يجوز بالإجماع بأقل من الثمن] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن البيع في هذه الصورة قد تمت شروطه وأركانه، ولم يقم مانع من الموانع يمنع صحته، فبقي على الأصل وهو الجواز. الثاني: أن الخوف في هذه الصورة أن يكون ذريعة إلى الربا، فإذا كان البائع اشترى السلعة من المشتري بعد قبض الثمن فقد انتفى محظور الربا هنا، وعاد ¬
98] جواز بيع المشتري السلعة للبائع بعرض أقل مما اشتراها منه
البيع كأنه بيع جديد مستقل، كما لو كان المشتري أجنبيا.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 98] جواز بيع المشتري السلعة للبائع بعرض أقل مما اشتراها منه: • المراد بالمسألة: العرْض، -بالراء الساكنة- وهو: كل ما ليس بنقد من المتاع (¬1). • والمقصود بالمسألة: إذا باع المشتري السلعة على البائع بأقل مما اشتراها منه، لكن البيع كان بعروضٍ وليس بنقود، كأن تكون ثيابا وأقمشة ونحوها، فإن البيع صحيح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وإن اشتراها بعرْض، أو كان بيعها الأول بعرْض، فاشتراها بنقد جاز، وبه قال أبو حنيفة، ولا نعلم فيه خلافا] (¬2). نقله عنه المرداوي، وعبد الرحمن القاسم (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [فإن اشتراها بعرض، أو كان بيعها الأول بعرض، فاشتراها بنقد جاز، ولا نعلم فيه خلافا] (¬4). نقله عنه المرداوي (¬5). • العيني (855 هـ) يقول: [(ومن اشترى جارية بألف درهم، حالة أو نسيئة، فقبضها، ثم باعها من البائع بخمسمائة قبل أن ينقد الثمن الأول، لا يجوز البيع الثاني. وقال الشافعي: يجوز؛ لأن الملك) أي: ملك المشتري (قد تم فيها) أي: في الجارية (بالقبض، فصار البيع من البائع ومن غيره سواء، وصار) أي: حكم هذا (كما لو باع بمثل الثمن الأول، أو بالزيادة) من الثمن الأول (أو بالعرض) يعني: باعها منه بالعرض قبل نقد الثمن، وقيمة العرض أقل من قيمة الألف، ¬
99] جواز التورق من أجل التجارة والانتفاع والقنية
يجوز بالإجماع] (¬1). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [إذا اشتراها بعرض، أو كان بيعها الأول بعرض، فاشتراها بنقد، جاز بغير خلاف نعلمه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الأصل في المعاملات أنها على الإباحة إذا توفرت الشروط والأركان، وانتفت الموانع، كما هو الحال في هذه المسألة. الثاني: أن التحريم إنما كان من أجل شبهة الربا، وقد انتفت هذه الشبهة هنا؛ إذ لا ربا بين الأثمان والعروض (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 99] جواز التورق من أجل التجارة والانتفاع والقنية: • المراد بالمسألة: التورق: مأخوذ من الورق، وهو في الأصل: يطلق على الخير والمال (¬5)، ويراد بالوَرِق: الدراهم المضروبة من الفضة، وقيل: الفضة سواء كانت مضروبة أم غير مضروبة (¬6). ¬
• وفي الاصطلاح: أن يشتري من يحتاج مالا سلعة مؤجلة بأكثر من قيمتها حالة، ثم يبيعها على أجنبي نقدا (¬1). وهذا المصطلح اختص به الحنابلة من بين المذاهب، وبقيت المذاهب يذكرون صورة التورق ضمن صُور العينة (¬2). • والمقصود بالمسألة: إذا احتاج المشتري إلى شراء سلعة، ولم يكن عنده نقد حاضر، فاشتراها بأكثر من قيمتها مؤجلة، وكان قصده ذات السلعة: إما من أجل القنية، أو الانتفاع بها، وذلك مثل: أن يشتري بيتا ليسكنه، أو سيارة ليركبها، أو طعاما ليأكله، أو المتاجرة بها، كأن يشتري قمحا ليتجر به في بلد آخر، أو لينتظر به زيادة السوق، وخلا من قصد ذات الدراهم، فإن هذا جائز، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [ولو كان مقصود المشتري الدرهم، وابتاع السلعة إلى أجل، ليبيعها ويأخذ ثمنها، فهذا يسمى: التورق، ففي كراهته عن أحمد روايتان، والكراهة قول عمر بن عبد العزيز ومالك فيما أظن. بخلاف المشتري الذي غرضه التجارة، أو غرضه الانتفاع، أو القنية، فهذا يجوز شراؤه إلى أجل، بالاتفاق] (¬3). ويقول أيضا: [المشتري على ثلاثة أنواع: أحدها: أن يكون مقصوده السلعة ينتفع بها للأكل والشرب واللبس والركوب، وغير ذلك. الثاني: أن يكون مقصوده التجارة فيها، فهذان نوعان جائزان بالكتاب والسنة والإجماع] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬5). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬1). • وجه الدلالة: أن هذه الآية تفيد أن الأصل في المبايعات أنها على الإباحة ما لم يرد دليل بالمنع، وهو كذلك في المسألة معنا لم يرد دليل بمنعها (¬2). الثاني: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (¬3). • وجه الدلالة: أن هذا المعاملة نوع من المداينات التي تدخل في عموم هذه الآية (¬4). الثالث: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه حرم أكل أموال الناس إلا ما وقع عليه التراضي بينهم، وهذا البيع بهذه الصورة واقع على هذا الوجه، فهو داخل في هذا العموم (¬6). ¬
100] تحريم التسعير إذا لم تدع الحاجة إليه
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 100] تحريم التسعير إذا لم تدع الحاجة إليه: • المراد بالمسألة: التسعير في اللغة: مأخوذ من السعر، وهو: تقويم السلع بثمن لا يتجاوزه (¬1). • وفي الاصطلاح: أن يقوم ولي الأمر بتحديد أسعار الحاجيات، وإجبار أربابها على بيعها بالسعر المحدد (¬2). فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم، وقد ارتفع السعر -إما لقلة الشيء، وإما لكثرة الخلق- فهذا إلى اللَّه، فإلزام الناس أن يبيعوا بقيمة بعينها في هذه الحالة لا يجوز باتفاق العلماء (¬3). • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على كراهية التسعير للناس، وأنه لا يجوز] (¬4). نقله عنه عبد الرحمن بن قاسم (¬5). • ابن القيم (751 هـ) يقول: [ولا يجوز عند أحد من العلماء أن يقول لهم: لا تبيعوا إلا بكذا وكذا، ربحتم أو خسرتم، من غير أن ينظر إلى ما يشترون به، ولا أن يقول لهم فيما قد اشتروه: لا تبيعوه إلا بكذا وكذا، مما هو مثل الثمن أو أقل] (¬6). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬8). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬1). • وجه الدلالة: أن من أكره على بيع ماله بدون رضا منه، فقد أُكِل ماله بالباطل، ومن وقع الإجبار له أن يبيع بسعر لا يرضاه في تجارته فقد سلب الرضا الذي هو حق له في كتاب اللَّه (¬2). الثاني: عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: غلا السعر على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: يا رسول اللَّه، غلا السعر فسعِّر لنا، فقال: "إن اللَّه هو المسعر القابض الباسط الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى اللَّه تعالى وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم ولا مال" (¬3). الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رجلا جاء فقال: يا رسول اللَّه، سَعِّر، فقال: "بل أدعو" ثم جاءه رجل، فقال: يا رسول اللَّه سَعِّر، فقال: "بل اللَّه يخفض ويرفع! وإني لأرجو أن ألقى اللَّه وليس لأحد عندي مظلمة" (¬4). ¬
101] وجوب التسعير عند حصر البيع في أناس معينين
وجه الدلالة من وجهين: أحدهما: أنه عليه السلام لم يُسعِّر، وقد سألوه ذلك، ولو جاز لأجابهم إليه. الثاني: أنه علل بكونه مظلمة، والظلم حرام (¬1).Rصحه الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 101] وجوب التسعير عند حصر البيع في أناس معينين: • المراد بالمسألة: إذا اتفق الناس على ألَّا يبيع نوعا من السلع إلا أناس محددين، وكل من أراد بيع تلك السلعة، فلا بد أن يبيع عن طريقهم، فهنا يجب على ولي الأمر أن يلزم هؤلاء بالشراء من الناس بقيمة المثل، ويلزمهم بالبيع على الناس بقيمة المثل كذلك، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول بعد أن ذكر الحالة الأولى التي يرى وجوب التسعير فيها: [وأبلغ من هذا: أن يكون الناس قد التزموا أن لا يبيع الطعام أو غيره، إلا أناس معروفون، لا تباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم، فلو باع غيرهم ذلك منع، إما ظلما لوظيفة تؤخذ من البائع، أو غير ظلم لما في ذلك من الفساد، فها هنا يجب التسعير عليهم، بحيث لا يبيعون إلا بقيمة المثل، ولا يشترون أموال الناس إلا بقيمة المثل، بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء. . .، فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع. وحقيقته: إلزامهم أن لا يبيعوا، أو لا يشتروا، إلا بثمن المثل] (¬2). نقله عنه برهان الدين ابن مفلح، والمرداوي، والبهوتي، والرحيباني (¬3). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، ووجه عند الشافعية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أنهم إذا كانوا قد منعوا غيرهم أن يبيع ذلك النوع أو يشتريه، فلو سُوِّغ لهم أن يبيعوا بما اختاروا، أو يشتروا بما اختاروا، كان ذلك ظلما للخلق من وجهين: ظلما للبائعين الذين يريدون بيع تلك الأموال. وظلما للمشترين منهم. والواجب إذا لم يمكن دفع جميع الظلم، أن يدفع الممكن منه، فالتسعير في هذه الحالة فيه رفع للظلم. الثاني: القياس على الإكراه بحق في البيع: فكما أنه يجوز في بعض الحالات من مثل قضاء الدين الواجب والنفقة الواجبة وأشباهها، فكذلك هنا إذا ترتب عليه مصلحة (¬2). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية على الصحيح عندهم، ووافقهم ابن حزم من ¬
102] جواز ادخار القوت للنفقة
الظاهرية، والشوكاني، وقالوا بأن التسعير حرام بكل أنواعه وصوره، ولا يجوز للإمام فعله بحال من الأحوال (¬1). و• دليلهم: عموم حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: غلا السعر على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال الناس: يا رسول اللَّه سَعِّر لنا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه هو القابض الباسط الرزاق المسعِّر، وإني لأرجو أن ألقى اللَّه عز وجل وليس أحد يطلبني بمظلمة في نفس ولا مال" (¬2).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 102] جواز ادخار القوت للنفقة: • المراد بالمسألة: القوت الذي يَدَّخره المرء لنفسه أو عياله مما يحتاجه من النفقة عليهم طوال عامه، وهو من القوت المأخوذ من أرضه ومزرعته، لا مما اشتراه من السوق، لا يعد من الاحتكار المنهي عنه، بل هو جائز لا حرج فيه، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • المهلب (¬3) (435 هـ) يقول: [فيه -أي: حديث عمر الذي في مستند الإجماع- دليل على جواز ادَّخار القوت للأهل والعيال، وأنه ليس بحُكْرة، وأن ما ضمَّه الإنسان من زرعه، أو جدَّ من نخله وثمره، وحبسه لقوته لا يسمى حُكرة، ولا خلاف في هذا بين الفقهاء]. نقله عنه العيني (¬4). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [أن يكون المحتكر للطعام من مال نفسه، أو كسب يده. . .، فالحكرة جائزة بلا خلاف] (¬5). ¬
• القاضي عياض (544 هـ) يقول: [ولا خلاف بين الفقهاء في جواز ادِّخار ما يرفعه الرجل من أرضه وزراعته، مما لم يشتره من السوق] (¬1). • أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [ولا خلاف في أن ما يدّخره الإنسان لنفسه وعياله من قوت، وما يحتاجون إليه جائز ولا بأس به] (¬2). نقله عنه الحطاب (¬3). • ابن رسلان (¬4) (844 هـ) يقول: [ولا خلاف في أن ما يدَّخره الإنسان من قوت، وما يحتاجون إليه من سمن وعسل وغير ذلك جائز لا بأس به]. نقله عنه الشوكاني، والعظيم آبادي (¬5) (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "أعطى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع، فكان يعطي أزواجه كل سنة مائة وَسْق (¬8): ثمانين وسقا من تمر، ¬
103] تحريم الاحتكار المضر بالناس
وعشرين وسقا من شعير، فلما ولي عمر قَسْم خيبر، خيَّر أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقطع لهن الأرض والماء، أو يضمن لهن الأوساق كل عام، فاختلفن" (¬1). الثاني: عن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: "كانت أموال بني النضير مما أفاء اللَّه على رسوله، مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللَّه" (¬2). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ادَّخر قوت أولاده سنة كاملة من حقه من الفيء وليس مما اشتراه من السوق، فدل على جواز الادخار، وأنه ليس من الاحتكار المنهي عنه. الثالث: أن الادخار حبس لقوت نفسه، وليس قصد صاحبه المتاجرة به، فلا تعلق للآخرين به، ولا ضرر عليهم فيه، فيبقى على الأصل وهو الإباحة.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 103] تحريم الاحتكار المضر بالناس: • المراد بالمسألة: الحكر في اللغة، هو: الحَبْس والإمساك والجمع، والحُكْرة هي: حبس الطعام منتظرا لغلائه (¬3). وفي الاصطلاح، هو: شراء ما يحتاجه الناس من طعام ونحوه، وحبسه انتظارا لغلائه وارتفاع ثمنه (¬4). إذا حبس البائع من السلع ما يؤدي إلى الضرر بالناس، وإيقاع الضيق عليهم، وكان مقصده البيع بأعلى الأسعار، فإنه قد وقع فيما حرم اللَّه عليه، وإن لم يكن فيه ضرر على الناس فهذا مباح، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن الحُكْرة المُضِرة بالناس غير جائزة] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • ابن رشد الجد (520 هـ) يقول: [لا خلاف أنه لا يجوز احتكار شيء من الطعام ولا غيره، في وقت يُضرّ احتكاره فيه بالناس، من طعام وغيره، من كتان وحناء وعصفر] (¬3). نقله عنه المواق (¬4). • أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [ما لا يضر بالناس شراؤه واحتكاره، لا يُخَطَّأ مشتريه، بالاتفاق] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من احتكر طعاما أربعين يوما يريد به الغلاء، فقد برئ من اللَّه، وبرئ اللَّه منه" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قيد الوعيد على الاحتكار بقصد المغالاة من ¬
104] مشروعية الإشهاد على البيع
المحتكِر، وهذا يدل على التحريم إذا قصد به الإضرار بالناس. الثاني: عن معمر بن عبد اللَّه (¬1) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحتكر إلا خاطئ"، فقلت لسعيد بن المسيب: فلم تحتكر؟ قال: كان معمر يحتكر (¬2). • وجه الدلالة: أن تصرف معمر يدل على أن الذي كان يفعله غير الذي روى فيه النهي؛ لأنه لو كان هو لكان فيه تناقضا بين الفعل والرواية، فدل على أنه أراد نوعا خاصا من الاحتكار، وهو الذي يُضر بالناس (¬3). الثالث: عن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من احتكر على المسلمين طعاما، ضربه اللَّه بالجذام والإفلاس" (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 104] مشروعية الإشهاد على البيع: • المراد بالمسألة: من أراد البيع أو الابتياع فإنه يشرع له أن يشهد على عقده رجلين، أو رجل وامرأتين، بل هو المندوب في حقه، وإذا لم يشهد على ذلك فإن العقد تام وصحيح، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • الجصاص (370 هـ) يقول: [ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية -أي: آية الدين- ندب وإرشاد ¬
إلى ما لنا فيه الحظ والصلاح، والاحتياط للدين والدنيا، وأن شيئا منه غير واجب] (¬1). • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن من باع نقدا وأشهد ببينة عدل. . .، أو باع أو أقرض إلى أجل وأشهد كذلك، وكتب بذلك وثيقة، أنه قد أدى ما عليه، واتفقوا أنه إن باع أو أقرض إلى أجل أو نقدا، ولم يشهد ولا كتب، أن البيع والقرض صحيحان] (¬2). نقله عنه ابن القطان (¬3). • الكاساني (587 هـ) يقول لما ذكر الخلاف في الإشهاد على النكاح: [ولا خلاف في أن الإشهاد في سائر العقود، ليس بشرط، ولكنه مندوب إليه ومستحب] (¬4). • شهاب الدين القليوبي (¬5) (1069 هـ) يقول: [وصَرَفَه -أي: الأمر بالإشهاد الذي في آية الدين- عن وجوب الإجماع، وهو أمر إرشاديٌّ، لا ثواب فيه، إلا لمن قصد به الامتثال] (¬6)، نقله عنه الجمل (¬7)، والبجيرمي (¬8) (¬9). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه أمر بالإشهاد عند التبايع، وأقل أحوال الأمر الندب (¬3)، والصارف له هو الدليل الآتي (¬4). الثاني: عن عمارة بن خزيمة (¬5) أن عمه حدثه (¬6) وهو من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ابتاع فرسا من أعرابي، فاستتبعه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المشي، وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، لا يشعرون أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ابتاعه، فنادى الأعرابي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه، وإلا بعته، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين سمع نداء الأعرابي: "أوليس قد ابتعته منك؟ " قال الأعرابي: لا واللَّه ما بعتك، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بلى قد ابتعته" فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدا، قال خزيمة (¬1): أنا أشهد أنك قد ابتعته، فأقبل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على خزيمة، فقال: "بم تشهد؟ " فقال: بتصديقك يا رسول اللَّه، فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يشهد على بيعه، ولو كان واجبا لأشهد منذ بداية العقد، ثم مع عدم إشهاده فإنه عد البيع صحيحا ولم يبطله لما أنكر الأعرابي، فدل على أن من لم يشهد فإن بيعه تام وصحيح. الثالث: أن الأمة نقلت خلفا عن سلف عقود المبياعات في أمصارهم من غير إشهاد، مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم، ولو كان الإشهاد واجبا لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به. وفي ذلك دليل على أنهم رأوه ندبا، وذلك منقول من عصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا هذا. ولو كانت الصحابة والتابعون تشهد على بياعاتها لورد النقل به متواترا مستفيضا، ولأنكرت على فاعله ترك الإشهاد، فلما لم ينقل ذلك عنهم دل على أن الأمر مندوب غير واجب (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة جماعة من السلف، فقالوا بوجوب الإشهاد على البيع، ¬
105] جواز وقوع البيع في غير المسجد
منهم: أبو موسى الأشعري، وابن عباس، وجابر بن زيد، ومجاهد، وابن سيرين، والضحاك (¬1)، وعطاء، وإبراهيم النخعي، وابن جرير الطبري، وهو قول الظاهرية، وقول عند الحنفية (¬2). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: الآية التي استدل بها الجمهور، وقالوا: بأن الأمر فيها للوجوب، جريا على الأصل في باب الأمر (¬3). الثاني: القياس على النكاح: فكما أنه واجب فيه، فكذلك البيوع، بجامع المعاوضة في كل منهما (¬4).Rصحة الإجماع على مشروعية الإشهاد على البيع، وكذلك على من باع أو ابتاع ولم يشهد فإن العقد صحيح؛ وذلك لعدم المخالف فيها. أما الإجماع على أن الإشهاد على الندب فلا يصح؛ لثبوت الخلاف فيها. وعليه فتكون عبارة ابن حزم أدق في حكاية الإجماع. 105] جواز وقوع البيع في غير المسجد: • المراد بالمسألة: إذا وقع التبايع بين المتبايعين في أي مكان خارج المسجد، فإن العقد جائز وصحيح، إذا توفرت باقي الشروط والأركان، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن البيع الصحيح إذا وقع في غير المسجد ¬
جائز] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تُنْشَد فيه ضالة، وأن يُنْشد فيه شعر" (¬4). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح اللَّه تجارتك، وإذا رأيتم من يَنْشد ضالة، فقولوا: لا رد اللَّه عليك ضالتك" (¬5). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن البيع والابتياع في المسجد، وأمر بالدعاء على من فعله، ¬
فدل على أنه إذا وقع البيع خارج المسجد، فإنه صحيح ولازم.Rصحة الإجماع في المسألة؛ لعدم المخالف فيها. * * *
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الشروط في البيع
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الشروط في البيع 1] عدم لزوم شروط العاقدين بعد لزوم العقد: • المراد بالمسألة: إذا اشترط العاقدان أو أحدهما شرطا من الشروط الجائزة بعد أن تم العقد بينهما، وصار لازما لهما، فإنه غير مؤثر على البيع، ولا يكون ملزما لهما، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (457 هـ) يقول: [واتفقوا أن كل شرط وقع بعد تمام البيع فإنه لا يضر البيع شيئًا] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬3). • يستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل عقلي، وهو: أن البيع قد تم بشروطه وأركانه بدون هذا الشرط، فإذا شرط أحدهما شرطا بعد ¬
2] مشروعية اشتراط المتعاقدين شرطا من مقتضيات العقد أو فيه مصلحة لهما
تمام العقد، فإنه يختل أحد شروط العقد وهو الرضا، فالطرف الثاني دخل ورضي بالعقد بدون هذا الشرط، وربما لا يرضى به، واللَّه تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 2] مشروعية اشتراط المتعاقدين شرطا من مقتضيات العقد أو فيه مصلحة لهما: • المراد بالمسألة: الشروط التي تصدر من المتعاقدين في البيوع، لا تخلو من أحوال: الحالة الأولى: أن يكون الشرط الصادر من أحد المتعاقدين من مقتضيات العقد، أي: واجب بالعقد من غير اشتراط: كاشتراط تسليم المبيع، وقبض الثمن، وخيار المجلس، والتصرف في المبيع، ونحوها، لا فرق بين أن يكون شرطا واحدا في العقد أو يجمع بين شرطين منهما. الحالة الثانية: أن يكون الشرط الصادر من أحد المتعاقدين فيه مصلحة لهما: كاشتراط الخيار مدة معينة، أو الرهن، أو تأجيل الثمن مدة محددة. أو يكون اشتراط صفة معينة مقصودة في المبيع: كاشتراط أن يكون العبد صانعا أو كاتبا ونحوها. فهاتان الحالتان من الشروط متفق على جواز اشتراطهما، أما الأولى فاشتراطها غير مؤثر في العقد وجودا وعدما. أما الثانية: فيلزم الوفاء بها من قبل المشترط عليه. • من نقل الإجماع: • القاضي عياض (544 هـ) يقول: [الشروط المقارنة للبيع، ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون من مقتضى العقد: كالتسليم، وجواز التصرف في المبيع، وهذا لا خلاف في جواز اشتراطه. . .]. نقله عنه العيني (¬2). ¬
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [والشروط تنقسم إلى أربعة أقسام: أحدها: ما هو من مقتضى العقد: كاشتراط التسليم، وخيار المجلس، والتقابض في الحال، فهذا وجوده كعدمه، لا يفيد حكما، ولا يؤثر في العقد. الثاني: تتعلق به مصلحة العاقدين: كالأجل، والخيار، والرهن، والضمين، والشهادة. أو اشتراط صفة مقصودة في المبيع: كالصناعة والكتابة، ونحوها، فهذا شرط جائز يلزم الوفاء به، ولا نعلم في صحة هذين القسمين خلافا] (¬1). • النووي (676 هـ) يقول: [الشرط خمسة أضرب: أحدها: ما هو من مقتضى العقد: بأن باعه بشرط خيار المجلس، أو تسليم المبيع، أو الرد بالعيب، أو الرجوع بالعهدة، أو انتفاع المشتري كيف شاء، وشبه ذلك، فهذا لا يفسد العقد بلا خلاف. . . الضرب الثاني: أن يشترط ما لا يقتضيه إطلاق العقد لكن فيه مصلحة للعاقد: كخيار الثلاث، والأجل، والرهن، والضمين، والشهادة، ونحوها، وكشرط كون العبد المبيع خياطا، أو كاتبا ونحوه، فلا يبطل العقد أيضا بلا خلاف، بل يصح، ويثبت المشروط] (¬2). نقله عنه الشوكاني (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [(وهي -أي: الشروط- ضربان: صحيح، وهو ثلاثة أنواع، أحدها: شرط مقتضى البيع: كالتقابض، وحلول الثمن ونحوه، فلا يؤثر فيه. الثاني: شرط من مصلحة العقد: كاشتراط صفة في الثمن، كتأجيله، أو الرهن، أو الضمين، أو صفة في المبيع نحو: كون العبد كاتبا، أو خصيا، أو صانعا، أو مسلما، والأمة بكرا، والدابة هملاجة (¬4)، والفهد صيودا) فهو شرط صحيح يلزم الوفاء به. . .، ولا نعلم في صحة هذين القسمين خلافا] (¬5). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [قوله: (ثم جملة الأمر فيه) أي: في الشرط (أنه ¬
إما أن يقتضيه العقد) كشرط أن يحبس المبيع إلى قبض الثمن ونحوه فيجوز؛ لأنه مؤكد لموجب العقد. أو لا يقتضيه، لكن ثبت تصحيحه شرعا بما لا مرد له: كشرط الأجل في الثمن، والمثمن في السلم، وشرط في الخيار، فكذلك هو صحيح؛ للإجماع على ثبوته شرعا رخصة] (¬1). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [إن كان الشرطان المجموعان من مقتضى البيع، كاشتراط حلول الثمن، مع تصرف كل منهما فيما يصير إليه، صح بلا خلاف] (¬2). ويقول أيضا: [وكل شرط لا ينافي مقتضى العقد، لا ينافي البيع، بالاتفاق] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المسلمون على شروطهم، ما وافق الحق منها" (¬5). • وجه الدلالة: هذا الحديث أصل في إباحة الشروط بين المتعاقدين ما لم يكن ¬
3] صحة اشتراط المشتري صفة مقصودة في المبيع
الشرط محرما في الشرع، فيدخل فيه ما إذا كان الشرط من مقتضى العقد، أو فيه مصلحة للمتعاقدين (¬1). الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فأراد أن يسيبه. قال: فلحقني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فدعا لي وضربه، فسار سيرا لم يسر مثله. قال: "بعنيه بوقية (¬2) "، قلت: لا. ثم قال: "بعنيه" فبعته بوقية، واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي. فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم رجعت، فأرسل في أثري، فقال: "أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك، فهو لك" (¬3). • وجه الدلالة: أن جابر اشترط نفعا معلوما في المبيع، وأقره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم ينكر عليه شرطه، فإذا جاز اشتراط نفع معلوم من قبل أحد المتعاقدين، فمن باب أولى جواز اشتراط ما فيه مصلحة للمتعاقدين. الثالث: أن اشتراط ما هو من مقتضى العقد إنما هو تأكيد وتنبيه على ما أوجبه الشارع عليه؛ ولذا كان وجوده كعدمه، لا تأثير له على العقد (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 3] صحة اشتراط المشتري صفة مقصودة في المبيع: • المراد بالمسألة: إذا اشترط المشتري في المبيع صفة مقصودة، ملائمة للعقد، مما لا يعد المبيع بعد فقدها معيبا، فإن البيع والشرط صحيحان، وملزمان للطرفين، وإذا فقد المشروط في السلعة فإن للمشتري حق الفسخ، باتفاق ¬
العلماء. مثال ذلك: أن يشترط في الفهد أن يكون صيودا، وفي الدابة أن تكون هملاجة، ونحو ذلك. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا اشترى فهدا على أنه صيود، ودابة على أنها هملاجة، صح البيع] (¬1). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إذا اشترط المشتري في البيع صفة مقصودة، مما لا يعد فقده عيبا، صح اشتراطه، وصارت مستحقة، يثبت له خيار الفسخ عند عدمها، مثل: أن يشترط مسلما، فيبين كافرا، أو يشترط الأمة بكرا أو جعدة أو طباخة، أو ذات صنعة، أو لبن، أو أنها تحيض، أو يشترط في الدابة أنها هملاجة، أو في الفهد أنه صيود، وما أشبه هذا، فمتى بان خلاف ما اشترطه، فله الخيار في الفسخ، والرجوع بالثمن، أو الرضا به، ولا شيء له، لا نعلم بينهم في هذا خلافا] (¬2). • النووي (676 هـ) يقول: [أن يشترط ما لا يقتضيه إطلاق العقد لكن فيه مصلحة للعاقد: كخيار الثلاث، والأجل، والرهن، والضمين، والشهادة، ونحوها، وكشرط كون العبد المبيع خياطا أو كاتبا ونحوه، فلا يبطل العقد أيضا بلا خلاف، بل يصح، ويثبت المشروط] (¬3). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [أجمع الفقهاء المعروفون -من غير خلاف أعلمه من غيرهم- أن اشتراط صفة في المبيع ونحوه: كاشتراط كون العبد كاتبا، أو صانعا، أو اشتراط طول الثوب، أو قدر الأرض، ونحو ذلك، شرط صحيح] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬5). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المسلمون على شروطهم، ما وافق الحق منها" (¬1). • وجه الدلالة: هذا الحديث أصل في إباحة الشروط بين المتعاقدين ما لم يكن الشرط محرما في الشرع، فيدخل فيه ما إذا شرط أحدهما منفعة مقصودة في المبيع (¬2). الثاني: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما كان من شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق" (¬3). • وجه الدلالة: قال ابن تيمية: ["من اشترط شرطا" أي: مشروطا، وقوله: "ليس في كتاب اللَّه" أي: ليس المشروط في كتاب اللَّه، فليس هو مما أباحه اللَّه، كاشتراط الولاء لغير المعتق، والنسب لغير الوالد. . .، ونحو ذلك مما لم يبحه اللَّه بحال، ومن ذلك تزوج المرأة بلا مهر، ولهذا قال: "كتاب اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق" وهذا إنما يقال إذا كان المشروط يناقض كتاب اللَّه وشرطه، فيجب تقديم كتاب اللَّه وشرطه، ويقال: "كتاب اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق" وأما إذا كان نفس الشرط والمشروط لم ينص اللَّه على حله، بل سكت عنه، فليس هو مناقضا ¬
لكتاب اللَّه وشرطه، حتى يقال: كتاب اللَّه أحق وشرطه أوثق، فقوله: "من اشترط شرطا ليس في كتاب اللَّه" أي: مخالفا لكتاب اللَّه. وسواء قيل: المراد من الشرط المصدر أو المفعول، فإنه متى خالف أحدهما كتاب اللَّه خالفه الآخر، بخلاف ما سكت عنه. فهذا أصل] (¬1). فدل هذا الحديث على أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما خالف كتاب اللَّه. الثالث: أن رغبات المتبايعين مختلفة متباينة، فلو لم يصح اشتراط ذلك لفاتت الحكمة التي شرع لأجلها البيع (¬2). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: ابن حزم من الظاهرية، فقال بمنع الاشتراط في هذه الحالة (¬3). ولابن حزم رأي في الشروط عموما، خالف فيه عامة العلماء، فهي على البطلان عنده إلا ما دل الدليل على إباحته، وهي سبعة شروط فقط، هي: الأول: اشتراط الرهن فيما تبايعاه إلى أجل مسمى. الثاني: اشتراط تأخير الثمن إن كان دنانير أو دراهم إلى أجل مسمى. الثالث: اشتراط أداء الثمن إلى الميسرة، وإن لم يذكرا أجلا. الرابع: اشتراط صفات في المبيع التي يتراضيانها معا، ويتبايعان ذلك الشيء على أنه بتلك الصفة. الخامس: اشتراط أن لا خلابة. السادس: بيع العبد أو الأمة، فيشترط المشتري مالهما أو بعضه مسمى معينا، أو جزءا منسوبا مشاعا في جميعه، سواء كان مالهما مجهولا كله، أو معلوما كله، أو معلوما بعضه مجهولا بعضه. السابع: بيع أصول نخل فيه ثمرة قد أبرت قبل الطيب أو بعده، فيشترط المشتري الثمرة لنفسه أو جزءا معينا منها، أو مسمى مشاعا في جميعها (¬4). ¬
4] بطلان الشرط الذي ينافي مقصود العقد
ولم أجد له سلفا في هذه المسألة، بل وحتى موافق له من المتأخرين.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ القول المخالف. 4] بطلان الشرط الذي ينافي مقصود العقد: • المراد بالمسألة: الشرط الذي يخالف ما من أجله تعاقد المتعاقدان، يعد شرطا باطلا، باتفاق العلماء، وذلك مثل: أن يبيعه السلعة بشرط ألَّا يبيعها، أو ألَّا يتصرف فيها، أو أن يوقفها، أو أن يبيعه طعاما بشرط أن لا يأكله، ونحوها، لا فرق بين أن يكون شرطا واحدا أو أكثر من شرط في العقد. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [ومن الأصول المجتمع عليها عند الفقهاء، أنه لا يجوز أن يشترط على البائع في عقد الصفقة، منعه من التصرف في ثمن ما باعه، ولا على المبتاع مثل ذلك فيما ابتاعه] (¬1). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [فإن العقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره، وشُرِط فيه ما ينافي ذلك المقصود، فقد جمع بين المتناقضين، بين إثبات المقصود ونفيه، فلا يحصل شيء، ومثل هذا الشرط باطل، بالاتفاق] (¬2). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان] (¬3). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان ليسا من مقتضى البيع، ولا من مصلحته] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬5). ¬
5] منع اشتراط تأخير تسليم البيع في بيوع الأعيان إلى أجل لا يؤمن فيه هلاكه
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن في اشتراط البائع ما ينافي مقصود العقد، تحجيرا على المشتري في السلعة التي اشتراها، وعدم حصول منفعة مقصودة من الاشتراط، فكأنه بهذا تَصرَّف في ملك المشتري بغير حق (¬1). الثاني: أن في اشتراط ما ينافي المقصود بالعقد الجمع بين المتناقضين؛ لأن المقصود من العقد إطلاق تصرف المشتري في العين المباعة، واشتراط مثل هذا يناقض هذا المقصود، ومثل هذا تناقض تنزه عنه الشريعة، ويأباه ذوو العقول المستقيمة (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 5] منع اشتراط تأخير تسليم البيع في بيوع الأعيان إلى أجل لا يؤمن فيه هلاكه: • المراد بالمسألة: الشروط من المتعاقدين مختلفة باختلاف الشرط الذي يكونان قد تواضعا عليه، فإذا اشترط أحدهما في بيع من بيوع الأعيان وليست الديون، أن يتأخر في تسليم العين إلى أجل لا يؤمن معه هلاك العين قبله، فإنه لا يجوز هذا الشرط، سواء كان الثمن دينا أو نقدا، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [لا أعلم خلافا أنه لا يجوز شراء عين مرئية، غير مأمون هلاكها، بشرط تأخير قبضها إلى أجل لا يؤمن قبله ذهابها. . .، وقد أجمعوا أن من شرط بيع الأعيان، تسليم المبيع إلى المبتاع بإثر عقد صفقة فيه، نقدا كان الثمن أو دينا] (¬3). ويقول أيضا: [وقد أجمعوا أنه من اشترى شيئا من الحيوان معينا، واشترط ألا يسلمه إلا بعد شهر أو نحوه، أن ذلك لا يجوز] (¬4). ¬
نقل الجملة الأولى ابن القطان (¬1). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وأجمعوا على أنه لا يجوز بيع الأعيان إلى أجل، وأن من شرطها: تسليم المبيع إلى المبتاع بإثر عقد الصفقة] (¬2). نقله عنه ابن الشاط (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- في قصة بريرة (¬5) وفيه، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الناس، فحمد اللَّه، وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد: ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب اللَّه؟ ! ما كان من شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيّن أن كل شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، والشروط التي تخالف مقتضى العقد ليست في كتاب اللَّه، فيدخل فيها اشتراط عدم تسليم المبيع في بيوع الأعيان؛ إذ أن مقتضى العقد التسليم، والتأجيل ¬
6] بطلان البيع بشرط السلف
ينافيه (¬1). الثاني: أن التأجيل في الأعيان لا منفعة فيه للبائع، إذ هي موجودة في الحالين على صفة واحدة، والعقد يوجب تسليمها، فلا فائدة في تأخيرها (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 6] بطلان البيع بشرط السلف: • المراد بالمسألة: يراد بالسلف هنا: القرض، وقد جاء تفسير هذه المسألة عن إمامين: الأول: الإمام مالك، حيث يقول: [أن يقول الرجل للرجل: آخذ سلعتك بكذا وكذا، على أن تسلفني كذا وكذا] (¬3). وإذا وقع مثل هذا فإنه في الغالب تقع الزيادة في ثمن المبيع، بسبب القرض. الثاني: الإمام أحمد، حيث يقول: [أن يقرضه قرضا، ثم يبايعه عليه بيعا يزداد عليه في الثمن] (¬4)، ويتضح ذلك بالمثال: حين يقول الرجل للآخر: أقرضك مائة ريال إلى سنة، على أن تشتري مني هذه السلعة بمائة، وهي لا تساوي إلا خمسين ريالا. وما ذكره الإمام أحمد هو عكس ما ذكره الإمام مالك، وهذا من اختلاف التنوع وليس التضاد، فالمراد واحد وهو الجمع بين البيع والقرض، وإجماع العلماء منعقد على تحريم أن يقع البيع من البائع ويشترط القرض في العقد ولو وقع فإن العقد باطل. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [ولا خلاف بين الفقهاء بالحجاز والعراق أن البيع إذا انعقد على أن يسلف المبتاع البائع سلفا، مع ما ذكر من ثمن السلعة، أو سلف البائع المبتاع مع سلعته المبيعة سلفا ينعقد على ذلك، والصفقة بينهما أن ¬
البيع فاسد عندهم؛ لأنه يصير الثمن بالسلف مجهولا، والسنة المجتمع عليه أنه لا يجوز الثمن إلا معلوما] (¬1). ويقول أيضا: [أجمع العلماء على أن من باع بيعا على شرط سلف يسلفه أو يستسلفه، فبيعه فاسد مردود] (¬2). نقل عنه العبارة الأولى ابن القطان (¬3). • الباجي (474 هـ) يقول لما ذكر نهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع وسلف (¬4): [وأجمع الفقهاء على المنع من ذلك] (¬5). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه لا يجوز بيع وسلف، وهو أن يبيع السلعة على أن يسلفه سلفا، أو يقرضه قرضا] (¬6). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬7). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [ومن المسموع في هذا: نهيه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع وسلف، اتفق الفقهاء على أنه من البيوع الفاسدة] (¬8). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ولو باعه بشرط أن يسلفه أو يقرضه، أو شَرَط المشتري ذلك عليه، فهو محرم والبيع باطل، وهذا مذهب مالك والشافعي، ولا أعلم فيه خلافا] (¬9). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [واتفق العلماء على منع الجمع بين بيع وسلف] (¬10). • القرافي (684 هـ) يقول: [إجماع الأمة على جواز البيع والسلف مفترقين، وتحريمهما مجتمعين] (¬11). ابن جزي (¬12) (741 هـ) يقول: [البيع باشتراط السلف من أحد المتبايعين، وهو ¬
لا يجوز بإجماع، إذا عزم مشترطه عليه] (¬1). الحطاب (954 هـ) يقول: [واعلم أنه لا خلاف في المنع من صريح بيع وسلف] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك" (¬4). الثاني: أن هذا ذريعة إلى الربا المحرم شرعا، فهو قد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيادة في القرض الذي موجبه رد المثل، ولولا هذا البيع لم يقرضه، ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك (¬5). الثالث: أنه إنما أقرضه على أن يحابيه في الثمن، فيدخل الثمن في حد الجهالة (¬6)، فإذا سقط الشرط صار الباقي من المبيع ما يقابله من الثمن مجهولا.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
7] صحة الشرط الذي ثبت بالسنة والإجماع
7] صحة الشرط الذي ثبت بالسنة والإجماع: • المراد بالمسألة: أَيُّ شرط يشترطه المتعاقدان، وهو ثابت بالسنة أو مجمع عليه بين العلماء، ولم يرد ذكره في كتاب اللَّه، فهو شرط صحيح، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول في معرض كلامه على معنى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس في كتاب اللَّه": [الشرط الذي ثبت جوازه بسنة أو إجماع صحيح بالاتفاق] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من السنة، وهو: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ". . . أما بعد: ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب اللَّه؟ ! ما كان من شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق" (¬3). وجه الدلالة في الحديث من وجهين: الأول: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن أن الشروط التي ليست في كتاب اللَّه شروط باطلة، فدل بالمفهوم أن الشروط التي جاءت في كتاب اللَّه تعد شروطا صحيحة، يجب الوفاء بها، والمقصود بكتاب اللَّه حكم اللَّه -كما مر تقريره- فيدخل في هذا الشروط التي نصت السنة على جوازها، أو أجمع العلماء عليها. ¬
8] بطلان الشروط التي تخالف كتاب الله في العقد
الثاني: أن هذه الشروط جاءت في سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأجمع العلماء عليها، وقد جاء في كتاب اللَّه الأمر باتباع السنة، واتباع سبيل المؤمنين، فتدخل ضمنا في كتاب اللَّه (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 8] بطلان الشروط التي تخالف كتاب اللَّه في العقد: • المراد بالمسألة: الشروط التي تكون بين المتعاقدين، إذا كان الشرط يخالف حكم اللَّه الذي جاء به، سواء في كتابه، أو في سنة نبيه عليه السلام، ويتضمن تحليل ما حرم اللَّه، أو تحريم ما أحل اللَّه، فإن هذا الشرط باطل، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن بطال (449 هـ) يقول: [أجمع العلماء على أن من اشترط في البيع شروطا لا تحل، أنه لا يجوز شيء منها] (¬2). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وهذا الحديث الشريف المستفيض -أي: حديث عائشة في قصة بريرة- الذى اتفق العلماء على تلقيه بالقبول، اتفقوا على أنه عام في الشروط في جميع العقود، ليس ذلك مخصوصا عند أحد منهم بالشروط في البيع، بل من اشترط في الوقف، أو العتق، أو الهبة، أو البيع، أو النكاح، أو الإجارة، أو النذر، أو غير ذلك شروطا تخالف ما كتبه اللَّه على عباده، بحيث تتضمن تلك الشروط الأمر بما نهى اللَّه عنه، أو النهي عما أمر به، أو تحليل ما حرمه، أو تحريم ما حلله، فهذه الشروط باطلة، باتفاق المسلمين، في جميع العقود: الوقف، وغيره] (¬3). ويقول أيضا: [فمتى كان الشرط يخالف شرط اللَّه ورسوله، كان باطلا. . .، وإذا وقعت هذه الشروط، وفَّي منها بما أمر اللَّه به ورسوله، ولم يوفِّ منها بما نهى اللَّه عنه ورسوله، وهذا متفق عليه بين المسلمين] (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ". . . أما بعد: ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب اللَّه؟ ! ما كان من شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق" (¬2). • وجه الدلالة: أن الحديث نص على أن الشروط التي ليست على حكم اللَّه، فهي باطلة، حتى وإن كثرت. الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المسلمون عند شروطهم، ما وافق الحق من ذلك" (¬3). • وجه الدلالة: أن الحديث يدل على أن الشروط التي توافق الحق هي التي يجب الوفاء بها، والتي لا توافقه لا يجوز الوفاء بها، وهذا يفسر معنى "كتاب اللَّه" في الحديث السابق. ¬
9] بطلان الشرط المحرم من أحد المتعاقدين
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 9] بطلان الشرط المحرم من أحد المتعاقدين: • المراد بالمسألة: إذا اشترط أحد المتعاقدين شرطا في العين محرما شرعا، مثل: أن يشترط في الجارية أن تكون مغنية، أو صانعة للخمر، فإن الشرط باطل، باتفاق المسلمين. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [اشتراط كونها -أي: الجارية المباعة- تصنع الخمر والنبيذ شرط باطل، باتفاق المسلمين] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬3). • وجه الدلالة: أن أخذ الجارية على هذا الشرط فيه إقرار لها على هذه المعصية، وإعانة لها على الإثم والعدوان، خاصة وأنها من المعاصي التي يتعدى ضررها على الآخرين (¬4). الثاني: أن الشرط في ذاته محرم شرعا، فلا يجوز اشتراطه، كما لا يجوز له التعاقد عليه استقلالا، مثل: أن يشتري عصيرا لعمله خمرا، أو سلاحا ليقاتل به المسلمين (¬5). ¬
10] بطلان اشتراط الولاء عند بيع العبد
الثالث: القياس على الشرط الذي يخالف مقتضى العقد، فإذا كان فاسدا باتفاق العلماء، فمن باب أولى الشرط الذي يكون محرما بالشرع.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 10] بطلان اشتراط الولاء عند بيع العبد: • المراد بالمسألة: الولاء هو: ميراث يستحقه المرء بسبب عتق شخص في ملكه، أو سبب عقد الموالاة (¬1). والعرب في الجاهلية كانت تبيع الولاء وتهبه، فجاء الإسلام بالنهي عن ذلك، وجعلَ الولاءَ كالنسب (¬2). ويراد بالمسألة: أن البائع إذا باع العبد، وشرط على المشتري، فقال له: إن أعتقته فإن الولاء يكون لي، فإن الشرط باطل، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) حين ذكر مسألة شراء الشيء الفاسد، وذكر قول أبي حنيفة في التفريق بين ما ليس بمال عند أحد؛ كالميتة والدم، فإنه لا يملكه، ولا يصح تصرفه، وبين ما ليس كذلك، فإنه لا يملكه بالعقد، ولا يجب بالإقباض، فإن أقبضه ملكه ملكا ضعيفا، استدل له فقال: [واحتج له بقصة بريرة، فإن عائشة -رضي اللَّه عنها- شرطت لهم الولاء، وهو شرط فاسد بالاتفاق] (¬3). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [فيه دليل -أي: حديث عائشة في قصة بريرة- على أن شرط البائع للعبد أن يكون الولاء له لا يصح، بل الولاء لمن أعتق بالإجماع] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬5). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: جاءتني بريرة، فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني. فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم، ويكون ولاؤك لي فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عندهم، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالس، فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم، فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم. فسمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبرت عائشة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق" ففعلت عائشة، ثم قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الناس، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد: ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب اللَّه؟ ! ما كان من شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق" (¬1). • وجه الدلالة: أن أهل بريرة اشترطوا لهم الولاء، فأنكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليهم هذا الشرط، وعَدَّه من الشروط المخالفة لكتاب اللَّه، فدل على بطلانه (¬2). الثاني: أن إطلاق البيع يقتضي تصرف المشتري في المبيع على اختياره؛ لأنه إنما بذل الثمن في مقابلة الملك، والملك يقتضي إطلاق التصرف، فالمنع منه يؤدي إلى تفويت الغرض، فيكون الشرط باطلا (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
11] جواز العربون إذا رد على المشتري عند عدم رغبته بالعقد
11] جواز العربون إذا رُدَّ على المشتري عند عدم رغبته بالعقد: • المراد بالمسألة: العربون في اللغة: هو ما عُقِد به المُبَايعة من الثمن، وفيه عدة لغات: العَرَبون، بفتح العين والراء، وعلى وزن عُصْفور، وعُرْبان على وزن عثمان، وأَرَبون، وأُرْبان، وبحذف الهمزة فتكون الرَّبون، وقيل: سمي بذلك؛ لأن فيه إعرابا لعقد البيع، أي: إصلاحا وإزالةَ فساد؛ لئلا يملكه غيره باشترائه (¬1). وفي الاصطلاح عند الفقهاء استعمل على معنيين، هما: الأول: أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع جزءا من الثمن، على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فذلك الجزء للبائع (¬2). وهذا هو المعنى المشهور. الثاني: أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع جزءا من الثمن، فإن أخذ السلعة حسبه من الثمن، وإلا رده إليه، فلا يكون للبائع شيء. وهذا نَصَّ على ذكره المالكية، والبعلي (¬3) من الحنابلة (¬4)، وكأن تسميته بالعربون تسمية مجازية، وليست حقيقة. والاستعمال الثاني هو المراد بالمسألة معنا، وهو جائز عند جميع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [ويحتمل أن يكون بيع العربان. . . أن يجعل العربان عن البائع من ثمن سلعته إن تم البيع، وإلا رده، وهذا وجه جائز عند الجميع]. ولما ذكر كلام الإمام مالك حين قال: [في الرجل يبتاع ثوبا من رجل، ¬
فيعطيه عربانا على أن يشتريه، فإن رضيه أخذه، وإن سخطه رده، وأخذ عربانه، إنه لا بأس به]، قال أبو عمر: [لا أعلم في هذا خلافا] (¬1). نقله عنه أبو عبد اللَّه القرطبي، والعظيم آبادي (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد الرحمن بن فروخ (¬4) أن نافع بن عبد الحارث (¬5) اشترى دارا بمكة من صفوان بن أمية (¬6) بأربعة آلاف، فإن رضي عمر فالبيع له، وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة (¬7). ¬
12] عدم دخول العيب الحادث في البراءة من العيب
• وجه الدلالة: أن هذا وقع في زمن عمر وبإقراره وهو أنه أجاز العربون الذي يكون فيه عوض من غير مقابل، إذا لم يستقر المشتري على شراء السلعة، فإذا كان هذا جائزا، فمن باب أولى أن يجوز إذا لم يكن ثمة عوض. الثاني: أنه إذا تم البيع بينهما فقد تم بشروطه وأركانه، وإذا لم يتم لم يكن فيه ضرر على أحدهما.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 12] عدم دخول العيب الحادث في البراءة من العيب: • المراد بالمسألة: إذا شرط البائع على المشتري أن يكون بريئا من كل عيب بالسلعة، ووقع عيب فيها بعد البيع، سواء كان قبل القبض أو بعده، فإن العيب الحادث لا يدخل في البراءة التي شرطها البائع، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • السرخسي (¬1) (483 هـ) يقول: [ولو كان شرط البراءة من كل عيب به، فهذا يفسد العيب الموجود، فلا يتناول الحادث بالاتفاق] (¬2). • الحداد (800 هـ) يقول: [وإن قال البائع: على أني بريء من كل عيب به، لم يدخل الحادث بعد البيع قبل القبض إجماعا] (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [(ويدخل في هذه البراءة) ش: إنما قال: في هذه البراءة، احترازا عن البراءة التي شرطها البائع في قوله: بعته على أني بريء من كل عيب به، فإنه لا يبرأ عن الحادث، بالإجماع] (¬4). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [وأجمعوا أن البيع لو كان بشرط البراءة من كل ¬
عيب به، لا يدخل الحادث في البراءة] (¬1). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [وأجمعوا أنه لو أبرأه من كل عيب به، لا يدخل الحادث] (¬2). نقله عنه ابن عابدين (¬3). • عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول: [وأجمعوا أنه لو أبرأه من كل عيب به، لا يدخل الحادث] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، وهو الوجه المشهور عند الشافعية، وهو رأي الحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن لفظه يدل على عدم عموم البراءة، فهو خاص بالموجود دون غيره، فيقتصر عليه (¬6). الثاني: أن البراءة من العيب الحادث يعد إسقاطا للشيء قبل ثبوته، فلا يسقط، كما لو أبرأه عن ثمن ما يبيعه له (¬7). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في وجه عندهم، وقالوا بصحة الإبراء لو اشترط البراءة عن العيب الحادث (¬8). ¬
ويمكن أن يستدل لهؤلاء: بالقياس على البراءة من المجهول؛ فكما أنه يصح، فكذلك البراءة من العيب الحادث، بجامع أن العيب في كل منهما لا يعلمه أحد من المتعاقدين، وربما وجد وربما لا يوجد.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. * * *
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب الخيار في البيع
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب الخيار في البيع 1] لزوم العقد بعد خيار المجلس: • المراد بالمسألة: من أنواع الخيار خيار المجلس، والمراد به: حق كل واحد من المتعاقدين في إمضاء العقد أو فسخه، ما داما مجتمعين في المكان الذي وقع فيه التعاقد، منذ تلاقي الإيجاب والقبول إلى أن يتفرقا، ويكون لكل واحد منهما مجلسه المستقل (¬1). فإذا تعاقدا، ثم تفرقا بأبدانهما، ولم يكن في السلعة عيب يوجب الرد، ولا وقع من البائع تدليس في السلعة، فإن الخيار ينقطع، ويصبح العقد لازما بينهما، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن البيع كما ذكرنا، وتفرقا عن موضع التبايع بأبدانهما افتراقا غاب كل واحد منهما عن صاحبه مغيبَ ترك لذلك الموضع، وقد سلَّم البائع ما باع إلى المشتري سالما لا عيب فيه، دلَّس أو لم يدلس، وسلَّم المشتري إليه الثمن سالما بلا عيب، فإن البيع قد تم] (¬2). نقله عنه ابن القطان (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬4). ¬
2] عدم ثبوت خيار المجلس في العقود الجائزة، واللازمة التي لا يقصد منها العوض
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرقا، وكانا جميعا، أو يخيِّر أحدهما الآخر، فإن خيَّر أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك أحدهما البيع، فقد وجب البيع" (¬1). الثاني: عن حكيم بن حزام -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" (¬2). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الخيار للمتبايعين، حتى يقع الفراق بينهما، ثم بعده يلزم البيع.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 2] عدم ثبوت خيار المجلس في العقود الجائزة، واللازمة التي لا يقصد منها العوض: • المراد بالمسألة: العقود عند العلماء تنقسم باعتبار اللزوم وعدمه إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: العقود اللازمة من الطرفين، وهي على نوعين: 1) العقود التي لا يقصد منها العوض، وذلك مثل: النكاح والخلع. ¬
2) العقود التي يقصد منها العوض، وذلك مثل: البيع والصلح ونحوها. القسم الثاني: العقود الجائزة من الطرفين، وذلك مثل: الشركة والمضاربة والوكالة ونحوها. القسم الثالث: العقود اللازمة من طرف، والجائزة من الطرف المقابل، وذلك مثل: الرهن والكفالة ونحوها. وحين يقال بهذا التقسيم فإن الأمثلة لا تنضبط دائما؛ لأن من العقود ما يكون الأصل فيها الجواز، وقد يكون لازما في بعض الأحوال، ولذا يقال بأن المراد النظر إلى ذات العقد، بغض النظر عن ما يطرأ عليه (¬1). ويقصد بالمسألة هنا: أن العقود غير اللازمة، وكذلك العقود اللازمة التي لا يقصد منها العوض، كلها لا يثبت فيها خيار المجلس، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن خيار المجلس لا يثبت في العقود التي هي غير لازمة: كالشركة، والوكالة، والمضاربة. واتفقوا على أنه لا يثبت أيضا في العقود اللازمة التي لا يقصد منها العوض: كالنكاح، والخلع، والكتابة] (¬2). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬3). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ولا يثبت في النكاح خيار، وسواء في ذلك خيار المجلس وخيار الشرط، ولا نعلم أحدا خالف في هذا] (¬4). • النووي (676 هـ) يقول: [. . . النكاح، ولا خيار فيه بلا خلاف] (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن حكيم بن حزام -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الخيار في البيع، ولم يذكر غيره، فدل على اقتصاره عليه، وما كان مثله من عقود المعاوضات المحضة الواقعة على العين، وعليه فلا يدخل فيه العقود الجائزة، ولا اللازمة التي لا يقصد منها العوض. الثاني: أن الخيار شرع لدفع الضرر عن المتعاقدين، فلا يمكنه الفسخ إلا به، وإذا كان العقد جائز فإن الشارع جعل له حق الفسخ، فيُسْتغنى بجواز العقد عن ثبوت الخيار له. الثالث: أما النكاح فلأن في ثبوت الخيار مضرة كبيرة على المرأة، لما يلزم منه من ردها بعد ابتذالها بالعقد، وذهاب حرمتها بالرد، وإلحاقها بالسلع، ثم هو لا يقع في الأصل إلا بعد روية ونظر، فلا يحتاج إلى الخيار بعده (¬3). • المخالفون للإجماع: هذه المسألة جعلها ابن هبيرة قاعدة، وهي في أصلها ثابتة، لكن الأمثلة عليها ¬
هي التي وقع في بعضها خلاف: كالكتابة وعوض الخلع. أما الكتابة، فقد خالف فيها بعض العلماء: فهناك وجه عند الشافعية حكي عن الدارمي (¬1) أنه يثبت خيار المجلس للمكاتب. وقد حكم النووي على هذا الوجه بأنه ضعيف وشاذ (¬2). وخالف الحنابلة في رواية فقالوا: إن العبد المكاتب له الخيار مطلقا بخلاف السيد. قاله القاضي، وإذا امتنع كان الخيار للسيد. قاله ابن عقيل، وهذا ظاهر كلام الخرقي، وقال به الشيرازي (¬3) وابن البنا (¬4). وقال أبو بكر: إن كان قادرا على الوفاء فلا خيار له، وإن عجز عنه فله الخيار (¬5). أما عوض الخلع، فهناك وجهان للشافعية فيه، أحدهما: أن فيه الخيار، وهو الوجه المرجوح عندهم (¬6).Rصحة الإجماع في أصل المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. أما ¬
3] لزوم البيع بعد التفرق وعدم الرد إلا بالعيب أو الشرط
الأمثلة فقد وقع الخلاف في بعضها. 3] لزوم البيع بعد التفرق وعدم الرد إلا بالعيب أو الشرط: • المراد بالمسألة: إذا تعاقد المتبايعان على عين، ثم تفرقا من مجلسهما، ولم يكن ثمة خيار بينهما، فإن العقد لازم بينهما، لا يحق لأحدهما فسخُه إلا بأحد أمرين: إما بوجود العيب الموجب للرد، أو بالشرط الذي يكون بينهما والذي يكون محددا بمدة معلومة، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا وجب البيع، وتفرقا عن المجلس من غير خيار، فليس لأحدهما الرد إلا بعيب] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [لا خلاف في أن البيع يلزم بعد التفرق، ما لم يكن سبب يقتضي جوازه] ثم ذكر من أسباب جواز الرد فقال: [أن يجد بالسلعة عيبا فيردها به، أو يكون قد شرط الخيار لنفسه مدة معلومة فيملك الرد أيضا، ولا خلاف بين أهل العلم في ثبوت الرد بهذين الأمرين] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [لا خلاف في أن البيع يلزم بعد التفرق، ما لم يكن سبب يقتضي جوازه، مثل أن يجد في السلعة عيبا، فيردها به، أو يكون قد شرط الخيار لنفسه مدة معلومة، فيملك الرد فيها، بغير خلاف علمناه بين أهل العلم] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬5). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إذا تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرقا وكانا جميعا، أو يخير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع" (¬1). الثاني: عن حكيم بن حزام -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" أو قال: "حتى يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بُوركَ لهما في بيعهما، وإن كتما وكَذَبَا مُحقِتْ بركة بَيْعِهما" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل البيع إلى غاية، وهي التفرق بين المتبايعين، أو قطع الخيار بينهما، فدل على لزوم البيع بعد هذه الغاية. الثالث: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رجلا اشتري من رجل غلاما في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان عنده ما شاء اللَّه، ثم ردَّه من عيب وجد به، فقال الرجل حين رد عليه الغلام: يا رسول اللَّه إنه كان استغل غلامي منذ كان عنده؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخراج بالضمان" (¬3). ¬
4] مشروعية خيار الشرط
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقر الرجل حين رد الغلام لما وجد به العيب بعد لزوم البيع.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 4] مشروعية خيار الشرط: • المراد بالمسألة: خيار الشرط هو: حق يثبت بالاشتراط لأحد المتعاقدين أو كليهما، يُخوِّل مُشْترِطه فسخ العقد خلال مدة معلومة (¬1). وهو في الأصل مشروع، في حق المتعاقدين كليهما أو أحدهما مع موافقة الآخر، إذا كانت مدته معلومة، ولم تكن العين مما يُشترط فيها التقابض في المجلس: كأن تكون من الربويات، أو سَلَما، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • القاضي عياض (544 هـ) يقول لما تكلم عن قوله: "إلا بيع خيار" في حديث ابن عمر: [أصل في جواز بيع الخيار المطلق والمقيد، ولا خلاف فيه على الجملة] (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [خيار الشرط: نحو أن يشترط الخيار في البيع مدة معلومة، فيجوز بالإجماع] (¬3). • النووي (676 هـ) يقول: [يصح شرط الخيار في البيع بالإجماع، إذا كانت مدته معلومة] (¬4). • العيني (855 هـ) يقول: [وشرط الخيار، جائز بإجماع العلماء والفقهاء] (¬5). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [وشرط الخيار، مجمع عليه] (¬6). • النفراوي (1125 هـ) يقول لما شرع في الكلام على خيار الشرط: [والإجماع على جوازه] (¬7). ¬
• عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول بعد ذكر خيار الشرط: [ويصح الشرط، بالاتفاق] (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار" (¬2). • وجه الدلالة: جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الخيار للمتبايعين ما لم يحصل التفرق بينهما، فبعده يجب البيع، إلا في حالة واحدة، وهي: إذا كان البيع فيه شرط خيار منهما أو من أحدهما، فإنه يلزم الوفاء به (¬3). الثاني: عن محمد بن يحيى بن حبان (¬4) قال جدي منقذ بن عمرو (¬5): كان رجلا ¬
5] بطلان العقد مع خيار الشرط المطلق
قد أصابته آمة (¬1) في رأسه فكسرت لسانه، وكان لا يدع على ذلك التجارة، وكان لا يزال يُغْبن، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال له: "إذا أنت بايعت فقل لا خِلابة (¬2)! ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك، وإن سخطت فارددها على صاحبها" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما ذكر له الرجل أنه يخدع في البيع، أمره بأن يشترط أن له الخيار ثلاثة أيام في السلعة، فإن رضيها وتبين له صلاحها وصلاح ثمنها بعد الوقت المشترط، فقد تم البيع، وإلا فلا (¬4). الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المسلمون على شروطهم" (¬5). • وجه الدلالة: هذا الحديث عام في كل شرط يشترطه المتعاقدان أو أحدهما في العقد سواء في الإمهال أو غيره، ما لم يكن الشرط مخالفا لكتاب اللَّه وسنة النبي عليه السلام (¬6).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 5] بطلان العقد مع خيار الشرط المطلق: • المراد بالمسألة: إذا شرط أحد العاقدين الخيار، ولم يُحدِّده بوقت معلوم، مثل أن يقول: لي الخيار مطلقا، أو أبدا، أو أياما ولم يعينها، أو لم يذكر وقتها، ¬
فإن البيع يبطل مع الشرط، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [إذا باع بشرط الخيار، ولم يوقت للخيار وقتا معلوما بأن قال: أبدا، أو أياما، أو لم يذكر الوقت، فسد البيع بالإجماع] (¬1). • الإتقاني (¬2) (758 هـ) يقول: [ولو شرط الخيار أبدا، لا يجوز بالإجماع]. نقله عنه الشلبي (¬3). • الحداد (800 هـ) يقول: [ولو شرط خيار الأبد، يفسد العقد إجماعا] (¬4). • العيني (855 هـ) يقول: [ولو شرط الخيار أبدا، لا يجوز بالإجماع] (¬5). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [لو شرط الخيار أبدا، أو مطلقا، أو مؤقتا بوقت مجهول، فسد بالإجماع] (¬6). • علي حيدر (1353 هـ) يقول: [التقسيم الثاني -أي: من تقسيمات خيار الشرط-: باعتبار المدة، وتحته أربعة أنواع، وهي: 1 - اشتراط الخيار مدة، بأن يشترط أحد المتبايعين الخيار من غير توقيت، أو تأبيد، كأن يقول: أنت مُخيَّر. 2 - اشتراط الخيار مؤبدا، كأن يبيع ويشتري شخص مالا، مشترطا له الخيار أبدا. 3 - أن يشترط الخيار مؤقتا بوقت مجهول، كأن يشترط بضعة أيام، بدون أن ¬
يبين عددها، أو إلى هبوب الريح، أو حضور فلان من سفر. ففي هذه الصور الثلاث، البيع غير صحيح بالاتفاق] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية، والحنابلة في المشهور عندهم (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الغرر" (¬3). • وجه الدلالة: أن من الغرر الجهالة في مدة الشرط الذي بين البائع والمشتري؛ إذ هي مدة ملحقة بالعقد، فهي مظنة النزاع بينهما (¬4). الثاني: أن اشتراط الخيار أبدا يقتضي المنع من التصرف في العين المباعة على الأبد، وذلك ينافي مقتضى العقد، فلم يصح، كما لو قال: بعتك بشرط أن لا تتصرف (¬5). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال: القول الأول: أنه يجوز جعل الخيار مطلقا، وهما على خيارهما إلا أن يقطعاه. وهذا رواية عند الحنابلة (¬6). وقال به: ابن شبرمة (¬7) (¬8). . . . . . . . ¬
والحسن بن حي (¬1) وعبيد اللَّه بن الحسن (¬2) (¬3). واستدل هؤلاء بدليل من السنة، وهو: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المسلمون على شروطهم" (¬4). • وجه الدلالة: أن الشارع رد الأمر في الشروط إلى المتشارطين، فهما على شرطهما ما داما قد تراضيا عليه، ولم يخالفا الشرع فيه (¬5). القول الثاني: أنه يصح شرطه، ويجعل له السلطان من الخيار مثل ما يكون له في مثل تلك السلعة في غالب العادة. قال به الإمام مالك (¬6). واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: أن هذا الخيار شرعه الشارع من أجل الحاجة إليه، والحاجة تختلف باختلاف أنواع المبيع، فإذا أخلَّا بذكره فيَردُّ السلطان أمرهم إلى ما هو متعارف عليه؛ ألا ترى أنهما لو زادا عليه لفسد العقد به، ولم يثبت لهما ما زاداه (¬7). القول الثالث: أنه إذا لم يذكر وقتا معلوما كان البيع صحيحا والثمن حالا، وكان له الخيار في الوقت إن شاء أمضى وإن شاء رد. قال به الطبري (¬8). ويمكن أن يستدل لقوله: بأن هذا له حكم الشرط الفاسد؛ لاشتماله على الغرر، وجعْلِ المشتري مقيدا في تصرفه، فيُلْغى الشرط، ويبقى البيع صحيحا.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ¬
6] جواز اشتراط الخيار ثلاثة أيام بلياليها
6] جواز اشتراط الخيار ثلاثة أيام بلياليها: • المراد بالمسألة: إذا تبايع المتبايعان السلعة، واشترط أحدهما على الآخر أنه بالخيار ثلاثة أيام، ولم تكن السلعة من الربويات، ولا سلما، أو كانت مما يتلف عادة في هذه المدة، وتراضيا على هذا الشرط، فإن هذا الشرط جائز وصحيح، بإجماع العلماء (¬1). • من نقل الإجماع: • المروزي (¬2) (292 هـ) يقول: [لو أن رجلا اشترى عبدا على أن البائع والمشتري فيه بالخيار ثلاثة أيام، فالبيع جائز، في قول العلماء كلهم، والخيار ثابت] (¬3). • الطبري (310 هـ) يقول: [وعلة من جوَّز -أي: مطلقا ثلاثة وغيرها- ولم يجعل لذلك حدًّا، إجماع الحجة على أن اشتراط الخيار جائز في ثلاثة أيام] (¬4). • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن البيع بخيار ثلاثة أيام بلياليها جائز] (¬5). نقله عنه ابن القطان (¬6). • النووي (676 هـ) يقول: [الأمة مجمعة على جواز شرط الخيار ثلاثة أيام] (¬7). • ابن القيم (751 هـ) يقول: [الأمة مجمعة على جواز اشتراط الرهن، ¬
والكفيل، والضمين، والتأجيل، والخيار ثلاثة أيام، ونقد غير نقد البلد] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • البابرتي (786 هـ) يقول لما ذكر صور خيار الشرط: [وجائز بالاتفاق: وهو أن يقول: على أني بالخيار ثلاثة أيام فما دونها] (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [لو قال أحدهما: البيع جعلتك بالخيار ثلاثة أيام صح بالإجماع] (¬4). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [يجوز إلحاق خيار الشرط بالبيع، لو قال أحدهما بعد البيع ولو بأيام: جعلتك بالخيار ثلاثة أيام، صح بالإجماع] (¬5). • الشربيني (1004 هـ) يقول: [(لهما) أي: لكل من المتعاقدين (ولأحدهما شرط الخيار) على الآخر المدة الآتية -وهي ثلاثة أيام- مع موافقة الآخر، بالإجماع] (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن حَبان بن منقذ (¬7) كان سُفِع في رأسه مأمومة، فثقلت لسانه، وكان يخدع في البيع، فجعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مما ابتاع، فهو بالخيار ثلاثا، وقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بع، وقل: لا خلابة" فسمعته يقول: لا خيابة (¬8). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ابتاع شاة مصراة فهو ¬
7] مشروعية خيار الشرط للمتعاقدين أو أحدهما
بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها، ورد معها صاعا من تمر" (¬1). وجه الدلالة من الحديثين من وجهين: الأول: أن الأصل أن البيع يقع على البت من دون الخيار؛ نفيا لوقوع الغرر، لكن لما جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهما الخيار، دل على جوازه، وأنه مستثنى من الغرر. الثاني: من المقرر شرعا أنه لا يجوز أن يشترط على البائع منعه من التصرف في ثمن ما باعه، ولا على المبتاع فيما ابتاعه، وشرط الخيار يوجب ما مُنع شرعا بإجماع، فلما جاءت هذه الأحاديث خَرَج ذلك من المنع إلى الإباحة، ويقتصر فيه على الوارد وهي الثلاثة أيام (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 7] مشروعية خيار الشرط للمتعاقدين أو أحدهما: • المراد بالمسألة: خيار الشرط مشروع في حق المتعاقدين كليهما، أو أحدهما مع موافقة الآخر، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه يجوز شرط الخيار للمتعاقدين معا, ولأحدهما بانفراد إذا شرطه] (¬3). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬4). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [اتفقوا على صحة خيار المتبايعين، واختلفوا في اشتراط خيار الأجنبي] (¬5). • النووي (676 هـ) يقول: [يجوز شرط الخيار للعاقدين، ولأحدهما، بالإجماع] (¬6). • زكريا الأنصاري (926 هـ) يقول: [ويجوز للعاقدين شرطه -أي: الخيار- لهما ولأحدهما، بالإجماع] (¬7). ¬
• ابن حجر الهيتمي (974 هـ) لما ذكر كلام النووي في المنهاج وهو قوله: [ولهما ولأحدهما شرط الخيار في أنواع البيع] قال معلقا: [التي يثبت فيها خيار المجلس، إجماعا] (¬1). • الشربيني (977 هـ) يقول: [خيار الشرط (لهما) أي: لكل من المتعاقدين (ولأحدهما شرط الخيار) على الآخر المدة الآتية مع موافقة الآخر بالإجماع] (¬2). • الرملي (1004 هـ) يقول معلقا على عبارة النووي السابقة: [التي يثبت فيها خيار المجلس، إجماعا] (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه، ما لم يتفرقا، إلا بيع الخيار" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علق الحكم بهما ولم يذكر غيرهما، فدل على أنه حقهما (¬5). الثاني: أن هذا الخيار شرع لمصلحة المتعاقدين دون غيرهما، فيكون الحق لها في الأصل دون غيرهما. • المخالفون للإجماع: وقع الخلاف في المسألة على قولين: القول الأول: أن خيار الشرط خاص بالمشتري دون البائع. قال به سفيان الثوري وابن شبرمة. وزاد سفيان بأنه: لو وقع الشرط من البائع، فإن البيع فاسد (¬6). ¬
8] إجازة البيع لمن لشرط له الخيار في مدة الخيار
ويمكن أن يستدل لقولهما: بأن النص إنما ورد بالخيار للمشتري دون البائع، فيقتصر فيه على ما ورد (¬1). القول الثاني: ليس للمتعاقدين حق اشتراط الخيار، سواء منهما، أو من أحدهما مطلقا، وإن وقع فالبيع باطل. قال به ابن حزم من الظاهرية (¬2). ودليله مبني على قاعدته في الشروط، وهي: أن كل شرط لم يُنَص عليه في كتاب اللَّه فهو باطل، وخيار الشرط ليس في كتاب اللَّه ولا سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أما القول الأول: فقد حكم بعض العلماء على قوليهما بالشذوذ: كالطحاوي والنفراوي (¬3). أما قول ابن حزم: فليس له سلف بهذا القول، ولذا لم أجد من حكاه عنه من أهل العلم، فدل على عدم اعتباره.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الأقوال المحكية فيها. 8] إجازة البيع لمن لشرط له الخيار في مدة الخيار: • المراد بالمسألة: إذا وقع شرط الخيار من البائع أو المشتري أو أجنبي عنهما، فإن له الحق في مدة الخيار أن يجيز البيع باللفظ الصريح، ويقول: أجزت البيع، وحينئذ يلزم البيع الطرفين، وينقطع الخيار الذي بينهما، وهذا أمر مجمع عليه. • من نقل الإجماع: • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(ومن شرط له الخيار) سواء كان بائعا، أو مشتريا، أو أجنبيا (له أن يجيز) في مدة الخيار، بإجماع الفقهاء] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬5). ¬
9] إجازة البيع ممن له الخيار مع عدم علم صاحبه
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من النظر، وهو: أن الشارع جعل له حق الاختيار بالشرط، ومقتضى ذلك أنه في هذه المدة له التصرف في إنفاذ البيع وعدمه، لا أنه لا يتصرف إلا بعد مضي المدة، فإذا اختار نفاذ البيع، كان هذا له؛ إذ هو الذي رضي بإسقاط حقه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 9] إجازة البيع ممن له الخيار مع عدم علم صاحبه: • المراد بالمسألة: إذا كان شرط الخيار لأحد المتعاقدين دون الآخر، فمن ملك الخيار، كان له حق إجازته في مدته، حتى ولو لم يعلم صاحبه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول: [(ومن شرط له الخيار، فله أن يفسخ في المدة، وله أن يجيز، فإن أجازه بغير حضرة صاحبه جاز، وإن فسخ لم يجز إلا أن يكون الآخر حاضرا، عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: يجوز) وهو قول الشافعي، والشرط هو العلم، وإنما كنى بالحضرة عنه. له أنه مسلط على الفسخ من جهة صاحبه، فلا يتوقف على علمه، كالإجازة) فإن فيها لا يشترط العلم، بالإجماع] (¬1). • الحصكفي (1088 هـ) يقول: [(أجاز من له الخيار) ولو أجنبيا (صح، ولو مع جهل صاحبه) إجماعا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬3). ¬
10] صحة تصرف المشتري في زمن خياره ولزوم العقد
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: كان حَبَّان بن مُنْقذ رجلا ضعيفا، وكان قد سُفِع في رأسه مأمومة، فجعل له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الخيار فيما اشترى ثلاثا، وكان قد ثَقُل لسانه، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بع، وقل: لا خلابة" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشد الرجل إلى ما يقوله إذا خاف الخديعة، وجعل له الخيار ثلاثة أيام، ولم يبين له ما يفعل إذا أراد إجازة البيع أو فسخه، ولو كان حضور البائع وعلمه شرطا لإجازة البيع لبيَّنه له عليه السلام، ومعلوم أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (¬2). الثاني: أن الحق لمن ملك الخيار لا يعدوه، فله التصرف من غير الرجوع إلى صاحبه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 10] صحة تصرف المشتري في زمن خياره ولزوم العقد: • المراد بالمسألة: إذا كان الخيار بيد المشتري، وكان محددا بمدة معينة، وتصرف في العين تصرفا يدل على الرضا, وليس من التصرفات التي تدل على اختبار العين، فإن التصرف جائز، ويعد إنفاذا منه للبيع وقطعا للخيار، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الحداد (800 هـ) يقول: [ولو تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار، والخيار له، جاز تصرفه إجماعا، ويكون إجازة منه] (¬3). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [ولو تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار، ¬
والخيار له، جاز تصرفه إجماعا، ويكون إجازة منه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، وهو الأصح عند الشافعية، ومشهور مذهب الحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن هذه التصرفات علامة على إجازة البيع، وتصرفٌ يدل على الرضا به، فبطل به الخيار، كصريح القول. الثاني: أن التصريح بنقض الخيار إنما هو لدلالته على الرضا بالعقد، فما دل على الرضا به يقوم مقامه، ككنايات الطلاق، فإنها تقوم مقام صريحه (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في رواية عندهم، وكذا الحنابلة في رواية عندهم أيضا، وقالوا: لا يكفي التصرف في العين في إجازة البيع في زمن الخيار، بل لا بد مع التصرف من التصريح بالنقض (¬4). ويمكن أن يستدل لهؤلاء: بأن التصرف في العين في زمن الخيار، يتجاذبه احتمالان، احتمال الاختبار واحتمال إجازة البيع، ولما وقع الاحتمالان، كان المرجح هو صريح القول، فلا يعدل عنه إلى غيره.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ¬
11] تحريم وطء المشتري للجارية في زمن الخيار
11] تحريم وطء المشتري للجارية في زمن الخيار: • المراد بالمسألة: إذا باع البائع الجارية وشرط الخيار له مدة معينة، أو كان الخيار لهما جميعا، فإنه لا يجوز للمشتري وطء الجارية في مدة الخيار، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ولا يجوز للمشتري وطء الجارية في مدة الخيار إذا كان الخيار لهما، أو للبائع وحده. . .، ولا نعلم في هذا اختلافا] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [لا يجوز للمشتري وطء الجارية في مدة الخيار، إذا كان الخيار لهما، أو للبائع وحده. . .، ولا نعلم في هذا خلافا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الجارية قد تعلق بها حق البائع، فلم يبح للمشتري وطؤها في زمن الخيار، كالمرهونة (¬4). الثاني: أن الوطء لا يكون إلا في ملك مستقر، وملك المشتري لا يستقر إلا بعد لزوم البيع، خاصةً وأن الأمر متعلق بالفروج التي يحتاط لها ما لا يحتاط لغيرها.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 12] نفاذ العتق في زمن الخيار: • المراد بالمسألة: إذا كان الخيار للمشتري أو البائع أو لهما معا، وكان المبيع ¬
عبدا، فإن من يملك الخيار له الحق في إعتاقه، وإذا أعتقه وقع عتقه صحيحا في محله ونافذا, وليس للآخر رد العتق باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا كان المبيع عبدا والخيار للمشتري خاصة، فإن أعتقه فإنه ينفذ العتق. واتفقوا على أنه إذا كان المبيع عبدا والخيار للبائع فأعتقه، فإنه ينفذ العتق] (¬1). • النووي (676 هـ) يقول: [فإذا أعتق البائع العبد المبيع في زمن الخيار المشروط لهما، أو للبائع وحده، نفذ إعتاقه على كل قول، وهذا لا خلاف فيه. . .، إذا كان -أي: الخيار- للمشتري وحده، فينفذ إعتاقه على جميع الأقوال بلا خلاف] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك" (¬4). • وجه الدلالة: أن مفهوم الحديث إذا كان العاقد مالكا للعبد؛ فإن له الحق في عتقه، وكل من البائع والمشتري في زمن خيارهما يعدُّ مالكا للعبد، فله الحق في العتق (¬5). ¬
13] بقاء الخيار لمن مات صاحبه الذي لا خيار له
الثاني: أن من له حق الخيار قد وقع الخيار له من غير أن يلحق الضرر بالآخر، فالطرف الثاني قد أسقط حقه بنفسه، فلا حق له في المطالبة؛ لوقوع ذلك عن رضا منه (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة على المشهور عندهم، فقالوا: إنه ينفذ عتق المشتري في زمن الخيار، ولا ينفذ عتق البائع حتى وإن كان الخيار له وحده (¬2). وهذا القول مبني عندهم على أن الملك في زمن الخيار للمشتري وليس للبائع. واستدلوا بدليل من السنة، وهو: ما جاء في حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك" (¬3). • وجه الدلالة: أن مفهوم الحديث أن من أعتق وهو يملك، فإن عتقه يعد نافذا، والملك في زمن الخيار للمشتري، فيصح عتقه دون البائع (¬4).Rصحة الإجماع في حالة ما إذا كان الخيار للمشتري؛ وذلك لعدم المخالف فيها. وعدم صحة الإجماع إذا كان الخيار للبائع، لمخالفة الحنابلة فيها. 13] بقاء الخيار لمن مات صاحبه الذي لا خيار له: • المراد بالمسألة: إذا مات أحد المتعاقدين في مدة الخيار الذي اشتُرِط بينهما، وكان الخيار بيد الطرف الآخر، فإن الخيار بأن في حقه، لا يتأثر بموت صاحبه، فإن شاء أمضى البيع، وإن شاء فسخه، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • السرخسي (483 هـ) يقول: [وأجمعوا أنه إذا مات من عليه الخيار، فإن ¬
الخيار باق] (¬1). • النووي (676 هـ) يقول: [إذا كان الخيار لأحدهما دون الآخر، فمات من لا خيار له، بقي الخيار للآخر، بلا خلاف] (¬2). • البابرتي (786 هـ) يقول: [إذا مات من له الخيار سواء كان البائع، أو المشتري، أو غيرهما، سقط الخيار ولزم البيع، بخلاف ما إذا مات من عليه الخيار، فإنه باق بالإجماع] (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [. . . وقُيِّد -أي: من مات وله الخيار- بموت من له الخيار؛ لأنه بموت من عليه الخيار، لا يبطل بالإجماع] (¬4). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [. . . وقيد -أي: من مات وله الخيار- بمن له الخيار؛ لأنه إذا مات العاقد الذي لا خيار له، فالآخر على خياره بالإجماع، فإن أمضى مضى، وإن فسخ انفسخ] (¬5). • مولى خسرو (885 هـ) يقول: [وأجمعوا أنه لو مات من عليه الخيار -وهو من لا خيار له- يبقى الخيار] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المسلمون على شروطهم" (¬8). ¬
14] ثبوت الشفعة في زمن خيار المشتري
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن أنه لا بد من الوفاء بالشروط, ولم يستثني عقدا دون عقد، فدل على وجوب الوفاء بها، حتى وإن مات أحد المتعاقدين. الثاني: أن الخيار المشترط حق لازم للطرف الآخر لا يملك أحد إبطاله ولا إسقاطه، ولذا فهو لا يتأثر بالموت. الثالث: القياس على الدَّين المؤجل: فإنه لا يحل بموت من له الدين، وإنما يحل بموت من عليه (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 14] ثبوت الشفعة في زمن خيار المشتري: • المراد بالمسألة: إذا تبايع المتعاقدان عقارا، وكان الخيار للمشتري دون البائع، والبائع له شريك أراد الشفعة في نصيبه، فإن له الحق في المطالبة بالشفعة في زمن الخيار، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [وإن كان للمشتري -أي: الخيار- يثبت للشفيع حق الشفعة، بالإجماع] (¬2). • العيني (855 هـ) لما تكلم عن مسألة ملك السلعة في زمن الخيار، وأنها تَخرج من ملك البائع، ثم ذكر الخلاف في دخولها في ملك المشتري، أورد هذا الإراد على قول من قال بعدم ملك المشتري، فقال: [لو لم يثبت الملك للمشتري، ينبغي أن لا يكون له حق الشفعة به، كما لا يستحق الشفعة بدار السكنى، وكان له حق الشفعة بالإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية في وجه هو الأصح عند جمهورهم، ¬
والحنابلة في رواية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أنه قد زال ملك البائع عنه، وما دام زال ملكه عنه فقد استحق الشريك الشفعة عليه؛ إذ موجبها زوال ملك أحد الشريكين عن العين (¬2). الثاني: القياس على ثبوت الشفعة له بعد انقضاء زمن الخيار: بجامع انتقال الملك في كلٍ منهما. الثالث: أن الحكمة من مشروعية الشفعة هو إزالة ضرر الشركة، ولا فرق بين أن ذلك في زمن الخيار أو بعده، ومن المقرر شرعا أن الضرر يزال (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: المالكية، والشافعية في وجه عندهم، والحنابلة على المشهور عندهم، فقالوا بعدم ثبوت الشفعة للشريك في زمن خيار المشتري (¬4). واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: أن في الأخذ بالشفعة في زمن الخيار، إلزام للمشتري بالعقد قبل رضاه، وإيجابٌ للعهدة عليه، وتفويتٌ لحقه من الرجوع في عين الثمن (¬5).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ¬
15] صحة خيار الشرط من غير قضاء ولا رضا الطرف الآخر
15] صحة خيار الشرط من غير قضاء ولا رضا الطرف الآخر: • المراد بالمسألة: إذا تعاقدا على سلعة، واشترط أحدهما الخيار لنفسه، فإنه إذا أراد الرد في زمن الخيار، ورفْض البيع، فلا يحتاج في رده إلى حكم القاضي، ولا إلى رضا الطرف الآخر، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن الرد بخيار الشرط، يصح من غير قضاء، ولا رضا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: كان حبان بن منقذ رجلا ضعيفا، وكان قد سُفع في رأسه مأمومة، فجعل له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الخيار فيما اشترى ثلاثا، وكان قد ثقل لسانه، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بع، وقل: لا خلابة" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشد الرجل إلى ما يقوله إذا خاف الخديعة، وجعل له الخيار ثلاثة أيام، ولم يذكر له اشتراط تصديق ذلك من حكم الحاكم أو حتى رضا الطرف الآخر، ولو كان شرطا لبينه له النبي عليه السلام (¬4). الثاني: القياس على الطلاق: فكما أنه لا يشترط فيه حكم الحاكم، ولا رضا الطرف الآخر فكذلك هنا، بجامع أن كليهما رفع للعقد، مجعول إليه، له الحق في التصرف فيه (¬5). ¬
16] إسلام أحد المتعاقدين في زمن الخيار وأثره في العين المحرمة
الثالث: أن الصفقة غير منعقدة مع بقاء الخيار، فكان الرد في معنى الدفع والامتناع من القبول (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 16] إسلام أحد المتعاقدين في زمن الخيار وأثره في العين المحرمة: • المراد بالمسألة: إذا تبايع ذميَّان عينا من الأعيان المحرمة: كالخمر والخنزير ونحوهما، واشترط المشتري منهما الخيار لنفسه أياما وقبض السلعة، ثم أسلم البائع قبل مضي مدة الخيار، فإن البيع لا يبطل، والخيار باق على حاله بإجماع العلماء. وإذا كان الخيار للبائع ثم أسلم في زمنه، فالبيع باطل بالإجماع. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [إذا اشترى ذمي من ذمي خمرا أو خنزيرا على أنه بالخيار ثلاثة أيام، وقبضه، ثم أسلم المشتري بطل العقد عند أبي حنيفة. . .، وعندهما يلزم العقد، ولا يبطل. . .، ولو أسلم البائع، لا يبطل البيع بالإجماع] (¬2). • الزيلعي (743 هـ) يقول: [لو اشترى ذمي من ذمي خمرا على أنه بالخيار، ثم أسلم المشتري في مدة الخيار، بطل الخيار عندهما. . .، وعنده يبطل البيع. . .، ولو أسلم البائع والخيار للمشتري، بقي على خياره بالإجماع] (¬3). نقله عنه ابن عابدين (¬4). • البابرتي (786 هـ) يقول: [(إذا اشترى ذمي من ذمي خمرا بالخيار ثم أسلم بطل الخيار عندهما، وعنده بطل الخيار والبيع). . .، وإذا كان الخيار للبائع وأسلم، يبطل البيع بالإجماع، وإذا كان الخيار للمشتري وأسلم البائع، لا يبطل البيع بالإجماع] (¬5). • العيني (855 هـ) يقول: [إذا كان الخيار للبائع، وأسلم البائع، يبطل البيع ¬
بالإجماع] (¬1). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(إذا اشترى ذمي من ذمي خمرا على أن المشتري بالخيار، ثم أسلم المشتري في مدة الخيار بطل خياره عندهما، وعنده بطل البيع). . .، أما لو كان الخيار للبائع، وأسلم، فبطلان البيع بالإجماع] (¬2). • عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول: [(ولو اشترى ذمي من ذمي حرابه) أي: بالخيار (فأسلم في مدته بطل شراؤه) عند الإمام. . .، وعندهما بطل الخيار. . .، وهو مسلم، هذا في إسلام المشتري. أما لو أسلم البائع، فلا يبطل بالإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن البيع في حق البائع يعتبر باتا لا خيار فيه، والإسلام في البيع البات لا يؤثر في بطلان العقد إذا كان بعد القبض (¬5). الثاني: أن من شروط البيعِ: الماليةُ في العين، وهذه الأعيان المحرمة بعد إسلام أحدهما ذهبت ماليتها، فلا يجوز تبايعها. ¬
17] بقاء خيار الشرط للبائع المرتد
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 17] بقاء خيار الشرط للبائع المرتد: • المراد بالمسألة: إذا اشترط البائع الخيار، ثم ارتدَّ عن الإسلام في زمن الخيار، فإن حقه في الخيار باق، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الإسبيجابي (في حدود: 480 هـ) يقول: [ولو ارتدَّ -أي: البائع الذي شرط الخيار لنفسه - فعلى خياره، إجماعا]. نقله عنه العيني، وابن الهمام، وابن نجيم (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من القياس، وهو: القياس على المغمى عليه: فكما أن حقه في الخيار باق، فكذلك المرتد، ¬
18] صحة البيع مع الغبن اليسير
بجامع أن كلا منهما قد زال عنه التكليف، وهو مظنة للرجوع إليه، ولم يقع ضرر للعاقدين؛ لأنهما ما زالا في المدة المشترطة بينهما، فهي مدة باقية من دون هذا العارض.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 18] صحة البيع مع الغبن اليسير: • المراد بالمسألة: الغبن في اللغة: أصل الكلمة يدل على ضعفٍ واهتضامٍ ونقص، يقال: غُبن الرجل في بيعه فهو يغبن غبنا، وذلك إذا حصل له النقص في البيع واهتضم فيه (¬1). وهو بإسكان الباء يستعمل في الأموال، وبفتحها يستعمل في الآراء (¬2). • وفي الاصطلاح: هو النقص في أحد العوضين بأن يكون أحدهما أقل مما يساوي البدل الآخر عند التعاقد. فهو من جهة الغابن تمليك مال بما يزيد على قيمته، ومن جهة المغبون تملك مال بأكثر من قيمته (¬3). وهو على قسمين عند الفقهاء: القسم الأول: الغبن الفاحش وضابطه هو: ما لا يدخل تحت تقويم المقومين. القسم الثاني: الغبن اليسير، وضابطه هو: ما يدخل تحت تقويم المقومين (¬4). والمراد بالمسألة معنا: الغبن في أصل حكمه محرم شرعا بإجماع العلماء، أما اليسير منه الذي إذا رُجِع فيه إلى العارفين بالسلع من التجار فإنه لا يخرج عن تقويمهم، فهذا غير مؤثر على صحة البيع، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن العربي (543 هـ) يقول: [متى خرج عن يد أحدٍ شيءٌ من ماله بعلمه لأخيه، فقد أكل كل واحد منهما ما يرضي اللَّه ويرتضيه، وإن خرج شيء من ماله ¬
عن يده بغير علمه فلا يخلو: أن يكون مما يتغابن الناس بمثله مما لا غنى عنه في ارتفاع الأسواق وانخفاضها عنه، فإنه حلال جائز بغير خلاف] (¬1). ويقول أيضا: [الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع في حكم الدين. . .، لكن اليسير منه لا يمكن الاحتراز عنه لأحد، فمضى في البيوع] (¬2). نقل عنه العبارة الثانية أبو عبد اللَّه القرطبي (¬3). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن الغبن في البيع بما لا يفحش، لا يؤثر في صحته، (¬4). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬5). • خليل (¬6) (776 هـ) يقول: [والغبن: بفتح الغين وسكون الباء عبارة عن اشتراء السلعة بأكثر مما جرت به العادة أن الناس لا يتغابنون بمثله، أو بيعها بأقل كذلك، وأما ما جرت به العادة، فلا يوجب ردا باتفاق]. نقله عنه الحطاب، وميارة (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} (¬9). ¬
19] النهي عن تلقي الركبان
• وجه الدلالة: أن اللَّه عز وجل خصَّص التغابن بيوم القيامة، وهذا الاختصاص يفيد أنه لا غبن في الدنيا، وأنه من الأمور المحرمة (¬1). الثاني: أن اليسير لا يمكن الاحتراز منه، إذ لو حكمنا برده ما نفذ بيع أبدا؛ لأنه لا يخلو منه بيع، فلوجود المشقة عفي عنه (¬2). الثالث: أن عادة الناس جرت بالتسامح في الأشياء اليسيرة، وعادة الناس وعرفهم مُحكَّم مُعْتبر (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 19] النهي عن تلقي الركبان: • المراد بالمسألة: تلقي الركبان هو: الخروج من البلد التي يُجلب إليها القوت، لملاقاة أصحابه القادمين لبيعه، من أجل شرائه منهم قبل أن يبلغوا به السوق (¬4). وهذا منهي عنه، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على كراهية تلقي الركبان] (¬5). • الموافقون على الإجماع: ¬
وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا تلقوا السلع حتى يُهبط بها إلى السوق" (¬2). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فهذا أتى سيده السوق فهو بالخيار" (¬3). الثالث: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تلقوا الركبان، ولا يبيع حاضر لباد" قال: فقلت لابن عباس: ما قوله: "لا يبيع حاضر لباد؟ " قال: لا يكون له سمسارا (¬4). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: التفصيل في المسألة: إن كان التلقي فيه ضرر على أهل البلد، أو حصل التلبيس من المتلقِي على المتلقَى فهذا مكروه كراهة تحريمية، وإذا لم يكن أحد الأمرين فإنه لا بأس به. قال بهذا الأوزاعي، والحنفية (¬5). واستدل هؤلاء بحديث أبي هريرة السابق. ¬
20] صحة البيع الواقع في السوق على سبيل التلقي
• وجه الدلالة: قال الطحاوي: [أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أثبت البيع وجعل له الخيار، وهذا يدل على أن التلقي المكروه إذا كان فيه ضرر فلذا جعل فيه الخيار، فإذا لم يكن فيه ضرر فليس بمكروه] (¬1). القول الثاني: أن التلقي مكروه مطلقا. وهو رواية عند الحنابلة تفرد بحكايتها صاحب الرعاية الكبرى (¬2). ومثل هذا التفرد لا بد من التحري فيه، فأين علماء المذهب الكبار الذين عُنوا بذكر الروايات عن الإمام؟ ثم إنه قد نص علماء المذهب على عدم اعتماد ما انفرد به مِنْ ذكر الروايات (¬3)، وعليه فلا يعتمد على هذه الرواية.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها، إلا أن يكون مقصود ابن هبيرة أنه إجماع على أقل ما قيل فيها، وهذا أيضا يرده التفصيل الذي يراه الحنفية. 20] صحة البيع الواقع في السوق على سبيل التلقي: • المراد بالمسألة: إذا تلقى الناس الركبان بعد أن بلغوا به السوق، فإن هذا البيع صحيح، بعد توفر أركانه وشروطه باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن البيع الصحيح، إذا وقع في الأسواق، وعلى سبيل التلقي، فهو جائز] (¬4). • الموافقون على الإجماع: ¬
21] تحريم النجش في البيع
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار" (¬2). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تلقوا الركبان، ولا يبيع حاضر لباد" قال: فقلت لابن عباس: ما قوله لا يبيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسارا (¬3). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن تلقي الركبان، والتلقي إنما يكون للقادم من خارج البلد، فدل على أنه إذا وصل البلد ودخل السوق، فإنه لا يدخل في النهي.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 21] تحريم النَّجَش في البيع: • المراد بالمسألة: النجش في اللغة: بفتح الجيم، وروي بإسكانها، بمعنى إثارة الشيء. وسُمي الناجش بذلك؛ لأنه يثير الرغبة في السلعة، ويرفع ثمنها (¬4). • وفي الاصطلاح: مدح السلعة والزيادة في ثمنها، ممن لا يريد شراءها، وإنما يَغُر بذلك غيره (¬5). ¬
والمراد هنا: أن النجش حرام وفاعله عاص بفعله، آثم بإقدامه على هذا، إذا كان عالمًا بالفعل والنهي، وزاد أكثر من ثمن مثل السلعة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول لما تكلم عن معنى النجش: [وأجمعوا أن فاعل ذلك عاص بفعله] (¬1). ويقول أيضا: [وأجمعوا أن فاعله عاص للَّه إذا كان بالنهي عالما] (¬2). نقله عنه ابن رجب (¬3). • ابن بطال (449 هـ) يقول: [أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله] (¬4). نقله عنه ابن حجر، والصنعاني، والشوكاني (¬5). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على كراهية بيع النجش] (¬6). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وأما نهيه عليه السلام عن النجش، فاتفق العلماء على منع ذلك] (¬7). • النووي (676 هـ) يقول لما تكلم عن معنى النجش: [وهذا حرام بالإجماع] (¬8). نقله عنه العظيم آبادي (¬9). • أبو زرعة العراقي (826 هـ) يقول: " [النجش حرام. . .، وهذا إجماع كما حكاه غير واحد] (¬10). ¬
22] صحة البيع السالم من النجش
• المناوي (1031 هـ) يقول لما بيَّن معنى النجش: [وحرم إجماعا على العالم بالنهي] (¬1). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول لما ذكر معنى النجش: [وأجمعوا على تحريمه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن النجش" (¬4). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تتلقوا الركبان للبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا" (¬5). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن النجش، والنهي يقتضي التحريم، والمحرم يأثم فاعله.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 22] صحة البيع السالم من النجش: • المراد بالمسألة: إذا تبايع المتعاقدان، وتم البيع بأركانه وشروطه، وسلم بيعهما من النجش، فإن البيع صحيح، والعقد تام، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن البيع الصحيح إذا سلم من النجش، جائز] (¬6). نقله عنه ابن القطان (¬7). ¬
23] تحريم التصرية
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن النجش" (¬2). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن التلقي للركبان، وأن يبيع حاضر لباد، وأن تسأل المرأة طلاق أختها، وعن النجش، والتصرية، وأن يستام الرجل على سوم أخيه" (¬3). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن النجش، فدل بالمفهوم أن البيع إذا سلم منه، فإنه صحيح تام.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 23] تحريم التصرية: • المراد بالمسألة: التصرية في اللغة: مأخوذة من الصَّرِّ وهو الشّد، والصِّرَار: خِرقة تشد على أَطْباء الناقة لئلا يرضعها فصيلها (¬4). قال أبو عبيد: [أصل التصرية: حبس الماء وجمعه، يقال منه: صريت الماء وصريته، ويقال منه: سميت المصرَّاة كأنها مياه اجتمعت. وكأن بعض الناس يتأول من المصراة أنه من صرار الإبل، وليس هذا من ذلك في شيء، لو كان من ذاك لقال: مصرورة، وما جاز أن يقال ذلك في البقر والغنم؛ لأن الصرار لا يكون ¬
إلا للإبل، وفي حديث آخر: أنه نهى عن بيع المحفلة، وقال: "إنها خلابة" (¬1) فالمحفلة هي المصراة بعينها. . .، وإنما سميت محفلة؛ لأن اللبن قد حفل في ضرعها واجتمع، وكل شيء كثرته فقد حفلته. ومنه قيل: قد احتفل القوم، إذا اجتمعوا كثروا] (¬2). فهو يرد على أخذ التصرية من المعنى الأول، وردَّه من ثلاثة أوجه، وقصد بالرد الإمام الشافعي. ومن العلماء من جعل التصرية مأخوذة من المعنيين جميعا. قال الخطابي: [وقول أبي عبيد حسن، وقول الشافعي صحيح] (¬3). وفي الاصطلاح، وقع الخلاف بين العلماء بناء على أصل معنى التصرية في اللغة: التعريف الأول: أن تربط أخلاف الناقة أو الشاة، ثم تترك من الحلاب اليوم واليومين والثلاثة، حتى يجتمع لها لبن، فيراه مشتريها كثيرا، فيزيد في ثمنها لذلك، ثم إذا حلبها بعد تلك الحلبة حلبة أو اثنتين عرف أن ذلك ليس بلبنها؛ لنقصانه كل يوم عن أوله. وهذا التعريف أخذ به الشافعي وغيره (¬4). التعريف الثاني: نفس التعريف الأول، لكن من دون ذكر الربط والشد، وإنما ترك الناقة من غير حلب حتى يجتمع اللبن في ضرعها. وهذا التعريف أخذ به الجمهور (¬5). ¬
والمراد بها هنا: أن تصرية بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم عند البيع بقصد التدليس على المشتري والتغرير به، حرام بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه لا يجوز تصرية الإبل والبقر والغنم للبيع تدلسا على المشتري] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • ابن دقيق العيد (702 هـ) يقول: [لا خلاف أن التصرية حرام] (¬3). • تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [لا خلاف أن فعل التصرية بهذا القصد -أي: التدليس على المشتري - حرام] (¬4). • العيني (855 هـ) يقول: [الكل مجمعون على أن التصرية حرام وغش وخداع] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُصرُّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعا من تمر" (¬7). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تستقبلوا السوق، ولا تحفلوا, ولا ينفق بعضكم لبعض" (¬8). ¬
24] رد المصراة قبل الحلب
• وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن التصرية، والأصل في النهي أنه يقتضي التحريم، ما لم يأت صارف، ولا صارف له هنا. الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من غش فليس مني" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الغش وتوعد عليه، وتصرية العامد لون من ألوان الغش، فتدخل في النهي.Rيظهر -واللَّه أعلم- صحة الإجماع في المسألة، وذلك لعدم المخالف فيها (¬2). 24] رد المصراة قبل الحلب: • المراد بالمسألة: إذا اشترى مصرَّاة، ثم علم بالتصرية قبل حلبها، كأن يقر بها البائع، أو شهد بها من تقبل شهادته، فله ردها, ولا يرد شيئا معها، هذا لا خلاف فيه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) لما ذكر كلام عيسى بن دينار حين قال: [إن علم مشتري المصراة أنها مصراة بإقرار البائع، فردها قبل أن يحلبها لم يكن عليه غرم؛ لأنه لم يحلب اللبن الذي من أجله يلزم غرم الصاع] قال معلقا عليه: [هذا ما لا خلاف فيه، فقف عليه] (¬3). نقله عنه ابن قدامة، وبهاء الدين المقدسي (¬4)، وابن ¬
25] تحريم الغش
القطان، وشمس الدين ابن قدامة، وتقي الدين السبكي (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُصرُّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعا من تمر" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل المشتري بالخيار بين أمرين بعد الحلب، فدل على أنه قبل الحلب له الرد ولا شيء عليه. الثاني: أن الصالح الذي وجب عليه، إنما هو عوض عن اللبن المحلوب، فإذا لم يقع الحلب فلا معنى لإيجاب شيء عليه (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 25] تحريم الغش: • المراد بالمسألة: الغش لغة: بالكسر، ضد النصح، وأصله من الغشش، وهو المشْرَب الكَدِر، يقال: غش صاحبه، إذا زيَّن له غير المصلحة، وأظهر له غير ما أضمر (¬5). ¬
• وفي الاصطلاح: إظهار أحد المتعاقدين أو غيره العقد، بخلاف الواقع، بوسيلة قولية أو فعلية، وكتمان وصف غير مرغوب فيه، لو علم به أحد المتعاقدين لامتنع من التعاقد عليه (¬1). والمراد هنا: أن الغش بهذا المعنى حرام، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن العربي (543 هـ) يقول: [الغش حرام، بإجماع الأمة] (¬2). نقله عنه المناوي (¬3). • الفاكهاني (¬4) (734 هـ) يقول: [لا أعلم خلافا في تحريم الغش والخديعة]. نقله عنه علي بن محمد المنوفي (¬5). • النفراوي (1125 هـ) يقول: [والغش حرمته، مجمع عليها] (¬6). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [والحديث -أي: حديث أبي هريرة في قصة صاحب الطعام- دليل على تحريم الغش، وهو مجمع على تحريمه شرعا] (¬7). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [وهو -أي: حديث أبي هريرة- يدلس على تحريم الغش، وهو مجمع على ذلك] (¬8). • المباركفوري (1353 هـ) يقول: [وهو -أي: حديث أبي هريرة الذي في ¬
مستند الإجماع- يدل على تحريم الغش، وهو مجمع عليه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)} (¬3). • وجه الدلالة: أن التطفيف صورة من صور الغش في المعاملة، وقد توعد اللَّه عليه بالعذاب الأليم في الدار الآخرة، فدل على تحريمه وخطورته وقبح مرتكبه (¬4). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟ " قال: أصابته السماء يا رسول اللَّه، قال: "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس! من غش فليس مني" (¬5). الثالث: عن قيس بن سعد بن عبادة (¬6) -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ¬
26] مشروعية خيار العيب
"الخديعة في النار" (¬1). • وجه الدلالة: أن الغش يعد مخادعة، فصاحبه معرض للوعيد الشديد (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 26] مشروعية خيار العيب: • المراد بالمسألة: خيار العيب: هو رد المبيع بسبب وجود وصف مذموم فيه، ينقص القيمة، أو العين، نقصانا يفوت به غرض صحيح، ويَغْلِب في جنسه عدمه (¬3). ويسمى عند المالكية، والشافعية: بخيار النقيصة (¬4). والمراد هنا: أنه إذا وجد العيب في العين، ولم يكن ثمة عيب آخر وقع بعده، فإن للمشتري حق الخيار بين الرد أو الإمساك، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا وجب البيع، وتفرقا عن المجلس من غير خيار، فليس لأحدهما الرد إلا بعيب] (¬5). ويقول أيضا: [واتفقوا على أن للمشتري الرد بالعيب الذي لم يُعْلم به حال العقد، ما لم يحدث عنده عيب آخر، وأن له إمساكه إن شاء بعد عثوره عليه] (¬6). ¬
• ابن قدامة (620 هـ) لما ذكر لزوم البيع بعد التفرق من المجلس، ذكر بعده حالات جواز الرد، فقال: [أن يجد بالسلعة عيبا فيردها به، أو يكون قد شرط الخيار لنفسه مدة معلومة فيملك الرد أيضا، ولا خلاف بين أهل العلم في ثبوت الرد بهذين الأمرين] (¬1). ويقول أيضا: [متى علم بالمبيع عيبا، لم يكن عالما به، فله الخيار بين الإمساك والفسخ، سواء كان البائع علم العيب وكتمه، أو لم يعلم، لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافا] (¬2). • القرافي (684 هـ) يقول: [. . . والإجماع منعقد عليه -أي: خيار العيب- من حيث الجملة] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه جل جلاله أمر بالوفاء بالعقد، والأمر يقتضي الوفاء به سليما من كل عيب، وإلا فإنه لم يف به على الحقيقة (¬6). الثاني: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رجلا اشترى غلاما في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبه عيب يعلم به، فاستغله، ثم علم العيب فرده، فخاصمه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه إنه استغله منذ زمان؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخراج بالضمان" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقره على رده الغلام لما علم بوجود العيب فيه، فدل على مشروعية الرد بالعيب (¬8). الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُصرُّوا الإبل والغنم، فمن ¬
27] صحة بيع المعيب
ابتاعها بعد، فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاع تمر" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أثبت الخيار بالتصرية، وهذا فيه تنبيه على ثبوته بالعيب عموما قياسا عليها (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 27] صحة بيع المعيب: • المراد بالمسألة: إذا اشترى المشتري المبيع، وتبيَّن أنه معيب عيبا يستحق معه الفسخ، فإن العقد وإن كان غير لازم في حقه، إلا أنه في أصله صحيح، وهذا مجمع عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [وفيه -أي: حديث أبي هريرة في المصراة- دليل على أن بيع المعيب بيع يقع صحيحا بدليل التخيير فيه؛ لأنه إن رضي المبتاع بالعيب جاز ذلك، ولو كان بيع المعيب فاسدا، أو حراما لم يصح الرضا به، وهذا أصل مجتمع عليه] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬4). ¬
28] ثبوت الخيار للعيب المقارن للعقد
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على المصراة: فكما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الخيار للمشتري في المصراة فقال: "هو بخير النظرين" (¬1) والتخيير دليل على تصحيح العقد، وإلا فلا يمكن تصحيح الفاسد، فكذلك في المبيع المعيب (¬2). الثاني: أن النهي في المبيع المعيب إنما هو لحق الآدمي وليس لحق اللَّه، وما كان كذلك فإن العقد يكون صحيحا في ذاته، غير لازم في حق المشتري (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 28] ثبوت الخيار للعيب المقارن للعقد: • المراد بالمسألة: العيب المؤثر الذي يُثْبت الخيار للطرف الآخر، في الثمن أو المثمون المتعاقد عليه، إن كان وجوده حال العقد، فإن الخيار ثابت، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • تقي الدين الحِصْني (¬4) (829 هـ) يقول: [أما جواز الرد له بالعيب الموجود وقت العقد، فبالإجماع] (¬5). • عميرة (957 هـ) يقول: [. . . ثم دليل هذا في العيب المقارن: الإجماع] (¬6). • ابن حجر الهيتمي (974 هـ) يقول: [(للمشتري الخيار) في رد المبيع (بظهور عيب قديم) فيه. . .، وهو أعني القديم: ما قارن العقد، أو حدث قبل القبض، ¬
وقد بقي إلى الفسخ، إجماعا في المقارن] (¬1). • الشربيني (977 هـ) يقول: [(للمشتري) الجاهل بما يأتي (الخيار بظهور عيب قديم) والمراد بقدمه: كونه موجودا عند العقد، أو حدث قبل القبض. . .، أما المقارن، فبالإجماع] (¬2). • الرملي (1004 هـ) يقول: [(للمشتري الخيار) في رد المبيع (بظهور عيب قديم) فيه. . .، وسيأتي أن القديم: ما قارن العقد، أو حدث قبل القبض، وقد بقي إلى الفسخ، إجماعا في المقارن] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رجلا ابتاع غلاما، فأقام عنده ما شاء اللَّه أن يقيم، ثم وجد به عيبا، فخاصمه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول اللَّه! قد استغل غلامي؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخراج بالضمان" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما كان له أن يرد هذا الغلام على الرجل، إلا لأن العيب موجود عند البائع، ولو كان عند المشتري لما رده. الثاني: أن المشتري لم يبذل المال إلا في مقابلة سلعة يأخذها صحيحة، فإذا كانت عند التعاقد غير سليمة، كان له حق الرد بسبب العيب، فالعبرة بالعقد (¬6).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
29] عدم ثبوت الخيار في العيب الحادث بعد العقد والقبض
29] عدم ثبوت الخيار في العيب الحادث بعد العقد والقبض: • المراد بالمسألة: إذا وقع العيب في العين المشتراة بعد وقوع العقد والقبض من قبل المشتري، وكان غير مستند إلى سبب سابق على العقد، ولم تكن تلك العين حيوانا، فإن الخيار لا يثبت في حق المشتري، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • القرافي (684 هـ) لما ذكر مسألة خيار العهدة في مذهب المالكية، بيَّن القول الآخر، فقال: [وخالفنا الأئمة في هاتين العهدتين (¬1)، لانعقاد الإجماع على أن العيب الحادث بعد العقد والقبض، لا يوجب خيارا في غير صورة النزاع] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن المبيع بعد القبض دخل في ضمان المشتري، فلم يُردَّ به العيب الحادث بعده (¬4). الثاني: القياس على خيار الشرط: فكما أنه بعد انتهاء المدة لا يحق لمن له الخيار الرد، فكذلك في وقوع العيب بعد القبض انتهى حق خيار الرد للمشتري.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
30] منع الخيار في البيع إذا ادعي أنه معيب تم تبين أنه سليم
30] منع الخيار في البيع إذا ادعي أنه معيب تم تبين أنه سليم: • المراد بالمسألة: إذا بيَّن البائع للمشتري بأن السلعة معيبة، وأخذها المشتري على هذا، ثم وجدها سليمة، فإنه لا خيار له، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [اتفق العلماء على أنه إذا باعه على أنه معيب، فوجده سليما، لا خيار له] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن مقتضى الرد في الأصل إنما هو على وجود عيب في السلعة عند القبض، فإذا انتفى العيب، زال المقتضي، ويزول تبعا الخيارُ الذي يستحقه (¬3). الثاني: القياس على ما إذا وكل من يشتري له سلعة بمائة فاشتراها بأقل منها: فإنه لا خيار للموكل، فكذلك في المسألة معنا، بجامع أن كلا منهما قد زاده خيرا (¬4). ¬
31] الزنا عيب في الجارية
الثالث: القياس كذلك على ما إذا أعطاه سلعة خيرا من السلعة التي طلبها, ولم يكن له فيها غرض مقصود.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 31] الزنا عيب في الجارية: • المراد بالمسألة: إذا اشترى المشتري الجارية، ثم تبين له أنها زانية، فإن هذا يعتبر عيبا، له الحق في ردها بسببه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن الزنا عيب في الجارية] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يُثرِّب، ثم إن زنت فليجلدها ولا يُثرِّب، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر" (¬4). • وجه الدلالة: إرشاد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى بيع الجارية بعد المرة الثالثة، دليل على أن الزنا عيب ترد به، وإلا فما فائدة الأمر بالبيع بالشيء الحقير (¬5). الثاني: أن من مقاصد تملك الجواري طلب الولد، وزناها يخل بهذا ¬
32] عدم الحيض في الجارية الصغيرة والآيسة الكبيرة لا يعد عيبا
المقصود، فإنها تلوث عليه فراشه (¬1). الثالث: أن الزنا يوجب نقصا في الجارية في عرف التجار، وما أوجب نقصا في المبيع، فإنه يكون عيبا فيه، والمبيع إنما صار محلا للعقد باعتبار صفة المالية، وقد نقصت هذه الصفة فيه (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 32] عدم الحيض في الجارية الصغيرة والآيسة الكبيرة لا يعد عيبا: • المراد بالمسألة: الجارية إذا لم تبلغ من الحيض بأن كانت صغيرة، أو كانت أمة جاوزت سِنَّه بأن كانت كبيرة، فإنه لا يعد عدم حيضها عيبا يثبت به الرد، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول: [(فلو كانت الجارية بالغة لا تحيض، أو هي مستحاضة فهو عيب) قيد بقوله: بالغة؛ لأن عدم الحيض في الصغيرة ليس بعيب بالإجماع، ولو كانت كبيرة قد بلغت من الإياس فهو غير عيب بإجماع الفقهاء -رحمهم اللَّه- أيضا] (¬3). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [انقطاع الحيض لا يكون عيبا إلا إذا كان في أوانه، أما انقطاعه في سن الصغر، أو الإياس، فلا، اتفاقا] (¬4). نقله عنه ابن عابدين (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن العيوب المؤثرة التي يثبت بها الخيار هي التي تنقص من قيمة ¬
33] الزواج في العبد والأمة يعد عيبا
العين، والجارية هنا هذا هو أصل خلقتها، أنها لا تحيض في مثل هذا السن, فلا يكون هذا مؤثرا في ثبوت الرد فيها. الثاني: أن العيوب هي ما تعارف التجار عليها أنها عيب، ولا أحد منهم يَعدُّ عدم الحيض في الصغيرة أو الكبيرة عيبا، فيكون المشتري قد دخل على بصيرة وبيِّنة، فلا يثبت له الرد.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 33] الزواج في العبد والأمة يُعد عيبا: • المراد بالمسألة: إذا باع البائع الأمة أو العبد، وأخذهما المشتري ولم يعلم بأنهما متزوجان، فإذا علم فإن هذا عيب له حق الرجوع فيه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن الجارية إذا اشتراها الرجل، ولها زوج، والمشتري لا يعلم، أن ذلك عيب، يجب به الرد] (¬1). نقله عنه: ابن قدامة، وابن القطان، وشمس الدين ابن قدامة (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [في معرفة العيوب: وهي النقائص الموجبة لنقص المالية في عادات التجار. . .] ثم ذكر جملة من العيوب منها: التزوج في الأمة. ثم قال: [وهذا كله قول أبي حنيفة والشافعي، ولا أعلم فيه خلافا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬4). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن معرفة العيوب مردها إلى العرف، والتجار يعدون النكاح عيبا في الغلام والجارية جميعا. الثاني: أن إطلاق البيع يقتضي سلامة المنافع للمشتري، ولم يسلم له ذلك، فثبت له الرد. الثالث: أن من مقاصد ملك الجارية الافتراش، وهذا المقصود يختل إذا ظهر أنها منكوحة للغير. الرابع: وفي العبد بسبب النكاح يلزمه نفقة امرأته، وذلك ينقص من ماليته، فلهذا كان النكاح عيبا فيهما جميعا (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في وجه عندهم، وكذا الحسن بن حي، قالوا: إن الزواج لا يعد عيبا في الأمة ولا العبد (¬2). ومثلهم عثمان البَتِّي في العبد دون الأمة، فإنه قال: [إذا وجد له امرأة، فله أن يكرهه على طلاقها، فإن أبى أن يطلقها، فلزمته نفقة لها، فهي على البائع] (¬3). ويمكن أن يستدل لهؤلاء بدليل عقلي، وهو: أن العبد والأمة يمكن الانتفاع بهما من غير أن يقع تأثير على الزواج ولا على السيد؛ إذ قد ينتفع بهما في الخدمة ونحوها، فإذا لم يؤثر على السيد، فالتعاقد عليهما يعد صحيحا, ولا يعد عيبا. فأما الوجه عند الشافعية فقد حكم ببطلانه السبكي (¬4). وأما مخالفة الحسن والبتي فهي شاذة، وإن كانت مخالفة البتي أخف من ¬
34] العلم بالعيب يسقط الخيار
الحسن.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 34] العلم بالعيب يسقط الخيار: • المراد بالمسألة: إذا كان في العين المباعة عيب أخبر به البائع، وأطْلع عليه المشتري، وأوقفه عليه، ورضي به، وكان ظاهرًا، فإنه تلزمه العين المعقود عليها، ولا حق له في رد العين بهذا العيب، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أنه إذا بيَّن له البائع بعيب فيه، وحد مقداره ووقفه عليه، إن كان في جسم المبيع فرضِي بذلك المشتري، أنه قد لزمه، ولا رد له بذلك العيب] (¬1). نقله عنه السبكي (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [من اشترى معيبا يعلم عيبه، أو مدلسا، أو مصراة، وهو عالم فلا خيار له. . .، لا نعلم خلاف ذلك] (¬3). • تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [المشتري للعين المعيبة تارة يكون عالما بعيبها، وتارة لا يكون. الحالة الأولى: إن كان عالما، فلا خلاف أنه لا يثبت له الخيار] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬6). ¬
35] تصرف المشتري في المبيع المعيب قبل العلم بالعيب وبعده
• وجه الدلالة: أن اللَّه علق جواز التجارة على التراضي بين المتعاقدين، حتى لا تقع الخصومة بينهما، والمشتري قد رضي بالعيب، فلا حق له في الرد بعد اطلاعه على العيب ورضاه به. الثاني: أن اطلاع المشتري على العيب ورضاه به، بمثابة الشرط بينهما على عدم الرد بهذا العيب، والشروط يجب التزامها والوفاء بها، وفي الحديث: "المسلمون على شروطهم. . . " (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 35] تصرف المشتري في المبيع المعيب قبل العلم بالعيب وبعده: • المراد بالمسألة: إذا اشتري المشتري السلعة المعيبة، وتصرف فيها تصرفا دالا على الرضا، من مثل عرضها للبيع، أو استغلالها ونحوها، فلا يخلو من حالتين: الأولى: أن يكون قد علم بالعيب، وحينئذ يسقط خياره. الثانية: ألا يكون قد علم بالعيب، ففي هذه الحالة لا يسقط خياره، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [فإن استغلَّ المبيع، أو عرضه على البيع، أو تصرف فيه تصرفا دالا على الرضا به، قبل علمه بالعيب، لم يسقط خياره (¬2)؛ لأن ذلك لا يدل على الرضا به معيبا. وإن فعله بعد علمه بعيبه، بطل خياره في قول عامة أهل العلم. قال ابن المنذر: وكان الحسن، وشريح، وعبد اللَّه بن الحسن (¬3)، وابن أبي ليلى، والثوري، وأصحاب الرأي، يقولون: إذا اشترى سلعة، فعرضها على البيع، لزمته. وهذا قول الشافعي، ولا أعلم فيه خلافا] (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وإن استغل المبيع، أو عرضه على ¬
36] منع رجوع المشتري بقيمة العيب في العين مع إمساكها
البيع، أو تصرف فيه تصرفا دالا على الرضا به، قبل علمه بالعيب، لم يسقط خياره؛ لأن ذلك لا يدل على الرضا به معيبا. وإن فعله بعد علمه بعيبه، بطل خياره في قول عامة أهل العلم. قال ابن المنذر: كان الحسن، وشريح، وعبيد اللَّه بن الحسن، وابن أبي ليلى، والثوري، وأصحاب الرأي، يقولون: إذا اشترى سلعة، فعرضها على البيع بعد علمه العيب، بطل خياره. وهذا قول الشافعي، ولا أعلم فيه خلافا] (¬1). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [فإذا ظهر ما يدل على الرضا من قول، أو فعل، سقط خياره بالاتفاق] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن حق الرد إنما شرع لفوات السلامة المشروطة في العقد دلالة، ولما صدر منه ما يدل على الرضا بالعيب بعد العلم به، دل على أنه أسقط حق نفسه. الثاني: أن حق الرد في حال العيب ثبت للمشتري دفعا للضرر عنه، فإذا عرض السلعة للبيع دل على رضاه بالعيب، وإذا ثبت الرضا سقط الخيار بينهما (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 36] منع رجوع المشتري بقيمة العيب في العين مع إمساكها: • المراد بالمسألة: إذا اشترى المشتري العبد، وكان به عيب لم يحدث عنده، ولم يكن قد علم به أو رآه من قبل، والعيب في إزالته مشقة عليه، وانتفى شرط ¬
البراءة من العيوب بينهما، واستمر ملك المشتري له، ولم يتغير بزيادة ولا نقصان، فإنه يثبت له الخيار بين الإمساك والرضا بالعيب، وبين رد العبد وإرجاع كامل الثمن، ولا يحق له الإمساك مع المطالبة بالأرش. هذا إذا لم يكن بينهما مصالحة ورضا على أخذ الأرش، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [أجمعوا أن المبتاع إذا وجد العيب لم يكن له أن يمسكه، ويرجع بقيمة العيب] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن للمشتري الرد بالعيب الذي لم يعلم به حال العقد ما لم يحدث عنده عيب آخر، وأن له إمساكه إن شاء بعد عثوره عليه] (¬3). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬4). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وإذا وُجدت العيوب، فإن لم يتغير المبيع بشيء من العيوب عند المشتري، فلا يخلو: أن يكون في عقار، أو عروض، أو في حيوان، فإن كان في حيوان، فلا خلاف أن المشتري مُخيَّر بين أن يرد المبيع ويأخذ ثمنه، أو يمسك ولا شيء له] (¬5). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [متى علم بالمبيع عيبا لم يكن عالما به، فله الخيار بين الإمساك والفسخ، سواء كان البائع علم العيب وكتمه، أو لم يعلم، لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافا] (¬6). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [من البيوع ما نهي عنه لما فيها من ظلم أحدهما للآخر. . .، وهذه إذا علم المظلوم بالحال في ابتداء العقد، مثل: أن يعلم بالعيب ¬
والتدليس والتصرية، ويعلم السعر إذا كان قادما بالسلعة، ويرضى بأن يغبنه المتلقي، جاز ذلك، فكذلك إذا علم بعد العقد: إن رضي جاز، وإن لم يرض كان له الفسخ. وهذا يدل على أن العقد يقع غير لازم، بل موقوفا على الإجازة، إن شاء أجازه صاحب الحق، وإن شاء رده، وهذا متفق عليه في بيع المعيب، مما فيه الرضا بشرط السلامة من العيب] (¬1). • تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [واتفقوا على أن من اشترى شيئا، ولم يبين له البائع العيب فيه، ولا اشترط المشتري سلامة، ولا اشترط الإخلاء به، ولا بيع منه ببراءة، فوجد به عيبا كان به عند البائع، وكان ذلك العيب يمكن البائع معرفته، وكان يحط من الثمن حطا لا يتغابن الناس بمثله في مثل ذلك البيع في ذلك الوقت -يعني: وقت عقد البيع- ولم يتلف عين المبيع ولا نقصها، ولا تغير اسمه، ولا تغير سوقه، ولا خرج عن ملك المشتري كله ولا بعضه، ولا أحدث المشتري فيه شيئا لا وطئًا ولا غيره، ولا ارتفع ذلك العيب، وكان البائع قد نقد فيه جميع الثمن، فإن للمشتري أن يرده ويأخذ ما أعطى فيه من الثمن، وإن له أن يمسكه إن أحب] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رجلا ابتاع غلاما، فأقام عنده ما شاء اللَّه أن يقيم، ثم وجد به عيبا، فخاصمه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول اللَّه قد استغل غلامي، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخراج بالضمان" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما جاءه الرجل ولم يكن قد رضي بالعيب، لم ¬
37] استخدام السلعة لا يمنع ردها بالعيب
يجعل له الخيار بين الإمساك مع الأرش أو الرد بكامل الثمن، وإنما رده، فدل على أنه إذا لم يرض فليس له إلا الرد. الثاني: القياس على المصراة؛ فكما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يجعل للمشتري في المصراة إلا الرد أو الإمساك من دون الأرش، فكذلك العيب في العبد فهو مخير بين الأمرين دون الثالث وهو الإمساك مع الأرش، بجامع أن كلا من المشتري فيهما قد دفع ثمنا من أجل مبيع سليم (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في المشهور من المذهب عندهم، وإسحاق ابن راهويه، وقالوا بأنه مخير بين ثلاثة أشياء: بين الرد، والإمساك من دون مقابل، والإمساك مع أرش العيب (¬2). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: أنه ظهر على عيب لم يعلم به، فكان له الأرش، كما لو تعيب عنده. الثاني: أنه فات عليه جزء من المبيع، فكانت له المطالبة بعوضه، كما لو اشترى عشرة أقفزة فبانت تسعة، أو كما لو أتلفه بعد البيع (¬3).Rعدم صحة الإجماع في مسألة الإلزام بالأرش بالنسبة للمشتري في حال وجود العيب في العبد، وإنما له الخيار بين أن يمسك أو يرد بكامل الثمن، وعلى هذا فيكون ما حكاه ابن هبيرة وابن قدامة من الإجماع صحيح. 37] استخدام السلعة لا يمنع ردها بالعيب: • المراد بالمسألة: إذا اشترى المشتري السلعة واستخدمها، ثم تبين له عيب فيها يحق له الرد من أجله، فإن هذا الاستخدام الذي تم قبل العلم بالعيب، لا يمنع الرد، بإجماع العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) يقول: [الاستخدام -أي: للسلعة المعيبة- لا يمنع الرد، بلا خلاف] (¬1). • عميرة (957 هـ) يقول: [(ولا يمنع الرد الاستخدام) أي: بالإجماع] (¬2). • ابن حجر الهيتمي (974 هـ) يقول: [(ولا يمنع الرد الاستخدام) قبل علم العيب من المشتري أو غيره للمبيع، ولا من البائع أو غيره للثمن، إجماعا] (¬3). • الشربيني (977 هـ) يقول: [(ولا يمنع الرد الاستخدام) إجماعا] (¬4). • الرملي (1004 هـ) يقول: [(ولا يمنع الرد الاستخدام) قبل العلم بالعيب من المشتري أو غيره للمبيع، ولا من البائع أو غيره للثمن، إجماعا] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رجلا ابتاع غلاما، فأقام عنده ما شاء اللَّه أن يقيم، ثم وجد به عيبا، فخاصمه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول اللَّه! قد استغل غلامي. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخراج بالضمان" (¬7). ¬
38] الزيادة المتصلة تمنع الرد بالعيب
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رد الغلام إلى الرجل، ولم يمنعه استغلال المشتري له. الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُصَرُّوا الإبل والغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها: إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها، وصاعا من تمر" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر من استفاد من الشاة المصراة، ثم أراد ردها، أن يرد معها صاعا من التمر، وهذا يدل على أن الاستفادة من السلعة لا تمنع الرد بالعيب (¬2). الثالث: أن المشتري أخذ السلعة على أن تكون سليمة، ولا يمكنه معرفة السلامة إلا بعد استخدامها، ولذا فإن هذا الاستخدام يعتبر عفو لا يترتب عليه أثر.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 38] الزيادة المتصلة تمنع الرد بالعيب: • المراد بالمسألة: إذا تبايع المتبايعان السلعة بشرط الخيار، ثم زادت زيادة متصلة غير متولدة من المبيع، مثل: الثوب يصبغه أو يخيطه، والسويق يلتُّه بالسمن أو بالعسل، والأرض يبني عليها، أو يغرس فيها، فإن هذه الزيادة تمنع الرد، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • السرخسي (483 هـ) يقول: [والأصل أن الزيادة نوعان: متصلة، ومنفصلة. والمتصلة نوعان: زيادة غير متولدة من العين: كالصبغ في الثوب، والسمن، والعسل في السويق، وهي تمنع الرد بالعيب بالاتفاق] (¬3). • الكاساني (587 هـ) يقول: [وإن كانت متصلة غير متولدة من الأصل، تمنع ¬
الرد بالإجماع] (¬1). • الحداد (800 هـ) يقول: [. . . وإن كانت متصلة غير متولدة منه: كالصبغ، والخياطة، أو لتِّ السويق، أو كانت أرضا فبنى فيها، أو غَرَس، منعت الرد إجماعا، وينفذ البيع] (¬2). • العيني (855 هـ) يقول: [ولو كانت الزيادة متصلة غير متولدة منه: كالصبغ، والخياطة وغيرهما، يمنع الرد بالإجماع] (¬3). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [. . . فالمتصلة غير متولدة من المبيع: كالصبغ، والخياطة، واللت بالسمن، والغرس، والبناء، وهي تمنع الرد بالعيب بالاتفاق] (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: وجود الضرر على المشتري في الرد بسبب الزيادة في مالية السلعة، والضرر يزال (¬5). الثاني: أنه لو رد الأصل: فإما أن يرده وحده، وإما أن يرده مع الزيادة، والرد وحده لا يمكن؛ لعدم انفصال الزيادة عنه، والرد مع الزيادة لا يمكن؛ لأنها ليست بتابعة له في العقد، فلا يمكن أن يجعلها تابعة في الفسخ إلا إذا تراضيا على الرد، فيصير بمنزلة بيع جديد، فيتعين عدم الرد حينئذ (¬6). المخالفون على الإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: أن المشتري مخير بين أن يمسك السلعة ويرجع بقيمة العيب، أو يرد ويشترك في السلعة مع البائع فيما زاد على قيمتها. قال بهذا المالكية (¬7). ¬
39] الزيادة المنفصلة تكون من نصيب المشتري
واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: أن المشتري أخرج ماله في هذه السلعة، فلا يذهب حقه الذي بذله هدرا (¬1). القول الثاني: أن النماء المتصل يتبع الأصل في الرد إذا ردها المشتري. قال بهذا الشافعية والحنابلة (¬2). واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: أن النماء المتصل يتبع السلعة في العقود والفسوخ؛ وذلك لعدم تصور ردها بدونه، وهي لا تنفرد عن الأصل في الملك، فلم يجزئه ردها بدونها (¬3). وعلى هذا: فالقولان متفقان على أن المشتري له أن يرد السلعة.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 39] الزيادة المنفصلة تكون من نصيب المشتري: • المراد بالمسألة: إذا تبايع المتعاقدان عبدا، وبعد زمن وجد المشتري في العبد عيبا يستحق به الرد، وأراد الرد، وقد استغله إما: بكسب، أو أجرة، أو خدمة، أو وُهب له هبة، أو وُصي له بوصية، ونحوها مما يعد زيادة منفصلة عنه، من غير عينه، فإن هذه الزيادة تكون من نصيب المشتري، ولا يردها مع العبد، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن العربي (543 هـ) يقول لما ذكر حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- (¬4): [هذا حديث مجمع على معناه في الجملة. . .، وموضع الإجماع فيه: أن الرجل إذا ابتاع بيعا فاستغله واستخدمه، ثم طرأ فسخ على بيعه، فإن له ما استغل واستخدم] (¬5). ¬
• العمراني (558 هـ) يقول: [وإن كانت الزيادة منفصلة عن العين، نظرت: فإن كانت كسبا، مثل أن كان عبدا فاستخدمه، أو أجره، أو وجد ركازا، أو احتش، أو اصطاد، أو ما أشبه ذلك، فإن المشتري إذا رد العبد، فإن الكسب له، ولا حق للبائع فيه بلا خلاف] (¬1). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [لا يخلو المبيع من أن يكون. . . قد زاد بعد العقد، أو جعلت له فائدة، فذلك قسمان: أحدهما: أن تكون الزيادة: متصلة. . .، القسم الثاني: أن تكون الزيادة منفصلة، وهي نوعان: أحدهما: أن تكون الزيادة من غير عين المبيع، كالكسب. . .، والخدمة، والأجرة، والكسب، وكذلك ما يُوهب، أو يُوصى له به، فكل ذلك للمشتري في مقابلة ضمانه. . .، ولا نعلم في هذا خلافا] (¬2). نقله عنه المرداوي (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [إذا أراد رد المبيع، فلا يخلو: إما أن يكون في حاله، أو يكون زاد أو نقص. . .، وإن زاد بعد العقد، أو حصلت له فائدة، فذلك قسمان: أحدهما: أن تكون الزيادة متصلة. . .، القسم الثاني: أن تكون الزيادة منفصلة، وهي نوعان: أحدهما: أن تكون من غير المبيع، كالكسب والأجرة، وما يُوهب له، أو يُوصى له به، فهو للمشتري في مقابلة ضمانه. . .، ولا نعلم في هذا خلافا] (¬4). • الزركشي (772 هـ) يقول: [أن المبيع إذا زاد، وأراد المشتري رده بعيب وجده. . .، وكانت الزيادة منفصلة، فلا يخلو: إما أن تكون حدثت من عين المبيع: كالولد والثمرة، أو لم تكن: كالأجرة والهبة ونحو ذلك. فالثاني فيما نعلمه لا نزاع أن للمشتري إمساكه، ورد المبيع دونه] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، وابن حزم من الظاهرية (¬6). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رجلا اشترى من رجل غلاما في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فكان عنده ما شاء اللَّه، ثم رده من عيب وجد به، فقال الرجل حين رد عليه الغلام: يا رسول اللَّه! إنه كان استغلَّ غلامي منذ كان عنده. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخراج بالضمان" (¬1). • وجه الدلالة: الحديث دليل على أن المشتري كما أنه يضمن السلعة لو تلفت، فكذلك له الخراج إذا استغل العين المباعة، وهذا من تمام العدل الذي جاءت به الشريعة (¬2). الثاني: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنها- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع وسلف، ونهى عن بيعتين في بيعة، ونهى عن ربح ما لم يضمن" (¬3). • وجه الدلالة: أن الغلة والكسب ليست جزءا من المبيع فلا يملكها المشتري بالثمن، وإنما ملكها بالضمان، ومثل هذا يطيب له ربحه؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الربح الذي لم يضمن (¬4). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: عثمان البَتي، وعبيد اللَّه بن الحسن، وزفر بن الهذيل (¬5) (¬6)، وهو رواية عند الحنابلة (¬7). ¬
40] جواز رد الأمة المعيبة التي وطئها زوجها
أما عثمان وعبيد اللَّه بن الحسن فقالا: من اشترى عبدا، فاستغله، ثم اطلع على عيب فله رده، فإن رده لزمه أن يرد الغلة كلها معه. قال عبيد اللَّه: وكذلك لو وهب للعبد هبة، فإنه يرد الهبة معه أيضا (¬1). واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: القياس على الزيادة المتصلة: فكما أنها تكون للبائع فكذلك المنفصلة (¬2). وقولهم: لم أجد من قال به من المتقدمين قبلهم، ولا من المتأخرين بعدهم، ولا يستند إلى نص، بل هو مخالف للنص، فدل على شذوذ ما ذهبوا إليه. أما الرواية التي عند الحنابلة: فقد ردها الزركشي ونفاها (¬3)، فلا يعتد بها.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الأقوال المخالفة. 40] جواز رد الأمة المعيبة التي وطئها زوجها: • المراد بالمسألة: إذا اشترى الأمة ذات الزوج، ثم تبين له عيب فيها -يحق له الرد من أجله- فإن له الحق في ردها إلى البائع، حتى وإن وقع وطء من الزوج لها، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) لما تكلم عن خيار العيب، وذكر الأمور التي لا تمنع الرد بالعيب، قال: [ولو اشترى مزوجة، فوطئها الزوج، لم يمنع ذلك الرد، بغير خلاف نعلمه] (¬4). ¬
41] الرجوع بنقصان العيب في الثوب المقطوع
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ولو اشتراها مزوجة، فوطئها الزوج، لم يمنع ذلك الرد، بغير خلاف نعلمه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن وطء الزوج لا ضرر فيه على العقد، بل لا أثر له فيه، وإذا كان كذلك فوطؤه يعد من التصرفات التي لا تمنع الرد عند وجود العيب. الثاني: أن المشتري دخل على بيِّنة وبصيرة بأن الأمة ذات زوج، ومعلوم أن من حقوق الزوجية الوطء، فكما أن المشتري ليس له حق منعه من هذا، فيقال بأن هذا لا تأثير له على ما مُنِع منه، فالغنم بالغرم.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 41] الرجوع بنقصان العيب في الثوب المقطوع: • المراد بالمسألة: حين يكون المبيع ثوبا، ويقطعه المشتري بعد أن يقبضه، ثم يتبين له عيب فيه يحق له الرد من أجله، فإنه ليس له الحق في الرد بعد القطع، ويرجع على البائع بنقصان الثوب، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: ¬
• العيني (855 هـ) يقول: [(. . . إذا كان) المبيع (ثوبا فقطعه) ثم وجده معيبا، فإنه يرجع بالنقصان، بالإجماع] (¬1). • ابن الهمام (861 هـ) لما ذكر الخلاف في مسألة الانتفاع بالمبيع بعد فساده قاس عليه هذه المسألة، فقال: [(. . . كما إذا كان) المبيع (ثوبا فقطعه) المشتري، ثم اطلع على عيب، فإنه لا يرده، مع أنه سلطه على قطعه بالبيع، فعرف بالإجماع على أنه لا يرده] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية في رواية، وكذلك أيضا الحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من المعقول، وهو: أن الرد إنما شرع لإزالة الضرر، وفي الرد على البائع في هذه الحالة إضرار به، ولا يزال الضرر بالضرر (¬4). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في المسألة على أقوال: القول الأول: التفصيل: إن كان البائع عالما بالعيب فإن المبتاع يرد الثوب وليس عليه غرم التقطيع. وإن كان لا يعلم بالعيب فالمبتاع بالخيار إن شاء أن يضع عنه ما نقص من ثمن الثوب ويمسكه، وإن شاء أن يغرم ما نقص من التقطيع ويرده. قال به الإمام مالك (¬5). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: أن البائع لم يوفه ما أوجب له العقد من سلامة المبيع، فانعدم الرضا، فكان له حق الرد، كما لو لم يحدث عنده عيب. ¬
الثاني: أنه نقص حدث بالمبيع فلم يمنع رده مع أخذ أرشه، قياسا على المصراة. الثالث: إنما قالوا في التدليس: إن المشتري مخيَّر ولا يلزمه أرش؛ لأن ذلك رضا من البائع؛ لأنه لما كتم العيب، وهو يعلم أن المشتري يتصرف في المبيع، ولا يعد ذلك منه رضا؛ لأنه لما تصرف عن غير علم بالعيب؛ كان رضيا به؛ لأنه هو الذي سلَّطه عليه فلم يلزم المشتري الأرش (¬1). القول الثاني: إذا دلَّس البائع بالعيب وهو يعلم، ثم أحدث المشتري في الثوب القطع، فإنه بالخيار إن شاء حبس الثوب ورجع على البائع بما بين الصحة والداء، وإن شاء رده ولا شيء عليه. وهذا القول رواية ابن القاسم (¬2) عن الإمام مالك (¬3). القول الثالث: أن للمشتري رد الثوب، ويرد معه أرش التقطيع. قال به حماد ابن أبي سليمان (¬4) (¬5)، وأبو ثور (¬6)، وهو رواية عند الشافعية (¬7). واستدل هؤلاء بدليل عقلي، وهو: إذا رد قيمة ما حدث عنده من العيب، فيكون كأنه رده بحاله، فهو قد أخذ النقصان بالعيب الحادث عند المشتري حقه (¬8). القول الرابع: أنه مخير بين رد الثوب، ويرد معه أرش العيب الحادث عنده، ¬
ويأخذ الثمن. وبين أن يمسكه، وله أرش العيب القديم. قال به عثمان بن عفان (¬1)، وإسحاق، والنخعي (¬2)، وهو رواية عند الحنابلة (¬3). استدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: القياس على المصراة: فالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بردها بعد حلبها، ورد عوض لبنها، فكذلك العيب في سائر السلع. الثاني: أنه عيب حدث عند المشتري، فكان له الخيار بين رد المبيع وأرشه، وبين أخذ أرش العيب القديم، كما لو كان حدوثه لاستعلام المبيع. الثالث: أن الرد كان جائزا قبل حدوث العيب الثاني، فلا يزول إلا بدليل، ولا دليل يمنع، فيبقى الجواز بحاله (¬4). القول الخامس: له رد الثوب، ولا شيء عليه. قال به الحكم بن عتيبة (¬5) (¬6)، ¬
42] قيام الوارث مقام مورثه في خيار العيب
وعثمان البتي (¬1)، وابن حزم من الظاهرية (¬2). ويستدل لقولهم بدليل عقلي، وهو: أن البائع لما لم يبين للمشتري العيب، فإنه يكون قد سلطه على القطع، فلا شيء له فيه (¬3). القول السادس: لا يرده ولا يرجع عليه بشيء. نُسِب هذا القول إلى الطحاوي، ومحمد بن شجاع (¬4) (¬5). ويمكن أن يستدل لهؤلاء: بأن العيب وقع من الطرفين أو الجانبين، فإذا رده المشتري كان فيه ضرر على البائع، وإذا أبقاه عنده بقي وفيه عيب، فالعدل بقاء العين عند المشتري لا يرده ولا يرجع عليه بشيء.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 42] قيام الوارث مقام مورثه في خيار العيب: • المراد بالمسألة: إذا مات المشتري قبل الاطلاع على العيب، أو بعد الاطلاع وقبل التمكن من الرد، أو حدث العيب قبل القبض بعد موت المشتري، عيبا يثبت به الرد، وكذا في خيار التعيين، كأن يتم البيع على أن له عبدا من عبيده، ولم يقع اختياره على واحد منهم، ثم مات، فإن هذين الحقين للورثة حق المطالبة بهما بعد موت مورثهما، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن خيار العيب وخيار التعيين ¬
يورث] (¬1). • النووي (176 هـ) يقول: [إن خيار الرد بالعيب يثبت للوارث بلا خلاف إذا مات الوارث قبل التقصير المسقط] (¬2). • تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [. . . وهذا الحكم من كون خيار العيب، ينتقل للوارث، لا خلاف فيه] (¬3). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(. . . خيار العيب والتعيين) فإنهما يورثان بالاتفاق] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ترك مالا فلورثته" (¬6). • وجه الدلالة: أن المال يدخل فيه الحقوق، خاصة الحقوق المتعلقة به، فإنها كلها تورث، ومنها حق خيار العيب والتعيين، ويدل لهذا الشمول وأن الأمر ليس خاصا بالمال فقط آيات المواريث، ذكر اللَّه فيها القسمة، والمراد تقسيم جميع الحقوق، والتنصيص في الحديث على المال لا ينافي غيره؛ لأن العام لا يخص بذكر بعضه على الصحيح (¬7). الثاني: أن المُورِّث استحق المبيع سليما من العيب، فكذا الوارث (¬8). الثالث: أن الحق في خيار التعيين قد ثبت للمورث ملكا تاما لكنه من غير ¬
43] ضمان المشتري للجنون والجذام والبرص في الرقيق والحيوان بعد عام، وما عداها بعد أربعة أيام
تعيين، فانتقل للوارث وهو حق مختلط بملك غيره لا يمكن فصله إلا بالتعيين، فكان من الحقوق المشروعة له (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 43] ضمان المشتري للجنون والجذام والبرص في الرقيق والحيوان بعد عام، وما عداها بعد أربعة أيام: • المراد بالمسألة: إذا وقع العيب في الرقيق والحيوان المباعين بعد قبض المشتري، ولم يكن للعيب سبب سابق قبل القبض، فإنه لا يكون الضمان على المشتري، إلا إذا وقع العيب بعد أربعة أيام، ويستثنى من العيوب الجنون والجذام والبرص، فإنها لا تدخل في ضمانه إلا بعد مضي سنة كاملة، باتفاق العلماء (¬2). • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن ما أصاب الرقيق والحيوان بعد أربعة أيام من العيوب كلها، وما أصابه بعد العام وأيام العدة والاستبراء من جنون أو جذام أو برص، فإنه من المشتري] (¬3). نقله عنه ابن القطان (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة (¬5). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخراج بالضمان" (¬1). • وجه الدلالة: أن العين المبيعة قد انتقلت للمشتري على وجه صحيح، وما يكون من غلة فإنها له، فيكون الضمان عليه. الثاني: عن عقبة بن عامر الجهني (¬2) -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "عهدة الرقيق ثلاث ليال" (¬3). الثالث: عن سمرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "عهدة الرقيق ثلاث" (¬4). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في رواية عندهم، فقالوا: ينتظر الرقيق ستة أيام، وفي رواية أخرى: ينتظر إلى ما بعد الستة أيام (¬5). ولم أجد لهاتين الروايتين دليلا يمكن أن يستدل به. ¬
44] عدم الرد بالعيب في أحد الشيئين حقيقة وهما شيء واحد تقديرا
Rصحة الإجماع على أن الرقيق يكون ضمانه على المشتري بعد عام إذا أُصيب بالجذام والجنون والبرص، أما قبله فقد وقع الخلاف بين العلماء هل يكون على المشتري أم على البائع؟ وما عدا هذه الأمراض الثلاثة فلا يثبت الإجماع؛ لمخالفة الحنابلة. 44] عدم الرد بالعيب في أحد الشيئين حقيقة وهما شيء واحد تقديرا: • المراد بالمسألة: إذا باع البائع شيئين لا يمكن لأحدهما أن يقوم إلا بالآخر عادة؛ كالخفين، أو النعلين، أو مصراعي الباب ونحوها، ثم وجد المشتري بأحدهما عيبا دون الآخر، سواء كان قبل القبض أو بعده، فإنه مخير بين أن يردهما جميعا، أو يمسكهما جميعا، وليس له أن يرد المعيب وحده، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [فإن كان المبيع شيئين لا يقوم أحدهما إلا بالآخر؛ كالخفين والنعلين، أو مصراعي الباب، فوجد بأحدهما عيبا، لم يختلفوا أنه لا يرده وحده، ويردهما جميعا، أو يمسكهما جميعا] (¬1). • الزيلعي (743 هـ) يقول لما ذكر الخلاف بين علماء المذهب في رد المبيع إذا كانا شيئين ووجد العيب في أحدهما، وأمكن الانتفاع بالآخر مفردا: [. . . وإن كان لا ينتفع بأحدهما دون الآخر؛ كزوجي الخف، ومصراعي الباب، ليس له أن يرد أحدهما دون الآخر، وإن كان بعد القبض، بالإجماع] (¬2). • ابن الهمام (861 هـ) لما تكلم عن المبيع المكوَّن من شيئين يمكن إفراد أحدهما عن الآخر في الانتفاع، ووجد في أحدهما عيبٌ قال: [أما إذا لم يكن في العادة -أي: إفراد أحدهما عن الآخر- كنعلين، أو خفين، أو مصراعي باب، فوجد بأحدهما عيبا، فإنه يردهما، أو يمسكهما بالإجماع] (¬3). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية في المشهور عندهم، والحنابلة كذلك على المشهور عندهم، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أنهما في الصورة شيئان، وفي المنفعة والمعنى كشيء واحد، فإنه لا يتأتى الانتفاع المقصود بأحدهما دون الآخر، والمعتبر هو المعنى. الثاني: القياس على وجود العيب في الشيء الواحد؛ فكما أنه يرد الكل فكذلك ما كان منفعته كالشيء الواحد، بجامع وجود الضرر في التفريق بينهما. الثالث: أنه لو رد المعيب خاصة، لعاد إلى البائع بعيب حادث؛ لأن التفريق بينهما يمنع الانتفاع، وذلك عيب في كل واحد منهما (¬2). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في المسألة على قولين: القول الأول: أن للمشتري رد أحدهما. وهو قول عند الشافعية، والحنابلة (¬3). القول الثاني: أن للمشتري رد أحدهما مع أرش نقص القيمة بالتفريق. وهو قول عند الحنابلة (¬4). ويمكن أن يستدل لهذين القولين: بالقياس على ما إذا اشترى عبدين صفقة واحدة، ووجد بأحدهما عيبا، فإنه يرد المعيب وحده دون الآخر. أما قول الشافعية: فقد حكم عليه النووي بالشذوذ، فلا يعتد به (¬5). ¬
45] مشروعية الشركة والتولية في البيع
أما قولي الحنابلة: فلم يذكرهما سوى صاحب "الرعايتين"، وكتاباه لا يعتمد عليهما في نقل المذهب إذا تفرد عن غيره؛ لأنهما غير محررين (¬1)، ثم إن العلماء الذين يعتمد عليهم في نقل المذهب قد نصوا على أن في المسألة رواية واحدة فقط (¬2)، وعليه فلا يعتد بما ذكر من القولين.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الأقوال المخالفة فيها. 45] مشروعية الشركة والتولية في البيع: • المراد بالمسألة: الشركة في اللغة: أصل الكلمة يدل على مقارنة، وخلاف انفراد، ومنه الشركة وهو: أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما (¬3). • وفي الاصطلاح: أن يشتري شيئا، ثم يشرك غيره فيه؛ ليصير بعده له بقسطه من الثمن (¬4). التولية في اللغة: أصل الكلمة يدل على القرب (¬5)، يقال: وليته تَوْلية جعلته واليا (¬6). • وفي الاصطلاح: نقل ما ملكه بالعقد الأول، وبالثمن الأول، من غير زيادة (¬7). • والمقصود بالمسألة: أن المشتري إذا قال لآخر: أشركتك في هذه العين التي اشتريتها بالنصف أو نحوه، أو قال: ولَّيتك هذه العين، فإن العقد صحيح باتفاق العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن من أشرك أو ولّى على حكم ابتداء البيع، فقد أصاب] (¬1). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول لما ذكر صورة بيع التولية: [وينعقد بالاتفاق] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬4). • وجه الدلالة: أن الشركة والتولية لون من ألوان البيع، فتدخل في عموم الإباحة. الثاني: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- في قصة الإذن للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهجرة. . .، وفيه: قال أبو بكر: يا رسول اللَّه، إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج، فخذ إحداهما. قال: "قد أخذتها بالثمن" (¬5). • وجه الدلالة: أن أبا بكر عرض على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الناقة ليأخذها، فأبى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يأخذها إلا بقيمتها التي اشتراها بها أبو بكر، وهذه صورة التولية (¬6). ¬
46] مشروعية بيع المرابحة
الثالث: عن محمد بن سيرين أن أبا بكر مرَّ ببلال (¬1) وهو يعذب فاشتراه فأعتقه. فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبره، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الشركة يا أبا بكر؟ " فقال: يا رسول اللَّه إني قد أعتقتة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بارك اللَّه لك، وآجرك اللَّه عز وجل" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طلب الشركة، ولو لم تكن جائزة لم يطلبها، ودعا له زيادة على ذلك (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 46] مشروعية بيع المرابحة: • المراد بالمسألة: المرابحة في اللغة: مأخوذة من الربح، وهو النماء في التّجْر. ويطلق على اسم ما ربحه في التجارة (¬4). • وفي الاصطلاح: هي بيع ما اشتراه البائع بمثل الثمن الأول، مع زيادة ربح معلوم عليه (¬5). ولها صورتان، هما: الأولى: أن يُعَرِّف صاحب السلعة المشتري بكم اشتراها، ويأخذ منه ربحا على الجملة، مثل أن يقول: اشتريتها بعشرة ريالات وتربحني فيها ريالا أو ريالين. الثانية: أن يأخذ منه الربح على التفصيل، إما بمقدار مقَطّع محدد، وإما بنسبة ¬
عشرية، وذلك مثل أن يقول: تربحني ريالا لكل عشرة أو نحوه (¬1). وهذه الصورة وقع فيها الخلاف بين العلماء في جوازها وكراهتها وبطلانها (¬2). أما الصورة الأولى فهي المرادة هنا، وهي جائزة وصحيحة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الطبري (310 هـ) يقول: [وأجمعوا أن بيع المرابحة جائز] (¬3). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن بيع المرابحة صحيح] (¬4). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬5). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [بيع المرابحة: هو البيع برأس المال وربح معلوم، ويشترط علمهما برأس المال، فيقول: رأس مالي فيه أو هو علي بمائة بعتك بها، وربح عشرة، فهذا جائز لا خلاف في صحته، ولا نعلم فيه عند أحد كراهة] (¬6). • أبو عبد اللَّه الدمشقي (كان حيا: 780 هـ) يقول: [ويجوز أن يبيع ما اشتراه مرابحة بالاتفاق] (¬7). • الأسيوطي (880 هـ) يقول: [ويجوز أن يبيع ما اشتراه مرابحة بالاتفاق] (¬8). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [والمرابحة: أن يبيعه بربح فيقول: رأس مالي مائة، بعتكه بها وربح عشرة، فهو جائز بلا كراهة، بغير خلاف نعلمه] (¬9). ¬
47] بيان نقصان السلعة بالعيب عند البيع بالمرابحة
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬2). • وجه الدلالة: أن بيع المرابحة بيع قد استجمع شروط صحة البيع، ولم يترتب عليه مانع يمنع الصحة، فكان داخلا في عموم الإباحة التي ذكرها اللَّه في هذه الآية (¬3). الثاني: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ". . . فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أباح البيع إذا خلا من الربا كيف شاء المتعاقدان، إذا تراضيا على العقد، سواء كان البيع برأس المال، أو أقل منه، أو أكثر على حد سواء (¬5). الثالث: أن الحاجة ماسة إلى هذا النوع من التصرف؛ لأن الأخرق الذي لا يهتدي في التجارة يحتاج إلى أن يعتمد على فعل المهتدي، وتطيب نفسه بمثل ما اشترى وبزيادة ربح، فوجب القول بجوازه (¬6).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 47] بيان نقصان السلعة بالعيب عند البيع بالمرابحة: • المراد بالمسألة: نقصان السلعة بأي لون من ألوان النقصان، سواء كان: ¬
بعيب، أو مرض، أو جناية، أو تلف، أو ولادة، أو كان بأخذ المشتري جزءا من العين كالصوف واللبن في الدابة، فإنه إذا أراد أن يبيع السلعة مرابحة، لا بد من بيان هذا النقصان الذي حدث، بإجماع العلماء، لا فرق في ذلك بين وقوعه عند البائع أو المشتري، ما لم يكن ذلك بغير اختيار المكلف. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [إذا حدث بالسلعة عيب في يد البائع، أو في يد المشتري، فأراد أن يبيعها مرابحة، ينظر: . . .، إن حدث -أي: العيب - بفعله، أو بفعل أجنبي، لم يبعه مرابحة حتى يُبيِّن بالإجماع] (¬1). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [أن يتغير بنقص، كنقصه بمرض، أو جناية عليه، أو تلف بعضه، أو بولادة، أو عيب، أو يأخذ المشتري بعضه، كالصوف واللبن الموجود ونحوه، فإنه يخبر بالحال على وجهه، لا نعلم فيه خلافا] (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [أن يتغير بنقص، كالمرض، والجناية عليه، أو تلف بعضه، أو الولادة، أو أن يتعيب، أو يأخذ المشتري بعضه، كالصوف واللبن ونحوه، فإنه يخبر بالحال، لا نعلم فيه خلافا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن البيع من غير بيانٍ لحدوث العيب لا يخلو من شبهة الغش والخيانة؛ لأن المشتري لو علم بالعيب الذي في السلعة، لربما لم يوافق على المرابحة فيه (¬5). ¬
48] بيان الشراء من العبد أو المكاتب عند البيع بالمرابحة
الثاني: أنه لما كانت السلعة عند البائع تامة كان لها جزء من الثمن، ولما حدث العيب في يده فقد احتبس عنده جزءا منه، فلا يملك بيع الباقي من غير بيان، وإلا كان جزءًا من الثمن لم يقابله شيء من المبيع، فكان فعله غشا وخديعة (¬1). • المخالفون للإجماع: إذا وقع في السلعة تغير، وكان التغير لا صنع للآدمي فيه، كالآفة السماوية، فقد خالف في هذه المسألة: أبو حنفية وصاحباه: محمد بن الحسن وأبو يوسف، وقالوا: لا يشترط بيان العيب (¬2). واستدل هؤلاء بما يلي: الأول: أن المشتري لم يحبس شيئا من المعقود عليه، كما لو تغير السعر. الثاني: أن الفائت في هذه الحالة وصف، فيكون تبعا للمبيع لا يقابله شيء من البدل (¬3)، بدليل أنه لو فات بعد العقد قبل القبض لا يسقط بهبته شيء من الثمن، فكان بيانه والسكوت عنه بمنزلة واحدة (¬4).Rصحة الإجماع في حالة ما إذا أراد أن يبيع السلعة مرابحة، وحدث عيب بفعل المتعاقدين أو أجنبي عنهما، فلا بد من بيانه عند البيع. أما إذا كان العيب بآفة سماوية لا صنع للآدمي فيها، فلا يثبت الإجماع؛ لوجود الخلاف فيها. وعليه فعبارة الكاساني في حكاية الإجماع أدق، أما عبارة ابن قدامة فمدخولة كما تبين. 48] بيان الشراء من العبد أو المكاتب عند البيع بالمرابحة: • المراد بالمسألة: إذا اشترى السيد من عبده أو مكاتبه سلعة، وأراد أن يبيعها مرابحة على الثمن الذي وقع بينهما، فإنه يجب عليه أن يبيِّن أنه اشتراها من عبده أو مكاتبه، بإجماع العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: • السرخسي (483 هـ) يقول: [وإذ اشترى شيئا من أبيه، أو أمه، أو ولده، أو مكاتبه، أو عبده، أو اشترى العبد أو المكاتب من مولاه بثمن قد قام على العبد بأقل منه، لم يكن له أن يبيعه مرابحة إلا بالذي قام على البائع في العبد والمكاتب بالاتفاق] (¬1). • الكاساني (587 هـ) يقول: [ولو اشترى من مكاتبه أو عبده المأذون -وعليه دين أو لا دين عليه- لم يبعه مرابحة من غير بيان، بالإجماع] (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [لا يجوز له بيع ما اشتراه من مكاتبه مرابحة، حتى يبين أمره، ولا نعلم فيه خلافا] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [لو اشترى من مكاتبه، فإنه يجب عليه أن يبين أمره، لا نعلم فيه خلافا] (¬4). • الحداد (800 هـ) يقول: [وأجمعوا أنه لو اشترى من مكاتبه، أو مدبَّره، أو عبده المأذون -سواء كان عليه دين أو لا- أو مماليكه اشتروا منه، فإنه لا يبيعه مرابحة حتى يبين] (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن بيع المرابحة يكون على ما يتيقن خروجه من ملكه في مقابلة هذا العين، وهو المدفوع إلى البائع الأول، فأما الربح الذي حصل لعبده ومكاتبه، فهو لم يقع فيه هذا اليقين، فلزم البيان فيه. الثاني: أن تهمة المسامحة بينهما متمكنة، فالعادة جرت بالتسامح في المعاملة مع العبيد والمكاتبين، وبيع المرابحة بيع أمانة ينفى عنه كل تهمة وشبهة خيانة، فلا بد فيه من البيان (¬6). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: المالكية، والشافعية، وقالوا: يصح البيع على ¬
49] عدم لحوق ثمن الفداء للمبيع الجاني في بيع المرابحة
المرابحة إذا وقع شراؤه من عبده ومكاتبه من غير بيان. وزاد المالكية: ما لم تقع المحاباة بينهما (¬1). واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: القياس على الشراء من الأجنبي، فكما أن العبد والمكاتب يملك، فالشراء منه كالشراء من الأجنبي (¬2).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 49] عدم لحوق ثمن الفداء للمبيع الجاني في بيع المرابحة: • المراد بالمسألة: إذا اشترى المشتري عبدا، ووقعت جناية منه، ففداه المشتري من ماله، ثم أراد أن يبيعه مرابحة، فليس له الحق في حساب هذا الفداء مع أصل المال، أو أن يخبر به مع الربح، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [فأما إن جنى المبيع، ففداه المشتري، لم يلحق ذلك بالثمن، ولم يخبر به في المرابحة، بغير خلاف نعلمه] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [أما إذا جنى، ففداه المشتري، فإنه لا يلحق بالثمن، ولا يخبر به في المرابحة، بغير خلاف علمناه] (¬4). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [وإن جنى ففداه المشتري، لم يلحق بالثمن، ولا يخبر به في المرابحة، بغير خلاف نعلمه] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، وهو الأصح عند الشافعية (¬6). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن هذا الأرش لم يزد به المبيع قيمة ولا ذاتا، وإنما هو مزيل لنقصه بالجناية والعيب الحاصل بتعلقها برقبته، فأشبه الدواء المزيل لمرضه الحادث عند المشتري (¬1). الثاني: أن الفداء جُعِل لاستبقاء الملك، وقُصِد به بقاء عينه، ولم يُقْصد به طلب الربح، فلم يُضفْ إلى الثمن، كعلف البهيمة (¬2). الثالث: أن عادة التجار وعرفهم لم تجر بإلحاق هذه المؤن برأس المال، والعادة محكمة (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة الشافعية في وجه عندهم، حيث قالوا: إن العبد الجاني إذا فداه المشتري، فإنه يتعين إدخال الفداء في بيع المرابحة (¬4). واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: أن الفداء يعتبر عوضا عن جزء يتناوله البيع، فلزمه إدخاله عند المرابحة، كأرش العيب (¬5).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ¬
50] الإخبار بزيادة الثمن أو نقصانه في زمن الخيار عند بيع المرابحة
50] الإخبار بزيادة الثمن أو نقصانه في زمن الخيار عند بيع المرابحة: • المراد بالمسألة: لو اشترى شخص سلعة، وانعقد البيع على ثمن مسمى، ثم طرأت زيادة أو حط على الثمن المسمى، وكان ذلك في زمن الخيار، وتم قبول هذه الزيادة أو الحط، ثم أراد المشتري بيع السلعة مرابحة، فإن عليه أن يخبر بالزيادة أو الحط مع الثمن المعقود عليه، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وإذا أراد الإخبار بثمن السلعة، فإن كانت بحالها، لم تتغير، أخبر بثمنها، وإن حط البائع بعض الثمن عن المشتري، أو استزاده. . .، وكان ذلك في مدة الخيار لحق بالعقد، وأخبر به في الثمن. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، ولا أعلم عن غيرهم خلافهم] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [إن البائع إذا أراد الإخبار بثمن السلعة، وكانت بحالها لم تتغير، أخبر بثمنها، فإن تغير سعر السلعة، بأن حط البائع بعض الثمن عن المشتري، أو استزاده في مدة الخيار، لحق بالعقد، وأخبر به في الثمن. وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: يستدل لهذا الإجماع بدليل من المعقول، وهو: أن المبيع وإن كان قد انتقل إلى المشتري، إلا أن البيع لم يستقر بينهما، فيلحق بالثمن ما حدث من تغير في المبيع، وإلا كان جزء من البيع لم تتم المعاوضة عليه، فيختل ركن من أركان البيع (¬4). ¬
51] جواز بيع المتماثلات التي ينقسم ثمنها عند بيع المرابحة
• المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: أبو علي الطبري (¬1) من الشافعية (¬2)، وكذا ابن حمدان (¬3) من الحنابلة (¬4)، وقالا: إن قلنا بأن المبيع ينتقل في زمن الخيار إلى المشتري، فإن الزيادة أو النقصان لا تلحقان برأس المال. واستدل هؤلاء: بأن المبيع قد ملكه المشتري بالثمن الأول، فلم يتغير ما طرأ عليه من زيادة أو نقصان بعده، وعليه فلا تضاف عند البيع بالمرابحة (¬5). وهذان القولان هما روايتان مخرجتان على القول بأن المبيع في زمن الخيار ينتقل إلى المشتري، ولا يبقى في ملك البائع. والتخريج لا يعتد به إذا خالف إجماعا في المسألة (¬6).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم الاعتداد بالمخالفة. 51] جواز بيع المتماثلات التي ينقسم ثمنها عند بيع المرابحة: • المراد بالمسألة: إذا اشترى المشتري شيئين صفقة واحدة، ثم أراد بيع أحدهما مرابحة، أو اشترى اثنان شيئا واحدا، فتقاسماه، وأراد أحدهما بيع نصيبه مرابحة، بالثمن الذي أداه فيه، فإن كان المبيع من المتماثلات التي ينقسم الثمن ¬
عليها بالأجزاء، كالمكيل والموزون، وهو صنف واحد غير مختلف، كالبر أو الشعير مثلا، فإنه يجوز له بيع نصيبه مرابحة بقسطه من الثمن، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وإن اشترى شيئين صفقة واحدة، ثم أراد بيع أحدهما مرابحة، أو اشترى اثنان شيئا، فتقاسماه، وأراد أحدهما بيع نصيبه مرابحة، بالثمن الذي أداه فيه، فذلك قسمان. . .، القسم الثاني: أن يكون المبيع من المتماثلات التي ينقسم الثمن عليها بالأجزاء، كالبر والشعير المتساوي، فيجوز بيع بعضه مرابحة بقسطه من الثمن. وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافا] (¬1). نقله عنه المرداوي (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [إذا اشترى شيئين صفقة واحدة، ثم أراد بيع أحدهما مرابحة، أو اشترى اثنان شيئا، فتقاسماه، وأراد أحدهما بيع نصيبه مرابحة، بالثمن الذي أداه فيه، فإن كان من المتقومات التي لا ينقسم عليها الثمن بالأجزاء كالثياب ونحوها، لم يجز حتى يبين الحال على وجهه. . .، وإن كان من المتماثلات التي ينقسم عليها الثمن بالأجزاء، كالبر والشعير المتساوي، جاز بيع بعضه مرابحة بقسطه من الثمن، لا نعلم فيه خلافا] (¬3). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [إذا باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن، ولم يبين ذلك للمشتري في تخبيره. . .، فإن كانت من المتماثلات التي ينقسم عليها الثمن بالأجزاء، كأكثر المتساويين، جاز بيع بعضه مرابحة بقسطه من الثمن، بغير خلاف نعلمه] (¬4). نقله عنه البهوتي (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذه المسألة: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬6). ¬
52] جواز بيع المرابحة في الشيئين إذا كانا مسلما فيهما صفقة واحدة
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن ثمن الجزء الباقي معلوم يقينا لكلا المتعاقدين، فانتفت الجهالة، وكان له الحق في التصرف بنصيبه، قياسا على جواز بيع القفيز من الصبرة (¬1). الثاني: أن القسمة وإن كانت لا تخلو عن معنى المبادلة حقيقة، لكن معنى المبادلة في قسمة المتماثلات ساقط شرعا؛ لأنه بعد القسمة يكون فيها تمييزا لنصيب كل واحد منهما، وإفرازا محضا، وإذا كان كذلك فما يصل إلى كل واحد منهما كأنه عين ما كان له قبل القسمة، فجاز له أن يبيع نصيبه مرابحة قبل القسمة، كذا بعدها.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 52] جواز بيع المرابحة في الشيئين إذا كانا مسلما فيهما صفقة واحدة: • المراد بالمسألة: يجوز أن يبيع المسلم فيه على وجه المرابحة إذا كان في شيئين قد اتفقا في الجنس والنوع والصفة والطول، ثم باعهما جميعا من غير تفرقة، ومن غير أن يبين حصة كل واحد من رأس المال، أو باع جزءا معلوما وبين حصته من رأس المال، وهذا مجمع عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [ولو أسلم عشرة دراهم في ثوبين متفقين من جنس واحد، ونوع واحد، وصفة واحدة، وطول واحد، حتى جاز السلم بالإجماع، ولم يبين حصة كل واحد منهما من رأس المال، فحل الأجل، له أن يبيعهما جميعا مرابحة على العشرة، بلا خلاف. . .، ولو كان بين حصة كل واحد من الثوبين من رأس المال، جاز أن يبيع أحدهما مرابحة على خمسة، بالإجماع] (¬2). ¬
53] ثبوت الخيار عند الخيانة في بيع المرابحة
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن كل قسط من الصفقة معلوم علما يرفع الخلاف عند وقوعه، وإذا ارتفعت الجهالة التي تكون سببا في المنازعة، صح العقد. الثاني: القياس على المكيلات والموزونات المتماثلة، فكما يصح بيعها مع اتحاد الصفقة، فكذلك في المسألة معنا، بجامع إمكان انقسام الثمن في كل منهما (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 53] ثبوت الخيار عند الخيانة في بيع المرابحة: • المراد بالمسألة: إذا تبيَّن للمشتري أن البائع قد خدعه في بيع المرابحة، كأن يكون قد اشترى السلعة نسيئة، ولم يبيّن له أنه قد اشتراها كذلك، أو اشتراها تولية ولم يبيِّن ذلك، فإنه يثبت للمشتري الخيار في هذه الحالة، بإجماع العلماء، فإن شاء أخذها على الثمن، وإن شاء ردها. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [فإن ظهرت -أي: الخيانة- في صفة الثمن، بأن اشترى شيئا بنسيئة، ثم باعه مرابحة على الثمن الأول، ولم يُبيِّن أنه اشتراه بنسيئة، أو باعه تولية ولم يبين، ثم علم المشتري، فله الخيار بالإجماع، إن شاء أخذه، ¬
وإن شاء رده] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية في رواية، والشافعية، وهو رواية عند الحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن المرابحة عقد بُني على الأمانة، فالمشتري اعتمد البائع وائتمنه في الخبر عن الثمن الأول، فكانت الأمانة مطلوبة في هذا العقد، والصيانة عن الخيانة مشروطة دلالة، ففواتها يوجب الخيار، قياسا على فوات السلامة عن العيب، وعلى ما إذا صالح على دين بألف له على إنسان في عبد، ثم باعه مرابحة على الألف، ولم يبين للمشتري أنه كان بدل الصلح فله الخيار (¬3). الثاني: أن للأجل شبهة بالمبيع، ألا ترى أنه يزاد في الثمن لأجل الأجل، والشبهة في هذا ملحقة بالحقيقة، فصار كأنه اشترى شيئين، وباع أحدهما مرابحة بثمنهما، والإقدام على المرابحة يوجب السلامة عن مثل هذه الخيانة، فإذا ظهرت ثبت الخيار (¬4). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: المالكية في رواية عندهم، وهو المذهب عند الحنابلة، فقالوا: إن المشتري ليس له الخيار، لكن المالكية قالوا: البيع مردود، والحنابلة قالوا: يأخذ بالأجل (¬5). ¬
54] جواز شراء العبد بنية العتق من غير شرط
ويمكن أن يستدل للمالكية: بأنه لما وقعت الخيانة من البائع، فإن الرضا منعدم في هذه الحالة، فيكون العقد قد اختل فيه شرط من شروطه، فيرد البيع. واستدل الحنابلة: بالقياس على الإخبار بزيادة الثمن، فإنه تلزمه الزيادة، ولا خيار له (¬1).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 54] جواز شراء العبد بنية العتق من غير شرط: • المراد بالمسألة: إذا اشترى العبد وكان من نيته أن يعتقه، ولم تكن هذه النية شرطا مُتَلفظا به بينهما، فإن البيع صحيح، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [اتفقوا على أنه إذا اشترى عبدا بنية أن يعتقه من غير أن يشترط ذلك، فإن البيع صحيح] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل عقلي، وهو: القياس على البيع: فكما أن البيع لا يعتد به إذا نواه صاحبه، فكذلك العتق إذا نواه بعد الشراء لا يعتد به، وذلك أن التصرفات في العقود لا تترتب على النيات وحدها ما لم يقترن بها قول أو عمل.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
55] وقوع العتق عند الشراء مع شرط الخيار
55] وقوع العتق عند الشراء مع شرط الخيار: • المراد بالمسألة: إذا قال قائل: إن اشتريتُ عبدا فهو حر، وقال ذلك على سبيل المواعدة، فوقع الشراء لكنه كان بشرط الخيار من قِبَله، فإنه العبد يعتق من حين الشراء، ويبطل خياره، ويلزمه دفع الثمن إلى البائع، بإجماع العلماء (¬1). • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [ولو قال لعبد الغير: إن اشتريتك فأنت حر، فاشتراه على أنه بالخيار ثلاثة أيام، عتق عليه بالإجماع] (¬2). • الحداد (800 هـ) يقول: [وأجمعوا أنه إذا قال لعبد الغير: إذا اشتريتك فأنت حر، فاشتراه على أنه بالخيار عتق، وبطل خياره، ولزمه الثمن] (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [(. . . إذا قال: إن اشتريتُ) عبدا فهو حر، فاشتراه بالخيار، يعتق عليه، ويبطل خياره، ويلزمه الثمن بالإجماع] (¬4). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [لو قال: إن اشتريت عبدا فهو حر، فاشترى عبدا بشرط الخيار، فإنه يعتق بالاتفاق] (¬5). نقله عنه ابن عابدين (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬7). ¬
56] عدم لزوم حضور المشتري عند فسخ العقد بالفعل زمن الخيار
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أنه صار كالمنشئ للعتق بعد الشراء؛ إذ المعلق بالشرط كالمنشَئ عنده، ولو أنشأ العتق بعد الشراء بالخيار عتق، فكذلك هنا (¬1). الثاني: أن المشتري ألزم نفسه بأمر علقه على وجوده، فوجب عليه الوفاء به في حال وجوده، ووقوعُه يعد بعد الشراء مباشرة، ولا عبرة بزمن الخيار؛ لأنه لا صلة له بما التزمه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 56] عدم لزوم حضور المشتري عند فسخ العقد بالفعل زمن الخيار: • المراد بالمسألة: مسقطات الخيار لمن له حق الخيار منها ما هو صريح، ومنها ما هو دلالة، والدلالة متعلقة بالفعل، وهي: أن يوجد منه تصرف في الثمن يدل على الفسخ، مثل: إعتاق العبد، وبيع العين، ووطء الجارية، وتقبيلها لشهوة، وأشباه تلك التصرفات، فإذا وقعت مثل هذه التصرفات من قبل البائع، والخيار له، فإن العقد ينفسخ، ولا يشترط حضور المشتري، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول: [وأما الفعل: فكما إذا تصرف في المبيع في مدة الخيار تصرف الملاك: كالإعتاق، والبيع، والتقبيل، ونحو ذلك، فإن العقد ينفسخ حكما، حضر المشتري أو لا، بالإجماع] (¬2). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [وأما الفسخ بالفعل: فيجوز بغير علمه -أي: المشتري- اتفاقا] (¬3). • ابن نجيم (970 هـ) لما ذكر الخلاف بين علماء المذهب في حكم الفسخ بالقول قال بعده: [أما إذا فسخ بالفعل، فإنه ينفسخ حكما، اتفاقا في الحضرة والغيبة] (¬4). ¬
57] استبراء المشتري الجارية بعد إجازة البيع في وقت الخيار
• الحصكفي (1088 هـ) يقول: [(فإن فسخ) بالقول (لا) يصح (إلا إذا علم) الآخر في المدة. . .، قيدنا بالقول، لصحته بالفعل بلا علمه، اتفاقا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن كل من لم يفتقر رفع العقد إلى رضاه، لم يفتقر رفع العقد إلى حضوره؛ كالزوج في طلاق امرأته (¬3). . . . الثاني: أن ما كان فسخا بحضور المتعاقدين، كان فسخا بغيبة أحدهما: كوطء البائع، وقبلته للجارية المبيعة (¬4). الثالث: القياس على عزل الوكيل والمضارب والشريك: فكما لا يشترط علم هؤلاء بالفسخ، فكذلك الطرف الآخر في زمن الخيار، بجامع أن كلا منهما يعتبر فسخا حكميا للعقد (¬5).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 57] استبراء المشتري الجارية بعد إجازة البيع في وقت الخيار: • المراد بالمسألة: إذا باع البائع الجارية بشرط الخيار له، ثم أجاز البيع بعد ذلك، فحينئذ يجب على المشتري أن يستبرئ الجارية بحيضة بعد الإجازة والقبض، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [وإن كان الخيار للبائع، ففسخ العقد لا يجب عليه الاستبراء. . .، وإن أجازه فعلى المشتري أن يستبرئها بعد الإجازة والقبض ¬
بحيضة أخرى، بالإجماع] (¬1). • الحداد (800 هـ) يقول: [وإن كان الخيار للبائع ففسخ لا يجب الاستبراء. . .، فإن أجاز البيع فعلى المشتري أن يستبرئها بعد جواز البيع والقبض بحيضة مستأنفة إجماعا] (¬2). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [ولو كان الخيار للبائع ففسخ في المدة، فظاهر الرواية أنه لا يجب عليه استبراء. . .، وإن أجازه فعلى المشتري استبراؤها بحيضة بعد الإجازة بالإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية على المشهور عندهم، والحنابلة في رواية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن ملك المشتري لها في زمن الخيار ملك ضعيف، فلا يعتد بالحيضة السابقة في الاستبراء (¬5). الثاني: أن المقصود من الاستبراء حفظ الأنساب حتى لا تضيع، فكان من الاحتياط عدم الاعتداد بالحيضة السابقة. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: المالكية، والشافعية في رواية عندهم، والحنابلة على المشهور عندهم، وقالوا بأنه لا حاجة للاستبراء مرة أخرى بعد إجازة البائع البيع (¬6). ¬
58] لزوم العقد المترتب على رؤية متقدمة
واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: أن ملك المشتري عليها يعتبر ملكا تاما، ويدل لذلك: أنه لو أعتقها، أو كاتبها، أو وهبها، كان ذلك جائزا، وإذا قيل بتمام الملك كان الاستبراء يبدأ من حين وقوع العقد (¬1).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 58] لزوم العقد المترتب على رؤية متقدمة: • المراد بالمسألة: حين يرى المتعاقدان المبيع قبل العقد ويعرفانه معرفة تامة، ويمضي وقت لا تتغير فيه العين؛ كالعقار والأواني والحديد وأشباهها، ثم وقع العقد بينهما، فإن العقد صحيح بناء على الرؤية السابقة، فإن وجدها المشتري على صفتها التي رآها عليها، لزمه البيع، وإن تغيرت ثبت له الخيار، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن العين إذا كانا رأياها وعرفاها، ثم تبايعاها بعد ذلك أن البيع جائز، ولا خيار للمشتري إن وجدها على الصفة التي كان عرفها، فإن تغيرت فله الخيار] (¬2). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية على المشهور ¬
عندهم، وهو رأي ابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه" (¬2). وجه الدلالة في الحديث من وجهين: أولًا: الحديث بمنطوقه يدل على إثبات الخيار لمن لم ير المبيع. ثانيًا: الحديث يدل بمفهومه على أن من اشترى العين التي رآها فليس له الخيار (¬3). الثاني: أن العين معلومة عندهما بالرؤية السابقة، فتشبه ما لو شاهداها حال العقد، والمشترط في البيع إنما هو العلم، والرؤية طريق للعلم، ولهذا يكتفى في المبيع بالصفة المحصلة للعلم (¬4). الثالث: أن الخيار ثبت للمشتري في حال تغيُّر المبيع، قياسا على حدوث العيب في العين، فإن للمشتري الخيار، بجامع أن المشتري اشترى السلعة على ¬
59] منع خيار الرؤية في السلم
صفة لم تكن عليه عند التعاقد (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في قول، والحنابلة في رواية، وهو قول الحكم وحماد من التابعين، قالوا: لا يجوز العقد حتى يرياها عند التعاقد. وعند الشافعية في وجه أنه لو جاز البيع، وتبيّن للمشتري تغيره، فإنه لا خيار له، بل البيع باطل؛ لتبين انتفاء المعرفة (¬2). واستدل المخالفون بدليل، هو: أن الرؤية لما كانت شرطا في صحة العقد، وجب أن تكون موجودة حال العقد، كالصفة في بيع السلم، والشهادة في النكاح (¬3). أما قول الشافعية فاختاره أبو القاسم الأنماطي (¬4)، وعده الماوردي والنووي من الأقوال الشاذة المردودة (¬5).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها 59] منع خيار الرؤية في السلم: • المراد بالمسألة: إذا وقع عقد السَّلَم بين طرفين، فإنه لا يثبت خيار الرؤية بينهما في المُسلم فيه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [. . . (وكذا لا يثبت فيه) أي: في السلم (خيار ¬
رؤية) بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن خيار الرؤية في هذه الحالة غير مفيد، فهو دين في الذمة، فكلما رده عليه بخيار الرؤية أعطاه غيره؛ لكونه لا يتعين، فلا يفيد (¬3). الثاني: أن إعلام الدين لا يكون إلا بذكر الصفة، فقام ذكر الصفة مقام العين، فلا يتصور خيار الرؤية فيه (¬4). ¬
60] انتقال خيار فوات الوصف إلى الورثة
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 60] انتقال خيار فوات الوصف إلى الورثة: • المراد بالمسألة: إذا اشترى المشتري السلعة على أن فيها وصفا معينا -كأن يشتري العبد على أنه خباز أو كاتب- فبان خلاف ذلك، فإن الخيار يثبت في حقه، فإذا مات قبل المطالبة بحقه، فإن الخيار من حق الورثة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [ولو مات هذا المشتري -أي: الذي اشترى عبدا على أنه خباز فبان خلاف ذلك فثبت له الخيار- انتقل الخيار إلى ورثته إجماعا] (¬1). نقله عنه ابن نجيم، والشلبي (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أنه خيار متعلق بالمال، مقصود منه دفع الضرر عن الوارث، وليس ¬
61] تحالف وتراد المتبايعين المختلفين في الثمن
متعلق بالموروث، وما كان كذلك فإنه يدخل في الميراث، فيرثه الورثة (¬1). الثاني: القياس على خيار الرد بالعيب؛ فكما أنه يورث فكذلك الخيار المتعلق بفوات الوصف، بجامع أن كلا منهما ثبت لدفع الضرر عن المال (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 61] تحالف وترادُّ المتبايعين المختلفين في الثمن: • المراد بالمسألة: إذا تبايع المتعاقدان السلعة، ثم اختلفا في قدر الثمن، قال البائع: بعتك بألف ريال، وقال المشتري: بل بعتني بسبعمائة ريال، وكانت السلعة قائمة كما هي لم تتغير بزيادة ولا نقصان، ولم تتعرض لتلف، ولم يكن لأحدهما بيّنة على الآخر، فإنه حينئذ يحلف البائع: واللَّه ما بعتك بكذا ولكن بكذا، ويحلف المشتري: واللَّه ما بعتني بكذا ولكن بكذا، فإذا تحالفا ولم يقع النكول من أحدهما، فإنه يتم الفسخ بعد هذا، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا اختلف المتبايعان في الثمن، والسلعة قائمة، أنهما يتحالفان ويترادَّان] (¬3). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬4). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وإذا اتفق المتبايعان على البيع، واختلفا في مقدار الثمن، ولم تكن هناك بيِّنة، ففقهاء الأمصار متفقون على أنهما يتحالفان، ويتفاسخان بالجملة] (¬5). • أبو عبد اللَّه الدمشقي (كان حيا: 780 هـ) يقول: [إذا حصل الاختلاف بين المتبايعين في قدر الثمن، ولا بيِّنة، تحالفا بالاتفاق] (¬6). • الأسيوطي (880 هـ) يقول: [وإذا حصل الاختلاف بين المتبايعين في قدر الثمن، ولا بيِّنة، تحالفا بالاتفاق] (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: ما جاء أن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- باع من الأشعث بن قيس (¬2) رقيقا من رقيق الإمارة، فاختلفا في الثمن، فقال ابن مسعود: بعتك بعشرين ألفا، وقال الأشعث بن قيس: إنما اشتريت منك بعشرة آلاف، فقال عبد اللَّه: إن شئت حدثتك بحديث سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: هاته، قال: فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة، والبيع قائم بعينه، فالقول ما قال البائع، أو يترادان البيع" قال: فإني أرى أن أرد البيع، فردَّه (¬3). ¬
الثاني: أن البائع لم يُقرَّ بخروج السلعة عن ملكه إلا بصفة لا يُصَدِّقه عليها المبتاع، وكذلك المشتري لم يقر بانتقال الملك إليه إلا بصفة لا يُصَدقه عليها البائع، والأصل أن السلعة للبائع، فلا تخرج عن ملكه إلا بيقين من إقرار أو بينة، وإقراره منوط بصفة لا سبيل إلى دفعها؛ لعدم بينة المشتري بدعواه، فيتحالفان ويترادان (¬1). الثالث: أما الوجه في التحالف فهو: أن كل واحد منهما مدعى عليه، فيجب على كل واحد منهما اليمين لنفي ما ادعي عليه، وهذا مفهوم من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اليمين على المدعى عليه" (¬2) (¬3). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال، هي: القول الأول: أن القول قول البائع. قال به ابن مسعود (¬4)، والشعبي (¬5)، وابن سريج من الشافعية (¬6)، ورواية عن الإمام أحمد مال إليها الزركشي من الحنابلة، وزاد أبو داود فيها: "أو يترادان" (¬7). وهذه الرواية عند الحنابلة نصوا فيها على أن القول قوله مع يمينه (¬8). واختار هذا القول الصنعاني (¬9). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: ¬
الأول: ما جاء عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا اختلف المتبايعان، وليس بينهما بينة، فالقول ما يقول رب السلعة، أو يترادان" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الأمر عند النزاع إلى صاحب السلعة وهو البائع. الثاني: أن السلعة كانت للبائع، والمشتري يدعي نقلها بعوض، والبائع ينكره إلا بالعوض الذي عينه، فالقول قول المنكر (¬2). أما دليل اليمين: فلأن من القواعد المقررة شرعا، أن من كان القول قوله، فعليه اليمين (¬3). القول الثاني: أن القول قول المشتري. قال به: أبو ثور وداود الظاهري، وهو رواية عند الحنابلة (¬4). واستدل هؤلاء بدليل عقلي، وهو: أنهما متفقان على حصول الملك للمشتري، لكن البائع يدعي عليه عوضا، والمشتري ينكر بعضه، فيكون القول قول المنكر، وهو المشتري (¬5). القول الثالث: إن كان الاختلاف في الثمن قبل القبض تحالفا، وإن كان بعده فالقول قول المشتري. وهذا رواية عن الإمام مالك (¬6)، ورواية عند الحنابلة أيضا (¬7). وهؤلاء يستدلون بما كان قبل القبض: بالأدلة التي في مستند الإجماع. وأما ما ¬
62] جواز تراضي المختلفين على رد السلعة
كان بعد القبض: فيستدلون بدليل القول الثاني (¬1). القول الرابع: إن كانت السلعة المَبيعة معروفة للبائع ببيِّنة، أو بعلم الحاكم -لا فرق في هذا بين أن يكون الثمن أو السلعة في يد البائع أو المشتري- أو كانت غير معروفة إلا أنها في يده، والثمن عند المشتري، فإن القول في كل هذا قول مُبْطِلُ البيع منهما -كائنا من كان- مع يمينه؛ لأنه مُدَّعى عليه عقد بيع لا يُقرُّ به، ولا بينة عليه به، فليس عليه إلا اليمين بحكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- باليمين على المدعى عليه. وإن كانت السلعة في يد المشتري، وهي غير معروفة للبائع، وكان الثمن عند البائع بعد، فالقول قول مُصَحح البيع منهما -كائنا من كان- مع يمينه؛ لأنه مدعى عليه نقل شيء عن يده، ومن كان في يده شيء فهو في الحكم له، فليس عليه إلا اليمين. وإن كانت السلعة والثمن معا في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه؛ لأنه مدعى عليه. وإن كانت السلعة بيد البائع والثمن بيد المشتري، فهنا كل واحد منهما مدعى عليه، فيحلف البائع باللَّه ما بعتها منه كما يذكر ولا بما يذكر، ويحلف المشتري باللَّه ما باعها مني بما يذكر ولا كما يذكر، ويبرأ كل واحد منهما من طلب الآخر، ويبطل البيع. وهذا التفصيل اختاره ابن حزم، ونقله عن إياس بن معاوية (¬2) (¬3).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 62] جواز تراضي المختلفين على رد السلعة: • المراد بالمسألة: إذا تعاقد المتعاقدان، ثم اختلفا على أمر من الأمور المتعلقة بالعقد سواء كان الاختلاف راجعا إلى الثمن أو المثمن، ثم رضي كل منهما على ¬
أن يرد لصاحبه حقه، فهذا أمر جائز لا حرج فيه، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [وقد استدل بالحديث -أي: حديث ابن مسعود- من قال: إن القول قول البائع إذا وقع الاختلاف بينه وبين المشتري في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد، ولكن مع يمينه -كما وقع في الرواية الآخرة-، وهذا إذا لم يقع التراضي بينهما على الترادّ، فإن تراضيا على ذلك، جاز بلا خلاف] (¬1). نقله عنه المباركفوري (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا اختلف البيّعان وليس بينهما بينة، فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان" (¬4). ¬
63] فسخ البيع الفاسد ورده
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر حكم البيِّعين عند الاختلاف، ومفهوم اللفظ أنه عند التراضي فالأمر لهما. الثاني: القياس على ابتداء العقد بينهما: فكما أنه قائم على التراضي بينهما، فكذلك إنهاء العقد بينهما إذا تراضيا عليه؛ لأن الأمر إليهما لا يعدوهما.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 63] فسخ البيع الفاسد ورده: • المراد بالمسألة: البيع الباطل والفاسد عند جمهور العلماء بمعنى واحد، وهو: خطاب اللَّه تعالى المتعلق بوصف العقد بمخالفة الشرع (¬1): إما بفوات ركن، أو اختلال شرط، أو وجود مانع. أما عند الحنفية فهم يفرقون بين الباطل والفاسد، ويقولون بأن الباطل: ما كان ممنوعا بأصله ووصفه. أما الفاسد: فما كان مشروعا بأصله ممنوعا بوصفه (¬2). والمقصود هنا: أن العقد إذا وقع فاسدًا أو باطلًا، فإنه محرم، وإذا بقي على حاله، من غير تغير بزيادة أو نقصان ونحوها، فإنه يجب فسخه، ورد الثمن إلى البائع، ورد المثمن إلى المشتري، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الباجي (474 هـ) يقول: [من ابتاع شيئا من الحيوان، أو العروض، ابتياعا غير جائز -أي: فاسدا- فيرد لأجل فساده، فإن المبتاع يرد على البائع، وهذا يقتضي رد البيع الفاسد، ولا خلاف في ذلك] (¬3). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [اتفق العلماء على أن البيوع الفاسدة إذا وقعت، ولم تفت بإحداث عقد فيها، أو نماء، أو نقصان، أو حوالة سوق، أن حكمها الرد، أعني: أن يرد البائع الثمن، والمشتري المثمون] (¬4). ¬
• ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وقول القائل: إنه شرعي -أي: البيع المنهي عنه- إن أراد أنه يسمى بما أسماه به الشارع، فهذا صحيح. وإن أراد أن اللَّه أذن فيه، فهذا خلاف النص والإجماع. وإن أراد أنه رتب عليه حكمه، وجعله يحصل المقصود، ويلزم الناس حكمه كما في المباح، فهذا باطل بالإجماع] (¬1). • ابن جزي (741 هـ) يقول: [إذا وقع البيع الفاسد، فسخ، ورد البائع الثمن، ورد المشتري السلعة إن كانت قائمة، باتفاق] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} (¬4). • وجه الدلالة: الخبيث: لفظ عام يشمل الخبث في جميع الأمور، ومنه: المحرم من العقود. بيَّن -سبحانه- أنه لا يساوى بالطيب أبدا، بل صاحبه لا يفلح، ولا تحسن عاقبته بسبب مقارفته للمحرم، ثم أمر اللَّه بأن نتقيه في اجتناب الحرام والبعد عنه، وارتكاب الطيب والانتفاع به، فيدخل في ذلك البيع الفاسد (¬5). الثاني: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (¬6). ¬
64] وجوب استبراء الجارية بعد قبض المشتري في البيع المفسوخ وعدم لزومه قبل القبض
• وجه الدلالة: أن البيع الفاسد مخالف لأمر الدين والشرع، فهو مردود على صاحبه (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 64] وجوب استبراء الجارية بعد قبض المشتري في البيع المفسوخ وعدم لزومه قبل القبض: • المراد بالمسألة: إذا باع الجارية، ثم فسخ المشتري العقد بأي لون من ألوان الفسخ، سواء كان بإقالة أو بعيب أو نحوها، فإذا كان بعد قبض المشتري الجارية، فلا بد للبائع من استبراء الأمة، وإن كان قبل القبض، فلا يلزمه الاستبراء بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الزيلعي (743 هـ) يقول: [. . . لو كان البيع باتًّا، ثم تفاسخا بإقالة أو غيره، فإنه يجب عليه الاستبراء بعد القبض قياسا واستحسانا، وقبل القبض يجب قياسا، وفي الاستحسان لا يجب، إجماعا] (¬2). • البابرتي (786 هـ) يقول: [وأجمعوا في البيع البات يفسخ بإقالة أو غيرها، أن الاستبراء واجب على البائع، إذا كان الفسخ قبل القبض قياسا، وبعده قياسا واستحسانا] (¬3). نقله عنه عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (¬4). • الحداد (800 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن العقد لو كان باتا، ثم فسخ العقد بإقالة أو غيرها، إن كان قبل القبض لا يجب على البائع الاستبراء، وإن كان بعده وجب] (¬5). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [وأجمعوا أن العقد لو كان باتًّا، ثم فسخ بإقالة أو غيرها، إن كان قبل القبض، فالقياس أن يجب على البائع الاستبراء، وفي ¬
65] تحريم بيع الطعام قبل قبضه
الاستحسان غير واجب، وإن كان بعد القبض، فالاستبراء واجب قياسا واستحسانا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الجارية خرجت من ملكه ويده، وثبت حلها للغير، وهو المشتري، فإذا عادت إليه لزمه استبراء جديد، قياسا على استبرائه لها ابتداء (¬3). الثاني: أن الاستبراء في الجارية إنما وجب كي لا يفضي إلى اختلاط المياه، وامتزاج الأنساب، ومظنة ذلك عند تجدد الملك على رقبتها، كما هو حال البائع والمشتري (¬4). الثالث: أما قبل القبض: فالاستبراء إنما هو من أجل إثبات براءة الرحم، وفي هذه الحالة الرحم مأمون الجانب، فلا حاجة إليه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 65] تحريم بيع الطعام قبل قبضه: • المراد بالمسألة: التصرف في المبيع قبل قبضه معاوضة، والمبيع طعام غير الماء، وهو مما يحتاج إلى توفية -وهو ما كان مكيلا أو موزونا أو معدودا- وأراد بيعه لغير بائعه، لا يجوز، بإجماع العلماء. وإذا كان ذلك بعد القبض، فإن البيع صحيح، بإجماع العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما، فليس له أن يبيعه حتى يقبضه] (¬1). ويقول أيضا: [وثبت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الطعام قبل أن يقبض، وهذا قول عوام أهل العلم] (¬2). نقل العبارة الأولى ابن قدامة، وابن القطان، والنووي، وابن القيم (¬3). • الطحاوي (321 هـ) يقول: [ووجه آخر: أنا رأينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد نهى عن بيع الطعام حتى يقبض، وأجمع المسلمون على ذلك] (¬4). • الجصاص (370 هـ) يقول: [. . . لا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية -يعني قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬5) - وإن كان مخرجها مخرج العموم، فقد أريد به الخصوص؛ لأنهم متفقون على حظر كثير من البياعات، نحو بيع ما لم يقبض. . .] (¬6). ويدخل فيه الطعام دخولا أوليًّا. • الخطابي (388 هـ) يقول: [أجمع أهل العلم على أن الطعام، لا يجوز بيعه قبل القبض] (¬7). • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن من باع سلعة ملكها بعد أن قبضها، ونقلها عن مكانها، وكالها إن كانت مما يكال؛ فإن ذلك جائز] (¬8). نقله عنه ابن القطان (¬9). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [لا خلاف فيه بين العلماء في الطعام كله، ¬
والإدام كله، مقتات وغير مقتات، مُدَّخر وغير مدخر، كل ما يؤكل أو يشرب، فلا يجوز بيعه عند جميعهم، حتى يستوفيه مبتاعه] (¬1). ويقول أيضا: [ولم يختلف العلماء في كل ما يكال أو يوزن من الطعام كله والإدام، أنه لا يجوز بيعه لمن ابتاعه على الكيل والوزن، حتى يقبضه كيلا أو وزنا] (¬2). وقال في موضع آخر: [أما بيع الفاكهة رطبها ويابسها، فلا أعلم خلافا بين فقهاء العراق والحجاز والشام والمشرق والمغرب أنه لا يباع شيء منها قبل القبض -وهو الاستيفاء-] (¬3). ويقول أيضا: [. . . إجماع العلماء على أنه لو استوفاه بالكيل أو الوزن إلى آخره، لجاز له بيعه في موضعه] (¬4). وفي موضع آخر لما ذكر حديث ابن عمر "من ابتاع طعاما فلا. . . " قال: [هذا حديث صحيح الإسناد، مجتمع على القول بجملته] (¬5). نقل عنه العبارة الثالثة ابن القطان (¬6). • البغوي (516 هـ) يقول: [اتفق أهل العلم على أن من ابتاع طعاما، لا يجوز له بيعه قبل القبض] (¬7). • ابن رشد الجد (520 هـ) يقول: [. . . ما لا يدخل فيه اختلاف. . . كل ما كان من الأطعمة، فلا يجوز بيعه قبل استيفائه] (¬8). • العمراني (558 هـ) يقول: [فإن كان طعاما، لم يجز بيعه قبل قبضه بلا خلاف] (¬9). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن الطعام إذا اشتري مكايلة أو موازنة أو معاددة، فلا يجوز لمن اشتراه أن يبيعه من آخر، أو يعاوض به حتى يقبضه الأول، وأن القبض شرط في صحة هذا البيع] (¬10). • الكاساني (587 هـ) يقول: [لا يجوز التصرف في المبيع المنقول قبل ¬
القبض، بالإجماع] (¬1). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وأما بيع الطعام قبل قبضه، فإن العلماء مجمعون على منع ذلك، إلا ما يحكى عن عثمان البَتِّي] (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وكل ما يحتاج إلى قبض إذا اشتراه لم يجز بيعه حتى يقبضه. . .، ولم أعلم بين أهل العلم خلافا، إلا ما حكي عن البتِّي، أنه قال: لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه] (¬3). نقله عنه العيني (¬4). • ابن شداد (¬5) (632 هـ) يقول: [وقد اتفق العلماء على أن من ابتاع طعاما، لا يجوز له بيعه قبل القبض] (¬6). • سبط ابن الجوزي (¬7) (654 هـ) يقول: [واتفقوا على عدم جواز بيع المنقول قبل القبض] (¬8). • النووي (676 هـ) يقول: [أما مذهب عثمان البتِّي فحكاه المازري والقاضي، ¬
ولم يحكه الأكثرون، بل نقلوا الإجماع على بطلان بيع الطعام المبيع قبل قبضه] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وكل ما لا يدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه، لا يجوز له بيعه حتى يقبضه. . .، ولم نعلم بين أهل العلم في ذلك خلافا، إلا ما حكي عن البتِّي، أنه قال: لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه] (¬2). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [. . . اتفقوا على منع بيع الطعام قبل قبضه] (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [بيع المنقول قبل القبض، لا يجوز بالإجماع] (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: كنا في زمان الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- نبتاع الطعام، فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه، إلى مكان سواه قبل أن نبيعه (¬5). الثاني: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" وفي لفظ "حتى يقبضه" (¬6). الثالث: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله" (¬7). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الطعام قبل أن يقبضه المشتري من البائع، والنهي يقتضي التحريم. • المخالفون للإجماع: حُكي الخلاف في المسألة عن عثمان البَتِّي، وعطاء بن أبي رباح، ونقل عنهم أنهم كانوا يقولون بجواز بيع كل شيء قبل قبضه (¬8). ¬
ولعلهم يستدلون: بأن الأصل في البيوع أنها على الإباحة، والملك للسلعة يتحقق بالعقد الذي هو قائم على الإيجاب والقبول، فإذا تحقق ذلك فله حق التصرف بها كيفما شاء. أما قول عثمان: فقد جزم بشذوذه جماعة من العلماء، منهم: ابن عبد البر، والنووي، وابن القيم (¬1)، ولعله لم يبلغه الخبر في هذا، أو لم يصح ذلك عنه. أما قول عطاء فلم أجد من نسبه إليه إلا ابن حزم، وهذا يشهد لضعف هذه النسبة إليه، خاصة وأن عطاء أشهر من عثمان، فكيف يحكي عامة العلماء الخلاف عن عثمان دونه، وينفرد ابن حزم بنسبته إليه! ! ويضاف إلى هذا أن عطاء هو راوي الحديث عن حكيم بن حزام (¬2)، والذي جاء فيه النهي صريحا في المسألة، ثم إنه رَوى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عطاء ما يخالف ما ذكر ابن حزم (¬3)، ولو ثبت ما ذكر ابن حزم لحُكم بشذوذه.Rثبوت الإجماع في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه؛ وذلك لشذوذ الأقوال المخالفة، أو عدم ثبوتها. أما ما ذكره الحنفية -الكاساني والعيني وسبط ابن الجوزي- من حكاية الإجماع على المنقول عموما فهو غير صحيح؛ لأن من العلماء من خالف فقال: إن المحرم المفسد للبيع هو بيع الطعام دون غيره من الأشياء قبل قبضه، وما عداه فيبقى على الجواز. قال به المالكية وهو رواية عند الحنابلة (¬4). واختار هذا القول ابن المنذر (¬5). ¬
66] بيع المشتري السلعة قبل قبضها على البائع أو توكيله في بيعها
66] بيع المشتري السلعة قبل قبضها على البائع أو توكيله في بيعها: • المراد بالمسألة: المشتري إذا أراد أن يبيع السلعة التي لم يقبضها على البائع، فإن البيع باطل وينقض البيع الأول، ولو وكله في البيع لم تصح الوكالة، ولا ينقض البيع الأول، أما البيع الثاني فغير صحيح، كل هذا مجمع عليه. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) لما تكلم عن صور بيع المبيع قبل قبضه، قال: [ولو قال المشتري -أي: بعد شرائه للسلعة، وقبل قبضه لها - للبائع: بعه لي، لم يكن نقضا بالإجماع. وإن باعه لم يجز بيعه. ولو قال: بعه لنفسك، كان نقضا بالإجماع] (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية في الأصح عندهم، والحنابلة في المشهور عندهم، وهو رأي ابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ابتاع طعاما، فلا يبعه حتى يستوفيه" وفي لفظ: "حتى يقبضه" (¬3). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ابتاع طعاما، فلا يبعه حتى يكتاله" (¬4). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النهي في الحديثين جاء عاما، فلا فرق بين أن يبيعه لبائعه، أو لغيره، أو يوكله في البيع. ¬
67] تلف المكيل والموزون في مدة الخيار قبل القبض من ضمان البائع
• المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في وجه عندهم، والحنابلة في رواية عندهم اختارها ابن تيمية وابن القيم، قالوا: بأنه يجوز بيع المبيع قبل قبضه لبائعه (¬1). واستدل هؤلاء بعدة أدلة, منها: الأول: أن العلة في النهي عن بيع المبيع قبل قبضه، هي عجز المشتري عن تسليمه، وما دام في يد بائعه، فهذه العلة منتفية، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما (¬2). الثاني: القياس على الإقالة: بل هي في معناها فكأنه أقاله في المبيع؛ لأن السلعة في يده (¬3).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 67] تلف المكيل والموزون في مدة الخيار قبل القبض من ضمان البائع: • المراد بالمسألة: إذا تلفت السلعة المباعة من المكيل أو الموزون بآفة سماوية، وكان ذلك في زمن الخيار، سواء الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما جميعا، ولم يقبض المشتري السلعة من البائع، فإن الضمان يكون على البائع، ويعد البيع مفسوخا، إلا إذا أتلفه المشتري، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إذا تلفت السلعة في مدة الخيار. . .، فإن كان قبل القبض، وكان مكيلا، أو موزونا، انفسخ البيع، وكان من مال البائع، ولا ¬
أعلم في هذا خلافا، إلا أن يتلفه المشتري، فيكون من ضمانه، ويبطل خياره] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [إن تلف المبيع في مدة الخيار. . .، فإن كان قبل القبض، وكان مكيلا، أو موزونا، انفسخ البيع، وكان من مال البائع، ولا نعلم في هذا خلافا، إلا أن يتلفه المشتري، فيكون من ضمانه، ويبطل خياره] (¬2). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [واتفقوا على أن تلف المبيع قبل التمكن من القبض، يبطل العقد، ويحرم الثمن] (¬3). ويقول لما حكى اتفاق العلماء على أن تلف المنفعة في الإجارة قبل التمكن من استيفائها يمنع استحقاق الأجرة: [وكذلك المبيع إذا تلف قبل التمكن من قبضه، مثل أن يشتري قفيزا من صبرة، فتتلف الصبرة قبل القبض والتمييز، كان ذلك من ضمان البائع، بلا نزاع] (¬4). ويقول لما سئل عن رجل اشترى صبرة مجازفة، ثم تلفت على ملك المشتري قبل قبضها، ثم باعها قبل قبضها من غير أن يعلم تلفها: [أما في هذه الصورة، فالبيع باطل بالاتفاق] (¬5). نقل العبارة الثانية ابن القيم (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن قبض السلعة بعد التلف متعذر، ويترتب عليه انعدام أحد أركان ¬
68] ضمان العين المباعة بعد قبضها يكون على المشتري
البيع. الثاني: القياس على التفرق قبل القبض في الصرف، فإنه لا يترتب عليه أثر إلا إلغاء العقد، فكذلك في التلف (¬1). الثالث: أن المبيع ما لم يُسلَّم إلى المشتري فهو في ضمان البائع (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 68] ضمان العين المباعة بعد قبضها يكون على المشتري: • المراد بالمسألة: من آثار عقد البيع تسليم العين المباعة للمشتري، فإذا استلم المبتاع العين في عقد صحيح، بإذن البائع، ولم يكن ثمة خيار بين المتبايعين، ثم وقع عارض للعين، فإن الضمان يكون على المشتري، إلا ما يكون في ضمان العهدة والجائحة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن من ابتاع بيعا صحيحا، بلا خيار، فقبضه بإذن بائعه، ثم عرض فيه عارض مصيبة، فهو من مُصيبة المشتري، ما لم يكن حيوانا -من رقيق أو غيره- أو ثمارا أو زرعا أو بقولا] (¬3). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [سائر العروض من الحيوان -إلا الرقيق- وغير الحيوان من سائر العروض والمتاع، فالإجماع منعقد على أن ما قبضه المبتاع، وبان به إلى نفسه، فمصيبته منه] (¬4). • الكاساني (587 هـ) يقول: [. . . ولهذا يدخل المبيع في ضمان المشتري بالتخلية نفسها، بلا خلاف] (¬5). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وذلك أن المسلمين مجمعون على أن كل مصيبة تنزل بالمبيع بعد قبضه، فهي من المشتري]. ويقول أيضا: [ولا خلاف بين ¬
69] صحة عتق العبد قبل قبضه
المسلمين أنه من ضمان المشتري بعد القبض، إلا العهدة والجوائح] (¬1). • القرافي (684 هـ) يقول: [الإجماع على أن العيب الحادث بعد العقد والقبض لا يوجب خيارا] (¬2). أي: أنه لازم على المشتري، فيكون ضمانه عليه. • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخراج بالضمان" (¬4). • وجه الدلالة: أن المبيع بعد قبض المشتري يكون نماؤه له، فيكون ضمانه عليه. الثاني: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك" (¬5). • وجه الدلالة: قوله: "ولا ربح ما لم يضمن" فالنهي وقع على ربح ما لم يضمن، وهو الذي بيع قبل القبض، فدل على أن ما بيع بعد القبض -وهو الذي يكون مضمونا على المشتري- لا يدخل في النهي.Rصحة الإجماع في المسألة، وذلك لعدم المخالف فيها. 69] صحة عتق العبد قبل قبضه: • المراد بالمسألة: إذا كانت العين المباعة رقيقا، وأعتقه المشتري قبل أن يقبضه، فإن العتق واقع عليه وصحيح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن السلعة لو كانت جارية، ¬
فأعتقها المشتري قبل قبضها، أن العتق واقع عليها] (¬1). ويقول أيضا: [وأجمعوا على أن المشتري لو أعتق العبد المشترى قبل القبض، أن العتق يقع به] (¬2). نقله عنه ابن حجر، والشربيني، والصنعاني (¬3). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [لو أعتق العبد المبيع قبل القبض، فقد صح إجماعا] (¬4). ويقول أيضا: [ويملك المشتري المبيع بالعقد، ويصح عتقه قبل القبض، إجماعا] (¬5). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬6). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [ويشهد لما ذهبنا إليه -أي: في مسألة التصرف قبل قبض المبيع- إجماعهم على صحة الوقف والعتق قبل القبض] (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬8). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: الأصل في التصرف أنه على الإباحة إذا ملك العين، والملك يتم بالعقد، والنهي عن التصرف قبل القبض، إنما ورد في البيع خاصة، فلا يدخل فيه العتق، خاصة وأن الشارع متشوِّف لوقوعه. الثاني: أن جواز هذا التصرف وهو العتق يعتمد على ملك الرقبة، وليس على قبضها، وقد وجد، وهو يخالف البيع فإن صحته تفتقر إلى ملك الرقبة واليد جميعا؛ لافتقاره إلى التسليم (¬1). الثالث: أن فساد العقود إنما هو من أجل وقوع الغرر، وهو غرر انفساخ العقد بهلاك المعقود عليه، وهذا التصرف مما لا يحتمل الانفساخ، فلم يوجد الغرر، فلزم الجواز (¬2). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية، وعندهم فيها وجهان، غير ما وافق الإجماع الذي هو الأشهر: الوجه الأول: لا يصح العتق قبل القبض (¬3). و• دليلهم: القياس على البيع: فكما أنه لا يصح في البيع فكذلك في العتق، بجامع أن كلا منهما فيه إزالة للملك (¬4). الوجه الثاني: إن لم يكن للبائع حق حبس العبد -بأن أدى المشتري الثمن- صح عتق المشتري، وإن كان له حق الحبس لم يصح عتقه (¬5). و• دليلهم: أنه لو أعتقه المشتري والبائع له حق حبس العبد، كان فيه إبطالا لحق البائع، ولذا منع منه في هذه الحالة (¬6). ¬
70] بطلان العتق قبل القبض في البيع الفاسد
Rعدم صحة الإجماع في المسألة، وذلك لثبوت الخلاف فيها. 70] بطلان العتق قبل القبض في البيع الفاسد: • المراد بالمسألة: من الشروط الفاسدة: أن يشترط البائع على المشتري أن يعتق العبد، فإذا وقع البيع على هذا الشرط، أو غيره من الشروط الفاسدة، ثم أعتقه قبل أن يقبضه، فإن العتق غير نافذ، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن الهمام (861 هـ) يقول لما ذكر أنموذجا من نماذج الشروط الفاسدة: [. . . لو أعتقه -أي: المشتري الذي اشترى العبد بشرط العتق- قبل القبض، فلا يعتق بالإجماع] (¬1). • عمر ابن نجيم (¬2) (1005 هـ) يقول: [وأجمعوا على أنه -أي: المشتري للعبد بشرط العتق- لو أعتقه قبل القبض، لا يجوز]. نقله عنه ابن عابدين (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن المشتري لا يملك عتق العبد قبل القبض؛ إذ البيع وقع فاسدا (¬5). الثاني: القياس على الضمان: فكما أنه لا يضمنه قبل قبضه لو وقعت له زيادة أو نقصان، فكذلك لا يعتق على مالكه. ¬
71] جواز التصرف قبل القبض في المملوك بالوصية والإرث والغنيمة
• المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: المالكية فقالوا: إنه يقع العتق، حتى وإن كان قبل القبض (¬1). واستدل هؤلاء: بأن عتق المشتري العبد قبل أن يقبضه يعد قبضا منه للعبد، فهو إذا أعتقه دخل في عتقه إياه قبضه للعبد، وفوات العبد (¬2).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 71] جواز التصرف قبل القبض في المملوك بالوصية والإرث والغنيمة: • المراد بالمسألة: إذا ملك الشخص العين بالوصية أو بالإرث أو بالغنيمة، وكان الوصي والمورث تام الملك على العين، فإنه يجوز لمن انتقلت إليه العين، التصرف فيها بأي لون من ألوان التصرف قبل قبضها، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ما مُلِكَ بإرث، أو وصية، أو غنيمة، وتعيَّن مُلكه فيه، فإنه يجوز له التصرف فيه بالبيع وغيره قبل قبضه. . .، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، ولا أعلم عن غيرهم خلافهم] (¬3). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وإذا تعيَّن ملك إنسان في موروث، أو وصية، أو غنيمة، لم يعتبر لصحة تصرفه قبضه، بلا خلاف] (¬4). نقله عنه ابن مفلح، والمرداوي، وعبد الرحمن القاسم (¬5). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [ولو تعيَّن ملكه في موروث، أو ¬
وصية، أو غنيمة، لم يعتبر قبضه، بغير خلاف] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن ما مُلِك بأحد هذه الأنواع الثلاثة فهو غير مضمون بعقد معاوضة، فيكون تصرفهم فيه كالتصرف في المبيع بعد القبض (¬3). الثاني: أن حقهم مستقر فيه، وملكهم له ملك تام، ولا علاقة لأحد معهم، ويد من هو في يده يد أمين، بمنزلة يد المودع ونحوه من الأمناء (¬4). الثالث: أن الوارث خلف الميت في الملك الموروث، وخلف الشيء قائم مقامه كأنه هو، فيأخذ حكمه. ومثله الوصي؛ لأن الوصية أخت الميراث (¬5). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة، وابن حزم من الظاهرية. أما الحنابلة: فلهم عدة روايات في المسألة: 1 - جعلوا الوصية كالبيع، لا يصح التصرف فيها إلا بعد القبض. 2 - جعلوا الإرث كالبيع كذلك. 3 - منعوا بيع الطعام قبل قبضه في الإرث وغيره. 4 - المنع من التصرف في الغنيمة قبل قبضها (¬6). ¬
72] نماء المبيع قبل القبض يكون للمشتري
ويمكن أن يستدل لهذه الروايات: أنهم ألحقوا هذه الحالات كلها بالبيع، فكما أنه لا يجوز التصرف بالبيع في العين المشتراة قبل قبضها، فكذلك هذه الحالات. أما ابن حزم: فيرى أنه يجوز التصرف في هذه الأشياء قبل القبض إلا القمح وحده، فلا يحل التصرف فيه إلا بعد قبضه (¬1). واستدل ابن حزم لقوله بعدة أدلة، منها: الأول: أن النص إنما ورد في النهي عن البيع قبل القبض فيما ملك بعقد البيع، كما في حديث حكيم بن حزام -رضي اللَّه عنه-: "إذا ابتعت بيعا، فلا تبعه حتى تقبضه" (¬2). الثاني: أما تخصيص القمح من بين سائر أنواع الطعام؛ فلأن المراد بالطعام في اللغة التي بها خاطبنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يطلق إلا عليه وحده، ويطلق على غيره بالإضافة، ولذا فهو المراد في حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "نهى عن بيع الطعام قبل قبضه" (¬3) فبأي وجه ملكه لا يجوز له بيعه قبل قبضه (¬4).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 72] نماء المبيع قبل القبض يكون للمشتري: • المراد بالمسألة: إذا وقع العقد على عين، وقبل قبض المشتري لها، نمت هذه العين: كأن تكون بهيمة وولدت، أو شجرة وأثمرت ونحوها، فإن النماء يكون للمشتري، بلا نزاع بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [. . . القبض في البيع ليس هو من تمام العقد كما ¬
73] هلاك السلعة عند البائع بعد إيداعها عنده يكون من ضمان المشتري
هو في الرهن، بل الملك يحصل قبل القبض للمشتري تابعا، ويكون نماء المبيع له بلا نزاع، وإن كان في يد البائع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن المشتري يثبت ملكه للعين بعد العقد؛ إذ العقد يلزم بالإيجاب والقبول، وهذا النماء إنما كان بعد العقد، فيكون نماء ملكه (¬3). الثاني: القياس على الثمرة غير المؤبرة: فإنها تكون للمشتري، فمن باب أولى أن تكون الثمرة غير الموجودة عند العقد ثم وُجِدت بعده، ملكا له.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 73] هلاك السلعة عند البائع بعد إيداعها عنده يكون من ضمان المشتري: • المراد بالمسألة: إذا كان البيع باتًّا لا شرط فيه بين المتعاقدين، وقبض المشتري السلعة، وكان له خيار الرؤية أو العيب، ثم أودعها البائع، فتلفت عنده، من غير تعد منه أو تفريط، فإنها تكون من ضمان المشتري، ويلزمه دفع الثمن إن لم يكن دفعه من قبل، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: ¬
• الكاساني (587 هـ) يقول: [ولو كان البيع باتًّا، فقبضه المشتري بإذن البائع أو بغير إذنه، والثمن منقود أو مؤجل، وله خيار رؤية أو عيب، فأودعه البائع، فهلك عند البائع يهلك على المشتري، ويلزمه الثمن بالإجماع] (¬1). • العيني (855 هـ) يقول: [ولو كان البيع باتا، فقبضه المشتري بإذن البائع أو بغير إذنه، والثمن منقود أو مؤجل، وله فيه خيار رؤية أو عيب، فأودعه البائع، فهلك في يد البائع، هلك على المشتري، ولزمه الثمن بالإجماع] (¬2). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [ولو كان البيع باتا، فقبض المشتري المبيع بإذن البائع، أو بغير إذنه، وله فيه خيار رؤية أو عيب، ثم أودعه البائع، فهلك في يده، هلك على المشتري، ولزمه الثمن، اتفاقا] (¬3). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [ولو كان البيع باتا، فقبض المشتري المبيع بإذن البائع، أو بغير إذنه، ثم أودعه البائع، فهلك، كان على المشتري، اتفاقا] (¬4). نقله عنه عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن خيار الرؤية والعيب لا يمنعان انعقاد العقد بين المتبايعين، فمُلْك ¬
74] التخلية قبض للعقار
المشتري على العين تام، فكان مودِعا ملك نفسه (¬1). الثاني: أن البائع أصبحت يده على العين بعد الوديعة يدُ أمانة، فلا يضمن إلا إذا تعدَّى أو فرَّط.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 74] التخلية قبضٌ للعقار: • المراد بالمسألة: القبض في الأعيان المباعة يتفاوت بحسب العين، أما قبض العقار: فيكون بالتخلية بينه وبين المشتري، باتفاق العلماء. والتخلية هي: أن يُمَكَّن من التصرف فيه دون أي مانع (¬2). • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [. . . يقولون هذا تلف بعد قبضه؛ لأن قبضه حصل بالتخلية بين المشتري وبينه، فإن هذا قبض العقار، وما يتصل به، بالاتفاق] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن القبض مطلق في الشرع وفي اللغة، وعند الإطلاق يجب الرجوع إلى العرف، كالحرز في باب السرقة، وكيفية إحياء الموات، ونحوها، وعادة ¬
75] مشروعية الإقالة في البيع
الناس في قبض هذه الأشياء تمكين المشتري من العقار (¬1). الثاني: أنه لا سبيل للخروج من عهدة البيع في العقار إلا بالتخلية بينه وبين المشتري، فكانت هي اللازمة فيه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 75] مشروعية الإقالة في البيع: • المراد بالمسألة: الإقالة في اللغة: بمعنى الرفع والإزالة (¬2). • وفي الاصطلاح: رفع العقد، وإلغاء حكمه وآثاره، بتراض من الطرفين (¬3). إذا تبايع المتعاقدان، وتم العقد بينهما، وقبض المشتري السلعة، ثم طلب أحدهما الإقالة، وكانت السلعة على حالها، وردها من غير زيادة ولا نقصان، فإن إقالة المشتري في هذه الحالة مشروعة مرغب فيها، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن من أقال بعد القبض بلا زيادة يأخذها، أو حطيطة يحطُّها، أن ذلك جائز] (¬4). نقله عنه ابن القطان (¬5). • العيني (855 هـ) يقول: [(الإقالة جائزة في البيع، بمثل الثمن الأول) لا خلاف للأئمة الأربعة في جواز الإقالة] (¬6). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(الإقالة جائزة في البيع، بمثل الثمن الأول) عليه إجماع المسلمين] (¬7). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [ودليلها -أي: الإقالة- السنة والإجماع] (¬8). • العظيم آبادي (بعد: 1310 هـ) يقول لما تكلم عن الإقالة: [وهي مشروعة ¬
إجماعا] (¬1). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [(والإقالة مستحبة) وأجمعوا على مشروعيتها] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أقال مسلما أقاله اللَّه عثرته" وفي رواية: "من أقال نادما بيعته. . . " (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حث على الإقالة، ورغَّب فيها في المبايعة، فدل على فضلها. الثاني: أن الإقالة من محاسن الأخلاق ومكارم العادات التي حث عليها الشارع، وهي وجه من وجوه البر والإحسان التي تدخل في عموم ما جاء في كتاب اللَّه من مثل قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬5). الثالث: أن الإقالة فسخ، والفسخ رفع للعقد من أصله، فيلزم منه أنهما يترادَّان العوضين على وجههما من غير زيادة ولا نقص، قياسا على الرد بالعيب (¬6). ¬
76] الإقالة التي فيها زيادة أو نقصان تعد بيعا
الرابع: أن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه، ورجوع كل منهما إلى ما كان له (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 76] الإقالة التي فيها زيادة أو نقصان تعد بيعا: • المراد بالمسألة: إذا تعاقد المتعاقدان، وطلب أحدهما من الآخر الإقالة، فأبى البائع إلا أن يرد عليه الثمن ناقصا، أو رفض المشتري إلا أن يرد عليه الثمن زائدا، فإنه يعتبر بيعا جديدا يأخذ أحكام البيع، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [لا خلاف بين العلماء، أن الإقالة إذا كان فيهما نقصان أو زيادة أو تأخير، أنها بيع] (¬2). نقله عنه ابن القطان (¬3). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [لم يختلفوا. . .، أن الإقالة عندهم إذا دخلتها الزيادة والنقصان، هي بيع مستأنف] (¬4). • ميارة (1072 هـ) يقول لما تكلم عن الإقالة: [إن كانت على أكثر من الثمن الأول، أو على أقل منه، فهي بيع مستأنف اتفاقا] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قياس البيع المستأنف على البيع الجديد: إذ البيع مبادلة مال بمال على ¬
77] تحريم إقالة الوكيل بالشراء
وجه التراضي، وهذا هو الذي وقع في هذه الصورة. الثاني: أنه لا يمكن أن يقال بالإقالة هنا إذا وقع التراضي بينهما عليها؛ إذ لا بد فيها من الرد بالثمن الأول من غير زيادة ولا نقصان فهي رفع للعقد وإزالة له (¬1)، فلم يبق إلا أن يتبايعا بيعا جديدا، فحينئذ يجوز فيه ما يجوز في البيع، ويحرم فيه ما يحرم في البيع.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 77] تحريم إقالة الوكيل بالشراء: • المراد بالمسألة: إذا وكَّل العاقد أحدا يشتري له سلعة معينة، فإنه يحرم على الوكيل أن يُقِيل هذا الشراء الذي اشتراه للموكِل، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [وإقالة الوكيل بالشراء، لا تجوز بالإجماع] (¬2). • الحموي (1098 هـ) يقول: [وإقالة الوكيل بالشراء، لا تجوز إجماعا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬4). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من المعقول، وهو: أن الوكيل بالشراء إذا اشترى المال الذي أمر بشرائه تكون وكالته قد انقضت، وإقالته بعد ذلك تكون فضولا، فلا يجوز تصرفه حينئذ (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. * * * ¬
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب الصرف
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب الصرف 1] اشتراط القبض في الصرف: • المراد بالمسألة: الصرف في اللغة: معظم باب هذه الكلمة يدل على رَجْع الشيء. فهو شيء صرف إلى شيء، كأن الدينار صرف إلى الدراهم، أي: رجع إليها، إذا أخذت بدله. ومنه اشتق اسم الصيرفي لتصريفه أحدهما على الآخر (¬1). ويطلق على فضل الدرهم على الدرهم في القيمة، وسمي بذلك؛ لأن الغالب ممن عقد على الذهب والفضة بعضها ببعض، هو طلب الفضل بها؛ لأنه لا يرغب في أعيانها (¬2). • وفي الاصطلاح: بيع نقد بنقد من جنسه، أو من غيره (¬3). والمقصود هنا: أن من شروط الصرف القبض في المجلس قبل التفرق، فإذا لم يقع فإن العقد فاسد، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن المتصارفَين إذا تفرقا قبل أن ¬
يتقابضا، أن الصرف فاسد] (¬1). نقله عنه ابن قدامة، وشمس الدين ابن قدامة، وتقي الدين السبكي، وبرهان الدين ابن مفلح، والبهوتي، وعبد الرحمن القاسم (¬2). • الجصاص (370 هـ) يقول: [قد ثبت بالسنة واتفاق الأمة أن من شرط صحة عقد الصرف، افتراقهما عن مجلس العقد عن قبض صحيح] (¬3). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [لا يجوز في الصرف شيء من التأخير، ولا يجوز حتى يحضر العين منهما جميعا، وهذا أمر مجتمع عليه] (¬4). ويقول أيضا: [ولا خلاف بين علماء المسلمين في تحريم النسيئة في بيع الذهب بالذهب، والورق بالورق، وبيع الورق بالذهب، والذهب بالورق، وأن الصرف كله لا يجوز إلا هاء وهاء قبل الافتراق، هذه جملة اجتمعوا عليها، وثبت قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك "إلا هاء وهاء" بنقل الآحاد العدول أيضا، وما أجمعوا عليه من ذلك وغيره فهو الحق] (¬5). ويقول أيضا: [ولا خلاف بين علماء الأمة، أنه لا يجوز النسيئة في بيع الذهب بالورق] (¬6). • الباجي (474 هـ) يقول: [فأما التفرق قبل القبض -أي: في الصرف- فلا خلاف بين الفقهاء نعلمه في أنه يفسد العقد] (¬7). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [اتفق العلماء على أن من شرط الصرف أن يقع ناجزا] (¬8). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [والقبض في المجلس شرط لصحته -أي: ¬
الصرف - بغير خلاف] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وأما الصرف. . .، القبض في المجلس شرط لصحته، بغير خلاف] (¬2). • تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [قاعدة: العقود بالنسبة إلى التقابض على أربعة أقسام: منها: ما يجب فيه التقابض قبل التفرق بالإجماع، وهو الصرف] (¬3). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [والصرف. . .، له شرطان: منع النسيئة مع اتفاق النوع واختلافه، وهو المجمع عليه] (¬4). ويقول أيضا: [واشتراط القبض في الصرف، متفق عليه] (¬5). نقل عنه العبارة الأولى المباركفوري (¬6). • العيني (855 هـ) يقول: [(ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق) يعني: قبل الافتراق بالأبدان، بإجماع العلماء] (¬7). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق) بإجماع الفقهاء] (¬8). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [لا بد في بيع بعض الربويات من التقابض، ولا سيما في الصرف وهو: بيع الدراهم بالذهب وعكسه، فإنه متفق على اشتراطه] (¬9). ويقول أيضا: [فإن كان بيع الذهب والفضة، أو العكس، فقد تقدم أنه يشترط التقابض إجماعا] (¬10). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬11). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن سليمان بن أبي مسلم (¬1) قال: سألت أبا المنهال (¬2) عن الصرف يدا بيد؟ فقال: اشتريت أنا وشريك لي شيئا يدا بيد ونسيئة، فجاءنا البراء بن عازب فسألناه؟ فقال: فعلت أنا وشريكي زيد بن أرقم (¬3)، وسألنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال: "ما كان يدا بيد فخذوه، وما كان نسيئة فذروه" (¬4). الثاني: عن مالك بن أوس (¬5) أنه التمس صرفا بمائة دينار، فدعاني طلحة بن عبيد اللَّه، فتراوضنا حتى اصطرف مني، فأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة، وعمر يسمع ذلك، فقال: واللَّه لا تفارقه حتى تأخذ منه، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء" (¬6). الثالث: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تبيعوا الذهب ¬
2] صحة المصارفة مع تعيين النقدين في الصرف
بالذهب إلا مِثلا بمثل، ولا تُشفُّوا (¬1) بعضها على بعض، ولا تبيعوا الوَرِق بالوَرِق إلا مثلا بمثل، ولا تُشفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا شيئا منها غائبا بناجز" (¬2). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أن الصرف بيع، والبيع مع اتحاد الجنس لا بد فيه من القبض في المجلس، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بتركه إذا كان نسيئة فدل على فساده (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 2] صحة المصارفة مع تعيين النقدين في الصرف: • المراد بالمسألة: المصارفة حين تقع من المتصارفين، تجوز إذا عيَّنا النقدين في العقد بإجماع العلماء، وصورة ذلك أن يقول: صارفتك هذه الدنانير بهذه الدراهم. • من نقل الإجماع: • تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [وهو أن يكونا -أي: النقدين في الصرف- معينين، فذلك مما لا خلاف بين الأئمة في جوازه] (¬4). • الشربيني (977 هـ) يقول: [ويصح -أي: الصرف- على معينين، بالإجماع] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة (¬6). ¬
3] جواز البيع بالفلوس
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن من شرط الصرف إذا كان الجنس واحدا التساوي والتقابض، وإذا كان الجنس مختلفًا فيشترط التقابض دون التساوي، كما دلت على ذلك سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يذكر في السنة التفريق بين المعين وما في الذمة، فدل على أنهما على حد سواء في الجواز. الثاني: أن الأصل في عقود المعاوضة أن تكون معينة؛ لأن ذلك دليل على تحقق الملك وتيقُّنه من قبل الطرفين، بخلاف ما إذا كان في الذمة، فلربما لا يكون أحدهما مالكا للعوض حال العقد. الثالث: قياس الأولى: وهو أنه إذا جاز عقد الصرف وغيره على ما في الذمة، فجوازه على المعين من باب أولى.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 3] جواز البيع بالفلوس: • المراد بالمسألة: الفلوس جمع فَلْس، وهي: كل ما يتخذه الناس ثمنا من سائر المعادن عدا الذهب والفضة (¬1). والمقصود هنا: أن التبايع بها، وجعلها نقدا وثمنا للسلع، جائز بإجماع العلماء. ¬
4] تعين العروض بالتعيين
• من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول: [(ويجوز البيع بالفلوس. . .) هذا بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الفلوس مال معلوم القدر والوصف، فجاز التبايع بها، وجعلها ثمنا للأشياء (¬3). الثاني: أن الناس تعاملوا بها، وتعارفوا على ذلك، وجعلوها تقوم مقام الأثمان الحقيقية، والمعروف بالعرف كالمعروف بالنص (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 4] تعيُّن العروض بالتعيين: • المراد بالمسألة: العروض وهي ما عدا النقد، إذا كانت ثمنا أو مثمنا، فإنها ¬
تتعين في العقد بالتعيين، فيثبت الملك فيها بالعقد فيما عيناه، ولا يجوز إبدالها، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) يقول: [واحتج أصحابنا -أي: على مسألة تعين الدراهم والدنانير بالتعيين- بالقياس على السلعة، فإنها تتعين بالإجماع] (¬1). • القرافي (684 هـ) يقول: [أجمع الناس على أن العروض تتعين بالتعيين] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن العروض لها من خصوصيات الأوصاف ما تتعلق به الأغراض الصحيحة، وتميل إليه العقول الصحيحة، والنفوس السليمة؛ لما في تلك التعيينات من الملاذّ الخاصة بتلك الأعيان، وهذا غرض صحيح معتبر في الشرع، فلذا تتعين في العقود (¬4). الثاني: القياس على الأشياء المغصوبة: فإنه يتعين ردها بأعيانها، فكذلك العروض تتعين في العقود.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. * * * ¬
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في باب بيع الأصول والثمار
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في باب بيع الأصول والثمار 1] يدخل ما كان على الأرض أو البناء في البيع إذا كان ثابتا معه غير منقول: • المراد بالمسألة: حين يبيع البائع دارا مملوكة له -وليست وقفا أو نحوه- فإن البيع يشمل -عند الإطلاق من غير تقييد- ما كان على الأرض من البناء، وكذلك الأرض إذا كانت مما يصح بيعها، فإن له ما فيها من البناء، وما كان مركبا فيها من الأبواب والدرج، بإجماع العلماء. وهذا قيد يخرج الأرض الموقوفة كأرض العراق. وما عدا هذين الأمرين فإنه قد وقع فيها الخلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن من اشترى دارا، فإن البنيان كله والقاعة، داخل كل ذلك في البيع] (¬1). ويقول أيضا: [من اشترى أرضا، فهي له بكل ما فيها من بناء قائم، أو شجر ثابت. وكذلك اشترى دارا، فبناؤها كله له، وكل ما يكون مركبا فيها من باب، أو درج، أو غير ذلك، وهذا إجماع متيقن] (¬2). نقل عنه العبارة الأولى ابن القطان (¬3). • الشربيني (977 هـ) يقول: [(و) يدخل (في بيع الدار) -عند الإطلاق- (الأرض) إجماعا، إذا كانت مملوكة للبائع] (¬4). ¬
2] عدم دخول الباب الموضوع في بيع الدار
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: الاستدلال بالعرف: فاسم الدار في العرف يتناول البناء والعرصة (¬2) جميعا. والمطلق من الألفاظ يرجع فيه إلى ما تعارف عليه الناس، ولا يفهم في العرف من بيع الدار بيع عرصتها لا بنائها، بل بيعهما جميعا. الثاني: أن البناء متصل بالأرض اتصال قرار، وما كان متصلا بها اتصال قرار، فإنه يدخل فيها تبعا من غير اشتراط (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 2] عدم دخول الباب الموضوع في بيع الدار: • المراد بالمسألة: إذا باع البائع الدار، وكان فيها باب موضوع، غير منصوب في أماكن الأبواب، فإنه لا يدخل في البيع، إذا لم يكن ثمة شرط بينهما، ومثله القفل ومفتاحه، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول: [ولا يدخل -أي: في بيع الدار- القفل، ومفتاحه، والباب الموضوع، بالاتفاق] (¬4). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [والباب الموضوع، لا يدخل بالاتفاق في بيع الدار] (¬5). نقله عنه ابن عابدين، والشلبي (¬6). ¬
3] بطلان بيع الفناء مع الدار
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬1). يستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من المعقول، وهو: أن الأبواب الموضوعة، والأقفال ومفاتيحها، منفصلة عن الدار، وليست من مصلحتها، وما كان منفصلا عنها، وليس من مصلحتها، فإنه لا يدخل في العقد عند الإطلاق، ما لم يكن ثمة عرف يدخلها، فهي تشبه الطعام والشراب حين تكون في الدار (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 3] بطلان بيع الفِناء مع الدار: • المراد بالمسألة: الفناء في اللغة: هو سعة أمام الدار. وقيل: ما امتد من جوانبها (¬3). وفي اصطلاح الفقهاء، هو: ما يلي جدران الدار خارجا عنها، من الشارع المتسع النافذ (¬4). • والمقصود بالمسألة: إذا باع الدار، ولها فناء محيط بها، فإنه ليس له أن يبيع الفناء معه، وإذا باعه معه فبيعه للفناء باطل لا يصح، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا باع دارا، لم يكن له أن يبيع ¬
4] تملك المشتري ثمر النخل المؤبر وغير المؤبر
فناءها معها، فإن باعه فالبيع باطل في الفناء] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن ملكه مختص في الدار، والدار هي: ما أدير عليه الحائط، وما كان خارجا عنها لا يدخل فيها، فلا يدخل في ملكه (¬4). الثاني: أن الفِناء ليس بملك لأحد، بل هو لجماعة المسلمين، لكن يختص به صاحب الدار فهو أحق به من غيره في الاستفادة منه (¬5). • المخالفون للإجماع: أورد ابن عقيل من الحنابلة احتمالا بصحة بيع الدار إذا بيعت بالفناء (¬6). واستدل لقوله: بأن الفناء يعتبر من الحقوق التابعة للدار، كمسيل المياه، فيصح بيعه معه (¬7). وما ذكره احتمال وليس بقول، ومثله لا يخرق الإجماع.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم الاعتداد بالمخالفة. 4] تملك المشتري ثمر النخل المؤبَّر وغير المؤبر: • المراد بالمسألة: التأبير لغة: مصدر أبر، بالتخفيف والتشديد، يقال: أبر النخل إذا أصلحه ولقَّحه (¬8). ¬
• وفي الاصطلاح: هو التلقيح، بأن يوضع طلع الفحل من النخل بين طلع الإناث بعد تشققه (¬1). والمقصود هنا: أن من باع نخلا وفيها ثمر لم يؤبر، ولم يكن ثمة شرط بين المتعاقدين، فإن الثمرة بإجماع العلماء تكون من نصيب المشتري. وأما إذا كانت مؤبرة واشترطها المشتري، فإنها تكون له، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن من باع نخلا لم يؤبر، فثمرتها للمشتري. وانفرد ابن أبي ليلى، فقال: الثمر للمشتري، وإن لم يشترط] (¬2). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [المبيع الذي يدخل في مطلق العقد بأجزائه ومنافعه، يملكان اشتراط الزيادة عليه؛ كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من باع نخلا قد أبرت، فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع" (¬3) فجوَّز للمشتري اشتراط زيادة على موجب العقد المطلق، وهو -أي: هذا الشرط- جائز بالإجماع] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: ما جاء عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ابتاع نخلا قد أُبِّرت، فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع" (¬6). ¬
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن أن الثمرة المؤبرة يملكها البائع بالشرط، ويفهم منه أن التي لم تؤبر تكون للمشتري (¬1). الثاني: القياس على الولد في بيع أمه: فإن كان جنينا في بطن أمه فهو تبع لها، وإن ولدته لم يتبعها، فكذلك الثمرة المؤبرة وغير المؤبرة، بجامع الاتصال والانفصال في كل منهما (¬2). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: أن ثمرة النخل سواء أُبِّر أم لم يُؤبَّر، تكون للبائع، ولا يملكها المشتري إلا بالشرط. قال بهذا الحنفية (¬3) والأوزاعي (¬4). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: أن الثمرة نماء له حد، فلم يتبع أصله في البيع، كالزرع في الأرض (¬5). الثاني: القياس على من باع أمة لها ولد، فولدها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، فكذلك الأمر في الثمر، بجامع أن كلا منهما نتاج الأصل (¬6). القول الثاني: أن الثمرة للمشتري، سواء أُبِّر أم لم يؤبر، وسواء وقع الشرط أم لا. قال به ابن أبي ليلى (¬7). ¬
5] تملك البائع ثمر النخلة المؤبر بعضها
واستدل بدليل من المعقول، وهو: أن الثمرة متصلة بالنخلة اتصال خلقة، فكانت تابعة لها، كالأغصان (¬1).Rصحة الإجماع على أن من باع نخلا قد أبرت واشترط المشتري أن تكون الثمرة له، فإن شرطه صحيح؛ لعدم المخالف فيها. أما إذا لم يكن الثمر قد أُبِّر، ولم يكن شرط بين المتعاقدين، فهذا مسألة وقع فيها الخلاف، فلا يصح الإجماع فيها. وبهذا يتبين أن كلام ابن تيمية أسلم في حكاية الإجماع. 5] تملك البائع ثمر النخلة المؤبر بعضها: • المراد بالمسألة: النخلة الواحدة إذا كان طلعها متعددا، وقد أبَّر البائع بعضها دون بعض، ثم باعها، فإن الثمرة المؤبرة وغير المؤبرة كلها للبائع، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [لا خلاف في أن تأبير بعض النخلة يجعل جميعها للبائع] (¬2). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ثمر النخلة الواحدة إذا أُبِّر بعضها؛ فإن الجميع للبائع, بالاتفاق] (¬4). • الزركشي (772 هـ) يقول: [أن النخلة الواحدة ما لم يؤبَّر منها يتبع ما أُبِّر، فيكون الجميع للبائع، بلا خلاف نعلمه] (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من باع نخلا قد أُبِّرت، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع" (¬2). • وجه الدلالة: أن النخلة غالبا إذا أبِّر بعضها فما لم يؤبر منها، يكون صالحا للتأبير، فيأخذ حكمه؛ لأن ما قارب الشيء يأخذ حكمه، فيدخل في عموم الحديث. الثاني: القياس على الحائط إذا بدا الصلاح فيه كان سائر الحائط تبعا لذلك الصلاح في جواز بيعه، فكذلك النخلة إذا أُبَّر بعضها (¬3). الثالث: أن القول بتفريق الثمرة وجعل ما أُبِّر للبائع وما لم يُؤبَّر للمشتري، يؤدي إلى ضرر مشاركة المشتري للبائع، ومثل هذا يحدث معه النزاع والمخاصمة غالبا. ¬
6] تملك الثمر متعلق بتشقق طلعه من النخل
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 6] تملك الثمر متعلق بتشقق طلعه من النخل: • المراد بالمسألة: إذا تشقق طلع الإناث من النخل، وقد أُبِّر غيره من النخل المماثل له في صفته وحاله، فإن هذا المتشقق يأخذ حكم المؤبر، ويكون مملوكا للبائع، ولا يحق للمشتري إلا بالشرط، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [ولم يختلفوا في أن الحائط إذا تشقق طلع إناثه، فأُخِّر إباره، وقد أُبر غيره مما حاله مثل حاله، أن حكمه حكم ما قد أُبر؛ لأنه قد جاء عليه وقت الإبار، وظهرت ثمرته بعد مغيبها في الجُفّ (¬1)] (¬2). نقله عنه ابن القطان، وأبو عبد اللَّه القرطبي، وتقي الدين السبكي (¬3). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [واتفقوا -فيما أحسبه- على أنه إذا بيع ثمر، وقد دخل الإبار فلم يؤبر، أن حكمه حكم المؤبر] (¬4). نقله عنه ابن الشاط (¬5). • ابن قدامة (620 هـ) لما ذكر معنى التأبير، ونقل كلام ابن عبد البر أنه لا يكون إلا بعد ظهور الثمرة قال: [والحكم متعلق بالظهور، دون نفس التلقيح؛ بغير اختلاف بين العلماء] (¬6). • القرافي (683 هـ) يقول: [وأجمع العلماء على أن مجرد التلقيح ليس ¬
معتبرًا، وإنما المعتبر الظهور] (¬1). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [والحكم -أي: جواز بيع ثمر النخل- متعلق بالظهور من الغلاف، دون نفس التلقيح، بغير خلاف بين العلماء] (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من باع نخلا قد أُبِّرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع" (¬3). • وجه الدلالة: أن الإبار لا يكون إلا بعد تشقق الطلع وظهور الثمرة، فعبر به عن ظهورها للزومه لها، فيكون الحكم متعلق بالظهور لا بالتلقيح (¬4). الثاني: أنه قد جاء عليه وقت الإبار، وظهرت الثمرة ورئيت بعد تغيبها في الجف، فتأخذ حكمه، والقاعدة الفقهية تقول: أن ما قارب الشيء فإنه يأخذ حكمه (¬5). • المخالفون للإجماع: وقعت المخالفة في هذه المسألة على قولين: القول الأول: أن الحكم معلق بوجود الثمرة، لا فرق بين المؤبرة وغيرها، وما تشقق طلعه وما لم يتشقق، فهي للبائع إلا إذا اشترطها المبتاع. وهذا قال به الحنفية، والأوزاعي (¬6). واستدل هؤلاء بدليل من السنة، وهو: ¬
7] جواز بيع الثمرة الظاهرة التي لا أكمام لها
حديث: "من اشترى أرضًا فيها نخل، فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علق الأمر بوجود الثمرة، لا بظهورها أو تلقيحها (¬2). القول الثاني: أن الحكم معلق بذات التأبير، وليس في تشقق الطلع فقط. قال به الحنابلة في رواية عنهم اختارها ابن تيمية (¬3). واستدل هؤلاء: بحديث ابن عمر السابق، وقالوا: بأن لفظ الحديث صريح، وهو أنه قد علق الأمر بالتأبير الذي هو التلقيح، وهو يشعر بفعل خارج عن النخل يكون من الآدمي، وليس فيه إشارة للتشقق، ولا وقت التأبير (¬4).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. وقد عد الزركشي أن حكاية الإجماع من أبي محمد ابن قدامة مبالغة منه؛ لوجود المخالفة الظاهرة في المذهب (¬5). 7] جواز بيع الثمرة الظاهرة التي لا أكمام لها: • المراد بالمسألة: الأشجار التي تؤكلُ ثمرتها لها أصنافٌ متعددة، منها: ما يكون ثمره ظاهرا مرئيا للناظر، لا قشرة عليها؛ كالتين والعنب والكمثرى والمشمش والخوخ وأشباهها، فهذه يجوز بيعها على حالها الظاهر، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • النووي (676 هـ) يقول: [إذا باع ثمرة لا كمام لها؛ كالتين والعنب ¬
8] جواز بيع الثمار بعد بدو الصلاح
والكمثرى والمشمش والخوخ والإجاص ونحو ذلك، صح البيع بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع" (¬3). • وجه الدلالة: أن النهي عن بيع الثمار جعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى غاية وهي بدو الصلاح، والثمرة الظاهرة التي لا أكمام لها، قد بدا صلاحها، فصح بيعها. الثاني: أن الثمرة إذا كانت ظاهرة فقد انتفت عنها الجهالة والغرر، وأُمن وقوع العاهة عليها، فعاد الحكم إلى الأصل وهو الإباحة.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 8] جواز بيع الثمار بعد بدو الصلاح: • المراد بالمسألة: الثمار: جمع ثمر، وهي: ما تحمله الأشجار، سواء أُكِل أم لم يؤكل (¬4). وبدو الصلاح في الثمار: راجع إلى تغير صفاتها، وصلاحها للأكل، وهو مختلف باختلاف أجناسها، فمن الثمر ما يكون صلاحه بتغيُّر لونه، ومنها ما يكون بتغير طعمه، ومنها ما يكون بالنضج، ومنها ما يكون باشتداده وقوته، ومنها ما يكون بطوله وامتلاءه، ومنها ما يكون بكبره. وهذا هو طِيبُها الذي جمعها حديث ¬
جابر -رضي اللَّه عنه- حين قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الثمر حتى يطيب" (¬1) (¬2). فإذا بدا صلاحها فإنه يجوز بيعها وشراؤها، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمع أهل العلم على أنه لا يجوز بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري] (¬3)، وقال أيضًا لما ذكر حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-[نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها". . .: [أجمع أهل العلم على القول بهذا الحديث] (¬4). نقل عبارته الثانية: ابن قدامة، وتقي الدين السبكي، والبهوتي، والرحيباني، وعبد الرحمن القاسم (¬5). • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن الثمار إذا سلمت كلها من الجائحة، فقد صح البيع] (¬6). نقله عنه ابن القطان (¬7). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [إذا بدا صلاحها -أي: الثمرة - ولا خلاف في جواز البيع] (¬8). • العمراني (558 هـ) يقول: [وإذا باع الثمرة أو الزرع بعد بدو الصلاح فيه. . .، وإن باعه مطلقًا، صح بيعه بالإجماع] (¬9). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وأما شراء الثمر مطلقًا بعد الزهو، فلا خلاف فيه] (¬10). ¬
9] جواز تطوع البائع للمشتري بترك الثمرة بعد النضج في الشجرة
• العيني (855 هـ) يقول: [لا خلاف للعلماء، في بيع الثمار بعد بدو الصلاح] (¬1). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [لا خلاف. . . في الجواز بعد بدو الصلاح] (¬2). نقله عنه ابن عابدين (¬3). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [. . . وبعد بدو الصلاح، صحيح اتفاقًا، وبعدما تناهت صحيح اتفاقًا، إذا أطلق] (¬4). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول لما ذُكرت مسألة بيع الثمر إذا بدا صلاحه، والحب إذا اشتد: [وهو في الثمر، إجماع] (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع النخل حتى يزهو، وعن السنبل حتى يبيضَّ ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري" (¬6). الثاني: عن أنس -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهي عن بيع الثمرة حتى تزهو"، قال الراوي: فقلنا لأنس: ما زهوها؟ قال: تحمر وتصفر، قال: "أرأيت إذا منع اللَّه الثمرة، فبم يستحل أحدكم مال أخيه؟ " (¬7).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 9] جواز تطوع البائع للمشتري بترك الثمرة بعد النضج في الشجرة: • المراد بالمسألة: إذا اشترى المشتري من البائع الثمار التي قد بدا صلاحها، ثم أبقاها إلى الحصاد أو الجذاذ برضا البائع، من غير أن تكون هناك مشارطة بينهما، فإن هذا العمل جائز، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن البائع إذا تطوع للمشتري بترك ثمرته ¬
10] جواز بيع الثمار بعد ظهور الطيب بشرط القطع
التي نضجت في شجره، أن ذلك جائز] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع" (¬3). الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن النخل حتى يزهو". قيل: وما يزهو؟ قال: "يَحمارُّ أو يَصفارّ" (¬4). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علق النهي إلى غاية، فدل على أن ما بعد الغاية مباح، فمن باب أولى إذا وجد الإذن من البائع للمشتري في ترك الثمرة.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 10] جواز بيع الثمار بعد ظهور الطيب بشرط القطع: • المراد بالمسألة: إذا ظهر الطيب في أكثر الثمرة أو في كلها، ثم باعها المالك، واشترط أن يقطعها المشتري، فإن هذا الشرط صحيح بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الماوردي (450 هـ) يقول: [فأما ما بدا صلاحه من الثمار، فلا يخلو من ثلاثة أقسام: أحدها: أن يباع بشرط القطع، فيجوز بيعها بإجماع] (¬5). ¬
11] تملك البائع للزرع الذي لا يحصد إلا مرة أو ما المقصود منه مستتر إذا بيعت مع الأرض
• ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع الثمرة، بعد ظهور الطيب في أكثرها، على القطع، جائز] (¬1). • العمراني (558 هـ) يقول: [وإذا باع الثمرة أو الزرع بعد بدو الصلاح، فإن باعه بشرط القطع، صح البيع بالإجماع] (¬2). • تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [أن يبيعها بشرط القطع، فهذا جائز إجماعًا] (¬3). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [وأما بعد صلاحها، ففيه تفاصيل: فإن كان بشرط القطع، صح إجماعا] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذه المسألة: الحنفية، والمالكية، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أنس -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها" (¬6). • وجه الدلالة: أن مفهوم الحديث إباحة بيعها بعد بدو صلاحها مطلقًا من غير تقييد، فيدخل في الإباحة ما كان بعد ظهور الطيب بشرط القطع. الثاني: أنه إذا جاز بيعها بشرط القطع قبل بدو الصلاح -وقد حكي فيها الإجماع- فلأن يجوز بعد بدو الصلاح من باب أولى.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 11] تملك البائع للزرع الذي لا يحصد إلا مرة أو ما المقصود منه مستتر إذا بيعت مع الأرض: • المراد بالمسألة: إذا بيعت الأرض وكان فيها زرع لا يحصد إلا مرة: كالحنطة ¬
والشعير ونحوها، أو كان المقصود من الزرع مستتر: كالجزر والفجل والبصل وشبهها, ولم يكن ثمة شرط بينهما، فإن الزرع يكون للبائع، ولا يدخل في البيع، إلا إذا شرطه المشتري، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أنه إن لم يشترطها -أي: المشتري إذا اشترى الأرض وفيها خضروات مغيبة- فإنها للبائع] (¬1). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إذا باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة: كالحنطة، والشعير، والقطاني، وما المقصود منه مستتر: كالجزر، والفجل، والبصل، والثوم، وأشباهها، فاشترطه للمشتري فهو له، قصيلا (¬2) كان أو ذا حب، مستترًا أو ظاهرًا، معلومًا أو مجهولا. . .، وإن أطلق البيع، فهو للبائع. . .، وهذا قول أبي حنيفة، والشافعي، ولا أعلم فيه مخالفًا] (¬3). نقله عنه المرداوي (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على الثمر المؤبر: فكما أن الثمر المؤبر إذا بيعت أصوله لا تدخل في البيع إلا بالشرط، فكذلك الزرع لا يدخل في البيع إلا بالشرط، وخروجه من الأرض بمنزلة التأبير (¬6). ¬
12] جواز بيع الثمار الظاهرة والمغيبة إذا أظهرت
الثاني: القياس على المتاع يكون للبائع في الأرض: بجامع أن كلا منهما متصل بالأرض اتصال انفصال لا اتصالا في أصل الخلقة فيكون تبعًا لها. الثالث: أن الزرع في هذه الحالة دخل تبعًا لبيع الأرض، فاغتفرت فيه الجهالة، وعدم الكمال، ويثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالا. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة صاحب المبهج (¬1) من الحنابلة في الزرع الذي لا يحصد إلا مرة، فقال: إن كان الزرع بدا صلاحه: لم يتبع الأرض. وإن لم يبد صلاحه فعلى وجهين، فإن قلنا: لا يتبع أخذ البائع بقطعه إلا أن يستأجر الأرض (¬2). ولعله يستدل: بأن ملكية الأرض قد انتقلت إلى المشتري، وإذا ملك الأرض ملك ما فيها، وقياسًا على النخل غير المؤبر. واستغرب ابن رجب هذا القول جدًا، وعده مخالفًا لما عليه الأصحاب (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة، والمخالفة فيها إنما هي في جزء منها، وتعد شاذة كما هو ظاهر عبارة ابن رجب. 12] جواز بيع الثمار الظاهرة والمغيبة إذا أُظهرت: • المراد بالمسألة: من الثمار ما يظهر ثمره مرة بعد أخرى، فيلقط أكثر من مرة: كالقثاء (¬4) ونحوه، فما ظهر من ثمرته فإنه يجوز بيعه، باتفاق العلماء. ومثلها أيضًا ما كانت ثمرتها مستترة في الأرض أو في غيرها: كالبصل والجزر والجُمَّار (¬5) ونحوها، ثم قلعت وظهرت وبانت. ¬
• من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع ما قد ظهر من القثاء والباذنجان، وما قلع من البصل والكراث والجزر واللفت والجُمَّار، وكل مُغيَّب في الأرض، جائز إذا قلع المغيب من ذلك] (¬1). • ابن بطال (449 هـ) يقول: [بيع الجُمَّار وأكله من المباحات التي لا اختلاف فيها بين العلماء] (¬2). نقله عنه ابن حجر (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع في المسألة: الحنفية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الغرر" (¬5). • وجه الدلالة: أن ما لم يظهر من الثمار فإنه يعد معدوما، وما كان معدوما فإنه يدخل في الغرر المنهي عنه، وما ظهر وبان فإنه يكون خارجًا عما نُهي عنه، ومثله ما كان مستورا في الأرض فإنه في حكم المعدوم، فلا يُدرى عنه ما لم يُقلع، فإذا قلع انتفى الغرر، ورجع الحكم إلى الإباحة. الثاني: عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن بيع النخل حتى تزهو"، قيل: وما تزهو؟ قال: حتى تحمار وتصفار. ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أرأيت إن منع اللَّه الثمرة بم يستحل أحدكم مال صاحبه؟ " (¬6). ¬
13] جواز بيع الحب الذي لم يشتد مع الأرض والثمرة التي لم يبدو صلاحها مع النخل
• وجه الدلالة: أن لفظة المنع تقتضي أن لا يكون ما وقع عليه البيع موجودًا؛ لأن المنع منع الوجود، فهذا يدل بالمفهوم على أن ما وجد وظهر فإنه يجوز بيعه، وإلا فإنه يدخل في المنع.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 13] جواز بيع الحب الذي لم يشتد مع الأرض والثمرة التي لم يبدو صلاحها مع النخل: • المراد بالمسألة: الحب الذي لم يشتد إذا باعه تبعًا للأرض ولم يبعه استقلالا، ومثله الثمرة التي لم يبدو صلاحها إذا باعها مع النخل أو الشجر، فإنه باتفاق العلماء يجوز هذا البيع. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا باع أصول نخل لا تمر فيها، أن البيع صحيح، وكذلك اتفقوا على صحة البيع للأصول وفيها تمر بارز] (¬1). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع على ثلاثة أضرب. . .، الثاني: أن يبيعها مع الأصل، فيجوز بالإجماع] (¬2). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬3). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [والمبتاع هنا: قد اشترى الثمر قبل بدو صلاحه، لكن تبعًا للأصل، وهذا جائز، باتفاق العلماء] (¬4). ويقول أيضًا: [يجوز بالسنة والإجماع. . .، ابتياع الشجر مع ثمره الذي لم يبدو صلاحه، وابتياع الأرض مع زرعها الذي لم يشتد حبه] (¬5). • الزركشي (772 هـ) يقول: [أما بيعها -أي: الثمرة- مع أصلها، فيجوز إجماعًا] (¬6). ¬
• عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول لما تكلم عن ثمرة النخل المؤبر وغير المؤبر: [والبيع صحيح باتفاق أهل العلم، والنهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، والمراد بها المستقلة، وهنا الثمرة متابعة للنخل، فتدخل تبعًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬3). • وجه الدلالة: هذه الآية تدل على أن الأصل في البيع أنه على الإباحة ما لم يأت دليل يدل على المنع، فيدخل في ذلك النخل والشجر. الثاني: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ابتاع نخلا قد أُبرت، فثمرتها للذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين في هذا الحديث لمن تكون الثمرة بعد بيع النخلة، فدل على أن بيع النخلة جائز لا إشكال فيه. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في رواية عندهم، فقالوا: لا يجوز بيع الثمرة مع أصلها. قال المرداوي: [وقيل: لا يجوز، وهو ظاهر كلام المصنف هنا وجماعة، وأطلقهما في المحرر] (¬5). ¬
14] جواز بيع السنبل إذا ابيض
والذي يظهر أن ما ذكره عن ظاهر كلام المصنف غير مراد؛ إذ كيف يكون ظاهر كلامه، وهو قد حكى الإجماع في المسألة على خلاف ذلك كما سبق في حكاية الإجماع، ولا يلتفت إلى الظاهر مع وجود النص. أما ما حكاه عن صاحب المحرر فإليك كلامه بنصه، إذ يقول: [ولا يجوز بيع الرطب، ولا الزرع قبل اشتداده، ولا الثمر قبل بدو صلاحه إلا بشرط القطع في الحال، إلا أن يبيعه بأصله. فإن باعه من مالك الأصل فعلى وجهين] (¬1). ومثل هذا الكلام لا يفهم منه أن في المسألة قولان، فلعله سبق نظر وقع له في المسألة بعدها. واللَّه أعلم.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم ثبوت المخالفة فيها. 14] جواز بيع السنبل إذا ابيضَّ: • المراد بالمسألة: السنبل في اللغة: أصل هذه الكلمة، يدل على إرسال شيء من علو إلى سفل، وعلى امتداد شيء، وسمي السنبل بهذا؛ لامتداده، وهي: الزرعة المائلة (¬2). وفي الاصطلاح هو: مجتمع الحب في أكمامه (¬3)، فيدخل فيه أنواع الحبوب: كالقمح، والشعير، والعدس، والسلت، والحنطة، ونحوها (¬4). والمقصود بالسنبل إذا ابيض: الحبة إذا لم ينفعها الماء، وقُطِع عنها، بعد ذلك تشتد وتصبح صلبة (¬5). والمقصود هنا: إذا باع الحب مع سنبله إذا اشتد، فإنه جائز بإجماع العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على نهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع السنبل حتى يبيض، ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري، وانفرد الشافعي، ثم بلغه حديث ابن عمر، فرجع عنه]. ويقول أيضًا لما ذكر حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض" (¬1). . .: [لا أعلم أحدًا يعدل عن القول به] (¬2). نقل عبارته الثانية ابن قدامة، والبهوتي، والرحيباني (¬3). • العيني (855 هـ) لما تكلم عن أدلة جواز بيع الحب في سنبله قال: [(ولأنه حب منتفع به، فيجوز بيعه في سنبله كالشعير) في سنبله، فإنه يجوز بالاتفاق] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن السنبل حتى يبيض، ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري" (¬6). الثاني: عن أنس -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع العنب حتى يسودّ، وعن بيع الحب حتى يشتدّ" (¬7). ¬
• وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل النهي إلى غاية، فدل على جواز ما بعدها. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية، وعندهم في هذه المسألة تفصيل، وهو: إن كان السنبل شعيرا أو ذرة أو ما في معناهما مما ترى حباته جاز بيعه، وإن كان حنطة ونحوها مما تستتر حباته بالقشور التي تزال بالدياس، ففيه قولان للشافعي رحمه اللَّه: الجديد: أنه لا يصح، وهو أصح قوليه الذي نص عليه علماء مذهبه، والقديم: أنه يصح (¬1). وممن نقلت عنه المخالفة أيضًا: ابن شهاب الزهري (¬2). واستدلوا بعدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الغرر" (¬3). • وجه الدلالة: أن المشتري لا يدري ما قدر الحنطة الكائنة في السنابل، والمبيع ما أريد به إلا الحب لا السنابل، فكان قدر المبيع مجهولًا، والجهالة غرر. الثاني: القياس على بيع الحنطة في تبنها بعد الدياس (¬4): فكما أنه محرم، فكذلك الحب في سنبله، بجامع أن كلا منهما مستتر بما ليس من صلاحه (¬5). ¬
15] جواز بيع الحبوب والتبن إذا صفيا
Rصحة الإجماع في مسألة السنبل إذا كان شعيرا وما فيه معناه مما ترى حباته؛ وذلك لعدم المخالفة فيها. أما السنبل إذا كان مما تستتر حباته في القشور، فلا يصح الإجماع فيها، وذلك لثبوت الخلاف فيها. وعليه فتكون عبارة العيني أصح من عبارة ابن المنذر. 15] جواز بيع الحبوب والتبن إذا صُفيا: • المراد بالمسألة: الحب هو: اسم جنس للحنطة وغيرها مما يكون في السنبل والأكمام (¬1). التبن هو: ساقُ الزرع بعد دياسه (¬2). والمقصود هنا: أن الحبوب بعد أن تقطع وتنقَّى وتصفَّى، وكذا التبن إذا تميَّز عما يكون معه، فإن بيعهما حينئذ جائز، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع الحب إذا صُفِّي من السنبل، وصفي من التبن، وبيع التبن حينئذ جائز] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من السنة، وهو: حديث أنس -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب ¬
16] تحريم بيع المعاومة
حتى يشتد" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل النهي إلى غاية محددة، وما بعدها يرجع إلى الأصل وهو الإباحة، فما بعد اشتداد الحب مباح، ومن باب أولى ما بعد التصفية.Rالإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 16] تحريم بيع المعاومة: • المراد بالمسألة: المعاومة في اللغة: مأخوذة من العام، وهي: السنة، كما يقال: مشاهرة، من الشهر، ومياومة، من اليوم. فيقال: عامله معاومة، أي: بالعام أو بالسنة (¬2). أما في الاصطلاح فهي: بيع ما يثمره شجره، أو نخله، أو بستانه، أكثر من عام، سنتين أو ثلاث، أو أكثر، في عقد واحد (¬3). ويطلق عليها بيع السنين أيضًا. وقد أجمع العلماء على تحريم بيوع الأعيان التي على هذا الوجه. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن بيع الثمار سنين، لا يجوز] (¬4). نقله عنه النووي، وابن تيمية (¬5). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [. . . بيع الثمار قبل أن تُخْلق، فجميع العلماء مطبقون على منع ذلك] (¬6). ¬
• العيني (855 هـ) يقول: [وبيع الثمار قبل الظهور، لا يجوز بالإجماع] (¬1). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر] (¬2). نقله عنه ابن عابدين (¬3). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [بيعها -أي: الثمرة- قبل الظهور، لا يصح اتفاقًا] (¬4). • عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول: [. . . بيعها -أي: الثمرة - قبل البدو، لا يصح اتفاقًا] (¬5). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [والإجماع قائم على أنه لا يصح بيع الثمار قبل خروجها] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المحاقلة، والمزابنة، والمعاومة، والمخابرة -قال أحدهما: بيع السنين هي: المعاومة- وعن الثنيا، ورخص في العرايا" (¬8). الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع السنين، ووضعَ الجوائح" (¬9). ¬
الثالث: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك" (¬1). • وجه الدلالة: أن بيع الثمر سنين متعددة، ليست عند البائع، فلا يملك حينئذ بيعها. • المخالفون للإجماع: نُقل الخلاف في المسألة عن اثنين من الصحابة، وهما: عمر، وابن الزبير -رضي اللَّه عنهما-. أما عمر: فقد جاء عنه أن أسيد بن حضير (¬2) مات وعليه دين، فباع عمر ثمرة أرضه سنتين. وفي رواية: ثلاث سنين. وفي رواية: أربع سنين (¬3). وجاء عن محمد بن علي (¬4) قال: وُلِيت صدقة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتيت محمود بن لبيد (¬5)، فسألته؟ فقال: إن عمر كان عنده يتيم، فباع ماله ثلاث سنين (¬6). ¬
أما ابن الزبير: فقد جاء عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: [نهيت ابن الزبير عن بيع النخل معاومة] (¬1). أما ما جاء عن عمر -رضي اللَّه عنه-: فعنه جوابان: الأول: يحتمل أن ما جاء عنه -إن صح- على أنه باع كل سنة على حدة، ولم يكن جملة واحدة لجميع السنين (¬2)، ويؤيد هذا ما جاء عنه في رواية أخرى، وفيها: لما مات أسيد، وكان دينه أربعة آلاف، بيعت أرضه، فقال عمر: [لا أترك بني أخي عالة] فرد الأرض، وباع ثمرها من الغرماء، أربع سنين بأربعة آلاف، كل سنة ألف درهم. الثاني: ويحتمل أيضًا أن ما جاء عنه -رضي اللَّه عنه- أنه طلب من غرمائه أن يمهلوه أربع سنين، ويسدد لهم كل سنة ألفًا، يبيع ثمر الحائط كل عام، ويعطيهم ثمنه، ويشهد له ما جاء في رواية أخرى، وفيها أنه لما قام غرماؤه بماله، قال عمر: [في كم يؤدي غرماؤه ما عليه من الدين؟ ] فقيل له: في أربع سنين. قال: فرضوا بذلك، فأقر المال لهم، ولم يكن باع ثمار نخل أسيد أربع سنين من عبد الرحمن بن عوف، ولكنه وضعه على يدي عبد الرحمن بن عوف للغرماء (¬3). فهذا من باب الإمهال في سداد الدين، وليس من باب البيع. وذكر هذه الاحتمالات عن عمر من باب الالتماس لأمير المؤمنين في هذه المسألة، خاصة وأنه ثبت عنه أنه نهى عن بيع ثمار النخيل حتى تحمار أو تصفار (¬4)، فإذا نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها، فمن باب أولى أن يقول بالنهى عن بيع ما لم يخلق أصلا. أما ما جاء عن ابن الزبير: فهو -إن صح عنه- فإن ظاهره أنه ليس رأيا رآه وعمل به عن علم وبصيرة، بل يدلس على عدم علمه بالحكم من قبل، ولذا أنكر ¬
17] جواز بيع الثمار قبل بدو الصلاح بشرط القطع
عليه جابر -رضي اللَّه عنه- صنيعه، ولم ينقل لنا استمرار ابن الزبير عليه.Rصحة الإجماع في المسألة، وذلك لشذوذ أو عدم المخالفة فيها. 17] جواز بيع الثمار قبل بدو الصلاح بشرط القطع: • المراد بالمسألة: إذا باع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها, لكنه اشترط على المشتري أن يقطع الثمرة في الحال، وهي مما يمكن الانتفاع بها بعد قطعها، فإنه يجوز له ذلك، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الخطابي (388 هـ) يقول: [ولم يختلف العلماء أنه إذا باعها -أي: الثمرة قبل بدو صلاحها- وشرط عليه القطع جاز بيعها، وإن لم يبدُ صلاحها] (¬1). • القاضي عبد الوهاب (422 هـ) يقول عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها: [فأما بيعها بشرط القطع، فجائز من غير خلاف] (¬2). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [ولا خلاف بين العلماء في بيع الثمار والبقول والزرع على القلع، وإن لم يبدُ صلاحه، إذا نظر إلى المبيع منه، وعرف قدره] (¬3). • الباجي (474 هـ) يقول: [وذلك أن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، يقع على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يشترط القطع، فهذا لا خلاف في جوازه] (¬4). • البغوي (516 هـ) يقول: [فأما إذا باع -أي: الثمر- وشرط القطع عليه، يصح باتفاق الفقهاء] (¬5). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [أن يكون بشرط القطع، فذلك جائز بإجماع] (¬6). • العمراني (558 هـ) يقول: لما ذكر حديث أنس (¬7): [وعموم هذا: يدل على أنه لا يجوز بشرط القطع ولا بغيره، فقامت الدلالة على جواز البيع بشرط القطع، ¬
وهو الإجماع] (¬1). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا اشترى ثمرة لم يبدُ صلاحها بشرط قطعها، فإن البيع جائز] (¬2). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [فأما بيعها -أي: الثمرة- قبل الزهو بشرط القطع، فلا خلاف في جوازه، إلا ما روي عن الثوري وابن أبي ليلى من منع ذلك، وهي رواية ضعيفة] (¬3). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [. . . أن يبيعها بشرط القطع في الحال، فيصح بالإجماع] (¬4). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬5). • بهاء الدين المقدسي (624 هـ) يقول: [فلو باعها -أي: الثمرة- قبل بدو صلاحها, لم يجز إلا بشرط القطع. . .، وإن باعها بشرط القطع، جاز بالإجماع] (¬6). • ابن شداد (632 هـ) يقول: [والعمل على هذا عند أهل العلم، أن بيع الثمرة على الشجرة قبل بدو الصلاح، لا يجوز مطلقًا. . .، فأما إذا اشترط القطع عليه، صح باتفاق العلماء] (¬7). • أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول في كلامه على حديث جابر: "نهى عن بيع الثمرة حتى تطعم" (¬8): [. . . وذلك أن مساقه يقتضي أن تباع الشجرة قبل طيبها بالدراهم أو الدنانير، وذلك لا يجوز بالاتفاق، لا بهما ولا بالعروض، إلا على شرط القطع] (¬9). • النووي (676 هـ) يقول: [فإن باع الثمرة قبل بدو صلاحها، بشرط القطع، صح بالإجماع] (¬10). ¬
نقله عنه أبو زرعة العراقي، والعيني (¬1). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وإن اشتراه بشرط القطع، جاز بالاتفاق] (¬2). • تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [أن يبيعها بشرط القطع، فالبيع صحيح بلا خلاف] (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [والبيع بشرط القطع قبل بدو الصلاح، يجوز فيما ينتفع به، بالإجماع] (¬4). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [لا خلاف. . . في جوازه قبل بدو الصلاح، بشرط القطع، فيما ينتفع به] (¬5). نقله عنه ابن عابدين (¬6). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [وقبل بدو الصلاح بشرط القطع في المنتفع به، صحيح اتفاقًا] (¬7). • ابن حجر الهيتمي (974 هـ) يقول بعد أن ذكر حديث: "نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها" (¬8): [فإنه يدل بمنطوقه على المنع مطلقًا، خرج المبيع المشروط فيه القطع، بالإجماع] (¬9). • الشربيني (977 هـ) يقول: [(وقبل الصلاح: إن بيع منفردًا عن الشجر، لا يجوز إلا بشرط القطع، وإن كان المقطوع منتفعا به) كلوز وحصرم وبلح، فيجوز حينئذ بالإجماع] (¬10). • عبد الرحمن المعروف -رضي اللَّه عنهما-[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول: [وقبل بدو الصلاح، بشرط القطع في المنتفع به، صحيح اتفاقًا] (¬11). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى ¬
تزهي"، فقيل له: وما تزهي؟ قال: "حتى تحمر" فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أرأيت إذا منع اللَّه الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن أن النهي عن بيع الثمار قبل أن تزهي، هو من أَجل جهالة العاقبة، ولما كان البيع المشروط بالقطع لا يستفاد منه ذلك، زال الحكم وتغيَّر، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما, ولربما كان للمشتري غاية في هذا فلا يُمْنع منه. الثاني: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ابتاع نخلا قد أُبِّرت فثمرته للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الثمرة للمشتري بالشرط من غير فصل بين ما إذا بدا صلاحها أو لا، فدل على أنها محل للبيع كيفما كان إذا وجدت مع الشرط (¬3). الثالث: أنه باعه ما لا غرر في بيعه، ولا تدخله زيادة ولا نقص؛ لجدّه إياه عقيب العقد (¬4). • المخالفون للإجماع: على كثرة من حكى الإجماع في المسألة، إلا أن من العلماء من خالف هذا الإجماع، فقد نقل ابن حزم وغيره عن سفيان الثوري وابن أبي ليلى أنهما يقولان بالمنع مطلقًا من غير استثناء (¬5)، ووجدت الكاساني حكاه عن بعض مشائخه ولم يسمه (¬6)، واختار هذا القول ابن حزم، وتبعه الشوكاني على ذلك (¬7). ¬
18] بطلان بيع الثمار قبل بدو الصلاح بشرط التبقية
واستدلوا لقولهم بدليل من السنة، وهو: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري" (¬1). • وجه الدلالة: أن الحديث وما جاء في معناه عام في النهي، ولم يُفصِّل بين ما كان بشرط القطع أو لا، فيبقى عمومه.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لوجود الخلاف فيها، خاصة وأنه خلاف قديم، وكذا تنصيص بعض العلماء على أن الإجماع مخروم: كأبي زرعة العراقي، وابن حجر (¬2). 18] بطلان بيع الثمار قبل بدو الصلاح بشرط التبقية: • المراد بالمسألة: إذا باع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها، واشترط أن يبقيها إلى وقت الصلاح، فإنه لا يصح هذا البيع، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الباجي (474 هـ) يقول: [بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، يقع على ثلاثة أوجه. . .، والوجه الثاني: أن يشترط التبقية، وهذا لا خلاف في منعه، إلا ما رُوي عن يزيد بن أبي حبيب (¬3) في العرية] (¬4). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [أن يكون بشرط التبقية، فهو باطل إجماعا] (¬5). ويقول أيضًا: [أن يشترط التبقية، فهذا لا خلاف في منعه إلا ما رُوي عن ابن حبيب في العرية] (¬6). ¬
• ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها بشرط التبقية إلى الجذاذ لا يصح] (¬1). • الكاساني (587 هـ) يقول: [وإن اشترى -أي: الثمرة قبل بدو صلاحها- بشرط الترك، فالعقد فاسد بالإجماع] (¬2). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وأما بيعها قبل الزهو بشرط التبقية، فلا خلاف في أنه لا يجوز، إلا ما ذكره اللخمي (¬3) من جوازه تخريجا على المذهب] (¬4). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [لا يخلو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من ثلاثة أقسام: أحدها: أن يشتريها بشرط التبقية، فلا يصح البيع إجماعًا] (¬5). • النووي (676 هـ) يقول: [وإن باعها بشرط التبقية، فالبيع باطل بالإجماع] (¬6). نقله عنه العيني (¬7). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [بيع الزرع بشرط التبقية، لا يجوز باتفاق العلماء] (¬8). • تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [أن يبيعها بشرط التبقية، فبيعها باطل بلا خلاف] (¬9). • الزركشي (772 هـ) يقول: [بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بدون أصلها, له ثلاثة أحوال: أحدها: أن تباع بشرط التبقية، فلا يصح إجماعًا] (¬10). ¬
• أبو زرعة العراقي (826 هـ) يقول: [. . . بيعها -أي: قبل بدو صلاحها- بشرط التبقية، وهذا باطل بالإجماع] (¬1). • العيني (855 هـ) يقول: [والبيع. . . بشرط الترك، لا يجوز بالإجماع] (¬2). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [لا خلاف. . . في عدم جوازه بعد الظهور، قبل بدو الصلاح، بشرط الترك] (¬3). نقله عنه ابن عابدين (¬4). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [ولا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها -أي: بشرط التبقية- إجماعا] (¬5). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [وقبل بدو الصلاح بعد الظهور بشرط الترك، غير صحيح اتفاقًا] (¬6). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [إذا كان قد بلغ حدا ينتفع به ولو لم يكن قد أخذ الثمر ألوانه، واشتد الحب، صح البيع بشرط القطع، وأما إذا شرط البقاء فلا يصح اتفاقًا] (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أنس -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الثمر حتى تزهو"، قلنا لأنس: ما زهوها؟ قال: حتى تحمر وتصفر، قال: "أرأيت إن منع اللَّه الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه؟ " (¬8). • وجه الدلالة: أن النهي الذي ورد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جاء عامًا سواء كان بشرط البقاء أم لا، والعلة التي بيَّنها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منطبقة تمامًا على البيع قبل البدو بشرط التبقية. الثاني: أن البيع بشرط البقاء شغل لملك البائع من غير حاجة. • المخالفون للإجماع: حكى بعض المالكية الخلاف في المسألة عن بعض علمائهم، وممن حكي عنه ¬
19] عدم دخول أرض الشجر في البيع إذا باع الشجر على القطع
الخلاف يزيد بن أبي حبيب، فقد أجاز بيع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط التبقية في العرية فقط، كما نص على ذلك الباجي - وقد مر في حكايته للإجماع -. واستدل لقوله بعدة أدلة، منها: الأول: أن المنفعة تقل في ذلك والغرر يكثر؛ لأنه لا يكون مقصودها إلا ما يؤول إليه من الزيادة، وذلك مجهول. الثاني: أن الجوائح تكثر فيها، فلا يعلم الباقي منها, ولا على أيِّ صفة تكون عند بدو صلاحها (¬1). ولم أجد من وافقه على هذا الاستثناء من العلماء، مما يؤكد وقوعه في الشذوذ في المسألة. أما ما ذُكِر من تخريج اللخمي على المذهب، كما نص عليه ابن رشد -وقد مر في حكايته للإجماع- فهو تخريج وليس نصا، والتخريج إذا أفضى إلى خرق إجماع، أو رفع ما اتفق عليه الجم الغفير من العلماء، أو عارضه نص كتاب أو سنة، فإنه لا يعتد به (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 19] عدم دخول أرض الشجر في البيع إذا باع الشجر على القطع: • المراد بالمسألة: في حالة بيع الشجر مع وجود شرط القطع لها، فإن أرض الشجرة لا تدخل في البيع ولا يملكها المشتري، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [هل تدخل أرض الشجر في البيع ببيعها إن اشتراها للقطع؟ لا تدخل بالإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬4). ¬
20] قطع الزرع والثمرة بعد البيع يكون على المشتري
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن البيع وقع على الشجر دون الأرض، واسم الشجر لا يتناول الأرض (¬1). الثاني: أن مقصود المشتري الشجر وليس الأرض، ويدل لذلك وقوع العقد على شرط القطع، فإذا كان هذا مقصوده فلا علاقة للأرض بالعقد.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 20] قطع الزرع والثمرة بعد البيع يكون على المشتري: • المراد بالمسألة: إذا باع البائع زرعا، أو جزة من رطبة، أو ثمرة في أصولها، ولم يكن ثمة شرط بينهما، فإن الحصاد والجذ والجزاز (¬2) يكون على المشتري، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [أن من اشترى زرعا، أو جزة من الرطبة ونحوها، أو ثمرة في أصولها، فإن حصاد الزرع، وجذ الرطبة، وجزاز الثمرة، وقطعها على المشتري. . .، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، ولا أعلم فيه مخالفًا] (¬3). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [إذا اشترى زرعا، أو جزة من ¬
21] ضمان البائع للجائحة التي تكون على الثمار قبل قبض المشتري
الرطبة، أو ثمرة على الشجر، فالحصاد، وجز الرطبة، وجذاذ الثمرة على المشتري. . .، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، ولا نعلم فيه خلافًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن ملك البائع مشغول بملك المشتري، ونقل المبيع، وتفريغ ملك البائع منه على المشتري، كنقل الطعام المبيع من دار البائع (¬3). الثاني: أن تسليم الثمار يختلف عن غيره من المبيعات؛ إذ أن قطع الثمرة يكون وفق احتياج المشتري، فلو جعل القطع عن طريق البائع فقد يقطع ما يزيد على حاجة المشتري، وهذا فيه ضرر على المشتري، والضرر لا بد من إزالته (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 21] ضمان البائع للجائحة التي تكون على الثمار قبل قبض المشتري • المراد بالمسألة: الجائحة في اللغة: أصل الكلمة الجيم والواو والحاء بمعنى: الاستئصال. يقال: جاح الشيء يجوحه: استأصله (¬5). وتطلق على الآفة التي تهلك الثمار والأموال، وتستأصلها. وكل مصيبة عظيمة، وفتنة مبيرة، تسمى كذلك جائحة (¬6). ¬
• وفي الاصطلاح: كل ما أذهب الثمرة، أو بعضها، من أمر سماوي، بغير جناية آدمي (¬1). • والمقصود بالمسألة: إذا باع البائع الثمار بعد بدو صلاحها، على الإطلاق من غير شرط، ثم تلفت الثمرة بآفة سماوية، قبل قبض المشتري لها، فإن الضمان يكون على البائع، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • البغوي (516 هـ) يقول: [إذا أصابتها -أي: الثمار- الجائحة قبل التخلية بينها وبين المشتري، فيكون من ضمان البائع، بالاتفاق] (¬2). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [. . . فأما أن يجعل الأجزاء والصفات المعدومة التي لم تخلق بعد من ضمانه، وهي لم توجد، فهذا خلاف أصول الإسلام، وهو ظلمٌ بيِّن لا وجه له، ومن قاله فعليه أن يقول: أنه إذا اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها وقبض أصلها ولم يخلق منها شيء لآفة منعت الطلع، أن يضمن الثمن جميعه للبائع، وهذا خلاف النص والإجماع] (¬3). ويقول أيضًا: لما عقد فصل لمسألة وضع الجوائح وذكر بعض الأدلة عليها: [وهذا الأصل متفق عليه بين المسلمين، ليس فيه نزاع، وهو من الأحكام التي يجب اتفاق الأمم والملل فيها في الجملة] (¬4). ويقول أيضًا: [ووضع الجوائح من هذا الباب، فإنها ثابتة بالنص، وبالعمل القديم الذي لم يعلم فيه مخالف من الصحابة والتابعين، وبالقياس الجلي، والقواعد المقررة، بل عند التأمل الصحيح ليس في العلماء من ¬
يخالف هذا الحديث على التحقيق] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو بعت من أخيك ثمرا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ " (¬3). • وجه الدلالة: يقول ابن تيمية: [فقد بيِّن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث الصحيح أنه إذا باع ثمرا، فأصابته جائحة، فلا يحل له أن يأخذ منه شيئًا، ثم بين سبب ذلك وعلَّته، فقال: "بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ ". وهذا دلالة على ما ذكره اللَّه في كتابه من تحريم أكل المال بالباطل، وأنه إذا تلف المبيع قبل التمكن من قبضه، كان أخذ شيء من الثمن، أخذ ماله بغير حق، بل بالباطل، وقد حرم اللَّه أكل المال بالباطل؛ لأنه من الظلم المخالف للقسط الذي تقوم به السماء والأرض] (¬4). الثاني: عن جابر -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بوضع الجوائح" (¬5). • وجه الدلالة: أن الحديث صريح في وضع الجائحة عن المشتري، وأولى الحالات دخولا ما كان قبل القبض (¬6). الثالث: أن مؤنته ونحوه إلى تتمة صلاحه على البائع، فوجب كونه من ¬
22] ضمان المشتري للجائحة التي أصابت الثمرة بعد جذه لها
ضمانه، كما لو لم يقبضه (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 22] ضمان المشتري للجائحة التي أصابت الثمرة بعد جذه لها: • المراد بالمسألة: إذا تبايع المتبايعان الثمرة دون الأصل، وبعد أن استلم المشتري الثمرة أصابتها آفة سماوية لا دخل له بها، فإنها تكون من ضمانه، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن ما أصابها بعد ضم المشتري لها، وإزالتها عن الشجر والأرض، فإنه منه] (¬2). نقله عنه ابن القطان (¬3). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وقد اتفقوا على أن ضمان المبيعات بعد القبض من المشتري] (¬4). • الزركشي (772 هـ) يقول: [أما إن جذت، فلا نزاع في استقرار العقد، ولزوم الضمان للمشتري] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بوضع الجوائح" (¬7). الثاني: عن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- قال: أصيب رجل في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تصدقوا عليه" فتصدق الناس عليه، فلم ¬
23] جواز بيع الثمرة كاملة بعد بدو صلاح بعضها
يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لغرمائه: "خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك" (¬1). • وجه الدلالة من الحديثين: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث جابر بوضع جائحة الثمار عن المشتري، ولم يأمر بوضعها عنه في حديث أبي سعيد، فدل على أن الأمر بوضع الجائحة ليس على إطلاقه، فإذا وقعت الجائحة على الثمرة بعد قبض المشتري فلا توضع عنه. الثالث: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه" فقيل لابن عمر: ما صلاحه؟ قال: تذهب عاهته (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن حزم: [تأملوا هذا! فإن ابن عمر روى نهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، وفسر ابن عمر بأن بدو صلاح الثمر: هو في ذهاب عاهته، فصح يقينًا أن العاهة وهي: الجائحة، لا تكون عند ابن عمر إلا قبل بدو صلاح الثمر، وأنه لا عاهة ولا جائحة، بعد بدو صلاح الثمر] (¬3). الرابع: جاء عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: [ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من المبتاع] (¬4). ولا يعلم له مخالف من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 23] جواز بيع الثمرة كاملة بعد بدو صلاح بعضها: • المراد بالمسألة: إذا بدا صلاح بعض ثمرة النخلة أو الشجرة دون بعض، فإنه لا ينتظر صلاح الباقي، ويجوز له بيع الثمرة كاملة، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ولا يختلف المذهب أن بدو الصلاح في بعض ¬
ثمرة النخلة، أو الشجرة صلاح لجميعها، أعني: أنه يباح بيع جميعها بذلك، ولا أعلم فيه اختلافًا] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [(وصلاح بعض ثمرة البرة صلاح جميعها) لا يختلف المذهب فيه، فيباح بيع جميعها بذلك، لا نعلم فيه خلافًا] (¬3). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [. . . يجوز بالاتفاق إذا بدا صلاح بعض نخلة أو شجرة، أن يباع جميع ثمرها، وإن كان فيها ما لم يصلح بعد] (¬4). ويقول أيضًا: [إذا بدا صلاح بعض الشجرة، كان صلاحا لباقيها، باتفاق العلماء] (¬5). • ابن القيم (751 هـ) يقول: [والمعدوم ثلاثة أقسام: . . .، الثاني: معدوم تبع للموجود، وإن كان أكثر منه، وهو نوعان: نوع متفق عليه، ونوع مختلف فيه. فالمتفق عليه: بيع الثمار بعد بدو صلاح ثمرة واحدة منها، فاتفق الناس على جواز بيع ذلك الصنف الذي بدا صلاح واحدة منه، وإن كانت بقية أجزاء الثمار معدومة وقت العقد] (¬6). • تقي الدين السبكي (756 هـ) يقول: [إذا بدا الصلاح في بعض الثمرة دون بعض، نظر: . . .، إن اتحد الجنس، والنوع، والبستان، والصفقة، والملك، جاز البيع من غير شرط القطع، بلا خلاف] (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬8). ¬
• مستند الإجماع: يستدل لهذا الإجماع بدليل من المعقول، وهو: أن اللَّه سبحانه وتعالى أجرى العادة بأن الثمرة لا تطيب دفعة واحدة رفقًا بالعباد، فإنها لو طابت دفعة واحدة لم يكمل تفكههم بها في طول وقته، وإنما تطيب شيئًا فشيئا، ولو اشترط في كل ما يباع كمال طيبه في نفسه لكان فيه ضررا، فإن العذق الواحد يطيب بعضه دون بعض، وإلى أن يطيب الأخير يتساقط الأول، وهذا يؤدي إلى أنه: إما أن لا يباع، وإما أن يباع حبة حبة، وفي كلا الأمرين حرج ومشقة، وقد قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬1). وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني أرسلت بحنيفية سمحة" (¬2) (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في رواية عندهم، وهو أنه إذا اتحد النوع في بستان واحد، فإنه لا يجوز بيع الثمرة، ما لم يبدو صلاح الجميع (¬4). وهذا مخالف لما ذكره السبكي. واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: أن ما لم يبدو صلاحه داخل في عموم النهي الوارد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. الثاني: أنه لم يبد صلاحه، فلم يجز بيعه من غير شرط القطع، كالجنس الآخر، وكالذي في البستان الآخر (¬5).Rصحة الإجماع في جواز بيع الثمرة إذا بدا صلاح بعض النخلة؛ وذلك ¬
24] تملك المشتري لمال الرقيق بالشرط
لعدم المخالف فيها. 24] تملك المشتري لمال الرقيق بالشرط: • المراد بالمسألة: إذا كان للرقيق -سواء كان عبدًا أو أمة- مال، وباعهما السيد، واشترط المشتري مالهما، وكان هذا المال معلومًا علما تنتفي معه الجهالة، ولم يكن بين مال العبد وبين الثمن ربا الفضل، فإن هذه الصورة جائزة، باتفاق العلماء، وكذلك إن لم يكن ثمة شرط من المشتري فإن المال يكون للبائع. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن بيع العبد والأمة، ولهما مال، واشترط المشتري مالهما، وكان المال معروفَ القدر عند البائع والمشتري، ولم يكن فيه ما يقع ربا في البيع، فذلك جائز. واتفقوا أنه إن لم يشترطِ المشتري، فإنه للبائع] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [وقد اتفق العلماء أن مال العبد لا يدخل في البيع إلا بالشرط، وهي السنة] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من باع عبدا, وله مال، فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع" (¬5). الثاني: أن الداخل تحت البيع هو العبد، وما في يده لمولاه، لعدم ملكه له، ¬
فلا يدخل في بيعه ما ليس منه (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف بعض العلماء فيما إذا لم يكن ثمة شرط بينهما، وقالوا: بأن المال يكون للمشتري وليس للبائع. قال بهذا: الحسن البصري، والنخعي، وشريح، والشعبي، وعبد اللَّه بن عتبة (¬2) (¬3). ويمكن أن يستدل لهؤلاء: بأن المال جزء من المبيع وهو العبد، فلا يفصل عنه، كالجنين في بطن أمه. أما شريح: فقد جاء عنه أنه قضى بالمال للبائع (¬4). ويمكن أن يستدل لقوله: بالقياس على النخل المؤبر فإنه يكون للبائع، بجامع أن كلا منهما يمكن فصله عن أصله. ولعل قضاءه كان في حالة عدم وجود الشرط، حتى لا ينسب إلى الشذوذ.Rصحة الإجماع في المسألة الأولى، وهي إذا وقع الشرط؛ لعدم المخالف فيها (¬5). وعدم صحته في المسألة الثانية؛ لثبوت الخلاف فيها عن بعض السلف. ¬
الفصل السادس: مسائل الإجماع في باب السلم
الفصل السادس: مسائل الإجماع في باب السَّلَم 1] مشروعية السلم: • المراد بالمسألة: السلم في اللغة: بمعنى السلف، وهذا قول جميع أهل اللغة، إلا أن السلف يكون قرضًا أيضًا (¬1). لكن السلم لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق (¬2). سمي سَلما لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفًا لتقديم رأس المال (¬3). • وفي الاصطلاح: عقد على موصوف في الذمة، مؤجل، بثمن مقبوض في مجلس العقد (¬4). والسلم بهذا المعنى جائز، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الشافعي (204 هـ) يقول: [والسلف جائز في سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والآثار, وما لا يختلف فيه أهل العلم علمته] (¬5). • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز]. نقله عنه ابن قدامة، وشمس الدين ابن قدامة، وبرهان الدين ابن ¬
مفلح، والبهوتي (¬1). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [واتفقت الأمة على جوازهما -أي: السلم والقرض] (¬2). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على جواز السلم المؤجل، لا بمعنى السلف] (¬3). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [والسلم بيع من البيوع الجائزة بالاتفاق] (¬4). • النووي (676 هـ) يقول: [وأجمع المسلمون على جواز السلم] (¬5). • القرافي (684 هـ) يقول: [واجتمعت الأمة على جوازه من حيث الجملة] (¬6). • ابن دقيق العيد (702 هـ) يقول: [فيه دليل على جواز السلم في الجملة، وهو متفق عليه، لا خلاف فيه بين الأمة] (¬7). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [أما السلف، فإنه جائز بالإجماع] (¬8). • الزيلعي (743 هـ) يقول: [وهو مشروع بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة] (¬9). • ابن عبد السلام الهواري (¬10) (749 هـ) يقول: [والإجماع على جوازه]. نقله ¬
عنه الحطاب (¬1). • ابن القيم (751 هـ) يقول: [والمعدوم ثلاثة أقسام: معدوم موصوف في الذمة، فهذا يجوز بيعه اتفاقًا. . .، وهذا هو السلم] (¬2). • الزركشي (772 هـ) يقول: [وهو جائز بالإجماع] (¬3). • أبو عبد اللَّه الدمشقي (كان حيا: 780 هـ) يقول: [اتفق الأئمة على جواز السلم المؤجل] (¬4). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [واتفق العلماء على مشروعيته، إلا ما حُكي عن ابن المسيب] (¬5). نقله عنه الشوكاني (¬6). • العيني (855 هـ) يقول: [والسلم في الشرع: بيع من البيوع الجائزة بالاتفاق، واتفق العلماء على مشروعيته، إلا ما حُكي عن ابن المسيب] (¬7). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [ولا يخفى أن جوازه على خلاف القياس؛ إذ هو بيع المعدوم، وجب المصير إليه بالنص والإجماع. . .] (¬8). • الأسيوطي (880 هـ) يقول: [اتفق الأئمة على جواز السلم المؤجل] (¬9). • مولى خسرو (¬10) (885 هـ) يقول: [وهو مشروع بالكتاب. . .، والسنة. . .، والإجماع] (¬11). ¬
• زكريا الأنصاري (926 هـ) يقول: [والأصل فيه قبل الإجماع. . .] (¬1). • أبو الحسن علي المنوفي (¬2) (939 هـ) يقول: [دل على جوازه الكتاب، والسنة، والإجماع] (¬3). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [وهو على خلاف القياس؛ إذ هو بيع المعدوم، ووجب المصير إليه بالنص والإجماع؛ للحاجة] (¬4). • ابن حجر الهيتمي (974 هـ) يقول: [وأصله قبل الإجماع. . .] (¬5). • الشربيني (977 هـ) يقول: [والأصل فيه قبل الإجماع. . .] (¬6). • القونوي (978 هـ) يقول: [وهو مشروع بالكتاب. . .، والسنة. . .، والإجماع] (¬7). • الرملي (1004 هـ) يقول: [والأصل فيه قبل الإجماع. . .] (¬8). • البهوتي (1051 هـ) يقول: [وهو جائز بالإجماع] (¬9). • عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول: [وهو مشروع بالكتاب. . .، والسنة. . .، وبالإجماع] (¬10). • الرحيباني (1243 هـ) يقول: [وهو جائز بالإجماع] (¬11). ¬
• عليش (¬1) (1299 هـ) يقول: [وللإجماع على جوازه] (¬2). • علي حيدر (1353 هـ) يقول: [السلم قد شرع بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (¬5). • وجه الدلالة: ما جاء عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: [أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى، قد أحله اللَّه تعالى في كتابه، وأذن فيه] ثم ذكر هذه الآية (¬6). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قدم المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: "من أسلف في تمر، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" (¬7). الثالث: عن عبد الرحمن بن أبزى (¬8) وعبد اللَّه بن أبي أوفى (¬9) -رضي اللَّه عنهما- قالا: "كنا ¬
نصيب المغانم مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب إلى أجل مسمى"، قال: قلت: أكان لهم زرع، أو لم يكن لهم زرع؟ قالا: "ما كنا نسألهم عن ذلك" (¬1). • وجه الدلالة: أنهم كانوا يفعلون ذلك في زمن الوحي، ولم يُنْكر عليهم، فدل على أصل المشروعية. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: ابن مسعود وسعيد بن المسيب، أما ابن مسعود: فقد جاء عنه أنه كان يكره السلم كله (¬2). أما ابن المسيب: فقد جاء عنه أنه قال: [لا يجوز السلم في شيء من الأشياء] (¬3). ولعلهم يستدلون: بأن السلم مشتمل على الجهالة والغرر؛ لأنه معدوم، وهذا يفضي في الغالب إلى النزاع والخصومة. ويجاب عن هذا: بأنه قد ثبت عن ابن المسيب خلاف ذلك، فقد جاء أنه قال في السلف في الثياب والحنطة، بذرع معلوم، وكيل معلوم: [ليس به بأس] (¬4). وجاء عنه: أنه لم ير بأسًا في السلم بالحيوان (¬5). فربما رجع إلى القول به بعد أن تبين له الدليل. ¬
2] شروط البيع شروط للسلم
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم ثبوت المخالفة فيها أو شذوذها، كما هو الحال مع قول ابن مسعود، فهو مخالف لصريح السنة، ولعله لم يبلغه الدليل. 2] شروط البيع شروط للسلم: • المراد بالمسألة: السلم له شروط خاصة متعلقة به دون سائر العقود، وهذه الشروط زائدة على شروط البيع العامة، فهي من شروطه، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حجر (852 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه -أي: السلم- يشترط له ما يشترط للبيع] (¬1). نقله عنه الشوكاني (¬2). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه يشترط فيه ما يشترط في البيع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل عقلي، وهو: أن السلم لون من ألوان البيع، لوجود معنى جامع بينهما، وهو المبادلة في كل منهما، فيأخذ أحكامه، ويشترط له ما يشترط للبيع من شروط.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 3] كون المسلم فيه معلوما: • المراد بالمسألة: من شروط المسلم فيه: أن يكون معلومًا مبيّنا مضبوطا بما ¬
يرفع الجهالة عنه، ويدخل في المعلومية أمران، هما: 1) معلومية المقدار: وذلك بأن تضبط الكمية الثابتة في الذمة بصورة لا تدع مجالا للمنازعة عند الوفاء، ويكون ذلك بالمعايير المعروفة وهي: الكيل والوزن والذرع والعدُّ. 2) معلومية الصفة: وذلك ببيان جنسه، ونوعه، وجودته أو رداءته. فإذا توفر هذا الشرط في المُسلم فيه صح السلم، وإن اختل بطل بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الشافعي (204 هـ) يقول: [والسلف بالصفة والأجل، ما لا اختلاف فيه عند أحد من أهل العلم حفظت عنه] (¬1). ويقول أيضًا: [ولا أعلم خلافًا في أنه يحل السلم في الثياب بصفة] (¬2). • الطبري (310 هـ) يقول: [أجمع مجوزو السلم جميعًا، أنه لا يجوز السلم إلا في موصوف معلوم بالصفة] (¬3). • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن السلم الجائز: أن يسلم الرجل صاحبه في طعام معلوم، موصوف من طعام أرض لا يخطئ مثلها، بكيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم، ودنانير ودراهم معلومة] (¬4). ويقول أيضًا: [وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم في الطعام لا يجوز بقفيز لا يعرف عياره، ولا في ثوب بذراع فلان] (¬5). ويقول أيضًا: [وأجمعوا على أن السلم في الثياب جائز، بذراع معلوم، وصفة معلومة الطول والعرض والرقة والصفاقة والجود، بعد أن ينسبه إلى بلدة من البلدان، إلى أجل معلوم] (¬6). نقل الجملة الثانية والثالثة ابن قدامة، وشمس الدين ابن قدامة (¬7). ونقل الثانية برهان ¬
الدين ابن مفلح، وعبد الرحمن القاسم (¬1). • ابن بطال (449 هـ) يقول: [أجمع العلماء على أنه لا يجوز إلا في كيل معلوم أو وزن معلوم فيما يكال أو يوزن، وأجمعوا أنه إن كان السلم فيما لا يكال ولا يوزن فلا بد فيه من عدد معلوم، وأجمعوا أنه لا بد من معرفة صفة المسلم فيه] (¬2). نقله عنه ابن حجر، وعبد الرحمن القاسم (¬3). وعن ابن حجر نقله الصنعاني (¬4). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [أما الشرط الثالث: وهو كونه مقدرا، فلا خلاف فيه بين الأمة] (¬5). ويقول أيضًا: [كونه موصوفًا، فإنه مما لا يختلف فيه في الجملة. . .، ولا خلاف أن ما لم يضبط بصفة، فلا يجوز السلم فيه] (¬6). نقل عنه العبارة الأولى أبو عبد اللَّه القرطبي (¬7). • القاضي عياض (¬8) (544 هـ) يقول: [لم يجر في الأحاديث في هذا الباب -أي: باب السلم في صحيح مسلم- ذكر للصفة، وهي مما أجمع العلماء على شرطها في صحة السلف] (¬9). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن السلم يصح بستة شرائط: أن ¬
يكون في جنس معلوم، وصفة معلومة، ومقدار معلوم. . .] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [أن يضبط بصفاته التي يختلف الثمن بها ظاهرا. . .، والأوصاف على ضربين: متفق على اشتراطها، ومختلف فيها. فالمتفق عليها ثلاثة أوصاف: الجنس والنوع والجودة والرداءة، فهذه لا بد منها في كل مسلم فيه، ولا نعلم بين أهل العلم خلافًا في اشتراطها] (¬3). ويقول أيضًا: [معرفة مقدار المسلم فيه: بالكيل إن كان مكيلا، وبالوزن إن كان موزونا، وبالعدد إن كان معدودا. . .، ولا نعلم في اعتبار معرفة المقدار خلافًا] (¬4). ويقول أيضًا: [ولا بد من تقدير المذروع بالذرع، بغير خلاف نعلمه] (¬5). نقل الجملة الأخيرة عبد الرحمن القاسم (¬6). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول بعد سرده لشروط السلم، ثم شروعه في تفصيلها: [وأما الشرط الثاني: وهو أن يكون موصوفًا، فمتفق عليه] (¬7). • النووي (676 هـ) يقول: [وأجمعوا على اشتراط وصفه بما يضبط به] (¬8). نقله عنه المباركفوري (¬9). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [الأوصاف على ضربين: متفق على اشتراطها، ومختلف فيها. فالمتفق عليها ثلاثة أوصاف: الجنس والنوع والجودة أو الرداءة، فهذه لا بد منها في كل مسلَم فيه، وكذلك معرفة قدره. . .، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، ولا نعلم عن غيرهم فيه خلافًا] (¬10). ويقول أيضًا: [ولا نعلم في اعتبار معرفة مقدار المسلم فيه خلافا] (¬11). ¬
• الكاكي (¬1) (749 هـ) يقول: [لا خلاف للفقهاء في جواز السلم في كل ما هو من ذوات الأمثال. . .]. نقله عنه العيني (¬2). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [ولا خلاف في اشتراط تعيين الكيل فيما يسلم فيه من المكيل: كصاع الحجاز، وقفيز العراق، وإردب مصر، بل مكاييل هذه البلاد في أنفسها مختلفة، فلا بد من التعيين]. ويقول أيضًا: [وأجمعوا على أنه لا بد من معرفة صفة الشيء المسلم فيه صفة تميزه عن غيره] (¬3). نقله عنه الصنعاني، والشوكاني (¬4). • العيني (855 هـ) يقول: [(ولا يصح السلم عند أبي حنيفة إلا بسبعة شرائط: جنس معلوم. . .، ونوع معلوم. . .، وصفة معلومة. . .، ومقدار معلوم. . .، وأجل معلوم. . .) وهذه خمسة متفق عليها] ويقول أيضًا: [. . . فجهالة المسلم فيه، مفسدة بالاتفاق] (¬5). ويقول أيضًا: [ولا خلاف في اشتراط تعيين الكيل فيما يسلم فيه من المكيل: كصاع الحجاز، وقفيز العراق، وإردب مصر، بل مكاييل هذه البلاد في أنفسها مختلفة، فلا بد من التعيين] (¬6). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(ويجوز السلم في الثياب إذا بيَّن طولا وعرضا ورقعة؛ لأنه أسلم في معلوم) والرقعة يراد بها قدر، ولا خلاف في هذا]. ويقول أيضا: [(وكل ما أمكن ضبط صفته، ومعرفة مقداره، جاز السلم فيه) لا خلاف فيه] (¬7). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهرا. . .، وطريقه الرؤية أو الصفة، والأول ممتنع، فتعين الوصف. فعلى هذا ¬
يذكر جنسه، ونوعه، وقدره، وبلده، وحداثته وقدمه، وجودته ورداءته، بغير خلاف نعلمه] (¬1). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [وقع الإجماع على اشتراط معرفة صفة الشيء المسلم فيه على وجه يتميز بتلك المعرفة عن غيره] (¬2). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول بعد ذكر شرط العلم بالجنس والنوع في المسلم فيه: [باتفاق أهل العلم] (¬3). ويقول لما ذُكِر شرط العلم بالمقدار: [فلا يصح السلم بدون ذكر قدر المسلم فيه، باتفاق أهل العلم] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: "من أسلف في تمر، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" (¬6). الثاني: أنه عوض غير مشاهد يثبت في الذمة، فاشترط معرفة قدره، كالثمن. الثالث: أن المسلم فيه متعلق بالذمة، وما يتعلق بالذمة يستحيل أن يكون جزافا غير مقدر؛ لأنه لا يتميز في الذمة من غيره إلا بالتقدير، وليس كذلك المشاهدة؛ لأنه يتميز من غيره بالإشارة إليه والتعيين له. الرابع: أن جهالة المسلم فيه تفضي إلى المنازعة التي تمنع البائع عن التسليم والتسلم، وهذا ممنوع شرعًا. الخامس: قياس الأولى: فكما أن البيع لا يُحتمل فيه جهل المعقود عليه وهو عين، فلأن لا يُحتمل وهو دين من باب أولى (¬7). ¬
4] صحة السلم في المكيلات والموزونات والمذروعات المنضبطة بالوصف
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 4] صحة السلم في المكيلات والموزونات والمذروعات المنضبطة بالوصف: • المراد بالمسألة: الكيل هو: كل ما لزمه اسم المختوم والقفيز والمكوك والمد والصاع (¬1). الموزون هو: كل ما لزمه اسم الأرطال والأواقي والأَمْناء (¬2). المذروع: الذراع يراد به من طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى (¬3)، ثم سمي بها العود المقيس بها (¬4)، يقال: ذرعت الثوب ذرعا، أي: قسته بالذراع (¬5). فالسلم في هذه الثلاثة يصح إذا كان مضبوطا بالوصف، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن السلم جائز في المكيلات، والموزونات، والمذروعات التى يضبطها الوصف] (¬6). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬7). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [أما السلم في الزيتون وأمثاله من المكيلات والموزونات، فيجوز، وما علمت بين الأئمة في ذلك نزاعا] (¬8). • أبو عبد اللَّه الدمشقي (كان حيا: 780 هـ) يقول: [واتفقوا على أن السلم جائز في المكيلات، والموزونات، والمذروعات التي يضبطها الوصف] (¬9). • العيني (855 هـ) يقول: [(وكذا) أي: يجوز (في المذروعات) ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة] (¬10). ¬
• ابن الهمام (861 هـ) يقول: [أجمع الفقهاء على جواز السلم في المذروعات، من الثياب والبسط والحصر والبواري (¬1)، إذا بيَّن الطول والعرض] (¬2). • الأسيوطي (880 هـ) يقول: [واتفقوا على أن السلم جائز في المكيلات، والموزونات، والمذروعات التي يضبطها الوصف] (¬3). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [ويصح السلم في المذروعات. . .، وجوازه فيها بالإجماع] (¬4). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [(انضباط صفاته التي يختلف الثمن باختلافها اختلافا كثيرا) هذا أحد الشروط السبعة التي لا يصح السلم بدونها بالاتفاق] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أسلف في تمر، فلا يسلف إلا في كيل معلوم، ووزن معلوم" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نص على الكيل والوزن في السلم؛ لأنها مما يمكن ضبطها بالوصف، وقاس العلماء عليهما الذرع؛ لأن الحاجة موجودة فيه كما في الكيل والوزن (¬8). الثاني: القياس على البيع: فكما أن البيع يصح بما ينضبط بالصفة، فكذلك السلم؛ بجامع أن كلا منها عقد معاوضة. بل إن من العلماء من عد السلم قسما ¬
5] جواز السلم في الشحم
من أقسام البيع، واستدل على هذه المسألة بدليل الإباحة الأصلية (¬1). الثالث: أن ضبط قدرِ ووصف المسلم فيه بهذه الثلاثة، ينفي الجهالة، ويقطع النزاع، وما كان كذلك فيصح معه عقد السلم (¬2). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في رواية عندهم، وهو اختيار ابن حزم من الظاهرية، وقالوا بصحة السلم في المكيل والموزون فقط دون الذروع (¬3). واستدل هؤلاء: بحديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- السابق، قالوا: فلم يذكر فية إلا الكيل والوزن، فيقتصر على ما جاء به النص، ولا يزاد عليه (¬4).Rصحة الإجماع فيما ينضبط بالوصف من المكيل والموزون دون المذروع؛ وذلك لثبوت الخلاف في المذروع. 5] جواز السلم في الشحم: • المراد بالمسألة: من شروط السلم: أن يكون المسلم فيه معلوما، فإذا أسلم في شحم، سواء كان شحم الألية أم غيره، وضبطه بالصفة، فإنه يجوز سلمه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن السلم في الشحم جائز، إذا كان معلوما] (¬5). نقله عنه ابن القطان (¬6). • العيني (855 هـ) يقول: [ويجوز السلم في الشحم والألية بالإجماع] (¬7). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [. . . جاز السلم في الألية، مع أنها لا تخلو من ¬
6] جواز السلم في صغار اللؤلؤ
عظم، والسلم فيها وفي الشحم بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع في هذه المسألة: المالكية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من السنة، وهو: حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" (¬3). • وجه الدلالة: أن الشحم من الموزونات التي تنضبط بالصفات، ولا تختلف أجزاؤه إلا اختلافا يسيرا غير مؤثر، فيدخل في الحديث.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 6] جواز السلم في صغار اللؤلؤ: • المراد بالمسألة: صغار اللؤلؤ التي تدق، ويستفاد منها في المداواة، يجوز أن يسلم فيها كيلا ووزنا، وليس عددا، بلا خلاف بين الفقهاء. • من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول: [(وفي صغار اللؤلؤ التي تباع وزنا، يجوز السلم. . .). . . ولا خلاف فيه للفقهاء] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، ورواية عند الحنابلة (¬5). ¬
7] تحريم السلم في الخبز عددا
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم، إلى أجل معلوم" (¬1). • وجه الدلالة: أن صغار اللؤلؤ يمكن ضبطها بالكيل أو بالوزن، فتدخل في عموم الحديث. الثاني: القياس على العنبر والجواهر ونحوها من الجواهر الثمينة، فكما يجوز السلم فيها، فكذلك صغار اللؤلؤ. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في المشهور عندهم، يرون عدم جواز السلم في اللؤلؤ مطلقا، سواء كن صغارًا، أم غير ذلك (¬2). واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: أن اللؤلؤ لا يمكن ضبطه بالصفة، فتختلف أثمانها اختلافا متباينا بالصغر والكبر، وحسن التدوير، وزيادة ضوئها، وصفائها، فلا يصح السلم فيها (¬3).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 7] تحريم السلم في الخبز عددا: • المراد بالمسألة: الخبز يعد من الموزونات، وعليه فلو أسلم فيه بالعدد بدل الوزن، فإنه لا يجوز بالإجماع. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [وأما السلم في الخبز عددا، فلا يجوز بالإجماع] (¬4). • الموافقون على الإجماع: ¬
8] جواز رد أجود أو أردأ من المسلم فيه عند حلول الأجل
وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن السلم بالخبز عددا لا ينضبط، فالتفاوت فاحش بين خبز وخبز، في الخَبْز والخِفة والثقل، وهذا من شأنه أن يوقع في الجهالة المفضية إلى المنازعة (¬2) الثاني: القياس على السلم في الثوم والبصل ونحوها، فلا يجوز السلم فيها عددا، فكذلك الخبز، بجامع عدم الانضباط في كل منهما بالعدد.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 8] جواز رد أجود أو أردأ من المُسلم فيه عند حلول الأجل: • المراد بالمسألة: إذا حل الأجل، وحان موعد تسليم المسلم فيه، فإن أعطاه أجود مما وصف له، أو أردأ مما اتفقا عليه، وكان من جنسه ونوعه، ولم يختلف قدره، وحصل التراضي بينهما، فإن هذا جائز، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) لما ذكر قول الإمام مالك وهو: [من سلَّف في حنطة شاميَّة، فلا بأس أن يأخذ محمولة (¬3) بعد محل الأجل. . .، وكذلك من سلف في ¬
صنف من الأصناف، فلا بأس أن يأخذ خيرا مما سلف فيه أو أدنى بعد محل الأجل، وتفسير ذلك: أن يسلف الرجل في حنطة محمولة، فلا بأس أن يأخذ شعيرا (¬1) أو شامية، وإن سلف في تمر عجوة، فلا بأس أن يأخذ صيحانيا أو جمعا، وإن سلف في زبيب أحمر، فلا بأس أن يأخذ أسود، إذا كان ذلك كله بعد محِل الأجل، إذا كانت مكيلة ذلك سواء بمثل كيل ما سلف فيه] (¬2) قال أبو عمر بعده: [هذا كله لا خلاف فيه، إلا في قبض الشعير من القمح عند محل الأجل أو بعده، فإن ذلك لا يجوز عند كل من يجعل الشعير صنفا غير القمح. والقمح كله عند الجميع صنف واحد، كما الشعير صنف واحد، وكما الزبيب أحمره وأسوده صنف واحد، وكذلك التمر وضروبه، والسلت عندهم صنف واحد، والذرة صنف، والدخن صنف وما أشبه ذلك كله، فإذا سلف في صنفه من ذلك الصنف، وأخذ عند محل الأجل أو بعده أرفع من صفته، فذلك إحسان من المعطي، وإن أخذ أدون، فهو تجاوز من الآخذ] (¬3). نقله عنه ابن القطان (¬4). • البغوي (516 هـ) يقول: [فإن تبرع المسلَم إليه بأجود مما وصف، أو رضي المسلِم بالأردء، والنوع واحد، فجائز بالاتفاق] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والحنابلة في رواية عندهم (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، أهمها: ¬
الأول: أنه إذا أعطى من جنس المسلم فيه، وكان أردأ مما اتفقا عليه، فقد قبض جنس حقه، وإنما اختلف الوصف، واختلاف الوصف غير مؤثر فيه، إذا تراضيا عليه. الثاني: أنه إذا أعطى من جنس المسلم فيه، وكان أجود مما اتفقا عليه، فإنه يكون قد قضى حقه، وأحسن في القضاء، وفي الحديث: "خياركم أحسنكم قضاء" (¬1) (¬2). الثالث: أنه إذا أعطاه أجود مما اتفقا عليه، يكون قد أتاه بما تناوله العقد، وزيادة تابعة له، تنفعه ولا تضره (¬3). الرابع: أن هذا من باب المبادلة، وليس من باب المبايعة، فيغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره (¬4). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: إذا أعطاه غير النوع المتفق عليه، فإنه لا يجوز له أن يأخذه. وهذا هو المشهور عند الشافعية، وهو رواية عند الحنابلة (¬5). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: أنه أعطاه غير النوع المتفق عليه، وهذا يشبه الاعتياض عن المسلم فيه، والاعتياض عنه ممنوع، فكذلك ما يشبهه (¬6). الثاني: أن العقد تناول ما وصفاه على الصفة التي شرطاها، وقد فاتت بعض الصفات، فإن النوع صفة، فأشبه ما لو فات غير النوع، كالجنس من الصفات, ¬
9] اغتفار التفاوت اليسير في وصف المسلم فيه
وقد يكون له غرض في تحديد النوع، فلا يجوز له أخذه (¬1). القول الثاني: أنه لا يأخذ أجود ولا أردأ من المسلم فيه المتفق عليه في كيل ولا صفة. وهو قول إبراهيم النخعي، وأبي ثور، والثوري (¬2). ويمكن أن يستدل لقولهم بما يلي: الأول: أن هذا يشبه الاعتياض عن المسلم فيه، كما مر سابقا. الثاني: أنه إذا أعطاه ما فيه مخالفة لما وقع عليه العقد، فإنه يبطل شرط الوصف في العقد، فلا حاجة إليه إذن، ثم إنه ربما يكون له مقصود في الموصوف فيبطل مقصوده بتغييره.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 9] اغتفار التفاوت اليسير في وصف المسلم فيه: • المراد بالمسألة: من شروط السلم: أن يكون المسلم فيه موصوفا وصفا منضبطا، فإذا حصل تفاوت يسير في الوصف غير مؤثر، فإنه مغتفر بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(ولا يجوز السلم في الحيوان) دابة كان أو رقيقا (وقال الشافعي) ومالك وأحمد: (يجوز) للمعنى والنص. أما المعنى (فلأنه يصير معلوما ببيان الجنس، والسن، والنوع، والصفة، والتفاوت بعد ذلك يسير) وهو مغتفر بالإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬4). ¬
10] صحة الأجل في المسلم فيه
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن التفاوت في الأمر الغائب لا بد منه، فلو قيل بعدم الصحة في مثل هذه الحالة، فإنه يترتب عليه عدم صحةِ سلمٍ أصلا (¬1). الثاني: أن قاعدة الشرع في اليسير عدم المؤاخذة عليه، والاعتداد به أبدا، كما هو الحال في يسير النجاسة، والغرر اليسير، ونحوهما. فكذلك أيضا يقال في وصف المسلم فيه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 10] صحة الأجل في المسلم فيه: • المراد بالمسألة: المسلم فيه: هو الذي يؤخر في عقد السلم، فإذا كان مؤجلا، فإن السلم جائز بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الماوردي (450 هـ) يقول: [الأصل فيه -أي: السلم- التأجيل؛ لانعقاد الإجماع على جوازه] (¬2). • النووي (676 هـ) يقول: [وقد اختلف العلماء في جواز السلم الحال، مع إجماعهم على جواز المؤجل] (¬3). نقله عنه المباركفوري، والعظيم آبادي (¬4). ¬
• تقي الدين الحِصْني (829 هـ) يقول: [ثم عقد السلم إن كان مؤجلا، فلا نزاع في صحته، وفي بعض الشروح حكاية الاتفاق على صحته] (¬1). • زكريا الأنصاري (926 هـ) يقول: [(وصح) السلم (حالا ومؤجلا) بأن يصرح بهما. أما المؤجل: فبالنص، والإجماع] (¬2). • عميرة (¬3) (957 هـ) يقول: [(حالا ومؤجلا) أما المؤجل: فبالاتفاق] (¬4). • ابن حجر الهيتمي (974 هـ) يقول: [(ويصح) السلم مع التصريح بكونه (حالا) إن وجد المسلم فيه حينئذ، وإلا تعين المؤجل (و) كونه (مؤجلا) إجماعا فيه] (¬5). • الشربيني (977 هـ) يقول: [(ويصح) السلم (حالا ومؤجلا) بأن يصرح بهما. أما المؤجل: فبالنص والإجماع] (¬6). • الرملي (1004 هـ) يقول: [(ويصح) السلم مع التصريح بكونه (حالا) إن كان المسلم فيه موجودا حينئذ، وإلا تعين كونه مؤجلا (و) كونه (مؤجلا) بالإجماع فيه] (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من ¬
11] العلم بالأجل في المسلم فيه
الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (¬2). • وجه الدلالة: أن المداينة التي ذكرها اللَّه في الآية مشتملة على الأجل، ويدخل في المداينة السلم فهو نوع من أنواعها. الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث، فقال: "من أسلف في تمر، ففي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر صفة السلم الصحيحة، وبين ذكر الأجل فيها، وأقل أحوال ذكره هنا الدلالة على المشروعية.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 11] العلم بالأجل في المسلم فيه: • المراد بالمسألة: المسلم فيه في عقد السلم لا بد أن يكون مؤجلا، وإذا حكم بتأجيله فلا بد أن يكون أجله معلوما للمتعاقدين، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن السلم الجائز: أن يسلم الرجل صاحبه في طعام معلوم، موصوف من طعام أرض لا يخطئ مثلها، إلى أجل معلوم. . .] (¬4). نقله عنه أبو عبد اللَّه القرطبي (¬5). ¬
• ابن العربي (543 هـ) يقول: [وأما الشرط الخامس: وهو أن يكون الأجل معلوما، فلا خلاف فيه بين الأمة] (¬1). نقله عنه أبو عبد اللَّه القرطبي (¬2). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول بعد أن ذكر أثر ابن عمر وهو قوله: [لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف، بسعر معلوم، إلى أجل مسمى، ما لم يكن في زرع لم يبد صلاحه، أو تمر لم يبد صلاحه] (¬3) قال: [قد روي هذا المعنى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، واتفق الفقهاء على ذلك، إذا كان المسلم فيه موجودا في أيدي الناس من وقت العقد إلى حلول الأجل، واختلفوا فيما سوى ذلك] (¬4). وهذا يدل على حكاية الاتفاق على ما جاء في أثر ابن عمر، ومنها: معلومية الأجل. • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن السلم يصح بستة شرائط: أن يكون في جنس معلوم، وصفة معلومة، ومقدار معلوم، وأجل معلوم. . .] (¬5). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬6). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [لا بد من كون الأجل معلوما. . .، ولا نعلم في اشتراط العلم -في الجملة- اختلافا] (¬7). • العيني (855 هـ) يقول: [وأشار إلى الخامس -أي: الشرط الخامس من شروط السلم- بقوله: (وأجل معلوم) وهذه خمسة متفق عليها] (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، وهم يسلفون في الثمار ¬
12] صحة تحديد الأجل في السلم بالأهلة
السنة والسنتين، فقال: "من أسلف في تمر، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" (¬1). الثاني: أن عدم تحديد الأجل يفضي إلى المنازعة والخصومة بين المتعاقدين، وما كان كذلك فإن بابه مسدود في الشرع.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 12] صحة تحديد الأجل في السلم بالأهلة: • المراد بالمسألة: من شروط السلم: أن يكون مؤجلا أجلا معلوما، فإذا حدد المتعاقدان أجلا مقدرا بالأهلة، كأول شهر رجب، أو أوسطه، أو آخره، أو حددا يوما من الشهر، فإنه يكون قد وفى بالشرط، وصح أجله، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [في كون الأجل معلوما بالأهلة، وهو أن يُسْلِم إلى وقت يعلم بالهلال. . .، ولا خلاف في صحة التأجيل بذلك] (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [أن يُسْلِم إلى وقت يعلم بالأهلة، ولا خلاف في صحة التأجيل بذلك] (¬3). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [ولا بد أن يكون الأجل مقدرا بزمن معلوم، فعلى هذا يُسْلِم إلى وقت يعلم بالأهلة. . .، ولا خلاف في صحة التأجيل بذلك] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬5). ¬
13] بطلان جعل الأجل في السلم إلى الميسرة
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه جل جلاله بيّن الحكمة من الأهلة، وهي أنها جُعلت مواقيت للناس يحددون بها آجالهم في التعامل بينهم، حتى يكون أسلم لهم، وأبعد عن المنازعة بينهم (¬2). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" (¬3). • وجه الدلالة: أن الأجل المعلوم هو الأجل المنضبط الذي لا يتغير أبدا، والتوقيت بالأهلة يعد من هذا القبيل، فيدخل دخولا أوليا في الحديث.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 13] بطلان جعل الأجل في السلم إلى الميسرة: • المراد بالمسألة: إذا أسلم ألف ريال، وكان المسلم فيه مائة كيلٍ من الشعير، على أن يسلمها له متى ما وقع اليسار له، ولم يحددا أجلا، كان العقد محرما ولا يصح، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) لما ذكر من شروط السلم معلومية الأجل قال: [لا خلاف في أنه لو جعل الأجل إلى الميسرة، لم يصح] (¬4). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬5). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [لا خلاف في أنه لو جعل الأجل إلى الميسرة، لم يصح] (¬6). ¬
• برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [لا خلاف أنه -أي: التأجيل إلى الميسرة في السلم- لا يصلح للأجل] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أسلف في تمر، ففي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" (¬3). • وجه الدلالة: في الحديث دلالة على أن الأجل لا بد أن يكون معلوما، وجعله إلى ميسرة لا شك أنه غير معلوم. الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الغرر" (¬4). • وجه الدلالة: جَعْل الأجل إلى الميسرة متردد الوجود والعدم، فربما يقع له اليسار وربما لا يقع له ذلك، فكان لونا من ألوان الغرر. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- فقد جاء عنه أنه كان يبتاع إلى ميسرة، ولا يسمي أجلا (¬5). ¬
وقد ضعف ابن عبد البر هذا عن ابن عمر، وبيّن أن من أسباب الضعف روايته لحديث النهي عن بيع حبل الحبلة (¬1). وخالف أيضا: ابن خزيمة (¬2) من الشافعية (¬3)، والأمير الصنعاني (¬4)، وقالا: يجوز أن يجعل الأجل إلى الميسرة. واستدل هؤلاء بدليل من السنة، وهو: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "قلت: يا رسول اللَّه، إن فلانا اليهودي قدم له بَزٌّ من الشام، فلو بعثت إليه، فأخذت منه ثوبين إلى الميسرة، فبعث إليه، فامتنع" (¬5) (¬6). ¬
14] تحريم جهالة الأجل في العقد المؤجل
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها، فلم يخالف إلا اثنان من العلماء، فأين البقية عن مثل هذه المسألة التي تعد من أعيان المسائل. 14] تحريم جهالة الأجل في العقد المؤجل: • المراد بالمسألة: البيع إذا كان فيه أجل فلا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون الأجل معلوما، فيصح البيع بلا خلاف بين العلماء. الحالة الثانية: أن يكون الأجل مجهولا، فلا يجوز العقد بإجماع العلماء، سواء كانت الجهالة متفاحشة، وهي: ما كانت متعلقة بوجود العين من عدمها: كهبوب الريح وقدوم زيد ونحوهما. أو كانت الجهالة متقاربة، وهي: ما كان متعلقا بالتأخير والتقديم: كإلى الحصاد والدراس والعطاء ونحوها. • من نقل الإجماع: • ابن العربي (543 هـ) يقول في بيان معنى حديث عائشة في طلبها منه -صلى اللَّه عليه وسلم- شراء الثوبين من اليهودي إلى الميسرة (¬1): [لم ترد إلى أن تستغني بما يؤتيك اللَّه؛ لأنه أجل مجهول، ولا يجوز بإجماع من الأمة] (¬2). • الكاساني (587 هـ) يقول: [ولو باع العين بثمن دين إلى أجل مجهول جهالة متقاربة، ثم أبطل المشتري الأجل قبل محله، وقبل أن يفسخ العقد بينهما لأجل الفساد جاز العقد عند أصحابنا الثلاثة. وعند زفر لا يجوز. ولو لم يبطل حتى حل الأجل، وأخذ الناس في الحصاد، ثم أبطل لا يجوز العقد بالإجماع، وإن كانت الجهالة متفاحشة فأبطل المشتري الأجل قبل الافتراق، ونقد الثمن جاز البيع عندنا، وعند زفر لا يجوز. ولو افترقا قبل الإبطال لا يجوز بالإجماع] (¬3). • النووي (676 هـ) يقول: [اتفقوا على أنه لا يجوز البيع بثمن إلى أجل مجهول] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الإجماع المذكور له صلة بمسألتين متقاربتين، وكل منهما وقع فيها الخلاف ¬
بين العلماء، ولذا سيأتي الخلاف في فقرة المخالفين. ومما يذكر هنا أن ابن حزم الظاهري وافق ما حكي من الإجماع في هاتين المسألتين (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (¬2). • وجه الدلالة: أن البيع إلى أجل يعتبر لونا من ألوان المداينة، واللَّه جل جلاله بين الصفة الصحيحة للمداينة، وهي التي يكون فيها الأجل معلوما (¬3). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الغرر" (¬4). • وجه الدلالة: أن من ألوان الغرر الجهالة في الأجل. الثالث: القياس على السلم: فكما أنه يشترط في الأجل فيه أن يكون معلوما، فكذلك الأجل في البيع، بجامع أن الأجل في كل منهما متعلق بشرط من شروط العقد، وإذا اختل جزء من الشرط كان مظنة لوقوع النزاع والخصام بين المتعاقدين (¬5). • المخالفون للإجماع: هذه المسألة ذات شقين، كل شق وقع فيه الخلاف، وهما على النحو التالي: الأولى: حكم العقد إذا وقعت فيه جهالة في أجله. وهذه المسألة خالف فيها الحنابلة، فقالوا: إن البيع يعتبر صحيحا والشرط يلغو، ويكون الثمن حالا (¬6). واستدل هؤلاء: بأن الجهالة إنما هي في الشرط، دون البيع، فلا تعلق للبيع به، فيبقى العقد صحيحا (¬7). الثانية: وهي متفرعة عن الأولى، هل التأجيل إلى الحصاد والدراس والعطاء، يُعد من الأجل المجهول أم من المعلوم؟ وهذه المسألة خالف فيها المالكية ¬
والحنابلة في رواية عندهم (¬1)، وهو قول مروي عن أمهات المؤمنين، وابن عمر، وعلي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين (¬2) وعامر، كل هؤلاء رُوِي عنهم جواز التأجيل إلى العطاء (¬3). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره أن يجهز جيشا، قال عبد اللَّه: وليس عندنا ظهر، قال: فأمره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يبتاع ظهرا إلى خروج المصَّدَّق، فابتاع عبد اللَّه البعير بالبعيرين وبأبعرة إلى خروج المصدق بأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). • وجه الدلالة: أن جَعْل الأجل إلى خروج العطاء ونحوه، كجَعْل الأجل إلى خروج المصَّدق، فهو له وقت معروف عندهم وليس محددا تحديدا فاصلا. الثاني: أن أوقات العطاء والحصاد والدراس معروفة وليست مجهولة، فيحكم بصحة الأجل إليها (¬5).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ويظهر -واللَّه أعلم- للباحث أن مراد الكاساني بحكاية الإجماع هنا إنما هي عن علماء ¬
15] كون المسلم فيه عام الوجود في محله
المذهب، بدليل ثبوت الخلاف في المذاهب الأخرى، بل حتى عن السلف من قبل، ثم قرنه الإجماع بخلاف المذهب في بعض جوانب المسألة، دليل على أنه أراد علماء مذهبه فقط، خاصة وأن المسألة من أعيان المسائل، كل ذلك قرائن تدل على أنه لم يقصد الإجماع بمعناه العام. 15] كون المسلم فيه عام الوجود في محله: • المراد بالمسألة: من أركان السلم: المسلم فيه، ويشترط فيه: أن يكون مما يغلب على الظن وجوده، عند حلول وقته. وإن علم عدم وجوده فيه، فلا يصح السلم حينئذ، بلا خلاف بين العلماء، كأن يسلم في الرطب إلى فصل الشتاء، أو كان وجوده فيه نادرا، كزمان أول العنب أو آخره الذي لا يوجد فيه إلا نادرا، فلا يؤمن حينئذ انقطاعه. • من نقل الإجماع: • الباجي (474 هـ) يقول: [أن يكون المسلم فيه موجودا حين الأجل، فلا خلاف أن ذلك شرط في صحة السلم] (¬1). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [وأما الشرط السادس: وهو أن يكون موجودا عند المحلَّ، فلا خلاف فيه بين الأمة] (¬2). نقله عنه أبو عبد اللَّه القرطبي (¬3). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [ومنها: -أي: الشروط المتفق عليها- أن يكون موجودا عند حلول الأجل] (¬4). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [الشرط الخامس: وهو كون المسلم فيه عام الوجود في محله، ولا نعلم فيه خلافا] (¬5). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬6). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [الشرط (الخامس: أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله) لا نعلم فيه خلافا] (¬7). ¬
16] بطلان السلم في ثمر بستان بعينه
• برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [(أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله) غالبا بغير خلاف نعلمه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أنه إذا كان عام الوجود عند الحلول، أمكن تسليمه عند الوجوب، والقدرة على التسليم شرط في البيع والسلم، وإذا لم يكن كذلك، لم يكن موجودا عند المحل بحكم الظاهر، فلم يمكن تسليمه، وعليه فلا يصح بيعه، كبيع الآبق، بل هو أولى (¬3). الثاني: أن السلم احتمل فيه أنواع من الغرر للحاجة، فلا يحتمل فيه غرر آخر، وإذا لم يكن ممكن الوجود عند الحلول، كثر الغرر فيه (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 16] بطلان السلم في ثمر بستان بعينه: • المراد بالمسألة: من شروط السلم: أن يكون موصوفا غير معيَّن، مقدورا على تسليمه عند حلوله، فإذا أراد أن يسلم في ثمرة بستانٍ معيَّن لم يبد صلاحه، فلا يصح سلمه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: الجوزجاني (¬5) (259 هـ) يقول: [أجمع الناس على الكراهة لهذا البيع]. يقصد ¬
السلم في ثمرة بستان بعينه. نقله عنه ابن قدامة، وشمس الدين ابن قدامة، والزركشي، وبرهان الدين ابن مفلح، وعبد الرحمن القاسم (¬1). • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [باب إبطال السلم في ثمر حائط بغيم عينه]، ثم ذكر الحديث الثاني المذكور في مستند الإجماع ثم قال: [وهذا كالإجماع من أهل العلم] (¬2). نقله عنه ابن قدامة، وابن القطان، وشمس الدين ابن قدامة، والزركشي، وبرهان الدين ابن مفلح (¬3). • ابن بطال (449 هـ) يقول: [ولم يختلف العلماء أنه لا يجوز أن يكون السلم في قمح فدان بعينه] (¬4). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [ولم يختلفوا أنه لا يجوز السلم في شيء بعينه إلى أجل] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، وابن حزم من الظاهرية (¬6). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: "من أسلف في تمر فيسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ردهم إلى ما هو مباح وهو الوصف، وهم كانوا يسلفون في ثمار نخيل في المدينة بعينها (¬2). الثاني: عن عبد اللَّه بن سلام (¬3) -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إن بني فلان أسلموا -لقوم من اليهود- وإنهم قد جاعوا، فأخاف أن يرتدوا. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من عنده؟ "، فقال رجل من اليهود: عندي كذا وكذا -لشيء قد سماه- أراه قال ثلاثمائة دينار، بسعر كذا وكذا، من حائط بني فلان. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بسعر كذا وكذا، إلى أجل كذا وكذا، وليس من حائط بني فلان" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهاه أن يجعله من حائط معين، وأبقاه على الوصف، ولو كان مباحا لما نهاه. الثالث: أنه إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه، لم يؤمن انقطاعه وتلفه، فلم يصح؛ لانتفاء القدرة على تسليمه، كما لو أسلم في شيء قدّره بمكيال معين، أو صنجة معينة، أو أحضر خرقة، وقال: أسلمت إليك في مثل هذه (¬5). ¬
17] العلم برأس مال السلم
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 17] العلم برأس مال السلم: • المراد بالمسألة: رأس مال السلم هو: الثمن المعجل في العقد، مقابل المؤجل الموصوف في الذمة، وهذا لا بد من العلم به، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن السَلَم الجائز: أن يُسْلم الرجل صاحبه في طعام معلوم، موصوف من طعام أرض عامة لا يخطئ مثلها، بكيل معلوم أو وزن معلوم، إلى أجل معلوم، ودنانير ودراهم معلومة. . .] (¬1). نقله عنه أبو عبد اللَّه القرطبي (¬2). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن السلم يصح بستة شرائط: أن يكون في جنس معلوم، وصفة معلومة، ومقدار معلوم، وأجل معلوم، ومعرفة مقدار رأس المال] (¬3). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الغرر" (¬6). • وجه الدلالة: أن السلم إذا كان غير معلوم فإنه يترتب عليه الغرر، وهو نوع من أنواع البيع، فيدخل في عموم النهي الوارد في الحديث. الثاني: أنه لا يؤمن فسخ السلم لتأخر المعقود عليه، فوجب معرفة رأس ¬
18] اشتراط معرفة صفة رأس مال السلم
المال، ليرد بدله، كالقرض (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ لعدم المخالف فيها، ولعل السبب في أنه لم يحكِ الإجماع في المسألة إلا قلة من العلماء مع شهرة هذه المسألة؛ لأن عامة العلماء لا ينصون على هذه المسألة في السلم، وإنما يذكرون أنه لا بد من توفر شروط البيع في السلم؛ لأنه نوع من أنواع البيوع، وهذا الشرط ليس خاصا بالسلم، وإنما هو من شروط البيع. 18] اشتراط معرفة صفة رأس مال السلم: • المراد بالمسألة: من أركان السلم: رأس مال السلم، وهو إما أن يكون معينا، أو في الذمة، وإذا كان في الذمة فلا بد أن يُميَّز بالصفة التي يعرف بها نوعه وجنسه ونحوها، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ولا خلاف في اشتراط معرفة صفته -أي: رأس مال السلم- إذا كان في الذمة] (¬2). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [أما -أي: الشروط- الثلاثة التي في رأس مال السلم: فأن يكون معلوم الجنس، مقدَّرا، نقدا، وهذه الشروط الثلاثة التي في رأس المال، متفق عليها إلا النقد] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ولا خلاف في اشتراط معرفة صفته إذا كان في الذمة] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية (¬5). ¬
19] الاكتفاء بالإشارة في رأس مال السلم الذي لا يتعلق العقد بقدره من الذرعيات والعدديات المتفاوتة
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على البيع، فكما أنه يشترط وصف الثمن في البيع إذا كان في الذمة، فكذلك في السلم، بجامع أن كلا منهما ركن في العقد (¬1). الثاني: أنه ربما وقع التخالف بين المتعاقدين، ولا يحسم الخلاف بينهما إلا أن يكونا على معرفة بصفة رأس المال، وإلا كان سببا في وقوع الشقاق والنزاع الذي لا يرضاه الشارع.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 19] الاكتفاء بالإشارة في رأس مال السلم الذي لا يتعلق العقد بقدره من الذرعيات والعدديات المتفاوتة: • المراد بالمسألة: الأصل في رأس مال السلم أن يكون معلوم الصفة والمقدار، لكن إذا كان مما لا يتعلق العقد بمقداره - وهو الذي لا تنقسم أجزاء المسلم فيه على أجزائه (¬2) - من الذرعيات والعدديات المتفاوتة، وكان معينا غير موصوف في الذمة، فإنه تكفي فيه الإشارة عن بيان المقدار، بإجماع العلماء. وذلك مثل: الثياب لا يعلم ذرعها، والغنم لا يعلم عددها، ونحوها. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [ولو كان رأس المال مما لا يتعلق العقد بقدره من الذرعيات والعدديات المتفاوتة، لا يشترط إعلام قدره، ويكتفى بالإشارة بالإجماع. . .، وصورة المسألة. . . لو قال: أسلمت إليك هذا الثوب، ولم يعرف ذرعه، أو هذا القطيع من الغنم، ولم يعرف عدده، جاز بالإجماع] (¬3). • مولى خسرو (885 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن رأس المال إذا كان ثوبا أو حيوانا، يصير معلوما بالإشارة] (¬4). نقله عنه ابن عابدين (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية في رواية عندهم، وهو الوجه الثاني عند الحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على البيع: فكما أنه لا يشترط العلم بقدر رأس المال في بيع العين ويكفي فيه الإشارة، فكذلك في رأس مال السلم (¬2). الثاني: أن الذرع وصف لا يتعلق العقد بمقداره، وإعلام الوصف بعد الإشارة ليس بشرط، ولهذا لو اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع فوجده أحد عشر تسلم له الزيادة، ولو وجده تسعة لا يحط عنه شيئا من الثمن. الثالث: أن المسلم فيه لا ينقسم على عدد الذرعان حتى يشترط إعلامه؛ لأن الأوصاف لا يقابلها شيء، فجهالة قدر الذرعان لا تؤدي إلى جهالة المسلم فيه (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في رواية، وهو المذهب عند الحنابلة، ¬
20] صحة السلم الذي سلم رأس المال فيه في مجلس العقد
فقالوا: لا بد من معرفة مقدار رأس المال في السلم (¬1). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: أنه عقد يتأخر فيه تسليم المعقود عليه، فوجب معرفة رأس ماله ليرد بدله، كالقرض والشركة (¬2). الثاني: أن رأس المال قد يتلف، فينفسخ السلم، فلا يدري بم يرجع، فيقع التنازع بينهما (¬3).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ولعل مراد الحنفية بالإجماع هنا، إجماع علماء المذهب، وقرينة ذلك أنهم انتزعوا هذه الصورة من بين صور مختلف فيها عندهم ذكرت مع هذه المسألة. 20] صحة السلم الذي سُلِّم رأس المال فيه في مجلس العقد: • المراد بالمسألة: رأس مال السلم إذا سلَّمه المسلم في مجلس العقد، فإن السلم يعد صحيحا، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الطبري (310 هـ) يقول: [وأجمعوا جميعا أنه لا يجوز السلم حتى يستوفي المسلم إليه ثمن المسلم فيه في مجلسهما الذي تبايعا فيه] (¬4). • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن السلم الجائز: أن يسلم الرجل صاحبه في طعام معلوم، موصوف من طعام أرض لا يخطئ مثلها، بكيل معلوم ووزن معلوم، إلى أجل معلوم، ودنانير ودراهم معلومة، يدفع ثمن ما أسلم فيه قبل أن يتفرقا من مقامهما الذي تبايعا فيه. . .] (¬5). نقله عنه أبو عبد اللَّه ¬
القرطبي (¬1). • ابن عبد السلام الهواري (749 هـ) يقول: [لا أعلم خلافا في كون تعجيل رأس المال عزيمة، وأن الأصل التعجيل، وإنما الخلاف هل يرخص في تأخيره؟ ]. نقله عنه الحطاب، وكذا عليش (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع في هذه المسألة: الحنفية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). يستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" (¬4). • وجه الدلالة: معلوم أن السلم بيع موصوف في الذمة، فإذا لم يستلم رأس المال في المجلس، فإنه يكون من باب بيع الدين بالدين الذي ورد النهي عنه في الحديث. الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم. . . " (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فليسلف" ولم يقل: فليبع، والتسليف في ¬
اللغة بمعنى الإعطاء، فلا يقع اسم التسليف حتى يعطيه ما سلفه قبل أن يتفرقا من مجلسهما، وأسماء العقود المشتقة من المعاني، لا بد من تحقق تلك المعاني فيها (¬1). الثالث: أن الغاية الشرعية المقصودة في العقود تترتب آثارها عليها بمجرد انعقادها، فإذا تأخر البدلان كان العقد عديم الفائدة للطرفين خلافا لحكمه الأصلي مقتضاه وغايته، ولذا قال ابن تيمية عن تأخير رأس المال في السلم: [فإن ذلك مُنِع منه؛ لئلا تبقى ذمة كل منهما مشغولة بغير فائدة حصلت لا له ولا للآخر، والمقصود من العقود القبض، فهو عقد لم يحصل به مقصود أصلا، بل هو التزام بلا فائدة] (¬2). • المخالفون للإجماع: خالف في مسألة الإلزام بتسليم رأس مال السلم في مجلس العقد: المالكية، وقالوا: يجوز التأخير اليومين والثلاثة (¬3). واستدلوا على ذلك بدليل عقلي، وهو: أن التأخير فيه ليس بممنوع لمعنى في العوض، وإنما هو لمعنى في العقد؛ لئلا يكون من باب بيع الكالئ بالكالئ، والمسلَم فيه من شرطه التأجيل، والثمن من شرطه التعجيل، فكما لا يصح السلم بتأخير القبض عن المجلس، ولا بتأخيره اليوم واليومين، ولا يكون بذلك حكم الكالئ، فكذلك الثمن الذي من شرطه التعجيل لا يفسده التأخير عن مجلس القبض، ولا بتأخره اليوم واليومين، ولا يدخل بذلك في حكم الكالئ (¬4).Rصحة الإجماع في أن السلم يكون صحيحا إذا سلَّم رأس المال في مجلس العقد، أما ما ذكره الطبري من أن ذلك أمر لازم ولا يصح السلم إذا لم يكن في مجلس العقد، فلا؛ لمخالفة المالكية كما سبق. ¬
21] منع جعل رأس مال السلم دينا في الذمة
21] منع جعل رأس مال السلم دينا في الذمة: • المراد بالمسألة: هذه المسألة من مسائل بيع الدين بالدين، ولها عدة صور، وتوضيح هذه المسألة يستوجب ذكر أهم صور بيع الدين بالدين، وهي على النحو التالي: 1) بيع الدين الحال بالدين الحال. 2) بيع الدين الحال بالدين المؤجل. 3) بيع الدين المؤجل بالدين الحال. 4) بيع الدين المؤجل بالدين المؤجل، وتسمى الدين الواجب بالدين الواجب (¬1)، وصورتها أن يقال: لزيد على عمرو ألف ريال مؤجلة، فيجعل زيد هذه الألف رأس مال سلم، فيقول: أسلمت هذه الألف بسيارة بعد سنة. فالمسلم فيه دين موصوف في الذمة، ورأس المال دين في الذمة كذلك، وهذه الحالة محرمة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • أحمد بن حنبل (241 هـ) يقول بعد أن ذكر حديث ابن عمر في النهي عن بيع الكالئ بالكالئ: [لم يصح فيه حديث، ولكن هو إجماع]. نقله عنه ابن المنذر، وابن قدامة، وابن تيمية، وتقي الدين السبكي، والصنعاني، والشوكاني (¬2). • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن بيع الدين بالدين، لا يجوز] (¬3). وقال أيضا: [وأجمعوا على منع أن يجعل الرجل دينارا له على رجل سلما، في طعام، إلى أجل معلوم] (¬4). نقله عنه ابن قدامة، وشمس الدين ابن قدامة، وتقي الدين السبكي، وعبد الرحمن القاسم (¬5). ¬
• ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وأما الدين بالدين، فأجمع المسلمون على منعه] (¬1). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيع الكالئ بالكالئ، باطل] (¬2). • ابن القيم (751 هـ) يقول: [والكالئ: هو المؤخر الذي لم يقبض، كما لو أسلم شيئا في شيء في الذمة، وكلاهما مؤخر، فهذا لا يجوز، بالاتفاق] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" (¬5). • وجه الدلالة: أن معنى الكالئ بالكالئ في اللغة: النسيئة بالنسيئة وهي التأخير (¬6). وقد فسر الحديث نافع -وهو الراوي عن ابن عمر- ببيع الدين بالدين، فتدخل صورة المسألة في الحديث. الثاني: أن من شروط السلم قبض رأس مال السلم في مجلس العقد، وفي هذه الصورة لم يتحقق هذا الشرط.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
22] بطلان قدر من رأس مال السلم المستحق بعضه دون بعض
22] بطلان قدْرٍ من رأس مال السلم المستحق بعضه دون بعض: • المراد بالمسألة: إذا سلَّم المُسلِم المسلَم إليه رأس المال، ثم تبين أن بعضه مستحق لغيره لا يملكه المسلِم، ولم يجز من له بعض المال هذا التصرف من شريكه، فإنه ينقص من العقد بقدر القسط المستحق، ومثله لو تبين له عيب في رأس المال، كأن تكون الدراهم ستوقا -وهي: ما لحقها الغش حتى كان الصفر أو النحاس هو الغالب فيها (¬1) - ونحوها، فإن العقد يبطل في هذا الجزء، بإجماع العلماء، لا فرق في ذلك بين أن يكون رأس المال عينا أو دينا. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [فأما إذا وجد -المسلم إليه- بعضه -أي: رأس مال السلم- دون بعض، ففي الاستحقاق إذا لم يُجز المستحق، ينقص العقد بقدر المستحق، سواء كان رأس المال عينا أو دينا بلا خلاف؛ لأن القبض انتقص فيه بقدره، وكذا في الستوق والرصاص، فبطل العقد بقدره، قليلا كان أو كثيرا، بالإجماع] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية في المشهور عندهم، والشافعية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الثمن إذا تبيَّن أنه كان معينا، وثبت أنه مستحق، فقد اشترى بهذا البعض عينَ مالِ غيره بغير إذنه، وهو محرم؛ إذ هو من أكل أموال الناس بالباطل (¬4). ¬
23] تحريم السلم إذا كان رأس المال والمسلم فيه من الأثمان
الثاني: أن الثمن إذا كان موصوفا في الذمة، وثبت استحقاقه، فإنه لا يتمكن من قبضه في المجلس، وإذا تأخر عن قبضه في المجلس كان من باب بيع الدين بالدين، وهو محرم بالاتفاق. الثالث: أنه إذا تبين أن البعض فيه عيب، بان أنه غير ما وقع العقد عليه، وما لم يقع عليه العقد يكون غير مرضي عنه، والرضا لا بد منه من الطرفين (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: المالكية في قول عندهم، وقالوا: يصح السلم حتى وإن كان في مال السلم ما هو زائف (¬2). ولعلهم قاسوا هذه الحالة على بيوع الأعيان، فإنها تصح حتى وإن كان فيها ما هو زائف.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 23] تحريم السلم إذا كان رأس المال والمسلم فيه من الأثمان: • المراد بالمسألة: السلم فيه تعجيل لرأس المال وتأخير للمُسلم فيه، فإذا كانا كلاهما من جنس الأثمان، كالذهب والفضة، أو الدراهم والدنانير، فإن عقد السلم يكون محرما بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن رشد الجد (520 هـ) يقول: [وأما تسليم العين بعضه في بعض: الذهب في الفضة، أو الفضة في الذهب، أو الذهب في الذهب، أو الفضة في الفضة، فذلك لا يجوز بإجماع أهل العلم] (¬3). • الزيلعي (743 هـ) يقول: [وأما إذا أسلم الأثمان فيهما: كالدراهم في الدنانير، أو بالعكس، فلا يجوز بالإجماع] (¬4). • البابرتي (786 هـ) يقول: [إذا كان كلاهما من الأثمان، بأن أسلم عشرة في ¬
24] جواز السلم في شيئين مع عدم تبيين حصة كل منهما من رأس المال الذي لا يتعلق العقد بقدره
عشرة دراهم، أو في دنانير، فإنه لا يجوز بالإجماع] (¬1). • العيني (855 هـ) يقول: [أما لو أسلم عشرة دراهم في عشرة دنانير، لا يجوز بالإجماع] (¬2). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [أما الدراهم والدنانير، فإن أسلم فيها دراهم أو دنانير، فالاتفاق أنه باطل] (¬3). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [وأما إذا أسلم فيهما الأثمان، لم يجز إجماعا] (¬4). • ابن عابدين (1252 هـ) يقول: [قوله: (فلم يجز فيها السلم) لكن إذا كان رأس المال دراهم أو دنانير أيضا، كان العقد باطلا اتفاقا] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من المعقول، وهو: أن من شروط السلم تأخير المسلم فيه، وإذا كانا من جنس واحد كالنقدين مثلا، فلا يجوز النسأ والتأخير فيهما؛ لأن هذا هو عين الربا (¬7).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 24] جواز السلم في شيئين مع عدم تبيين حصة كل منهما من رأس المال الذي لا يتعلق العقد بقدره: • المراد بالمسألة: إذا كان رأس مال السلم جنسا واحدا مما لا يتعلق العقد بقدره ¬
-وهو الذي لا تنقسم أجزاء المسلم فيه على أجزائه- من المذروع أو العددي المتقارب، وكان المسلم فيه جنسين مختلفين، مثل: أن يجعله عشر كيلوات من الحنطة ومثلها من الشعير، ولا يبين حصة كل منهما من رأس المال، فإن الثمن جائز، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [ولو كان -أي: رأس مال السلم- جنسا واحدا، مما لا يتعلق العقد على قدره، كالثوب والعددي المتفاوت، فأسلمه في شيئين مختلفين، ولم يبين حصة كل واحد منهما من ثمن رأس المال، فالثمن جائز بالإجماع. ولو أسلم عشرة دراهم، في ثوبين جنسهما واحد، ونوعهما واحد، وصفتهما واحدة، وطولهما واحد، ولم يبين حصة كل واحد منهما من العشرة، فالسلم جائز بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية في رواية، والحنابلة في رواية أيضا (¬2). • مستند الإجماع: الأول: القياس على بيوع الأعيان: فكما أنه يجوز العقد على جنسين، فكذلك السلم على جنسين. الثاني: القياس على ما إذا بيَّن ثمن أحد الجنسين، ولم يبيِّن ثمن الآخر (¬3). الثالث: أن العقد قد توفرت أركانه وشروطه، وجهالة قدر الجنسين من رأس المال، لا تضر العقد شيئا؛ لأنها لا تفضي إلى النزاع غالبا. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في رواية، وهو المذهب عند الحنابلة، فقالوا: إذا أسلم في جنسين ثمنا واحدا، فإنه لا يجوز حتى يُبيِّن ثمن كل ¬
25] كون المسلم فيه موصوفا في الذمة
جنس (¬1). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: أن ما يقابل كل واحد من الجنسين مجهول، فلم يصح، كما لو عقد عليه مفردا بثمن مجهول. الثاني: أن فيه غررا؛ لأننا لا نأمن الفسخ بتعذر أحدهما، فلا يعرف بم يرجع؟ (¬2).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 25] كون المسلم فيه موصوفا في الذمة: • المراد بالمسألة: العقد إما أن يكون على معين محدد في العقد يراه المتعاقدان، وإما أن يكون على موصوف، محدد الصفات غير معيَّن، والمسلم فيه في عقد السلم لا بد وأن يكون على موصوف في الذمة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الطبري (310 هـ) يقول: [أجمع مجوزو السلم جميعا، أنه لا يجوز السلم إلا في موصوف، معلوم بالصفة] (¬3). • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن السلم الجائز: أن يسلم ¬
الرجل صاحبه في طعام معلوم، موصوف من طعام أرض لا يخطئ مثلها] (¬1). نقله عنه أبو عبد اللَّه القرطبي (¬2). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [الأمة مجتمعة على أن السلف لا يكون في شيء بعينه، وإنما التسليف في صفة معلومة] (¬3). ويقول أيضا: [ولم يختلفوا أنه لا يجوز السلم في شيء بعينه إلى أجل] (¬4). • الباجي (474 هـ) يقول: [وأما السلم: فلا بد أن يكون المسلم فيه موصوفا. . .، وهذا لا خلاف فيه] (¬5). نقله عنه المواق، وميارة (¬6). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [أما الشرط الأول: وهو أن يكون في الذمة. . .، وعلى ذلك اتفق الناس] (¬7). نقله عنه أبو عبد اللَّه القرطبي (¬8). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [ولم يختلفوا أن السلم لا يكون إلا في الذمة، وأنه لا يكون في معين] (¬9). • ابن عبد السلام الهوَّاري (749 هـ) يقول: [ولا أعلم في ذلك خلافا في أن ذلك من شرط حقيقة كونه مسلما] يقصد بهذا كونه موصوفا غير معين. نقله عنه الحطاب (¬10). • جلال الدين المحلي (¬11) (864 هـ) قال بعد أن ذكر في تعريف السلم أنه موصوف في الذمة: [هذه خاصته المتفق عليها] (¬12). نقله عنه ابن حجر الهيتمي، ¬
والشربيني، والرملي (¬1). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول بعد ذكر شرط أن يسلم في الذمة: [بالاتفاق] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن سلَّام -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إن بني فلان أسلموا -لقوم من اليهود- وإنهم قد جاعوا، فأخاف أن يرتدوا؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من عنده؟ " فقال رجل من اليهود: عندي كذا وكذا -لشيء قد سماه أراه قال: ثلاثمائة دينار- بسعر كذا وكذا، من حائط بني فلان. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بسعر كذا وكذا، إلى أجل كذا وكذا، وليس من حائط بني فلان" (¬4). الثاني: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: أسلم رجل في حديقة نخل في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل أن يطلع النخل، فلم يطلع النخل شيئا ذلك العام. فقال المشتري: هو لي حتى يطلع. وقال البائع: إنما بعتك النخل هذه السنة. فاختصما إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال للبائع: "أخذ من نخلك شيئا؟ " قال: لا. قال: "فبم تستحل ماله! ! اردد عليه ما أخذت منه، ولا تسلموا في نخل حتى يبدو صلاحه" (¬5). الثالث: أنه قد تعتريه آفة فتنتفي قدرة التسليم، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو بعت من ¬
26] منع السلم فيما لا يثبت في الذمة
أخيك ثمرا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ " (¬1)، وهذا يصدق على كل من السلم والبيع (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 26] منع السلم فيما لا يثبت في الذمة: • المراد بالمسألة: من شروط السلم أن يكون موصوفا في الذمة، فالذي لا يمكن أن يثبت في الذمة: كالدور والعقار، لا يصح السلم فيه، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [واتفقوا على امتناعه -أي: السلم- فيما لا يثبت في الذمة، وهو الدور والعقار] (¬3). نقله عنه ابن الشاط (¬4). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [واتفقوا على امتناعه فيما لا يثبت في الذمة، وهو الدور والعقار] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن شرط صحة السلم أن تُبيَّن صفاته التي تختلف بها الأغراض، ومن جملتها البقعة التي تكون الدار فيها، ومتى عُيِّنت البقعة كان ما فيها من الدار مُعيَّنا، والسلم في المعيَّن لا يصح (¬7). الثاني: أنه إذا ذكر موضع الدار أو العقار تعيَّنت ولم تكن في الذمة، ويكون السلم فيها كمن ابتاع من رجل دار فلان على أن يتخلَّصها منه، وربما لم يقدر على ¬
27] جواز تسمية مكان قبض المسلم فيه
أن يتخلَّصها منه، ومتى لم يقدر على ذلك رد إليه رأس ماله، فصار مرة بيعا ومرة سلفا، وذلك سلف جر نفعا (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 27] جواز تسمية مكان قبض المسلم فيه: • المراد بالمسألة: من المتقرر في السَّلم أن المُسلم فيه يكون متأخرا في العقد، وإذا ذُكِر في العقد مكان تسليمه وقبضه كان العقد جائزا، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن السلم الجائز: أن يسلم الرجل صاحبه في طعام معلوم، موصوف من طعام أرض لا يخطئ مثلها، بكيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم، ودنانير ودراهم معلومة، يدفع ثمن ما أسلم فيه قبل أن يتفرقا من مقامهما الذي تبايعا فيه، ويسمي المكان الذي يقبض فيه الطعام. . .] (¬2). نقله عنه أبو عبد اللَّه القرطبي (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل عقلي، وهو: ¬
28] عدم ذكر مكان إيفاء المسلم فيه الذي ليس لحمله مؤونة
أن تسمية مكان القبض أبعد عن الخصومة والمنازعة، ويكون المتعاقدان قد دخلا على بينة وبصيرة، وكلما ابتعد المتعاقدان عن أسباب الخصومة والمنازعة، كان ذلك أوفق لمقصود الشارع.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 28] عدم ذكر مكان إيفاء المسلم فيه الذي ليس لحمله مؤونة: • المراد بالمسألة: إذا تعاقد المتعاقدان عقد سلم، واتفقا على أن يكون المسلم فيه من الأشياء التي ليس لحملها مؤونة؛ كالمسك، والزعفران، وصغار اللؤلؤ، وأشباهها، إذا كان مقدارها يسيرا، فإنه لا يشترط ذكر مكان تسليم السلم، بإجماع العلماء. وضابط الذي ليس لحمله مؤونة: قيل: هو الذي لا يحتاج في حمله إلى ظهر وأجرة حمال، وقيل: هو الذي لو أَمر إنسانا بحمله إلى مجلس القضاء حمله مجانا، وقيل: ما يمكن رفعه بيد واحدة (¬1). وهذه ضوابط يمكن ردها إلى شيء واحد، وهو ما تعارف عليه الناس أنه سهل الحمل، ويتغافرون فيه الكلفة والمشقة بينهم. • من نقل الإجماع: • المرغيناني (¬2) (593 هـ) يقول: [وما لم يكن له حمل ومؤونة لا يحتاج فيه إلى بيان مكان الإيفاء، بالإجماع] (¬3). نقله عنه عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (¬4). • الزيلعي (743 هـ) يقول: [إن فيما لا حمل له ولا مؤونة؛ كالمسك، والزعفران، وما أشبههما لا يحتاج فيه إلى تعيين مكان الإيفاء، بالإجماع] (¬5). ¬
• البابرتي (786 هـ) يقول: [واتفقوا على أن بيان مكان الإيفاء فيه -أي: الذي ليس له حمل ولا مؤونة- ليس بشرط لصحة السلم] (¬1). • العيني (855 هـ) يقول: [اتفقوا على أن بيان مكان الإيفاء فيه -أي: الذي ليس له حمل ولا مؤونة- ليس بشرط لصحة السلم] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية على المشهور عندهم، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم، إلى أجل معلوم" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يذكر مكان الوفاء، ولو كان شرطا لبيَّنه لهم، فدل على أن الأصل عدم اشتراطه (¬5). الثاني: أن مالية ما ليس لحمله مؤونة لا تختلف باختلاف الأماكن، فلا يؤثر عدم تحديد مكان وفائه بالعقد (¬6). الثالث: أن من اشترط بيان مكان الوفاء فيما لحمله مؤونة إنما اشترطه؛ لأن عدمه مظنة لوجود النزاع، وحدوث الضرر عليه، وهذا منتف فيما ليس لحمله مؤونة، لسهولة أخذه ونقله، وعدم لحاق الضرر باستلامه في أي مكان. • المخالفون للإجماع: ¬
29] صحة السلم الذي وجد فيه المسلم فيه من العقد إلى حلول الأجل
اختلف العلماء في المسألة على قولين، هما: القول الأول: أن ذكر مكان الإيفاء شرط في السلم، لا فرق بين ما لحمله مؤونة، وما ليس كذلك. وهذا رواية عند الشافعية (¬1). واستدل هؤلاء: بأن الجهالة في ذكر مكان الإيفاء تفضي إلى المنازعة والمخاصمة، والشارع منع هذا وسد أبوابه، حتى لا يقع الشقاق والنفرة بين المتعاقدين. القول الثاني: لا يشترط ذكر مكان الإيفاء، إلا أن يكون العقد في موضع لا يمكن الوفاء به: كالبرية والبحرية ودار الحرب وأشباهها. وهذا قول الحنابلة (¬2). واستدل هؤلاء: بأنه إذا كان في برية ونحوها لم يمكنه التسليم في مكان العقد، فإذا ترك ذكره كان مجهولا، وإن لم يكونا في هذه الأماكن فإن العقد يقتضي التسليم في مكانه، فاكتفي بذلك عن ذكره (¬3).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 29] صحة السلم الذي وجد فيه المسلم فيه من العقد إلى حلول الأجل: • المراد بالمسألة: إذا أسلم الرجل في طعام موصوف، وكان السعر معلوما والأجل محددا، ولم يكن زرعا أو ثمرا لم يبد صلاحهما، وكان الطعام المسلم فيه موجودا في متناول أيدي الناس، منتشرا في أسواقهم، من حين العقد، وعلم أنه يبقى على ذلك الوصف إلى حلول الأجل فإن هذا صحيح لا إشكال فيه، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [واتفق الفقهاء على ذلك -يقصد سلم الرجل، في الطعام الموصوف، بسعر معلوم، إلى أجل مسمى، ما لم يكن في زرع أو ثمر ¬
لم يبد صلاحهما- إذا كان المسلم فيه، موجودا في أيدي الناس، من وقت العقد إلى حلول الأجل] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من السنة، وهو: ما جاء عن عبد اللَّه بن سلام -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إن بني فلان أسلموا -لقوم من اليهود- وإنهم قد جاعوا، فأخاف أن يرتدوا! فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من عنده؟ " فقال رجل من اليهود: عندي كذا وكذا -لشيء قد سماه أراه قال: ثلاثمائة دينار- بسعر كذا وكذا، من حائط بني فلان. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بسعر كذا وكذا، إلى أجل كذا وكذا، وليس من حائط بني فلان" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى الرجل اليهودي أن يحدد حائطًا معينا يُسلِم منه المسلم فيه؛ لأنه ربما تقع عليه الجائحة فيفسد، كل هذا من أجل أن يكون المسلم فيه مما يمكن وجوده حين بلوغ الأجل، فإذا كان المسلم فيه موجودا من حين العقد إلى بلوغ الأجل كان ذلك أحوط وأبلغ في تحقق الوجود، وأبعد عن الوقوع في الغرر.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
30] تحريم بيع المسلم فيه قبل قبضه
30] تحريم بيع المسلم فيه قبل قبضه: • المراد بالمسألة: إذا أراد مستحق المسلم فيه، أو رأس مال السلم، أن يبيع نصيبه قبل أن يقبضه، سواء كان البيع على من هو عليه، أو على غيره، وسواء كان قبل حلول الأجل أو بعده، فإن ذلك محرم لا يجوز، بإجماع الفقهاء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [أما بيع المسلم فيه قبل قبضه، فلا نعلم في تحريمه خلافا] (¬1). نقله عنه البهوتي، وعبد الرحمن القاسم (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [لا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه، بغير خلاف علمناه] (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [(ولا يجوز التصرف في رأس مال السلم، والمسلم فيه، قبل القبض) هذا باتفاق الفقهاء] (¬4). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ): [ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه، بغير خلاف نعلمه] (¬5). نقله عنه البهوتي (¬6). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [ولا يصح بيع المسلم فيه على غير من هو عليه قبل قبضه، إجماعا] (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬8). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ابتاع طعاما، فلا يبعه حتى يقبضه" (¬1). • وجه الدلالة: أن السلم لون من ألوان البيع، فيأخذ حكمه، ويدخل في عموم الحديث. الثاني: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك" (¬2). • وجه الدلالة: أن من باع المسلم فيه، أو رأس مال السلم قبل القبض، يكون قد باع ما لم يدخل في ضمانه، وهو ممنوع بنص الحديث. الثالث: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أسلف في شيء، فلا يصرفه إلى غيره" (¬3). • وجه الدلالة: أن بيع المسلم فيه، ورأس مال السلم قبل القبض، يعد صرفا للسلم إلى غيره، فيمنع منه. • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين، هما: القول الأول: يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه، لكن بشرط أن يكون بقدر قيمته ¬
أو أقل، وأن يكون الثمن حالًّا. قال به ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها: ابن تيمية، وابن القيم (¬1). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: القياس على الثمن في المبيع، قال ابن تيمية: [والدليل على ذلك: أن الثمن يجوز الاعتياض عنه قبل قبضه بالسنة الثابتة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ابن عمر: كنا نبيع الإبل بالنقيع -والنقيع بالنون هو: سوق المدينة، والبقيع بالباء هو مقبرتها (¬2) - قال: كنا نبيع بالذهب، ونقضي الورق، ونبيع بالورق، ونقضي الذهب. فسألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك. فقال: "لا بأس إذا كان بسعر يومه، إذا تفرقتما وليس بينكما شيء" (¬3). فقد جوَّز النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يعتاضوا عن الدين الذي هو الثمن بغيره، مع أن الثمن مضمون على المشتري لم ينتقل إلى ضمان البائع، فكذلك المبيع الذي هو دين السلم، يجوز بيعه، وإن كان مضمونا على البائع لم ينتقل إلى ضمان المشتري] (¬4). الثاني: أما الاستدلال على أن يكون بقدر قيمته أو أقل منها: فهو من أجل ألَّا ¬
31] رد مال من أسلم من الذميين الذين وقع السلم بينهما على عين محرمة
يربح فيما لا يضمن، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن ربح ما لم يضمن (¬1). القول الثاني: يجوز بيع رأس مال السلم قبل القبض، إذا فسخ العقد. قال به الحنابلة في رواية عندهم، اختارها القاضي أبو يعلى وابن عقيل (¬2). ولعلهم يستدلون: بأن رأس المال بعد الفسخ لم يَعُد مستحقا لأجنبي، وعاد ملكه لصاحبه، فجاز له التصرف فيه بما شاء.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 31] رد مال من أسلم من الذميين الذَين وقع السلم بينهما على عين محرمة: • المراد بالمسألة: إذا أَسلَم النصراني إلى نصرانيٍّ مثله، أو غيره من أهل الذمة عشرة أرطال من الخمر بعد ستة أشهر، بمائة ريال يستلمها منه في مجلس العقد، ثم بعد العقد وقبل مضي المدة أسلم أحدهما أو كلاهما، فعلى الذي أسلم أن يأخذ ماله، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن النصراني إذا أسلم إلى النصراني في الخمر، ثم أسلم أحدهما، أن الذي أسلم يأخذ دراهمه] (¬3). نقله عنه ابن قدامة، وابن القطان، وشمس الدين ابن قدامة، وبرهان الدين ابن مفلح (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
32] عدم صحة السلم الذي أبطل فيه الخيار بعد هلاك السلعة أو استهلاكها
الأول: من شروط السلم: أن يكون مالا متقوما يُنتفع به شرعا، والخمر ليست كذلك، وأهل الذمة يُقرُّون على بيعها بينهم، فإذا أسلم أحدهما أو كلاهما، فإنه تذهب مالية الخمر التي أُسلم عليها، ويبطل السلم، ويُلزم حينئذ برد رأس المال. الثاني: القياس على البيع: فكما أنه لا يجوز العقد على العين المحرمة ابتداء، فلأن يكون التحريم إذا كانت مملوكة بالعقد دينًا من باب أولى. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الليث، وقال: إذا أسلم المشتري، أُخِذ منه قيمة الخمر يوم تقاضاه، فإن كانت القيمة أقل من رأس المال أخذ ذلك رهنًا، وإن كانت القيمة أكثر من رأس المال أعطي تلك القيمة، ولم يعط المسلم أكثر من رأس المال (¬1). فهو يوافق العلماء على أن السلم يرد، لكن يخالفهم في كيفية الرد، ولم أجد دليلًا يستدل به على قوله. وكذلك لم أجد من وافقه على هذا القول، فإن ثبت عنه فهو قول شاذ لا يعتد به.Rصحة الإجماع في المسألة، وذلك لشذوذ القول المخالف فيها. 32] عدم صحة السلم الذي أُبطل فيه الخيار بعد هلاك السلعة أو استهلاكها: • المراد بالمسألة: من المتقرر أن خيار الشرط لا يصح في السلم، ويبطل العقد معه، فإذا شرطه أحد المتعاقدين، ثم نقضه قبل افتراقهما، وتبيَّن أن رأس مال السلم قد تلف أو استهلك، فإن العقد يبقى غير صحيح، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [لو أبطل صاحب الخيار خياره قبل الافتراق بأبدانهما، ورأس المال. . . كان هالكًا، أو مستهلكًا، لا ينقلب -أي: العقد- إلى الجواز، بالإجماع] (¬2). ¬
• العيني (855 هـ) يقول: [(ولو أسقط خيار الشرط قبل الافتراق، ورأس مال السلم قائم، جاز) السلم عندنا، وإنما قيد يكون رأس المال قائمًا؛ لأنه إذا أسقط خياره بعد هلاك رأس المال في يد المسلم إليه، وإنفاقه، لا يعود المسلم جائزًا، بالإجماع] (¬1). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [(ولو أسقط خيار الشرط قبل الافتراق، ورأس مال السلم قائم، جاز) المسلم (خلافًا لزفر) وإنما قيد بقيام رأس المال؛ لأنهما لو أسقطاه بعد إنفاقه، أو استهلاكه، لا يعود صحيحا، اتفاقا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن رأس المال في حال الهلاك أو الاستهلاك يتعذر تسليمه في مجلس العقد، فيصبح دينًا على المسلم إليه، والسلم لا ينعقد برأس مال دين؛ لأنه يصبح حينئذ من باب بيع الدين بالدين، المتفق على تحريمه (¬4). الثاني: أن معنى السلم ينتقض في هذه الحالة؛ إذ معناه في لغة الشارع هو أن يعطي شيئًا في شيء، فمن لم يدفع ما أسلف أو تعذر عليه، فإنه لم يسلف شيئًا، لكن وعد بأن يسلف (¬5). ¬
33] جواز الإقالة في السلم
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 33] جواز الإقالة في السلم: • المراد بالمسألة: إذا أقاله في جميع المُسْلَم فيه، وكان بمثل ما أَسْلم له من غير زيادة ولا نقصان، فإن هذا جائز بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن الإقالة في جميع ما أسلم فيه المرء جائزة] (¬1). نقله عنه ابن قدامة، وابن رجب، وبرهان الدين ابن مفلح، والبهوتي، وعبد الرحمن القاسم (¬2). • الطحاوي (321 هـ) يقول: [لا خلاف في جواز الإقالة في السلم] (¬3). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [ولم يختلف العلماء أنه إذا أقاله في جميع السلم، وأخذ منه رأس ماله في حين الإقالة، فإنه جائز] (¬4). ويقول أيضًا: [وقد أجمعوا أنه لو لم يستقل لم يجز له صرف رأس المال في غيره، كما لا يجوز له صرف رأس ماله في دراهم أو دنانير أكثر منها] (¬5). ويقول: [قد أجمعوا أن الإقالة بيع جائز في السلف برأس المال. . .، فدل على أنها فسخ بيع، ما لم تكن فيها زيادة أو نقصان] (¬6). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [ودين السلم تجوز الإقالة فيه، بلا نزاع] (¬7). • ابن القيم (751 هـ) يقول: [فدين السلم تجوز الإقالة فيه، بلا نزاع] (¬8). • التهانوي (¬9) (1394 هـ) يقول: [وجواز الإقالة في كل المسلم فيه متفق عليه ¬
بين فقهاء الأمصار] (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أقال مسلمًا أقاله اللَّه عثرته" وفي رواية: "من أقال نادما بيعته. . . " (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حث على الإقالة ورغَّب فيها على وجه العموم، وهي من محاسن الأخلاق ومكارم العادات، فيدخل في ذلك السلم وغيره من العقود. الثاني: أن الحق لهما، فجاز لهما الرضا بإسقاطه؛ إذ الإقالة فسخ للعقد ورفع له من أصله (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في رواية هي المذهب، وابن حزم من الظاهرية، وقالوا: لا تجوز الإقالة في السلم (¬4). واستدل هؤلاء: بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع ما لم يقبض، والإقالة بيع، فلا تصح في السلم لعدم القبض (¬5). أما ابن حزم فيمكن إجمال كلامه في النقاط التالية: 1) الإجماع لم يقع على جواز السلم، فكيف بالإقالة فيه. 2) ذكَر جملة من الصحابة والتابعين ممن يرون المنع من أخذ بعض السلم والإقالة في بعض. 3) وحجته في إنكار الإجماع: عدم استقراء أقوال الصحابة والتابعين حتى يعلم ¬
قولهم في المسألة. 4) وعلى التسليم بوجود الاستقراء لأقوالهم، فإن من الجن من هم من الصحابة، فهل وقفوا على أقوالهم؟ 5) صح عن ابن عباس ما يدل على المنع من الإقالة في السلم، حيث يقول: [إذا أسلفت في شيء إلى أجل مسمى، فجاء ذلك الأجل، ولم تجد الذي أسلفت فيه: فخذ عرضا بأنقص ولا تربح مرتين] ولم يُفْت بالإقالة. ويمكن الإجابة عن كلامه بما يلي: 1) أن هذه دعوى عارية عن الصحة، فالإجماع قد صح على جواز الإقالة مطلقا كما سبق، بل إن ابن حزم نفسه حكى الاتفاق في المسألة (¬1). 2) هناك فرق بين جواز الإقالة في بعض السلم والمنع من بعض وبين مسألتنا، فالمسألة الأولى قد وقع الخلاف فيها بين العلماء، بخلاف الثانية فلم يقع الخلاف فيها، ثم إن المسألة الأولى من منع منها قال بأن السلم في الغالب يزاد فيه في الثمن من أجل التأجيل، فإذا أقاله في البعض، بقي البعض بالباقي من الثمن وبمنفعة الجزء الذي حصلت الإقالة فيه، فلذا منع منه لأجل ذلك، كما لو كان هذا شرطا في ابتداء العقد، بخلاف الإقالة في جميع السلم فإنه مشروط بعدم الزيادة فيه. ولذا عد التهانوي هذا الاستدلال من ابن حزم بأنه ليس من الفقه في شيء (¬2). 3) ثم إنه لا يشترط أن يسأل كل صحابي من الصحابة، وكذا التابعين عن قولهم في المسألة حتى تصح حكاية الإجماع فيها. 4) ولم يقل أحد من العلماء بالاعتداد بقول أحد من الجن الذين أسلموا في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولازم هذا القول عدم صحة أي إجماع في الدين؛ لأنه لا بد من النظر في أقوال الجن في كل زمان، وهذا متعذر ولم يقل به أحد من العلماء. 5) أما أثر ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- فكونه لم يفت بالإقالة هنا، لا يعني بحال أنه يقول ¬
بالمنع منها. 6) وابن حزم يقول بجواز أن يبرئه من السلم، سواء كان بأقل من المسلم فيه أو أكثر منه، فالخلاف بينه وبين سائر العلماء لفظي في هذا.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. * * *
الباب الثالث: مسائل الإجماع في كتاب الإجارة
الباب الثالث: مسائل الإجماع في كتاب الإجارة 1] مشروعية الإجارة: • المراد بالمسألة: الإجارة في اللغة: هي الكِراء على العمل (¬1). • وفي الاصطلاح: عقد على تمليك المنفعة بعوض، سواء أكان العوض عينًا، أو دينًا، أو منفعة (¬2). ويراد بالمسألة: أن الإجارة -التي هي تمليك للمنفعة- جائزة ومشروعة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الشافعي (204 هـ) يقول لمَّا ذكر الأدلة على الإجارة: [ولا يختلف أهل العلم ببلدنا علمناه في إجازتها، وعوام فقهاء الأمصار] (¬3). • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن الإجارة ثابتة]. ويقول أيضًا: [واتفق على إجازتها كل من نحفظ عنه قوله من علماء الأمة] (¬4). ونقل عبارته الثانية ابن القطان، والبهوتي، وعبد الرحمن القاسم (¬5). ¬
• القاضي عبد الوهاب (422 هـ) يقول: [جواز الإجارة في الجملة مجمع عليه، إلا ما يحكى عن ابن عُليَّة (¬1) والأصم (¬2)، وهؤلاء لا يَعُدُّ أهل العلم خلافهم خلافًا] (¬3). • العمراني (558 هـ) يقول: [ودليلنا: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس] (¬4). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [اتفقوا على أن الإجارة من العقود الجائزة الشرعية] (¬5). • الكاساني (587 هـ) يقول: [وأما الإجماع: فإن الأمة أجمعت على ذلك قبل وجود الأصم، حيث يعقدون عقد الإجارة من زمن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- إلى يومنا هذا من غير نكير، فلا يُعبَأ بخلافه؛ إذ هو خلاف الإجماع] (¬6). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [الإجارة جائزة عند جميع فقهاء الأمصار، والصدر الأول، وحُكي عن الأصم وابن علية منعها] (¬7). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وأجمع أهل العلم في كل عصر، وكل مصر، على جواز الإجارة] (¬8). ¬
• المجد ابن تيمية (¬1) (652 هـ) يقول: [وبالإجماع تجوز الإجارة] (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [الأصل في جوازها: الكتاب، والسنة، والإجماع. . .، وأجمع أهل العلم في كل عصر على جواز الإجارة] (¬3). • الزيلعي (743 هـ) يقول: [وهي جائزة، بإجماع الأمة] (¬4). • ابن عرفة (803 هـ) يقول: [وهي جائزة إجماعا]. نقله عنه الحطاب (¬5). • أبو زرعة العراقي (826 هـ) يقول: [وانعقد عليها -أي: الإجارة - الإجماع] (¬6). • زكريا الأنصاري (926 هـ) يقول: [والأصل فيها قبل الإجماع. . .] (¬7). • ابن نجيم (970 هـ) يقول: [وهي مشروعة بالكتاب. . .، والسنة. . .، والإجماع] (¬8). • الهيتمي (974 هـ) يقول: [والأصل فيها قبل الإجماع. . .] (¬9). • الشربيني (977 هـ) يقول: [والأصل فيها قبل الإجماع. . .] (¬10). ¬
قاضي زاده (¬1) (988 هـ) يقول: [وكذا إجماع الأمة أيضًا دليل عليها] (¬2). • الرملي (1004 هـ) يقول: [والأصل فيها قبل الإجماع. . .] (¬3). • البهوتي (1051 هـ) يقول: [وهي ثابتة بالإجماع] (¬4). • عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول: [وعليه انعقد الإجماع، وقد جرى به التعامل في الأعصار بلا نكير] (¬5). • الطُّوري (¬6) (كان حيا: 1138 هـ) يقول: [وأما دليلها من الكتاب. . .، ومن السنة. . .، ومن الإجماع، فإن الأمة أجمعت على جوازها] (¬7). • الرحيباني (1243 هـ) يقول: [وهي ثابتة بالإجماع] (¬8). • على حيدر (1353 هـ) يقول: [وأما إجماع الأمة: فقد انعقد في كل عصر على صحة الإجارة] (¬9). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول بعد ذكر تعريفها: [وهي جائزة بالكتاب، والسنة، والإجماع] (¬10). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال اللَّه جل جلاله: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أجاز الإجارة على الرضاع، والرضاع يختلف لكثرة رضاع المولود وقلته، وكثرة اللبن وقلته، ولكن لما لم يوجد فيه إلا هذا جازت الإجارة عليه، وإذا جازت عليه جازت على مثله، وما هو في مثل معناه، وأحرى أن يكون أَبين منه (¬2). الثاني: قال اللَّه عز وجل: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} (¬3). • وجه الدلالة: أن نبي اللَّه موسى عليه السلام آجر نفسه هذه المدة عند الرجل الصالح بأجر معلوم، فدل على مشروعية الإجارة، وهو وإن كان في شرع من قبلنا، إلا أن شرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يأت في شرعنا ما يخالفه (¬4). الثالث: من السنة: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "استأجر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر رجلًا من بني الدِيْل (¬5)، ثم من بني عبد بن عدي (¬6) هاديا خريتا -الخريت: الماهر بالهداية (¬7) - قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل، وهو على دين كفار قريش، فأَمِناه فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما ¬
2] محل الإجارة المنافع
براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث، فارتحلا، وانطلق معهما عامر بن فهيرة (¬1)، والدليل الديلي، فأخذ بهم أسفل مكة، وهو طريق الساحل" (¬2). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الأصم وابن علية، وقالا بعدم جوازها (¬3). واستدل هؤلاء بدليل عقلي، وهو: أن الإجارة بيع المنفعة، والمنافع حال العقد معدومة، والمعدوم لا يجوز إيقاع العقد عليه؛ إذ هو غرر، وأكل للمال بالباطل (¬4). وهما ممن لا يعتد أهل العلم بخلافهما؛ إذ هما من المعتزلة، ولهم شذوذات لا يوافقون عليها.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم الاعتداد بهذا الخلاف؛ لمخالفته للنصوص الصريحة، وانعقاده قبل وجودهما. 2] محل الإجارة المنافع: • المراد بالمسألة: العقد في الإجارة يقع على منفعة العين، وليس على ذات الرقبة وهي العين، باتفاق الفقهاء. • من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) لما ذكر حكم بيع الكلأ وإجارته بيَّن العلة من النهي عن إجارته فقال: [. . . محل الإجارة المنافع لا الأعيان، باتفاق الفقهاء] (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن المعقود عليه هو المستوفى بالعقد، والمستوفى هو المنافع دون الأعيان. الثاني: أن الأجر المبذول إنما هو في مقابلة المنفعة، ولهذا كانت هي المضمونة في حال التلف دون العين، وما كان العوض في مقابلته، فهو المعقود عليه (¬2). الثالث: أنه لو كان العقد على العين لأصبحت بيعا وليست إجارة، وهذا هو الذي يميِّزها عن البيع. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: أبو إسحاق من الشافعية، فقال: إن العقد يتناول العين كما يتناول المنفعة، واختار هذا القول ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقالوا: إن العقد في الإجارة يكون على كل ما يتجدد ويحدث ويستخلف بدله مع بقاء العين، سواء كان عينا أو منفعة (¬3). واستدلوا بعدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (¬4). ¬
3] معرفة المنفعة والأجرة في الإجارة
• وجه الدلالة: أن اللَّه أباح إجارة الظئر، بل ليس في القرآن إجارة منصوصة غيرها، وقد أجمع العلماء عليها، وهي إجارة عين تستوفى مع بقاء أصلها (¬1). الثاني: جاء عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه قبَّل حديقة أسيد بن حضير ثلاث سنين وأخذ الأجرة فقضى بها دينه (¬2). قال ابن القيم: [والحديقة: هي النخل، فهذه إجارة الشجر لأخذ ثمرها، وهو مذهب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، ولا يعلم له في الصحابة مخالف، واختاره أبو الوفاء ابن عقيل من أصحاب أحمد، واختيار شيخنا] (¬3). والثمرة عين وليست منفعة.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 3] معرفة المنفعة والأجرة في الإجارة: • المراد بالمسألة: إذا أراد المستأجر أن يستأجر دارا، وكانت معروفة له، سواء كانت المعرفة بالرؤية أو بالوصف المنضبط، وحُددت مدة الإجارة، بالأيام، أو بالأشهر، أو بالسنين، والأجرة محددة كذلك، سواء كان منصوصًا عليها في العقد، أم متعارفًا عليها، فإن الإجارة صحيحة، بل لا تصح إلا بذكرهما، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إجازة أن يكتري الرجل من الرجل دارا معلومة قد عرفاها، وقتا معلوما، بأجر معلوم] (¬4). نقله عنه ابن القطان (¬5). ¬
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [يشترط في عوض الإجارة كونه معلوما، لا نعلم في ذلك خلافا] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [الذي لا يجوز عند الجميع أن تكون المدة مجهولة، والعمل مجهولا غير معهود، لا يجوز حتى يعلم] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [(معرفة الأجرة بما يحصل به معرفة الثمن) قياسا عليه، ولا نعلم في ذلك خلافا] (¬4). • العيني (855 هـ) يقول: [(ولا تصح حتى تكون المنافع معلومة، والأجرة معلومة) وهذان لا خلاف فيهما] (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن استئجار الأجير حتى يُبيِّن له أجره" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر المؤجر أن يبلغ الأجير أجره، ولو كان غير واجبٍ ذكر الأجرة في العقد، لما أمره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك. الثاني: القياس على البيع: فكما أنه يشترط معرفة العين والثمن في البيع، فكذلك في الإجارة؛ إذ هي نوع من أنواع البيع (¬7). الثالث: أن الجهالة في المنفعة والأجرة مفضية إلى المنازعة التي تمنع من التسليم والتسلم، فلا يحصل المقصود من العقد، فكان العقد عبثا لخلوه عن ¬
4] صحة الإجارة على حمل الصبرة
العاقبة الحميدة (¬1). • المخالفون للإجماع: لم يقع خلاف في أصل المسألة، لكن خالف في العلم بالعوض في الإجارة بعض العلماء، فلم يجعلوه شرطا من الشروط، فأجازوا إجارة المجهولات، وقد نسب ابن عبد البر هذا القول لبعض السلف من دون تسمية، وكذا الظاهرية (¬2). واستدل هؤلاء: بالقياس على القراض والمساقاة، فإن الجهالة واقعة في تحديد عوضها، فكذلك الإجارة، بجامع المعاوضة في هذه العقود (¬3). وهذا القول مخالف لقواعد الشريعة وأصولها العامة؛ إذ الإجارة لون من ألوان البيع فهي بيع للمنفعة، وإلحاقها به أقرب من إلحاقها بغيره، والقائلون بهذا القول -عدا الظاهرية- غير معروفين، وهذا يدل على هجران القول وعدم الاعتداد به.Rصحة الإجماع على أن من شروط الإجارة الصحيحة: العلم بالمنفعة المؤجرة والأجرة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 4] صحة الإجارة على حمل الصبرة: • المراد بالمسألة: إذا استأجر العاقد رجلًا على أن يحمل له هذه الصبرة -وهي: الكومة المجموعة من الطعام التي لا يعلم كيلها ولا وزنها ولا عددها (¬4) - وكانت مرئية بين يديه، إلى مكان محدد حدده له، فإن العقد صحيح، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [قال: استأجرتك لتحمل لي هذه الصبرة إلى مصر بعشرة، فالإجارة صحيحة، بغير خلاف نعلمه] (¬5). ¬
5] صحة استئجار الراعي على الرعي
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [أن يقول: استأجرتك لحمل هذه الصبرة إلى مصر بعشرة، فالإجارة صحيحة، بغير خلاف نعلمه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على بيع الصبرة المرئية بين يديه: فكما أنه يجوز بيعها، فكذلك يجوز الإجارة عليها، بجامع أن كلا منهما معلوم بالمشاهدة (¬3). الثاني: أن من طرق العلم بالمنفعة مشاهدة المستأجر لها، فإذا شاهد المنفعة وكان على علم بالمكان الذي سينقلها إليه صحت الإجارة، كما هو الحال في الصبرة معنا (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 5] صحة استئجار الراعي على الرعي: • المراد بالمسألة: الراعي الذي يرعى الغنم، إذا استؤجر على رعيها، مدة معلومة، وكانت الأجرة معلومة، وعدد الغنم معلوم، صحت الإجارة بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [لا نعلم خلافًا في صحة استئجار الراعي] (¬5). نقله عنه الرحيباني (¬6). ¬
• أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [أجمع العلماء على أنه جائز أن يستأجر الراعي، شهورا معلومة، بأجرة معلومة، لرعاية غنم معدودة] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [يصح استئجار الراعي، بغير خلاف علمناه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} (¬4). • وجه الدلالة: من المعلوم أن نبي اللَّه موسى عليه السلام قد آجر نفسه على رعي الغنم، وشرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يأت في شرعنا ما يخالفه (¬5). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما بعث اللَّه نبيا إلا رعى الغنم" فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: "نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجر نفسه على قراريط معلومة، في رعي الأغنام. ¬
6] جواز الاستئجار على الختان والمداواة وقطع السلعة
الثالث: أن هذا لون من ألوان الإجارة التي منفعتها معلومة، فصح الاستئجار عليها.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 6] جواز الاستئجار على الختان والمداواة وقطع السلعة: • المراد بالمسألة: إذا استأجر من يختن له ولده في وقت مناسب يغلب على الظن عدم وقوع الضرر فيه، أو كان على مداواة مريض ممن يتقن التمريض، أو على قطع سلعة (¬1) من جسده، فإن الإجارة على مثل هذه الأمور جائزة، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ويجوز الاستئجار على الختان، والمداواة، وقطع السلعة، لا نعلم فيه خلافًا] (¬2). • النفرواي (1125 هـ) يقول: [وأما الاستئجار على المداواة في زمن المرض فعلى ثلاثة أقسام: قسم يجوز باتفاق: وهو استئجاره على مداواته مدة معلومة، بأجرة معلومة] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن هذه الأفعال يحتاج إليها، وهي مما أُذِن فيها شرعا، فجاز الاستئجار ¬
7] جواز الإجارة على حصاد الزرع
عليها، كسائر الأفعال المباحة (¬1). الثاني: أنها أعمال محددة، ومنفعتها معلومة، فجاز الاستئجار عليها. الثالث: أن هذه الأعمال ليس كل الناس يتقنها، وهم محتاجون لها في كل زمان ومكان، والشارع لا يمنع مثل هذا فيلحق المشقة والعنت بهم، ثم هي من الأمور الظاهرة المشهورة، ولم يظهر إنكار أحد من العلماء لها.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 7] جواز الإجارة على حصاد الزرع: • المراد بالمسألة: إذا تعاقد المتعاقدان على أن يستأجر أحدهما الآخر على أن يحصد له زرعه، فإن العقد جائز، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [يجوز أن يستأجر لحصاد زرعه، ولا نعلم فيه خلافًا بين أهل العلم] (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [يجوز أن يستأجر لحصاد زرعه، لا نعلم فيه خلافًا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬4). ¬
8] جواز استئجار الحجام لغير الحجامة
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على البيع: فكما أنه يجوز له أن يبيع زرعه، فكذلك يجوز له الاستئجار على حصاده، بجامع أن كلا منهما يشترط فيه العلم بالمعقود عليه. الثاني: أن هذه إجارة صحيحة، قد علمت منفعتها، وتوفرت فيها بقية الشروط والأركان، فصح العقد عليها.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 8] جواز استئجار الحجَّام لغير الحجامة: • المراد بالمسألة: الحجام كسبه خبيث ودنيء، فإذا استؤجر على غير الحجامة، كالفصد، وحلق الشعر، وتقصيره، والختان، ونحوها من المنافع المباحة، فإن ذلك جائز، بغير خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [فأما استئجار الحجام لغير الحجامة: كالفصد، وحلق الشعر، وتقصيره، والختان، وقطع شيء من الجسد للحاجة إليه، فجائز. . .، بغير خلاف] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [فأما استئجار الحجام لغير الحجامة: كالفصد، وحلق الشعر، وتقصيره، والختان، وقطع شيء من الجسد للحاجة إليه، فجائز. . .، بغير خلاف] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). ¬
9] جواز استئجار الآدمي
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن رافع بن خديج -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث" (¬1). • وجه الدلالة: أن المقصود بكسب الحجام ما يكتسبه من الحجامة نفسها، فدل بالمفهوم على جواز كسبه من غير الحجامة. الثاني: أن ما عدا الحجامة أمور تدعو الحاجة إليها، وهي منافع مباحة، فجازت الإجارة فيها، وأخذ الأجر عليها، كسائر المنافع المباحة (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 9] جواز استئجار الآدمي: • المراد بالمسألة: من استأجر حرا، أو عبدا من سيده، للعمل بأجرة مسماة، سواء كان لعمل معين في مدة معينة، أو لعمل في الذمة، فذلك جائز إذا توفرت شروط الإجارة، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [يجوز استئجار الآدمي، بغير خلاف بين أهل العلم] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [لا خلاف بين أهل العلم، في جواز استئجار الآدمي] (¬4). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [يجوز للآدمي أن يؤجر نفسه، بغير خلاف] (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "استأجر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر رجلًا من بني الدِيْل، ثم من بني عبد بن عدي، هاديًّا خريتا -الخريت: الماهر بالهداية- قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل، وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث، فارتحلا، وانطلق معهما عامر بن فهيرة، والدليل الديلي، فأخذ بهم أسفل مكّة، وهو طريق الساحل" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبا بكر -رضي اللَّه عنه- استأجرا هذا الرجل ليدلهما الطريق، فدل على جواز استئجار الآدمي. الثاني: عن يعلى ابن مُنْية (¬3) -رضي اللَّه عنه- قال: آذن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالغزو، وأنا شيخ كبير، ليس لي خادم، فالتمست أجيرا يكفيني، وأُجْري له سهمه، فوجدت رجلًا، فلما دنا الرحيل أتاني، فقال: ما أدري ما السهمان، وما يبلغ سهمي! فسم لي شيئًا، كان السهم أو لم يكن؟ فسميت له ثلاثة دنانير، فلما حضرت غنيمته، أردت أن أُجري له سهمه، فذكرت الدنانير، فجئت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرت له أمره، فقال: "ما ¬
10] جواز استئجار الدواب مع تقدير العمل
أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقر يعلى على استئجاره الرجل على الخدمة، وبيَّن أن للرجل أجرته، فدل هذا على الجواز. الثالث: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "أصاب نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خصاصة، فبلغ ذلك عليا، فخرج يلتمس عملا يصيب فيه شيئًا ليقِيت به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتى بستانا لرجل من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلوا، كل دلو بتمرة، فخيَّره اليهودي من تمره سبع عشرة عجوة، فجاء بها إلى نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬2). وجه الدلالة: أن عليا أجر نفسه على اليهودي، وأقره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ذلك.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 10] جواز استئجار الدواب مع تقدير العمل: • المراد بالمسألة: إذا استأجر دابة من الدواب، وأراد السفر عليها إلى بلد معين حدده حين العقد، سواء كان مكة أو غيرها، فإن العقد جائز بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [أجمع أهل العلم على إجازة كراء الإبل إلى مكة وغيرها] (¬3). ¬
• أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [وما ملكه الإنسان، وجاز له تسخيره من الحيوان، فكراؤه له جائز بإجماع أهل العلم، لا اختلاف بينهم في ذلك. . .، لا خلاف بين العلماء في اكتراء الدواب والرواحل للحمل عليها والسفر بها] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [لا خلاف بين أهل العلم في جواز كراء الإبل وغيرها من الدواب، إلى مكة وغيرها] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه -جل جلاله- ملَّكنا الدواب، وذلَّلها لنا، وأباح لنا تسخيرها، والانتفاع بها رحمة منه تعالى بنا، وما مَلَكَه الإنسان، وجاز له تسخيره من الحيوان، فكراؤه له جائز (¬5). الثاني: عن أبي أمامة التيمي (¬6) قال: كنت رجلًا أكري في هذا الوجه، وكان ناس يقولون لي: أن ليس لك حج، فلقيت ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إني لرجل أكري في هذا الوجه، وأن ناسًا يقولون لي أنه ليس لك حج؟ قال: أليس تحرم وتلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار؟ قال: قلت: بلى. قال: فإن لك حجًا، جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسأله عن مثل ما سألتني ¬
11] جواز استئجار الكيال والوزان لعمل معلوم أو في مدة معلومة
عنه، فسكت عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يجبه، حتى نزلت هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (¬1) فأرسل إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقرأ عليه هذه الآية. ثم قال: "لك حج" (¬2). • وجه الدلالة: أن تأجير الدواب وهو قاصد عبادة من العبادات لا يعارض العبادة، فهو من ابتغاء فضل اللَّه، فإذا جاز التأجير مع العبادة، فجوازه مع غير العبادة من باب أولى. الثالث: أن بالناس حاجة إلى السفر، سواء كان لعبادة أو غيرها، ومن العبادات ما هو فرض، وليس لكل أحد بهيمة يملكها، أو يقدر على معاناتها، والقيام بها، والشد عليها، فدعت الحاجة إلى استئجارها، فجاز دفعًا للحاجة (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 11] جواز استئجار الكيَّال والوزَّان لعمل معلوم أو في مدة معلومة: • المراد بالمسألة: إذا استأجر أحد المتعاقدين كيَّالًا أو وزَّانًا لعمل معلوم مضبوط، وهو كيل ما يحتاج إلى كيل، ووزن ما يحتاج إلى وزن، أو كان استئجاره له في مدة محددة بوقت معلوم لكلا الطرفين، جاز العقد، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ويجوز استئجار كيَّال، ووزَّان، لعمل معلوم، أو في مدة معلومة. وبهذا قال مالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفًا] (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [يجوز استئجار كيال، ووزان، ¬
لعمل معلوم، أو في مدة معلومة. وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، لا نعلم فيه خلافًا] (¬1). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [يجوز استئجار كيال، أو وزان، لعمل معلوم، أو في مدة معينة، بغير خلاف] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن سويد بن قيس (¬4) -رضي اللَّه عنه- قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي (¬5) بزا من هجر، فأتانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن بمنى، ووزَّان يزن بالأجر، فاشترى منا سراويل، فقال للوزَّان: "زنْ وأرجح" (¬6). ¬
12] جواز إجارة البسط والثياب
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقر الوزَّان على عمله، بل وتعامل معه، فدل على جواز استئجاره (¬1). الثاني: أن عمل الكيَّال والوزَّان إذا كان محددا بالعمل أو بالزمان، فإنه يكون معروفا ومضبوطا بما لا يختلف، فصحت الإجارة عليه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 12] جواز إجارة البسط والثياب: • المراد بالمسألة: البُسْط، جمع بساط بكسر الباء، وهو: ما يبسط, أي: يفرش (¬2). ويراد بالمسألة: أن جعل البسط والثياب منفعة ينتفع بها المستأجر، إذا توفرت شروط الإجارة، جائز بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن إجارة البسط والثياب، جائزة] (¬3). ويقول أيضًا: [وإذا استأجر الرجل الثوب قد عرفه ليلبسه يوما إلى الليل، بأجرة معلومة، فهو جائز. وكذلك كل ثوب يلبس، وكل بساط يبسط، أو وسادة يتكأ عليها، ولا أعلم في هذا خلافا] (¬4). نقل عبارته الثانية ابن القطان (¬5). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [واتفقوا على إجارة. . .، الثياب والبسط] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬7). ¬
13] جواز استئجار الحمام
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على البيع: فكما أنه يصح بيع أعيان هذه الأشياء، فكذلك بيع منافعها، إذ أن كلا منهما بيع. الثاني: أن الأصل في المعاملات أنها على الإباحة، ما لم يأت ما يَنْقُل عنها، ويدخل في المعاملات الإجارة. الثالث: الضابط الفقهي: كل ما يُعْرف بعينه مما يصح بدل منافعه، فإنه تجوز إجارته، فيدخل فيها إجارة البسط والثياب (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 13] جواز استئجار الحمام: • المراد بالمسألة: الحمّام: بتشديد الميم، وهو بيت الماء، المُعدُّ للحموم فيه بالماء المسخن، لتنظيف البدن والتداوي (¬2). • والمقصود بالمسألة: إذا استأجر الحمام، وبيَّن وصفه ومكانه، وما فيه من آلة من دواليب وخزائن وأعتاب وأخشاب ونحوها، وسمى مدة الإجارة، فإن ذلك جائز، بإجماع العلماء (¬3). • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن اكتراء الحمام جائز إذا حدّده، وذكر جميع آلته، شهورا مسماة] (¬4). نقله عنه ابن قدامة، وابن القطان، وشمس الدين ابن قدامة، وعبد الرحمن القاسم (¬5). • النووي (676 هـ) يقول: [وأجمعوا على جواز دخول الحمام بأجرة. . .، مع اختلاف أحوال الناس في استعمال الماء، أو مكثهم في الحمام] (¬6). نقله عنه ¬
أبو زرعة العراقي، والشربيني، والمباركفوي (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على استئجار الدور: فكما أنه يجوز استئجارها، فكذلك الحمامات، بجامع أن كلا منهما عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها (¬3). الثاني: أن الناس قد تعارفوا على استئجار الحمامات من غير نكير، فدل على الجواز، وفي الأثر عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: [ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللَّه حسن] (¬4) (¬5). • المخالفون للإجماع: وقع الخلاف في المسألة على قولين: القول الأول: أن استئجار الحمام مكروه، وهو قول عند الحنفية، والمشهور عند الحنابلة (¬6). واستدل هؤلاء بدليل من السنة، وهو: ما جاء عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شرُّ البيت الحمام، يعلو ¬
14] جواز إجارة الخيم والمحامل والعماريات
فيه الأصوات، ويُكشف فيه العورات"، فقال رجل: يا رسول اللَّه، يداوي فيه المريض، ويذهب فيه الوسخ؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فمن دخله فلا يدخله إلا مستترا" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذم دخول الحمام، فيكون إجارته واستئجاره مذموما مكروها كراهة تنزيهية (¬2). القول الثاني: أنه على التحريم، قال به القاضي من الحنابلة (¬3). ولعل القاضي يستدل بنفس دليل القول السابق، لكنه يحمل النهي على التحريم؛ لما يترتب عليه من أمور محرمة ككشف العورة ونحوها.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 14] جواز إجارة الخِيَم والمحامل والعَمَاريات: • المراد بالمسألة: الخِيَم: جمع خيمة، وهي بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر (¬4). المحامل: جمع مَحْمِل على وزن مجلس، ويجوز على وزن مِقْوَد، وهو: الهودج الكبير (¬5). العَمَاريَّات: جمع عمارية، وهي مركب صغير على هيئة مهد الصبي، أو قريب من صورته، يوضع فوق الدابة (¬6). ¬
15] جواز إجارة المنازل
• والمقصود بالمسألة: أنه تجوز إجارة منافع هذه الأعيان الثلاثة، إذا توفرت فيها شروط الإجارة: من العلم بالأجر والمدة، وكذا رؤية العين من المتعاقدين، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على استئجار الخِيَم والمحامل والعَمَاريات، بعد أن يكون المكترى من ذلك عينا قائمة قد رأياها جميعا، مدة معلومة، بأجر معلوم] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الأصل في المعاملات أنها على الإباحة، إلا ما دل الدليل فيه على المنع، فيدخل فيه هذا اللون من ألوان الإجارة. الثاني: أن هذه أعيان يُنتفع بها مع بقائها، وهي منافع مباحة معلومة مقصودة، تضمن باليد وتباح بالإباحة، وما كان كذلك فإنه تجوز إجارتها (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 15] جواز إجارة المنازل: • المراد بالمسألة: المنازل جمع منزل وهو: اسم لما يشتمل على بيوت، وصحن ¬
مسقف، ومطبخ يسكنه الرجل بأهله، وهو بين الدار والبيت (¬1). ويراد بهذه المسألة: أنه تجوز إجارة المنازل ونحوها من العقارات، إذا توفرت الشروط من بيان المدة والأجرة، ومن يستفيد من المنفعة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن إجارة المنازل والدواب جائز إذا بيَّن الوقت والأجر، وكانا عالمين بالذي عقدا عليه الإجارة، وبيَّنا مَن يسكن الدار، ويركب الدابة، وما يحمل عليها] (¬2). نقله عنه ابن قدامة، وابن القطان، وشمس الدين ابن قدامة، والبهوتي (¬3). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [واتفقوا على إجارة الدور والدواب] (¬4). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار] (¬5). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار] (¬6). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [إجارة العين تكون تارة في الآدمي، وتارة في المنازل، والدواب، ونحوها بالإجماع] (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، وابن حزم من الظاهرية (¬8). ¬
16] جواز إجارة رحا الماء
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على استئجار الظئر: فكما أنه يجوز استئجار الظئر بإجماع، مع وجود الجهالة في المنفعة، فيجوز استئجار الدواب والمنازل مع انتفاء الجهالة من باب أولى. الثاني: أن من شروط الإجارة: المعلومية في المدة والمنفعة؛ لأن الجهالةَ فيها سببٌ للنزاع والشقاق، فإذا عُرفت زال المحظور، وبقي الأمر على الأصل وهو الجواز، كما هو الحال في إجارة البيوت والدواب.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 16] جواز إجارة رحا الماء: • المراد بالمسألة: الرحا: هي: الأداة التي يطحن بها، وهي حجران مستديران، يوضع أحدهما على الآخر، ويدار الأعلى على قطب (¬1). ورحا الماء: الأداة التي يطحن بها، والذي يحركها ويديرها الماء، يكون الماء من النهر يوجه على خشبات دوارة مرتفعة تربط بالرحا، فيتحرك الرحا بتحركها (¬2). فهذه الأداة تجوز إجارتها، إذا حُدِّد الوقت والأجرة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على إجارة الرجل إذا اكترى رحا الماء بالنهار، بأجر معلوم، ومدة معلومة] (¬3). ¬
17] جواز استئجار الظئر للرضاع
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: الأصل في المعاملات أنها على الإباحة ما لم يدل الدليل على المنع، فتدخل إجارة الرحا فيها. الثاني: أن الرحا عين يمكن استيفاء منفعتها مع بقائها، فتجوز إجارتها.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 17] جواز استئجار الظئر للرضاع: • المراد بالمسألة: الظئر: هي المرأة ذات اللبن، ترضع غير ولدها، وتسمى المرضعة (¬2). والمقصود هنا: المرأة التي تؤخذ لإرضاع الطفل، فإنَّ استئجارها على هذه المنفعة جائز، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن استئجار الظئر جائز] (¬3). نقله عنه ابن القطان (¬4). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على جواز استئجار الظئر للرضاع] (¬5). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وأجمع أهل العلم على جواز استئجار ¬
الظئر] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [أجمع أهل العلم على استئجار الظئر] (¬2). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [واستئجار الظئر جائز بالكتاب، والسنة، والإجماع] (¬3). ويقول أيضًا: [والسنة وإجماع الأمة دلَّا على جوازها -أي: إجارة الظئر-] (¬4). • الزيلعي (743 هـ) يقول لما ذكر المسألة: [وعليه إجماع الأمة] (¬5). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [وكذلك الظئر -أي: استئجارها- بإجماع] (¬6). • مولى خسرو (885 هـ) يقول لما ذكر الجواز في المسألة: [وعليه انعقد الإجماع] (¬7). • المواق (897 هـ) يقول: [وأما الرضاع فقد جرى العمل على جوازه في مثل هذا، ولا خلاف فيه] (¬8) • الطُّوري (كان حيا: 1138 هـ) يقول بعد أن ذكر المسألة: [والإجماع في ذلك] (¬9). • عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول لما ذكر المسألة: [وعليه انعقد الإجماع] (¬10). • عليش (1299 هـ) يقول: [وأما الإرضاع فقد جرى العمل على جوازه في مثل هذا، ولا خلاف فيه] (¬11). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [أجمع العلماء على استئجار ¬
18] جواز استئجار غير الزوجة من الأقارب لإرضاع الطفل
الظئر] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه -جل جلاله- أمر بإعطاء المرضعة أجرها بعد الفراغ من الرضاعة، وقد نزلت في المرأة المطلقة، فتكون في حق الأجنبية من باب أولى. الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "دخلنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أبي سيف القين (¬4)، وكان ظئرا لإبراهيم، فأخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إبراهيم فقبَّله وشمَّه" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استأجر مرضعة لابنه إبراهيم، فدل على مشروعية هذا العمل.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 18] جواز استئجار غير الزوجة من الأقارب لإرضاع الطفل: • المراد بالمسألة: إذا استأجر الأب مرضعة لولده -غير زوجته- أيَّ امرأة كانت من أقاربه: أُمَّه، أو أخته، أو ابنته، أو عمته، أو خالته؛ فإن ذلك جائز، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن للرجل أن يستأجر أُمَّه، أو أخته، أو ابنته، أو خالته، لرضاع ولده] (¬6). نقله عنه ابن القطان (¬7). ¬
19] مؤونة الظئر عند استئجارها تكون عليها إلا بالشرط
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ويجوز للرجل استئجار أمه، وأخته، وابنته، لرضاع ولده، وكذلك سائر أقاربه، بغير خلاف] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ويجوز. . . استئجار أمه، وأخته، وابنته، لرضاع ولده، وكذلك سائر أقاربه، بغير خلاف] (¬2). • العيني (855 هـ) يقول: [ويجوز استئجار أمه، وأخته، وابنته، لرضاع ولده، وكذلك سائر أقاربه، بغير خلاف] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه عز وجل أمر بإتياء المرضعة أجرها مطلقا، سواء كانت من أقاربه أم من غير أقاربه، ولا يُقيَّد هذا النص إلا بدليل. الثاني: القياس على استئجار المرأة الأجنبية، كما فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما استأجر مرضعة لابنه إبراهيم (¬6)، فكذلك المرأة التي من أقاربه، بل هي من باب أولى.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 19] مؤونة الظئر عند استئجارها تكون عليها إلا بالشرط: • المراد بالمسألة: إذا استأجر المرضعة لابنه، فإن مؤونتها ونفقتها من طعام وكسوة ليست على المستأجر، وإنما هي عليها، إلا إذا وقع شرط بينهما على أن تكون مؤونتها على المستأجر، فإذا وقع الشرط فلا بد من وصف المؤونة وصفا منضبطا، فالطعام لا بد من بيان وصفه وجنسه وقدره، والكسوة لا بد من بيان ¬
جنسها وأجلها وذرعها، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن طعامها وكسوتها ونفقتها عليها، ليس على المستأجر منه شيء، وأجمعوا على أنها إن اشترطت ذلك عليه، إن كان معروفا، أن ذلك جائز] (¬1). نقله عنه ابن قدامة، وشمس الدين ابن قدامة (¬2). • الزيلعي (743 هـ) لما نقل كلام محمد بن الحسن وهو [فإن سمى الطعام دراهم، ووصف جنس الكسوة، وأجلها، وذرعها، جاز] (¬3) قال عنه معلقا: [بالإجماع]. ويقول أيضًا: [ولو سمى الطعام، وبيَّن قدره ووصفه، جاز بالإجماع] (¬4). • الحداد (800 هـ) يقول: [فإن سمى الأجرة دراهم، ووصف جنس الكسوة، وأجلها وذرعها، فهو جائز بالإجماع] (¬5). • عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (1078 هـ) لما نقل كلام محمد ابن الحسن السابق قال: [إجماعًا] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أنها شرطت عليهم الأجر المسمى بمقابلة عملها، فما سوى ذلك حالها ¬
20] تحريم استئجار الغنم بدرها ونسلها وصوفها وشعرها
بعد العقد، كما هو قبل العقد (¬1). الثاني: أنه إذا لم يصف المنفعة وصفا منضبطا، وقعت الجهالة فيها، فاختل شرط من شروط الإجارة، وكان ذلك مظنة لوقوع النزاع والشقاق بينهما. الثالث: أما دليل جواز الشرط: فعموم حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "المسلمون على شروطهم" (¬2) فهو شرط جائز رضي به الطرفان، فيجب الوفاء به.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 20] تحريم استئجار الغنم بدرها ونسلها وصوفها وشعرها: • المراد بالمسألة: إذا استأجر العاقد راعيا لغنمه من أجل أن ينتفع بها، على أن تكون الأجرة درَّها ونسلها وصوفها وشعرها وعلفها، أو جزءا من هذه الأشياء، فإن ذلك لا يجوز بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ولو استأجر راعيا لغنم بثلث درها ونسلها وصوفها وشعرها، أو نصفه، أو جميعه، لم يجز. . .، وبه قال أبو أيوب (¬3)، وأبو خيثمة (¬4)، ولا أعلم فيه مخالفًا] (¬5). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ولو استأجر راعيا لغنم بثلث درها ونسلها وصوفها وشعرها، أو نصفه، أو جميعه، لم يجز. . .، وبه قال أبو أيوب، ¬
وأبو خيثمة، ولا أعلم فيه مخالفًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من المعقول، وهو: أن الدر والنسل والصوف والشعر أعيان مجهولة وبعضها معدومة، فلا يُدْرى أتوجد أم لا؟ وإذا وُجِدت لا يُدْرى ما مقدارها أيضًا؟ فلا يصح جعلها عوضا في الإجارة؛ لدخولها في باب الغرر المحرم شرعًا (¬3). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: أن استئجار الدابة بعلفها ودرها ونسلها جائز. وهذا قال به المالكية، وهو رواية عن الإمام أحمد، ورجحه ابن تيمية وابن القيم (¬4). واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: القياس على استئجار الأجير بطعامه وكسوته، كما أجَّر موسى عليه السلام نفسه بعفة فرجه وشبع بطنه (¬5)، فكذلك يجوز استئجار الغنم بدرها ونسلها وصوفها ¬
21] بطلان استئجار المنفعة التي لا قيمة لها
وشعرها (¬1). القول الثاني: التفريق في عوض الإجارة بين ما كان موجودا وما كان معدوما، فالعلف والصوف والشعر واللبن كلها موجودة، فيصح جعلها عوضا. أما النسل فغير موجود، فلا يصح جعله عوضا. قال بهذا ابن حزم من الظاهرية (¬2). واستدل ابن حزم بدليل من المعقول، وهو: أن الاستئجار في مثل هذه الحالة، استئجار على ما هو موجود قائم، وهي إجارة محددة، فلذا صحت، أما ما ليس بموجود فلا يجوز؛ لأنه غرر فلا يدري أيكون أم لا؟ (¬3).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 21] بطلان استئجار المنفعة التي لا قيمة لها: • المراد بالمسألة: الإجارة قائمة على الانتفاع بالمنفعة، فإذا كانت المنفعة التي وقع عليها التعاقد لا قيمة لها في عرف الناس، فإنه لا يصح العقد عليها، باتفاق العلماء. وذلك مثل: استئجار الشجرة أو الجدار للظل. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [والمنفعة التي لا قيمة لها في العادة، بمنزلة الأعيان التي لا قيمة لها، لا يصح أن يَرد على هذه عقد إجارة، ولا على هذه عقد بيع، بالاتفاق] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬5). ¬
22] بطلان إجارة العين لمنفعة غير مرادة
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات. وكره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" (¬1). • وجه الدلالة: أن بذل المال فيما لا قيمة له يعد من إضاعته. الثاني: أن إنفاق المال فيما لا قيمة له، يعد لونا من ألوان السفه والتبذير المنهي عنهما شرعًا (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 22] بطلان إجارة العين لمنفعة غير مرادة: • المراد بالمسألة: إذا أجر عينا أيًّا كانت هذه العين وهي مباحة، لكن ليست فيها المنفعة التي استأجر من أجلها المستأجر، كأن يستأجر أرضا مقيلا ومراحا لدوابه، ولم تجر العادة بتأجير مثلها لمثل ذلك، مثل أن تكون ليس فيها زرع ولا عمارة ولا ماء، فإن الإجارة باطلة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول حين سئل عمن استأجر أرضا مقيلا ومراحا وهي ليس فيها ماء ولا زرع ولا عمارة: [والذي فعلوه من إجارتها مقيلا ومراحا، باطل بإجماع المسلمين] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬4). ¬
23] جواز الإجارة مدة معلومة يحدد فيها قسط كل شهر
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن هذا يعد بذلا للمال في غير محله، فيكون من باب إضاعة المال التي نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنها بقوله: "إن اللَّه كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" (¬1). الثاني: أن المنفعة تعتبر غير مقدور على تسليمها شرعًا، فهي ليست موجودة أصلا، وما كان كذلك فالإجارة قد اختل فيها شرط من شروطها، فتعد باطلة.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 23] جواز الإجارة مدة معلومة يحدد فيها قسط كل شهر: • المراد بالمسألة: إذا استأجر دارا مدة معلومة لها ابتداء وانتهاء، محددة بالأهلة، وحدد قيمة كل يوم أو شهر فيها، فإنها صحيحة، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [ولو قال: أجرتك هذه الدار سنة، كل شهر بدرهم، جاز بالإجماع] (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إذا قال: أجرتك داري عشرين شهرا، كل شهر بدرهم. جاز بغير خلاف نعلمه] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [إذا قال: أجرتك داري عشرين شهرا، كل شهر بدرهم. جاز بغير خلاف نعلمه] (¬4). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [لو قال: آجرتك داري عشرين شهرا، كل شهر بدرهم، فهو جائز، بغير خلاف نعلمه] (¬5). نقله عنه البهوتي، والرحيباني (¬6). • الموافقون على الإجماع: ¬
24] اشتراط الإباحة في عقد الإجارة
وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من المعقول، وهو: أن المدة أضيفت إلى جميع السنة، فكانت معلومة الابتداء والانتهاء، وأجرها معلوم كذلك، فانتفت الجهالة، وصحت الإجارة (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 24] اشتراط الإباحة في عقد الإجارة: • المراد بالمسألة: من شروط المنفعة في عقد الإجارة: أن تكون مباحة في الشرع، وهذا متفق عليه بين العلماء. وبهذا تخرج المنافع المحرمة لعينها، أو في الشرع، أو ما كانت فرضَ عين على المسلم. • من نقل الإجماع: • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [واتفقوا على إجارة الدور، والدواب، والناس، على الأفعال المباحة] (¬3). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وإن كان الكِرى لعمل؛ كالخياطة، والنجارة، والبناء، جاز بالاتفاق] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على البيع: فكما أن الإباحة شرط فيه، فكذلك الإجارة، ¬
25] بطلان أجرة النائحة والمغنية
بجامع أن كلا منهما بيع، لكن في البيع بيع للعين، وفي الإجارة بيع للمنفعة. الثاني: أن المحرمات لا يجوز جعلها منافع يتعامل بها، وإلا تعطلت المناهي التي حرمها اللَّه -جل جلاله- وكانت الناس تتحايل على ارتكابها بالتعاقد على منافعها كما تحايلت اليهود، فدل هذا على لزوم التعاقد على ما أباح اللَّه التعاقد عليه دون غيره.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 25] بطلان أجرة النائحة والمغنية: • المراد بالمسألة: النائحة: هي التي تنوح في مصيبة غيرها، واتخذت ذلك مكسبا لها (¬1). وأصل النياحة هو: اجتماع النساء وتقابلهن بعضهن لبعض للبكاء على الميت، ثم استعمل في صفة بكائهن بصوت وندبة (¬2). والمغنية: هي التي تعمل الغناء وتستعمله، ويطلق -أي: الغناء- على كل من رفع صوته بشيء، ووالى به مرة بعد أخرى، فصوته عند العرب غناء، وأكثره فيما شَاقَ من صوت، أو شجا من نغمة ولُحَّن (¬3). ويطلق على معنى أضيق وهو: التطريب والترنم بالكلام الموزون وغيره، مصحوبا بالموسيقى وغير مصحوب (¬4). • والمقصود بالمسألة: أنه إذا وقع التعاقد على النياحة والغناء، ولم يكن الغناء فيما أباح اللَّه من عرس ونحوه، فإن الأجرة باطلة ولا تجوز، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على إبطال أجرة النائحة ¬
والمغنية] (¬1). نقله عنه شمس الدين ابن قدامة، وابن تيمية، والبهوتي، وعبد الرحمن القاسم (¬2). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [. . . فمما اجتمعوا على إبطال إجارته: كل منفعة كانت لشيء محرم العين، كذلك كل منفعة كانت محرمة بالشرع، مثل: أجر النوائح، وأجر المغنيات] (¬3). نقله عنه ابن الشاط (¬4). • النووي (676 هـ) يقول: [أجمعوا على تحريم أجرة المغنية للغناء، والنائحة للنوح] (¬5). • الأُبّي (728 هـ) يقول: [ولا خلاف في حرمة أجرة المغنية والنائحة] (¬6). نقله عنه الحطاب وعليش (¬7). • العيني (855 هـ) يقول: [. . . فلذلك أبطلوا أجر المغنية والنائحة، وأجمعوا على بطلانه] (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬10). • وجه الدلالة: أن من أكل أموال الناس بالباطل جعلها ثمنا في العقود المحرمة ¬
شرعًا، والتي منها أجرة النائحة والمغنية (¬1). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه تعالى إذا حرم شيئًا حرم ثمنه" (¬2). • وجه الدلالة: بيَّن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الأشياء المحرمة في الشرع، أثمانها تكون محرمة كذلك، فيدخل في ذلك أجر النائحة والمغنية؛ لأنهما مهنتان محرمتان في الشرع، كما جاء في حديث أبي مالك الأشعري (¬3) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران (¬4)، ودرع من جرب" (¬5). وجاء عنه -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف" (¬6). الثالث: عن أبي أمامة (¬7) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تبيعوا المغنيات، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام" (¬8). ¬
26] جواز إجارة المسلم للذمي في عمل معين في الذمة
• المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشعبي، والحسن، والنخعي، وقالوا بكراهة أجر النائحة والمغنية (¬1)، ولعل المراد بالكراهة عندهم: كراهة التحريم، وليست التنزيه، وهو الذي يفهم من كلام الأئمة، فابن المنذر لما حكى الإجماع ذكر أقوالهم بعده مباشرة، وبين أن هذا هو اختياره، ولو كان المقصود التنزيه لما حكى الإجماع في المسألة.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 26] جواز إجارة المسلم للذمي في عمل معيَّن في الذمة: • المراد بالمسألة: الذمي إذا استأجر مسلِما على عمل معيَّن غير متعلق بالمدة وإنما بالذمة، وهو مما يجوز للمسلم فعله بنفسه، ولا يتعلق بدينهم وشعائرهم، كخياطة ثوب، وقصارته، ونحوها، فإن هذا العقد جائز، بغير خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إن آجر نفسه منه -أي: من الذمي- في عمل معين في الذمة، كخياطة ثوب، وقصارته، جاز بغير خلاف نعلمه] (¬2). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬3). • النووي (676 هـ) يقول: [يجوز أن يستأجر الكافر مسلما، على عمل في الذمة، بلا خلاف] (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [إن آجر نفسه منه -أي: من الذمي- في عمل معين في الذمة، كخياطة ثوب، جاز بغير خلاف نعلمه] (¬5). ¬
27] جواز استيفاء المستأجر المنفعة بنفسه وبمن هو مثله
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: أصاب نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خصاصة، فبلغ ذلك عليًّا -رضي اللَّه عنه-، فخرج يلتمس عملا ليصيب منه شيئًا يبعث به إلى نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتى بستانا لرجل من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلوا، كل دلو بتمرة، فخيَّره اليهودي من تمره سبع عشرة تمرة عجوة، فجاء بها إلى نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "من أين هذا يا أبا الحسن؟ " قال: بلغني ما بك من الخصاصة يا نبي اللَّه، فخرجت التمس عملا لأصيب لك طعاما. قال: "فحملك على هذا حب اللَّه ورسوله؟ " قال علي: نعم، يا نبي اللَّه. فقال نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واللَّه ما من عبد يحب اللَّه ورسوله إلا الفقر أسرع إليه من جرية السيل على وجهه، من أحب اللَّه ورسوله فليعد تحفافا" وإنما يعني: الصبر (¬2). • وجه الدلالة: أن عليا آجر نفسه من اليهودي إجارة خاصة، وأقره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليها، فإذا جازت في الخاصة، فمن باب أولى إذا كان أجيرا مشتركا. الثاني: أن الإجارة في هذه الحالة تعد عقد معاوضة لا تتضمن إذلال المسلم، ولا استخدامه، أشبه مبايعته (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 27] جواز استيفاء المستأجر المنفعة بنفسه وبمن هو مثله: • المراد بالمسألة: من استأجر عقارا للسكنى فإن له الحق أن يَسكن فيه، ويُسكن من شاء، لكن بشرط أن يكون الساكن معه ممن يكون مثله في الضرر أو دونه، وله الحق أن يضع فيها ما جرى العرف بين الناس من وضعه حال الاستئجار من الأمور ¬
المعتادة، أما ما يكون فيه ضررٌ على الدار، فإنه لا يحق له عمله فيها، إلا إذا كان ثمة شرط بينهما، بلا خلاف بين العلماء. وضابط الضرر: كل عمل يُفْسد البناء أو يوهنه، فإنه لا يصير مستحقا للمستأجر بمطلق العقد، وإنما بالشرط (¬1). • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [من استأجر عقارا للسكنى، فله أن يسكنه، ويُسْكن فيه من شاء ممن يقوم مقامه في الضرر، أو دونه، ويضع فيه ما جرت عادة الساكن به، من الرِّحال والطعام، ويخزن فيها الثياب وغيرها مما لا يضر بها، ولا يسكنها ما يضر بها، مثل القصارين (¬2) والحدَّادين. . .، ولا يجعل فيها الدواب. . .، ولا يجعل فيها السرجين، ولا رحى ولا شيئًا يضر بها. ولا يجوز أن يجعل فيها شيئًا ثقيلا فوق سقف. . .، ولا يجعل فيها شيئًا يُضِرُّ بها، إلا أن يشترط ذلك. وبهذا قال الشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفا] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [كل من استأجر عينا لمنفعتها، فله أن يستوفي المنفعة بنفسه وبمثله، فإذا اكترى دارا للسكنى، فله أن يسكنها مثله. . .، فجاز أن يستوفيه بنفسه، وبوكيله إذا كان مثله في الضرر أو دونه. . .، ويضع فيه ما جرت عادة الساكن به، من الرحال والطعام، ويخزن فيها الثياب وغيرها مما لا يضر بها. ولا يسكنها ما يُضر بها، كالقصارين والحدَّادين. ولا يجعل فيها الدواب. . .، ولا يجعل فيها السرجين، ولا رحى ولا ما يُضِرُّ بها. ولا شيئًا ثقيلا فوق سقف. . .، فإن شرط ذلك جاز. وبه قال الشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفا] (¬4). ¬
28] إبدال ما ذهب من زاد محمول على الدابة عند إطلاق العقد
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على الوكيل في قبض المبيع: فكما أنه يجوز له قبض المبيع عن المشتري، فكذلك يجوز للمستأجر أن يُسْكن من يشاء في العين التي استأجرها، بجامع أن كلا منهما مالك، فله حق التصرف فيها بما يشاء. الثاني: أنه إذا فعل ما يُضِرُّ بالعين المستأجرة، فقد فعل فوق ما هو متفق عليه في العقد، فلا يجوز له فعله، قياسا على ما لو اشترى سلعة، فإنه ليس له الحق في أخذ ما هو أكثر منها (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 28] إبدال ما ذهب من زادٍ محمولٍ على الدابة عند إطلاق العقد: • المراد بالمسألة: إذا استأجر دابة، ولم يشترط حمل زادٍ مقدر في حال الانتفاع بها، وإنما كان العقد مطلقًا بينهما، ولم يقع بينهما شرط على إبدال ما ذهب ولا عدم إبداله، فلو حصل عارض لما حمله عليها من سرقة، أو سقوط المتاع من ظهر الدابة من غير علمه ثم ضياعه، أو أكلٍ غير معتاد، فإن من حق المستأجر إبدال ما ذهب من هذا المتاع، بغير خلاف بين العلماء. وكذا لو وقع شرط بينهما فإنه يلزم الوفاء به، سواء كان في استبدال ما نقص من المتاع، أم في عدمه، بلا خلاف أيضًا. ¬
• من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وإن أطلق العقد -فلم يشترط عليه حمل زاد مقدر- فله إبدال ما ذهب بسرقة، أو سقوط، أو أكل غير معتاد، بغير خلاف] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وإن أطلق العقد، فله إبدال ما ذهب بسرقة، أو سقوط، أو أكل غير معتاد، بغير خلاف] (¬2). • الكاكي (749 هـ) يقول: [أما إذا شرط الاستبدال، يستبدل بلا خلاف، ولو شرط عدم الاستبدال، لا يستبدل بلا خلاف، ولو سرق أو هلك بغير أكل أو بأكل غير معتاد، يستبدل بلا خلاف]. نقله عنه الشلبي (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [أما إذا شرط الاستبدال -في المتاع الذي حمله على الدابة- فلا خلاف، ولو لشرط عدم الاستبدال، لا يستبدل، بلا خلاف، ولو سُرِق -أي: المتاع الذي حمله على الدابة عند إطلاق العقد بينهما- أو هلك بغير أكل، أو بأكل غير معتاد، يستبدل، بلا خلاف] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
29] العلم بالمدة في الإجارة
الأول: أن المستأجر استحق حمل مقدار معلوم، فملكه مطلقًا، سواء ذهب جزء منه أم لم يذهب شيء منه (¬1). الثاني: أن ذهاب الطعام في هذه الحالة ذهاب بغير قصد ولا اختيار منه، فإذا منع من البدل في هذا، كان ذلك محاسبة له على غير فعله، ومؤاخذة له بما لم يكن في وسعه. الثالث: أن المسلمين على شروطهم، فإذا وقع شرط بينهما وجب الوفاء به.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 29] العلم بالمدة في الإجارة: • المراد بالمسألة: الإجارة تقع على العين، وتقع على الذمة، والتي على العين تارة تكون على الآدمي: كأن يستأجر آدميا للخدمة، أو للرعي، أو للنسخ، أو للخياطة، وأشباهها. وتارة تكون على غير الآدمي: كإجارة الدار شهرا، أو الأرض عاما، ونحوها. فإذا وقعت الإجارة على العين فلا بد أن تكون المدة فيها معلومة، بإجماع العلماء. ومن العلم بالمدة تحديدها بالشهر والسنة، بإجماع العلماء، ولا تجوز الجهالة فيها بحال عند الجميع. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [الإجارة إذا وقعت على مدة، يجب أن تكون معلومة: كشهر وسنة، ولا خلاف في هذا نعلمه] (¬2). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [الذي لا يجوز عند الجميع أن تكون المدة -أي: في الإجارة- مجهولة] (¬3). • النووي (676 هـ) يقول: [أجمعوا على جواز إجارة الدار وغيرها شهرًا، مع أنه قد يكون ثلاثين يوما، وقد يكون تسعة وعشرين] (¬4). نقله عنه زكريا ¬
الأنصاري، والشربيني، والعبادي (¬1)، والشرواني (¬2) (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [(ويشترط أن تكون المدة معلومة، يغلب على الظن بقاء العين فيها، وإن طالت) كالشهر والسنة ونحو ذلك، وأقل أو أكثر، إذا كان مضبوطا. فأما ضبطها بالشهر والسنة، فلا نعلم فيه خلافا] (¬4). • الزركشي (772 هـ) يقول: [أما المنفعة: فمن شرطها: أن تكون معلومة، فإذا كانت على مدة -كما قال الخرقي- اشتُرط كونها معلومة: كشهر كذا، ونحو ذلك، بلا خلاف نعلمه] (¬5). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [واتفقوا على أن الكري، لا يجوز إلا بأجل معلوم] (¬6). • العيني (855 هـ) يقول: [ولا خلاف بين أهل العلم أن الكراء في الدور والأرضين، لا يجوز إلا وقتا معلوما] (¬7). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [وقد اتفقوا على أنها -أي: الإجارة- لا تجوز إلا بأجل معلوم] (¬8). • الموافقون على الإجماع: ¬
30] الأفضل ترك أخذ المال على تعليم القرآن والعلوم الشرعية
وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على بيع الكيل؛ إذ يشترط فيه العلم بعدد المكيلات، فكذلك المدة في الإجارة، بجامع أن كلا منهما يعتبر ضابطا للعقد ومعرِّفا له، فلا بد من العلم به (¬2). الثاني: أن المعقود عليه لا يصير معلوم القدر بدون العلم بالمدة، فترك بيانها يوقع في الجهالة والغرر، ويفضي إلى المخاصمة والمنازعة (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 30] الأفضل ترك أخذ المال على تعليم القرآن والعلوم الشرعية: • المراد بالمسألة: تعليم القرآن والعلوم الشرعية الأخرى، إذا جلس المعلم لتعليمها، فالعلماء مجمعون على أن الأفضل ترك أخذ الأجرة عليها. • من نقل الإجماع: • القرافي (684 هـ) لما ذكر خلاف المذاهب في المسألة، ثم بيَّن أدلة القائلين بالمنع، بيَّن الإجابة عنها، وقال: [إن ترك الأخذ أفضل إجماعًا] (¬4). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وتعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك بغير أجرة، لم يتنازع العلماء في أنه عمل صالح، فضلا عن أن يكون جائزا، بل هو من فروض الكفاية] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬6). ¬
31] جواز أخذ المال على وجه النيابة في الحج عن الغير
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)} (¬1). الثاني: قوله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه -جل جلاله- أخبر عن الأنبياء والرسل أنهم دعوا أقوامهم، وعلموهم الخير، وبلغوهم رسالة ربهم من غير أن يأخذوا عليهم أجرا، ولنا فيهم أسوة حسنة (¬3). الثالث: أن هذا عليه عمل القرون المفضلة من هذه الأمة، يقول ابن تيمية: [. . . والصحابة، والتابعون، وتابعو التابعين، وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأمة بالقرآن والحديث والفقه، إنما كانوا يعلمون بغير أجرة، ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلا، فإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر] (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 31] جواز أخذ المال على وجه النيابة في الحج عن الغير: • المراد بالمسألة: إذا أخذ النائب في الحج عن غيره المعذور عذرا يُسْقِط عنه الفرض، نفقة حجه مدة ذهابه وإيابه، من موضعه الذي حج منه إلى أن يعود إليه، قدر كفايته بالمعروف، وإذا فضل معه شيء من النفقة رده، وإن نقص عليه شيء ¬
من النفقة أخذه (¬1)، فإن هذا جائز بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [يجوز أن تحج عن الميت بمال يؤخذ على وجه النيابة بالاتفاق] (¬2). ويقول أيضًا: [في الحج عن الميت، أو المعضوب، بمال يأخذه: إما نفقة، فإنه جائز بالاتفاق، أو بالإجارة، أو الجعالة، على نزاع بين الفقهاء في ذلك] (¬3). • ابن عابدين (1252 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن الحج عن الغير بطريق النيابة، لا الاستئجار -أي: أن ذلك جائز- ولهذا لو فضُل من النائب شيء من النفقة يجب عليه رده للأصيل أو ورثته] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، المالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عموم الأحاديث الدالة على وجوب النيابة في الحج الواجب عن العاجز ببدنه عجزا دائما، كحديث الخثعمية (¬6)، وحديث ابن عباس في قصة الرجل الذي له أم نذرت الحج ولم تحج حتى ماتت، فأمره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحج عنها، وبيَّن له أنه دين يقضيه عن أُمَّه (¬7)، فإذا كان دينا للَّه في مال المحجوج عنه، فإن لم ¬
32] تحريم أخذ الأجرة على العبادات المحضة التي لا تتعدى نفع فاعلها
يوجد متبرع به، تعيَّن إعطاء المال لرجل يحج عنه (¬1). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللَّه" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجاز أخذ الأجر على كتاب اللَّه، وهو قربة من القرب التي يتقرب بها العبد إلى ربه، ومثله الحج بجامع القربة في كل منهما، فإذا جاز أخذ الأجر على الحج، فمن باب أولى جواز أخذ النفقة عليه؛ لأنها ليست معاوضة.Rالإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 32] تحريم أخذ الأجرة على العبادات المحضة التي لا تتعدى نفع فاعلها: • المراد بالمسألة: من فعل عبادة من العبادات المحضة التي نفعها قاصر على فاعلها: كصلاة الإنسان لنفسه، وحجه عن نفسه، وأداء زكاة نفسه ونحوها، فإنه لا يحل له أخذ الأجرة على هذه العبادة، بغير خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول لما عدد المنافع المحرمة التي لا يصح التعاقد عليها: [فما اجتمعوا على إبطال إجارته. . .: كل منفعة كانت فرض عين على الإنسان بالشرع، مثل الصلاة وغيرها] (¬3). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [. . . وأما ما لا يتعدى نفعهُ فاعلَه من العبادات المحضة؛ كالصيام، وصلاة الإنسان لنفسه، وحجه عن نفسه، وأداء زكاة نفسه، فلا يجوز أخذ الأجر عليها، بغير خلاف] (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [. . . وأما ما لا يتعدى نفعهُ فاعلَه من العبادات المحضة: كالصيام، وصلاة الإنسان لنفسه، وحجه عن نفسه، وأداء ¬
33] جواز استئجار الأرض لزراعة الحنطة وما يكون ضرره كضررها أو دونه
زكاة نفسه، فلا يجوز أخذ الأجر عليه، بغير خلاف] (¬1). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [صلاة الفرض لا يفعلها أحد عن أحد، لا بأجرة ولا بغير أجرة، باتفاق الأئمة، بل لا يجوز أن يستأجر أحدا ليصلي عنه نافلة، باتفاق الأئمة، لا في حياته، ولا في مماته] (¬2). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [أما ما لا يتعدى نفعُه فاعلَه، من العبادات المحضة: كالصيام وصلاة الإنسان لنفسه، وحجه عن نفسه، وأداء زكاة نفسه، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه، بلا خلاف] (¬3). ويقول أيضًا: [(لو استأجر قوما يصلون خلفه) أي: فإنه لا يجوز بالإجماع] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الأجر عوض الانتفاع، ولم يحصل لغيره ها هنا انتفاع، فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها (¬6). الثاني: أن من أتى بعمل يُسْتَحق عليه، فإنه لا يستحق الأجرة، كمن قضى دينا عليه (¬7).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 33] جواز استئجار الأرض لزراعة الحنطة وما يكون ضرره كضررها أو دونه: • المراد بالمسألة: إذا استأجر أرضا على أن يزرع بها حنطة، وما يكون ضرره ¬
كضررها أو دونه، فإن المستأجر جائز له أن يفعل ذلك، بلا خلاف بين العلماء. وإن استأجر الأرض على أن يزرع بها حنطة، ولم يذكر في العقد أن له أن يزرع ما ضرره كضررها أو دونه، فإنه يجوز له ذلك، وإن لم يَنصَّ على ذكره في العقد، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا استأجر أرضا ليزرعها حنطة، فله أن يزرعها حنطة، وما ضرره بها ضرر الحنطة] (¬1). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [قال: ليزرعها حنطة، وما ضرره كضررها، أو دونه، فهذه كالتي قبلها -أي: الحالة التي تكون بدون شرط بينهما - إلا أنه لا مخالف فيها] (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [قال: ليزرعها حنطة، وما ضرره كضررها، أو دونه، فهذه كالتي قبلها -أي: الحالة التي تكون بدون شرط بينهما - إلا أنه لا مخالف فيها] (¬3). • الأسيوطي (880 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا استأجر أرضا ليزرعها حنطة، فله أن يزرعها حنطة، وما ضرره ضرر الحنطة] (¬4). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [فمن اكترى أرضا لزرع بر، فله زرع شعير، ونحوه مما ضرره ضرر الحنطة، بالاتفاق] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
الأول: أن المعقود عليه منفعة الأرض دون ما يزرع فيها، ولهذا يستقر عليه العوض بمضي المدة، إذا تسلم الأرض، وإن لم يزرعها، وإنما ذكر الحنطة لتقدر به المنفعة، فلم تتعين، كما لو استأجر دارا ليَسكنها كان له أن يُسْكنها غيره (¬1). الثاني: أنه إذا رضي بشيء يكون راضيا بكل ما هو مثله، أو دونه دلالة، دون ما هو أضر منه (¬2). الثالث: أن التعيين في العقود يجب حكمه إذا كان له فيه فائدة، وإن لم يكن له فيه فائدة سقط التعيين، كما لو استأجر دابة ليحمل عليها قفيزا من حنطة زيد، فحمل عليها قفيزا من حنطة عمرو، وهما متساويان في الصفة جاز؛ لأن الضرر على الدابة واحد (¬3). الرابع: وإذا كان اشترط عليه ذلك، فإنه شرط وافق مقتضى الإطلاق، فلا إشكال في جوازه (¬4). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين، هما: القول الأول: في حالة التعيين فإنه يتعيَّن ما عيَّنه في العقد، ولا يحق له صرفه إلى غيره. قال به: داود الظاهري (¬5). واستدل لقوله: بأن ما عينه في العقد لا يجوز العدول عنه، كما لو عيَّن المركوب، أو عين الدراهم في الثمن (¬6)، وربما يكون له مقصود في التعيين، وتغييره يفوت عليه المقصود. القول الثاني: عدم جواز إجارة الأرض مطلقًا، إلا على سبيل المزارعة، أو المغارسة فقط. قال به: ابن حزم (¬7). ¬
34] الإجارة عقد لازم من الطرفين
وهذان القولان لم أجد من العلماء من وافقهما عليه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 34] الإجارة عقد لازم من الطرفين: • المراد بالمسألة: العقد اللازم هو: العقد البات الذي لا يملك أحد طرفيه فسخه، وإبطاله، والتحلل منه (¬1). والإجارة من العقود اللازمة بين المتعاقدين، تلزم كل واحد منها ما لم يكن بينهما شرط، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وأما إن سكنوا على الوجه الذي جرت به العادة في سكنى المستأجرين، مثل: أن يجيء إلى المالك، فيقول: أجرني المكان الفلاني بكذا، فيقول: اذهب فأشهد عليك، ويشهد على نفسه المستأجر دون المؤجر، ويُسلِّم إليه المكان، وإذا أراد الساكن أن يخرج، لم يمكنه صاحب المكان، فهذه إجارة شرعية. ومن قال: إن هذه ليست إجارة شرعية، وليس للساكن أن يخرج إلا بإذن المالك، والمالك يخرجه متى شاء، فقد خالف إجماع المسلمين، فإن الإجارة إن كانت شرعية فهي لازمة من الطرفين، وإن كانت باطلة فهي باطلة من الطرفين، ومن جعلها لازمة من جانب المستأجر، جائزة من جانب المؤجر، فقد خالف إجماع المسلمين] (¬2). ويقول أيضًا: [وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وغيرهم من أئمة المسلمين، لم يقل أحد من الأئمة: إن الإجارة المطلقة تكون لازمة من جانب المستأجر، غير لازمة من جانب المؤجر في وقف، أو مال يتيم، ولا غيرهما، وإن شذ بعض المتأخرين فحكى نزاعا في بعض ذلك، فذلك ¬
مسبوق باتفاق الأئمة قبله] (¬1). ويقول أيضًا: [إن كانت صحيحة -أي: الإجارة- فهي لازمة من الطرفين، باتفاق المسلمين، وليس للمؤجر أن يخرج المستأجر؛ لأجل زيادة حصلت عليه، والحال هذه، ولا يقبل عليه زيادة والحال هذه، باتفاق الأئمة] (¬2). نقل الجملة الأخيرة عبد الرحمن القاسم (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (¬5). • وجه الدلالة: أن مقتضى الوفاء بالعقد التزام كل واحد من الطرفين ما التزمه مع صاحبه، وكون العقد جائزا من الطرفين، أو من أحدهما، ينافي هذا الالتزام (¬6). الثاني: قال عمر -رضي اللَّه عنه-: [البيع صفقة أو خيار] (¬7) فجعل البيع نوعان: نوع فيه خيار الفسخ، ونوع ليس كذلك، والإجارة تعد بيع منافع فتدخل في كلامه -رضي اللَّه عنه- (¬8). ¬
35] بطلان ما فات من العين المستأجرة
الثالث: أنها معاوضة عقدت مطلقة، فلا ينفرد أحد العاقدين فيها بالفسخ، إلا عند العجز عن المضي في موجب العقد، من غير تحمل ضرر: كالبيع (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: شريح القاضي، فقال: بجواز الإجارة، وأن لكل واحد من المتعاقدين الفسخ متى شاء (¬2). واستدل لقوله: بالقياس على العارية، فهي عقد جائز غير لازم لكل واحد فسخه متى شاء، فكذلك الإجارة، بجامع أن كلا منهما إباحة منفعة (¬3). ولم أجد من وافقه عليه، فهو إن ثبت عنه يعد قولا شاذا (¬4) واللَّه أعلم.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 35] بطلان ما فات من العين المستأجرة: • المراد بالمسألة: حين يستأجر المستأجر العين، ويريد الانتفاع بها، ثم أصابها مانع منعه من الانتفاع بها، كأن يموت العبد، أو تَنْفق الدابة. أو من بعضها، كأن يحدث غرق لجزء من الأرض المستأجرة: إما من المطر، أو من ماء نبع فيها. فإن كان المانع من الانتفاع بها قبل قبضها، فإن الإجارة تنفسخ بلا خلاف بين العلماء. وإن كان المانع من الانتفاع ببعضها، فإن للمستأجر الخيار بين: فسخ العقد، أو عدمه مع لزوم الأجرة عليه في الباقي منها دون ما غرق، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [من استأجر عينا مدة، فحيل بينه وبين الانتفاع بها، لم يخلُ من أقسام ثلاثة: أحدها: أن تتلف العين، كدابة تَنْفق، أو عبد ¬
يموت، فذلك على ثلاثة أضرب: أحدها: أن تتلف قبل قبضها، فإن الإجارة تنفسخ، بغير خلاف نعلمه] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [من استأجر عينا مدة، فتعذر الانتفاع بها، فإن كان بتلف العين، كدابة نَفَقَت، وعبد مات، فهو على ثلاثة أقسام: أحدها: أن تتلف قبل قبضها، فإن الإجارة تنفسخ، بغير خلاف نعلمه] (¬3). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وإن روى -أي: الماء- بعضها -أي: الأرض المستأجرة- دون بعض، وجب من الأجرة بقدر ما روى، ومن ألزم المستأجر بالإجارة، وطالبه بالأجرة إذا لم ترو الأرض، فقد خالف إجماع المسلمين] (¬4). ويقول أيضًا: [ما لم يشمله الري من الأرض، فإنه يسقط بقدره من الأجرة، باتفاق العلماء] (¬5). ويقول أيضًا: [له -أي: من استأجر أرضا، وغلب على أرضها الماء حتى غرق جزء منها- أن يفسخ الإجارة، وله أن يحط من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة، ومن حكم بلزوم العقد وجميع الأجرة، فقد حكم بخلاف الإجماع] (¬6). ويقول أيضًا: [ولا خلاف بين الأمة، أن تعطل المنفعة بأمر سماوي يوجب سقوط الأجرة، أو نقصها، أو الفسخ] (¬7). ويقول أيضًا: [اتفقوا على أنه إذا تلفت العين، أو تعطَّلت المنفعة، أو بعضها، في أثناء المدة، سقطت الأجرة، أو بعضها، أو ملك الفسخ] (¬8). ويقول أيضًا: [وقد اتفق العلماء على أنه لو نقصت المنفعة المستحقة بالعقد كان للمستأجر الفسخ] (¬9). نقل العبارة الثانية عبد الرحمن القاسم (¬10). ¬
36] فوات بعض المعقود عليه في الإجارة لا يمنع الرد بالعيب
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن المعقود عليه لا بد أن يبقى على الوجه الذي يمكن استيفاء المنفعة المقصودة منه، فإذا خرج عن هذه الحال، كان العدل أن يكون المستأجر مخيرا بين الفسخ والأرش، وإلا وقع الظلم والغبن عليه (¬2). الثاني: أن المنافع المعقود عليها في العين المستأجرة تحدث شيئًا فشيئا، وعليه فإن ما وقع عليه الفوات يأخذ حكم التالف، فيكون مثل العين المبيعة التي تلفت قبل القبض.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 36] فوات بعض المعقود عليه في الإجارة لا يمنع الرد بالعيب: • المراد بالمسألة: إذا استأجر العين، ثم تبيَّن له بها عيب، وقد استفاد من العين المعقود عليها في مدة بقائها عنده، فإن هذا الفوات لا يمنع الرد من أجل العيب، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول: [(وفوات بعض المعقود عليه في الإجارة، لا يمنع الرد بخيار العيب) بالإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬4). ¬
37] فسخ الإجارة بسبب عذر مانع من الاستيفاء
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الإجارة بيع منفعة، والمنافع تحدث شيئًا فشيئًا، فكان كل جزء من أجزاء المنافع معقودا عليه ابتداء، فإذا حدث العيب بالمستأجر كان هذا عيبا حدث بعد العقد قبل القبض، وهذا يوجب الخيار في بيع العين، كذا في الإجارة (¬1). الثاني: أن العقد وقع على جميع المدة، فيلزم السلامة في جميعها، وإذا تبيَّن العيب بعد فوات جزء من العين، كان له الحق في الفسخ فيما بقي، لفوات شرط السلامة فيه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 37] فسخ الإجارة بسبب عذر مانع من الاستيفاء: • المراد بالمسألة: إذا وقعت الإجارة بين الطرفين، ثم قام عذر يمنع استيفاء منفعة العين، فإن العقد ينفسخ، وتعتبر الإجارة لاغية، بإجماع العلماء. وذلك مثل: أن يستأجر عبدا ليخدمه سنة ثم يموت العبد، أو دارا ليسكنها سنة ثم تنهدم، أو يستأجر طبيبا ليقلع ضرسه من أجل مرض فيه، ثم يسكن المرض قبل عمل الطبيب، أو أن يستأجر طباخا ليطبخ له وليمة، ثم ينفسخ العقد بالخلع، ونحو ذلك. • من نقل الإجماع: • الماوردي (450 هـ) يقول: [إذا أستأجر عبدا سنة ليخدمه، أو دارا سنة ليسكنها، فانهدمت الدار ومات العبد، فلا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون ذلك قبل تسليم العبد وإقباض الدار، فلا خلاف أن الإجارة قد بطلت والأجرة المسماة فيها قد سقطت] (¬2). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وأما الجوائح في الإجارة، فنقول: لا نزاع بين ¬
الأئمة أن منافع الإجارة إذا تعطَّلت قبل التمكن من استيفائها، سقطت الأجرة] (¬1). ويقول أيضًا: [قد اتفق العلماء على أن المنفعة في الإجارة إذا تلفت قبل التمكن من استيفائها، فإنه لا تجب أجرة ذلك، مثل أن يستأجر حيوانا فيموت قبل التمكن من الانتفاع] (¬2). ويقول أيضًا: [لا خلاف بين الأمة أن تعطل المنفعة بأمر سماوي يوجب سقوط الأجرة، أو نقصها، أو الفسخ، وإن لم يكن للمستأجر فيه صنع: كموت الدابة، وانهدام الدار، وانقطاع ماء السماء، فكذلك حدوث الغرق، وغيره من الآفات المانعة من كمال الانتفاع بالزرع] (¬3). ويقول أيضًا: [إذا استأجر أرضا للزرع، فلم يأت المطر المعتاد، فله الفسخ، باتفاق العلماء] (¬4). نقل العبارة الثانية ابن القيم (¬5). • العيني (855 هـ) يقول: [(من استأجر حدادا ليقلع ضرسه لوجع به، فسكن الوجع، أو استأجر طباخا ليطبخ له طعام الوليمة، فاختلعت منه) فإن الإجارة تنفسخ فيه أيضًا، بالإجماع] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على العيب الواقع في المبيع قبل القبض: فكما أن له الفسخ بسبب العيب، فكذلك الحال في الإجارة إذا امتنع استيفاء المنفعة منها، بجامع أن الثمن لم يقابله منفعة يمكن الاستفادة منها (¬8). ¬
38] ضمان المستأجر لما تلف من الزرع
الثاني: أن استيفاء المنفعة المعقود عليه متعذر شرعا؛ إذ لا يجوز لأحد أن يزيل عضوا من أعضاءه من غير حاجة أو قصاص، ولما زال المرض عاد صحيحا، فامتنع شرعا إزالته، كما لو زالت المنفعة حسا بالموت (¬1). الثالث: أن في عدم الفسخ ضررًا على المستأجر، والضرر يزال (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 38] ضمان المستأجر لما تلف من الزرع: • المراد بالمسألة: إذا استأجر أرضا، وأراد زراعتها، وبعد ذلك تلف الزرع بآفة لا صنع للآدمي فيها، فإن المؤجِر لا يضمن شيئًا للمستأجر، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إذا استأجر أرضا، فزرعها، فتلف الزرع، فلا شيء على المؤجِر، نص عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافا] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ومتى زرع فغرق الزرع، أو هلك بحريق أو جراد أو برد أو غيره، فلا ضمان على المؤجِر، ولا خيار للمكتري، نص عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافا] (¬4). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [ما تلف من الزرع فهو من ضمان مالكه، لا يضمنه له رب الأرض، باتفاق العلماء] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬6). ¬
39] خيار العيب للمستأجر في العين المستأجرة
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن صاحب الأرض لم يَتْلف شيء من الأرض بسببه، وإنما تلف ما وضعه الزارع بيده، فليس من العدل أن يضمن مالك الأرض شيئًا. الثاني: القياس على ما لو اكترى دارا ووضع فيها بُرا، ثم احترق البر، فكما أنه لا يضمن هنا شيئًا فكذلك في المسألة معنا، بجامع أن المؤجِر في كلتا الحالتين لم يكن متسببا في التلف، والذي تلف إنما هو مال المستأجر (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 39] خيار العيب للمستأجر في العين المستأجرة: • المراد بالمسألة: إذا وقعت الإجارة على العين، ثم تبين للمستأجر عيب في العين لم يعلم به قبل ذلك، ولم يكن العيب يسيرا، ولا يمكن إزالته إلا بضرر يلحقه، فإن المستأجر بالخيار إن شاء فسخ العقد، وإن شاء بقي على العقد الأول، من غير نقصان، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وإذا اكترى عينا، فوجد بها عيبا لم يكن علم به، فله فسخ العقد، بغير خلاف نعلمه] (¬2). نقله عنه البهوتي، وعبد الرحمن القاسم (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [أن يجد العين -أي: المستأجرة- معيبة عيبا لم يكن علم به، فله الفسخ بغير خلاف نعلمه] (¬4). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [ليس لأحدهما فسخها للزومها، إلا أن يجد العين معيبة عيبا لم يعلم به، فله الفسخ، بغير خلاف نعلمه] (¬5). ¬
40] عدم تضمين الأجير الخاص
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على بيوع الأعيان: فكما أنه يثبت له الخيار إذا كانت السلعة معيبة، فكذلك هنا، بجامع أنه عيب لا يمكن العاقد من استيفاء المنفعة في كل منهما (¬2). الثاني: أن المستأجر بمطلق العقد استحق المعقود عليه بصفة السلامة، فإذا وجده معيبا كان العقد مختلا، فثبت له حق الخيار (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 40] عدم تضمين الأجير الخاص: • المراد بالمسألة: الأجير الخاص: هو من يعمل لمعين، واحد أو أكثر، عملا مؤقتا بالتخصيص، فتكون منفعته مقدرة بالزمن، سُمي بذلك لاختصاص المستأجر بمنفعته في مدة الإجارة دون أن يشاركه فيها غيره (¬4). وهو إذا عمل ما استؤجر عليه، وتلف ما بيده، من غير تعد منه ولا تفريط، فإنه لا ضمان عليه، وإن تعمد الفساد فإنه يضمن، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • السرخسي (483 هـ) يقول: [لا خلاف أن أجير الواحد لا يكون ضامنا لما تلف في يده من غير صنعه] (¬5). ¬
• الكاساني (587 هـ) يقول بعد أن ذكر أن من أسباب ضمان الأجير الإتلاف والإفساد: [. . . وإن لم يكن متعديا في الإفساد، بأن أفسد الثوب خطأ بعمله من غير قصده، فإن كان الأجير خاصا، لم يضمن بالإجماع] (¬1). • الطرابلسي (¬2) (844 هـ) يقول: [ولا ضمان على أجير الوحد، فيما هلك في يده من غير صنعه بالإجماع] (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [(ولا ضمان على الأجير الخاص فيما تلف في يده، ولا ما تلف من عمله). . .، فإن تعمد ذلك -أي: الفساد- ضمن، كالمودع، بلا خلاف] (¬4). • الطوري (كان حيا: 1138 هـ) يقول: [(ولا يضمن ما تلف في يده أو بعمله) أما الأول -يقصد ما تلف بيده-. . .، فلا يضمن بالإجماع] (¬5). • ابن عابدين (1252 هـ) يقول: [قوله: (ولا يضمن ما هلك في يده) أي: بغير صنعه بالإجماع] (¬6). • علي حيدر (1353 هـ) يقول: [بالاتفاق لا يضمن الأجير الخاص. . .، المال الهالك بيده بغير صنعه] (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية في المشهور عنهم، والحنابلة كذلك، وابن حزم من الظاهرية (¬8). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬1). • وجه الدلالة: أن من أكل أموال الناس بالباطل تضمين من لم تجن يده على العين، كالأجير الخاص، فماله حق له، وأجره محفوظ عليه، ما لم يتعدَّ هو، فيتعدى عليه بمثل ما تعدى (¬2). الثاني: أن عمل الأجير الخاص غير مضمون عليه، فلم يضمن ما تلف به كالقصاص. الثالث: أنه نائب عن المالك في صرف منافعه فيما أمر به، فلم يضمن إذا لم يتعد كالوكيل (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة بعض العلماء فقالوا بأن كل من أخذ أجرا فهو ضامن لما وقع تحت يده، سواء كان أجيرا مشتركا أو خاصا. وهذا القول مروي عن علي وعبد الرحمن بن يزيد (¬4) (¬5)، وهو رواية عن الشافعي (¬6)، ورواية عن أحمد ¬
اختارها ابن أبي موسى (¬1). واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: القياس على المستام: فكما أنه يضمن، فكذلك الأجير الخاص، بجامع أن كلا منهما أَخَذَه لمنفعة نفسه (¬2). أما ما جاء عن علي -رضي اللَّه عنه- فعنه عدة أجوبة، منها: أولًا: عدم صحة ذلك عنه، وممن قال بضعفه الإمام الشافعي وابن قدامة (¬3). ثانيا: لو صح عنه فإنه محمول على الأجير المشترك، ويدل لهذا: أنه جاء عنه أنه قال بتضمين القصَّار والصوَّاغ والنجَّار، وكل هؤلاء الأصل فيهم أنهم من قبيل الأجير المشترك لا الخاص، وعليه فيحمل ما جاء عنه مطلقًا من القول بالتضمين، على ما جاء مقيدا من أمثال هؤلاء (¬4). ثالثًا: الوارد عن علي -رضي اللَّه عنه- أقوال عدة: فمرة قال بالتضمين مطلقًا، ومرة قال بعدم التضمين، ومرة ضمَّن نجارا، ومرة ضمن القصار والصواغ (¬5). فمثل هذا لا ¬
41] عدم ضمان الدابة في الإجارة
يؤخذ منه قول إلا إذا ثبت صحة أحدها دون غيره.Rعدم صحة الإجماع في عدم تضمين الأجير الخاص إذا لم يتعد أو يُفرِّط؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها، وصحته في تضمينه إذا تعمَّد إفساد العين المستأجرة. 41] عدم ضمان الدابة في الإجارة: • المراد بالمسألة: إذا استأجر المستأجر دابة، وبيَّن للمؤجر عين ما أراد استعمالها له، ولم يقع منه زيادة على ما وقع عليه العقد، ثم تلفت الدابة، فإنه لا ضمان على المستأجر، بإجماع العلماء. أما إذا تعدى على ما ذكر في العقد، ثم تلفت الدابة حال تعديه، فإنه ضامن لها بكمال قيمتها، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن من اكترى دابة ليحمل عليها عشرة أقفزة قمح، فحمل عليها ما اشترط، فتلفت، أن لا شيء عليه] (¬1). نقله عنه أبو عبد اللَّه القرطبي (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إذا تلفت -أي: الدابة- حال التعدي، ولم يكن صاحبها مع راكبها، فلا خلاف في ضمانها بكمال قيمتها] (¬3). نقله عنه شمس الدين ابن قدامة (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن المستأجر استعمل المنفعة فيما وقع عليه الشرط، ولم تقع منه ¬
42] عدم ضمان الراعي الذي لم يتعد
مخالفة لما أذن له فيه، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المسلمون على شروطهم" (¬1)، فلا ضمان عليه. الثاني: أن يد المستأجر يد أمانة، والأمين لا يضمن، ما لم يتعد بفعله، أو يُفرِّط.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 42] عدم ضمان الراعي الذي لم يتعد: • المراد بالمسألة: الراعي الذي يرعى البهائم، إذا استأجره رجل لرعي بهائمه إجارة خاصة، وتلفت الماشية، أو بعضها من غير تعد أو تفريط، فلا ضمان عليه، وإذا ثبت تفريطه أو تعديه -مثل: أن ينام عن السائمة، أو يغفل عنها، أو يتركها تتباعد منه، أو تغيب عن نَظَره وحِفْظه، أو يضربها ضربا يسرف فيه، أو في غير موضع الضرب، أو من غير حاجة إليه، أو سلك بها موضعا تتعرض فيه للتلف- فإنه يضمن، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [اتفقوا على أن الراعي ما لم يتعد، فلا ضمان عليه] (¬2). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬3). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [لا ضمان على الراعي فيما تلف من الماشية، ما لم يتعد، ولا نعلم فيه خلافا إلا عن الشعبي. . .، فأما ما تلف بتعديه، فيضمنه، بغير خلاف] (¬4). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬5). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [لا يضمن -أي: الراعي- ما تلف من الماشية إذا لم يتعد أو يفرط في حفظها، لا نعلم فيه خلافا، إلا ما روي عن الشعبي أنه كان يُضمِّن الراعي. . .، فأما ما تلف بتعديه، فيضمنه بغير خلاف] (¬6). ¬
• الأسيوطي (880 هـ) يقول: [واتفقوا على أن الراعي ما لم يتعد، فلا ضمان عليه] (¬1). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [(ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد) بغير خلاف نعلمه إلا ما روي عن الشعبي. . .، ما أُتلف بتعديه أنه ضامن له بغير خلاف] (¬2). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" (¬5). • وجه الدلالة: أن قاعدة الشرع في أموال المسلمين أنها معصومة، لا يجوز الاعتداء عليها إلا بحق، ومن ذلك الراعي فلا يُعتدى على ماله ما لم يقع التفريط منه أو الاعتداء. الثاني: القياس على المودَع، فكما أنه لا يضمن ما لم يقع منه الاعتداء أو التفريط فكذلك الراعي، بجامع أن كلا منهما مؤتمن على الحفظ، ويدهما على العين يد أمانة. الثالث: أنها عين قبضت بحكم الإجارة، فلا يقع الضمان ما لم يتعد أو يفرط، أشبه العين المستأجرة (¬6). • المخالفون للإجماع: ¬
43] ضمان الحمال الذي زحمه الناس
جاء عن الحسن: أنه يضمن الراعي إلا من موت. وجاء عن الشعبي أنه قال: يضمن الراعي (¬1). ولعلهم يستدلون: بالقياس على الأجير المشترك، فإنه يضمن. ويمكن أن يجاب عنهما: بأنه إذا ثبت ذلك عنهما فإنه: إما يحمل على الأجير المشترك، وقد وقع الخلاف فيه بين العلماء، أو يقال بأن قولهما شاذ لا يعتد به.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 43] ضمان الحمَّال الذي زحمه الناس: • المراد بالمسألة: من استأجر حمَّالا ليحمل له متاعا، فزحمه الناس من غير إرادة منه ولا قصد، ففسد المتاع الذي استؤجر عليه، فإنه لا ضمان عليه، ولو أنه هو الذي زحم الناس، فإنه يضمن، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • الإسبيجابي (في حدود: 480 هـ) يقول: [لو زحمه -أي: الحمَّال- الناس حتى انكسر -أي: الدن- فإنه لا يضمن بالإجماع. . .، ولو أنه هو الذي زحم حتى انكسر، فإنه يضمن بالإجماع]. نقله عنه العيني (¬2). • الكاساني (587 هـ) يقول: [ولو زحمه الناس -أي: الحمال- حتى فسد، لم يضمن بالإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية في المشهور عندهم، والحنابلة كذلك، وابن حزم من الظاهرية (¬4). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أنه لا يمكنه حفظ نفسه عن ذلك، فكان بمعنى الحرق الغالب، والغرق الغالب (¬1). الثاني: أن يده يد أمانة، والأمين لا يضمن ما تلف بغير فعله مما لا يمكنه التحرز منه، وتضمينه في هذه الحالة يعد أكلا لماله بغير حق. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الصاحبان من الحنفية، والشافعية في رواية عندهم، والحنابلة كذلك، وقالوا: بأنه يضمن (¬2). واستدل هؤلاء بدليل المعقول، وهو: أنه تسلم العمل على أن يسلمه له، ويأخذ أجرته، وهو لم يسلمه كما وقع في العقد، فيلزمه الضمان (¬3).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ¬
44] ضمان الحجام والختان والطبيب
44] ضمان الحجام والختان والطبيب: • المراد بالمسألة: الحجّام والختّان والطبيب إذا استُؤجِر واحد منهم، وفعل ما أُمر به، فإنه لا ضمان عليه، وهذا مشروط بأمرين، هما: الأول: أن يكون من أهل الحذق والمعرفة بهذه الصنعة. الثاني: أن لا تثبت جناية يديه على ما فعل. فإذا اختل أحد الأمرين أو هما جميعا، فإنهم يضمنون ما فعلوا بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الخطابي (388 هـ) يقول: [لا أعلم خلافا في المعالج إذا تعدَّى فتلف المريض، كان ضامنا] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • الكاساني (587 هـ) يقول: [الفصّاد (¬3) والبزَّاغ (¬4) والحجَّام إذا سرت جراحاتهم، لا ضمان عليهم بالإجماع] (¬5). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن الطبيب إذا أخطأ، لزمته الدية، مثل أن يقطع الحشفة في الختان، وما أشبه ذاك. . .، ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب، أنه يضمن] (¬6). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬7). ¬
• ابن قدامة (620 هـ) يقول: [(ولا ضمان على حجام، ولا ختان، ولا متطبب، إذا عرف منهم حذق الصنعة، ولم تجن أيديهم) وجملته: أن هؤلاء إذا فعلوا ما أمروا به، لم يضمنوا بشرطين: أحدهما: أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم، ولهم بها بصارة ومعرفة. . . .، الثاني: ألَّا تجني أيديهم، فيتجاوزوا ما ينبغي أن يقطع، فإذا وجد هذان الشرطان، لم يضمنوا. . .، فأما إن كان حاذقا وجنت يده، مثل أن تجاوز قطع الختان إلى الحشفة، أو إلى بعضها، أو قطع في غير محل القطع، أو يقطع الطبيب سلعة من إنسان، فيتجاوزها، أو يقطع بآلة كالَّة يكثر ألمها، أو في وقت لا يصلح القطع فيه، وأشباه هذا، ضمن فيه كله. . .، وكذلك الحكم في البزَّاغ، والقاطع في القصاص، وقاطع يد السارق. وهذا مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافا] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [(ولا ضمان على حجام، ولا ختان، ولا متطبب، إذا عرف منهم حذق الصنعة، ولم تجن أيديهم) وجملة ذلك: أن هؤلاء إذا فعلوا ما أمروا به، لم يضمنوا بشرطين: أحدهما: أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم. . . .، الثاني: ألَّا تجني أيديهم، فيتجاوزوا ما ينبغي أن يقطع، فإذا وجد هذان الشرطان، لم يضمنوا. . .، فأما إن كان حاذقا وجنت يده، مثل أن تجاوز قطع الختان إلى الحشفة، أو إلى بعضها، أو يقطع في غير محل القطع، أو قطع سلعة من إنسان، فتجاوز بها موضع القطع، أو يقطع بآلة كالّة يكثر ألمها، أو في وقت لا يصلح القطع فيه، وأشباه هذا، ضمن فيه كله. . .، وكذلك الحكم في البزَّاع، والقاطع في القصاص، وقاطع يد السارق. وهذا مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافا] (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [(وإذا فصد الفصاد، أو بزغ البزاغ، ولم يتجاوز المعتاد، فلا ضمان عليه فيما عطب من ذلك) أي: فيما هلك، ولا يعلم فيه ¬
45] عدم ضمان العين المستأجرة التي في يد المستأجر
خلاف] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من تطبَّب ولا يعلم منه طِبٌّ، فهو ضامن" (¬3). • وجه الدلالة: مفهوم الحديث أن من عالج أحدا وهو معروف بالطب، فليس عليه ضمان. الثاني: القياس على قطع الإمام يد السارق: فكما أنه لا يضمن إذا تعدى الموضع من غير قصد، فكذلك هنا، بجامع أن كلا منهما فعل فعلا مباحا مأذونا له فيه. الثالث: أما في حالة عدم توفر الشرطين أو أحدهما، فيقال: بأنه فعل فعلا محرما، فيضمن سرايته، كما لو وقع القطع منه ابتداء. الرابع: القياس على إتلاف المال: فكما أنه مضمون على صاحبه، فكذلك هنا، بجامع أن كلا منهما إتلاف لا يَخْتلف ضمانه بالعمد والخطأ (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 45] عدم ضمان العين المستأجَرة التي في يد المستأجِر: • المراد بالمسألة: العين المستأجرة أيا كانت تُعَدُّ يدُ المستأجر عليها يد أمانة، ¬
فلا ضمان عليه ما لم يقع تعد منه في استخدامها، أو تفريط في حفظها، وهذا أمر لا خلاف فيه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [لا خلاف في أن المستأجَر أمانة في يد المستأجر كالدار، والدابة، وعبد الخدمة، ونحو ذلك، حتى لو هلك في يده بغير صنعه لا ضمان عليه] (¬1). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، إن تلفت بغير تفريط، لم يضمنها. . .، ولا نعلم في هذا خلافا] (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، إن تلفت بغير تفريط، لم يضمنها. . .، ولا نعلم في هذا خلافا] (¬3). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [فلو تلفت -أي: العين المستأجرة- بآفة سماوية، كانت من ضمانه -أي: المؤجر- باتفاق المسلمين] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن قبض العين في الإجارة قبض مأذون فيه، يستوفى منها ما ملكه، وما كان مأذونا لا يكون مضمونا، قياسا على قبض الوديعة (¬6). الثاني: أن مال المستأجر مال محترم لا يجوز الاعتداء عليه إلا بحق، وإذا تعدى أو فرط في العين المستأجرة كان معتديا على مال غيره، فجاز معاقبته بمثل فعله، وهو ضمان ما تعدى عليه، أو فرط فيه. ¬
46] منع المطالبة بالأجرة المؤجلة
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 46] منع المطالبة بالأجرة المؤجلة: • المراد بالمسألة: الأصل في الأجرة أنها تكون بعد العقد، فإذا وقع الشرط منهما، أو من أحدهما، على تأجيل الأجرة، فلا يجوز للآخر مطالبة صاحبه بها، إلا بعد حلول المدة التي وقع الاتفاق عليها، بلا نزاع بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [ولا نزاع أنها إذا كانت مؤجلة -أي: الأجرة- لم تطلب إلا عند محل الأجل] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المسلمون على شروطهم" (¬3). • وجه الدلالة: أن تأجيل الأجرة شرط اتفق عليه العاقدان، ولم يكن فيه مخالفة لمقتضى العقد، فيجب الوفاء به (¬4). الثاني: القياس على البيع: فكما أنه يصح الثمن فيه حالا ومؤجلا، فكذلك الإجارة، بجامع أن كلا منهما ركن في عقد معاوضة (¬5).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
47] وجوب أجرة المثل في الإجارة الفاسدة التي لم تسم فيها الأجرة
47] وجوب أجرة المثل في الإجارة الفاسدة التي لم تسمَّ فيها الأجرة: • المراد بالمسألة: الإجارة الفاسدة هي: التي فقدت شرطا من شروط الصحة، فإذا استأجر عينا وكانت الإجارة فاسدة، وانتفع بالعين، ولم يسم الأجرة في العقد، فحينئذ يلزم المستأجِر أجرة المثل أيَّا كانت، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [إذا لم يكن فيه -أي: عقد الإجارة الفاسدة- تسمية، فإنه يجب أجر المثل بالغا ما بلغ، بالإجماع] (¬1). • الحداد (800 هـ) بعد أن ذكر أن الواجب في الإجارة الفاسدة هو أجر المثل، يقول: [وهذا إذا كان المسمى معلوما. أما إذا كان مجهولا. . .، فإنه يجب أجر المثل بالغا ما بلغ، إجماعا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} (¬4). • وجه الدلالة: أن من استغلَّ مال غيره بغير حق، فهي حرمة انتهكها، فعليه أن يقاص بمثله من ماله (¬5). الثاني: أنه إذا لم يكن في الإجارة تسمية الأجر، والمُؤجر لا يرضى باستيفاء المنافع من غير بدل، كان ذلك تمليكا بالقيمة -التي هي الموجب الأصلي في عقود المعاوضات- دلالة، فكان تقويما للمنافع بأجر المثل؛ إذ هو قيمة المنافع ¬
48] وجوب أجرة المثل في العمل الزائد عن المتفق عليه في الإجارة
في الحقيقة (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 48] وجوب أجرة المثل في العمل الزائد عن المتفق عليه في الإجارة: • المراد بالمسألة: إذا استأجر أرضا للزراعة، وحدد قدرها ومكانها ونوع الزرع المراد زرعه فيها، واتفقا على الثمن، ثم بعد ذلك زرع المستأجر في مكانٍ خارج عن الحد المتفق عليه بينهما، فإن عليه أجرة المثل مقابل زراعته في الجزء الزائد، بغض النظر عن الأجرة المسماة، في الجزء المتفق عليه بينهما في العقد، وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) لما سئل عمَّن أجر أرضا للزراعة، وكان مقدارها معلوما، لكن المستأجر زاد عن القدر المحدد في العقد، واستفاد منه، أجاب بقوله: [ما زرعوه زائدا عما يستحقونه بالإجارة، فزرعهم بأجرة المثل، فمتى استعملوا الزائد كان عليهم أجرة المثل، باتفاق المسلمين] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن هذا يعد متعديا بفعله حين زرع زائدا عن مكانه المتفق عليه؛ إذ بقي جزء من البدل بدون مقابل، فكان عليه أجرة المثل في القدر الزائد، حتى لا يُبْخس المؤجر حقه (¬4). ¬
49] جواز إجارة العين المستأجرة بمثل الأجرة الأولى
الثاني: أن الزرع له نهاية معلومة، يمكن فيها مراعاة جانب الطرفين في العقد، من غير وقوع ضرر عليهما، فالمؤجِر يعطى حقه، والمستأجِر لا يتلف ماله، ونظيره: من اشترى ثمرة شجرة وانقضت المدة ولم تنتهِ الثمرة (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 49] جواز إجارة العين المستأجرة بمثل الأجرة الأولى: • المراد بالمسألة: إذا استأجر عينا، ثم أراد إجارتها على آخر بعد أن قبضها، فإنه يجوز له تأجيرها بمثل ما استأجرها به، بلا نزاع بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [يجوز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره بمثل الأجرة، بلا نزاع] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن معقل (¬4) قال: زعم ثابت (¬5) أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن ¬
50] جواز إجارة المشاع من الشريك
المزارعة، وأمر بالمؤاجرة، وقال: "لا بأس بها" (¬1). • وجه الدلالة: أن من أجر ما استأجر بمثل الأجرة فقد عقَد عقْد إجارة صحيح لا شبهة فيه، فدخل في عموم الجواز الذي أمر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). الثاني: القياس على بيع الأعيان: فكما أن للمشتري بيع العين بمثل ما اشتراها به فكذلك في بيع المنافع، بجامع أن كلا منهما عقد معاوضة.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 50] جواز إجارة المشاع من الشريك: • المراد بالمسألة: إذا كانت الشراكة بين اثنين في مال، ولم يكن هذا المال مقسوما بينهما، وإنما ملكهما عليه مشاعٌ شيوعا أصليا وليس طارئًا، ثم أراد أحدهما أن يؤجر نصيبه على شريكه، فإن هذا جائز بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الإسبيجابي (في حدود: 480 هـ) يقول: [إجارة المشاع من شريكه، جائزة بالإجماع]. نقله عنه العيني، والشلبي (¬3). • الطرابلسي (844 هـ) يقول: [لو أجر أحد الشريكين نصيبه من شريكه، جاز بالإجماع] (¬4). • عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول: [(ولا تصح إجارة المشاع) سواء كان الشيوع فيما يحتمل القسمة: كالعروض، أو فيما لا يحتمل ¬
القسمة: كالعبد. . . (إلا من الشريك) فإنه يجوز إجماعا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على البيع: فكما أنه يجوز بيع المشاع، فكذلك إجارته، بجامع أن كلا منهما بيع، فالإجارة بيع منافع، والبيع بيع أعيان (¬3). الثاني: أنه يجوز إذا وقع التأجير من الشريكين معا، فجاز لأحدهما فعله في نصيبه مفردا، كالبيع (¬4). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنفية في رواية عندهم هي المنقولة عن الإمام أبي حنيفة، واختارها زفر، وقالوا: لا تجوز إجارة المشاع مطلقًا من الشريك ومن غيره (¬5). استدل هؤلاء: بالقياس على غير الشريك: فكما أنه لا يجوز من غير الشريك، فكذلك لا يجوز مع الشريك، كالرهن والهبة (¬6).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها (¬7). ¬
51] عدم صحة الإكراه في الإجارة
51] عدم صحة الإكراه في الإجارة: • المراد بالمسألة: إذا أُكْره المؤجر على عقد الإجارة بغير حق، فإن الإجارة لا تصح، وهو مخيَّر بعد ارتفاع الإكراه عنه بين الفسخ والمضي فيه، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [إذا كانوا مكرهين على الإجارة بغير حق، لم تصح الإجارة، ولم تلزم، بلا نزاع بين الأئمة] (¬1). ويقول أيضًا: [المكره بغير حق، لا يلزم بيعه، ولا إجارته، ولا إنفاذه، باتفاق المسلمين] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬4). • وجه الدلالة: أن الإجارة تعد من التجارة، فلا بد فيها من التراضي بين الطرفين، وإلا عُد ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، والإكراه على الإجارة لا يحصل فيه الرضا، ومن ثَمَّ لا تترتب عليه آثاره (¬5). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطب الناس في حجة الوداع فقال: "لا يحل لامرئ من مال أخيه، إلا ما أعطاه عن طيب نفس" (¬6). ¬
• وجه الدلالة: أن المكره على العقد الذي اشتمل على المال -أيًّا كان هذا العقد- قد أُخذ ماله بغير طيب نفس منه، فلا يحل للآخذ أخذه (¬1). الثالث: القياس على البيع: فكما أنه لا يصح الإكراه فيه بغير حق، فكذلك الإجارة، بجامع أن كلا منهما معاوضة بين طرفين.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. * * * ¬
الباب الرابع: مسائل الإجماع في كتاب المساقاة والمزارعة
الباب الرابع: مسائل الإجماع في كتاب المساقاة والمزارعة 1] مشروعية المساقاة: • المراد بالمسألة: المساقاة في اللغة: مأخوذة من السقي، وهو: إشراب الشيء الماء وما أشبهه (¬1). • وفي الاصطلاح: دفع شجر مغروس معلوم، ذي ثمر مأكول لمن يعمل عليه بجزء شائع معلوم من ثمره (¬2). • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [والأصل في جوازها: السنة والإجماع. . .، وأما الإجماع: فقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- وعن آبائه: [عامل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أهل خيبر بالشطر، ثم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع، وهذا عمل به الخلفاء الراشدون في مدة خلافتهم] واشتهر ذلك، فلم ينكره منكر، فكان إجماعا] (¬3). ¬
• شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [والأصل في جوازها: السنة والإجماع. . .، وأما الإجماع: فقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- وعن آبائه: [عامل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أهل خيبر بالشطر، ثم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع، وهذا عمل به الخلفاء الراشدون في مدة خلافتهم] (¬1) واشتهر ذلك، فلم ينكره منكر، فكان إجماعا] (¬2). • زكريا الأنصاري (926 هـ) يقول: [والأصل فيها -أي: المساقاة - قبل الإجماع. . . .] (¬3). • ابن حجر الهيتمي (974 هـ) يقول: [والأصل فيها قبل الإجماع. . . .] (¬4). • الشربيني (977 هـ) يقول: [والأصل فيها قبل الإجماع. . .] (¬5). • الرملي (1004 هـ) يقول: [والأصل فيها قبل الإجماع. . . .] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: أبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬7). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تعامل مع أهل خيبر بالمزارعة والمساقاة، فدل على جوازهما (¬2). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قالت الأنصار للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. قال: "لا" فقالوا: تكفوننا المؤونة، ونشرككم في الثمرة؟ قالوا: سمعنا وأطعنا (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرهم على هذه المعاملة وهي أن يكفوهم مؤونة الزرع من سقي ونحوه مما يحتاجه، ولهم جزء من الثمرة، وهذه صورة المساقاة (¬4). الثالث: المعنى يدل على جوازها، فإن كثيرا من أهل النخيل والشجر يعجزون عن عمارتها وسقيها، ولا يمكنهم الاستئجار عليها، وكثير من الناس لا شجر لهم، ويحتاجون إلى الثمر، ففي تجويز المساقاة دفع للحاجتين، وتحصيل لمصلحة الفئتين، فجاز ذلك، كالمضاربة بالأثمان (¬5). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: أبو حنيفة وزفر، فقالا: لا تجوز المساقاة (¬6). وقال بكراهتها: الحسن وإبراهيم (¬7). ¬
2] تحريم المساقاة على ما لا ثمر له
ويستدل هؤلاء بدليل عقلي، وهو: أن هذا العقد يعتبر عقد إجارة، وقد اشتمل على عدة محاذير كلها لا تجوز، منها: أن الأجرة مجهولة معدومة، وكذلك في وجودها خطر، وكل واحد من المعنيين يمنع صحة الاستئجار؛ لأن الاستئجار بما يكون على خطر الوجود، في معنى تعليق الإجارة بالخطر، والاستئجار بأجرة مجهولة بمنزلة البيع بثمن مجهول، وكلاهما منهي عنه. وقد جاء في حديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن استئجار الأجير حتى يُبيِّن له أجره" (¬1).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. ولعل الذين حكوا الإجماع من العلماء قصدوا أن مخالفة من خالف تعد شاذة لا اعتبار لها، وقد نص على ذلك ابن المنذر (¬2)، ولا يقال بأن العذر أنهم لم يطلعوا على الخلاف في المسألة؛ لأنه خلاف مشتهر ومعروف، ويتناقله العلماء حتى الشافعية في كتبهم. 2] تحريم المساقاة على ما لا ثمر له: • المراد بالمسألة: الشجر: منه ما له ثمرة، ومنه ما ليس له ثمرة، والذي له ثمرة: منه ما ثمرته مقصودة، ومنه ما ثمرته غير مقصودة، والمساقاة لا تجوز في كل ما لا ثمرة له كالصفصاف والحور ونحوها، أو له ثمرة لكنها غير مقصودة كالصنوبر والأرز ونحوها، بلا خلاف بين العلماء. ويستثنى من هذا الضابط ما يقصد ورقه أو زهره كالورد والياسمين ونحوها. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وأما ما لا ثمر له من الشجر: كالصفصاف والجوز (¬3) ونحوهما، أو له ثمر غير مقصود: كالصنوبر والأرز، فلا تجوز ¬
المساقاة عليه. وبه قال مالك، والشافعي، ولا نعلم فيه خلافا] (¬1). نقله عنه برهان الدين ابن مفلح، والبهوتي (¬2). • شمس الدين ابن قدمة (682 هـ) يقول: [وأما ما لا ثمر له من الشجر: كالصفصاف والجوز ونحوهما، أو له ثمر غير مقصود: كالصنوبر والأرز، فلا تجوز المساقاة عليه. وبه قال مالك، والشافعي، ولا نعلم فيه خلافا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع" (¬5). • وجه الدلالة: أن الشجر الذي لا ثمر له ليس منصوصا عليه، ولا في معنى المنصوص عليه، فلا تحل المساقاة عليه. الثاني: أن المساقاة قائمة على جعل المعاوضة في الثمرة، فإذا لم تكن ثمة ثمرة فقد اختل ركن من أركان العقد (¬6). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنفية، وأبو ثور، فقالوا: تجوز المساقاة على ¬
3] تحريم المساقاة فيما لا تزيد به الثمرة
الشجر مطلقًا، سواء كان له ثمر أم لا (¬1). واستدل هؤلاء بدليل من المعقول، وهو: أن الشجر الذي له ثمر يحتاج إلى رعاية وحفظ وسقي، ومثل هذه الأمور تجوز المعاقدة عليها (¬2).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 3] تحريم المساقاة فيما لا تزيد به الثمرة: • المراد بالمسألة: الثمرة إذا بلغت حدا لا تزيد معه بعد بدو صلاحها كالجذاذ والحصاد ونحوهما، لم تجز المساقاة عليها، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [. . . فإن بقي -أي: عند عقد المساقاة- ما لا تزيد به الثمرة، كالجذاذ ونحوه، لم يجز -أي: العقد- بغير خلاف] (¬3). نقله عنه البهوتي (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [. . . فإن بقي -أي: عند عقد المساقاة- ما لا تزيد به الثمرة، كالجذاذ ونحوه، لم يجز -أي: العقد- بغير خلاف] (¬5). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [فإن بقي ما لا تزيد به كالجداد، لم يجز بغير خلاف] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬7). ¬
4] فساد اشتراط اشتراك المتساقيين في الأرض والشجر
• مستند الإجماع: يستدل لهذا الإجماع بدليل من المعقول، وهو: أن العامل لا يستحق الأجر إلا بالعمل، والعمل قد ذهب معظمه بعد تناهي الثمرة وإدراكها، فيكون العقد قد اختل جزء من أجزائه وهو العمل، فلا يصح (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 4] فساد اشتراط اشتراك المتساقيين في الأرض والشجر: • المراد بالمسألة: إذا وقع عقد المساقاة بين طرفين، دفع أحدهما الأرض إلى الآخر، على أن تقع المشاركة بينهما في الشجر والأرض جميعا، فالعقد فاسد بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وإن دفعها -أي: الأرض - على أن الأرض والشجر بينهما، فالمعاملة فاسدة، وجها واحدا. وبهذا قال مالك، والشافعي، وأبو يوسف، ومحمد، ولا نعلم فيه مخالفا] (¬2). نقله عنه البهوتي، والرحيباني (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [فأما إن دفعها -أي: الأرض- على أن الأرض والشجر بينهما، فذلك فاسد، وجها واحدا. وبهذا قال مالك، والشافعي، وأبو يوسف، ومحمد، ولا نعلم فيه مخالفا] (¬4). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [فلو دفعها إليه على أن الأرض والشجر بينهما، فذلك فاسد، بغير خلاف نعلمه] (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن صاحب الأرض يكون مشتريا لنصف الثمرة من العامل بنصف الأرض، والثمرة مجهولة ومعدومة، فلا يجوز العقد على مثل هذا. الثاني: القياس على ما إذا استأجر أجيرا ليجعل أرضه بستانا بآلات الأجير، على أن تكون أجرته نصف البستان الذي يظهر بعمله، فكما أنه لا يجوز هذا العقد فكذلك معنا، بجامع جهالة الثمن في كلًّ منهما (¬2). الثالث: القياس على مسألة من دفع إليه الشجر والنخيل ليكون الأصل والثمرة بينهما، أو شرط في المزارعة كون الأرض والزرع بينهما، فإنه لا يجوز مثل هذا، والجامع بين المسألتين: أن كلا منهما شرط المشاركة في الأصل، وهذا يفسد العقد (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: المالكية، فقالوا: يجوز أن يكون الطرفان شريكين في الأرض والشجر (¬4). واستدلوا بدليل من المعقول، وهو: ¬
5] بطلان المزارعة على جزء معين من الزرع
القياس على المساقاة: فكما أنها جائزة بنص السنة، فكذلك هذه المسألة (¬1).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 5] بطلان المزارعة على جزء معين من الزرع: • المراد بالمسألة: المزارعة في اللغة: مأخوذة من الزرع، وأصل الكلمة يدل على تنمية الشيء (¬2)، يقال: العبد يحرث، واللَّه يزرع، أي: ينبت وينمي، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)} (¬3). وزرع الزارع الأرض من إسناد الفعل إلى السبب مجازا (¬4). • وفي الاصطلاح: معاقدة على الزرع بين صاحب الأرض وبين المزارع، على أن يقسم الحاصل بينهما بالحصص التي يتفقان عليها وقت العقد (¬5). إذا دفع أرضه إلى من يزرعها ويعمل عليها، واشترط على العامل أن يكون له جزء معين من الزرع، مثل: أن يشترط جهة من الزرع كالجهة الشمالية ونحوها، أو ما يكون على السواقي والجداول ونحوها، فالعقد فاسد، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن بطال (449 هـ) يقول: [هذا الوجه المنهي عنه في هذا الحديث -أي: حديث رافع- لا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز] (¬6). • الماوردي (450 هـ) يقول: [. . . فأما الضرب الذي أجمعوا على فساده: فهي أن تكون حصة كل واحد منهما من زرع الأرض مفردة عن حصة صاحبه، مثل ¬
أن يقول: قد زارعتك على هذه الأرض على أن ما زرعت من هرن (¬1) كان لي، وما زرعت من أفل (¬2) كان لك، أو على ما نبت من الماذيانات (¬3) كان لي، وما نبت على السواقي والجداول كان لك، أو على أن ما سقي بالسماء فهو لي، وما سقي بالرشاء فهو لك، فهذه مزارعة باطلة، اتفاق الفقهاء على فسادها] (¬4). • العمراني (558 هـ) يقول: [فإن دفع رجل إلى رجل أرضا ليزرعها، على أن يكون لرب الأرض أو للعامل زرع موضع بعينه، مثل: أن يقول: زارعتك على هذه الأرض، على أن لك ما ينبت على السواقي وما أشبه ذلك، والباقي لي، فهذا باطل بالإجماع] (¬5). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وإن زارعه على أن لرب الأرض زرعا بعينه، وللعامل زرعا بعينه، مثل أن يشترط لأحدهما زرع ناحية، وللآخر زرع أخرى، أو يشترط أحدهما ما على السواقي والجداول، إما منفردا، أو مع نصيبه، فهو فاسد بإجماع العلماء] (¬6). نقله عنه البهوتي (¬7). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [لو شرط لأحدهما (دراهم معلومة، أو زرع ناحية معينة) أو يشترط لأحدهما ما على الجداول، إما منفردا أو مع نصيبه، فهو فاسد بإجماع العلماء] (¬8). ¬
• ابن تيمية (728 هـ) يقول: [والذي نهى عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من المخابرة وكراء الأرض، قد جاء مفسرا بأنهم كانوا يشترطون لرب الأرض زرع بقعة معينة، ومثل هذا الشرط باطل بالنص والإجماع] (¬1). ويقول أيضًا: [. . . وما أعلم فيه مخالفا، أنه لا يجوز أن يشترط لأحدهما ثمرة شجرة بعينها، ولا مقدارا محدودا من الثمر، وكذلك لا يشترط لأحدهما زرع مكان معين، ولا مقدارا محدودا من نماء الزرع، وكذلك لا يشترط لأحدهما ربح سلعة بعينها، ولا مقدارا محدودا من الربح] (¬2). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [. . . (أو شرطا لأحدهما قفزانا معلومة. . .، أو دراهم معلومة. . .، أو زرع ناحية من الأرض فسدت المزارعة والمساقاة) بإجماع العلماء] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن حنظلة بن قيس الأنصاري (¬5) قال: سألت رافع بن خديج -رضي اللَّه عنه- عن ¬
6] تحريم اشتراط منفعة على العامل في المزارعة
كراء الأرض بالذهب والورق؟ فقال: "لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهاهم عما كانوا يتعاملون به، وهو اشتراط جزء معين من الزرع في المزارعة، فدل ذلك على تحريمه. الثاني: أن اشتراط جزء معين من الزرع، لا يؤمن عليه التلف، فيقع الحيف والجور في المعاملة؛ لاحتمال انفراد أحدهما بالغلة دون صاحبه (¬2). الثالث: أن المزارعة فيها معنى المشاركة، واشتراط جزء معين يؤدي إلى قطع المشاركة بينهما في الريع مع حصوله؛ لجواز أن يحصل الريع في الناحية المشروطة لأحدهما دون الآخر، فصار كما لو اشترط جزءا معلوما من الربح في المضاربة (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 6] تحريم اشتراط منفعة على العامل في المزارعة: • المراد بالمسألة: إذا وقع العقد بين طرفين على المزارعة، واشترط رب الأرض على العامل شرطا خارجا عن مقتضى العقد، يكون فيه منفعة له، مثل: أن يشترط عليه استعارة دوابه، أو رعي ماشيته، أو يزرع له أرضا أخرى غير التي وقع عليها العقد، وما أشبه ذلك، فهذا الشرط محرم، بلا نزاع من العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [يشترط أحدهما على الآخر، أن يزرع له أرضا أخرى، أو يبضعه بضاعة يختص ربها بربحها، أو يسقي له شجرة أخرى، ونحو ¬
7] جواز اشتراط استئجار الأرض وزراعة ما شاء فيها
ذلك مما قد يفعله كثير من الناس، فإن العامل لحاجته قد يشترط عليه المالك نفعه في قالب آخر، فيضاربه، ويبضعه بضاعة، أو يعامله على شجر وأرض، ويستعمله في أرض أخرى، أو في إعانة ماشية له، أو يشترط استعارة دوابه، أو غير ذلك، فإن هذا لا يجوز شرطه، بلا نزاع أعلمه بين العلماء] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على اشتراط جزء معين في المزارعة؛ لأنه إذا اشترط عليه منفعة معينة مع العمل، فإنه يكون قد اختص أحدهما باستيفاء هذه المنفعة، وقد لا يحصل نماء للزرع، أو يحصل دون ما ظنه، فيكون الآخر قد أخذ منفعته بالباطل، وقامره وراباه، فإن فيه ربا وميسرا، وكلها محرمة (¬3). الثاني: أن هذا شرط يخالف حكم اللَّه ورسوله؛ لاشتماله على المحرم شرعا، وكل شرط محرم شرعا لا يجوز اشتراطه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 7] جواز اشتراط استئجار الأرض وزراعة ما شاء فيها: • المراد بالمسألة: إذا استاجر أرضا، وشرط عليه المستأجر أن يزرع فيها ما ¬
يشاء، أو يغرس فيها ما يشاء، من غير أن يحدد زرعا أو غرسا معينا، فإن هذا الشرط جائز، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • العيني (855 هـ) يقول: [لو استأجرها -أي: الأرض- ليزرع فيها ما شاء، أو يغرس ما شاء، يجوز بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية في قول عندهم، وهو الأصح عند جمهور الشافعية، وكذا الصحيح من مذهب الحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أنه أطلق له في العقد، وجعل له ما شاء من الزرع، فيجوز له استئجارها لأكثر الزرع ضررا، ويباح له جميع الأنواع، بناء على الإطلاق الذي بُني عليه العقد (¬3). الثاني: أن الجهالة في الإطلاق هنا غير مفضية للنزاع؛ وذلك لوجود الشرط الذي وقع عليه التراضي (¬4). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: المالكية في المشهور عنهم، والشافعية في وجه عندهم، وكذلك الحنابلة في وجه أيضًا عندهم، وابن حزم من الظاهرية، فقالوا: بعدم جواز استئجار الأرض، واشتراط زراعة ما شاء فيها (¬5). ¬
8] جواز استئجار الأرض التي لها ماء دائم للزرع والغرس
واستدل هؤلاء: بالقياس على ما لو باعه عبدا من عبيده، بجامع الجهالة في كل منهما، والتفاوت في النوع الواحد، فالعبيد مختلفون، وكذلك الزراعة تختلف باختلاف نوعها (¬1).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 8] جواز استئجار الأرض التي لها ماء دائم للزرع والغرس: • المراد بالمسألة: استئجار الأرضِ له مشارب مختلفة، فمن استأجرها من أجل الغرس والزرع، وكان لها ماء دائم - وهو: إما نهر لم تجر العادة بانقطاعه، أو لا ينقطع إلا مدة لا يؤثر في الزرع، أو عين نابعة، أو بركة يجتمع فيها مياه الأمطار ثم يسقى به، أو بئر يقوم بكفاية الزرع، أو ما يشرب بعروقه لنداوة الأرض وقرب الماء الذي فيها - فإن الإجارة صحيحة، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ويصح استئجارها -أي: الأرض التي يكون لها ماء دائم- للغرس والزرع، بغير خلاف علمناه] (¬2). نقله عنه البهوتي، والرحيباني (¬3). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [وإن كان لها ماء دائم، من نحو: نهر، أو بئر، صح الاستئجار للغرس والزرع، بلا خلاف] (¬4). • الموافقون على الإجماع: ¬
9] جواز إجارة الأرض بالذهب والفضة
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من المعقول، وهو: أن المنفعة معلومة، مقدور على تسليمها، والمستأجر قد تمكن من استلامها حقيقة، فتصح الإجارة عليها (¬2).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 9] جواز إجارة الأرض بالذهب والفضة: • المراد بالمسألة: الأرض البيضاء التي لا شيء فيها، يجوز لمالكها إجارتها بالنقدين الذهب والفضة، إذا توفرت فيها شروط الإجارة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الإمام أحمد بن حنبل (241 هـ) يقول: [ما اختلفوا في الذهب والورق]. نقله عنه ابن المنذر، وابن قدامة (¬3). • الطبري (310 هـ) يقول: [واختلفوا في كراء الأرض البيضاء، بشيء من جنس المكترى له، بعد إجماعهم على أنها إذا اكتُريت بالذهب والورق، فجائز] (¬4). • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمع عوام أهل العلم على أن اكتراء الأرض، وقتا معلوما، جائز بالذهب والفضة. . .، وأجازه كل من نحفظ عنه من ¬
أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬1). نقله عنه ابن قدامة، وابن القطان، وشمس الدين ابن قدامة، وابن حجر، والعيني، والشوكاني (¬2). • ابن بطال (449 هـ) يقول: [اتفق العلماء على أنه يجوز كراء الأرض بالذهب والفضة] (¬3). نقله عنه ابن حجر، والشوكاني (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن حنظلة بن قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض؟ فقال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها"، فسأله عن كرائها بالذهب والورق؟ فقال: "لا بأس بكرائها بالذهب والورق" (¬5). الثاني: عن رافع بن خديج -رضي اللَّه عنه- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المزابنة والمحاقلة، وقال: "إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فهو يزرعها، ورجل منح أخاه أرضا فهو يزرع ما منح منها، ورجل اكترى بذهب أو فضة" (¬6). • وجه الدلالة من الحديثين: هذان الحديثان صريحان في جواز كراء الأرض بالذهب والفضة، وهو مقيد للتحريم المطلق عن كراء الأرض. ¬
• المخالفون للإجماع: نُقل الخلاف في المسألة عن جمع من الصحابة والتابعين أنهم قالوا بالنهي عن كراء الأرض بالذهب والفضة، منهم: ابن عمر، وجابر، وابن عباس، ورافع بن خديج، ومجاهد، والحسن، وطاوس، وعكرمة، والقاسم بن محمد (¬1)، وابن سيرين، وعطاء، ومكحول، ومسروق، ونصر هذا القول ابن حزم من الظاهرية (¬2). واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها: الأول: عن رافع بن خديج -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كراء الأرض" (¬3). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه" (¬4). الثالث: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المزابنة والمحاقلة". المحاقلة: كراء الأرض (¬5) (¬6). أما الأقوال عن الصحابة والتابعين فلم أجد من نقل هذا عنهم غير ابن حزم إلا ما نقل عن طاوس والحسن وعطاء فقط (¬7)، والبقية قد انفرد ابن حزم بذكر القول ¬
عنهم. ولا شك أن هذا الانفراد في النقل عن هؤلاء الأئمة يدعو إلى الريبة والشك، ويتطلب أخذ الحيطة والحذر في الجزم بالنسبة إليهم. ويجاب عما نقله ابن حزم عنهم بما يلي: أولًا: أن عامة هذه النقول جاءت عامة في النهي عن كراء الأرض، وقد جاء استثناء الذهب والفضة في نصوص أخرى، كما جاء ذلك في الأحاديث التي وردت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا يمكن فصل هذه النصوص بعضها عن بعض، والذين ورد عنهم النهي المطلق، لا يدل على عدم التقييد عندهم (¬1). ثم إن هذه النقول عن هؤلاء، لا تخفى على العلماء، ولم يُنقل أن واحدا منهم نقل هذا النقول التي انفرد بأكثرها ابن حزم، فدل على أنهم فهموا غير ما فهمه ابن حزم منها، وأنها ليست على إطلاقها، ومما يتأيد به هذا الكلام، نَقْل ابن المنذر الإجماع عن الصحابة، وإقرار ابن حجر والعيني له على ذلك. ثانيًا: أن النهي الذي جاء عنهم محمول على ما يكون فيه غرر وجهالة، تفضي إلى النزاع والشقاق، وهو منتف في كراء الأرض بالذهب والفضة، ويدل على هذا المعنى ما جاء في حديث رافع، وفيه: "كُنَّا أكثر أهل المدينة حقلًا، وكان أحدنا يكري أرضه، فيقول: هذه القطعة لي، وهذه لك، فربما أَخرجت ذه، ولم تُخرج ذه، فنهاهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-". وفي لفظ له أيضًا "فربما أخرجت هذه، ولم تخرج هذه، فنهينا عن ذلك، ولم نُنْه عن الوَرق" (¬2). ثالثًا: من هذه الآثار ما يغلب على الظن تراجع أصحابها عنها، كما هو الحال في قول طاوس -وهو الذي اشتهر عنه القول به- فقد جاء عنه كراهة كراء الأرض بالذهب والفضة صريحا، وقد نص بعض العلماء على أن هذا هو أحد قوليه (¬3). ومن العلماء من شكك في نسبة هذا القول إليه وإلى الحسن، ومن هؤلاء: القاضي ¬
عبد الوهاب حيث قال: [ولا أظن الحكاية ثابتة] (¬1). رابعًا: من الآثار ما يغلب على الظن أن أصحابها قالوها تورعا وتركوها احتياطا، كما ورد عن ابن عمر (¬2)، ويدل لهذا ما أخبر به سالم بن عبد اللَّه أن عبد اللَّه بن عمر كان يكري أراضيه، حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض، فلقيه عبد اللَّه، فقال: يا ابن خديج ماذا تُحدث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كراء الأرض؟ قال رافع بن خديج لعبد اللَّه: سمعت عَمّيَّ -وكانا قد شهدا بدرا- يحدثان أهل الدار أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن كراء الأرض، قال عبد اللَّه: لقد كنت أعلم في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الأرض تكرى، ثم خشي عبد اللَّه أن يكون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدث في ذلك شيئًا لم يكن علمه، فترك كراء الأرض (¬3). فخشْيَة ابن عمر تدل على تورعه كما هو معروف عنه، ولا يمكن أن يجزم بأن هذا رأي له. ولذا جاء في رواية أنه كان إذا سئل عن ذلك؟ قال: زعم رافع أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن ذلك. وأصرح من هذا ما رواه نافع عنه قال: كان ابن عمر يُكري أرضه فأخبر بحديث رافع بن خديج فأخبره، فقال: قد علمت أن أهل الأرض يعطون أراضيهم على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويشترط صاحب الأرض أن لي الماذيانات، وما سقى الربيع، ويشترط من الجرين (¬4) شيئًا معلوما، قال: فكان ابن عمر يظن أن النهي لما كانوا يشترطون (¬5). وهذا يدل على أن النهي إنما هو إذا كان شرط بين المتعاقدين على أن له شيء محدد من الأرض، وهذا فيه جهالة وضمان، وكلها فاسدة لا تجوز. خامسًا: أن الذين ورد عنهم النهي، لعل مردَّه إلى ما قاله رافع بن خديج -رضي اللَّه عنه-، وإنما هو فَهْم فهمه على غير وجهه، كما يدل على ذلك ما جاء عن زيد بن ثابت حين قال: يغفر اللَّه لرافع بن خديج! أنا -واللَّه- أعلم بالحديث منه، إنما كانا ¬
رجلين اقتتلا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن كان هذا شأنكم، فلا تكروا المزارع" فسمع قوله: "لا تكروا المزارع" (¬1). ثم إن من العلماء من أنكر ذلك على رافع، منهم: سالم بن عبد اللَّه بن عمر فقد حدث عنه ابن شهاب أنه قال: سألت سالما عن كراء الأرض بالذهب والفضة؟ فقال: [لا بأس بذلك]، قال فقلت: أرأيت الحديث الذي يُذكر عن رافع بن خديج؟ فقال: [أكثر رافع بن خديج، ولو كانت لي أرض أكريتها] (¬2). وقد ثبت عن رافع أنه أجاز كراء الأرض بالذهب والفضة حين سئل عن ذلك، فقال: [لا بأس بكرائها بالذهب والورق] (¬3). على أن من العلماء من ضعف حديث رافع، وحكم عليه بالاضطراب، كما جاء عن الإمام أحمد أنه قال: [حديث رافع ألوان] وقال: [حديث رافع ضروب] وقال ابن القيم قبل أن ينقل ذلك عن الإمام أحمد: [حديث رافع في غاية الاضطراب والتلون] (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة، وما ذكر من الأقوال فما كان ثابتا صحيحا وهو قليل، فإنه يعتبر شاذ لا يُعْتد به، خاصة وأن ممن حكى الإجماع الإمام أحمد، وهو الذي عرف عنه شدة تورعه عن حكاية الإجماع، ومما يؤكد ذلك أن ابن المنذر نص على عدم الخلاف بين الصحابة في ذلك، فالإجماع في المسألة قديم. * * * ¬
الباب الخامس: مسائل الإجماع في كتاب الجعالة
الباب الخامس: مسائل الإجماع في كتاب الجعالة 1] مشروعية الجعالة: • المراد بالمسألة: الجعالة بالفتح، والاسم منه بالضم وهي في اللغة: مأخوذة من الجُعل، وهو ما يجعل للإنسان على الأمر يفعله (¬1). • وفي الاصطلاح: التزام عوض معلوم، على عمل معين، معلوم أو مجهول، يعسر عمله (¬2). والعلماء مجمعون -من حيث الأصل- على جواز الجعالة بهذا المعنى. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [الجعالة في رد الضالة والآبق وغيرهما جائزة، وهذا قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا] (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [الجعالة: أن يجعل جعلا من رد آبق، أو ضالة، أو بناء حائط، أو خياطة ثوب، وسائر ما تجوز الإجارة عليه. وهذا قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا] (¬4). • زكريا الأنصاري (926 هـ) يقول بعد أن ذكر تعريف الجعالة: [والأصل فيها قبل الإجماع. . .] (¬5). ¬
• ابن حجر الهيتمي (974 هـ) يقول: [وأصلها قبل الإجماع. . . .] (¬1). • الشربيني (977 هـ) يقول: [والأصل فيها قبل الإجماع. . . .] (¬2). • الرملي (1004 هـ) يقول: [والأصل فيها: الإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (¬5). • وجه الدلالة: أنهم جعلوا جعلا لمن جاء بصواع الملك الذي فقدوه، وهو حمل بعير، وكان معروفا عندهم، فدل على جواز الجعالة، وشرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يأت في شرعنا ما يخالفه (¬6). الثاني: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن ناسًا من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتوا على حي من أحياء العرب، فلم يُقْروهم، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواء، أو راقٍ؟ فقالوا: إنكم لم تُقْرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعْلا، فجعلوا لهم قطيعا من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ، فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألوه؟ فضحك، وقال: "وما أدراك أنها رقية! خذوها، واضربوا لي بسهم" (¬7) (¬8). • وجه الدلالة: أن هؤلاء النفر من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- رفضوا أن يرقوا سيد القوم إلا ¬
2] عدم استحقاق الجعل على عمل غير رد الآبق
بجعل يجعلوه لهم، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرهم على ذلك، ولم ينكر عليهم، فدل على جواز فعلهم. الثالث: أن الحاجة داعية لمثل هذا العقد، فقد يشرد العبد وتضل الضالة، ولا يجد من يتبرع له في البحث عنهما، ولا يمكن له أن يستأجر عليهما، وذلك للجهالة في العمل الذي يمنع صحة الإجارة، فلم يبق إلا أن يصح له أن يضع جعلا يستحقه من أدى له هذا العمل، والشارع الحكيم لا يمنع ما فيه منفعة للناس (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: ابن حزم الظاهري، قال: لا يجوز الحكم بالجعل على أحد، ولا يقضى له بشيء لو أحضره، لكن يستحب له الوفاء بما وعده إياه (¬2). واستدل لقوله: بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن إضاعة المال (¬3)، واللَّه أمر بالتعاون على البر والتقوى، وحق على كل مسلم أن يحفظ مال أخيه إذا وجده، ولا يحل له أخذ ماله بغير طيب نفس منه (¬4)، فلا يحل لمن أتى بآبق؛ لأنه فعل ما هو واجب عليه تجاه أخيه (¬5). أما استحباب الوفاء بما وعده إياه، فلأنه وعد، والوعد غير واجب الوفاء به في هذه الحالة، وإنما هو على الاستحباب (¬6). ولم أجد من وافقه من المتقدمين أو من المتأخرين على قوله هذا.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 2] عدم استحقاق الجعل على عمل غير رد الآبق: • المراد بالمسألة: من عمل لغيره عملا كرد لقطة أو ضالة ونحوها، ولم يكن صاحب العمل قد حدَّد جُعلا لهذا العمل، وهذا العمل لم يكن تخليص متاع لغيره من هلكة متحققة كفلاة أو بحر أو فم سبع، وهو -أي: العامل- غير مُعدٍّ لأخذ ¬
الأجرة -وهو الذي يرصد نفسه للتكسب بالعمل- وكان العمل غير رد الآبق، فإنه لا يستحق الجعل على هذا العمل، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ومن رد لقطة أو ضالة، أو عمل لغيره عملا غير رد الآبق، بغير جعل، لم يستحق عوضا، لا نعلم في هذا خلافا] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [(ومن عمل لغيره عملا بغير جعل، فلا شيء له، إلا في رد الآبق) لا نعلم في هذا خلافا] (¬3). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [ومن عمل لغيره عملا بغير جعل، فلا شيء له، بغير خلاف نعلمه] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن العامل بذل منفعته من غير شرط عوض من المالك، فلم يستحق شيئًا على عمله، فهو في هذه الحالة كالمتبرع بعمله. الثاني: أن إلزام المالك بالجعل في هذه الحالة إلزام بغير دليل ولا شرط، فيكون أخذُ المال في هذه الحالة أخذٌ له من غير طيب نفس صاحبه، وهذا ممنوع شرعا (¬6). ¬
3] تقسيم الجعل في حالة تعدد العامل
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 3] تقسيم الجعل في حالة تعدد العامل: • المراد بالمسألة: عندما يُحَدد الجاعل جُعلا لمن رد ضالته، ولم يخُص به أحدا بل جَعله عاما، فإنه إذا رده أكثر من واحد، يكون الجعل بينهم على عدد رؤوسهم. أما عندما يحدد مجموعة، كأن يكون عددهم ثلاثة، ويُفَاوت بينهم في مقدار الجعل لكل واحد منهم، فحينئذ إذا أحضروه جميعا، يكون الجعل لكل واحد ثلث ما فُرِض له. وفي حالة ما إذا حدد لواحد المقدار، ولم يحدد للآخرين المقدار، وإنما جعله عوضا مجهولا، ووقع الرد منهم جميعا، فإنه يكون للذي حدد له من المقدار ثلث ما حدد له، وللباقين أجر عملهم. أما إذا جعل لواحد جعلا محددا، فردها ومعه آخران في الرد، فلا يخلو من حالتين: الأولى: أن يكون قصدهما من الرد إعانة الأول، ففي هذا الحالة لا شيء لهما، ويستحق الأول الجعل كله. الثاني: أن يقصدا بعملهما أخذ العوض لأنفسهما، ففي هذه الحالة ليس لهما شيء، ويكون ثلث الجعل للأول. وهذه المسائل لا خلاف بين العلماء فيها. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [إن قال: من رد لقطتي فله دينار، فردها ثلاثة، فلهم الدينار بينهم أثلاثا. . .، فإن جَعَل لواحد في ردها دينارا، ولآخر دينارين، ولثالث ثلاثة، فرده الثلاثة فلكل واحد منهم ثلث ما جُعِل له. . .، فإن جَعَل لواحد دينارا، ولآخرين عوضا مجهولا، فردوه معا، فلصاحب الدينار ثلاثة، وللآخرين أجر عملهما، وإن جعل لواحد شيئًا في ردها، فردها هو وآخران معه، وقالا: رددنا معاونة له، استحق جميع الجعل، ولا شيء لهما، وإن قالا: رددناه
لنأخذ العوض لأنفسنا، فلا شيء لهما، وله ثلث الجعل. . .، وهذا كله مذهب الشافعي، ولا أعلم فيه خلافا] (¬1). نقله عنه الرحيباني (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [إن قال: من رد لقطتي فله دينار، فردها ثلاثة، فلهم الدينار بينهم أثلاثا. . .، فإن جعل لواحد في ردها دينارا، ولآخر دينارين، ولثالث ثلاثة، فرده الثلاثة فلكل واحد منهم ثلث ما جعل له. . .، فإن جعل لواحد دينارا، ولآخرين عوضا مجهولا، فردوه معا، فلصاحب الدينار ثلاثة، وللآخرين أجر عملهما، وإن جعل لواحد شيئًا في ردها، فردها هو وآخران معه، وقالا: رددنا معاونة له، استحق جميع الجعل، ولا شيء لهما، وإن قالا: رددناه لنأخذ العوض لأنفسنا، فلا شيء لهما، وله ثلث الجعل. . .، وهذا كله مذهب الشافعي، ولا أعلم فيه خلافا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على الأجر في الإجارة: فكما أنه يجوز أن يشتركوا في العمل، فيكون العوض مستحقا بينهم، فكذلك في المسألة معنا، بجامع أن كلا منهما عقدٌ فيه معاوضة. الثاني: أما مسألة ما إذا فاوت في الجعل بين ثلاثة، فردوه جميعا فلكل واحد ثلث ما فُرِض له؛ فلأن كل واحد منهم قد عمل ثلث العمل، فكان مستحقا ثلث ما جُعِل له. ¬
4] مشروعية أخذ الآبق
الثالث: أما في مسألة من جعل لواحد شيئًا في ردها، فردها هو وآخران معه طلبا للعوض، فيكون له الثلث؛ فلأن اللفظ يقتضي استحقاقه جميع الجعل على جميع العمل، وهو قد عمل الثلث، فاستحق ثلث الجعل، ولم يستحق الآخران شيئًا؛ لأنهما عملا من غير أن يجعل لهما الجاعل جعلا (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 4] مشروعية أخذ الآبق: • المراد بالمسألة: الآبق هو: ذهاب العبد من سيده، من غير خوف، ولا كدِّ عمل (¬2). وإن كان من خوف، أو بسبب كدِّ العمل، فإنه يعد هاربا (¬3). فالآبق من مولاه يُشْرع لمن وجده أخذه إذا علم من نفسه قوة على حفظه وصيانته، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ويجوز أخذ الآبق لمن وجده، وبهذا قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافا] (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [ويجوز أخذ الآبق لمن وجده، وبهذا قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافا] (¬5). • العيني (855 هـ) يقول: [(الآبق أخذه أفضل في حق من يقوى عليه) أي: من يقدر على أخذه، ولا نعلم خلافا بين أهل العلم] (¬6). • ابن الهمام (861 هـ) يقول: [قوله (الآبق أخذه أفضل) من تركه (في حق من يقوى عليه) أي: يقدر على حفظه حتى يصل إلى مولاه، بخلاف من يعلم من نفسه العجز عن ذلك والضعف، ولا يعلم في هذا خلاف] (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن العبد لا يؤمن لحاقه بدار الحرب، وارتداده، واشتغاله بالفساد في سائر البلاد، فدرءًا لهذه المفسدة شُرع أخذه، وهو مخالف لسائر الضوال التي تحفظ نفسها، فلا يشرع أخذها؛ لانعدام المفسدة فيها (¬2). الثاني: أن أخذه يعتبر إحياءً له؛ فهو هالك في حق المولى، فيكون الرد إحياءً له (¬3).Rصحة الإجماع على أصل المسألة، وهو مشروعية أخذ الآبق؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
5] تصرف الإمام بمقتضى المصلحة في العبد الآبق
5] تصرف الإمام بمقتضى المصلحة في العبد الآبق: • المراد بالمسألة: من وجد آبقا وأخذه، ولم يجد سيده، فإنه حينئذ يدفعه للإمام أو نائبه، والإمام مخيَّر في التصرف بالعبد الآبق بحسب المصلحة، فإن شاء حبسه حتى يأتي صاحبه، وإن شاء باعه وحبس ثمنه لصاحبه، وهذا أمر لا خلاف فيه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول بعد أن ذكر مسألة أخذ الآبق: [. . . وإن لم يجد سيده، دفعه إلى الإمام أو نائبه، فيحفظه لصاحبه، أو يبيعه إن رأى المصلحة في بيعه، ونحو ذلك قال مالك، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفًا] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [. . . فإن لم يجد سيده، دفعه إلى الإمام أو نائبه، فيحفظه لصاحبه، أو يبيعه إن رأى المصلحة في بيعه، ونحوُه قولُ مالكٍ، وأصحاب الرأي، ولا نعلم لهم مخالفا] (¬3). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [فإن لم يجد سيده، دفعه إلى الإمام أو نائبه؛ ليحفظه لصاحبه، وله بيعه لمصلحة، بغير خلاف نعلمه] (¬4). • الموافقون على الإجماع: هذه المسألة مشتملة على مسألتين، هما: الأولى: آخذ الآبق هل يلزمه دفعه للإمام، أم هو مخير بين دفعه وإمساكه؟ الثانية: هل الإمام مخير في التصرف بين الحفظ أو البيع، أم لا؟ وفي كلا المسألتين خلاف بين العلماء، سيأتي تفصيله عند ذكر المخالفين في المسألة. • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
الأول: أن هذا العمل الذي هو التصرف بالآبق من المصالح العامة التي تتعلق بعمل الإمام، فلزم تسليمه له، وعدم التصرف فيه (¬1). الثاني: أن تصرف الإمام بالرعية منوط بالمصلحة، فينظر الإمام إن شاء أمسكه حتى يأتي سيده، وإن شاء باعه إن كانت المصلحة في بيعه -كأن يكون محتاجا للنفقة وليس ثمة نفقة من بيت المال، أو أتى ثمنُهُ على نفقته- وحَبَس ثَمَنه حتى يأتي السيد. • المخالفون للإجماع: سأذكر تفصيل كل مذهب في المسألتين على حده، وهو كالتالي: الأول: الحنفية: ويرون أن آخذ الآبق يلزمه دفعه للإمام على المشهور عندهم. وفي قول عندهم اختاره بعضهم أنه مخير بين دفعه للإمام وبين حبسه عنده، وقيد بعضهم هذا القول في حالة قدرة الآخذ على حفظه، وإلا فإنه يدفعه للإمام. ثم هم يرون أن الإمام ليس مخيرا في التصرف به، وإنما ينتظر طالبه مدة، ثم يبيعه ويحفظ ثمنه لصاحبه (¬2). الثاني: المالكية: يرون أن آخذ الآبق يرفعه للإمام على المشهور عندهم. ولهم قول آخر بأنه مخير بين رفعه للإمام وبين حبسه عنده إلى أن يأتي طالبه. ويرون بأن الإمام يحفظه سنة كاملة، فإن جاء طالبه في هذه المدة، وإلا باعه وحبس ثمنه لسيده، وفي قول عندهم أن مدة الحبس غير محددة وإنما بقدر ما يتبين أمره، اختار هذا القول سحنون وابن يونس (¬3) منهم (¬4). ¬
6] استحقاق الجعل لراد الآبق إذا شرطه
الثالث: الشافعية: ويرون أن الآخذ يرفعه إلى الإمام، والإمام غير مخير فيه، بل يحبس العبد، فإن أبطأ سيده باعه وحفظ ثمنه (¬1). استدل من قال بأن واجد الآبق مخير بين أن يأتي به للسلطان أو يحفظه بنفسه: بالقياس على الضوال: فكما أن له الحق بأن يأخذها ويحفظها، فكذلك الآبق، وكل منهما مال يحتاج إلى رعاية وحفظ (¬2). ويمكن أن يستدل لمن قال بأن الإمام غير مخير في التصرف في هذه الحالة: أن المصلحة تقتضي أن يكون تصرفه في الآبق كذلك، ينتظر مدة سواء كانت محددة أو غير محددة، ثم بعد ذلك يباع ويحفظ ثمنه، وحفظ الثمن أسهل من حفظ العبد؛ إذ هو محتاج إلى النفقة، وربما أبق مرة أخرى.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 6] استحقاق الجعل لراد الآبق إذا شرطه: • المراد بالمسألة: إذا أبق العبد من سيده، فقال السيد: من رد عبدي فله ألف ريال، سواء كان القول لواحد بعينه أم لعموم الناس، فرده أحدهم، فإنه يلزم السيد أن يعطيه الجعل المحدد، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن راد الآبق يستحق الجعل برده إذا اشترطه] (¬3). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬4). • أبو عبد اللَّه الدمشقي (كان حيا: 780 هـ) يقول: [اتفق الأئمة على أن راد الآبق يستحق الجعل برده إذا شرطه] (¬5). • الأسيوطي (880 هـ) يقول: [اتفق الأئمة على أن من رد الآبق يستحق الجعل ¬
برده إذا شرطه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (¬3). • وجه الدلالة: أن هذا عقد التزمه الجاعل على نفسه، فوجب الوفاء به. الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المسلمون على شروطهم" (¬4). • وجه الدلالة: أن السيد قد ألزم نفسه بالشرط الذي اشترطه على نفسه، فيلزمه الوفاء به. الثالث: أن في وجوب الجعل صيانة لأموال الناس عن الضياع، وحفظ حقوقهم عن الهدر، فلو بقي الأمر على الاحتساب لما أقدم على هذا الفعل -الذي فيه معنى التعاون- كثير من الناس (¬5). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: علي بن أبي طالب، والحكم بن عمرو (¬6)، وإبراهيم النخعي، روي عنهم أنهم قالوا: [المسلمون يرد بعضهم على بعض] (¬7). ¬
وكذلك ابن حزم من الظاهرية لكنه قال: بأنه لا يقضى للمجعول شيء حتى وإن وقع الشرط على الجعالة، لكن يستحب الوفاء له بالوعد ولا يجب (¬1). واستدل هؤلاء: بأن رد الآبق لسيده من باب التعاون على البر والتقوى، والمسلم مأمور بأن يحفظ مال أخيه إذا وجده، ولا يحل له أخذ ماله بغير طيب نفسه فلا شيء له؛ لأنه أتى ما هو فرض عليه، لكن لو أعطاه بطيب نفس لكان حسنا؛ لأنه من باب الوفاء بالوعد، والوفاء بالوعد في هذه الحالة مستحب وليس بواجب (¬2). أما علي -رضي اللَّه عنه- فقد جاء عنه أنه جعل في جُعل الآبق دينارا أو اثني عشر درهما (¬3). أما النخعي: فقد جاء عنه أنه قال: [لا بأس بجعل الآبق] (¬4). فإما أن يقال قد تعارض القولان عنهما، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فيسقطان، أو يحمل قولهما المخالف على أنه ينبغي لمن أتى بالعبد الآبق أن لا يأخذ شيئًا لما فيه من التعاون على البر والتقوى.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ القول المخالف. * * * ¬
الباب السادس: مسائل في الإجماع في كتاب الصلح
الباب السادس: مسائل في الإجماع في كتاب الصلح 1] مشروعية الصلح: • المراد بالمسألة: الصلح في اللغة: اسم بمعنى المصالحة، التي هي المسالمة، وهي خلاف المخاصمة (¬1). • وفي الاصطلاح: معاقدة يتوصل بها إلى الإصلاح بين المختلفين (¬2). وهو أنواع مختلفة، والمقصود به هنا: الصلح بين المتخاصمين في الأموال، وهو مما أجمعت عليه الأمة في الجملة. • من نقل الإجماع: • الماوردي (450 هـ) يقول: [والأصل في جواز الصلح: الكتاب والسنة والأثر والاتفاق. . .، وأما الاتفاق: فهو إجماع المسلمين على جواز الصلح، وإباحته في الشرع] (¬3). • ابن العربي (543 هـ) يقول لما ذكر حديث كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزني (¬4) عن أبيه عن جده: [فقد روي من طرق عديدة، ومقتضى القرآن، ¬
وإجماع الأمة على لفظه ومعناه] (¬1) (¬2). • العمراني (558 هـ) يقول: [الأصل في جواز الصلح: الكتاب، والسنة، والإجماع. . .، وأما الإجماع: فإن الأمة أجمعت على جوازه] (¬3). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وأجمعت الأمة على جواز الصلح في هذه الأنواع التي ذكرناها] (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وأجمع العلماء على جواز الصلح في هذه الأنواع التي ذكرنا] (¬5). • الزركشي (772 هـ) يقول: [وأجمعت الأمة على جواز الصلح في الجملة] (¬6). • الحداد (800 هـ) يقول بعد أن ذكر أصله من الكتاب والسنة: [وأجمعت الأمة على جوازه] (¬7). • برهان الدين ابن مفلح (884 هـ) يقول: [وهو ثابت بالإجماع] (¬8). • الأسيوطي (880 هـ) يقول: [وأما الإجماع: فإن الأمة أجمعت على جوازه] (¬9). • زكريا الأنصاري (926 هـ) يقول بعد أن ذكر أنواعه: [والأصل فيه قبل الإجماع. . .] (¬10). • الهيتمي (974 هـ) يقول بعد أن ذكر تعريفه: [وأصله قبل الإجماع. . .] (¬11). ¬
• الشربيني (977 هـ) يقول: [والأصل فيه قبل الإجماع. . . .] (¬1). • الرملي (1004 هـ) يقول: [والأصل فيه قبل الإجماع. . . .] (¬2). • البهوتي (1051 هـ) يقول لما ذكر تعريف الصلح: [وهو جائز بالإجماع] (¬3). • الرحيباني (1243 هـ) يقول لما ذكر أهمية الصلح: [وهو ثابت بالإجماع] (¬4). • علي حيدر (1353 هـ) يقول: [وقد انعقد إجماع الأمة على جواز الصلح] (¬5). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول بعد ذكر تعريف الصلح: [وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {وَالْصُّلْحُ خَيْرٌ} (¬8). • وجه الدلالة: أن الآية صريحة في بيان خيرية الصلح الذي جاء على وفق ¬
2] تحريم المصالحة على بعض الحق الذي عليه بعد اعترافه به
الكتاب والسنة، وهي وإن وردت على أمر خاص، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويشهد لهذا: العدول عن الضمير إلى الاسم الظاهر في الآية (¬1). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الصلح بين المسلمين جائز، إلا صلحا حرم حلالا، أو أحل حراما" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين القاعدة في الصلح عموما، وهو أنه على الإباحة، إلا ما استثني، ويدخل فيه الصلح بين المتخاصمين في الأموال. الثالث: وهو دليل عقلي: أنه إذا طلب صاحب الحق جميع حقه، وأنكره المدعى عليه، وأقام المدعي البينة، فإن ذلك يكون باعثا على النزاع، وسببا لتهييج الفتن، وزيادة العداوة والبغضاء بينهما، مما يستلزم فسادا عريضا (¬3)، ولذا قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: [ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث القوم الضغائن] (¬4).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 2] تحريم المصالحة على بعض الحق الذي عليه بعد اعترافه به: • المراد بالمسألة: من اعترف بحق، وصالح على بعضه، وهو ممتنع عن الأداء إلا بالمصالحة، فهذا ليس بصلح صحيح، ويعد صاحبه مقترفا للحرام، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن من علم أن عليه حقا، فصالح على بعضه، لم يحل] (¬5). ¬
3] بطلان الصلح مع الإنكار والسكوت والمدعي معتقد الحق معه
• أبو عبد اللَّه الدمشقي (كان حيا: 780 هـ) يقول: [اتفق الأئمة على أن من علم أن عليه حقا، فصالح على بعضه، لم يحل] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬3). • وجه الدلالة: من علم أن عليه حقا وصالح على بعضه، يكون قد هضم حق غيره، فيعد آكلا لأموال الناس بالباطل (¬4). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا، والمسلمون عند شروطهم" (¬5). • وجه الدلالة: أن من صالح على بعض الحق الذي عليه وهو عالم به، يكون قد أحل ما حرم اللَّه عليه. الثالث: أنه عالم بالحق، قادر على إيصاله إلى مستحقه، معتقد أنه غير محق، فيكون فعله محرما (¬6).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 3] بطلان الصلح مع الإنكار والسكوت والمدعي معتقد الحق معه: • المراد بالمسألة: الصلح على الإنكار أو السكوت هو: أن يدعي عليه عينا في يده، أو دينا في ذمته، فينكر المدعى عليه أو يسكت، ثم يصالحه بمال. ¬
والمقصود هنا: إذا كان المدعي يعلم أنه كاذب في دعواه، أو كان المدعى عليه يعلم صدق المدعي لكنه أنكر جاحدًا الحق، فإن الصلح باطل، بلا خلاف بين أحد من أهل الإسلام. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [الصلح على الإنكار، وعلى السكوت، لا يخلو ضرورة من أحد وجهين: إما أن يكون الطالب طالب حق، والمطلوب مانع حق، أو مماطلا لحق، أو يكون الطالب طالب باطل، ولا بد من أحدهما. فإن كان الطالب محقا، فحرام على المطلوب، بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام أن يمنعه حقه، أو أن يمطله وهو قادر على إنصافه، حتى يضطره إلى إسقاطه بعض حقه، أو أخذ غير حقه. . .، وإن كان الطالب مبطلا، فحرام عليه الطلب بالباطل، وأخذ شيء من مال المطلوب بغير حق، بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬3). • وجه الدلالة: أن المدعي إذا كان كاذبا في دعواه، فما يأخذه من مال صاحبه ¬
4] بطلان المصالحة عن الحدود في حقوق الله
يعد أكلا للمال بالباطل، لا عوضا عن حق له، فهو حرام عليه. وإن كان صادقا، والمدعى عليه يعلم صدقه وثبوت حقه، ويجحده لينتقص حقه، أو يرضيه عنه بشيء، فهو هضم للحق، وأكل مال بالباطل (¬1). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا" (¬2). • وجه الدلالة: أن طلب المدعي الكاذب أو جحد المدعى عليه، يعد من الصلح الذي أحل الحرام. الثالث: أن أخذه للمال الذي لا يستحقه، يعد ظلما للطرف الآخر، واعتداء على ماله بغير حق، وكذبا وافتراء عليه، وكلُّها محرمة في الشرع (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 4] بطلان المصالحة عن الحدود في حقوق اللَّه: • المراد بالمسألة: من شروط المصالح عنه: أن يكون مملوكا للمصالِح، فإذا صالح على حق من حقوق اللَّه -وهي: الحقوق العامة التي يعود نفعها للعموم، وليست خاصة بشخص معين (¬4) - فالصلح عنها باطل، بلا خلاف بين العلماء، كالزنا والسرقة وشرب الخمر. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [لا خلاف في حد الزنا، والشرب، والسكر، والسرقة أنه لا يحتمل العفو، والصلح، والإبراء، بعد ما ثبت بالحجة] (¬5). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [وفيه -أي: حديث زيد بن خالد (¬6) في قصة العسيف الذي في مستند الإجماع- أن الحد لا يقبل الفداء، وهو مجمع عليه في ¬
الزنا، والسرقة، والحرابة، وشرب المسكر] (¬1). والمقصود بالفداء هو: المصالحة على إسقاط الحد عنه بمال. • العيني (855 هـ) يقول: [(ولا يجوز) أي: الصلح (من دعوى حد. . .) صورته: أخذ زانيا أو شارب خمر، فصالح على مال أن لا يرفعه إلى الحاكم فهو باطل، ولا نعلم فيه خلافا] (¬2). • الزرقاني (1122 هـ) يقول: [وفيه -أي: حديث زيد بن خالد في قصة العسيف- أن الحد لا يقبل الفداء، وهو مجمع عليه في الزنا، والسرقة، والشرب، والحرابة] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني -رضي اللَّه عنهما- أنهما قالا: أن رجلا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه. فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه-: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وأذن لي. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قل" قال: إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم، فأخبروني إنما على ابني جلد مائة، وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب اللَّه، الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة، وتغريب عام، واغد يا أنيس (¬5) إلى امرأة هذا، فإن ¬
5] جواز العوض في الصلح عن الجناية
اعترفت فارجمها" قال: فغدا عليها، فاعترفت، فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت (¬1). • وجه الدلالة: أن الرجل أراد المصالحة عن إقامة الحد على ابنه، فردها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولو كانت جائزة لقبلها (¬2). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا" (¬3). • وجه الدلالة: أن الصلح على إسقاط الحد يعد من الصلح الذي أحل الحرام (¬4). الثالث: أن الحد حق اللَّه تعالى، وليس ملك للآدمي، والاعتياض عن حق الغير لا يجوز (¬5).Rالإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 5] جواز العوض في الصلح عن الجناية: • المراد بالمسألة: إذا وقعت جناية تستوجب قصاصا، سواء كانت عمدا أو خطأ، فإن للجاني أن يصالح المجني عليه، أو أولياءه، على مال يدفعه إليهم، على حسب ما يتفقون عليه، سواء قَلَّ هذا المال عن دية الخطأ لو كان خطأ، أم كان أكثر من مقدار الدية، بإجماع العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: • الإسبيجابي (حدود سنة: 480 هـ) يقول: [والصلح من كل جناية فيها قصاص على ما قل من المال أو كثر جائز. . .، بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة]. نقله عنه الشلبي (¬1). • الإتقاني (758 هـ) يقول: [والصلح من كل جناية فيها قصاص على ما قَلَّ من المال أو كثر جائز. . .، بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة]. نقله عنه الشلبي (¬2). • العيني (855 هـ) يقول: [(ويصح عن جناية العمد والخطأ) وكذا عن كل حق بجواز أخذ العوض عنه بلا خلاف] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (¬5). • وجه الدلالة: ذكر بعض المفسرين أن المراد بالعفو هنا الصلح عن دم العمد، ومعناها: من بُذِل له بدل أخيه المقتول مال، فليتبع ذلك فهو من المعروف (¬6). الثاني: عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كَسَرَت الربيِّع (¬7) ثنية جارية من الأنصار، فطلب ¬
القوم القصاص، فاتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقصاص، فقال أنس بن النضر (¬1) -عم أنس بن مالك-: لا واللَّه لا تكسر سنها يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أنس! كتاب اللَّه القصاص" فرضي القوم، وقبلوا الأرش، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن من عباد اللَّه من لو أقسم على اللَّه لأبره" (¬2). • وجه الدلالة: أن هذه جناية أوجبت القصاص من الربيع، ولما عفا القوم ورضوا بالأرش، أقرهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليه. الثالث: عن أبي شريح الكعبي (¬3) -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ". . . إنكم معشر خُزَاعة (¬4) قتلتم هذا القتيل من هذيل (¬5)، وإني عاقله، فمن قُتِل له قتيلٌ بعد اليوم، فاهله بين خيرتين: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل" (¬6). ¬
6] المصالحة عن قيمة المتلفات
• وجه الدلالة: أن العقل المراد به: مصالحة أولياء الدم عن القتل إلى المال يأخذونه بدلا عنه (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 6] المصالحة عن قيمة المتلفات: • المراد بالمسألة: المصالحة عن الحق المالي، لا تخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن تكون على متلف، وتكون من غير جنس المصالح عنه، وهذه الحالة على قسمين: الأول: أن تكون على نقود: كأن يصالح كَرَّ حِنطة على ريالات معينة، فإن هذه جائزة، سواء كانت أكثر من القيمة أو مثلها أو أقل. الثاني: أن تكون على طعام موصوف في الذمة حالا، ويقبضه قبل الافتراق، فيجوز. الحالة الثانية: أن تكون العين قائمة لم تتلف، فإن الصلح جائز أيضًا على أكثر من قيمة العين المصالح عنها. وإذا قضى القاضي بالقيمة على غاصب، فإنه لا يجوز الصلح على أكثر من القيمة التي حكم بها. وكل هذه المسائل مجمع عليها بين العلماء. • من نقل الإجماع: • الزيلعي (743 هـ) يقول: [ولو وقع الصلح على عرْض، جاز في جميع ما ذكرنا من المقدرات؛ لأنه ليس عين الواجب، وإنما هو بدل عنه، بالإجماع] (¬2). • الإتقاني (758 هـ) يقول: [لو قضى القاضي بقيمة المغصوب على الغاصب، ثم صالح على أكثر من القيمة، لا يجوز بالاتفاق]. نقله عنه الشلبي (¬3). ¬
• البابرتي (786 هـ) لما ذكر مسألة غصب الثوب الذي قيمته أقل من مائة، ثم استهلكه، وأراد مصالحته على مائة، بيَّن الخلاف فيها، ثم ذكر محترزاتها فقال: [وقيد بالقيمي احترازا عن المثلي، فإن الصلح عن كر حنطة على دراهم أو دنانير، جائز بالإجماع، سواء كانتا أكثر من قيمته أو لا. . .، وقيد بالاستهلاك؛ لأن المغصوب إذا كان قائما، جاز الصلح على أكثر من قيمته بالإجماع، وقيد بقوله من النقود؛ لأنه لو صالح على طعام موصوف في الذمة حالا، وقبضه قبل الافتراق، جاز بالإجماع] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (¬2). • العيني (855 هـ) لما ذكر مسألة الغصب السابقة، ذكر محترزاتها، فقال: [وقيد بالثوب احترازا عن غصب المثلي، فإن الصلح فيه بالدراهم والدنانير بالزيادة، يجوز بالإجماع. . .، وقيد بالاستهلاك؛ لأن الثوب إذا كان قائما يجوز الصلح على أكثر من قيمته بالإجماع، وقيد بقوله على مائة درهم لأنه لو صالحه على طعام موصوف في الذمة حالة، وقبضه قبل الافتراق عن المجلس، جاز بالإجماع. . .، ثم هذا الخلاف فيما إذا لم يقض القاضي بالقيمة على الغاصب، أما بعد القضاء، لو صالح على أكثر منها، لا يجوز بالإجماع] (¬3). • الشلبي (947 هـ) يقول: [قيد بالإتلاف حتى لو كان قائما، يجوز الصلح على أكثر من قيمته بالإجماع، ثم هذا الخلاف فيما إذا لم يقض القاضي بالقيمة على الغاصب، أما بعد القضاء، لو صالح على أكثر منها، لا يجوز بالإجماع] (¬4). • ابن عابدين (1252 هـ) يقول: [لو كان -أي: المغصوب- مثليا، فهلك، فالمصالح عليه إن كان من جنس المغصوب، لا تجوز الزيادة اتفاقا، وإن كان من خلاف جنسه جاز اتفاقا، وقيد بالهلاك إذ لو كان قبله، يجوز اتفاقا] (¬5). ¬
7] الأجل في الاستصناع الذي لا يتعامل به يجعل العقد سلما
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن العلة من المنع عن المصالحة بأكثر من القيمة إذا كانت من جنسها هي خشية الربا، وتنتفي العلة إذا كانت من غير الجنس، كما هو الحال في صور المسألة، فيرجع الحكم إلى الأصل وهو الإباحة (¬2). الثاني: أما إذا كان المغصوب قائما غير مستهلك فالصلح على أكثر من القيمة جائز؛ لأنه يعد مبايعة، والمبايعة تصح على أَيِّ قيمة كانت (¬3). الثالث: أما المنع من المصالحة على أكثر من القيمة بعد حكم القاضي؛ فلأن الحق قد انتقل إلى القيمة بعد حكمه، فلا يجوز له حينئذ الاعتياض عن حقه في العين على أكثر من قيمتها (¬4)، ولأن حكم القاضي يعد ملزما، ورافعا للنزاع، فلا تجوز مخالفته.Rصحة الإجماع في المسألة، وذلك لعدم المخالف فيها. 7] الأجل في الاستصناع الذي لا يتعامل به يجعل العقد سلما: • المراد بالمسألة: الاستصناع في اللغة: مصدر استصنع الشيء، إذا دعا إلى صنعه، يقال: اصطنع فلان خاتما، إذا سأل رجلا أن يصنع له خاتما (¬5). • وفي الاصطلاح: عقد على مبيع في الذمة، شُرِط فيه العمل (¬6). ¬
وصورته: إذا قاول شخص خياطا على صنع جُبة، وقماشها وكل لوازمها من الخياط، فيكون قد استصنعه الجبة، أما لو كان القماش من المستصنع، وقاوله على صنعها فقط، فيكون العقد إجارة (¬1). إذا تعاقدا عقدَ استصناع يصنع له سلعة معينة، وكان ذلك فيما لا يتعامل فيه الناس عادة من الثياب والقمصان، وحدد أجلا للصناعة على وجه الاستمهال لا الاستعجال، وذلك أن يمهله قدر شهر أو نحوه، فإن العقد ينقلب سلما، بإجماع العلماء، ويشترط فيه شروط السلم. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول بعد أن ذكر أحوال ضرب الأجل في الاستصناع الذي يتعامل الناس فيه: [. . . ولو ضرب الأجل فيما لا تعامل فيه، ينقلب سلما، بالإجماع] (¬2). • علي حيدر (1353 هـ) يقول: [. . . أما في الأشياء التي لم يجر التعامل بها، فإذا بُيِّنت فيها المدة على وجه الاستمهال، كان العقد عقد سلم بالإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الاستصناع يتعذر فيما لا يجري فيه التعامل؛ لأنه لا يكون إلا فيما يتعامل فيه الناس، فيلزم جعل هذا العقد سلما (¬5). الثاني: أن العبرة في العقود بالدلائل والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وهذا ¬
العقد بهذه الصفة يعد سلما، فيأخذ أحكامه. الثالث: الأصل أن إعمال الكلام أولى من إهماله، والعاقد وإن قصد بالعقد عقدا، فإنه إن أمكن حمله على عقد آخر، كان أولى من إهمال كلامه وعدم إعماله.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. * * *
الباب السابع: مسائل الإجماع في كتاب المسابقة
الباب السابع: مسائل الإجماع في كتاب المسابقة 1] مشروعية المسابقة والمناضلة: • المراد بالمسألة: المسابقة: أصل الكلمة وهو السين والباء والقاف، أصل صحيح يدل على التقدم والمجاراة وبلوغ الغاية قبل غيره، يقال: سَبَقَ يسْبق سبْقا. فأما السَّبَق فهو: الجُعْل الذي يُسابق عليه. ويقال له: الخطر والرهن والندب والقرع (¬1). المناضلة: أصل الكلمة النون والضاد واللام، يدل على الرمي والمراماة. وتطلق على الرمي بالسهام، وسمي الرمي نضالا؛ لأن السهم التام يسمى نضالا (¬2). ويراد بالمسألة: أن المسابقة والمناضلة بين اثنين فأكثر، أنها جائزة من حيث الأصل، بغض النظر عن التفاصيل فيما تكون عليه المسابقة والمناضلة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا على استحسان الرمي وتعلمه والمناضلة. . .، واتفقوا على أن المناضلة بنزع واحد من القسيّ، وبتساوٍ في ¬
جميع أحوالها، بلا تفاضلٍ ولا شرطٍ أصلا، جائزة] (¬1). • العمراني (558 هـ) يقول: [وأجمعت الأمة على جواز المسابقة] (¬2). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن السبق والرمي مشروعان، ويجوزان على العوض] (¬3). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: "وأجمع المسلمون على جواز المسابقة في الجملة] (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وأجمع المسلمون على جواز المسابقة في الجملة] (¬5). • الزركشي (772 هـ) يقول لما افتتح كتاب السبق: [الأصل في مشروعية ذلك: إلإجماع] (¬6). • زكريا الأنصاري (926 هـ) يقول: [وهي لقصد الجهاد سنة للرجال؛ للإجماع] (¬7). • ابن حجر الهيتمي (974 هـ) يقول: [كتاب المسابقة والمناضلة. والأصل فيهما قبل الإجماع. . .] (¬8). ثم ذكر الأدلة عليهما. • الشربيني (977 هـ) يقول: [(هما -أي: المسابقة والمناضلة- سنة) أي: مسنون بالإجماع] (¬9). • الرملي (1004 هـ) يقول في بداية كتاب المسابقة والمناضلة: [والأصل فيها قبل الإجماع] (¬10). ¬
• البهوتي (1051 هـ) يقول: [وأجمع المسلمون على جوازها في الجملة] (¬1). • الرحيباني (1243 هـ) يقول: [وأجمع المسلمون على جوازها في الجملة] (¬2). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول بعد ذكر باب السبق: [وهو جائز: بالكتاب، والسنة، والإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن سلمة بن الأكوع -رضي اللَّه عنه- قال: أردفني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وراءه على العضباء، راجعين إلى المدينة، قال: فبينما نحن نسير، قال: وكان رجل من الأنصار لا يُسْبق شدًّا، قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك، قال: فلما سمعت كلامه، قلت: أما تُكْرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ ! قال: لا! إلا أن يكون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: قلت: يا رسول اللَّه بأبي وأمي ذرني فلأسابق الرجل؟ قال: "إن شئت" قال: قلت: اذهب إليك، وثنيت رجلي فطفرت (¬5) فعدوت، قال: فربطت عليه شرفا، أو شرفين أستبقي نفسي (¬6)، ثم عدوت في إثره، فربطت عليه شرفا أو شرفين، ثم إني رفعت حتى ألحقه (¬7). ¬
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَقرَّ سلمة على المسابقة، فدل على المشروعية، ولو كان ممنوعا لمنعه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منها. الثاني: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "سابق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الخيل التي قد أُضْمرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع (¬1)، وسابق بين الخيل التي لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع، وكان أمدها مسجد بني زُريق" (¬2) (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الذي جعل المسابقة، ولو كانت ممنوعة لم يفعلها. الثالث: عن سلمة بن الأكوع -رضي اللَّه عنه- قال: مرَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على نفر من أسلم (¬4) ينتضلون، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "ارموابني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا، ارموا وأنا مع بني فلان" قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما لكم لا ترمون؟ " قالوا: كيف نرمي، وأنت معهم؟ ! فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارموا فأنا معكم كلكم" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرهم على صنيعهم، بل حثهم عليه وبادر أن يكون معهم، فدل على مشروعية هذا العمل والترغيب فيه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. ¬
2] جواز المسابقة بغير عوض
2] جواز المسابقة بغير عوض: • المراد بالمسألة: إذا وقعت المسابقة بين طرفين، ولم يكن ثمة عوض منهما أو من غيرهما، وكانت فيما أباح اللَّه، ولم تُشْغل عن واجب، أو تُوقع في محرم، فإنها جائزة أيا كان نوعها، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [اتفقوا على إباحة المسابقة بالخيل والإبل وعلى الأقدام] (¬1). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [فإن كانت المسابقة على الأقدام بغير عوض، فهي جائزة، إجماعا] (¬2). • ابن قدامة (620 هـ) يقول لما تكلم على تفسير حديث أبي هريرة: "لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر" (¬3): [. . . للإجماع على جواز المسابقة بغير عوض، في غير هذه الثلاثة] (¬4). • أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [ولا خلاف في جواز تضمير الخيل، والمسابقة بها على الجملة، وكذلك الإبل، وعلى الأقدام] (¬5). نقله عنه ابن حجر، والعيني، والصنعاني، والشوكاني (¬6). • النووي (676 هـ) يقول: [وفيه -أي: حديث ابن عمر في مسابقة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الخيل المضمرة وغيرها- جواز المسابقة بين الخيل، وجواز تضميرها، وهما مجمع عليهما]. ويقول أيضًا: [وأجمع العلماء على جواز المسابقة بغير عوض بين جميع أنواع الخيل، قويِّها مع ضعيفها، وسابقها مع غيره، سواء كان معها ¬
ثالث أم لا] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول لما تكلم على تفسير حديث أبي هريرة: "لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر": [. . . للإجماع على جواز المسابقة بغير عوض في غير هذه الثلاثة] (¬2). • ابن القيم (751 هـ) يقول: [وأما المسابقة بالأقدام: فاتفق العلماء على جوازها، بلا عوض] (¬3). • الزركشي (772 هـ) يقول: [ولا نزاع في جواز المسابقة بغير عوض مطلقًا، من غير تقييد بشيء معين: كالمسابقة على الأقدام والسفن والمزاريق والطيور والفيلة ونحو ذلك، وكذلك المصارعة، ورفع الحجر ليعرف الأشَدّ] (¬4). • أبو زرعة العراقي (826 هـ) يقول: [فيه -أي: حديث ابن عمر في مسابقة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الخيل المضمرة وغير المضمرة- المسابقة بين الخيل. . .، وهذا مجمع عليه] (¬5). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [أجمع العلماء على جواز المسابقة بغير عوض] (¬6). • العيني (855 هـ) يقول: [أجمع العلماء على جواز المسابقة بغير عوض] (¬7). ويقول أيضًا: [اعلم أن المسابقة في الخيل والإبل والرمي، جائز بالسنة وإجماع الأمة] (¬8). • الشوكاني (1250 هـ) يقول: [أجمع العلماء على جواز المسابقة بغير عوض] (¬9). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول لما ذكر حديث عائشة في مسابقتها ¬
للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي في • مستند الإجماع: [فدل على جواز السبق على الأقدام، ولا خلاف في ذلك] (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ناقة تسمى العضباء لا تُسْبق، فجاء أعرابي على قُعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه، فقال: "حق على اللَّه أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه" (¬2). الثاني: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أنها كانت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفر، قالت: فسابقته، فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته، فسبقني، فقال: "هذه بتلك السبقة" (¬3). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقر المسابقة، وفعلها من دون تقييد بشيء، فدل على أن الأصل فيها أنها على الإباحة، ما لم يكن ثمة عارض ينقل الأمر عن الإباحة. الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حصر السبق في المسابقة في هذه الثلاثة، فلا يحل ¬
أخذ المال بالمسابقة إلا فيها، فدل على جواز ما عدا هذه إذا لم يكن ثمة سبق. • المخالفون للإجماع: هذه المسألة قد اختلف فيها العلماء على أقوال: القول الأول: من العلماء من قصر الجواز على الخف والحافر والنصل فقط. قال به صاحب الروضة (¬1) من الحنابلة. واستدل لقوله: بحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر" (¬2). • وجه الدلالة: قوله لا سبق بالسكون المقصود نفي المسابقة، فلا تجوز في غير ما ذكره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث. القول الثاني: من العلماء من أجاز المسابقة في كل شيء إلا الحمام. قال به الآمدي (¬3) من الحنابلة. ولعل هؤلاء يستدلون: بحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى رجلا يتبع حمامة، فقال: "شيطان يتبع شيطانة" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذم متابعة الحمام، وأَمْرٌ ذمَّه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأن تكون المسابقة فيه منهيا عنها من باب أولى. ¬
3] تحريم السبق من الطرفين إلا في الخف والحافر والنصل
القول الثالث: من العلماء من أجاز المسابقة في كل شيء إلا الحمام والطير. وهو قول محكي عند الحنابلة. وهؤلاء لعلهم قاسوا الطيور على الحمام؛ لوجود الشبه بينهما. القول الرابع: من العلماء من كره الرمي بالقوس الفارسية. قال به أبو بكر من الحنابلة (¬1). واستدل هؤلاء بدليل من السنة، وهو: حديث عويم بن ساعدة (¬2) -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى قوسا فارسيا، فقال: "ملعون، ملعون من حملها، عليكم بهذه -وأشار إلى القوس العريبة- وبرماح القنا، يمكَّن اللَّه لكم في البلاء، وينصركم على عدوكم" (¬3).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 3] تحريم السبق من الطرفين إلا في الخف والحافر والنصل: • المراد بالمسألة: السبق بفتح الباء، هو: ما يُجْعل من المال رهنا على المسابقة، يأخذه السابق منهم. وبالسكون: مصدر سبقت أسبق سبقا بمعنى التقدم في الجري (¬4). والمعنى هنا: أنه لا يحل أخذ المال بالمسابقة إلا في هذه الثلاثة، وهي: الإبل ¬
والخيل والسهام، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الطحاوي (321 هـ) يقول: [في السَبَق. . .، من غير خلاف في خف أو حافر أو نصل] (¬1). • الجصاص (370 هـ) يقول: [لا خلاف في حظره إلا ما رخص فيه من الرهان في السبق في الدواب، والإبل، والنصال إذا كان الذي يستحق واحدا إن سبق، ولا يستحق الآخر إن سبق] (¬2). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [وأجمع أهل العلم على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخف والحافر والنصل] (¬3). نقله برهان الدين ابن مفلح، والبهوتي، والرحيباني (¬4). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [اتفقوا على أن السبق بالنصل والخف والحافر، جائز] (¬5). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [أجمع المسلمون على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخف والحافر والنصل] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية في قول عندهم (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا سبق إلا في خف أو ¬
نصل أو حافر" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نفى السبَق -الذي هو الجعل- إلا في هذه الثلاثة، فدل على أن ما عداها باقٍ على التحريم. الثاني: أن هذه الثلاثة إنما أباحها الشارع لنا لما يحتاج إليها من الجهاد في سبيل اللَّه، وإظهار القوة على الأعداء، وما عداها لا يحتاج إليها في الجهاد كحاجة هذه، فلم تجز المسابقة عليها بعوض (¬2). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال سأذكرها حسب المذاهب: أما الحنفية: يرون جواز السبق على الأقدام (¬3). أما الشافعية: فهم يرون أن من شروط المسابقة: أن يكون عُدَّة للقتال، ولذا أجازوا أمورا كثيرة، وقد جمع الخلاف عندهم الإمام النووي حيث يقول: [الأصل في السبق الخيل والإبل. . .، وتجوز المسابقة على الفيل والبغل والحمار على المذهب. وقيل بالمنع فيها. وقيل بالمنع في البغل والحمار. وقيل في الجميع خلاف. وأما المناضلة فتجوز على السهام العربية والعجمية -وهي: النشاب- وعلى جميع أنواع القسي حتى تجوز على الرمي بالمسلات (¬4) والإبر. وفي المزاريق والزانات (¬5) ورمي الحجارة باليد وبالمقلاع والمنجنيق طريقان (¬6)، ¬
أحدهما: الجواز. والثاني: وجهان (¬1) أصحهما: الجواز. ولا تجوز المسابقة بإشالة الحجر باليد على المذهب، وبه قطع الأكثرون. وقيل: وجهان. . . . وأما المسابقة على التردد بالسيوف والرماح، فقيل: بمنعها؛ لأنها لا تفارق صاحبها، وإلا يصح. الجواز؛ لأنها من أعظم عدد القتال، واستعمالها يحتاج إلى تعلم وتحذق. والمسابقة على الحمام وغيره من الطيور، وعلى الأقدام، والسباحة في الماء، والطيارات، والزوارق، والصراع فجائزة بلا عوض. والأصح منها بالعوض. فإن جوَّزنا الصراع، ففي المشابكة باليد وجهان] (¬2). أما الحنابلة: فعندهم وجه بعيد بجواز العوض في الفيلة. ووجه ذكره ابن البنا في جوازه في الطير المعدة لأخبار العدو. أما الصراع والسبق على الأقدام ومثلها المراهنة على العلم ونحوها إذا قصد بها نصر الإسلام، فإنه يجوز أخذ العوض عليها. اختار هذا ابن تيمية اعتمادا على الوجه الذي ذكره ابن البنا (¬3). أما ابن حزم فيرى جواز السبق في الإبل والخيل والبغل الحمير والنبل والسيف والرمح فقط دون غيرها (¬4). واستدل المخالفون بعدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن الحارث (¬5) -رضي اللَّه عنه- قال: صارع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا ركانة (¬6) في ¬
الجاهلية، وكان شديدا، فقال: شاة بشاة، فصرعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال أبو ركانة: عاودني، فصارعه فصرعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-أيضا، فقال: عاودني في أخرى، فعاوده، فصرعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-أيضا، فقال أبو ركانة: هذا أقول لأهلي شاة أكلها الذئب، وشاة تكسَّرت، فماذا أقول للثالثة؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك ونغرمك، خذ غنمك" (¬1). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في قول اللَّه تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} (¬2) قال: غلبت وغلبت، كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم؛ لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب، فذكروه لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أما إنهم سيغلبون" فذكره أبو بكر لهم فقالوا: أجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ألا جعلته إلى دون! " قال: أراه العشر، قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر قال: ثم ظهرت الروم بعد، قال فذلك قوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} (¬3) إلى قوله: {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} (¬4) قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر (¬5). الثالث: القياس على الثلاثة التي جاءت في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- السابق، ¬
4] إباحة إخراج السبق من أحد المتسابقين في المسابقات المشروعة
فالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما خص هذه الثلاثة؛ لأنها يستفاد منها في الجهاد، فيأخذ حكمها كل ما كان في معناها.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. إلا ما ذكره الجصاص وابن هبيرة فإن عبارتهما دقيقة في هذه المسألة؛ لأنهما حكيا الجواز، ولم ينفيا ما عداه. 4] إباحة إخراج السبق من أحد المتسابقين في المسابقات المشروعة: • المراد بالمسألة: إذا قال أحد المتسابقِين إن كانوا جماعة، أو أحد المتسابقَين إِن كانا اثنين للآخر: إن سبقتني فلك كذا وكذا، ولم يخرج الآخر شيء من ماله، فهذا جائز، فإذا سبقه الآخر أخذ السبق كاملا، وإن سبق المُخْرِج رجع السبق له، وليس على الآخر شيء، باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [لا أعلم خلافا في إباحة إخراج أحد المتسابقين بالقوسين المتساويتين من ماله شيء مسمى، فإن سبقه الآخر أخذه، وإن سبق هو أحرز ماله، ولم يغرم له الآخر شيء] (¬1). • ابن رشد الجد (520 هـ) يقول: [والرهان الذي يكون فيها -أي: المسابقة- على ثلاثة أوجه: . . .، فأما الوجه الجائز باتفاق: وهو أن يخرج أحد المتسابقَين إن كانا اثنين، أو أحد المتسابقِين إن كانوا جماعة، جُعلا لا يرجع إليه بحال، ولا يُخرج مَن سواه شيئا، فإن سُبِق مُخرج الجُعل كان الجعل للسابق، وإن سَبَق هو صاحبه، ولم يكن معه غيره، كان الجُعل طُعمة لمن حضر، وإن كانوا جماعة كان الجعل لمن جاء سابقا بعده منهم. وهذا الوجه في الجواز مثل أن يخرج الإمام الجعل فيجعله لمن سبق من المتسابقين، فهو مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم] (¬2). نقله عنه المواق (¬3). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) لما ذكر أنواع الأسباق تكلم عن النوع الثاني فقال: [وسبق يخرجه أحد المتسابقين دون صاحبه، فإن سبقه صاحبه أخذه، وإن ¬
سبق هو صاحبه أخذه، وحَسُن أن يمضيه في الوجه الذي أخرجه له، ولا يرجع إلى ماله، وهذا مما لا خلاف فيه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن السبق إذا كان من أحد الجانبين فإن شبهة القمار قد انتفت، وحينئذ فلا محظور بعد انتفاء الشبهة. الثاني: أن فيه تحريضا على الأخذ بأسباب الجهاد في الجملة بمال نفسه، وذلك مشروع قياسا على التنفيل من الإمام، بل هو أولى؛ لأن هذا يتصرف في مال نفسه بالبدل، والإمام بالتنفيل يتصرف فيما لغيره فيه حق في الجملة، وهو الغنيمة، فلما جاز ذلك فهذا بالجواز أولى (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة أكثر المالكية، وهو القول الثاني للإمام مالك، وقول ربيعة والأوزاعي، ولهم فيها تفصيل على النحو التالي: إذا سبق الآخر الذي لم يُخْرج الجعل، فإنه يأخذ الجعل ولا إشكال. أما إذا سبق الذي أخرج الجعل، فإنه لا يأخذ الجعل بل يعطيه من حضر المسابقة، أو الذي يليه إن كان في المسابقة أكثر من اثنين (¬4). ¬
5] جواز إخراج السبق من السلطان أو أجنبي عن المتسابقين
واختار الأمير الصنعاني القول بعدم الجواز مطلقا إذا كان الجعل من أحد المتسابقين، وعدَّ ذلك من القمار (¬1). ولم أجد له سلفا في هذا، فيُعدُّ قوله شاذا لا يُعوَّل عليه. ويمكن أن يستدل لهؤلاء بدليل من المعقول، وهو: أنهم أرادوا بهذا أن يخرج العقد عن شبهة القمار، التي يكون إخراج السبق من المتسابقين جميعا، فلو أخرج أحدهما وأخذه كان فيه شبهة فلذا منعوه.Rصحة الإجماع على جزء من المسألة، وهي إذا بذل أحدهما السبَق، وسبَق الآخر الذي لم يبذل من ماله شيئا؛ فإن هذا مجمع عليه، أما إذا سبق الباذل فإنه قد ثبت الخلاف فيها. وعليه فتعد عبارة ابن حزم مدخولة دون غيره. 5] جواز إخراج السبق من السلطان أو أجنبي عن المتسابقين: • المراد بالمسألة: إذا أخرج الإمام أو رجل متطوع السبَق تبرعا من عندهما، ولم يكن لهما مشاركة في المسابقة، فإن هذا جائز لا حرج فيه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [لا أعلم خلافا في إباحة أن يجعل السلطان، أو الرجل شيئا من ماله للسابق في الخيل خاصة] (¬2). • الباجي (474 هـ) يقول: [فإن أخرجه -أي: السبق- غيرهم -أي: ¬
المتسابقين- كالإمام وغيره، على أنه لمن سبق، فلا خلاف في جوازه] (¬1). • ابن رشد الجد (520 هـ): [أن يخرج الإمام الجعل، فيجعله لمن سبق من المتسابقين، فهو مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم أجمعين] (¬2). نقله عنه المواق (¬3). • القاضي عياض (544 هـ) يقول: [فأما المتفق على جوازه: فأن يخرج الوالي سبقا يجعله للسابق من المتسابقين، ولا فرس له في الحلبة، فمن سبق له، وكذلك لو أخرج أسباقا، أحدها للسابق، والثاني للمصلي، والثالث للتالي (¬4)، وهكذا، فهو جائز، ويأخذونه على شروطهم. وكذلك إن فعل ذلك متطوعا رجل من الناس ممن لا فرس له في الحلبة] (¬5). • أبو العباس القرطبي (656 هـ) لما ذكر شروط جواز الرهان، وأن منها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه، قال: [فالمتفق عليها: أن يخرج الإمام، أو غيره، متطوعا سبقا، ولا فرس له في الحلبة، فمن سبق فله ذلك السبق] (¬6). • أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [والأسباق ثلاثة: سبق يعطيه الوالي، أو الرجل غير الوالي، من ماله متطوعا، فيجعل للسابق شيء معلوما فمن سبق أخذه. . .، وهذا مما لا خلاف فيه] (¬7) • النووي (676 هـ) يقول: [فأما المسابقة بعوض: فجائزة بالإجماع، لكن يشترط أن يكون العوض من غير المتسابقين] (¬8). ¬
• القرافي (684 هـ) يقول لما ذكر صور السبق فى المسابقة: [الأولى: أن يُجْعل الوالي أو غيره محللا للسابق، . . . فلا يختلف في إباحة الأولى] (¬1). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [فإذا أخرج ولي الأمر مالا من بيت المال، للمتسابقِين بالنشاب والخيل والإبل، كان ذلك جائزا، باتفاق الأئمة] (¬2). • الزركشي (772 هـ) يقول: [لا نزاع في جواز جعل العوض في المسابقة من الإمام] (¬3). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [واتفقوا على جوازها بعوض، بشرط: أن يكون من غير المتسابقين: كالإمام حيث لا يكون له معهم فرس] (¬4). نقله عنه الشوكاني (¬5). • العيني (855 هـ) يقول: [وإن كان اشتراط العوض من الإمام، فإنه يجوز بالإجماع] (¬6). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [فإن كان الجعل من غير المتسابقين، كالإمام يجعله للسابق، حل ذلك، بلا خلاف] (¬7). • الدسوقي (1230 هـ) يقول تعليقا على كلام صاحب الشرح الكبير (وأخرجه متبرع): [المسابقة في هذه جائزة اتفاقا] (¬8). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول لما تكلم عن شرط الخروج عن شبهة القمار في المسابقة: [فأما من غير المتسابقين، فبلا نزاع] (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على ما إذا قال الإمام: من دخل هذا الحصن فله من النفل كذا وكذا، فكما أنه يجوز هذا، فمن باب أولى أن تجوز المسألة معنا، بجامع أن كلا ¬
6] تحريم العوض الذي يكون من المتسابقين
منهما من باب الجهاد في سبيل اللَّه، والإعانة عليه (¬1). الثاني: أن هذا من باب إعداد القوة التي أمرنا اللَّه بها بقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (¬2) وأولى من يعين الناس عليها، ويحثهم عليها هو إمام المسلمين. الثالث: أن المنع من أخذ العوض في المسابقة من أجل القمار، الذي يكون فيه أحدهما إما غانما أو غارما، ولا قمار في هذه الصورة، فعاد الحكم إلى الأصل وهو الجواز.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها (¬3). 6] تحريم العوض الذي يكون من المتسابقين: • المراد بالمسألة: المسابقة إذا كان السبق فيها مدفوعا من الطرفين، على أن من سبق منهما فإنه يأخذ سبقه وسبق صاحبه، فهذه الصورة بإجماع العلماء ممنوعة. • من نقل الإجماع: • القاضي عياض (544 هـ) يقول: [وأما المتفق على منعه: فأن يخرج كل واحد من المتسابقين سبقا، فمن سبق منهما أخذ سبق صاحبه، وأمسك متاعه] (¬4). • أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [وأما المتفق على منعه -أي: من المسابقات التي يكون فيها رهان- فهو أن يخرج كل واحد من المتسابقين سبقا، ويشترط أنه إن سبق أمسك سبقه، وأخذ سبق صاحبه، فهذا قمار، فلا يجوز باتفاق] (¬5). ¬
• أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) يقول: [واتفق العلماء على أنه إن لم يكن بينهما محلل، واشترط كل واحد من المتسابقين أنه إن سبق أخذ سبقه وسبق صاحبه، أنه قمار ولا يجوز] (¬1). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [أن يخرج كل منهما سبقا، فمن غلب أخذ السبقين، فاتفقوا على منعه] (¬2). نقله عنه الشوكاني (¬3). • العيني (855 هـ) يقول: [ولو شرط المال من الجانبين، حرم بالإجماع] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنابلة، ابن حزم من الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (¬6). • وجه الدلالة: أن القمار من الميسر الذي حرمه اللَّه، والمراهنة تعد من القمار؛ إذ كل منهما ربما يغنم مال صاحبه، أو يغرم ماله لصاحبه. الثاني: ما جاء في الحديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الخيل ثلاثة: فرس يربطه الرجل في سبيل اللَّه فثمنه أجر، وركوبه أجر، وعاريته أجر، وعلفه أجر، وفرس يغالق عليه الرجل ويراهن، فثمنه وزر، وعلفه وزر، وفرس للبطنة، فعسى أن يكون سدادا من الفقر إن شاء اللَّه تعالى" (¬7). ¬
• وجه الدلالة: أن الفرس الذي يقامر عليها، وهي: التي يكن فيها إما غانما أو غارما، جعل صاحبها آثما، وهذا ذم يراد منه النهي عن الفعل. الثالث: ما جاء أن رجلين رأيا ظبيا وهما محرمان، فتواخيا فيه، وتراهنا، فرماه بعصى، فكسره، فأتيا عمر وإلى جنبه ابن عوف، فقال لعبد الرحمن: ما تقول؟ قال: هذا قمار، ولو كان سبقا (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في وجه، اختاره ابن تيمية وابن القيم، وقالوا: يجوز إخراج السبق من المتسابقين، حتى وإن كان بدون محلل (¬2). واستدلوا بعدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن الحارث -رضي اللَّه عنه- قال: صارع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا ركانة في الجاهلية، وكان شديدا، فقال: شاة بشاة، فصرعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال أبو ركانة: عاودني، فصارعه فصرعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-أيضا، فقال: عاودني في أخرى، فعاوده، فصرعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أيضا، فقال أبو ركانة: هذا أقول لأهلي شاة أكلها الذئب، وشاة تكسَّرت، فماذا أقول للثالثة؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك ونغرمك، خذ غنمك" (¬3). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في قول اللَّه تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} (¬4) قال: غلبت وغلبت، كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم؛ لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب، فذكروه لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أما إنهم سيغلبون" فذكره أبو بكر لهم فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا ¬
7] تحريم العوض في المسابقة على النرد والشطرنج ونحوها
كان لنا كذا كذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين، فلم يظهروا فذكر ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ألا جعلته إلى دون! " قال: أراه العشر. -قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر- قال: ثم ظهرت الروم بعد، قال فذلك قوله تعالى: {الم (¬1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} إلى قوله: {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ} (¬2) قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر (¬3). الثالث: جاء عن أنس وابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنهما سئلا: أكنتم تراهنون على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقالا: "نعم، لقد راهن على فرس له، يقال لها: سبحة، فجاءت سابقة، فانهش لذلك وأعجبه" (¬4). • وجه الدلالة: أن المراهنة على وزن مفاعلة، والمفاعلة لا تكون إلا من طرفين (¬5).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 7] تحريم العوض في المسابقة على النرد والشطرنج ونحوها: • المراد بالمسألة: النرد: فارسي معرَّب، ويطلق عليه: النردشير (¬6)، وهو: لعبة ذات صندوق وحجارة وفصين، تعتمد على الحظ، وتنقل فيها الحجارة على حسب ما يأتي به الفص (¬7). الشّطرنج: بكسر الشين وفتحها: فارسية معرَّبة (¬8)، وهي: لعبة تلعب على رقعة ذات أربعة وستين مربعا، وتمثل دولتين متحاربتين، باثنتين وثلاثين قطعة، ¬
تمثل الملكين، والوزيرين، والخيالة، والقلاع، والفيلة، والجنود (¬1). ويقصد بالمسألة: أن اللعب بالنرد والشطرنج، ونحوها من اللعاب المحرمة، إذا كان فيها عوضٌ من الطرفين، أو من أحدهما، أو من أجنبي، فإنه محرم، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [وأما الشطرنج: فأجمع العلماء أن اللعب بها قمار، لا يجوز] (¬2). نقله عنه ابن تيمية (¬3). • ابن رشد الجد (520 هـ) يقول: [. . . فاللعب بشيء من ذلك -أي: النرد والشطرنج- كله على سبيل القمار والخطار، لا يحل، ولا يجوز، بإجماع من العلماء] (¬4). نقله عنه القرافي، وعلي بن محمد المنوفي (¬5). • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وقد أجمع العلماء، على أن اللعب بالنرد والشطرنج، حرام، إذا كان بعوض] (¬6). ويقول في ذكر أسباب تحريم المراهنة على الزجل (¬7) المشتمل على العصبية والتغزل بالمردان: [. . . فإن هذه المغالبات، مشتملات على منكرات محرمات، وغير محرمات بل مكروهات، ومن المحرمات التي فيها ما تحريمه ثابت بالإجماع، وبالنصوص الشرعية، وذلك من وجوه، أحدها: المراهنة على ذلك، بإجماع المسلمين] (¬8). • الإتقاني (758 هـ) يقول: [أما النرد: فحرام بالإجماع (¬9)، وأما الشطرنج: ¬
فإن قامر به، فهو حرام بالإجماع]. نقله عنه الشلبي (¬1). • شمس الدين ابن مفلح (763 هـ) يقول: [ويحرم شطرنج، في المنصوص، كمع عوض، أو ترك واجب، أو فعل محرم، إجماعا] (¬2). • الشربيني (977 هـ) يقول: [(فإن) (شرط فيه) أي: اللعب بالشطرنج (مال من الجانبين) على أن من غلب من اللاعبين فله على الآخر كذا (فقمار) فيحرم بالإجماع] (¬3). • الحصكفي (1088 هـ) يقول: [(و) كره تحريما (اللعب بالنرد و) كذا (الشطرنج). . .، وهذا إذ لم يقامر، ولم يداوم، ولم يخل بواجب، وإلا فحرام بالإجماع] (¬4). • الدردير (1201 هـ) يقول: [وكالشطرنج. . .، ومحله: بدون عوض، واشتمال على محرم، وإلا فيحرم اتفاقا] (¬5). • الرحيباني (1243 هـ) يقول: [فإذا اشتمل اللعب بالشطرنج على عوض. . .، فإنه حرام بإجماع المسلمين] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (¬8). وجه الدلالة من وجهين: ¬
الوجه الأول: جاء عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: [النرد أو الشطرنج من الميسر] (¬1). وهذا يدل على تحريمهما في الآية. الوجه الثاني: أن الميسر من القمار، كما جاء تفسير ذلك عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- وغيره (¬2)، والقمار هو: أن يكون كل واحد منهما غانما أو غارما (¬3)، وهو محرم بإجماع العلماء، واللعب بهذين مع المعاوضة هو القمار بعينه، فيدخل في معنى الآية (¬4). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا سبق إلا في خف، أو في حافر، أو نصل" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حصر السبق في هذه الثلاثة، فدل على أن ما عداها لا يدخل في السبق المباح. الثالث: عن بريدة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من لعب بالنردشير، فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه" (¬6). الرابع: عن أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من لعب بالنرد، فقد عصى اللَّه ورسوله" (¬7). • وجه الدلالة من الحديثين: أن الحديثين فيهما دلالة على تحريم اللعب بالنرد، فإذا كان اللعب به محرما، كانت المعاوضة عليه محرمة من باب أولى. ¬
8] وجوب تحديد المسافة في المسابقات المشروعة
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 8] وجوب تحديد المسافة في المسابقات المشروعة: • المراد بالمسألة: حينما يريد المتسابقان أن يتسابقا على فرسيهما، أو نحوه مما يجوز التسابق عليه، فلا بد من تحديد غاية لها بداية ونهاية في المسابقة، سواء كان التحديد صريحا أم متعارفا عليه بينهما، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن حزم (456 هـ) يقول: [واتفقوا أن المسابقة من غاية واحدة إلى غاية واحدة، جائزة] (¬1). • أبو زرعة العراقي (826 هـ) يقول: [. . . لا بد في المسابقة من إعلام ابتداء الغاية وانتهائها، وهو كذلك بالإجماع] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "سابق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الخيل التي قد أضمرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع. وسابق بين الخيل التي لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع، وكان أمدها مسجد بني زريق. وكان ابن عمر ممن سابق فيها" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حدد المسافة في المسابقة، ولم يتركها عائمة، فدل على أن الأصل هو التحديد. ¬
الثاني: أن الغرض في المسابقة معرفة الأسبق، ولا يحصل إلا بالتساوي في الغاية؛ لأن من الحيوان ما يُقصِّر في أول عدوه، ويسرع في انتهائه، وبالعكس، فيحتاج إلى غاية تجمع حاليه، وإلا كان مظنة لوقوع النزاع بينهما (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة، وذلك لعدم المخالف فيها. ومما ينبغي التفطن له أن عبارة العراقي أدق في حكاية الإجماع من عبارة ابن حزم؛ لأنه نص على الوجوب، والعلماء كافة على هذا. * * * ¬
الباب الثامن: مسائل الإجماع في كتاب الشفعة
الباب الثامن: مسائل الإجماع في كتاب الشفعة 1] مشروعية الشفعة في العقار الذي لم يقسم: • المراد بالمسألة: الشفعة لغة: مأخوذة من شفع التي هي مادة الكلمة، وهي: تدل على مقارنة الشيئين، ومنه سميت الشفعة بذلك؛ لأنه يشفع بها ماله، ويضمها إليه (¬1). واصطلاحًا: استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه، بعوض مالي، أو مطلقا (¬2). وصورة المسألة: أن الشفعة إنما شرعت لدفع الضرر عن الشريك، فإذا كان ثمة مشاركة بين رجلين في عقار، وكانت المشاركة مشاعة بينهما، ولم يحدد نصيب واحد منهما، فإذا أراد أحدهما أن يبيع نصيبه لشخص أجنبي، فللشريك أن يطالب بالشفعة، بإجماع العلماء. وإذا كان نصيب كل واحد متميز عن الآخر، فلا شفعة بالإجماع. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم، فيما بيع من أرض، أو دار، أو حائط] (¬3). نقله عنه ابن قدامة، وابن القطان، وشمس الدين ابن قدامة، والشربيني، والرحيباني، وعبد الرحمن ¬
القاسم (¬1). • القاضي عبد الوهاب (422 هـ) يقول: [لا خلاف في وجوب الشفعة للشريك المخالط] (¬2). • الماوردي (450 هـ) يقول: [والحكم بالشفعة واجب بالنص والإجماع، إلا من شذ عن الكافة من الأصم وابن علية. . .، فإذا ثبت وجوب الشفعة، فهي مستحقة في عراص الأرضين، ويكون ما اتصل بها من البناء والغراس تبعا، وإن كان المبيع منها مشاعا، كانت الشفعة فيه على قول (¬3) من أوجبها، إجماعا] (¬4). • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [أجمع العلماء على أن الشفعة في الدور، والأرضين، والحوانيت، والرباع، كلها بين الشركاء في المشاع من ذلك كله، وأنها سنة مجتمع عليها، يجب التسليم لها] (¬5). وقال لما أورد حديث ابن شهاب وهو "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء. . . " (¬6): [وحديث ابن شهاب هذا، قد اتفق جماعة العلماء على القول به؛ لأنهم يوجبون الشفعة للشريك في المبتاع من الدور والأرضين، وكل ما تأخذه الحدود، ويحتمل القسمة من ذلك كله، وما كان مثله] (¬7). وقال أيضا: [فالشفعة واجبة بهذا الحديث -أي: حديث ابن شهاب السابق- في كل أصل مشاع: من ربع، أو أرض، أو نخل، أو شجر، تمكن فيه القسمة والحدود، وهذا في الشريك، في المشاع دون غيره، إجماع من العلماء] (¬8). وقال أيضا: [وليس في الشفعة أصل، لا اعتراض فيه، ولا خلاف، إلا في الشريك المشاع] (¬9). ¬
• البغوي (516 هـ) يقول: [اتفق أهل العلم على ثبوت الشفعة للشريك في الربع المنقسم، إذا باع أحد الشركاء نصيبه قبل القسمة] (¬1). • ابن رشد الجد (520 هـ) يقول: [واتفق أهل العلم، على إيجاب الشفعة في الأصول، اتفاقا مجملا] (¬2). • ابن العربي (543 هـ) يقول: [اتفق علماء الأمصار، على أن الشفعة إنما تكون في العقار، دون المنقول] (¬3). • القاضي عياض (544 هـ) يقول: [وقد أجمع العلماء، في وجوب الشفعة للشريك، في الربع المبيع، فيما لم يقسم] (¬4). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أن الشفعة تجب في الخليط] (¬5). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [اتفق المسلمون، على أن الشفعة واجبة، في الدور والعقار والأرضين كلها] ويقول أيضا في معرض بيانه لحديث جابر: [فكأنه قال: الشفعة فيما تمكن فيه القسمة، ما دام لم يقسم، وهذا استدلال بدليل الخطاب، وقد أجمع عليه في هذا الموضع فقهاء الأمصار، مع اختلافهم في صحة الاستدلال به] (¬6). • أبو العباس القرطبي (656 هـ) يقول: [الشفعة إنما تستحق في العقار المشترك الذي يقبل القسمة، وهذا هو المحل المتفق على وجوب الشفعة فيه، واختلف فيما عدا ذلك] (¬7). • النووي (676 هـ) يقول: [وأجمع المسلمون، على ثبوت الشفعة للشريك في العقار، ما لم يقسم] (¬8). ¬
• ابن تيمية (728 هـ) يقول: [اتفق الأئمة على ثبوت الشفعة في العقار الذى يقبل القسمة، قسمة الإجبار: كالقرية، والبستان، ونحو ذلك] (¬1). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬2). • أبو عبد اللَّه الدمشقي (كان حيا: 780 هـ) يقول: [تثبت -أي: الشفعة- للشريك في الملك، باتفاق الأئمة] (¬3). • ابن حجر (852 هـ) يقول: [ولم يختلف العلماء في مشروعيتها إلا ما نقل عن أبي بكر بن الأصم من إنكارها] (¬4). • العيني (855 هـ) يقول: [أجمع العلماء على ثبوت الشفعة في شريك لم يقسم ربعه] (¬5). • مولى خسرو (1078 هـ) يقول: [وإنما تجب -أي: تثبت الشفعة- للخليط: وهو الشريك الذي لم يقاسم، في نفس المبيع، وهذا بالإجماع] (¬6). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [الألفاظ في هذا الحديث قد تضافرت في الدلالة على ثبوت الشفعة للشريك في الدور والعقار والبساتين، وهذا مجمع عليه، إذا كان مما يقسم] (¬7). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [وهي -أي: الشفعة- ثابتة بالسنة والإجماع] (¬8). ويقول أيضا: [إن كان كل واحد من الشركاء، متميز ملكه، وحقوق الملك، فلا شفعة إجماعا] (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من السنة، وهو: ما جاء عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: "قضى رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة". وفي رواية: ¬
"الشفعة في كل شرك: في أرض، أو رَبْع، أو حائط، لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع، فإن أبى فشريكه أحق به حتى يؤذنه" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أثبت الشفعة فيما حصلت فيه الشركة في العقار الذي لم يقسم؛ لوجود الضرر، أما المقسوم بين الشريكين لا يسمى بعد القسمة مشتركا؛ لأن كل واحد محدد نصيبه من العقار، فلا ضرر حينئذ. • المخالفون للإجماع: أما المخالفون للإجماع فقد نص ابن حزم على نفي وقوع الإجماع في الشفعة (¬2)، بل إنه كذب من ادعى الإجماع في ذلك، فقال: [وقد جسر بعضهم -على جاري عادته في الكذب- فادعى الإجماع على وجوب الشفعة في الأرض، والبناء، والأشجار فقط، وادعى الإجماع على سقوط الشفعة فيما سواها. قال أبو محمد: أما الإجماع على وجوب الشفعة في الأرض وما فيها من بناء وشجر، فقد أوردنا عن الحسن وابن سيرين وعبد الملك بن يعلى (¬3) وعثمان البتي خلاف ذلك، وهؤلاء فقهاء تابعون] (¬4). وكذا نص جماعة من العلماء على أن الأصم وابن علية قد خالفا الإجماع، وقالا: بعدم جواز الشفعة مطلقا (¬5). ونُقِل إنكارها أيضا عن جابر بن زيد من التابعين (¬6). واستدل هؤلاء المخالفون بدليل عقلي، وهو: أن في إثبات الشفعة إضرارا بأرباب الأملاك، فإن المشتري إذا علم أنه يؤخذ ¬
منه إذا ابتاعه، لم يتبعه، ويتقاعد الشريك عن الشراء، فيستضر المالك (¬1). أما ما أورده ابن حزم عن هؤلاء التابعين: فقد ذكر كلامهم قبل هذا الكلام، فقال: [. . . فقال عبد الملك بن يعلى -وهو تابعي قاضي البصرة-: لا يجوز بيع المشاع، روينا ذلك من طريق حماد بن زيد أنا أيوب السختياني قال: رفع إلى عبد الملك بن يعلى -قاضي البصرة- رجل باع نصيبا له غير مقسوم، فلم يجزه، فذكر لمحمد بن سيرين، فرآه غير جائز. وقال محمد بن سيرين: لا بأس بالشريكين يكون بينهما المتاع، أو الشيء الذي لا يكال ولا يوزن، أن يبيعه قبل أن يقاسمه. وقال الحسن: لا يبع منه ولا من غيره حتى يقاسمه، إلا أن يكون لؤلؤة، أو ما لا يقدر على قسمته. وأجاز عثمان البتي بيع المشاع، ولم ير الشفعة للشريك] (¬2). وهذا الكلام فيما يظهر -واللَّه أعلم- إنما هو في حكم بيع المشاع، وليس في حكم الشفعة في العقار، وفرق بين المسألتين، وقد فرق ابن حزم نفسه في هذا فقال: [وها هنا خلاف بين أربعة مواضع: أحدها هل يجوز بيع المشاع أم لا؟ والثاني: هل يكون في بيعه شفعة أم لا؟ . . .] (¬3). فيبقى ما أورده عن عثمان البتِّي فقط، وهو قول -إن صح عنه- فهو شاذ، محجوج بالسنة الصحيحة. أما الأصم وابن علية: فقد نص العلماء على شذوذ قولهما، وهما أيضا من المعتزلة الذين لا يعتد بخلافهم. أما ما جاء عن جابر بن زيد: فلعله لم يصح عنه كما ذكر ذلك الدميري (¬4) (¬5)، ومما يؤيد ذلك أني لم أجده عنه مسندا، ولم يذكره عنه سوى الرافعي (¬6). ¬
2] صحة الشفعة المنتقلة بعقد البيع
Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم صحة المخالفة فيها، أو لشذوذها وذلك لمخالفتها لصريح السنة. 2] صحة الشفعة المنتقلة بعقد البيع: • المراد بالمسألة: من شروط الشفعة: أن يكون الشقص منتقلا إلى من طلبت منه الشفعة بعوض، فإذا كان طريق المعاوضة البيع، صحة الشفعة، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن العربي (543 هـ) يقول: [اتفق العلماء على أن الشفعة إنما يترتب حكمها في عقد معاوضة] (¬1). • ابن قدامة (620 هـ) لما ذكر الشرط الرابع من شروط الشفعة وهو: أن يكون الشقص منتقلا بعوض، تحدث عن حكم الشفعة المنتقلة بغير عوض، ثم ذكر المنتقلة بعوض، فقال: [فأما المنتقل بعوض، فينقسم قسمين: أحدهما: ما عوضه المال، كالبيع، فهذا فيه الشفعة، بغير خلاف] (¬2). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬3). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [المنتقل بعوض على ضربين: أحدهما: ما عوضه المال، كالبيع، فهذا فيه الشفعة، بغير خلاف] (¬4). • الصنعاني (1182 هـ) يقول: [وفي قوله: (أن يبيع) ما يشعر بأنها إنما تثبت فيما كان بعقد البيع، وهذا مجمع عليه] (¬5). • عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) يقول: [الشفعة إنما تثبت فيما كان بعقد البيع بالإجماع] (¬6). ¬
3] الأخذ بالشفعة في البناء والغراس يباع مع الأرض
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬1). يستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من السنة، وهو: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الشفعة في كل شركٍ: في أرض أو ربع أو حائط، لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه، فيأخذ أو يدع، فإن أبى فشريكه أحق به حتى يؤذنه" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نص على البيع، فدل على أنه الأصل في الشفعة (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 3] الأخذ بالشفعة في البناء والغراس يباع مع الأرض: • المراد بالمسألة: إذا اشترك اثنان في أرض فيها بناء أو غراس، وأراد أحدهما أن يبيع نصيبه، وطلب الآخر الشفعة، فإن له الحق في الشفعة في الجميع، الأرض وما حوته من بناء وغراس، دون أن يطالب بشفعة البناء والغراس استقلالا، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [الشرط الثاني: أن يكون المبيع أرضا. . .، وأما غيرها فينقسم قسمين: أحدهما: تثبت فيه الشفعة تبعا للأرض، وهو البناء والغراس يباع مع الأرض، فإنه يؤخذ بالشفعة تبعا للأرض، بغير خلاف في المذهب، ولا نعرف فيه بين من أثبت الشفعة خلافا] (¬4). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [الشرط الثاني: أن يكون المبيع أرضا. . .، وأما غيرها فينقسم قسمين: أحدهما: تثبت فيه الشفعة تبعا للأرض، ¬
4] ثبوت الشفعة للغائب
وهو البناء والغراس يباع مع الأرض، فإنه يؤخذ بالشفعة تبعا للأرض، بغير خلاف في المذهب، ولا نعرف فيه بين من أثبت الشفعة خلافا] (¬1). نقله عنه برهان الدين ابن مفلح (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان له شريك في ربعة أو نخل، فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن رضي أخذ، وإن كره ترك". وفي رواية: "ربعة أو حائط" (¬4). • وجه الدلالة: أن من الربعة والحائط البناء والغراس، فتجوز فيهما الشفعة (¬5). الثاني: أن طلبه للشفعة فيهما ليس استقلالا وإنما تبعا للأرض، ويثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا (¬6).Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 4] ثبوت الشفعة للغائب: • المراد بالمسألة: إذا أراد الشريك أن يبيع حصته في شراكة لم تقسم بعد، وكان شريكه غائبا ولم يعلم بالبيع، فإنه يبقى له حق الشفعة ولا يسقط، حتى يعلم ¬
بالبيع، وإن طالت المدة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) يقول: [أما شفعة الغائب فإن أهل العلم مجمعون على أنه إذا لم يعلم ببيع الحصة التي هو فيها شريك من الدور والأرضين، ثم قدم فعلم، فله الشفعة، مع طول مدة غيبته] (¬1). نقله عنه ابن القطان (¬2). • ابن هبيرة (560 هـ) يقول: [واتفقوا على أنه إذا كان الشفيع غائبا فله المطالبة بالشفاعة ولو تناقل المبيع جماعة] (¬3). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬4). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [فأما الغائب: فأجمع العلماء على أن الغائب على شفعته، ما لم يعلم ببيع شريكه] (¬5). • البابرتي (786 هـ) يقول: [الشفيع إذا كان غائبا، لم تبطل شفعته بتأخير هذا الطلب بالاتفاق] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: "قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حكم بالشفعة حكما عاما، لم يفرق فيه بين الحاضر والغائب، فكانا في الحكم سواء، ولو كان ثمة فرق بينهما لما غفل عن ¬
ذكرهما (¬1). الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبا، إذا كان طريقهما واحدا" (¬2). • وجه الدلالة: بين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن مستحق الشفعة لا يسقط حقه بها، وإن كان غائبا. الثالث: القياس على الإرث: فكما أن حق الإرث لا يسقط بالغيبة فكذلك الشفعة، والجامع أن كلا منهما حق مالي وجد سببه بالنسبة لهما، فيثبت ولا يسقط (¬3). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: أن الغائب ليس له شفعة. وهذا قال به: إبراهيم النخعي (¬4). القول الثاني: التفريق بين من غيبته قريبة أو بعيدة، فمن كانت غيبته قريبة فله ¬
شفعة، ومن كانت غيبته بعيدة فلا شفعة له. وهذا قال به: الحارث العكلي (¬1) وعثمان البتي (¬2). استدل أصحاب القولين بعدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا شفعة لصغير ولا لغائب" (¬3). الثاني: أن إثبات الشفعة للغائب يوقع الضرر بالمشتري، ويمنع من استقرار ملكه، وكذا تصرفه على حسب اختياره؛ لأنه يخشى أن يؤخذ منه، فلا يثبت له الحق كثبوته للحاضر على التراخي (¬4). ويمكن أن يضاف للقول الثاني: أن هذا الضرر المتوقع منتفٍ في حق من غيبته قريبة، ولذا حكم ببقاء حق الشفعة له دون البعيد. أما قول النخعي فقد ذكر الطحاوي أن له قولا يوافق قول الجمهور (¬5)، ثم إن الراوي عنه مغيرة بن مقسم (¬6)، وهو وإن كان ثقة إلا أن الإمام أحمد لين روايته عن إبراهيم (¬7). ¬
5] بقاء الشفعة لمن عجز الإشهاد في سفره
فلم يبق بعد هذا إلا قول العكلي والبتي، ويقال فيهما: أنه إن ثبت هذا القول عنهما، فإنه يحكم بشذوذه؛ لمخالفته ظواهر الأدلة، وإجماع العلماء. واللَّه اعلم.Rصحة الإجماع في المسألة، وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 5] بقاء الشفعة لمن عجز الإشهاد في سفره: • المراد بالمسألة: من كان مسافرا، وعلم أن شريكه الذي لم تقع المقاسمة بينهما قد باع، فأراد أن يَشفع في نصيبه، فعجز عن الإشهاد على طلبه، فإنه لا تسقط شفعته، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [ولا خلاف في أنه إذا عجز عن الإشهاد في سفره، أن شفعته لا تسقط] (¬1). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [فإن عجز عن الإشهاد في سفره، لم تبطل شفعته بغير خلاف] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على من لم يعلم بالشفعة: بجامع أن كلا منهما قصد أن يؤدي ما عليه فلم يتمكن، فكان معذورا في تركه (¬4). ¬
6] جواز تأخير الشفعة بسبب العذر
الثاني: أن حق الشفعة قد ثبت للشريك بحكم الشارع، فلا يسقط حقه إذا كان معذورا.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 6] جواز تأخير الشفعة بسبب العذر: • المراد بالمسألة: إذا استحق الشفيع الشفعة، كان له المطالبة بها من حين علمه ببيع صاحبه، فإذا حبسه العذر عن المطالبة، لم يسقط حقه بها حتى وإن طالت المدة، بإجماع العلماء. والعذر الذي يعذر به، هو: عدم قدرته على المطالبة مطلقا: كالمرض المعيق، أو الحبس بغير حق، ونحوهما، ولم يستطع التوكيل ولا الإشهاد. • من نقل الإجماع: • الزيلعي (743 هـ) يقول: [ولو كان التأخير بعذر من مرض، أو حبس، أو عدم قاض يرى الشفعة بالجوار في بلده، لا تسقط بالإجماع] (¬1). • البابرتي (786 هـ) يقول: [. . . أجمعوا على أنه تركه بمرض، أو حبس، أو غير ذلك، ولم يمكنه التوكيل بهذا الطلب، لا تبطل شفعته، وإن طالت المدة] (¬2). • العيني (855 هـ) يقول: [لو ترك المرافعة إلى القاضي بعد الطلبين بعذر المرض، أو حبس، أو عدم قدرته على التوكيل، لم تبطل شفعته بالإجماع] (¬3). • الطوري (كان حيا: 1138 هـ) يقول: [ولو كان بعذر من مرض، أو حبس، ولم يمكنه التوكيل، أو قاض لا يرى الشفعة بالجوار في بلدته، لا تسقط بالإجماع] (¬4). ¬
7] الأخذ بكامل الشفعة
• عبد الرحمن المعروف بـ[داماد أفندي] (1078 هـ) يقول: [ولو كان التأخير بعذر من مرض، أو سفر، أو حبس، أو عدم قاض يرى الشفعة بالجوار في بلده، لا يسقط بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن المانع له من المطالبة هو العذر الذي لا يملكه، فلا يؤاخذ بما لا يملك (¬3). الثاني: القياس على الشريك الغائب الذي لا يعلم بالشفعة: فكما أنه تثبت له المطالبة بالشفعة حتى وإن تباعد الوقت، فكذلك المعذور، بجامع عدم القدرة عليها في كل منهما.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 7] الأخذ بكامل الشفعة: • المراد بالمسألة: إذا استحق الشِقْص جملة من الشفعاء، بعضهم أسقط حقه ولم يطالب به، وطالب الآخرون، أو كان المستحق واحدا وأراد أن يأخذ جزءا من حقه، فإنه ليس لهم إلا أن يأخذوا كامل الشقص أو يتركوا الكل، وليس لهم الاقتصار على جزء من حقهم، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن من اشترى شِقْصا من أرض مشتركة، فسلَّم بعضهم الشفعة، وأراد بعضهم أن يأخذ، فلمن أراد الأخذ ¬
بالشفعة، أن يأخذ الجميع، أو يدعه، وليس له أن يأخذ بقدر حصته، ويترك ما بقي] (¬1). نقله عنه ابن قدامة، وابن القطان، وشمس الدين ابن قدامة، والزركشي، والمرداوي، والبهوتي، والرحيباني، وعبد الرحمن القاسم (¬2). • ابن رشد الحفيد (595 هـ) يقول: [فأما أن الشفيع واحد، والمشفوع عليه واحد، فلا خلاف في أن الواجب على الشفيع أن يأخذ الكل أو يدع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، وابن حزم من الظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن في أخذ بعض الحق إضرارا بالمشتري، بتبعيض الصفقة عليه، والشفعة إنما شرعت دفعا لضرر الشريك الداخل، خوفا من سوء المشاركة ومؤنة القسمة، فإذا أخذ بعض الشقص، لم يندفع عنه الضرر، فلا تثبت له في الجزء الباقي، والقاعدة المقررة: أن الضرر لا يزال بالضرر (¬5). الثاني: القياس على ما إذا كان بعض الشفعاء غائبا، فإنه ليس للحاضر إلا أن يأخذ الكل أو يتركه، بجامع وجود الضرر في تبعيض الحق على الشريك (¬6). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الشافعية في وجه غير مشهور عندهم، وقالوا: إذا أسقط أحد الشفعاء شفعته، فللشفيع الآخر أن يأخذ قسطه فقط، وليس للمشتري ¬
8] ثبوت شفعة الذمي والمسلم على الذمي
أن يلزمه بأخذ الجميع (¬1). ويمكن أن يستدل لهؤلاء: أن الشفيع إنما يلزمه قسطه فقط، وربما لا يقدر إلا عليه، وإلزامه بالأخذ بكامل الشفعة إلزام بما لا مقدرة له عليه، والمشتري دخل على بينة وبصيرة بالشفيع، وهو غير ملزم بالعقد أصلا، فإذا دخل كان راضيا بالمشاركة.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 8] ثبوت شفعة الذمي والمسلم على الذمي: • المراد بالمسألة: إذا كان ثمة دار بين ذميين غير مقسومة، وباع أحدهما نصيبه، فلصاحبه الذمي حق المطالبة بالشفعة، وكذا إذا كانت لمسلم على ذمي، بلا خلاف بين العلماء. • من نقل الإجماع: • الماوردي (450 هـ) يقول: [لا خلاف بين الفقهاء أن الشفعة تجب للمسلم على الذمي. . .، وتجب للذمي على الذمي] (¬2). • العمراني (558 هـ) يقول: [وتثبت الشفعة للمسلم على الذمي، وللذمي على الذمي. . .، ولا خلاف في ذلك] (¬3). • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [وتثبت للذمي على الذمي. . .، ولا نعلم في هذا خلافا] (¬4). نقله عنه عبد الرحمن القاسم (¬5). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [وتثبت للذمي على الذمي. . .، ولا نعلم في هذا خلافا] (¬6). نقله عنه برهان الدين ابن مفلح (¬7). • الموافقون على الإجماع: ¬
9] بيع المشتري المشفوع فيه قبل طلب الشفيع الشفعة
وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان له شريك في ربعة أو نخل، فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن رضي أخذ، وإن كره ترك" (¬2). • وجه الدلالة: أن لفظة الشريك عامة تشمل كل شريك، مسلما كان أو غيره، فيدخل فيها الذمي والمسلم مع الذمي. الثاني: أنهما -أي: الذمي مع الذمي- تساويا في الدين والحرمة، فتثبت لأحدهما على الآخر، كالمسلم على المسلم (¬3).Rصحة الإجماع في المسألة، وذلك لعدم المخالف فيها. 9] بيع المشتري المشفوع فيه قبل طلب الشفيع الشفعة: • المراد بالمسألة: إذا تصرف المشتري في السلعة بالبيع، ثم ظهر شفيع وطالب بالشفعة، فإنه بالخيار في المطالبة، إن شاء طالب المشتري الأول وفسخ ما وقع من بيع، أو طالب المشتري الثاني، وأمضى العقد بينهما، ومثله لو كان ثمة مشتر ثالث. ثم إن أخذ من الثاني الثمن دفع إليه الذي اشترى به، ولم يرجع على الأول بشيء، وإن أخذ من الأول دفع إليه الذي اشترى به، ورجع على الثاني بما أعطاه به، وهكذا، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن قدامة (620 هـ) يقول: [. . . متى تصرف -أي: المشتري- فيه تصرفا صحيحا تجب به الشفعة، مثل أن باعه، فالشفيع بالخيار، إن شاء فسخ البيع الثاني وأخذه بالبيع الأول بثمنه. . .، وإن شاء أمضى تصرفه وأخذ بالشفعة من المشتري الثاني. . . وإن تبايع ذلك ثلاثة، فله أن يأخذ المبيع بالبيع الأول، وينفسخ العقدان الأخيران، وله أن يأخذه بالثاني، وينفسخ الثالث وحده، وله أن يأخذه ¬
بالثالث، ولا ينفسخ شيء من العقود، فإذا أخذه من الثالث، دفع إليه الثمن الذي اشترى به، ولم يرجع على أحد. . .، وإن أخذ من الثاني الثمن دفع إليه الذي اشترى به، ورجع الثالث عليه بما أعطاه. . .، وأخذ الشقص منه، فيرجع بثمنه على الثاني. . .، وإن أخذ بالبيع الأول، دفع إلى المشتري الأول الثمن الذي اشترى به، وانفسخ عقد الآخرين، ورجع الثالث على الثاني بما أعطاه، ورجع الثاني على الأول بما أعطاه، فإذا كان الأول اشتراه بعشرة، ثم اشتراه الثاني بعشرين، ثم اشتراه الثالث بثلاثين، فأخذه بالبيع الأول، دفع إلى الأول عشرة، وأخذ الثاني من الأول عشرين، وأخذ الثالث من الثاني ثلاثين. . .، ولا نعلم في هذا خلافا، وبه يقول مالك، والشافعي، والعنبري (¬1)، وأصحاب الرأي] (¬2). • شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) يقول: [. . . متى تصرف -أي: المشتري- فيه تصرفا صحيحا تجب به الشفعة، كالبيع، فللشفيع الخيار، إن شاء فسخ البيع الثاني وأخذه بالبيع الأول بثمنه. . .، وإن شاء أمضى تصرفه وأخذ بالشفعة من المشتري الثاني. . .، وإن تبايع ذلك ثلاثة، فله أن يأخذ بالبيع الأول، وينفسخ العقدان الآخران، وله أن يأخذه بالثاني، وينفسخ الثالث وحده، وله أن يأخذه بالثالث، ولا ينفسخ شيء من العقود، فإذا أخذه من الثالث، دفع إليه الثمن الذي اشترى به، (ولم يرجع على أحد. . .، وإن أخذ من الثاني الثمن دفع إليه الذي اشترى به) (¬3)، ورجع الثالث عليه بما أعطاه. . .، وأخذ الشقص منه، فيرجع بثمنه على الثاني. . .، وإن أخذ بالبيع الأول، دفع إلى المشتري الأول الثمن الذي اشترى به، وانفسخ عقد الآخرين، ورجع الثالث على الثاني بما أعطاه، والثاني على الأول بما أعطاه، فإن كان الأول اشتراه بعشرة، ثم اشتراه الثاني بعشرين، ثم اشتراه الثالث بثلاثين، فأخذه بالبيع الأول، دفع إلى الأول عشرة، وأخذ الثاني من الأول عشرين، وأخذ الثالث من الثاني ثلاثين. . .، ولا نعلم في هذا خلافا، وبه يقول مالك، والشافعي، والعنبري، وأصحاب ¬
الرأي] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الشفعة وجبت للشفيع قبل تصرف المشتري، فثبت له حق التصرف في فسخ العقد الثاني وما بعده. الثاني: أنه شفيع في العقدين، فكان له الأخذ بما شاء منهما (¬3). الثالث: أن سبب الشفعة الشراء، وقد وجد من كل واحد منهما، فكان له حق مطالبة من شاء منهما (¬4). • المخالفون للإجماع: اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: التفصيل في المسألة وهو: أن للشفيع أن يأخذ بأي بيع شاء إذا تعددت البياعات في حالة عدم علمه بتعددها، أو علم وهو غائب، أما إن علم بها وهو حاضر فإنما يأخذ بشراء الأخير فقط. وهو قول المالكية (¬5). واستدلوا على أنه إنما يأخذ بشراء الأخير فقط، قالوا: إن سكوته مع علمه بتعدد المبيع دليل على رضاه بشركة ما عدا الأخير، فإنه غير راض بشركته، فلذا كان له الأخذ منه بتجدد ملكه على ملكه (¬6). ¬
10] عدم إجبار المشتري على قلع ما زرعه قبل حضور الشفيع
القول الثاني: أن الشفيع له حق مطالبة من هي في يده دون من سواه. وهذا القول رواية عند الحنابلة اختارها ابن أبي موسى، وهو ظاهر كلام ابن عقيل (¬1). ويمكن أن يستدل لهؤلاء: بأن الحق الذي ثبت له المطالبة به، وجده عند شخص واحد، فله أن يطالبه دون من سواه، ومُلْك من هي في يده مُلك صحيح، فلا حاجة أن يُكلف بمطالبة الآخرين، فيطول وقت المطالبة من غير فائدة.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 10] عدم إجبار المشتري على قلع ما زرعه قبل حضور الشفيع: • المراد بالمسألة: إذا اشترى المشتري الأرض وهو لا يعلم أن للبائع شريكا، واستغلها بالزراعة، ثم حضر شريك البائع، وطلب الشفعة في الشقص، فإنه من حقه أخذ الشقص بالشفعة، لكن الزرع يكون للمشتري، ينتظر به إلى وقت الإدراك، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • الكاساني (587 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن المشتري لو زرع في الأرض، ثم حضر الشفيع أنه لا يجبر المشتري على قلعه، ولكنه ينتظر إدراك الزرع، ثم يقضى له بالشفعة، فيأخذ الأرض بجميع الثمن] (¬2). • الإتقاني (758 هـ) يقول: [ولو أن المشتري زرع في الأرض، ثم حضر الشفيع، فإن المشتري لا يجبر على قلعه بالإجماع، ولكنه ينظر إلى وقت الإدراك ثم يقضى للشفيع]. نقله عنه الشلبي، وابن عابدين (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية، والشافعية، والحنابلة (¬4). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخراج بالضمان" (¬1). • وجه الدلالة: لما كان هذا الشقص بيد المشتري وهو من ضمانه لو تلف، كان الزرع له (¬2). الثاني: أن لإدراك الزرع نهاية معلومة، فلو انتظر ذلك لم يبطل حق الشفيع، وإن تأخر قليلا، وإذا قلع زرع المشتري تضرر بإبطال ملكه وماليته، وضرر التأخير دون ضرر الإبطال (¬3). الثالث: أن زرعه للأرض كان بحق، فوجب إبقاؤه له، كما لو باع الأرض المزروعة (¬4) الرابع: القياس على ما لو اشترى أرضا مزروعة: فإن الزرع يكون للبائع، والشفيع من المشتري، كالمشتري من البائع (¬5). • المخالفون للإجماع: خالف في هذا المسألة: ابن حزم من الظاهرية، فهو يرى أنه يلزم المشتري رد كل ما استغل إلى الشفيع، ما لم يترك الأخذ بالشفعة فيبقى الحق حينئذ للمشتري، وهذا مقيد في حالة ما إذا كان إيذان الشريك بالشفعة ممكنا، وإلا فليس للمشتري رد الغلة (¬6). واستدل لقوله فقال: [برهان ذلك: قوله عليه السلام الذي أوردنا قبل: "لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه" (¬7) فلا يخلو بيع الشريك قبل أن يؤذن شريكه من أحد أوجه ثلاثة، لا رابع لها: إما أن يكون باطلا وإن صححه الشفيع بتركه الشفعة وهذا باطل؛ لأنه لو كان ذلك لوجب عليه رد الغلة على كل حال أخذ الشفيع أو ترك، ¬
11] صحة تصرف الشفيع في العين بعد أخذها من المشتري
والخبر يوجب غير هذا، بل يوجب أن الشريك أحق، وأنه إن ترك فله ذلك، فلو كان البيع باطلا لاحتاج إلى تجديد عقد آخر وهذا خطأ، أو يكون صحيحا حتى يبطله الشفيع بالأخذ، وهذا باطل بقوله عليه السلام: "لا يصلح" فمن الباطل أن يكون صحيحا ما أخبر عليه السلام أنه لا يصلح، أو يكون موقوفا، فإن أخذ الشفيع بالشفعة علم أن البيع وقع باطلا، وإن ترك حقه علم أن البيع وقع صحيحا وهذا هو الصحيح؛ لبطلان الوجهين الأولين لقوله عليه السلام: "الشريك أحق" فصح أن للمشتري حقا بعد حق الشفيع، فصح ما قلناه] (¬1). ولم أقف على أحد قال بهذا القول غيره.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لشذوذ الخلاف فيها. 11] صحة تصرف الشفيع في العين بعد أخذها من المشتري: • المراد بالمسألة: الشفيع إذا لم يعلم ببيع صاحبه إلا بعد مدة، ثم أراد أن يبيع نصيبه الذي عند المشتري، فإنه إذا باع بعد أخذه بالشفعة، يعد تصرفه صحيحا، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • القرافي (684 هـ) يقول: [وله -أي: الشفيع- أن يبيع بعد الأخذ -أي: من المشتري- إجماعا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة في المشهور عندهم (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على بيع الطعام بعد قبضه: فكما أنه يصح تصرفه في الطعام بعد ¬
12] بقاء حق الشريك في الشقص المشاع المتصرف فيه
القبض فكذلك هنا. الثاني: أنه بعد الأخذ يعد ملكه تاما مستقرا على العين، وتدخل في ضمانه، فيصح تصرفه فيها بالبيع وغيره، أما قبل الأخذ فيعد من باب بيع الإنسان ما ليس عنده. • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الحنابلة وعندهم روايتان تخالفان الإجماع، هما: الأول: عدم صحة تصرف الشفيع في العين إلا بعد حكم الحاكم، ولا يكفي أخذه لها (¬1). ويستدل لهذه الرواية: أن مثل هذا الحق قائم على مظنة المخاصمة والمنازعة؛ إذ فيه انتزاع للحق من المشتري، ولا يفصل ذلك إلا حكم الحاكم. الثاني: عدم ملكه للعين إلا بعد دفع الثمن، ما لم يصبر المشتري. وعليه فلا يصح تصرفه فيها قبل هذا (¬2). ودليل هذه الرواية: أن الملك في الشفعة ملك قهري كالميراث، ولا يمكن معرفة حقيقة مطالبته بالحق، وثباته على المطالبة، إلا إذا دفع الثمن.Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لثبوت الخلاف فيها. 12] بقاء حق الشريك في الشقص المشاع المتصرف فيه: • المراد بالمسألة: إذا باع الشريك نصيبه المشاع -غير المقسوم- فإن حق الشريك لا يسقط بهذا التصرف، بل هو ثابت، سواء قبض المشتري الشقص أم لا، وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [وإذا باع الشقص المشاع، وقبضه أو لم يقبضه، فقد اتفق المسلمون على أن حق الشريك باق في النصف الآخر] (¬3). ¬
13] أخذ الشفيع الشفعة بمثل الثمن الذي اشتراه المشتري
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وابن حزم من الظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: "قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشفعة في كل شركة لم تقسم: ربعة، أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه، فهو أحق به" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن أن للشريك حقه، ولا يحق للآخر أن يتصرف إلا بإذنه، ولو تصرف من دون إذنه، فإن هذا لا يسقط حقه بحال. الثاني: أن الحكمة من مشروعية الشفعة رفع ضرر المشاركة والمقاسمة عن الشريك، ولا يتحقق هذا بإسقاط حقه، وإذا أسقط حقه كان هذا ضررا وظلما يجب إزالته عنه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 13] أخذ الشفيع الشفعة بمثل الثمن الذي اشتراه المشتري: • المراد بالمسألة: إذا باع الشريك نصيبه، ثم عَلِم صاحبه بذلك، وثبت له حق المطالبة بالشفعة، فإن له أن ينزع نصيبه بمثل الثمن الذي اشتراه به المشتري، من غير زيادة عليه، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن تيمية (728 هـ) يقول: [يجوز للشريك أن ينزع النصف المشفوع من يد ¬
14] لزوم إقالة البائع بعد طلب الشفيع الشفعة
المشتري، بمثل الثمن الذي اشتراه به، لا بزيادة؛ للتخلص من ضرر المشاركة والمقاسمة، وهذا ثابت بالسنة المستفيضة، وإجماع العلماء] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن هذا هو تمام العدل والقسط الذي يرفع الظلم عن المتعاقدين، أن يأخذ الشقص من غير زيادة، حتى لا تحصل المضارَّة لصاحبه البائع الذي رغب بالبيع، ولا للشفيع فيزاد عليه بالثمن. الثاني: أن هذا الثمن هو الذي وقع عليه التراضي، وهو الذي يقطع النزاع بينهما؛ وذلك أن البائع قد رضي به لما باع المشتري، والشفيع لما علم بالحق طلب الشفعة، ولا يحق له المطالبة وهو ليس عنده هذا الثمن، فدل على تراضيهما عليه.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 14] لزوم إقالة البائع بعد طلب الشفيع الشفعة: • المراد بالمسألة: إذا اشترك شريكان في أرض مشاعة بينهما، باع أحدهما نصيبه، فلما علم أن صاحبه له الرغبة في المطالبة بالشفعة، أراد من المشتري أن يقيله من البيع الذي وقع بينهما، فأقاله، فإنه ليس للمشتري أن يمتنع من الإقالة، ولا للبائع أن يمنع شريكه من الشفعة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن عبد البر (463 هـ) لما ذكر قول الإمام مالك وهو [من باع حصته من أرض أو دار مشتركة، فلما علم أن صاحب الشفعة يأخذ بالشفعة، استقال ¬
المشتري، فأقاله. قال: ليس ذلك له، والشفيع أحق بها بالثمن الذي كان باعها به]. قال بعده: [أجمعوا على أنه ليس للمشتري أن يمتنع من ذلك، ولا للبائع، فالإقالة لا تقطعها عند من يجعلها بيعا مستأنفا، وعند من يجعلها فسخ بيع؛ لأن في فسخه البيع فسخا للشفعة] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والشافعية، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى دليل من المعقول، وهو: أن حق الشفيع قد وجب في الشقص المشترى، وثبت له الخيار في أخذه أو تركه، فلم يكن للمشتري والبائع أن يسقطا حقه منه بالإقالة ولا بغيرها (¬3). • المخالفون للإجماع: ذكرت رواية عن الإمام أحمد في بطلان الشفعة للشفيع، وقد اختلف علماء المذهب في توجيه هذه الرواية: فمنهم من قال بأنها على ظاهرها. وهم: السامرِّي (¬4) والحارثي (¬5). ¬
15] أخذ الوصي الشفعة للصبي
ومنهم من قال بأنها محمولة على أن الشفيع عفا ولم يطالب. وهم القاضي وابن عقيل (¬1). ولعل الثانية أرجح من جهة أن القائلين بها هم أوثق في نقل المذهب عن الإمام وفهم مراده، وحتى لا ينسب الإمام إلى مخالفة الإجماع.Rصحة الإجماع في المسألة؛ وذلك لعدم المخالف فيها. 15] أخذ الوصي الشفعة للصبي: • المراد بالمسألة: من المتقرر شرعا أن الصبي لا يستقل بالتصرف بنفسه، فإذا كان كذلك فلو كان له عقار ومعه شريك، وأراد الشريك أن يبيع نصيبه، فلولي الصبي الحق بالمطالبة بالشفعة عنه في هذه الحالة، بإجماع العلماء. • من نقل الإجماع: • ابن المنذر (318 هـ) يقول: [وأجمعوا على أن للوصي الأخذ بالشفعة للصبي. وانفرد الأوزاعي فقال: حتى يبلغ الصبي، فيأخذ لنفسه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع في المسألة: الحنفية، والمالكية، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الشفعة في كل شرك: في أرض، أو ربع، أو حائط، لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه، فيأخذ أو يدع، فإن أبى فشريكه أحق به، حتى يؤذنه" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل للشريك الحق في الشفعة، ولم يفرق بين كبير ¬
وصغير، وبما أن الصغير لا يملك التصرف في نفسه، فإن الولي يقوم مقامه في الأخذ بحقه. الثاني: القياس على التصرف في سائر حقوق الصغير: فكما أن الولي له الحق في الشراء للصغير فيما له فيه منفعة متحققة، فكذلك الأخذ له بالشفعة، فهي لون من ألوان الشراء له (¬1). الثالث: أن سبب الاستحقاق متحقق في حق الصغير، وهو الشركة أو الجوار، من حيث اتصال حق ملكه بالمبيع على التأبيد، فيكون مساويا للكبير في الاستحقاق به (¬2). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة: الأوزاعي، فقال: ليس للولي أخذ الشفعة للصبي، وإنما يأخذها الصبي بعد بلوغه (¬3). واستدل لقوله بعدة أدلة، منها: الأول: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصبي على شفعته حتى يُدرك، فإذا أدرك فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك" (¬4). • وجه الدلالة: أنه لو كان للولي الأخذ بشفعة الصبي، لما جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصبي على شفعته. الثاني: أن الولي لا يملك العفو عن الشفعة، فلا يملك الأخذ بها، كالأجنبي (¬5). ¬
ومثل الأوزاعي في المخالفة: ابن أبي ليلى، والنخعي، والحارث العُكلي، وهؤلاء قالوا بأنه لا شفعة للصبي أصلا (¬1). واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا شفعة لصغير ولا لغائب" (¬2). الثاني: أن الصبي لا يمكنه الأخذ، ولا يمكن انتظاره حتى يبلغ؛ لما فيه من الإضرار بالمشتري. وليس للولي الأخذ؛ لأن من لا يملك العفو لا يملك الأخذ (¬3). الثالث: أن وجوب الشفعة إنما شرع لدفع التأذي بسوء المجاورة، وذلك إنما يكون من الكبير دون الصغير، والصغير إنما هو تبع، فهو في معنى المعير والمستأجر (¬4).Rعدم صحة الإجماع في المسألة؛ لثبوت الخلاف فيها، ومما يؤكد ذلك: أنه لم يحكِ الإجماع سوى ابن المنذر، وهو لما ذكر المسألة في كتاب الإشراف لم يذكر الإجماع، بل نص على الخلاف، فلعل مقصوده بالإجماع إجماع القائلين بجواز الشفعة للصبي دون غيرهم (¬5). * * * ¬
الخاتمة
الخاتمة بعد هذا التطواف مع هذه المسائل، وقبل أن أضع القلم أسجل في هذه العجالة أبرز النتائج والتوصيات التي خلُص إليها الباحث في بحثه، علها أن تكون بلغة للعجلان. أما النتائج فهي: أولًا: أن المسائل التي حكي فيها الإجماع كثيرة، وليست قليلة، كما يتبادر إلى الناظر أول وهلة، وقد بلغت عدد المسائل التي بحثها الباحث [365] مسألة، صح الإجماع في [276] مسألة، والباقي لم يثبت لدى الباحث الإجماع فيها. ثانيًا: ضعف اهتمام العلماء بهذا الدليل، وذلك بالنظر إلى التراث الفقهي الزاخر الذي خلَّفه لنا العلماء، فالكتب الفقهية على اختلاف المذاهب والأزمنة لا تُحصى كثرة، ومع هذا ربما تمر المسائل، ولا ينقل فيها الإجماع إلا عالم أو عالمان، ولعل من أسباب ذلك أن الإجماع دليل تبعي وليس استقلالي، ولم يكن منتشرا في الصدر الأول من هذه الأمة، ولذا فلا غرو أن تجد الإجماعات نادرة في تلك الحقبة من الزمان، ومما يشهد لهذا أن أَقدم إجماع مر على الباحث في بحثه، ما نقل عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني، في مسألة بيع أمهات الأولاد، المتوفى عام (189 هـ)، ثم بعد هذا انتشر التمذهب في المدارس الفقهية، فضعف النظر في الأقوال الأخرى والاهتمام بها، وهذا من آثاره عدم الالتفات إلى الإجماع، إلا في القليل النادر. ثالثًا: ما من عالم إلا ويقع له الوهم في حكاية الإجماع، وهذا من طبيعة البشر التي جبلهم اللَّه عليها، وقد أبى اللَّه عز وجل إلا أن يكون الكمال له سبحانه وتعالى، ولعل من أسباب وقوع الوهم عند العلماء في هذا الباب أن العالم يعتمد على كتاب واحد في نقل أقوال المذاهب الأخرى، وقد يكون في المذهب ثمة رواية لم يطلع عليها، فيحكي الإجماع وهو غير مطلع على هذه الرواية، ولذا غالب المخالفات إنما هي
روايات وأوجه في المذاهب الأخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر: ابن عبد البر من العلماء الذين لهم اطلاع واسع على الخلاف بين المذاهب، وله عناية بحكاية الإجماع، وقد نص على اعتماد رواية الكوسج فيما ينقله عن الإمام أحمد (¬1)، ورواية الكوسج ليست هي المذهب فقط، وليس فيها كل ما نقل عن الإمام، بل ثمة روايات أخرى كثيرة تنقل عن الإمام، وربما كان فيها ما يخالف ما ذكره الكوسج في كتابه، ولا يخفى أن مذهب الإمام أحمد من أوسع المذاهب في تعدد الروايات. رابعًا: تفاوت العلماء في حكاية الإجماع، فمنهم من يحكي الإجماع ويقصد به الإجماع بمعناه الأصولي، ومنهم من يحكيه ويقصد به الإجماع المذهبي، وقد ظهر للباحث جملة من القرائن التي تميّز الأول عن الثاني، أذكرها باختصار: الأولى: أن يحكي العالم الإجماع في المسألة، ثم يذكر بعده الخلاف في المذاهب الأخرى، وهذه أقوى القرائن (¬2). الثانية: أن يسبق الإجماع قول العالم: [قال أصحابنا] ثم ينفي الخلاف في المسألة، أو يقول: [بلا خلاف عندنا] (¬3). الثالثة: أن ينقلَ عبارةَ العالم الذي حكى الإجماع عالم آخر، ولا يذكر الإجماع الذي حكاه (¬4). الرابعة: أن يحكي العالم الإجماع، ثم يأتي من علماء المذهب من يبين أن المقصود من الإجماع المحكي هو إجماع علماء مذهبه (¬5). ¬
الخامسة: أن يحكي العالم الإجماع في معرض الاستدلال والمناقشة على مسألة ما، ولا يذكره ابتداء، فهذه غالبا ما يقصد به علماء المذهب دون من سواهم (¬1). السادسة: أن يحكي العالم الإجماع، ثم لا تكاد تجد عالما من علماء المذهب ممن أتى بعده ينقل هذا الإجماع عنه (¬2). السابعة: أن يذكر العالم خلافا في مسألة بين علماء مذهبه فقط، ثم يذكر بعده الإجماع، ثم يعود للاستدلال على الخلاف السابق، فيكون الإجماع المحكي مقصودا به علماء المذهب، وكأنه أراد تحرير محل النزاع في مذهبه (¬3). الثامنة: أن يحكي العالم الإجماع، ثم يحكي بعده إجماعا يخالفه، ولا يتعقبه بشيء، فهذا دليل على أنه أراد به الإجماع المذهبي (¬4). التاسعة: أن يكون الكتاب من الكتب المذهبية التي تعتني بتقرير المذهب، دون الاستطراد بذكر المذاهب الأخرى، فهذا في الغالب أن مراد المؤلف بحكاية الإجماع أو نفي الخلاف إنما هو المذهبي (¬5). العاشرة: أن يذكر العالم الإجماع في مسألة وقع الخلاف في مشروعيتها، فهذا يقصد به إجماع القائلين بالمشروعية فقط (¬6). الحادية عشر: أن يحكي العالم الاتفاق في المسألة، ويأتي من علماء المذهب ¬
من يحكي الخلاف بين علماء المذهب، وكذلك علماء المذاهب الأخرى (¬1). الثانية عشر: أن يحكي العالم الاتفاق، ثم يذكر بعده خلافا بين علماء مذهبه فقط (¬2). هذه جملة من القرائن المستنبطة من كلام العلماء، وليست حجة قاطعة، أو ضربة لازبة، لا تتخلف أو تتبدل، بل ربما تتفق كما ذكر وربما تختلف. أما التوصيات، فهي: أولًا: تكملة المشروع في جميع الأبواب الفقهية، وذلك لما له من أثر: 1) على الطالب، في تكوين الملكة العلمية، والدربة الفقهية، فليس قليلا أن يمر الباحث على ما يقارب الأربعمائة مسألة في بحثه، يَجُول نظره بين كتب المذاهب المختلفة، في فهم مرادها والتعرف عليها، ومعرفة أدلتها وغيرها مما هو مفيد ونافع. 2) على الأمة، في تقريب هذا الدليل بين يديها خاصة النخبة منهم والصفوة، وهم طلاب العلم والعلماء، فلعل هذا المشروع أن يسهم في بناء لبنة من لبنات التكامل الفقهي العلمي الجاد. ثانيًا: جمع هذه المسائل التي صح فيها الإجماع، ثم صياغتها صياغة علمية مُحْكمة، وبعد هذا ترتيبها ترتيبا فقهيا يوافق الترتيب المنطقي المعاصر للمسائل والأبواب، ثم يكون هذا متنا علميا يدرس في المدارس الفقهية، وهذا من شأنه أن يجعل الطلاب يهتموا بالفقه المجمع عليه أولًا، ولا يُشْغلوا أنفسهم بالخلاف وما يترتب عليه من ترجيح ونحوه، فليس من المنهج العلمي أن ينشغل طالب العلم بالخلاف والترجيح بين المسائل في مقتبل العمر وبداية الطلب، فهذا يولد في نفوسهم تشتيت الذهن والجرأة على العلماء. وهذا شبيه بما يحصل في علم العقيدة، فالمتون التي تُدرَّس ويحفظها الطلاب في الكُتَّاب، ليس فيها ذكر للمسائل الخلافية، إلا ما ندر. ¬
ثالثًا: بعد إكمال المشروع، فإن من المناسب إتباعه بمشروع آخر لا يقل أهمية عن هذا المشروع، وهو دراسة المسائل المجمع عليها في كل مذهب على حدة، ثم جمع المسائل التي اتفقت عليها المذاهب كلها، فنكون بهذا قد جمعنا المسائل التي اتفقت عليها المذاهب، وإن لم يَحك عالم الإجماع فيها، ولا شك أن هذا العمل لو تم لتوصلنا إلى عمل جديد يكون فيه تقريب بين المذاهب الفقهية المعتبرة، ومعرفة نسبة الاستفادة فيما بينها في الفروع. بعد هذا أقف عند هذا الحد وأضع القلم، حامدا المولى أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا، على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، فهو مبدي كل نعمة، ومسدي كل فضل، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين. * * *
ثبت المصادر والمراجع
ثبت المصادر والمراجع 1 - الإتقان والإحكام في تحفة الأحكام: محمد بن أحمد ميارة. دار المعرفة، مطبعة الاستقامة. 2 - الاجتهاد في الشريعة الإسلامية مع نظرة تحليلية: د/ يوسف القرضاوي. دار القلم، الكويت، ط: الأولى، 1406 هـ. 3 - الإجماع في التفسير جمعا ودراسة: محمد بن عبد العزيز الخضيري. رسالة ماجستير. دار الوطن، الرياض، ط: الأولى، 1420 هـ. 4 - الإجماع لابن عبد البر من خلال كتابه التمهيد: فؤاد الشهلوب وعبد الوهاب الشهري. دار القاسم، الرياض، ط: الأولى، 1418 هـ. 5 - الإجماع مصدر ثالث من مصادر التشريع الإسلامي: د/ عبد الفتاح حسيني الشيخ. مطبعة الإيمان، ط: الأولى، 1399 هـ. 6 - الإجماع: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر. تحقيق: أبو حماد صغير أحمد حنيف. مكتبة الفرقان، عجمان، الإمارات، مكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة، ط: الثانية، 1420 هـ. 7 - إجماعات ابن عبد البر من كتاب الأيمان والنذور إلى آخر كتاب البيوع: د/ عبد الرحمن الموجان. رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الشريعة في جامعة أم القرى. غير منشورة. 8 - إجماعات الإمام النووي في شرح صحيح مسلم دراسة أصولية تطبيقية: علي بن أحمد الراشدي. رسالة ماجستير مقدمة لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى. غير منشورة. 9 - إجمال الإصابة في حكم أقوال الصحابة: خليل بن كيكلدي العلائي. تحقيق: د. محمد سليمان الأشقر. دار النشر: جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت، ط: الأولى، 1407 هـ. 10 - الآحاد والمثاني: أبو بكر أحمد بن عمرو بن الضحاك الشيباني. تحقيق: د/ باسم فيصل أحمد الجوابرة. دار الراية، الرياض، ط: الأولى، 1411 هـ. 11 - الأحاديث المختارة: أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد الضياء المقدسي. تحقيق: عبد الملك بن عبد اللَّه بن دهيش. مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، ط: الأولى، 1410 هـ. 12 - الاحتكار وآثاره في الفقه الإسلامي: د/ قحطان عبد الرحمن الدوري. دار الفرقان، ط: الأولى، 1421 هـ.
13 - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ترتيب ابن بلبان: أبو حاتم محمد بن حبان البستي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الثانية، 1414 هـ. 14 - إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام: أبو الفتح تقي الدين بن دقيق العيد. مطبعة السنة المحمدية، مصر، دار عالم الكتب. 15 - الأحكام السلطانية والولايات الدينية: أبو الحسن علي بن محمد الماوردي. دار الكتب العلمية، بيروت. 16 - أحكام الطهارة: المياه - الآنية: دبيان بن محمد الدبيان. ط: الأولى، 1421 هـ. 17 - إحكام الفصول في أحكام الأصول: أبو الوليد الباجي. تحقيق: عبد المجيد تركي. دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط: الأولى، 1407 هـ. 18 - أحكام القرآن: أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص. دار الفكر، بيروت. 19 - أحكام القرآن: أبو بكر محمد بن عبد اللَّه بن العربي. تحقيق: محمد عبد القادر عطا. دار الفكر للطباعة والنشر، لبنان، ط: الأولى. 20 - أحكام القرآن: الإمام محمد بن إدريس الشافعي. تحقيق: عبد الغني عبد الخالق. دار الكتب العلمية، بيروت، 1400 هـ. 21 - الأحكام الوسطى من حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عبد الحق بن عبد الرحمن بن الخراط الأشبيلي. تحقيق: حمدي السلفي وصبحي السامرائي. دار الرشد، الرياض، 1416 هـ. 22 - أحكام عقد البيع في الفقه المالكي: محمد سكحال المجاجي. دار ابن حزم، بيروت، ط: الأولى، 1422 هـ. 23 - الإحكام في أصول الأحكام: أبو محمد علي بن حزم الظاهري. قوبلت على نسخة أشرف عليها: أحمد شاكر. الناشر: زكريا علي يوسف، مطبعة العاصمة، القاهرة. 24 - الإحكام في أصول الأحكام: علي بن محمد الآمدي. تعليق: عبد الرزاق عفيفي. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثانية، 1402 هـ. 25 - الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية: علاء الدين علي ابن محمد البعلي. تحقيق: أحمد الخليل. دار العاصمة، الرياض، ط: الأولى، 1418 هـ. 26 - أخبار القضاة: محمد بن خلف بن حيان المعروف بوكيع. عالم الكتب، بيروت. 27 - اختلاف الحديث: الإمام محمد بن إدريس الشافعي. مطبوع مع الأم. دار المعرفة. 28 - اختلاف العلماء: أبو عبد اللَّه محمد بن نصر المروزي. تحقيق: صبحي السامرائي. عالم الكتب، بيروت، ط: الثانية، 1406 هـ. 29 - اختلاف الفقهاء: محمد بن جرير الطبري. طبع على نفقة مصححه د/ فريدريك كرن الألماني. الناشر: محمد أمين دمج، بيروت، ط: الثانية.
30 - اختيارات ابن تيمية الفقهية من كتاب البيع إلى نهاية باب السبق، دراسة مقارنة. عبد اللَّه بن مبارك البوصي. رسالة دكتوراه مقدمة لقسم الفقه في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. غير منشورة. 31 - أخذ المال على أعمال القرب: عادل شاهين محمد شاهين. كنوز أشبيليا، الرياض، ط: الأولى، 1425 هـ. 32 - أخصر المختصرات في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل: محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي. تحقيق: محمد ناصر العجمي. دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط: الأولى، 1416 هـ 33 - الآداب الشرعية والمنح المرعية: أبو عبد اللَّه محمد بن مفلح المقدسي. مؤسسة قرطبة. 34 - الأدب المفرد: أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري. حديث أكاديمي، نشاط آباد، باكستان. 35 - إدرار الشروق في تهذيب الفروق: ابن الشاط. مطبوع مع الفروق. دار عالم الكتب، بيروت. 36 - إرسال الشواظ على من تتبع الشواذ: صالح بن علي الشمراني. دار المنهاج، الرياض، ط: الأولى، 1428 هـ. 37 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول: محمد بن علي الشوكاني. دار المعرفة، بيروت، 1399 هـ. 38 - الإرشاد إلى سبيل الرشاد: محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي. تحقيق: عبد اللَّه التركي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1419 هـ. 39 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: محمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثانية، 1405 هـ. 40 - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار: أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر النمري. تحقيق: سالم محمد عطا ومحمد علي معوض. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 2000 م. 41 - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار: أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر النمري. تحقيق: د/ عبد اللَّه التركي بالتعاون مع مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية. دار هجر، القاهرة، ط: الأولى، 1426 هـ. 42 - الاستسقاء سننه وآدابه: عبد الوهاب الزيد. دار الإمام مالك، الرياض، ط: الأولى، 1416 هـ. 43 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب: أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر. تحقيق: علي محمد البجاوي. دار الجيل، بيروت، ط: الأولى، 1412 هـ. 44 - أسد الغابة في معرفة الصحابة: عز الدين علي بن الأثير. تحقيق: علي معوض وعادل عبد الموجود. دار الكتب العلمية، بيروت.
45 - إسعاف المبطأ برجال الموطأ: أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. المكتبة التجارية الكبرى، مصر، 1389 هـ. 46 - أسنى المطالب في شرح روض الطالب: زكريا الأنصاري. دار الكتاب الإسلامي. 47 - الأشباه والنظائر: زين العابدين بن نجيم. مطبوع مع غمز عيون البصائر. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1405 هـ. 48 - الأشباه والنظائر: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1403 هـ. 49 - الإشراف على مذاهب العلماء: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري. تحقيق: أبو حماد صغير بن أحمد الأنصاري. دار المدينة للطباعة والنشر، الإمارات، ط: الأولى، 1425 هـ. 50 - الإشراف على مسائل الخلاف: القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي. مطبعة الإرادة. 51 - الإصابة في تمييز الصحابة: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: علي محمد البجاوي. دار الجيل، بيروت، ط: الأولى، 1412 هـ. 52 - أصول السرخسي: أبو بكر محمد بن أحمد السرخسي. تحقيق: أبو الوفاء الأفغاني. دار المعرفة، بيروت، 1393 هـ. 53 - أصول الفقه وابن تيمية: صالح بن عبد العزيز آل منصور. ط: الأولى، 1400 هـ. 54 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي. تحقيق: مكتب البحوث والدراسات بالدار. دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1415 هـ. 55 - إعلاء السنن: ظفر أحمد العثماني التهانوي. إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، باكستان، ط: الأولى. 56 - إعلام الموقعين عن رب العالمين: أبو عبد اللَّه شمس الدين ابن قيم الجوزية. دار الكتب العلمية، بيروت. 57 - الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام: العباس بن إبراهيم. نشر المطبعة الملكية، الرباط، 1974 م. 58 - الأعلام: خير الدين الزركلي. دار العلم للملايين، بيروت، ط: السادسة، 1405 هـ. 59 - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية. تحقيق: محمد حامد الفقي. دار المعرفة، بيروت، ط: الثانية، 1395 هـ. 60 - الإفصاح عن معاني الصحاح: الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة. تحقيق: محمد ابن حسن الشافعي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1417 هـ. 61 - الإقناع في الفقه الشافعي: أبو الحسن الماوردي. تحقيق: خضر محمد خضر.
د ار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت، ط: الأولى، 1402 هـ 62 - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: الخطيب محمد الشربيني. دار الفكر، بيروت. 63 - الإقناع في مسائل الإجماع: أبو الحسن علي بن القطان الفاسي. تحقيق: د/ فاروق حمادة. دار القلم، دمشق، ط: الأولى، 1424 هـ. 64 - الإقناع في مسائل الإجماع: أبو الحسن علي بن القطان الفاسي. تحقيق: ماجد الفريان. رسالة ماجستير مقدمة لقسم الفقه في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية. غير منشورة. 65 - الإقناع لطالب الانتفاع: موسى بن أحمد الحجاوي. تحقيق: د/ عبد اللَّه التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، القاهرة، ط: الأولى، 1418 هـ. 66 - الإقناع: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر. تحقيق: د/ عبد اللَّه بن عبد العزيز الجبرين. مكتبة الرشد، الرياض، ط: الثالثة، 1418 هـ. 67 - إكمال إكمال المعلم: أبو عبد اللَّه محمد بن خلفة الأبي. دار الكتب العلمية، بيروت 68 - إكمال الأعلام بتثليث الكلام: محمد بن عبد اللَّه بن مالك الطائي الجياني. تحقيق: سعد بن حمدان الغامدي. جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط: الأولى، 1404 هـ. 69 - إكمال المعلم بفوائد مسلم: القاضي عياض بن موسى اليحصبي. تحقيق: يحيى إسماعيل. دار الوفاء، المنصورة، ط: الثالثة، 1423 هـ. 70 - الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى: علي بن هبة اللَّه بن أبي نصر بن ماكولا. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1411 هـ. 71 - ألقاب الصحابة والتابعين في المسندين الصحيحين: أبو علي الحسين بن محمد الجبائي الأندلسي. تحقيق: محمد زينهم محمد عزب ومحمود نصار. دار الفضيلة، القاهرة، 1994 م. 72 - الأم: الإمام محمد بن إدريس الشافعي. دار المعرفة، بيروت. 73 - الإمام النسائي وكتابه المجتبى. د/ عمر إيمان أبو بكر. مكتبة المعارف، الرياض، ط: الأولى، 1424 هـ. 74 - الأموال: أبو عبيد القاسم بن سلام. تحقيق: محمد خليل هراس. دار الفكر، بيروت، 1408 هـ. 75 - إنباء الغُمر بأنباء العُمر: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: محمد عبد المعيد خان. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الثانية. 76 - الأنساب: أبو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني. تحقيق: عبد اللَّه عمر البارودي. دار الفكر، بيروت، ط: الأولى، 1998 م.
77 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: سليمان بن علي المرداوي. تحقيق: محمد حامد الفقي. دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط: الثانية. 78 - أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء: قاسم بن عبد اللَّه بن أمير القونوي. تحقيق: د/ أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي. دار الوفاء، جدة، ط: الأولى، 1406 هـ. 79 - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري. تحقيق: د/ أبو حماد صغير أحمد بن محمد حنيف. دار طيبة، الرياض، ط: الأولى، 1985 م. 80 - إيثار الإنصاف في آثار الخلاف: سبط ابن الجوزي. تحقيق: ناصر العلي الناصر الخليفي. دار السلام، القاهرة، ط: الأولى، 1408 هـ. 81 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق: زين الدين بن نجيم. دار الكتاب الاسلامي، ط: الثانية. 82 - البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار: أحمد بن يحيى المرتضي. دار الكتاب الاسلامي. 83 - البحر المحيط في أصول الفقه: بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي. تحقيق: لجنة من علماء الأزهر. دار الكتبي، ط: الأولى، 1414 هـ. 84 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: علاء الدين الكاساني. دار الكتب العلمية، بيروت، الثانية، 1405 هـ. 85 - بدائع الفوائد: محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية. تحقيق: هشام عبد العزيز عطا، عادل عبد الحميد العدوي. مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط: الأولى، 1416 هـ. 86 - بداية المبتدي في فقه الإمام أبي حنيفة: برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني. مكتبة ومطبعة محمد علي صبح، القاهرة. 87 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد: أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي. دار الفكر، بيروت. 88 - البداية والنهاية: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي. مكتبة المعارف، بيروت. 89 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: محمد بن علي الشوكاني. دار المعرفة، بيروت. 90 - البرهان في أصول الفقه: أبو المعالي عبد الملك بن عبد اللَّه الجويني. تحقيق: د/ عبد العظيم محمود الديب. دار الوفاء، المنصورة، مصر، ط: الرابعة، 1418 هـ. 91 - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة أحمدية: أبو سعيد محمد بن محمد الخادمي. دار إحياء التراث العربية، مطبعة الحلبي، 1348 هـ.
92 - بغية الراغب في ختم النسائي. شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي. تحقيق: د/ عبد العزيز العبد اللطيف. مكتبة العبيكان، الرياض، ط: الأولى، 1414 هـ. 93 - بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس: أحمد بن يحيى الضبي. القاهرة، 1967 م. 94 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. المكتبة العصرية، بيروت. 95 - بلغة الساغب وبغية الراغب: محمد بن محمد بن الخضر بن تيمية. تحقيق: بكر ابن عبد اللَّه أبو زيد. دار العاصمة، الرياض، ط: الأولى، 1417 هـ. 96 - بلغة السالك لأقرب المسالك (حاشية على الشرح الصغير على مختصر خليل للدردير): أحمد الصاوي. دار المعارف، مصر. 97 - البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة: محمد بن يعقوب الفيروزآبادي. تحقيق: محمد المصري. جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت، ط: الأولى، 1407 هـ. 98 - بلوغ المرام من أدلة الأحكام: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: طارق بن عوض اللَّه بن محمد. دار العطاء، الرياض، ط: الأولى، 1424 هـ. 99 - البناية شرح الهداية: بدر الدين محمود بن أحمد العيني. تحقيق: أيمن صالح شعبان. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1420 هـ. 100 - بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام: أبو الحسن علي بن محمد بن القطان. تحقيق: د/ الحسين آيت سعيد. دار طيبة، الرياض، ط: الأولى، 1418 هـ. 101 - البيان في مذهب الإمام الشافعي شرح للمهذب: أبو الحسين يحيى بن أبي الخير العمراني. اعتنى به: قاسم محمد النوري. دار المنهاج للطباعة والنشر. 102 - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة: أبو الوليد ابن رشد الجد القرطبي. تحقيق: مجموعة من العلماء بعناية عبد اللَّه الأنصاري. إدارة إحياء التراث الإسلامي، قطر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1406 هـ. 103 - بيع التقسيط وأحكامه: سليمان بن تركي التركي. دار أشبيليا، الرياض، ط: الأولى، 1424 هـ. 104 - بيع العقار والثمار في الفقه الإسلامي بحث مقارن: محمد بن راشد العثمان. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الثالثة، 1418 هـ. 105 - بيع العينة مع دراسة مداينات الأسواق: حمد بن عبد العزيز الخضيري. دار الراية، الرياض، ط: الأولى، 1410 هـ. 106 - تاج التراجم: أبو الفداء قاسم بن قطلوبغا بن عبد اللَّه السودوني. تحقيق: محمد
خير رمضان يوسف. دار القلم، دمشق، ط: الأولى. 107 - تاج العروس من جواهر القاموس: محمد مرتضى الحسيني الزبيدي. تحقيق: مجموعة من المحققين. دار الهداية. 108 - التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول: أبو الطيب صديق حسن خان. تعليق: عبد الحكيم شرف الدين. المطبعة الهندية العربية، 1383 هـ. 109 - التاج والإكليل لمختصر خليل: محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري المعروف بالمواق. دار الكتب العلمية، بيروت. 110 - تاريخ ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون. دار القلم، بيروت، ط: الخامسة، 1984 م. 111 - تاريخ ابن معين رواية الدوري: أبو زكريا يحيى بن معين. تحقيق: د/ أحمد محمد نور سيف. مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، ط: الأولى، 1399 هـ. 112 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. تحقيق: د/ عمر عبد السلام تدمرى. دار الكتاب العربي، بيروت، ط: الأولى، 1407 هـ. 113 - تاريخ الجبرتي المسمى (عجائب الآثار في التراجم والأخبار): عبد الرحمن بن حسن الجبرتي. دار الجيل، بيروت. 114 - التاريخ الكبير: أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي. تحقيق: هاشم الندوي. دار الفكر، بيروت. 115 - تاريخ بغداد: أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي. دار الكتب العلمية، بيروت. 116 - تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر. تحقيق: محب الدين أبو سعيد عمر بن غرامة العمري. دار الفكر، بيروت، 1995 م. 117 - تأويل مختلف الحديث: أبو محمد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة. تحقيق: محمد زهري النجار. دار الجيل، بيروت، 1393 هـ. 118 - تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام: برهان الدين أبي الوفاء إبراهيم بن فرحون اليعمري. دار الكتب العلمية، بيروت، مكتبة الكليات الأزهرية، ط: الأولى، 1406 هـ. 119 - التبصرة في أصول الفقه: أبو إسحاق الشيرازي. تحقيق: محمد حسن هيتو. دار الفكر، بيروت. 120 - التبيان في آداب حملة القرآن: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي. الوكالة العامة للتوزيع، دمشق، ط: الأولى، 1403 هـ. 121 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي. دار الكتاب
الإسلامي، القاهرة، 1313 هـ. 122 - تبيين المسالك بشرح تدريب السالك. محمد الشيباني بن محمد الشنقيطي. دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط: الثانية، 1415 هـ. 123 - تحرير اتفاقات ابن رشد من كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد أحكام الأسرة والمعاملات المالية عدا الوصايا: محمد عبد الرحيم الخالد. رسالة ماجستير مقدمة لكلية الشريعة في جامعة أم القرى. غير منشورة. 124 - تحرير ألفاظ التنبيه: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي. تحقيق: عبد الغني الدقر. دار القلم، دمشق، ط: الأولى، 1408 هـ. 125 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري. دار الكتب العلمية، بيروت. 126 - تحفة الفقهاء: علاء الدين السمرقندي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1405 هـ. 127 - تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج: عمر بن علي الأنصاري المعروف بابن الملقن. تحقيق: عبد اللَّه بن سعاف اللحياني. دار حراء، مكة المكرمة، ط: الأولى، 1406 هـ. 128 - تحفة المحتاج بشرح المنهاج: شهاب الدين أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي. دار إحياء التراث العربي. 129 - تحفة الملوك: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي. تحقيق: د/ عبد اللَّه نذير أحمد. دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط: الأولى، 1417 هـ. 130 - التحقيق في أحاديث الخلاف: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1415 هـ. 131 - تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري: جمال الدين عبد اللَّه بن يوسف بن محمد الزيلعي. اعتنى به: سلطان الطبيشي. دار ابن خزيمة، الرياض، ط: الأولى، 1414 هـ. 132 - تذكرة الحفاظ: أبو عبد اللَّه شمس الدين محمد الذهبي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى. 133 - تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج: عمر بن علي الأنصاري المعروف بابن الملقن. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الأولى، 1994 م. 134 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك: القاضي عياض اليحصبي. تحقيق: أحمد بكير محمود. دار مكتبة الحياة، بيروت، 1387 هـ. 135 - تسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة: صالح بن عبد العزيز العثيمين. تحقيق: بكر أبو زيد. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1422 هـ.
136 - تصحيح الفروع: علي بن سليمان المرداوي. مطبوع مع الفروع. دار عالم الكتب، بيروت. 137 - التعريفات: علي بن محمد الجرجاني. تحقيق: إبراهيم الأبياري. دار الكتاب العربي، بيروت، ط: الأولى، 1405 هـ. 138 - تغليق التعليق على صحيح البخاري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: سعيد عبد الرحمن موسى القزقي. المكتب الإسلامي، بيروت، دار عمار، عمان، ط: الأولى، 1405 هـ. 139 - تفسير ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمد بن أبي حاتم الرازي. تحقيق: أسعد محمد الطيب. المكتبة العصرية، صيدا. 140 - تفسير غريب ما في الصحيحين: محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد اللَّه الأزدي الحميدي. تحقيق: د/ زبيدة محمد سعيد عبد العزيز. مكتبة السنة، القاهرة، ط: الأولى، 1415 هـ. 141 - التقرير والتحبير في علم الأصول: ابن أمير الحاج. دار الكتب العلمية، بيروت. 142 - تكملة البحر الرائق: الطوري. مطبوع بعد البحر الرائق. دار الكتاب الإسلامي، ط: الثانية. 143 - تكملة المجموع للنووي: تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي. المطبعة المنيرية. 144 - التلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: السيد عبد اللَّه هاشم اليماني المدني. المدينة المنورة، 1384 هـ. 145 - التلخيص في أصول الفقه: أبو المعالي عبد الملك بن عبد اللَّه الجويني. تحقيق: عبد اللَّه النبالي وبشير العمري. دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1417 هـ. 146 - التلقين في الفقه المالكي: القاضي عبد الوهاب بن علي البغدادي. تحقيق: محمد ثالث سعيد الغاني. المكتبة التجارية، مكة المكرمة، ط: الأولى، 1415 هـ. 147 - التمهيد في أصول الفقه: أبو الخطاب الكلوذاني. تحقيق: مفيد أحمد أبو عمشة. دار المدني، ط: الأولى، 1406 هـ. 148 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر النمري. تحقيق: مجموعة من العلماء. مؤسسة قرطبة. 149 - التنبيه في الفقه الشافعي: أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي. تحقيق: عماد الدين أحمد حيدر. عالم الكتب، بيروت، ط: الأولى، 1403 هـ. 150 - التنجيم والمنجمون وحكمهم في الإسلام: عبد المجيد بن سالم المشعبي. مكتبة الصديق، الطائف، مكتبة ابن القيم، المدينة، ط: الأولى، 1414 هـ. 151 - تنقيح تحقيق أحاديث التعليق: شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي.
تحقيق: أيمن صالح شعبان. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1998 م. 152 - تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأخبار: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. تحقيق: محمود محمد شاكر. مطبعة المدني، القاهرة. 153 - تهذيب الأسماء واللغات: محيي الدين أبو زكريا يحيى النووي تحقيق: مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر، بيروت، ط: الأولى، 1996 م. 154 - تهذيب التهذيب: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار الفكر، بيروت، ط: الأولى، 1404 هـ. 155 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي. تحقيق: د/ بشار عواد معروف. مؤسسة الرسالة، بيروت، الأولى، 1400 هـ. 156 - تهذيب اللغة: أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري. تحقيق: محمد عوض مرعب. دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط: الأولى، 2001 م. 157 - توشيح الديباج وحلية الابتهاج: بدر الدين محمد بن يحيى القرافي. تحقيق: أحمد الشتيوي. دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط: الأولى، 1403 هـ. 158 - التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح: أحمد بن محمد الشويكي. تحقيق: ناصر بن عبد اللَّه الميمان. المكتبة المكية، مكة المكرمة، ط: الأولى، 1418 هـ. 159 - التوقيف على مهمات التعاريف: محمد عبد الرؤوف المناوي. تحقيق: د/ محمد رضوان الداية. دار الفكر، بيروت، ط: الأولى، 1410 هـ. 160 - تيسير التحرير: محمد أمين المعروف بأمير شاه. مصورة دار الكتب العلمية، بيروت. 161 - التيسير في شرح الجامع الصغير: زين الدين عبد الرؤوف المناوي. مكتبة الإمام الشافعي، الرياض، ط: الثالثة، 1408 هـ. 162 - الثقات: أبو حاتم محمد بن حبان البستي. تحقيق: السيد شرف الدين أحمد. دار الفكر، بيروت، ط: الأولى، 1395 هـ. 163 - الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني: صالح عبد السميع الأبي الأزهري. المكتبة الثقافية، بيروت. 164 - جامع الأمهات: ابن الحاجب الكردي. 165 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. دار الفكر، بيروت، 1405 هـ. 166 - الجامع الصحيح: أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي. تحقيق: أحمد شاكر. دار الكتب العلمية، بيروت. 167 - الجامع الصغير: أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن الشيباني. عالم الكتب، بيروت، ط: الأولى، 1406 هـ. 168 - جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم: أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن رجب. تحقيق: شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس. مؤسسة
الرسالة، بيروت، ط: الثالثة، 1412 هـ. 169 - الجامع لأحاديث البيوع: سامي بن محمد الخليل. دار ابن الجوزي، الدمام، ط: الأولى، 1422 هـ. 170 - الجامع لأحكام القرآن: أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد القرطبي. دار الشعب، القاهرة. 171 - الجامع لسيرة شيخ الإسلام خلال سبعة قرون: جمع: محمد عزير شمس وعلي العمران. دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، ط: الثانية، 1422 هـ. 172 - الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث: أحمد بن عبد الكريم الغزي العامري. تحقيق: بكر عبد اللَّه أبو زيد. دار الراية، الرياض، ط: الأولى، 1412 هـ. 173 - الجرح والتعديل: عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي. دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط: الأولى، 1371 هـ. 174 - جمع الجوامع في أصول الفقه: تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي. مطبوع مع حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع. دار الفكر، بيروت. 175 - جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود: شمس الدين الأسيوطي. تحقيق: مسعد السعدتي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1417 هـ. 176 - الجواهر المضية في تراجم الحنفية: أبو محمد عبد القادر بن محمد القرشي. تحقيق: عبد الفتاح الحلو. دار هجر للطباعة والنشر، ط: الثانية، 1413 هـ. 177 - الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد: يوسف بن الحسن بن عبد الهادي. تحقيق: عبد الرحمن العثيمين. مكتبة الخانجي، القاهرة، ط: الأولى، 1407 هـ. 178 - الجوهرة النيرة: أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي، المطبعة الخيرية، 1322 هـ. 179 - حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: أبو عبد اللَّه شمس الدين ابن قيم الجوزية. مطبوع مع مختصر سنن أبي داود. تحقيق: أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي. دار المعرفة، بيروت، 1400 هـ. 180 - حاشية ابن قندس على الفروع: تقي الدين أبو بكر بن قندس البعلي. تحقيق: د/ عبد اللَّه التركي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1424 هـ. 181 - حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين. أبو بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت. 182 - حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع: البناني. دار الفكر، بيروت. 183 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: محمد بن عرفة الدسوقي. مطبوع مع الشرح الكبير. دار الفكر، بيروت.
184 - حاشية الرملي على أسنى المطالب: أبو العباس الرملي. مطبوع مع أسنى المطالب. دار الكتاب الإسلامي. 185 - حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع: عبد الرحمن القاسم. ط: السادسة، 1414 هـ. 186 - حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج: الشبراملسي. مطبوع مع نهاية المحتاج. دار الفكر، بيروت، 1404 هـ. 187 - حاشية الشرواني على تحفة المحتاج: عبد الحميد الشرواني. مطبوع مع تحفة المحتاج. دار إحياء التراث العربي. 188 - حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: شهاب الدين أحمد الشلبي، مطبوع بهامش تبيين الحقائق، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، 1313 هـ. 189 - حاشية العبادي على الغرر البهية: ابن قاسم العبادي. مطبوع مع الغرر البهية. المطبعة الميمنية. 190 - حاشية العبادي على تحفة المحتاج: ابن قاسم العبادي. مطبوع مع تحفة المحتاج. دار إحياء التراث العربي. 191 - حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي: علي الصعيدي العدوي. مطبوع مع شرح الخرشي. دار الفكر، بيروت. 192 - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني: علي الصعيدي العدوي. مطبوع مع كفاية الطالب الرباني. دار الفكر، بيروت. 193 - حاشية العطار على شرح جلال الدين المحلي على جمع الجوامع: حسن بن محمد العطار. دار الكتب العلمية، بيروت. 194 - حاشية بجيرمي على الخطيب المسماة (تحفة الحبيب): سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي. دار الفكر، بيروت، مطبعة الحلبي، 1370 هـ. 195 - حاشية بجيرمي على المنهج المسماة (التجريد لنفع العبيد): سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي. دار الفكر العربي، بيروت، مطبعة الحلبي، 1369 هـ. 196 - حاشية درر الحكام شرح غرر الأحكام: محمد بن فراموز الشهير بمولى خسرو. مطبوع مع درر الحكام. دار إحياء الكتب العربية، 1294 هـ. 197 - حاشية عثمان النجدي على منتهى الإرادات: تحقيق: د/ عبد اللَّه التركي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1419 هـ. 198 - حاشية عميرة على شرح جلال الدين المحلي على المنهاج: شهاب الدين أحمد البرلسي الملقب بعميرة. مطبوع مع شرح الجلال المحلي. دار إحياء الكتب العربية. 199 - حاشية قليوبي على شرح جلال الدين المحلي على المنهاج: شهاب الدين أحمد ابن أحمد بن سلامة القليوبي. مطبوع مع شرح الجلال المحلي. دار إحياء الكتب العربية.
200 - الحاوي الكبير شرح مختصر المزني: علي بن محمد بن حبيب الماوردي. تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1414 هـ. 201 - الحجة على أهل المدينة: محمد بن الحسن الشيباني. تحقيق: مهدي حسن الكيلاني القادري. عالم الكتب، بيروت، ط: الثالثة، 1403 هـ. 202 - حجية الإجماع وموقف العلماء منه: د/ محمد محمود فرغلي. دار الكتاب الجامعي، 1391 هـ. 203 - الحسبة في الإسلام: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. تحقيق: محمد زهري النجار. منشورات المؤسسة السعيدية، الرياض. 204 - حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة: جلال الدين السيوطي. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. دار إحياء الكتب العربية، ط: الأولى، 1387 هـ. 205 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصبهاني. دار الكتاب العربي، بيروت، ط: الرابعة، 1405 هـ. 206 - حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء: سيف الدين أبي بكر محمد الشاشي القفال. تحقيق: د/ ياسين أحمد إبراهيم درادكة. مؤسسة الرسالة، بيروت، دار الأرقم، عمان، ط: الأولى، 1980 م. 207 - الحيوان: أبو عثمان عمرو الجاحظ. تحقيق: عبد السلام محمد هارون. دار الجيل، بيروت، 1416 هـ. 208 - الخراج: يحيى بن آدم القرشي. المكتبة العلمية، لاهور، باكستان، ط: الأولى، 1974 م. 209 - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: محمد الحبي. دار صادر، بيروت. 210 - خلاصة البدر المنير في تخريج كتاب الشرح الكبير للرافعي: عمر بن علي الأنصاري المعروف بابن الملقن. تحقيق: حمدي السلفي. مكتبة الرشد، الرياض، ط: الأولى، 1410 هـ. 211 - خلاصة الكلام في تخريج أحاديث بلوغ المرام: خالد بن ضيف اللَّه الشلاحي. مكتبة الرشد، الرياض، ط: الأولى، 1425 هـ. 212 - الخيار وأثره في العقود: د/ عبد الستار أبو غدة. الكويت، 1405 هـ. 213 - الدر المختار شرح تنوير الأبصار: علاء الدين الحصكفي. مطبوع مع رد المحتار. دار الكتب العلمية، بيروت. 214 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي. دار الفكر، بيروت، 1993 م. 215 - الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي: جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن عبد الهادي. تحقيق: د/ رضوان مختار بن غريبة. دار المجتمع، جدة، ط: الأولى، 1411 هـ.
216 - دراسة المسائل المتفق عليها بين الأئمة الأربعة من خلال كتاب الإفصاح لابن هبيرة: سارة بنت عبد المحسن بن سعد. رسالة ماجستير مقدمة لقسم الثقافة الإسلامية في جامعة الملك سعود. غير منشورة. 217 - الدراية في تخريج أحاديث الهداية: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: السيد عبد اللَّه هاشم اليماني المدني. دار المعرفة، بيروت. 218 - درر الحكام شرح غرر الأحكام: محمد بن فراموز الشهير بمولى خسرو. دار إحياء الكتب العربية، 1294 هـ. 219 - درر الحكام شرح مجلة الأحكام: علي حيدر. تعريب المحامي: فهمي الحسيني. دار الجيل، بيروت. 220 - الدرر السنية في الأجوبة النجدية: جمع/ عبد الرحمن القاسم. ط: الخامسة، 1413 هـ. 221 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: محمد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة، 1385 هـ. 222 - دقائق أولي النهى لشرح المنتهى: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي. عالم الكتب، بيروت، ط: الثانية، 1996 م. 223 - دلائل الأحكام: بهاء الدين بن شداد. تحقيق: محمد بن يحيى النجيمي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1412 هـ. 224 - دليل الطالب لنيل المطالب: مرعي بن يوسف الكرمي. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثانية، 1389 هـ. 225 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: إبراهيم بن علي بن فرحون. دار الكتب العلمية، بيروت. 226 - ذخيرة الحفاظ: محمد بن طاهر المقدسي. تحقيق: د/ عبد الرحمن الفريوائي. دار أضواء السلف، الرياض، ط: الأولى، 1416 هـ. 227 - الذخيرة: شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي. تحقيق: محمد حجي. دار الغرب، بيروت، 1994 م. 228 - ذيل طبقات الحنابلة: أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب. دار المعرفة، بيروت، 1372 هـ. 229 - الذيل على الروضتين: أبو شامة المقدسي. طبعة دار الجيل، بيروت، 1974 م. 230 - رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني. عني بطبعه: عبد اللَّه الأنصاري. طبع على نفقة خليفة آل ثاني أمير قطر، 1401 هـ. 231 - المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار: محمد بن أمين بن عابدين. دار الكتب العلمية، بيروت. 232 - الرسالة: أبو زيد القيرواني، مطبوع مع الفواكه الدواني. دار الفكر، بيروت،
1415 - هـ. 233 - الرسالة: الإمام محمد بن إدريس الشافعي. تحقيق: أحمد شاكر. طبع مصطفى الحلبي، القاهرة، 1358 هـ. 234 - رفع الإصر عن قضاة مصر: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. الهيئة المصرية العامة للمطابع الأميرية، 1961 م. 235 - الروض المربع شرح زاد المستقنع: منصور بن يونس البهوتي. مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1390 هـ. 236 - روضة الطالبين وعمدة المفتين: محيي الدين أبو زكريا يحيى النووي. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثانية، 1405 هـ. 237 - روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد: الموفق عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة. تحقيق: د/ عبد الكريم النملة. مكتبة الرشد، الرياض، ط: الثانية، 1414 هـ. 238 - زاد المسير في علم التفسير: عبد الرحمن بن علي الجوزي. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثالثة، 1404 هـ. 239 - زاد المعاد في هدي خير العباد: أبو عبد اللَّه بن قيم الجوزية. تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الرابعة عشر، 1407 هـ. 240 - الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي: أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري. تحقيق: د/ محمد جبر الألفي. وزارة الأوقاف والشئون الإسلا مية، الكويت، ط: الأولى، 1399 هـ. 241 - الزواجر عن اقتراف الكبائر: ابن حجر الهيتمي. دار الفكر، بيروت، ط: الأولى، 1407 هـ. 242 - سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام: الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني. دار الحديث، مصر، المكتبة العصرية. 243 - السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة: محمد بن عبد اللَّه بن حميد. تحقيق: بكر أبو زيد وعبد الرحمن العثيمين. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1416 هـ. 244 - السراج الوهاج على متن المنهاج: محمد الزهري الغمراوي. دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. 245 - سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر: أبو الفضل محمد خليل بن علي المرادي. دار البشائر الإسلامية، دار ابن حزم، بيروت، ط: الثالثة، 1408 هـ. 246 - سنن ابن ماجه. تحقيق: د/ بشار عواد معروف. دار الجيل، بيروت، ط: الأولى، 1418 هـ. 247 - سنن أبي داود. تحقيق: محمد عوامة. دار القبلة، جدة، مؤسسة الريان، بيروت، المكتبة المكية، مكة، ط: الأولى، 1419 هـ.
248 - سنن الدارقطني: أبو عمر علي بن عمر الدارقطني. تحقيق: السيد عبد اللَّه هاشم يماني المدني. دار المعرفة، بيروت، 1386 هـ. 249 - سنن الدارمي: أبو محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن الدارمي. تحقيق: فواز أحمد زمرلي وخالد السبع. دار الكتاب العربي، بيروت، ط: الأولى، 1407 هـ. 250 - السنن الكبرى: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق: محمد عبد القادر عطا. مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414 هـ. 251 - السنن الكبرى: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي. تقديم: د/ عبد اللَّه التركي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1421 هـ. 252 - سنن النسائي المسماة (المجتبى): أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط: الثانية، 1406 هـ. 253 - سنن سعيد بن منصور: سعيد بن منصور الخراساني. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. الدار السلفية، الهند، ط: الأولى، 1403 هـ. 254 - سير أعلام النبلاء: محمد بن أحمد الذهبي. تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف/ شعيب الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الحادية عشرة، 1419 هـ. 255 - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: محمد بن علي الشوكاني. تحقيق: محمود إبراهيم زايد. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1405 هـ. 256 - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: محمد بن محمد مخلوف. دار الفكر للطباعة والنشر. 257 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: أبو الفرج عبد الحي بن العماد. دار الآفاق الجديدة، بيروت. 258 - شرح ابن بطال على صحيح البخاري: أبو الحسن علي بن خلف بن بطال البكري. تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم. مكتبة الرشد، الرياض، ط: الثانية، 1423 هـ. 259 - شرح التلويح على التوضيح: مسعود بن عمر التفتازاني. مكتبة صبيح، مصر. 260 - شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك: محمد بن عبد الباقي الزرقاني. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1411 هـ. 261 - شرح الزركشي على مختصر الخرقي: أبو عبد اللَّه شمس الدين محمد بن عبد اللَّه الزركشي. تحقيق: عبد المنعم خليل إبراهيم. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1423 هـ. 262 - شرح السنة: الحسين بن مسعود البغوي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثانية، 1403 هـ.
263 - شرح السير الكبير: محمد بن أحمد السرخسي. الناشر: الشركة الشرقية للإعلانات. 264 - الشرح الصغير على مختصر خليل: أبو البركات الدردير. مطبوع مع بلغة السالك. دار المعارف، مصر. 265 - شرح العمدة [كتاب الطهارة]: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية. تحقيق: د/ سعود ابن صالح العطيشان. مكتبة العبيكان، الرياض، ط: الأولى، 1413 هـ. 266 - الشرح الكبير على المقنع: شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن قدامة. تحقيق: د/ عبد اللَّه التركي. دار هجر، القاهرة، ط: الأولى، 1415 هـ. 267 - الشرح الكبير على مختصر خليل: أبو البركات سيدي أحمد الدردير. دار الفكر، بيروت. 268 - شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير أو المختبر المبتكر شرح المختصر في أصول الفقه: محمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار. تحقيق: د/ محمد الزحيلي ود/ نزيه حماد. جامعة أم القرى، معهد البحوث العلمية، ط: الثانية، 1413 هـ. 269 - الشرح الممتع على زاد المستقنع: محمد بن صالح العثيمين. اعتنى به: د/ سليمان أبا الخيل ود/ خالد المشيقح. مؤسسة آسام، الرياض، ط: الأولى. صدر تباعا. 270 - شرح تنقيح الفصول: محمد بن إدريس القرافي. تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد. مكتبة الكليات الأزهرية ودار الفكر، بيروت، ط: الأولى، 1393 هـ. 271 - شرح جلال الدين المحلي على المنهاج: جلال الدين المحلي. دار الكتب العربية. 272 - شرح حدود ابن عرفة: أبو عبد اللَّه محمد بن قاسم الرصاع. المكتبة العلمية، المطبعة التونسية. 273 - شرح صحيح مسلم: أبو زكريا شرف الدين يحيى النووي. دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط: الثانية، 1392 هـ. 274 - شرح مختصر خليل: الخرشي. دار الفكر، بيروت. 275 - شرح مشكل الآثار: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1408 هـ. 276 - شرح معاني الآثار: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي. تحقيق: محمد زهري النجار. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1399 هـ. 277 - الصحاح: الجوهري. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطا. دار العلم للملايين، بيروت، ط: الثالثة، 1404 هـ. 278 - الصحة والفساد عند الأصوليين وأثرهما في الفقه الإسلامي: جبريل بن المهدي ابن علي ميغا آل أسكيا محمد. دار الصابوني، حلب، ط: الأولى، 1418 هـ.
279 - صحيح ابن خزيمة: محمد بن إسحاق بن خزيمة. تحقيق: د/ محمد مصطفى الأعظمي. المكتب الإسلامي، بيروت، 1390 هـ. 280 - صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري: محمد ناصر الدين الألباني. دار الصديق، الجيل السعودية، ط: الثانية، 1415 هـ. 281 - صحيح الإمام البخاري. اعتنى به: أبو صهيب الكرمي. بيت الأفكار الدولية، 1419 هـ. 282 - صحيح الإمام مسلم. دار ابن حزم، بيروت، ط: الأولى، 1416 هـ. 283 - صفة الصفوة: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. تحقيق: محمود فاخوري ود/ محمد رواس قلعه جي. دار المعرفة، بيروت، ط: الثانية، 1399 هـ. 284 - صفة الفتوى والمفتي والمستفتي: أبو عبد اللَّه أحمد بن حمدان الحراني. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثالثة، 1397 هـ. 285 - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: شمس الدين بن قيم الجوزية. تحقيق: د/ علي ابن محمد الدخيل اللَّه. دار العاصمة، الرياض، ط: الثالثة، 1418 هـ. 286 - الضعفاء الكبير: أبو جعفر محمد بن عمر بن موسى العقيلي. تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي. دار المكتبة العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1404 هـ. 287 - الضعفاء والمتروكين: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. تحقيق: محمود إبراهيم زايد. دار الوعي، حلب، ط: الأولى، 1396 هـ. 288 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي. منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت. 289 - ضوابط الدراسات الفقهية: سلمان بن فهد العودة. دار الوطن، الرياض، ط: الأولى، 1412 هـ. 290 - طبقات الحفاظ: أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1403 هـ. 291 - طبقات الحنابلة: أبو الحسين محمد بن أبي يعلى. تحقيق: محمد حامد الفقي. دار المعرفة، بيروت. 292 - الطبقات السنية في تراجم الحنفية: تقي الدين بن عبد القادر التميمي. تحقيق: د/ عبد الفتاح الحلو. دار الرفاعي، الرياض، ط: الأولى، 1403 هـ. 293 - طبقات الشافعية الكبرى: تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي. تحقيق: د/ محمود الطناحي ود/ عبد الفتاح محمد الحلو. دار هجر للطباعة والنشر، ط: الثانية، 1413 هـ. 294 - طبقات الشافعية: أبو بكر بن أحمد بن قاضي شهبة. تحقيق: د/ الحافظ عبد
العليم خان. عالم الكتب، بيروت، ط: الأولى. 1407 هـ. 295 - طبقات الشافعية: جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي. تحقيق: عبد اللَّه الجبوري. دار العلوم، الرياض، 1401 هـ. 296 - طبقات الفقهاء الشافعية: تقي الدين أبو عمرو بن الصلاح. تحقيق: محيي الدين علي نجيب. دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط: الأولى، 1992 م. 297 - طبقات الفقهاء: أبو إسحاق إبراهيم الشيرازي. تحقيق: خليل الميس. دار القلم، بيروت. 298 - طبقات الفقهاء: أبو الخير أحمد بن مصطفى طاش كبري زاده. مطبعة نينوي، الموصل، ط: الأولى، 1954 م. 299 - الطبقات الكبرى (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم): أبو عبد اللَّه محمد بن سعد بن منيع، تحقيق: زياد محمد منصور. مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط: الثانية، 1408 هـ. 300 - الطبقات الكبرى: أبو عبد اللَّه محمد بن سعد بن منيع. دار صادر، بيروت. 301 - طبقات المدلسين: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: د/ عاصم بن عبد اللَّه القريوتي. مكتبة المنار، عمان، ط: الأولى، 1403 هـ. 302 - طبقات المفسرين: أحمد بن محمد الأدنه وي. تحقيق: سليمان بن صالح الخزي. مكتبة العلوم والحكم، السعودية، ط: الأولى، 1417 هـ. 303 - طرح التثريب في شرح التقريب: زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسيني العراقي. دار الفكر العربي. 304 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: أبو عبد اللَّه شمس الدين ابن قيم الجوزية. مكتبة دار البيان. 305 - طلبة الطلبة في الإصطلاحات الفقهية: نجم الدين أبو حفص عمر بن محمد النسفي. تحقيق: خالد عبد الرحمن العك. دار النفائس، عمان، 1416 هـ. 306 - عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي: أبو بكر محمد بن عبد اللَّه بن العربي. تحقيق: جمال المرعشلي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1418 هـ. 307 - العبر في خبر من غبر: شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. تحقيق: د/ صلاح الدين المنجد. مطبعة حكومة الكويت، ط: الثانية، 1984 م. 308 - العدة حاشية الصنعاني على إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام: محمد بن إسماعيل الصنعاني. تحقيق: علي بن محمد الهندي. المكتبة السلفية، القاهرة، ط: الثانية، 1409 هـ. 309 - العدة في أصول الفقه: القاضي أبو يعلى. تحقيق: د/ أحمد سير المباركي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1410 هـ. 310 - العدة في شرح العمدة: بهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي. تحقيق: د/ عبد اللَّه التركي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1421 هـ.
311 - عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة: جلال الدين عبد اللَّه بن نجم بن شاس. تحقيق: محمد أبو الأجفان وعبد الحفيظ منصور. دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط: الأولى، 1415 هـ. 312 - عقد السلم في الشريعة الإسلامية عرض منهجي مقارن: د/ نزيه حماد. دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط: الأولى، 1414 هـ. 313 - العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية: محمد أمين بن عابدين. دار المعرفة، بيروت. 314 - علل الترمذي الكبير: ترتيب أبي طالب القاضي. تحقيق: صبحي السامرائي وأبو المعاطي النوري ومحمود محمد الصعيدي. عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، بيروت، ط: الأولى، 1409 هـ. 315 - علل الحديث: عبد الرحمن بن محمد بن أبي حاتم الرازي، تحقيق: محب الدين الخطيب. دار المعرفة، بيروت، 1405 هـ. 316 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. تحقيق: خليل الميس. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1403 هـ. 317 - العلل الواردة في الأحاديث النبوية: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني. تحقيق: د/ محفوظ الرحمن السلفي. دار طيبة، الرياض، ط: الأولى، 1405 هـ. 318 - العلل الواردة في الأحاديث النبوية: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني. تحقيق: محمد الدباسي. تكملة الطبعة السابقة. دار ابن الجوزي، الدمام، ط: الأولى، 1427 هـ. 319 - العلل ومعرفة الرجال: الإمام أحمد بن حنبل. تحقيق: د/ وصي اللَّه بن محمد عباس. المكتب الاسلامي، بيروت، دار الخاني، الرياض، ط: الأولى، 1408 هـ. 320 - علماء نجد خلال ثمانية قرون: عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام. دار العاصمة، الرياض، ط: الثانية، 1419 هـ. 321 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري: بدر الدين محمود بن أحمد العيني. دار إحياء التراث العربي، بيروت. 322 - العناية على الهداية: محمد بن محمد البابرتي. دار الفكر، بيروت، ط: الأولى، 1408 هـ. 323 - عون المعبود شرح سنن أبي داود: محمد شمس الحق العظيم آبادي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الثانية، 1995 م. 324 - العين: الخليل بن أحمد الفراهيدي. تحقيق: د/ مهدي المخزومي ود/ إبراهيم السامرائي. دار ومكتبة الهلال. 325 - غاية البيان شرح زبد ابن رسلان: محمد بن أحمد الرملي. دار المعرفة،
بيروت. 326 - غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى: مرعي بن يوسف الكرمي. مطبوع مع مطالب أولي النهى. المكتب الاسلامي، دمشق، ط: الثانية، 1415 هـ. 327 - الغرر البهية شرح البهجة الوردية: زكريا الأنصاري. المطبعة الميمنية. 328 - غريب الحديث: إبراهيم بن إسحاق الحربي. تحقيق: د/ سليمان إبراهيم محمد العايد. جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط: الأولى، 1405 هـ. 329 - غريب الحديث: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. تحقيق: د/ عبد المعطي أمين القلعجي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1405 هـ. 330 - غريب الحديث: أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي. تحقيق: عبد الكريم إبراهيم العزباوي. جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1402 هـ. 331 - غريب الحديث: أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي. تحقيق: د/ محمد عبد المعيد خان. دار الكتاب العربي، بيروت، ط: الأولى، 1396 هـ. 332 - غريب الحديث: أبو محمد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة. تحقيق: د/ عبد اللَّه الجبوري. مطبعة العاني، بغداد، ط: الأولى، 1397 هـ. 333 - الغش وأثره في العقود: د/ عبد اللَّه بن ناصر السلمي. كنوز أشبيليا، الرياض، ط: الأولى، 1425 هـ. 334 - غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد الحموي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1405 هـ. 335 - الفائق في غريب الحديث: محمود بن عمر الزمخشري. تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم. دار المعرفة، لبنان، ط: الثانية. 336 - فتاوى ومسائل ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والفقه: تقي الدين أبو عمر عثمان بن الصلاح. تحقيق: د/ عبد المعطي أمين قلعجي. دار المعرفة، بيروت، ط: الأولى، 1406 هـ. 337 - فتاوى الرملي: شهاب الدين محمد بن أبي العباس الرملى. المكتبة الإسلامية، دار الفكر، بيروت. 338 - الفتاوى الفقهية الكبرى: ابن حجر الهيتمي. المكتبة الإسلامية، دار الفكر، بيروت. 339 - الفتاوى الكبرى: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1408 هـ. 340 - الفتاوى الهندية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان: الشيخ نظام، وجماعة من علماء الهند، دار الفكر، بيروت، 1411 هـ. 341 - فتح الباري شرح صحيح البخاري: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: محب الدين الخطيب. دار المعرفة، بيروت. 342 - فتح الباري في شرح صحيح البخاري: زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن
رجب. تحقيق: أبو معاذ طارق بن عوض اللَّه. دار ابن الجوزي، الدمام، ط: الثانية، 1422 هـ. 343 - فتح العزيز شرح الوجيز: الرافعي. مطبعة التضامن الأخوي، مصر، الناشر: المكتبة السلفية، المدينة. 344 - فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك: أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد الشهير بعليش. دار المعرفة، بيروت. 345 - فتح القدير: كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن الهمام السيواسي. دار الفكر، بيروت، ط: الأولى، 1408 هـ. 346 - فتح المعين بشرح قرة العين: زين الدين بن عبد العزيز المليباري. دار الفكر، بيروت. 347 - فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب: زكريا بن محمد الأنصاري. دار الفكر، بيروت. 348 - فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب: سليمان الجمل. مطبوع مع فتح الوهاب. دار الفكر، بيروت. 349 - الفَرق بين الفِرق: عبد القادر البغدادي. تحقيق: محيي الدين عبد الحميد. دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1977 م. 350 - الفروسية: أبو عبد اللَّه محمد ابن قيم الجوزية. تحقيق: مشهور بن حسن بن سلمان. دار الأندلس، حائل، ط: الأولى، 1414 هـ. 351 - الفروع: أبو عبد اللَّه محمد بن مفلح المقدسي. دار عالم الكتب، بيروت، ط: الرابعة، 1405 هـ. 352 - الفروق المسمى (أنوار البروق في أنواء الفروق): أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي. دار عالم الكتب، بيروت. 353 - الفروق: أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي. تحقيق: محمد طموم. الناشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، ط: الأولى، 1402 هـ. 354 - الفصول في الأصول: أحمد بن علي الرازي الجصاص. تحقيق: د/ عجيل جاسم النشمي. الناشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، ط: الأولى، 1405 هـ. 355 - الفقيه والمتفقه: الخطيب البغدادي. تحقيق: إسماعيل الأنصاري. مصورة دار الكتب العلمية، بيروت. 356 - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي: محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي. تحقيق: عبد العزيز القارئ. المكتبة العلمية، المدينة المنورة، 1397 هـ. 357 - الفهرست: أبو الفرج محمد بن إسحاق النديم. دار المعرفة، بيروت، 1398 هـ. 358 - الفوائد البهية في تراجم الحنفية: أبو الحسنات محمد بن عبد الحي اللكنوي.
تحقيق: د/ محمد النعساني. دار المعرفة، بيروت. 359 - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: محمد بن علي الشوكاني. تحقيق: عبد الرحمن ابن يحيى المعلمي. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثالثة، 1407 هـ. 360 - فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت: عبد العلي محمد نظام الدين. مطبوع مع المستصفى. المطبعة الأميرية، بولاق، مصر، 1324 هـ. 361 - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني: أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي. دار الفكر، بيروت، 1415 هـ. 362 - فيض القدير شرح الجامع الصغير: عبد الرؤوف المناوي. المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط: الأولى، 1356 هـ. 363 - القاموس المحيط: محمد بن يعقوب الفيروز آبادي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: السادسة، 1419 هـ. 364 - القبس في شرح موطأ مالك: أبو بكر بن العربي. تحقيق: د/ محمد عبد اللَّه ولد كريم. دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط: الأولى، 1992 م. 365 - القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية: محمد بن طولون الصالحي. تحقيق: محمد أحمد دهمان. مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق، ط: الثانية. 366 - قواعد الأحكام في مصالح الأنام: عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام. دار الكتب العلمية، بيروت. 367 - القواعد: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي. دار الكتب العلمية، بيروت. 368 - القوانين الفقهية: محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي. 369 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة: أبو عبد اللَّه الذهبي. تحقيق: محمد عوامة. دار القبلة للثقافة الإسلامية، مؤسسة علو، جدة، ط: الأولى، 1413 هـ. 370 - الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل: أبو محمد عبد اللَّه بن قدامة المقدسي. المكتب الإسلامي، بيروت. 371 - الكافي في فقه أهل المدينة: أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر القرطبي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1407 هـ. 372 - الكامل في ضعفاء الرجال: أبو أحمد عبد اللَّه بن عدي الجرجاني. تحقيق: يحيى مختار غزاوي. دار الفكر، بيروت، ط: الثالثة، 1409 هـ. 373 - كتابة البحث العلمي ومصادر الدراسات الفقهية: د/ عبد الوهاب أبو سليمان. دار الشروق، جدة، ط: الأولى، 1413 هـ. 374 - كشاف القناع على متن الإقناع: منصور بن يونس البهوتي. تحقيق: هلال مصيلحي مصطفى هلال. دار الفكر، بيروت، 1402 هـ. 375 - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي: علاء الدين عبد العزيز بن أحمد
البخاري. دار الكتاب الإسلامي. 376 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: إسماعيل بن محمد العجلوني. تحقيق: أحمد القلاش. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الرابعة، 1405 هـ. 377 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: مصطفى بن عبد اللَّه القسطنطيني الرومي. دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 هـ. 378 - كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات: عبد الرحمن البعلي. تحقيق: محمد بن ناصر العجمى. دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط: الأولى، 1423 هـ. 379 - الكشف والبيان في تفسير القرآن: أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي. تحقيق: أبو محمد بن عاشور. دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط: الأولى، 1422 هـ. 380 - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار: تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الحصيني. تحقيق: علي عبد الحميد بلطجي ومحمد وهبي سليمان. دار الخير، دمشق، ط: الأولى، 1994 م. 381 - كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني: أبو الحسن علي بن محمد المنوفي. دار الفكر، بيروت. 382 - الكليات: أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي. تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري. مؤسسة الرسالة، بيروت، 1419 هـ. 383 - الكنى جزء من التاريخ الكبير: محمد بن إسماعيل البخاري. مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية بعاصمة الدولة الآصفية، حيدر آباد الدكن، ط: الأولى، 1360 هـ. 384 - كنز الدقائق: حافظ الدين النسفي. مطبوع مع تبيين الحقائق، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، 1313 هـ. 385 - الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة: أبو المكارم محمد بن محمد العامري الغزي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1418 هـ. 386 - اللباب في الجمع بين السنة والكتاب: جمال الدين أبو محمد علي المنبجي. تحقيق: د/ محمد فضل عبد العزيز المراد. دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط: الثانية، 1414 هـ. 387 - اللباب في تهذيب الأنساب: أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني الجزري. دار صادر، بيروت، 1400 هـ. 388 - لسان الحكام في معرفة الأحكام: إبراهيم بن أبي اليمن محمد الحنفي. مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، ط: الثانية، 1393 هـ. 389 - لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي. دار صادر، بيروت، ط: الأولى.
390 - لسان الميزان: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، مصورة عن دائرة المعارف النظامية، الهند، ط: الثالثة، 1406 هـ. 391 - اللمع في أصول الفقه: أبو إسحاق إبراهيم الشيرازي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1405 هـ. 392 - المبدع في شرح المقنع: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مفلح. المكتب الإسلامي، بيروت، 1400 هـ. 393 - المبسوط: شمس الدين السرخسي، دار المعرفة، بيروت، 1409 هـ. 394 - المبسوط: محمد بن الحسن الشيباني. تحقيق: أبو الوفا الأفغاني. إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي. 395 - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين: محمد بن حبان بن أبي حاتم البستي. تحقيق: محمود إبراهيم زايد. دار الوعي، حلب، ط: الأولى، 1396 هـ. 396 - مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل: أحمد بن عبد اللَّه القادري. تحقيق: د/ عبد الوهاب أبو سليمان ود/ محمد إبراهيم أحمد علي. الناشر مطبوعات تهامة، جدة، ط: الأولى، 1410 هـ. 397 - مجلة الأحكام العدلية: مجموعة من العلماء بإشراف جمعية المجلة. تحقيق: نجيب هواويني. دار النشر: كارخانه تجارت كتب. 398 - مجلة الحكمة: تصدر من بريطانيا، نصف سنوية. العدد الثلاثون. محرم، 1426 هـ. 399 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكليبولي المعروف بشيخي زاده. دار إحياء التراث العربي. 400 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: علي بن أبي بكر بن حجر الهيثمي. دار الريان للتراث/ دار الكتاب العربي، القاهرة، بيروت، 1407 هـ. 401 - مجمع الضمانات في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان: أبو محمد بن غانم بن محمد البغدادي. دار الكتاب الإسلامي، 1803 م. 402 - المجموع شرح المهذب: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي. المطبعة المنيرية. 403 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: جمع/ عبد الرحمن القاسم وابنه محمد. طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416 هـ. 404 - مجموعة الرسائل والمسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأول، 1403 هـ. 405 - المحرر في الفقه: مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن تيمية. مكتبة المعارف، الرياض، ط: الثانية، 1404 هـ. 406 - المحصول في أصول الفقه: فخر الدين محمد بن عمر الرازي. تحقيق: د/ طه
جابر العلواني. جامعة الإمام، الرياض، ط: الأولى، 1399 هـ. 407 - المحكم والمحيط الأعظم: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده. تحقيق: عبد الحميد هنداوي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 2000 م. 408 - المحلى: علي بن أحمد بن حزم الظاهري. دار الفكر، بيروت. 409 - مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر الرازي. اعتنى به: يوسف الشيخ محمد. المكتبة العصرية، بيروت، ط: الثالثة، 1418 هـ. 410 - مختصر ابن الحاجب: أبو عمرو جمال الدين بن عمر بن الحاجب. مطبوع مع شرحه بيان المختصر. معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي. جامعة أم القرى. 411 - مختصر اختلاف العلماء للطحاوي: أبو بكر أحمد بن علي الجصاص الرازي. تحقيق: عبد اللَّه نذير أحمد. دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط: الأولى، 1416 هـ. 412 - مختصر الخرقي من مسائل الإمام أحمد بن حنبل: أبو القاسم عمر بن الحسين الخرقي. تحقيق: زهير الشاويش. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثالثة، 1403 هـ. 413 - مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم: محمد الموصلي. مصورة رئاسة إدارة البحوث العلمية، الرياض. 414 - مختصر الفتاوى المصرية: بدر الدين أبو عبد اللَّه محمد بن علي البعلي. تحقيق: محمد حامد الفقي. دار ابن القيم، الدمام، ط: الثانية، 1406 هـ. 415 - مختصر المزني: المزني. مطبوع بعد كتاب الأم للشافعي. دار المعرفة، بيروت. 416 - مختصر خلافيات البيهقي: أحمد بن فرح اللخمي. تحقيق: د/ ذياب عبد الكريم عقل وإبراهيم الخضير. مكتبة الرشد، الرياض، ط: الأولى، 1417 هـ. 417 - مختصر سنن أبي داود: المنذري. تحقيق: أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي. دار المعرفة، بيروت، 1400 هـ. 418 - مختصر طبقات الحنابلة: محمد جميل الشطي. تحقيق: فواز الزمرلي. دار الكتاب العربي، بيروت، ط: الأولى، 1406 هـ. 419 - المختصر: ابن عرفة، مطبوع مع شرح حدود ابن عرفة. المكتبة العلمية، المطبعة التونسية. 420 - المداينة: محمد بن صالح العثيمين. دار الوطن، الرياض. 421 - المدخل الفقهي العام: مصطفى الزرقا. دار القلم، دمشق. ط: الأولى، 1418 هـ. 422 - المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل وتخريجات الأصحاب: بكر بن عبد اللَّه أبو زيد. دار العاصمة، الرياض، ط: الأولى، 1417 هـ.
423 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: عبد القادر بن بدران الدمشقي. تحقيق: د/ عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الثانية، 1401 هـ. 424 - مدونة الفقه المالكي وأدلته: د/ الصادق عبد الرحمن الغرياني. مؤسسة الريان، بيروت، الأولى، 1423 هـ. 425 - المدونة الكبرى: الإمام مالك بن أنس. دار الكتب العلمية، بيروت. 426 - مذكرة أصول الفقه: محمد الأمين الشنقيطي. المكتبة السلفية. 427 - المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته وأشهر أعلامه ومؤلفاته: د/ عبد اللَّه التركي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1423 هـ. 428 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان: أبو محمد عبد اللَّه بن أسعد اليافعي. دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، 1413 هـ. 429 - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات: ابن حزم الظاهري. عناية: حسن أحمد إسبر. دار ابن حزم، بيروت، ط: الأولى، 1419 هـ. 430 - المراسيل: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1408 هـ. 431 - المراسيل: عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي. تحقيق: شكر اللَّه نعمة اللَّه قوجاني. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1397 هـ. 432 - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: علي بن سلطان محمد القاري. تحقيق: جمال عيتاني. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1422 هـ. 433 - مسائل الإمام أحمد برواية ابنه أبي الفضل صالح. تحقيق: د/ فضل الرحمن دين محمد. الدار العلمية، الهند، 1408 هـ. 434 - مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد اللَّه. تحقيق: زهير الشاويش. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الأولى، 1401 هـ. 435 - المسائل عن إمامي أهل الحديث أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، رواية إسحاق بن منصور الكوسج. تحقيق: طلعت فؤاد الحلواني. الناشر دار الفاروق، القاهرة، ط: الأولى، 1426 هـ. 436 - المسابقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية: د/ سعد بن ناصر الشتري. دار العاصمة، دار الغيث، الرياض، ط: الأولى، 1418 هـ. 437 - المسالك في شرح موطأ مالك: أبو بكر محمد بن عبد اللَّه بن العربي. تحقيق: محمد بن الحسين السليماني وعائشة بنت الحسين السليماني. دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط: الأولى، 1428 هـ. 438 - المستدرك على الصحيحين: أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الحاكم النيسابوري. تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1411 هـ.
439 - المستصفى من علم الأصول: أبو حامد محمد الغزالي. المطبعة الأميرية، بولاق، مصر، 1322 هـ. 440 - مسلم الثبوت: محب الدين بن عبد الشكور. مطبوع مع شرحه فواتح الرحموت بهامش المستصفى. المطبعة الأميرية، بولاق، مصر، 1322 هـ. 441 - مسند أبي داود سليمان الطيالسي. دار المعرفة، بيروت. 442 - مسند أبي يعلى الموصلي. تحقيق: حسين سليم أسد. دار المأمون للتراث، دمشق، ط: الأولى، 1404 هـ. 443 - مسند الإمام أحمد بن حنبل. المشرف العام على الطباعة: د/ عبد اللَّه التركي. مؤسسة الرسالة، بيروت، صدرت تباعا. 444 - مسند الإمام الشافعي. دار الكتب العلمية، بيروت. 445 - المسند: أبو بكر عبد اللَّه بن الزبير الحميدي. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. دار الكتب العلمية، بيروت، مكتبة المتنبي، القاهرة. 446 - المسودة في أصول الفقه: عبد السلام وعبد الحليم وأحمد من آل تيمية. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. المدني، القاهرة. 447 - مشارق الأنوار على صحاح الآثار: القاضي أبي الفضل عياض اليحصبي. المكتبة العتيقة، ودار التراث. 448 - مشاهير علماء الأمصار: أبو أحمد محمد بن حبان البستي. تحقيق: م/ فلايشهمر. دار الكتب العلمية، بيروت، 1959 م. 449 - مشكل الآثار: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي. مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، دار الكتب العلمية، بيروت، 1333 هـ. 450 - المصاحف: عبد اللَّه بن سليمان بن الأشعث بن أبي داود. تحقيق: د/ محب الدين عبد السبحان واعظ. دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط: الثانية، 1423 هـ. 451 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه: أحمد بن أبي بكر الكناني البوصيري. تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي. دار العربية، بيروت، ط: الثانية، 1403 هـ. 452 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي: أحمد بن محمد الفيومي. اعتنى به: يوسف الشيخ محمد. المكتبة العصرية، بيروت، ط: الثانية، 1418 هـ. 453 - المصنف: أبو بكر عبد اللَّه بن أبي شيبة. تحقيق: حمد الجمعة، محمد اللحيدان. مكتبة الرشد، الرياض، ط: الأولى، 1425 هـ. 454 - المصنف: أبو بكر عبد اللَّه بن أبي شيبة. دار الفكر، بيروت، 1414 هـ. وهي المعتمدة عند الباحث. 455 - المصنف: عبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثانية، 1403 هـ. 456 - مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى: مصطفى السيوطي الرحيباني. المكتب الإسلامي، دمشق، ط: الثانية، 1415 هـ.
457 - المطلع على أبواب الفقه: أبو عبد اللَّه محمد بن أبي الفتح البعلي. تحقيق: محمد بشير الأدلبي. المكتب الإسلامي، بيروت، 1401 هـ. 458 - معالم أصول الفقه عند أهل السنة الجماعة: د/ محمد بن حسين الجيزاني. دار ابن الجوزي، الدمام، ط: الأولى، 1416 هـ. 459 - معالم التنزيل: أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي. تحقيق: خالد عبد الرحمن العك ومروان سوار. دار المعرفة، بيروت، ط: الأولى، 1406 هـ. 460 - معالم السنن: أبو سليمان الخطابي. تحقيق: أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي. مطبوع مع مختصر سنن أبي داود. دار المعرفة، بيروت، 1400 هـ. 461 - معالم القربة في معالم الحسبة: محمد بن أحمد بن الأخوة القرشي. دار الفنون، كمبردج. 462 - المعتصر من المختصر من مشكل الآثار: أبو المحاسن يوسف بن موسى الحنفي. عالم الكتب، بيروت، مكتبة المتنبي، القاهرة، مكتبة سعد الدين، دمشق. 463 - المعتمد في أصول الفقه: أبو الحسين البصري. تحقيق: محمد حميد اللَّه. الفرنسي للدراسات العربية، دمشق، 1385 هـ. 464 - معجم الأدباء: أبو عبد اللَّه ياقوت الحموي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1411 هـ. 465 - المعجم الأوسط: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. تحقيق: طارق بن عوض اللَّه وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني. دار الحرمين، القاهرة، 1415 هـ. 466 - معجم البلدان: أبو عبد اللَّه ياقوت بن عبد اللَّه الحموي. دار الفكر، بيروت. 467 - معجم الشيوخ: محمد بن أحمد الذهبي. تحقيق: محمد الحبيب الهيلة. مكتبة الصديق، الطائف، ط: الأولى، 1408 هـ. 468 - معجم الصحابة: أبو الحسين عبد الباقي بن قانع. تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي. مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، ط: الأولى، 1418 هـ. 469 - المعجم الصغير المسمى (الروض الداني): سليمان بن أحمد الطبراني. تحقيق: محمد شكور محمود الحاج أمرير. المكتب الإسلامي، بيروت، دار عمار، عمان، ط: الأولى، 1405 هـ. 470 - المعجم الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني. تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي. مكتبة الزهراء، الموصل، ط: الثانية، 1404 هـ. 471 - معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة. دار إحياء التراث العربي. مكتبة المتنبي. 472 - معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء: د/ نزيه حماد. الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ط: الثالثة، 1415 هـ. 473 - المعجم الوسيط: إبراهيم مصطفى وأحمد الزيات وحامد عبد القادر ومحمد النجار. مجمع اللغة العربية. دار الدعوة.
474 - معجم لغة الفقهاء: د/ محمد رواس قلعه جي. دار النفائس، بيروت، ط: الأولى، 1416 هـ. 475 - معجم مقاييس اللغة: أبو الحسين أحمد بن فارس. تحقيق: عبد السلام هارون. دار الجيل، بيروت، ط: الأولى، 1411 هـ. 476 - معرفة السنن والآثار عن الإمام الشافعي: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق: سيد كسروي حسن. دار الكتب العلمية، بيروت. 477 - معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد الذهبي. تحقيق: بشار عواد معروف وشعيب الأرناؤوط وصالح مهدي عباس. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1404 هـ. 478 - المعلم بفوائد مسلم: أبو عبد اللَّه محمد المازري. تحقيق: محمد الشاذلي النيفر. دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط: الثانية، 1992 م. 479 - معونة أولي النهى شرح المنتهى: محمد بن أحمد الفتوحي الشهير بابن النجار. تحقيق: عبد الملك بن دهيش. دار خضر، بيروت، ط: الأولى، 1415 هـ. 480 - المعونة على مذهب عالم المدينة: القاضي عبد الوهاب البغدادي. تحقيق: حميش عبد الحق. المكتبة التجارية، مكة المكرمة. 481 - معين الحكام: أبو الحسن علاء الدين علي بن خليل الطرابلسي. دار الفكر، بيروت. 482 - المغرب في ترتيب المعرب: أبو المكارم ناصر بن عبد السيد المطرزي. دار الكتاب العربي. 483 - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: محمد الخطيب الشربيني. دار الكتب العلمية، بيروت. 484 - المغني شرح مختصر الخرقي: الموفق أبو محمد عبد اللَّه بن قدامة المقدسي. تحقيق: عبد اللَّه التركي وعبد الفتاح الحلو. دار هجر، مصر، ط: الأولى، 1410 هـ. 485 - المغني عن الحفظ والكتاب: أبو حفص عمر بن بدر الموصلي. دار الكتاب العربي، بيروت، ط: الأولى، 1407 هـ. 486 - المغني عن حمل الأسفار: أبو الفضل العراقي. تحقيق: أشرف عبد المقصود. مكتبة طبرية، الرياض، ط: الأولى، 1415 هـ. 487 - المغني في الضعفاء: شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. تحقيق: د/ نور الدين عتر. بيروت. 488 - مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير: فخر الدين محمد بن عمر الرازي. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1421 هـ. 489 - مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الأصفهاني. تحقيق: صفوان عدنان داوودي. دار القلم، دمشق، ط: الثالثة، 1423 هـ.
490 - المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم: أبو العباس أحمد القرطبي. تحقيق: محيي الدين مستو ويوسف بديوي وأحمد السيد ومحمود بزال. دار الكلم الطيب، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، ط: الأولى، 1417 هـ. 491 - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة: أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي. تحقيق: محمد عثمان الخشت. دار الكتاب العربي، بيروت، ط: الأولى، 1405 هـ. 492 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: أبو الحسن علي الأشعري. تصحيح: هلموت ريتر. دار فرانز، ط: الثالثة، 1400 هـ. 493 - المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات. أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الجد. تحقيق: د/ محمد حجي. دار الغرب الإسلامي، ط: الأولى، 1408 هـ. 494 - مقدمة ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون. دار القلم، بيروت، ط: الخامسة، 1984 م. 495 - مقدمة جامع الترمذي: أحمد شاكر. دار الكتب العلمية، بيروت. 496 - مقدمة كتاب تحقيق الكلام في وجوب القراءة خلف الإمام لمحمد بن عبد الرحمن اللكنوي: د/ وصي اللَّه عباس. دار القبس، الرياض، ط: الثانية، 1428 هـ. 497 - المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد: برهان الدين إبراهيم بن محمد ابن مفلح. تحقيق: د/ عبد الرحمن بن سليمان العثيمين. مكتبة الرشد، الرياض، ط: الأولى، 1410 هـ. 498 - المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل الشيباني: الموفق عبد اللَّه بن محمد بن قدامة. مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1400 هـ. 499 - مكمل إكمال الإكمال: أبو عبد اللَّه محمد السنوسي الحسيني. مطبوع مع إكمال الإكمال المعلم. دار الكتب العلمية، بيروت. 500 - الملل والنحل: محمد بن عبد الكريم الشهرستاني. تحقيق: محمد سيد كيلاني. دار المعرفة، بيروت، 1404 هـ. 501 - منادمة الأطلال ومسامرة الخيال: عبد القادر بن بدران. تحقيق: زهير الشاويش. المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثانية، 1985 م. 502 - منار السبيل في شرح الدليل: إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان. تحقيق: عصام القلعجي. مكتبة المعارف، الرياض، ط: الثانية، 1405 هـ. 503 - مناقب الشافعي: البيهقي. تحقيق: أحمد صقر. دار التراث، القاهرة، ط: الأولى، 1393 هـ. 504 - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي. دار
صادر، بيروت، ط: الأولى، 1358 هـ. 505 - المنتقى شرح موطأ الإمام مالك: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي. دار الكتاب الإسلامي. 506 - المنتقى من أخبار المصطفى (: مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن تيمية. تحقيق: محمد حامد الفقي. دار المعرفة، بيروت. 507 - المنتقى من السنن المسندة: عبد اللَّه بن علي بن الجارود. تحقيق: عبد اللَّه عمر البارودي. مؤسسة الكتاب الثقافية، بيروت، ط: الأولى، 1408 هـ. 508 - منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات: محمد بن أحمد الفتوحي الشهير بابن النجار. تحقيق: د/ عبد اللَّه التركي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1421 هـ. 509 - المنثور في القواعد الفقهية: أبو عبد اللَّه محمد بن بهادر الزركشي. تحقيق: تيسير فائق أحمد محمود. الناشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، ط: الثانية، 1405 هـ. 510 - منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل: محمد عليش. دار الفكر، بيروت، 1409 هـ. 511 - منح الشفا الشافيات في شرح المفردات: منصور بن يونس البهوتي. تصحيح: عبد الرحمن حسن محمود. المؤسسة السعيدية، الرياض. 512 - منحة الخالق على البحر الرائق: محمد أمين بن عابدين. مطبوع مع البحر الرائق. دار الكتاب الإسلامي، ط: الثانية. 513 - المنخول من تعليقات الأصول: أبو حامد محمد الغزالي. تحقيق: د/ محمد هيتو. دار الفكر، بيروت. 514 - منهاج الطالبين: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي. مطبوع مع مغني المحتاج. دار الكتب العلمية، بيروت. 515 - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد: عبد الرحمن بن محمد العليمي. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة المدني، المؤسسة السعودية بمصر، ط: الأولى، 1383 هـ. 516 - منهج البحث في الفقه الإسلامي خصائصه ونقائصه: د/ عبد الوهاب أبو سليمان. دار ابن حزم، بيروت، ط: الأولى، 1416 هـ. 517 - المهذب في أصول الفقه المقارن: د/ عبد الكريم بن علي النملة. مكتبة الرشد، الرياض، ط: الأولى، 1420 هـ. 518 - المهذب في فقه الإمام الشافعي: أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي. دار الفكر، بيروت. 519 - المهذب في فقه الإمام الشافعي: أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي. مطبوع مع المجموع. المطبعة المنيرية. وهذه الطبعة هي المرادة في البحث عند الاطلاق.
520 - الموافقات: إبراهيم بن موسى الشاطبي. تحقيق: عبد اللَّه دراز. دار المعرفة، بيروت. 521 - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب. دار الفكر، بيروت، ط: الثانية، 1398 هـ. 522 - موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي. سعدي أبو جيب. دار الفكر، بيروت، ط: الثالثة، 1419 هـ. 523 - موسوعة الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية: عبد اللَّه بن مبارك البوصي. مكتبة دار البيان الحديثة، الطائف، ط: الثانية، 1421 هـ. 524 - الموسوعة الفقهية الكويتية: بإشراف وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت. تصدر تباعا. 525 - الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة: إشراف وتخطيط ومراجعة/ مانع بن حماد الجهني. الناشر دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، الرياض، ط: الثالثة، 1418 هـ. 526 - الموطأ: الإمام مالك بن أنس. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1406 هـ. 527 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود. دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1995 م. 528 - النبذ في أصول الفقه: علي بن أحمد بن حزم. تحقيق: محمد الحمود. مكتبة الذهبي، الكويت، ط: الأولى، 1410 هـ. 529 - نتائج الأفكار تكملة فتح القدير على الهداية: شمس الدين أحمد المعروف بقاضي زاده. مطبوع بعد فتح القدير. دار الفكر، بيروت، ط: الأولى، 1408. 530 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي. المؤسسة المصرية العامة. 531 - نصب الراية لأحاديث الهداية: أبو محمد عبد اللَّه بن يوسف الزيلعي. تحقيق: محمد يوسف البنوري. دار الحديث، مصر، 1357 هـ. 532 - نظرة في الإجماع الأصولي: د/ عمر الأشقر. دار النفائس، الكويت، ط: الأولى، 1410 هـ. 533 - نظرية العقد: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية. دار المعرفة، بيروت. 534 - النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد بن حنبل: محمد الغزي العامري. تحقيق: محمد مطيع ونزار أباظة. دار الفكر، دمشق، 1402 هـ. 535 - نفح الطيب من عصن الأندلس الرطيب: أحمد بن محمد المقري التلمساني. تحقيق: إحسان عباس. دار صادر، بيروت، 1388 هـ. 536 - النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر: شمس الدين محمد بن مفلح
المقدسي. مكتبة المعارف، الرياض، ط: الثانية، 1404 هـ. 537 - نهاية الزين في إرشاد المبتدئين: أبو عبد المعطي محمد بن عمر الجاوي. دار الفكر، بيروت، ط: الأولى. 538 - نهاية السول شرح منهاج البيضاوي: الإسنوي. مطبعة علي صبيح. 539 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: شمس الدين محمد بن أبي العباس الرملي. دار الفكر، بيروت، 1404 هـ. 540 - النهاية في غريب الحديث والأثر: أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير. تحقيق: طاهر أحمد الزاوى ومحمود محمد الطناحي. المكتبة العلمية، بيروت، 1399 هـ. 541 - نوادر الفقهاء: محمد بن الحسن الجوهري. تحقيق: د/ محمد فضل عبد العزيز المراد. دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط: الأولى، 1414 هـ. 542 - النور السافر عن أخبار القرن العاشر: عبد القادر بن شيخ العيدروسي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1405 هـ. 543 - نيل الإبتهاج بتطريز الديباج: أحمد بن أحمد التنبكتي. دار الكتب العلمية، بيروت. 544 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار: محمد بن علي الشوكاني. دار الحديث، مصر، ط: الأولى، 1413 هـ. 545 - نيل الوطر في تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر: محمد زبادة اليمني الصنعاني. المطبعة السلفية، القاهرة، 1348 هـ. 546 - الهداية شرح بداية المبتدي: أبو الحسن علي بن أبي بكر المرغيناني. مطبوع مع العناية وفتح القدير. دار الفكر، بيروت، ط: الأولى، 1408. 547 - هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين من كشف الظنون: إسماعيل بن محمد أمين سليم البغدادي. دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 هـ. 548 - الواضح في أصول الفقه: أبو الوفاء علي بن عقيل. تحقيق: د/ عبد اللَّه التركي. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى، 1420 هـ. 549 - الوافي بالوفيات: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي. تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى. دار إحياء التراث، بيروت، 1420 هـ. 550 - وبل الغمام على شفاء الأوام: محمد بن علي الشوكاني. تحقيق: محمد صبحي حلاق. مكتبة ابن تيمية، القاهرة، توزيع مكتبة العلم، جدة، ط: الأولى، 1416 هـ. 551 - الوسيط في المذهب: أبو حامد محمد الغزالي. تحقيق: أحمد محمود إبراهيم ومحمد محمد تامر. دار السلام، القاهرة، ط: الأولى، 1417 هـ. 552 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن خلكان. تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة، لبنان.
سلسلة الرسائل الجامعية (68) موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي [3] مسائل الإجماع في أبواب النكاح
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة إن الحمد للَّه، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًّا. • وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: • فقد خلف أئمتنا ثروة علمية هائلة، جمعوا فيها أقوال أئمة الإسلام في شتى أنواع العلوم، ومن هذه العلوم علم الفقه؛ حيث ظهر العديد من المؤلفات التي جمعت الفقه، وبينت الأدلة التي استندت إليها مسائله، فقد يكون دليل المسألة من القرآن أو من السنة أو الإجماع، إلى غير ذلك من الأدلة المعتبرة عند أئمتنا، وقد يشهد لأحكام هذه المسائل عدد من الأدلة. • والمتأمل في ما اعتبره الأئمة من الأدلة، يجد أنهم جعلوا القرآن الدليل الأول في الاعتبار، ثم السنة، ثم الإجماع. • ولحرصهم على بيان الإجماع فهم يذكرون المسألة، ثم يذكرون الأدلة التي استندت إليها هذه المسألة، فإن كان دليلها من الإجماع، ذكروا ذلك، سواء كان هذا الإجماع من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، أو ممن جاء بعدهم من الأئمة. • ثم إن نقل الإجماع وحكايته يختلف باختلاف الأئمة في بعض مسائل الفقه، فقد ينص أحدهم على أن هذا القول مجمع عليه، وقد يخالفه آخر فيحكي الخلاف في هذه المسألة بعينها. • ولما كانت مسائل الإجماع كثيرة جدًّا بحيث لا يستطيع باحث أن يجمعها كلها لتكون أطروحته في مرحلة من مراحل التعليم العالي؛ رأيت أن يكون مجال بحثي في أبواب النكاح ليكون عنوان رسالتي: (مسائل الإجماع في النكاح وأبوابه، جمعًا
ثانيا: أهمية الموضوع وأسباب اختياره
ودراسة). • وذلك أن مجموعة من الزملاء تقدموا برسائل تبحث مسائل الإجماع من أول أبواب الفقه إلى ما قبل مجال بحثي، فأردت أن أكمل هذا العقد بجعل مجال بحثي فيما بعد ذلك من مسائل؛ وفقًا للمشروع الذي أعده أعضاء هيئة التدريس بمسار الفقه وأصوله في جمع ودراسة مسائل الإجماع في الفروع الفقهية. ثانيًا (*): أهمية الموضوع وأسباب اختياره: • تظهر أهمية هذا الموضوع من خلال النقاط التالية: 1 - أن الإجماع هو المصدر الثالث من مصادر التشريع المتفق عليها، مما يعنى أهميته ومكانته في الفقه الإسلامي. 2 - أن إظهار مسائل الإجماع التي وقع الاتفاق عليها بين المسلمين يقلل من التعصب المذهبي الذي وقع بين أتباع المذاهب، ويظهر جانبًا من وجوه الاتفاق التي وقعت بينهم؛ فيكون ذلك سببًا للتأليف بين قلوب المسلمين. 3 - كثرة مسائل الإجماع المبثوثة في كتب أئمة المسلمين، وقلة المؤلفات التي جمعت هذه المسائل ودرستها دراسة علمية وافية؛ من أجل ذلك أردت أن أسهم في جمع ودراسة مسائل الإجماع في أبواب النكاح التي هي مجال بحثي. 4 - أن البحث في مسائل النكاح بالنظر في ما أجمع الأئمة كليه من مسائل له أهمية قصوى لدى المسلمين؛ لتعلقه بنواحي حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية. ثالثًا: الدراسات السابقة: • عند الرجوع إلى ما أصدرته المراكز المتخصصة في البحث العلمي من فهارس تشمل ما سجل لديها من موضوعات مثل مؤسسة الملك فيصل الخيرية، ومكتبة الملك فهد الوطنية، وعند النظر في ما أصدرته الجامعات في المملكة من فهارس وما سجل لديها من رسائل علمية، تم الاطلاع على بعض الدراسات التي تحدثت عن الإجماع من حيث العموم. • وكان التأليف في هذه الدراسات وفق منهجين: المنهج الأول: بحوث في إلاجماع من وجهة نظر أصولية، والحديث عن هذا
1 - موسوعة الإجماع، لسعدي أبو جيب
الجانب مبثوث في جميع كتب أصول الفقه القديمة والحديثة. المنهج الثاني: بحوث في الإجماع جمعت بين الجانب الأصولي بإشارات بسيطة، وبين الجوانب الفقهية، إلا أن هذه البحوث لم تكن جامعة لمسائل الإجماع بالصورة التي سيكون عليها هذا البحث، ومن هذه البحوث: 1 - موسوعة الإجماع، لسعدي أبو جيب: • وهذا الكتاب عبارة عن جمع لمسائل الإجماع من خلال فئة يسيرة من المؤلفات، فلم يكن جمعه لمسائل الإجماع إلا من خلال ستة عشر كتابًا فقط (¬1)، ولم يستوعب كتب المذاهب، فلم يذكر أي كتاب من كتب الحنفية سوى "شرح معاني الآثار" للطحاوي، مع قلة الإجماعات الواردة فيه. • ثم إن المؤلف لم يكن له إلا الجمع فقط دون مناقشة أو إبداء رأي في هذه المسائل التي جمعها، والمحافظة على النص الأصلي للعلماء السابقين، كما قال في مقدمته (¬2)، ولم يذكر مستندًا للإجماع، أو ما قد يكون من خلاف لما حكاه في المسائل التي ادُّعِيَ فيها الإجماع، وهذا هو منهجه في كتابه عمومًا، سواء ما كان يتعلق بمسائل الإجماع في أبواب النكاح أو غيرها من الأبواب. 2 - موسوعة الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية، لعبد اللَّه البوصي: • وهذا الكتاب عبارة عن جمع لما حكاه ابن تيمية من إجماعات، دون أي تعليق أو مناقشة، وليس فيه ذكر لمستند الإجماع، أو بيان خلاف لما حكاه من الإجماع. 3 - الإجماع لابن عبد البر، جمعه فؤاد الشلهوب، وعبد الوهاب الشهري: وهو عبارة عن جمع لما حكاه ابن عبد البر من إجماعات من خلال كتابه التمهيد، دون أي تعليق أو نقاش، وهذا الكتاب يقال عنه ما قيل عن الكتابين السابقين. ¬
4 - الإجماع عند الأصوليين دراسة وتطبيقا على المسائل التي حكى فيها ابن قدامة الإجماع والتي نفى علمه بالخلاف من كتاب المغني، من أول كتاب العدد إلى نهاية كتاب الجراح
4 - الإجماع عند الأصوليين دراسة وتطبيقًا على المسائل التي حكى فيها ابن قدامة الإجماع والتي نفى علمه بالخلاف من كتاب المغني، من أول كتاب العدد إلى نهاية كتاب الجراح (¬1): رسالة ماجستير في أصول الفقه، قُدمت في كلية الشريعة بجامعة أم القرى، قدمها الطالب عبد الوهاب بن عايد الأحمدي. ويلاحظ على هذه الرسالة ما يأتي: أ - أنها رسالة في أصول الفقه، إذ بلغت الدراسة الأصولية أكثر من نصف الرسالة، ثم قام الباحث بتطبيق دراسته للإجماع من جانب أصولي على بعض أبواب الفقه من كتاب العدد إلى كتاب الجراح، كما هو واضح من عنوان الرسالة. ب - أن الباحث ذكر في منهجه أنه لن يقوم بدراسة ما ذكره ابن قدامة عن غيره من العلماء من حكايتهم للإجماع، وسيقتصر على ما نص عليه ابن قدامة فقط من مسائل الإجماع. ت - أن هذه الرسالة جمعت مسائل الإجماع من خلال كتاب واحد فقط. 5 - المسائل التي حكى النووي فيها الإجماع في فقه الأسرة: بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء، قدمه الطالب تركي بن عبد العزيز آل الشيخ. ويلاحظ على هذه الرسالة ما يأتي: أ - أنها اقتصرت على ما ذكره النووي من الإجماعات من خلال شرح صحيح مسلم. ب - أن الباحث لا يذكر دليلًا للمخالف إن كانت حكاية الإجماع غير صحيحة. ت - لا يذكر الباحث مراجع لبقية المذاهب إذا كان الإجماع صحيحًا، ويكتفي بقوله: لم أجد مخالفًا على صحة الإجماع. ث - أن هذه الرسالة من خلال كتاب واحد فقط، وهو غير معتمد لدينا، فيما رأت ¬
رابعا: أهداف البحث
اللجنة الخاصة بإعداد هذا المشروع. • أما هذا البحث فيختلف عما سبقه من دراسات؛ حيث سيكون جمعًا ودراسة لمسائل الإجماع في أبواب النكاح، وما يتبع ذلك من أبواب، وذلك من خلال النظر في الكتب المعتمدة -وهي ثلاثون كتابًا، سيأتي ذكرها- لاستقراء مسائل الإجماع في هذه الأبواب. • ويظهر من خلال ما كتب في هذا الموضوع أنه لم يُتطرق للحديث عن الإجماع في أبواب النكاح وما يتبع ذلك من أبواب، حسب ما هو عليه مجال هذا البحث. • وما يتميز به هذا البحث عن غيره من الدراسات السابقة فسيأتي ذكرها في إجراءات الدراسة. رابعًا: أهداف البحث: • تتلخص أهداف البحث فيما يلي: 1 - جمع مسائل الإجماع في أبواب النكاح وما يتبعها من أبواب، ثم دراستها دراسة علمية وافية للخروج بنتائج، من أهمها: معرفة وقوع الإجماع من عدمه في هذه المسائل. 2 - بيان مستند الإجماع في مسائل أبواب البحث، وما مدى سلامته من المخالفة. 3 - رسَخَ عند كثير من الناس أن الفقه ما هو إلا خلافات بين فقهاء الشريعة، فأردت أن أبين من خلال جمع مسائل الإجماع ودراستها، أن هناك جوانب اتفاق كثيرة بين الفقهاء في جميع أبواب الفقه؛ ومن ذلك أبواب النكاح، وما يتبعها من أبواب. 4 - تكوين حصيلة علمية مناسبة، ومعرفة للغة الفقهاء، وذلك بالاطلاع على هذا العدد الوفير من مسائل الإجماع الواردة في كتب الفقه في شتى المذاهب. 5 - تسهيل وصول الباحثين من المتخصصين وغيرهم إلى مواضع الإجماع في الفقه الإسلامي عمومًا، وفي النكاح وأبوابه على وجه الخصوص.
خامسا: أسئلة البحث
خامسًا: أسئلة البحث: • سيجيب البحث بإذن اللَّه تعالى عن عدة أسئلة منها: س - ما هي مسائل الإجماع التي وقع فيها الاتفاق بين العلماء في أبواب النكاح، والصداق، والخلع، والطلاق، والرضاع، والظهار. . . . .؟ س - ما هي جوانب الاتفاق التي وقعت بين الفقهاء في المسائل المتعلقة بالنكاح وأبوابه؟ س - ما هي مصادر البحث في مسائل الإجماع بين الفقهاء؟ س - ما هي الطريقة المناسبة للوصول إلى مواضع الإجماع في كتب العلماء؟ س - ما هو مستند الإجماع في مسائل البحث؟ س - ما مدى سلامة الإجماع في مسائل البحث من المخالفة والانتقاد؟ سادسًا: حدود الدراسة: • سيكون موضوع البحث جمعًا لمسائل الإجماع من أول باب النكاح حتى آخر باب الحضانة، وما يتبع ذلك من بحث لمسائل الإجماع في اللقيط، والعتق، والتدبير، والكتابة، وأمهات الأولاد (¬1)، ثم دراستها للخروج بنتائج في هذا الموضوع، وذلك وفقًا للترتيب الفقهي لدى الحنابلة (¬2)؛ وهي على النحو التالي: النكاح، الصداق، وليمة العرس، عشرة النساء، الخلع، الطلاق، الإيلاء، الظهار، اللعان، الرجعة، العدة، الإحداد، الاستبراء، الرضاع، النفقة، الحضانة. إضافة إلى اللقيط، والعتق، والتدبير، والكتابة، وأمهات الأولاد. • وذلك باستقراء ما ورد من مسائل الإجماع في هذه الأبواب بالنظر في إجماعات الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وإجماعات من جاء بعدهم من التابعين، وأتباع التابعين، وأئمة المذاهب الفقهية وأتباعهم، مما وقع مبثوثًا في كتب الفقه، والتفسير، والشروحات ¬
الحديثية. • وبعد التتبع والاستقراء بلغت مسائل هذا البحث من خلال الكتب المعتمدة التي سيأتي بيانها (539) مسألة. • وقد رأت اللجنة المشكلة من قبل القسم أن يكون استنباط مسائل الإجماع من خلال ثلاثين كتابًا أساسية في جمع ما ذكره أصحابها من إجماعات وما شابهها ودراستها، إضافة لما يستعين به الباحث من مراجع أخرى تعضد الأقوال في الثلاثين كتابًا السابقة؛ وهذه الكتب أذكرها مرتبة حسب وفيات أصحابها، مبتدئًا بذكر الكتب الأساسية، ثم المساعدة: • أولًا: الكتب الأساسية: وهي التي رأت اللجنة اعتمادها مراجع أساسية للبحث: 1 - "الأم" للإمام الشافعي (204 هـ). 2 - "سنن الترمذي" (279 هـ) (¬1). 3 - "تفسير الطبري" (310 هـ) (¬2). 4 - "الإجماع" لابن المنذر (318 هـ) (¬3). 5 - "مراتب الإجماع" لابن حزم (456 هـ) (¬4). 6 - "المحلى" لابن حزم. ¬
7 - "الاستذكار" لابن عبد البر (463 هـ) (¬1). 8 - "شرح السنة" للبغوي (516 هـ) (¬2). 9 - "عارضة الأحوذي" لابن العربي (546 هـ) (¬3). 10 - "الإفصاح" لابن هبيرة (560 هـ) (¬4). 11 - "بدائع الصنائع" للكاساني (587 هـ) (¬5). 12 - "المغني" لابن قدامة (620 هـ) (¬6) 13 - "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (671 هـ) (¬7). 14 - "المجموع" للنووي ¬
(676 هـ) (¬1). 15 - "الذخيرة" للقرافي (684 هـ) (¬2). 16 - "نقد مراتب الإجماع" لابن تيمية (728 هـ) (¬3). 17 - "مجموع الفتاوى" لابن تيمية. 18 - "جامع الرسائل" لابن تيمية. 19 - "مجموع الرسائل والمسائل" لابن تيمية. 20 - "مختصر الفتاوى المصرية" لابن تيمية. 21 - "زاد المعاد" لابن القيم (751 هـ) (¬4). 22 - "إعلام الموقعين" لابن القيم. 23 - "فتح الباري" لابن حجر (852 هـ) (¬5). 24 - "البناية شرح الهداية" للعيني ¬
(855 هـ) (¬1). 25 - "فتح القدير" لابن الهمام (861 هـ) (¬2). 26 - "البحر الرائق" لابن نجيم (970 هـ) (¬3). 27 - "مغني المحتاج" للشربيني (977 هـ) (¬4) 28 - "سبل السلام" للصنعاني (1182 هـ) (¬5). 29 - "نيل الأوطار" للشوكاني (1250 هـ) (¬6) 30 - "حاشية الروض المربع" لابن ¬
قاسم (1392 هـ) (¬1). • ثانيًا: الكتب المساعدة، وهي التي استنبطت من خلالها ما يعضد ما ذكره أصحاب الكتب الثلاثين السابقة من ذكر لمسائل الإجماع: 1 - "اختلاف العلماء" للمروزي (294 هـ) (¬2). 2 - "الإشراف" لابن المنذر (318 هـ). 3 - "شرح معاني الآثار" للطحاوي (321 هـ) (¬3). 4 - "نوادر الفقهاء" للجوهري (350 هـ) (¬4). 5 - "أحكام القرآن" للجصاص (370 هـ) (¬5). 6 - "المعونة" للقاضي عبد الوهاب (422 هـ) (¬6). 7 - "عيون المجالس" للقاضي عبد الوهاب. ¬
8 - "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (449 هـ) (¬1). 9 - "الحاوي" للماوردي (450 هـ) (¬2). 9 - "المبسوط" للسرخسي (490 هـ) (¬3). 10 - "التمهيد" لابن عبد البر (463 هـ). 11 - "مقدمات ابن رشد" الجد (520 هـ) (¬4). 12 - "تحفة الفقهاء" لعلاء الدين السمرقندي (540 هـ) (¬5). 13 - "إكمال المعلم" للقاضي عياض (544 هـ) (¬6). 14 - "أحكام القرآن" لابن العربي (546 هـ). 15 - "البيان" للعمراني (558 هـ) (¬7). ¬
16 - "الهداية" للمرغيناني (593 هـ) (¬1). 17 - "بداية المجتهد" لابن رشد (595 هـ) (¬2). 18 - "الكافي" لابن قدامة (620 هـ). 19 - "العزيز شرح الوجيز" للرافعي (623 هـ) (¬3). 20 - "شرح صحيح مسلم" للنووي (676 هـ). 21 - "روضة الطالبين" للنووي. 22 - "الشرح الكبير" لابن أبي عمر (682 هـ) (¬4). 23 - "الاختيار لتعليل المختار" لابن مودود الموصلي (683 هـ) (¬5). 24 - "الفروق" للقرافي (684 هـ). 25 - "القوانين الفقهية" لابن جزي (741 هـ) (¬6). 26 - "شرح الزركشي على مختصر ¬
الخرقي" للزركشي (772 هـ) (¬1). 27 - "رحمة الأمة" لقاضي صفد (بعد 780 هـ) (¬2). 28 - "العناية على الهداية" للبابرتي (786 هـ) (¬3). 29 - "عمدة القاري" للعيني (855 هـ). 30 - "المبدع" لابن مفلح (884 هـ) (¬4). 31 - "الإنصاف" للمرداوي (885 هـ) (¬5). 32 - "مواهب الجليل" للحطاب (954 هـ) (¬6). ¬
سابعا: منهج البحث
33 - "الميزان" للشعراني (973 هـ) (¬1). 34 - "نهاية المحتاج" للرملي (1004 هـ) (¬2). 35 - "كشاف القناع" للبهوتي (1051 هـ) (¬3). 36 - "حاشية ابن عابدين" (1252 هـ) (¬4). سابعًا: منهج البحث: • سيكون المنهج المتبع أثناء البحث عبارة عن منهجين: المنهج الأول: المنهج الاستقرائي: وذلك من خلال قراءة هذه الكتب -وغيرها مما هو مظنة لمسائل البحث- قراءة متأنية بغرض استقراء المسائل التي ادُّعي فيها الإجماع في مجال البحث، ومن ثم جمعها ودراستها. المنهج الثاني: المنهج الاستنتاجي: وذلك بعد جمع مسائل الإجماع الواردة في مجال البحث، والنظر في أقوال الفقهاء؛ للخروج بنتيجة مهمة يعرف من خلالها حصول الإجماع في كل مسألة على حدة أو عدمه. ثامنًا: إجراءات الدراسة: 1 - استقراء أقوال الفقهاء، وجمعها في مسائل البحث التي حكي فيها الإجماع، أو ¬
الاتفاق، أو عدم الاختلاف، وذلك من خلال النظر في الكتب التي هي مظنة لتلك المسائل. 2 - وضع عنوان للمسألة يناسب ما يذكر تحتها من أقوال العلماء. 3 - شرح مبسط للمسألة لا يتجاوز السطرين أو الثلاثة، أعبر فيه عن المراد بها. 4 - عند ذكر الإجماع أحيل إلى أول من ذكره، ثم ذكر من نقل الإجماع بعده، مع مراعاة الترتيب الزمني في ذلك. 5 - أذكر النص الذي حكي فيه الإجماع، وعند تكراره لعالم واحد في عدة مراجع أكتفي بذكر نص واحد هو أوضحها وأصرحها، وأشير إلى أنه ذكره في كتبه الأخرى دون ذكر لنص قوله؛ إلا إذا كان في النص الآخر زيادة لم ترد في النص الأول. 6 - إذا تكرر النص بلفظ واحد عند أكثر من عالم، فأذكر النص عند أول من ذكره، ثم أشير إلى أن العالم الآخر ذكره بنحوه. 7 - إذا حكى العالِمُ الإجماعَ عن غيره؛ كأن ينقله ابن قدامة عن ابن المنذر، فأكتفي بنص ابن المنذر؛ ثم أقول: ونقله عنه ابن قدامة. 8 - ذكر من وافق حكاية الإجماع من خلال الكتب المعتمدة، والمساعدة. 9 - ذكر من نقد الإجماع من العلماء، أو حكى الخلاف، وذلك بتتبع كتب التفسير، وكتب الآثار عن الصحابة والتابعين، وكتب المذاهب الفقهية؛ للتنبيه على الخلاف إن وجد. 10 - اعتبار خلاف المخالف خرقًا للإجماع إلا في الحالات التالية: أ - خلاف الروافض. ب - خلاف الخوارج. ت - إذا وصف الخلاف بالشذوذ. ث - إذا وصف الخلاف بأنه خرق للإجماع. ج - إذا جاء الخلاف عن عالم متأخر في الزمن عن أول من حكى الإجماع. 11 - الخروج بنتيجة أبين فيها تحقق الإجماع المحكي في المسألة أو عدمه. 12 - اعتبار موافقة ابن حزم وخلافه في المسألة، متى ما وجدتُّ له قولًا، فإن لم
أذكر له موافقة أو خلافًا فهذا يعني أنني تتبعت أقواله فلم أجد له موافقة أو مخالفة. 13 - عند ذكر ألفاظ الإجماع أنظُر: فإن كان أحد العلماء الذين أنقل عنهم المسائل قد نص على إجماع الفقهاء وآخر على الاتفاق، وثالث على نفي الخلاف، فإني أصيغ المسألة بعبارة: "من نقل الإجماع"؛ ولو كان هناك من ذكر أنهم اتفقوا، وآخر نفى الخلاف على اعتبار أن لفظ الإجماع هو أقوى الصِّيَغ دلالة على الإجماع من اللفظين الآخرين. • وإن لم يصرح أحدهم بنقل الإجماع؛ ونقل أحدهم الاتفاق، وآخر نفى الخلاف، فإنني أُعبر بلفظ: "من نقل الاتفاق"؛ ولو كان هناك من عبر بنفي الخلاف على اعتبار أن لفظ الاتفاق أقوى دلالة على الإجماع من نفي الخلاف. • وإن لم يحكِ، أحدهم إجماعًا أو اتفاقًا، بل نفى الخلاف فإنني أُعبر بلفظ: "من نفى الخلاف". 14 - ذكر من وافق حكاية الإجماع دون أن ينص عليه، كأن يذكر بعض علماء المالكية الإجماع، فيوافقهم الآخرون كالحنفية أو الشافعية -مثلًا- على أصل المسألة من دون تنصيص على الإجماع، أو الاتفاق، أو نفي الخلاف، فأشير إلى موافقة الحنفية، والشافعية لحكاية الإجماع، وإن كانوا لم ينصوا عليه. 15 - ذكر أراء الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في موافقتهم لما حُكيَ من إجماع، وخلافهم؛ متى ما وجدت لهم قولًا. 16 - ذكر مستند الإجماع، سواء كان من القرآن والسنة جميعًا، أو من أحدهما، أو من غيرهما. 17 - إذا تبين بعد الدراسة أن حكاية الإجماع غير صحيحة، فإنني أذكر المخالف ودليله. 18 - إذا وردت المسألة في أكثر من باب لسبب ما؛ ذكرتها في الباب الأول، وأحلت عليها. في الأبواب التي تأتي بعده. 19 - ترقيم مسائل الإجماع من خلال البحث؛ وذلك بوضع رقمين، يشير الأول منهما إلى رقم خاص بالمسألة في الفصل، والثاني منهما رقم عام يشير إلى عدد المسائل ضمن فصول الرسالة.
تاسعا: خطة البحث
20 - عزو الآيات الواردة في البحث، وذلك ببيان اسم السورة ورقم الآية؛ هكذا: [البقرة: الآية 233]. 21 - تخريج الأحاديث والآثار الواردة في البحث مع بيان درجة الحديث ما استطعت إلى ذلك سبيلا. 22 - إذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بتخريج الحديث منهما، أو من أحدهما، دون الإشارة إلى من خرَّجه من غيرهما. 23 - إذا لم يكن الحديث في الصحيحين، أو في أحدهما؛ أخرجه من كتب السنن الأخرى، مقدمًا كتب السنن الأربعة على غيرها. 24 - عند تخريج الحديث من الكتب الستة، وسنن الدارمي، وموطأ مالك؛ أذكر اسم الكتاب، واسم الباب، ورقم الحديث، والجزء والصفحة. 25 - وعند تخريج الحديث من سائر كتب السنن الأخرى، أذكر الجزء والصفحة، ورقم الحديث إن وجد. 26 - ترجمة من لم يشتهر من الأعلام، وترك من كان مشهورًا، كالخلفاء الراشدين، والأئمة الأربعة. تاسعًا: خطة البحث: • تشتمل خطة البحث على مقدمة، وتمهيد، وأربعة أبواب، وخاتمة أذكر فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج، وفيما يلي بيان لذلك: • المقدمة: وتشمل التعريف بالموضوع، وأهميته، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة، وأهداف الموضوع، وأسئلة البحث، وحدود الدراسة، ومنهج البحث، وإجراءات البحث، ثم بيان لخطة البحث. التمهيد: وفيه فصلان: الفصل الأول: دراسة مختصرة عن الإجماع: • وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: تعريف الإجماع.
المبحث الثاني: مكانة الإجماع بين الأدلة الشرعية، وأهميته. المبحث الثالث: أنواع الإجماع وحجية كل نوع. المبحث الرابع: حكم منكر الإجماع. المبحث الخامس: شروط الإجماع. المبحث السادس: ألفاظ الإجماع. المبحث السابع: مسائل أصولية في الإجماع. الفصل الثاني: تعريف النكاح، وحقيقته • وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف النكاح. المبحث الثاني: حقيقة النكاح. الباب الأول: مسائل الإجماع في النكاح وفيه عشرة فصول: الفصل الأول: مسائل الإجماع في مشروعية النكاح وحُكْمِه. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في الخطبة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في ألفاظ النكاح وشروطه. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في المحرمات في النكاح. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في الشروط في النكاح. الفصل السادس: مسائل الإجماع في العيوب في النكاح. الفصل السابع: مسائل الإجماع في أنكحة الكفار. الفصل الثامن: مسائل الإجماع في الصداق. الفصل التاسع: مسائل الإجماع في وليمة العرس. الفصل العاشر: مسائل الإجماع في عشرة النساء.
الباب الثاني: مسائل الإجماع في فُرَق النكاح وفيه خمسة فصول: الفصل الأول: مسائل الإجماع في الخلع. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في الطلاق. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في الإيلاء. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في الظهار. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في اللعان. الباب الثالث: مسائل الإجماع في توابع النكاح ولوازمه وفيه ثمانية فصول: الفصل الأول: مسائل الإجماع في الرجعة. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في العدة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في الإحداد. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في الاستبراء. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في الرضاع. الفصل السادس: مسائل الإجماع في النفقات. الفصل السابع: مسائل الإجماع في الحضانة. الفصل الثامن: مسائل الإجماع في اللقيط. الباب الرابع: مسائل الإجماع في العتق وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: مسائل الإجماع في عتق المماليك. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في التدبير. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في الكتابة. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أمهات الأولاد. الخاتمة: أذكر فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج
الفهارس: وتشمل: 1 - فهرس الآيات حسب ترتيب السور، وترتيب الآيات في كل سورة. 2 - فهرس الأحاديث هجائيًّا. 3 - فهرس الآثار هجائيًّا. 4 - فهرس الأعلام هجائيًّا، وحسب اسم الشهرة. 5 - فهرس الأمم والقبائل. 6 - فهرس البلدان. 7 - فهرس الكلمات الغريبة المشروحة. 8 - فهرس الشعر. 9 - فهرس مسائل الإجماع. 10 - فهرس المراجع. 11 - فهرس الموضوعات. • وحذفت جميع الفهارس إلا فهرسي المصادر والمراجع والموضوعات حتى لا يطول الكتاب الصعوبات التي واجهتني في البحث: • واجهتني كثير من الصعوبات أثناء كتابتي لهذه الرسالة، منها: 1 - كثرة ما اشتملت عليه الكتب الثلاثون التي اعتمدتها اللجنة المعدة لهذا المشروع من صفحات، فقد بلغت صفحات هذه الكتب حسب الطبعات التي لديّ: (11786) صفحة، ولم أُدخل في هذا العدد كتب التفسير، والكتب المساعدة الأخرى. 2 - صعوبة البحث عن مستند الإجماع إذا لم يكن منصوصًا عليه. 3 - إذا ذُكر الإجماع عن الصحابة، كان من الصعوبة استقراء كتب الآثار، للبحث عن مخالف لمن حُكي عنه الإجماع، نظرًا لطول هذه الكتب وكثرتها.
4 - إذا لم أجد في المسألة إلا قولًا واحدًا لأحد العلماء في حكايته الإجماع، أو الاتفاق، أو نفي الخلاف، كنت أجد صعوبة في استقراء الكتب المعتمدة، والمساعدة؛ للبحث عن قول يعضد ما ذُكر، فقد يطول البحث فيستمر الساعات الطوال، وربما الأيام. 5 - صعوبة البحث في كتاب المحلى لابن حزم؛ نظرًا لأنه لا يذكر في كتابه جميع المسائل التي ذكرها الجمهور في كتبهم. فكنت أقرأ فيه كثيرًا لعلي أجد وفاقًا له للجمهور أو خلافًا، فلا أجد في كثير من الأحيان شيئًا من ذلك. • وأخيرًا: إن هذه الصعوبات لا ينفك عنها أي بحث من هذا النوع، وعسى أن يكون في ذكر هذه الصعوبات عذر أقدمه لمن قرأ في رسالتي هذه، فرأى القصور فيها. • ثم إنني قد بذلت جهدي حتى يخرج البحث بهذه الصورة المتواضعة، ومن نافلة القول أن أعترف بأن هذا البحث لا يخلو من تقصير ونقصان، لكن عزائي أنني لم أدخر جهدًا في أن أُخرِج هذا البحث بهذه الصورة، ويأبى اللَّه سبحان وتعالى العصمة لكتاب غير كتابه. شكر وتقدير: • أتقدم بالشكر الجزيل لجامعة الملك سعود، ممثلة في قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية، فقد يسر اللَّه سبحان وتعالى لي أن طلبت العلم الشرعي في هذا القسم المبارك منذ مرحلة البكالوريوس، مرورًا بمرحلة الماجستير، وحتى مرحلة الدكتوراه. • وتقف الكلمات عاجزة عن تقديم الشكر والاعتراف بالفضل لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الرحيم يعقوب، المشرف على هذه الرسالة؛ إذ تابع الموضوع بكل إخلاص، فقد غمرني بفضل توجيهه، وصدق إرشاده، وحسن تعامله، ولين جانبه. • كما أتقدم بعظيم الشكر والعرفان لسعادة الدكتور/ عبد اللَّه الناصر، رئيس اللجنة الخاصة بهذا المشروع، الذي استفدت من ملاحظاته، وتوجيهاته أيما استفادة، فجزاه اللَّه خير الجزاء. • كما أشكر سعادة الدكتور/ إبراهيم العروان، المشرف السابق على الرسالة،
الذي بدأت معه مشوار الرسالة، ولم يقدّر اللَّه سبحان وتعالى مواصلة الإشراف مع فضيلته؛ لمّا رأت اللجنة الخاصة بهذا المشروع أن يكون الإشراف لدى عضو واحد قدر الإمكان، يتابع جميع الطلاب المشتغلين بهذا المشروع، فكان وقته مزحومًا؛ بسبب إشرافه على عدد من الرسائل، فجزاه اللَّه خيرًا عما قدم لي من توجيهات في هذه الفترة. • كما أشكر أصحاب السعادة الأساتذة الأفاضل أعضاء لجنة المناقشة، على ما تحملوا من صعوبة في قراءة هذه الرسالة، وتبيين ما فيها من نقص وملحوظات، وإهدائها إليّ. • وفي الختام أسأل اللَّه رب البرية، أن يصلح النية، ويتجاوز عن الخطية، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، والحمد للَّه رب العالمين. * * *
التمهيد
التمهيد وفيه فصلان الفصل الأول: دراسة مختصرة عن الإجماع المبحث الأول: تعريف الإجماع المطلب الأول: تعريف الإجماع في اللغة: • الإجماع: مصدر من الفعل أجمع، يقال: أجمع يجمع إجماعًا، فهو أمر مُجْمَع، ومُجْمَعٌ عليه. • والإجماع لفظ مشترك يراد به في اللغة ثلاثة معانٍ (¬1): الأول: العزم على الشيء، قال ابن فارس (¬2): "أجمعت الأمر إجماعًا، إذا عزمت" (¬3). • يقال: أجمع فلان على السفر؛ إذا عزم عليه، ومنه قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يونس: 71]، أي: من أجمع الأمر وأزمعه إذا نواه وعزم عليه، بحيث لا يخالفه (¬4). وقوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} [يوسف: 15]، أي: من أجمع الأمر وأزمعه، فقد أجمع إخوة يوسف على طرحه في البئر (¬5). وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من لم يجمع الصيام عن الليل فلا صيام له" (¬6). يجمع الصيام أي: إحكام ¬
النية والعزيمة، يقال: أجمعت الرأي وأزمعت بمعنى واحد، فإن من لم ينو الصيام ويعزم عليه من الليل فلا يصح صيامه (¬1). الثاني: الاتفاق، قال الزبيدي (¬2): "الإجماع -أي: إجماع الأمة- الاتفاق، يقال: هذا أمر مجمع عليه، أي: متفق عليه" يقال: أجمع القوم على كذا، أي: اتفقوا عليه (¬3). • والفرق بين المعنى الأول، والمعنى الثاني: أن الأول متصور من واحد، والثاني لا يتصور إلا من اثنين فما فوقهما (¬4)، واتفاق أي طائفة على أمر من الأمور يسمى إجماعًا؛ حتى اتفاق اليهود والنصارى (¬5). الثالث: الضمُّ، قال ابن فارس: "الجيم والميم والعين أصل واحد، يدل على تضام الشيء" (¬6). وقال ابن منظور (¬7): "والإجماع أن تجمع الشيء المتفرِّق، وإذا جعلته جميعًا لم يكد يتفرق، كالرأي المعزوم عليه" (¬8). والفرق بين المعنى الثاني والثالث: أن المعنى الثاني للإجماع يكون في الأمور المعنوية، وأما المعنى الثالث فيكون في الأمور الحسية. ¬
المطلب الثاني: تعريف الإجماع في الاصطلاح
المطلب الثاني: تعريف الإجماع في الاصطلاح: • المتأمل لمباحث الإجماع عند الأصوليين يجد أنهم قد ذكروا تعريفه في اللغة أنه يراد به المعنيان الأول والثاني، ثم يجد أن تعريفاتهم للإجماع كلها تدور في المعنى الثاني للإجماع من حيث اللغة، وعلى هذا أذكر تعريفًا واحدًا لأصولي من كل مذهب فقهي من المذاهب الأربعة: 1 - عرّفه عبد العزيز البخاري (¬1) من الحنفية بأنه: اتفاق المجتهدين من هذه الأمة في عصر من العصور على أمر من الأمور (¬2). 2 - وعرّفه ابن الحاجب (¬3) من المالكية بأنه: اتفاف المجتهدين من هذه الأمة في عصر على أمر (¬4). 3 - وعرّفه الغزالي (¬5) من الشافعية بأنه: اتفاق أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصة على أمر من الأمور الدينية (¬6). 4 - وعرّفه ابن قدامة من الحنابلة بأنه: اتفاق علماء العصر من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- على أمر من أمور الدين (¬7). • ما يلاحظ في هذه التعريفات: 1 - أن جميع التعريفات عبرت عن الإجماع بأنه اتفاق. ¬
شرح التعريف
2 - أن جميع التعريفات جعلت الاتفاق للعلماء المجتهدين، ما عدا الغزالي حيث جعله لكل الأمة. 3 - أن جميع التعريفات اشترطت أن يكون الإجماع إجماع أهل العصر، ما عدا الغزالي فإنه أطلق العبارة، ولم يقيده بعلماء العصر. • واعتُرض على تعريف الغزالي من وجهين (¬1): 1 - أن الإجماع على تعريف الغزالي لا يمكن أن ينعقد إلى يوم القيامة؛ لأن أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- هي جملة من اتبعه إلى يوم القيامة، وأي اتفاق على حكم شرعي في بعض العصور لا يصدق عليه هذا التعريف (¬2). 2 - أنه يلزم من هذا التعريف أنه لو خلا العصر عن مجتهدين، واتفق سائر العوام على حكم شرعي أنه يعد إجماعًا، والأمر ليس كذلك. وعلى هذا يمكن الخروج بتعريف متصور عن الإجماع -وهو تعريف الجمهور- فأقول: الإجماع هو اتفاق مجتهدي أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- في عصر من العصور على أمر ديني. • شرح التعريف (¬3): " اتفاق": الاشتراك في الأقوال، والأفعال، والسكوت، والتقريرات. "مجتهدي": قيد خرج به اتفاق غير المجتهدين من العوام، فلا يعدّ اتفاقهم إجماعًا. "أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-": قيد خرج به اتفاق مجتهدي الأمم السابقة من اليهود والنصارى، فإن اتفاقهم علي أي أمر ديني لا يعد إجماعًا في حقنا. "عصر من العصور": أن يحدث الاتفاق من المجتهدين على حكم الأمر الديني، في ذلك العصر الذي وقعت فيه الحادثة، ومن ثم لا يعتد بخلاف من صار مجتهدًا في عصر الحادثة بعد وقوعها. "أمر ديني": أي: ما يتعلق بالدين، أما ما كان من الاتفاق على أمر دنيوي لا علاقة له بالدين فلا يعد إجماعًا شرعيًّا. ¬
المبحث الثاني: مكانة الإجماع بين الأدلة الشرعية، وأهميته
المبحث الثاني: مكانة الإجماع بين الأدلة الشرعية، وأهميته • الإجماع مصدر من مصادر الأحكام الشرعية يأتي في المرتبة الثانية بعد النصوص الشرعية من القرآن والسنة؛ وكون الإجماع يأتي بعد القرآن والسنة في الاستدلال هو مذهب السلف الصالح. وهذه أدلة تبين هذا القول: 1 - ما ورد في كتاب عمر -رضي اللَّه عنه- إلى شريح القاضي (¬1) حيث قال فيه: "اقض بما في كتاب اللَّه، فإن لم تجد فبما سنّه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإن لم تجد فبما قضى به الصالحون قبلك، فإن جاء أمر ليس في كتاب اللَّه، ولا قضى به نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا قضى به الصالحون، فليجتهد رأيه" (¬2)، وفي رواية: "فبما أجمع عليه الناس" (¬3). 2 - ما ورد عن ابن مسعود (¬4) -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: "إذا حضرك أمر لا تجد منه بُدًّا فاقض بما في كتاب اللَّه، فإن عييت فاقض بسنة نبي اللَّه، فإن عييت فاقض بما قضى به الصالحون" (¬5). • قال ابن تيمية: هذا عمر، وابن مسعود قدما الكتاب، ثم السنة، ثم الإجماع، وهذه آثار ثابتة عنهما، وهذا هو الصواب (¬6). ¬
المبحث الثالث: أنواع الإجماع، وحجية كل نوع
• ومما يبين أهمية الإجماع ومكانته ما يلي: 1 - أن الإجماع القطعي مقدم في الاستدلال على النصوص التي ظاهرها التعارض، لكونه يعتمد في قطعيته على النصوص الشرعية، فإن النصوص الشرعية الخالية من التعارض مقدمة على التي ظاهرها التعارض (¬1). 2 - أن الإجماع دليل يؤكد حكم المسألة، ويكثر أدلتها، فهو دليل ثانٍ مع النص (¬2). 3 - أنه ما من مسألة مجمع عليها، إلا وفيها بيان من الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ولكن قد يخفى النص على بعض الناس، ويعلم الإجماع (¬3). 4 - إذا خالف القاضي مسألة مجتهدًا فيها فلا ينقض قضاؤه، وإن خالف الإجماع نقض قضاؤه (¬4). 5 - يشترك الإجماع مع القرآن والسنة في تكفير (¬5) منكر القطعي منها (¬6). المبحث الثالث: أنواع الإجماع، وحجية كل نوع • قسّم الأصوليون الإجماع إلى أقسام حسب اعتبارات مختلفة (¬7): 1 - باعتبار ذاته: ينقسم إلى إجماع صريح، وإجماع سكوتي. 2 - باعتبار أهله: ينقسم إلى إجماع عامة، وإجماع خاصة. والمراد بإجماع العامة: هو المعلوم من الدين بالضرورة، فإن هذا ينقله عامة المسلمين وخاصتهم. وإجماع الخاصة: ما ينقله الخاصة؛ وهم أهل العلم. 3 - باعتبار عصره: ينقسم إلى إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وإجماع غيرهم. 4 - باعتبار نقله إلينا: "ينقسم إلى إجماع نقل بطريق التواتر، وإجماع نقل بطريق ¬
المطلب الأول: الإجماع الصريح وحجيته
الآحاد. 5 - باعتبار قوته: ينقسم إلى إجماع قطعي، وإجماع ظني، فالقطعي مثل: المعلوم من الدين بالضرورة؛ كَفَرضية الصلاة، والزكاة، ونحو ذلك، والظني: كالإجماع السكوتي الذي غلب على الظن فيه اتفاق الكل. • وسيكون الحديث في هذا المبحث عن النوع الأول فقط (¬1)، والذي يدعو إلى ذلك ما يأتي: أ - أن هذا المبحث ما هو إلا تمهيد للدخول إلى صلب موضوع الرسالة. ب - أن الحديث عن كل نوع من أنواع الإجماع يفضي إلى الإطالة في التمهيد أكثر مما يجب. ت - أن أغلب مسائل الإجماع في هذه الرسالة لا تخرج عن هذين النوعين، فهي إما إجماع صريح وإما إجماع سكوتي. ث - أن هذه الرسالة يغلب عليها الجانب الفقهي أكثر من الجانب الأصولي، فكان لا بد من اختصار الحديث في الجوانب الأصولية. المطلب الأول: الإجماع الصريح وحجيته: • تعريف الإجماع الصريح: هو ما كان اتفاق مجتهدي الأمة عليه نطقًا، بمعنى أن كل واحد من المجتهدين نطق بصريح الحكم في الواقعة، نفيًا أو إثباتًا (¬2). • حجيته: اختلف العلماء في حجية الإجماع الصريح على ثلاثة أقوال: القول الأول: ذهب الجمهور من المسلمين عمومًا من المذاهب الأربعة وغيرها إلى أن إجماع المجتهدين في كل عصر حجة (¬3). ¬
أدلة هذا القول: استدل الجمهور بالقرآن والسنة والمعقول على حجية الإجماع الصريح: • أولًا: الأدلة من القرآن: 1 - قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]. هذه الآية أقوى الأدلة على حجية الإجماع، وقد تمسك بها الإمام الشافعي بعد ما استعرض القرآن ثلاث مرّات للبحث عن دليل على حجية الإجماع (¬1). • وجه الدلالة: توعد اللَّه سبحانه وتعالى من يتبع غير سبيل المؤمنين بالنار، ولو لم يكن محرّمًا لما توعد عليه، وقد حسن الجمع بين اتباع غير سبيل المؤمنين ومشاقة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في التوعد (¬2). 2 - وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]. • وجه الدلالة: وصف اللَّه سبحانه وتعالى الأمة بأنهم عدول، ولمّا كانت أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أمة عدل جعلها اللَّه سبحانه وتعالى. حجة على الأمم كلها في قبول قولها عليهم، كما جعل سبحانه وتعالى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- حجة علينا في قبول قوله؛ فإذا كان قول الأمة حجة على سائر الأمم، كان إجماعهم حجة على آحادهم (¬3). 3 - وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. • وجه الدلالة: بين اللَّه سبحانه وتعالى أن الأمة خير أمة بسبب أمرها بكل معروف، ونهيها عن كل منكر، فعلى هذا فإن الأمة -ممثلة بمجتهديها- إذا أمرت بشيء عرفنا أنه معروف، وإذا نهت عن شيء علمنا أنه منكر، فيكون أمرهم ونهيهم حجة (¬4). 4 - وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]. • وجه الدلالة: نَهْي اللَّه سبحانه وتعالى عن التفرق، فكانت مخالفة الإجماع تفرقًا، فكان منهيًا عنه، ولا ¬
معنى لكون الإجماع حجة سوى النهي عن مخالفته (¬1). 5 - وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]. • وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه وتعالى شرط التنازع في وجوب الرد إلى الكتاب والسنة، فيدل ذلك أنه عند عدم التنازع فالاتفاق على الحكم كاف عن الرجوع إلى الكتاب والسنة، ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى هذا (¬2). • ثانيًا: من السنة النبوية: قال الآمدي (¬3): وهي أقرب الطرق في إثبات كون الإجماع حجة قاطعة (¬4): 1 - عن ابن عمر (¬5) -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه لا يجمع أمتي -أو قال: أمة محمد- على ضلالة، ويد اللَّه على الجماعة، ومن شذ شذ في النار" (¬6). 2 - عن أنس (¬7) -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم" (¬8). ¬
3 - عن أبي مالك الأشعري (¬1) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعًا، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة" (¬2). 4 - عن أبي ذر (¬3) -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اثنان خير من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة، فإن اللَّه لن يجمع أمتي إلا على هدى" (¬4). 5 - عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنهما- قال: إن اللَّه نظر إلى قلوب العباد، فوجد قلب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند اللَّه حسن، وما رأوه سيئًا فهو عند اللَّه سيئ (¬5). • وجه الدلالة مما سبق: يستدل مما سبق من وجهين: الأول: أن هذه الأخبار وإن كانت أخبار آحاد، فإنها تدل بمجموعها ضرورة على تعظيم هذه الأمة، وعصمتها عن الخطأ، وذلك كما علم بالضرورة سخاء حاتم، وشجاعة علي، وفقه الشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهما، وثبتت تلك بأخبار آحاد، إلا أنها نزلت منزلة المتواتر. ¬
الثاني: أن هذه الأحاديث لم تزل مشهورة بين الصحابة -رضي اللَّه عنهم- والتابعين، يتمسكون بها في إثبات الإجماع، ولا يظهر أحد فيها خلافًا حتى جاء من أنكر حجية الإجماع، والعاده جارية باستحالة توافق الأمة في كل العصور -قبل ظهور الخلاف في حجية الإجماع- على الاحتجاج بما لا أصل له في إثبات أصل من أصول الشريعة؛ وهو الإجماع، من غير أن ينبه أحد على فساده وإنكاره (¬1). • ثالثًا: من المعقول: 1 - كانت الأمم السابقة إذا ضلت عن الطريق بعث اللَّه لها نبيًّا يعيدها إلى الصواب، ومحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- آخر الأنبياء، ولا نبي بعده، وأمته معصومة عن الخطأ؛ لتكون عصمتها عوضًا عن بعث نبي (¬2). 2 - ثبت أن نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- آخر الأنبياء، وشريعته قائمة إلى قيام الساعة، فمتى وقعت حوادث ليس فيها نص قاطع من القرآن أو السنة، وأجمعت الأمة على حكمها، ولم يكن إجماعهم حجة، فقد انقطعت الشريعة في بعض الأشياء، فلا تكون شريعة دائمة، فيؤدي إلى الخلف في إخبار الشارع، وذلك محال (¬3). 3 - إذا اتفق الجمع الغفير في كل عصر على حكم قضية، وجزموا به جزمًا قاطعًا، فالعادة تمنع على مثلهم الجزم بحكم لا يستند إلى دليل قاطع، بحيث لا يتنبه أحدهم لوجود خطأ (¬4). 4 - أن أهل كل عصر يُخَطِّئون من خالف الإجماع ممن قبلهم، ولولا اعتبار الإجماع لما خطَّؤوا من خالفه (¬5). القول الثاني: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه، وداود الظاهري (¬6) أن الحجة في إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- دون غيرهم (¬7). ¬
أدلة هذا القول: 1 - أن الإجماع لا يكون إلا عن توقيف، والصحابة -رضي اللَّه عنهم- الذين شهدوا التوقيف (¬1). 2 - سعة أقطار الأرض، وكثرة العدد من المجتهدين وتفرقهم في الأمصار، بحيث لا يمكن ضبط أقوالهم، ومن ادعى ذلك فلا يخفى كذبه (¬2). القول الثالث: ذهب النظّام (¬3) من المعتزلة، والخوارج، والشيعة إلى أن الإجماع ليس حجة (¬4). • قال النظّام: الإجماع كل قول قامت حجته، حتى قول الواحد (¬5). هذا تعريف الإجماع عنده، ويقصد بذلك الجمع بين إنكاره كون اتفاق المجتهدين حجة، وبين موافقته للعلماء في تحريم مخالفة الإجماع (¬6). • أما الخوارج: فكان إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- حجة عندهم قبل حدوث الفرقة بينهم، وأما بعدها فلا حجة في قولهم، بل الحجة في قول طائفة منهم فقط؛ لأن العبرة بقول المؤمنين، ولا مؤمن عندهم إلا من كان على مذهبهم (¬7). ¬
• وأما الشيعة: فالإجماع الذي يكون حجة لديهم هو قول الإمام المعصوم، وانفراد الإمام المعصوم بقول يكون حجة لا تجوز مخالفته، والإمام المعصوم غير موجود الآن، فلا يحدث إجماع أصلًا (¬1). أدلة من يقول: إن الإجماع ليس حجة، وهم النظَّام، والخوارج، والشيعة. • استدلوا على عدم حجية الإجماع بأدلة من القرآن والسنة والمعقول: • أولًا: من القرآن: 1 - قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}. • وجه الدلالة: تدل الآية على أن القرآن نزل مبينًا لكل شيء، وفي هذا دليل على أنه لا حاجة للإجماع فإن الكتاب غير الإجماع (¬2). 2 - وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} [النساء: 59]. • وجه الدلالة: إذا تنازع المسلمون في حكم وجب رده إلى القرآن والسنة فقط، فلا حاجة إلى الإجماع (¬3). 3 - وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]. وقال أيضًا: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]. وقال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32]. إلى غير ذلك من الأدلة التي ورد فيها النهي عن المعاصي. • وجه الدلالة: ما ورد في هذه الآيات وفي غيرها يدل على تصور وقوع المعاصي من هذه الأمة، ومن يتصور منه المعصية لا يكون قوله وفعله موجبًا للقطع (¬4). • ثانيًا: من السنة: 1 - عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل (¬5) -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما أراد أن يبعث معاذًا إلى اليمن قال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ " قال: أقضي بكتاب اللَّه، قال: "فإن لم تجد في كتاب اللَّه؟ " قال: فبسنة رسول اللَّه، قال: "فإن لم تجد في سنة رسول اللَّه، ولا في كتاب اللَّه؟ " قال: أجتهد ¬
رأيي ولا آلو، فضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صدره وقال: "الحمد للَّه الذي وفق رسول رسول اللَّه لما يرضي اللَّه ورسوله" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقر معاذًا لمّا سأله عن الأدلة المعمول بها، وأهمل ذكر الإجماع، ولو كان الإجماع معتبرًا لما أقره على إهماله (¬2). 2 - عن أبي هريرة (¬3) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء" (¬4). • وجه الدلالة: هذا دليل على أنه يجوز خلو العصر ممن تقوم به الحجة (¬5). ثالثًا: من المعقول: أن أُمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أُمة من الأمم، فلا يكون إجماعهم حجة، كغيرهم من الأمم (¬6). • الترجيح: أولًا: مذهب أهل السنة والجماعة القائل بحجية الإجماع الصريح يجب القول به، وعدم النظر لخلاف أهل البدع في القول بأن الإجماع ليس حجة. ثانيًا: يعتبر الإجماع الصريح حجة في كل وقت، ولا يختص ذلك بعصر الصحابة فقط؛ لما يأتي: 1 - أفادت النصوص التي استدل بها الجمهور عصمة الأمة إذا أجمعت على قول، فمتى ثبت إجماع الأمة على قول وجب المصير إليه. 2 - أنه لا يصح حصر الإجماع بعصر الصحابة -رضي اللَّه عنهم- دون غيره من العصور؛ لأن أدلة ¬
المطلب الثاني: الإجماع السكوتي وحجيته
حجية الإجماع جاءت عامة، ولم تأتِ خاصة بعصر دون عصر. 3 - أن هناك عددًا من التابعين كانوا في عصر الصحابة بلغوا رتبة الاجتهاد، وكانت أقوالهم معتبرة مع أقوال الصحابة (¬1). المطلب الثاني: الإجماع السكوتي وحجيته: • الإجماع السكوتي هو: أن يقول بعض المجتهدين قولًا، أو يعمل عملًا في مسألة اجتهادية، قبل استقرار المذاهب، ويسكت باقي المجتهدين عن إبداء الرأي بالموافقة، أو المخالفة، بعد علمهم بهذا الرأي، وقد مضت مدة التأمل والنظر في العادة (¬2). ويدخل فيه الإجماع المبني على الاستقراء، كأن تُستقرأ أقوال العلماء في مسألة، فلا يُعلم فيها خلاف (¬3). • ويلاحظ في هذا التعريف أنه اشتمل على عدد من الشروط التي إن وجدت سمي إجماعًا سكوتيًّا، وإن انتفت فقد انتفت التسمية، وهذه الشروط (¬4): 1 - أن يظهر القول وينتشر حتى لا يخفى. 2 - أن يكون القول أو الفعل صدر في مسألة اجتهادية مما يدخله التكليف، أما غيرها فلا يصدق عليه اسم الإجماع السكوتي، كأن يوصف فلان بأنه أفضل من فلان، ويسكت من سمعه، فإنه لا حاجة إلى الموافقة أو المخالفة. 3 - ألا يصاحب السكوت علامة تدل على الرضا، فإنه بمنزلة الإجماع الصريح عندئذٍ، كأنه قال: رضينا بهذا القول. وكذلك ألا يصاحبه علامة أو قرينة تدل على ¬
المخالفة، فإنه بمنزلة المخالفة الصريحة، والإجماع لا يتحقق مع المخالفة. 4 - أن يكون السكوت قبل استقرار المذاهب؛ لأن الساكت يمكن أن يكون سكوته بناءً على معرفة حكم هذه المسألة في المذهب، فلا حاجة لإبداء الرأي في ذلك؛ كأن يسكت شافعي عن قول لحنفي، وقد يكون الخلاف معلومًا في المذهب. 5 - مضي مدة كافية للتأمل والنظر في حكم الحادثة، حتى ينقطع الاحتمال أن السكوت كان بعد مدة حدث فيها تأمل ونظر في حكم المسألة. • حجية الإجماع السكوتي: اختلف العلماء في حجية الإجماع السكوتي على مذاهب كثيرة، ذكر الزركشي (¬1) أنها ثلاثة عشر مذهبًا (¬2)، والشوكاني اثنا عشر مذهبًا (¬3)، وابن قدامة ثلاثة مذاهب (¬4)، والآمدي أربعة مذاهب (¬5). أذكر منها أشهرها؛ وهي: القول الأول: أن الإجماع السكوتي حجة وإجماع، وهو قول أكثر الحنفية (¬6)، وأكثر المالكية (¬7)، وأكثر الشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والجبائي (¬10) من المعتزلة (¬11). ويمكن أن يوصف هذا القول بأنه قول الجمهور. • أدلة هذا القول: 1 - لو شرط لانعقاد الإجماع التنصيص من كل واحد من العلماء لأدى إلى أن لا ينعقد إجماع أبدًا؛ لتعذر اجتماع أهل العصر على قول يسمع ¬
منهم جميعًا (¬1). 2 - أنه لما كان القول المنتشر مع السكوت من الباقين إجماعًا صحيحًا في مسائل الاعتقاد، كان إجماعًا في الفروع، لمعنى جامع بينهما، وهو أن الحق واحد (¬2). 3 - أن السكوت من بعض المجمعين على حكم شرعي يُعد تقريرًا منهم لهذا الحكم؛ قياسًا على تقرير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المعتد به في الأحكام الشرعية (¬3). 4 - أن التابعين كانوا إذا أشكل عليهم مسألة، فنُقل إليهم قول صحابي منتشر وسكوت الباقين كانوا لا يجوزون العدول عنه، فهو إجماع منهم على أنه حجة (¬4). القول الثاني: أن الإجماع السكوتي ليس حجة ولا إجماعًا. وهو قول عيسى بن أبان (¬5) من الحنفية (¬6)، والإمام الشافعي في الجديد (¬7)، وقال به بعض الشافعية؛ كالجويني (¬8) (¬9)، والغزالي (¬10)، وداود الظاهري، وابنه محمد (¬11). • أدلة هذا القول: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: صلى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي -قال ابن سيرين: سماها أبو هريرة، ولكن نسيت أنا- قال: فصلّى بنا ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى، وخرجت السرعان من أبواب المسجد؛ فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم ¬
أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول؛ يقال له ذو اليدين (¬1)، قال: يا رسول اللَّه، أنسيت، أم قصرت الصلاة؟ قال: "لم أنس، ولم تقصر"، فقال: "أكما يقول ذو اليدين؟ " فقالوا: نعم. فتقدم، فصلى ما ترك، ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه، وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم سلم فيقول: نبئت أن عمران بن حصين (¬2) قال: ثم سلَّم (¬3). • وجه الدلالة: أن السكوت لو كان حجة ما استنطق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الناس بصدق ما يقول ذو اليدين (¬4). 2 - أن السكوت كما يكون للموافقة، فقد يكون للمهابة من إظهار الخلاف، أو أنه لم يجتهد بعد في حكم الواقعة، أو اجتهد ولم يؤده اجتهاده إلى شيء، أو أداه لشيء مخالف، فلم يظهره؛ للتروي، أو أن القائل مجتهد، وكل مجتهد مصيب، ومع هذه الاحتمالات فلا يكون سكوت من سكت مع انتشار قول المجتهد إجماعًا أو حجة (¬5). القول الثالث: أن الإجماع السكوتي حجة، وليس إجماعًا (¬6). وهو قول الكرخي (¬7) من الحنفية (¬8)، . . . . . . . ¬
المبحث الرابع: حكم منكر الإجماع
وأبو هاشم (¬1) (¬2)، واختاره الآمدي (¬3). • أدلة هذا القول: 1 - معتمد أصحاب هذا القول: ما قاله الإمام الشافعي: لا ينسب لساكت قول (¬4). 2 - قد ينكر الساكت، لكن لم ينقل قوله، فحمله على الرضا تحكم بلا دليل (¬5). • الترجيح: يترجح القول بمذهب الجمهور أن الإجماع السكوتي حجة وإجماع، ولكنه دون حجية الإجماع الصريح، فتكون حجيته ظنية إذا غلب على الظن موافقة الجميع، وعدم العلم بالمخالف. المبحث الرابع: حكم منكر الإجماع • الإجماع أصل عظيم من أصول الدين، لا تجوز مخالفته إذا قامت الحجة على ثبوته. • قال القاضي أبو يعلى (¬6): "الإجماع حجة مقطوع عليها، يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجتمع الأمة على خطأ" (¬7). • وقال ابن حزم: "الإجماع قاعدة من قواعد الملة الحنيفية، يُرجع إليه، ويُفزع نحوه، ويكفر من خالفه إذا قامت عليه الحجة بأنه إجماع" (¬8). • وما ذكره ابن حزم من تكفير المخالف للإجماع لم يوافق عليه مطلقًا، بل فصّل العلماء في ذلك؛ فقال ابن تيمية: لعل ابن حزم لم يبلغه الخلاف في ذلك، مع أن ¬
الخلاف مشهور، والنظّام نفسه المخالف في كون الإجماع حجة، لا يكفره ابن حزم، والناس أيضًا (¬1). • وفرّق الأئمة بين الإجماع السكوتي، والإجماع الصريح، فقالوا (¬2): أما منكر الإجماع السكوتي فلا يكفر؛ لأن ما ثبت من الحكم عن طريق هذا النوع من الإجماع هو مظنون. • وأما الإجماع القطعي فقد وقع الخلاف فيه على أقوال: الأول: لا يكفر منكر حكم الإجماع القطعي. الثاني: يكفر. الثالث: لا يكفر أحد بإنكار الإجماع إلا ما علم من الدين بالضرورة، كالصلوات الخمس، والأركان الخمسة، والتوحيد، ورسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونحوها، وما ليس كذلك فلا يكفر منكره. • سبب الخلاف: سبب الخلاف في تكفير منكر الإجماع هو أن الإجماع ظني أو قطعي، فمن قال: إنه ظني، قال: لا يكفر. • ودليله: أن الآيات والأحاديث الدالة على الإجماع لا تفيد إلا الظن، وما استند إلى الظن أولى أن يكون ظنيًّا (¬3). • ومن قال: إن الإجماع قطعي، ومنكر القطعي كافر، فإن ما استند إليه الإجماع من الآيات والأحاديث الدالة على الإجماع قطعية، وما استند إلى القطعي فهو قطعي، فإذا استُقْرِئت الأدلة استقراءً تامًّا اجتمع منها الدليل القاطع على أن الإجماع حجة؛ لكن استقراءها الاستقراء التام بحيث لا يشذ منها شيء متعذر (¬4). * * * ¬
المبحث الخامس: شروط الإجماع
المبحث الخامس: شروط الإجماع • ذكر العلماء شروطًا كثيرة في الإجماع والمجمعين، أذكر أهمها مجملة، ثم أفصل القول فيها: 1 - أن يكون الإجماع عن مستند. 2 - أن يكون المجمعون من أهل الاجتهاد. 3 - أن يصدر الإجماع من جميع مجتهدي العصر. 4 - اعتبار انقراض العصر في تحقق الإجماع. 5 - عدالة المجمعين. • الشرط الأول: أن يكون الإجماع عن مستند: • مستند الإجماع: هو الدليل الذي يستند إليه المجمعون في إجماعهم، من كتاب أو سنة، أو قياس (¬1). • قال الشيرازي (¬2): (اعلم أن الإجماع لا ينعقد إلا عن دليل، فإذا رأيت إجماعهم على حكم، علمنا أن هناك دليلًا جَمَعهم، سواء عرفنا ذلك الدليل، أو لم نعرفه" (¬3). • وقال الآمدي: (اتفق الكل على أن الأمة لا تجتمع على الحكم إلا عن مأخذ ¬
الأدلة على وجوب أن يكون للإجماع مستند
ومستند يوجب اجتماعها، خلافًا لطائفة شاذة" (¬1). • وقال ابن تيمية: (لا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكن قد يخفى على بعض الناس، ويعلم الإجماع" (¬2). • الأدلة على وجوب أن يكون للإجماع مستند: 1 - أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ليسوا بآكد حالًا من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعلوم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يقول ولا يحكم إلا عن وحي، فالأمة أولى أن لا تقول إلا عن دليل (¬3). 2 - لو جاز للمجمعين كلهم أن يحكموا من غير مستند، لجاز لكل واحد منهم، فإن الإجماع لا يكون إلا بحكم كل واحد منهم، وحين لم يجز لآحادهم، لم يجز لجماعتهم (¬4). 3 - أن القول في الدين من غير دلالة ولا أمارة خطأ، فلو اتفقوا على الحكم من غير مستند، كانوا مجمعين على خطأ، وهذا محال (¬5). 4 - أن أهل الإجماع ليس لهم الاستقلال بإثبات الأحكام، وإنما يثبتونها بالنظر إلى مآخذها وأدلتها، ولو قالوا بالحكم من غير مستند، لاقتضى ذلك أن يثبتوا شرعًا مستأنفًا بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو باطل (¬6). الشرط الثاني: أن يكون المجمعون من أهل الاجتهاد: المعتبر قوله في الإجماع من كان من أهل الاجتهاد، ولا يشترط أن يكون مجتهدًا مطلقًا، بل يكفي أن يكون له أثر في ذلك العلم (¬7). • يقول الرازي (¬8): (المعتبر بالإجماع في كل فن: أهل الاجتهاد في ذلك الفن، ¬
وإن لم يكونوا من أهل الاجتهاد في غيره" (¬1). وقال ابن قدامة: (ولا اختلاف في اعتبار علماء العصر من أهل الاجتهاد في الإجماع" (¬2). وقال أيضًا: (ومن لا يعرف من العلم ما لا أثر له في معرفة الحكم -كأهل الكلام واللغة والنحو ودقائق الحساب- فهو كالعامي لا يعتد بخلافه" (¬3). الشرط الثالث: أن يصدر الإجماع من جميع مجتهدي العصر: معنى هذا الشرط: أنه إذا خالف الإجماعَ واحدٌ أو اثنان من علماء ذلك العصر الذي وقع فيه حكم الحادثة؛ فهل يعد خلافه خرقًا للإجماع؟ خلاف على قولين: القول الأول: ذهب الجمهور إلى أن الأقل إن خالف فإن قول الباقين لا يعد إجماعًا (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - أن العصمة إنما ثبتت للأمة بكليتها، وإذا قال الأكثر بقول وخالفهم الواحد أو الاثنان فليس بقول الجميع، بل هو مختلف فيه (¬5). 2 - أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- قد أجمعوا على تجويز مخالفة الآحاد منهم؛ فانفرد ابن مسعود بخمس في الفرائض، وابن عباس بمثلها، فسوغوا لهما الخلاف، ولو كان العبرة في الإجماع بقول الأكثر لما ساغ خلافهم (¬6). القول الثاني: أن العبرة في الإجماع هو قول الأكثر، في رواية عن الإمام أحمد (¬7)، وهو قول محمد بن جرير الطبري (¬8)، والجصاص من الحنفية (¬9)، وابن خويز ¬
منداد (¬1) من المالكية (¬2)، وأبي الحسين الخياط (¬3) من المعتزلة (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - أن مخالفة الواحد شذوذ، وقد ورد النهي عن الشذوذ (¬5) بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عليكم بالسواد الأعظم"، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يد اللَّه مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار" (¬6). 2 - أن لفظ "المؤمنين"، و"الأمة"، الواردين في الأحاديث الدالة على عصمة الأُمة يراد بهما ما يصدق عليه الأكثر منهم، كما يقال: بنو تميم يحمون الجار، ويكرمون الضيف، والمراد به أكثرهم لا كلهم (¬7). 3 - أن الأمة اعتمدت الإجماع على خلافة أبي بكر -رضي اللَّه عنه- لمّا اتفق عليه الأكثرون، وإن خالف في ذلك آحاد من الصحابة على خلافته (¬8). • الترجيح: يترجح لدي القول بأن خلاف الواحد أو الاثنين يعد خرقًا للإجماع، لما ثبت من خلاف أحد الصحابة لقول عامتهم، واعتبار خلافه من قِبَلِهم. • ويجب التنبيه إلى أن قول الأكثر أولى بالإتباع إذا انتفى الإجماع في حكم المسألة؛ وذلك إذا لم يظهر الحق مع الأقل. الشرط الرابع: اعتبار انقراض العصر في تحقق الإجماع: إذا أجمع المجتهدون على حكم مسألة، فهل يشترط أن يبقى رأيهم واحدًا لا يختلف ما دام القائل بهذا القول حيًّا، وإذا رجع عن قوله، فهل رجوعه خرق للإجماع؟ خلاف على أقوال، أذكر منها ¬
ثلاثة لأهميتها: القول الأول: لا يشترط انقراض عصر المجمعين في تحقق الإجماع؛ فلو وقع الإجماع ولو لحظة واحدة فقد تحقق. وهو قول الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والأصح عند الإمام الشافعي، وقول كثير من الشافعية (¬3)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - أنه لا يجوز رجوع المجتهد فيما أجمع عليه، فيكون قوله حجة عليه، كما لا يصح أن يخالف النص (¬5). 2 - أن الحكم الثابت بالإجماع كالحكم الثابت بالنص، وكما أن الحكم الثابت بالنص لا يختص بوقت دون وقت، فكذلك الحكم الثابت بالإجماع (¬6). 3 - لو شرط انقراض العصر لم يتصور وقوع إجماع أبدًا؛ فإن بعض التابعين قد زاحم الصحابة في الفتوى، وهكذا بعض تابعي التابعين زاحم بعض التابعين، فالقول به يؤدي إلى سد باب الإجماع، وهذا باطل (¬7). القول الثاني: أنه يشترط انقراض العصر، فإذا أجمع المجتهدون على حكم واقعة، ثم رجع أحدهم عن قوله فقد انحل الإجماع، وهو أحد قولي الإمام الشافعي (¬8)، وقول الإمام أحمد في رواية عنه (¬9)، وأبي بكر بن فورك (¬10) (¬11). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]. • وجه الدلالة: جعل اللَّه سبحانه وتعالى الأمة ¬
شهداء على غيرهم من الأمم، ولم يجعلهم شهداء على أنفسهم، فيجوز الرجوع عن القول إذا اعتقد الصواب في غيره (¬1). 2 - عن السائب بن يزيد (¬2) -رضي اللَّه عنه- قال: كنا نُؤتى بالشارب على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإمرة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين (¬3). • وجلد عليٌّ في خلافة عثمان أربعين فقال: جلد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكُلٌّ سُنّة، وهذا أحب إليّ (¬4). 3 - ما ورد عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه قال: اتفق رأيي ورأي عمر على ألا تباع أمهات الأولاد، والآن قد رأيت بيعهن (¬5). • وجه الدلالة من الأثرين: أن عليًّا قد أظهر الخلاف بعد الوفاق؛ فقد خالف في حد الخمر، وفي بيع أمهات الأولاد، ولو كان الخلاف غير جائز لكونه مسبوقًا بالإجماع، لما خالف علي -رضي اللَّه عنه- (¬6). القول الثالث: أن انقراض العصر شرط في الإجماع السكوتي دون غيره (¬7)، وهو اختيار الآمدي (¬8). • دليل هذا القول: أن الساكت عن موافقة المجتهد في قوله قد يكون عن عدم ¬
دليل، فإذا وجد الدليل، فإنه يسوغ له الخلاف؛ لمعرفته بالدليل الذي كان قد خفي عليه (¬1). الشرط الخامس: عدالة المجمعين: العدالة (¬2) في المجتهد شرط في قبول قوله في الإجماع، والفسق ضد العدل، وهو على قسمين (¬3): الأول: فسق بسبب الاعتقاد: كالرافضي، والخارجي، ونحوهم. الثاني: فسق بسبب الفعل: كالزاني، والسارق، وشارب الخمر، ونحوهم. • قبل معرفة خلاف الفقهاء في خلاف الفاسق لا بد من بيان أن المجتهد إذا كان صاحب بدعة؛ فإن كُفِّر ببدعته، فلا يعتبر خلافه، سواء علم هو بكفر نفسه أم لم يعلم (¬4). قال الآمدي: بلا خلاف (¬5). • أما الفاسق الذي لم يكفر بفسقه، فقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال: القول الأول: لا يُعدّ خلاف الفاسق بالاعتقاد أو بالفعل مؤثرًا في الإجماع فلا يعتد بخلافه. وهو قول أكثر العلماء، فقد قال به الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، وبعض الشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). ¬
• أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]. • وجه الدلالة: أمرنا اللَّه سبحانه وتعالى أن نتثبت ونتبين في خبر الفاسق؛ لأن من أقدم على فعل المفسقات لا يؤمن من الكذب (¬1). 2 - قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]. • وجه الدلالة: الوسط في اللغة: العدل، فلمّا لم يكن أهل الفسق والضلال بهذه الصفة، لم يجز أن يكونوا من الشهداء على الناس، فلا يعتد بهم في الإجماع (¬2). 3 - قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]. • وجه الدلالة: لمّا كان سبيل الفاسق غير سبيل المؤمنين، لم يجز أن يكون سبيلهم مأمورًا باتباعه (¬3). 4 - أن الفاسق لا تقبل روايته ولا شهادته، فرجب ألا يقبل قوله في الإجماع (¬4). 5 - أن الفاسق يجوز عليه أن يعصي فيما يعتد به من الإجماع كما يجوز أن يعصي في غيره، فلا يعتد بخلافه (¬5). القول الثاني: الاعتداد بخلاف الفاسق، وأن الإجماع لا ينعقد بدونه، وهو اختيار ابن الحاجب من المالكية (¬6)، والشيرازي (¬7)، والجويني (¬8)، والغزالي (¬9)، وابن السبكي (¬10)، والآمدي (¬11)، من الشافعية، وأبي الخطاب (¬12) من الحنابلة (¬13). ¬
• أدلة هذا القول: 1 - أن المجتهد الفاسق من أهل الحل والعقد، وهو داخل في مفهوم لفظ "المؤمنين" في قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115]، وفي لفظ "الأمة" في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" (¬1)، المشهود لهم بالعصمة (¬2). 2 - أن فسق الفاسق غير مخل بأهليته في الاجتهاد، والظاهر من حاله الصدق فيما يخبر به عن اجتهاده، كإخبار غيره من المجتهدين (¬3). القول الثالث: أنه إذا أظهر خلافه يُسأل عن دليله، فإن كان صالحًا اعتبر خلافه، وإن كان دليله غير صالح فلا يعتبر خلافه، وينعقد الإجماع بدونه. وهذا اختيار السمعاني (¬4) من الشافعية (¬5). • دليل هذا القول: قد يحمل الفسقُ صاحبَه على اعتقاد شرع من غير دليل، فإذا أظهر من استدلاله ما يصلح أن يكون دليلًا فإن الإجماع لا ينعقد بدونه ولو كان فاسقًا، فإن كان دليله غير صالح للاستدلال فلا يعتبر خلافه، ولا ينخرم الإجماع بخلافه (¬6). • الترجيح: 1 - يجب التفريق بين من كان فسقه بسبب بدعته، كالخارجي، والرافضي، فهؤلاء لا يعتد بخلافهم مع أهل السنة والجماعة. 2 - أما من كان فسقه بسبب معصية لا توصله لدرجة الابتداع، فهذا من الأمة، ومن المؤمنين الذين جاءت بذكرهم النصوص، فيجب أن يعتبر قوله، فإن كان موافقًا تحقق بقوله الإجماع، وإن خالف فلا ينعقد الإجماع بدونه. * * * ¬
المبحث السادس: ألفاظ الإجماع
المبحث السادس: ألفاظ الإجماع • للإجماع ألفاظ عدة، عبر العلماء بها للدلالة عليه، ويمكن ترتيب هذه الألفاظ حسب قوتها من حيث الدلالة على الإجماع إلى أقسام (¬1): القسم الأول: ما كان صريحًا في حكاية الإجماع من مادة الفعل "أجمع" (¬2) وما تصرف منه، مثل: أجمع العلماء، أجمعوا، إجماع، الإجماع، بالإجماع، أجمعت الأمة، أجمع أهل العلم، أجمع المسلمون، بإجماع بين أهل العلم، إجماعهم، مجمع عليه، مجمعون عليه. • فهذه العبارات تدل صراحة على الإجماع، ما لم تأتِ قرينة تصرفه من الإجماع العام إلى الإجماع الخاص بمذهب، أو ببلد، أو إجماع أشخاص معينين؛ كأن يقال: إجماع أهل المدينة، أو إجماع أهل الكوفة، أو أجمع الخلفاء الأربعة، أو أجمع علماء مذهب ما. القسم الثاني: التعبير بلفظ الاتفاق، وما تصرف منه من الألفاظ، مثل: اتفق العلماء، اتفق أهل العلم، اتفقوا، بالاتفاق، متفق عليه، باتفاق بين العلماء، باتفاقهم، ونحو ذلك. القسم الثالث: التعبير بنفي الخلاف، وهذا التعبير يأتي في المرتبة الثالثة بعد عبارة الإجماع، والاتفاق، مثل: لم أجد فيه خلافًا، من دون خلاف بينهم، لم يسمع في ذلك خلاف، لم يقل عن أحد خلاف في ذلك، ونحو ذلك من الألفاظ. القسم الرابع: التعبير بنفي النزاع، ومن ألفاظه: لا نزاع فيه، لم أجد فيه نزاعًا، لم ينازع فيه أحد، من دون منازع. والتعبير بهذه الألفاظ قليل جدًّا، ومع ذلك إن وجدت شيئًا منه فإنني أذكره. • ومن خلال جمع مسائل هذه الرسالة اتضح لي ما يلي: أولًا: أن من العلماء من عبر بلفظ الإجماع تارة، وبلفظ الاتفاق في المسألة نفسها تارة أخرى. ¬
ثانيًا: أن من العلماء من عبر بلفظ الإجماع تارة، وبنفي الخلاف تارة أخرى في المسألة ذاتها. ثالثًا: أن من العلماء من عبر بلفظ الاتفاق تارة، وبنفي الخلاف تارة أخرى في المسألة بعينها. رابعًا: أن من العلماء من حكى في بعض المسائل إجماع العلماء نقلًا عن عالم سبقه، وعند الرجوع إلى ما ذكره ذلك العالم المنقول عنه، يتبين أن ذلك العالم حكى الاتفاق أو نفى الخلاف. • وفي هذا دليل على أن هناك من العلماء من لم يفرق بين هذه الألفاظ في الدلالة على الإجماع. • وهذه أمثلة على ذلك: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمع أهل العلم على أن للزوجة نفقتها، وكسوتها بالمعروف) (¬1). وقال أيضًا: (وقد اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات إذا كانوا جميعًا بالغين، إلا الناشز منهن الممتنعة، فنفقة الزوجة ثابتة في الكتاب والسنة والاتفاق" (¬2). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (أما امتناع الصلاة، والصوم، والطواف، والوطء في حال الحيض، فإجماع متيقن مقطوع به، ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام فيه" (¬3). وقال في مراتب الإجماع: (واتفقوا على أن الحائض لا تصلي، ولا تصوم، أيام حيضها، ولا يطؤها زوجها" (¬4). • وقال أيضًا: (اتفقوا أن نكاح أكثر من أربع زوجات لا يحل لأحد بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬5). وقال أيضًا: (لم يختلف في أنه لا يحل لأحد زواج أكثر من أربع نسوة أحد من أهل الإسلام" (¬6). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (أجمع هؤلاء الفقهاء أنه لا يحرم على الزاني نكاح المرأة التي زنى بها إذا استبرأها" (¬7). وقال أيضًا: (وقد اتفق هؤلاء الفقهاء كلهم ¬
على أنه لو زنى بها جاز له أن يتزوجها" (¬1). وقال أيضًا: (وأجمع العلماء على أنه إذا طلقها في طهر مسها فيه، لم يجبر على رجعتها" (¬2). • وقال أيضًا: (لم يختلف العلماء كلهم أن الرجل إذا طلق في طهر قد مس فيه، أنه لا يجبر على الرجعة" (¬3). وقال أيضًا: (لم يختلفوا أنها إذا انقضت عدتها لم يجبر على رجعتها" (¬4). 4 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: (فإن نكاح الأمة في حال طول الحرة في حق العبد جائز بالإجماع" (¬5). وقال أيضًا: (ولا خلاف في أن طول الحرة لا يمنع العبد من نكاح الأمة" (¬6). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا خلاف بينهم في أن المطلقة ثلاثًا بعد الدخول لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (¬7). ثم أخذ يذكر الأدلة من السنة على ذلك، ثم قال: "وفي إجماع أهل العلم على هذا غنية عن الإطالة فيه" (¬8). وقال أيضًا في وجوب العدة والصداق بمجرد الخلوة بالمرأة المعقود عليها: (عن عمر، وعلي، وعن سعيد بن المسيب، وعن زيد بن ثابت: عليها العدة، ولها الصداق كاملًا، وهذه قضايا تشتهر، ولم يخالفهم أحد في عصرهم، فكان إجماعًا" (¬9). والتعبير بالإجماع عن الصحابة عند عدم العلم بالمخالف منهم كثير عند ابن قدامة وغيره. 6 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: (أجمع المسلمون أن من لم يخف القسط في اليتامى، له أن ينكح أكثر من واحدة، اثنتين أو ثلاثا، أو أربعًا" (¬10). وقال أيضًا: (وقد اتفق الجميع على أن للحر أن يتزوج أربعًا وإن خاف ألا يعدل" (¬11). • وقال أيضًا: (ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز نكاح مجوسية، ولا وثنية" (¬12). وقال أيضًا: (وأما المجوس: فالعلماء مجمعون على أن ذبائحهم لا تؤكل، ولا يتزوج منهم" (¬13). ¬
7 - القرافي (684 هـ) حيث قال: (قال ابن حزم في كتاب الإجماع: وأجمعت الأمة على أنه لا يجوز عتق غير بني آدم من الحيوان" (¬1). بينما قال ابن حزم: (واتفقوا أن عتق حيوان غير بني آدم لا يجوز" (¬2). 8 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (فإن طلقها وهي حائض، أو وطئها وطلقها بعد الوطء قبل أن يتبين حملها، فهذا طلاق محرّم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين" (¬3). وقال في موضع آخر: (إذا طلقها في الحيض ولم تكن سألته الطلاق، فإن هذا الطلاق حرام باتفاق المسلمين" (¬4). 9 - العيني (855 هـ) حيث قال: (حرمة الجمع بين الأختين، بلا خلاف" (¬5). وقال أيضًا: (ثبتت الحرمة في الجمع نصًّا وإجماعًا" (¬6). 10 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: (قال الإمام الشافعي رحمه اللَّه في الأم: لا نعلم خلافًا في وجوب دخول المرفقين في الوضوء، وهذا منه حكاية للإجماع" (¬7). 11 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: (قال ابن المنذر: نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة، والإجماع" (¬8). بينما قال ابن المنذر: (نفقة الزوجة واجبة بالكتاب، والسنة، والاتفاق" (¬9). على أن من العلماء من فرّق بين لفظ "الإجماع"، ولفظ "الاتفاق"، فعبر بلفظ "الإجماع" عن اتفاق أهل العلم في شتى المذاهب، وبلفظ "الاتفاق" عن اتفاق علماء المذهب خاصة. • ومن العلماء من لم يرَ أن نفي الخلاف يدل على الإجماع، ومن هؤلاء العلماء: أولًا: من فرّق بين لفظ الإجماع، ولفظ الاتفاق: 1 - العيني (855 هـ) حيث قال: (فيه نظر؛ لأنهم قالوا بالاتفاق دون الإجماع، فهذا القائل لم يعرف الفرق بين الاتفاق والإجماع" (¬10). ¬
المبحث السابع: مسائل أصولية في الإجماع
2 - الحطاب (954 هـ)، حيث قال: (والمراد بالاتفاق اتفاق أهل المذهب, وبالإجماع إجماع العلماء) (¬1). ثانيًا: من رأى أن نفي الخلاف لا يدل على الإجماع: • وهذا القول منسوب للإمام الشافعي في أحد القولين, وللصيرفي (¬2) من الشافعية (¬3)، وللإمام أحمد في إحدى الروايتين (¬4). المبحث السابع: مسائل أصولية في الإجماع المسألة الأولى: الإجماع على أحد القولين, هل يرفع الخلاف المتقدم؟ • إذا اختلف مجتهدو عصر من العصور في مسألة, واستقر الخلاف بعد النظر والاجتهاد, وانقرض علماء ذلك العصر, وجاء مجتهدو العصر التالي, فهل لهم أن يجمعوا على أحد القولين المنقولين عن علماء العصر الذي سبقهم, فيرتفع الخلاف, وتصبح المسألة محل إجماع, أم أن المسألة تبقى خلافية أبدا؟ • اختلف الأصوليون في هذه المسألة على قولين: القول الأول: ذهب الإمام أبو حنيفة على خلاف في نقل قوله (¬5)، والمالكية في قول (¬6)، وإليه مال الإمام الشافعي (¬7)، والغزالي (¬8)، وإمام الحرمين (¬9)، والشيرازي من الشافعية (¬10)، بل هو قول أكثر الشافعية كما يقول الشيرازي (¬11)، والإمام أحمد, والقاضي أبي يعلى, وابن ¬
تيمية (¬1)، والأشعري (¬2)، وهو قول الجمهور (¬3)، واختاره الآمدي (¬4)، إلى عدم وقوع الإجماع، بل تبقى المسألة خلافية. • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]. • وجه الدلالة: أن هذا حكم قد وقع فيه النزاع في العصر الأول، فوجب أن يُرد إلى كتاب اللَّه وسنة رسوله، وعلى القول الآخر يلزم رده إلى إجماع المجتهدين (¬5). 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم" (¬6). • وجه الدلالة: ظاهر هذا الحديث يقتضي الرد إلى كل واحد من الصحابة بكل حال، مع الإجماع على قول بعضهم، ومع الاختلاف (¬7). 3 - أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لما اختلفوا على قولين، فقد أجمعوا على تسويغ الخلاف في ¬
المسألة، والأخذ بكل واحد من القولين، فلو أجمع من جاء بعدهم على الأخذ بأحد القولين، لأدى ذلك إلى تعارض الإجماعين، وهو ممتنع (¬1). 4 - أن موت المختلفين لا يسقط مذاهبهم، فهم من الأمة، وقولهم معتبر في حق من يأتي بعدهم، فإن "المذاهب لا تموت بموت أربابها" وهي من عبارات الشافعي الرشيقة، كما يقول الجويني (¬2). 5 - أن الإجماع على أحد القولين من مجتهدي العصر التالي فيه تخطئة لمجتهدي العصر الأول فيما ذهبوا إليه، ويستحيل أن يجتمع الحق والمنع في أحد القولين (¬3). القول الثاني: ذهب الحنفية (¬4)، والمالكية في قول (¬5)، والصيرفي، والرازي من الشافعية (¬6)، وأبو الخطاب من الحنابلة (¬7)، والمعتزلة (¬8)، إلى جواز ذلك، وأن الإجماع ينعقد، فلا تجوز مخالفته. • أدلة هذا القول: قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]. • وجه الدلالة: أنه إجماع حدث بعد أن لم يكن، فيكون حجة، كما لو حدث بعد تردد أهل الإجماع فيه حال التدبر والتأمل (¬9). 2 - أن القول الثاني قد صار قول كل الأمة؛ لأن أهل العصر الثاني صاروا كل الأمة، والحق لا يتعداهم، فيتعين أن قولهم هو الحق، وما عداه باطل (¬10). • الترجيح: يترجح لدي قول الجمهور في أن الإجماع على أحد القولين لا يرفع الخلاف المتقدم، وذلك لما يأتي: 1 - أن قول ناقل الإجماع مقابل بنقل من يثبت الخلاف، وناقل الإجماع نافٍ ¬
المسألة الثانية: إذا أدرك التابعي عصر الصحابة، وكان من أهل الاجتهاد، فهل يعتد بخلافه؟
للخلاف، والآخر مثبت له، والمثبت مقدم على النافي (¬1). 2 - إذا كان ناقل الخلاف يمكن أن يكون غلط فيما ذكره من الخلاف، إما لضعف إسناد، أو لعدم دلالة، فإن غلط الذي حكى الإجماع أولى، فإنه قد يكون في المسألة أقوال لم تبلغه، أو بلغته وظن ضعف أسانيدها، وقد ثبتت عند غيره، فما يجوز على المثبت للخلاف يجوز على النافي له، مع زيادة أنه لم يعلم بالمخالف (¬2). 3 - أن عدم علم الذي حكى الإجماع بالخلاف ليس علمًا بعدم الخلاف، لا سيما في أقوال علماء أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- التي لا يحصيها إلا رب العالمين (¬3). المسألة الثانية: إذا أدرك التابعي عصر الصحابة، وكان من أهل الاجتهاد، فهل يعتد بخلافه؟ • اختلف الأصوليون في هذه المسألة على قولين: القول الأول: لا ينعقد إجماع الصحابة إذا خالفهم التابعي، إن كان من أهل الاجتهاد، وقال بهذا: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، وبعض الشافعية (¬6)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬7)، قال ابن قدامة: وهي أظهر القولين (¬8)، واختاره أبو الخطاب الكلوذاني (¬9)، وابن عقيل (¬10) (¬11). ¬
• أدلة هذا القول: 1 - أن هذا المخالف من التابعين تناولته النصوص، بكونه من المؤمنين، وبكونه من الأمة، فكان قوله مؤثرًا ومعتبرًا في الإجماع (¬1). 2 - أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- قد سوغوا اجتهاد التابعين، ولم ينكروا عليهم، وهذه أمثلة على ذلك: أ - روى أبو سلمة (¬2) بن عبد الرحمن بن عوف قال: تذاكرت أنا وابن عباس (¬3) وأبو هريرة في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقال ابن عباس: أبعد الأجلين، وقلت أنا: عدتها أن تضع حملها، وقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي (¬4). ب - أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- لما ولّى شريحًا القضاء قال له: "اقض بما في كتاب اللَّه، فإن لم تجد فبما سنّه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإن لم تجد فبما قضى به الصالحون قبلك، فإن جاء أمر ليس في كتاب اللَّه، ولا قضى به نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا قضى به الصالحون، فليجتهد رأيه" (¬5). ت - أن عليًّا تخاصم إلى شريح في درعه الذي فقده بصفين، ولم يقبل شريح شهادة ابن علي لأبيه، فقبل علي قوله، مع أنه يرى خلافه (¬6). ث - وسُئل ابن عمر عن فريضة فقال: سلوا عنها سعيد بن جبير (¬7) فإنه أعلم بها ¬
مني (¬1). ج - وسُئل أنس بن مالك عن مسألة فقال: سلوا مولانا الحسن (¬2) فقالوا: يا أبا حمزة نسألك، وتقول: سلوا مولانا الحسن، فقال: إنا سمعنا وسمع، فحفظ ونسينا (¬3). • وجه الدلالة من هذه الآثار: أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- قد سوغوا للتابعين الاجتهاد، والأخذ بأقوالهم، مما يدل على اعتبار أقوالهم في صحة الإجماع، والاعتداد بخلافهم في منع الإجماع (¬4). 3 - أن الاعتبار بالاجتهاد وليس بالصحبة، فلو أن صحابيًّا عاميًّا في عصر التابعين، جاز له تقليد فقهائهم المجتهدين، ولا يعتد بقول الصحابي لعدم بلوغه رتبة الاجتهاد (¬5). 4 - أن التابعين معهم آلة الاجتهاد وقت حدوث النازلة، فكان معتدًّا بقولهم (¬6). القول الثاني: إذا أدرك التابعي عصر الصحابة فلا يعتد بخلافه، وإن بلغ رتبة الاجتهاد، وقال بهذا بعض الشافعية (¬7)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬8)، نصرها القاضي أبو يعلى (¬9)، وهو قول لبعض المتكلمين (¬10). • أدلة هذا القول: 1 - أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لهم مزية الصحبة، فقد شهدوا التنزيل، وسماع التأويل، وزادوا بمزية الاجتهاد، فوجب تقديم قولهم (¬11). 2 - أن الصحابة أنكروا على بعض التابعين، وهذا دليل منهم على أنهم لا يعتبرون خلافهم، ومن ذلك: ¬
المسألة الثالثة: هل يعتبر خلاف الظاهرية خرقا للإجماع؟
أ - أن عليًّا -رضي اللَّه عنه- أنكر على شريح، ونقض حكمه في امرأة ماتت وتركت ابني عم، أحدهما زوج، والآخر أخ لأم، فأعطى شريح النصف للزوج، والباقي للأخ لأم، فبلغ ذلك عليا فقال: الزوج النصف، والأخ لأم السدس، والباقي بينهما (¬1). ب - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يوجب الغسل؟ فقالت: هل تدري ما مثلك يا أبا سلمة؟ مثلَ الفرُّوج، يسمع الديكة تصرخ، فيصرخ معها (¬2)، إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل (¬3). • وجه الدلالة: هذا إنكار من عائشة لأبي سلمة في مناظرته للصحابة، والدخول معهم في الاجتهاد (¬4). • الترجيح: يترجح لدي القول الأول القائل بأن خلافهم معتبر في منع الإجماع، وذلك لما يأتي: 1 - أن المجتهدين من التابعين هم بعض الأمة الذين شهدوا الواقعة، فوجب الأخذ بقولهم. 2 - أن ما أنكره عليٌّ على شريح ليس لأن قوله غير معتبر، بدليل أنه حكم عليه في مخاصمته في درعه لما رد شهادة ابنه، ولم ينكر عليه علي -رضي اللَّه عنه- (¬5). 3 - أما إنكار عائشة -رضي اللَّه عنها- على أبي سلمة: فيحتمل أنها لم تره بلغ مرتبة الاجتهاد، أو لأنه ترك التأدب مع ابن عباس. ثم إن قولها معارض بقول أبي هريرة لما قال: أنا مع ابن أخي (¬6). المسألة الثالثة: هل يعتبر خلاف الظاهرية خرقًا للإجماع؟ إذا خالف الظاهرية الجمهور في مسألة فرعية ما، فهل يعتبر خلافهم، فلا ينعقد الإجماع بدون قولهم، أم أن قولهم غير معتبر، فينعقد الإجماع بدونهم؟ ¬
• خلاف بين الفقهاء على أقوال، أذكر أهمها (¬1): القول الأول: أن خلاف الظاهرية غير معتبر، ولا يعتد به مطلقًا، وممن حكى عدم اعتباره: الكرخي، والجصاص من الحنفية (¬2)، والنووي (¬3)، والزركشي (¬4)، من الشافعية. • أدلة هذا القول: 1 - ذكر النووي أن الظاهرية هم من جملة العوام، فليسوا من العلماء؛ لتعطيلهم القول بالقياس، وأن أغلب أحكام الشريعة قائمة على الاجتهاد، ولا تفي النصوص بعشر معشارها (¬5). 2 - أن هؤلاء تجرؤوا على الأئمة، وظنوا أنهم الذين على الحق، وأن غيرهم على الباطل، فمن أجل هذا لا يعتد بقولهم (¬6). القول الثاني: أن خلافهم يعتبر مطلقًا، وممن حكى ذلك: أبو منصور البغدادي (¬7)، وابن الصلاح (¬8) من الشافعية، وقال: إنه الصحيح من المذهب، وهو الذي استقر عليه الأمر (¬9)، واختاره ابن القيم من الحنابلة (¬10)، والشوكاني (¬11). ¬
المسألة الرابعة: ما يترتب على الإجماع بعد ثبوته
• أدلة هذا القول: 1 - أن أغلب ما تفرد به الظاهرية هو من باب مخالفة الإجماع الظني، وتندر مخالفتهم للإجماع القطعي (¬1). 2 - أن ابن حزم يُكفِّر من خالف الإجماع إذا ثبت لديه (¬2)، فكيف يكفر من خالف الإجماع، ثم يقول هو بخلافه، إلا لأنه لم يثبت لديه. 3 - أن قول الظاهرية اجتهاد منهم، ورأي من لم يعتد بخلافهم ما هو إلا اجتهاد منه، فلا يرد اجتهاد بمثله (¬3). • الترجيح: يترجح لدي الاعتداد بخلاف الظاهرية، وأن خلافهم معتبر، لا ينعقد الإجماع بدونه للأسباب التالية: 1 - أن الظاهرية هم من الأمة، التي وصفها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنها لا تجتمع على خطأ. 2 - أن العلماء قد قبلوا قول المجتهد المبتدع في الإجماع -إذا كانت بدعة غير مكفرة- فكيف لا يعتد بخلاف الظاهرية، وهم في دائرة أهل السنة والجماعة. 3 - أن الأئمة قد ذكروا خلاف داود وغيره من الظاهرية في كتبهم، وحكوا خلاف غيرهم من أهل العلم، وذلك دليل منهم على اعتبار خلافهم (¬4). المسألة الرابعة: ما يترتب على الإجماع بعد ثبوته: • إذا ثبت الإجماع في حكم مسألة ما، فإنه يترتب عليه ما يأتي: 1 - يجب إتباع الإجماع، وتحرم مخالفته (¬5). قال ذلك عدد من الأئمة، ومنهم: أبو يعلى، حيث قال: "الإجماع حجة مقطوع عليها، ويجب المصير إليها، وتحرم مخالفته" (¬6). ¬
• وقال ابن تيمية: "وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام، لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم" (¬1). 2 - أن هذا الإجماع حق وصواب، ولا يمكن أن يكون خطأ، فلا يمكن أن يقع إجماع على خلاف نص أبدًا، ولا يقع إجماع على خلاف إجماع سابق (¬2). • قال ابن القيم: "ومحال أن تجتمع الأمة على خلاف نص، إلا أن يكون له نص آخر ينسخه" (¬3). 3 - أنه يحرم الاجتهاد في المسألة المجمع عليها؛ لأن الإجماع استند إلى نص، ويحرم الاجتهاد مع وجود النص (¬4). * * * ¬
الفصل الثاني: تعريف النكاح وحقيقته
الفصل الثاني: تعريف النكاح وحقيقته • قبل النظر في مسائل الإجماع في النكاح وأبوابه، لا بد من معرفة المراد بالنكاح، ثم معرفة حقيقته: هل هو في العقد أم في الوطء، أم فيهما جميعًا؟ وذلك من خلال النظر في كلام أهل اللغة وأهل الفقه. وعلى هذا سيكون الحديث في هذا الفصل من خلال المبحثين التاليين: المبحث الأول: تعريف النكاح. المبحث الثاني: حقيقة النكاح. المبحث الأول: تعريف النكاح المطلب الأول: تعريف النكاح في اللغة: • قال ابن فارس: النون، والكاف، والحاء؛ أصل واحد، وهو البضاع (¬1)، ونَكَح ينكِح "بكسر الكاف". وامرأة ناكح في بني فلان، أي ذات زوج منهم، والنكاح يكون في العقد دون الوطء، يقال: نكحتُ؛ تزوجتُ، وأنكحتُ غيري؛ زوَّجته (¬2). • ويقال: نكح فلان امرأة ينكحها نكاحًا: إذا تزوجها، ونكحها: إذا باضعها ينكحها أيضًا (¬3). قال الشاعر (¬4) في "نكح" بمعنى تزوج: ولا تقربن جارة إن سرّها ... عليك حرام فانكحن أو تأبدا (¬5) • ويدل النكاح أيضًا على الضم والتداخل، وهو مأخوذ من نَكَحَه الدواء: إذا ¬
المطلب الثاني: تعريف النكاح في الاصطلاح
خامره وغلبه، أو من تناكح الأشجار: إذا انضم بعضها إلى بعض (¬1). • يقال: نكحتَ البُر في الأرض إذا حرثتها وبذرته فيها، ونكحَتْ الحصى أخفاف الإبل: إذا دخلت فيها، ونكح المطر الأرض: إذا خالط ترابها، ونكح النعاس عينه: إذا غلب عليها (¬2). • وعليه: يكون النكاح في اللغة بمعنى: الإبضاع، والتزويج، والضم، وكلها تعود لأصل واحد؛ لأن الإبضاع لا يكون إلا بتزويج وضم. المطلب الثاني: تعريف النكاح في الاصطلاح: 1 - عرّفه ابن الهمام من الحنفية بأنه: عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصدًا (¬3). وقد يعترض على هذا التعريف بأن الاستمتاع يقع من جهة الزوجة أيضًا، مع أنه لا ملك لها. 2 - وعرّفه الدردير (¬4) من المالكية بأنه: عقد لحل تمتع بأنثى، غير محرم ومجوسية وأمة كتابية، بصيغة، لقادر محتاج، أو راجٍ نسلا (¬5). وقد يعترض على هذا التعريف أيضًا بما اعترض على سابقه، وأن النكاح مندوب إليه لصيانة النفس وإعفافها، ولو لم يحصل الولد. 3 - وعرّفه زكريا الأنصاري (¬6) من الشافعية بأنه: عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ ¬
إنكاح، أو نحوه (¬1). ويعترض على هذا التعريف بأن العقد يباح به ما هو أعم من الوطء، فلو عبر بالاستمتاع لكان أولى؛ لدخول الوطء ومقدماته في الاستمتاع. 4 - وعرّفه المرداوي من الحنابلة بأنه: عقد التزويج، فهو حقيقة في العقد، مجاز في الوطء (¬2). ويعترض على هذا التعريف بأن فيه دورًا؛ فقد عرّف الشيء بنفسه، وهذا عيب في التعريف. 5 - وعرّفه الشوكاني بأنه: عقد بين الزوجين يحل به الوطء (¬3). ويعترض على هذا التعريف بما اعترض به على تعريف الشافعية. 6 - وعرّفه من المعاصرين الدكتور بدران أبو العينين بأنه: عقد وضعه الشارع يفيد حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر على الوجه المشروع، وعلى سبيل القصد (¬4). وقيده بالقصد هنا -كما هو الحال عند الحنفية- حتى يخرج العقد الذي يفيد حل الاستمتاع ضمنًا، الذي يثبت بملك اليمين الثابت بالشراء أو الهبة، فإنه يحل لمالك الجارية الاستمتاع بها، ولا تسمى زوجة. ويؤخذ على هذا التعريف: أن الوجه المشروع لا يكون إلا باعتبار وضع الشارع، كما ذكر في أول التعريف، فالأولى الاستغناء عن هذه العبارة. 7 - وعرّفه الشيخ صالح الفوزان بأنه: عقد شرعي يقتضي حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر (¬5). 8 - وعرّفه الدكتور قلعه جي بأنه: عقد يحل به استمتاع كل من الزوجين بالآخر (¬6). والمتأمل للتعريفين الأخيرين يدرك أنه لا فرق بينهما. • وبعد عرض تعريفات الفقهاء للنكاح، والنظر فيما يمكن أن يؤخذ على كل منها، ¬
يمكن الخروج بتعريف يشمل ما ذكر في التعريفين الأخيرين: (عقد شرعي يحل به استمتاع كل من الزوجين بالآخر). • شرح التعريف: "عقد": جنس في التعريف يشمل عقد النكاح وغيره، وينصرف إلى النكاح باعتبار ما سيأتي من ألفاظ في بقية التعريف، ويشمل عقد النكاح ألفاظ التزويج المعتبرة عند أهل العلم، والمذكورة في تعريف الشافعية. "شرعي": قيد في التعريف يخرج به كل عقد غير معتبر شرعًا، كنكاح المتعة مثلًا، أو ما يفعله بعض الجهّال من كتابة ورقة بين الرجل والمرأة واعتبارها عقدًا شرعيًا، ويسمونه نكاحًا عرفيًّا. "يحل به": قيد يخرج به كل عقد لا يحل به النكاح، وهذا يعني أيضًا أنه بهذا العقد أصبح النكاح مباحًا بعد أن كان محظورًا، إذ إن الأصل في الأبضاع التحريم (¬1). "استمتاع": كلمة في التعريف أشمل من كلمة الوطء الواردة في التعريفات السابقة، لأن الاستمتاع يشمل الوطء ومقدماته. "كل من الزوجين بالآخر": قيد يخرج به كل استمتاع بين رجل وامرأة ليسا بزوجين. ويخرج به أيضًا كل استمتاع يقع بين الرجل وجاريته؛ فإنها لا تسمى زوجة، ولا يحصل بوطئها إحصان (¬2). * * * ¬
المبحث الثاني: حقيقة النكاح
المبحث الثاني: حقيقة النكاح المطلب الأول: حقيقة النكاح في اللغة: • اختلف أهل اللغة في لفظ النكاح بين الحقيقة والمجاز، ويمكن حصر خلافهم في الأقوال التالية: القول الأول: إنه حقيقة في العقد، مجاز في الوطء. ويدل عليه ما ذكره ابن فارس؛ حيث قال: "والنكاح يكون العقد دون الوطء" (¬1). القول الثاني: إنه حقيقة في الوطء، مجاز في العقد. ويدل عليه ما ذكره الأزهري (¬2)؛ حيث قال: "أصل النكاح في كلام العرب الوطء، وقيل للتزويج: نكاح؛ لأنه سبب الوطء المباح" (¬3). وعليه تدل عبارة الجوهري (¬4)؛ حيث قال: "النَّكاح: الوطء، وقد يكون العقد" (¬5). وكأنه بهذا يشير إلى قلة استعماله في العقد. قال الزبيدي: "ظاهر كلام الصحاح أن استعماله في العقد قليل أو مجاز" (¬6). • ويدل على كونه حقيقة في الوطء قول الشاعر (¬7): ¬
إذا سقى اللَّه صوب غادية ... فلا سقى أرض الكوفة المطرا التاركين على طهر نساءهمو ... والناكحين بشطي دجلة البقرا القول الثالث: إنه لفظ مشترك يأتي بمعنى العقد، ويأتي بمعنى الوطء، ولا يفهم المراد منه إلا بقرينة؛ فإذا قالوا: نكح فلان بنت فلان: أي عقد عليها، وإذا قالوا: نكح زوجته: لم يريدوا إلا الوطء (¬1). ومن هنا جاء في عبارات الفقهاء: وليس للمحرم نكاح زوجته، أي: وطئها. • ويدل على هذا القول ما ذكره الفيروز أبادي (¬2)؛ حيث قال: "النكاح: الوطء، والعقد له" (¬3). وقال الزبيدي: "وكلام المصنَّف يدل على تساويهما" (¬4). • وقال الفيومي (¬5): "وعلى هذا فيكون النَّكاح مجازًا في الوطء والعقد جميعًا؛ لأنه مأخوذ من غيره، فلا يستقيم القول بأنه حقيقة لا فيهما ولا في أحدهما، ويؤيده أنه لا يفهم العقد إلا بقرينة نحو: نكح في بني فلان، ولا يفهم الوطء إلا بقرينة نحو: نكح زوجته، وذلك من علامات المجاز؛ لأنه لا يفهم واحد من قسميه إلا بقرينة" (¬6). • واستدل بعض الفقهاء (¬7) لهذا القول -كما سيأتي- بما نقل عن أبي القاسم ¬
الزجاجي (¬1)، حيث قال: "النكاح في كلام العرب بمعنى الوطء والعقد جميعًا، وموضع "نكح" على هذا الترتيب في كلام العرب للزوم الشيء راكبًا عليه، هذا كلام العرب الصحيح". • وبما نقل أيضًا عن أبي علي الفارسي (¬2) حيث قال: "فرقت العرب بينهما فرقًا لطيفًا؛ فإذا قالوا: نكح فلان فلانة، أرادوا تزوجها، وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا الوطء؛ لأنه بذكر امرأته وزوجته يستغنى عن ذكر العقد" (¬3). القول الرابع: إنه حقيقة في الجمع والضم والتداخل. قال أبو عمر (¬4) غلام ثعلب: الذي حصّلناه عن ثعلب (¬5) عن الكوفيين، وعن المبرد (¬6) عن البصريين أنه الجمع. قال الشاعر: ¬
أيها المنكح الثريا سهيلًا ... عمرك اللَّه كيف يجتمعان (¬1). ومن وروده في الضم قولهم: تناكحت الأشجار؛ إذا انضم بعضها إلى بعض (¬2). • قال الشاعر: ضممت إلى صدري معطر صدرها ... كما نكحت أم الغلام حبيبها (¬3). أي: كما ضمته. • ومن وروده في الدخول قولهم: نكح النوم عينه، إذا غلبه، ونكحت الحصى أخفاف الإبل: إذا دخلت فيها (¬4). قال الشاعر: أنكحت صمّ حصاها خف يعملة (¬5) ... تغشمرت (¬6) بي إليك السهل والجبلا (¬7) • وقد أطنب الفقهاء في تناول معنى النكاح في اللغة، فلا يكاد يخلو كتاب من كتبهم من ذكر هذه الأقوال (¬8). • ونقل المرداوي عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية قوله: "معناه في اللغة الجمع والضم على أتم الوجوه، فإن كان اجتماعًا بالأبدان فهو الإيلاج الذي ليس بعده غاية ¬
المطلب الثاني: حقيقة النكاح عند الفقهاء
في اجتماع البدنين، وإن كان اجتماعًا بالعقود، فهو الجمع بينهما على الدوام واللزوم، ولهذا يقال: استنكحه المذي إذا لازمه وداومه" (¬1). المطلب الثاني: حقيقة النكاح عند الفقهاء: • وقع الخلاف بين الفقهاء أيضًا، في لفظ النكاح، هل يحمل على الحقيقة أو على المجاز؟ ولعل سبب اختلاف الفقهاء مبني على الخلاف عند أهل اللغة، ويمكن حصر أقوال الفقهاء فيما يأتي: القول الأول: إنه حقيقة في العقد، مجاز في الوطء. وهو قول الجمهور (¬2)، وصححه النووي من الشافعية (¬3)، والمرداوي من الحنابلة (¬4)، والشوكاني (¬5). • أدلة هذا القول: أولًا: أن لفظ النكاح بمعنى عقد التزويج هو المشهور الذي جاءت به الآيات والأخبار عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فمن ذلك: 1 - قوله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ}. أي: بولاية أربابهن وإذنهم (¬6). 2 - قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]، الخطاب هنا للأولياء بأن يزوجوا من لا زوج له؛ فإنه طريق للتعفف (¬7). وعلى هذا فالنكاح هنا بمعنى التزويج. 3 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" (¬8). ¬
• قال أصحاب هذا القول في توجيه استدلالهم: الوطء إنما يجوز بالعقد، وليس بالإذن المجرد عنه، بل قالوا: إنه لم يرد لفظ النكاح في القرآن إلا بمعنى التزويج (¬1). • وقال الراغب الأصفهاني (¬2): "أصل النكاح للعقد، ثم استعير للجماع، ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد؛ لأن أسماء الجماع كلها كنايات؛ لاستقباحهم ذكره كاستقباحهم تعاطيه، ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشًا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه" (¬3). ثانيًا: أنه يصح نفي النكاح عن الوطء، فيقال في الزنى سفاح لا نكاح، وصحة النفي دليل المجاز (¬4). ثالثًا: أن الذهن لا ينصرف إلا إليه عند الإطلاق، فاشتهر استعمال لفظ النكاح بإزاء العقد في الكتاب والسنة ولسان أهل العرف (¬5). رابعًا: أن النكاح أحد اللفظين اللذين ينعقد بهما عقد النكاح، فكان حقيقة فيه، كاللفظ الآخر (¬6). • قالوا: ولا ينتقض بما ورد في قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، فإن معناه حتى تتزوج أي: يعقد عليها (¬7). وقد ثبت مفهوم ¬
الوطء في هذه الآية عن طرق السنة في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حتى تذوقي عسيلته" (¬1). القول الثاني: إنه حقيقة في الوطء، مجاز في العقد. وهو مذهب الحنفية (¬2)، وبه قال القرافي من المالكية (¬3)، ووجه عند الشافعية (¬4)، وقال به أبو الخطاب، وأبو يعلى الصغير (¬5) من الحنابلة (¬6). • أدلة هذا القول: أولًا: أن الوطء هو الأصل في استعمال لفظ النكاح لغة -كما صرّح بذلك الأزهري وغيره- والأصل عدم النقل (¬7). ثانيًا: جاء القرآن والسنة بلفظ النكاح، ويراد به الوطء (¬8)، فمن ذلك: 1 - قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولدت من نكاح لا من سفاح" (¬9). قال ابن الهمام: يصح حمل النكاح ¬
في هذا الحديث على العقد، وإن كانت الولادة بالذات من الوطء (¬1). 3 - وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: فيما يحل للرجل من امرأته الحائض: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" (¬2). • قال ابن الهمام في إرادة هذا الحديث للوطء: يلزم إرادة الوطء من النكاح المستثنى، وإلا فسد المعنى، إذ يصير يحل من المعقود عليها كل شيء إلا العقد (¬3). 4 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تناكحوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة" (¬4). 5 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ملعون من نكح يده" (¬5). • قالوا: وما ورد في الشرع بمعنى عقد التزويج فلقرينة صرفته عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر، مثل: قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32]، فإن الخطاب هنا للأولياء. • ومعنى النكاح في قوله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25]، أي: بإذن أوليائهن؛ فإن معنى النكاح في هاتين الآيتين انصرف لقرينة صرفته (¬6). ¬
القول الثالث: إنه مشترك بينهما، يعني: حقيقة في كل واحد منهما بانفراده. • وهو وجه عند الشافعية (¬1)، قال ابن حجر: "وهذا الذي يترجح في نظري وإن كان أكثر ما يستعمل في العقد" (¬2). وهو قول لبعض الحنابلة (¬3)، قالوا: هو ظاهر ما نقل عن الإمام أحمد (¬4). وقال المرداوي: وعليه الأكثر (¬5). وقال في "الفروع": والأشهر أنه مشترك (¬6)، وقالوا: والأشبه بأصولنا ومذهبنا أنه حقيقة في العقد والوطء جميعًا (¬7). • دليل هذا القول: أنه ثبت في اللغة وفي الشرع استعمال لفظ النكاح بمعنى العقد والوطء، والأصل في الإطلاق الحقيقة (¬8). القول الرابع: إنه حقيقة فيهما معًا، فلا يقال حقيقة على أحدهما بانفراده؛ بل على مجموعهما، فهو من الألفاظ المتواطئة (¬9). • وبهذا قال بعض الحنفية (¬10)، وبعض الحنابلة (¬11). قال ابن رزين (¬12) من الحنابلة: والأشبه أنه حقيقة في كل واحد باعتبار الضم (¬13). • دليل هذا القول: أن التواطؤ خير من الاشتراك والمجاز، لأنهما على خلاف الأصل (¬14). ونقل المرداوي عن الشيخ ابن تيمية: "هو في الإثبات لهما، وفي النهي لكلٍ منهما، بناءً أنه إذا نهى عن شيء نهى عن بعضه، والأمر به أمر بكله في الكتاب والسنة والكلام. فإذا قيل مثلًا: أنكح ابنة عمّك. كان المراد العقد والوطء، وإذا ¬
قيل: لا تنكحها. تناول كل واحد منهما (¬1). • والفرق بين الاشتراك والتواطؤ: أن الاشتراك يقال على كل واحد منهما بانفراده حقيقة، بخلاف المتواطئ؛ فإنه لا يقال حقيقة إلا عليهما مجتمعين لا غير (¬2). • هذا أهم ما قيل في حقيقة النكاح عند أهل اللغة، وعند الفقهاء، ويلاحظ أن كلام الفقهاء لم يخرج عن المدلول اللغوي لحقيقة النكاح. • الترجيح: والذي يمكن أن يقال في خلاصة هذا المبحث أن النكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء، وهو قول الجمهور؛ لما يلي: 1 - أن قول الحنفية ومن وافقهم، بأنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد، واستدلالهم باللغة في كثرة استعماله، فيقال فيه هنا: ما ذهبتم إليه صحيح، وقد ورد كلا الاستعمالين في اللغة، إلا أنه قد كثر استعماله حقيقة في العقد دون الوطء، فيحمل على ما كثر استعماله وهو العقد (¬3). 2 - أما قول من يرى أنه مشترك، أو أنه من الألفاظ المتواطئة، فهذا مردود؛ لأن الاشتراك اللفظي خلاف الأصل (¬4). 3 - أن استعمال لفظ النكاح على العقد هو الأشهر في القرآن والسنة وعُرف الصحابة، وأشعار العرب (¬5)، ويكفي هذا دليلًا لترجيحه. 4 - أن التزويج لما كان بالإجماع اسمًا للعقد حقيقة، كان النكاح بمنزلته؛ لاشتراكهما في المعنى (¬6). 5 - لو قُدِّر كونه مجازًا في العقد لكان اسمًا عرفيًّا، يجب صرف اللفظ عند الإطلاق إليه؛ لشهرته، كسائر الأسماء العرفية (¬7). 6 - أن النكاح يسمى في حق من لا يستطيع الوطء عقدًا؛ كالعنين، والكبير، والصغير، ونحو ذلك. ¬
• ثمرة الخلاف: تظهر ثمرة الخلاف في: 1 - موطوءة الأب من الزنى. قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]. فمن جعل النكاح حقيقة في العقد -وهم الجمهور- لم يثبتوا التحريم بوطء الزنى، ومن جعله حقيقة في الوطء حلالًا أم حرامًا -وهم الحنفية- أثبت التحريم به (¬1). 2 - لو علق الطلاق على النكاح، كأن يقول رجل لامرأته: إن نكحت فلانة فأنت طالق، فهل تطلق أم لا؟ . • خلاف مبني على الخلاف في حقيقة النكاح، فمن حمله على العقد فأنها تطلق، ومن حمله على الوطء فلا تطلق إلا بالوطء، هذا إذا لم ينو شيئًا، فإن نوى انصرف اللفظ إلى ما نواه (¬2). * * * ¬
[الباب الأول: مسائل الإجماع في النكاح]
الفصل الأول: مسائل الإجماع في مشروعية النكاح وحكمه [1 - 1] (¬1) مشروعية النكاح: النكاح من الأمور المشروعة؛ لموافقته الفطرة الإنسانية، وهو من سنن المرسلين، ونقل الإجماع على مشروعيته جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أباح اللَّه تعالى النكاح نصًّا في كتابه، وصريحًا في سنة نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، انعقد بهما سالف إجماع الأمة" (¬2). وقال أيضًا: "سائر الأمم عليه مجمعة، والضرورة إليه داعية، لما فيه من غض الطرف، وتحصين الفرج، وبقاء النسل، وحفظ النسب" (¬3). 2 - العمراني (558 هـ) حيث قال: "والأصل في جوازه الكتاب والسنة والإجماع" (¬4). وقال أيضًا: "وأجمعت الأمة على جواز النكاح" (¬5). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن النكاح من العقود الشرعية المسنونة بأصل الشرع" (¬6). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "والأصل في مشروعية النكاح الكتاب والسنة والإجماع" (¬7). 5 - الرافعي (623 هـ) حيث قال: "الأصل في النكاح بعد إجماع أهل الملل قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] (¬8) ". 6 - ابن مودود الموصلي (683 هـ) حيث قال: "وعلى شرعيته إجماع الأمة" (¬9). ¬
7 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: ". . . حل الخبز، واللحم، والنكاح، واللباس، وغير ذلك مما علمت إباحته بالاضطرار من دين الإسلام؛ فهذه المسائل مما لم يتنازع فيها المسلمون، لا سنيهم، ولا بدعيهم" (¬1). 8 - الزركشي الحنبلي (772 هـ) حيث قال: "وهو مشروع بالإجماع القطعي في الجملة" (¬2). 9 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "الإجماع منعقد على أن النكاح من العقود الشرعية المسنونة بأصل الشرع" (¬3). 10 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: "ما اتفق في حكم من أحكام الشرع مثل ما اتفق في النكاح من اجتماع دواعي الشرع والعقل والطبع، فأما دواعي الشرع من الكتاب والسنة والإجماع: فظاهرة، . . . " (¬4). 11 - ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: "وهو مشروع بالإجماع" (¬5). 12 - زكريا الأنصاري (925 هـ) حيث قال: "والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]، وأخبار. . . " (¬6). وكذا قال في "أسنى المطالب" (¬7)، و"الغرر البهية" (¬8). 13 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "أجمع الأئمة على أن النكاح من العقود الشرعية المسنونة بأصل الشرع" (¬9). 14 - الخطيب الشربيني (977 هـ) حيث قال: "والأصل في حله الكتاب والسنة وإجماع الأمة" (¬10). وكذا قال في "الإقناع" (¬11). ¬
15 - الرملي (1004 هـ) حيث قال: "والأصل فيه قبل الإجماع الآيات والأخبار" (¬1). 16 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: "وهو مشروع بالإجماع" (¬2)، ونقل الإجماع أيضًا في "المنح الشافيات" (¬3). 17 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "والأصل في مشروعية النكاح الكتاب والسنة والإجماع، وذكر غير واحد من العلماء أنهم اتفقوا على أنه من العقود الشرعية المسنونة بأصل الشرع" (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] 2 - وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32]. 3 - عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" (¬5). 4 - وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: جاء ثلاثة رهط (¬6) إلى بيوت أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أُصلّي الليل أبدًا. وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفطِر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما واللَّه إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأُصلّي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" (¬7). ¬
5 - وعن سعد بن أبي وقاص (¬1) -رضي اللَّه عنه- قال: رد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-على عثمان بن مظعون (¬2) التبتل (¬3)؛ ولو أذن له لاختصينا (¬4). 6 - وعن عبد اللَّه بن عمرو (¬5) -رضي اللَّه عنه- قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" (¬6). 7 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمر بالباءة (¬7)، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا، ويقول: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة" (¬8).Rالإجماع في هذه المسألة صحيح، ولا يتصور أصلًا وجود مخالف في ذلك؛ لأن خلافه مخالف لفطرة اللَّه التي فطر الناس عليها. وثبوت الإجماع في هذه المسألة لا يتوقف ثبوته على حكاية من حكاه، فقد امتن اللَّه سبحانه وتعالى على عباده بأن خلق لهم من أنفسهم أزواجًا؛ فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا ¬
[2 - 2] وجوب النكاح عند خوف العنت
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} [الروم: 21]، بل قال بعض العلماء: ليس لنا عبادة شرعت منذ عهد آدم عليه السلام إلى الآن، ثم تستمر في الجنة إلا الإيمان والنكاح (¬1). ولا يخفى ما للنكاح من أثر في بقاء النسل، ووجود الإنسان في الأرض؛ حتى تتحقق الغاية من وجوده؛ وهي عبادة اللَّه سبحانه وتعالى. والنكاح شُرع لِحِكَم كثيرة أجلّ من أن توصف، وأشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر، ومع هذا لا بأس من ذكر بعضها، فمن ذلك (¬2): 1 - أن اللَّه سبحانه وتعالى قدّر بقاء الناس إلى قيام الساعة، ولا يكون هذا البقاء إلا بالتناسل، وجرت سنة اللَّه في خلقه أن التناسل لا يكون إلا بين الذكور والإناث، فشرع الوطء؛ ولا يكون إلا بطريق النكاح. 2 - لو لم يكن هناك نكاح بين الذكر والأنثى بالطريقة التي شرعها اللَّه سبحانه وتعالى لأدى ذلك إلى اشتباه الأنساب واختلاطها. 3 - وقد يقول قائل: قد يبقى النوع الإنساني بدون النكاح المشروع. فيجاب عن ذلك: إن هذا يؤدي إلى ضياع الأطفال؛ لأن الأم قد تعجز عن القيام بمهام أبنائها الذين هم من آباء شتى، وهذا يؤدي أيضًا إلى اختلاط الأنساب. 4 - إخراج الماء الذي يضر احتباسه بالبدن، ونيل اللذة، وهذه الأخيرة هي التي تكون في الجنة؛ إذ لا تناسل هناك ولا احتباس. 5 - أن كل عاقل يحب أن يبقى اسمه، ولا يُمحى رسمه، ولا يكون ذلك إلا ببقاء النسل الذي لا يكون إلا بالنكاح. [2 - 2] وجوب النكاح عند خوف العنت: إذا تاقت (¬3) النفس إلى النكاح، وخشي الإنسان على نفسه. . . . . . . . . ¬
العنت (¬1)، وجب عليه أن يتزوج، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - يرى داود الظاهري (270 هـ) وجوب النكاح، واستدل له الماوردي بقوله: "إنه إجماع بقول صحابيين لم يظهر خلافهما" (¬2). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من تاقت نفسه إليه وخاف العنت، فإنه يتأكد في حقه" (¬3). 3 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "لا خلاف أن النكاح فرض حالة التوقان، حتى أن من تاقت نفسه إلى النساء بحيث لا يمكنه الصبر عنهن، وهو قادر على المهر والنفقة، ولم يتزوج؛ يأثم" (¬4). 4 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وفي هذا الحديث (¬5) الأمر بالنكاح لمن استطاعه، وتاقت إليه نفسه، وهذا مجمع عليه" (¬6). 5 - ابن الهمام (861) حيث قال: "أما في حالة التوقان فقال بعضهم: هو واجب بالإجماع" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب النكاح إذا تاقت النفس إليه، وخشي العنت وافق عليه المالكية (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء" (¬10). وغير ذلك من الأدلة التي سبق أن سيقت لإثبات مشروعية النكاح. ¬
[3 - 3] النكاح مندوب إليه في حال الأمن من الزنى
• وجه الاستدلال من هذه الأدلة: تأويل ما روي في حق من تتوق نفسه إلى النساء على وجه لا يصبر عنهن على الوجوب، إذا كان بهذه الصفة فلا يسعه ترك النكاح (¬1).Rتحقق الإجماع على أن من خاف على نفسه الزنى، وخشي أن يقع فيه، أن النكاح في حقه واجب؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [3 - 3] النكاح مندوب إليه في حال الأمن من الزنى: إذا كان للإنسان رغبة في النكاح؛ لكنه لا يخشى على نفسه أن يقع في الزنى بتركه، فإن النكاح في حقه مندوب إليه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "النكاح مندوب إليه وليس بواجب، وهذا قول الفقهاء أجمع" (¬2). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من تاقت نفسه إليه وأمن العنت له أن يتزوج إجماعًا أيضًا" (¬3). 3 - النووي (676 هـ) حيث قال: "الأمر عندنا، وعند العلماء كافة أمر ندب لا إيجاب، فلا يلزم التزوج ولا التسري، هذا مذهب العلماء كافة" (¬4). 4 - القرافي (684 هـ) حيث قال: "وملك اليمين لا يجب إجماعًا، فكذلك النكاح" (¬5). 5 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "والتسري لا يجب إجماعًا، فكذا النكاح" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الإنسان إن أمن على نفسه الوقوع في الزنى، فلا يجب عليه النكاح، وافق عليه الحنفية (¬7). • مستند الإجماع: ما مضى من الأدلة في مشروعية النكاح استدلوا بها، وحملوها على الندب دون الوجوب، فقالوا: 1 - قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ¬
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]، يؤخذ منه دليلان (¬1): الأول: أنه علق النكاح بطيب النفس، ولو كان واجبًا لزم بكل حال، والواجب لا يعلق بالاستطابة، والعدد لا يجب بالإجماع (¬2). الثاني: قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3]، فخيره بين النكاح وملك اليمين، والتخيير بين أمرين يقتضي تساويهما في الحكم، فلما كان ملك اليمين ليس بواجب كان النكاح بمنزلته. 2 - قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النساء: 25]. • وجه الدلالة: أباح اللَّه تعالى نكاح الأَمَة لمن خشي الزنى، وجعل الصبر خيرًا له، ولو كان واجبًا لكان الصبر شرًّا له (¬3). 3 - روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "مسكين مسكين رجل لا امرأة له، ومسكينة مسكينة امرأة لا رجل لها" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخرج النكاح مخرج الرحمة، وتارك الواجب لا يرحم، فلما خرج النكاح مخرج الرحمة كان حكمه عدم الوجوب (¬5). 4 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خياركم بعد المائتين كل خفيف حاذ" قيل: وما الخفيف الحاذ؟ قال: "الذي لا أهل له ولا ولد له". 5 - ليس في النكاح أكثر من نيل شهوة وإدراك لذة، وليس ذلك بواجب كسائر الشهوات (¬6). 6 - لو وجب عليه قطع شهوته بالنكاح، لوجب قطعها عند العجز عنه بما يقوم مقامه من دواء وعلاج (¬7). ¬
• الخلاف في المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية أبي بكر (¬1) عنه، أن النكاح واجب مطلقًا، سواء خشي الإنسان على نفسه العنت أم لا (¬2). وهو قول داود (¬3)، وابن حزم (¬4)، إلا أن ابن حزم قال: إن علم أنه لا يستطيع النكاح، انتقل إلى الصوم ولا بد. • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]. • وجه الدلالة: جاء لفظ النكاح بصيغة الأمر، فدل على الوجوب (¬5). 2 - عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء" (¬6). 3 - قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعكاف (¬7): "يا عكاف هل لك من زوجة؟ "، قال: لا، قال: "ولا جارية؟ "، قال: لا، قال: "وأنت موسر بخير؟ "، قال: نعم، قال: "أنت إذن من إخوان الشياطين، إما أن تكون من رهبان النصارى فأنت منهم، وإما أن تكون منا فاصنع كما نصنع، فإن من سنتنا النكاح" (¬8). ¬
4 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تناكحوا تكثروا، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" (¬1). • وجه الاستدلال بهذه النصوص: أن هذا أمر، والأمر يفيد الوجوب، ولا ينتقل عنه إلا بقرينة (¬2). 5 - أنه إجماع اثنين من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يظهر خلافهما (¬3): أحدهما: قول عمر -رضي اللَّه عنه- لأبي الزوائد (¬4): ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور (¬5). الثاني: قول معاذ -رضي اللَّه عنه- في مرضه الذي مات فيه: زوجوني لا ألقى اللَّه عزبًا (¬6). 6 - أن في النكاح من تحصين النفس مثل ما في الغذاء، فلما لزم تحصينها بالغذاء لزم تحصينها بالنكاح (¬7). 7 - أن التحرز من الزنى فرض، ولا يتوصل إليه إلا بالنكاح، وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به فيكون فرضًا عندئذٍ (¬8).Rعدم تحقق الإجماع على أن النكاح مندوب إليه إن أمِن الإنسان على نفسه العنت؛ وذلك لوجود خلاف عن الإمام أحمد في رواية أبي بكر عنه، وداود، وابن حزم، الذين يرون وجوب النكاح في هذه الحالة. • ولقائل أن يقول: ألا يمكن حمل الإجماع على الندب؛ لأن من يرى الوجوب؛ يرى الندب وزيادة؟ فيجاب عن ذلك بما يأتي: ¬
1 - أن الحكم الشرعي المترتب على الأمر المندوب إليه، غير الحكم الشرعي المترتب على الأمر الواجب، فإن المكلف إذا لم يفعل الأمر المندوب إليه لا يأثم، بينما يلحقه الإثم إن ترك أمرًا واجبًا. 2 - يقول الصنعاني: "ودعوى الإجماع غير صحيحة لخلاف داود، وابن حزم" (¬1). * * * ¬
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في الخطبة
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في الخطبة [1 - 4] الخِطبة على الخِطبة (¬1): إذا خطب رجل مسلم امرأة، وأجابته إلى ما أراد، فإنه يحرُم على أخيه المسلم أن يتقدم إلى خطبتها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "لا خلاف في أنه لا يجوز لأحد أن يخطب على خطبة غيره" (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا يخلو حال المخطوبة من ثلاثة أقسام: أحدها: أن تسكن إلى الخاطب لها فتجيبه، أو تأذن لوليها في إجابته وتزويجه، فهذه يحرم على غير خاطبها خطبتها. . . ولا نعلم في هذا خلافًا بين أهل العلم" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). 3 - ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬5). 4 - النووي (676 هـ) حيث قال: "هذه الأحاديث ظاهرة في تحريم الخطبة على ¬
خطبة أخيه، وأجمعوا على تحريمها إذا كان قد صُرِّح للخاطب بالإجابة، ولم يأذن، ولم يترك" (¬1). ونقله عنه ابن حجر (¬2)، والشوكاني (¬3). 5 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة الأربعة في المنصوص عنهم، وغيرهم من الأئمة على تحريم ذلك" (¬4). وقال أيضًا: "لا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه إذا أجيب إلى النكاح، وركنوا إليه باتفاق الأئمة" (¬5). 6 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "وقد أجمع العلماء على تحريمها إذا كان قد صرّح بالإجابة، ولم يأذن، ولم يترك، فإن تزوج والحال هذه، عصى اتفاقًا" (¬6). 7 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "أن تجيبه، أو تأذن لوليها في إجابته، فتحرم الخطبة بلا خلاف" (¬7) • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم خطبة الرجل على خطبة أخيه، وافق عليه الحنفية (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تناجشوا، ولا يبع المرء على بيع أخيه، ولا يبع حاضر لباد، ولا يخطب المرء على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق الأخرى لتكتفئ (¬10) ما في إنائها" (¬11). 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب (¬12). ¬
3 - ومما استدل به على أن المنهي عنه في حال الركون والموافقة للخاطب الأول: حديث فاطمة بنت قيس -رضي اللَّه عنها- (¬1)، قالت: ذكرت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن معاوية بن أبي سفيان (¬2)، وأبا جهم (¬3) خطباني، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد" فكرهتهُ. ثم قال: "انكحي أسامة"، فنكحته، فجعل اللَّه فيه خيرًا، واغتبطتُ (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خطب لأسامة بن زيد على خطبتهما، وذلك أنها لم تجب أيًّا منهما، ولو كانت قد أجابت أيًّا منهما؛ ما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليفعل ما يَنْهى عنه، وأن فاطمة لم تخبره برضاها بواحد منهما، فلو أخبرته؛ لم يشر عليها بغير الذي ذكرَت (¬5). 4 - وفي خطبة الرجل على خطبة أخيه إفساد على الخاطب الأول، وإيقاع للعداوة بين الناس (¬6).Rتحقق الإجماع على أنه يحرم أن يخطب الرجل على خِطبة أخيه، حتى يدع؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[2 - 5] حكم خطبة النكاح
[2 - 5] حكم خُطبة النكاح: خطبة النكاح ليست واجبة، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "ولا أعلم أحدًا من أهل العلم أفسد نكاحًا ترك العاقد الخطبة عنده" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "والخطبة غير واجبة عند أحد من أهل العلم علمناه" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية، وابن قدامة من الحنابلة من عدم العلم بالمخالف في أن خطبة النكاح غير واجبة -وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال اللَّه تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25]. • وجه الاستدلال: جعل اللَّه سبحانه وتعالى الإذن شرطًا دون الخطبة (¬5). 2 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين زوج الواهبة لنفسها لخاطبها قال: "قد زوجتكها بما معك من القرآن" (¬6). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد زوجه دون أن يخطب؛ مما يدل على أن خطبة النكاح ليست بواجبة (¬7). 3 - يروى أن رجلًا من بني سليم خطب من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمامة بنت عبد المطلب، فأنكحها، ولم يخطب (¬8). ¬
4 - وروي أن الحسين بن علي (¬1) -رضي اللَّه عنهما- زوَّج بعض بنات أخيه الحسن، وهو يتعرق (¬2) عظمًا (¬3)، أي: لم يخطب تشاغلًا به (¬4). 5 - ويروى أن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- زوج ابنته، فما زاد على أن قال: زوجتكها على ما أمر اللَّه تعالى به من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان (¬5). 6 - أن الخطبة لو وجبت في النكاح لبطل بتركها (¬6). 7 - أن النكاح عقد، فلم تجب فيه الخطبة كسائر العقود (¬7). • الخلاف في المسألة: ذهب داود إلى القول بوجوب خُطبة النكاح، وهو قول أبي عبيد (¬8). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21]. • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد خطب خطبة النكاح حين زوج، فيجب الاقتداء به؛ لأن أفعاله على الوجوب (¬9). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد اللَّه فهو أبتر" (¬10). ¬
• وجه الدلالة: أن النكاح أمر ذو بال، فيجب البدء بخطبة النكاح عند إرادته (¬1). 3 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما عقد لنفسه نكاحًا إلا بعد خطبة؛ فقد كان الخاطب في تزويجه خديجة عمه أبا طالب (¬2). 4 - أن في الخطبة فرقًا بين ما يستر من الزنى، وما يعلن من النكاح، فكانت واجبة كالولي والشهود (¬3). 5 - أنه عمل مقبول قد اتفق عليه أهل الأعصار في جميع الأمصار؛ فكان إجماعًا لا يسوغ خلافه (¬4).Rعدم صحة ما ذكر من عدم العلم بالمخالف أن خُطبة النكاح غير واجبة؛ لخلاف داود، وأبي عبيد، حيث يريان أنها واجبة. ¬
[3 - 6] النظر إلى المخطوبة
[3 - 6] النظر إلى المخطوبة: نُقل الاتفاق على إباحة النظر إلى وجه المخطوبة، واختلف فيما عداه. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من أراد تزويج (¬1) امرأة فله أن ينظر منها ما ليس بعورة" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها" (¬4). وقال أيضًا: "ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها" (¬5). ونقله عنه ابن قاسم (¬6). 3 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وبهذا قال جمهور الفقهاء: مالك، والشافعي، والكوفيون، وأهل الظاهر، وقد كره ذلك قوم لا مبالاة بقولهم؛ للأحاديث الصحيحة" (¬7). 4 - النووي (676 هـ) حيث قال: "استحباب النظر إلى وجه من يريد تزوجها، وهو مذهبنا، ومذهب مالك، وأبي حنيفة، وسائر الكوفيين، وأحمد، وجماهير العلماء، وحكى القاضي عن قوم كراهته، وهو مخالف لصريح هذا الحديث، ومخالف لإجماع الأمة على جواز النظر للحاجة عند البيع والشراء والشهادة ونحوها" (¬8). 5 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "فله النظر إلى وجه بلا خلاف" (¬9). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور من إباحة النظر إلى وجه المخطوبة، وافق عليه الحنفية (¬10)، وابن حزم الظاهري (¬11)، وهو قول الأوزاعي (¬12)، ¬
وإسحاق (¬1) (¬2). • مستند الاتفاق: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: كنت عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتاه رجل، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار. فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنظرت إليها؟ " قال: لا. قال: "فاذهب فانظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئًا" (¬3). 2 - عن جابر (¬4) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل"، قال جابر: فخطبت جارية، فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها (¬5). 3 - عن المغيرة بن شعبة (¬6) -رضي اللَّه عنه- أنه خطب امرأة، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" (¬7). 4 - أن النكاح عقد يقتضي التمليك، فكان للعاقد النظر إلى المعقود عليه، كالنظر ¬
إلى الأمة المستامة (¬1). • الخلاف في المسألة: منع قوم النظر إلى المخطوبة مطلقًا إلا لذي زوج أو رحم محرم منها، وأن وجهها وكفيها بمنزلة جسدها، فلا يجوز أن ينظر إليهما (¬2). ونسبه الماوردي إلى المغربي (¬3) (¬4)؛ والعيني إلى يونس بن عبيد (¬5)، وإسماعيل بن عُليّة (¬6)، وقوم من أهل الحديث (¬7). وقال النووي: وحكى القاضي عن قوم كراهته (¬8). • أدلة من منع النظر إلى المخطوبة مطلقًا: 1 - عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة" (¬9). 2 - عن جرير بن عبد اللَّه (¬10) -رضي اللَّه عنه- قال: سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-عن نظر الفجأة، ¬
[4 - 7] خطبة الخلية عن زوج أو عدة
فأمرني أن أصرف بصري (¬1). • وجه الدلالة: لما كانت النظرة الثانية حرامًا لأنها عن اختيار، خولف بين حكمها وحكم ما قبلها إذا كانت بغير اختيار، فدل ذلك على أنه ليس لأحد أن ينظر إلى وجه امرأة إلا أن يكون بينها وبينه من النكاح أو الحرمة.Rعدم صحة الاتفاق على إباحة النظر للمخطوبة؛ سواء لوجهها أو لسائر بدنها، لخلاف من منع النظر إليها مطلقًا، وهم من أئمة المسلمين، ومن متقدمي علماء الأمة. [4 - 7] خطبة الخلية عن زوج أو عدة: ذهب الفقهاء إلى جواز خطبة الخلية عن زوج، أو غير المعتدة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشربيني (977 هـ) حيث قال: "تحل خطبة خلية عن نكاح وعن عدة، وكل مانع من موانع النكاح، وأن لا يسبقه غيره بالخطبة، ويجاب تعريضًا وتصريحًا، كما تحرم خطبة منكوحة كذلك، إجماعًا فيهما" (¬2). • الموافقون على الإجماع: لم أجد من ذكر هذه المسألة من الفقهاء غير الشربيني من الشافعية، ولعل ذلك عائد إلى أنه مما علم بالضرورة من إباحة اللَّه سبحانه وتعالى للنكاح، بل هو من الأمور المشروعة كما سبق بيانه في مبحث مشروعية النكاح (¬3). • مستند الإجماع: كل النساء يحل نكاحهن ما لم يقم بهن مانع من نسب أو رضاع أو مصاهرة، أو تكن مخطوبةً للغير لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" (¬4).Rتحقق الإجماع على جواز خطبة الخلية عن زوج أو عدة؛ لعدم وجود مخالف. ¬
[5 - 8] خطبة ذات الزوج
[5 - 8] خطبة ذات الزوج: تحرم خطبة المرأة ذات الزوج، سواء كان ذلك تصريحًا أو تعريضًا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وإذا كانت مع زوجها لم يحل لأحد أن يخطبها لا تصريحًا ولا تعريضًا باتفاق المسلمين" (¬1). 2 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "كما تحرم خطبة منكوحة كذلك إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن تيمية والشربيني من الإجماع على تحريم خطبة ذات الزوج، وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24]، معطوفًا على قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]. والمحصنات من النساء: هن ذوات الأزواج، سواء عقد عليهن أزواجهن، أو دخلوا بهن (¬6). 2 - أن التصريح بالخطبة حال قيام النكاح يوقف موقف التهمة (¬7)؛ وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فلا يقفن موقف التهم" (¬8)، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من رتع حول الحمى، يوشك أن يقع فيه" (¬9). ¬
[6 - 9] التصريح بخطبة المعتدة
Rتحقق الإجماع على تحريم خطبة ذات الزوج؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [6 - 9] التصريح بخطبة المعتدة: المعتدات من النساء: معتدة من وفاة، أو طلاق بائن، أو طلاق رجعي (¬1). والتصريح (¬2) بخطبة المعتدة -أي عدة كانت- حرام؛ وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن التصريح بالخطبة في العدة حرام" (¬3). 2 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على أن التصريح بالخطبة لا يجوز في عدة الغير" (¬4). 3 - القرطبي (671 هـ) ونسبه لابن عطية (¬5) فقال: "أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزويجها، وتنبيه عليه، لا يجوز، وكذلك أجمعت الأمة على أن الكلام معها بما هو رفث وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز" (¬6). 4 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة، ولو كانت ¬
[7 - 10] التعريض بخطبة المعتدة من وفاة
من عدة وفاة، باتفاق المسلمين" (¬1). 5 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على منع الخطبة، وجواز التعريض في المتوفى عنها زوجها" (¬2). 6 - الحطاب (954 هـ) حيث قال: "وصريح خطبة المعتدة حرام، . . . إجماعًا" (¬3). 7 - الشربيني (977 هـ) ونسبه لابن عطية فقال: "لا يحل تصريح لمعتدة. . .، وحكى ابن عطية الإجماع على ذلك" (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)} [البقرة: 235]. المراد بالعزم على عقدة النكاح: التصريح بالخطبة، وقد نهى اللَّه عن ذلك (¬5). 2 - أن قول المرأة في انقضاء عدتها مقبول، عندئذٍ تصبح منكوحة في العدة، فحظر اللَّه تعالى التصريح بخطبتها حسمًا لهذا التوهم (¬6). 3 - أن الخاطب إذا صرح بالخطبة تحققت رغبته فيها فربما تكذب في انقضاء العدة، مسارعة إلى مكافأة الزوج، ولما فيها من غلبة الشهوة والرغبة في الأزواج (¬7).Rتحقق الإجماع على أن التصريح بخطبة المعتدة حرام؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [7 - 10] التعريض بخطبة المعتدة من وفاة: قد تكون الخطبة تصريحًا، وقد تكون تعريضًا (¬8)، وقد تكون المرأة معتدة، وقد ¬
تكون غير معتدة، فإن كانت معتدة فإنه يحرُم التصريح بخطبتها كما مر في المسألة السابقة، أما التعريض بالخطبة فإنه يباح في عدة المتوفى عنها زوجها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456) حيث قال: "واتفقوا أن التعريض للمرأة وهي في العدة حلال، . . . إذا كانت من وفاة" (¬1). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "حرَّم اللَّه عقد النكاح في العدة بقوله: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235]، وأباح التعريض بالنكاح في العدة، ولم يختلف العلماء من السلف والخلف في ذلك، فهو من المحكم المجتمع على تأويله، إلا أنهم اختلفوا في ألفاظ التعريض" (¬2). 3 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على أن التصريح بالخطبة لا يجوز في عدة الغير، أما التعريض بالخطبة؛ فيجوز في عدة الوفاة" (¬3). 4 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وأما التعريض فإنه يجوز في عدة المتوفى عنها زوجها، ولا يجوز في عدة الرجعية وما سواها، فهذه المطلقة ثلاثًا لا يحل لأحد أن يواعدها سرًّا، ولا يعزم النكاح، حتى يبلغ الكتاب أجله باتفاق المسلمين، وإذا تزوجت بزوج ثانٍ، وطلقها ثلاثًا، لم يحل للأول أن يواعدها سرًّا، ولا يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله باتفاق المسلمين، وذلك أشد وأشد، وإذا كانت مع زوجها لم يحل لأحد أن يخطبها، لا تصريحًا ولا تعريضًا باتفاق المسلمين. فإذا كانت لم تتزوج بعد لم يحل للمطلق ثلاثًا أن يخطبها، لا تصريحًا ولا تعريضًا، باتفاق المسلمين" (¬4). ¬
5 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم مَنْ مات عنها زوجها" (¬1). ونقله عنه الشوكاني (¬2). 6 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "قوله: ولا بأس بالتعريض في الخطبة؛ أراد المتوفَّى عنها زوجها؛ إذ التعريض لا يجوز في المطلقة بالإجماع" (¬3). 7 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "لا يجوز التعريض إلا للمتوفى عنها زوجها بالإجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على إباحة التعريض بالخطبة للمعتدة من وفاة هو قول ابن عباس، ومجاهد (¬5)، والثوري (¬6)، والأوزاعي (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 235]. 2 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جاء إلى أم سلمة بعد وفاة أبي سلمة، وهي تبكي، وقد وضعت خدها على التراب حزنًا على أبي سلمة، فقال لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قولي: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، اللهم اغفر له، واعقبني منه عقبى حسنة، وعوضني خيرًا منه"، قالت أم سلمة: فقلت في نفسي: مَنْ خير لي من أبي سلمة؛ أول المهاجرين هجرة، وابن عمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وابن عمي؟ فلما تزوجني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-علمت أنه خير منه (¬8). ¬
[8 - 11] التعريض بخطبة المعتدة البائن
• وجه الدلالة: 1 - دل هذا الخبر على جواز التعريض بخطبة المعتدة من الوفاة (¬1). 2 - أن اللَّه سبحانه وتعالى لما خص التعريض بالإباحة دل على تحريم التصريح (¬2). 3 - أن التصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يؤمن أن يحملها الحرص على الإخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها، والتعريض بخلافه (¬3).Rتحقق الإجماع على إباحة التعريض بالخطبة للمعتدة من وفاة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [8 - 11] التعريض بخطبة المعتدة البائن: إذا طُلّقت المرأة طلاقًا بائنًا فإن عدة الطلاق تلزمها، ولا يجوز التصريح بخطبتها وهي في العدة، أما التعريض فقد نُقل اتفاق العلماء على إباحته. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456) حيث قال: "واتفقوا أن التعريض للمرأة وهي في العدة حلال، إذا كانت العدة في غير رجعية" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن حزم من الاتفاق على إباحة التعريض بالخطبة للمعتدة من طلاق بائن وافق عليه المالكية (¬5)، والشافعية في الصحيح من أحد القولين (¬6)، والحنابلة في المذهب (¬7). • مستند الاتفاق: ما روت فاطمة بنت قيس -رضي اللَّه عنها- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها لما طلقها زوجها ثلاثًا: "إذا حللت فآذنيني"، وفي رواية: "لا تسبقيني بنفسك"، وفي لفظ: "لا تفوتينا بنفسك" (¬8). • وجه الدلالة: أن ما قاله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لفاطمة هو تعريض بخطبتها في عدتها، وهي مطلقة بائن (¬9). ¬
[9 - 12] التعريض بخطبة الرجعية
• الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬1)، والشافعية في قول (¬2)، والحنابلة في رواية (¬3) إلى القول بمنع التعريض بخطبة المعتدة من طلاق بائن. • أدلة هذا القول: 1 - أن العدة من حق الزوج، والتعريض بخطبتها يورث عداوة بين الخاطب والزوج (¬4). 2 - أن صاحب العدة قد ينكح مطلقته البائن -بغير الثلاث- فأشبهت الرجعية، والمفسوخ نكاحها (¬5).Rعدم صحة ما ذكر من الاتفاق على إباحة التعريض بالخطبة للمعتدة من طلاق بائن؛ لخلاف الحنفية، والشافعية في أحد القولين، والحنابلة في رواية، بمنعه. [9 - 12] التعريض بخطبة الرجعية: إذا كانت المطلقة معتدة من طلاق رجعي، فإنه يحرم التعريض -والتصريح من باب أولى- بخطبتها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456) حيث قال: "واتفقوا أن التعريض للمرأة، وهي في العدة حلال، إذا كانت العدة في غير رجعية" (¬6). 2 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "لا يجوز التعريض بخطبة الرجعية إجماعًا" (¬7). ونقله عنه الحطاب (¬8). 3 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وأما التعريض فإنه يجوز في عدة المتوفى عنها زوجها، ولا يجوز في عدة الرجعية وما سواها، فهذه المطلقة ثلاثًا لا يحل لأحد أن يواعدها سرًّا، ولا يعزم النكاح، حتى يبلغ الكتاب أجله باتفاق المسلمين" (¬9). 4 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "قوله: ولا بأس بالتعريض في الخطبة أراد المتوفى عنها زوجها؛ إذ التعريض لا يجوز في المطلقة بالإجماع" (¬10). ونقله عنه ابن ¬
عابدين (¬1). 5 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة، ولا التعريض بخطبة الرجعية، بلا نزاع" (¬2). 6 - الحصكفي (¬3) (1088 هـ) حيث قال: "وصح التعريض، كـ: أريد التزوج، لو معتدة الوفاة، لا المطلقة إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم التعريض بخطبة المطلقة الرجعية، وافق عليه الشافعية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - أن المطلقة من طلاق رجعي لها حكم الزوجات، فهي كالتي في صلب النكاح (¬6). 2 - أن المطلقة لا يجوز لها الخروج من بيتها أصلًا، فلا يُتمَكَّن من التعريض على وجه لا يخفى على الناس (¬7). 3 - أن المطلقة طلاقًا رجعيًّا زوجة للمطلق؛ لقيام ملك النكاح من كل وجه، فلا تجوز خطبتها، كما لا تجوز قبل الطلاق (¬8). 4 - أن التعريض للمطلقة بالخطبة يفضي إلى العداوة بين المعرِّض والمطلق (¬9).Rتحقق الإجماع على تحريم التعريض بخطبة المعتدة من طلاق رجعي؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[10 - 13] تصريح الزوج وتعريضه للبائن بغير طلاق
[10 - 13] تصريح الزوج وتعريضه للبائن بغير طلاق: إذا بانت المرأة من زوجها بخلع، أو بفسخ نكاح بسبب عيب، أو إعسار بنفقة، أو طلاق بغير الثلاث، ونحو ذلك، فإنه يحل لزوجها التصريح والتعريض بخطبتها في زمن العدة، دون غيره، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وكثير من أهل التحليل يفعلون أشياء محرمة باتفاق المسلمين؛ فإن المرأة لا يحل لغير زوجها أن يصرح بخطبتها، سواء كانت معتدة من عدة طلاق أو وفاة، قال تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235]، فنهى اللَّه تعالى عن المواعدة سرًّا، وعن عزم عقدة النكاح، حتى يبلغ الكتاب أجله، وإذا كان هذا في عدة الموت فهو في عدة الطلاق أشد باتفاق المسلمين" (¬1). 2 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "محل الخلاف (¬2) إذا كان المعرض أجنبيًّا، فأما من كانت في عصمته فإنه يباح له التعريض والتصريح بلا نزاع" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره علماء الحنابلة من الاتفاق على أنه يجوز للزوج أن يصرح بالخطبة، ويعرِّض للمعتدة البائن بغير طلاق ثلاث منه، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الاتفاق: 1 - يجوز للزوج التصريح والتعريض بخطبتها؛ لأنه مباح له نكاحها في عدتها، فهي كغير المعتدة بالنسبة له (¬8). 2 - ورود النهي المانع من نكاح المعتدة إنما هو في حق الأجانب دون الأزواج؛ ¬
[11 - 14] نظر الرجل إلى الرجل
لأن العدة إنما لزمتها حقًّا للزوج، لكونها باقية على حكم نكاحه (¬1).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أنه يجوز للزوج أن يصرح ويعرض بالخطبة للمعتدة البائن منه بغير طلاق ثلاث؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [11 - 14] نظر الرجل إلى الرجل (¬2): نقل الاتفاق جمع من أهل العلم على إباحة نظر الرجل إلى الرجل مع أمن الفتنة، وتحريم النظر إلى عورته. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن القطان (¬3) (628 هـ) حيث قال: "نظر الرجال إلى الرجال، هذا جائز بلا خلاف، ما لم يكن المنظور إليه من جسد الرجل عورة" (¬4). 2 - النووي (676 هـ) حيث قال: "تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا لا خلاف فيه" (¬5). ونقله عنه ابن حجر (¬6). 3 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "ويحل بلا شهوة عند أمن الفتنة نظر رجل إلى رجل اتفاقًا" (¬7). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن القطان من المالكية، وعلماء الشافعية من الاتفاق على إباحة نظر الرجل إلى الرجل عند أمن الفتنة، وتحريم النظر إلى عورته وافق عليه الحنفية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وابن حزم (¬10). ¬
[12 - 15] النظر إلى المرأة الأجنبية
• مستند الاتفاق: عن أبي سعيد الخدري (¬1) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد" (¬2).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على إباحة نظر الرجل إلى الرجل، وتحريم النظر إلى العورة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [12 - 15] النظر إلى المرأة الأجنبية: حرّم اللَّه سبحانه وتعالى الزنى، وحرّم كل ما يؤدي إليه من نظرة محرّمة وخلوة، ونحو ذلك، ومن هنا حرّم النظر إلى المرأة الأجنبية، أو إلى وجهها عند خوف الفتنة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - النووي (676 هـ) حيث قال: "نظر الرجل إلى عورة المرأة، والمرأة إلى عورة الرجل، حرام بالإجماع" (¬3). 2 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية، وذوات المحارم بشهوة" (¬4). وقال أيضًا: "فأما مؤاخاة الرجال النساء الأجانب، وخلوهم بهن، ونظرهم إلى الزينة الباطنة منهن: فهذا حرام باتفاق المسلمين" (¬5). 3 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "ويحرم نظر فَحْلٍ بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية بلا خلاف، . . . وكذا وجهها وكفيها عند خوف فتنة تدعو إلى الاختلاء بها لجماع أو مقدماته بالإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره النووي، والشربيني من الشافعية، وابن تيمية من الحنابلة من الإجماع على تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية، أو إلى وجهها عند خوف ¬
[13 - 16] الخلوة بالمرأة الأجنبية
الفتنة، وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، وابن حزم الظاهري (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30]. • وجه الدلالة: افترض اللَّه سبحانه وتعالى غض البصر جملة، كما افترض حفظ الفرج، فهو عموم لا يجوز أن يخص منه إلا ما خصه نص صحيح، وقد خص النص نظر من أراد الزواج فقط (¬4). 2 - عن جرير بن عبد اللَّه البجلي -رضي اللَّه عنه- قال: سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن نظر الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري (¬5). 3 - عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة" (¬6). 4 - في إباحة النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها دليل على التحريم، عند عدم ذلك؛ إذ لو كان مباحًا على الإطلاق فما وجه التخصيص لهذه؟ (¬7). 5 - أن النظر هو مظنة الفتنة ومحرك الشهوة، فكان سببًا في الوقوع في الحرام، فكان حرامًا إلا في حالة ضرورة تدعو، كشهادة ونحوها (¬8).Rتحقق الإجماع على تحريم النظر إلى المرأة بشهوة، أو إلى وجهها عند خوف الفتنة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [13 - 16] الخلوة بالمرأة الأجنبية: من الأمور المقررة في الشريعة تحريم الزنى، وتحريم دواعية، ومن ذلك تحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما، فحرام باتفاق العلماء" (¬9). ¬
[14 - 17] نظر المرأة إلى الرجل
2 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "فأما مؤاخاة الرجال النساء الأجانب، وخلوهم بهن، ونظرهم إلى الزينة الباطنة منهن: فهذا حرام باتفاق المسلمين" (¬1). 3 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع" (¬2). ونقله عنه الشوكاني (¬3). 4 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "دل الحديث (¬4) على تحريم الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع" (¬5). وقال أيضًا: "وفي الحديث دليل على أنه يحرم الخلوة بالأجنبية، وأنه يباح له الخلوة بالمحرم، وهذان الحكمان مجمع عليهما" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية وافق عليه الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب يقول: "لا يخلون رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر إلا مع ذي محرم" (¬9). 2 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الأخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان" (¬10).Rتحقق الإجماع على أنه يحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية، وذلك لعدم وجود مخالف. [14 - 17] نظر المرأة إلى الرجل: كما يحرم على الرجل أن ينظر إلى المرأة بشهوة، كذلك يحرم على المرأة النظر ¬
إلى الرجل بشهوة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث قال: "وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي، فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق" (¬1). ونقله عنه ابن حجر (¬2)، وابن قاسم (¬3). وقال أيضًا: "نظر الرجل إلى عورة المرأة، والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع" (¬4). ونقله عنه ابن حجر (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما نقله علماء الشافعية، وابن قاسم من الحنابلة من الإجماع على تحريم نظر المرأة إلى الرجل إن كان بشهوة وافق عليه الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ} [النور: 31]. • وجه الدلالة: أمر اللَّه سبحانه وتعالى النساء بغض أبصارهن كالرجال، فيحرم في حقها النظر إلى الرجل، كما يحرم في حق الرجل النظر إليها (¬8). 2 - عن نبهان (¬9) مولى أم سلمة، أن أم سلمة حدثته أنها كانت عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وميمونة (¬10)، قالت: فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم (¬11) فدخل عليه، وذلك بعد ¬
[15 - 18] النظر بين الزوجين
ما أنزل اللَّه الحجاب، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "احتجبا منه"، فقلت: يا رسول اللَّه أليس هو أعمى لا يبصرنا، ولا يعرفنا؟ فقال: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه" (¬1).Rتحقق الإجماع على تحريم نظر المرأة إلى الرجل إن كان بشهوة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [15 - 18] النظر بين الزوجين: يجوز لكلٍّ من الزوجين أن ينظر إلى جميع بدن الآخر، حتى الفرجين، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "المرأة كلها عورة، . . . إلا ما لا خلاف فيه من أنه لا يحل لغير الزوج النظر إليه من الفرج والدبر" (¬2). ¬
2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "لا يحل لأحد أن يبدي عورته، ويكشف فرجه إلى آدمي ينظر إليه من رجل أو امرأة، إلا من كانت حليلته امرأته أو سريته، وهذا ما لا أعلم فيه خلافًا بين المسلمين" (¬1). 3 - ابن القطان (628 هـ) حيث قال: "لا يحرم على أحد الزوجين إبداء شيء لصاحبه من نفسه، ولا خلاف فيه" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء المالكية، وابن حزم من إباحة نظر كل من الزوجين إلى بدن الآخر، حتى الفرجين وافق علية الحنفية (¬3)، والشافعية في أحد الوجهين (¬4)، والحنابلة في المذهب (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} [المؤمنون: 5، 6]. • وجه الدلالة: أمر سبحانه وتعالى بحفظ الفرج إلا عن الزوجة وملك اليمين، فلا ملامة في ذلك، وهذا عموم في رؤيته، ولمسه، ومخالطته (¬6). 2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: كنت أغتسل أنا والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من إناء واحد (¬7). قال ابن حجر: وحديث عائشة نص في المسألة (¬8). 3 - عن معاوية بن حيدة (¬9) -رضي اللَّه عنه- قال: قلت: يا رسول اللَّه، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك، إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك" (¬10). ¬
• وجه الدلالة: في هذا الحديث دلالة على إباحة النظر إلى عورة الزوجة (¬1). 4 - أنه يحل الاستمتاع بالفرج، فجاز النظر إليه ولمسه، كبقية البدن (¬2). • الخلاف في المسألة: نُقل القول بكراهة النظر إلى الفرجين بين الزوجين، فقد قال الأقفهسي (¬3) من المالكية: المراد بالفرج القبل، لا الدبر؛ لأنه لا يجوز التمتع بالدبر، فلا يجوز النظر إليه (¬4)، والوجه الصحيح عند الشافعية (¬5)، وقول لبعض الحنابلة (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - ما روت مولاة عائشة عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: ما رأيت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا رأى مني (¬7). 2 - ما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "النظر إلى الفرج يورث الطمس" (¬8). أي: العمى. ¬
[16 - 19] النظر إلى الأمرد
3 - عن عتبة بن عبد السلمي (¬1) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجرد تجرد العيرين" (¬2).Rصحة ما ذكر من نفي الخلاف في إباحة نظر كل من الزوجين إلى الآخر، حتى الفرجين؛ لأن القول بالكراهة لا ينافي الجواز. [16 - 19] النظر إلى الأمرد: نقل الإجماع على تحريم النظر إلى الأمرد إن كان بشهوة (¬3) جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن القطان (628 هـ) حيث قال: "إن كان المنظور إليه أمرد مدركًا، أو غلامًا أي: غير مدرك، . . . فهذا مما لا خلاف في تحريم النظر إليه، بل يحرم بالإجماع أن يقصد إلى ذلك" (¬4). 2 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "والنظر إلى وجه الأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم والمرأة الأجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء، أو كانت شهوة التلذذ بالنظر، كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية كان معلومًا لكل أحد أن هذا حرام، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة. . . وكذلك النظر إلى الأمرد بشهوة هو من هذا الباب، وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك. . . فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام: أحدها: ما يقترن به الشهوة فهو محرم بالاتفاق" (¬5) ونقله عنه ابن ¬
[17 - 20] ما يحرم النظر إليه من المحارم
القاسم (¬1). 3 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "ويحرم نظر أمرد بشهوة، بالإجماع" (¬2). وذكره أيضًا في الإقناع (¬3). 4 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "أجمعوا على أنه يحرم النظر لغير الملتحي لقصد التلذذ بالنظر إليه، وإمتاع حاسة البصر بمحاسنه، وأجمعوا على جواز النظر إليه بغير قصد اللذة، والناظر مع ذلك آمِن من الفتنة" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم النظر إلى الأمرد إن كان بشهوة وافق عليه الحنفية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - يستدل بما ورد من أدلة في الأمر بغض البصر، ويضاف إلى ذلك. 2 - أنه قدم وفد عبد القيس (¬6) على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيهم غلام أمرد، ظاهر الوضاءة، فأجلسه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وراء ظهره (¬7).Rتحقق الإجماع على تحريم النظر إلى الأمرد إن كان بشهوة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [17 - 20] ما يحرم النظر إليه من المحارم: نُقل الإجماع على تحريم النظر إلى المحارم من النساء ما بين السرّة إلى الركبة، سواء كان بشهوة أو بغيرها، وتحريم النظر إليهن مطلقًا إن كان بشهوة. ¬
• من نقل الإجماع: 1 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "ولا ينظر الفحل إلى محرمه الأنثى من نسب أو رضاع أو مصاهرة ما بين سرّة وركبة منها، أي: ويحرم نظر ذلك إجماعًا" (¬1). 2 - ابن القاسم (1392 هـ) حيث قال: "لا خلاف في النظر على الوجه المباح إلى ذوات محارمه، كأمه، وأخته، وابنته، كما أنه لا خلاف في منعه على وجه الالتذاذ والاستمتاع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: أولًا: ما ذكره ابن قاسم من الحنابلة من تحريم النظر إلى المحارم بشهوة وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم (¬6). ثانيًا: ما ذكره الشربيني من الشافعية، من تحريم النظر إلى ما بين السرّة والركبة من المحارم، سواء كان بشهوة أو غيرها، وافق عليه الحنفية (¬7)، وهو الوجه الصحيح عند الشافعية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} [النور: 30]. 2 - قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31]. 3 - قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا ¬
أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)} [الأحزاب: 55]. • وجه الدلالة: أمر اللَّه سبحانه وتعالى النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين إلا ما استثناه منهم؛ حذرًا من الافتتان (¬1). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب المالكية (¬2)، والشافعية في وجه (¬3)، والحنابلة (¬4) إلى أن المقدار الذي يراه الرجل من محارمه هو ما يظهر غالبًا، كالوجه والذراعين، والقدمين، وما فوق النحر؛ فلا يدخل الصدر، والبطن، والساقان، فيما يجوز للرجل أن يراه من محرمه. • أدلة هذا القول: استدلوا بما ذكر في مستند الإجماع، وحملوا الزينة التي تظهر للمحارم على ما يظهر غالبًا عند المهنة (¬5). ثانيًا: ذهب ابن حزم إلى أنه يجوز للرجل أن يرى من محرمه كل جسمها، ما عدا السوأتين (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} الآية [النور: 31]. • وجه الدلالة: 1 - ذكر اللَّه سبحانه وتعالى في هذه الآية أن للمرأة زينتين: ظاهرة، وهي الوجه والكفان، وباطنة لا يراها إلا من ذكر في الآية (¬7). 2 - أن غير الزوج يحرم عليه النظر إلى الفرجين، فيحل للرجل أن يرى من محارمه كل جسمها، ما عدا الفرجين (¬8).Rأولًا: تحقق الإجماع على أنه يحرم النظر إلى المحارم بشهوة، ولا ¬
مخالف في هذا. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن يجوز للرجل أن يرى من محارمه كل جسمها، ما عدا ما بين السرة والركبة؛ لما يأتي: 1 - خلاف المالكية، والشافعية في أحد الوجهين، والحنابلة، أن الرجل لا يرى من محارمه إلا ما يظهر غالبًا، كالوجه، والرأس، والقدمين، ونحوها. 2 - خلاف ابن حزم في إباحة أن يرى الرجل من محارمه كل جسمها، ما عدا الفرجين. * * *
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في ألفاظ النكاح وشروطه
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في ألفاظ النكاح وشروطه [1 - 21] انعقاد النكاح بلفظ الإنكاح والتزويج: ينعقد النكاح بالإيجاب والقبول عند جميع الفقهاء، فهما من الأمور المعتبرة في عقد النكاح كسائر العقود (¬1)؛ واختلفوا ما الذي يكون أولًا؛ هل هو الإيجاب أو القبول؟ (¬2). وقد نُقل الإجماع على أن الصيغة التي ينعقد بها كل من الإيجاب والقبول هي: الإنكاح، والتزويج، وهما اللفظان الصريحان في النكاح. • من نقل الإجماع: 1 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه إذا قال الولي: زوجتك، أو أنكحتك، فقال الزوج: قبلت هذا النكاح، فإنه ينعقد النكاح" (¬3). ¬
ونقله عنه السيوطي (¬1) (¬2)، والشربيني (¬3)، وابن قاسم (¬4). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "لا خلاف أن النكاح ينعقد بلفظ الإنكاح والتزويج" (¬5). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على انعقاد النكاح بلفظ النكاح ممن إذنه اللفظ، وكذلك بلفظ التزويج" (¬6). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وينعقد النكاح بلفظ الإنكاح والتزويج، والجواب عنهما، إجماعًا" (¬7). ونقله عنه ابن قاسم (¬8). 5 - ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬9). 6 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "أما انعقاده بلفظ النكاح والتزويج فلا خلاف فيه" (¬10). 7 - ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: "وإنما يصح بلفظ تزويج ونكاح؛ لأنهما صريح، . . . اعلم أن الصريح ينعقد به النكاح بلا خلاف" (¬11). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن النكاح ينعقد بلفظي الإنكاح والتزويج، وافق عليه ابن حزم (¬12). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37]. 2 - وقال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]. ¬
3 - وقال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} البقرة: 230]. • وجه الاستدلال بالآيات: قالوا: سمى اللَّه سبحانه وتعالى في كتابه "النكاح" باسمين؛ هما: النكاح والتزويج؛ فيجب المصير إليهما، وعلى هذا فالفروج محرّمة قبل العقد، فلا تحل أبدًا إلا بأن يقول الولي: قد زوجتكها، أو أنكحتكها، ويقول الخاطب: قد قبلت تزويجها، أو نكاحها (¬1). 4 - جاءت امرأة إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إني وهبت من نفسي، فقامت طويلًا، فقال رجل: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة. . . قال: "قد زوجناكها بما معك من القرآن" (¬2). 5 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع: "إن النساء عوان عندكم لا يملكن من أمورهن شيئًا، إنكم أخذتموهن بأمانة اللَّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللَّه" (¬3). موضع الدليل من هذا الحديث: "واستحللتم فروجهن بكلمة اللَّه"، وليس في كتاب اللَّه إلا لفظ النكاح والتزويج، فدل على أنه لا تستحل الفروج إلا بهما (¬4). 6 - أن النكاح ينزع إلى العبادات لورود الندب فيه، والأذكار في العبادات تُتَلَقَّى من الشرع، والشرع لم يرد إلا بلفظي الإنكاح والتزويج (¬5).Rتحقق الإجماع على أن النكاح ينعقد بلفظي الإنكاح والتزويج؛ وذلك لعدم وجود مخالف. • تنبيه: لا يجوز أن تقصر الألفاظ التي يصح بها النكاح على هذين اللفظين؛ لما يأتي: 1 - يرى الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7) أن النكاح ينعقد بالألفاظ التالية: البيع، والهبة، ¬
[2 - 22] عدم انعقاد النكاح بلفظ الإباحة والإحلال
والصدقة، والتمليك. 2 - يرى الشافعية (¬1)، والحنابلة في الصحيح من المذهب (¬2) أن النكاح لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج. 3 - يرى ابن حزم أن النكاح ينعقد بلفظ التمليك (¬3). 4 - يرى ابن تيمية -وهو قياس المذهب- أن النكاح ينعقد بكل لفظ عده الناس نكاحًا (¬4). [2 - 22] عدم انعقاد النكاح بلفظ الإباحة والإحلال: لا ينعقد النكاح بلفظ الإباحة والإحلال، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وقد أجمعوا أن النكاح لا ينعقد بقوله: قد أبحت لك، أو قد أحللت لك" (¬5). وذكره في الاستذكار (¬6). ونقله عنه القرافي (¬7)، والمواق (¬8) (¬9)، والحطاب (¬10). 2 - القرطبي (671 هـ) فذكره كما قال ابن عبد البر (¬11). 3 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: ". . . وقسم لا خلاف في عدم الانعقاد به"، ثم ذكره بعد، فقال: "لا ينعقد بلفظ الإباحة والإحلال" (¬12). 4 - ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: "وقسم لا خلاف في عدم الانعقاد به؛ وهو ¬
[3 - 23] لا خيار في عقد النكاح
لفظ الإباحة والإحلال" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنفية، والمالكية من الإجماع على أن النكاح لا ينعقد بلفظ الإباحة والإحلال وافق عليه الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: 1 - يستدل بما سبق في المسألة السابقة من الأدلة، على أنه لا يجوز الخروج عن اللفظين اللذين ورد بهما الشرع. 2 - لا ينعقد النكاح بلفظ الإباحة والإحلال؛ لأنه لا يدل على تمليك المتعة في كل منهما (¬5). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب بعض المالكية - كما نقل ابن القصار عنهم - أن النكاح ينعقد بلفظ الإباحة والإحلال، إن أريد بذلك النكاح (¬6). ثانيًا: يرى ابن تيمية أن النكاح ينعقد بكل لفظ عده الناس نكاحًا، بأي لغة، وبأى لفظ وفعل كان (¬7). • يستدل للقولين بما يلي: أن عقد النكاح كغيره من العقود، وأن الشرط بين الناس ما عدوه شرطًا، فالأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع، وتارة باللغة، وتارة بالعرف، فكذلك سائر العقود (¬8).Rعدم تحقق الإجماع على أن النكاح لا ينعقد بلفظي الإباحة والإحلال، لخلاف بعض المالكية، وابن تيمية في انعقاده بكل لفظ يدل على النكاح. [3 - 23] لا خيار في عقد النكاح: لا يثبت في عقد النكاح خيار لأحد الزوجين، كأن يعقد النكاح على أن يكون ¬
لأحدهما الخيار، سواء كان خيار مجلس، أو شرط، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "ولم أعلم مخالفًا في الجملة أن النكاح لا يجوز على الخيار، كما تجوز البيوع" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا يثبت في النكاح خيار، وسواء في ذلك خيار المجلس، وخيار الشرط، ولا نعلم أحدًا خالف في هذا" (¬2). 3 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "ولا يثبت في النكاح خيار بلا خلاف" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره الإمام الشافعي، وعلماء الحنابلة -من أنه لا خلاف بين العلماء أنه لا خيار في عقد النكاح- وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - الحاجة داعية إلى النكاح؛ فلا يقع غالبًا إلا بعد تروٍّ وفكر، وسؤال كل واحد من الزوجين عن صاحبه، والمعرفة بحاله، فهو بخلاف البيع الذي يقع بغير فكرٍ وروية (¬7). 2 - أن النكاح ليس بمعاوضة محضة، ولهذا لا يعتبر العلم بالمعقود عليه برؤية ولا صفة (¬8). 3 - أن النكاح يصح من غير تسمية العوض، فليس ركنًا فيه، ولا مقصودًا منه (¬9). 4 - أن ثبوت الخيار في النكاح يفضي إلى فسخه بعد ابتذال المرأة والإضرار بها (¬10). 5 - مما يدل على عدم ثبوت الخيار في النكاح؛ وحتى لا تبتذل المرأة، ولا يُضر ¬
[4 - 24] تعيين الزوجين عند عقد النكاح
بها، أنه يجب نصف الصداق إذا طلقت قبل الدخول (¬1).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف بين العلماء في أنه لا خيار في عقد النكاح. [4 - 24] تعيين الزوجين عند عقد النكاح: اشتراط تعيين الزوجين في عقد النكاح مما اتفق الفقهاء عليه، فلا يعقد النكاح على مبهمة؛ كأن يقول الرجل: زوجني إحدى ابنتيك، ونحو ذلك، فلا بد أن يُسمَّى كل من الزوجين بما يدل عليه. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "إن العلماء، وإن كانوا قد اختلفوا في جواز البيع إذا قال: بعتك أحد عبديّ هذين بثمن كذا؛ فإنهم اتفقوا على أن ذلك لا يجوز في النكاح؛ لأنه خيار، ولا شيء من الخيار يلصق بالنكاح" (¬2). 2 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "إذا اختلف الفقهاء في تعيين المعقود عليه في البيع، فإنهم اتفقوا على أن ذلك لا يجوز في النكاح" (¬3). 3 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وشروطه خمسة: أحدها: تعيين الزوجين. . . بلا نزاع في ذلك في الجملة" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره علماء المالكية، والمرداوي من الحنابلة من الاتفاق على أنه يشترط تعيين الزوجين في عقد النكاح وافق عليه الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - أن عدم تعيين الزوجين في عقد النكاح فيه خيار، وشيء من الخيار لا يصح في عقد النكاح (¬7). 2 - أن الرضا لا يتحقق بالمجهول؛ فلا بد من التعيين (¬8). ¬
[5 - 25] رضى الزوج الكبير
Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أنه يشترط تعيين الزوجين في عقد النكاح. [5 - 25] رضى الزوج الكبير: يُشترط في عقد النكاح أن يرضى الزوج البالغ بأن يعقد النكاح، فإنه ليس لأحد أن يلزمه بذلك، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "أجمعوا على أن الذكر إذا بلغ؛ لا مدخل لأبيه ولا لغيره في إنكاحه أصلًا" (¬1). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أما الرجال البالغون الأحرار المالكون لأمر أنفسهم فإنهم اتفقوا على اشتراط رضاهم وقبولهم في صحة النكاح" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن رشد من المالكية، وابن حزم الظاهري من الإجماع على أنه يشترط رضى الزوج البالغ في عقد النكاح وافق عليه الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أن النكاح لا يكون إلا من جائز التصرّف، ولا يكون الإنسان جائز التصرف إلا بالعقل والبلوغ، فاعتبر رضاه عندئذٍ (¬7). 2 - أن رضى الزوجين شرط في صحة العقد؛ لأن العقد لهما؛ فاعتبر تراضيهما به كالبيع، فإن لم يرضيا أو أحدهما لم يصح العقد؛ لفوات شرطه (¬8).Rتحقق الإجماع على أنه يشترط في عقد النكاح رضى الزوج الكبير، وأنه ليس لأحد أن يلزمه بالعقد، وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[6 - 26] تزويج الصغير
[6 - 26] تزويج الصغير: نقل جمع من أهل العلم الإجماع على أن للأب إجبار ابنه الصغير على النكاح، وأن رضاه غير معتبر. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن إنكاح الأب ابنه الصغير جائز" (¬1). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن الأب يجبر ابنه الصغير على النكاح، وكذلك ابنته الصغيرة البكر، ولا يستأمرها" (¬2). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "فأما الغلام السليم من الجنون فلا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أن لأبيه تزويجه" (¬3). 4 - الحطاب (954 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في جواز إنكاحه ابنه الصغير" (¬4). 5 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "لا خلاف أن للأب تزويج ابنه الغلام العاقل بغير إذنه" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن للأب إجبار ابنه الصغير على النكاح، وأن رضاه غير معتبر وافق عليه الحنفية (¬6). وهو قول عروة بن الزبير (¬7)، وعامر الشعبي (¬8)، والنخعي (¬9)، والحسن البصري، . . . . . . . .. ¬
وعطاء (¬1)، والزهري (¬2)، وإسحاق، وقتادة (¬3)، والثوري في أحد القولين عنهما (¬4). • مستند الإجماع: 1 - أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير ابنة أخيه (¬5). 2 - أن الأب كامل الرأي، وافر الشفقة، فيباشر العقد عنه، كما إذا باشره بعد البلوغ برضاه (¬6). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم الظاهري إلى أنه ليس للأب ولا لغيره إنكاح الصغير الذكر حتى يبلغ، فإن فعل فهو مفسوخ أبدًا (¬7). وهو قول طاوس (¬8)، وقتادة، والثوري في القول الآخر عنهما (¬9). • دليل هذا القول: قال تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164]. • وجه الدلالة: قول اللَّه تعالى هنا مانع من جواز عقد أحد على أحد، إلا أن يوجب ذلك إنفاذ نص قرآن أو سنة، ولا نص ولا سنة في جواز إنكاح الأب ابنة الصغير (¬10). ¬
[7 - 27] استئذان البكر البالغة في النكاح
Rأولًا: ما ذكره العلماء من أن للأب إجبار ابنه الصغير على النكاح، وأن رضاه غير معتبر صحيح لدى المذاهب الأربعة، فيمكن أن يقال: إنه اتفاق الأئمة الأربعة. ثانيًا: لا يقال: إن المسألة مجمع عليها، بل المسألة خلافية؛ لخلاف طاوس، وقتادة، والثوري في أحد القولين عنهما، وابن حزم. ثالثًا: ما ذكره ابن حزم، ونقله عن بعض السلف بأنه ليس للأب إنكاح ابنه قبل البلوغ فهو معارض بمثله عمن نقله عنهم، وعن غيرهم. [7 - 27] استئذان البكر البالغة في النكاح: استئذان البكر البالغة في النكاح مستحب وليس واجبًا، وهذا يعني أن للأب أن يجبر ابنته على النكاح، ويبقى الاستئذان على الاستحباب، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولو استأذن البكرَ البالغة والدُها كان حسنًا، لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في استحباب استئذانها" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أنه يستحب استئذان البكر البالغة في عقد النكاح، وللأب إجبارها وافق عليه المالكية (¬2)، والشافعية (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قلت: يا رسول اللَّه، تُستأمَر النساء في أبضاعهن؟ قال: "نعم"، قلت: فإن البكر تُستأمَر فتستحي فتسكت، قال: "سكاتها إذنها" (¬4). • وجه الدلالة: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالاستئذان، ونهى عن النكاح بدونه، وأقل أحوال ذلك الاستحباب (¬5). 2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد أن يزوج شيئًا من بناته جلس ¬
[8 - 28] استحباب استئذان الأم في تزويج ابنتها
إلى خدرها، فقال: "إن فلانًا يذكر فلانة" يسميها ويسمي الرجل الذي يذكرها، فإن هي سكتت زوجها، وإن كرهت نقرت الستر، فإذا نقرته لم يزوجها (¬1). 3 - يستحب له أن يستأذنها؛ لأنه قد يكون بها عيب لا يعلمه، ولو علمه لم يزوجها، فإذا استأذنها أعلمته به، فيتحرز منه (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬3)، والحنابلة في رواية (¬4) اختارها ابن تيمية (¬5)، وابن حزم (¬6) إلى أن البكر البالغة لا إجبار عليها، ولا بد من استئذانها. • أدلة هذا القول: 1 - حملوا دلالة النصوص التي استدل بها الجمهور في مستند الإجماع على الوجوب (¬7). 2 - أنها حرة مخاطبة فليس لأحد إجبارها، فقد كمل عقلها بالبلوغ (¬8).Rما ذكر من أنه لا خلاف في استحباب استئذان البكر، وأنه ليس على الوجوب، فللولي أن يجبر ابنته البكر البالغة على النكاح غير صحيح؛ لخلاف الحنفية، والحنابلة في رواية، وابن حزم، حيث قالوا: إنه ليس له إجبارها، وأنه يجب استئذانها. [8 - 28] استحباب استئذان الأم في تزويج ابنتها: للأب أن يستشير امرأته عند تزويج ابنتها على سبيل الاستحباب، وليس على سبيل الوجوب، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "ولا يختلف الناس أن ليس لأمها أمر، ولكن على معنى استطابة النفس" (¬9). ونقله عنه ابن حجر (¬10)، والشوكاني (¬11). ¬
2 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "آمروا النساء في بناتهن" هذا غير لازم بالإجماع، وإنما هو مستحب" (¬1). ونقله عنه الحطاب (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الشافعية، وابن العربي من المالكية من الإجماع على استحباب مشاورة الرجل امرأته عند إنكاحه ابنتها وافق عليه الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "آمروا النساء في بناتهن" (¬5). 2 - خطب عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- إلى نعيم بن عبد اللَّه (¬6) ابنته، وهي بكر، فقال له نعيم: إن في حجري يتيما لي لست مؤثرًا عليه أحدًا، فانطلقت أم الجارية امرأة نعيم إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: ابن عمر خطب ابنتي، وإن نعيمًا رده، وأراد أن ينكحها يتيمًا له. فأرسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى نعيم فقال له: "أرضها، وأرض ابنتها" (¬7). • وجه الدلالة: أن الأم تشارك الأب في النظر لابنتها، وتحصيل المصلحة لها، لشفقتها عليها، ففي استئذانها تطييب لقلبها وإرضاء لها، ولأنه إذا كان برضاها حسنت صحبة زوج ابنتها (¬8).Rتحقق الإجماع على أنه يستحب مشاورة الرجل امرأته عند زواج ابنتها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[9 - 29] تزويج الثيب الكبيرة
[9 - 29] تزويج الثيب الكبيرة: نقل الإجماع على اعتبار رضى الثيب الكبيرة في النكاح جمع من أهل العلم، وأنه ليس للولي إجبارها. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمعوا أن إنكاح الأب ابنته الثيب بغير رضاها لا يجوز" (¬1). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "ولا أعلم مخالفًا في أن الثيب لا يجوز لأبيها، ولا لغيره من الأولياء إكراهها على النكاح" (¬2)، وذكر ذلك في الاستذكار (¬3). 3 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على أن تزويج الثيب البالغة العاقلة لا يجوز دون إذنها، فإن زوجها وليها دون إذنها فالنكاح مردود" (¬4). 4 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "أما الثيب الكبيرة فلا خلاف أنها أحق من وليها بنفسها في رضى النكاح" (¬5). 5 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن البنت الكبيرة لا تجبر على النكاح" (¬6). ونقله عنه ابن القاسم (¬7). 6 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولا خلاف أنهما لا يملكان (¬8) إنكاح الثيب البالغة بغير رضاها" (¬9). 7 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أجمعوا على أن الأب يجبر البكر غير البالغ، وأنه لا يجبر الثيب البالغ" (¬10). ونقله عنه ابن قاسم (¬11). وقال أيضًا: "النساء اللاتي يعتبر رضاهن في النكاح، فاتفقوا على اعتبار رضى الثيب البالغ" (¬12). 8 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وأما البالغ الثيب فلا يجوز تزويجها بغير إذنها لا ¬
للأب ولا لغيره بإجماع المسلمين" (¬1). وقال أيضًا: "أما إذا كانت ثيبًا من زوج، وهي بالغ، فهذه لا تنكح إلا بإذنها باتفاق الأئمة" (¬2). 9 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "الثيب البالغ لا يزوجها الأب ولا غيره إلا برضاها اتفاقًا" (¬3). 10 - العيني (855 هـ) حيث قال: "اتفق أئمة الفتوى بالأمصار على أن الأب إذا زوج ابنته الثيب بغير رضاها، أنه لا يجوز، ويرد" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أنه ليس للأب ولا لغيره أن يجبر ابنته الثيب على النكاح وافق عليه ابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستأذن"، قالوا: يا رسول اللَّه وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت" (¬6). 2 - عن خنساء بنت خِذام الأنصارية (¬7) أن أباها زوجها، وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرد نكاحه (¬8). 3 - عن عدي بن عدي الكندي عن أبيه (¬9) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها" (¬10). • الخلاف في المسألة: نقل الخلاف في المسألة عن الحسن البصري، وإبراهيم ¬
[10 - 30] تزويج الصغيرة
النخعي؛ فقال الحسن: للأب أن يزوج ابنته صغيرة كانت أو كبيرة، ثيبًا كانت أو بكرًا، وإن كرهت (¬1). وقال النخعي: يزوج ابنته إن كانت في عياله، فإن كانت بائنة في بيتها استأمرها (¬2).Rتحقق الإجماع على أنه لا بد من رضى الثيب في النكاح، ولا يلتفت لخلاف الحسن، والنخعي، للأسباب التالية: 1 - قال إسماعيل بن إسحاق (¬3): لا أعلم أحدًا قال في البنت بقول الحسن، وهو قول شاذ، خالف فيه أهل العلم، والسنة الثابتة، لما روته خنساء بنت خذام (¬4). 2 - وقال العيني: ولم يلتف أحد من الأئمة إلى هذين القولين لمخالفتهما السنة الثابتة في خنساء وغيرها (¬5). 3 - وصف هذا الخلاف بأنه شاذ، فلا يلتفت إليه (¬6). [10 - 30] تزويج الصغيرة: نُقل الإجماع على جواز إنكاح الأب ابنته الصغيرة بغير رضاها، وأن له أن يجبرها. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن إنكاح الأب ابنته الصغيرة جائز، إذا زوجها بكفء" (¬7). ونقله عنه ابن قدامة (¬8). 2 - الجوهري (350 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن تزويج الصغيرة جائز عليها" (¬9). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته ¬
الصغيرة، ولا يشاورها" (¬1). ونقل الإجماع أيضًا في الاستذكار (¬2). وقال أيضًا: "والأب له أن يزوج الصغيرة بإجماع المسلمين" (¬3). 4 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على أنه يجوز للأب والجد تزويج البكر الصغيرة" (¬4). 5 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "فأما البكر الصغيرة، فلا خلاف أنها أحق من وليها بنفسها بين المسلمين، أي: أن أباها يزوجها ولا يلتفت إليها؛ إذ ليس فيها ملتفت" (¬5). (6) ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الأب يملك تزويج البكر الصغيرة من بناته" (¬6). (7) ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أجمعوا على أن الأب يجبر البكر غير البالغ، وأنه لا يجبر الثيب البالغ" (¬7). وقال أيضًا: "اتفقوا على أن الأب يجبر ابنه الصغير على النكاح، وكذلك ابنته الصغيرة البكر، ولا يستأمرها، إلا ما روي عن ابن شبرمة (¬8) " (¬9). 8 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أما البكر الصغيرة فلا خلاف فيها (¬10) " (¬11). 9 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "إذا كانت صغيرة فإنه يزوجها بغير رضاها؛ لأنه لا إذن لها ولا رضى، بغير خلاف" (¬12). 10 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأجمع المسلمون على جواز تزويجه بنته البكر ¬
الصغيرة" (¬1). 11 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "فإن الشرع لا يمكن غير الأب والجد من إجبار الصغيرة باتفاق الأئمة" (¬2). 12 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعًا، ولو كانت في المهد" (¬3). وقال ابن حجر أيضًا ونسبه للمهلب (¬4): "أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر، ولو كانت لا يوطأ مثلها" (¬5). وقال أيضًا: "والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقًا، إلا من شذ" (¬6). 13 - العيني (855 هـ)، فذكره بنحو ما ذكر ابن حجر (¬7). 14 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "للأب أو وصيه تزويج ابنته البكر التي لها دون تسع سنين بغير إذنها ورضاها، إذا وضعها في كفء بلا نزاع" (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على جواز إنكاح الأب ابنته الصغيرة بغير رضاها، وأن له أن يجبرها وافق عليه ابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]. • وجه الدلالة: جعل اللَّه سبحانه وتعالى عدة اللائي لم يحضن ثلاثة أشهر، ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من طلاق في نكاح أو فسخ، فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق، ولا إذن لها فيعتبر، وأن نكاحها قبل البلوغ جائز (¬10). 2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: تزوجني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لِسِتِّ سنين، وبنى بي وأنا بنت ¬
تسع سنين (¬1). 3 - تزوج قدامة بن مظعون (¬2) -رضي اللَّه عنه- ابنة الزبير حين نَفِسَتْ، فقيل له، فقال: ابنة الزبير إن مت ورثتني، وإن عشت كانت امرأتي (¬3). 4 - زوج علي -رضي اللَّه عنه- أم كلثوم ابنته وهي صغيرة عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- (¬4). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أن عائشة، وابنة الزبير، وأم كلثوم بنت علي كنَّ صغيرات، وعندئذٍ لم يكنَّ في حال يعتبر إذنهن فيه (¬5). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب ابن شبرمة، وأبو بكر الأصم (¬6) إلى أنه ليس للأب أن يزوج ابنته الصغيرة، التي يقل عمرها عن تسع سنين إلا بعد البلوغ (¬7). • دليل هذا القول: تأوُّل ما ورد من أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تزوج عائشة وهي بنت ست سنين بأن ذلك من خصائصه -صلى اللَّه عليه وسلم-، مثل زواجه بأكثر من أربع نسوة، ونحو ذلك (¬8). ثانيًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه أن البنت التي تزيد على تسع سنين، وقبل البلوغ ليس لأبيها أن يجبرها، وهي اختيار ابن تيمية. وقال بعض المتأخرين من الأصحاب: وهي الأقوى (¬9). • دليل هذا القول: 1 - حديث عائشة: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بنى بها وهي بنت تسع سنين" (¬10). ¬
[11 - 31] إذن الثيب والبكر في النكاح
2 - ما روته عائشة: "إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة" (¬1).Rأولًا: يمكن القول: إن الإجماع قد تحقق في صحة إنكاح الأب ابنته إذا كانت دون تسع سنين. ثانيًا: لا يقال بأن الإجماع قد تحقق في البنت التي تزيد عن تسع سنين؛ لخلاف الإمام أحمد في رواية عنه أنه لا جبر عليها. ثالثًا: أما خلاف ابن شبرمة، والأصم في منع تزويج البنت الصغيرة قبل البلوغ؛ فلا يعتد به لما يأتي: 1 - لما قال اللَّه تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]، دل على ثبوت العدة للصغيرة، وهذا متصور في اعتبار نكاحها شرعًا (¬2). 2 - من ادعى أن ذلك مخصوص بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يلتفت إلى قوله؛ لأن اللَّه سبحانه وتعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، فكل ما فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- فلنا أن نتأسى به ما لم يأتِ نص يبين أنه له خاصة (¬3). 3 - تزوج عمر -رضي اللَّه عنه- أم كلثوم بنت علي -رضي اللَّه عنه-، وهي صغيرة، وتزوج قدامة بن مظعون بنت الزبير يوم ولدت، مع علم الصحابة بذلك؛ فهذا دليل على فهمهم عدم الخصوصية للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في نكاحه عائشة، وهي صغيرة (¬4). 4 - ما نقل من فعل الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في تزوج الصغيرات دال على أن قول ابن شبرمة ومن وافقه مخالف لإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-؛ حيث لم يثبت عنهم خلاف في ذلك (¬5). [11 - 31] إذن الثيب والبكر في النكاح: الثيب إذنها في النكاح أن تنطق به، والبكر إذنها أن تسكت، فإن صدر الإذن من الثيب، أو البكر بهذه الصفة، فهو الإذن المعتبر شرعًا، ونُقل اتفاق أهل العلم على ¬
ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن البكر إذا استؤذنت في النكاح يكتفى بسكوتها، ويشترط صريح نطق الثيب" (¬1). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "الإذن في النكاح على ضربين: فهو واقع في حق الرجل والثيب من النساء بالألفاظ، وهو في حق الأبكار المستأذنات بالسكوت، أعني الرضى، وأما الرد فباللفظ. ولا خلاف في هذه الجملة" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). 3 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأما الثيب فلا بد فيها من النطق بلا خلاف" (¬4). 4 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "إذا صرّحت بمنعه امتنع اتفاقًا، والبكر بخلاف ذلك" (¬5). 5 - الشوكاني (1250 هـ) فذكره بنحو ما قال ابن حجر (¬6). 6 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "ونطق الثيب إذنها بلا خلاف" (¬7). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على أن إذن الثيب بالكلام، وإذن البكر أن تسكت، وافق عليه الحنفية (¬8)، وابن حزم (¬9). وهو قول شريح، والشعبي، وابن سيرين (¬10)، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وابن شبرمة (¬11). • مستند الاتفاق: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن"، قالوا: يا رسول اللَّه وكيف إذنها؟ ¬
قال: "أن تسكت" (¬1). 2 - عن عدي بن عدي الكندي عن أبيه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها" (¬2). • وجه الدلالة: فُرِّق في هذين الحديثين بين إذن الثيب والبكر، فعُبِّر عن إذن الثيب بالاستئمار، وعن إذن البكر بالاستئذان، فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة، والإذن دائر بين القول والسكوت، بخلاف الأمر؛ فإنه صريح في القول، وإنما جُعِل السكوت إذنًا في حق البكر؛ لأنها قد تستحي أن تفصح (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف بعض أصحاب الشافعي في صمت البكر خاصة في حق غير الأب، ولهم في ذلك وجهان (¬4): أحدهما: يشترط نطقها الصريح. والثاني: يكفي سكوتها في حق جميع الأولياء؛ لعموم الحديث، وصحح النووي هذا القول (¬5).Rما ذكر من الاتفاق على أن إذن الثيب بالكلام، وإذن البكر أن تسكت صحيح، ولا يلتفت لخلاف من خالف من بعض الشافعية في البكر في حق غير الأب، لما يأتي: 1 - وصف هذا الخلاف بأنه شذوذ عن أهل العلم، وترك للسنة الصحيحة الصريحة، يصان الشافعي عن إضافته إليه، وجعله مذهبًا له، مع كونه من أتبع الناس لسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يعرج منصف على هذا القول، كما قال ابن قدامة (¬6). 2 - أن هذا القول لم يعتبره المحققون من الشافعية، وعدّوه خطأ مخالفا لعموم ¬
[12 - 32] النكاح بلا ولي
الأخبار (¬1). [12 - 32] النكاح بلا ولي: ذكر جمع من أهل العلم أن الصحابة لم يختلفوا في أنه لا نكاح بغير ولي، وبناءً على أنهم لم يختلفوا، وليس في التابعين مخالف، ثبت أنه إجماع كما قال الماوردي (¬2). • من نقل الإجماع: 1 - الترمذي (279 هـ) حيث قال: "والعمل في هذا الباب على حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بولي" عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن عباس، وأبو هريرة وغيرهم، وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين أنهم قالوا: لا نكاح إلا بولي منهم: سعيد ابن المسيب (¬3)، والحسن البصري، وشريح، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز (¬4)، وغيرهم" (¬5). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "جاءت السنة بأنه: "لا نكاح إلا بولي"، وقد روي هذا عن ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة، وأنس، وعمران بن الحصين، وأبي موسى (¬6)، وأثبت هذه الروايات رواية أبي موسى، فهذا ¬
قول من ذكرنا من الصحابة، وليس في التابعين مخالف، فثبت أنه إجماع" (¬1). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال بعد حديث ابن عباس: "لا نكاح إلا بولي. . . ": "ولا مخالف له من الصحابة علمته" (¬2). 4 - ابن رشد (595 هـ)، فذكره كما قال ابن عبد البر (¬3). 5 - القرطبي (671 هـ)، فذكره بنحو ما قال ابن عبد البر (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء المالكية، والماوردي من الشافعية من الإجماع على اعتبار الولي في عقد النكاح، وافق عليه الحنابلة في المذهب (¬5)، وابن حزم (¬6). وهو قول من سبق ذكره من الصحابة، والتابعين. • مستند الإجماع: 1 - عن أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بولي" (¬7). 2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل" (¬8). 3 - قال الترمذي: وفي الباب عن عائشة، وابن عباس، وأبي هريرة، وعمران بن ¬
الحصين، وأنس (¬1). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية (¬2)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬3) إلى أن للمرأة أن تزوج نفسها، إذا كان من تزوجته كفؤًا لها، وهو قول الشعبي، والزهري (¬4). • أدلة هذا القول: استدلوا بالقرآن، والسنة، والمعقول: • أولًا: من القرآن: 1 - قال تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]. • وجه الدلالة: الآية نص على انعقاد النكاح بعبارة المرأة، فكانت حجة على المخالف (¬5). 2 - قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. • وجه الدلالة: أنه أضاف النكاح إلى المرأة، فيقتضي تصوره منها (¬6). 3 - قال تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230]. • وجه الدلالة: أضاف اللَّه سبحانه وتعالى النكاح إلى المرأة من غير ذكر الولي (¬7). 4 - قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]. • وجه الدلالة: يستدل بهذه الآية من وجهين (¬8): أحدهما: أنه أضاف النكاح إلى النساء، فيدل على جواز النكاح بعبارتهن، من غير شرط الولي. الثاني: أنه نهى الأولياء عن منعهن نكاح أنفسهن أزواجهن، إذا تراضى الزوجان، والنهي يقتضي تصور المنهي عنه. ¬
• ثانيًا: من السنة: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس للولي مع الثيب أمر" (¬1). 2 - وعنه -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الأيم أحق بنفسها من وليها" (¬2). • وجه الاستدلال من الحديثين: الأيم هنا هي المرأة التي لا زوج لها، وقد قطع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولاية الولي عنها. وفي هذين الحديثين أيضًا إثبات حق الولي في مباشرته عقد النكاح برضاها، وقد جعلها أحق منه؛ ولن تكون أحق منه إلا إذا زوجت نفسها بغير رضاه (¬3). 3 - ما روي عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن، المنذرَ بن الزبير (¬4). • ثالثًا: من المعقول: 1 - أن المرأة لما بلغت عن عقل وحرية، فقد صارت ولية نفسها في النكاح، فلا يبقى أحد مولّيًا عليها، كالصبي إذا بلغ، والجامع بينهما: أن ولاية النكاح على الصبي تثبت للأب بطريق النيابة حتى يبلغ، فإذا بلغ زالت الولاية، فكذا هي (¬5). 2 - أن الحرية منافية لولاية الحُر على الحر؛ وثبوت الشيء مع المنافي لا يكون إلا بطريق الضرورة؛ ولهذا المعنى زالت ولاية النكاح عن الصغير العاقل إذا بلغ، وتثبت ¬
الولاية له، فكذا هي (¬1). 3 - أنه ببلوغها تزول ولاية الأب على مالها، وتثبت الولاية لها، فكذا هنا، لأن الأصل أن كل من يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه يجوز نكاحه على نفسه، ومن لا يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه لا يجوز نكاحه على نفسه (¬2). 4 - وعلى هذا إذا صارت ولية نفسها في النكاح لم يبق لأحدٍ ولاية عليها بالضرورة، لما فيه من الاستحالة (¬3). ثانيًا: ذهب أبو يوسف (¬4)، ومحمد بن الحسن (¬5) من الحنفية (¬6)، إلى أن المرأة إن تولت عقدت نكاحها، فإن ذلك يتوقف على إجازة وليها، أو السلطان. وهو قول علي -رضي اللَّه عنه-، والقاسم بن محمد (¬7)، وابن سيرين، والحسن بن صالح بن حي (¬8)، وإسحاق (¬9). ¬
[13 - 33] يشترط في الولي أن يكون مسلما
• أدلة هذا القول: 1 - عن بحرية بنت هانئ الأعور قالت: زوجها أبوها -وهو نصراني- رجلًا، وزوجت نفسها القعقاع بن شور، فجاء أبوها إلى علي -رضي اللَّه عنه-، فأرسل إليها، ووجد القعقاع قد بات عندها، وقد اغتسل، فجيء به إلى علي، فقال أبوها: فضحتني واللَّه، قال: أترى بنائي يكون سرًّا؟ فارتفعوا إلى علي -رضي اللَّه عنه-، فقال: دخلت بها؟ قال: نعم. فأجاز نكاحها نفسها (¬1). 2 - عن شعبة عن الشيباني قال: كان فينا امرأة يقال لها: بحرية، زوجتها أمها وأبوها غائب، فلما قدم أبوها أنكر ذلك، فرفع ذلك إلى علي بن أبي طالب، فأجاز النكاح (¬2). ثالثًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أن الولي لا يشترط مطلقًا، وخصّها أتباعه بعدم الولي أو السلطان (¬3).Rعدم تحقق الإجماع على أن النكاح لا يصح بغير ولي؛ لما يأتي: 1 - الخلاف الواسع في ذلك؛ فقد خالف الحنفية، والإمام أحمد في رواية عنه، وهو قول الشعبي، والزهري، أن للمرأة أن تلي عقد النكاح بنفسها. 2 - أن ما قيل: إنه لا يوجد في الصحابة مخالف في أنه لا نكاح إلا بولي، فقد قال فيه ابن رشد: وكثير من الناس رأى هذا داخلًا في باب الإجماع؛ وهو ضعيف (¬4). [13 - 33] يشترط في الولي أن يكون مسلمًا: من الشروط التي يرى الفقهاء أنه لا بد من توفرها في الولي؛ أن يكون مسلمًا، فلا يلي الكافر عقد نكاح ابنته المسلمة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الكافر لا يكون وليًّا لابنته المسلمة" (¬5). ونقله عنه ابن قدامة (¬6). ¬
2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن من شرط الولاية: الإسلام، . . . " (¬1). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم" (¬2). 4 - الحطاب (954 هـ) حيث قال: "وأما العبد والكافر في بناتهما فلا يعقدان النكاح عليهن، ولا يستخلفان على ذلك أحدًا، ولا اختلاف في هذا" (¬3). 5 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "لا ولاية لكافر على مسلمة، حكاه ابن المنذر، وابن رشد، والموفق، إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أنه يشترط في الولي أن يكون مسلمًا، وافق عليه الحنفية (¬5)، وابن حزم (¬6)، وهو قول أبي عبيد (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]. 2 - عن عائذ بن عمرو المزني (¬8) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الإسلام يعلو ولا يُعلى" (¬9). 3 - أن خالد بن سعيد بن العاص (¬10) زوَّج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . . . . . . . . . . . ¬
[14 - 34] يشترط في الولي أن يكون عاقلا
أم حبيبة (¬1) بنت أبي سفيان، وأبوها حي (¬2). • وجه الدلالة: أن أم حبيبة كانت مسلمة، وابن العاص كان مسلمًا وهو أقرب المسلمين إليها، ولم يكن لأبي سفيان عليها ولاية؛ لأن اللَّه تبارك وتعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين، والمواريث والعقل، وغير ذلك (¬3). • قال الإمام أحمد: بلغنا أن عليًّا أجاز نكاح أخٍ، وردّ نكاح الأب وكان نصرانيًا (¬4).Rتحقق الإجماع على أنه يشترط في الولي الذي يلي عقد نكاح ابنته المسلمة أن يكون مسلمًا؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [14 - 34] يشترط في الولي أن يكون عاقلًا: يشترط في الولي عند توليه عقد ابنته أن يكون عاقلًا، فلا ولاية لمجنون، فإن كان يجن أحيانًا، ويفيق أحيانًا، فتثبت له الولاية حال إفاقته، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "فأما العقل فلا خلاف في اعتباره" (¬5). 2 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ولا ولاية لعبد، ولا صغير، ولا مجنون؛ لأنه لا ولاية لهم على أنفسهم، فأولى ألا تثبت على غيرهم. . . وهذا بإجماع" (¬6). ¬
3 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "وغير المطبق (¬1) تثبت له الولاية، بالإجماع" (¬2). 4 - الحطاب (954 هـ) حيث قال: "شروط الولاية ثمانية: ستة متفق عليها، واثنان مختلف فيهما. فالستة: أن يكون حرًا، بالغًا، عاقلًا، . . . مسلمًا" (¬3). 5 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وأما العقل فهو شرط، بلا خلاف" (¬4). • الموافقون على الإجماع: أولًا: ما ذكره الجمهور من الإجماع على اعتبار العقل في الولي، فلا ولاية لمجنون، دائم الجنون، وافق عليه الشافعية (¬5)، وابن حزم (¬6). ثانيًا: ما ذكره ابن الهمام من الحنفية من الإجماع على أن من يجن أحيانًا، ويفيق أحيانًا، فله الولاية أيضًا حال إفاقته، وافق عليه المالكية (¬7)، والشافعية في وجه (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق" (¬10). 2 - الولاية تثبت للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه، ومن لا عقل له لا يمكنه النظر، فلا يلي نفسه، فغيره أولى (¬11). ¬
[15 - 35] يشترط في الولي أن يكون بالغا
• الخلاف في المسألة: ذهب الشافعية في أحد الوجهين إلى أن من يفيق أحيانًا، ويجن أحيانًا، فهو كالمجنون المطبق، فلا ولاية له. • دليل هذا القول: أن من يجن أحيانًا، ويفيق أحيانًا أصبح فاقد الأهلية، ولا ولاية له على نفسه وماله، فلا ولاية له على غيره (¬1).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن من كان مجنونًا جنونًا مطبقًا، أنه لا ولاية له. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن من يجن أحيانًا، ويفيق أحيانًا، أن له الولاية حال إفاقته؛ لخلاف الشافعية في أحد الوجهين أنه كالمجنون المطبق، فلا ولاية له. [15 - 35] يشترط في الولي أن يكون بالغًا: يشترط في الولي البلوغ؛ فلا ولاية لصغير، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أنه من شرط الولاية: الإسلام، والبلوغ" (¬2). 2 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ولا ولاية لعبد، ولا صغير، ولا مجنون؛ لأنه لا ولاية لهم على أنفسهم، فأولى ألا تثبت على غيرهم. . . وهذا بإجماع" (¬3). 3 - الحطاب (954 هـ) حيث قال: "شروط الولاية ثمانية: ستة متفق عليها، واثنان مختلف فيهما. فالستة: أن يكون حرًّا، بالغًا، عاقلًا، . . . مسلمًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره العيني من الحنفية، وابن رشد والحطاب من المالكية من الإجماع على أنه يشترط في الولي أن يكون بالغًا، وافق عليه الشافعية (¬5)، والحنابلة في المذهب (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ¬
[16 - 36] يشترط في الولي أن يكون حرا
وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق" (¬1). 2 - أن الصغير لا ولاية له على نفسه، فلا ولاية له على غيره (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنابلة في الرواية الثانية إلى أن الغلام إذا بلغ عشر سنين فله ولاية التزويج، وقيل: اثنتي عشرة (¬3). • أدلة هذا القول: 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" (¬4). 2 - أن الصبي يصح بيعه، ووصيته، وطلاقه، فتثبت له الولاية كالبالغ تمامًا (¬5).Rعدم تحقق الإجماع على أنه يشترط في الولي البلوغ؛ لخلاف الحنابلة في رواية على قبول ولاية الصبي إذا بلغ عشر سنين، وقيل: اثنتي عشرة سنة. [16 - 36] يشترط في الولي أن يكون حرًّا: يشترط في الولي أن يكون حرًّا، فلا ولاية لعبد، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ولا ولاية لعبد، ولا صغير، ولا مجنون؛ لأنه لا ولاية لهم على أنفسهم، فأولى ألا تثبت على غيرهم. . . وهذا بإجماع" (¬6). 2 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "والإجماع على نفي ولايته (¬7) في النكاح؛ لعجزه" (¬8). ¬
3 - الحطاب (954 هـ) حيث قال: "وأما العبد والكافر في بناتهما، فلا يعقدان النكاح عليهن، ولا يستخلفان على ذلك أحدًا، ولا اختلاف في هذا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الحنفية والمالكية من الإجماع على أنه يشترط في الولي أن يكون حرًّا، فلا ولاية لعبد، وافق عليه الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: الولاية تثبت للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه، والعبد عاجز عن النظر لنفسه، فلا يلي نفسه، فغيره أولى (¬4). • الخلاف في المسألة: قال ابن رشد: أما العبد فالأكثر على منع ولايته، وجوّزها أبو حنيفة (¬5). لكن المتأمل لكلام الحنفية يجد أنهم منعوا ولايته، فقد قال الكاساني: لا ولاية للمملوك على أحد، لأنه لا يرث أحدا؛ ولأن المملوك ليس من أهل الولاية؛ ألا ترى أنه لا ولاية له على نفسه؛ ولأن الولاية تنبئ عن المالكية، والشخص الواحد لا يكون مالكًا ومملوكًا في زمان واحد؛ لأن هذه ولاية نظر ومصلحة، ومصالح النكاح لا يتوقف عليها إلا بالتأمل والتدبر، والمملوك لاشتغاله بخدمة مولاه لا يتفرغ للتأمل والتدبر، فلا يعرف كون إنكاحه مصلحة (¬6). وهذان بدر الدين العيني، وابن الهمام قد نقلا الإجماع على عدم قبول ولايته، كما سبق. وقال ابن نجيم: "أطلق العبد، فلا ولاية له على ولده" (¬7). وقال ابن عابدين: "واحترز بالحرية عن العبد فلا ولاية له على ولده" (¬8).Rأولًا: تحقق الإجماع على أنه يشترط في الولي أن يكون حرًّا؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ثانيًا: لا ينظر لما ذكره ابن رشد من خلاف عن أبي حنيفة في صحة ولاية العبد؛ ¬
[17 - 37] يشترط في الولي أن يكون ذكرا
وذلك لعدم ثبوت هذا الخلاف عن أبي حنيفة في كتب أتباعه. [17 - 37] يشترط في الولي أن يكون ذَكرًا: يشترط في الولي أن يكون ذكرًا، فلا ولاية لامرأة، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أنه من شرط الولاية: الإسلام، والبلوغ، والذكورية" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الذكورية شرط للولاية، في قول الجميع" (¬2). 3 - الحطاب (954 هـ) حيث قال: "شروط الولاية ثمانية: ستة متفق عليها، واثنان مختلف فيهما. فالستة: أن يكون حرًّا، بالغًا، عاقلًا، ذكرًا، . . . " (¬3). 4 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "والذكورية، أي: هي شرط من شروط الولاية بالاتفاق" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره علماء المالكية، والحنابلة من الاتفاق على أنه يشترط في الولي في عقد النكاح أن يكون ذكرًا، وافق عليه الشافعية (¬5)، والحنابلة في الصحيح من المذهب (¬6)، وابن حزم (¬7). وهو قول عمر، وعلي، وابن عباس، وأبي هريرة، وابن عمر، وعائشة، وأنس، وعمران بن الحصين، وأبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنهم-، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وشريح، والنخعي، وعبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز، والثوري (¬8). • مستند الاتفاق: 1 - قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]. 2 - وقال تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221]. 3 - وقال تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25]. ¬
4 - وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]. • وجه الدلالة من هذه الآيات: الخطاب في هذه الآيات إلى الأولياء الذكور، ولو كان إلى النساء لذكرهن، ولو لم يعتبر وجود الولي من الرجال لما كان لتوجيه الخطاب إليه فائدة، ولمَا كان لعضله معنى، ثم أنه لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى وليها (¬1). 5 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" (¬2). • وجه الدلالة: هذا نص في إبطال النكاح بلا ولي، وأن الولي فيه رجل لا امرأة، ومفهومه: صحة النكاح بإذنه (¬3)، ولو جاز النكاح بدون ولي ذَكَر، لما كان في رفعه للسلطان ليلي عقده فائدة. 6 - عن أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بولي" (¬4). • وجه الدلالة: اقتضى هذا الحديث أن يكون الولي رجلًا، ولو جاز أن تتولاه النساء لقال: "لا نكاح إلا بولية" (¬5). 7 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- لما تأَيَّمت حفصة قال: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبث ليالي، ثم لقيني، فقال: قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر، فلم يرجع إليّ شيئًا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمتُ أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولو تركها لقبلتها (¬6). ¬
[18 - 38] العدالة ليست شرطا في الولي لعقد النكاح
• وجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- هو الذي عقد نكاح ابنته لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولو كان الأمر إليها لما ترك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطبة حفصة من نفسها؛ إذ هي أولى بنفسها من أبيها (¬1). • الخلاف في المسألة: القول بأن الذكورية شرط في الولاية، أمر غير متفق عليه. فقد ذهب الحنفية (¬2)، والحنابلة في رواية عن الإمام أحمد (¬3)، وهو قول الشعبي، والزهري (¬4)، أن للمرأة أن تلي عقد النكاح، وأن عبارة النساء معتبرة في النكاح، حتى لو زوجت الحرة العاقلة البالغة نفسها جاز، وكذلك لو زوجت غيرها بالولاية، أو الوكالة، بل قال ابن الهمام من الحنفية: "والنساء اللواتي من قبل الأب لهن ولاية التزويج عند عدم العصبات بإجماع بين أصحابنا". • أدلة هذا القول: استدلوا بالقرآن، والسنة، والمعقول، وقد سبق ذكرها (¬5). ومع هذا كله قال الحنفية: إن الأفضل أن يتولى نكاحها الولي؛ لما فيه من نسبتهن إلى الوقاحة، فإن النساء لا يتولين عقد النكاح على عرف الناس وعادتهم، فدل على أن الولي على سبيل الندب والاستحباب، وليس على سبيل الحتم والإلزام (¬6).Rعدم صحة الاتفاق على أنه يشترط في عقد النكاح أن يكون الولي ذكرًا؛ لوجود خلاف عن الحنفية، والإمام أحمد في رواية عنه، وهو قول الشعبي والزهري، أن الذكورة ليست شرطًا في الولي، فيجوز أن تزوج المرأة نفسها. [18 - 38] العدالة ليست شرطًا في الولي لعقد النكاح: لا يشترط في الولي في عقد النكاح أن يكون عدلًا، فإن تولى العقد فاسق صحَّ، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن العدل إذا كان وليًّا في النكاح، فولايته صحيحة" (¬7). ¬
2 - ابن قاسم (1392 هـ) فذكره كما قال ابن هبيرة (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنابلة من الاتفاق على أن العدالة ليست شرطًا في الولي، وأن ولاية الفاسق تقبل وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية في المشهور (¬3)، وبعض الشافعية، وحكوه قولًا عن الإمام الشافعي (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]. 2 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء، ولا يزوجهن إلا الأولياء" (¬6). • وجه الدلالة من النصين السابقين: جاء الخطاب من اللَّه سبحانه وتعالى ومن رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلى الأولياء بإنكاح من تحت ولايتهم من غير تفصيل في حال الولي، فيجب عدم اشتراط العدالة (¬7). 3 - استدلوا بإجماع الأمة، فقالوا: ولنا إجماع الأمة؛ فإن الناس عن آخرهم، عامهم وخاصهم من لدن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا هذا يزوجون بناتهم من غير نكير من أحد (¬8). 4 - واستدلوا بالمعقول، فقالوا (¬9): أ - هذه ولاية نظر، والفسق لا يقدح في القدرة على تحصيل النظر، ولا في الداعي إليه، وهو الشفقة، فلا يقدح ذلك في الولاية، فهو كالعدل تمامًا. ¬
[19 - 39] يكون الأخ وليا بعد عمودي النسب
ب - أن الفاسق من أهل الولاية على نفسه، فيكون من أهل الولاية على غيره كالعدل، ولهذا قبلنا شهادته. • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية في غير المشهور (¬1)، والراجح من مذهب الإمام الشافعي (¬2)، والصحيح من المذهب عند الحنابلة (¬3)، إلى اشتراط العدالة، ومنع ولاية الفاسق. • أدلة هذا القول: 1 - أن الفاسق غير مأمون على نفسه، فلا يكون مأمونًا على غيره (¬4). 2 - أن القصد من الولي في النكاح، طلب الحظ للمرأة، ووضعها في كفء، وهذا المعنى لا يوجد في الولي الفاسق (¬5).Rعدم تحقق الإجماع على أن العدالة ليست من شروط عقد النكاح؛ لخلاف المالكية في غير المشهور، والراجح من مذهب الإمام الشافعي، والصحيح عند الحنابلة في اشتراط العدالة، ومنع ولاية الفاسق. [19 - 39] يكون الأخ وليًّا بعد عمودي النسب: يقع ترتيب الأخ في الولاية بعد عمودي النسب - الآباء وإن علوا، والأبناء وإن نزلوا - مباشرة، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين أهل العلم في تقديم الأخ بعد عمودي النسب" (¬6). ونقله عنه ابن قاسم (¬7). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء الحنابلة من أن الأخ يأتي في ترتيب الولاية بعد عمودي النسب، وافق عليه الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10). ¬
• مستند نفي الخلاف: اعتبروا أحقية الأخ في الولاية قياسًا على حقه في الميراث، فإنه ابن الأب وأقواهم تعصيبًا، وأحقهم بالميراث (¬1). • الخلاف في المسألة: ما نقل من عدم الخلاف يجري في الأخ لأبوين، أما الأخ للأب فقد وقع فيه خلاف بين الفقهاء: هل يساوي الأخ لأبوين، أم يأتي بعده في ترتيب الولاية؟ على قولين: • القول الأول: ذهب الحنفية (¬2)، وقول للمالكية على الصحيح (¬3)، والإمام الشافعي في الجديد (¬4)، والإمام أحمد في رواية عنه، وهي المذهب عند المتأخرين من الحنابلة (¬5)؛ إلى أن الأخ لأبوين أوْلى. • دليل هذا القول: يقدم الأخ لأبوين، كتقديمه في الميراث على الأخ لأب (¬6). • القول الثاني: ذهب زفر (¬7) من الحنفية (¬8)، والمالكية في قول (¬9)، والإمام الشافعي في القديم (¬10)، ورواية عن الإمام أحمد، هي المذهب عند المتقدمين من الحنابلة (¬11)؛ إلى أنهما سواء. • دليل هذا القول: أن الأخ لأبوين والأخ لأب استويا في الإدلاء بالجهة التي تستفاد منها العصوبة، وهي جهة الأب، فاستويا في الولاية، كما لو كانا من أب، وإنما يرجح الآخر في الميراث من جهة الأم، ولا مدخل لها في الولاية، فلم يرجح بها (¬12). ¬
[20 - 40] ولاية المولى المنعم
Rأولًا: صحة ما ذكر من أنه لا خلاف أن الأخ يأتي في الولاية بعد عمودي النسب. ثانيًا: لا يفهم من نفي الخلاف في كون الأخ في الولاية يأتي بعد عمودي النسب، أن الأخ الشقيق يستوي مع الأخ لأب، فقد وقع خلاف بين الفقهاء في من يقدم على قولين، كما سبق ذكره. [20 - 40] ولاية المولى المُنْعِم: المراد بالمولى المُنْعِم: السيد إذا كان له أمَة فأعتقها، بأي وجه من وجوه العتق، فإنه يصبح مولى لها (¬1)، فإذا لم يكن لها ولي من عصبتها بعد أن أصبحت حرة، فإن سيدها الذي أعتقها هو أولى الناس بها، فهو الذي يلي عقد نكاحها، ونقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "فإذا لم يكن للمرأة عصبة، ولها موالٍ فمواليها أولياؤها، ولا ولاء إلا لمعتق، ثم أقرب الناس بعتقها وليها، كما يكون أقرب الناس به ولي ولد المعتق لها، واجتماع الولاة من أهل الولاء في ولاية المزوجة كاجتماعهم في النسب، ولا يختلفون في ذلك" (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "لا خلاف نعلمه في أن المرأة إذا لم يكن لها عصبة من نسبها، أن مولاها يزوجها" (¬3). ونقله ابن قاسم (¬4). 3 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "الولاية تثبت أولًا لعصبة النسب على الترتيب الذي ذكرناه، ثم لمولى العتاقة، ثم لعصبته على ذلك الترتيب، بالاتفاق" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على أن المولى المنعم بالعتق يكون وليًّا للمرأة عند عدم الولي من العصبة، وافق عليه المالكية (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - عن عروة أن عائشة أخبرته، أن بريرة جاءت عائشة تستعينها ¬
[21 - 41] إذا عضل الولي المرأة، لها أن ترفع أمرها للسلطان، ليزوجها
في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك، ويكون ولاؤك لي، فعلت، فذكرت ذلك بريرة لأهلها، فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ابتاعي، فأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق" (¬1). 2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" (¬2). 3 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الولاء لُحْمَة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب" (¬3). • وجه الدلالة من هذين الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن تنكح المرأة بغير إذن وليها، والمولى عصبة مولاته، يرثها ويعقل عنها عند عدم عصباتها، فلذلك يزوجها (¬4).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أن المولى المنعم بالعتق يكون وليًّا في عقد النكاح إذا لم يكن للمرأة المعتقة وليٌّ من عصبتها. [21 - 41] إذا عضل الولي المرأة، لها أن ترفع أمرها للسلطان، ليزوجها: المراد بعضل الولي: أن يمنع المرأة التي تحت ولايته من التزويج (¬5). فليس للولي أن يعضل من تحت ولايته من النساء، إذا دعت إلى كفء، وللمرأة أن ترفع أمرها إلى السلطان، إذا عضلها وليها، ليزوجها، ونُقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن للسلطان أن يزوج المرأة إذا أرادت النكاح، ودعت إلى كفء، وامتنع الولي أن يزوجها" (¬1). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه ليس للولي عضل وليته، إذا دعت إلى كفء، وبصداق مثلها، وأنها ترفع أمرها إلى السلطان فيزوجها" (¬2). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "لا نعلم خلافًا بين أهل العلم، في أن للسلطان ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها أو عضلهم" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). 4 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "ولو امتنع العصبة كلهم، زوّج الحاكم بالاتفاق، وإذا أذن العصبة للحاكم، جاز باتفاق العلماء" (¬5). وقال أيضًا: "وليس للولي عضلها عن الكفء إذا طلبته، فإن عضلها وامتنع من تزويجها، زوجها الولي الآخر الأبعد، أو الحاكم بغير إذنه باتفاق" (¬6). 5 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن له (¬7) أن يزوجها إذا دعت إلى كفء، وامتنع الولي أن يزوجها" (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على منع الولي من عضل المرأة، وإن فعل فلها أن ترفع أمرها إلى السلطان ليزوجها، هو قول عثمان -رضي اللَّه عنه-، وشريح، والنخعي، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور (¬9) (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]. • وجه الدلالة: في هذه الآية تحريم عضل النساء من ¬
قبل أوليائهن، لما فيه من الضرر عليهن، فلا يمنعهن الأولياء من نكاح أزواجهن إذا أردن العودة إليهم (¬1). 2 - عن معقل بن يسار (¬2) -رضي اللَّه عنه- قال: زوجت أختًا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وأفرشتك، وأكرمتك؛ فطلقتها، ثم جئت تخطبها، لا واللَّه لا تعود إليك أبدًا، وكان رجلًا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل اللَّه هذه الآية {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}، فقلت: الآن أفعل يا رسول اللَّه، قال: فزوجها إياه (¬3). • وجه الدلالة: في هذا الحديث دليل على أن الولي إذا عضل لا يزوج السلطان إلا بعد أن يأمره بالرجوع عن العضل، فإن أجاب فذاك، فإن أصر، زوّجَ عليه الحاكم (¬4). 3 - قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" (¬5). • وجه الدلالة: أن الولاية حق إن امتنع الولي عن أدائه قام الحاكم مقامه، كما لو كان عليه دين فامتنع من قضائه، فيقضيه الحاكم من ماله (¬6). • الخلاف في المسألة: يرى ابن نجيم، والحصكفي من الحنفية (¬7)، والحنابلة في الصحيح من المذهب (¬8)، أن الولي إذا عضل المرأة فإن الولاية تنتقل للولي الأبعد، ولا تنتقل للسلطان إلا إذا عضلها جميع الأولياء. • دليل هذا القول: دليل هذا القول هو ما استدل به الجمهور؛ فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فإن اشتجروا، فالسلطان ولي من لا ولي له". ¬
[22 - 42] إذا زوج المرأة وليان
• وجه الدلالة: يحمل هذا الحديث على أن السلطان ولي للمرأة التي لا ولي لها، ويحمل أيضًا على ما إذا عضل الأولياء كلهم؛ لأن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإن اشتجروا"، ضمير جمع يتناول الكل، والسلطان يكون وليًّا لمن لا ولي له، وها هنا لها ولي أو وليان (¬1).Rأولًا: يُعدّ الإجماع على أن للمرأة أن ترفع أمرها للسلطان إذا عضلها وليها صحيحًا. ثانيًا: يُعدّ الإجماع على أن السلطان يزوج المرأة إذا عضلها الأولياء جميعًا، كما يشير إليه كلام ابن قدامة، وابن تيمية، صحيحًا. ثالثا: يبقى الخلاف قائمًا فيما إذا عضل الولي الأقرب، فهل تنتقل الولاية للولي الأبعد، أم تنتقل للسلطان؟ [22 - 42] إذا زوج المرأة وليّان: إذا زوج المرأة وليان من أوليائها، فإن علم المتقدم في العقد من الوليين، فتكون المرأة لمن عقد عليها أولًا، وإن دخل بها الثاني، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الترمذي (279 هـ) حيث قال: "والعمل على هذا عند أهل العلم لا نعلم بينهم في ذلك اختلافا، إذا زوج أحد الوليين قبل الآخر فنكاح الأول جائز، ونكاح الآخر مفسوخ" (¬2). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن امرأة تزوجت في عقدتين مختلفتين رجلين، فعلم أولهما، ولم يكن دخل بها واحد منهما، فإن الأول هو الزوج، والآخر أجنبي باطل" (¬3). 3 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "هذا قول عامة أهل العلم أن المرأة إذا زوجها الوليّان، وكان أحدهما سابقًا، وعُرف السابق منهما، أن الأول صحيح، والثاني باطل، سواء دخل بها الثاني أم لم يدخل" (¬4). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "فأما إن علم المتقدم منهما فأجمعوا على أنها للأول، إذا لم يدخل بها واحد منهما" (¬5). ¬
5 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "إن المرأة إذا عقد لها وليّان لرجلين، وكان العقد مترتبًا، أنها للأول منهما، سواء دخل بها الثاني أو لا، أما إذا دخل بها عالمًا؛ فإجماع أنه زنى" (¬1). • الموافقون على الإجماع: أولًا: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الوليين إن عقدا عقدين على المرأة، وعلم السابق منهما، أنها للأول منهما، وافق عليه الحنفية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو قول الحسن، والزهري، وقتادة، وابن سيرين، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور (¬4). ثانيًا: ما ذكره البغوي من الشافعية، والصنعاني أن المرأة للأول من العاقدين، وإن دخل بها الثاني، وافق عليه الحنفية (¬5)، وابن عبد الحكم (¬6) من المالكية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وهو قول علي -رضي اللَّه عنه- (¬9). • مستند الإجماع: 1 - عن سمرة بن جندب (¬10) -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما، ومن باع بيعًا من رجلين فهو للأول منهما" (¬11). ¬
2 - عن عقبة بن عامر (¬1) -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أنكح الوليان، فهو للأول منهما، وإذا بايع الرجل بيعًا من الرجلين، فهو للأول منهما" (¬2). 3 - أن امرأة زوجها أولياؤها بالجزيرة، وزوجها أهلها بعد ذلك بالكوفة، فرفعوا ذلك إلى علي -رضي اللَّه عنه-، ففرق بينها وبين زوجها الآخر، وردها إلى زوجها الأول، وجعل لها صداقها بما أصاب من فرجها، وأمر زوجها الأول أن لا يقربها حتى تنقضي عدتها (¬3). • وجه الدلالة: أن الثاني تزوج امرأة في عصمة زوج، فكان باطلًا، فحاله كمن تزوج امرأة، وهو يعلم أن لها زوجًا، كنكاح المعتدة والمرتدة، فكان باطلًا، وإن دخل (¬4). • الخلاف في المسألة: يرى الإمام مالك أن الثاني إن دخل بهما فهو أحق بها (¬5). وهو قضاء معاوية -رضي اللَّه عنه-، وقول عطاء (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - قول عمر -رضي اللَّه عنه-: إذا أنكح الوليان، فالأول أحق، ما لم يدخل بها الثاني (¬7). 2 - روي أن موسى بن طلحة بن عبيد اللَّه زوّج أخته يزيد بن معاوية بالشام، وزوجها أخوها يعقوب بن طلحة الحسنَ بن علي بالمدينة، فدخل بها الحسن؛ وهو الثاني من الزوجين، ولم يعلم بما تقدم من نكاح يزيد، فقضى معاوية بنكاحها للحسن ¬
[23 - 43] يكون السلطان وليا لمن لا ولي له
بعد أن أجمع معه فقهاء المدينة (¬1). • وجه الدلالة: هذا معاوية قضى للحسن -وكان ثاني الزوجين- بأنه أحق بالمرأة لما دخل بها، فيجب المصير إليه، بعدما لم ينقل عن غيره من الصحابة خلافه (¬2).Rأولًا: تحقق الإجماع على أنه إن عُلِم السابق من العقدين، ولم يكن دخل بها أي واحد من العاقدين، أنها للأول منهما. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أنه إن عُلم السابق من العقدين، ودخل بها الثاني، أنها تكون للأول، لخلاف المالكية، وهو قضاء معاوية -رضي اللَّه عنه-، وقول عطاء أنها تكون للثاني. [23 - 43] يكون السلطان وليًّا لمن لا ولي له: إذا لم يكن للمرأة وليّ من عصبتها، انتقلت ولايتها للسلطان، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن بطال (449 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على أن السلطان ولي من لا ولي له" (¬3). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن من لا ولي لها فإن السلطان الذي تجب طاعته يُنكِحها من أحبت، ممن يجوز لها نكاحه" (¬4). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "لا نعلم خلافًا بين أهل العلم، في أن للسلطان ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها، أو عضلهم" (¬5). ونقله عنه ابن قاسم (¬6). 4 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "فإذا لم يكن له (¬7) عصبة زوّج الحاكم باتفاق العلماء" (¬8). ¬
[24 - 44] ولي الأمة سيدها
5 - العيني (855 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على أن السلطان ولي من لا ولي له" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن السلطان يكون وليًّا إذا لم يكن للمرأة ولي، وافق عليه الشافعية (¬2). • مستند الإجماع: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" (¬3). 2 - عن أم حبيبة -رضي اللَّه عنها- أنها كانت بأرض الحبشة، فمات عنها زوجها عبيد اللَّه بن جحش، فزوجها النجاشي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). • وجه الدلالة: في هذين الحديثين ثبتت ولاية السلطان ولاية عامة، في الأموال وغيرها، فكانت له الولاية في النكاح كالأب (¬5).Rتحقق الإجماع على أن السلطان يكون وليًّا إذا لم يكن للمرأة ولي؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [24 - 44] ولي الأَمَة سيدها: ولي الأمة سيدها، فله أن يزوجها بلا إذنها، كبيرة كانت أو صغيرة، وليس لها أن تتزوج بلا إذن سيدها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "ألا ترى إلى إجماعهم على أن الأمة يزوجها سيدها بغير إذنها" (¬6). وكذا قال في الاستذكار (¬7). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "لا يجوز نكاح مملوك بغير إذن مولاه، . . . فإن كان أمة فلا يجوز نكاحها بغير إذن سيدها، بلا خلاف" (¬8). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الأمة لا ولاية لأبيها عليها، وإنما وليها سيدها، ¬
بغير خلاف علمناه" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال أيضًا: "وإذا زوج أمته بغير إذنها فقد لزمها النكاح، كبيرة كانت أو صغيرة، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). 4 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "والأمة، والمملوك الصغير، يزوجهما وليهما بغير إذنهما، بالاتفاق" (¬5). 5 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: ". . . لاتفاقهم على أن لمولاها أن يزوجها بغير رضاها" (¬6). 6 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وولي أمة في إنكاحها سيدها، بلا خلاف" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن ولي الأمة سيدها، وأنه يزوجها بلا إذنها إذا كانت كبيرة، وافق عليه ابن حزم (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25]. • وجه الدلالة: جعل اللَّه سبحانه وتعالى ولاية الأمة إلى سيدها، وأرشد إلى أن نكاحهن لا بد فيه من إذن أسيادهن، فيجب المصير إليه (¬9). 2 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر" (¬10). • وجه الدلالة: أن اسم العبد واقع على الجنس، فالرقيق من الإناث والذكور داخلون تحت هذا الاسم، فيجب إذن الأولياء عندئذٍ (¬11). ¬
[25 - 45] إذن السيد في نكاح العبد
• الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم في الأمة الصغيرة؛ فقال: لا يجوز للسيد إنكاح أمته الصغيرة التي لم تبلغ، وليس لأبيها أن ينكحها إلا بإذن سيدها (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]. • وجه الدلالة: الصغير لا يوصف بصلاح في دينه، ولا يدخل في الصالحين، وكل مسلم فهو من الصالحين بقوله: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه (¬2). 2 - جاء الإذن للأب خاصة في إنكاح ابنته الصغيرة، وسيد الأمة ليس أبًا لها (¬3).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن ولي الأمة سيدها. ثانيًا: تحقق الإجماع على أن الأمة إن كانت كبيرة فلسيدها أن ينكحها بلا إذنها. ثالثًا: عدم تحقق الإجماع على أن لولي الأمة الصغيرة أن ينكحها بلا إذنها؛ لخلاف ابن حزم. [25 - 45] إذن السيد في نكاح العبد: لا بد من إذن السيد في نكاح العبد، فإن فعل دون إذنه فإن نكاحه لا يصح، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "ولا أعلم بين أحد لقيته، ولا حكي لي عنه من أهل العلم اختلافًا في أن لا يجوز نكاح العبد إلا بإذن مالكه" (¬4). 2 - الترمذي (279 هـ) حيث قال: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم، أن نكاح العبد بغير إذن سيده لا يجوز؛ وهو قول أحمد، وإسحاق وغيرهما، بلا خلاف" (¬5). 3 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن نكاح العبد جائز بإذن مولاه، وأجمعوا على أن نكاحه بغير إذن مولاه لا يجوز" (¬6). 4 - الجوهري (350 هـ) حيث قال: "أجمع الفقهاء أن العبد إذا تزوج بغير إذن سيده، ¬
ودفع الصداق من مال في يده، كان للسيد حلُّ النكاح، وأخذ الصداق كله" (¬1). 5 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز نكاح العبد بغير إذن سيده" (¬2). 6 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "لا خلاف أن العبد لا يجوز له زواج بغير إذن سيده" (¬3). 7 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أنه ليس للعبد أن ينكح بغير إذن سيده، فإن نكح لم ينعقد نكاحه، في قولهم جميعًا" (¬4). 8 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "أجمع علماء المسلمين على أنه لا يجوز نكاح العبد بغير إذن سيده. . . وأجمع أهل العلم على أن نكاح العبد جائز بإذن مولاه" (¬5). 9 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "تَزوُّج العبد بغير إذن سيده إذا لم يجزه السيد، باطل باتفاق المسلمين" (¬6). 10 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وإن تزوج عبد بإذن سيده صح، بغير خلاف، . . . وبلا إذنه لا يصح إجماعًا" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن نكاح العبد بدون إذن سيده لا يصح، وافق عليه الحنفية (¬8)، وابن حزم (¬9). وهو قول عمر بن الخطاب، وجابر، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، والنخعي، والحكم بن عتيبة (¬10)، وحمّاد ابن أبي ¬
سليمان (¬1)، والشعبي (¬2). • مستند الإجماع: 1 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر" (¬3). 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو زَانٍ" (¬4). • الخلاف في المسألة: يرى داود الظاهري أن نكاح العبد بغير إذن سيده صحيح (¬5). • دليل هذا القول: قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]. • وجه الدلالة: أن النكاح فرض على الأعيان، فهو كسائر فروض العين، وأن العبد مخاطب بالنكاح كالأحرار؛ فلا يفتقر عقده لإذن سيده (¬6).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن نكاح العبد لا يصح إذا لم يأذن السيد في ذلك؛ لخلاف داود. ثانيًا: لم يقل بهذا الخلاف غير داود، ولم يسلم من انتقاد؛ وكان الرد عليه على النحو التالي: 1 - قال الصنعاني: كأن داود لم يثبت لديه الحديث (¬7). 2 - وقال الشوكاني: كلام داود قياس في مقابلة النص (¬8). ¬
[26 - 46] إعلان النكاح، واشتراط الشهود فيه
3 - أن المخاطب بالآية هم الأحرار دون العبيد؛ لأنه اللَّه سبحانه وتعالى قال: في الآية: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]، ومعلوم أنه لا يملك إلا الأحرار. وقال أيضًا: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3]، فإنما يعول من له المال، ولا مال للعبيد (¬1). [26 - 46] إعلان النكاح، واشتراط الشهود فيه: يلزم إعلان النكاح، وألا يكون سرًّا، ولا يكون ذلك إلا بوجود شاهدين يحضرانه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الترمذي (279 هـ) حيث قال: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن بعدهم من التابعين وغيرهم، قالوا: لا نكاح إلا بشهود، لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم" (¬2). ونقله عنه الشوكاني (¬3)، وابن قاسم (¬4). 2 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "النكاح عقد يفتقر إلى إعلان لا خلاف فيه، ونكاح السر ممنوع لا خلاف فيه" (¬5). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه لا يجوز نكاح السر" (¬6). 4 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأجمعت الأمة على أنه لو عقد سرًا بغير شهادة لم ينعقد" (¬7). 5 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وإذا اجتمع الإشهاد والإعلان فهذا الذي لا نزاع في صحته" (¬8). ونقله عنه ابن قاسم (¬9). وقال أيضًا: "إذا تزوجها بلا ولي ولا شهود، وكتما النكاح؛ فهذا نكاح باطل باتفاق الأئمة" (¬10). 6 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه لا يجوز نكاح السر" (¬11). ¬
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على إعلان النكاح، واشتراط الشهود فيه، وافق عليه الحنفية (¬1). وهو قول عمر، وابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وعطاء، وسعيد بن المسيب، وجابر بن زيد (¬2)، والحسن البصري، والنخعي، وقتادة، والثوري، والأوزاعي (¬3). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل" (¬4). 2 - عن محمد بن حاطب الجمحي (¬5) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فصل ما بين الحرام والحلال الدف والصوت" (¬6). 3 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أعلنوا هذا النكاح، واضربوا عليه بالغربال" (¬7). • وجه الدلالة: أنه إذا حضر عقد النكاح شاهدان فقد أعلناه، والضرب بالدف ندب ¬
إلى زيادة إعلانه (¬1). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نهى عن نكاح السر" (¬2). • وجه الدلالة: أن النهي عن السر يكون أمرًا بالإعلان؛ لأن النهي عن الشيء أمر بضده (¬3). 5 - أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أُتي بنكاح لم يشهد فيه إلا رجل وامرأة؛ فقال: هذا نكاح السر، ولا أجيزه، ولو تقدمت فيه لرجمت (¬4). • الخلاف في المسألة: يرى المالكية (¬5)، والحنابلة في رواية (¬6)، أنه لا يشترط أن يحضر الشهود عقد النكاح؛ فلو عقد النكاح بلا شهود، ثم أُعلن، صح. وقال بهذا القول ابن حزم (¬7). وهو قول ابن عمر، والحسن بن علي، وابن الزبير -رضي اللَّه عنه-، وعبد الرحمن بن مهدي (¬8)، وأبي ثور (¬9). • أدلة هذا القول: 1 - تحمل الأحاديث الواردة في الأمر بالإشهاد على النكاح على أنه شرط كمال وفضيلة، وليس بشرط صحة (¬10). 2 - أن عقد النكاح عقد كسائر العقود، ولا يشترط فيها الشهادة، فكان عقد النكاح مثلها (¬11). ¬
[27 - 47] يشترط في الشاهدين في عقد النكاح أن يكونا مسلمين
3 - أن عقد النكاح يقصد به التوثيق، فلا يشترط فيه الإشهاد كالرهن، والكفالة (¬1).Rأولًا: تحقق الإجماع على أنه لا بد من إعلان النكاح، وأن نكاح السر لا يجوز. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أنه لا بد أن يحضر عقد النكاح شاهدان؛ لخلاف المالكية والحنابلة في رواية، وابن حزم، ومن سبقهم من الصحابة والتابعين، في أنه إذا لم يحضر الشهود في عقد النكاح وأُعلن، فهو صحيح. [27 - 47] يشترط في الشاهدين في عقد النكاح أن يكونا مسلمين: يُعدُّ إسلام الشاهدين في عقد النكاح شرطًا لصحته، فلا ينعقد بشهادة غير مسلمين، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث قال: "إن أصل الشهادة وإسلام الشاهد، صار شرطًا في نكاح الزوجين المسلمين، بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الكاساني من الإجماع على أنه يشترط أن يكون شاهدا عقد النكاح مسلمين، وافق عليه، المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]. • وجه الدلالة: الشهادة من باب الولاية، ولذلك نفى اللَّه سبحانه وتعالى أن تكون ولاية للكفار على المسلمين، فلا يشهد على أنكحة المسلمين إلا مسلم، ولا تقبل شهادة الكافر في ذلك (¬7).Rتحقق الإجماع على أنه يشترط أن يكون شاهدا عقد النكاح مسلمين؛ ¬
[28 - 48] يشترط في الشاهدين في عقد النكاح أن يكونا عدلين
وذلك لعدم وجود مخالف. [28 - 48] يشترط في الشاهدين في عقد النكاح أن يكونا عدلين: يشترط في الشاهدين في عقد النكاح أن يكونا عدلين، فلا ينعقد بشهادة فاسقين، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "إذا أشهد على النكاح فإنه يُشهِد رجلين عدلين ثبتت بمثلهما الحقوق، . . . وبه قال علماء الإسلام" (¬1). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن حضور الشاهدين العدلين ينعقد بهما النكاح، مع الولي" (¬2). 3 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "أما العدالة فمشترطة إجماعًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: أولًا: ما ذكر من الإجماع على أن عقد النكاح ينعقد بشهادة عدلين، وافق عليه الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم (¬6). ثانيًا: ما ذكر من الإجماع على أنه لا بد من عدالة الشهود، فلا ينعقد بشهادة فاسقين، وافق عليه الشافعية (¬7)، والحنابلة في المذهب (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد" (¬10). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬11)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬12)، إلى ¬
[29 - 49] لا ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين
القول بجواز شهادة الفاسقين في عقد النكاح. • أدلة هذا القول: 1 - أن الشهادة تحمّل، فتصح من الفاسق كسائر التحملات (¬1). 2 - أن الفسق لا يقدح في ولاية الولي في عقد النكاح، ولا يقدح في القبول من قِبَل الزوج، فلا يقدح في الشاهد (¬2).Rأولًا: تحقق الإجماع على أنه إن حضر النكاح شاهدان عدلان انعقد بهما، ولا مخالف في هذا. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أنه لا بد من عدالة الشهود في عقد النكاح، فلا ينعقد بشهادة فاسقين؛ لخلاف الحنفية، والحنابلة في رواية أن العدالة ليست شرطًا في شهود عقد النكاح، فينعقد بشهادة فاسقين. [29 - 49] لا ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين: لا ينعقد النكاح إلا بشهادة رجلين، فلا ينعقد بشهادة رجل وامرأتين، ونفي الخلاف في ذلك: • من نفى الخلاف: ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "إذا أشهد على النكاح فإنه يشهد رجلين عدلين ثبتت بمثلهما الحقوق، ولا تجوز فيه شهادة رجل وامرأتين، وبه قال علماء الإسلام" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن العربي من المالكية من أن النكاح لا ينعقد بشهادة رجل وامرأتين، وافق عليه الشافعية (¬4)، والحنابلة في رواية (¬5)، صححها أبو يعلى (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - عن الزهري قال: مضت السنة ألّا تجوز شهادة النساء ¬
[30 - 50] يشترط تكافؤ الزوجين في الدين، فلا تزوج مسلمة لكافر
في الحدود، ولا في النكاح، ولا في الطلاق (¬1). 2 - كل ما لم يكن المقصود منه المال، لا تقبل فيه شهادة النساء منفردات، فلا تقبل فيه شهادتهن مع الرجال (¬2). 3 - أن عقد النكاح يطلع عليه الرجال في غالب الأحوال، فلم يثبت بشهادتهن (¬3). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬4)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬5)، وابن حزم (¬6)، إلى القول بأن النكاح ينعقد بشهادة رجل وامرأتين؛ بل قال ابن حزم: يجوز بشهادة أربع نساء عدول (¬7). • دليل هذا القول: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد" (¬8). • وجه الدلالة: هذا الحديث عام في قبول شاهدين في عقد النكاح، فكان للنساء مدخل فيه، كغيره من حقوق الآدميين (¬9). 2 - أن شهادتهن كانت على عقد على منفعة، فكما تجوز شهادتهن على المنافع، كالإجارة، جازت في عقد النكاح (¬10).Rعدم صحة ما ذكر من نفي الخلاف في أن النكاح لا ينعقد بشهادة رجل وامرأتين؛ لخلاف الحنفية، والحنابلة في رواية، وابن حزم، وقولهم بانعقاده بشهادة رجل وامرأتين. [30 - 50] يشترط تكافؤ الزوجين في الدين، فلا تزوج مسلمة لكافر: اشترط الفقهاء أن يتكافأ الزوجان في الدين، فلا تحل المسلمة للكافر، ونُقل ¬
الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "فأما الكفاءة فإنهم اتفقوا على أن الدين معتبر في ذلك" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). 2 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "ولهذا اتفق الفقهاء على اعتبار الكفاءة في الدين، وعلى ثبوت الفسخ بفوات هذه الكفاءة" (¬3). 3 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "ونكاح كافر مسلمة، يحرم على الإطلاق، بإجماع" (¬4). 4 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه، فلا تحل المسلمة للكافر أصلًا" (¬5). ونقله عنه الشوكاني (¬6). 5 - العيني (855 هـ) حيث قال: بعد قول البخاري: باب الأكفاء في الدين (أي هذا باب في بيان أن الأكفاء التي بالإجماع، هي أن تكون في الدين، فلا يحل للمسلمة أن تتزوج بالكافر" (¬7). 6 - الحطاب (954 هـ) حيث قال: "والمطلوب من الزوج أن يكون كفؤًا في دينه بلا خلاف" (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على اشتراط الكفاءة في الدين بين الزوجين، فلا تُزوَّج مسلمة بكافر، وافق عليه ابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]. • وجه الدلالة: يلزم من هذا نفي المساواة بين المؤمن وغيره من كل وجه، في الكفاءة وغيرها (¬10). ¬
2 - عن أبي حاتم المزني (¬1) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد". قالوا: يا رسول اللَّه، وإن كان فيه؟ قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه"، ثلاث مرات (¬2). • الخلاف في المسألة: أولًا: لا بد من بيان مراد الفقهاء بالدِّين المعتبر في الكفاءة، هل هو الدين الذي هو الإسلام؟ أم المراد به الديانة أي: التقوى؟ . المتأمل لنقولات الفقهاء السابقة يتضع له أن المراد بالدين هو الإسلام، فلا يجوز أن تزوج مسلمة بكافر، وهذا حُكي عليه الإجماع بين الفقهاء، كما سبق. لكن ابن الهمام فسّر المراد بالدين الذي اعتبره الفقهاء في الكفاءة، بأنه التقوى لا اتفاق الدين، فإن الزوجة قد تعير بفسق زوجها (¬3). وعلى هذا فهل يشترط أن يتكافأ الزوجان في التقوى، أم أنه يجوز أن تزوج المرأة التقية بفاسق من المسلمين؟ خلاف على قولين: • القول الأول: ذهب الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، أنه لا يجوز أن تزوج المسلمة التقية، بالفاسق المسلم. • دليل هذا القول: 1 - يستدل بما ذكر في مستند الإجماع. ¬
2 - أن الفاسق مرذول، مردود الشهادة والرواية، غير مأمون على النفس والمال، مسلوب الولايات، ناقص عند اللَّه تعالى، وعند خلقه، قليل الحظ في الدنيا والآخرة، فلا يجوز أن يكون كفؤًا لعفيفة، ولا مساويًا لها (¬1). • القول الثاني: ذهب محمد بن الحسن من الحنفية (¬2)، وابن حزم (¬3)، إلى أنه يجوز أن تزوج المرأة المسلمة التقية بمن ليس كفؤًا لها في الديانة، فيصح أن تزوج التقية المسلمة، بالفاسق المسلم. • دليل هذا القول: 1 - قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. • وجه الدلالة: سمى اللَّه سبحانه وتعالى جميع المؤمنين إخوة، فيستوي التقي والفاسق، فيجوز أن تزوج المرأة التقية بالفاسق من المسلمين (¬4). 2 - أن الديانة من أمور الآخرة، فلا تبتنى عليها أحكام الدنيا (¬5).Rأولا: تحقق الإجماع على أنه لا يجوز أن تزوج المسلمة بكافر. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أنه يشترط أن يتكافأ الزوجان في الديانة، فلا تزوج المسلمة التقية بفاسق مسلم؛ لخلاف محمد بن الحسن من الحنفية، وابن حزم بجواز ذلك. ثالثًا: لا يعني القول بوجوب تكافؤ الزوجين في الدين أنه يمنع الرجل المسلم من الزواج بغير مسلمة من أهل الكتاب، فإن ذلك جائز، وسيأتي بيانه في الفصل التالي، بمشيئة اللَّه تعالى. * * * ¬
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في المحرمات في النكاح وفيه ثلاثون مسألة
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في المحرمات في النكاح وفيه ثلاثون مسألة [1 - 51] المحرمات بالنسب: المحرمات بالنسب سبع هن: الأمهات وإن علوْنَ، والبنات وإن نزلْنَ، والأخوات من الجهات الثلاث: من أب وأم، أو أب، أو أم، والعمات أخوات الأب والجد من الجهات الثلاث، والخالات أخوات الأم والجدة من الجهات الثلاث، وبنات الأخ وإن نزلن، وبنات الأخت وإن نزلن. وقد نقل الإجماع على تحريم هؤلاء جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الطبري (310 هـ) حيث قال: "فكل هؤلاء اللواتي سماهن اللَّه تعالى، وبيّن تحريمهن في هذه الآية، محرمات غير جائز نكاحهن لمن حرم اللَّه ذلك عليه من الرجال بإجماع جميع الأمة لا اختلاف بينهم في ذلك" (¬1). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على تحريم أن ينكح الرجل أُمَّه" (¬2). 3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن نكاح الأم وأمهاتها. . .) فذكر المحرمات، ثم قال: "فإن نكاح كل من ذكرنا حرام مفسوخ أبدا" (¬3)، وكذا قال في المحلى (¬4). 4 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وهذا معنى تفسير: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] أنها الأم وإن علت، والابنة وإن سفلت، . . . وهذا كله مجتمع عليه لا خلاف فيه" (¬5). 5 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "المحرمات في كتاب اللَّه أربع عشرة، سوى من يحرم الجمع بينهن. . . هذه جملة اتفقت الأمة عليها" (¬6). ¬
6 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المحرمات في كتاب اللَّه أربع عشرة سبع من جهة النسب، وسبع من جهة السبب، فأما النسب. . .) فذكرهن (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). 7 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "يحرم على الرجل أُمَّه بنص الكتاب. . . وعليه إجماع الأمة، وتحرم عليه بناته وإن سفلن. . . وعليه إجماع الأمة، وتحرم عليه أخواته، وعماته، وخالاته بالنص. . . والإجماع. . . وبنات الأخ، وبنات الأخت وإن سفلن، بالإجماع" (¬3). 8 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن النساء اللائي يحرمن من قبل النسب: السبع المذكورات في القرآن)، فذكرهن (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). 9 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع، . . . وأجمعت الأمة على تحريم ما نص اللَّه تعالى على تحريمه)، ثم ذكر المحرّمات (¬6). 10 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "حرم اللَّه سبعًا من النسب، وستًا بين صهر ورضاع، وألحقت السنة سابعة، وذلك الجمع بين المرأة وعمتها، ونص عليه الإجماع" (¬7). 11 - القرافي (684 هـ)، حيث قال بعد استدلاله بالآية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23]: "أجمعت الأمة على أن المراد بهذا اللفظ القريب والبعيد من كل نوع" (¬8). 12 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "دخل في الأمهات، أم أبيه، وأم أمه وإن علت، بلا نزاع أعلمه بين العلماء، وكذلك دخل في البنات، بنت ابنه، وبنت ابنته وإن سفلت، بلا نزاع أعلمه" (¬9). ¬
[2 - 52] تحريم أمهات الزوجات
13 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "لا يحل للرجل أن يتزوج بِأُمِّه ولا بجداته. . . ثبتت حرمتهن بالإجماع. . . ولا ببنته وإن سفلت لما تلونا، وبالإجماع. . . " (¬1). 14 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "حرم تزوج أُمه، وبنته وإن بعدتا. . . لإرادة ذلك في النص، والإجماع على حرمتهن" (¬2). • مستند الإجماع: قال اللَّه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)} [النساء: 23].Rتحقق الإجماع في تحريم ما نص اللَّه سبحانه وتعالى عليه، وهن المحرّمات بالنسب؛ لعدم وجود مخالف. والإجماع في هذه المسألة يستند إلى نص قطعي، وقد تناقل هذا الإجماع الأئمة عبر العصور. [2 - 52] تحريم أمهات الزوجات: تحرم أم الزوجة على زوج ابنتها سواء دخل بابنتها أم لا؛ إذ يكفي في التحريم مجرد العقد على ابنتها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "إن تزوج امرأة حرمت عليه أمها على التأبيد بمجرد العقد، وإن لم يحصل معه دخول، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وكافة الفقهاء" (¬3). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن أم الزوجة التي عقد زواجها صحيح، وقد دخل بها ووطئها؛ حرام عليه نكاحها أبدًا" (¬4). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على أن من وطئ امرأته فقد ¬
حرمت عليه ابنتها وأمها" (¬1). وقال أيضًا: "من كان تحته امرأة دخل بها حرمت عليه الأم بإجماع من المسلمين" (¬2). وقال أيضًا: "أجمع العلماء على أن النكاح الصحيح يحرم أم المرأة، أو ابنتها إذا دخل بها" (¬3). وقال أيضًا: "لا خلاف بين العلماء أنه لا يحل لأحد أن يطأ امرأة وابنتها في ملك اليمين" (¬4). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المحرمات في كتاب اللَّه أربع عشرة: . . . وأم امرأة الرجل وجداتها وإن بعدن، سواء دخل بالمرأة أم لم يدخل" (¬5). وقال أيضًا: "واتفقوا على أن نفس العقد على المرأة يحرم أمها على العاقد على التأبيد، وأنه لا يعتبر الوطء في ذلك" (¬6). ونقله عنه ابن قاسم (¬7). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وتحرم أمها عليه؛ لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]، وهذه منهن، وليس في هذا اختلاف بحمد اللَّه" (¬8). 6 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وتحريم المحرمات بالمصاهرة، وهن أمهات النساء وبناتهن، وحلائل الآباء والأبناء، ونحو ذلك من المحرمات. . . فهذه المسائل مما لم يتنازع فيها المسلمون، لا سنيهم ولا بدعيهم" (¬9). 7 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "وأم امرأته. . . فلا فرق بين كون امرأته مدخولًا بها أو لا وهو مجمع عليه عند الأئمة" (¬10). 8 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن أم الزوجة تحرم على التأبيد بمجرد العقد" (¬11). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم أم الزوجة بمجرد العقد على ابنتها، هو قول ابن مسعود، وابن عمر، وعمران بن حصين، وجابر ابن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهم-، ومسروق (¬12)، والحسن البصري، وعطاء، وطاوس، والزهري، ¬
والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]، معطوفًا على قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]. • وجه الدلالة: المرأة المعقود عليها امرأته؛ فتدخل أمها في عموم الآية، كما أن تحريم أمهات النساء كلام تام بنفسه، منفصل عن المذكور بعده؛ إذ هو معطوف على ما تقدم ذكره من قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] (¬2). 2 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أيما رجل نكح امرأة فدخل بها، فلا يحل له نكاح ابنتها، فإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها، وأيما رجل نكح امرأة، فدخل بها أو لم يدخل بها، فلا يحل له نكاح أمها" (¬3). قال الطبري: وهذا خبر؛ وإن كان في إسناده ما فيه، فإن في إجماع الحجة على صحة القول به مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره (¬4). 3 - سئل زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- (¬5) عن رجل تزوج امرأة، ثم فارقها قبل أن يصيبها، هل تحل له أمها؟ فقال زيد بن ثابت: لا، الأم مبهمة، ليس فيها شرط، وإنما الشرط في الربائب (¬6). 4 - قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "أبهموا ما أبهم القرآن" (¬7). أي: عمموا حكمها في كل ¬
حال، ولا تفصلوا بين المدخول بها وبين غيرها (¬1). 5 - أن عبد اللَّه بن مسعود استُفتِي، وهو في الكوفة، عن نكاح الأم بعد الابنة، إذا لم تكن الابنة مُسَّت؛ فأرخص في ذلك، ثم أن ابن مسعود قدم المدينة فسأل عن ذلك، فأُخبر أنه ليس كما قال، وأنما الشرط في الربائب. فرجع ابن مسعود إلى الكوفة، فلم يصل إلى منزله حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك، فأمره أن يفارق امرأته (¬2). • الخلاف في المسألة: يرى جمع من أهل العلم: أن الأم لا تحرم بمجرد العقد على ابنتها، بل لا بد من الدخول بالزوجة حتى تحرم أمها، وأن مجرد العقد على ابنتها لا يحرمها. ونقل هذا القول عن علي، وزيد بن ثابت، وابن عباس، في إحدى الروايتين عنهم، وجابر، وابن الزبير، ومجاهد. وتبعهم على ذلك داود، وبشر المريسي (¬3)، ومحمد ابن شجاع (¬4) (¬5). ¬
• أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23]. • وجه الدلالة: ذكر اللَّه سبحانه وتعالى أمهات النساء، وعطف الربائب عليهن في التحريم بحرف العطف، ثم عقب الجملتين بشرط الدخول (¬1). 2 - عن خلاس بن عمرو (¬2)، عن علي -رضي اللَّه عنه- في رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها؛ أيتزوج أمها؟ قال: هي بمنزلة الربيبة (¬3). 3 - عن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- أنه كان يقول: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أمها (¬4).Rأولًا: تحقق الإجماع في أن الدخول بالنساء يحرم أمهاتهن. ثانيًا: عدم صحة الإجماع في أن مجرد العقد على البنت يحرم الأم، بل هي مسألة خلافية، وثبت الخلاف فيها من زمن الصحابة -رضي اللَّه عنهم-. ثالثًا: ورد عمن نقل عنه الخلاف من الصحابة، أنهم وافقوا الجمهور في أن الأمهات يحرمن بمجرد العقد على البنات، ويمكن توجيه ما ورد عنهم في اشتراط الدخول بالزوجة بما يلي: 1 - حديث خلاس عن علي -رضي اللَّه عنه- لا تقوم به حجة؛ لأنه يروي عن علي المناكير، ولا تصح روايته عند أهل العلم بالحديث (¬5). 2 - ما نقل عن علي، وزيد بن ثابت فهو معارض بمثله عنهما أيضًا. 3 - صح عن علي -رضي اللَّه عنه- مثل ما يقول الجماعة (¬6). ¬
[3 - 53] تحريم بنات الزوجات
4 - أما ما نقل عن ابن مسعود فقد ورد ما يدل على رجوعه إلى قول العامة. 5 - اختلف على جابر في ذلك، فلا يصح في هذا إلا ما نقل عن ابن الزبير، ومجاهد، وفرقة أخرى قالت بذلك، ليس لها حجة (¬1). [3 - 53] تحريم بنات الزوجات: تحرم بنت الزوجة بالدخول بأمها، ولا يكفي مجرد العقد، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الطبري (310 هـ) حيث قال: "في إجماع الجميع على أن خلوة الرجل بامرأته لا يحرّم عليه ابنتها إذا طلقها قبل مسيسها، ومباشرتها" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا تزوج المرأة ثم طلقها، أو ماتت قبل أن يدخل بها؛ حل له تزوج ابنتها" (¬4). ونقله عنه ابن قدامة (¬5)، وابن قاسم (¬6). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أجمعت الأمة أن الرجل إذا تزوج امرأة ولها ابنة، أنه لا تحل له الابنة بعد موت الأم، أو فراقها إن كان دخل بها، وإن كان لم يدخل بالأم حتى فارقها، حل له نكاح الربيبة" (¬7). وقال أيضًا: "وأجمع العلماء على أن من وطئ امرأته فقد حرمت عليه ابنتها، وأمها" (¬8). وقال أيضًا: "التحريم لا يصح في الربيبة بالعقد حتى ينضم إلى ذلك الدخول بالأم، وهذا إجماع" (¬9). 4 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن بنت الزوجة التي عقد زواجها صحيح، وقد دخل بها ووطئها، وكانت الابنة مع ذلك في حجره، فحرام عليه نكاحها أبدًا" (¬10). ¬
5 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المحرمات في كتاب اللَّه أربع عشرة: . . . والربائب المدخول بأمهاتهن" (¬1). وقال أيضًا: "واتفقوا على أن الرجل إذا دخل بزوجته، حرمت عليه بنتها على التأبيد، وإن لم تكن الربيبة في حجره" (¬2). 6 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: ". . . اتفق المسلمون على تحريم اثنتين منهن بنفس العقد -وهو تحريم زوجات الآباء والأبناء- وواحدة بالدخول، وهي بنت الزوجة" (¬3). 7 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "اتفق الفقهاء على أن الربيبة تحرم على زوج أمها إذا دخل بالأم، وإن لم تكن الربيبة في حجره" (¬4). وقال أيضًا: "وأجمع العلماء على أن الرجل إذا تزوج المرأة، ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها، حل له نكاح ابنتها" (¬5). 8 - القرافي (684 هـ) حيث قال: "فإنا لا نعلم خلافًا في شرطية الدخول في تحريم البنت" (¬6). 9 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "واتفق الأئمة أيضًا على أن الربيبة تحرم بالدخول بالأم، وإن لم تكن في حجر زوج أمها" (¬7). 10 - ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: "الخلوة الصحيحة فلا خلاف أنها تحرم البنت" (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن بنت الزوجة تحرم بالدخول بأمها، ولا يكفي مجرد العقد، هو قول ابن مسعود، وجابر، وعمران بن حصين -رضي اللَّه عنهم-، وطاوس، ومسروق، وعكرمة (¬9)، وعطاء، والحسن، وابن سيرين، ¬
والثوري، والأوزاعي، ومن قال بقوله من أهل الشام، وإسحاق، وأبي ثور (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23]، وهو معطوف على قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]. 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لأم حبيبة: "لا تعرضن عليّ بناتكن، ولا أخواتكن" (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب داود (¬3)، وابن حزم (¬4)، إلى أن البنت لا تحرم على زوج أمها إلا إذا كانت في حجره، أما إذا لم تكن في حجره فلا تحرم، سواء دخل بأمها أم لا. وهو قول عمر، وعلي -رضي اللَّه عنهما- (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23]. • وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه وتعالى لم يحرم الربيبة إلا بشرطين: الأول: أن تكون في حجر زوج الأم. والثاني: الدخول بالأم، فلا تحرم عليه إلا بالأمرين معًا (¬6). 2 - عن أم حبيبة -رضي اللَّه عنها- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة" (¬7). • وجه الدلالة: شرط -صلى اللَّه عليه وسلم- الحجر حتى تحرم عليه، فيدل على أنه إن لم تكن في حجره فلا تحرم (¬8). ¬
[4 - 54] تحريم حلائل الآباء والأبناء
3 - عن مالك بن أوس (¬1) قال: كان عندي امرأة قد ولدت لي فتوفيت، فوجدت عليها، فلقيت علي بن أبي طالب، فقال لي: مالك؟ قلت: توفيت المرأة. قال: ألها ابنة؟ قلت: نعم. قال: كانت في حجرك؟ قلت لا، هي في الطائف. قال فانكحها! قلت: وأين قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] قال: إنها لم تكن في حجرك، وإنما ذلك إذا كانت في حجرك (¬2).Rأولًا: تحقق الإجماع في تحريم الربيبة إذا كانت في حجر زوج الأم. ثانيًا: عدم تحققه فيما إذا لم تكن الربيبة في حجر زوج الأم؛ للخلاف عن عمر، وعلي -رضي اللَّه عنهما-، وداود، وابن حزم. [4 - 54] تحريم حلائل الآباء والأبناء: حلائل الآباء يحرمن على الأبناء، وحلائل الأبناء يحرمن على الآباء، بمجرد العقد، ولا يشترط في ذلك الدخول؛ وسواء أكانت القرابة بالنسب، أم بالرضاع، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الطبري (310 هـ) حيث قال: "ولا خلاف بين جميع أهل العلم أن حليلة ابن الرجل حرام عليه نكاحها بعقد ابنه عليها النكاح، دخل بها أو لم يدخل بها" (¬3). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا تزوج المرأة حرمت على أبيه وابنه، دخل بها أو لم يدخل بها، وعلى أجداده، وعلى ولد ولده من الذكور والإناث أبدًا ما تناسلوا، لا تحل لبني بنيه، ولا لبني بناته، ولم يذكر اللَّه في ¬
الآيتين دخولًا، والرضاع بمنزلة النسب" (¬1). 3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "أما من عقد فيها الرجل زواجًا فلا خلاف في تحريمها في الأبد على أبيه وأجداده، وعلى بنيه، وعلى من تناسل من بنيه وبناته أبدًا" (¬2). وقال أيضًا: "وأما من حلّت للرجل بملك اليمين؛ فإن وطئها فلا نعلم خلافًا في تحريمها على من ولد، وعلى من ولده" (¬3). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المحرّمات في كتاب اللَّه أربع عشرة: . . . وحليلة الابن وإن سفل محرّمة على الأب وإن علا، وسواء دخل الابن بامرأته أو لم يدخل، . . . وامرأة الأب محرّمة على ابنه وإن سفل، وكذلك امرأة الجد وإن علا" (¬4). 5 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وحليلة ابن الابن، وابن البنت، وإن سفل، تحرم بالإجماع" (¬5). وقال أيضًا: "وأما منكوحة أجداده فتحرم بالإجماع" (¬6). 6 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: ". . . اتفق المسلمون على تحريم اثنتين منهن بنفس العقد، وهو تحريم زوجات الآباء والأبناء" (¬7). 7 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "حلائل الأبناء يعني أزواجهم. . . فيحرم على الرجل أزواج أبنائه، وأبناء بناته، من نسب أو رضاع، قريبًا كان أو بعيدًا، بمجرد العقد. . . ولا نعلم في هذا اختلافًا" (¬8). وقال أيضًا: ". . . زوجات الأب، فتحرم على الرجل امرأة أبيه، قريبًا كان أو بعيدًا، وارثًا كان أو غير وارث، من نسب أو رضاع، . . . وسواء في هذا امرأة أبيه، أو امرأة جده لأبيه، وجده لأمه، قرب أو بعد، وليس في هذا بين أهل العلم خلاف علمناه، والحمد للَّه" (¬9). وقال أيضًا: "وجملة ذلك أن المرأة إذا عقد الرجل عقد النكاح عليها، حرمت على ابنه بمجرد العقد عليها، . . . وتحرم على أبيه. . . وليس في هذا اختلاف بحمد اللَّه" (¬10). ¬
8 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء، وما عقد عليه الأبناء على الآباء، كان مع العقد وطء أم لم يكن" (¬1). وقال أيضًا: "وحرمت حليلة الابن من الرضاع -وإن لم يكن من الصلب- بالإجماع المستند إلى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" (¬2). 9 - القرافي (684 هـ) حيث قال: "أجمع الناس على أن العقد يحرّم على الابن" (¬3). 10 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ولا يحل له أن يتزوج بامرأة أبيه وأجداده أو نساء أجداده، . . . فثبتت الحرمة في الجميع نصًا أو إجماعًا، . . . فحرمة العقد ثابتة بالإجماع" (¬4). وقال أيضًا: "وحليلة الابن حرام على الأب. . . وأما حليلة ابن الابن بعمومه (¬5) أو بالإجماع" (¬6). وقال أيضًا: "فحرمة العقد (¬7) ثابتة بالإجماع" (¬8). 11 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وتحرم زوجة كل جد وإن علا، إجماعًا، حكاه ابن رشد وغيره، وتحرم أيضًا بالعقد زوجة ابنه وإن نزل، بإجماع المسلمين، حكاه غير واحد" (¬9). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم حلائل الآباء على الأبناء، وحلائل الأبناء على الآباء بمجرد العقد، هو قول عطاء، وطاوس، والحسن، وابن سيرين، ومكحول (¬10)، وقتادة، والثوري، والأوزاعي، وأبي عبيد، وأبي ثور، قال ابن المنذر: ولم يحفظ عن غيرهم خلافهم (¬11). ¬
[5 - 55] الملاعنة تحرم على زوجها تحريما مؤبدا
• مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)} [النساء: 22]. 2 - وقال تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23]، معطوفًا على قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]. وجه الدلالة من هذه النصوص: دلت هذه النصوص على تحريم ما نكح الآباء على الأبناء، وما نكح الأبناء على الآباء.Rتحقق الإجماع على ثبوت تحريم ما نكح الآباء على الأبناء، وما نكح الأبناء على الآباء، بمجرد العقد، ولا يشترط في ذلك الدخول. [5 - 55] المُلاعِنَةُ تحرم على زوجها تحريمًا مؤبدًا: شرع اللَّه سبحانه وتعالى اللعان بين الزوجين عندما يتهم الرجل امرأته بالزنى، فإذا وقع اللعان بينهما فلا تحل له بعد اللعان أبدا، أكذب الزوج نفسه أم لا، ونقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "ما يقع به فسخ النكاح بعد صحته: . . . أن يتم التعانه، والتعانها، . . . ولا خلاف في ذلك" (¬1). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن فرقة التلاعن واقعة (¬2) " (¬3). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إن الملاعنة تحرم عليه باللعان تحريمًا مؤبدًا؛ فلا تحل له، وإن أكذب نفسه. . . ولا خلاف بين أهل العلم في أنه إذا لم يكذب نفسه لا تحل له" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). 4 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن فرقة التلاعن واقعة بين الزوجين" (¬6). • الموافقون على الاتفاق: أولًا: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على أن الملاعنة تحرم على زوجها الذي لاعنها تحريمًا مؤبدًا، إن لم يكذب الزوج نفسه، وافق عليه ¬
الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2). ثانيًا: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على أن الملاعنة تحرم على زوجها الذي لاعنها تحريمًا مؤبدًا، إن أكذب نفسه، وافق عليه أبو يوسف، وزفر، والحسن بن زياد (¬3) من الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان" (¬6). 2 - قول عمر، وسهل بن سعد (¬7)، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود: "مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدًا" (¬8). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب عثمان البتي (¬9) أن اللعان لا يتعلق به فرقة ¬
أبدًا (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - أن اللَّه سبحانه وتعالى لم يذكر في كتابه أنه إذا وقع اللعان بين الزوجين، فيجب وقوع الفرقة بينهما (¬2). 2 - قول عويمر (¬3): "كذبتُ عليها يا رسول اللَّه إن أمسكتها، فطلَّقها ثلاثًا" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنفذ الطلاق، ولو وقعت الفرقة لما نفذ طلاقه (¬5). ثانيًا: ذهب الإمام أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن (¬6)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬7)، إلى أن المرأة تعود لزوجها إن أكذب نفسه، فلا تحرم عليه تحريمًا مؤبدًا في هذه الحالة. وهو قول سعيد بن المسيب، والحسن، وسعيد بن جبير (¬8). • أدلة هذا القول: 1 - أنه إذا أكذب نفسه فقد بطل حكم اللعان، فكما يلحق به الولد، ترد إليه المرأة كذلك (¬9). 2 - أن السبب الموجب للتحريم هو الجهل بتعيين صدق أحدهما، مع القطع بأن أحدهما كاذب، فإذا انكشف ارتفع التحريم (¬10).Rأولًا: ما نقل من الاتفاق على وقوع الفرقة بين الزوجين باللعان اتفاق صحيح، ولا ينظر لخلاف عثمان البتي، لما يلي: 1 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرق بين المتلاعنين، فكانت سنة أن يفرق بين المتلاعنين، وقول ¬
[6 - 56] تحريم الجمع بين الأختين
عثمان البتي مخالف للسنة (¬1). 2 - هذا قول لم يُسبق إليه، ولم يقله أحد ممن سبقه، مما يدل على أن عثمان البتي قد أحدث حكمًا من عنده؛ فهو قول شاذ، وقد وصف بذلك (¬2). ثانيًا: صحة ما نقل من الاتفاق على أن الملاعنة تحرم على زوجها الذي لاعنها، تحريمًا مؤبدًا إذا لم يكذب نفسه. ثالثًا: عدم صحة الاتفاق على أن الملاعنة تحرم على زوجها الذي لاعنها، تحريمًا مؤبدًا إذا أكذب نفسه، لخلاف الإمام أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، والإمام أحمد في رواية عنه، بأنها لا تحرم عليه تحريمًا مؤبدًا إن أكذب نفسه. [6 - 56] تحريم الجمع بين الأختين: يحرم الجمع في النكاح بين الأختين، سواء كانتا من نسب، أو رضاع، حرتين كانتا أو أمتين، أو حرة وأمة، من أبوين كانتا، أو من أب، أو أم، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الطبري (310 هـ) حيث قال بعد ذكره لأصناف المحرمات من النساء، ومن ذلك تحريم الجمع بين الأختين: "فكل هؤلاء اللواتي سماهن اللَّه تعالى، وبيَّن تحريمهن في هذه الآية؛ محرمات غير جائز نكاحهن لمن حرم اللَّه ذلك عليه من الرجال، بإجماع جميع الأمة، لا اختلاف بينهم في ذلك" (¬3). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن عقد نكاح الأختين في عقد واحد لا يجوز، وأجمعوا على أن شراء الأختين الأمتين جائز، وأجمعوا على أن لا يجمع بين الأختين الأمتين في الوطء" (¬4). 3 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "ولا يجوز أن يجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء، ويجوز الجمع بينهما في الملك، كما لا يجوز الجمع بينهما في عقد النكاح، لأن الوطء في الإماء نظير العقد في النكاح، وهذا مذهب الفقهاء ¬
كافة" (¬1). 4 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أما الجمع بين الأختين، فحرام بنص الكتاب، وإجماع الأمة" (¬2). 5 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن الجمع بين الأختين بعقد الزواج محرّم، واتفقوا أن نكاح الأختين، واحدة بعد واحدة؛ بعد طلاق الأخرى، أو موتها، أو انفساد نكاحها، حلال" (¬3). 6 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وجماعة الفقهاء متفقون أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء، كما لا يحل ذلك في النكاح" (¬4). وقال أيضًا: "وقد أجمعوا على أنه لا يجوز العقد على أخت الزوجة" (¬5). ونقله عنه القرطبي (¬6). 7 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المحرمات في كتاب اللَّه أربع عشرة: . . . والجمع بين الأختين من النسب والرضاع" (¬7). وقال أيضًا: "واتفقوا على أنه لا يجوز الجمع بين الأختين في استباحة الوطء بملك اليمين، ولا بعقد النكاح" (¬8). ونقله عنه ابن قاسم (¬9). 8 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "لا خلاف في أن الجمع بين الأختين في النكاح حرام" (¬10). وقال أيضًا: "وأما نكاح المحارم، والجمع بين خمس نسوة، والجمع بين الأختين، فقد ذكر الكرخي أن ذلك كله فاسد في حكم الإسلام بالإجماع" (¬11). 9 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه لا يجمع بين الأختين بعقد نكاح" (¬12). ونقله عنه ابن قاسم (¬13). 10 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الضرب الثاني: تحريم الجمع، والمذكور ¬
في الكتاب الجمع بين الأختين، سواء كانتا من نسب أو رضاع، حرتين كانتا أو أمتين، أو حرة وأمة، من أبوين كانتا، أو من أب، أو أم، وسواء في هذا ما قبل الدخول أو بعده؛ لعموم الآية. . . وليس في هذا بحمد اللَّه اختلاف، وليس فيه تفريع" (¬1). 11 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأجمعت الأمة على منع جمعهما في عقد واحد من النكاح. . . يجوز الجمع بينهما في الملك بإجماع، وكذلك المرأة وابنتها؛ صفة واحدة" (¬2). 12 - القرافي (684 هـ) حيث قال: "ويحرم الجمع في عدة الرجعية اتفاقًا؛ لأنها زوجة" (¬3). 13 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "فلا يجمع بين الأختين، ولا بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، وهذا أيضًا متفق عليه" (¬4). 14 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "والجمع بين الأختين في التزويج حرام، سواء كانتا شقيقتين، أم من أب، أم من أم، وسواء النسب والرضاع" (¬5). 15 - العيني (855 هـ) حيث قال: "حرمة الجمع بين الأختين بلا خلاف" (¬6). وقال أيضًا: "ثبتت الحرمة في الجميع (¬7) نصًّا، وإجماعًا" (¬8). 16 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "واتفق الأئمة على تحريم الجمع بين الأختين في النكاح" (¬9). 17 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "أي: وحرّم عليكم أن تجمعوا بين الأختين معًا في التزويج، وكذا ملك اليمين، وأجمع عليه أهل العلم من الصحابة، والتابعين، والأئمة، وسائر السلف" (¬10). ¬
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم الجمع بين الأختين، سواء كان بنكاح، أو وطء في ملك يمين، هو قول جابر بن زيد، وعطاء، وطاوس، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] معطوفًا على قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]. 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لأم حبيبة: "لا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن" (¬2). 3 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين" (¬3). • وجه الدلالة من هذه النصوص: دلت هذه النصوص على تحريم الجمع بين الأختين في عقد واحد. • الخلاف في المسألة: أولًا: كره الإمام أحمد في رواية عنه الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين (¬4)، ونُقل القول بالكراهة عن عمر، وعثمان، وعلي، وعمار بن ياسر (¬5)، وابن عمر، وابن مسعود، ومعاوية -رضي اللَّه عنهم- (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - ما روي عن علي وابن عباس أنهما قالا: أحلتهما آية، وحرمتهما آية، ولم أكن لأفعله (¬7). ¬
2 - ما روي أن عثمان -رضي اللَّه عنه- سئل عن الأختين في ملك اليمين، فقال: لا آمرك، ولا أنهاك، أحلتهما آية، وحرمتهما آية، فخرج الرجل من عنده، فلقي عليًّا، فذكر له ذلك، فقال: لو كان لي من الأمر شيء لجعلت من فعل ذلك نكالًا (¬1). 3 - أن الجمع المُحرِّم جمعان: جمع من حيث العدد؛ وهو جمع بين خمس نسوة، وجمع بين الأختين، والمرأة وعمتها، أو خالتها، فلما كان الجمع من حيث العدد يختص بالنكاح، وليس بملك اليمين، كان الجمع الآخر مثله (¬2). ثانيًا: ذهب داود إلى القول بجواز الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين (¬3). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} [المؤمنون: 5، 6]. 2 - أن حكم الحرائر في الوطء مخالف لحكم الإماء، إذ يباح وطء أي عدد من الإماء بلا حصر، ولا يباح من الحرائر سوى أربع (¬4). ثالثًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه ذكرها أبو الخطاب (¬5)، وابن حزم (¬6)، إلى القول بأن من اجتمع في ملكه أختان، فقد حرمتا عليه، حتى تخرج واحدة منهما من ملكه، ببيع، أو هبة، أو موت، ونحو ذلك. وهو قول النخعي، والحكم بن عتيبة، وحمّاد بن أبي سليمان (¬7). • دليل هذا القول: قال تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23]. ومعنى هذا: أن اللَّه تعالى غفر لهم الجمع بين الأختين فيما سلف من أمرهم، فيحرم بعد ذلك (¬8).Rأولًا: تحقق الإجماع على أنه يحرم الجمع بين الأختين في النكاح، ولا مخالف في هذا. ¬
[7 - 57] تحريم الجمع بن المرأة وعمتها، أو خالتها
ثانيًا: عدم تحقق الإجماع في تحريم الجمع بين الأختين بملك اليمين؛ لوجود خلاف قديم عن بعض الصحابة، القائلين بالكراهة، وخلاف داود القائل بالإباحة، وخلاف الإمام أحمد في رواية عنه، وابن حزم القائل بتحريم الأختين إذا اجتمعتا في ملك رجل بملك اليمين حتى يخرج إحداهما من ملكه. ثالثًا: فيما ذكر من الخلاف في الجمع بين الأختين بملك يمين، فإن الأولى فعل ما هو أحوط في ترك وطء إحداهما؛ لما يأتي: 1 - ما قيل: أحلتهما آية، وحرمتهما آية، فالأخذ بالمحرَّم أولى عند التعارض؛ احتياطًا للحرمة، حيث إن الإثم يلحق بارتكاب المحرم، ولا إثم في ترك المباح (¬1). 2 - الأصل في الأبضاع التحريم، ولا تُستباح إلا بدليل، فإذا تعارض دليل الحل ودليل الحرمة تدافعا، فيعمل بالأصل (¬2). 3 - أن عثمان -رضي اللَّه عنه- رجع إلى قول الجمهور، فإن لم يرجع، فالإجماع اللاحق يرفع الخلاف -على رأي الحنفية- السابق (¬3). 4 - أن حل الملك ليس فيه أكثر من بيان جهة الحل وسببه، ولا تعرّض فيه لشروط الحل، ولا لموانعه؛ وآية التحريم فيها بيان موانع الحل من النسب والرضاع والصهر وغيره، فلا تعارض بينهما البتة، وإلا كان كل موضع ذكر فيه شرط الحل وموانعه معارضًا لمقتضى الحل، وهذا باطل قطعًا، بل هو بيان لما سكت عنه دليل الحل من الشروط والموانع (¬4). 5 - لو جاز الجمع بين الأختين المملوكتين في الوطء، جاز الجمع بين الأم وابنتها المملوكتين، فإن نص التحريم شامل للصورتين شمولًا واحدًا، وإن إباحة المملوكات إذا عمّت الأختين، عمّت الأم وبناتها (¬5). [7 - 57] تحريم الجمع بن المرأة وعمتها، أو خالتها: يحرم الجمع في النكاح بين المرأة وعمتها، أو خالتها، ونقل الإجماع على ذلك ¬
جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "لا يجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها". وبهذا نأخذ، وهو قول من لقيت من المفتين لا اختلاف بينهم فيما علمته" (¬1). ونقله عنه ابن حجر (¬2)، والصنعاني (¬3)، والشوكاني (¬4). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها، ولا الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى" (¬5). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على القول بهذا الحديث، فلا يجوز عند جميعهم نكاح المرأة على عمتها وإن علت، ولا على ابنة أخيها وإن سفلت، ولا على خالتها وإن علت، ولا على ابنة أختها وإن سفلت، والرضاعة في ذلك كالنسب" (¬6). وذكره في الاستذكار (¬7). ونقله عنه العيني (¬8)، والشوكاني (¬9). وقال أيضًا: "وأجمعت الأمة كلها على القول بحديث هذا الباب (¬10)، على حسب ما وصفناه" (¬11). 4 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: ". . . فإن ما ذكر في هذا الحديث على اختلاف روايته ثابت بالإجماع" (¬12). 5 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه لا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" (¬13). وقال أيضًا: "اتفقوا على أن عمة العمة تنزل في التحريم منزلة العمة، إذا كانت العمة الأولى أخت الأب لأبيه، واتفقوا على أن خالة الخالة تنزل في التحريم منزلة الخالة، إذا كانت الخالة الأولى أخت الأم لأمها" (¬14). ونقله عنه ابن قاسم (¬15). ¬
6 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا - فيما أعلم - على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها" (¬1). 7 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول به. وليس فيه بحمد اللَّه اختلاف" (¬2). 8 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وهذا الحديث مجمع على العمل به في تحريم الجمع بين من ذكر فيه بالنكاح" (¬3). ونقله عنه الشوكاني (¬4). 9 - النووي (676 هـ) حيث قال: "يحرم الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها، سواء كانت عمة وخالة حقيقة، وهي: أخت الأب، وأخت الأم، أو مجازية، وهي: أخت أبي الأب، وأبي الجد وإن علا، أو أخت أم الأم، وأم الجدة من جهتي الأم والأب، وإن علت، فكلهن بإجماع العلماء يحرم الجمع بينهما" (¬5). 10 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وأما تحريم الجمع: فلا يجمع بين الأختين بنص القرآن، ولا بين المرأة وخالتها، ولا تنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى، . . . وهذا متفق عليه بين العلماء" (¬6). وقال أيضًا: "والجمع بين المرأة وخالة أبيها وخالة أمها، أو عمة أبيها أو عمة أمها؛ كالجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، عند أئمة المسلمين، وذلك حرام باتفاقهم" (¬7). 11 - العيني (855 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على القول بهذا الحديث؛ فلا يجوز عند جميعهم نكاح المرأة على عمتها وإن علت، ولا على ابنة أخيها وإن سفلت، ولا على خالتها وإن علت، ولا على ابنة أختها وإن سفلت" (¬8). 12 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "واتفق الأئمة على تحريم الجمع بين الأختين في النكاح، وكذا بين المرأة وعمتها أو خالتها" (¬9). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أنه يحرم الجمع بين ¬
المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وافق عليه ابن حزم (¬1). وهو قول سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعطاء، ومجاهد، والأوزاعي، والثوري، وأبي عبيد، وأبي ثور (¬2). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" (¬3). 2 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها (¬4). 3 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو العمة على ابنة أخيها، أو المرأة على خالتها، أو الخالة على ابنة أختها، ولا تنكح الصغرى على الكبرى، ولا الكبرى على الصغرى (¬5). 4 - قال الترمذي: وفي الباب عن علي، وابن عباس، وابن عمر، وعبد اللَّه بن عمرو، وأبي سعيد، وجابر، وعائشة، وأبي موسى، وسمرة بن جندب (¬6). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، والنهي يفيد التحريم. • الخلاف في المسألة: لم ينقل عن أحد من أهل السنة خلاف في هذه المسألة إلا عثمان البتي، فإنه قال: الجمع فيما سوى الأختين، وسوى المرأة وابنتها، ليس بحرام (¬7). ونُقل الخلاف عن الخوارج والشيعة فأباحوا ذلك (¬8). ¬
[8 - 58] إباحة الجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها
• دليل المخالف: قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] • وجه الدلالة: ذكر المحرّمات، وذكر فيما حرّم: الجمع بين الأختين، وأحل ما وراء ذلك، والجمع فيما سوى الأختين لم يدخل في التحريم، فكان داخلًا في المباح (¬1).Rتحقق الإجماع في أنه لا يجوز أن يُجمع بين المرأة وعمتها، أو المرأة وخالتها في عقد النكاح، وعدم الاعتداد بخلاف من خالف لما يلي: 1 - أن الجمع بين المرأة وعمتها، وبين خالتها، مما قد حرّمه اللَّه تعالى على لسان نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، الذي هو وحي غير متلو (¬2). 2 - تخصيص قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] بما ورد في سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- مبين للناس ما أنزل إليهم في كتاب اللَّه (¬3). 3 - ما ورد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حديث مشهور، والمشهور له حكم القطعي، ولا سيما مع الإجماع من الأمة، وعدم الاعتداد بالمخالف (¬4). 4 - خلاف الخوارج والشيعة لا يعتد به؛ لكونهم من أهل البدع الذين لا يعتد بخلافهم، مع ما ورد من السنة الصحيحة، والإجماع (¬5). 5 - خلاف عثمان البتي لا ينظر إليه لكونه وقع بعد عصر الإجماع، ولمخالفته السنة الصريحة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. [8 - 58] إباحة الجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها: يباح للرجل أن يجمع بين امرأة وابنة زوجها السابق، فقد يتزوج رجل امرأة مطلقة، أو توفي عنها زوجها، ويجمع معها ابنة زوجها السابق من غيرها، ونقل الإجماع على إباحة هذا النوع من النكاح جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "روي أن عبد اللَّه بن ¬
جعفر (¬1)، وعبد اللَّه بن صفوان (¬2)، جمع كل واحد منهما بين امرأة رجل وابنته من غيرها، فلم ينكر ذلك أحد من علماء عصرنا، فكان إجماعًا" (¬3). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أكثر أهل العلم يرون الجمع بين المرأة وربيبتها جائزًا، لا بأس به، . . . وبه قال سائر الفقهاء" (¬4). 3 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وبه قال الأئمة الأربعة، ويرى به العلماء؛ لأنه لا قرابة بينهما" (¬5). وقال أيضًا: "ولا أعلم أحدًا كرهه، إلا شيئًا يروى عن الحسن، ثم كان رجع عنه" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على إباحة أن يجمع الرجل بين امرأة، وزوجة أبيها، وافق عليه المالكية (¬7)، وابن حزم (¬8). وهو قول محمد بن سيرين، وسليمان بن يسار (¬9)، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]. ¬
• وجه الدلالة: أباح اللَّه سبحانه وتعالى نكاح جميع النساء، إلا ما ثبت تحريمه بكتاب أو سنة أو إجماع؛ ولم يثبت تحريمهما (¬1). 2 - قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] • وجه الدلالة: أن المرأة وبنت زوجها من غيرها، داخلتان في جملة ما أبيح بالنكاح، غير خارجتين منه بكتاب، أو سنة، أو إجماع (¬2). 3 - جمع عبد اللَّه بن جعفر بين ابنة علي، وامرأة علي (¬3). • وجه الدلالة: لم ينكر على عبد اللَّه بن جعفر أحد من أهل زمانه؛ وهم الصحابة والتابعون، وهو دليل ظاهر على الجواز (¬4). 4 - أن رجلًا بمصر من الأمصار كانت له صحبة، يقال له: جبلة (¬5)، جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها (¬6). • الخلاف في المسألة: نقلت كراهية الجمع بين امرأة الرجل وابنته من غيرها عن زفر من الحنفية (¬7)، وعن الحسن البصري، وعكرمة، وابن أبي ليلى (¬8) (¬9). • دليل هذا القول: أن ابنة الزوج لو قدرتها ذكرًا لا يجوز له التزوج بامرأة أبيه (¬10). ¬
[9 - 59] إباحة الجمع بين بنات العم, أو بنات الخال
Rتحقق الإجماع في جواز الجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها، ولا ينظر للخلاف لما يأتي: 1 - أن قول من قال بالكراهة، لا ينافي القول بالجواز. 2 - ما ورد عن الحسن، فقد ثبت رجوعه عنه، وأما ما ورد عن عكرمة؛ فالإسناد إليه فيه مقال (¬1). 3 - يقال لزفر: أن امرأة الأب لو صورتها ذكرًا جاز له التزوج بالبنت، فيجب أن يتصور الشرط من كل جانب (¬2). [9 - 59] إباحة الجمع بين بنات العم, أو بنات الخال: قد يجمع الرجل في عقد واحد بين بنتي عم، أو بنتي خال، وهذا النكاح جائز، سواء كانتا من النسب أو من الرضاعة، ونفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "الجمع بين بنات العم، . . . النكاح جائز إذا جمع بينهما، ولا أعلم أحدًا أبطل هذا النكاح" (¬3). ونقله عنه القرطبي (¬4)، وابن حجر (¬5)، والعيني (¬6). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "سئل مالك عن ابنتي العم: أتجمعان بينهما؟ قال: ما أعلمه حرامًا. . . وعلى هذا القول جماعة فقهاء الأمصار من أهل الرأي والحديث، ولا يختلفون في أنه جائز الجمع بين ابنتي العم من النسب والرضاعة" (¬7). 3 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأما باقي الأقارب؛ كالجمع بين بنتي العم، أو بنتي الخالة أو نحوهما، فجائز عندنا وعند العلماء كافة" (¬8). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره الجمهور من نفي الخلاف في إباحة الجمع ¬
بين بنتي العم، أو بنتي الخال، وافق عليه الحنابلة في الصحيح من المذهب (¬1)، وابن حزم (¬2)، وهو قول الحسن البصري، وعطاء في قول عنه، وقتادة، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي عبيد (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] • وجه الدلالة: أن الجمع بين بنات العم داخل في جملة ما أبيح بالنكاح، غير خارج منه بكتاب، أو سنة، أو إجماع (¬4). 2 - جمع الحسن بن الحسين بن علي بين ابنتي عم في ليلة واحدة (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب زفر من الحنفية (¬6)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬7)، إلى القول بكراهة هذا النوع من النكاح. وهو قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهم-، وعطاء في قول، وجابر بن زيد، وابن أبي ليلى (¬8). • دليل هذا القول: عن عيسى بن طلحة (¬9) أنه قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة (¬10).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في جواز أن يجمع الرجل بين بنتي العم، أو بنتي الخال، ولا ينظر لخلاف من خالف؛ لأنه حملَه على الكراهة، والقول ¬
[10 - 60] ما يجمعه الحر من النساء
بالكراهة لا ينافي الجواز. قال البخاري: كرهه جابر بن زيد للقطيعة، وليس فيه تحريم؛ لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (¬1). [10 - 60] ما يجمعه الحر من النساء: جاءت الإباحة في الشريعة الإسلامية للرجل الحر بنكاح أربع من النساء، وجواز الجمع بينهن في عقد واحد، وحرّمت الجمع بين أكثر من أربع من النساء، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أكثر ما يحل للحر أربع، لا يجوز له الزيادة عليهن، وهو قول سائر الفقهاء" (¬2). وقال أيضًا: ". . . فلو كان على ما قالوه، لكان من عجز عن العدل في تسع حرم عليه أن ينكح إلا واحدة، ولما حل له اثنتان، ولا ثلاث، ولا أربع، وهذا مدفوع بالإجماع" (¬3). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن نكاح الحر البالغ العاقل العفيف الصحيح، غير المحجور، المسلم، أربع حرائر، مسلمات غير زوانٍ صحائح فأقل، حلال. . . واتفقوا على أن نكاح أكثر من أربع زوجات، لا يحل لأحد بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬4). وقال أيضًا: "لم يختلف في أنه لا يحل لأحد زواج أكثر من أربع نسوة أحد من أهل الإسلام، وخالف في ذلك قوم من الروافض لا يصح لهم عقد الإسلام" (¬5). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وقد اتفق الجميع على أن للحر أن يتزوج أربعًا؛ وإن خاف ألا يعدل" (¬6). 4 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفقت الأمة على أن الحر يجوز له أن ينكح أربع حرائر" (¬7). ¬
5 - ابن هبيرة (560 هـ)، فذكره بنحو ما قال البغوي (¬1). 6 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفق المسلمون على جواز نكاح أربع من النساء معًا، وذلك للأحرار من الرجال" (¬2). 7 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات، أجمع أهل العلم على هذا، ولا نعلم أحدًا خالفه منهم" (¬3). 8 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "أجمع المسلمون أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة، اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا" (¬4). وقال أيضًا: "اعلم أن هذا العدد مثنى وثلاث ورباع لا يدل على إباحة تسع، كما قاله من بعد فهمه للكتاب والسنة. . . وهذا كله جهل باللسان والسنة، ومخالفة لإجماع الأمة؛ إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع" (¬5). وقال أيضًا: "وقد اتفق الجميع على أن للحر أن يتزوج أربعًا، وإن خاف ألا يعدل" (¬6). 9 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: بعد قول البخاري "باب لا يتزوج أكثر من أربع" (أما حكم الترجمة فبالإجماع، إلا قول من لا يعتد بخلافه من رافضي ونحوه" (¬7). 10 - العيني (855 هـ) حيث قال: "باب لا يتزوج أكثر من أربع، أي هذا باب يذكر فيه أنه لا يتزوج الرجل أكثر من أربع نسوة، وهذا لا خلاف فيه بالإجماع، ولا يلتفت إلى قول الروافض" (¬8). 11 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "وللحر أن يتزوج أربعًا. . . اتفق عليه الأئمة الأربعة وجمهور المسلمين" (¬9). 12 - ابن نجيم (970 هـ)، فذكره بنحو ما قال ابن الهمام (¬10). ¬
13 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "وقال بعض الخوارج: الآية تدل على جواز تسع، مثنى باثنتين، وثلاث بثلاث، ورباع بأربع؛ وبعض منهم: تدل على ثمانية عشر، مثنى اثنين اثنين، وثلاث ثلاثة ثلاثة، ورباع أربعة أربعة، ومجموع ذلك ما ذكر، وهذا خرق للإجماع" (¬1). 14 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "لا يحل لحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات إجماعًا" (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]. • وجه الدلالة: هذا نص على العدد فتمنع الزيادة عليه (¬3). 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن غيلان بن سلمة الثقفي (¬4) أسلم، وله عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، فأمره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يتخير أربعًا منهن (¬5). 3 - وقال نوفل بن معاوية (¬6): أسلمت، وتحتي خمس نسوة، فقال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فارق واحدة منهن" (¬7). 4 - عن الحارث بن قيس (¬8) -رضي اللَّه عنه- قال: أسلمت، وعندي ثماني نسوة، فأتيت ¬
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فقال: "اختر منهن أربعًا" (¬1). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أولًا: لو كانت الزيادة على الأربع حلالًا لما أمرهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمفارقة من زاد على أربع، فدل على أن منتهى العدد المشروع هو الأربع (¬2). ثانيًا: مَنَع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من استدامة الزيادة على أربع، فالابتداء أولى (¬3). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب القاسم بن إبراهيم (¬4)، والرافضة (¬5)، إلى القول بأنه يجوز أن يجمع بين تسع من النساء. ثانيًا: ذهبت الخوارج إلى القول بإباحة ثماني عشرة امرأة، فإن مثنى بمعنى اثنين اثنين، وثُلاث بمعنى ثلاث ثلاث، ورُباع بمعنى أربع أربع، فهو معدول عن عدد مكرر فيصبح المجموع ثماني عشرة (¬6). • أدلة المخالفين: 1 - قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]. • وجه الدلالة: الواو للجمع، فثنتان وثلاث وأربع، تسع من النساء (¬7). 2 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مات عن تسع نساء، واللَّه سبحانه وتعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. • وجه الدلالة: ساوت الأمة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما تستبيحه من الإماء، فوجب أن تساويه في حرائر النساء (¬8).Rتحقق الإجماع على أنه لا يجوز للحر أن يجمع بين أكثر من أربع من ¬
[11 - 61] ما يجمعه العبد من النساء
النساء، ولا يعتد بخلاف من خالف؛ للأسباب التالية: 1 - ليس هذا الخلاف بشيء؛ لأنه خرق للإجماع، وترك للسنة (¬1). 2 - قولهم: إن الواو جامعة؛ فقد قيل: لكن اللَّه تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات، والعرب لا تدع أن تقول: تسعة، وتقول: اثنين وثلاثة وأربعة، وتستقبح كذلك من يقول: أعط فلانًا أربعة ستة ثمانية، ولا يقول: ثمانية عشر. وإنما الواو في هذا الموضع بدل؛ أي: انكحوا ثلاثًا بدلًا من مثنى، ورباع بدلًا من ثلاث، ولذلك عطف بالواو ولم يعطف بأو (¬2). 3 - معنى الآية: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى، وانكحوا ما طاب لكم من النساء ثلاث، وانكحوا ما طاب لكم من النساء رباع (¬3)، وهذا من أحسن الأدلة في الرد على الرافضة، لكونه من تفسير زين العابدين علي بن الحسين (¬4)، وهو من أئمتهم الذين يرجعون إلى قولهم، ويعتقدون عصمتهم (¬5). 4 - استدلالهم على ما ذهبوا إليه من إباحة أكثر من أربع بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مات عن تسع، يُردّ بأن ذلك من خصائصه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما خص بأن نساءه لا ينكحن بعده، وغير ذلك من الخصائص (¬6). [11 - 61] ما يجمعه العبد من النساء: يختلف العبد المملوك عن الحر في كثير من الأحكام، فيحدّ نصف حدّ الحر، وله تطليقتان، وعلى هذا قال الفقهاء: لا يجمع العبد أكثر من اثنتين من النساء في عقد ¬
واحد، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن للعبد أن ينكح امرأتين" (¬1). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن العبد البالغ العاقل، إذا أذن له سيده العاقل البالغ الحر المسلم، الذي ليس بمحجور في النكاح، وتولى سيده عقد نكاحه؛ فله نكاح حرة، أو حرتين من المسلمات" (¬2). وقال أيضًا: "قال عطاء: أجمع أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين" (¬3). ونقله عنه العيني (¬4). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "روي عن عمر بن الخطاب، وعلي ابن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف؛ في العبد لا ينكح أكثر من اثنتين، ولا أعلم لهم مخالفًا من الصحابة" (¬5). وقال أيضًا: "قال الحكم بن عتيبة: أجمع أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أن المملوك لا يجمع من النساء أربعًا" (¬6). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن للعبد أن ينكح اثنتين" (¬7). 5 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "وحل تزوج اثنتين له، حرتين كانتا أو أمتين، ولا يجوز أكثر منه في النكاح؛ لإجماع الصحابة" (¬8). 6 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "وللعبد امرأتان؛ لأن الحكم بن عتيبة نقل إجماع الصحابة فيه" (¬9). 7 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "ولا لعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين، وهو قول عمر، وعلي، وغيرهما، ولم يعرف لهما مخالف من الصحابة. . . ولا خلاف في جواز الجمع بين اثنتين له" (¬10). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن العبد لا يجمع أكثر ¬
من اثنتين في عقدة واحدة، هو قول عمر، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنهم-، وعطاء، والشعبي، وقتادة، والثوري، وإسحاق (¬1). • مستند الإجماع: 1 - أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: ينكح العبد امرأتين (¬2). 2 - أن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: ينكح العبد اثنتين لا يزيد عليهما (¬3). 3 - أن عمر -رضي اللَّه عنهما- سأل الناس: كم يتزوج العبد؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: باثنتين، وطلاقه باثنتين (¬4). • وجه الدلالة: أن هذا كان بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر (¬5). 4 - عن الحكم بن عتيبة قال: أجمع أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين (¬6). 5 - القياس الصحيح على طلاق العبد وحدّه؛ فإن حدّه نصف حدّ الحر، وطلاقه تطليقتان، وإيلاؤه شهران (¬7). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام مالك (¬8)، وابن حزم (¬9)، إلى أن العبد له أن يجمع أربعًا كالحر تمامًا. وهو قول القاسم بن محمد، وسالم بن عبد اللَّه (¬10)، وطاوس، ومجاهد، ¬
[12 - 62] تحريم نكاح زوجة الغير
والزهري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن (¬1)، وداود، وأبي ثور (¬2). • أدلة هذا القول: قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]. • وجه الاستدلال: أن اللَّه سبحانه وتعالى لم يخص عبدًا من حر، فهما سواء في ذلك (¬3).Rعدم تحقق الإجماع على أن العبد لا يجوز له أن ينكح أكثر من اثنتين من النساء، وذلك لكثرة المخالفين في هذه المسألة من الأئمة الذين يعتد بهم، والذين يرون أنه كالحر تمامًا، فله أن يجمع بين أربع من النساء. • تنبيه: ينتقد ابن حزم الجمهور دائمًا إذا قالوا قولًا يخالفون فيه أحد الصحابة إذا لم يعرف له مخالف؛ فقال: وهذا مما يعظمونه إذا وافق أهواءهم (¬4). والذي يلاحظ: أن ابن حزم نقل عن عطاء أن الصحابة مجمعون على أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين، فكيف يحكى الإجماع عن الصحابة، ثم يخالفه، فيرى أن العبد كالحر، فله أن يجمع بين أربع من النساء؟ ! . [12 - 62] تحريم نكاح زوجة الغير: سبق بحث هذه المسألة. [13 - 63] تحريم نكاح المعتدة: إذا طُلِّقت المرأة، أو توفي عنها زوجها، فيلزمها أن تعتد، ولا يجوز لها في زمن العدة أن تتزوج، ونقل الإجماع على تحريم ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن كل نكاح عقدته امرأة، وهي في عدتها الواجبة عليها، لغير مطلقها أقل من ثلاث، فهو مفسوخ ¬
أبدًا" (¬1). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "الخلو عن العدة، إنما عرف شرطًا في نكاح المسلمين بالإجماع" (¬2). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن النكاح لا يجوز في العدة، كانت عدة حيض، أو عدة حمل، أو عدة أشهر" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "المعتدة لا يجوز لها أن تنكح في عدتها، إجماعًا، أي عدة كانت" (¬5). 5 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "حرّم اللَّه تعالى عقد النكاح في العدة بقوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235]، وهذا من المحكم المجمع على تأويله، أن بلوغ أجله انقضاء العدة" (¬6). وقال أيضًا: "ولا خلاف بين الفقهاء، أن من عقد على امرأة نكاحها، وهي في عدة من غيره، أن النكاح فاسد" (¬7). 6 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "فإذا أراد نكاح الثانية فارق الأولى، فإذا انقضت عدتها تزوج الثانية، فإن تزوجها في عدة طلاق رجعي لم يصح العقد الثاني باتفاق الأئمة" (¬8). وقال أيضًا: "ولهذا اتفق المسلمون على أن ما حرمه اللَّه من نكاح المحارم، ومن النكاح في العدة، ونحو ذلك يقع باطلًا غير لازم" (¬9). 7 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "لو وقع العقد في العدة ودخل، فاتفقوا على أنه يفرق بينهما" (¬10). 8 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "نكاح المعتدة مجمع على بطلانه" (¬11). ¬
9 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها" (¬1). 10 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وأجمع أهل العلم على أنه لا يصح العقد في مدة العدة" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم نكاح المعتدة، هو قول عمر، وابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، ومجاهد، وقتادة، والشعبي، والثوري (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235]. • وجه الدلالة: نهى اللَّه سبحانه وتعالى عن عقد نكاح المعتدة حتى تنقضي عدتها، وهذا نص صريح في ذلك (¬4). 2 - عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن طليحة الأسدية (¬5) كانت تحت رشيد الثقفي (¬6) فطلقها، فنكحت في عدتها، فضربها عمر بن الخطاب، وضرب زوجها بالمخفقة (¬7) ضربات، وفرق بينهما (¬8). • وجه الدلالة: لم يضرب عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- الرجل والمرأة، ويفرق بينهما، إلا لأن نكاحها في العدة محرّم.Rتحقق الإجماع على تحريم نكاح المعتدة، وأنه لا يحل لها أن تتزوج حتى تنقضي عدتها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[14 - 64] تحريم نكاح المستبرأة
[14 - 64] تحريم نكاح المستبرأة: إذا ملك الرجل جارية، أو وُهِبت له، فلا بد له من استبرائها (¬1)، قبل أن يطأها، ويحرم عليه وطؤها، فإن كانت حاملًا تركها حتى تضع، وإن لم تكن حاملًا تركها حتى تحيض، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المرأة إذا وقعت في ملك رجل، ولها زوج مقيم في دار الحرب، أن نكاح زوجها قد انفسخ، وحل لمالكها وطؤها بعد الاستبراء" (¬2). ونقله عنه ابن تيمية (¬3). 2 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "مستبرأة من وطء يلحق النسب فيه، كالواطئ في نكاح فاسد، أو شبهة نكاح، أو ملك، فهذا لا يجوز العقد عليها إجماعًا" (¬4). 3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن من اشترى جارية شراءً صحيحًا، بكرًا أو ثيبًا فحاضت عنده، إن كانت ممن تحيض، أو أتمت ثلاثة أشهر في ملكه، إن كانت ممن لا تحيض أو تسترب بحمل، أنه له وطؤها بعد ذلك" (¬5). 4 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على تحريم الوطء على المالك في زمان الاستبراء" (¬6). 5 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن لا توطأ حامل مسبية حتى تضع؛ لتواتر الأخبار بذلك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬7). 6 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "إذا عقد عليها، ولم يدخل بها حتى يستبرئها، فذلك جائز إجماعًا" (¬8). 7 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "والعلماء عامة إنما يوجبون في ذلك استبراءً ¬
بحيضة. . . لكن لا خلاف أن نسب ولده ثابت منه، وأن ماءه ماء محترم، لا يحل لأحد أن يطأ زوجته قبل الاستبراء باتفاق المسلمين" (¬1). وقال أيضًا: ". . . وكذلك المشتري الثاني لا يجوز له وطؤها قبل أن تحيض عنده حيضة باتفاق الأئمة" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). 8 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "إن كانت حاملًا، فاستبراؤها بوضع الحمل، وهذا كما أنه حكم النص، فهو مجمع عليه بين الأمة" (¬4). 9 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من ملك أمَة ببيع أو هبة أو إرث أو سبي، لزمه استبراؤها" (¬5). 10 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "فلو استبرأها قبل أن يتزوجها جاز وطء الزوج بلا استبراء اتفاقًا" (¬6). 11 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من ملك أمَة ببيع أو هبة أو إرث أو سبي، لزمه استبراؤها بحيض أو قرء، إن كانت حائلًا، وإن كانت ممن لا تحيض لصغر أو كبر فبشهر" (¬7). 12 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يحرم وطؤها زمن الاستبراء" (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم وطء الأمة المملوكة ببيع أو هبة أو شراء، إلا بعد الاستبراء، هو قول عمر، وعثمان بن عفان، وعبد اللَّه بن مسعود، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، ونافع (¬9)، . . . . . . . . . ¬
[15 - 65] تحريم نكاح الحامل من الغير
وعمرو بن دينار (¬1) (¬2). • مستند الإجماع: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال في غزوة أوطاس (¬3)، ونادى مناديه بذلك: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" (¬4). • وجه الدلالة: هذا نهي صريح عن وطء الحامل المسبية، أو غير الحامل إلا بعد استبرائها، فإن كانت حاملًا تترك حتى تضع، وإن لم تكن حاملًا فتستبرأ بحيضة.Rتحقق الإجماع على تحريم وطء الأمة المملوكة ببيع أو هبة أو شراء، إلا بعد الاستبراء، وأنها تستبرأ بحيضة إن كانت ممن يحضن، أو بشهر إن كانت كبيرة، أو صغيرة لا تحيض. [15 - 65] تحريم نكاح الحامل من الغير: إذا كانت المرأة حاملًا، فلا يحل لغير زوجها أن يطأها، فإن طلقت، أو توفي عنها زوجها، فلا يحل لغيره أن ينكحها حتى تضع حملها، وقد تكون هذه الحامل جارية، فيشتريها رجل وهي حامل، فلا يطأها حتى تضع، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الترمذي (279 هـ) حيث قال: "والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون للرجل إذا اشترى جارية، وهي حامل، أن يطأها حتى تضع" (¬5). ¬
2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على منع وطء الرجل جارية يملكها من السبي، وهي حامل، حتى تضع" (¬1). 3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن من ملك حاملًا من غيره ملكًا صحيحًا، فليس له وطؤها حتى تضع" (¬2). وقال أيضًا: "واتفقوا على أن وطء الرجل المرأة الحامل التي لا يلحق ولدها به، حرام، وإن ملك عصمتها أو رِقّها" (¬3). 4 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين العلماء قديمًا ولا حديثًا، أنه لا يجوز لأحد أن يطأ امرأة حاملًا من غيره بملك يمين، ولا نكاح، ولا غير حامل حتى يعلم براءة رحمها من ماء غيره" (¬4). ونقله عنه ابن قدامة (¬5)، وابن قاسم (¬6). وقال أيضًا: ". . . لأن الفرج يحرم على اثنين في حال واحدة باتفاق المسلمين" (¬7). وقال أيضًا: "والأحاديث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض حيضة" أحاديث حسان، وعليها جماعة أهل العلم في الوطء الطارئ بملك اليمين" (¬8). 5 - ابن العربي (546 هـ)، حيث قال بعد ذكره لحديث سبايا أوطاس: "لا يحل وطؤها (¬9) بملك اليمين لمن اشتراها، بلا خلاف" (¬10). 6 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "لا خلاف في أنه لا يحل وطؤها قبل الوضع" (¬11). 7 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنه لا توطأ حامل مسبية حتى تضع" (¬12). 8 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وأما نكاحها، وهي حامل من الزوج الأول، فهو نكاح باطل بإجماع المسلمين" (¬13). ¬
9 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "وفي هذا دلالة ظاهرة على تحريم نكاح الحامل، سواء كان حملها من زوج أو سيد أو شبهة، أو زنى، وهذا لا خلاف فيه إلا فيما إذا كان الحمل من زنى" (¬1). 10 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "الثاني: وهي الحبلى من غيره، فإن تزوجها، لا يصح إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم وطء الحامل من غير زوجها، حتى تضع حملها، هو قول عمر، وأبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنهما-، وأبي ثور، وإسحاق (¬3). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي الدرداء (¬4) -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أُتي بامرأة مُجِح (¬5) على باب فسطاط، فقال: "لعله يريد أن يلم بها؟ "، فقالوا: نعم. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد هممت أن ألعنه لعنًا يدخل معه قبره، كيف يورِّثه وهو لا يحل له، كيف يستخدمه وهو لا يحل له" (¬6). 2 - عن رويفع بن ثابت الأنصاري (¬7) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم حنين: "لا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره" (¬8). 3 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال في غزوة أوطاس، ونادى ¬
[16 - 66] إباحة نكاح الزانية، لمن زنى بها بعد الاستبراء
مناديه بذلك: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" (¬1). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: فيها دلالة ظاهرة على تحريم نكاح الحامل، سواء كان حملها من زوج أو سيد أو شبهة (¬2).Rتحقق الإجماع على تحريم أن يطأ الرجل حاملًا من غيره، سواء كان حملها من زوج، أو سيد، أو شبهة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [16 - 66] إباحة نكاح الزانية، لمن زنى بها بعد الاستبراء: إذا زنت المرأة، فلا يمنعها ذلك من أن تتزوج، فإنه يجوز لمن زنى بها، ولغيره، أن يعقد عليها، ونقل الإجماع على جواز ذلك جمع من أهل العلم بشرط أن يستبرئها. • من نقل الإجماع: 1 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "فأما الزانية فإنه يجوز للزاني أن يعقد عليها، وإن كان قد زنى بها، ويجوز لغيره أيضًا، وهو قول جميع الفقهاء" (¬3). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: ". . . وروى ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحرم الحرام الحلال" (¬4)، وهذا نص، ولأنه منتشر في الصحابة بالإجماع، وروى عن أبي بكر، وعمر، وابن عمر، وابن عباس، وجابر. . . فهذا قول من ذكرنا، ولم يصح عن غيرهم خلافه، فصار إجماعًا" (¬5). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أجمع هؤلاء الفقهاء -أهل الفتوى بأمصار المسلمين- أنه لا يحرم على الزاني نكاح المرأة التي زنى بها، إذا استبرأها" (¬6). ونقله عنه ابن حجر (¬7). وقال أيضًا: "وقد اتفق هؤلاء الفقهاء كلهم على أنه لو زنى بها جاز له تزوجها، ولم ¬
تحرم عليه" (¬1). 4 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: ". . . إجماع العلماء على أنه لو زنى بها لم يحرم عليه تزويجها" (¬2). وقال أيضًا: "وهذا يقتضي أن المسافحات (¬3) لا يحل التزوج بهن؛ وذلك خلاف الإجماع" (¬4). وقال أيضًا: "إن متزوج الزانية التي قد زنت، ودخل بها، ولنم يستبرئها يكون بمنزلة الزاني، . . . وأما إذا عقد عليها، ولم يدخل بها، حتى يستبرئها فذلك جائز إجماعًا" (¬5). 5 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ولو كان الحمل من الزنى؛ فالنكاح جائز عند الكل" (¬6). 6 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "أما لو كان الحبل منه جاز النكاح بالاتفاق" (¬7). 7 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "أما تزوج الزاني لها فجائز اتفاقًا" (¬8). 8 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: ". . . إن البغايا حلال. . . وذلك مما لا خلاف فيه فيما أعلم، ولكن بعد مضي العدة المعتبرة شرعًا" (¬9). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على إباحة نكاح الزانية لمن زنى بها، أو غيره بعد استبرائها، هو قول أبي بكر، وعمر، وابن عمر، وابن عباس، وجابر -رضي اللَّه عنهم-، وطاوس، وسعيد بن المسيب، وجابر بن زيد، وعطاء، والحسن، وعكرمة، والزهري، والثوري (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]. • وجه الدلالة: الآية عامة، فلم تفرق بين العفيفة والزانية، فيحل نكاحها عندئذٍ للزاني ولغيره (¬11). ¬
2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: أتى رجل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، إن امرأتي لا ترد يد لامس، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طلقها"، قال: إني أحبها، قال: "فامسكها إذًا" (¬1) • وجه الدلالة: في هذا الحديث دليل على تزويج الفاجرة التي عرفت بالزنى (¬2). 3 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحرّم الحرام الحلال" (¬3) • وجه الدلالة: دل الحديث على أن الحرام كالزنى ونحوه، لا يحرم الحلال الذي أباحه اللَّه كالنكاح ونحوه. 4 - سئل أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- عن رجل زنى بامرأة، ثم يريد أن يتزوجها، فقال: ما من توبة أفضل من أن يتزوجها، خرجا من سفاح إلى نكاح (¬4). 5 - روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا تزوج امرأة، وكان له ابن من غيرها، ولها بنت من غيره، ففجر الغلام بالجارية، وظهر بها حمل، فلما قدم عمر مكة رفع إليه، فسألهما فاعترفا، فجلدهما عمر الحد، وحرص أن يجمع بينهما، فأبى الغلام (¬5). 6 - عن أبي الزبير المكي (¬6) أن رجلًا خطب إلى رجل أخته، فذكر أنها أحدثَت، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فضربه، أو كاد يضربه، ثم قال: ما لك وللخبر (¬7). 7 - سئل ابن عباس: أيتزوج الزاني بالزانية؟ فقال: نعم، أرأيت لو سرق من كرم عنبًا ثم اشتراه، أيجوز؟ (¬8). ¬
• الخلاف في المسألة: أولًا: قال الإمام أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن (¬1)، والشافعية (¬2): يجوز للزاني وغيره أن ينكحها، وإن كانت حاملًا، فإن كان الحمل منه فلا يستبرئها، بل له أن يجامعها، وإن كان الحمل من غيره فلا يطأها حتى تضع. • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] • وجه الدلالة: الآية عامة فلم تفرق بين العفيفة والزانية، فيحل نكاحها عندئذٍ للزاني ولغيره (¬3). 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحرّم الحرام الحلال" (¬4). • وجه الدلالة: هذا نص، وهو منتشر بين الصحابة بالإجماع، فدل الحديث على أن الحرام كالزنى ونحوه، لا يحرّم الحلال الذي أباحه اللَّه كالنكاح ونحوه (¬5). 3 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: قالت: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" (¬6). • وجه الدلالة: حرمة ماء الرجل إذا كان حملًا ثابت النسب، ولا حرمة لماء الزنى، فلما لم يكن له حرمة جاز النكاح (¬7). ثانيًا: ذهب الحنابلة (¬8)، وابن حزم (¬9)، إلى أنه لا يحل للزانية أن تتزوج حتى تتوب، وتنقضي عدتها. وهو قول قتادة، وأبي عبيد، وإسحاق (¬10). • أدلة هذا القول: 1 - قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} [النور: 3]. • وجه الدلالة: حرم اللَّه سبحانه وتعالى أن ينكح الزاني زانية، ولا يرتفع الحكم عنها إلا بالتوبة، فإذا تابت حل نكاحها، فإن هذا خبر، ومعناه النهي عن نكاح الزانية (¬11). ¬
2 - عن أبي الدرداء -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أُتي بامرأة مُجِح على باب فسطاط، فقال: "لعله يريد أن يلم بها؟ "، فقالوا: نعم. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد هممت أن ألعنه لعنًا يدخل معه قبره، كيف يورِّثه وهو لا يحل له، كيف يستخدمه وهو لا يحل له" (¬1). 3 - عن رويفع بن ثابت الأنصاري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر، أن يسقي ماءه زرع غيره" (¬2). 4 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال في غزوة أوطاس، ونادى مناديه بذلك: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" (¬3). ثالثًا: ذهب علي، وعبد اللَّه بن مسعود، والبراء بن عازب (¬4)، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، والحسن البصري، أنها لا تحل للزاني بحال، ولا يزالا زانيين ما اجتمعا (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} [النور: 3] • وجه الدلالة: ورد المنع في أول الآية، ثم ورد التحريم في آخرها، فلا يجوز خلافه عندئذٍ (¬6). 2 - قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: "لا نرى إلا زانيان ما اجتمعا" (¬7). 3 - وعن البراء بن عازب -رضي اللَّه عنه- في الرجل يفجر بالمرأة، ثم يريد أن نكاحها، قال: "لا يزالان زانيين أبدًا" (¬8).Rعدم تحقق الإجماع على أنه يباح نكاح الزانية لمن زنى بها بعد ¬
[17 - 67] تحريم نكاح الكافر للمسلمة
استبرائها؛ لوجود خلاف في هذه المسألة، بين من منع نكاحهما مطلقًا، وبين من أباح لها النكاح مطلقًا بلا استبراء إن كان الناكح هو الزاني، وبين من قيد ذلك بتوبتها، وانقضاء عدتها. [17 - 67] تحريم نكاح الكافر للمسلمة: يحرم على المرأة المسلمة أن يتزوجها رجل كافر، سواء كان ذلك الكافر كتابيًا من اليهود والنصارى، أم من غيرهم من سائر الكفار، ونقل الإجماع على تحريم ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "فالمسلمات محرّمات على المشركين منهم بالقرآن على كل حال، وعلى مشركي أهل الكتاب؛ لقطع الولاية بين المشركين والمسلمين، وما لم يختلف الناس فيه علمته (¬1) " (¬2). وقال أيضًا: "ولم يختلف الناس فيما علمناه في أن الزانية المسلمة لا تحل لمشرك، وثني أو كتابي" (¬3). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: ". . . فإن اتفاقهما في الإسلام والكفر كان شرطًا معتبرًا بالإجماع" (¬4). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الإجماع منعقد على تحريم فروج المسلمات على الكفار" (¬5). 4 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه" (¬6). 5 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وقد اتفق المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم، ولا يتزوج الكافر المسلمة" (¬7). 6 - العيني (855 هـ) حيث قال: ". . . أي هذا باب في بيان أن الأكفاء التي بالإجماع هي أن يكون في الدين، فلا يحل للمسلمة أن تتزوج بالكافر" (¬8). ¬
[18 - 68] إباحة نكاح المسلم للحرة الكتابية
7 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: ". . . وهو (¬1) يحرم على الفاسقة المسلمة بالإجماع" (¬2). 8 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "ولا ينكح كافر مسلمة حتى يسلم إجماعًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم نكاح الكافر للمسلمة، وافق عليه ابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [البقرة: 221] • وجه الدلالة: يخشى على المؤمنة أن تقع في الكفر بزواجها من كافر، فالزوج يدعو إلى دينه، والنساء في العادة يتبعن أزواجهن، وفعلهم هذا دعوة إلى الكفر، والدعوة إلى الكفر توجب النار (¬5). 2 - قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]. • وجه الدلالة: لو جاز إنكاح الكافر المؤمنة لثبت له عليها سبيل، وهذا لا يجوز (¬6).Rتحقق الإجماع على تحريم نكاح الكافر للمسلمة، سواء كان كتابيًّا أم غير كتابي؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [18 - 68] إباحة نكاح المسلم للحرة الكتابية: يباح للمسلم أن ينكح الحرائر من نساء أهل الكتاب، ونقل الإجماع على إباحة ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "ويحل نكاح حرائر أهل الكتاب لكل مسلم. . . وهم اليهود والنصارى، دون المجوس، فهذا ما لا أعلم فيه خلافًا بين أحد لقيته" (¬7). 2 - الطبري (310 هـ) حيث قال فيما نقل من أن عمر أراد التفريق بين طلحة وزوجته من أهل الكتاب، وبين حذيفة وامرأته الكتابية: "فقول لا معنى له؛ لخلافه ما الأمة ¬
مجتمعة على تحليله بكتاب اللَّه تعالى ذكره، وخبر رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬1). 3 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرّم ذلك" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). 4 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: ". . . ولأنه إجماع الصحابة، روي عن عمر جوازه، وعن عثمان أنه نكح نصرانية، وعن طلحة أنه تزوج نصرانية، وعن حذيفة أنه تزوج يهودية. . . إخبارًا عن أحوال جماعة المسلمين معه من الصحابة، وغيرهم، فصار إجماعًا منتشرًا" (¬4). 5 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "ولا أعلم خلافًا في نكاح الكتابيات الحرائر" (¬5). 6 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن المسلم يجوز له أن يتزوج الكتابيات الحرائر" (¬6). 7 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يجوز أن ينكح الكتابية الحرة" (¬7). 8 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ليس بين أهل العلم بحمد اللَّه اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب" (¬8). ونقله عنه ابن قاسم (¬9). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على إباحة نكاح المسلم للحرة الكتابية، وافق عليه الحنفية (¬10)، وابن حزم (¬11). وهو قول عمر، وعثمان، وطلحة (¬12)، . . . . . . . ¬
وجابر بن عبد اللَّه، وحذيفة (¬1)، وسلمان (¬2) -رضي اللَّه عنهم-، وعطاء، وسعيد بن المسيب، والحسن، وطاووس، وسعيد بن جبير، والزهري، والثوري، والأوزاعي (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]. 2 - تزوج عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- نائلة الكلبية (¬4)، وهي نصرانية، على نسائه (¬5). 3 - تزوج حذيفة -رضي اللَّه عنه- يهودية في زمن عمر، فقال عمر: طلقها فإنها جمرة، قال أحرام هي؟ قال: لا. فلم يطلقها حذيفة لقوله (¬6). 4 - كتب عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: أن المسلم ينكح النصرانية، والنصراني لا ينكح المسلمة (¬7). 5 - نكح طلحة بن عبيد اللَّه -رضي اللَّه عنه- بنت عظيم اليهود، قال: فعزم عليه عمر إلا ما طلقها (¬8). ¬
6 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: شهدنا القادسية مع سعد، ونحن يومئذ لا نجد سبيلا إلى المسلمات، فتزوجنا اليهوديات والنصرانيات، فمنا من طلق ومنا من لم يطلق، نساؤهم لنا حل، ونساؤنا عليهم حرام (¬1). • الخلاف في المسألة: ورد عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- كان لا يرى نكاح الكتابية، فقد أخرج البخاري عنه: أنه إذا سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية قال: إن اللَّه حرّم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئًا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد اللَّه (¬2). قال ابن حجر: هذا مصير من ابن عمر إلى استمرار حكم قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، وأنها ناسخة لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] (¬3).Rأولًا: تحقق الإجماع على جواز نكاح حرائر أهل الكتاب. ثانيًا: لا ينظر لخلاف ابن عمر؛ لما يأتي: 1 - يحمل تخصيص المنع من ابن عمر لمن يشرك من أهل الكتاب، ولا يعتقد أن الإله واحد وهو اللَّه سبحانه وتعالى (¬4). 2 - الذي عليه الجمهور أن آية المائدة، نسخت آية البقرة (¬5). وقال آخرون: ليس هذا نسخًا؛ فإن لفظة المشركين بإطلاقها لا تتناول أهل الكتاب، بدليل قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)} [البينة: 1]، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [البينة: 6]، وغيرها من الآيات، فدل على أن لفظة المشركين بإطلاقها غير متناولة لأهل الكتاب (¬6). 3 - آية المائدة خاصة في حل أهل الكتاب، وآية البقرة عامة في كل كافرة، ¬
والخاص يجب تقديمه (¬1). 4 - لا حجة فيما ورد عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-؛ لأنه كان رجلًا متوقفًا؛ فلما سمع الآيتين، في واحدة التحليل، وفي الأخرى التحريم، ولم يبلغه النسخ؛ توقف (¬2). 5 - ما ورد عن ابن عمر شذوذ لا يلتفت إليه؛ فإنه شذ عن جماعة الصحابة والتابعين، ومعارض لما ورد في سورة المائدة (¬3)؛ حتى قال ابن المنذر: لا يحفظ عن أحد من الأوائل أنه حرّم ذلك (¬4). 6 - لم يلتفت أحد من علماء الأمصار -قديمًا وحديثًا- إلى قول ابن عمر، فإن إحدى الآيتين ليست أولى بالاستعمال من الأخرى، ولا سبيل إلى نسخ إحداهما بالأخرى إذا كان هناك سبيل إلى إعمالهما، فإن آية البقرة عند العلماء في الوثنيات، والمجوسيات، وآية المائدة في الكتابيات (¬5). ثالثًا: يحمل ما ورد عن ابن عمر على الكراهة، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يكره نكاح نساء أهل الكتاب، وعن ميمون بن مهران (¬6) عن ابن عمر: أنه كره نكاح نساء أهل الكتاب، وقرأ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] (¬7). رابعًا: إذا حمل ما نقل عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- على الكراهة فإن ذلك لا ينفي الجواز الثابت بنص الكتاب العزيز، وما ثبت عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم-. ¬
[19 - 69] إباحة نكاح المسلم للأمة الكتابية بملك اليمين
[19 - 69] إباحة نكاح المسلم للأمة الكتابية بملك اليمين: يجوز للمسلم أن يتملك الجواري والإماء، فإن كن كتابيات أبيح له نكاحهن بملك اليمين، دون عقد النكاح، فتبقى أمة بملك اليمين، ولا تصبح زوجة بعقد النكاح، ونقل الإجماع على إباحة وطئهن بملك اليمين جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على وطء إماء أهل الكتاب بملك اليمين" (¬1). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المسلم يحل له أمته الكتابية، دون المجوسية والوثنية، وسائر أنواع الكفار" (¬2). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اختلفوا في إحلال الأمة الكتابية بالنكاح، واتفقوا على إحلالها بملك اليمين" (¬3). 4 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وطء الإماء الكتابيات بملك اليمين أقوى من وطئهن بملك النكاح عند عوام أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم، ولم ينقل عن أحد من السلف تحريم ذلك" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على إباحة نكاح الأمة الكتابية بملك اليمين، وافق عليه الحنفية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]. 2 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} [المؤمنون: 5، 6]. • وجه الدلالة من الآيتين: أباح اللَّه سبحانه وتعالى ما ملكت اليمين دون تفريق بين مسلمة أو كتابية، ولم تفرق السنة بينهن، فدل على أن الآيتين تعمّان الأمة المسلمة والكتابية (¬6). 3 - أن الأمة الكافرة قد تكون ملكًا لكافر، فإن نكحها المسلم وأولدها، يصبح ابنه ¬
منها رقيقًا لسيدها الكافر، فلم يبح التزوج بها (¬1). • الخلاف في المسألة: وقع خلاف في المسألة بين من يرى إباحة وطء إماء أهل الكتاب حتى بعقد النكاح عليهن، وبين من يرى منع وطئهن ولو كان بملك يمين، وهذا الخلاف على النحو التالي: أولًا: ذهب الحنفية (¬2)، ورواية عن الإمام أحمد (¬3)، إلى القول بإباحة عقد النكاح على إماء أهل الكتاب، فتصبع زوجة. إلا أن الخلّال (¬4) رد الرواية عن الإمام أحمد؛ وقال: إنما توقف الإمام أحمد فيها، ولم ينفذ له قول، ومذهبه أنها لا تحل (¬5). وهو قول الشعبي، وطاوس، ومجاهد (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - عمومات النكاح في قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، وقوله: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25]، وقوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]. • وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه وتعالى لم يفصل بين الأمة المؤمنة، والأمة الكافرة الكتابية إلا ما خص بدليل (¬7). 2 - قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]. • وجه الدلالة: الإحصان في لغة العرب عبارة عن المنع، والمنع يحصل بالعفة والصلاح، وإذا كانت الكتابية محصنة حل نكاحها حرة كانت أو أمة (¬8). 3 - كل أمَة حل وطؤها بملك اليمين، حل بعقد النكاح؛ كالمسلمة، وكل امرأة حل أكل ذبيحتها، حل للمسلم نكاحها؛ كالحرة (¬9). ¬
[20 - 70] تحريم وطء المسلم للكافرة غير الكتابية بنكاح، أو ملك يمين
ثانيًا: ذهب ابن حزم (¬1) إلى القول بعدم إباحة وطء أيّ أمة غير مسلمة بملك اليمين، وهو قول ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، والربيع بن خثيم (¬2)، والحسن البصري (¬3). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25]. • وجه الدلالة: هذا نص في إباحة نكاح الأمة المؤمنة فقط، ولم يرد إباحة نكاح الأمة الكتابية (¬4). 2 - كما يحرم نكاح الأمة الكتابية، يحرم وطؤها بملك اليمين، كالمجوسية (¬5).Rعدم تحقق الإجماع في إباحة وطء إماء أهل الكتاب، بملك اليمين؛ لخلاف ابن حزم ومن معه من السلف في منع وطئهن. [20 - 70] تحريم وطء المسلم للكافرة غير الكتابية بنكاح، أو ملك يمين: يحرم على المسلم أن يطأ امرأة كافرة -غير كتابية- سواء كان هذا الوطء بنكاح، أو ملك يمين، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "ولا اختلاف بين أحد من أهل العلم في تحريم الوثنيات -عفائف كنَّ أو زوانٍ- على من آمن، زانيًا كان أو عفيفًا" (¬6). 2 - الماوردي (405 هـ)، حيث قال عن المجوس: "لا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم، وهذا قول سائر الصحابة، والتابعين، والفقهاء" (¬7). وقال أيضًا: ". . . لأن إبراهيم الحربي (¬8) رواه عن سبعة عشر صحابيًّا لا يعرف لهم مخالف، فصار ¬
إجماعًا" (¬1). 3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "وأما نكاح الكافرة غير الكتابية (¬2)، فلا يخالفنا الحاضرون في أنه لا يحل وطؤهن بزواج، ولا بملك يمين" (¬3). 4 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وقد أجمعوا على أنه لا يجوز لمسلم نكاح مجوسية، ولا وثنية، ولا خلاف بين العلماء في ذلك" (¬4). وقال أيضًا: "ولا يحل وطء أمة مجوسية بملك اليمين، فهذا أيضًا قول جمهور أهل العلم، ولم يختلف فيه فقهاء أهل الأمصار من أهل الرأي، والآثار" (¬5). وقال أيضًا: "وإجماع فقهاء الأمصار على أن نكاح المجوسيات والوثنيات -وما عدا اليهوديات والنصرانيات من الكافرات- لا يحل" (¬6). 5 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه لا يجوز للمسلم نكاح المجوسيات، ولا الوثنيات، ولا غيرهن من أنواع المشركات، اللاتي لا كتاب لهن، وسواء في ذلك حرائرهن وإماؤهن" (¬7). ونقله عنه ابن قاسم (¬8). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن المسلم تحل له أمته الكتابية، دون المجوسية والوثنية، وسائر أنواع الكفار" (¬9). 6 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه لا يجوز لمسلم أن ينكح الوثنية" (¬10). 7 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وليس للمجوس كتاب، ولا تحل ذبائحهم، ولا نكاح نسائهم، نص عليه أحمد، وهو قول سائر الفقهاء" (¬11). وقال أيضًا: "وسائر ¬
الكفار غير أهل الكتاب، كمن عبد ما استحسن من الأصنام والأحجار والشجر والحيوان، فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم" (¬1). وقال أيضًا: "وقد أخذ الصحابة سبايا فارس، وهم مجوس، فلم يبلغنا أنهم اجتنبوهن، وهذا ظاهر في إباحتهن، لولا اتفاق أهل العلم على خلافه" (¬2). 8 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأما المجوس فالعلماء مجمعون -إلا من شذ منهم- على أن ذبائحهم لا تؤكل، ولا يتزوج منهم" (¬3). 9 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "إن نكاح المجوسيات لا يجوز، كما لا يجوز نكاح الوثنيات، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وذكره الإمام أحمد عن خمسة من الصحابة في ذبائحهم ونسائهم، وجعل الخلاف في ذلك من جنس خلاف أهل البدع" (¬4). 10 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "ولا يجوز لمن لا يحل له نكاح الكفار وطء إمائهم بملك اليمين" (¬5). 11 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ولا يجوز تزوج المجوسيات، أي: بإجماع الأئمة الأربعة، وفقهاء الأمصار، والصحابة" (¬6). 12 - الشعراني (973 هـ)، فذكره بنحو ما قال قاضي صفد (¬7). 13 - الحصكفي (1088 هـ) حيث قال: "وحرم نكاح الوثنية بالإجماع" (¬8). 14 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: ". . . وهي (¬9) تحرم على الفاسق المسلم بالإجماع" (¬10). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم وطء الكافرات ¬
من غير أهل الكتاب سواء كان بنكاح، أو ملك يمين، هو قول الحسن البصري، والزهري، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]. 2 - وقال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]. 3 - وقال تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]. • وجه الدلالة من الآيات: رخص اللَّه سبحانه وتعالى في نكاح نساء أهل الكتاب، فيبقى من عداهم على التحريم، فلا يحل نكاح المجوسية والوثنية؛ ولأن النكاح يقع على العقد وعلى الوطء، فتدخل فيه الحرة والأمة من المشركين (¬2). 4 - عن عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب، غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم" (¬3). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن المجوس ليسوا بأهل كتاب، فلا يحل وطء نسائهم بنكاح أو ملك يمين (¬4). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب المالكية في قول (¬5)، إلى القول بإباحة نكاح المجوسيات بملك اليمين، وهو اختيار ابن تيمية، وابن القيم، في سائر الوثنيات (¬6). وهو قول طاوس، ومجاهد، وعطاء، وعمرو بن دينار، وأبي ثور (¬7). ¬
• أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]. 2 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث يوم حنين بعثًا قِبَل أوطاس، فأصابوا لهم سبايا، فكأن ناسًا من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تحرجوا من غشيانهن، من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل اللَّه سبحانه وتعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، فهن لهم حلال إذا انقضت عدتهن (¬1). 3 - وعنه -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" (¬2). • وجه الدلالة: أن سبايا أوطاس كن من العرب، وهم عبدة أوثان، وهذا ظاهر في إباحتهن، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بالاستبراء بوضع الحمل للحامل، والحيض لغير الحامل، ولم يقل حتى تسلم؛ ولو كان الوطء متوقفًا على الإسلام؛ لكان بيانه أهم من بيان الاستبراء (¬3). 4 - كان أكثر سبايا الصحابة في عصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من كفار العرب، وهم عبَدَة أوثان، ولم يكونوا يرون تحريمهن، ولم ينقل عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تحريمهن، ولا أمر أصحابه باجتنابهن، فمحمد بن الحنفية (¬4) أُمه من سبي بني حنيفة (¬5)، وأخذ الصحابة من سبايا فارس، فلم يبلغنا أنهم اجتنبوهن (¬6). 5 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يشترط في وطء سبايا أوطاس أن يسلمن، بل اشترط الاستبراء ¬
فقط؛ وحصولُ الإسلام في جميع السبايا، وكانوا عدة آلاف بحيث لم يتخلف عن الإسلام منهن جارية واحدة؛ مما يعلم أنه في غاية البعد، فإنهن لم يُكرَهن على الإسلام، فلم يأت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه اشترط إسلام المسبية في موضع واحد البتة (¬1). ثانيًا: ذهب ابن حزم (¬2) إلى القول بإباحة عقد النكاح على نساء المجوس، دون وطء إمائهم بملك اليمين، وأنهم أهل كتاب، وهو قول أبي ثور في إباحة نكاح نساء المجوس (¬3). • أدلة هذا القول: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" (¬4). 2 - جمع عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- الصحابة بعد هزيمة المجوس، فقالوا: بأي شيء نجري في المجوس من الأحكام؛ فإنهم ليسوا بأهل كتاب، وليسوا بمشركين من مشركي العرب، فتجري فيهم الأحكام التي أجريت في أهل الكتاب أو المشركين، فقال علي بن أبي طالب: بل هم أهل كتاب. . . الخبر بطوله (¬5). 3 - يروى أن حذيفة تزوج بمجوسية (¬6). 4 - أنهم يقرون بالجزية؛ فأشبهوا اليهود والنصارى (¬7).Rأولًا: ثبوت الإجماع في تحريم عقد النكاح على نساء المجوس، ولا ينظر لخلاف ابن حزم، وأبي ثور؛ إذ يريان إباحة ذلك؛ لما يأتي: 1 - أن أبا ثور هو أول من قال بإباحة نكاح نساء المجوس، وقد خالف الإجماع الذي سبقه على تحريم عقد النكاح عليهن، فقد قال إبراهيم الحربي: روي عن بضعة ¬
عشر نفسًا من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنهم قالوا: "لا تجوز مناكحة المجوس"، ولا يعلم فيه خلاف، حتى جاءنا من الكرخ (¬1)، يعني أبا ثور (¬2). 2 - أن المجوس ليسوا أهل كتاب، فإن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب"، دليل على أنه لا كتاب لهم، وإنما أراد -صلى اللَّه عليه وسلم- حقن دمائهم (¬3). 3 - أما ما قيل عن علي -رضي اللَّه عنه-: أنه قال: إنهم أهل كتاب؛ فقد سئل الإمام أحمد عن ذلك، فاستعظمه جدًّا، وقال: هذا باطل (¬4). 4 - وصف الخلاف في هذه المسألة بأنه شذوذ، ولا يقوله إلا أهل البدع (¬5). 5 - ما قيل عن حذيفة: أنه تزوج مجوسية؛ فقد ضعّف أحمد هذه الرواية، وقال: أبو وائل يقول: تزوج حذيفة يهودية، وهو أوثق؛ وقال ابن سيرين: كانت امرأة حذيفة نصرانية. ومع تعارض هذه الروايات لا يثبت حكم لإحداهن إلا بترجيح (¬6). 6 - لو ثبت هذا عن حذيفة لا يجوز الاحتجاج به؛ لمخالفته الكتاب العزيز، وأقوال سائر العلماء (¬7). 7 - أن المراد بالمجوس عبدة النار، فكونهم كان لهم كتاب لا أثر له، فالحاصل الآن أنهم داخلون في المشركين (¬8). 8 - أما إقرارهم بالجزية فلأننا غلبنا حكم التحريم لدمائهم، فيجب أن يغلب حكم التحريم في ذبائحهم ونسائهم (¬9). ثانيًا: عدم ثبوت الإجماع على تحريم وطء إماء المجوس وغيرهم من أهل الشرك ¬
[21 - 71] إباحة نكاح المسلم الحر الأمة المسلمة، عند عدم السعة، وخوف الزنى
بملك اليمين؛ للخلاف عن المالكية في قول، وقول ابن تيمية، وابن القيم، ومن سبقهم من التابعين؛ منهم: طاوس، ومجاهد، وعطاء، وغيرهم؛ بإباحة ذلك. [21 - 71] إباحة نكاح المسلم الحر الأمة المسلمة، عند عدم السعة، وخوف الزنى: يباح للمسلم الحر الذي لا يستطيع أن يتزوج حرة، أن يتزوج أَمَة مسلمة، ويلزم أن يتوفر فيه شرطان؛ لإباحة نكاحه الأمة، وهما: ألّا يجد سعة في المال؛ ليتزوج حرة، وأن يخشى الوقوع في الزنى إن لم يتزوج، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الطبري (310 هـ) حيث قال: "الطَول في هذا الموضع: السعة والغنى في المال، لإجماع الجميع على أن اللَّه تبارك وتعالى لم يحرّم شيئًا من الأشياء سوى نكاح الإماء لواجد الطول إلى الحرة، فأحل ما حرّم من ذلك عند غلبة المحرم عليه لقضاء لذة، فإذا كان ذلك إجماعًا من الجميع فيما عدا نكاح الإماء لواجد الطول، فمثله في التحريم نكاح الإماء لواجد الطول" (¬1). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال في عدم جواز نكاح الأمة إلا بشرطين، عدم الطَول، وخوف العنت: "ومن طريق الإجماع أنه مروي عن ابن عباس، وجابر. . . وليس يعرف لقول هذين الصحابيين مع انتشاره في الصحابة مخالف، فكان إجماعًا لا يجوز خلافه" (¬2). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "قال اللَّه: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] يعني: الحرائر المؤمنات {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] يعني: ملك اليمين من بعضكم لبعض، فإنه لا يحل لأحد أن يتزوج أمَةً عند الجميع، {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25]، يقول: من إمائكم المؤمنات، فهذا التفسير مما لم يختلف فيه" (¬3). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ومن كانت تحته حرة يمكن أن يستعفَّ بها؛ لم يجز له نكاح أمة، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬4). ¬
5 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "وذلك إن تزوج الأمة على الحرة يكون عند وجود طَول الحرة، فلا يجوز اتفاقًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على إباحة نكاح المسلم الحر الأمة المسلمة عند عدم السعة في المال، وعدم الأمن من الزنى، وافق عليه ابن حزم (¬2). وهو قول جابر، وابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وطاوس، والزهري، وعمرو بن دينار، ومكحول، وإسحاق (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)} [النساء: 25]. • وجه الدلالة: أباح اللَّه تعالى نكاح الأمة بشرطين: عدم الطَول، وخوف العنت الذي هو الزنى، لأن الإباحة لما كانت مقيدة بهذين الشرطين، لم يصح نكاحها إلا بهما (¬4). 2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "من ملك ثلاثمائة درهم وجب عليه الحج، وحرم عليه الإماء" (¬5). 3 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: "من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة" (¬6). 4 - عن الحسن أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن تنكح الأمة على الحرة، وتنكح الحرة على الأمة، ومن وجد طولًا لحرة فلا ينكح أمة (¬7). ¬
[22 - 72] نكاح العبد للحرة
• الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية إلى إباحة أن يتزوج المسلم بأمة مسلمة، ولا يلزم وجود شرطي عدم الطَول، أو خوف الزنى، ولا يُمنع إلا إذا كان تحته حرة (¬1)، وهو قول مجاهد (¬2). • أدلة هذا القول: استدلوا بعموم الآيات التي تبيح نكاح الإماء؛ منها: 1 - قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]. 2 - قال تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25]. 3 - قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]. 4 - قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]. • وجه الدلالة من هذه الآيات: أباح اللَّه سبحانه وتعالى النكاح مطلقًا من غير فصل بين الحرائر والإماء، وأباح نكاح الإماء من غير فصل بين حال القدرة على مهر الحرة، وعدمه (¬3). ثانيًا: للمسلم الحر أن يتزوج الأمة المسلمة إذا خشي العنت، وإن كان واجدًا للطول، وهو قول قتادة، وإبراهيم النخعي، والثوري (¬4). • دليل هذا القول: يباح نكاح الأمة لضرورة خوف العنت، وقد وجدت، فلا يندفع إلا بنكاح الأمة، فأشبه عدم الطَول (¬5).Rعدم تحقق الإجماع في أنه لا بد من توفر شرطين لنكاح الأمة؛ وهما عدم طَول الحرة بما يدفع من مال ليكون مهرًا لها، وخوف العنت؛ وذلك لوجود خلاف معتبر بين الفقهاء، في عدم اعتبار هذين الشرطين، أو اعتبار أحدهما؛ وهو خوف الزنى. [22 - 72] نكاح العبد للحرة: يباح للعبد أن ينكح حرة في حال رضاها، ورضى أوليائها، ونُقل الاتفاق على ذلك. ¬
[23 - 73] نكاح العبد سيدته
• من نقل الاتفاق: ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يجوز للعبد أن ينكح الأمة، وللحرة أن تنكح العبد، إذا رضيت بذلك هي وأولياؤها" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن رشد من المالكية، وابن قاسم من الحنابلة، من الاتفاق على أنه يباح للعبد أن ينكح الحرة إذا رضيت، ورضي أولياؤها، وافق عليه الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الاتفاق: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن زوج بَرِيرة كان عبدًا يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للعباس: "يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا"، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو راجعتيه"، فقالت: يا رسول اللَّه، تأمرني؟ قال: "إنما أنا شافع"، قالت: لا حاجة لي فيه (¬6). • وجه الدلالة: أن بريرة أصبحت بعد عتقها حرة، وقد انفسخ النكاح باختيارها فراق زوجها، وشفع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ترجع إليه بعد أن اختارت، ولم يكن ليشفع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أن تنكح عبدًا وقد أصبحت حرة، إلا ونكاح العبد للحرة صحيح (¬7).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على جواز نكاح العبد للحرة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [23 - 73] نكاح العبد سيدته: لا يحل لامرأة أن يتزوجها عبدها الذي تملكه حال رقه، فإن أعتقته جاز، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن نكاح ¬
المرأة عبدها باطل" (¬1). ونقله عنه ابن قدامة (¬2)، والعيني (¬3). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "ولا يحل للرجل تزوج مملوكته قبل أن يعتقها، ولا لامرأة أن تتزوج مملوكها قبل أن تعتقه، فإن اعتقته جاز لهما التناكح إن تراضيا -كالأجنبي ولا فرق- وهذا لا خلاف فيه من أحد" (¬4). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أجمع علماء المسلمين من الصحابة والتابعين، ولم يختلف في ذلك من بعدهم من الفقهاء: أن المرأة لا يحل لها أن يطأها من تملكه" (¬5). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه لا يجوز للمرأة أن تتزوج بعبدها" (¬6). ونقله عنه ابن قاسم (¬7). 5 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا في هذا الباب على أنه لا يجوز أن تنكح المرأة من ملكته" (¬8). 6 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "لا يحل لامرأة أن يطأها من تملكه إجماعًا من العلماء" (¬9). 7 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ولا تتزوج المرأة عبدها، سواء ملكته كله أو بعضه، وبهذا قالت الأئمة الأربعة، وعليه الإجماع" (¬10). 8 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "وحُكيَ الإجماع على بطلانه (¬11) " (¬12). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على بطلان نكاح العبد سيدته، وأن النكاح لا يصح قبل أن تعتقه، هو قول الحسن البصري، وطاوس، وقتادة، والحكم بن عتيبة، وحمّاد بن أبي سليمان، والشعبي، وعطاء، والأوزاعي، ¬
[24 - 74] نكاح العبد للأمة
وأبي ثور (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} [المؤمنون: 5، 6]. • وجه الدلالة: فرق اللَّه تعالى بين الصنفين من الأزواج وملك اليمين، فلا يجوز اجتماع صنفين فرق اللَّه بينهما، والوطء لا يكون إلا بالنكاح، أو ملك اليمين، ولا يمكن الاستباحة بهما جميعًا (¬2). 2 - قال جابر -رضي اللَّه عنه-: جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، ونحن بالجابية (¬3)، وقد نكحت عبدها، فانتهرها عمر، وهمَّ أن يرجمها، وقال: لا يحل لك (¬4). 3 - عن قتادة قال: تسرت امرأة غلامها، فذكر ذلك لعمر، فسألها: ما حملك على ذلك؟ فقالت: كنت أراه يحل لي بملك يميني، كما تحل للرجل المرأة بملك اليمين. فاستشار عمر في رجمها أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: تأولت كتاب اللَّه عز وجل على غير تأويله، لا رجم عليها، فقال عمر: لا جرم، واللَّه لا أحلك لحر بعده أبدًا -عاقبها بذلك- ودرأ الحد عنها، وأمر العبد ألا يقربها (¬5). • وجه الدلالة من الأثرين: دل الأثران على أنه لا يجوز للعبد أن ينكح سيدته، كما يحرم تسرِّيها به كالأمة مع سيدها.Rتحقق الإجماع على أنه لا يجوز للعبد نكاح سيدته؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [24 - 74] نكاح العبد للأمَة: إذا أراد العبد المملوك أن ينكح أمَة جاز له ذلك، ولا يشترط في حقه ما يشترط في حق الأحرار من عدم طول الحرة، أو خوف العنت. ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. ¬
[25 - 75] ملك أحد الزوجين للآخر
• من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الحر المسلم، العفيف، العاقل، البالغ، غير المحجور عليه، والعبد المسلم، العفيف، العاقل، البالغ، إذا خشي العنت، ولم يجد حرة يرضى نكاحها لعدم طولهما، وأذن للعبد سيده في النكاح، وتولى سيده عقدة إنكاحه، وفوّض العبد ذلك إليه، فإن لكل واحد منهما أن ينكح أمة مسلمة، بالغة، عفيفة، عاقلة، بإذن سيده في ذلك وإنكاحه لها" (¬1). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "فإن نكاح الأمة في حال طول الحرة في حق العبد جائز بالإجماع" (¬2). وقال أيضًا: "ولا خلاف في أن طول الحرة لا يمنع العبد من نكاح الأمَة" (¬3). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يجوز للعبد أن ينكح الأمة" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن نكاح العبد للأمة صحيح، ولا يشترط فيه عدم طول الحرة، أو خوف العنت، وافق عليه الشافعية (¬6). • مستند الإجماع: أن العبد مساوٍ للأمة في الرِّق، فلم يعتبر فيه عدم طول الحرة، ولا خوف العنت، فهو كالحُرِّ مع الحُرَّة (¬7).Rتحقق الإجماع في أن للعبد أن ينكح أمَة، ولا يشترط فيه عدم طول الحرة، أو خوف العنت؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [25 - 75] ملك أحد الزوجين للآخر: قد يتزوج الرجل أمَةً فتوهب له، فتصبح مملوكة له بالهبة، وقد تتزوج الحرة عبدًا فيوهب لها، فيصبح مملوكًا لها بالهبة، عندئذٍ ينفسخ نكاحهما، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. ¬
• من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن تزويج المرأة عبدها باطل، وإذا ملكت المرأة زوجها شقصًا (¬1) بطل النكاح" (¬2). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا إن ملك امرأته كلها، فلم يعتقها، ولا أخرجها عن ملكه، إثْر ملكه إياها، فقد انفسخ نكاحها. واتفقوا أن من ملكته امرأته فلم تعتقه إثْر ملكها إياه، أو لم تخرجه عن ملكها كذلك، فقد انفسخ نكاحهما" (¬3). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأما الزوج يملك امرأته، فلا خلاف بين العلماء في بطلان نكاحها" (¬4). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه متى ملكت المرأة زوجها أو شقصًا منه، حرمت عليه، وانفسخ النكاح بينهما، واتفقوا على أن الزوج إذا ملك زوجته، أو شقصًا منها انفسخ النكاح بينهما" (¬5). 5 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا في هذا الباب على أنه لا يجوز أن تنكح المرأة من ملكته، وأنها إذا ملكت زوجها انفسخ النكاح" (¬6). 6 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولو ملك زوجته، وهي أَمَة، انفسخ نكاحها، وكذلك لو ملكت المرأة زوجها، انفسخ نكاحها، ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬7). ونقله عنه ابن قاسم (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من أن أحد الزوجين إذا ملك الآخر فقد انفسخ نكاحهما، وافق عليه الحنفية (¬9). وهو قول عمر، وعلي -رضي اللَّه عنهما-، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة (¬10)، . . . . . . . . ¬
[26 - 76] تحريم نكاح ذات المحرم
ومكحول، والنخعي (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31]. • وجه الدلالة: فرَّق اللَّه سبحانه وتعالى بين الزوج، وملك يمين المرأة، فوجب ألا يكون ملك يمينها زوجها أصلًا (¬2). 2 - قال جابر -رضي اللَّه عنه- جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، ونحن بالجابية، وقد نكحت عبدها، فانتهرها عمر، وهمَّ أن يرجمها، وقال: لا يحل لك (¬3). • وجه الدلالة: أحكام النكاح تتنافى مع أحكام الملك، فإن كل واحد منهما يقتضي أن يكون الآخر بحكمه، يسافر بسفره، ويقيم بإقامته، وينفق عليه، فيتنافيان (¬4). 3 - أن الملك المقارن للنكاح يبطله، والطارئ عليه كذلك (¬5).Rتحقق الإجماع في أن أي من الزوجين إذا ملك الآخر فقد انفسخ النكاح بينهما؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [26 - 76] تحريم نكاح ذات المحرم: يحرم أن يتزوج الرجل بمن تحرم عليه؛ كأُمه وابنته وأخته وغير ذلك، فإن فعل فإن نكاحه باطل، ويجب أن يفسخ، سواء كان قبل الدخول أو بعده، ومن فعل ذلك لزمه الحد، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنه من زنى بخالته أو بحماته أو ذوي رحم محرم عليه أنه زانٍ، وعليه الحد" (¬6). ونقله عنه الشربيني (¬7). ¬
2 - ابن رشد الجد (520 هـ) حيث قال: "فالمتفق على فساده مثل نكاح من لا يحل له نكاحها من ذوات المحارم من نسب أو رضاع. . . فهذا القسم يفسخ فيه النكاح قبل الدخول وبعده" (¬1). 3 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وأما نكاح المحارم، والجمع بين خمس نسوة، والجمع بين الأختين، . . . أن ذلك كله فاسد في حكم الإسلام بالإجماع" (¬2). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: ". . . فمنها ما اتفقوا على فسخه قبل الدخول وبعده، وهو ما كان منها فاسدًا بإسقاط شرط متفق على وجوب صحة النكاح بوجوده، مثل أن ينكح محرمة العين" (¬3). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن تزوج ذات محرمه؛ فالنكاح باطل بالإجماع" (¬4). 6 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "فلا يتزوج الرجل ذات رحمه المحرم ولا يتسرى بها، وهذا متفق عليه" (¬5). 7 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه إذا عقد على محرم من النسب، أو الرضاع، فإن العقد باطل" (¬6). • الموافقون على الإجماع: أولًا: ما ذكره الجمهور من تحريم نكاح ذات المحرم، وأنه نكاح باطل، يجب أن يفسخ، سواء كان قبل الدخول أو بعده، وافق عليه ابن حزم (¬7). ثانيًا: ما ذكره ابن المنذر من الإجماع على أن من زنى بذات محرمه فعليه الحد، وافق عليه الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والحنابلة (¬10)، وابن حزم (¬11)، وهو قول ¬
الحسن، وجابر بن زيد، وإسحاق (¬1). • مستند الإجماع: 1 - عن البراء بن عازب -رضي اللَّه عنه- قال: لقيت عمي، ومعه راية، فقلت له: أين تريد؟ قال: بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى رجل نكح امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه، وآخذ ماله (¬2). 2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من وقع على ذات محرم فاقتلوه" (¬3). • وجه الدلالة من هذين الحديثين: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتل من وقع على ذات محرم، سواء كانت امرأة أب، أو غير ذلك، وأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتل من فعل ذلك الفعل؛ دلالة على تحريمه، وبالتالي بطلانه حال وقوعه، سواء وقع دخول أم لا. • الخلاف في المسألة: اختلف الفقهاء فيمن نكح ذات محرم منه بعقد نكاح، هل عليه حد أم لا؟ ثم اختلف الذين يرون وجوب الحد في نوع الحد، هل يقتل بكل حال، أم يقام عليه حد الزنى مع التفريق بين المحصن وغيره؟ أولًا: ذهب الإمام أبو حنيفة، وزفر، إلى أن من عقد على ذات محرم فلا حد عليه، لكنه يعاقب تعزيرًا، وسياسة، لا حدًّا مقدرًا شرعًا (¬4)، وهو قول الثوري (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - أن العقد صادف محله؛ لأن محل التصرف ما يكون قابلًا لمقصوده، وهو التوالد، وبنات آدم قابلات له (¬6). 2 - أنه عقد تمكنت شبهة العقد منه، فلم يوجب الحد؛ كمن اشترى أخته من الرضاع ثم وطئها (¬7). ¬
ثانيًا: اختلف الجمهور الذين يرون وجوب الحد، هل يقتل مطلقًا، أم يحد حد الزنى، مع التفريق بين المحصن وغيره؟ وهل يفرق بين امرأة الأب وغيرها من المحارم؟ خلاف على قولين: • القول الأول: ذهب أبو يوسف، ومحمد بن الحسن من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬4)، وابن حزم في غير امرأة الأب (¬5)، أن من نكح ذات محرم، بعقد أو غيره، فعليه حد الزنى، إن كان محصنًا فعليه الرجم، وإن كان غير محصن فعليه الجلد. وهو قول الحسن البصري (¬6). أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]. • وجه الدلالة: هذه آية عامة في وجوب حد الزنى على كل من زنى، فيدخل فيه من زنى بمحرمه أو غيرها (¬7). 2 - أنه وطء في غير ملك، محرّم بدواعيه، فإذا تعمده، وجب عليه الحد، كالزنى مع الأجنبيات (¬8). • القول الثاني: ذهب الإمام أحمد في الرواية الصحيحة عنه (¬9)، وابن حزم في امرأة الأب خاصَّة (¬10)، أن من وقع على ذات محرم بعقد نكاح أو غيره، فإنه يقتل بكل حال. وهو قول جابر بن زيد، وإسحاق (¬11). • دليل هذا القول: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من وقع على ذات محرم فاقتلوه" (¬12).Rأولًا: تحقق الإجماع في أن من نكح ذات محرم منه فنكاحه باطل، ويجب أن يفسخ، سواء كان قبل الدخول أو بعده. ¬
[27 - 77] الوطء الفاسد تثبت به حرمة المصاهرة
ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن من وقع على ذات محرم بزنى، فإنه يحد؛ لخلاف الإمام أحمد في الرواية الصحيحة عنه أن يقتل بكل حال. ثالثًا: عدم تحقق الإجماع على أن من نكح ذات محرم، بعقد نكاح أنه يحد؛ لخلاف أبي حنيفة، وزفر، والثوري، بعدم وجوب الحد، ولكن يُعزر. [27 - 77] الوطء الفاسد تثبت به حرمة المصاهرة: إذا وطئ الرجل امرأة بنكاح فاسد، أو شراء فاسد، أو وطئ امرأة ظنَّها امرأته أو أمَته، أو وطئ أمَة مشتركة بينه وبين غيره، فيتعلق به التحريم كالوطء المباح، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن من وطئ امرأة بنكاح فاسد، أنها تحرم على أبيه وابنه، وعلى أجداده وولد ولده" (¬1). ونقله عنه ابن قدامة (¬2)، وابن قاسم (¬3). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "حرمة المصاهرة تثبت بالعقد الصحيح، . . . وكذا تثبت بالوطء في النكاح الفاسد، وبالوطء عن شبهة بالإجماع" (¬4). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الوطء بالشبهة؛ وهو الوطء في نكاح فاسد، أو شراء فاسد، أو وطء امرأة ظنها امرأته أو أمته. . . فهذا يتعلق به التحريم؛ كتعلقه بالوطء المباح إجماعًا" (¬5). ونقله عنه ابن قاسم (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن النكاح الفاسد تثبت به حرمة المصاهرة، وافق عليه المالكية (¬7). وهو قول الأوزاعي، والثوري، وإسحاق، وأبي ثور (¬8). • مستند الإجماع: أنه وطء يلحق به النسب، كالوطء المباح، فيثبت به التحريم (¬9). ¬
[28 - 78] تثبت حرمة المصاهرة في الوطء بالملك، كالوطء في النكاح الصحيح
Rتحقق الإجماع على أن الوطء الفاسد تثبت به حرمة المصاهرة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [28 - 78] تثبت حرمة المصاهرة في الوطء بالملك، كالوطء في النكاح الصحيح: إذا ملك الرجل أمَة بأي سبب من أسباب الملك كالشراء، أو الهبة، أو الميراث، فوطئها، فإن حرمة المصاهرة تثبت بهذا الوطء، فيحرم عليه وطء بناتها، أو أن يجمع بينها وبين أخواتها، أو عماتها، أو خالاتها، ويحرم على أبنائه وطؤها؛ لأنها أصبحت منكوحة لأبيهم، فيقع بالوطء في الملك التحريم، كالوطء في النكاح الصحيح، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنه إذا اشترى الرجل جارية، فلمس أو قبَّل، حرمت على ابنه وأبيه" (¬1). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "حرمة المصاهرة تثبت بالعقد الصحيح، وتثبت بالوطء الحلال بملك اليمين، حتى أن من وطئ جاريته تحرم عليه أمها وابنتها وجداتها. . . بالإجماع" (¬2). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الوطء بملك اليمين يحرم منه ما يحرم الوطء بالنكاح" (¬3). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الوطء في نكاح صحيح أو ملك يمين، فيتعلق به تحريم المصاهرة بالإجماع" (¬4). 5 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "إذا اشترى الرجل جارية، فلمس أو قبّل، حرمت على أبيه وابنه، لا أعلمهم يختلفون فيه" (¬5). 6 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "وكل من وطئ امرأة بملك. . . حرم عليه أمهاتها وبناتها، وحرمت هي على آبائه وأبنائه، تحريمًا مؤبدًا بالإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على ثبوت حرمة المصاهرة ¬
[29 - 79] زنى أحد الزوجين لا يفسخ نكاحهما، سواء وقع الزنى قبل الدخول أو بعده
بالوطء في الملك، كالوطء في النكاح الصحيح، وافق عليه ابن حزم (¬1). وهو قول ابن أبي ليلى، ومسروق، ومجاهد، والأوزاعي (¬2). • مستند الإجماع: أن هذا المرأة أصبحت محرّمة على التأبيد بسبب مباح؛ وهو الملك، فأشبه التحريم بالنسب (¬3).Rتحقق الإجماع على ثبوت حرمة المصاهرة بالوطء في الملك، كالوطء في النكاح الصحيح؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [29 - 79] زنى أحد الزوجين لا يفسخ نكاحهما، سواء وقع الزنى قبل الدخول أو بعده: إذا زنت المرأة المحصنة بزوج، أو زنى الزوج، فإن نكاحهما قائم على حاله، ولا يفسخ، سواء زنيا قبل الدخول أو بعده، ونقل جماعة من أهل العلم الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الجوهري (350 هـ) حيث قال: "وأجمع الفقهاء في العصر الأول أن زنى المرأة لا يبطل نكاح زوجها عنها" (¬4). 2 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "لا ينفسخ نكاح الزوجة إذا زنت، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، رحمهما اللَّه، وكافة الفقهاء" (¬5). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن المرأة المحصنة بزوج إذا زنت لا يفسخ نكاحها من زوجها" (¬6). ونقله عنه ابن قاسم (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن زنى أحد الزوجين لا يفسخ النكاح بينهما، سواء وقع الزنى قبل الدخول أو بعده، وافق عليه الشافعية (¬8)، وابن حزم (¬9). وهو قول مجاهد، وعطاء، والثوري، وإسحاق (¬10). ¬
• مستند الإجماع: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: أتى رجل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، إن امرأتي لا ترد يَدَ لامسٍ، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طلقها"، قال: إني أحبها، قال: "فامسكها إذًا" (¬1). 2 - أن ماعزًا (¬2) أقر عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالزنى، فسأل عنه، "أبكر أم ثيب؟ " فقيل له: بل ثيب، فأمر برجمه (¬3). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمر الرجل بفسخ نكاحه من امرأته، ولم يأمر بفسخ نكاح ماعز، فدل على أن زنى أحد الزوجين لا يفسخ نكاحهما (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب علي بن أبي طالب، وجابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-، والحسن، وطاوس، والنخعي، وحمَّاد بن أبي سليمان، إلى القول بأن الزنى إن وقع قبل الدخول فرق بينهما (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} [النور: 3]. 2 - أنه يحرم أن يجتمع ماء الزاني وماء الزوج في رحم واحد، فيفسخ النكاح قبل الدخول (¬6).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن زنى أحد الزوجين بعد الدخول لا يفسخ النكاح بينهما؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن زنى أحد الزوجين قبل الدخول لا يفسخ النكاح؛ لخلاف علي وجابر -رضي اللَّه عنهما- ومن معهما من التابعين، بأن النكاح يفسخ إن وقع الزنى قبل الدخول. ¬
[30 - 80] نكاح خامسة في عدة الرابعة، والأخت في عدة أختها
[30 - 80] نكاح خامسة في عدة الرابعة، والأخت في عدة أختها: قد يتزوج الرجل أربعًا، فيطلق إحداهن طلاقًا رجعيًّا، ويرغب في نكاح خامسة، وقد يتزوج امرأة فيطلقها طلاقًا رجعيًّا أيضًا، ويرغب في نكاح أختها، أو عمتها، أو خالتها ممن يحرم الجمع بينهن في عقد واحد، فهذا النكاح لا يجوز، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا طلق المرأة طلاقًا يملك الرجعة، أنه ليس له أن ينكح أختها، أو رابعة سواها، حتى تنقضي عدة المطلقة" (¬1). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين العلماء فيمن له أربع نسوة يطلق إحداهن طلقة يملك رجعتها: أنه لا يحل له نكاح غيرها حتى تنقضي عدتها" (¬2). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه لا يجوز الجمع بين نكاح الخامسة والرابعة في العدة، ولا بين الأخت وأختها في العدة، وأنه لا يجوز أن يتزوج بكل واحدة ممن يحرم عليه الجمع بينهما وبين المعتدة منه، إذا كانت المعتدات المذكورات معتدات من طلاق رجعي" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). 4 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وأما نكاح المحارم، والجمع بين خمس نسوة، والجمع بين الأختين، فإن ذلك كله فاسد في حكم الإسلام بالإجماع" (¬5). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وكذلك إذا تزوج الحر أربعًا، حرمت الخامسة تحريم جمع، . . . فإذا طلَّق زوجته طلاقًا رجعيًّا، فالتحريم باقٍ بحاله في قولهم جميعًا" (¬6). وقال أيضًا: "وروي عن عبيدة السلماني (¬7) أنه قال: ما أجمعت الصحابة ¬
على شيء، كإجماعهم على أربع قبل الظهر، وأن لا تنكح امرأة في عدة أختها" (¬1). 6 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته طلاقًا يملك رجعتها، أنه ليس له أن ينكح أختها أو أربعًا سواها حتى تنقضي عدة المطلقة" (¬2). 7 - القرافي (684 هـ) حيث قال: "ويحرم الجمع في عدة الرجعية اتفاقًا" (¬3). 8 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وتحريم الجمع يزول بزوال النكاح، فإذا ماتت إحدى الأربع، أو الأختين، أو طلقها، أو انفسخ نكاحها، وانقضت عدتها: كان له أن يتزوج رابعة، ويتزوج الأخت الأخرى باتفاق العلماء، وإن طلقها طلاقًا رجعيًّا لم يكن له تزوج الأخرى عند عامة العلماء" (¬4). 9 - ابن الهمام (861 هـ)، ذكر قول عبيدة السلماني، الذي ذكره ابن قدامة (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من تحريم نكاح خامسة في عدة رابعة، أو الأخت في عدة أختها من طلاق رجعي، وافق عليه ابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: أن المرأة التي طلقت طلاقًا يملك زوجها رجعتها فيه؛ ما زالت في حكم الزوجات في النفقة، والسكنى، والميراث، ولحوق الطلاق، والإيلاء، والظهار، واللعان كالتي لم تطلق منهن سواء (¬7).Rتحقق الإجماع على تحريم نكاح خامسة في عدة الرابعة، والأخت في عدة أختها، إذا كانت العدة من طلاق رجعي؛ وذلك لعدم وجود مخالف. * * * ¬
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في الشروط في النكاح
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في الشروط في النكاح [1 - 81] تحريم نكاح الشغار وبطلانه: نقل الإجماع على تحريم نكاح الشغار (¬1) وبطلانه جمع من أهل العلم؛ وأن النهي الوارد فيه لا يتعلق بالبنات فقط؛ بل تدخل فيه غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهن. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "لا خلاف عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في النهي عنه" (¬2). أي: عن نكاح الشغار. 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "فهذا معاوية بحضرة الصحابة لا يعرف له منهم مخالف، يفسخ هذا النكاح، ويقول: "إنه الذي نهى عنه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬3). أي: نكاح الشغار. 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وكلهم ذكر عن مالك في تفسير الشغار: أنه الرجل يزوج ابنته أو وليته من آخر، ويزوجه الآخر ابنته، ويكون بضع كل واحدة منهما صداقًا للأخرى دون صداق، وهذا ما لا خلاف بين العلماء فيه؛ أنه الشغار المنهي عنه" (¬4). وكذا قال في الاستذكار (¬5). ونقله عنه ابن حجر (¬6)، والشوكاني (¬7). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن صفته هو أن ينكح الرجل وليته رجلًا آخر، على أن ينكحه الآخر وليته، ولا صداق بينهما؛ إلا بضع هذه ببضع ¬
الأخرى، واتفقوا على أنه نكاح غير جائز لثبوت النهي عنه" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). 5 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على أنه منهي عنه" (¬3). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن غير البنات من الأخوات، وبنات الأخ، والعمات، وبنات الأعمام، والإماء، كالبنات في هذا" (¬4). ونقله عنه ابن حجر (¬5)، والشوكاني (¬6)، وابن قاسم (¬7). 6 - القرافي (684 هـ) حيث قال: "السبب الأول: الشغار. . وهو حرام إجماعًا" (¬8). وقال أيضًا: "واتفق الجميع على المنع ابتداءً، والخلاف بعد" (¬9). 7 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "نكاح الشغار: وهو أن يزوج الرجل أخته أو ابنته، على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته، فكيف إذا زوجه على إن أنصفها أنصف الآخر، وإن ظلمها ظلم الآخر زوجته، فإن هذا محرَّم بإجماع المسلمين" (¬10). 8 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "نكاح الشغار، وهو باطل إجماعًا" (¬11). 9 - الحطاب (954 هـ) حيث قال: "الشغار لا خلاف في منعه" (¬12). 10 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وفسَّره أحمد بأنه فرج بفرج، وكما لا تورث ولا توهب، فلأن لا تعاوض ببضع أولى، وأجمعوا على تحريمه" (¬13). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم نكاح الشغار، هو قول إسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد (¬14). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الشغار. والشغار: أن يزوج الرجل ابنته، على أن يزوجه الآخر ابنته، ليس بينهما صداق (¬15). 2 - عن عمران بن الحصين -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا جلب (¬16). . . . . . . . . ¬
[2 - 82] تحريم نكاح التحليل
ولا جنب (¬1)، ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبة (¬2) فليس منا" (¬3). • وجه الدلالة: دل الحديثان على النهي عن نكاح الشغار، وأنه لا يجوز. • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية إلى أن نكاح الشغار جائز، وللمرأة مهر مثلها (¬4). وهو قول عطاء، وعمرو بن دينار، ومكحول، والزهري، والثوري (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - أن كلًّا من الزوجين سمى في نكاح الشغار ما لا يصلح أن يكون صداقًا، كمن يعقد على خمر أو خنزير (¬6). 2 - أن البضع لا يصح أن يكون صداقًا، فلم يتحقق الاشتراك، فبقي الشرط فاسدًا، والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة (¬7).Rعدم تحقق الإجماع على أن نكاح الشغار باطل، وأنه محرم لا يجوز؛ لخلاف الحنفية ومن معهم بأنه صحيح، ويكون لكل من المرأتين مهر المثل. [2 - 82] تحريم نكاح التحليل: إذا طلق الرجل امرأته طلاقًا بائنًا، فلا تحل له إلا من بعد زوج؛ فإذا تزوجها رجل بقصد تحليلها لزوجها الأول، أو شرط عليه في العقد أن يحلَّها لزوجها الأول، فإن هذا النوع من النكاح محرَّم، ونقل الإجماع على تحريمه جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الترمذي (279 هـ) حيث قال: "والعمل على هذا عند أهل ¬
العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، منهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد اللَّه ابن عمرو، وغيرهم، وهو قول الفقهاء من التابعين" (¬1). ونقله عنه ابن قدامة (¬2)، والقرطبي (¬3)، وابن القيم (¬4)، والصنعاني (¬5). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملته أن نكاح المحلل حرام وباطل، . . . وهو قول من سمينا (¬6) من الصحابة، ولا مخالف لهم، فيكون إجماعًا" (¬7). ونقله عنه ابن قاسم (¬8). 3 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "أجمعوا على تحريم نكاح المحلل. . . واتفق أئمة الفتوى على أنه إذا شرط التحليل كان باطلا" (¬9). ونقله عنه ابن قاسم (¬10). وقال أيضًا: "نكاح المحلل حرام بإجماع الصحابة: عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم -رضي اللَّه عنهم-" (¬11). وقال أيضًا: "لو نوى التحليل كان ذلك مما اتفق الصحابة على النهي عنه، وجعلوه من نكاح المحلل" (¬12). وقال أيضًا: "وبأن الصحابة أبطلوا هذه العقود، ففرقوا بين الزوجين في نكاح الشغار، وجعلوا نكاح التحليل سفاحًا، وتوعدوا المحلل بالرجم. . . فتبين بالنصوص وإجماع الصحابة فساد هذه الأنكحة" (¬13). وقال أيضًا: "وقد اتفق أئمة الفتوى على أنه إذا شرط التحليل في العقد كان باطلا" (¬14). 4 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "ونكاح المحلل لم يُبَحْ في ملة من الملل قط، ولم يفعله أحد من الصحابة، ولا أفتى به واحد منهم" (¬15). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنابلة من الإجماع على تحريم نكاح ¬
التحليل وبطلانه إن وقع، وافق عليه أبو يوسف من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية في الجديد (¬3)، وابن حزم (¬4). وقال به عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، والحسن، وبكر المزني (¬5)، والنخعي، وقتادة، والليث (¬6)، وإسحاق، وأبو عبيد (¬7)، والثوري، والأوزاعي في إحدى الروايتين عنهما (¬8). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: "لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المُحِلَّ والمُحلَّل له" (¬9). 2 - عن عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ "، قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: "فهو المحلِّل، لعن اللَّه المحلِّل والمحلَّل له" (¬10). 3 - عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: "لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المحلِّل والمحلَّل له" (¬11). ¬
• وجه الدلالة: دلت الأحاديث على تحريم التحليل؛ لأن اللعن لا يكون إلا على فاعل المحرَّم، وكل محرَّم منهي عنه (¬1). 4 - خطب عمر -رضي اللَّه عنه- فقال: واللَّه لا أوتى بِمُحِلٍّ ولا محلَّل له إلا رجمتهما (¬2). 5 - قال رجل لابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: امرأة تزوجتُها؛ أُحلها لزوجها، لم يأمرني، ولم يعلم. قال: لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكها، وإن كرهتها فارقها. قال: وإن كنا نعده على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سفاحًا، قال: ولا يزالان زانيين، وإن مكثا عشرين سنة، إذا علم أنه يريد أن يحلها (¬3). 6 - جاء رجل إلى ابن عباس، فقال له: إن عمي طلق امرأته ثلاثًا، أيحلها له رجل؟ قال: من يخادع اللَّه يخدعه (¬4). • الخلاف في المسألة: أولًا: يرى الإمام أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وزفر (¬5)، والإمام الشافعي في القديم (¬6)، ورواية عن الإمام أحمد (¬7)، أن نكاح المحلل صحيح، مع الكراهة. ومنع محمد بن الحسن عودتها للأول (¬8)؛ وقال به ابن أبي ليلى، والثوري، والأوزاعي في رواية عنهما (¬9). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. • وجه الدلالة: أباح اللَّه سبحانه وتعالى النكاح من الزوج الثاني بعد طلاق الأول، من غير فصل بين ما إذا شرط الإحلال أو لا، فكان النكاح مع شرط الإحلال صحيحًا (¬10). ¬
2 - من مقاصد النكاح السكن والتوالد والتعفف، ولا يكون ذلك إلا ببقاء الحياة الزوجية واستمرارها، وعلى هذا يحمل القول بكراهته، لما ألحقه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من اللعن على المحلل والمحلل له (¬1). 3 - أن شرط التحليل شرط فاسد، فيفسد به الصداق، ويصح به النكاح، كما لو شرط ألا يسافر بها (¬2). 4 - أما قول محمد بن الحسن من منع عودتها للأول؛ فلأن النكاح عقد مؤبد، فكان شرط الإحلال استعجال ما أخره اللَّه تعالى لغرض الحل، فيعاقب بالمنع، كقتل المورث (¬3). ثانيًا: إذا نوى الزوج التحليل، ولم يشترطه الزوج السابق، أو أي من أولياء المرأة؛ خلاف على قولين: • القول الأول: يكون النكاح صحيحًا عند الإمام أبي حنيفة، ومحمد، وزفر (¬4)، والشافعية (¬5)، ورواية عن الإمام أحمد (¬6)، وابن حزم (¬7). وقال به عروة بن الزبير، وسالم بن عبد اللَّه، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعطاء والشعبي، والليث بن سعد، وأبو ثور (¬8). • دليل هذا القول: روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- ما يدل على إجازته إذا وقع بهذه الصورة؛ فقد روى ابن سيرين أن رجلًا من أهل المدينة طلق امرأته ثلاثًا، وندم، وبلغ ذلك منه ما شاء اللَّه، فقيل له: انظر رجلًا يحلها لك، وكان في المدينة رجل من أهل البادية له حسب أقحم إلى المدينة، وكان محتاجًا ليس له شيء يتوارى به إلا رقعتين؛ رقعة يوارى بها فرجه، ورقعة يوارى بها دبره، فأرسلوا إليه، فقالوا له: هل لك أن نزوجك امرأة، فتدخل عليها فتكشف عنها خمارها، ثم تطلقها ونجعل لك على ذلك جعلًا؟ ¬
[3 - 83] لا يقع التحليل إلا بعقد نكاح فيه وطء
قال: نعم. فزوجوه، فدخل عليها، وهو شاب صحيح. فلما دخل على المرأة فأصابها فأعجبها، فقالت له: أعندك خير؟ قال: نعم، هو حيث تحبين، جعله اللَّه فداءها. قالت: فانظر لا تطلقني بشيء، فإن عمر لن يكرهك على طلاقي. فلما أصبح لم يكد أن يفتح الباب حتى كادوا أن يكسروه، فلما دخلوا عليه قالوا: طلق؛ قال: الأمر إلى فلانة. قال: فقالوا لها: قولي له أن يطلقك. قالت: إني أكره أن لا يزال يدخل عليّ. فارتفعوا إلى عمر بن الخطاب فأخبروه، فقال له: أتطلق امرأتك؟ قال: لا، واللَّه لا أطلقها، فقال عمر: لو طلقتها لأوجعت رأسك بالسوط (¬1). • وجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- صحح نكاحه، ولم يأمره باستئنافه (¬2). • القول الثاني: أن النكاح بهذه الصورة باطل، وهو قول أبي يوسف (¬3)، والمالكية (¬4)، والصحيح من المذهب عند الحنابلة (¬5). وسبق ذكر من قال بمنعه مطلقًا بكل صوره.Rأولًا: عدم تحقق الإجماع في تحريم نكاح التحليل؛ لخلاف الحنفية، والإمام الشافعي في القديم، والإمام أحمد في رواية عنه بأنه صحيح مع الكراهة. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على بطلان نكاح المحلل، إذا نوى الزوج التحليل، ولم يأمره أحد بذلك، للخلاف الوارد في ذلك. [3 - 83] لا يقع التحليل إلا بعقد نكاح فيه وطء: لا تحل المرأة لزوجها الأول الذي طلقها، إلا بعد أن يطأها زوجها الثاني؛ ولم ¬
يشترطوا في الوطء سوى التقاء الختانين، وإن لم ينزل، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا أنها لا تحل له إلا بعد زوج، على ما جاء به حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬1). 2 - النووي (676 هـ) حيث قال: "اتفق العلماء على أن تغييب الحشفة في قبلها، كافٍ في ذلك، من غير إنزال المني" (¬2). 3 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وما يذكر عن ابن المسيب من عدم اشتراط الوطء، فذاك قول شاذ، صحت السنة بخلافه، وانعقد الإجماع قبله وبعده" (¬3). 4 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المرأة لا تحل لزوجها الذي طلقها، إلا بعد أن تنكح زوجًا غيره، ولا بد في ذلك النكاح من الوطء، وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، وابن حزم (¬7). وهو قول علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، ومسروق، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وأبي ثور، وأبي عبيد (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أنه لا بد أن تنكح المرأة المطلقة زوجًا غير الذي طلقها حتى تحل له، ولا بد أن يجتمع العقد والوطء؛ لأنه لو عقد عليها دون وطء لا تحل للأول، وإن وطئها دون عقد لا تحل للأول أيضًا، قال الطبري: لإجماع الأمة جميعًا، فلا بد من العقد والوطء (¬9). ¬
2 - أن امرأة رفاعة (¬1) لما تزوجت عبد الرحمن بن الزبير (¬2)، أتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إن زوجي أبتّ طلاقي، وقد تزوجتُ عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة (¬3) الثوب، فقال لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك" (¬4). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن المرأة لا تحل لزوجها الذي طلقها إلا بعد أن تتزوج زوجًا غيره، فيطأها وطءًا صحيحًا. • الخلاف في المسألة: أولًا: نقل عن سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير؛ أنهما قالا: يجوز أن ترجع المرأة إلى زوجها الأول إذا طلقها الثاني، وإن لم يمسها، ولا يشترط في ذلك سوى العقد (¬5). وهو قول الخوارج (¬6). • دليل هذا القول: قال اللَّه تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}. [البقرة: 230]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أن للزوج أن يعود لزوجته إذا طلقها زوجها الثاني، وليس هناك ذكر للمسيس في هذا الموضع (¬7). ثانيًا: ذهب الحسن البصري إلى القول بأن المرأة لا تحل لزوجها الأول حتى يطأها زوجها الثاني، ولا بد فيه من الإنزال (¬8). ¬
• دليل هذا القول: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك". • وجه الدلالة: أن المرأة لا تحل للزوج إلا بذوق العسيلة، ولا يتحقق ذلك إلا بعد وطء فيه إنزال (¬1).Rأولًا: تحقق الإجماع في أن الزوجة تحل لزوجها الأول بعد أن يعقد عليها زوج آخر، ويطأها بذلك العقد؛ لأن اشتراط الحسن البصري الإنزال، لا يكون إلا بوطء. ثانيًا: لا ينظر لخلاف سعيد بن المسيب، وابن جبير في قولهما أنه يكفي مجرد العقد، ولا يشترط الوطء؛ لما يأتي: 1 - لعل سعيد بن المسيب، وابن جبير لم يبلغهما حديث العسيلة، أو لم يصح عندهما، فأخذا بظاهر القرآن (¬2). 2 - أن هذا القول لم يقل به أحد إلا الخوارج؛ كما قال ابن المنذر (¬3). 3 - أنه قول شاذ، صحت السنة بخلافه، وانعقد الإجماع قبله وبعده (¬4). 4 - من عقد نكاحًا على مذهب سعيد بن المسيب فللقاضي فسخه، ولا يعتبر فيه خلافه؛ لأنه خارج عن إجماع العلماء (¬5). 5 - ما ورد عن سعيد بن جبير لم يوجد مسندًا عنه في كتاب، إنما نقله أبو جعفر النحاس (¬6) في "معاني القرآن" (¬7). ¬
[4 - 84] المتعة كانت نكاحا إلى أجل لا ميراث فيه
6 - أن العسيلة التي لا بد من ذوقها بين الزوجين هي مجرد التقاء الختانين بينهما، أما الإنزال فيسمى "الدبيلة"، فإن الرجل لا يزال في لذة من الملاعبة، حتى إذا أولج فقد عسَّل، ثم يتقاطر منه ما فيه عناء نفسه، وإتعاب أعضائه، فالإنزال أقرب إلى الحنظلية منه إلى العسيلية؛ لأنه يبدأ بلذة، ويختم بألم (¬1). [4 - 84] المتعة كانت نكاحًا إلى أجل لا ميراث فيه: كانت المتعة مباحة في أول الإسلام، وكان لها أحكام تختص بها. فمن هذه الأحكام: أنه لا إشهاد فيها، ولا ولي، وكانت نكاحًا إلى أجل، فإذا انتهى الأجل تقع الفرقة بلا طلاق، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن المتعة نكاح لا إشهاد فيه، ولا ولي، وأنه نكاح إلى أجل تقع الفرقة فيه بلا طلاق، ولا ميراث" (¬2). وقال أيضًا: "لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق، وليس هذا من حكم الزوجة عند أحد من المسلمين" (¬3). 2 - القاضي عياض (544 هـ) حيث قال: "ولا خلاف بين العلماء أن هذه المتعة كانت نكاحًا إلى أجل لا ميراث فيه" (¬4). 3 - النووي (676 هـ)، فذكره كما قال القاضي عياض (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر، والقاضي عياض من المالكية، والنووي من الشافعية، من أن المتعة كانت نكاحًا إلى أجل لا ميراث فيه، وافق عليه الحنفية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وابن حزم (¬8). وهو قول علي، وابن مسعود، وأبي هريرة -رضي اللَّه عنهم-، وابن المسيب (¬9). ¬
[5 - 85] تحريم نكاح المتعة
وهؤلاء جميعًا يقولون بتحريم نكاح المتعة -كما سيأتي في المسألة التالية- ومن ثم منْع كل ما يترتب عليها من أحكام. • مستند الإجماع: كانت المتعة مباحة أول الأمر، ومن الأحكام التي اختصت بها: أنه لا ولي، ولا شهود، ولا ميراث فيها، وأن الفرقة تقع بانتهاء الأجل دون طلاق، وبعد أن حُرِّمت المتعة تبعها في التحريم الأحكام التي تختص بها (¬1).Rتحقق الإجماع في أن المتعة قبل أن تُحرَّم كانت نكاحًا إلى أجل لا ميراث فيها، ولا ولي، ولا شهود، وأن الفرقة تقع بانتهاء الأجل دون طلاق، ثم لمَّا حرمت تناول التحريم جميع أحكامها. [5 - 85] تحريم نكاح المتعة: كانت المتعة مباحة في أول الإسلام، ثم حُرِّمت إلى يوم القيامة، وما ورد فيها من إباحة فقد نسخ، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "ولا أعلم أحدًا يجيز اليوم نكاح المتعة إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف القائلُ به الكتابَ والسنة" (¬2). 2 - الطحاوي (321 هـ) حيث قال: "فهذا عمر -رضي اللَّه عنه- نهى عن متعة النساء بحضرة أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم ينكر عليه منهم منكر، وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه من ذلك، وفي إجماعهم على النهي في ذلك عنها دليل على نسخها وحجة" (¬3). 3 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "نكاح المتعة مفسوخ، . . . والمسألة عندنا إجماع أنه لا يجوز، وبه قال عمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، وابن الزبير -رضي اللَّه عنهم-، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، والفقهاء بأسرهم، والأوزاعي، والثوري" (¬4). 4 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: ". . . ولأنه إجماع (¬5) الصحابة، روي ذلك عن ¬
أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وابن الزبير، وأبي هريرة، وابن عمر" (¬1). وقال أيضًا: "فإن قيل: قد خالفهم ابن عباس، ومع خلافه لا ينعقد الإجماع، قيل: قد رجع ابن عباس عن إباحتها، وأظهر تحريمها. . . فصار الإجماع برجوعه منعقدًا، والخلاف به مرتفعًا، وانعقاد الإجماع بعد ظهور الخلاف أوكد؛ لأنه يدل على حجة قاطعة، ودليل ظاهر" (¬2). 5 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "اتفق أئمة علماء الأمصار من أهل الرأي والآثار؛ منهم: مالك وأصحابه من أهل المدينة، وسفيان، وأبو حنيفة من أهل الكوفة، والشافعي ومن سلك سبيله من أهل الحديث والفقه والنظر، والليث بن سعد من أهل مصر والمغرب، والأوزاعي في أهل الشام، وأحمد وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، وداود، والطبري على تحريم نكاح المتعة؛ لصحة نهي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عندهم عنها" (¬3). ونقله عنه ابن قدامة (¬4). وقال أيضًا: "وأما سائر العلماء من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين، وفقهاء المسلمين، فعلى تحريم المتعة" (¬5). 6 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفق العلماء على تحريم نكاح المتعة، وهو كالإجماع بين المسلمين، وروي عن ابن عباس شيء من الرخصة للمضطر إليه بطول العُزبة، ثم رجع عنه حيث بلغه النهي" (¬6). 7 - القاضي عياض (544 هـ) حيث قال: "اتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحًا إلى أجل. . . ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء، إلا الروافض، وكان ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- يقول بإباحتها، وروي عنه أنه رجع عنه" (¬7). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أنه متى وقع نكاح المتعة الآن حكم ببطلانه، سواء كان قبل الدخول، أو بعده" (¬8). ونقله عنه النووي (¬9)، وابن حجر (¬10). 8 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن نكاح المتعة باطل، لا خلاف بينهم في ذلك" (¬11). ¬
9 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وأما الإجماع: فإن الأمة بأسرهم امتنعوا عن العمل بالمتعة، مع ظهور الحاجة لهم إلى ذلك" (¬1). 10 - المرغيناني (593 هـ) حيث قال: "قلنا ثبت النسخ بإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وابن عباس -رضي اللَّه عنهما- صح رجوعه إلى قولهم فتقرر الإجماع" (¬2). 11 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "وأما نكاح المتعة: فإنه وإن تواترت الأخبار عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بتحريمه، إلا أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم. . . وأكثر الصحابة، وجميع فقهاء الأمصار على تحريمه" (¬3). 12 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "قال ابن العربي: وقد كان ابن عباس يقول بجوازها، ثم ثبت رجوعه عنها فانعقد الإجماع على تحريمها" (¬4). 13 - النووي (676 هـ) حيث قال: "قال المازري (¬5): ثبت أن نكاح المتعة كان جائزًا في أول الإسلام، ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة - المذكورة هنا - أنه نسخ، وانعقد الإجماع على تحريمه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المستبدعة" (¬6). 14 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن نكاح المتعة باطل، لا خلاف بينهم في ذلك. . .، وما ورد في إباحته منسوخ بإجماع العلماء قديمًا وحديثًا بأسرهم" (¬7). 15 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنه متى وقع الآن أبطل سواء ¬
كان قبل الدخول أم بعده" (¬1). وقال أيضًا: "قال الخطابي (¬2): تحريم المتعة كالإجماع، إلا عن بعض الشيعة، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المختلفات إلى علي وآل بيته، فقد صح عن علي أنها نسخت" (¬3). 16 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ادعى غير واحد من العلماء الإجماع على تحريم نكاح المتعة" (¬4). وقال أيضًا: "ثم أجمعت الصحابة على أن المتعة قد انتسخت في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬5). 17 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "قلنا: قد ثبت النسخ بإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، هذه عبارة المصنِّف (¬6) " (¬7). 18 - ابن نجيم (970 هـ)، حيث نقل إجماع الصحابة على تحريمها عن المرغيناني صاحب الهداية (¬8). 19 - الشعراني (973 هـ) فذكره بنحو ما قال قاضي صفد (¬9). 20 - ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: "وذكر في "الفتح" (¬10) أدلة تحريم نكاح المتعة، وأنه كان في حجة الوداع، وكان تحريم تأبيد لا خلاف فيه بين الأئمة وعلماء الأمصار" (¬11). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم نكاح المتعة، ¬
وافق عليه ابن حزم (¬1)، وهو قول أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وابن الزبير، وأبي هريرة، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، والثوري، والليث، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد، والطبري، وداود (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور على تحريم نكاح المتعة، وافق عليه ابن حزم، وهو قول أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وابن الزبير، وأبي هريرة، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، والثوري، والليث، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد، والطبري، وداود. • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25]. • وجه الدلالة: النكاح الذي بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي بولي وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك (¬3). 2 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} [المؤمنون: 5 - 7]. • وجه الدلالة: حرّم اللَّه سبحانه وتعالى الفروج إلا بنكاح صحيح أو ملك يمين، وليست المتعة نكاحًا صحيحًا، ولا ملك يمين، فوجب أن يكون فاعلها ملومًا، ويكون من العادين (¬4). 3 - عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (¬5). 4 - عن سبرة بن معبد الجهني (¬6) -رضي اللَّه عنه- قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن المتعة، ¬
وقال: "ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة، ومن كان أعطى شيئًا فلا يأخذه" (¬1). 5 - عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المتعة، قال: وإنما كانت لمن لم يجد، فلما نزل الطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت (¬2). 6 - وعنه -رضي اللَّه عنه- قال: نسخ صوم رمضان كل صوم، ونسخت الزكاة كل صدقة، ونسخ الطلاق والعدة والميراث المتعة، ونسخت الأضحية كل ذبح (¬3). 7 - وقال ابن مسعود: المتعة منسوخة؛ نسخها الطلاق، والعدة، والميراث (¬4). 8 - قيل لابن عمر: إن ابن عباس يرخص في متعة النساء، فقال: ما أظن ابن عباس يقول هذا. قالوا: بلى، واللَّه إنه ليقوله. قال: أما واللَّه ما كان ليقول هذا في زمن عمر، وإن كان عمر لينكل بكم عن مثل هذا، وما أعلمه إلا السفاح (¬5). 9 - قال ابن الزبير: المتعة هي الزنا الصريح (¬6). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب زفر من الحنفية إلى أن نكاح المتعة صحيح، ويبطل شرط التوقيت (¬7). وذكر المجد ابن تيمية (¬8) أنه يتخرج على قول الإمام أحمد: ¬
أنه يصح، ويلغو الشرط (¬1). • دليل هذا القول: أن النكاح قد ذكر هنا، وشرط فيه شرط فاسد، والنكاح لا تبطله الشروط الفاسدة، فيبطل الشرط، ويبقى النكاح صحيحًا (¬2). ثانيًا: ورد عن الإمام أحمد رواية بالصحة مع الكراهة (¬3). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24]. وفي قراءة ابن مسعود: {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن} (¬4). وهذه صفة المتعة (¬5). 2 - روي عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا أحرمهما وأنهى عنهما، متعة النساء، ومتعة الحج (¬6). • وجه الدلالة: أخبر أن المتعة كانت جائزة على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما نهى عمر عنها، ونهيه لا يؤثر فيما كان مباحًا في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7). ثالثًا: أنها مباحة لا حرمة فيها. ونقل ذلك عن أسماء بنت أبي بكر (¬8)، وأبي سعيد ¬
الخدري، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد اللَّه، وعبد اللَّه بن عباس، وعمرو بن حريث (¬1)، ومعاوية، وسلمة (¬2) ومعبد ابني أمية بن خلف. وعليه أكثر أصحاب عطاء وطاوس، وبه قال ابن أبي مليكة (¬3)، وابن جريج (¬4) (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]. • وجه الدلالة: الأمر بالنكاح على عمومه في المتعة المقدرة، والنكاح المؤبد (¬6). 2 - وقال تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24]. وفي قراءة ابن مسعود: {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن} (¬7). • وجه الدلالة: هذا نص في إباحتها، وقراءة ابن مسعود أبلغ في الإباحة (¬8). 3 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- وسلمة بن الأكوع -رضي اللَّه عنه- قالا: خرج منادي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أذن لكم أن تستمتعوا. يعني: متعة النساء (¬9). ¬
4 - عن عطاء قال: جاء جابر بن عبد اللَّه معتمرًا، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر وعمر (¬1). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: هذه نصوص قد تضافرت في إباحة نكاح المتعة (¬2). 5 - روي عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا أحرمهما وأنهى عنهما، متعة النساء، ومتعة الحج (¬3). • وجه الدلالة: أخبر عمر -رضي اللَّه عنه- عن إباحتها على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما ثبت إباحته بالشرع، لم يكن له تحريمه بالاجتهاد (¬4). ثالثًا: أن المتعة تباح عند الضرورة فقط، كما يحتاج المضطر لأكل الميتة والدم. وهذا مروي عن ابن عباس (¬5).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على تحريم نكاح المتعة؛ للخلاف الوارد عن السلف في ذلك. ثانيًا: لا يعني القول بعدم تحقق الإجماع أنها مباحة؛ لما يأتي: 1 - الاستدلال بقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] على إباحة المتعة، وأنه يدخل فيه النكاح المؤبد، والنكاح المؤقت، قول مردود، حيث إن المتعة غير داخلة في النكاح؛ لأن اسم النكاح يطلق على ما اختص بالدوام، وعلى سبيل التأبيد (¬6). 2 - يجاب عن الاستدلال بقراءة ابن مسعود على إباحة المتعة بما يأتي: الأول: أن عليًّا وابن مسعود رويا أنها نسخت بالطلاق والعدة والميراث (¬7). الثاني: أنها محمولة على الاستمتاع بهن في النكاح، وقول ابن مسعود: إلى أجل مسمى؛ يعني به المهر دون العقد (¬8). ¬
الثالث: قراءة ابن مسعود هذه شاذة؛ لا يحتج بها قرآنًا، ولا خبرًا، ولا يلزم العمل بها (¬1). 3 - ما ورد عن جابر وسلمة بن الأكوع، وغيرهما في إباحتها منسوخ بما ذكر من النصوص الدالة على التحريم، ولعله لم يبلغهم نهي عمر عنها (¬2). 4 - ما ورد عن جابر فهو معارض بمثله، فقد أخرج مسلم عنه أنه قال: فعلناها مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم نهانا عنها عمر، فلم نعد إليها (¬3). 5 - قد ورد في حديث سبرة الجهني تحريمها إلى يوم القيامة، وما حُرِّم إلى يوم القيامة فقد أمنَّا نسخه (¬4). 6 - ما ورد عن عمر -رضي اللَّه عنه- في النهي عنها، وافقه عليه أكابر الصحابة، وإنما كان إمامًا فاختص بالإعلان والتأديب، ولم يكن بالذي يقدم على التحريم بغير دليل، ولو فعل لما سكت عنه الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، ونهي عمر لم يكن عن اجتهاد، بل كان مستندًا إلى نهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنها (¬5). 7 - أما ما ورد عن ابن عباس في إباحتها، فقد قال له عروة بن الزبير: أهلكت نفسك، قال: وما هو يا عروة؟ ! قال: تفتي بإباحة المتعة، وكان أبو بكر وعمر ينهيان عنها، فقال: أعجبُ منك! أُخبر عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وتخبرني عن أبي بكر وعمر، فقال عروة: إنهما أعلم بالسنة منك، فسكت (¬6). 8 - ثبت النص الصريح الصحيح بتحريمها إلى يوم القيامة، مما يجعل الخلاف فيها مخالفًا للسنة. 9 - ما ورد عن ابن عباس بالقول بإباحتها، فقد ثبت عنه الرجوع (¬7). 10 - جميع من روى عن ابن عباس حلها، فلم تكن رواياتهم إلا معلولة، أو قاصرة عن الدلالة (¬8). ¬
[6 - 86] اشتراط الإمساك بالمعروف، أو التسريح بالإحسان
11 - أن في ثبوت ما نقل عن بعض الصحابة -رضي اللَّه عنهم- من الإباحة نظرًا (¬1). [6 - 86] اشتراط الإمساك بالمعروف، أو التسريح بالإحسان: الحياة الزوجية قائمة على المعاشرة بالمعروف بين الزوجين، فإذا شُرط في عقد النكاح أن على الزوج أن يمسك زوجته بمعروف أو يسرحها بإحسان، كان ذلك الشرط مما يجب الوفاء به، وإلا فللمرأة الفسخ، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه إن شرط أن لا يضارّها في نفسها ولا في مالها، أنه شرط صحيح، ولا يضر النكاح بشيء" (¬2). 2 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "الشروط في النكاح مختلفة؛ فمنها: ما يجب الوفاء به اتفاقًا، وهو ما أمر اللَّه به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" (¬3). 3 - العيني (855 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن على الزوج الوفاء بما يحتمل أن يكون ما شرط على الناكح مما أمر اللَّه تعالى به، من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب الوفاء بشرط الإمساك بالمعروف، أو التسريح بإحسان، وافق عليه المالكية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عن عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أحق الشروط أن يوفى به، ما استحللتم به الفروج" (¬7). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المسلمون على شروطهم، إلا شرطًا أحل حرامًا، أو حرَّم حلالًا" (¬8). ¬
[7 - 87] اشتراط المرأة طلاق أختها
• وجه الدلالة: تم عقد النكاح بين الزوجين بشرط الاحسان، فيجب الوفاء بذلك الشرط؛ لأنه مما استحل به الفرج، وهذا الشرط ليس بحرام، ولم يحل به حرام. 3 - أن مثل هذا الشرط يقتضيه العقد، فإن الأصل أن النكاح يقوم على الإحسان بالمعروف، أو التسريح بالإحسان عند عدم استقامة الحياة الزوجية (¬1).Rتحقق الإجماع على أنه إذا شرط الإمساك بالمعروف، أو التسريح بالإحسان لزم الوفاء به، وإلا فللمرأة حق فسخ النكاح؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [7 - 87] اشتراط المرأة طلاق أختها: إذا اشترطت المرأة طلاق امرأة زوجها السابقة، فإن هذا شرط لا يلزم الوفاء به، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "ومنها (¬2): ما لا يُوفَّي به اتفاقًا، كسؤال طلاق أختها" (¬3). 2 - الصنعاني (1182 هـ)، فذكره كما قال ابن حجر (¬4). 3 - الشوكاني (1250 هـ)، فذكره كما قال ابن حجر (¬5). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن حجر من الشافعية وغيره من الاتفاق على أن المرأة إذا اشترطت طلاق أختها، فإن هذا الشرط لا يلزم الوفاء به، وافق عليه الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة في رواية (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الاتفاق: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحل لامرأة تسأل ¬
[8 - 88] إذا شرط الزوج ألا يخرج زوجته من دارها أو بلدها، أو ألا يتزوج عليها
طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإنما لها ما قدر لها" (¬1). • وجه الدلالة: النهي يقتضي فساد المنهي عنه، وعلى هذا لا يلزم الزوج الوفاء بمثل هذا الشرط (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه، وعليها أكثر الحنابلة، إلى أن المرأة إذا اشترطت طلاق أختها، فإن هذا الشرط لازم، يجب الوفاء به (¬3). • دليل هذا القول: مثل هذا الشرط لا ينافي العقد، وللمرأة فيه مصلحة، فأشبه ما لو شرطت عليه ألا يتزوج عليها (¬4).Rعدم تحقق الاتفاق في أنه لا يجوز للمرأة أن تشرط طلاق ضرتها؛ لوجود خلاف في المذهب الحنبلي يرى لزوم هذا الشرط (¬5). [8 - 88] إذا شرط الزوج ألا يخرج زوجته من دارها أو بلدها، أو ألا يتزوج عليها: نقل الإجماع على أنه ليس للزوج أن يخرج زوجته من بلدها أو دارها، وليس له أن يتزوج عليها إذا شرط ذلك لها، فإن فعل فلها فسخ النكاح، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: ". . . مثل أن يشترط لها ألا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها، ولا يتسرى عليها، فهذه يلزمه الوفاء بها، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح، يروى هذا عن عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمرو بن العاص (¬6) -رضي اللَّه عنهم-، وبه قال شريح، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، وطاوس، والأوزاعي، وإسحاق، . . . ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولا نعلم لهم مخالفًا في عصرهم، فكان ¬
إجماعًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن قدامة (¬2) من إجماع الصحابة على أن الرجل إذا شرط لامرأته، ألّا يخرجها من دارها، أو لا يتزوج عليها، هو قول عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهم-، وبه قال شريح، وعمر بن عبد العزيز، وجابر ابن زيد، وطاوس، والأوزاعي، وإسحاق (¬3). • مستند الإجماع: 1 - عن عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أحق الشروط أن يوفى به، ما استحللتم به الفروج" (¬4). 2 - أن رجلًا تزوج امرأة وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها، فخاصموه إلى عمر، فقال: لها شرطها، فقال الرجل: إذا تطلقين، فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط (¬5). • الخلاف في المسألة: يرى الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، أن مثل هذه الشروط باطلة، ولا تؤثر في العقد. وقال به علي -رضي اللَّه عنه-، وعطاء، والشعبي، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وابن سيرين، وربيعة الرأي، وأبو الزناد (¬9)، وهشام بن عروة (¬10)، والليث، والثوري، . . . . . . . . . . . . . ¬
[9 - 89] إذا شرطت المرأة ألا يطأها زوجها
والزهري، وقتادة (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط" (¬2). • وجه الدلالة: مثل هذه الشروط ليست في كتاب اللَّه؛ لأن الشرع لا يقتضيه (¬3). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المسلمون على شروطهم، إلا شرطًا أحل حرامًا، أو حرَّم حلالًا" (¬4). • وجه الدلالة: مثل هذه الشروط تحرِّم الحلال الذي أباحه اللَّه؛ وهو التزويج، والتسري، والسفر (¬5). 3 - قال علي -رضي اللَّه عنه-: شرط اللَّه قبل شرطها. قال الترمذي: كأنه رأى للزوج أن يخرجها، وإن كانت اشترطت على زوجها أن لا يخرجها (¬6).Rعدم تحقق الإجماع الذي ذكره ابن قدامة عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في أنه إذا شُرط على الزوج ألا يخرج زوجته من دارها أو بلدها أنه يلزمه؛ وذلك لسببين: الأول: اضطراب الرواية عن عمر -رضي اللَّه عنه- في ذلك، فقد ورد عنه أنه ألزم به مرَّة، وأبطله مرة (¬7)، قال أبو عبيد: تضادت الروايات عن عمر في هذا (¬8). الثاني: ما ورد عن علي -رضي اللَّه عنه-، فقد رأى أن هذا الشرط لا يلزم (¬9). [9 - 89] إذا شرطت المرأة ألا يطأها زوجها: إذا شرطت المرأة على زوجها ألا يطأها، فلا يلزم الوفاء بهذا الشرط، ونقل ¬
الإجماع على أنه لا يجب الوفاء به جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "وقد اتفق على وجوب الوفاء بتعجيل المهر أو تأجيله، والضمين، والرهن به، وعلى عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء، والإنفاق، والخلو من المهر، ونحو ذلك" (¬1). 2 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "قال أبو عبيد: وقد أجمعوا على أنها لو اشترطت عليه ألا يطأها لم يجب الوفاء بذلك الشرط" (¬2). 3 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: قال أبو عبيد. . . فذكره (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذُكر من الإجماع على أن المرأة إذا اشترطت على زوجها ألا يطأها، أنه لا يلزم الوفاء بذلك الشرط وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، وابن حزم (¬6). وهو قول عطاء، والشعبي، وسعيد بن المسيب، والنخعي، والحسن، وابن سيرين، وربيعة، وأبي الزناد، والزهري، وقتادة، وهشام بن عروة، والليث، والثوري (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المسلمون على شروطهم، إلا شرطًا أحل حرامًا، أو حرَّم حلالًا" (¬8). • وجه الدلالة: مثل هذه الشروط تحرِّم الحلال الذي أباحه اللَّه؛ وهو التزوُّج، والتسري، وغير ذلك (¬9). 2 - شرع النكاح لأجل أن يعف المرء نفسه، ولا يكون ذلك إلا بنكاح فيه وطء، فإذا شرطت المرأة ألا يطأها زوجها، خالفت بذلك ما شرع من أجله النكاح.Rتحقق الإجماع في أن المرأة إذا شرطت ألا يطأها زوجها، أن هذا الشرط باطل لا يجب الوفاء به؛ لمخالفته ما شُرع النكاح لأجله من العفة والإحصان، ولعدم وجود مخالف في المسألة أيضًا. ¬
[10 - 90] ثبوت خيار الفسخ للأمة إذا عتقت تحت عبد
[10 - 90] ثبوت خيار الفسخ للأمة إذا عتقت تحت عبد: إذا عتقت الأمة، وكان زوجها عبدًا، فإنها بالخيار عندئذٍ في فسخ النكاح أو إمضائه، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الأمة إذا عتقت، وهي تحت العبد أن لها الخيار" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من كان عبدًا، وله زوجة أمة فأعتقت، فلها الخيار في فراقه، أو البقاء معه ما لم يطأها" (¬3). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "فأما المجتمع عليه الذي لا خلاف بين العلماء فيه، فهو أن الأمة إذا أعتقت تحت عبد قد كانت زوجت منه، فإن لها الخيار في البقاء معه أو مفارقته، فإن اختارت المقام في عصمته لزمها ذلك، ولم يكن لها فراقه بعد، وإن اختارت مفارقته فذلك لها، هذا ما لا خلاف علمته فيه" (¬4). وذكره في الاستذكار (¬5)، ونقله عنه ابن قاسم (¬6). 4 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين أهل العلم أن الأمة إذا عتقت، وهي تحت عبدٍ، أن لها الخيار في المقام تحته، وبين الخروج عن نكاحه" (¬7). 5 - العمراني (558 هـ) حيث قال: "وإن أعتقت الأمة، وزوجها عبد، ثبت لها خيار فسخ النكاح، وهو إجماع لا خلاف فيه" (¬8). 6 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الأمة إذا عتقت تحت عبد أن لها الخيار" (¬9). ونقله عنه ابن قاسم (¬10). 7 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإذا عتقت الأمة، وزوجها عبد، فلها الخيار في فسخ النكاح، أجمع أهل العلم على هذا، ذكره ابن المنذر، وابن عبد البر، ¬
وغيرهما" (¬1). 8 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "واتفق الفقهاء على تخيير الأمة إذا أعتقت، وزوجها عبد" (¬2). 9 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء أن الأمة إذا عتقت تحت عبد فإن لها الخيار" (¬3). 10 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "دل الحديث على ثبوت الخيار للمعتقة بعد عتقها في زوجها إذا كان عبدًا، وهو إجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على ثبوت خيار الفسخ للأمَة إذا عتقت تحت عبد، وافق عليه الحنفية (¬5). وهو قول عطاء، وابن سيرين، والشعبي، وحمَّاد بن أبي سليمان، ومجاهد، والنخعي، والثوري، وأبي ثور (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للعباس: "يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا؟ " فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو راجعتيه؟ "، فقالت: يا رسول اللَّه، تأمرني؟ قال: "إنما أنا شافع"، قالت: لا حاجة لي فيه (¬7). • وجه الدلالة: أن بريرة أصبحت بعد عتقها حرة، وقد انفسخ النكاح باختيارها فراق زوجها، وشفع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ترجع إليه بعد أن اختارت، ولم يكن ليشفع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أن ترجع إلى زوجها، إلا وحق الفسخ ثابت لها (¬8). 2 - أن المرأة إذا تزوجت حرًّا فبان عبدًا، ولم تكن علمت به، ثبت لها الخيار في الفسخ، فإذا ثبت لها الخيار في ابتداء النكاح، ثبت لها في استدامته (¬9). ¬
[11 - 91] يبطل حق المعتقة في الخيار بالوطء
Rتحقق الإجماع على ثبوت خيار الفسخ للأمَة إذا عتقت تحت عبد؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [11 - 91] يبطل حق المعتقة في الخيار بالوطء: إذا مكنت المعتقة زوجها العبد من نفسها بعد العتق، فإن ذلك يعتبر إسقاطًا لحقها في فسخ النكاح، ونقل الاتفاق على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من كان عبدًا، وله زوجة أمة فأعتقت، فلها الخيار في فراقه، أو البقاء معه ما لم يطأها" (¬1). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "لا أعلم مخالفًا لعبد اللَّه، وحفصة (¬2) ابني عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنهم- في أن الخيار لها ما لم يمسها" (¬3). ونقله عنه ابن قدامة (¬4). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "روي ذلك عن عبد اللَّه بن عمر، وأخته حفصة، . . . ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولا مخالف لهم في عصرهم" (¬5). ونقله عنه ابن قاسم (¬6). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على أن حق المعتقة في الخيار يبطل بالوطء وافق عليه الحنفية (¬7)، والشافعية (¬8)، وهو قول أم المؤمنين حفصة، وابن عمر، وسليمان بن يسار، وأبي قلابة (¬9)، ونافع، والزهري، . . . . ¬
وقتادة (¬1). • مستند الاتفاق: أن تمكين المرأة زوجها من نفسها بعد العتق دليل رضاها بالنكاح، والمقام مع الزوج (¬2).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أن حق المعتقة في الخيار يبطل بالوطء؛ وذلك لعدم وجود مخالف. * * * ¬
الفصل السادس: مسائل الإجماع في العيوب في النكاح
الفصل السادس: مسائل الإجماع في العيوب في النكاح [1 - 92] تأجيل العِنين الذي لا يمكنه الوطء سنة كاملة: العُنَّة (¬1) من العيوب التي تختص بالرجال، فإذا ثبت أن الرجل به هذا العيب فإنه يؤجل سنة قبل أن يفسخ نكاحه، فإن وطئ خلالها بقي على نكاحه، وإلا فرق بينه وبين امرأته إذا طلبت ذلك، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "ولم أحفظ عن مفتٍ لقيته خلافًا في أن تؤجل امرأة العنين سنة، فإن أصابها، وإلا خيرت في المقام معه أو فراقه" (¬2). ونقله عنه المزني (¬3) (¬4)، والماوردي (¬5). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "والعنة عيب يثبت به للزوجة خيار الفسخ، وهو إجماع الصحابة، وهو قول جميع الفقهاء" (¬6). وقال أيضًا: ". . . ولأنه إجماع الصحابة؛ حكي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، والمغيرة، وابن عمر، وجابر: أنه يؤجل، فإن أصابها، وإلا فرق بينهما، وليس يعرف لهم في الصحابة مخالف" (¬7). 3 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "فأما العنين. . . فلزوجته الخيار بين أن تقيم معه أو تفارقه، وذلك بأن يضرب له الأجل. . . لأن ذلك إجماع الصحابة، ¬
روي عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وغيرهم -رضي اللَّه عنهم-، ولا مخالف لهم" (¬1). 4 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "اتفق العلماء -أئمة الفتوى بالأمصار- على تأجيل العنين سنة، إذا كان حرًّا" (¬2). وقال أيضًا: "ولا أعلم بين الصحابة خلافًا في أن العنين يؤجل سنة من يوم يرفع إلى السلطان" (¬3). 5 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن المرأة إذا أصابت زوجها عنينًا فإنه يؤجل سنة" (¬4). 6 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولنا إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، فإنه روي عن عمر -رضي اللَّه عنه-: أنه قضى في العنين أنه يؤجل سنة، وروي عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- مثله، وروي عن علي -رضي اللَّه عنه-، . . . وكان قضاؤهم بمحضر من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد منهم، فيكون إجماعًا" (¬5). 7 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن علمت أنه عنين بعد الدخول، فسكتت عن المطالبة، ثم طالبت بعد، فلها ذلك، ويؤجل سنة من يوم ترافعه، لا نعلم في ذلك اختلافًا" (¬6). وقال أيضًا: ". . . ولنا ما روي أن عمر -رضي اللَّه عنه- أجل العنين سنة، وروى ذلك الدارقطني بإسناده عن عمر، وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة، ولا مخالف لهم" (¬7). 8 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "وإذا ثبتت عنة الزوج ضرب القاضي له سنة، كما فعله عمر -رضي اللَّه عنه-. . . أجمع المسلمون على اتباع قضاء عمر -رضي اللَّه عنه-" (¬8). 9 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "روي عن عمر، وعثمان، وابن مسعود، والمغيرة، ولا مخالف لهم، وعليه فتوى فقهاء الأمصار" (¬9). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من أن العنين يؤجل سنة كاملة إذا طلبت امرأته ذلك، هو قول عمر، وعلي، وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنهم-، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وعمرو بن دينار، والنخعي، وقتادة، وحمَّاد بن أبي سليمان، ¬
والأوزاعي، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور (¬1). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: لما كان الوطء حقًّا له عليها، وجب أن يكون حقًّا لها عليه أيضًا (¬2). 2 - روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قضى في العنين أنه يؤجل سنة، فإن قدر عليها، وإلا أخذت منه الصداق كاملًا، وفرق بينهما، وعليها العدة (¬3). 3 - وروي عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- مثله (¬4). 4 - وروي عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه قال: يؤجل سنة، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما (¬5). • وجه الدلالة: دلت هذه الآثار على أن العنين يؤجل سنة لقضاء الصحابة -رضي اللَّه عنهم- بذلك (¬6). 5 - يؤجل العنين سنة حتى تأتي عليه الفصول الأربعة لما يعرض له من حرارة، أو برودة، أو رطوبة، أو يبوسة، فيزول ما به من الحرارة في الشتاء، وما كان من البرودة يزول في الصيف، وما كان من الرطوبة يزول في الخريف، وما كان من اليبوسة يزول في الربيع (¬7). • الخلاف فى المسألة: أولًا: ذهب بعض الحنابلة، واختاره المجد ابن تيمية (¬8)، أن لا تأجيل عليه، بل للزوجة الفسخ حال طلبها. وهو قول عثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان، وسمرة بن جندب -رضي اللَّه عنهم- (¬9). ¬
ثانيًا: أنه يؤجل عشرة أشهر، وهو قول الحارث بن عبد اللَّه (¬1) (¬2)، وعبد اللَّه بن نوفل (¬3) (¬4). ثالثًا: إن كانت المرأة حديثة العهد معه أجل سنة، وإن كانت قديمة العهد أجل خمسة أشهر. وهو قول سعيد بن المسيب (¬5). رابعًا: أن تلك مصيبة حلَّت بالمرأة، فلا تأجيل عليه، ولا يحل لها الفسخ، وهو قول مجاهد، وابن علية، والحكم بن عتيبة، وداود، وابن حزم (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - أن امرأة رفاعة لما تزوجت عبد الرحمن بن الزبير، أتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إن زوجي أبتَّ طلاقي، وقد تزوجتُ عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" (¬7). • وجه الدلالة: أن تلك المرأة ادَّعت العنة على زوجها، ولم يثبت لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الخيار (¬8). ¬
[2 - 93] التفريق بين العنين وامرأته بعد السنة لا يكون إلا بطلبها
2 - جاءت امرأة إلى علي -رضي اللَّه عنه- فقالت: هل لك في امرأة لا أيم، ولا ذات زوج؟ فقال: وأين زوجك؟ قال: فجاء شيخ قد اجتنح (¬1)، فقال: ما تقول هذه؟ فقال: صدقت، ولكن سلها: هل تنعم في مطعم أو ملبس؟ فسألها، فقالت: لا، فقال: هل غير ذلك؟ قالت: لا، قال: ولا من السحر؟ قالت: ولا من السحر. قال علي: هلكْت وأهلكْت، فقالت المرأة: فرق بيني وبينه، فقال علي: بل اصبري، فإن اللَّه تعالى لو أراد، ولو شاء أن يبتليك بأشد من هذا فعل (¬2).Rعدم تحقق الإجماع على أن العنين يؤجل سنة، وذلك لما يأتي: 1 - وجود خلاف قديم عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، بأن لا تأجيل عليه، بل للمرأة الفسخ حال طلبها، وهو قول لبعض الحنابلة اختاره المجد ابن تيمية. 2 - من قال أنه يؤجل عشرة أشهر. 3 - من قال يؤجل خمسة أشهر للمرأة إن كانت قديمة العهد، وسنة إن كانت حديثة العهد. 4 - من قال أن تلك مصيبة حلَّت بالمرأة يجب أن تصبر، ولا تأجيل على الزوج. [2 - 93] التفريق بين العنين وامرأته بعد السنة لا يكون إلا بطلبها: إذا ثبتت عنة الرجل، فلامرأته أن ترفع أمره إلى القاضي، فإن رفعت أمره، أمهل سنة، ثم لا يفرق بينهما بعد السنة إلا بطلب المرأة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وقد أجمعوا أنه لا يفرق بين ¬
[3 - 94] ما تبطل به عنة الرجل
العنين وامرأته بعد تمام السنة، إلا أن تطلب ذلك وتختاره" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر من المالكية من الإجماع على أن التفريق بين العنين وامرأته بعد السنة لا يكون إلا بطلب منها -وافق عليه الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: الوطء في النكاح حق لكل من الزوجين على الآخر، فإذا لم يصل الزوج إلى امرأته بسبب العنة؛ فلها حق الفسخ, وهذا الحق لها، فلا يكون إلا بطلبها (¬5). • الخلاف في المسألة: يرى ابن علية، والحكم بن عتيبة، وداود، وابن حزم: أنه لا يؤجل ولا خيار لها في ذلك، بل هي امرأته لا تنتزع منه (¬6). فإن أصحاب هذا القول لا يرون التفريق، سواء كان بطلبها، أم لم يكن.Rعدم ثبوت الإجماع على أنه لا يفرق بين العنين وزوجته بعد تأجيله إلا بطلبها، لخلاف الحكم، وداود، وابن حزم. [3 - 94] ما تبطل به عنة الرجل: إذا كان الرجل عنينًا لا يستطيع أن يأتي امرأته، ثم قدر عليها فجامعها، ولو مرة واحدة، فتبطل عندئذٍ عنته، ويسقط حق المرأة في الفسخ، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "واتفق العلماء على أن العنين إذا وطئ امرأته مرة واحدة، لم يكن لها أن ترفعه إلى السلطان، ولا تطالبه بعد ذلك بما نزل به من عيب العنة" (¬7). ¬
• الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن عبد البر من الاتفاق على أن عُنَّة الرجل تبطل بوطئه امرأته، ولو مرة واحدة، وافق عليه الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). وهو قول عطاء، وطاوس، وعمرو بن دينار، وقتادة، والحسن، ويحيى الأنصاري (¬4)، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي عبيد، والثوري (¬5). • مستند الاتفاق: أن امرأة رفاعة لما تزوجت عبد الرحمن بن الزبير، أتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إن زوجي أبتَّ طلاقي، وقد تزوجتُ عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" (¬6). وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث أن امرأة رفاعة قالت: يا رسول اللَّه؛ لم يقربني إلا هنة واحدة (¬7). أي: مرة واحدة (¬8). • وجه الدلالة: نص هذا الحديث أن عبد الرحمن بن الزبير لم يقرب امرأته إلا مرة واحدة، فلم يفرق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما، وهذا نص في الجواب (¬9). • الخلاف في المسألة: ذهب أبو ثور إلى أن العنين إذا وطئ امرأته مرة واحدة، ثم عجز عن الوطء، أنه يؤجل سنة، لوجود العلة (¬10). • دليل هذا القول: أن الرجل إذا عجز عن وطء امرأته، أُجل بسبب هذا العجز، ¬
[4 - 95] لا خيار لزوجة العنين إذا ذهبت العنة
فيثبت لها الحق، كما لو قُطِع ذَكَره (¬1).Rعدم صحة الاتفاق في أن عُنَّة الرجل تزول بوطئه لامرأته ولو مرة واحدة، ومن ثم لا حقَّ للمرأة في الفسخ، لخلاف أبي ثور في المسألة؛ القائل بوجوب تأجيله سنة. [4 - 95] لا خيار لزوجة العنين إذا ذهبت العنة: إذا ذهبت عُنَّة الرجل، واستطاع أن يصيب امرأته، قبل انتهاء المدة المضروبة له، فيسقط حق المرأة في الخيار، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وقد أجمع الفقهاء على أن لا خيار لزوجة العنين إذا ذهبت العنة قبل أن يقضى لها بفراقه، وكذلك سائر العيوب؛ زوالها ينفي الخيار" (¬2)، وذكره في التمهيد (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر من الإجماع على أن عُنَّة الرجل تبطل بوطئه امرأته، وافق عليه الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: 1 - ورد في بعض طرق حديث رفاعة، أن امرأة رفاعة قالت: يا رسول اللَّه؛ لم يقربني إلا هنة واحدة (¬8). أي: مرة واحدة. • وجه الدلالة: أن عبد الرحمن بن الزبير لم يقرب زوجته إلا مرّة واحدة، وجاءت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تطلب الفسخ، فلم يجبها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما جاءت من أجله، فدل على أنه لا خيار لزوجة العنين إذا أصابها، ولو مرة واحدة. 2 - العنة من العيوب التي تمنع المرأة من استيفاء حقها في الوطء، فلها الفسخ عند وجودها، فإذا زالت العنة، فقد زال السبب الذي يدعو للفسخ، وتتمكن المرأة عندئذٍ من الحصول على حقها في الوطء. • الخلاف في المسألة: ذهب أبو ثور إلى أن العنين إذا وطئ امرأته مرة واحدة، ثم ¬
[5 - 96] حق المرأة في الخيار إذا علمت أن زوجها مجبوب الذكر
عجز عن الوطء، أنه يؤجل سنة، لوجود العلة، ومن ثم فلها الخيار (¬1). • دليل هذا القول: أن الرجل إذا عجز عن وطء امرأته، أُجل بسبب هذا العجز، فيثبت لها الحق، كما لو قُطِع ذَكَره (¬2).Rعدم تحقق الإجماع على أن عُنَّة الرجل تزول بوطئه لامرأته ولو مرة واحدة، ومن ثم لا حقَّ للمرأة في الفسخ، لخلاف أبي ثور في المسألة؛ القائل بوجوب تأجيله سنة ولها الخيار بعد ذلك. [5 - 96] حق المرأة في الخيار إذا علمت أن زوجها مجبوب الذكر: إذا جُب (¬3) ذكر الزوج فهو عيب يثبت به حق المرأة في خيار الفسخ، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المجبوب إذا نكح امرأة، ولم تعلم، ثم علمت، أن لها الخيار" (¬4). 2 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "وحكى الماوردي إجماع الصحابة على ثبوت الخيار بالجب والعنة" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الشافعية من الإجماع على أن للمرأة حق خيار الفسخ إذا علمت أن زوجها مجبوب الذكر وافق عليه الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، ¬
[6 - 97] العرج، والعمى، والقرع، عيوب لا يثبت بها خيار
والحنابلة (¬1). وهو قول أبي ثور (¬2). • مستند الإجماع: أن المجبوب ميؤوس من جماعه، فكان للمرأة حق الفسخ؛ لأنه لا حاجة في الانتظار والتأجيل (¬3). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى أنه ليس لأي من الزوجين فسخ النكاح بأي عيب كان، سواء كان العيب في الرجل أو في المرأة (¬4). وهو قول مجاهد، وابن علية، والحكم بن عتيبة، وداود (¬5). • أدلة هذا القول: سبق ذكرها في المسألة الأولى من هذا الفصل.Rعدم تحقق الإجماع على أن المرأة إذا علمت أن زوجها مجبوب الذكر أن لها حق الخيار؛ لخلاف الظاهرية، ومن معهم من السلف، في أن النكاح لا يفسخ بأي عيب يحدث بين أيٍّ من الزوجين. [6 - 97] العرج، والعمى، والقرع، عيوب لا يثبت بها خيار: إذا كان أحد الزوجين أعرج، أو أعمى، أو أقرع، فلا يثبت للآخر خيار، ولا يفسخ النكاح بمثل هذه العيوب، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وما عدا هذه فلا يثبت الخيار وجهًا واحدًا، كالقرع، والعمى، والعرج، وقطع اليدين والرجلين، . . . ولا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافًا" (¬6). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في أن من وجد من الزوجين بالآخر عيبًا كالعرج، والعمى، والقرع؛ فلا خيار له - وافق عليه الحنفية (¬7)، والشافعية (¬8)، وابن حزم (¬9). ¬
• مستند نفي الخلاف: 1 - أن هذه العيوب لا تمنع الاستمتاع، ولا استيفاء المقصود بالعقد (¬1). 2 - أن هذه العيوب لا يمكن إخفاؤها عادة؛ لأنها أمر ظاهر بالشخص، يستطيع رؤيتها عند الخطبة. • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية أنه إذا اشتُرِطت السلامة من هذه العيوب فإن للآخر من الزوجين حق الفسخ (¬2). وهو قول شريح، والزهري (¬3)، واختيار ابن تيمية، وابن القيم (¬4). • دليل هذا القول: أن عقد النكاح يتم على أساس السلامة من العيوب، فإذا انتفت السلامة، ثبت حق الخيار (¬5). قال ابن القيم: "وأما الاقتصار على عيبين، أو ستة، أو سبعة، أو ثمانية، دون ما هو أولى منها، أو مساوٍ لها، فلا وجه له، فالعمى، والخرس، والطرش، وكونها مقطوعة اليدين، أو الرجلين، أو كون الرجل كذلك، من أعظم المنفرات، والسكوت عنه من أقبح التدليس، والغش، وهو منافٍ للدين، والإطلاق إنما ينصرف إلى السلامة، فهو كالمشروط عرفًا، . . . ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره، وموارده، وعدله، وحكمته، وما اشتمل عليه من المصالح، لم يخفَ عليه رجحان هذا القول، وقربه من قواعد الشريعة" (¬6).Rعدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن من وجد من الزوجين بالآخر عيبًا كالعرج، والعمى، والقرع؛ فلا خيار له؛ لخلاف المالكية، واختيار ابن تيمية، وابن القيم ومن سبقهم من السلف، بوجوب الخيار في هذه الحالة إذا شُرطت السلامة من هذه العيوب. ¬
[7 - 98] لا يرد النكاح بالعيوب الصغيرة
[7 - 98] لا يرد النكاح بالعيوب الصغيرة: العيوب التي يرد بها النكاح، اختلف فقهاء المذاهب في تحديدها (¬1)، إلا العيوب الصغيرة غير المؤثره فإن الإجماع نُقل على أن النكاح لا يرد بالعيوب الصغيرة. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أجمعوا على أن النكاح لا ترد فيه المرأة بعيب صغير، خلاف البيوع" (¬2). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "ليس شبيهًا بالبيع لاجتماع المسلمين على أنه لا يرد النكاح بكل عيب، ويرد به البيع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء المالكية من الإجماع على أن النكاح لا يرد بالعيوب الصغيرة وافق عليه الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). ¬
[8 - 99] الرتق عيب ترد به الزوجة
• مستند الإجماع: 1 - أن النكاح ليس كالبيوع، فإن البيع يرد بكل عيب، صغيرًا كان أو كبيرًا، بخلاف النكاح، فلا يرد بالعيوب الصغيرة (¬1). 2 - أن العيوب الصغيرة غير مؤثرة في الاستمتاع، فلا تخل بالعقد، فلا يثبت فيها خيار الفسخ (¬2).Rتحقق الإجماع على أن النكاح لا يرد بالعيوب الصغيرة؛ وذلك لعدم وجود مخالف؛ ولأن من يرى أن النكاح لا يرد بالعيوب الكبيرة من باب أولى ألا يرد بالعيوب الصغيرة. [8 - 99] الرَّتْق عيب ترد به الزوجة: إذا كان بالمرأة عيب الرَّتْق (¬3)، فهو عيب يرد به نكاحها، ونفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "لم يختلف الفقهاء فى الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها: أنه عيب ترد منه، إلا شيئًا عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي، أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها، والفقهاء كلهم على خلاف ذلك؛ لأن المسيس هو المبتغى في النكاح" (¬4). ونقله عنه القرطبي (¬5). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن عبد البر من المالكية من أنه لا خلاف أن الرتق عيب ترد به الزوجة، وافق عليه الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند نفي الخلاف: أن هذا العيب مؤثر في المعنى المقصود من النكاح، ويمنع الالتذاذ، واستيفاء الاستمتاع (¬8). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية إلى القول بأنه ليس للرجل أن يرد المرأة بأي عيب، وإن فحش، إلا أن له الحق إن شاء طلق، وإن شاء أمسك (¬9). ¬
[9 - 100] العقم ليس عيبا يرد به النكاح
• أدلة هذا القول: 1 - عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: "أيما رجل تزوج امرأة مجنونة، أو جذماء، أو بها برص، أو بها قرن، فهي امرأته، إن شاء أمسك، وإن شاء طلق" (¬1). 2 - أن الزوج إذا وجد بزوجته عيبًا، تمكن من إزالة الضرر عن نفسه، ويتحصل مقصوده من جهة غيرها، إما بطلاقها، أو نكاح امرأة أخرى (¬2). ثانيًا: ذهب ابن حزم الظاهري إلى القول بأن النكاح لا يرد بعيب، فلا ترد المرأة بعيب الرتق بعد صحة عقد النكاح (¬3). • أدلة هذا القول: سبق ذكرها في المسألة الأولى من هذا الفصل.Rعدم صحة ما ذكر من نفي الخلاف أن المرأة إن كانت رتقاء، أن ذلك عيب يرد به النكاح؛ لخلاف الحنفية بعدم رد النكاح، إن كان العيب من جهة المرأة، وخلاف الظاهرية أن النكاح لا يرد بعيب سواء كان من قبل الزوج أو الزوجة. [9 - 100] العقم ليس عيبًا يرد به النكاح: إذا كان أحد الزوجين عقيمًا، فإن هذا ليس من العيوب التي يرد بها النكاح، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وفي إجماعهم أيضًا على أن العقيم التي لا تلد لا ترد" (¬4). ونقله عنه القرطبي (¬5). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وما عدا هذه فلا يثبت الخيار وجهًا واحدًا، كالقرع، والعمى، والعرج، وقطع اليدين والرجلين، . . . ولا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافًا، إلا أن الحسن قال: إذا وجد الآخر عقيمًا يخير" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر من المالكية، وابن قدامة من الحنابلة، من الإجماع على أن العقم ليس من العيوب التي يرد بها النكاح، وافق عليه الحنفية (¬7)، . . . . . . . . . ¬
والشافعية (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: 1 - أن هذا العيب لا يمنع الاستمتاع، ولا يخشى تعديه، سواء كان من قبل الرجل أو المرأة (¬3). 2 - أن الزوج إذا وجد بزوجته هذا العيب، تمكن من إزالة الضرر عن نفسه، ويتحصل مقصوده من جهة غيرها، إما بطلاقها، أو نكاح امرأة أخرى (¬4). 3 - لو ثبت التفريق بسبب العقم، لثبت في المرأة الآيسة (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه (¬6)، وهي اختيار ابن تيمية، وابن القيم (¬7)، أن العقم عيب يثبت به الخيار لكل من الزوجين، وهو قول الحسن البصري، وإسحاق (¬8). • أدلة هذا القول: 1 - عن معقل بن يسار -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: "لا"، ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" (¬9). 2 - جاء رجل عقيم إلى عمر بن الخطاب، فأخبره أنه تزوج امرأة، فقال: أخبرتها أنك عقيم لا يولد لك؟ قال: لا. قال: فأخبرها، وخيرها (¬10). 3 - من الأسس التي يقوم عليها النكاح تحصيلُ الولد، ولا يتصور ذلك من عقيم، ولذلك قال الإمام أحمد: عسى امرأته تريد الولد (¬11). ¬
[10 - 101] تزويج البنت الكبيرة بمعيب بغير رضاها
Rعدم تحقق الإجماع على أن العقم ليس عيبًا يرد به النكاح؛ لخلاف الإمام أحمد في رواية عنه، وهي اختيار ابن تيمية، وابن القيم، وهو قول الحسن البصري، وإسحاق، أن هذا عيب يثبت به حق الخيار لكل من الزوجين. [10 - 101] تزويج البنت الكبيرة بمعيب بغير رضاها: يمنع الولي من أن يزوج ابنته برجل فيه عيب يرد به النكاح، ونُفي الخلاف بين أهل العلم في هذه المسألة. • من نفى الخلاف: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وليس له تزويج كبيرة بمعيب بغير رضاها، بغير خلاف نعلمه" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). 2 - ابن أبي عمر (682 هـ)، فذكره كما قال ابن قدامة (¬3). 3 - ابن مفلح (884 هـ)، فذكره كما قال ابن قدامة (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء الحنابلة من أنه ليس لولي المرأة الكبيرة تزويجها بمعيب بغير رضاها وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7). • مستند نفي الخلاف: أن البنت الكبيرة تملك الفسخ إذا علمت بالعيب بعد العقد، فالامتناع عن القبول بمعيب أولى (¬8).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أنه ليس للولي أن يزوج ابنته الكبيرة بمعيب بغير رضاها. [11 - 102] علم أحد الزوجين بعيب الآخر، يسقط حقه في الخيار: إذا كان بأحد الزوجين عيب، فإن علم به أحدهما قبل العقد، أو بعده، أو قبل ¬
[12 - 103] نكاح العبد الحرة على أنه حر
الدخول، فله الفسخ، وإن علم به بعد الدخول، ثم ظهر منه ما يدل على الرضا بذلك العيب، سواء بقول أو فعل فقد سقط حقه في الخيار، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن الزوج إذا علم بالعيب قبل الدخول، طلق ولا شيء عليه" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ومن شرط ثبوت الخيار بهذه العيوب، أن لا يكون عالمًا بها وقت العقد، ولا يرضى بها بعده، فإن علم بها وقت العقد، أو بعده فرضي، فلا خيار له، لا نعلم فيه خلافًا" (¬2). وقال أيضًا: "متى رضيت به عنينًا، بطل خيارها، سواء قالته عقيب العقد، أو بعد ضرب المدة، أو بعد انقضائها، ولا نعلم في بطلان خيارها بقولها ذلك، بعد انقضاء المدة خلافًا" (¬3). 3 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وإن كان أحد الزوجين عالمًا بالعيب في الآخر، وقت العقد أو بعده، وقال: رضيت به، فلا خيار له، بغير خلاف نعلمه" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن رشد من المالكية، وابن قدامة، وابن قاسم من الحنابلة، من الاتفاق على أن أحد الزوجين إذا علم بعيب الآخر، وظهر منه ما يدل على الرضا، فقد سقط حقه في الخيار وافق عليه الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الاتفاق: أن رضى أحد الزوجين بالعيب، إسقاط لحقه في الخيار، ومن أسقط حقه، فقد سقط، كالمشتري يجد بالمبيع عيبًا فيرضى به (¬7).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أن أحد الزوجين إذا علم بعيب الآخر، سواء قبل الدخول أو بعده، وظهر منه ما يدل على الرضا، فقد سقط حقه في الخيار. [12 - 103] نكاح العبد الحرة على أنه حر: أباح اللَّه سبحانه وتعالى النكاح لسائر الناس، أحرارًا كانوا أم عبيدًا، ويباح للعبد أن يتزوج الحرة إذا رضيت هي وأولياؤها، وقد يتزوج العبد حرةً فيغرُّها؛ ويقول إنه حر، ثم ¬
يتبين لها بعد أنه عبد، فلها الخيار عندئذٍ، ولها المهر، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الحرة التي غرَّها العبد المأذون له في النكاح، أن لها الخيار إذا علمت" (¬1). 2 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وإذا غرَّ المرأة، وذكر أنه حر، ودخل بها، ثم تبين أنه عبد، وجب لها المهر، بلا نزاع" (¬2). 3 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وإن تزوجت رجلًا على أنه حر، أو تظنه حرًّا، فبان عبدًا، فلها الخيار، بلا نزاع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية، وابن تيمية والمرداوي من الحنابلة، من الإجماع على أن العبد إذا نكح حرةً على أنه حر، ثم بان لها أنه عبد، فلها الخيار من حين تعلم، ولها المهر، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5). وهو قول عطاء، وعمرو بن دينار، والشعبي، والحسن البصري، والزهري، وأبي ثور (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أن النكاح يعتمد على الصفات والأسماء، كما يعتمد البيع على المشاهدة، فمن تزوج امرأة على أنه صفته الحرية، ثم بان عبدًا، فلها الخيار (¬7). 2 - أن العبد لا يكافئ الحرة، فكان للمرأة حق الخيار لدفع العار عنها بزواجها من عبد (¬8). 3 - أن المهر يجب بالمسيس، وقد وقع، فيكون لها المهر، ولها الخيار في مفارقته (¬9). 4 - أن الرجل إذا كتم نسبه، ثم ظهر أن نسبه أقل مما أظهر، كان للمرأة الخيار، فإذا أظهر الحرية، وتبين الرق، فثبوت الخيار أولى (¬10). ¬
[13 - 104] فرقة الخيار فسخ وليست بطلاق
Rتحقق الإجماع على أن العبد إذا نكح حرةً على أنه حر، ثم بان لها أنه عبد، فلها الخيار من حين تعلم، ولها المهر؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [13 - 104] فرقة الخيار فسخ وليست بطلاق: إذا فارق أحد الزوجين صاحبه بسبب عيب موجب للخيار، فهذا الفراق فسخ لا ينقص به عدد الطلاق، ونُفِيَ الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وفرقة الخيار فسخ، لا ينقص به عدد الطلاق، نص عليه أحمد، ولا أعلم فيه خلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أن فرقة الخيار فسخ، وليست طلاقًا، وافق عليه الشافعية (¬2)، وابن حزم (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن الطلاق ما يتلفظ به الرجل، وهو هنا لم يتلفظ به، فلا تكون الفرقة طلاقًا (¬4). 2 - أن العيب لو كان في الرجل، ثم فارقته المرأة بسبب العُنَّة -مثلًا- كان هذا فسخًا، وليس بطلاق، فكذلك الرجل (¬5). • الخلاف في المسألة: يرى الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7) أن فرقة الخيار طلاق، وليست فسخًا. • أدلة هذا القول: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: تزوج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- امرأة من بني غفار، فلما دخلت عليه، ووضعت ثيابها، رأى بكشحها (¬8) بياضًا، فقال لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البسي ثيابك، والحقي بأهلك" (¬9). ¬
• وجه الدلالة: رد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المرأة بالطلاق لما وجد بها عيبًا، فقال لها: "الحقي بأهلك"، وهذا من كنايات الطلاق (¬1). 2 - أن العقد وقع صحيحًا، فلا يرفع حكمه إلا الطلاق (¬2).Rعدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف أن فرقة الخيار فسخ، وليست طلاقًا؛ لخلاف الحنفية، والمالكية، بأنها طلاق، وليست فسخًا. * * * ¬
الفصل السابع: مسائل الإجماع في أنكحة الكفار
الفصل السابع: مسائل الإجماع في أنكحة الكفار [1 - 105] حكم أنكحة الكفار: أنكحة الكفار صحيحة، ولا يحكم ببطلانها، إذا وقع العقد على امرأة ممن يجوز ابتداءً نكاحها؛ ولا ينظر إلى صفة عقدهم، ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي، والشهود، وغير ذلك؛ ونفي الخلاف في هذه المسألة. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أنكحة الكفار صحيحة، يقرون عليها إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا، إذا كانت المرأة ممن يجوز ابتداءً نكاحها في الحال، ولا ينظر إلى صفة عقدهم وكيفيته، ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي، والشهود، وصيغة الإيجاب والقبول، وأشباه ذلك، بلا خلاف بين المسلمين" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من عدم الخلاف في أن أنكحة الكفار صحيحة، وأنهم إذا أسلموا فإنهم يبقون على أنكحتهم وافق عليه الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن حزم (¬4). وهو قول الزهري، والأوزاعي (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]. 2 - وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [التحريم: 11]. • وجه الدلالة من الآيتين: أضاف اللَّه سبحانه وتعالى المرأة إلى زوجها، مما يدل على اعتبار نكاحهما شرعًا، وهما على الكفر. 3 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجم يهوديين زنيا (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يرجم إلا محصنًا، والمحصن لا يكون إلا بنكاح؛ ولأنها أنكحة يقر عليها أهلها، ¬
وجب أن يحكم بصحتها قياسًا على أنكحة المسلمين (¬1). 4 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولدت من نكاح لا من سفاح" (¬2). • وجه الدلالة: أن مناكح آبائه -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت في الشرك، فدل على صحتها، وأن هناك فرقًا بين ما كان نكاحًا لديهم، وما كان سفاحًا (¬3). 5 - أسلم خلق كثير في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأسلم نساؤهم، وأُقِرُّوا على أنكحتهم، ولم يسألهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شروط النكاح، ولا كيفيته، ولم يؤمروا بتصحيح عقود أنكحتهم، أو يؤمروا بعقد جديد، وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة، فكان يقينًا (¬4). • الخلاف في المسألة: يرى زفر من الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية في قول حكاه الخراسانيون منهم (¬7)، ورواية عن الإمام أحمد (¬8) أن أنكحة الكفار فاسدة، والإسلام هو الذي يصححها عند إسلامهم، أو ترافعهم إلينا. • دليل هذا القول: ثبت أن صحة النكاح مفتقرة إلى شروط هي معدومة في أنكحتهم، منها الولي، ورضى المرأة المنكوحة، وأن لا يكون في عدة؛ وأنكحتهم خالية من هذا، فيجب فسادها، قياسًا على نكاح المسلم، فإنه لو خلا عن هذه الشروط لفسد، فأنكحة أهل الشرك أولى (¬9).Rأولًا: ما ذكر من أنه لا خلاف في صحة أنكحة الكفار، غير صحيح؛ لخلاف زفر من الحنفية، والمالكية، وقول عند الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، بأنها فاسدة. ثانيًا: يمكن أن يقال للمخالفين ما يلي: ¬
[2 - 106] إسلام الزوجين الكافرين معا يبقيهما على نكاحهما
1 - قال السرخسي فيما إذا نكح الكافر بغير شهود ونحوه، مما لا يقبل في الإسلام: نعرض عنهم لمكان عقد الذمة، لا لأننا نقرهم على ذلك، كما نتركهم وعبادة النار والأوثان، على سبيل الإعراض لا على سبيل التقرير، والحكم بصحة ما يفعلون (¬1). 2 - قال القرافي من المالكية: اعلم أن قولنا: أنكحة الكفار فاسدة، مُشْكِل، فإن ولاية الكافر للكافر صحيحة، والشهادة ليست لدينا شرطًا في العقد، حتى نقول: لا تصح شهادتهم لكفرهم، وغاية ما في الباب: أن صداقهم قد يقع بما لا يحل، وكذلك المسلمون، وتختل بعض الشروط أو كلها أحيانًا، وكذلك المسلمون، فكما لا يقضى بفساد أنكحة عوام المسلمين وجهَّالهم من أهل البادية وغيرهم، بل نفصِّل ونقول: ما صادف الشروط فهو صحيح، سواء أسلموا أم لا، وما لم يصادف فباطل، أسلموا أم لا (¬2). 3 - وقال السبكي: والمختار عندي فيها أنها إن وقعت على حكم وفق الشرع فصحيحة، وإلا فمحكوم لها بالصحة إن اتصلت بالإسلام رخصة وعفوًا من اللَّه تبارك وتعالى، وما كان مستجمعًا لشروط الإسلام فصحيح، ولا أرى أن فيه خلافًا، بل يقطع بصحته لوجود شروطه الشرعية، وحكم اللَّه واحد (¬3). 4 - وقال الشربيني: والصواب في "زيادة الروضة" (¬4) تخصيص الخلاف بالعقود التي يحكم بفساد مثلها في الإسلام لا في كل عقودهم، فلو عقدوا على وفق الشرع صح بلا خلاف (¬5). [2 - 106] إسلام الزوجين الكافرين معًا يبقيهما على نكاحهما: إذا أسلم الزوجان الكافران معًا فإنهما على نكاحهما لا ينفك أبدًا، ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. ¬
• من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنهما لو أسلما معًا، أنهما على نكاحهما، كانت مدخولًا بها، أو لم يكن" (¬1). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معًا في حال واحدة، أن لهما المقام على نكاحهما، ما لم يكن بينهما نسب، أو رضاع يوجب التحريم، وأن كل من كان له العقد عليها في الشرك، كان له المقام معها إذا أسلما معًا، وأصل العقد معفي عنه؛ لأن عامة أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا كفارًا فأسلموا بعد التزويج، وأُقروا على النكاح الأول، ولم يعتبر في أصل نكاحهم شروط الإسلام، وهذا إجماع وتوقيف" (¬2)، ونقله عنه ابن قدامة (¬3)، والشربيني (¬4)، وابن قاسم (¬5). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إن الزوجين إذا أسلما معًا، فهما على النكاح، سواء قبل الدخول أو بعده، وليس بين أهل العلم في هذا اختلاف بحمد اللَّه" (¬6). ونقله عنه ابن قاسم (¬7). 4 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "لو أسلم الزوجان الكافران أُقرا على نكاحهما بالإجماع" (¬8). 5 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "ولو أسلما معًا على أي كفر كان، قبل الدخول أو بعده، دام النكاح بالإجماع" (¬9). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الزوجين الكافرين إذا أسلما معًا فإنهما يقران على نكاحهما وافق عليه الحنفية (¬10)، وابن حزم (¬11). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)} [المسد: 4]. 2 - وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [التحريم: 11]. وجه الدلالة من الآيتين: أضاف اللَّه سبحانه وتعالى المرأة إلى زوجها، مما يدل على اعتبار ¬
[3 - 107] إسلام الزوج إذا كانت امرأته كتابية
نكاحهما شرعًا. 3 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: أسلمت امرأة على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فتزوجت، فجاء زوجها إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، إني قد كنت أسلمت وعَلِمَتْ بإسلامي، فانتزعها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من زوجها الآخر، وردها إلى زوجها الأول (¬1). • وجه الدلالة: أنه لما أسلم الرجل، وأسلمت المرأة معه، ردها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليه؛ لبقائهما على نكاحهما. 4 - أسلم خلق كثير في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأسلم نساؤهم، وأُقروا على أنكحتهم، ولم يؤمروا بتصحيح عقد النكاح، أو يؤمروا بعقد جديد (¬2).Rتحقق الإجماع على أن الزوجين الكافرين إذا أسلما معًا، فهما على نكاحهما؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [3 - 107] إسلام الزوج إذا كانت امرأته كتابية: إذا أسلم الزوج، سواء كان الزوج كتابيًّا، أو غير كتابي، وكانت امرأته من أهل الكتاب، وسواء في ذلك ما كان قبل الدخول وبعده، فلا يفسخ عقد نكاحهما؛ لإباحة نكاح المسلمين للكتابيات، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن النصرانيين الزوجين، إذا أسلم الزوج قبل المرأة أنهما على نكاحهما" (¬3). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "ولو كان هو المسلم؛ بقي على نكاحه معها، بإجماع لا خلاف فيه" (¬4). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إذا أسلم زوج الكتابية قبل الدخول أو بعده، أو أسلما معًا، فالنكاح باقٍ بحاله، سواء كان زوجها كتابيًّا أو غير كتابي؛ لأن للمسلم أن يبتدئ نكاح كتابية، فاستدامته أولى، ولا خلاف في هذا" (¬5). ¬
[4 - 108] إسلام أحد الزوجين قبل الدخول
4 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "أسلم كتابي أو غيره، وتحته كتابية. . . دام نكاحه بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الزوج إذا أسلم وكانت امرأته كتابية، أنها امرأته ولا يفسخ النكاح بينهما وافق عليه الحنفية (¬2)، وابن حزم (¬3). وهو قول عمر، وجابر، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، وحمّاد بن زيد (¬4)، والحكم بن عتيبة، وسعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وقتادة، والشعبي (¬5). • مستند الإجماع: قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]. • وجه الدلالة: يجوز للمسلم ابتداء نكاح الكتابية، فكان له استدامة عقد النكاح إذا أسلم من باب أولى، وإسلامه لا يفسخ العقد المتقدم، بل يصححه (¬6).Rتحقق الإجماع في أن الزوج الكافر إذا أسلم وبقيت زوجته على يهوديتها أو نصرانيتها، أن نكاحهما لا ينفسخ، بل يستمر لجواز نكاح المسلم للكتابية. [4 - 108] إسلام أحد الزوجين قبل الدخول: إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين، وكانت المرأة غير كتابية، وكان إسلام أحدهما قبل الدخول، فإن الفرقة تقع بينهما بمجرد إسلام أحدهما؛ لأنها إن أسلمت هي قبله، فلا يحل لكافر نكاح مسلمة، وإن أسلم هو قبلها، فلا يحل لمسلم نكاح كافرة غير كتابية، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الزوجين الوثنيين إذا أسلم أحدهما قبل صاحبه، ولم يدخل الزوج بالمرأة، أن الفرقة تقع ¬
بينهما" (¬1)، ونقله عنه ابن قدامة (¬2)، وابن قاسم (¬3). 2 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "هذا الاختلاف في المدخول بها، فإن كانت غير مدخول بها فلا نعلم اختلافًا في انقطاع العصمة بينهما" (¬4). 3 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وإن أسلمت الكتابية، أو أحد الزوجين غير الكتابيين قبل الدخول: انفسخ النكاح بلا نزاع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن أحد الزوجين إذا أسلم قبل الدخول، وكانت المرأة غير كتابية، فإن الفرقة تقع من حين إسلام أحدهما، وافق عليه ابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أن المسلمة لا تحل لكافر، وأن المسلم لا يحل له نكاح كافرة، وأنه يفرق بينهما لاختلاف الدين (¬7). 2 - إن كانت هي المسلمة فلا يجوز إبقاءها في نكاح مشرك، لانعقاد الإجماع على تحريم فروج المسلمات على الكفار (¬8). 3 - أنه اختلاف دين يمنع الإقرار على النكاح، فإذا وجد قبل الدخول تعجلت الفرقة، قياسًا على الردة (¬9). • الخلاف في المسألة: إذا كان إسلام أحد الزوجين الكافرين قبل الدخول، فهل تقع الفرقة بمجرد الإسلام، أم ينظر في مكان إسلام أحدهما، هل هو في دار الإسلام أم في دار الحرب، أم ينظر فيمن أسلم منهما أولًا؟ خلاف بين الفقهاء على قولين: • القول الأول: ذهب الحنفية (¬10) إلى القول أن الفرقة لا تتعجل، بل ينظر؛ فإن ¬
كانا في دار الإسلام عرض الإسلام علي الآخر، فإن أبى وقعت الفرقة حينئذٍ، وإن كانا في دار الحرب وقف ذلك إلى انقضاء عدتها، فإن لم يسلم الآخر وقعت الفرقة. وهو قول سفيان الثوري (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على اللَّه" (¬2). • وجه الدلالة: أن الإسلام قد عصم مال الكافر ودمه بعد إسلامه، فلا بد من سبب مناسب تضاف إليه الفرقة، فلم يبقَ إلا رفضه الدخول في الإسلام حتى تضاف إليه فرقة النكاح، وهو مناسب (¬3). 2 - روي أن رجلًا من بني تغلب (¬4) أسلمت امرأته، فعرض عمر عليه الإسلام فامتنع، ففرق بينهما (¬5). • وجه الدلالة: هذا عمر -رضي اللَّه عنه- لم يفرق بين الرجل وامرأته إلا بعد أن عرض الإسلام عليه (¬6). • القول الثاني: ذهب الإمام مالك إلى أن المرأة إن كانت هي المسلمة عُرض على زوجها الإسلام، فإن أسلم، وإلا وقعت الفرقة، وإن كان هو المسلم تعجلت الفرقة (¬7). • أدلة هذا القول: قال تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]. • وجه الدلالة: نهى اللَّه سبحانه وتعالى المسلمين أن يبقوا على نكاح الكافرات إذا دخلوا في ¬
[5 - 109] إسلام أحد الزوجين بعد الدخول
الإسلام، ولم تسلم زوجاتهم.Rعدم تحقق الإجماع في أن إسلام أحد الزوجين قبل صاحبه قبل الدخول، يوجب الفرقة مباشرة بمجرد إسلام أحدهما؛ وذلك لوجود خلاف عن الحنفية؛ بعرض الإسلام على المتخلف منهما، إن كانا في أرض الإسلام، أو انتهاء عدة المرأة إن كانا في دار الحرب، وخلاف المالكية إن أسلمت المرأة قبل الرجل، عرض عليه الإسلام، وإن سبق إسلام الرجل، وقعت الفرقة مباشرة. [5 - 109] إسلام أحد الزوجين بعد الدخول: إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين، وكان إسلام أحدهما بعد الدخول، وتخلف الآخر عن الإسلام حتى انقضت عدة المرأة، فإن النكاح يفسخ، وهذا عندما تكون المرأة غير كتابية، ونفي الخلاف في ذلك بين أهل العلم. • من نفى الخلاف: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "ولم أعلم مخالفًا في أن المتخلف عن الإسلام منهما إذا انقضت عدة المرأة قبل أن يسلم انقطعت العصمة بينهما" (¬1). 2 - الترمذي (279 هـ) حيث قال: "والعمل على هذا الحديث (¬2) عند أهل العلم أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها، ثم أسلم زوجها وهي في العدة، أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة" (¬3). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "ولا خلاف بين العلماء في الكافرة تسلم، ويأبى زوجها من الإسلام حتى تنقضي عدتها، أنه لا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد" (¬4). وقال أيضًا: "لم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت، ثم انقضت عدتها، أنه لا سبيل لزوجها إليها إذا كان لم يسلم في عدتها" (¬5)، ونقله عنه ابن قدامة (¬6). ¬
4 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك إذا تأخر إسلامه عن إسلامها حتى انقضت عدتها" (¬1). 5 - الصنعاني (1182 هـ) فذكره بنحو ما قال ابن حجر (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره الجمهور من أنه لا خلاف في أن أحد الزوجين الكافرين، إذا أسلم، وكان إسلام أحدهما بعد الدخول، وتخلف الآخر عن الإسلام حتى انقضت عدة المرأة، فإن النكاح يفسخ -وافق عليه الحنفية (¬3)، والحنابلة في المذهب (¬4)، وابن حزم (¬5). وهو قول الزهري، وإسحاق (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أن المسلمة لا تحل لكافر، وأنه يفرق بين المسلمة وزوجها الكافر لاختلاف الدين. 2 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ردَّ ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد (¬7). ¬
3 - أن عاتكة بنت الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها صفوان، ثم دعاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الإسلام، وأن يقدم عليه، فإن رضي أمرًا، وإلّا سيّره شهرين، فشهد صفوان حنينًا (¬1) والطائف، وهو كافر، وامرأته مسلمة، ولم يفرق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بينه وبين امرأته، فلما أسلم استقرت عنده امرأته بذلك النكاح (¬2). 4 - أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام كانت تحت عكرمة بن أبي جهل، فأسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن، فلحقت أم حكيم به، فدعته إلى الإسلام فأسلم، وقدم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عام الفتح، فلما رآه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وثب إليه فرحًا، وما عليه رداء، حتى بايعه، وثبت عكرمة وأم حكيم على نكاحهما (¬3). 5 - أن أبا سفيان بن حرب أسلم بمر الظهران (¬4)، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ظاهر عليها، فكانت بظهوره وإسلام أهلها دار إسلام، وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة، ومكة يومئذٍ دار حرب، ثم قدم عليها يدعوها إلى الإسلام، فأخذت بلحيته، وقالت: اقتلوا الشيخ الضال، فأقامت أيامًا قبل أن تسلم، ثم أسلمت، وبايعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وثبتا على النكاح (¬5). • وجه الدلالة: دلت الأحاديث على أن المرأة إذا أسلمت، ولم يسلم زوجها في عدتها، أن نكاحهما مفسوخ، ولا يرجع إليها إذا أسلم، وقد انتهت عدة المرأة، إلا بمهر جديد، وعقد جديد. ¬
• الخلاف في المسألة: سبق بيان الخلاف في إسلام أحد الزوجين الكافرين قبل الدخول، وأن هناك من رأى أن الفرقة تقع حالًا، ومنهم من قال: يعرض الإسلام على المتخلف عن الإسلام، فإن أسلم، وإلا فُرِّق بينهما، ومنهم من فرق بين إسلام المرأة فيما إذا سبق إسلام الزوج أو العكس. أما في هذه المسألة فهي تتعلق بإسلام أحد الزوجين بعد الدخول، فإذا أسلم أحد الزوجين وبقى الآخر على الكفر حتى انتهت عدة المرأة فهل يفرق بينهما بمجرد انتهاء العدة أم لا؟ وقع الخلاف على أقوال: • القول الأول: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أن الفرقة تتعجل بإسلام أحدهما بعد الدخول، كما هو الحال قبل الدخول (¬1). • القول الثاني: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أنه إن كانت المرأة كتابية، وأسلمت قبل زوجها بعد الدخول؛ فينتظر حتى انتهاء العدة، وإن كانت غير كتابية، انفسخ النكاح في الحال (¬2). • القول الثالث: ذهب علي -رضي اللَّه عنه-، وإبراهيم النخعي، وبه أفتى حماد بن أبي سليمان (¬3)، وهو اختيار ابن تيمية، وابن القيم (¬4)، أن المرأة ترد إلى زوجها، وإن طالت المدة، ما لم تنكح غيره. • أدلة هذا القول: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: ردّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحًا. قال أبو داود: قال محمد بن عمرو في حديثه: بعد ست سنين، وقال الحسن بن علي: بعد سنتين (¬5). ¬
[6 - 110] إسلام الكافر وله أكثر من أربع نسوة
2 - عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال في الزوجين الكافرين يسلم أحدهما: هو أملك ببضعها ما دامت في دار هجرتها (¬1). 3 - أن مراعاة زمن العدة حتى يحكم بفراقهما، لا دليل عليه من نص أو إجماع، فما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يسأل المرأة: هل انقضت عدتها أم لا؟ (¬2). 4 - لو كان الإسلام هو سبب الفرقة لكانت الفرقة بائنة لا رجعية، فلا أثر للعدة في بقاء النكاح، بل أثرها في منع نكاحها من الغير، فلو كان الإسلام قد نجز الفرقة بينهما لم يكن أحق بها في العدة (¬3). 5 - الذي دل عليه حكمه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن النكاح موقوف، فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته، وإن انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت، وإن أحبت انتظرته، فإن أسلم كانت زوجته من غير حاجة لتجديد النكاح (¬4).Rعدم تحقق الإجماع في أن إسلام أحد الزوجين بعد الدخول، وتخلف الآخر حتى تنقضي عدة المرأة، أن ذلك يوجب الفرقة بين الزوجين. [6 - 110] إسلام الكافر وله أكثر من أربع نسوة: إذا أسلم رجل كافر، وله من النساء أكثر من أربع، فأسلم هؤلاء النسوة في عدتهن، أو كنَّ كتابيات ممن يجوز نكاحهن، فليس له أن يمسك أكثر من أربع منهن، ونفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملة ذلك أن الكافر إذا أسلم، ومعه أكثر من أربع نسوة، فأسلمن في عدتهن، أو كنَّ كتابيات، لم يكن له إمساكهن كلهن بغير خلاف نعلمه، ولا يملك إمساك أكثر من أربع" (¬5). ¬
• الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن الكافر إذا أسلم، وله أكثر من أربع نسوة، فليس له أن يمسك أكثر من أربع منهن، وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن حزم (¬4). وهو قول الحسن البصري، وإسحاق (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]. 2 - قال تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]. • وجه الدلالة: دلت الآيتان على أنه لا يجوز لمسلم نكاح كافرة غير كتابية، أو إبقائها في عصمته بعد أن يسلم. 3 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم، وله عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، فامره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يتخير أربعًا منهن (¬6). 4 - وقال نوفل بن معاوية: أسلمت، وتحتي خمس نسوة، فقال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فارق واحدة منهن" (¬7). 5 - عن الحارث بن قيس -رضي اللَّه عنه- قال: أسلمت، وعندي ثمان نسوة، فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكرت ذلك له، فقال: "اختر منهن أربعًا" (¬8). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أولًا: لو كانت الزيادة على الأربع حلالًا لما أمرهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمفارقة من زاد على أربع؛ فدل على أن منتهى العدد المشروع هو الأربع (¬9). ثانيًا: مَنَع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من استدامة الزيادة على أربع، فالابتداء أولى (¬10).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن الكافر إذا أسلم، وله أكثر من ¬
[7 - 111] إذا نكح الكافر امرأة ممن تحرم عليه، ثم أسلم
أربع نساء، أنه يمسك أربعًا منهن، ويفارق من عداهن. [7 - 111] إذا نكح الكافر امرأة ممن تحرم عليه، ثم أسلم: يُقَرُّ الكفّار على أنكحتهم التي يعتقدون صحتها حال كفرهم، فإذا تحاكموا إلينا أو أسلموا، نظر في أنكحتهم، فما وافق الإسلام أُقِروا عليه، وما خالفه أُبطل، فإذا تزوج المجوسي أو غيره من الكفّار أُمَّه أو ابنته حال كفره ثم أسلم، أو جمع بين أُمًّا وابنتها، أو جمع بين أختين ونحو ذلك، فإنه يفرق بينهما، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا نكح المرأة وابنتها ودخل بهما وأسلموا، أن عليه أن يفارقهما، ولا ينكح واحدة منهما بحال" (¬1)، ونقله عنه ابن قدامة (¬2). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولو أنه كان دخل بهما جميعًا، فنكاحهما جميعًا باطل بالإجماع" (¬3). وقال أيضًا: "فإن كانت الأولى بنتًا، والثانية أمًا، فنكاحهما باطل بالإجماع" (¬4). وقال أيضًا: "فإن كان دخل بالأولى، ثم تزوج الثانية، فنكاح الأولى جائز، ونكاح الثانية باطل بالإجماع" (¬5). 3 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "فإذا أسلما وبينها وبينه محرمية من نسب، أو رضاع، أو صهر، أو كانت أخت الزوجة أو عمتها أو خالتها، أو من يحرم الجمع بينها وبينها، فُرِّق بينهما بإجماع الأمة" (¬6). 4 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "فإذا تزوج مجوسي أُمَّه أو بنته، أو مطلقته ثلاثًا، أو جمع بين أختين في عقدة ثم أسلما، أو أحدهما، فرق بينهما إجماعًا" (¬7). 5 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "لو كانت المرأة محرمًا للكافر، فإن القاضي يفرق بينهما إذا أسلما أو أحدهما، اتفاقًا" (¬8). ¬
[8 - 112] إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الكافر إذا نكح امرأة ممن تحرم عليه ثم أسلم، أنه يفرق بينهما، وافق عليه المالكية (¬1). وهو قول الحسن البصري، والزهري، وإسحاق، وأبي عبيد، والأوزاعي (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)} [النساء: 23]. 2 - نهيه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها (¬3). 3 - كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري فقال: ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة وما هم عليه من نكاح المحارم، واقتناء الخمور والخنازير، فكتب إليه: إنما بذلوا الجزية ليتركوا وما يعتقدون، وإنما أنت متبع ولست بمبتدع، والسلام (¬4).Rتحقق الإجماع على أن الكافر إذا أسلم، وكان قد نكح من تحرم عليه، أنه يفرق بينهما؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [8 - 112] إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول: إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول فإن النكاح يفسخ، وتقع الفرقة في الحال، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول، وقعت الفرقة في الحال بلا خلاف" (¬5). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أن يكون قبل الدخول، فالنكاح باطل بردة ¬
[9 - 113] سبي أحد الزوجين الكافرين يوجب الفرقة بينهما
أحدهما، وهو إجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره القاضي عبد الوهاب من المالكية، والماوردي من الشافعية من الإجماع على فسخ النكاح بردة أحد الزوجين قبل الدخول، وافق عليه الحنفية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). وهو قول الحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، وأبي ثور (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أن المرأة المسلمة لا تحل لكافر، ولا يجوز من ثم أن ترجع إلى زوجها الذي ارتد عن دينه وكفر باللَّه. 2 - وقال تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أنه لا يجوز للمسلم أن يمسك كافرة في عصمته، والمرأة أصبحت كافرة بردتها. 3 - أن اختلاف الدين بينهما يمنع الإصابة، فيفسخ النكاح من أجل ذلك، كما لو أسلمت الذمية تحت كافر (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف داود فقال: لا ينفسخ النكاح بالردة (¬7). • دليل هذا القول: أن الأصل بقاء النكاح، ولا يزول النكاح إلا بما يزيله من طلاق، أو خلع، أو وفاة، ونحوها (¬8).Rعدم تحقق الإجماع على أن أحد الزوجين إذا ارتد قبل الدخول، أن النكاح يفسخ في الحال؛ لخلاف داود. [9 - 113] سبي أحد الزوجين الكافرين يوجب الفرقة بينهما: إذا أخذ المسلمون أسرى من الكفار، سواء كانوا رجالًا أو نساءً، فإن ذلك يوجب الفرقة بين الزوجين المسبيين منهما، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. ¬
• من نقل الإجماع: 1 - السرخسي (490 هـ) حيث قال: "إذا سبي أحد الزوجين، تقع الفرقة بالاتفاق" (¬1). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "إذا سبي أحدهما، وأحرز بدار الإسلام، أنها تقع الفرقة بالإجماع" (¬2). 3 - العيني (855 هـ) حيث قال: "إذا سبي أحد الزوجين وقعت الفرقة بينهما اتفاقًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: أولًا: ما ذكره علماء الحنفية من الإجماع على أن أحد الزوجين الكافرين إذا سبي، فإن النكاح يفسخ بينهما، سواء كان المسبي رجلًا أو امرأة، وافق عليه المالكية (¬4). ثانيًا: وافق الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، الحنفيةَ فيما ذكروه من الإجماع على فسخ النكاح، إذا سُبيت المرأة دون زوجها. • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، معطوفًا على قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23]. • وجه الدلالة: حرّم اللَّه المحصنات، وهن ذوات الأزواج، واستثنى المملوكات، والاستثناء من الحظر إباحة، ولم يفصل بين ما إذا سبيت وحدها أو سبيت مع زوجها (¬7). 2 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم حنين، بعث جيشًا إلى أوطاس، فلقوا عدوًّا، فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا، فكأن ناسًا من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تحرجوا من غشيانهن، من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل اللَّه في ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، أي ¬
فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن (¬1). • وجه الدلالة: هذا دليل على أن السبي يوجب الفرقة بين الزوجين، إذا سبي أحدهما دون الآخر، وإلا لما جاز وطء المرأة (¬2). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، إلى أن الرجل إذا سبي وحده فلا يفرق بينه وبين امرأته. • دليل هذا القول: أن الرجل المسلم لم يستولِ على حق الكافر في امرأته بالسبي، أشبه ما لو لم يُسبَ (¬5). ثانيًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه، نصرها أبو الخطاب (¬6)، وابن حزم (¬7)، إلى أن الزوجين الكافرين إذا سبي أحدهما أن نكاحهما باقٍ لا يفسخ، إلا أن تسلم هي قبله. • أدلة هذا القول: 1 - الأصل أن أنكحة الكفار صحيحة، وقد أقرهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليها (¬8). 2 - لم يأتِ نصٌّ بأن الزوجين الكافرين إذا سُبيا معًا، أو أحدهما، أن نكاحهما يُفسخ (¬9).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن سبي أحد الزوجين الكافرين يوجب الفرقة؛ لما يأتي: 1 - خلاف الشافعية، والحنابلة، في أن الرجل إذا سبي وحده، فلا يفسخ نكاحه مع امرأته. ¬
2 - خلاف الإمام أحمد في رواية عنه، وابن حزم في عدم فسخ نكاح الزوجين الكافرين يُسبى أحدهما، ما لم تُسلِم المرأة قبل زوجها. ثانيًا: يُحمل ما ذكره الحنفية من الإجماع على أن سبي أحد الزوجين الكافرين يوجب الفرقة، على أنه إجماع الحنفية أنفسهم؛ فإنهم يذكرون أحيانًا مثل هذه العبارات -إجماع واتفاق ونفي الخلاف- ويقصدون بذلك في المذهب. * * *
الفصل الثامن: مسائل الإجماع في الصداق
الفصل الثامن: مسائل الإجماع في الصداق [1 - 114] وجوب الصداق في النكاح: الصداق من الأمور الواجب ذكرها عند عقد النكاح، ولا يجوز التواطؤ على تركه عند العقد، فإذا تزوج الرجل بالمرأة، ولم يُسَمِّ صداقًا، فلا يدخل بالمرأة حتى يسمي صداقًا؛ فإن دخل دون أن يسمي صداقًا لزمه مهر المثل، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "والأصل في وجوب الصداق في النكاح: الكتاب، والسنة، والإجماع" (¬1). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أنه إن وقع في هذا النكاح وطء؛ فلا بد من صداق" (¬2). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمع علماء المسلمين. . . أنه لا يجوز له وطء في نكاح بغير صداق مسمى، دينًا، أو نقدًا، وأن المفوض إليه لا يدخل حتى يسمي صداقًا، فإن وقع الدخول في ذلك، لزمه فيه صداق المثل" (¬3). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن الصداق مشروع" (¬4). 5 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أنه شرط من شروط الصحة، وأنه لا يجوز التواطؤ على تركه" (¬5). 6 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح" (¬6). 7 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "هذه الآية (¬7) تدل على وجوب الصداق للمرأة، ¬
وهو مجمع عليه، ولا خلاف فيه" (¬1). 8 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: ". . . الصداق، وهو شرط بإجماع، ولا يجوز التراضي على إسقاطه، ولا اشتراط سقوطه" (¬2). 9 - الرملي (1004 هـ) حيث قال: "والأصل فيه: الكتاب، والسنة، والإجماع" (¬3). 10 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "والأصل في الصداق: الكتاب، والسنة، والإجماع، واتفقوا على أنه من شروط صحة النكاح" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من وجوب الصداق في النكاح، وأنه لا يجوز أن يخلى عقد النكاح منه، فإن دخل بالمرأة، ولم يسمِ صداقًا كان لها مهر المثل، وافق عليه الحنفية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]. وقال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 24]. 2 - وقال تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النساء: 25]. • وجه الدلالة: دلت الآيات السابقة على وجوب الصداق، وأن لا يخلو نكاح عن تسمية صداق. 3 - عن سهل بن سعد -رضي اللَّه عنه- قال: كنا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جلوسًا، فجاءته امرأة تعرض نفسها عليه، فخفض فيها النظر ورفعه، فلم يردها، فقال رجل من أصحابه: زوجنيها يا رسول اللَّه، قال: "أعندك من شيء؟ "، قال: ما عندي من شيء، قال: "ولا خاتمًا من حديد؟ "، قال: ولا خاتم، ولكن أشق بردي هذا فأعطيها النصف، وآخذ النصف، قال: "لا، هل معك من القرآن شيء؟ "، قال: نعم، قال: "اذهب، فقد زوجتكها بما ¬
معك من القرآن" (¬1). • وجه الدلالة: دل الحديث على وجوب المهر، ولو كان شيئًا يسيرًا كالخاتم، أو تعليم القرآن، وأن لا يخلو النكاح عن ذكره. 4 - سئل عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- عن رجل تزوج امرأة، ولم يفرض لها صداقًا، ولم يدخل بها حتى مات، قال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي (¬2) فقال: قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بروع بنت واشق (¬3)، امرأة منا، مثل ما قضيت، ففرح بها ابن مسعود (¬4). 5 - عن عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لرجل: "أترضى أن أزوجك فلانة؟ "، قال: نعم، وقال للمرأة: "أترضين أن أزوجك فلانًا؟ " قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها الرجل، ولم يفرض لها صداقًا، ولم يعطها شيئًا، وكان ممن شهد الحديبية، وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زوجني فلانة، ولم أفرض لها صداقًا، ولم أعطها شيئًا، وإني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهمًا فباعته بمائة ألف (¬5). ¬
[2 - 115] لا حد لأكثر الصداق
• وجه الدلالة: دل الحديثان على أن من ترك تسمية المهر عند العقد فدخل بها، أو مات قبل أن يفرض لها المهر فلها مهر مثلها، حتى لا يخلو النكاح عن ذكر صداق.Rتحقق الإجماع على وجوب الصداق في النكاح، وإن وقع الدخول بغير تسمية صداق فلها مهر المثل، وذلك لعدم وجود مخالف. [2 - 115] لا حَدَّ لأكثر الصداق: لا حد لأكثر الصداق، فيجوز أن يُعقد النكاح على ما يتفق عليه أطراف العقد، فإن اتفقوا على صداق أكثر مما تعارف الناس عليه جاز، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "لا حد لأكثر الصداق إجماعًا" (¬1). وقال أيضًا: "لا خلاف بين المسلمين في أنه لا حد لأكثر الصداق" (¬2). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "وأما أكثره، فلا خلاف بين الفقهاء أنه لا حد له" (¬3). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وقد أجمعوا أن لا حد ولا توقيت في أكثره" (¬4). وقال أيضًا: "أجمع العلماء على أن لا تحديد في أكثر الصداق" (¬5). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أنه ليس لأكثره حد" (¬6). 5 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وقد أجمع العلماء على ألا تحديد في أكثر الصداق" (¬7). 6 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "وقد وقع الإجماع على أن المهر لا حد لأكثره، بحيث تصير الزيادة على ذلك الحد باطلة" (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ ¬
[3 - 116] صحة النكاح من غير تسمية صداق
إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20)} [النساء: 20]. • وجه الدلالة: دلت الآية على جواز المغالاة في المهور؛ لأن القنطار هو الشيء العظيم من المال، ولا يمثل اللَّه سبحانه وتعالى إلا بالمباح (¬1). 2 - عن أم حبيبة -رضي اللَّه عنها- أنها كانت تحت عبيد اللَّه بن جحش، فمات بأرض الحبشة، فزوجها النجاشي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأمهرها عنه أربعة آلاف درهم (¬2). • وجه الدلالة: دل الحديث على جواز المغالاة في المهور، حيث أصدق النجاشي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أربعة آلاف. وهذا كثير مقارنة بمهور نسائه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ لم يتجاوز صداقهن أربعمائة درهم (¬3)، ولم ينكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على النجاشي ذلك. 3 - تزوج عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أم كلثوم بنت علي -رضي اللَّه عنه-، وأصدقها أربعين ألف درهم (¬4). • وجه الدلالة: دل فعل عمر -رضي اللَّه عنه- على جواز المغالاة في المهر، ولو لم يكن ذلك جائزًا ما فعله -رضي اللَّه عنه-. • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء المالكية، والشافعية من الإجماع على أنه لا حد لأكثر الصداق، وافق عليه الحنفية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7).Rتحقق الإجماع في أنه لا حد لأكثر الصداق؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [3 - 116] صحة النكاح من غير تسمية صداق: تسمى هذه المسألة: نكاح التفويض (¬8)، فلو تزوج رجل امرأة من غير تسمية ¬
صداق، صح النكاح، ولها مهر مثلها، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الجوهري (350 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن من تزوج امرأة على غير صداق ذكره، أن النكاح ثابت عليه" (¬1). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن لكل موطوءة بنكاح صحيح، ولم يكن سمى لها مهرًا، فلها مهر مثلها" (¬2). 3 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في أن النكاح يصح من غير ذكر المهر" (¬3). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن نكاح التفويض جائز، وهو أن يعقد النكاح دون صداق" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). 5 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "لما قسم اللَّه تعالى حال المطلقة هنا إلى قسمين: مطلقة مسمى لها المهر، ومطلقة لم يسم لها، دل على أن نكاح التفويض جائز، وهو كل نكاح عقد من غير ذكر الصداق، ولا خلاف فيه" (¬6). 6 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "واتفق العلماء على أن من تزوج امرأة، ولم يقدر لها مهرًا، صح النكاح" (¬7). وقال أيضًا: "يصح النكاح بلا تقدير مهر. . . وأما صحته بدون فرض المهر، فهذا ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع" (¬8). 7 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: ". . . نكاح التفويض، وهو جائز اتفاقًا، وهو أن ¬
يسكتا عن تعيين الصداق حين العقد، ويفوض ذلك إلى أحدهما أو إلى غيرهما، ثم لا يدخل بها حتى يتعين" (¬1). 8 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: "لا خلاف لأحد في صحة تسمية النكاح بلا مهر" (¬2). 9 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وصحة النكاح بدون تسمية المهر إجماعًا" (¬3). 10 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "ويصح النكاح، وإن لم يسمِّ فيه مهرًا، لا خلاف في ذلك" (¬4). ونقله عنه ابن نجيم (¬5). 11 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "ويجوز إخلاؤه منه (¬6) بالإجماع" (¬7). 12 - الرملي (1004 هـ) حيث قال: "ويجوز إخلاؤه منه، أي: من تسميته إجماعًا" (¬8). 13 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "لا يشترط في صحة النكاح أن يسلم الزوج إلى المرأة مهرها قبل الدخول، ولا أعرف في ذلك خلافًا" (¬9). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على صحة النكاح من غير تسمية صداق، هو قول ابن عباس، وابن عمر، وعطاء، وسعيد بن المسيب، وعمرو ابن دينار، وسعيد بن جبير، والزهري (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]. • وجه الدلالة: رفع سبحانه وتعالى الجناح عمن طلق في نكاح لا تسمية فيه، والطلاق لا يكون إلا بعد نكاح، فدل على جواز التسمية بلا نكاح (¬11). 2 - وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ ¬
[4 - 117] تملك المرأة الصداق بمجرد العقد
تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]. • وجه الدلالة: المراد من ذلك الطلاق في نكاح لا تسمية للمهر فيه؛ بدليل أنه سبحانه وتعالى أوجب المتعة، والمتعة لا تكون إلا في طلاق بعد نكاح لا تسمية فيه، فدل على جواز النكاح من غير تسمية (¬1). 3 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: أمرني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئًا (¬2). 4 - عن عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لرجل: "أترضى أن أزوجك فلانة؟ "، قال: نعم، وقال للمرأة: "أترضين أن أزوجك فلانًا؟ "، قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقًا ولم يعطها شيئًا، وكان ممن شهد الحديبية، وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زوجني فلانة، ولم أفرض لها صداقًا، ولم أعطها شيئًا، وإني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهمًا فباعته بمائة ألف (¬3). 5 - سئل عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- عن رجل تزوج امرأة، ولم يفرض لها صداقًا، ولم يدخل بها حتى مات، قال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت، ففرح بها ابن مسعود (¬4). • وجه الدلالة: دل الحديثان على صحة عقد النكاح، وإن لم يسم الصداق حين العقد.Rتحقق الإجماع على صحة عقد النكاح من غير تسمية صداق. [4 - 117] تملك المرأة الصداق بمجرد العقد: إذا عقد الرجل على المرأة، وسمى لها الصداق، فإنها تملكه بمجرد العقد، ونفي الخلاف في ذلك. ¬
• من نفى الخلاف: ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "ملك المرأة الصداق بنفس العقد، ولا خلاف فيه؛ لاتفاق الأمة على جواز التصرف فيه" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن العربي المالكية من أنه لا خلاف في أن المرأة تملك الصداق بمجرد العقد، وافق عليه الحنفية (¬2)، وبعض المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة في الصحيح من المذهب (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أعطيتها إزارك، جلست ولا إزار لك" (¬7). • وجه الدلالة: في هذا الحديث دليل على أن الصداق كله للمرأة، لا يبقى للرجل منه شيء (¬8). 2 - تَمْلِكُ المرأة بعقد النكاح العوض كاملًا، كما تملكه بعقد البيع (¬9). • الخلاف في المسألة: الظاهر من مذهب الإمام مالك (¬10)، ورواية عن الإمام أحمد (¬11)، أن المرأة لا تملك بالعقد إلا نصف المهر، ولا تملكه كله إلا بالدخول. • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]. وهذا نص في أن المرأة لا تملك إلا نصف المسمى، فإن دخل بها، فلها المسمى كاملًا (¬12). 2 - إذا مات الزوج قبل الدخول، وقد سمى لها المهر، فلا تستحق إلا النصف، فكذلك إن عقد عليها ولم يدخل بها، فلا تستحق إلا النصف، فإن دخل بها فلها المهر ¬
[5 - 118] تستحق المرأة المهر كاملا بالدخول
كاملًا (¬1).Rعدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن المرأة تملك الصداق كاملًا بمجرد العقد؛ لخلاف المالكية في ظاهر المذهب، ورواية عن الإمام أحمد، أنها لا تملك إلا النصف. [5 - 118] تستحق المرأة المهر كاملًا بالدخول: إذا دخل الرجل بالمرأة فقد وجب لها المهر كاملًا، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وإن كانت مدخولًا بها، فلها صداقها بإجماع" (¬2). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "القسم الثاني: أن يطلقها بعد الدخول بوطء تام تَغِيبُ فيه الحشفة، فقد استقر لها جميع المهر الذي كانت مالكة له بالعقد. . . وهذان القسمان متفق عليهما" (¬3). وقال أيضًا: "أن يتفقا على الإصابة، فيكمل المهر، وتجب العدة، وتستحق الرجعة، إجماعًا على الأقاويل كلها" (¬4). 3 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "فالمهر يتأكد بأحد معانٍ ثلاثة: الدخول، والخلوة الصحيحة، وموت أحد الزوجين. . . أما التأكد بالدخول فمتفق عليه" (¬5). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفق العلماء على أن الصداق يجب كله بالدخول، أو بالموت" (¬6). 5 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "لا خلاف أن من دخل بزوجته ثم مات عنها، وقد سمى لها؛ أن لها ذلك المسمى كاملًا، والميراث، وعليها العدة" (¬7). ¬
6 - النووي (676 هـ) حيث قال: "في هذا دليل على استقرار المهر بالدخول وعلى ثبوت مهر الملاعنة المدخول بها، والمسألتان مجمع عليهما" (¬1). 7 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "ويجب جميعه بالدخول، أو بالموت اتفاقًا" (¬2). 8 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: "وإن تزوجها، ولم يسم لها مهرًا، ثم تراضيا على تسمية فهي لها؛ إن دخل بها، أو مات عنها، بالاتفاق" (¬3). 9 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "وقد انعقد الإجماع على أن المدخول بها تستحق جميعه" (¬4). 10 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وانعقد الإجماع على أن المدخول بها تستحق جميع الصداق" (¬5). 11 - الرملي (1004 هـ) حيث قال: "ويستقر المهر بوطء. . . وبموت أحدهما في نكاح صحيح. . . لإجماع الصحابة" (¬6). 12 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "فيه دليل على أن المرأة تستحق ما صار إليها من المهر بما استحل الزوج من فرجها. . . وهذا مجمع عليه في المدخولة" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المرأة تستحق المهر كله بالدخول، وافق عليه الحنابلة (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]. • وجه الدلالة: هذا نكاح لم يمسها فيه، فوجب لها نصف المسمى، وإذا مسها فلها المسمى كاملًا (¬10). 2 - وقال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى ¬
[6 - 119] حق امتناع الزوجة من تسليم نفسها لزوجها، حتى تقبض صداقها
بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} [النساء: 20, 21]. • وجه الدلالة: المراد بقوله: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]: الجماع، فإذا حصل الجماع استحقت الزوجة المهر كاملًا (¬1). 3 - في حديث المتلاعنين عندما فرق بينهما النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال الرجل: يا رسول اللَّه، مالي، قال: "لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها" (¬2). • وجه الدلالة: استقر المهر للزوجة بالدخول بما استحل الزوج من فرجها استدلالًا بهذا الحديث (¬3)، ولو لم يكن المهر لها، لقضى به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للرجل.Rتحقق الإجماع في أن الزوجة تستحق المهر كاملًا بالدخول؛ لعدم وجود مخالف. [6 - 119] حق امتناع الزوجة من تسليم نفسها لزوجها، حتى تقبض صداقها: إذا تزوج رجل امرأة دون أن يسمي لها مهرا، فطالبته المرأة قبل الدخول بأن يسمي لها المهر وتقبضه، فإن الزوج يجبر على إعطائها مهرها، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن للمرأة أن تمنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها" (¬4). ونقله عنه ابن قدامة (¬5)، وابن قاسم (¬6). 2 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "إذا تزوجها على صداق حالّ غير مؤجل، فلها أن تمنع الزوج من نفسها حتى تقبضه بلا خلاف" (¬7). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملة ذلك أن المفوضة لها المطالبة بفرض ¬
[7 - 120] إذا خلا الرجل بامرأته بعد العقد، استقر عليه المهر، ووجبت عليها العدة
المهر؛ لأن النكاح لا يخلو من المهر، فوجبت لها المطالبة ببيان قدره، وبهذا قال الشافعي، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). 4 - الرملي (1004 هـ) حيث قال: "ولها حبس نفسها لتقبض المهر. . . سواء أكان كله أم بعضه بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن للمرأة الحق في أن تمتنع من تسليم نفسها لزوجها قبل أن يعطيها صداقها، وافق عليه الحنفية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: أن تسليم المرأة نفسها قبل تسلّم صداقها يفضي إلى أن يستوفي الزوج منفعتها المعقود عليها بالوطء، ثم لا يسلم صداقها، فلا يمكنها الرجوع فيما استوفي منها، ولأن الزوج إذا سلم إليها الصداق، ثم امتنعت من تسليم نفسها، أمكن الرجوع فيه (¬6).Rتحقق الإجماع في أن للمرأة أن تمتنع من تسليم نفسها لزوجها قبل أن تستوفي صداقها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [7 - 120] إذا خلا الرجل بامرأته بعد العقد، استقر عليه المهر، ووجبت عليها العدة: إذا عقد الرجل على المرأة، ثم خلا بها، استقر عليه المهر، ووجبت العدة على المرأة، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الجوهري (350 هـ) حيث قال: "وأجمع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أن الرجل إذا خلا بزوجته، وأغلق بابًا، وأرخى سِترًا، ولا حائل بين جماعه لها من عبادة ولا غيرها، وأمكنته من ذلك فلم يفعل، فقد وجب لها عليه جميع صداقها" (¬7). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: ". . . ولها المهر كاملًا، وعليها العدة بالإجماع إن كان الزوج قد خلا بها" (¬8). ¬
3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "عن عمر، وعلي، وعن سعيد بن المسيب، وعن زيد بن ثابت: عليها العدة، ولها الصداق كاملًا، وهذه قضايا تشتهر، ولم يخالفهم أحد في عصرهم، فكان إجماعًا" (¬1). وذكره في الكافي (¬2). 4 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "الإجماع على كمال وجوبه بالخلوة. . .، وهو اتفاق الصدر الأول، وحُكيَ فيه إجماع الصحابة" (¬3). 5 - ابن نجيم (970 هـ)، فذكره كما قال ابن الهمام (¬4). 6 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "ويستقر مهر المثل بالدخول، والخلوة، . . . لإجماع الصحابة" (¬5). وقال أيضًا: "قضى الخلفاء الراشدون أن من أغلق بابًا، أو أرخى سترًا، فقد وجب المهر، فكان إجماعًا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنفية، والحنابلة من الإجماع على أن الرجل إذا خلا بامرأته بعد العقد، استقر عليه المهر، ووجبت العدة على المرأة، وافق عليه الإمام مالك في رواية صححها القرطبي (¬7)، والإمام الشافعي في القديم (¬8). وهو قول الخلفاء الراشدين، وعبد اللَّه بن عمر، وزيد بن ثابت -رضي اللَّه عنهم-، وعلي بن الحسين، وعروة، وعطاء، والزهري، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق (¬9). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} [النساء: 20، 21]. • وجه الدلالة: يؤخذ من هذه الآية دليلان (¬10): الأول: عموم قوله تعالى: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]، فهذا نص في أنه لا يجوز أخذ شيء مما سمي للمرأة من المهر إلا ما خصه الدليل. ¬
الثاني: 1 - قوله: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]، معناه: وقد خلا بعضكم ببعض؛ لأن الإفضاء مأخوذ من الفضاء، وهو الموضع الخالي الواسع، فلا حاجز فيه يمنع من إدراك ما فيه، فكأن المراد منه الخلوة التي لا مانع من إدراك ما عقد الرجل عليه من المرأة، قاله الفراء (¬1) (¬2). 2 - عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان (¬3) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كشف خمار امرأة، ونظر إليها فقد وجب الصداق، دخل بها، أو لم يدخل بها" (¬4). • وجه الدلالة: هذا نص في المسألة، فيجب المصير إليه (¬5). 3 - عن زرارة بن أوفى (¬6) أنه قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابًا، وأرخى سترًا فقد وجب المهر، ووجبت العدة (¬7). 4 - عن عمر وعلي -رضي اللَّه عنهما- قالا: من أغلق بابًا، وأرخى سترًا، فلها الصداق كاملًا، ¬
وعليها العدة (¬1). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الإمام مالك في رواية عنه (¬2)، والإمام الشافعي في الجديد (¬3)، والإمام أحمد في رواية (¬4)، وداود، وابن حزم (¬5)، إلى أنه لا يجب بالخلوة إلا نصف المهر ما لم يكن هناك وطء. وقال به ابن عباس، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما- (¬6)، وشريح، والشعبي، وطاوس، وابن سيرين (¬7). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]. • وجه الدلالة: المسيس هو الوطء، فكنى به لما يستقبح من صريحه، وليست الخلوة مستقبحة التصريح فيكنى بها (¬8). 2 - أن من طلق امرأته بعد الخلوة وقبل المسيس، فهو طلاق قبل إصابة، فوجب ألا يكمل به المهر كالطلاق قبل الخلوة (¬9). 3 - ما لا يوجب الغسل كالقبلة ونحوها من غير خلوة، لا يوجب كمال المهر (¬10). ثانيًا: عن بعض المالكية التفريق بين ما إذا كانت الخلوة في بيت الزوج، أو في بيت الزوجة، فإن كانت الخلوة في بيت الزوج فلها المهر كاملًا، وإن كانت في بيت الزوجة فلا يستقر المهر إلا بالوطء (¬11). ¬
[8 - 121] الصداق يتنصف بالطلاق قبل الدخول
Rأولًا: عدم تحقق الإجماع عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في وجوب كمال المهر بالخلوة، وذلك للأسباب التالية: 1 - خلاف الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في ذلك، بين من يرى وجوب المهر كاملًا، وبين من يرى وجوب نصفه فقط. 2 - ما ورد عمّن يرى وجوب المهر كاملًا من الصحابة، وعمّن يرى وجوب نصفه؛ لم يسلم من قدح من حيث سنده. ثانيًا: هذا الخلاف بين الصحابة -رضي اللَّه عنهم- استمر بين الفقهاء، فليس في المسألة إجماع إذًا. [8 - 121] الصداق يتنصف بالطلاق قبل الدخول: إذا عقد الرجل على المرأة، وقد سمى لها المهر، ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فلها نصف المسمى، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أن يطلق الرجل زوجته المسمى لها صداقًا معلومًا، فلا يخلو حال طلاقه من ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يكون قبل الدخول بها والخلوة، وليس لها من المهر إلا نصفه. . . القسم الثاني: أن يطلقها بعد الدخول. . . فقد استقر لها جميع المهر. . . وهذان القسمان متفق عليهما" (¬1). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن كل من طلق امرأته، وقد سمى لها صداقًا صحيحًا في نفس عقد النكاح لا بعده، ولم يكن وطئها قط ولا دخل بها، وإن لم يطأها وكان طلاقه لها، وهو صحيح الجسم والعقل، أن لها نصف ذلك الصداق" (¬2). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا اتفاقًا مجملًا، أنه إذا طلق قبل الدخول، وقد فرض صداقًا، أنه يرجع عليها بنصف الصداق" (¬3). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إن الطلاق يتنصف بالطلاق قبل الدخول. . . ¬
[9 - 122] عدم التفريق بين الثيب والبكر في استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول
وليس في هذا اختلاف بحمد اللَّه" (¬1). 5 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "قوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]، أي: فالواجب نصف ما فرضتم، أي: من المهر، فالنصف للزوج، والنصف للمرأة بإجماع" (¬2). 7 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "ويجب جميعه بالدخول أو بالموت اتفاقًا، ونصفه بالطلاق قبل الدخول اتفاقًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الصداق يتنصف بالطلاق قبل الدخول، وافق عليه الحنفية (¬4). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]. • وجه الدلالة: هذا نص صريح على أن للزوجة المطلقة قبل الدخول نصف المهر.Rتحقق الإجماع على أن الصداق يتنصف إذا طلقت المرأة قبل الدخول؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [9 - 122] عدم التفريق بين الثيب والبكر في استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول: لم يفرق العلماء في استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول بين البكر والثيب، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وقد أجمع المسلمون أن الثيب والبكر في استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول سواء" (¬5). وقال أيضًا: "وهذا إجماع من العلماء أن البكر والثيب إذا لم يدخل بهما فحكمهما إذا طلقهما قبل الدخول سواء" (¬6). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ ¬
[10 - 123] الفسوخ التي ليست بطلاق لا يتنصف بها المهر
فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُم} [البقرة: 237]. • وجه الدلالة: هذا نص صريح في أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول فلها نصف المهر، وليس هناك فرق بين الثيب والبكر في استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول. • الموافقون على الإجماع: لم أجد أحدًا من الفقهاء نص على هذا القول من عدم التفريق بين الثيب والبكر، في استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول، إلا أن نصوص الفقهاء لا تأبى مثل هذا القول، كما جاء في المسألة السابقة (¬1).Rتحقق الإجماع على أن الثيب والبكر في استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول سواء، وذلك لعدم وجود مخالف. [10 - 123] الفسوخ التي ليست بطلاق لا يتنصف بها المهر: إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول، وكان الطلاق من قبله، فلها نصف المهر، أما إذا طرأ على عقد النكاح ما يوجب الفسخ، من ردة، أو رضاع، فإن الصداق لا يتنصف، ولا تستحق المرأة منه شيئًا، سواء كان الفسخ من قبل الرجل، أو المرأة، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "وأما الفسوخ التي ليست طلاقًا، فلا خلاف أنها ليست توجب التشطير، إذا كان الفسخ من قبل العقد، أو من قبل الصداق، وبالجملة من قبل عدم موجبات الصحة" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن رشد المالكي من أنه لا خلاف في أن الفسوخ التي ليست بطلاق لا يتنصف بها المهر، يفهم منه أنه يستوي الحكم فيما إذا كان الفسخ من قِبَل الرجل، أو المرأة، وافق عليه الحنفية (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - إذا كان الفسخ من الزوجة، فقد وقعت الفرقة بسببها، فلا تستحق من المهر شيئًا، وإن كان الفسخ وقع من الزوج بسبب عيب دلسته المرأة ¬
بالإخفاء، فكأن الفسخ وقع منها (¬1). 2 - الفرقة بغير طلاق تكون فسخًا للعقد، وفسخ العقد قبل الدخول يوجب سقوط المهر؛ لأن فسخ العقد رفعه من الأصل، وجعله كأنه لم يكن (¬2). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، أن الفسوخ التي لا يتنصف بها الصداق، هي ما كان من جانب المرأة، فيسقط حقها في المهر، أما إن كانت الفرقة من جانب الرجل، فللمرأة نصف الصداق. • أدلة هذا القول: 1 - أن الفرقة إذا وقعت من الزوج بسبب رِدَّته مثلًا، فحكم فرقته كطلاقه، فتأخذ نصف المسمى؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (¬6). 2 - المهر الذي تستحقه المرأة من الزوج هو في مقابلة منافعها، فإذا اختارت فسخ العقد مع سلامة المعقود عليه رجع العوض إلى العاقد الذي هو الزوج (¬7). 3 - أن ملك المرأة للصداق غير مستقر، ولا يستقر ملكها له إلا بالدخول أو بالموت، وهنا وقعت الفرقة من قبل المرأة قبل الدخول، فلا تستحق شيئًا (¬8). • القول الثاني: ذهب ابن حزم إلى أن النكاح إذا انفسخ بعد صحته، فللمرأة المسمى كاملًا، سواء دخل بها أم لا. • دليل هذا القول: قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]. • وجه الدلالة: أوجب اللَّه سبحانه وتعالى الصداق للمرأة بالعقد دخل بها أو لم يدخل، فإذا انفسخ النكاح بما يوجب فسخه، فحق المرأة في الصداق باقٍ، كما لو مات الزوج، ولا فرق (¬9).Rأولًا: عدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف أن الفسوخ التي ليست ¬
[11 - 124] الصداق لا يكون إلا معينا موصوفا
بطلاق لا تأخذ المرأة بها من المهر شيئًا، سواء كان الفسخ من قبل الرجل أو المرأة؛ وذلك لخلاف ابن حزم. ثانيًا: عدم صحة ما ذكر من نفي الخلاف في أن المرأة لا تأخذ شيئًا من المهر إذا كانت الفرقة بسبب فسخ غير الطلاق؛ لخلاف المالكية، والشافعية، والحنابلة، في أنها تأخذ النصف من المهر إذا كانت الفرقة من جهة الزوج. [11 - 124] الصداق لا يكون إلا معينًا موصوفًا: إذا عقد النكاح فإنه لا بد أن يعقد على صداق معين، معلوم القدر والصفة والجنس مما يمكن ضبطه، فيما لو حصل بين الزوجين اختلاف، فيرجع كل من الزوجين بالنصف إذا كان هناك طلاق قبل الدخول، أو ترجع المرأة بالمهر كاملًا في خلوة صحيحة، أو طلاق بعد الدخول، أو يرجع الزوج بالمهر كاملًا إن حدث فسخ لعقد النكاح من قبل المرأة، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الصداق لا يكون إلا معلومًا؛ لأنه من باب المعاوضات" (¬1). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على انعقاد النكاح على العوض المعين الموصوف، أعني: المنضبط جنسه، وقدره، وصفته" (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24]. • وجه الدلالة: شرط اللَّه سبحانه وتعالى أن يكون المهر مالًا، فما لا يكون مالًا لا يكون مهرًا (¬3). 2 - وقال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]. • وجه الدلالة: أمر اللَّه سبحانه وتعالى بتنصيف المفروض من المهر في الطلاق قبل الدخول، فيقتضي كون المفروض مما يقبل التنصيف، وهو المال (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء المالكية من الإجماع على أن الصداق لا بد ¬
[12 - 125] رد الصداق بالعيب الكثير
أن يُعقد على معين، معلوم القدر، والصفة، والجنس، وافق عليه الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4).Rتحقق الإجماع على أن الصداق لا يكون إلا معينًا، موصوفًا، معلوم القدر والجنس مما يمكن ضبطه؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [12 - 125] رد الصداق بالعيب الكثير: إذا أصدق الرجل المرأة صداقًا، سواء كان هذا الصداق منزلًا، أو إبلًا، أو غنمًا، أو شجرًا، كما ذكر الفقهاء، وكان هذا الصداق مَعِيبًا، فللمرأة رده إذا كان العيب كثيرًا، ونقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملة ذلك أن الصداق إذا كان معينًا، فوجدت به عيبًا، فلها رده، كالمبيع المعيب، ولا نعلم في هذا خلافًا إذا كان العيب كثيرًا" (¬5). 2 - القرافي (684 هـ) حيث قال: "والغرر الفاحش ممنوع فيه (¬6) ابتداءً اتفاقًا" (¬7). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره القرافي من المالكية، وابن قدامة من الشافعية من الاتفاق على أن الصداق المعيب للمرأة رده، إن كان العيب كثيرًا، وافق عليه الحنفية (¬8)، والشافعية (¬9). • مستند الاتفاق: أن كل عيب يرد به البيع يرد به الصداق، فإن ردته المرأة بسبب العيب فلها قيمته؛ لأن العقد لا ينفسخ بسبب الرد؛ فيبقى سبب الاستحقاق، فتجب عندئذٍ القيمة (¬10). ¬
[13 - 126] فساد الصداق بسبب جهالته، أو عدمه، أو العجز عن تسليمه، لا يفسد النكاح
Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أن العيب إن كان كثيرًا في الصداق، فللمرأة رده؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [13 - 126] فساد الصداق بسبب جهالته، أو عدمه، أو العجز عن تسليمه، لا يفسد النكاح: إذا فسد الصداق بسبب جهالته، أو عدمه، أو العجز عن تسليمه، كأن يكون الصداق عبدًا على صفة ما، وكانت هذه الصفة غير موجودة، أو أبق العبد، فلم يقدر على تسليمه، فإن النكاح ثابت، وفيه مهر المثل، ولا يضره فساد الصداق، سواء كان قبل الدخول أو بعده، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمعوا مع ذلك أن النكاح على المهر الفاسد إذا فات بالدخول، فلا يفسخ لفساد صداقه، ويكون فيه مهر المثل" (¬1). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "والأصل أن جهالة العوض تمنع صحة تسميته - كما في البيع والإجارة، لكونها مفضية إلى المنازعة - إلا أنه يتحمل ضربًا من الجهالة في المهر بالإجماع" (¬2). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إذا فسد الصداق لجهالته، أو عدمه، أو العجز عن تسليمه، فإن النكاح ثابت، لا نعلم فيه خلافًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن فساد الصداق بسبب جهالته، أو عدمه، أو العجز عن تسليمه، لا يفسد النكاح، وفيه مهر المثل، سواء كان قبل الدخول، أو بعده، وافق عليه الشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). إلا أن المالكية في رواية عنهم، جعلوا فيه مهر المثل إن فسد الصداق بعد الدخول فقط، وإن وقع الفساد قبل الدخول فقد وقع خلاف لديهم يتضح في فقرة تالية (¬6). ¬
• مستند الإجماع: 1 - أن التزويج يضمن بنفسه، وليس بالعوض، بدليل تجويز اللَّه سبحانه وتعالى النكاح بغير صداق، وذلك قوله: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] (¬1). قال ابن عبد البر: يريد بذلك ما لم تمسوهن، وما لم تفرضوا لهن فريضة، فلما أوقع الطلاق دل على صحة النكاح من دون تسمية صداق؛ لأن الطلاق غير واقع إلا على الزوجات، وكونهن زوجات دليل على صحة النكاح بغير تسمية صداق. وإذا صح النكاح دون تسمية صداق دل على أن الجهالة في الصداق، أو عدمه، أو العجز عن تسليمه لا تؤثر في صحة النكاح، ويكون للمرأة عندئذٍ مهر المثل (¬2). 2 - أن القصد من فساد عقود البيع، والإجارة بفساد العوض، كونها مبنية على الغبن، وليس هذا في النكاح؛ لأنه مبني على المواصلة، دون العوض (¬3). • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية في رواية إلى أن النكاح يفسخ إن وقعت الجهالة، أو عدم القدرة على تسليم المهر قبل الدخول (¬4). • دليل هذا القول: أن النكاح عقد معاوضة، فيجب أن يفسد بفساد العوض، كالبيع (¬5).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن الصداق إذا فسد بسبب جهالته، أو عدمه، أو العجز عن تسليمه، فإن النكاح ثابت لا يفسد وفيه مهر المثل؛ إذا كان بعد الدخول. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن الصداق إذا فسد بسبب جهالته، أو عدمه، أو العجز عن تسليمه، لا يفسد النكاح والنكاح ثابت؛ وفيه مهر المثل، وذلك إذا كان قبل الدخول؛ لخلاف المالكية في رواية أن الجهالة، أو عدم القدرة على تسليمه إن كان قبل الدخول، تفسخ النكاح. ¬
[14 - 127] إذا تزوج رجل امرأة على صداق محرم، صح النكاح، وفسد الصداق
[14 - 127] إذا تزوج رجل امرأة على صداق مُحرَّم، صح النكاح، وفسد الصداق: إذا تزوج رجل امرأة على صداق محرَّم، كخمر أو خنزير مثلًا، وكانا مسلمين، فالأصل أنه يمنع ابتداء العقد به، فإن وقع؛ فالتسمية فاسدة، والنكاح صحيح، ولها مهر المثل، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "ولو نكحها بخمر أو خنزير، فالنكاح ثابت، والمهر باطل، ولها مهر مثلها. . . وما قلت: أن لها مهر امرأة من نسائها، ما لا أعلم فيه اختلافًا" (¬1). 2 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "لا يجوز أن يكون المهر محرمًا لا يصلح أن يملك كالخمر والخنزير. . . ولا خلاف في منع ابتداء العقد به" (¬2). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "إجماع العلماء على أن الخمر والخنزير لا يكون شيء منهما مهرًا لمسلم" (¬3). وقال أيضًا: "وأجمعوا مع ذلك على أن النكاح على المهر الفاسد إذا فات بالدخول، فلا يفسخ لفساد صداقه، ويكون فيه مهر المثل" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره المالكية، والإمام الشافعي من الإجماع على أن النكاح إذا عقد على مهر محرّم، فالنكاح صحيح، والمهر فاسد، وافق عليه الحنفية (¬5)، والحنابلة في المذهب (¬6). وبه قال الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24]. • وجه الدلالة: أباح اللَّه تعالى الفروج بالأموال ولم يفصّل، فوجب إذا حصل بغير المال ألا تقع الإباحة به؛ لأنه على غير الشرط المأذون فيه، كما لو عقد على خمر أو خنزير، أو ما لا يصح تملكه (¬8). ¬
2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل" (¬1). • وجه الدلالة: تضمن هذا الخبر نفي النكاح عند عدم الولي والشاهدين، وإثبات النكاح بوجودهما، وهذا نكاح وقع بولي وشاهدين، فوجب أن يكون صحيحًا (¬2). 3 - أن الفساد الواقع في أبواب البيع لا يكون في النكاح، فإذا فسد الشرط في النكاح؛ صح العقد، وبطل الشرط (¬3). 4 - عقد النكاح لا يفسد بجهالة العوض، فلا يفسد كذلك إذا كان العوض محرّمًا (¬4). 5 - إذا فسد المهر فليس هناك أكثر من سقوطه، فإذا سقط وجب أن يصار إلى مهر المثل (¬5). • الخلاف في المسألة: أولًا: فرّق الإمام مالك في إحدى الروايتين عنه بين ما كان قبل الدخول، وما كان بعده، فإذا عقد النكاح على صداق محرّم؛ فإنه يفرّق بين الزوجين إذا كان قبل الدخول، ولا يفرق بينهما بعده؛ ورجح القاضي عبد الوهاب هذه الرواية (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24]. • وجه الدلالة: علق اللَّه سبحانه وتعالى إحلال الزوجة لزوجها بأن يَصْدُقَها مالًا، والخمر والخنزير ليسا بمال، فوجب أن يفسد النكاح بفساد الصداق (¬7). 2 - أن النكاح عقد معاوضة، فيجب أن يفسد بفساد العوض، كالبيع (¬8). 3 - إذا وقع الدخول، فلا يفسخ النكاح؛ لأن الصداق قد وجب، فلا يؤخذ بالمعنى الذي لأجله يفسخ قبل الدخول (¬9). ¬
[15 - 128] تستحق المرأة المتعة بالطلاق، قبل فرض المهر، وقبل الدخول
ثانيًا: يفسد النكاح بفساد الصداق، فيفرق بين الزوجين سواء كان قبل الدخول أو بعده، وهذا قول الإمام مالك في الرواية الثانية عنه (¬1)، ورواية عن الإمام أحمد (¬2)، وحمل ابن قدامة وغيره هذه الرواية على الاستحباب (¬3)، وهو قول ابن حزم (¬4)، وأبي عبيد (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - من عقد على صداق محرّم فقد فعل المنهي عنه -كما في نكاح الشغار- فيفسد عندئذٍ النكاح لفساد صداقه، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد نهى عن نكاح الشغار، لكون بضع إحدى المرأتين مهرًا للأخرى، فيقاس هذا عليه، وما نهى عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجب تركه؛ لقوله تعالى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] (¬6). 2 - كل عقد قام على مالا يصح التعاقد عليه، فإنه لا يصح، وإذا كان العقد غير صحيح، فما يبنى عليه غير صحيح أيضًا، فلا تكون زوجية حينئذٍ (¬7).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن المال الحرام لا يصح أن يعقد به نكاح امرأة مسلمة ابتداءً. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على صحة النكاح إذا كان الصداق محرّمًا لما يأتي: 1 - ورود خلاف عن الإمام مالك في إحدى الروايتين عنه، ورجحها القاضي عبد الوهاب، في التفريق بين الزوجين قبل الدخول، وعدم التفريق بينهما بعد الدخول إذا كان عقد النكاح على صداق محرّم. 2 - خلاف وارد عن الإمام مالك في الرواية الأخرى عنه، ورواية عن الإمام أحمد، وابن حزم، وأبي عبيد، في فساد النكاح بسبب فساد الصداق، ومن ثم وجب التفريق بين الزوجين، سواء كان قبل الدخول أو بعده. [15 - 128] تستحق المرأة المتعة بالطلاق، قبل فرض المهر، وقبل الدخول: إذا عقد رجل على امرأة، ثم طلقها قبل أن يفرض لها المهر، وقبل أن يدخل بها ¬
فلها المتعة (¬1)، ونقل الإجماع على وجوب المتعة لها جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الطبري (310 هـ) حيث قال: "وأجمع الجميع على أن المطلقة غير المفروض لها قبل المسيس، لا شيء لها على زوجها المطلقها غير المتعة" (¬2). وقال أيضًا: "إجماع الحجة على أن المتعة للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس، واجبة" (¬3). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "بوجوب المتعة قال عمر بن الخطاب، وعلي ابن أبي طالب -رضي اللَّه عنهما-، وليس يعرف لهما في الصحابة مخالف، فصار إجماعًا" (¬4). 3 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على أن المطلقة قبل الفرض، وقبل المسيس، تستحق المتعة" (¬5). 4 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأجمع أهل العلم على أن التي لم يفرض لها، ولم يدخل بها، لا شيء لها غير المتعة" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من وجوب المتعة للمطلقة قبل فرض المهر، وقبل الدخول، وافق عليه الحنفية (¬7)، والإمام مالك في رواية عنه، رجحها القرطبي (¬8)، والصحيح من المذهب عند الحنابلة (¬9)، وابن حزم (¬10). وهو قول عمر، وعلي، وابن عمر، وعبد اللَّه بن عمرو، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، والحسن البصري، وعطاء، وسعيد بن جبير، وجابر بن زيد، والشعبي، والنخعي، والثوري، وأبي قلابة، ¬
والزهري، وقتادة، وإسحاق (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)} [البقرة: 236]. • وجه الدلالة: جاءت الآية بوجوب المتعة للمطلقة، والأمر يقتضي الوجوب، فيبقى على الوجوب حتى يأتي ما يصرفه (¬2). 2 - وقال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)} [البقرة: 241]. • وجه الدلالة: أولًا: جاءت الآية بوجوب المتعة لكل مطلقة، وليس أدل على الوجوب من قوله تعالى: {حَقًا}، فأوجب المتعة على كل متقٍ يخاف اللَّه، فمن منعها فليس بمتقٍ للَّه (¬3). ثانيًا: جعل اللَّه سبحانه وتعالى المتعة للمطلقات بلام التمليك، فدل على استحقاقهن لها (¬4). ثالثًا: قدّر اللَّه سبحانه وتعالى المتعة بالمعروف، وما لا يجب فإنه غير مقدر (¬5). 3 - أن المتعة بدل عن نصف الصداق في غير المفروض لها، والصداق واجب، فتجب المتعة عندئذٍ (¬6). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام مالك في رواية، وهي قول أصحابه من بعده (¬7)، إلى أن المتعة مستحبة، وليست واجبة للمطلقة قبل الدخول، وقبل فرض المهر. وهو قول ابن أبي ليلى، والقاضي شريح، والليث، وأبي عبيد (¬8). • دليل هذا القول: قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)} [البقرة: 236]. • وجه الدلالة: أولًا: خصّ اللَّه سبحانه وتعالى المحسنين بالمتعة، ¬
[16 - 129] المتوفى عنها زوجها بعد تسمية المهر، لا متعة لها
والإحسان ليس بواجب، فدل على أن المتعة على سبيل الإحسان والتفضل. ثانيًا: لو كانت المتعة واجبة لأطلقها سبحانه وتعالى على الخلق أجمعين، ولم يخص بها المحسنين دون غيرهم (¬1).Rعدم تحقق الإجماع على أن المطلقة قبل الدخول، وقبل فرض المهر تجب لها المتعة؛ لخلاف الإمام مالك في رواية عنه، هي قول أصحابه من بعده، وقول جماعة من السلف، بأن المتعة مستحبة وليست واجبة. [16 - 129] المتوفى عنها زوجها بعد تسمية المهر، لا متعة لها: إذا توفي الرجل، وقد سمى لامرأته الصداق، فلا متعة لها، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وأما المتوفى عنها، فلا متعة لها بالإجماع" (¬2). وذكره في الكافي (¬3). 2 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وأما المتوفى عنها، فلا متعة لها، بلا خلاف" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنابلة من الإجماع على أن المتوفى عنها زوجها، التي سمى لها صداقها، لا متعة لها، وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)} [البقرة: 236]. • وجه الدلالة: لم يتناول النص الأمر بالمتعة لمن توفي عنها ¬
[17 - 130] جواز عفو المرأة عن صداقها
زوجها، وإنما تناول المطلقات، فدل على أنها لا تجب لغيرهن (¬1). 2 - أن المتوفى عنها زوجها أخذت العوض المسمى لها في العقد، فلم يجب لها بهذا العقد غير المسمى (¬2).Rتحقق الإجماع على أن لا متعة لمن توفي عنها زوجها، إذا كان سمى لها المهر؛ لعدم وجود مخالف. [17 - 130] جواز عفو المرأة عن صداقها: إذا عفت المرأة عن صداقها أو عن بعضه، أو وهبته بعد قبضه، جاز ذلك لها، ونقل الاتفاق على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإذا عفت المرأة عن صداقها الذي على زوجها، أو عن بعضه، أو وهبتة بعد قبضه، وهي جائزة الأمر في مالها، جاز ذلك وصح، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬3). 2 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "اتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها، نفذ ذلك عليها، ولا رجوع لها فيه" (¬4). 3 - القرافي (684 هـ) حيث قال: "قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237]، أي: يعفو النساء الرشيدات عن النصف فيسقط، وهو متفق عليه" (¬5). 4 - ابن قاسم (1392 هـ)، فذكره كما قال ابن قدامة (¬6). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره علماء المالكية، والحنابلة من الاتفاق على جواز أن تعفو المرأة عن صداقها، أو بعضه، وافق عليه الحنفية (¬7)، والشافعية (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الاتفاق: 1 - قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ ¬
[18 - 131] جواز عفو السيد عن صداق أمته
لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237]. • وجه الدلالة: إذا فرض الرجل لزوجته مهرًا، فإنه يجوز لها أن تعفو عن صداقها بعد وجوبه؛ لأنها أصبحت مالكة له، وتملك التصرف في مالها (¬1). 2 - وقال تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]. • وجه الدلالة: أباح اللَّه للزوج أكل ما تطيب نفسه من مال زوجته، ولا يكون ذلك إلا بإباحتها لزوجها (¬2).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أنه يجوز للمرأة أن تعفو عن صداقها، كله أو بعضه، أو تهبه بعد قبضه؛ لعدم وجود مخالف. [18 - 131] جواز عفو السيد عن صداق أَمَتِه: إذا زوج السيد أمَته فله أن يعفو عن صداقها، ونفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال عند حديثه عن عفو الولي عن الصداق: "أما السيد في أمَته فلا خلاف في ذلك؛ لأنه يجتمع فيه من قال: العبد يملك، ومنهم من قال: لا يملك؛ لأنهم لا يختلفون أنه لا يجوز للعبد هبة شيء مما بيده" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن عبد البر من المالكية من أنه لا خلاف أن للسيد أن يعفو عن صداق أمته، وافق عليه الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند نفي الخلاف: 1 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها، ومن ابتاع عبدًا فماله للذي باعه، ¬
[19 - 132] لا يحل لأحد أن يطأ فرجا وهب له دون رقبته، بغير صداق
إلا أن يشترطه المبتاع" (¬1). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن المملوك لا يملك شيئًا أصلًا، وما أضيف للعبد من المال في هذا الحديث إنما هو للاختصاص والانتفاع، ولذلك يقال: السرج للدابة، ونحو ذلك، وعلى هذا إذا كان مال العبد لسيده، فللسيد أن يعفو عن صداق أمته؛ لأنها لا تملك، ولا مال لها (¬2). 1 - السيد هو المستحق لصداق أمَته، فله أن يعفو عنه (¬3). 2 - لا يثبت للسيد على عبده دين؛ بدليل ما لو أتلف ماله، فإنه لا ضمان عليه في الحال، ولا بعد العتق (¬4).Rصحة ما ذكر أنه لا خلاف أن للسيد أن يعفو عن صداق أمته. [19 - 132] لا يحل لأحد أن يطأ فرجًا وهب له دون رقبته، بغير صداق: الوطء المشروع لا يكون إلا بطريقين: الأولى: النكاح الشرعي الصحيح. الثانية: ملك اليمين. فإذا وُهِبَ فرج لرجل ليطأه؛ فينظر: إن كانت أمَةً وهبت له فيحل له وطؤها بملك اليمين، وإن كانت وهبت له مع دفع صداق، فهذا زواج له شروطه. وإن كانت حرةً، فإذا وهبت فرجها لشخص ليطأها فهو زنى، فإن الحرة لا توطأ إلا بنكاح صحيح يسمى فيه المهر. ولا يجوز لأحد أن يتزوج بلا مهر إلا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإن ذلك من خصائصه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5) ونَقَل الإجماع على أنه لا يجوز هبة فروج النساء دون مهر -والمهر لا يكون إلا بنكاح شرعي صحيح- جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن هبة فروج النساء، أو عضو من عبد أو أمَة، أو عضو من حيوان لا يجوز ذلك، وكذا الصدقة به، ¬
والعطية، والهدية" (¬1). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجًا وهب له وطؤه دون رقبته، بغير صداق" (¬2). وكذا قال في الاستذكار (¬3). 3 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "إذا أحلت المرأة جاريتها لزوجها فهي إعارة الفروج. . . مذهب طاوس أن الإحلال جائز. . . ولم يثبت، وما هو إلا إجماع" (¬4). 4 - الرافعي (623 هـ) حيث قال: "وقد حكي عن عطاء بن أبي رباح أنه يباح وطء الجارية بإذن مالكها. . . وإن قيل إن ذلك مذهبه؛ لكن الإجماع انعقد بعده على التحريم" (¬5). 5 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "ولم يجعل خالصًا له من دون المؤمنين إلا الموهوبة التي تهب نفسها للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجعل هذا من خصائصه: له أن يتزوج الموهوبة بلا مهر، وليس هذا لغيره باتفاق المسلمين" (¬6). 6 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "وقد أجمعوا على أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجًا وهب له دون الرقبة بغير صداق" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من أنه لا يحل أن توهب الفروج دون رقبتها، وافق عليه الحنفية (¬8)، والحنابلة (¬9). وهو قول ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، والحسن البصري، وعمرو بن دينار، والأوزاعي، والثوري (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)}. • وجه الدلالة: أمر اللَّه سبحانه وتعالى بحفظ الفرج، ووطء الفرج بغير استباحة شرعية ينافي الحفظ المأمور به، والاستباحة الشرعية لا تكون إلا بالزواج، أو ملك اليمين، ¬
فلا يجوز وطء امرأة بغير صداق، أو ملك يمين (¬1). 2 - عن حبيب بن سالم (¬2) أن رجلًا يقال له: عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته، فرفع إلى النعمان بن بشير (¬3)، وهو أمير على الكوفة، فقال: لأقضين فيك بقضية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة، وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة، فوجدوه قد أحلتها له، فجلده مائة (¬4). 3 - جاء رجل إلى عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- فقال: إن أمي أحلت لي جاريتها؟ فقال عبد اللَّه بن عمر: فإنها لا تحل لك إلا بإحدى ثلاث: هبة بتة، أو شراء، أو نكاح (¬5). 4 - عن نافع أن ابن عمر سئل عن امرأة أحلت جاريتها لزوجها، فقال ابن عمر: لا أدري، لعل هذا لو كان على عهد عمر لرجمه، إنها لا تحل لك جارية إلا جارية إن شئت بعتها، وإن شئت أعتقتها، وإن شئت وهبتها، وإن شئت أنكحتها (¬6). 5 - من أحل فرج جاريته، ولم يهب رقبتها، فما طابت نفسه بإخراجها عن ملكه؛ فعلى هذا فما أحل من فرجها فهو حرام مردود؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" (¬7)، فلا ينفذ عليه هبة الفرج (¬8). ¬
• الخلاف في المسألة: يرى ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وطاوس، وسفيان الثوري، وعطاء، أن المرأة إذا أحلت لزوجها جاريتها، فله أن يصيبها، وأن ذلك حلال (¬1)، وله أن يطأ الجارية بإذن مالكها، دون أن يملك رقبتها (¬2). أدلة هذا القول: 1 - عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع طاوسا يقول: قال ابن عباس: إذا أحلت امرأة الرجل، أو ابنته، أو أخته له جاريتها، فليصبها، وهي لها (¬3). 2 - عن طاوس أنه قال: هي أحل من الطعام، فإن ولدت فولدها للذي أحلت له، وهي لسيدها الأول (¬4). 3 - عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء. قال: كان يُفعل، يحل الرجل وليدته لغلامه، وابنه، وأخيه، وأبيه، والمرأة لزوجها، وما أحب أن يفعل ذلك، وما بلغني عن ثبت، وقد بلغني أن الرجل يرسل وليدته إلى ضيفه (¬5).Rأولًا: تحقق الإجماع في أنه لا يحل وطء حرة من باب الهبة إلا بصداق، حتى يكون نكاحًا شرعيًّا مستوفيًا لأركانه وشروطه. ثانيًا: عدم ثبوت الإجماع في الإماء خاصة، لوجود خلاف صحيح عن ابن عباس، وعطاء، وطاوس. ¬
[20 - 133] يكون الصداق كله للمرأة بموت أحد الزوجين بعد التسمية
• ثالثًا: انتُقِد خلاف طاوس، وعطاء بأنه لم يثبت عنهما، فلم يثبته ابن العربي، والرافعي (¬1)؛ وأثبت ابن حزم خلاف ابن عباس، وطاوس، وقال: هو في غاية الصحة عنهما، ولكنا لا نقول به، إذ لا حجة في قول أحد دون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)}، فقول اللَّه أحق أن يتبع (¬2). [20 - 133] يكون الصداق كله للمرأة بموت أحد الزوجين بعد التسمية: إذا مات أحد الزوجين بعد تسمية الصداق، فإن جميع الصداق يصبح ملكًا للمرأة، سواء وطئها زوجها أم لا، ونقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من مات أو ماتت، وقد سمى لها صداقًا صحيحًا، ووطئها أم لم يطأها، فلها جميع ذلك الصداق" (¬3). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "لا خلاف في أن أحد الزوجين إذا مات حتف أنفه قبل الدخول في نكاح فيه تسمية، أنه يتأكد المسمى" (¬4). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفق العلماء على أن الصداق يجب كله بالدخول أو بالموت" (¬5). 4 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "لا خلاف أن من دخل بزوجته ثم مات عنها، وقد سمى لها، أن لها ذلك المسمى كاملًا، والميراث، وعليها العدة" (¬6). 5 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "ويجب جميعه بالدخول، أو بالموت اتفاقًا" (¬7). 6 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "وبموت أحد الزوجين يستقر المهر بالاتفاق" (¬8). ¬
7 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: "وإن تزوجها، ولم يسم لها مهرًا، ثم تراضيا على تسمية، فهو لها؛ إن دخل بها، أو مات عنها، بالاتفاق" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على أن المرأة تملك الصداق كله بموت أحد الزوجين، وافق عليه الحنابلة (¬2). • مستند الاتفاق: 1 - أن موت أحد الزوجين لا يبطل به عقد النكاح بدليل التوارث بينهما (¬3). 2 - استحقت المرأة المهر بالعقد، والعقد لم ينفسخ بسبب الموت، بل انتهى، لأن العقد يتم للاستمرار، فتنتهي نهايته عند انتهاء العمر، وإذا انتهى يتقرر فيما مضى (¬4). 3 - موت أحد الزوجين ينهي العقد، ويستقر به العوض، كانتهاء الإجارة (¬5). • الخلاف في المسألة: أولًا: لم يختلف الفقهاء في ملك الزوجة للمهر بموت أحد الزوجين، إذا مات أحدهما حتف أنفه (¬6). ثانيًا: إذا مات أحد الزوجين مقتولًا، سواء قتل نفسه، أو قتله غيره، أو قتل أحد الزوجين صاحبه؛ فهل تملك المرأة المهر؟ خلاف على أقوال: • القول الأول: ذهب الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية في أصح القولين (¬9)، والحنابلة في الصحيح من المذهب (¬10)، إلى أن المرأة تملك المهر، في جميع حالات القتل، سواء قتل أحدهما نفسه، أو قتله أجنبي، أو قتل أحد الزوجين صاحبه. • أدلة هذا القول: 1 - القتل يصير تفويتًا للحق عند زهوق الروح، والمهر في تلك الحالة ينتقل للورثة، فلا يحتمل السقوط (¬11). ¬
2 - أن هذه فرقة حصلت بانقضاء الأجل، فلا يسقط المهر، كما لو مات أحدهما حتف أنفه (¬1). • القول الثاني: ذهب زفر من الحنفية (¬2)، والشافعية في أحد القولين (¬3) إلى أن المهر يسقط إذا قتلت المرأة نفسها. • أدلة هذا القول: 1 - أن النكاح انفسخ بسبب من جهة المرأة، فهو كما لو ارتدت (¬4). 2 - أن المرأة فوتت على الزوج حقه في المبدل، فيسقط حقها في البدل (¬5). • القول الثالث: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أن المرأة إذا قتلت نفسها، فلها نصف المهر (¬6). • دليل هذا القول: أن المرأة قد ماتت قبل أن يمسها زوجها، فلا تملك إلا نصف المسمى، ولا تستحق المسمى إلا بالدخول (¬7)؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237].Rأولًا: صحة ما ذكر من الاتفاق على أن المرأة تملك صداقها، إذا مات أحد الزوجين حتف أنفه. ثانيًا: صحة الاتفاق على أن المرأة تملك الصداق بموت زوجها قتلًا، سواء قتل نفسه، أو قتله أجنبي. ثالثًا: إذا قتلت المرأة نفسها فلم يتحقق الاتفاق على ملكها لمهرها، لوجود خلاف عن زفر من الحنفية، وقول عند الشافعية بأنه يسقط حقها في المهر، ورواية عن الإمام أحمد أن لها نصف المهر. ¬
[21 - 134] إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول، وقبل تسمية الصداق، فإن الآخر يرث صاحبه
[21 - 134] إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول، وقبل تسمية الصداق، فإن الآخر يرث صاحبه: إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول، وقبل أن يسمي الصداق، فإن الآخر يرث صاحبه، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "المفوضة التي لم يسمِّ لها صداقًا، إذا مات الزوج، أو ماتت المرأة، توارثا بلا خلاف" (¬1). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أما المفوضة إذا مات عنها زوجها قبل الدخول، أو ماتت، فإنهما يتوارثان بالإجماع" (¬2). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أما الميراث فلا خلاف فيه؛ فإن اللَّه تعالى فرض لكل واحد من الزوجين فرضًا، وعقد الزوجية ها هنا صحيح ثابت، فيورث به؛ لدخوله في عموم النص" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). 4 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "فإن مات قبل الدخول، وقبل الفرض، . . . فلها الميراث، اتفاقًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن أحد الزوجين إذا مات قبل الدخول، وقبل تسمية الصداق، فإنهما يتوارثان، وافق عليه الحنفية (¬6). وهو قول علي، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، والحسن، وعطاء، وجابر بن زيد، وطاوس، وقتادة (¬7). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12]. • وجه الدلالة: أصبحت المرأة زوجة للرجل الذي عقد عليها بمجرد العقد، وإن خلا عن المهر، فهما زوجان يتوارثان لصحة نكاحهما (¬8). ¬
[22 - 135] مهر البغي محرم
Rتحقق الإجماع على أن أيًّا من الزوجين إذا مات قبل الآخر، ولم يسمَّ الصداق، فإن أحدهما يرث الآخر، بسبب عقد النكاح الذي بينهما، وذلك لعدم وجود مخالف. [22 - 135] مهر البغي مُحرّم: البغي: هي المرأة الزانية (¬1)، وما تأخذه على الزنى فهو مُحرّم، ولا مهر لها أصلًا إن هي مكنت من نفسها غير مكرهة، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "فأما مهر البغي -والبغي: الزانية - ومهرها: ما تأخذه على زناها- فمجمع على تحريمه" (¬2). 2 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "ومهر البغي فلا خلاف في تحريمه، وهو ما تستأجر به المرأة نفسها على الزنى" (¬3). 3 - النووي (676 هـ) حيث قال: "أما مهر البغي؛ فهو ما تأخذه الزانية على الزنى، وسماه مهرًا لكونه على صورته، وهو حرام بإجماع المسلمين" (¬4). 4 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "مهر البغي، وهو ما تأخذه الزانية في مقابلة الزنى بها. . . ولا نزاع بين الفقهاء في أن الحرة البالغة العاقلة إذا مكنت رجلًا من نفسها فزنى بها، أنه لا مهر لها" (¬5). 5 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: ". . . فإنا عرفنا تحريم مهر البغي، وحلوان الكاهن، من الإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم مهر البغي، وافق عليه الحنفية (¬7)، وابن حزم (¬8). ¬
• مستند الإجماع: 1 - عن أبي مسعود الأنصاري (¬1) -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن" (¬2). 2 - عن رافع بن خديج (¬3) -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "شر الكسب مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجام" (¬4). • وجه الدلالة: ورد النهي في الحديثين عن مهر البغي، مما يدل على تحريمه.Rتحقق الإجماع على أن مهر البغي محرّم؛ وذلك لعدم وجود مخالف. * * * ¬
الفصل التاسع: مسائل الإجماع في وليمة العرس
الفصل التاسع: مسائل الإجماع في وليمة العرس [1 - 136] وليمة العرس مستحبة: وليمة العرس من الأمور التي تشرع وتسن عند النكاح، ونقل الاتفاق على استحباب فعلها عند النكاح جمع من أهل العلم. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن وليمة العرس مستحبة" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين أهل العلم في أن الوليمة سنة في العرس مشروعة، لما روي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بها وفعلها" (¬2). وقال أيضًا: "وكونه أمر بشاة فلا خلاف في أنها لا تجب" (¬3). 3 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "أما وليمة العرس فسنّة مأمور بها باتفاق العلماء" (¬4). 4 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ولا خلاف أن الوليمة في العرس سنة مشروعة، وليست بواجبة" (¬5). 5 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "وهي غير واجبة اتفاقًا" (¬6). 6 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "تسن وليمة العرس، بلا خلاف بين أهل العلم" (¬7). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على استحباب وليمة العرس، وأنها سنة مشروعة، وافق عليه المالكية (¬8). • مستند الاتفاق: 1 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبه أثر صفرة، فسأله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، قال: "كم سقت إليها؟ "، قال: وزن نواة (¬1) من ذهب، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أولم، ولو بشاة" (¬2). 2 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: ما أولم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على شيء من نسائه ما أولم على زينب (¬3)، أولم بشاة (¬4). 3 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يبني بصفية (¬5)، فدعوت المسلمين إلى وليمته، فأمر بالأنطاع فبسطت، فالقى عليها التمر والأقط والسمن (¬6). • وجه الدلالة: جاءت الأحاديث من قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وفعله تحث على فعل الوليمة عند النكاح، مما يدل على استحبابها ومشروعيتها (¬7). 1 - مما يدل على الاستحباب ما رواه الشعبي عن فاطمة بنت قيس -رضي اللَّه عنها- أنها سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ليس في المال حق سوى الزكاة" (¬8). فهذا يدل على عدم وجوبها؛ ¬
[2 - 137] الإجابة إلى وليمة العرس واجبة
لكونه لا يجب في المال إلا الزكاة (¬1). 2 - أن طعام وليمة العرس يصنع بسبب السرور الحادث من النكاح، فهو شبيه بسائر الولائم (¬2). 3 - أن سبب هذه الوليمة هو عقد النكاح، وهو غير واجب، ففرعه أولى بعدم الوجوب (¬3). 4 - تقاس الوليمة على السلام؛ فإن السلام ليس بواجب، لكن رده واجب (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب الشافعية في أحد الوجهين (¬5)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬6)، وابن حزم (¬7)، إلى القول بوجوب وليمة العرس. • أدلة هذا القول: حملوا الأمر الوارد في الأحاديث التي تحث على الوليمة على الوجوب (¬8).Rعدم تحقق الإجماع على أن حكم وليمة العرس هو الاستحباب؛ وذلك لوجود خلاف عن الشافعية في أحد الوجهين، والإمام أحمد في رواية عنه، وابن حزم الظاهري، القائل بالوجوب. [2 - 137] الإجابة إلى وليمة العرس واجبة: نقل الإجماع على وجوب الإجابة إلى وليمة العرس، لمن دُعيَ إليها، جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وقد أجمعوا على وجوب الإتيان إلى وليمة العرس" (¬9). ونقله عنه ابن قدامة (¬10)، والشربيني (¬11)، وابن ¬
قاسم (¬1). 2 - القاضي عياض (544 هـ) حيث قال: "لم يُختلف في وجوب إجابة دعوة الوليمة التي هي مختصة بطعام العرس" (¬2). ونقله عنه النووي (¬3)، وابن حجر (¬4)، والصنعاني (¬5)، والشوكاني (¬6). 3 - النووي (676 هـ) حيث قال: "فيه الأمر بحضورها (¬7)، ولا خلاف في أنه مأمور به" (¬8) • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب الإجابة إلى وليمة العرس، وافق عليه الحنفية في قول (¬9)، وابن حزم (¬10). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها" (¬11). 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب" (¬12). 3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "شر الطعام طعام الوليمة، يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اللَّه ورسوله" (¬13). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: دلت هذه الأحاديث على وجوب إجابة الدعوة إلى وليمة العرس. 1 - تقاس الوليمة على السلام؛ فإن السلام ليس بواجب، لكن رده واجب، فتكون ¬
إجابة الدعوة واجبة، سواء قلنا بوجوب الوليمة أو باستحبابها (¬1). 2 - أن في إجابة الدعوة تآلفًا، وفي تركها ضررًا وتقاطعًا (¬2). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية في قول (¬3)، والمالكية في المذهب كما قال اللخمي (¬4) (¬5)، والشافعية في أحد الوجهين (¬6)، وقول لبعض الحنابلة (¬7)، اختاره ابن تيمية (¬8)، إلى القول باستحباب إجابة الدعوة إلى وليمة العرس. • دليل هذا القول: حملوا الأمر الوارد في الأحاديث التي فيها إجابة الدعوة على الاستحباب (¬9). ثانيًا: ذهب الشافعية في وجه آخر (¬10)، والحنابلة في قول (¬11)، إلى أن إجابة الدعوة في وليمة العرس فرض كفاية. • دليل هذا القول: أن المقصود من الوليمة ظهورها وانتشارها، ليقع الفرق بين النكاح والسفاح، فإذا وجد المقصود بمن حضر، سقط الوجوب عمن تأخر (¬12).Rعدم تحقق الإجماع على وجوب إجابة الدعوة في وليمة العرس؛ لما يأتي: 1 - وجود خلاف عن الحنفية في قول، والمالكية في المذهب، والشافعية في وجه، وقول عند الحنابلة بأن إجابة الدعوة في وليمة العرس مستحبة. ¬
[3 - 138] لا حد لأكثر ما يولم به، ولا حد لأقله
2 - وجود خلاف عن الشافعية في وجه، وقول عند الحنابلة بأنها فرض كفاية. [3 - 138] لا حد لأكثر ما يولم به، ولا حد لأقله: من الأمور المشروع فعلها عند العرس، صنع وليمة، ودعوة الناس إليها، وقد يولم المتزوج بقليل، أو بكثير، فله ذلك، فإنه لا حد لكثير الوليمة أو قليلها، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - النووي (676 هـ) حيث قال: "الإجماع على أنه لا حد لقدرها المجزئ، بل بأي شيء أولم من الطعام حصلت الوليمة" (¬1). 2 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنه لا حد لأكثرها، وأما أقلها فكذلك" (¬2). 3 - الشوكاني (1250 هـ)، فذكره كما قال ابن حجر (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الشافعية من الإجماع، والشوكاني على أنه لا حد لأكثر ما يولم به، ولا حد لأقله، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: ما أولم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على شيء من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة (¬8). 2 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يبني بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، فأمر بالأنطاع فبسطت، فالقى عليها التمر والأقط والسمن (¬9). ¬
[4 - 139] لا تجب الإجابة إلى غير وليمة العرس
3 - عن صفية بنت شيبة (¬1) -رضي اللَّه عنها- قالت: أولم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على بعض نسائه بمدين من شعير (¬2). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: ثبت في هذه الأحاديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أولم بشاة، وأولم بمدين من شعير، مما يدل على أنه لا حد لأكثر الوليمة، ولا حد لأقلها.Rتحقق الإجماع على أنه لا حد لأكثر ما يولم به، ولا حد لأقله؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [4 - 139] لا تجب الإجابة إلى غير وليمة العرس: إذا دُعي شخص إلى وليمة، ولم تكن هذه الوليمة وليمة عرس، فإن الإجابة إلى هذه الدعوة غير واجبة، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "لا اختلاف بين الفقهاء أن وليمة غير العرس لا تجب" (¬3). 2 - العمراني (558 هـ) حيث قال: "وليمة ما عدا العرس لا تجب، للإجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الشافعية من الإجماع على عدم وجوب الإجابة لوليمة غير وليمة العرس، وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). وهو قول سفيان الثوري (¬8). • مستند الإجماع: 1 - دُعيَ عثمان بن أبي العاص (¬9) إلى ختان، فأبى أن يجيب، ¬
فقيل له، فقال: إنّا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا ندعى له (¬1). 2 - حمل الفقهاء الأحاديث (¬2) التي جاءت تأمر بإجابة الدعوة إلى الوليمة على وليمة العرس خاصّة؛ لأنه ورد في بعض روايات هذه الأحاديث التصريح بوجوب الإجابة إلى وليمة العرس (¬3). 3 - ما ورد في السنة من وجوب إجابة الدعوة إلى مطلق الوليمة، ينصرف إلى وليمة العرس؛ لما ثبت عند أهل اللغة من أن الوليمة هي طعام العرس خاصّة (¬4). 4 - أنه يستحب إعلان التزويج، وكثرة الجمع فيه، بخلاف غيره، فإن الأمر بالإجابة إليه محمول على الاستحباب (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب بعض علماء الشافعية (¬6)، وابن حزم (¬7)، إلى القول بوجوب إجابة الدعوة فى غير وليمة العرس، وهو قول عبيد اللَّه بن الحسن العنبري (¬8) (¬9). • أدلة هذا القول: 1 - حملوا الأمر الوارد في الأحاديث التي تحث على إجابة ¬
[5 - 140] من علم بالمنكر في الوليمة فلا يجيب
الدعوة في الوليمة، على وليمة العرس وغيرها (¬1). 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب، عرسًا كان أو نحوه" (¬2). 3 - إذا قيل قد جاء في بعض الأحاديث: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب" (¬3)، فيقال: نعم؛ لكن الآثار التي ورد فيها زيادة غير العرس مع العرس، يجب الأخذ بها؛ لأنه لا يحل ترك رواية العدل إذا ثبتت (¬4).Rعدم تحقق الإجماع على أن الإجابة لغير وليمة العرس غير واجبة؛ لخلاف بعض الشافعية، وابن حزم الظاهري، وعبيد اللَّه بن الحسن العنبري القائلين بالوجوب. [5 - 140] من علم بالمنكر في الوليمة فلا يُجِيب: إذا دعي شخص إلى وليمة، سواء كانت وليمة عرس أو غيره، وكان في هذه الوليمة منكر، كالغناء ونحوه، فإن كان يقدر على إزالته كان له أن يجيب، وإن كان لا يقدر على إزالته فإن الإجابة لا تجب عليه، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن من دعي إلى وليمة عرس، لا لهو فيها، ولا هي من حرام، ولا منكر فيها فأجاب، فقد أحسن" (¬5). 2 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "اتفق العلماء على أنه إذا رأى منكرًا، أو خاف أن يراه أنه لا يجيب (¬6) " (¬7). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن العربي المالكي، وابن حزم، من الاتفاق على عدم وجوب إجابة الدعوة إذا كان فيها منكر، وافق عليه الشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، ¬
لغير القادر عن إزالة المنكر. • مستند الاتفاق: 1 - روى سفينة (¬1) أن رجلًا أضاف علي بن أبي طالب، فصنع له طعامًا، فقالت فاطمة: لو دعونا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأكل معنا، فدعوه، فجاء، فوضع يده على عضادتي (¬2) الباب، فرأى القرام (¬3) قد ضُرِبَ به في ناحية البيت، فرجع، فقالت فاطمة لعلي: الحقه فقل له: ما رجعك يا رسول اللَّه؟ فقال: "إنه ليس لي أن أدخل بيتًا مزوقًا" (¬4). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن المدعو لوليمة إذا رأى فيها منكرًا، فله أن يرجع. 2 - عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري أن رجلًا صنع طعامًا فدعاه، فقال: أفي البيت صورة؟ قال: نعم، فأبى أن يدخل حتى يكسر الصورة (¬5). • وجه الدلالة: دل هذا الأثر عن أبي مسعود -رضي اللَّه عنه- أن المدعو إذا استطاع أن يغير المنكر فله أن يجيب، وإذا لم يستطع فلا تلزمه الإجابة. • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية إلى القول بوجوب إجابة الدعوة إن كان قادرًا على إزالة المنكر، واستحباب إجابتها إن لم يكن قادرًا على إزالته، ويصبر، وهذا كله في حق غير المقتدى به (¬6). ¬
[6 - 141] إباحة أخذ النثار في العرس
فإن كان ممن يقتدى به لزمه الإجابة؛ لتغيير المنكر، فإن لم يقدر على التغيير ينصرف؛ لما في بقائه من شين الدين، وفتح باب المعصية على المسلمين (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - أن تغيير المنكر فرض، فكان في إجابة الدعوة إقامة الفرض، ومراعاة السنة (¬2). 2 - أن إجابة الدعوة سنة، ولا تترك السنة لمعصية توجد من الغير، كصلاة الجنازة واجبة الإقامة وإن حضرتها نياحة (¬3). ثانيًا: ذهب الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، إلى القول بأنه إن كان قادرًا على إزالة المنكر لزمه الحضور، فإن لم يقدر لزمه أن يرجع، ولم يفرقوا بين من كان يقتدى به أو غيره. • أدلة هذا القول: 1 - استدلوا بحديث سفينة المتقدم، وقالوا: هذا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- انصرف لما رأى المنكر (¬6). 2 - أنه بحضوره، وقدرته على الإنكار، يجمع بين واجبين: تلبية الدعوة، وإزالة المنكر (¬7).Rما ذكر من الاتفاق على عدم وجوب إجابة الدعوة إذا كان فيها منكر غير صحيح؛ لخلاف الحنفية، والشافعية، والحنابلة بوجوب الإجابة للقادر على إزالة المنكر، فإن لم يقدر انصرف إن كان ممن يقتدى به عند الحنفية، ومطلقًا عند الشافعية والحنابلة. [6 - 141] إباحة أخذ النثار في العرس: إذا نثر (¬8) أهل العرس شيئًا على من حضر، فإنه يباح أخذه، ونقل الإجماع على ¬
إباحة أخذه والتقاطه جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أما نثر السكر واللوز في العرس، أو غير ذلك من طيب أو دراهم، فمباح إجماعًا" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الخلاف إنما هو في كراهية ذلك، أما إباحته فلا خلاف فيها، ولا في الالتقاط" (¬2). وقال أيضًا: "وأما إذا قسم على الحاضرين ما ينثر مثل اللوز، والسكر، وغيره، فلا خلاف أن ذلك حسن، غير مكروه" (¬3). 3 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: ". . . وأما الإباحة والالتقاط فلا خلاف فيهما" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الماوردي من الشافعية، وابن قدامة، وابن قاسم من الحنابلة من الإجماع على إباحة أخذ النثار في العرس، وافق عليه الحنفية (¬5). وهو قول الحسن، وقتادة، والنخعي، وأبي عبيد (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عن عبد اللَّه بن قرط (¬7) -رضي اللَّه عنه- قال: قُرِّب إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خمس بدنات أو ست، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها، قال: فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها، فقلت: ما قال؟ قال: "من شاء اقتطع" (¬8). • وجه الدلالة: أن هذا الفعل من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جارٍ مجرى النثار، مما يدل على إباحة أخذه (¬9). ¬
2 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حضر في إملاك، فأتي بأطباق عليه جوز ولوز وتمر، فنثرت، فقبضنا أيدينا، فقال: "ما لكم لا تأخذون"، فقالوا: لأنك نهيت عن النهبى، فقال: "إنما نهيتكم عن نهبى العساكر، خذوا على اسم اللَّه تعالى"، فجاذبنا وجاذبناه (¬1). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب المالكية (¬2)، والشافعية في وجه (¬3)، والإمام أحمد في رواية، وهي المذهب (¬4)، إلى القول بكراهة النثار في العرس وغيره. وهو قول أبي مسعود البدري -رضي اللَّه عنه-، وعبد اللَّه بن يزيد الخطمي (¬5) -رضي اللَّه عنهما-، وعكرمة، وابن سيرين، وعطاء، وزبيد اليامي (¬6) (¬7). • أدلة هذا القول: 1 - عن عبد اللَّه بن يزيد الأنصاري (¬8) -رضي اللَّه عنه- قال: نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن النهبى والمثلة (¬9). 2 - عن عمران بن الحصين -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من انتهب نهبة فليس ¬
منا" (¬1). 3 - عن ثعلبة بن الحكم (¬2) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "النهبة لا تحل" (¬3). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: قالوا: إن النثار يشبه النهبة المنهي عنها، فيشترك معها في الحكم، فيكون منهيًّا عنه على سبيل الكراهة (¬4). 4 - ربما أخذ النثار من يكرهه صاحب النثار لشرهه، ودناءة نفسه، ويحرمه ممن يحب صاحبه (¬5). 5 - أن في هذا دناءة، واللَّه يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها (¬6). ثانيًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى تحريم النثار، وتحريم التقاطه (¬7). • دليل هذا القول: حملوا النهي الوارد في أدلة القول الثاني على التحريم (¬8)، فيحرم النثار قياسًا على النهبة.Rعدم تحقق الإجماع على إباحة النثار في العرس، وإباحة التقاطه؛ وذلك لما يأتي: 1 - وجود خلاف عن المالكية، والشافعية في وجه، ورواية عن الإمام أحمد في كراهية النثار، ومن سبقهم من السلف، وهم: أبو مسعود البدري، وعبد اللَّه بن يزيد الخطمي -رضي اللَّه عنهما-، وعكرمة، وابن سيرين، وعطاء، وزبيد اليامي. 2 - وجود خلاف عن الإمام أحمد في رواية عنه، بتحريم النثار. ¬
الفصل العاشر: مسائل الإجماع في عشرة النساء
الفصل العاشر: مسائل الإجماع في عشرة النساء [1 - 142] تحريم وطء الحائض: يحرم على الرجل وطء زوجته الحائض، ويحرم عليه ذلك قبل أن تطهر، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الطبري (310 هـ) حيث قال: ". . . لإجماع الجميع على أن حرامًا على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع دم حيضها حتى تطهر" (¬1). ونقله عنه القرطبي (¬2). وقال أيضًا: ". . . وجب أن يكون ذلك هو الجماع المجمع على تحريمه على الزوج في قُبُلِها، دون ما كان فيه اختلاف من جماعها في سائر بدنها" (¬3). وقال أيضًا: ". . . إجماع من الجميع أنها لا تحل لزوجها بانقطاع الدم حتى تطهر" (¬4). وقال أيضًا: ". . . إجماع الجميع من الحجة على أنه غير جائز لزوجها غشيانها بانقطاع دم حيضها" (¬5). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن وطء الحائض في فرجها ودبرها حرام" (¬6). وقال أيضًا: "واتفقوا على أن من وطئ من بَزَّ (¬7) الدم الأسود ما بين ثلاثة أيام إلى سبعة أيام، في أيام الحيض المعهود، ولم تر بعد ذلك شيئًا غيره، فقد وطئ حرامًا" (¬8). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنه يحرم وطء الحائض في الفرج ¬
حتى ينقطع حيضها" (¬1). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفق المسلمون على أن الحيض يمنع أربعة أشياء. . . والرابع: الجماع في الفرج" (¬2). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة جائز بالنص والإجماع، والوطء في الفرج محرم بهما" (¬3). 6 - النووي (676 هـ) حيث قال: "أن يباشرها بالجماع في الفرج، فهذا حرام بإجماع المسلمين، بنص القرآن العزيز، والسنة الصحيحة" (¬4). وقال أيضًا: "أجمع المسلمون على تحريم وطء الحائض" (¬5). 7 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وطء الحائض لا يجوز باتفاق الأئمة" (¬6). 8 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "ولا يجوز وطؤها في الحيض بلا نزاع" (¬7). 9 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "ويمنع الحيض قربان زوجها ما تحت إزارها، أما حرمة وطئها عليه فمجمع عليها" (¬8). 10 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "فأما لو جامع، وهي حائض، فإنه يأثم إجماعًا" (¬9). 11 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "تحريم النكاح (¬10). . . فبإجماع المسلمين، وبنص القرآن العزيز، والسنة الصريحة" (¬11). 12 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "دلت الآية على تحريم وطء الحائض حال جريان دم الحيض، وهو إجماع" (¬12). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي ¬
[2 - 143] تحريم وطء الزوجة في الدبر
الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: أمر اللَّه سبحانه وتعالى باجتناب جماع النساء في زمن الحيض، ثم أمر بإتيانهن من حيث أمر باعتزالهن، مما يدل على تحريم جماعهن زمن الحيض (¬1). 2 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" (¬2). • وجه الدلالة: دل الحديث على إباحة مباشرة الحائض، عدا النكاح، مما يدل على تحريم جماعها زمن الحيض (¬3).Rتحقق الإجماع على تحريم وطء الحائض زمن حيضها، ولا يجوز إتيانها ما لم تطهر؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [2 - 143] تحريم وطء الزوجة في الدبر: يحرم على الرجل أن يطأ امرأته في دبرها، ونقل الإجماع على تحريم ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الطبري (310 هـ) حيث قال: ". . . وفي إجماع الجميع على أن اللَّه تعالى ذِكْره، لم يطلق في حال الحيض من إتيانهن في أدبارهن شيئًا حرّمه في حال الطهر، ولا حرّم من ذلك في حال الطهر شيئًا أحله حال الحيض" (¬4). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن وطء الحائض في فرجها، ودبرها حرام" (¬5). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه لا يجوز للرجل أن يأتي زوجته، ولا أمَته في الموضع المكروه" (¬6). 4 - النووي (676 هـ) حيث قال: "اتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها، حائضًا كانت أو طاهرًا، لأحاديث كثيرة مشهورة" (¬7). ¬
5 - العيني (855 هـ) حيث قال: "الإتيان في دبر المرأة حرام بإجماع الفقهاء" (¬1). وقال أيضًا: "انعقد الإجماع على تحريم إتيان المرأة في الدبر؛ وإن كان فيه خلاف قديم فقد انقطع، وكل من روي عنه إباحته فقد روي عنه إنكاره" (¬2). 6 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "ويحرم وطؤها في الدبر بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم وطء الزوجة في الدبر، وافق عليه المالكية في المشهور عنهم (¬4). وهو قول علي، وابن عباس، وابن مسعود، وأبي الدرداء، وابن عمر في قول عنه، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وطاوس (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: حرّم اللَّه سبحانه وتعالى الوطء في زمن الحيض لأجل الأذى، فكان الدبر أعظم بالتحريم؛ لأنه أعظم أذى (¬6). 2 - وقال تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: أمر اللَّه سبحانه وتعالى أن تؤتى المرأة في قبلها، فدل على تحريم إتيانها في الدبر (¬7). 3 - عن خزيمة بن ثابت (¬8) -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن اللَّه لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن" (¬9). ¬
4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ملعون من أتى امرأة في دبرها" (¬1). 5 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: جاء عمر إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، هلكت! قال: "وما أهلكك؟ " قال: حولت رحلي الليلة؛ قال: فلم يرد عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا، قال: فأوحي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، "أقبل وأدبر، واتق الدبر والحيضة" (¬2). 6 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "استحيوا من اللَّه، إن اللَّه لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في حشوشهن" (¬3). 7 - أنه إجماع الصحابة إذ روي عن علي، وابن عباس وابن مسعود، وأبي الدرداء -رضي اللَّه عنهم-، وليس لهم مخالف، فكان إجماعًا (¬4). فقد سئل علي عن ذلك؛ فقال: سفلت سفل اللَّه بك، أما سمعت اللَّه يقول: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] (¬5). ¬
وسأل رجل ابن عباس عن ذلك فقال: هذا يسألني عن الكفر (¬1). • الخلاف في المسألة: حكي عن الإمام مالك في كتاب له يسمى: "السر" (¬2)، وابن الماجشون (¬3) من المالكية (¬4)، وبعض الشافعية (¬5)، القول بإباحة إتيان النساء في أدبارهن. ونقل هذا القول عن ابن عمر، وعن نافع مولاه، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن كعب القرظي (¬6) (¬7). • أدلة هذا القول: 1 - أخرج البخاري أن ابن عمر قال في قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، قال: في الدبر (¬8). 2 - استدل محمد بن كعب القرظي، ومن معه بقوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)} [الشعراء: 165، 166]. • وجه الدلالة: قال: تقدير ذلك تتركون مثل ذلك من أزواجكم، ولو لم يبح مثل ذلك من الزوجات لما عيب عليهم من تركه من زوجاتهم، وفعله مع الذكران (¬9). ¬
3 - فسّر سعيد بن المسيب، ومن معه، قوله تعالى: {أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، أي: أين شئتم (¬1). 4 - ومما استدلوا به قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]. • وجه الدلالة: دل على أن جميعهن لباس يستمتع به على عمومه (¬2).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على تحريم إتيان النساء في أدبارهن، لما ورد عند البخاري من إباحة ابن عمر للوطء في الدبر، وإن كان نقل عنه خلاف ذلك، كما سيأتي بيانه. ثانيًا: لم يسلم قول من قال بإباحة وطء الزوجة في الدبر من انتقاد؛ وكان على النحو التالي: 1 - ما ورد عن ابن عمر أنه أباح ذلك فقد نقل عنه أنه رجع عنه. قال الطحاوي: هذا ابن عمر قد روي عنه ضد ما ذكر من الإباحة، وإذا كان كذلك؛ كأنه لم يرو عنه فيه شيء (¬3). 2 - عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري حين أحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكرت الدبر، فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين (¬4)؟ 3 - قال ميمون بن مهران: ما رواه نافع أن ابن عمر أباح وطء النساء في أدبارهن؛ إنما قال ذلك بعدما كبر، وذهب عقله (¬5). 4 - ما ذهب إليه محمد بن كعب القرظي فيه نظر! لأن معنى الآية التي استدل بها {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: 166] مما فيه تسكين للشهوة، وذلك لا ¬
يكون إلا في الموضع الذي أمر اللَّه به، وذلك في قوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، مما يدل أن الموضع المختص لذلك هو موضع الولد (¬1). 5 - ما استُدلَّ به من قوله تعالى: {أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أنه شامل للمسالك، فلا حجة فيه؛ إذ هي مخصصة بقوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، ومخصصة أيضًا بأحاديث صحيحة حسان، وشهيرة، رواها عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اثنا عشر صحابيًّا بمتون مختلفة؛ كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار (¬2). 6 - أما ما ورد عن الإمام مالك بإباحة ذلك؛ فقد أخبره ابن وهب (¬3)، وعلي بن زياد (¬4)، أن ناسًا بمصر يتحدثون عنه أن يجيز ذلك؛ فنفر من ذلك، فقال: كذبوا عليّ، كذبوا عليّ، كذبوا عليّ، ثم قال: ألستم قومًا عربًا؟ ألم يقل اللَّه تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223]، وهل يكون الحرث إلا موضع المنبت (¬5)؟ 7 - حذاق أصحاب الإمام مالك ينكرون أن يكون لمالك كتاب اسمه "السر"، والإمام مالك أجل من أن يكون له كتاب سر، قال الحطاب: أما كتاب السر فمنكر (¬6). ¬
[3 - 144] العزل عن الحرة لا يكون إلا بإذنها
8 - قال ابن جزي: وقد افترى من نسب جوازه لمالك (¬1). [3 - 144] العزل عن الحرّة لا يكون إلا بإذنها: ليس للزوج أن يعزل (¬2) عن امرأته الحرّة إلا بإذنها، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين العلماء أيضًا في أن الحرة لا يعزل عنها إلا بإذنها؛ لأن الجماع من حقها، ولها المطالبة به" (¬3). وذكره في الاستذكار (¬4)، ونقله عنه ابن حجر (¬5)، والعيني (¬6)، والشوكاني (¬7). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنه ليس له العزل عن الحرة إلا بإذنها" (¬8). ونقله عنه ابن حجر (¬9)، والشوكاني (¬10)، وابن قاسم (¬11). 3 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وأما المنكوحة؛ فإن كانت حرة، يكره له العزل من غير إذنها، بالإجماع" (¬12). 4 - القرافي (684 هـ)، حيث قال في معرض حديثه عن العزل عن الحرة: "قال صاحب القبس: اجتمعت الأمة على جوازه" (¬13). 5 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: "عزل عن أمته المملوكة له، ولا إذن فيه إلى أحد، وعزل عن المرأة الحرة، والإذن فيه إليها، وهذان بالاتفاق" (¬14). 6 - العيني (855 هـ) حيث قال: "فأجمعوا في الحرة أن العزل لا يجوز بغير ¬
رضاها" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن العزل عن الحرة لا يكون إلا بإذنها، هو قول على، وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وجابر، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأبي أيوب الأنصاري (¬2)، والحسن بن علي (¬3)، وخباب (¬4) -رضي اللَّه عنه-، وسعيد بن المسيب، وطاوس، وعطاء، والنخعي (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: ذكر العزل عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ولِمَ يفعل ذلك أحدكم؟ "، ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم، "فإنه ليست نفس مخلوقة إلا اللَّه خالقها" (¬6). 2 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: كنا نعزل على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والقرآن ينزل (¬7). 3 - عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها (¬8). ¬
• وجه الدلالة: دلت الأحاديث على أن العزل كان على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنه لا يكون إلا بإذن الحرة، وأن الجماع من حقها، فلا يكون العزل إلا بإذنها (¬1). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الشافعية في أحد الوجهين (¬2)، والحنابلة في قول (¬3)، وابن حزم (¬4)، إلى منْع العزل مطلقًا، سواء أذنت أم لا. وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (¬5). • دليل هذا القول: عن جدامة بنت وهب (¬6) قالت: حضرت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أناس، فسألوه عن العزل، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذلك الوأد الخفي" (¬7). • وجه الدلالة: كل شيء أصله الإباحة حتى يأتي ما ينقله إلى التحريم، والعزل كان مباحًا فجاء ما ينقله إلى التحريم، بنص هذا الحديث (¬8). ثانيًا: لا يحرم على الرجل أن يعزل عن امرأته الحرة، سواء أذنت أم لم تأذن، وهو قول لبعض متأخري الحنفية، خصوصًا عند فساد الزمان (¬9)، والشافعية في الوجه ¬
[4 - 145] العزل عن الزوجة الأمة لا يكون إلا بإذن مولاها
الآخر، وهو المذهب كما قال النووي (¬1)، وقول عند الحنابلة (¬2). • دليل هذا القول: الخوف من فساد الزمان على الولد، عذر مسقط لإذن المرأة في العزل (¬3).Rعدم تحقق الإجماع على أنه ليس للزوج أن يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها، وذلك لما يأتي: 1 - وجود خلاف في منع العزل مطلقًا، أذنت أم لم تأذن، وهو وجه عند الشافعية، وقول عند الحنابلة، وقول ابن حزم، ومن سبقهم من الصحابة -رضي اللَّه عنه-. 2 - وجود خلاف بالإباحة مطلقًا، أذنت أم لم تأذن، وهو قول لمتأخري الحنفية، والمذهب عند الشافعية، وقول عند الحنابلة. [4 - 145] العزل عن الزوجة الأمَة لا يكون إلا بإذن مولاها: إذا لم يستطع رجل مسلم أن يتزوج حرة لعدم الطول، فتزوج أمَة، فلا يحق له أن يعزل عنها إلا بإذن مولاها، ونقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن لا عزل عن الأمة المتزوجة إلا بإذن مولاها" (¬4). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وأما المنكوحة؛ فإن كانت حرة يكره له العزل من غير إذنها بالإجماع. . . وإن كانت أمة فلابد من الإذن أيضًا بلا خلاف" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الكاساني، وابن العربي من الاتفاق على أن العزل عن الزوجة الأمة يكون الإذن فيه إلى الولي، وافق عليه الحنابلة في المذهب (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - يكون الإذن إلى الولي؛ لأن الولد له وليس للأمَة (¬7). 2 - أن زواج الرقيق حق للسيد؛ لأجل المالية، ولأجل النسل (¬8). ¬
• الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب أبو يوسف، ومحمد بن الحسن من الحنفية، واختاره الطحاوي (¬1)، والحنابلة في قول؛ صوبه المرداوي (¬2)، إلى أن الإذن يكون للأمة، وليس للولي. أدلة هذا القول: 1 - أن قضاء الشهوة من حق المرأة، والعزل يوجب نقصانًا في ذلك الحق، فكان الإذن لها (¬3). 2 - أنها زوجة تملك المطالبة بالوطء بالفيئة، والفسخ عند تعذره بالعنة (¬4). ثانيًا: ثمة من جعل ذلك للزوج، ولا يحتاج فيه إلى الإذن، سواء من المولى، أو من الأمة، وهو قول الشافعية (¬5)، وقول عند الحنابلة (¬6). أدلة هذا القول: 1 - عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها (¬7). • وجه الدلالة: دل الحديث بمفهومه على أن العزل لا يكون إلا بإذن الحرة، فدل على جوازه بلا إذنٍ لغير الحرة (¬8). 2 - أن العار يلحق بالزوج من استرقاق ولده، فله العزل، بلا إذن (¬9). ثالثًا: ذهب الشافعية في وجه (¬10)، والحنابلة في قول (¬11)، وابن حزم (¬12)، إلى منع العزل مطلقًا، سواء كان العزل عن حرة، أو عن أمةٍ مزوجة، أو عن أمة مملوكة. وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (¬13). • دليل هذا القول: عن جدامة بنت وهب قالت: حضرت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أناس، فسألوه عن العزل، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذلك الوأد الخفي" (¬14). ¬
[5 - 146] العزل عن الأمة المملوكة
• وجه الدلالة: كل شيء أصله الإباحة حتى يأتي ما ينقله إلى التحريم، والعزل كان مباحًا، فجاء ما ينقله إلى التحريم، بنص هذا الحديث، فتستوي فيه الحرة، والأمة (¬1).Rعدم تحقق الإجماع على أن الإذن في العزل يكون لولي الأمة المزوجة، وذلك لما يأتي: 1 - وجود خلاف عن أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، والحنابلة في قول، بجعل الحق فيه للأمة. 2 - وجود خلاف عن الشافعية، والحنابلة في قول آخر، بجعل الحق للزوج، وليس للولي، ولا للأمة. 3 - وجود خلاف عن الشافعية في وجه، والحنابلة في قول، وابن حزم، ومن سبقهم من الصحابة -رضي اللَّه عنه-، بمنع العزل مطلقًا. [5 - 146] العزل عن الأمَة المملوكة: إذا ملك الرجل أمَة بملك اليمين، فله وطؤها، فإن كان ذلك، وكانت سرية (¬2) ليست زوجة، فيحل له أن يعزل عنها بلا إذنها، بل الإذن إليه هو، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "للرجل أن يعزل عن الأمة بغير أمرها وأنه لا حق لها في ذلك. . .، والأصول تشهد لصحة هذا التأويل، والإجماع والقياس، . . . وهو أمر لا خلاف فيه بين فقهاء الأمصار، والحمد للَّه" (¬3). وقال أيضًا: "لا أعلم خلافًا أن الحرة لا يعزل عنها زوجها إلا بإذنها، وله أن يعزل عن أمته بغير إذنها، كما له أن يمنعها الوطء جملة" (¬4). 2 - الغزالي (505 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في جواز العزل عن السرية ¬
والمملوكة" (¬1). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن للمالك العزل عن أمته، وإن لم يستأذنها" (¬2). 4 - الرافعي (623 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في جوازه في السرية صيانة للملك" (¬3). 5 - النووي (676 هـ) حيث قال: "ولا يحرم في السرية بلا خلاف" (¬4). 6 - القرافي (684 هـ) حيث قال: "ويحوز العزل عن السرية بغير إذنها إجماعًا" (¬5). 7 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: "عزل عن أمته المملوكة له، ولا إذن فيه إلى أحد، وعزل عن المرأة الحرة، والإذن فيه إليها، وهذان بالاتفاق" (¬6). 8 - العيني (855 هـ) حيث قال: "العزل في الأمة المملوكة حلال بإجماع العلماء" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من جواز العزل عن الأمة المملوكة بلا إذنها، هو قول على، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب، وزيد بن ثابت، وجابر، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، والحسن بن علي، وخباب بن الأرت -رضي اللَّه عنه-، وسعيد ابن المسيب، وطاوس (¬8). • مستند الإجماع: 1 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إن لي جارية، وهي خادمتنا وسانيتنا (¬9)، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال: "اعزله عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها"، فلبث الرجل، ثم أتاه، فقال: إن الجارية قد حبلت، فقال: "قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها" (¬10). ¬
• وجه الدلالة: دل الحديث على أنه ليس للأمة إذن في العزل، بل الأمر في ذلك لسيدها. 1 - ليس للأمة حق في الجماع، بدليل أن له أن يمنعها منه بالكلية، فالعزل عنها أولى بالجواز (¬1). 2 - يلحق السيد ضررٌ بحمل أمته، فتصير أم ولد فيمنع من بيعها عندئذٍ، فله أن يعزل عنها بغير رضاها (¬2). 3 - ليس للأمة المطالبة بالقسم والفيئة، فلأن لا تملك المنع من العزل أولى (¬3). • الخلاف في المسألة: ذهب الشافعية في وجه (¬4)، والحنابلة في قول (¬5)، وابن حزم (¬6)، إلى منع العزل مطلقًا، سواء كان العزل عن حرة، أو عن أمةٍ مزوجة، أو عن أمة مملوكة. وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (¬7). • دليل هذا القول: عن جدامة بنت وهب قالت: حضرت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أناس، فسألوه عن العزل، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "ذلك الوأد الخفي" (¬8). • وجه الدلالة: كل شيء أصله الإباحة حتى يأتي ما ينقله إلى التحريم، والعزل كان مباحًا، فجاء ما ينقله إلى التحريم، بنص هذا الحديث، فتستوي فيه الحرة، والأمة (¬9).Rعدم تحقق الإجماع على جواز العزل عن الأمة بلا إذنها، وذلك لوجود خلاف عن الشافعية في وجه، وقول عند الحنابلة، وابن حزم، ومن سبقهم من الصحابة -رضي اللَّه عنه-، بمنع العزل مطلقًا. ¬
[6 - 147] وجوب العدل بين الزوجات في المبيت
[6 - 147] وجوب العدل بين الزوجات في المبيت: يجب على الرجل أن يعدل بين زوجاته، فلا يجعل لإحدى نسائه أكثر من الأخرى في المبيت، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن العدل في القسمة بين الزوجات واجب" (¬1). وقال أيضًا: "اتفقوا في المساواة بين الليالي في الحرائر المسلمات العاقلات غير الناشزات، ما لم يكن فيهن متزوجة مبتدأة البناء" (¬2). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن من حقوق الزوجات العدل بينهن في القسم" (¬3). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافًا" (¬4). 4 - القرافي (684 هـ) حيث قال: "ويجب العدل بين الزوجات، إجماعًا" (¬5). 5 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: ". . . الحمد للَّه، يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين" (¬6). وذكره في مختصر الفتاوى المصرية (¬7). 6 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "لا نعلم خلافًا في أن العدل الواجب في البيتوتة، والتأنيس في اليوم والليلة" (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب العدل بين الزوجات في المبيت، وافق عليه الشافعية (¬9). وهو قول ابن عباس، وعبيدة السلماني (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ¬
[7 - 148] انشغال الزوجة بالعبادة عن زوجها
فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: الآية 129]. 2 - وقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: الآية 19]. • وجه الدلالة: أخبر سبحانه وتعالى أن أحدًا لا يستطيع العدل بين النساء، لما في تعلق القلب ببعضهن دون بعض، فعذرهم فيما يكنّون، وأخذهم بالمساواة فيما يظهرون، ولا يكون مع الميل معروف (¬1). 3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل" (¬2).Rتحقق الإجماع على وجوب العدل بين الزوجات في المبيت؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [7 - 148] انشغال الزوجة بالعبادة عن زوجها: لا يجوز للمرأة أن تنشغل عن زوجها بأداء العبادات النافلة، من صلاة، وصيام، ونحوها، ولا يحل لها ذلك إلا برضاه، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن من تطوع بصيام يوم واحد. . . فإنه مأجور حاشا المرأة ذات الزوج" (¬3). 2 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "عن رجل له زوجة تصوم النهار، وتقوم الليل، وكلما دعاها الرجل إلى فراشه تأبى عليه، وتقدم صلاة الليل، وصيام النهار على طاعة الزوج! فهل يجوز ذلك؟ فأجاب: لا يحل لها ذلك باتفاق المسلمين" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن تيمية، وابن حزم من الإجماع على أنه لا يجوز للمرأة أن تنشغل بأداء العبادات النافلة، عن أداء حقوق زوجها، وافق عليه ¬
[8 - 149] لا تلزم التسوية بين الزوجات في الوطء ونحوه
الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة أن تصوم، وزوجها شاهد، إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه" (¬4). • وجه الدلالة: يحرم على المرأة أن تصوم تطوعًا إلا بإذن زوجها، لما قد يترتب على ذلك من منع الزوج من بعض حقوقه (¬5). 2 - عن أبي هريرة -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت، لعنتها الملائكة حتى تصبح" (¬6). • وجه الدلالة: إذا قامت المرأة تقوم الليل بلا إذن زوجها، وأخذ يدعوها إلى فراشة فتأبى عليه، كانت مستحقة للعن بنص هذا الحديث (¬7).Rتحقق الإجماع على أنه لا يجوز للمرأة أن تنشغل بالنوافل من صيام وصلاة عن طاعة زوجها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [8 - 149] لا تلزم التسوية بين الزوجات في الوطء ونحوه: إذا كان للرجل أكثر من زوجة، فإنه يجب عليه أن يعدل بينهن في المبيت، لكن لا يلزمه أن يعدل بينهن في الوطء ونحوه، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن عماد القسْم الليل، فلو وطئ الزوج إحدى زوجتيه في ليلتها، ولم يطأ الأخرى لم يأثم" (¬8). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولو وطئ زوجته، ولم يطأ الأخرى فليس بعاصٍ، لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في ¬
الجماع" (¬1). 3 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "لا تجب التسوية في الجماع بالإجماع" (¬2). 4 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: ". . . الوطآت والقبلات، والتسوية فيهما غير لازمة إجماعًا" (¬3). وقال أيضًا: "والتسوية المستحقة فى البيتوتة لا فى المجامعة؛ لأنها تبتنى على النشاط، ولا خلاف فيه" (¬4). 5 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "ومنه الوطآت والقبلات، والتسوية فيهما غير لازمة بالإجماع" (¬5). 6 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن القسم يجب للزوجات. . . وعلى أنه لا تجب التسوية في الجماع بالإجماع" (¬6). 7 - ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: "يجب أن يعدل في القسْم بالتسوية في البيتوتة. . .، لا في المجامعة؛ لأنها تبتنى على النشاط، ولا خلاف فيه" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أنه لا يلزم التسوية بين الزوجات في الوطء ونحوه وافق عليه المالكية (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: الآية 129]. • وجه الدلالة: قد يميل القلب مع إحدى الزوجات، مهما حرص الزوج في الحب والجماع، فلا تلزمه عندئذٍ التسوية فيهما (¬10). ¬
[9 - 150] وقت القسم بين الزوجات هو الليل
2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" (¬1). 3 - الجماع من دواعي الشهوة، وخلوص المحبة، التي لا يقدر على تكلفها والتصنع بها (¬2). 4 - الجماع مبني على النشاط، فقد ينشط الزوج ليلة دون ليلة (¬3).Rتحقق الإجماع على أنه لا يجب على الزوج التسوية بين زوجاته في الوطء ونحوه، وذلك لعدم وجود مخالف. [9 - 150] وقت القسْم بين الزوجات هو الليل: الوقت الذي يعتبر فيه القسم بين الزوجات؛ هو الليل، وليس النهار؛ لأن النهار جعل لطلب العيش، والليل للسكن، ونقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - القاضي عياض (544 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في القسْم في كونه عندهن ليلًا، وأن يفرد كل واحدة ليلتها" (¬4). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن عماد القسْم الليل، فلو وطئ الزوج إحدى زوجتيه ولم يطأ الأخرى لم يأثم" (¬5). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وعماد القسْم الليل، لا خلاف في هذا" (¬6). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره القاضي عياض من المالكية، وابن هبيرة، وابن قدامة من الحنابلة من الاتفاق على أن القسْم بين الزوجات يكون بالليل، وافق عليه ¬
[10 - 151] القسم يكون للزوجة المريضة وغيرها
الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، وابن حزم (¬3). • مستند الاتفاق: الليل للسكن والإيواء، فيه يأوي الإنسان إلى منزله، ويسكن إلى أهله، وينام في فراشه عادة مع زوجته، والنهار للمعاش، والتكسب (¬4): 1 - قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: الآية 21] والسكن يكون في الليل (¬5). 2 - وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)} [النبأ: 10، 11]. فعلى هذا يقسم الرجل بين نسائه ليلةً وليلة، ويكون في النهار معاشه، وقضاء حقوق الناس، وما شاء مما يباح له (¬6).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أن القسْم بين الزوجات يكون بالليل؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [10 - 151] القَسْم يكون للزوجة المريضة وغيرها: يلزم الزوج أن يعدل بين نسائه في القَسْم، ولا ينظر للحال الذي تكون عليه الزوجة من مرض وغيره، بل كونها زوجة لها الحق في القَسْم، ونفي الخلاف في ذلك. من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ويُقسْم للمريضة، والرتقاء، والحائض، والنفساء، والمُحرِمة، والصغيرة الممكن وطؤها، وكلهن سواء في القسم، وبذلك قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافًا" (¬7). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في أنه يلزم الرجل أن يقسم بين نسائه، المريضة وغيرها، وافق عليه الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، ¬
[11 - 151] استواء المسلمة والكتابية في القسم
والشافعية (¬1)، وابن حزم (¬2). • مستند نفي الخلاف: القصد من القسْم هو حصول الألفة، والسكن، وهذا يحصل بالبيتوتة لكل امرأة في ليلتها (¬3).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن القسم يكون للزوجة المريضة، وغيرها، وأن المرض وغيره لا يكون مانعًا من حق الزوجة في القسْم. [11 - 151] استواء المسلمة والكتابية في القسْم: إذا كان لرجل زوجتان، إحداهما مسلمة، والأخرى كتابية، فإنهما يستويان في القسْم، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء" (¬4). ونقله عنه ابن قدامة (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر، وابن قدامة من الإجماع على استواء المسلمة، والكتابية في القسم، وافق عليه الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، وابن حزم (¬8). وهو قول سعيد بن المسيب، والحسن البصري، والنخعي، والشعبي، والزهري، والحكم بن عتيبة، وحمّاد بن أبي سليمان، والثوري، والأوزاعي، وأبي ثور (¬9). • مستند الإجماع: أن القسْم من حقوق الزوجية، فاستوت فيه المسلمة والكتابية، كالنفقة، والسكنى (¬10).Rتحقق الإجماع على استواء المسلمة والكتابية في القسْم؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[12 - 153] يقسم الزوج يومين للحرة، ويوما للأمة
[12 - 153] يقسم الزوج يومين للحرة، ويومًا للأمَة: إذا كان للرجل زوجتان، إحداهما حرة، والأخرى أمَة، فإن للحرة يومين من القسْم، ويوم واحد للأمَة، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "إنه قول علي، وليس يعرف لعلي في هذا القول مخالف، فكان إجماعًا" (¬1). 2 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: "روي عن علي أنه قال: للحرة ثلثان من القسْم، وللأمة الثلث، ولم يرو عن أحد خلافه، فحل محل الإجماع" (¬2). 3 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "ويقسم لزوجته الأمة ليلة، وللحرة ليلتين. . . بلا نزاع" (¬3). 4 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: ". . . لكن لحرةٍ مثلا أمة، لحديث فيه مرسل، رواه الحسن البصري، وعضده الماوردي بأنه روي عن علي، . . . ولا يعرف له مخالف، فكان إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الزوج يقسم لزوجته الحرة يومين، وللأمة يومًا واحدًا، وافق عليه الإمام مالك في إحدى الروايتين عنه (¬5). وهو قول على -رضي اللَّه عنه-، وسعيد بن المسيب، ومسروق، وأبي عبيد، وإسحاق، والأوزاعي، وأبي ثور، والثوري (¬6). • مستند الإجماع: 1 - روى الحسن مرسلًا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا تنكح أمة على حرة، وللحرة الثلثان، وللأمة الثلث" (¬7). ¬
2 - روي عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: إذا تزوج الحرة على الأمة، قسم للأمة ليلة، وللحرة ليلتين (¬1). 3 - ما رواه الحسن مرسل، ولا تقوم به حجة؛ لكن قد عضده قول صحابي، فقوي به (¬2). 4 - يجب أن تسلِّم الحرة نفسها لزوجها ليلًا ونهارًا، فكان حظها في الإيواء أكثر (¬3). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام مالك في الرواية الثانية عنه (¬4)، وابن حزم (¬5)، إلى أن الأمة المزوجة كالحرة في القسْم، فيستويان فيه. أدلة هذا القول: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى، جاء يوم القيامة وشقه مائل" (¬6). • وجه الدلالة: لم يخص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في وجوب العدل بين النساء حرة متزوجة من أمة متزوجة، فدل على وجوب التسوية بينهن في القسْم (¬7). 2 - أن النساء يستوين في الطباع، فوجب أن يسوى بينهن في القسْم (¬8). 3 - أنه يجب التسوية بين الحرة، والأمة المزوجة فى النفقة والسكنى، فوجب أن يسوى بينهما في القسْم (¬9).Rعدم تحقق الإجماع على أن للحرة في القسْم يومين، وللأمة يومًا واحدًا؛ وذلك لوجود خلاف عن الإمام مالك في إحدى الروايتين عنه، وابن حزم، بأنه تساوي الأمة الحرة في القسْم، ولا فرق. ¬
[13 - 154] لا يقسم الرجل لأمته مع زوجته
[13 - 154] لا يقسم الرجل لأمَته مع زوجته: إذا كان للرجل إماء يملكهن ملك يمين، وله زوجة واحدة، فلا يلزمه أن يسوّي بينهن في القسم، سواء بين الإماء وزوجته، أو بين الإماء خاصة، فله أن يبيت عند زوجته ما شاء، أو يبيت عند أي من إمائه ما شاء، وسواء كان في الإماء أم ولد أم لم يكن، ونقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "ولا يجوز للرجل أن يقسم لأم ولده، ولا لأمته مع زوجته -إن كانت- وهذا لا خلاف فيه" (¬1). 2 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "القسم إنما يجب للزوجات بالاتفاق، فلا قسم لزوجة ولا لإماء" (¬2). 3 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "ولا قسم عليه في ملك يمينه، وله الاستمتاع بهن كيف شاء. . . وهذا بلا نزاع" (¬3). 4 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن القسْم إنما يجب للزوجات، فلا قسم لزوجة مع أمَة" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على أن الرجل لا يقسم لأمته مع زوجته، وافق علية الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: الآية 3]. • وجه الدلالة: لم يجعل اللَّه سبحانه وتعالى لملك اليمين حقًّا يجب فيه العدل، فإذًا لا حق لهن في القسمة، فلا يجوز أن يشارك في الواجب من لا حق له فيه مع من له فيه حق (¬7). 2 - كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مارية القبطيّة (¬8)، ¬
[14 - 155] للزوج منع زوجته من الخروج من منزله
وريحانة (¬1)، وهما أمَتان، فلم يكن يقسم لهما (¬2). 3 - القسم من أحكام الزوجية، فاختصت به الزوجات دون الإماء (¬3). 4 - أن مقصود القسم الاستمتاع، ولا حق للإماء في الاستمتاع، بدليل أنه لو كان السيد مجبوبًا أو عنينًا لم يكن لهن خيار، فلا قسم لهن (¬4).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أن الرجل لا يقسم لأمته، مع زوجته؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [14 - 155] للزوج منع زوجته من الخروج من منزله: إذا منع الزوج امرأته من الخروج من منزله، فإنه يحرم عليها عندئذٍ الخروج، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "وله منعها من الخروج بالإجماع" (¬5). 2 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن القسم إنما يجب للزوجات. . . وعلى أنه يجب على الزوجة طاعة زوجها وملازمة المسكن، وعلى أن له منعها من الخروج" (¬6). 3 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وله منعها من الخروج من منزله، فلا تُترك المرأة تذهب حيث شاءت، بالاتفاق" (¬7). ¬
[15 - 156] للرجل أن يضرب امرأته عند نشوزها
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الشافعية، وابن قاسم من الحنابلة، من الإجماع على أن للزوج منع زوجته من الخروج من منزله وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، وابن حزم (¬3). • مستند الإجماع: 1 - عن تميم الداري (¬4) -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "حق الزوج على الزوجة أن لا تهجر فراشه، وأن تبر قسمه، وأن تطيع أمره، وأن لا تخرج إلا بإذنه، وأن لا تدخل عليه من يكره" (¬5). 2 - أن حق الزوج واجب، فلا يجوز تركه لما ليس بواجب (¬6).Rتحقق الإجماع على أن للزوج أن يمنع زوجته من الخروج، فلا يجوز للمرأة أن تخرج إلا بإذنه؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [15 - 156] للرجل أن يضرب امرأته عند نشوزها: إذا خاف الرجل من امرأته نشوزًا (¬7) فله أن يستخدم ما أرشد اللَّه سبحانه وتعالى إليه من تعامل معها في قوله: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء: الآية 34] فلا يجوز له أن يضربها ابتداءً لمجرد ¬
[16 - 157] بعث الحكمين عند وقوع خلاف بين الزوجين
خوف نشوزها، ونقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يجوز للرجل أن يضرب زوجته إذا نشزت، بعد أن يعظها، ويهجرها في المضجع" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في أنه لا يضربها لخوف النشوز قبل إظهاره" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره علماء الحنابلة من الاتفاق على أن للرجل أن يضرب امرأته عند نشوزها، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الاتفاق: قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء: الآية 34]. • وجه الدلالة: إذا أظهرت المرأة النشوز، فللزوج أن يعظها، فإن رجعت، وإلا هجرها في المضجع، فإن رجعت، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح (¬8).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أنه يجوز للرجل أن يضرب زوجته إذا نشزت، بعد أن يعظها، ويهجرها في المضجع؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [16 - 157] بعث الحكمين عند وقوع خلاف بين الزوجين: إذا وقع شقاق بين الزوجين، وخيف معه ألا يقيما حدود اللَّه، فإنه يشرع عندئذٍ بعث حكمين ليصلحا بينهما، ونقل الاتفاق على ذلك. ¬
[17 - 158] اشتراط كون الحكمين من أهل الزوجين
• من نقل الاتفاق: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على بعثة الحكمين إذا شجر ما بين الزوجين" (¬1). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه إذا وقع الشقاق بين الزوجين، وخيف عليهما أن يخرجهما ذلك إلى العصيان، فإنه يبعث الحاكم حكمًا من أهله، وحكمًا من أهلها" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفق العلماء على جواز بعث الحكمين إذا وقع التشاجر بين الزوجين، وجهلت أحوالهما في التشاجر" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على بعث حكمين عند وقوع خلاف بين الزوجين وافق عليه الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الاتفاق: قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)} [النساء: الآية 35]. • وجه الدلالة: أرشد اللَّه سبحانه وتعالى إلى بعث حكمين ليصلحا بين الزوجين عند وقوع شقاق بينهما، مما يدل على مشروعيته، حتى تقوم الحياة الزوجية وتستمر.Rصحة ما ذكر من الاتفاق على بعث حكمين ليحكما بين الزوجين عند وقوع خلاف بينهما؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [17 - 158] اشتراط كون الحكمين من أهل الزوجين: إذا وقع شقاق بين الزوجين، فإنه يشرع بعث حكمين ليصلحا بينهما، ويشترط أن يكون الحكمان من أهل الزوجين، إلا أن لا يوجد في أهلهما من يصلح لذلك، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن بطال (449 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على أن الحكمين يكون أحدهما من جهة الرجل، والآخر من جهة المرأة، إلا أن يكون لا ¬
يوجد من أهلهما من يصلح، فيجوز أن يكون من الأجانب، ممن يصلح لذلك" (¬1). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الحكمين لا يكونان إلا من أهل الزوجين. . . إلا أن لا يوجد فيهما من يصلح لذلك، فيرسل من غيرهما" (¬2). 3 - ابن رشد (595 هـ)، فذكره كما قاله ابن عبد البر (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء المالكية من الإجماع على اشتراط أن يكون الحكمان من أهل الزوجين، إلا أن لا يوجد فيهما من يصلح لذلك، فينتقل إلى غيرهما، وافق عليه إمام الحرمين من الشافعية (¬4). ولم أجد نصًّا عن الحنفية في هذه المسألة؛ إلا ما قاله الجصاص: "إنما أمر اللَّه تعالى بأن يكون أحد الحكمين من أهلها، والآخر من أهله؛ لئلا تسبق الظنَّةُ إذا كانا أجنبيين بالميل إلى أحدهما، فإذا كان أحدهما من قبله، والآخر من قبلها، زالت الظنة، وتكلم كل واحد منهما عمن هو من قبله" (¬5). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: الآية 35]. • وجه الدلالة: جعل اللَّه سبحانه وتعالى الحكمين من أهل الزوجين، فكان ذلك شرطًا، إلا ألا يوجد من يصلح لذلك من أهل العدالة والعلم من أهلهما، فيكون من غيرهما عندئذٍ (¬6). • الخلاف في المسألة: ذهب الشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، إلى أنه لا يشترط أن يكون الحكمان من أهل الزوجين، لكن يستحب ذلك. فقد نقل الشربيني من الشافعية الإجماع على استحبابه دون وجوبه، فقال: "أما كونهما من أهلهما، فمستحب غير مستحق، إجماعًا" (¬9). ¬
[18 - 159] المخاطب في قوله تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا} [النساء: الآية 35] هم الحكام والأمراء
• دليل هذا القول: حملوا الأمر في الآية: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: الآية 35] على الاستحباب (¬1).Rعدم تحقق الإجماع على أنه يشترط أن يكون الحكمان من أهل الزوجين؛ وذلك لوجود خلاف عن الشافعية، والحنابلة، الذين يرون أنه مستحب وليس بمستحق. [18 - 159] المخاطب في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا} [النساء: الآية 35] هم الحكام والأمراء: نُقل الإجماع على أن الحكام والأمراء هم المخاطبون في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: الآية 35] جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن بطال (449 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء أن المخاطب بقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: الآية 35] الحكام" (¬2). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على أن معنى قول اللَّه عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: الآية 35] أن المخاطب بذلك الحكام والأمراء" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء المالكية من الإجماع على أن المخاطبين في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا} [النساء: الآية 35] هم الحكام، والأمراء، وافق عليه الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). وهو قول سعيد بن جبير، والحسن البصري، وقتادة (¬7). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)} [النساء: الآية 35]. ¬
• وجه الدلالة: المأمور بالبعثة في ذلك السلطان؛ إذ لا دلالة في الآية تدل على أن أحدًا مخصوص به دون أحد، فبقي الأمر لإمام المسلمين الذي هو سائس الأمر بينهم (¬1). • الخلاف في المسألة: ورد خلاف بين العلماء في من هو المخاطب في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا} [النساء: الآية 35] وهذا الخلاف على أقوال: القول الأول: ذهب الجصاص من الحنفية (¬2)، والإمام مالك فيما نسب إليه ابن عطية (¬3) أن الخطاب في الآية للأزواج. وهو قول السدي (¬4) (¬5). القول الثاني: المخاطب بذلك هم الأولياء، ونسبه ابن العربي للإمام مالك، وصححه (¬6).Rعدم تحقق الإجماع على أن المخاطب بقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: الآية 35] هم الحكام والأمراء؛ وذلك لما يأتي: 1 - وجود خلاف عن الجصاص من الحنفية، وعن الإمام مالك فيما نسبه إليه ابن عطية، وهو قول السدي، أن المخاطب بذلك هم الأزواج. 2 - خلاف عن مالك فيما نسبه إليه ابن العربي أن المخاطب بذلك هم الأولياء. ¬
الباب الثاني مسائل الإجماع في فرق النكاح
الباب الثاني مسائل الإجماع في فرق النكاح الفصل الأول: مسائل الإجماع في الخلع [1 - 160] مشروعية الخلع، وأنه مستمر الحكم غير منسوخ: الخلع (¬1) من الأمور المشروعة عند سوء الحال بين الزوجين، وهذا الحكم مستمر غير منسوخ، فإذا كرهت المرأة زوجها، لخَلْقه، أو خُلُقه، أو دينه، أو نحو ذلك، وخشيت ألا تؤدي حق اللَّه تعالى في طاعته، جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال بعد أن أجاز عمر، وعثمان -رضي اللَّه عنهما- الخلع لمن طلبته: ". . . وهذه قضية إمامين بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الخلع، لم يخالفهما من الصحابة أحد، فدل على إجماعهم وعلى ثبوت حكمه" (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وبهذا قال جميع الفقهاء بالحجاز والشام، قال ابن عبد البر: ولا نعلم أحدًا خالفه، . . . وهو قول عمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم من الصحابة، لم نعرف لهم في عصرهم مخالفًا، فيكون إجماعًا" (¬3). 3 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وهو الأمر المجتمع عليه عندنا، وهو أن الرجل ¬
إذا لم يضر بالمرأة ولم يسئ إليها، ولم تؤت من قِبَله، وأحبت فراقه، فإنه يحل له أن يأخذ منها كل ما افتدت به" (¬1). 4 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأصل الخلع مجمع على جوازه" (¬2). 5 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "إذا كانت مبغضة له مختارة لفراقه، فإنها تفتدي نفسها منه، فترد إليه ما أخذته من الصداق، وتبرئه مما في ذمته، ويخلعها كما في الكتاب والسنة، واتفق عليه الأئمة" (¬3). 6 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "جواز الخلع كما دل عليه القرآن. . .، ومنع الخلع طائفة شاذة من الناس خالفت النص والإجماع" (¬4). 7 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "الخلع مستمر الحكم بالإجماع. . . واتفق الأئمة على أن المرأة إذا كرهت زوجها لقبح منظر، أو سوء عشرة؛ جاز لها أن تخالعه على عوض" (¬5). 8 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على مشروعيته، إلا بكر بن عبد اللَّه المزني. . . وانعقد الإجماع بعده على اعتباره" (¬6). 9 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على مشروعية الخلع" (¬7). 10 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن المرأة إذا كرهت زوجها لقبح منظر، أو سوء عشرة؛ جاز لها أن تخالعه على عوض" (¬8). 11 - الشوكاني (1250 هـ)، فذكره كما قال ابن حجر (¬9). 12 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "والأصل في جواز وقوعه الكتاب، والسنة، والإجماع، . . . وإجماع الأئمة، كما حكاه غير واحد" (¬10). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على مشروعية الخلع، وأنه ¬
مستمر الحكم غير منسوخ، وافق عليه ابن حزم (¬1)، وهو قول عمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم من الصحابة -رضي اللَّه عنه- (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: الآية 229]. • وجه الدلالة: إذا خاف الزوجان ألا يقيما ما افترضه اللَّه لكل واحد منهما من الحقوق لصاحبه، فلا جناح على المرأة فيما افتدت به نفسها من زوجها، ولا حرج على الزوج فيما أخذ منها (¬3). 2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس (¬4) أتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتردين عليه حديقته؟ ". قالت: نعم. قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة" (¬5)، • وجه الدلالة: هذا نص من سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يبين مشروعية الخلع، وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشد ثابتًا بقبول الحديقة على أن يفارق زوجته. 3 - إذا جاز أن يملك الزوج البضع بعوض، جاز أن يزيل ملكه عنه بعوض، كالشراء والبيع، فيكون عقد النكاح كالشراء، والخلع كالبيع (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف بكر بن عبد اللَّه المزني؛ فقال: الخلع منسوخ. أدلة هذا القول: قال بكر بن عبد اللَّه المزني: قوله تعالى: {خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: الآية 229] منسوخ بقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20)} [النساء: الآية 20]. ¬
[2 - 161] جواز الخلع مع استقامة الحال
Rتحقق الإجماع على أن الخلع مشروع، وأنه مستمر الحكم غير منسوخ، ولا يلتفت لخلاف بكر بن عبد اللَّه المزني؛ لما يأتي: 1 - قبل بيان أسباب تحقق الإجماع لا بد أن يقال: كأن الحديث لم يثبت عند بكر؛ أو لم يبلغه (¬1)، فيلتمس له العذر بهذا. 2 - إن بلغه هذا الحديث؛ فإن قوله هذا مخالف للسنة الثابتة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أمر ثابت بن قيس بن شماس أن يأخذ من زوجته ما أعطاها، ويفارقها (¬2). 3 - هذا القول شاذ مخالف للإجماع، الذي عليه الصحابة والتابعون ومن بعدهم، على جواز أخذ الزوج الفدية من زوجته عند الكراهية، ونفور الحال، وعدم استقامته (¬3). 4 - إن آية سورة النساء حرّم اللَّه فيها على زوج المرأة أخذ شيء مما آتاها إذا أراد استبدال زوج بزوج من غير أن يكون هناك نشوز وكراهية، وهناك استقامة للحال (¬4). 5 - لا يستقيم القول بالنسخ إلا عند العلم بالمتقدم في النزول والمتأخر، وعدم إمكان الجمع، وهما منتفيان فيما ذهب إليه بكر بن عبد اللَّه المزني (¬5). [2 - 161] جواز الخلع مع استقامة الحال: إذا كانت الحال بين الزوجين مستقيمة، وليس فيها إضرار من أحدهما على الآخر، وطلبت المرأة الخلع من زوجها، فإنه يجوز على هذه الحال، ونقل الاتفاق على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "واتفقت الأمة عن بكرة أبيها على أن الخلع يجوز مع استقامة الحال" (¬6). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يصح الخلع مع استقامة الحال ¬
بين الزوجين" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). 3 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "واتفق الأئمة على أن المرأة إذا كرهت زوجها لقبح منظر، أو سوء عشرة؛ جاز لها أن تخالعه على عوض، وإن لم يكن من ذلك شيء وتراضيا على الخلع من غير سبب جاز، ولم يكره" (¬3). 4 - الشعراني (973 هـ) فذكره كما قال قاضي صفد (¬4). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على جواز الخلع مع استقامة الحال، وافق عليه الحنفية (¬5). وهو قول الثوري، والأوزاعي (¬6). • مستند الاتفاق: قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: الآية 229]. وقال تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: الآية 4]. وجه الدلالة من الآيتين: خصّ اللَّه سبحانه وتعالى حالة خوف التقصير في حقوق كل من الزوجين على الآخر بالذكر؛ لأنه الغالب في جريانهم، فإن أعطته المرأة شيئًا جاز بطيب نفسها، وإن لم يكن هناك ضرورة ولا خوف (¬7). • الخلاف في المسألة: يرى الإمام أحمد في رواية عنه، رجحها ابن قدامة (¬8)، وابن المنذر (¬9)، وابن حزم (¬10)، أن الخلع مع استقامة الحال غير جائز، ولا يجوز إلا إذا كرهت زوجها، وخافت ألا توفيه حقه، أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها. • أدلة هذا القول: قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ¬
[3 - 162] جواز الخلع دون إذن السلطان، لا يشترط في الخلع أن يتم بحضرة السلطان، ولا يكون بإذنه، ونقل الإجماع على ذلك
اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: الآية 229]. • وجه الدلالة: هذا نص صريح في تحريم الخلع إذا لم يخافا ألا يقيما حدود اللَّه، وكانت الحال مستقيمة، وأن الجناح والإثم لاحق بهما إن افتدت من غير خوف، بدليل ما غلّظ به من الوعيد لمن يفعله (¬1). عن ثوبان (¬2) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة" (¬3)، وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المختلعات والمنتزعات هن المنافقات" (¬4). • وجه الدلالة من الحديثين: دل الحديثان على تحريم المخالعة من غير حاجة (¬5) في طلب المرأة الخلع مع استقامة الحال ضرر بالزوج، وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة (¬6).Rعدم صحة ما ذكر من الاتفاق على أن الخلع يصح مع استقامة الحال؛ وذلك لوجود خلاف عن الإمام أحمد في رواية عنه، وابن حزم، وابن المنذر، أن الخلع مع استقامة الحال غير جائز، ولا يجوز إلا أن تكره زوجها، فخافت ألا توفيه حقه، أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها. [3 - 162] جواز الخلع دون إِذن السلطان، لا يشترط في الخلع أن يتم بحضرة السلطان، ولا يكون بإذنه، ونقل الإجماع على ذلك: • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الخلع يجوز دون ¬
إذن السلطان" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الإجماع على أن الخلع يجوز دون إذن السلطان، أو حضوره، وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). وهو قول عمر، وعثمان، وابن عمر -رضي اللَّه عنه-، وشريح، والزهري، وإسحاق (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أن عمر -رضي اللَّه عنه- أجاز الخلع دون السلطان (¬7). 2 - أن الخلع عقد معاوضة لا يحتاج إلى حاكم كالبيع والنكاح (¬8). 3 - أنه قطع عقدٍ بالتراضي بين الزوجين؛ أشبه الإقالة (¬9). 4 - أن النكاح والطلاق يجوزان دون السلطان، فكذلك الخلع (¬10). • الخلاف في المسألة: ذهب سعيد بن جبير، والحسن البصري، وابن سيرين، وأبو عبيد (¬11)، إلى أنه لا بدّ من إذن السلطان في الخلع. • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِه} [البقرة: الآية 229]. • وجه الدلالة: أول الكلام في الآية خطاب للحكام، وآخره خطاب للأزواج، وكما أن حضور الزوجين فيه شرط، فكذلك حضور الحاكم شرط فيه أيضًا (¬12). 2 - أن ثابت بن قيس لما طلبت امرأته فراقه، ذهبت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو سلطان ¬
[4 - 163] إذا أضر الرجل بزوجته، فلا يأخذ منها شيئا، ليخالعها
المسلمين، فأمره بفراقها، وأخْذ الحديقة (¬1).Rعدم تحقق الإجماع على أن الخلع يجوز دون إذن السلطان؛ وذلك لوجود خلاف عن سعيد بن جبير، والحسن البصري، وابن سيرين، وأبي عبيد، بوجوب إذن السلطان في ذلك. [4 - 163] إذا أضر الرجل بزوجته، فلا يأخذ منها شيئًا، ليخالعها: إذا تعمد الزوج الإضرار بزوجته، من أجل أن تفتدي منه، فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئًا، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل لا يحل له أخذ شيء مما أعطى، إلا أن يكون النشوز من قِبَلِهَا" (¬2). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن الزوج إذا أضر بامرأته ظلمًا، أنه لا يأخذ منها شيئًا على مفارقتها أو طلاقها" (¬3). 3 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على تحظير أخذ مالها؛ إلا أن يكون النشوز وفساد العشرة من قِبلهَا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أنه لا يجوز للزوج أن يضر بامرأته ليأخذ منها شيئًا على مخالعتها، وافق عليه ابن الهمام من الحنفية (¬5)، والحنابلة (¬6). وهو قول ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والقاسم ابن محمد، وعروة، والزهري، والثوري، وقتادة، وإسحاق، وأبي ثور (¬7). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: الآية 229] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: الآية 19]. ¬
[5 - 164] جواز الخلع بمقدار الصداق، ولا تجوز الزيادة عليه
وجه الدلالة من الآيتين: حرّم اللَّه سبحانه وتعالى على الزوج أن يأخذ من امرأته شيئًا مما آتاها، إلا بعد الخوف الذي ذكره اللَّه تعالى، من عدم إقامة حدود اللَّه (¬1). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬2) إلى القول بجواز أخذ العوض، وإن كان لا ينبغي له؛ فإن فعَل لم يجبر على رده. • دليل هذا القول: قال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا} [النساء: 20 - 21]. • وجه الدلالة: ورد النهي عن فعل حسي، وهو الأخذ، ومثله يقتضي عدم المشروعية، لكن هذا النهي ورد لمعنى في غيره؛ وهو زيادة الإيحاش، فلا يعدم المشروعية في نفسه (¬3).Rعدم تحقق الإجماع على منع ما يأخذ الرجل من زوجته إذا كان الضرر من قِبَله؛ وذلك لوجود خلاف عن الحنفية، بجواز أخذه. [5 - 164] جواز الخلع بمقدار الصداق، ولا تجوز الزيادة عليه: لا يجوز للرجل أن يأخذ من امرأته عند الخلع أكثر مما أعطاها من الصداق، ولا يأخذ إلا مقدار الصداق، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على إجازة الخلع بالصداق الذي أصدقها إذا لم يكن مضرًا بها، وخافا ألا يقيما حدود اللَّه" (¬4). وقال أيضًا: "وأجمع الجمهور منهم أن الخلع، والفدية، والصلح، أن كل ذلك جائز بين الزوجين في قطع العصمة بينهما، وأن كل ما أعطته على ذلك حلال له، إذا كان مقدار الصداق فما دونه، وكان ذلك من غير إضرار منه بها، ولا إساءة إليها" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر من الإجماع على جواز الخلع على مقدار الصداق، ولا تجوز الزيادة عليه، وافق عليه الإمام أحمد في رواية عنه (¬6). وهو ¬
قول علي -رضي اللَّه عنه- (¬1)، وطاوس، وعطاء، وسعيد بن المسيب، والحسن، والشعبي، والحكم بن عتيبة، وحمّاد بن أبي سليمان، والزهري، وإسحاق، وأبي عبيد، والأوزاعي (¬2). • مستند الإجماع: جاء في بعض الروايات في قصة ثابت بن قيس أن امرأته جاءت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: واللَّه ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق، ولكني أكره الكفر في الإسلام، لا أطيقه بغضًا، فقال لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتردين عليه حديقته؟ "، قالت: نعم، فأمره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يأخذ منها الحديقة، ولا يزداد (¬3). • وجه الدلالة: 1 - لو كان أخذ الزيادة على المهر جائزًا لما نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثابتًا عن أخذها، ولو كان جائزًا لما أمره بالاقتصار على أخذ ما أعطاها (¬4). 2 - ما يأخذه الرجل من المرأة هو بدل في مقابلة الفسخ، فلا يأخذ إلا ما ابتُديَ العقد به: كالعوض في الإقالة (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة في المذهب (¬9)، وابن حزم (¬10) إلى أنه يجوز للرجل أن يأخذ من زوجته أكثر مما أعطاها. وهو قول عثمان، وابن عمر، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقبيصة بن ذؤيب (¬11)، ¬
[6 - 165] كل ما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون بدلا في الخلع
والنخعي، وأبي ثور، وداود (¬1). • دليل هذا القول: قال تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: الآية 229]. • وجه الدلالة: هذا نص في رفع الإثم عن أخذ ما تفتدي به المرأة نفسها من زوجها، قليلًا كان أو كثيرًا (¬2).Rأولًا: تحقق الإجماع على جواز أخذ الزوج مقدار الصداق من زوجته في الخلع. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على منع أخذ الزيادة؛ لثبوت الخلاف عن جماهير أهل العلم، في جواز أخذ الزيادة. [6 - 165] كل ما جاز أن يكون مهرًا جاز أن يكون بدلًا في الخلع: إذا خالع الرجل امرأته على عوض، فإنه ينظر إن كان يجوز أن يكون هذا العوض مهرًا، فإنه يجوز أن يكون بدلًا في الخلع، وإلا فلا، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: العيني (855 هـ) حيث قال: "وما جاز أن يكون مهرًا جاز أن يكون بدلًا في الخلع، وهذا بإجماع العلماء" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره العيني من الإجماع على أن ما جاز أن يكون مهرًا، جاز أن يكون بدلًا في الخلع وافق عليه المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: كل ما كان يصلح أن يكون عوضًا لاستحلال الفرج بالنكاح، ¬
[7 - 166] جواز خلع المرأة على رضاع ابنها
أولى أن يكون عوضًا لانتهاء هذا الاستحلال (¬1).Rتحقق الإجماع على أن كل ما يصلح أن يكون مهرًا جاز أن يكون بدلًا في الخلع؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [7 - 166] جواز خلع المرأة على رضاع ابنها: يجوز أن يكون بدل الخلع أن ترضع المرأة ابنها حتى يتم الرضاعة، ونقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه إذا خالعها على رضاع ولدها سنتين جاز له ذلك" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن هبيرة من الاتفاق على جواز خلع المرأة على رضاع ابنها وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الاتفاق: أن الرضاع يصح أخذ العوض فيه في غير الخلع، ففي الخلع أولى (¬7). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى عدم جواز أن يخالع الرجل امرأته على رضاع ولدها (¬8). • دليل هذا القول: أن المدة المرادة لرضاع الولد غير مقدرة، فيجب أن يبطل الخلع لذلك (¬9).Rأولًا: عدم صحة ما ذكر من الاتفاق على جواز أن يخالع الرجل امرأته على رضاع ولدها؛ لخلاف ابن حزم، في بطلان الخلع على ذلك. ثانيًا: ما ذكر من الاتفاق يحمل على أنه اتفاق الأئمة الأربعة؛ لعدم خلاف بينهم في ¬
[8 - 167] صحة المخالعة في المرض
جواز أن يخالع الرجل امرأته على رضاع ولدها. [8 - 167] صحة المخالعة في المرض: إذا وقع الخلع بين الزوجين، وكان أحد الزوجين مريضًا؛ فإن الخلع يصح في هذه الحالة، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملة الأمر أن المخالعة في المرض صحيحة، سواء كان المريض الزوج أو الزوجة، أو هما معًا، . . . ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في صحة المخالعة في المرض، سواء كان الزوج هو المريض، أو الزوجة، وافق عليه الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، أما المالكية فقد وافقوا الجمهور إذا كان المريض هو الزوج، واختلف القول عنهم في المريضة (¬4). • مستند نفي الخلاف: أن الخلع معاوضة، فصح في المرض، كالبيع (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية في قول إلى عدم جواز الخلع الواقع من الزوجة المريضة (¬6)، وقيده بعضهم فيما إذا اختلعت المريضة من زوجها بكل مالها (¬7). • دليل هذا القول: أن الذي يطلق امرأته في مرضه الذي مات فيه فهو فارّ؛ فترثه المرأة، ولا يرثها هو إن ماتت، فكذلك في الخلع؛ فقد تموت المرأة في مرضها هذا (¬8).Rأولًا: صحة ما نفي من الخلاف في صحة المخالعة في المرض، إن كان المريض هو الزوج. ¬
[9 - 168] صحة التوكيل في الخلع
ثانيًا: عدم صحة ما ذكر من نفي الخلاف في صحة مخالعة المرأة المريضة؛ لخلاف المالكية في قول لديهم بعدم صحة مخالعة المرأة في مرضها. [9 - 168] صحة التوكيل في الخلع: تصح الوكالة في الخلع، سواء كانت من قبل الرجل أو المرأة، فلكل واحد من الزوجين أن ينيب شخصًا في القيام بالخلع عنه، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ويصح التوكيل في الخلع من كل واحد من الزوجين، ومن أحدهما منفردًا، . . . ولا أعلم فيه خلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في صحة التوكيل في الخلع وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - كل من صح أن يتصرف بالخلع لنفسه جاز توكيله ووكالته، فكل واحد من الزوجين جاز أن يوجب الخلع، فجاز له أن يوكل فيه (¬5). 2 - أن الخلع عقد معاوضة، فجاز التوكيل فيه، كالبيع (¬6).Rما ذكر من أنه لا خلاف في صحة التوكيل في الخلع، صحيح، ولا مخالف في هذا. [10 - 169] إذا نوى بالخلع الطلاق وقع طلاقًا: إذا خالع الرجل امرأته ونوى بالخلع الطلاق وقع طلاقًا، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "الإجماع على أنه إذا نوى بالخلع الطلاق وقع الطلاق" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن حجر من الإجماع على أن الزوج إذا نوى ¬
[11 - 170] إذا قالت: طلقني ثلاثا بألف، فطلقها واحدة، لزم الطلاق
بالخلع الطلاق، وقع الطلاق وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: للطلاق ألفاظ صريحة فيه تدل على المراد، وألفاظ كنايات لا تدل عليه إلا بالنية، والخلع من ألفاظ الكنايات في الطلاق، فإن نوى به الطلاق وقع طلاقًا (¬5).Rتحقق الإجماع على أن الزوج إذا نوى بالخلع الطلاق وقع طلاقًا؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [11 - 170] إذا قالت: طلقني ثلاثًا بألف، فطلقها واحدة، لزم الطلاق: إذا طلبت المرأة من زوجها أن يطلقها ثلاثًا بعوض تدفعه، كألف مثلًا، فطلقها واحدة، فإن الطلاق يقع، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - ابن قدامة (620 هـ)، حيث قال: "إذا قالت: طلقني ثلاثًا بألف، فطلقها واحدة، لزمتها التطليقة، أما وقوع الطلاق بها، فلا خلاف فيه" (¬6). 2 - الزركشي (772 هـ)، حيث قال: "إذا قالت: طلقني ثلاثًا بألف، فطلقها واحدة، . . . أما وقوع الطلاق فلا خلاف فيه؛ لأنه أتى بلفظه الصريح" (¬7). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء الحنابلة من أنه لا خلاف أن المرأة إذا قالت: طلقني ثلاثًا بألف، فطلقها واحدة، فقد لزمه الطلاق، وافق عليه الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10). ¬
[12 - 171] صحة الخلع من الأجنبي
• مستند نفي الخلاف: 1 - الطلاق يقع بلفظه الصريح، وقد وجد، فيلزم الطلاق عندئذٍ (¬1). 2 - أن المرأة قد نالت بالطلقة الواحدة ما تناله بالثلاث من ملكها أمر نفسها (¬2).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن المرأة إذا قالت لزوجها: طلقني ثلاثًا بألف، فطلقها واحدة؛ لزم الطلاق. [12 - 171] صحة الخلع من الأجنبي: إذا قال رجل لآخر: طلق امرأتك، ولك عليّ ألف درهم -مثلًا- ففعل الزوج، وقع الخلع ولزم الألف؛ لأن الخلع يصح من الأجنبي، ونقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ)، حيث قال: "ولو قال رجل لرجل: طلق امرأتك، ولك عليّ ألف درهم، ففعل؛ وقع الطلاق، ولزمه الألف، والخلع يصح من الأجنبي، وهو مذهب الفقهاء كافة" (¬3). 2 - الشعراني (973 هـ)، حيث قال: "واتفقوا على أن الخلع يصح مع غير زوجته؛ بأن يقول أجنبي للزوج: طلق امرأتك بألف مثلًا" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره القاضي عبد الوهاب من المالكية، والشعراني من الشافعية، من الاتفاق على أن الخلع يصح من الأجنبي، وافق عليه الحنفية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - لما جاز للزوج أن يطلق بلا بذل، جاز للأجنبي أن يبذل له ماله مطلقًا، فيجوز أن يطلق الزوج على المال الذي يبذله له الأجنبي (¬7). 2 - أن العتق كالطلاق، يتنوع تارة بعوض، وتارة بغير عوض، فلما جاز أن يبذل الأجنبي مالًا في العتق، وإن لم يملك به شيئًا، جاز أن يبذل مالًا في الطلاق، وإن لم ¬
[13 - 172] حصول البينونة بالخلع
يملك به شيئًا (¬1). 3 - أن الزوج له حق على المرأة، يجوز لها أن تسقطه عن نفسها بعوض، فيجوز ذلك من غيرها، كما لو كان عليها دين (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب أبو ثور إلى عدم صحة الخلع من الأجنبي (¬3). • أدلة هذا القول: 1 - أن هذا الفعل سفه؛ لأن الأجنبي يبذل عوضًا في مقابلة ما لا منفعة له فيه، فإن الملك لا يحصل له (¬4). 2 - أن الخلع عقد معاوضة يملك به البضع، والبضع لا يملك بالعوض إلا زوج بنكاح، أو زوجة بخلع، فما لم يملكه الأجنبي -كالخلع- يقتضي أن يكون فاسدًا (¬5).Rعدم صحة ما ذكر من الاتفاق على أن الخلع يصح من الأجنبي؛ وذلك لوجود خلاف عن أبي ثور، القائل بعدم صحته، إلا أن يحمل الاتفاق على أنه اتفاق الأئمة الأربعة. [13 - 172] حصول البينونة بالخلع: إذا طلق الرجل امرأته على مال، فهو طلاق بائن (¬6)، ونقل الاتفاق على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن عبد البر (463 هـ)، حيث قال: "لم يختلفوا أن الخلع طلاق بائن، لا ميراث بينهما فيه" (¬7). ¬
2 - البغوي (516 هـ)، حيث قال: "واتفق أهل العلم على أنه إذا طلقها على مال، فقبلت؛ فهو طلاق بائن" (¬1). 3 - ابن رشد (595 هـ)، حيث قال: "فإنهم اتفقوا على أن البينونة إنما توجد من قبل عدم الدخول، ومن قبل عدد التطليقات، ومن قبل العوض في الخلع" (¬2). 4 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: ". . . ولهذا كان حصول البينونة بالخلع مما لم يعرف فيه خلاف بين المسلمين" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على حصول البينونة بالخلع، وافق عليه الحنفية (¬4)، وهو قول عثمان، وعلي، وابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وسعيد ابن المسيب، والحسن، وعطاء، وقبيصة، وشريح، ومجاهد، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والنخعي، والشعبي، والزهري، ومكحول، والأوزاعي، والثوري (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الخلع تطليقة بائنة (¬6). 2 - أن القصد من الافتداء في الخلع هو حصول البينونة؛ ولهذا جاز الخلع لدفع الضرر الذي يلحق بالزوجين أو أحدهما، ولو كان غير بائن للحق بالمرأة ضرر؛ من إرجاع الزوج لها (¬7). ¬
3 - أن المرأة بذلت العوض من أجل الفرقة، والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ (¬1). • الخلاف في المسألة: اختلف الفقهاء في البينونة بالخلع، هل هي طلاق بائن، أم فسخ، أم غير ذلك؟ وكان هذا الخلاف على قولين (¬2): القول الأول: ذهب الإمام الشافعي في القديم (¬3)، والإمام أحمد في رواية عنه، هي المذهب (¬4) أن الخلع فسخ؛ إلا أن ينوي به الطلاق فهو طلاق. وهو قول ابن عباس، وطاوس، وعكرمة، وإسحاق، وأبي ثور (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - ما ورد عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه احتج بقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: الآية 229] ثم قال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: الآية 229] ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: الآية 230] فذكر تطليقتين، ثم الخلع، ثم طلقة، فلو كان الخلع طلاقًا لكان رابعًا (¬6). 2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فأمرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تعتد بحيضة (¬7). ¬
3 - عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء (¬1) أنها اختلعت على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تعتد بحيضة (¬2). • وجه الدلالة: في هذين الحديثين دليل على أن الخلع فسخ، وليس بطلاق؛ لأن المرأتين أُمرتا أن تعتدا بحيضة، ولو كان طلاقًا لاعتدتا بثلاث حيضات؛ لأن اللَّه سبحانه وتعالى يقول: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: الآية 228] (¬3). 4 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: الخلع فرقة، وليس بطلاق (¬4). القول الثاني: يرى ابن حزم (¬5) أن الخلع طلاق رجعي، فللزوج أن يراجع امرأته في العدة أحبت أم كرهت، ما لم يكن طلقها اثنتين قبل الخلع، أو تكون غير مدخول بها. • دليل هذا القول: بين اللَّه سبحانه وتعالى حكم الطلاق، وأن {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: الآية 228] وقال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: الآية 2] فلا يجوز خلاف ذلك؛ فيكون الخلع طلاقًا رجعيًّا ما لم يكن آخر الطلاق، أو تكودط غير مدخول بها (¬6).Rعدم تحقق الاتفاق على أن الخلع تطليقة بائنة؛ وذلك لما يأتي: 1 - وجود خلاف عن الإمام الشافعي في القديم، والإمام أحمد في رواية هي المذهب، وهو قول ابن عباس، وطاوس، وعكرمة، وإسحاق، وأبي ثور، في أن الخلع فسخ، وليس بطلاق. ¬
[14 - 173] لا رجعة في الخلع
2 - وجود خلاف عن ابن حزم يعتبر فيه أن الخلع طلاق رجعي، فتعود المرأة إلى زوجها، أحبت أم كرهت، ما لم يكن الخلع آخر الطلقات، أو في غير المدخول بها. [14 - 173] لا رجعة في الخلع: إذا وقع الخلع بين الزوجين فلا رجعة للمرأة في زمن العدة إلى زوجها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: ". . . فإن اللَّه جعل الرجعة من لوازم الطلاق في القرآن، فلم يذكر اللَّه تعالى طلاق المدخول بها إلا وأثبت فيه الرجعة، فلو كان الافتداء طلاقًا؛ لثبت فيه الرجعة -وهذا يزيل معنى الافتداء- إذ هو خلاف الإجماع" (¬1). 2 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "وقد ثبت بالنص والإجماع، أنه لا رجعة في الخلع" (¬2). ونقله عنه الشوكاني (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن تيمية، وابن القيم من الحنابلة، والشوكاني من الإجماع على أنه لا رجعة في الخلع، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). وهو قول الحسن، وعطاء، وطاوس، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: الآية 229]. • وجه الدلالة: الافتداء هو الخلاص والاستنقاذ، فلو ثبت في الخلع رجعة؛ لما حصل الخلاص والاستنقاذ، فدل على أن الافتداء يمنع الرجعة (¬8). 2 - ملكت الزوجة بضعها بالخلع، كما ملكه الزوج بالنكاح، فلما كان الزوج قد ¬
ملك بضعها بالنكاح ملكًا تامًّا لا سلطان فيه للزوجة، وجب أن تملك الزوجة بضعها بالخلع ملكًا تامًّا لا سلطان للزوج فيه (¬1). 3 - أن الزوج قد ملك عوض الخلع في مقابل ملك الزوجة للبضع، فلما استقر ملك الزوج للعوض حتى لم يبق للزوجة فيه حق، وجب أن يستقر ملك الزوجة للبضع، وأن لا يبقى للزوج فيه حق (¬2). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب سعيد بن المسيب، والزهري (¬3) إلى أن الزوج بالخيار بين إمساك العوض ولا رجعة له، وبين رده وله الرجعة. ثانيًا: ذهب أبو ثور إلى القول: إن كان الخلع بلفظ الطلاق، فلة الرجعة، وإن كان بلفظ الخلع فلا رجعة له. وروي ذلك عن عبد اللَّه بن أبي أوفى -رضي اللَّه عنه- (¬4) (¬5). دليل هذين القولين: أن الرجعة من حقوق الطلاق، فلا تسقط بالعوض (¬6). ثالثًا: يرى ابن حزم (¬7) أن الخلع طلاق رجعي، فللزوج أن يراجع امرأته في العدة أحبت أم كرهت، ما لم يكن طلقها اثنتين قبل الخلع، أو تكون غير مدخول بها. • دليل هذا القول: بين اللَّه سبحانه وتعالى حكم الطلاق، وأن {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: الآية 228] وقال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: الآية 2] فلا يجوز خلاف ذلك؛ فيكون الخلع طلاقًا رجعيًّا ما لم يكن آخر الطلاق، أو تكون غير مدخول بها (¬8).Rعدم تحقق الإجماع على أنه لا رجعة في الخلع؛ لما يأتي: 1 - وجود خلاف عن سعيد بن المسيب، والزهري، أن الزوج بالخيار إن شاء رد العوض وله الرجعة، وإن شاء أمسكه ولا رجعة له. ¬
[15 - 174] للمعتدة من الخلع النفقة والسكنى، إن كانت حاملا
2 - وجود خلاف عن أبي ثور، بأن الخلع إن وقع بلفظ الطلاق فله الرجعة، وإن وقع بلفظ الخلع فلا رجعة له. 3 - وجود خلاف عن ابن حزم بأن الخلع طلاق رجعي، إلا أن يكون آخر التطليقات الثلاث، أو في غير المدخول بها. [15 - 174] للمعتدة من الخلع النفقة والسكنى، إن كانت حاملًا: تجب النفقة والسكنى في العدة، للمرأة الحامل عن مخالعتها من زوجها، ولا تسقط إلا بالتسمية، أي: بأن يخالعها على أن لا نفقة لها، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملة الأمر أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقًا بائنًا، فإما أن يكون ثلاثًا، أو بخلع، أو بانت بفسخ، وكانت حاملًا، فلها النفقة والسكنى بإجماع أهل العلم" (¬1). 2 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ونفقة العدة لا تسقط أيضًا إلا بالتسمية، وكذا السكنى بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره العيني، وابن قدامة من الإجماع على أن المخالعة لها النفقة والسكنى في العدة، إن كانت حاملًا، وافق عليه المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]. 2 - عن فاطمة بنت قيس -رضي اللَّه عنها-، أن أبا عمرو بن حفص (¬6) طلقها البتة، وهو غائب، ¬
[16 - 175] صحة نكاح المختلعة في عدتها من زوجها الذي خالعها
فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: واللَّه ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فقال: "ليس لك عليه نفقة" (¬1). وفي رواية عند أبي داود: "لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملًا" (¬2). • وجه الدلالة: دلت الآية والحديث على وجوب النفقة للمبتوتة الحامل. 3 - أن الحمل ولد الزوج المطلِّق أو المخالع، فيلزمه النفقة عليه، ولا يمكنه النفقة عليه إلا بالإنفاق على أمه؛ فوجبت (¬3).Rتحقق الإجماع على أن المعتدة من الخلع، إن كانت حاملًا، فلها النفقة والسكنى؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [16 - 175] صحة نكاح المختلعة في عدتها من زوجها الذي خالعها: تقرر في مسألة سابقة أنه لا رجعة للزوج على امرأته في الخلع، لكن له أن يتزوجها في عدتها بنكاح جديد، وبمهر جديد، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه جائز للمختلع أن يتزوجها في عدتها" (¬4). 2 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: ". . . فهنا إذا أراد أن يتزوجها في عدتها، فإنما يتزوجها بعقد جديد، . . . قيل أولًا: هذا لا يتعلق بقدر العدة، وقيل ثانيًا: لا نص ولا إجماع يبيح لكل معتدة أن تنكح في عدتها؛ لكن الإجماع انعقد على ذلك في مثل المختلعة؛ إذ لا عدة عليها لغير الناكح" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر، وابن تيمية من الإجماع على أنه يجوز نكاح المختلعة في عدتها من زوجها الذي خالعها، وافق عليه الحنفية (¬6)، ¬
والشافعية (¬1). وهو قول عطاء، والحسن البصري، وطاوس، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق (¬2). • مستند الإجماع: العدة التي لزمت المرأة إنما هي لزوجها الذي خالعها، وإنما وجبت العدة من أجل استبراء الرحم، خشية اختلاط الأنساب، وليس هناك خوف من اختلاط الأنساب إذا تزوج الرجل امرأته في عدتها منه (¬3). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب المزني من الشافعية إلى القول بعدم جواز نكاح المختلعة من زوجها الذي خالعها زمن العدة، قال الشيرازي، والعمرانى: وهذا خطأ (¬4). • دليل هذا القول: أن زوج المرأة أصبح أجنبيًّا من امرأته بالخلع، فلا يجوز له أن يتزوجها في العدة كما لا يجوز للأجنبي (¬5). ثانيًا: ذهب سعيد بن المسيب، والزهري إلى أن للزوج أن يرجع إلى امرأته التي خالعها بغير عقد، بشرط أن يعيد ما أخذ منها (¬6). ثالثًا: ذهب ابن حزم إلى أن الخلع طلاق رجعي، فللزوج مراجعة امرأته التي خالعها، أحبت أم كرهت، إلا أن يكون الخلع آخر ثلاث تطليقات (¬7). وقد سبق ذكر هذين القولين بأدلتهما.Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على صحة نكاح المختلعة في عدتها من زوجها الذي خالعها، بعقد جديد؛ لما يأتي: 1 - خلاف ابن المسيب، والزهري، بأنه إن أعاد إليها ما أخذ منها؛ فنه مراجعتها بلا عقد. 2 - خلاف ابن حزم الذي يرى أن الخلع طلاق رجعي، فله مراجعتها في العدة، ¬
أحبت أم كرهت، ما لم يكن الخلع هو الطلقة الثالثة، أو في غير المدخول بها. ثانيًا: يمكن القول بصحة نكاح الرجل لامرأته التي خالعها في زمن العدة، سواء على قول الجمهور الذين يرون أن له أن يعقد عليها في عدتها، أو على قول ابن حزم الذي يرى أن الخلع طلاق رجعي، فله أن يراجعها، أو على قول سعيد بن المسيب، والزهري بأنه إن أعاد إليها ما أخذه فله أن يراجعها. ثالثًا: لا ينظر لخلاف المزني بأنه لا يجوز نكاح المعتدة من الخلع من زوجها الذي خالعها؛ لما يأتي: 1 - أن الشافعية اعتبروا هذا القول خطأ من المزني (¬1). 2 - أن هذا القول، وصفه ابن عبد البر، وابن قدامة بالشذوذ (¬2). ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في الطلاق
الفصل الثاني مسائل الإجماع في الطلاق [1 - 176] مشروعية الطلاق: الطلاق (¬1) من الأمور المشروعة لحَلّ قيد النكاح بين الزوجين، فهو من الأمور المباحة، وليس في النهي عنه ولا في المنع منه خبر يثبت، كما قال ابن المنذر (¬2)، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "الأصل في إباحة الطلاق: الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة" (¬3). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن طلاق المسلم العاقل البالغ -الذي ليس بسكران، ولا مكرهًا، ولا غضبان، ولا محجورًا، ولا مريضًا- لزوجته التي قد تزوجها زواجًا صحيحًا، جائز إذا لفظ به بعد النكاح مختارًا له" (¬4). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "القرآن ورد بإباحة الطلاق، وطلّق رسول اللَّه ¬
بعض نسائه، وهو أمر لا خلاف فيه" (¬1). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الطلاق حل قيد النكاح، وهو مشروع، والأصل فى مشروعيته: الكتاب والسنة والإجماع، . . . وأجمع الناس على جواز الطلاق" (¬2). 5 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "فدل الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، أن الطلاق مباح غير محظور" (¬3). 6 - ابن مودود الموصلي (683 هـ) حيث قال: "وهو قضية مشروعة بالكتاب، والسنة، والإجماع، . . . وعلى وقوعه انعقد الإجماع" (¬4). 7 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "والأصل فيه قبل الإجماع: الكتاب، . . . والسنة. . . " (¬5). 8 - البهوتي (1051 هـ)، حيث قال عند شرحه لكتاب الطلاق: "وأجمعوا على جوازه" (¬6). 9 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "والأصل في جوازه: الكتاب، والسنة، والإجماع" (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: الآية 229] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: الآية 1]. 2 - عن ابن عباس، عن عمر -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طلَّق حفصة ثم راجعها (¬8). • وجه الدلالة: طلق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حفصة، ولو لم يكن الطلاق مباحًا لما فعله -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬
[2 - 177] كراهية الطلاق في حال استقامة الحال بن الزوجين
3 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه طلق امرأته، وهي حائض، فسأل عمر بن الخطاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مُرهُ فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر اللَّه أن يطلق لها النساء" (¬1). • وجه الدلالة: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ابن عمر بمراجعة زوجته بعدما طلقها، ولم ينهه عن الطلاق، مما يدل على إباحته. 1 - أن العبرة دالة على جوازه، فإن الحال ربما فسدت بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا بإلزام الزوج النفقة والسكنى، وحبس المرأة، مع سوء العشرة، من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه (¬2).Rتحقق الإجماع على أن الطلاق مشروع؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [2 - 177] كراهية الطلاق في حال استقامة الحال بن الزوجين: إذا كانت الحياة بين الزوجين مستقيمة، وليس فيها ما يدعو إلى فصل العلاقة القائمة بينهما؛ فان الطلاق يكره عندئذٍ، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الطلاق في حال استقامة الزوجين مكروه غير مستحب" (¬3). 2 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "فإن الطلاق منهي عنه مع استقامة حال الزوج باتفاق العلماء" (¬4). 3 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "هو مع استقامة حال الزوجين مكروه بالاتفاق" (¬5). 4 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن الطلاق مكروه في حالة استقامة ¬
[3 - 178] ما يشترط في المطلق حتى يقع طلاقه
الزوجين" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الشافعية، والحنابلة من الإجماع على أن الطلاق يكره في حال استقامة الحال بين الزوجين، وافق عليه المالكية (¬2). • مستند الإجماع: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "أبغض الحلال إلى اللَّه تعالى الطلاق" (¬3). • وجه الدلالة: الطلاق مباح؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سماه حلالًا، لكنه عند استقامة الحال يكون مكروهًا، لما فيه من قطع للنكاح (¬4). • الخلاف في المسألة: يرى الحنفية (¬5)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬6)، أن الطلاق يحرُم مع استقامة الحال بين الزوجين. • أدلة هذا القول: عن ثوبان -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة" (¬7). • وجه الدلالة: دل الحديث على تحريم سؤال المرأة الطلاق في حال استقامة الحال (¬8). 2 - أن هناك ضررًا يلحق بالزوج والزوجة من غير حاجة إليه، لما فيه من قطع للمصلحة الحاصلة لهما، فكان حرامًا (¬9).Rعدم تحقق الإجماع على أن الطلاق في حال استقامة الحال بين الزوجين أنه مكروه؛ لخلاف الحنفية، والإمام أحمد في رواية بتحريمه، والحال هذه. [3 - 178] ما يشترط في المطلِّق حتى يقع طلاقه: لابدّ من توفر شروط في المطلِّق حتى يقع طلاقه صحيحًا معتبرًا، ومن هذه ¬
الشروط: العقل، والبلوغ، فإذا وقع الطلاق من زوج بالغ عاقل؛ وقع طلاقه، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن طلاق المسلم العاقل البالغ -الذي ليس بسكران، ولا مكرهًا، ولا غضبان، ولا محجورًا، ولا مريضًا- لزوجته التي قد تزوجها زواجًا صحيحًا، جائز إذا لفظ به بعد النكاح مختارًا له حينئذٍ" (¬1). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "شروط المطلق الجائز الطلاق واتفقوا على أن الزوج العاقل البالغ، هو الذي يقع طلاقه" (¬2). 3 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "وأجمع المسلمون على وقوع الطلاق الذي أذن اللَّه فيه وأباحه إذا كان مكلفًا مختارًا عالمًا بمدلول اللفظ قاصدًا له" (¬3). 4 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ويقع طلاق كل زوج إذا كان بالغًا عاقلًا، وهذا بالإجماع" (¬4). 5 - ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: "فإن الأُمة من الصحابة والتابعين، وأئمة السلف من أبي حنيفة، والشافعي، وأصحابهما، أجمعت على أن طلاق المكلف واقع" (¬5). 6 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "ويصح (¬6) من زوج مكلف، بلا نزاع" (¬7). وقال أيضًا: "وحكى غير واحد اتفاق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل، فإنه مؤاخذ به" (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على اعتبار العقل والبلوغ في المُطلِّق حتى يقع طلاقه، وافق عليه الشافعية (¬9). ¬
[4 - 179] الطلاق الموافق للسنة
• مستند الإجماع: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق" (¬1) • وجه الدلالة: لما كانت تصرفات الصبي، والنائم، والمجنون غير معتبرة؛ لعدم وجود العقل، دل على اعتبارها عند وجوده، ويدخل في هذه التصرفات الطلاق. 2 - يعتبر الإنسان مكلفًا مسؤولًا عن تصرفاته بالعقل والبلوغ، اللذين هما مناط التكليف، فمن تصرف بالطلاق ممن توفر فيه الشرطان وقع طلاقه صحيحًا معتبرًا (¬2).Rتحقق الإجماع على أنه الزوج العاقل والبالغ إذا أوقع الطلاق، فإن طلاقه يقع؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [4 - 179] الطلاق الموافق للسنة: ينقسم الطلاق من حيث وصفه الشرعي إلى طلاق سني، وطلاق بدعي، وطلاق ليس بسني ولا بدعي (¬3). فالطلاق السني معناه: أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يجامعها فيه طلقة واحدة، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها (¬4). ونقل الإجماع على أن المراد بالطلاق الموافق للسنة هو ما ذُكر جمعٌ من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الترمذي (279 هـ) حيث قال: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم أن طلاق السنة أن يطلقها طاهرًا من غير جماع" (¬5). 2 - المروزي (294 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن الرجل إذا أراد أن يطلق امرأته للسنة، وهي ممن تحيض، أنه إن أمهلها حتى تطهر من حيضها، ثم طلقها من قبل أن يجامعها واحدة، ثم تركها حتى تنقضي عدتها، ولم يطلقها غير تلك التطليقة، أنه مطلق للسنة" (¬6). ¬
3 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن طلاق السنة أن يطلقها طاهرًا في قبل عدتها" (¬1). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن من طلق امرأته واحدة، وهي طاهر عن حيضة لم يطلقها قبلها، ولم يكن جامعها في ذلك الطهر، أنه مصيب للسنة" (¬2). 4 - ابن بطال (449 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن من طلق امرأته طاهرًا لم يمسها فيه أنه مطلق للسنة، والعدة التي أمر اللَّه تعالى بها" (¬3). 5 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "فأما طلاق السنة: فهو طلاق المدخول بها في طهر لم تجامع فيه، . . . وطلاق السنة مجمع على وقوعه" (¬4). 6 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن التي وطأها في ذلك النكاح، أن وقت الطلاق فيها كونها طاهرًا لم يمسها فيه، ما لم يكن طلقها قبل ذلك الطهر، وهي حائض" (¬5). 7 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وقد أجمعوا على أن المطلق للعدة أن يطلقها طاهرًا من غير جماع، ولا حائضًا" (¬6). وقال أيضًا: "وأجمع العلماء على أن من طلق امرأته، وهي طاهر طهرًا لم يمسها فيه بعد أن طهرت من حيضتها طلقة واحدة، ثم تركها حتى تنقضي عدتها، أو راجعها مراجعة رغبة أنه مطلِّق للسنة، وأنه قد طلق للعدة التي أمر اللَّه بها" (¬7). وقال أيضًا: "قال مالك وأصحابه: طلاق السنة أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه تطليقة واحدة، . . . وقول مالك ومن تابعه في ذلك إجماع من العلماء" (¬8). 8 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على أن المطلق للسنة في المدخول بها هو الذي يطلق امرأته في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة" (¬9). 9 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في أنه إذا طلقها في طهر لم يصبها فيه، ثم تركها حتى تنقضي عدتها، أنه مصيب للسنة، مطلق للعدة التي أمر اللَّه تعالى ¬
بها" (¬1). 10 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على أن من طلق امرأته طاهرًا في طهر لم يمسها فيه، أنه مطلق للسنة" (¬2). 11 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "ثبت بالنص والإجماع، أن السنة أن يطلقها طاهرًا من غير جماع" (¬3). 12 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "فالطلاق السني أن تكون المرأة طاهرًا من الحيض والنفاس حين الطلاق اتفاقًا، وأن يكون زوجها لم يمسها في ذلك الطهر اتفاقًا" (¬4). 13 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "وأجمع المسلمون على وقوع الطلاق الذي أذن اللَّه فيه، وأباحه إذا كان مكلفًا مختارًا" (¬5). 14 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: "طلاق السنة ما أذن الشارع فيه، والبدعة ما نهى عنه، ولا خلاف أن المطلق على الصفة الأولى مطلق للسنة" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المراد بالطلاق الموافق للسنة هو ما كان في طهر لم يجامعها فيه طلقة واحدة، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها، وافق عليه الحنفية (¬7). وهو قول عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وطاوس، وعمرو بن دينار، وقتادة، وربيعة، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} [الطلاق: الآية 1]. • وجه الدلالة: أمر اللَّه سبحانه وتعالى الرجال إذا أرادوا تطليق نسائهم أن يطلقوهن طاهرات من غير جماع، ومن خالف ذلك فليس بمتقٍ للَّه (¬9). ¬
[5 - 180] الطلاق في الحيض، والنفاس، وفي الطهر الذي جامع فيه، طلاق بدعي محرم
2 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه طلق امرأته، وهي حائض، فسأل عمر -رضي اللَّه عنه- رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مُرهُ فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر اللَّه أن يطلق لها النساء" (¬1). • وجه الدلالة: نص الحديث على تحريم الطلاق في زمن الحيض، وفي الطهر الذي جامع فيه، فيكون الطلاق المسنون الذي لا إثم فيه هو الطلاق في طهر لم يجامع فيه (¬2).Rتحقق الإجماع على أن طلاق السنة هو ما أوقعه الرجل على امرأته طلقة واحدة في طهر لم يجامع فيه؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [5 - 180] الطلاق في الحيض، والنفاس، وفي الطهر الذي جامع فيه، طلاق بدعي مُحرّم: إذا طلق الرجل امرأته، وهي حائض، أو نفساء، أو في طهر جامع فيه فقد ارتكب محرّمًا، وكان هذا الطلاق بدعيًّا؛ لأنه غير موافق للسنة، ونقل الإجماع على تحريم الطلاق في الحيض، والنفاس، وفي الطهر الذي جامع فيه، جمعٌ من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "طلاق الحائض حرام بإجماع" (¬3). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "طلاق البدعة في حيض، أو في طهر مجامع فيه، فهو محظور محرّم بوفاق" (¬4). ونقله عنه الشربيني (¬5). 3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "ولا خلاف بين أهل العلم قاطبة -وفي جملتهم جميع المخالفين لنا في ذلك- في أن الطلاق في الحيض، أو في طهر جامعها فيه، بدعة نهى عنها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬6). ونقل ذلك عنه ابن القيم (¬7). ¬
4 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين الأمة في أن حكم النفساء في هذا (¬1) حكم الحائض" (¬2). 5 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الطلاق في الحيض لمدخول بها، والطهر المجامع فيه محرم، إلا أنه يقع" (¬3). 6 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على أن المطلق للسنة في المدخول بها هو الذي يطلق امرأته في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة، وأن المطلق في الحيض أو الطهر الذي مسها فيه غير مطلق للسنة" (¬4). 7 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وأما المحظور: فالطلاق في الحيض، أو في طهر جامعها فيه، أجمع العلماء في جميع الأمصار، وكل الأعصار على تحريمه، ويسمى طلاق البدعة؛ لأن المطلق خالف السنة" (¬5). 8 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وحصل الإجماع على أن الطلاق في الحيض ممنوع، وفي الطهر مأذون فيه" (¬6). 9 - النووي (676 هـ) حيث قال: "أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل" (¬7). 10 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "الطلاق في الحيض محرّم بالكتاب والسنة والإجماع، فإنه لا يعلم في تحريمه نزاع، وهو طلاق بدعة" (¬8). وقال أيضًا: "فإن طلقها، وهي حائض، أو وطأها وطلقها بعد الوطء قبل أن يتبين حملها، فهذا طلاق محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين" (¬9). 11 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "وإذا طلق الرجل امرأته في حال الحيض وقع الطلاق، . . . ثم بهذا الإيقاع عاصٍ بإجماع الفقهاء" (¬10). ¬
12 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: ". . . وطلاق الموطوءة حائضًا بدعي، أي: حرام للنهي عنه. . .، ولإجماع الفقهاء على أنه عاصٍ" (¬1). 13 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "واتفقوا على تحريم الطلاق في الحيض لمدخول بها، أو في طهر جامع فيه، إلا أنه يقع، مع النهي عن ذلك" (¬2). 14 - الرملي (1004 هـ) حيث قال: "ويحرم البدعي -وهو طلاقها في حيض أو نفاس، ممسوسة أي: موطوءة- وقد علم ذلك إجماعًا" (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} [الطلاق: الآية 1]. • وجه الدلالة: أمر اللَّه سبحانه وتعالى الرجال إذا أرادوا تطليق نسائهم أن يطلقوهن طاهرات من غير جماع، وأن يطلقوهن في حال استقبال عدتهن، ولا يتصور ذلك إلا بعد الطهر من الدم، سواء في الحيض، أو في النفاس، ومن خالف ذلك فليس بمتقٍ للَّه (¬4). 2 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه طلق امرأته، وهي حائض، فسأل عمر بن الخطاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مُرهُ فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر اللَّه أن يطلق لها النساء" (¬5). وفي رواية: أن عبد اللَّه بن عمر: قال: طلقت امرأتي، وهي حائض، فذكر عمر ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتغيظ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: فذكره (¬6). • وجه الدلالة: نص الحديث على تحريم الطلاق في زمن الحيض، وفي الطهر الذي جامع فيه، وقد أنكره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتغيظه، مما يدل على تحريمه (¬7).Rتحقق الإجماع على أن طلاق الحائض، والنفساء، والطلاق في الطهر الذي جامع فيه بدعي مُحرّم؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[6 - 181] الطلاق في الحيض لازم لمن أوقعه
[6 - 181] الطلاق في الحيض لازم لمن أوقعه: سبق القول في المسألة السابقة أن الطلاق في الحيض بدعي مُحرّم، وتحقق الإجماع على ذلك، فإذا طلق الرجل زوجته في الحيض، فإن طلاقه يقع ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وممن مذهبه أن الحائض يقع بها الطلاق. . . كل من نحفظ عنه من أهل العلم، إلا ناسًا من أهل البدع لا يقتدى بهم" (¬1). 2 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "الطلاق يقع في الحيض، ثلاثًا كان أو أقل، وهو مذهب الفقهاء بأسرهم" (¬2). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "الطلاق في الحيض لازم لمن أوقعه، وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار، وجمهور علماء المسلمين، وإن كان عند جميعهم في الحيض بدعة غير سنة، فهو لازم عند جميعهم، ولا مخالف في ذلك إلا أهل البدع" (¬3). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الطلاق في الحيض لمدخول بها، والطهر المجامع فيه محرم، إلا أنه يقع" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). 5 - النووي (676 هـ) حيث قال: "أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض. . .، فلو طلقها أثِمَ، ووقع طلاقه" (¬6). 6 - العيني (855 هـ) حيث قال: "إذا طُلِّقت المرأة، وهي حائض، يعتبر ذلك الطلاق، وعليه أجمع أئمة الفتوى من التابعين وغيرهم" (¬7). وقال أيضًا: "وإذا طلق الرجل امرأته في حال الحيض وقع الطلاق، ويأثم بإجماع الفقهاء" (¬8). ¬
7 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "واتفقوا على تحريم الطلاق في الحيض لمدخول بها، أو في طهر جامع فيه، إلا أنه يقع، مع النهي عن ذلك" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الطلاق في الحيض لازم لمن أوقعه، هو قول الحسن البصري، وعطاء، والثوري، والأوزاعي، والليث، وأبي ثور (¬2). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن سيرين قال: سمعت ابن عمر قال: طلق ابن عمر امرأته، وهي حائض، فذكر عمر للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ليراجعها"، قلت: أتحتسب؟ قال: "فمه؟ " (¬3). 2 - عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: حسبت عليّ بتطليقة (¬4). 3 - عن نافع أن ابن عمر طلق امرأته، وهي حائض، فسأل عمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمره أن يرجعها، ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر، ثم يطلقها قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر اللَّه أن يطلق لها النساء. فكان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض، يقول: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره أن يرجعها، ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر، ثم يطلقها قبل أن يمسها (¬5). • وجه الدلالة: دلت الأحاديث السابقة على وقوع الطلاق في الحيض، وأن ابن عمر قد اعتد بتلك الطلقة التي طلق زوجته فيها وهي حائض، ولما أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عبد اللَّه بن عمر بالمراجعة، دل على اعتبار الطلاق فى الحيض؛ لأن المراجعة لا تكون إلا بعد طلاق (¬6). • الخلاف في المسألة: يرى طائفة من أصحاب الإمام أحمد (¬7)، وإليه ذهب ابن ¬
تيمية، وابن القيم (¬1)، وداود (¬2)، وابن حزم (¬3)، أن الطلاق في الحيض لا يقع. وهو قول سعيد بن المسيب، وطاوس، وخلاس بن عمرو، وأبي قلابة، وإبراهيم بن إسماعيل بن علية (¬4)، وهشام بن الحكم (¬5)، وهو قول الشيعة والخوارج (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} [الطلاق: الآية 1]. • وجه الدلالة: الوطء في الحيض حرام، والعدة لا تكون إلا من طلاق موطوءة، فلا يستقيم تحريم الوطء في الحيض، ثم إباحة الطلاق فيه (¬7). 2 - عن أبي الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة سأل ابن عمر قال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضًا؟ قال: طلق عبد اللَّه بن عمر امرأته، وهي حائض، على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسأل عمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إن عبد اللَّه بن عمر طلق امرأته وهي حائض، قال عبد اللَّه: فردها عليّ، ولم يرها شيئًا، وقال: "إذا طهرت؛ فليطلق أو ليمسك" (¬8). ¬
[7 - 182] استحباب مراجعة الزوجة إذا طلقها زوجها في طهر قد مسها فيه
• وجه الدلالة: هذا نص أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ير الطلقة شيئًا مما يدل على أنه لا يقع، ولو وقع لرآه شيئًا (¬1). 3 - أن النكاح المحرّم لا يلزم، والبيع المحرّم لا يلزم كذلك، فلا يلزم الطلاق المحرّم قياسًا (¬2).Rعدم تحقق الإجماع على أن الطلاق في الحيض لازم لمن أوقعه؛ وذلك لما يأتي: 1 - وجود خلاف عن داود، وابن حزم، وابن تيمية، وابن القيم، وبعض فقهاء الحنابلة، وهو قول سعيد بن المسيب، ومن معه من السلف، وسعيد معاصر للصحابة -رضي اللَّه عنهم-كما لا يخفى، والذي ترجح عند أهل الأصول: الاعتداد بخلاف التابعي المجتهد المعاصر للصحابة. 2 - يقول ابن القيم: "إن دعوى الإجماع غير صحيحة؛ لأن الخلاف لم يزل قائمًا بين السلف والخلف، وقد وهم من ادعى الإجماع على وقوعه، وقال بمبلغ علمه، وخفي عليه من الخلاف ما اطلع عليه غيره. . . كيف والخلاف بين الناس في هذه المسألة معلوم الثبوت عن المتقدمين والمتأخرين" (¬3). [7 - 182] استحباب مراجعة الزوجة إذا طلقها زوجها في طهر قد مسها فيه: إذا طلق الرجل امرأته في زمن الحيض، أو طلقها في طهر جامعها فيه، فإنه لا يؤمر بمراجعتها، ولكن يستحب له أن يراجعها، استدراكًا لمواقعة المحظور بالإقلاع عنه، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن بطال (449 هـ) حيث قال: "واتفقوا. . . أنه لو طلقها في طهر قد مسها فيه لا يؤمر بمراجعتها" (¬4). ونقله عنه ابن حجر (¬5)، والشوكاني (¬6). ¬
2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء أنه إذا طلقها في طهر مسها فيه لم يجبر على رجعتها" (¬1). وذكره في الاستذكار (¬2)، ونقله عنه ابن قدامة (¬3). وقال أيضًا: "لم يختلفوا أنها إذا انقضت عدتها لم يجبر على رجعتها، فدل ذلك على أن الأمر بمراجعتها ندب" (¬4). 3 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "لا يجبر اتفاقًا فيما إذا طلق في طهر مسها فيه" (¬5). أي: على الرجعة. 4 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أنه إذا انتهت عدتها أن لا رجعة، وأنه لو طلق في طهر قد مسها فيه لا يؤمر بمراجعتها" (¬6). 5 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "والاتفاق على أنه إذا طلقها في طهر قد مسها فيه لم يؤمر بالمراجعة" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على استحباب مراجعة الزوجة إذا طلقها زوجها في طهر قد مسها فيه، وافق عليه الحنفية، كما ذكره بعض المشايخ منهم (¬8). وهو قول الثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: الآية 229]. • وجه الدلالة: أن المطلق مخير بين الإمساك أو التسريح، فدل على استحباب المراجعة (¬10). وقال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البَقرَة: الآية 228]. • وجه الدلالة: علق سبحانه وتعالى حق الرجعة على إرادة الأزواج، فدل على استحبابها (¬11). 2 - أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ابن عمر بمراجعة زوجته، وأقل أحوال الأمر الاستحباب؛ حيث إن معصية الطلاق وقت الحيض قد وقعت، فتعذر ارتفاعها (¬12). ¬
[8 - 183] طلاق الحامل طلاق للسنة
• الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية في الصحيح لديهم (¬1)، والإمام مالك (¬2)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬3)، أن الرجعة تجب، وهو قول داود (¬4). • دليل هذا القول: حملوا الأمر في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمر: "مره فليراجعها"، على الوجوب، فتكون الرجعة واجبة (¬5).Rعدم تحقق الإجماع على أن الرجعة مستحبة غير واجبة إذا طلق الرجل امرأته في طهر قد مسها فيه؛ لخلاف الحنفية في الصحيح لديهم، والإمام مالك، والإمام أحمد في رواية عنه، وداود، بوجوب الرجعة. [8 - 183] طلاق الحامل طلاق للسنة: إذا طلق الرجل امرأته، وهي حامل، وكان هذا الطلاق طلقة واحدة، فإنه موافق للسنة؛ إذ لا بدعة في طلاق الحامل، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "الأمة مجمعة على أن الحامل تطلق للسنة إذا استبان حملها من أوله إلى آخره، وأن الحمل كله كالطهر الذي لم يجامع فيه" (¬6). ونقله عنه ابن قدامة (¬7). وقال أيضًا: "ولا نعلم خلافًا أن طلاق الحامل إذا تبين حملها طلاق سنة، إذا طلقها واحدة، وأن الحمل كله موضع للطلاق" (¬8). وقال أيضًا: "وأما الحامل فلا خلاف بين العلماء أن طلاقها للسنة من أول الحمل إلى آخره؛ لأن عدتها أن تضع ما في بطنها" (¬9). 2 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "طلاق الحامل ليس ببدعة. . . إجماعًا" (¬10). وقال أيضًا: "وقد اتفق الناس أن طلاق الحامل ليس ببدعة، وإن رأت الدم" (¬11). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر، وابن القيم من الإجماع على أن ¬
طلاق الحامل، طلاق للسنة، وافق عليه الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، وابن حزم (¬3). وهو قول عبد اللَّه بن مسعود، وجابر -رضي اللَّه عنهما-، وطاوس، والحسن البصري في رواية، وابن المسيب، وابن سيرين، وربيعة، والزهري، وحمّاد بن أبي سليمان، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد (¬4). • مستند الإجماع: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه طلق امرأته، وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملًا" (¬5). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن طلاق الحامل جائز في كل وقت، وأنه يقع للسنة (¬6). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحسن البصري فى رواية عنه، إلى أن طلاق الحامل مكروه (¬7). ثانيًا: ذهب بعض المالكية -كما قال القاضي عياض- إلى أن طلاق الحامل حرام (¬8). • دليل هذين القولين: أن في طلاق الحامل تطويلًا للعدة عليها، فمن قال بالكراهة، حمل القول بتطويل العدة على الكراهة، ومن قال بالتحريم، حمله على التحريم (¬9).Rتحقق الإجماع على جواز طلاق الحامل، وعدم النظر في خلاف من خالف؛ وذلك لما يأتي: 1 - رويت الكراهة عن الحسن البصري، والقول بالكراهة لا ينافي القول بالجواز. 2 - رُويَ عن الحسن رواية أخرى توافق قول الجمهور القائل بالجواز. 3 - ما نقل عن بعض المالكية من التحريم، فما ذكره غير القاضي عياض، ولم ¬
[9 - 184] طلاق غير المدخول بها لا سنة ولا بدعة فيه
ينسبه القاضي عياض لقائله، ولم أجد هذا القول عند أي من المالكية فيما وقع تحت يدي من كتبهم. [9 - 184] طلاق غير المدخول بها لا سنة ولا بدعة فيه: إذا نكح رجل امرأة، ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فإن طلاقه واقع، ولا سنة ولا بدعة فيه، سواء كانت حائضًا أم طاهرًا، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن الزوجة إن لم يطأها زوجها في ذلك النكاح، أن كل وقت فهو وقت طلاق لها" (¬1). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء أن طلاق السنة إنما هو في المدخول بها، وأما غير المدخول بها فليس في طلاقها سنة ولا بدعة" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر، وابن حزم من الإجماع على أن طلاق غير المدخول بها لا بدعة فيه ولا سنة، وافق عليه الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: الآية 49]. • وجه الدلالة: المراد بالطلاق للعدة هو طلاق المدخول بها من النساء، أما غير المدخول بها فلا عدة عليها، فلا بدعة ولا سنة في طلاقها (¬6). • الخلاف في المسألة: ذهب زفر من الحنفية (¬7)، والمالكية في رواية أشهب (¬8) (¬9)، ¬
[10 - 185] إذا طلق الرجل ثلاثا مجتمعات، وقعت ثلاثا
إلى القول بمنع طلاق غير المدخول بها، وهي حائض. • دليل هذا القول: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ابن عمر بمراجعة امرأته؛ لأنه طلقها وهي حائض، فتجري هذه العلة في كل حائض سواء كان مدخولًا بها أو غير مدخول بها (¬1).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن طلاق غير المدخول بها إذا كانت طاهرًا أنه لا سنة ولا بدعة في طلاقها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن غير المدخول بها، إذا كانت حائضًا، أنه لا بدعة ولا سنة في طلاقها؛ وذلك لوجود خلاف عن زفر من الحنفية، والمالكية في رواية أشهب؛ بمنع طلاق الحائض مدخولًا بها، أو غير مدخول بها. [10 - 185] إذا طلق الرجل ثلاثًا مجتمعات، وقعت ثلاثًا: إذا طلق الرجل امرأته ثلاث طلقات متواليات، فيقع الطلاق ثلاثًا، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن من طلق زوجته أكثر من ثلاث، أن ثلاثًا منه تحرمها عليه" (¬2). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أما وقوع الثلاث تطليقات مجتمعات بكلمة واحدة، فالفقهاء مختلفون في هيئة وقوعها كذلك، هل تقع للسنة أم لا؟ مع إجماعهم على أنها لازمة لمن أوقعها" (¬3). وقال أيضًا: ". . . وقوع الثلاث مجتمعات غير متفرقات، ولزومها، وهو ما لا خلاف فيه بين أئمة الفتوى بالأمصار، وهو المأثور عن جمهور السلف" (¬4). وقال أيضًا: ". . . الطلاق الثلاث مجتمعات لا يقعن لسُنّة. . . وهم مع ذلك يلزمونه ذلك الطلاق، ويحرمون به امرأته، إلا بعد زوج، كما لو أوقعها متفرقات عند الجميع" (¬5). 3 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: ". . . وليس معناه ما يتوهمه المبتدعة والجهّال من أن طلاق الثلاث إذا قالها الرجل في كلمة لا يلزم، وقد ضربت شرق الأرض ¬
وغربها، فما رأيت ولا سمعت أحدًا يقول ذلك إلا الشيعة الخارجين عن الإسلام" (¬1). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، أو بكلمات في حالة واحدة، أو في طهر واحد يقع؛ ولم يختلفوا في ذلك" (¬2). 5 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وروينا عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه كان لا يؤتى برجل قد طلق امرأته ثلاثًا إلا أوجعه ضربًا، وأجاز ذلك عليه، وكانت قضاياه بمحضر من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، فيكون إجماعًا منهم على ذلك" (¬3). 6 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملة ذلك أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا، فهي ثلاث، وإن نوى واحدة، لا نعلم فيه خلافًا" (¬4). 7 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "واتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع الطلاق الثلاث في كلمة واحدة، وهو قول جمهور السلف" (¬5). 8 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "الطلاق الرجعي والبائن، فأما البائن، فهو في أربعة مواضع: وهي طلاق غير المدخول بها، وطلاق الخلع، والطلاق بالثلاث، فهذه الثلاثة بائنة اتفاقًا، . . . " (¬6). وقال أيضًا: "وتنفذ الثلاث، سواء طلقها واحدة بعد واحدة اتفاقًا، أو جمع الثلاث في كلمة واحدة" (¬7). 9 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن الطلاق في الحيض لمدخول بها، أو في طهر جامع فيه محرّم؛ إلا أنه يقع، وكذلك جمع الطلاق الثلاث يحرم ويقع" (¬8). 10 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "فالراجح في الموضعين تحريم المتعة، وإيقاع الثلاث للإجماع الذي انعقد في عهد عمر على ذلك، ولا يحفظ أن أحدًا في عهد عمر خالفه في واحدة منهما، وقد دل إجماعهم على وجود ناسخ، وإن كان خفي عن بعضهم قبل ذلك حتى ظهر لجميعهم في عهد عمر، فالمخالف بعد هذا الإجماع منابذ له، والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق" (¬9). ¬
11 - العيني (855 هـ) حيث قال: "لما خاطب عمر الصحابة بذلك فلم يقع منهم إنكار، صار إجماعًا" (¬1). 12 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "إجماعهم ظاهر، فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه خالف عمر -رضي اللَّه عنه- حين أمضى الثلاث" (¬2). 13 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "ولا حاجة إلى الاشتغال بالأدلة على رد قول من أنكر وقوع الثلاث جملة؛ لأنه مخالف للإجماع" (¬3). 14 - ابن عابدين (1252 هـ) فذكره، كما قال ابن الهمام (¬4). 15 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "من طلق زوجته ثلاثًا بكلمة واحدة، وقعت الثلاث، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وجماهير العلماء، . . . وحكى ابن رشد إجماع علماء الأمصار على أن الطلاق بلفظ الثلاث حكمه حكم الطلقة الثالثة" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الرجل إذا طلق ثلاث تطليقات مجتمعات، وقعت ثلاثًا وافق عليه ابن حزم (¬6). وهو قول الثوري، وابن أبي ليلى، والأوزاعي، والليث، وعثمان البتي، والحسن بن حي، وإسحاق، وأبي ثور (¬7). • مستند الإجماع: قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: الآية 229] وقال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: الآية 230] وقال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)} [البقرة: الآية 241] قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: الآية 237]. • وجه الدلالة: لم يفرق اللَّه سبحانه وتعالى بين إيقاع الطلقة الواحدة أو الاثنتين أو الثلاث في هذه الأحكام، فدل على أن من أوقع الطلقات بأي عدد فقد لزمته، وأنه لما جاز جمع ¬
الثنتين في الطلاق دفعة واحدة جاز جمع الثلاث (¬1). عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمر العجلاني أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وسط الناس، فقال: يا رسول اللَّه، أرأيت لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد أنزل اللَّه فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها"، قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع الناس عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول اللَّه إن أنا أمسكتها، فطلَّقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن الطلقات الثلاث إذا وقعت بكلمة واحدة، فإنها تقع، وتبين بها الزوجة؛ لأن عويمرًا طلق زوجته ثلاثًا ولم ينكر عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدل على إباحة الطلاق بالثلاث، وأنها تقع (¬3). عن محمود بن لبيد (¬4) قال: أُخبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فغضب، ثم قال: "أيُلعب بكتاب اللَّه وأنا بين أظهركم؟ "، حتى قام رجل فقال: يا رسول اللَّه: ألا أقتله؟ (¬5). • وجه الدلالة: في هذا الحديث دليل على أن الطلاق بالثلاث قد وقع في عصره -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6). ¬
إن ركانة بن عبد يزيد (¬1) طلق امرأته البتّة، فأخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، وقال: واللَّه ما أردت إلا واحدة، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واللَّه ما أردت إلا واحدة؟ "، فقال ركانة: واللَّه ما أردت إلا واحدة، فردها إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فطلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمن عثمان (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استحلفه أنه ما أراد إلا واحدة، وفي ذلك دليل على أنه لو أراد ثلاثًا لوقعت، وإلا لما كان لتحليفه معنى (¬3). • الخلاف في المسألة: أولًا: يقع الطلاق بالثلاث واحدة رجعية، وهو ثابت عن ابن عباس، ونقل عن علي، وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير -رضي اللَّه عنهم-، وهو قول طاوس، وعكرمة، وعطاء، وعمرو بن دينار، والحجاج بن أرطاة (¬4)، ومحمد بن إسحاق (¬5) في رواية عنهما (¬6). وهو اختيار ابن تيمية، وابن القيم (¬7)، وهو قول المجد ¬
ابن تيمية، وكان يفتي به سرًّا (¬1). وإلى هذا القول مال الصنعاني (¬2)، والشوكاني (¬3)، والشيخ ابن باز من المعاصرين (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - عن طاوس عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: كان الطلاق على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم! فأمضاه عليهم (¬5). 2 - عن طاوس أن أبا الصهباء (¬6) قال لابن عباس: أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر، وثلاثًا من إمارة عمر؟ فقال ابن عباس: نعم (¬7). 3 - ذكر ابن القيم أن هذا القول عليه الإجماع قبل عصر عمر -رضي اللَّه عنه- فقال: "كل صحابي من لدن خلافة الصديق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر كان على أن الثلاث واحدة فتوى، أو إقرارًا، أو سكوتًا، ولهذا ادعى بعض أهل العلم أن هذا إجماع قديم، ولم تجمع الأمة وللَّه الحمد على خلافه، بل لم يزل فيهم من يفتي به قرنًا بعد قرن، وإلى يومنا هذا" (¬8). وقال أيضًا: "وأما أقوال الصحابة: فيكفي كون ذلك على عهد الصديق، ومعه جميع الصحابة، لم يختلف عليه منهم أحد، ولا حكي في زمانة القولان، حتى قال بعض أهل العلم: إن ذلك إجماع قديم، وإنما حدث الخلاف في زمن عمر -رضي اللَّه عنه-، واستمر الخلاف في المسألة إلى وقتنا هذا" (¬9). وقال أيضًا: "فنحن أحق بدعوى الإجماع منكم؛ لأنه لا يُعرف في عهد الصديق أحد رد ذلك ولا خالفه، فإن كان إجماع فهو من جانبنا أظهر ممن يدعيه من نصف خلافة عمر -رضي اللَّه عنه-، وهلم ¬
جرًّا، فإنه لم يزل الاختلاف فيها قائمًا، وذكره أهل العلم في مصنفاتهم قديمًا وحديثًا" (¬1). 4 - وقال ابن تيمية: "لم ينقل أحد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بإسناد مقبول أن أحدًا طلق امرأته ثلاثًا بكلمة واحدة فألزمه الثلاث، بل روي في ذلك أحاديث كلها كذب، باتفاق أهل العلم" (¬2). • ثانيًا: من قال: إن الطلاق بالثلاث مجتمعات لا تقع، بل تُرد لأنها بدعة، والبدعة مردودة -حكاه ابن حزم، وابن القيم، دون أن ينسباه لقائله (¬3). ونسبه غيرهما لابن إسحاق في رواية، والحجاج بن أرطاه في الرواية المشهورة عنه، وهو قول الرافضة (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: الآية 229]. • وجه الدلالة: شرط اللَّه سبحانه وتعالى أن تقع الطلقة الثالثة في حال يصح من الزوج فيها الإمساك، وإذا لم يصح الإمساك إلا بعد مراجعة فلا تصح الثالثة إلا بعد مراجعة أيضًا، وما يلزم في الثالثة يلزم في الثانية (¬5). 2 - قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" (¬6) • وجه الدلالة: الطلاق بالثلاث ليس عليه أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجب أن يرد (¬7). 3 - ما وقع في بعض طرق حديث ركانة، فقد روى ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته في مجلس واحد، فحزن عليها حزنًا شديدًا، فسأله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كيف طلقتها؟ "، قال: طلقتها ثلاثًا فى مجلس واحد، قال: "إنما تلك واحدة، فارتجعها إن شئت" (¬8). • وجه الدلالة: قال ابن إسحاق: أرى أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رد على ركانة امرأته؛ لأنه ¬
طلقها ثلاثًا في مجلس واحد؛ لأنه كانت بدعة مخالفة للسنة (¬1). • ثالثًا: التفريق بين المدخول بها وغير المدخول بها، فيقع ثلاثًا بالمدخول بها، وواحدة في غيرها، وهو قول جماعة من أصحاب ابن عباس (¬2). • أدلة هذا القول: عن طاوس أن رجلًا يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر، وصدرًا من إمارة عمر؟ قال ابن عباس: بلى، كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر، وصدرًا من إمارة عمر، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال: أُجيزهن عليهم (¬3). • وجه الدلالة: 1 - أن غير المدخول بها تبين إذا قال لها زوجها: أنت طالق مرة واحدة، فإذا قال: ثلاثًا لغا العدد لوقوعه بعد البينونة (¬4). 2 - أن إلزام عمر بالثلاث هو في حق المدخول بها، وحديث أبي الصهباء في حق غير المدخول بها، ففي هذا التفريق موافقة المنقول من الجانبين، وموافقة القياس (¬5).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن من طلق ثلاثًا لزمته، لوجود خلاف كبير في المسألة. ثانيًا: وقع خلاف كبير بين الفقهاء، وردود وترجيحات كثيرة، حتى نقض ابن القيم دعوى الإجماع في ذلك من عشرين وجهًا، فقال: "فهذه عشرون وجهًا في إثبات النزاع ¬
[11 - 186] طلاق الواحدة، أو الثلاث يقع بغير المدخول بها، وتبين به
في هذه المسألة بحسب بضاعتنا المزجاة من الكتب، وإلا فالذي لم نقف عليه من ذلك كثير" (¬1). ثالثًا: لا ينظر لمن لم يوقع شيئًا من طلاق الثلاث؛ لما يأتي: 1 - هذا القول ليس من أقوال أهل السنة، فقد حكي للإمام أحمد فأنكره وقال: هو قول الرافضة (¬2). 2 - هذا القول مبتدع لا يعرف لقائله سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان (¬3). 3 - ما ذهب إليه الحجاج بن أرطاه، وابن إسحاق موافق لقول أهل البدع، وهما ليسا من أهل الفقه، كما قال ابن عبد البر (¬4). 4 - اختلف النقل عن الحجاج بن أرطاه، فتارة توصف الرواية عنه بأنه لا يرى وقوع الطلاق بالرواية المشهورة، وتارة توصف الرواية عنه بأنه يرى الثلاث واقعة ثلاثًا بأنها المشهورة (¬5). [11 - 186] طلاق الواحدة، أو الثلاث يقع بغير المدخول بها، وتَبيِن به: إذا طلق الرجل امرأته واحدة أو ثلاثًا، وكانت غير مدخول بها؛ فإن الطلاق يلحق بها على أي عدد كان، وتصبح بائنًا، فلا تحل له إلا بعقد جديد إن طلقها واحدة، أو بعد زوج إن طلقها ثلاثًا، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن من طلق زوجته ولم يدخل بها طلقة أنها قد بانت منه، ولا تحل له إلا بنكاح جديد، ولا عدة عليها" (¬6). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وهذا إجماع من العلماء أن البكر والثيب إذا لم يدخل بهما فحكمهما إذا طلقهما قبل الدخول سواء؛ لأن العلة الدخول بها، وبكل واحدة منهما" (¬7). وقال أيضًا: ". . . في طلاق الثلاث أنها لازمة في المدخول بها ¬
وغير المدخول بها أنه لا تحل حتى تنكح زوجًا غيره، وعلى هذا جماعة العلماء والفقهاء بالحجاز والعراق والشام والمشرق والمغرب من أهل الفقه والحديث، وهم الجماعة والحجة" (¬1). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه إذا قال الزوج لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثًا، طلقت ثلاثًا" (¬2). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن البينونة إنما توجد للطلاق من قِبَل عدم الدخول، ومن قِبَل عدد التطليقات" (¬3). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: ". . . فأما غير المدخول بها فلا تطلق إلا طلقة واحدة، ذكره الحكم عن علي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود. . . ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولا نعلم لهم مخالفًا في عصرهم، فيكون إجماعًا" (¬4). 6 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الزوج إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق، طلقت ثلاثًا" (¬5). 7 - العيني (855 هـ) حيث قال: "لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثًا، تطلق ثلاثًا بالاتفاق" (¬6). 8 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: ". . . طلَّق غير المدخول بها ثلاثًا، وقعن، سواء قال: أوقعت عليك ثلاث تطليقات، أو أنت طالق ثلاثًا، ولا خلاف" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من أن طلاق الواحدة، وطلاق الثلاث يلحق غير المدخول بها على الصفة التي قالها المطلِّق، وتبين به وافق عليه ابن حزم (¬8). وهو قول عمر، وعلي، وابن عباس، وأبي هريرة، وعبد اللَّه بن عمرو، وابن مسعود، وأنس بن مالك، وعائشة، وأم سلمة -رضي اللَّه عنهم-، والحسن البصري في رواية، وسعيد بن المسيب، وابن سيرين، وعكرمة، والنخعي، والشعبي، وابن أبي ليلى، والأوزاعي، والثوري (¬9). ¬
• مستند الإجماع: أن المطلق قد أتى بالعدد الذي تصير به المرأة طالقًا، فتصير الصيغة الموضوعة لإنشاء الطلاق متوقعًا حكمها عند ذكر العدد (¬1). • الخلاف في المسألة: أولًا: إذا طلق الرجل امرأته غير المدخول بها ثلاثا، فلا يقع إلا واحدة. وهو قول الحسن البصري في رواية، وسعيد بن جبير، وعطاء، وأبي الشعثاء (¬2)، وعمرو بن دينار (¬3). • دليل هذا القول: عن طاوس أن رجلًا يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر، وصدرًا من إمارة عمر؟ قال ابن عباس: بلى، كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر، وصدرًا من إمارة عمر، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال: أُجيزهن عليهم (¬4). • وجه الدلالة: تأول أصحاب هذا القول أن طلاق غير المدخول بها ثلاثًا يقع واحدة، وهو الذي كان على زمان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5). ثانيًا: بالإضافة إلى ما سبق من حكاية الإجماع على أن طلاق الواحدة أو الثلاث تقع على غير المدخول بها، وذكر الخلاف في ذلك، فقد اختلف الفقهاء في حكم طلاق غير المدخول بها في حالتين؛ بناءً على اختلاف صيغة اللفظ بالطلاق. الحالة الأولى: إذا قال الزوج لغير المدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. الحالة الثانية: أن يقول لها: أنت طالق، وطالق، وطالق. الحالة الأولى: إذا قال الزوج لغير المدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. ¬
خلاف بين الفقهاء في اعتبار التلفظ بالطلاق بهذه الصيغة هل يقع واحدة أم ثلاثًا، وهذا الخلاف على قولين: القول الأول: يرى الحنفية (¬1)، والشافعية في "الجديد" (¬2)، والحنابلة في المذهب (¬3) أن التلفظ بالطلاق بهذه الصيغة لا يقع إلا واحدة، سواء قال ذلك واحدة أو أكثر. وقال به على، وزيد، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهم-، وعكرمة، والنخعي، وحمّاد بن أبي سليمان، والثوري، وأبو عبيد، وابن المنذر (¬4). • دليل هذا القول: أن المرأة غير المدخول بها قد بانت بالطلقة الأولى، فيقع ما بعدها لغوًا؛ لأنه أوقعه على طلاق بائن (¬5). القول الثاني: يرى المالكية (¬6)، والإمام الشافعي في القديم (¬7)، والحنابلة في رواية (¬8)، أنه يقع ما تلفظ به بهذه الصيغة، فإن كانت واحدة وقعت واحدة، وإن كانت اثنتين وقعت اثنتين، وإن كانت ثلاثًا وقعت ثلاثًا، وهو قول الأوزاعي، والليث (¬9). • دليل هذا القول: وقع لفظ الطلاق هنا متصلًا، فيقتضي وقوعه تامًا كما تلفظ به المطلق (¬10). الحالة الثانية: أن يقول لها: أنت طالق، وطالق، وطالق. إذا وقع الطلاق بهذه الصيغة، فقد اختلف الفقهاء في حكم ذلك على قولين: ¬
[12 - 187] جد الطلاق وهزله سواء
القول الأول: يرى الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة في رواية (¬3) أنه لا يقع بها إلا واحدة، وهو قول الثوري، وأبي ثور (¬4). • دليل هذا القول: الطلاق هنا مرتب قدم بعضه على بعض، فإذا وقع ما تقدم منه، منع من وقوع ما تأخر عنه (¬5). القول الثاني: يرى المالكية (¬6)، والحنابلة في رواية (¬7) أنه يلزمه الثلاث، وهو قول الأوزاعي والليث، وابن أبي ليلى (¬8). • دليل هذا القول: أن الواو في قوله: "طالق وطالق"، يقتضي الجمع، فيقع ما تلفظ به، سواء كان اثنتين أم ثلاثًا (¬9). • ثمرة الخلاف: تظهر ثمرة الخلاف في أن من اعتبر الطلاق واحدة، أن له أن يتزوج المرأة بمهر جديد وعقد جديد، ويكون خاطبًا من الخطاب، أما من اعتبر الطلاق يقع ثلاثًا فإنها لا تحل له إلا من بعد زوج (¬10).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن من طلق امرأته غير المدخول بها واحدة فإنه يقع واحدة. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن من تلفظ بالطلاق في غير المدخول بها ثلاثًا أنه يقع ثلاثًا؛ وذلك لوجود خلاف كبير في المسألة. [12 - 187] جد الطلاق وهزله سواء: إذا تلفظ الزوج بالطلاق، فإنه مؤاخذ به، سواء تكلم به جادًّا أو هازلًا ونقل ¬
الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الترمذي (279 هـ) حيث قال في باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم (¬1). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن طلاق الجد والهزل سواء". ونقله عنه ابن قدامة (¬2). 3 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع" (¬3). 4 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "ولا خلاف بين العلماء أن من طلق هازلًا أن الطلاق يلزمه" (¬4). 5 - الحطاب (954 هـ) حيث قال: "وهزل إيقاع الطلاق لازم اتفاقًا" (¬5). 6 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "فدل على وقوع الطلاق من الهازل، وأنه لا يحتاج إلى النية في الصريح، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وحكى غير واحد اتفاق أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به، وإن قال: كنت هازلًا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن جد الطلاق وهزله سواء، وأنه يقع وافق عليه الحنفية (¬7). وهو قول عمر، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما-، وعطاء، وعبيدة السلماني، وأبي عبيد، والثوري (¬8). • مستند الإجماع: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة" (¬9). ¬
[13 - 188] طلاق زائل العقل بغير سكر لا يقع
• الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى أن طلاق الهزل لا يقع، وأن الذي يقع هو ما أوقعه المُطلِّق مختارًا بلسانه، قاصدًا بقلبه (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (¬2). • وجه الدلالة: صح أن كل عمل بلا نية فهو باطل لا يعتد به، فيدخل فيه طلاق الهازل، ما لم ينو (¬3). 2 - قال ابن حزم عن حديث: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة"، إنه خبر موضوع (¬4).Rعدم تحقق الإجماع على أن جد الطلاق وهزله سواء؛ وذلك لخلاف ابن حزم في عدم اعتبار طلاق الهازل. [13 - 188] طلاق زائل العقل بغير سكر لا يقع: قد يزول عقل الإنسان بسبب عارض من مرض يؤثر في عقله؛ كالأورام ونحوها، أو نوم، أو إغماء، أو جنون دائم، فربما تلفظ بالطلاق، وهو على هذه الحال، فلا يقع طلاقه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الترمذي (279 هـ) حيث قال: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم، أن طلاق المعتوه المغلوب على عقله لا يجوز" (¬5). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المجنون، والمعتوه لا يجوز طلاقه" (¬6). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن الرجل إذا طلق في حال نومه أن لا طلاق له" (¬7). ¬
3 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على أن طلاق الصبي والمجنون لا يقع" (¬1). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سكر، أو ما في معناه لا يقع طلاقه" (¬2). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن الرجل إذا طلق في حال نومه، فلا طلاق له" (¬3). وقال أيضًا: "وسواء زال عقله لجنون، أو إغماء، أو نوم، أو شرْب دواءٍ، أو إكراه على شرب خمر، أو شَرِب ما يزيل عقله شربه، ولا يعلم أنه مزيل للعقل، فكل هذا يمنع وقوع الطلاق رواية واحدة، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬4). وقال أيضًا: ". . . لا طلاق في إغلاق، . . . ويدخل في هذا المعنى المبرسم (¬5) إجماعًا" (¬6). 5 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "ولهذا لم يكن لشيء من أقواله التي تسمع منه في المنام حكم باتفاق العلماء، فلو طلق، أو أعتق، أو تبرع، أو غير ذلك في منامه، كان لغوًا" (¬7). وقال أيضًا: "وأما المجنون الذي رفع عنه القلم، فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء، . . . ولا تصح عقوده باتفاق العلماء، فلا يصح بيعه، ولا شراؤه، ولا نكاحه، ولا طلاقه، ولا إقراره، ولا شهادته، ولا غير ذلك من أقواله، بل أقواله كلها لغو" (¬8). 6 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "فلا ينفذ طلاق مجنون، اتفاقًا" (¬9). 7 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع" (¬10). 8 - العيني (855 هـ) حيث قال: "لو سكر بالبنج والدواء، لا يقع طلاقه بالإجماع، كالنائم" (¬11). ¬
9 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "وفيه دليل على أن الثلاثة (¬1) لا يتعلق بهم تكليف، وهو في النائم المستغرق إجماع" (¬2). 10 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع" (¬3). 11 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنه لا يقع (¬4) من مجنون، ولا نائم" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن من ذهب عقله بلا سكر، فإن طلاقه لا يقع، وافق عليه ابن حزم (¬6). وهو قول عثمان، وعلى -رضي اللَّه عنهما-، وسعيد ابن المسيب، وجابر بن زيد، والحسن البصري، والشعبي، والنخعي، وقتادة، وأبي قلابة، والزهري، ويحيى الأنصاري، وأبي ثور (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل طلاق جائز، إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله" (¬8). 2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل، أو يفيق" (¬9). • وجه الدلالة من الحديثين: دل الحديثان على أن كل طلاق يقع فهو معتبر، إلا ما صدر عن مجنون، أو نائم، أو صغير لا تمييز له. ¬
[14 - 189] طلاق الصبي لا يقع
Rتحقق الإجماع على أن من زال عقله بسبب جنون، أو نوم، أو إغماء، أو مرض يؤثر في عقله، فإن طلاقه لا يقع؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [14 - 189] طلاق الصبي لا يقع: إذا طلق الصبي امرأته فإن طلاقه لا يقع؛ لما ورد من اشتراط العقل والبلوغ في المطلق حتى يقع طلاقه، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على أن طلاق الصبي والمجنون لا يقع" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره البغوي من الشافعية من الاتفاق على أن طلاق الصبي لا يقع وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬4)، وابن حزم (¬5). وهو قول الحسن، والنخعي، والزهري، والحكم بن عتيبة، وحمّاد بن أبي سليمان، والثوري، وأبي ثور، وأبي عبيد (¬6). • مستند الاتفاق: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل، أو يفيق" (¬7). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن كل طلاق يقع فهو معتبر إلا ما صدر عن مجنون أو نائم أو صغير. • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه هي المذهب إلى أن الصبي الذي يعقل معنى الطلاق (¬8) يقع طلاقه، وإن لم يبلغ (¬9). وهو قول سعيد بن المسيب، وعطاء، وإسحاق (¬10). ¬
[15 - 190] طلاق السفيه لازم له
• أدلة هذا القول: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل، فقال: يا رسول اللَّه سيدي زوجني أمته، وهو يريد أن يفرق بيني وبينها، قال: فصعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المنبر، فقال: "يا أيها الناس، ما بال أحدكم يزوج عبده أمته، ثم يريد أن يفرق بينهما؛ إنما الطلاق لمن أخذ بالساق" (¬1). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل طلاق جائز، إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله" (¬2). 3 - أن طلاق الصبي الذي يعقل معنى الطلاق وقع من عاقل، أشبه طلاق البالغ، فيقع (¬3).Rعدم صحة ما ذكر من الاتفاق على أن طلاق الصبي لا يقع؛ وذلك لوجود خلاف عن الإمام أحمد في رواية هي المذهب بوقوعه من الصبي الذي يعقل معنى الطلاق وإن لم يبلغ الحلم. [15 - 190] طلاق السفيه لازم له: السفه: ضعف في العقل، وسوء في التصرف، وأصله من الخفة في الحركة، والسفيه: الجاهل الذي قل عقله، فلا يحسن التصرف (¬4). فإذا صدر الطلاق ممن وصف بأنه لا يحسن التصرف؛ فإن طلاقه واقع، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن طلاق السفيه لازم له" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية من الإجماع على أن ¬
[16 - 191] طلاق الغضبان لا يقع
طلاق السفيه يقع وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: أن السفيه مكلف، تصح منه عباداته ونحوها، وهو مالك لمحل الطلاق، فيقع طلاقه كالرشيد (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب أبو يوسف من الحنفية (¬5)، وابن أبي ليلى، وعطاء إلى منع وقوع طلاق السفيه (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - أن السفيه محجور عليه في جميع تصرفاته، فلا يقع طلاقه، كما لا يقع بيعه وشراؤه (¬7). 2 - أن البضع يجري مجرى المال، بدليل أنه يملكه بمال، ويصح أن يزول ملكه عنه بمال، فلم يملك التصرف فيه، كما لا يملكه في المال (¬8).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن طلاق السفيه يقع؛ وذلك لوجود خلاف عن ابن أبي ليلى، وعطاء بعدم وقوع طلاق السفيه. ثانيًا: لم يرد خلاف أبي يوسف في أي من كتب الحنفية، إنما ذكر هذا الخلاف عنه أحد المالكية، فلا ينظر إليه. [16 - 191] طلاق الغضبان لا يقع: إذا طلق الرجل امرأته وهو غضبان، وكان في حالة لا يشعر بما يقول، فإن طلاقه لا يقع، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفي الخلاف: ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "والغضب على ثلاثة أقسام: أحدها: ما يزيل العقل، فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقه بلا ¬
نزاع (¬1)، . . . " (¬2). وقال أيضًا: "والغضبان الذي يمنعه الغضب من معرفة ما يقول وقصده، فهذا من أعظم الإغلاق، وهو في هذا الحال بمنزلة المبرسم، والمجنون، والسكران، بل أسوأ حالًا من السكران؛ لأن السكران لا يقتل نفسه، ويلقي ولده من علو، والغضبان يفعل ذلك، وهذا لا يتوجه فيه نزاع أنه لا يقع طلاقه، والحديث يتناول هذا القسم قطعًا (¬3) " (¬4). وقال أيضًا: ". . . أن يبلغ به الغضب نهايته، بحيث ينغلق عليه باب العلم والإرادة، فلا يعلم ما يقول ولا يريده، فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه" (¬5). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن القيم من أنه لا خلاف في أن طلاق الغضبان لا يقع، ويُقصَد بالغضبان هنا الذي لا يشعر بما يقول كما قاله ابن القيم، وافق عليه الحنفية (¬6). • مستند نفي الخلاف: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق (¬7) " (¬8). • وجه الدلالة: فسر أبو داود الإغلاق -كما فسره غيره- بأنه الغضب، فلا يقع ¬
[17 - 192] طلاق المريض يقع
عندئذٍ لغضبان طلاق (¬1). • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية (¬2)، والشافعية (¬3) إلى أن طلاق الغضبان يقع، وإن اشتد غضبه عند المالكية، ولم يفرق الشافعية بين حالات الغضب التي ذكرها ابن القيم. وهو قول ابن عباس، وعائشة، وأفتى به جمع من الصحابة -رضي اللَّه عنه- (¬4). • دليل هذا القول: أن طلاق غالب الناس إنما هو في حال الغضب، ولو جاز عدم وقوع طلاق الغضبان؛ لكان لكل أحد أن يقول في كل ما جناه: كنت غضبانًا (¬5).Rأولًا: عدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في عدم وقوع طلاق الغضبان، سواء كان في أشد حالات الغضب، أو في أقلها؛ لما يأتي: 1 - خلاف المالكية في أن طلاق الغضبان يقع، وإن اشتد غضبه. 2 - خلاف الشافعية في أن طلاق الغضبان يقع، ولم يفرقوا بين حالة وحالة من حالات الغضب. ثانيًا: قال ابن حجر: القول بعدم وقوع طلاق الغضبان لم يوجد إلا عند متأخري الحنابلة، ولم يوجد عند أحد من متقدميهم، إلا ما أشار إليه أبو داود (¬6). [17 - 192] طلاق المريض يقع: إذا طلق المريض امرأته، فإن طلاقه يقع، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يقع طلاق ¬
[18 - 193] إذا طلق المريض امرأته ثلاثا، ورثته إن مات، ولا يرثها إن ماتت
المريض" (¬1)، وابن جزي (741 هـ) حيث قال: "طلاق المريض نافذ كالصحيح، اتفاقًا" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره علماء المالكية من الاتفاق على صحة طلاق المريض وافق عليه الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الاتفاق: استدلوا بعموم الآيات والأحاديث التي جاء فيها ذكر الطلاق دون أن تفرق بين المريض وغيره في حكم الطلاق؛ مثل قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة" (¬7). أن الظهار والإيلاء يصح من المريض، فأولى أن يصح منه الطلاق (¬8). • الخلاف في المسألة: ذهب الشعبي، وعمرو بن عبيد (¬9) (¬10)، إلى أن طلاق المريض غير صحيح، فليس له طلاق، وهي زوجته كما كانت. • دليل هذا القول: لا ينفذ لمريض طلاق؛ لأجل التهمة في الهرب من ميراث زوجته (¬11).Rعدم تحقق الإجماع على أن طلاق المريض يصح كما يصح طلاق غير المريض؛ وذلك لوجود خلاف عن الشعبي وغيره. [18 - 193] إذا طلق المريض امرأته ثلاثًا، ورثته إن مات، ولا يرثها إن ماتت: إذا طلق المريض امرأته ثلاثًا، ومات في مرضه الذي طلقها فيه، فإنها ترثه، ولا ¬
يرثها إن ماتت، وتسمى هذه المسألة عند الفقهاء طلاق الفارِّ، كأنه طلقها ليفر من أن ترثه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وقد أجمعوا على أن الزوج لا يرثها إن ماتت في العدة، ولا بعد انقضاء العدة إذا طلقها ثلاثًا وهو صحيح، أو مريض" (¬1). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال بعد أن ذكر الصحابة الذين ورّثوا امرأة المريض منه: ". . . ولا أعلم لهم مخالفًا من الصحابة، إلا عبد اللَّه بن الزبير، فإنه قال: لا أرى أن ترث المبتوتة بحال من الأحوال، وجمهور علماء المسلمين على ما روي عن الصحابة في ذلك" (¬2). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إن عثمان -رضي اللَّه عنه- ورَّث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف، وكان طلقها في مرضه فبتها، واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر، فكان إجماعًا" (¬3). 4 - العيني (855 هـ) حيث قال: "بإجماع الصحابة توريث امرأة الفارّ" (¬4). 5 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "أما الإجماع: فلأن عثمان -رضي اللَّه عنه- ورّث تماضر بنت الأصبغ بن زياد الكلبية، من عبد الرحمن بن عوف لما بتّ طلاقها، وهي في العدة بمحضر من الصحابة، فلم ينكر عليه أحد، فكان إجماعًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على توريث امرأة المريض منه إذا طلقها في مرضه ومات في ذلك المرض، وهي في العدة، وعدم توريثه منها إن ماتت هي هو قول عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه-، وقال به عروة، وشريح، والحسن، والشعبي، والنخعي، وابن أبي ليلى، وربيعة الرأي، والليث بن سعد، والأوزاعي، والثوري (¬6). • مستند الإجماع: أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته البتة، وهو مريض، فورّثها ¬
عثمان بن عفان منه بعد انقضاء عدتها (¬1). • وجه الدلالة: هذا عثمان -رضي اللَّه عنه- ورّث امرأة عبد الرحمن بن عوف منه لما بتّ طلاقها وهو مريض، وكان ذلك بمحضر من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، ولم ينكره عليه أحد منهم، فصار إجماعًا (¬2). • الخلاف في المسألة: يرى الإمام الشافعي في الجديد (¬3)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬4)، وابن حزم (¬5) أنها لا ترثه. وبه قال عبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنه-، وأبو ثور، وداود (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - استدلوا بظاهر الآيات في توريث الزوجات، قالوا: والمبتوتة ليست بزوجة عند جماعة المسلمين (¬7). 2 - عن ابن أبي مليكة أنه سأل ابن الزبير عن الرجل الذي يطلق المرأة فيبتها ثم يموت وهي في عدتها فقال عبد اللَّه بن الزبير: طلق عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه- تماضر بنت الأصبغ الكلبية فبتها ثم مات وهي في عدتها فورثها عثمان -رضي اللَّه عنه-، قال ابن الزبير: وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة (¬8). 3 - أنها إذا ماتت في العدة فإن الرجل لا يرثها، فلو كانت زوجة لورثها كما ترثه (¬9).Rعدم تحقق الإجماع على أن المرأة إذا طلقت ثلاثًا أنها ترث زوجها إذا ¬
[19 - 194] طلاق الأخرس صحيح
مات في مرضه الذي طلقها فيه؛ للخلاف الوارد عن عبد اللَّه بن الزبير، والإمام الشافعي في الجديد، والإمام أحمد في رواية عنه، وأبي ثور، وابن حزم في عدم توريثها. وعبد اللَّه بن الزبير من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو معاصر لعثمان ومن بعده، ولم ينته عصر الإجماع بعد، حتى يُدعى إجماع الصحابة على توريث امرأة الفارّ. [19 - 194] طلاق الأخرس صحيح: إذا طلق الرجل امرأته، وكان أخرس لا يستطيع الكلام، فإن إشارته بالطلاق تقوم مقام الكلام، فتطلق زوجته، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق إلا في موضعين: أحدهما: من لا يقدر على الكلام، كالأخرس إذا طلق بالإشارة، طلقت زوجته، وبهذا قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في صحة طلاق الأخرس، وأن إشارته بالطلاق تقوم مقام تلفظه به وافق عليه الحنفية في الصحيح لديهم، وعليه الفتوى (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند نفي الخلاف: أن الأخرس لا طريق له إلى تبيين مراده إلا بالإشارة، فيقع طلاقه بالإشارة، فتقوم إشارته مقام كلامه (¬6). • الخلاف في المسألة: أولًا: يرى بعض الحنفية (¬7)، والمتولي (¬8) من. . . . . . . ¬
[20 - 195] الطلاق بلفظ الطلاق والفراق والسراح؛ لفظ صريح يقع به الطلاق
الشافعية (¬1) أن الأخرس إن كان قادرًا على الكتابة فلا يقع طلاقه إلا بالكتابة دون الإشارة. وهو قول النخعي، والثوري، وأبي ثور (¬2). • دليل هذا القول: أن الضرورة في قبول إشارة الأخرس قد اندفعت بقدرته على الكتابة فيصار إليها، وهي أقوى من الإشارة (¬3). ثانيًا: يرى الحسن البصري، وقتادة أن طلاق الأخرس لا يقع، فيطلق عنه وليه (¬4). • دليل هذا القول: أن الأخرس لا يستطيع الكلام، فيقوم وليه مقامه، فيطلق عنه (¬5).Rعدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن طلاق الأخرس صحيح؛ وذلك لما يلي: 1 - وجود خلاف عن بعض الحنفية، والمتولي من الشافعية، وهو قول النخعي، والثوري، وأبي ثور -يقيد وقوع طلاق الأخرس فيما إذا لم يقدر على الكتابة، فإن قدر على الكتابة، فلا تعتبر إشارته. 2 - وجود خلاف عن الحسن البصري وقتادة يجعل التطليق لولي الأخرس، وليس له. [20 - 195] الطلاق بلفظ الطلاق والفراق والسراح؛ لفظ صريح يقع به الطلاق: إذا تلفظ الرجل بلفظ الطلاق، أو الفراق، أو السراح، فإن هذه ألفاظ صريحة يقع بها الطلاق، ولا تحتاج إلى نية، ونقل الاتفاق على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن ألفاظ الطلاق: طلاق وما تصرف من هجائه مما يفهم معناه" (¬6). ¬
2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "لم يختلف فيمن قال لامرأته: قد طلقتك أنه من صريح الطلاق في المدخول بها، وغير المدخول بها" (¬1). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الطلاق والفراق والسراح متى أوقع المكلف لفظة منها، وقع بها الطلاق، وإن لم ينوِه" (¬2). 4 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "لم يختلف العلماء فيمن قال لامرأته: قد طلقتك أنه من صريح الطلاق في المدخول بها، وغير المدخول بها" (¬3). 5 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الطلاق، والفراق، والسراح صريح لا يفتقر إلى نية" (¬4). 6 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن لفظ الطلاق وما تصرّف منه صريح" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: أولًا: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على أن لفظ الطلاق لفظ صريح يقع به الطلاق وافق عليه الحنفية (¬6). ثانيًا: ما ذكره قاضي صفد من الشافعية، وابن هبيرة من الحنابلة من الاتفاق على أن لفظ الفراق، ولفظ السراح لفظان يدلان على الطلاق صراحة -وافق عليه المالكية في رواية (¬7). • مستند الاتفاق: قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: الآية 229] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} [الأحزاب: الآية 28] وقال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: الآية 231]. • وجه الدلالة: أن لفظ الطلاق، والفراق، والسراح ألفاظ ورد بها القرآن، ويراد بها الفرقة بين الزوجين، فتكون صريحة في الطلاق، والفراق، والسراح كلفظ الطلاق تمامًا (¬8). ¬
• الخلاف في المسألة: أولًا: لم يختلف الفقهاء في أن لفظ الطلاق لفظ صريح يدل على الطلاق، ولا يحتاج فيه إلى نية. ثانيًا: وقع خلاف بين الفقهاء في لفظي الفراق، والسراح: هل يفتقران إلى نية حتى يقع بهما الطلاق أم لا؟ . فقد ذهب الحنفية (¬1)، والمالكية في رواية (¬2)، وهو القديم عند الشافعية (¬3)، وذكره الغزالي بصيغة التمريض، وقال: لا بأس به (¬4)، والمذهب عند الحنابلة (¬5)، ورجحه ابن قدامة، وابن القيم (¬6)، وهو قول ابن حزم (¬7) -إلى أن اللفظ الصريح في الطلاق لفظة واحدة فقط؛ وهي لفظة "الطلاق" وما تصرف منها، نحو: التطليق، وأنت طالق، وأنت الطلاق، وطلقتك، دون لفظ "الفراق، والسراح"، فهما من ألفاظ الكناية لا تقع إلا بنية. • أدلة هذا القول: 1 - أنه ثبت في عرف الشرع استعمال هذا اللفظ -الطلاق- صراحة، فيدل على الطلاق صراحة (¬8). 2 - أن لفظ الفراق، والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيرًا، فلا يدلان على الطلاق إلا بنية (¬9).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن لفظ الطلاق، وما تصرف منه لفظ صريح في الطلاق يدل عليه؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن لفظ الفراق، والسراح ألفاظ صريحة تدل على الطلاق بلا نية؛ لخلاف الحنفية، والمالكية في رواية، والشافعية في القديم، والمذهب عند الحنابلة، وابن حزم، على أنهما لا يدلان على الطلاق إلا بنية. ¬
[21 - 196] صريح الطلاق يلزم نواه المطلق، أم لم ينوه
[21 - 196] صريح الطلاق يلزم نواه المطلِّق، أم لم ينوه: ثبت في المسألة السابقة الإجماع على أن اللفظ الصريح في الطلاق هو الطلاق وما تصرّف منه، وعلى هذا إذا طلَّق الرجل امرأته باللفظ الصريح وما تصرّف منه فإن طلاقه يقع، سواء نواه أم لم ينوِه، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الخطابي (388 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به، ولا ينفعه أن يقول: كنت لاعبًا أو هازلًا، أو لم أنوِ به طلاقًا" (¬1). ونقله عنه الشربيني (¬2). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أجمع المسلمون على أن الطلاق يقع إذا كان بنية، وبلفظ صريح" (¬3). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ذكرنا أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية، بل يقع من غير قصد، ولا خلاف في ذلك" (¬4). 4 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ولا يفتقر إلى النية؛ لأنه صريح فيه لغلبة الاستعمال على الطلاق، . . . وهذا بإجماع الفقهاء" (¬5). 5 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "وأما كونه لا يفتقر إلى النية فنقل فيه إجماع الفقهاء" (¬6). 6 - ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: "فمتى أتى بصريح الطلاق وقع، نواه أو لم ينوه، بغير خلاف" (¬7). 7 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: ". . . عدم توقفه على النية، ونقل فيه الإجماع" (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن لفظ "الطلاق" لفظ صريح يدل على الطلاق بلا نية وافق عليه ابن حزم (¬9). ¬
• مستند الإجماع: 1 - أن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- لما طلق امرأته في حال الحيض، أمره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يراجعها (¬1)، ولم يسأله هل نوى الطلاق أم لم ينوِ، ولو كانت النية شرطًا لسأله، ولا مراجعة إلا بعد وقوع الطلاق، فدل على وقوع الطلاق من غير نية (¬2). 2 - أن ما يعتبر له القول يكتفى فيه به، من غير نية، إذا كان صريحًا فيه كالبيع (¬3). 3 - أن القصد من النية هو تعيين المبهم، ولا إبهام في الطلاق إذا أتى بلفظه الصريح (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه (¬5)، وداود (¬6) إلى أن الطلاق الصريح لا يقع إلا بنية، وزاد الإمام أحمد: أو قرينة غضب، أو سؤال المرأة الطلاق (¬7). • دليل هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: الآية 5]. 2 - عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (¬8). • وجه الدلالة من النصين السابقين: دل النصّان على أنه لا عمل إلا بنية، وأن الإنسان غير مؤاخذ بما لم ينوِ، وأن العمل إذا لم يقترن بالنية فهو غير مقبول (¬9). 3 - رُفع لعمر بن الخطاب أن امرأة قالت لزوجها: سَمِّني، فسماها الظبية، فقالت: ما قلت شيئًا، قال: فهات ما أسميك به، قالت: سمني خلية طالقًا، قال: أنت خلية طالق، فأتت عمر بن الخطاب فقالت: إن زوجي طلقني، فجاء زوجها فقص عليه القصة، فأوجع عمر رأسها، وقال لزوجها: خذ بيدها وأوجع رأسها (¬10). ¬
[22 - 197] ألفاظ الكناية في الطلاق لا تقع إلا بالنية
• وجه الدلالة: هذا حكم من أمير المؤمنين عمر بعدم الوقوع لمّا لم يقصد الزوج اللفظ الذي يقع به الطلاق، بل قصد لفظًا لا يقع به الطلاق، فكان لا بد من النية (¬1).Rعدم تحقق الإجماع على أن اللفظ الصريح في الطلاق يقع إذا لم ينوه؛ وذلك لوجود خلاف عن الإمام أحمد في رواية عنه، وداود؛ إذ يريان أنه لا يقع إلا بنية. [22 - 197] ألفاظ الكناية في الطلاق لا تقع إلا بالنية: يقسِّم الفقهاء الطلاق من حيث اللفظ إلى صريح وكناية (¬2)، فالصريح كلفظ الطلاق وما تصرّف منه، ولفظ الفراق والسراح على الخلاف السابق في اعتبارهما من الصريح أو من الكناية. والكناية مثل: أنت بائن، أنت خلية، أنت حرة، أمرك بيدك، اختاري، ونحوها من الألفاظ (¬3). فإذا وقع الطلاق بلفظ من ألفاظ الكناية فلا بد فيه من النية، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولا خلاف أنه لا يقع الطلاق بشيء من ألفاظ الكناية إلا بالنية" (¬4). 2 - الرافعي (623 هـ) حيث قال: "وكما يقع الطلاق بالصريح، يقع بالكنايات مع النية، بالإجماع" (¬5). ¬
3 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأما الكناية فيقع بها الطلاق مع النية بالإجماع، ولا يقع بلا نية" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الكاساني من الحنفية، والرافعي، والنووي من الشافعية من الإجماع على أن كنايات الطلاق لا تقع إلا بنية، هو قول الأوزاعي، وأبي عبيد، وحمّاد بن أبي سليمان (¬2). • مستند الإجماع: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: إن ابنة الجون (¬3) لما أدخلت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ودنا منها قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال لها: "لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك" (¬4). 2 - ما ورد في قصة كعب بن مالك (¬5) في قصة توبته: جاءه رسول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال له: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقال كعب: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها (¬6). • وجه الدلالة من الحديثين: أن لفظ: "الحقي بأهلك"، ولفظ: "الاعتزال"، من ألفاظ الكناية التي تحتاج إلى نية، فلا تعتبر بغير نية من تلفظ بها (¬7). 3 - كُتب إلى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- من العراق، أن رجلًا قال لامرأته: حبلك على غاربك، فكتب عمر إلى عامله: أن مرهُ أن يوافيني بمكة في الموسم، فبينا عمر يطوف بالبيت، إذ لقيه الرجل فسلّم عليه، فقال عمر: من أنت؟ قال: أنا الذي أمرتَ أن أُجلب عليك، فقال له عمر: أسألك برب هذه البنيّة، ما أردت بقولك: حبلك على ¬
غاربك؟ فقال له الرجل: أردت بذلك الفراق، فقال عمر: هو ما أردت (¬1). • وجه الدلالة: استحلف عمر -رضي اللَّه عنه- الرجل ماذا أراد بما تلفظ به، فلما أخبره الرجل بنيته، قال: هو ما أراد، مما يدل على اعتبار النية في كنايات الطلاق. 4 - أن ألفاظ الكناية قد يراد بها الطلاق عند النطق بها، وقد يراد بها غيره، ولا يفهم المقصود منها من حيث الظاهر، فلا بد من نية المكلف حتى تكون هذه الألفاظ معتبرة في الطلاق (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية (¬3)، والحنابلة (¬4)، إلى أن كنايات الطلاق منها ما يقع بلا نية؛ مثل: أنت خلية، وبريّة، وبائن، وبتة، وبتلة. وهذه تسمى كنايات ظاهرة. ومنها ما لا يقع إلا بنية؛ مثل: اخرجي، اذهبي، انصرفي، ذوقي، اغربي. وهذه تسمى كنايات خفية، أو محتملة. ثم اختلف هؤلاء فيما يقع بالكنايات الظاهرة من طلاق: • أولًا: يرى المالكية، والإمام أحمد في رواية عنه، أنها تقع ثلاث تطليقات. وهو قول علي، وابن عمر، وزيد بن ثابت -رضي اللَّه عنهم-، وعمر بن عبد العزيز (¬5). • دليل هذا القول: أن هذا يروى عن علي، وابن عمر، ولا مخالف لهما، فيكون إجماعًا (¬6). • ثانيًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه، اختارها أبو الخطاب، أنه يقع ما نواه من عدد، إن واحدة، فواحدة، أو اثنتين، أو ثلاثًا. • دليل هذا القول: أن الكنايات الظاهرة أحد نوعي الطلاق، فإذا نوى واحدة لم يزد عليها، وإن نوى أكثر وقع ما نواه (¬7). ¬
[23 - 198] مجرد النية لا يقع بها طلاق
Rعدم تحقق الإجماع على أن ألفاظ الكنايات في الطلاق لا تقع بغير نية المتلفظ بها؛ وذلك لوجود خلاف عن المالكية والحنابلة، بأن هناك ألفاظ كنايات تقع بلا نية. [23 - 198] مجرد النية لا يقع بها طلاق: إذا حدّث الرجل نفسه بطلاق امرأته؛ فنوى طلاقها، فإنه لا يقع، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الترمذي (279 هـ) حيث قال: "والعمل على هذا عند أهل العلم: أن الرجل إذا حدِّث نفسه بالطلاق، لم يكن شيئًا حتى يتكلم به" (¬1). ونقله عنه الشوكاني (¬2). 2 - القرافي (684 هـ) حيث قال: "والإجماع على أن العازم على طلاق زوجته لا يلزمه بعزمه الطلاق" (¬3). 3 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وإذا نوى طلاق زوجته لم يقع طلاق، باتفاق العلماء" (¬4). وقال أيضًا: ". . . وبكل حال لم يكن عزم زيد على الطلاق قادحًا في النكاح في الاستدامة، وهذا مما لا نعرف فيه نزاعًا، وإذًا ثبت بالنص والإجماع أنه لا يؤثر العزم على طلاقها في الحال" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكر من الإجماع على أن من نوى طلاق امرأته فلا يقع طلاقه، وافق عليه الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، وابن حزم (¬8)، وهو قول القاسم بن محمد، والشعبي، والحسن، وعطاء، وجابر بن زيد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وإسحاق (¬9). • مستند الإجماع: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه تجاوز ¬
[24 - 199] عدم وقوع الطلاق قبل النكاح
عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم" (¬1). • وجه الدلالة: هذا نص في عدم مؤاخذة المسلم بما حدّث به نفسه، أو همّ به، ما لم يصاحب ذلك قول أو فعل، فمن همّ بالطلاق، ولم يتلفظ به فلا يؤاخذ به، بنص هذا الحديث (¬2). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الإمام مالك في رواية عنه، صححها ابن رشد الجد، وقوّاها ابن العربي (¬3)، إلى أن من نوى الطلاق بقلبه فإنه يقع بمجرد النية. وهو قول الزهري (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - حديث عمر بن الخطاب: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (¬5). • وجه الدلالة: من طلَّق في قلبه، فقد نوى الطلاق، فله ما نواه بنص هذا الحديث. 2 - لما وقعت الفرقة بنية الردة، جاز أن يقع الطلاق بها، أي: بالنية (¬6). 3 - من كَفَر في نفسه فهو كافو، فكذلك من نوى الطلاق في نفسه فقد طلّق (¬7). ثانيًا: ثمة من توقف في هذه المسألة، وهو قول ابن سيرين، فقد سئل عمن طلق في نفسه؛ فقال: أليس اللَّه قد عَلِمَ ما في قلبه؟ قال: بلى، قال: فلا أقول فيها شيئًا (¬8).Rعدم تحقق الإجماع على أن من طلّق في نفسه ونوى ذلك، لا يقع به طلاق؛ وذلك لوجود خلاف عن الإمام مالك، والزهري من قبله، بوقوع الطلاق بمجرد النية. [24 - 199] عدم وقوع الطلاق قبل النكاح: إذا قال رجل لامرأة لم يتزوجها بعد: إن تزوجتك فأنت طالق، أو تلك المرأة طالق إن تزوجتها، فإن طلاقه لا يقع، سواء سمى امرأة بعينها، أو أرضًا تنتمي إليها هذه ¬
المرأة، أم لم يُسمِّ، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على أنه لو نجز طلاق امرأة قبل النكاح. . . أنه لغو" (¬1). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن الطلاق يقع على النساء اللاتي في عصمة أزواجهن. . . وأنه لا يقع على الأجنبيات" (¬2). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "لا طلاق قبل النكاح عن عائشة، وعلي، . . . ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولم نعرف لهم مخالفًا في عصرهم، فيكون إجماعًا" (¬3). وقال أيضًا: "لو قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق، أو لأمة الغير: إن دخلت الدار فأنت حرة، ثم تزوج الأجنبية، وملَكَ الأمة، ودخلتا الدار، فإن الطلاق لا يقع، ولا تعتق الأمة، بغير خلاف نعلمه" (¬4). 4 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "خِطاب الأجنبية بطلاق، وتعليقه بنكاح، وغيره، لغو، . . . بالإجماع" (¬5). 5 - الصنعانى (1182 هـ) حيث قال: "إذا قال المطلِّق: إن تزوجت فلانة فهي طالق، مطلق لأجنبية، فإنها حين أنشأ الطلاق أجنبية، والمتجدد هو نكاحها، فهو كما لو قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت، وهي زوجته، لم تطلق إجماعًا" (¬6). 6 - ابن قاسم (1392 هـ) فذكره كما قال الصنعاني (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الطلاق قبل النكاح لا يقع، وافق عليه ابن حزم (¬8)، سواء سمى امرأة، أو أرضًا تنتمي إليها هذه المرأة، أم لم يُسمِّ. وهو قول علي، ومعاذ، وجابر، وابن عباس، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، وابن المسيب، وشريح، والحسن، وطاوس، وسعيد بن جبير، وعلي بن الحسين، وجابر بن زيد، ¬
ومجاهد، ومحمد بن كعب القرظي، وعروة، وقتادة، وعكرمة، وإسحاق، وأبي ثور، وداود (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: الآية 49]. • وجه الدلالة: أخبر اللَّه سبحانه وتعالى أن الطلاق بعد النكاح، ولم يقل: إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن، مما يدل على أنه لا طلاق قبل نكاح (¬2). 2 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك" (¬3). 3 - عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا طلاق قبل نكاح" (¬4). • وجه الدلالة: هذه نصوص صريحة في عدم اعتبار الطلاق قبل النكاح. • الخلاف في المسألة: أولًا: يرى الحنفية (¬5)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬6)، أن الرجل إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فهو كما قال، تطلق حين يتزوجها. وهو قول عمر، وابن عمر، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهم-، وأعثمان البتي، والزهري، ومكحول، والأوزاعي في رواية (¬7). ثانيًا: يرى المالكية (¬8) أنه إذا لم يُسمِّ امرأة بعينها، أو قبيلة، أو أرضًا، فلا يلزمه ذلك، وإن سمى امرأة، أو أرضًا، أو قبيلة، لزمه ذلك. وهو قول ابن أبي ليلى، ¬
[25 - 200] تكرار الطلاق، لا يقع منه إلا ما نواه
والحسن بن صالح بن حي، والنخعي، والشعبي، والليث، والأوزاعي في رواية (¬1). • أدلة هذين القولين: 1 - أن الحديث نقول بموجبه، فإنه لا طلاق قبل نكاح، لكن إن شرط الطلاق عند النكاح، فقد تحقق المشروط، فيقع النكاح (¬2). 2 - أن قول الزوج: أنتِ طالق إن تزوجتك، ليس تطليقًا للحال، بل هو طلاق يتحقق عند الشرط، وهو التزويج، فيقع (¬3).Rعدم تحقق الإجماع على أنه لا طلاق قبل النكاح؛ وذلك لما يأتي: 1 - وجود خلاف عن الحنفية، والإمام أحمد في رواية، ومن سبقهم من الصحابة، ومن تلاهم بوقوع الطلاق على هذه الصفة. 2 - وجود خلاف عن المالكية أنه إن سمى أرضًا، أو امرأة بعينها، فإن طلاقه يقع. [25 - 200] تكرار الطلاق، لا يقع منه إلا ما نواه: إذا طلَّق الرجل امرأته، بأن قال لها: أنت طالق، ثم كرر ذلك؛ فإن نوى إيقاع طلقة ثانية وقعت طلقة ثانية، وإن نوى التأكيد فلا يقع إلا واحدة، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته المدخول بها: أنتِ طالق مرتين، ونوى بالثانية إيقاع طلقة ثانية، وقعت بها طلقتان بلا خلاف" (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في أن من قال لامرأته: أنتِ طالق، ثم كرر ذلك، فإن نوى إيقاع طلقة ثانية، وقع ما نواه، وإن نوى التأكيد لم يقع إلا ما أوقعه قبل التكرار، وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند نفي الخلاف: أن التكرار بلفظ الطلاق وقع لغرض الإيقاع، فيقع ما ¬
[26 - 201] الإشارة بالطلاق
كرره، فإن نوى التأكيد وقع ما أكده (¬1).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن الرجل إذا طلق امرأته فكرر ذلك، فإن نوى الثانية، أو الثالثة، وقع ما نواه، وإن نوى إفهام المرأة أو التأكيد فيقع واحدة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [26 - 201] الإشارة بالطلاق: إذا طلق الرجل امرأته، فقال لها: أنتِ طالق هكذا، وأشار بأصابعه، فإن الطلاق يقع بعدد أصابعه التي أشار بها، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفي الخلاف: 1 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ومن قال لامرأته: أنتِ طالق هكذا، يشير بالإبهام والسبابة والوسطى، فهي ثلاث، . . . ولا خلاف في المسألة" (¬2). 2 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وإن قال: أنتِ طالق هكذا، وأشار بأصابعه الثلاث، طلقت ثلاثًا، وإن قال: أردت بعدد المقبوضتين قُبِل منه، بلا خلاف أعلمه" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره العيني من الحنفية، والمرداوي من الحنابلة من أنه لا خلاف أن من قال لامرأته: أنتِ طالق، وأشار بأصابعه، فيقع العدد الذي أشار به، وافق عليه المالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا"، يعني: ثلاثين، "وهكذا وهكذا وهكذا"، يعني: تسعًا وعشرين، يقول مرة ثلاثين، ومرة تسعًا وعشرين (¬6). • وجه الدلالة: أن قوله: "هكذا وهكذا وهكذا"، تصريح في العدد، فمن طلق امرأته، وأشار بأصابعه، وقال هكذا، وقع ما أشار به (¬7). ¬
[27 - 202] الشك في الطلاق
2 - أن الإشارة بالأصابع يفيد العلم بالعدد، فهو تصريح في تشبيه الطلاق بعدد الأصابع المشار بها (¬1).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن من تلفظ بطلاق امرأته، وأشار بأصابعه، وقال: هكذا، فيقع الطلاق بعدد ما أشار به من أصابعه؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [27 - 202] الشك في الطلاق: إذا شك الرجل: هل طلق امرأته أم لا؟ فلا يلزمه شيء، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "إن كان الشك في أصله: هل طلق أم لا؟ لم يلزمه الطلاق، . . . وهذا متفق عليه" (¬2). 2 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "إذا شك: هل طلق أم لا؟ لم تطلق بلا نزاع" (¬3). 3 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "من شك في طلاقه فلا نحكم بوقوعه، قال المحاملي (¬4) بالإجماع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: أولًا: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن من شك في أصل الطلاق، لم يلزمه شيء، وافق عليه الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، وابن حزم (¬8). ¬
[28 - 203] الشك في عدد الطلاق
• مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: الآية 36] • وجه الدلالة: جاء الأمر بعدم اتباع ما لا يعني، ولم يتيقنه الإنسان، فيتركه، ويأخذ بما يعلم (¬1). 2 - عن عبد اللَّه بن زيد (¬2) -رضي اللَّه عنه- قال: شُكي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجل يخيل إليه في الصلاة أنه يجد الشيء، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا" (¬3) • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره أن يبني على اليقين، وأن يطرح ما شك فيه، فلا عبرة لمن شك في أصل الطلاق، أو في عدده، فيبني على ما تيقن (¬4).Rتحقق الإجماع على أن الشك إذا وقع في أصل الطلاق، فلا اعتبار به، فلا يقع الطلاق؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [28 - 203] الشك في عدد الطلاق: إذا شك الرجل فلم يدر كم طلق امرأته، واحدة، أم اثنتين، أم ثلاثًا، فإن الواحدة تلزمه، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن من شك: هل طلق امرأته مرة أو مرتين أو ثلاثًا، أن الواحدة له لازمة" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن حزم من الاتفاق على أن من شك هل طلق واحدة، أم اثنتين، أم ثلاثًا، لزمته واحدة، وافق عليه الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). لكن الورع عند الشافعية، والحنابلة هو التزام الأكثر دون الحكم ¬
بوقوعه. • مستند الاتفاق: 1 - قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسَراء: الآية 36]. • وجه الدلالة: جاء الأمر بعدم اتباع ما لا يعني، ولم يتيقنه الإنسان، فيتركه، ويأخذ بما يعلم (¬1). 2 - عن عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه- قال: شُكي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجل يخيل إليه في الصلاة أنه يجد الشيء، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره أن يبني على اليقين، وأن يطرح ما شك فيه، فلا عبرة لمن شك في أصل الطلاق، أو في عدده، فيبني على ما تيقن (¬3). 3 - الأقل هو اليقين، والزيادة مشكوك فيها، فلا يزول اليقين بالشك (¬4). • الخلاف في المسألة: يرى المالكية (¬5) أن من شك: هل طلق واحدة، أم اثنتين، أم ثلاثًا، فإنه يلزم بالأكثر، فلو كانت الأكثر هي الثلاث، فلا تحل له المرأة إلا من بعد زوج. • أدلة هذا القول: 1 - عن النعمان بن بشير -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى اللَّه محارمه" (¬6). 2 - عن الحسن بن علي -رضي اللَّه عنه- قال: كان مما حفظت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (¬7). • وجه الدلالة من الحديثين: الدعوة إلى خروج الإنسان من دائرة الشك، فيعمل بما هو أحوط، والاحتياط هو إيقاع الطلاق. ¬
[29 - 204] طلاق الحر ثلاث، وطلاق العبد طلقتان
3 - القاعدة عند المالكية تقول: "الشك في الزيادة كتحققها)، فينزل المشكوك فيه هنا بمنزلة المتحقق، فيقع الطلاق للاحتياط (¬1).Rعدم تحقق الإجماع على أن من شك هل طلق واحدة أم اثنتين، أم ثلاثًا أنه يبني على الأقل؛ لوجود خلاف عن المالكية في أمره بالأخذ بالأكثر. [29 - 204] طلاق الحر ثلاث، وطلاق العبد طلقتان: للحر أن يطلق ثلاث تطليقات، وللعبد أن يطلق طلقتين، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن العدد الذي يوجب البينونة في طلاق الحر ثلاث تطليقات إذا وقعت متفرقات" (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في أن الحر الذي زوجته حرة، طلاقه ثلاث، وأن العبد الذي تحته أمَة، طلاقه اثنتان" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن رشد من الاتفاق على أن طلاق الحر ثلاث، وطلاق العبد اثنتان، وما ذكره ابن قدامة، وابن قاسم من الحنابلة، من أنه لا خلاف أن الحر الذي تحته حرة أن طلاقه ثلاث، وأن العبد الذي تحت أمة أن طلاقه اثنتان، وافق عليه الشافعية (¬5)، فالطلاق عندهم معتبر بالرجال، فيطلق الحر ثلاث تطليقات، حرة كانت امرأته أو أمة، ويطلق العبد تطليقتين، حرة كانت امرأته أو أمة. وهو قول عثمان، وزيد، وابن عباس، وعائشة، وأم سلمة -رضي اللَّه عنهم-، وسعيد بن المسيب، والقاسم ابن محمد، وسالم، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعطاء، وعمر بن عبد العزيز، ويحيى الأنصاري، وربيعة الرأي، وأبي الزناد، وسليمان بن يسار (¬6). • مستند الاتفاق: ما ورد من الآيات في ذكر الطلاق؛ نحو: قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: الآية 229] وقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: الآية 230]. ¬
• وجه الدلالة: ذكر اللَّه تعالى أن الطلاق مرتان، ثم ذكر أنه إن طلقها ثالثة فلا تحل له إلا من بعد زوج، فيكون طلاق كل زوج ثلاث تطليقات، إلا ما استُثني من الرقيق (¬1). 3 - تخصص الآيات الواردة في طلاق الحر، بما ورد في العبد أنه على النصف من الحر في الحدود، وفي العدة، ونحوها، فيكون طلاقه على النصف من طلاق الحر (¬2). 4 - أن مكاتبًا لأم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طلق امرأة حرة تطليقتين، فاستفتى عثمان بن عفان فقال: حرمت عليك (¬3). 5 - أن ابن عمر كان يقول: إذا طلق العبد امرأته تطليقتين، فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره، حرة كانت أو أمة (¬4). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية (¬5)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬6)، إلى أن الطلاق معتبر بالنساء، فيملك زوج الحرة ثلاث تطليقات، حرًّا كان أو عبدًا، ويملك زوج الأمة تطليقتين حرًا كان أو عبدًا. وهو قول علي، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما-، والحسن، وابن سيرين، وقتادة، والنخعي، والشعبي، وعكرمة، ومجاهد، والثوري، والحسن بن حي (¬7). • أدلة هذا القول: حملوا ما ورد من الأدلة التي ذكرت الطلاق على أن المراد بها الحرة، لقرائن وردت في كتاب اللَّه؛ منها: قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: الآية 229]. قالوا: الأمة لا تملك الافتداء بغير إذن المولى (¬8)، وقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: الآية: 230]. قالوا: والأمة لا تستيطع أن تنكح نفسها بغير إذن ¬
مولاها (¬1)، وقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: الآية 230]. قالوا: أي: يتناكحا بعد طلاق الزوج الثاني، وهذا في الحر والحرة (¬2). استدلوا بما روته عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان" (¬3). • وجه الدلالة: جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طلاق الإماء اثنتين؛ إذ دخلت لام الجنس على الأَمَة، فيشمل بذلك كل أَمَة، سواء كان زوجها حرًا أو عبدًا، فلا تطلق سوى طلقتين (¬4). عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء" (¬5). ثانيًا: قال عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- (¬6)، وعثمان البتي: ينظر لحال الزوجين، فأيهما كان رقيقًا كان الطلاق بسبب رقه تطليقتين، فالحر يطلق الأمة تطليقتين، وتعتد بحيضتين، والعبد يطلق الحرة تطليقتين، وتعتد بثلاث حيض (¬7). ثالثًا: يرى ابن حزم أنه لا فرق بين طلاق الحر وطلاق العبد، فالزوج يطلق ثلاث تطليقات، حرًا كان أو عبدًا، سواء كانت الزوجة حرة أو أمة (¬8). وقواه الزركشي من ¬
[30 - 205] طلاق العبد بيده لا بيد سيده
الحنابلة (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - حملوا الآيات الواردة في الطلاق على كل مطلِّق، فإن اللَّه تعالى سوَّى بين طلاق كل ناكح من حر أو عبد، أو عربي أو عجمي، أو مريض أو صحيح (¬2). 2 - أن الطلاق بيد الناكح، وليس بيد سواه، فيستوي فيه الحر والعبد (¬3).Rأولًا: صحة ما ذكر من الاتفاق على أن طلاق الحر ثلاث تطليقات، ويحمل ذلك فيما إذا كانت تحته حرة فقط. ثانيًا: عدم صحة ما ذكر من الاتفاق على أن طلاق الحر ثلاث تطليقات مطلقًا، والعبد تطليقتان؛ وذلك لما يأتي: 1 - أن الحنفية، والإمام أحمد في رواية عنه جعلوا الطلاق معتبرًا بالنساء، فيملك زوج الحرة ثلاث تطليقات، حرًّا كان أو عبدًا، ويملك زوج الأمة تطليقتين، حرًّا كان أو عبدًا. وهو قول علي، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما-، والحسن البصري، وابن سيرين، وقتادة، والنخعي، والشعبي، وعكرمة، ومجاهد، والثوري، والحسن بن حي. 2 - أن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، وعثمان البتي جعلا طلاق الحر إذا كان تحته أمة تطليقتين. 3 - أن ابن حزم جعل الحر، والعبد يستويان في عدد الطلقات، سواء كان تحت أحدهما حرة، أو أمة. [30 - 205] طلاق العبد بيده لا بيد سيده: العبد يملك الطلاق، فله أن يطلق دون إذن سيده؛ فإن الطلاق بيده، وليس بيد سيده، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفي الخلاف: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "ولم يختلف في ذلك أئمة الأمصار كلهم يقول: الطلاق بيد العبد، لا بيد السيد" (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن عبد البر من أنه لا خلاف في أن طلاق ¬
العبد بيده لا بيد سيده وافق عليه الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). وهو قول عمر، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، والحسن، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، والنخعي، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، ومكحول، والزهري، وداود (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: الآية 49] وقال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: الآية 231]. • وجه الدلالة: سوّى اللَّه سبحانه وتعالى بين طلاق كل ناكح من حر أو عبد، فجعل الطلاق له؛ لأن له الإمساك، وهو الرجعة (¬6). 2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل، فقال: يا رسول اللَّه، سيدي زوجني أمته، وهو يريد أن يفرق بيني وبينها، قال: فصعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المنبر، فقال: "يا أيها الناس، ما بال أحدكم يزوج عبده أمته، ثم يريد أن يفرق بينهما، إنما الطلاق لمن أخذ بالساق" (¬7). قال ابن القيم: وإن كان في إسناد هذا الحديث ما فيه، إلا أن القرآن يعضده، وعليه عمل الناس (¬8). • الخلاف في المسألة: أولًا: من يرى أن الطلاق بيد السيد وليس بيد العبد؛ وهو قول عبد اللَّه بن عباس، وجابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-، وجابر بن زيد، وعمرو بن دينار (¬9). • دليل هذا القول: تقرر أن العبد لا يجوز له أن ينكح بغير إذن سيده، فللسيد عندئذٍ الخيار بين إجازة النكاح، أو التفريق بينهما (¬10). ¬
[31 - 206] إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا، فلا تحل له إلا من بعد زوج
ثانيًا: من يرى أن الطلاق للسيد المشتري، فإذا كان للعبد زوجة فباعه سيده، فالطلاق لسيده الذي اشتراه؛ وهو قول عروة بن الزبير (¬1). • دليل هذا القول: أن من اشترى عبدًا وله زوجة يمكن أن يرى في هذا عيبًا يرد به النكاح، وللسيد المشتري التخلص من هذا العيب؛ فإن المشتري يملك من العبد ما يملكه البائع من حقوق الخدمة ونحوها، ونكاحه قد يعيق تأدية هذه الخدمة (¬2).Rعدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن طلاق العبد بيده لا بيد سيده؛ لخلاف ابن عباس، وجابر -رضي اللَّه عنهم-، ومن قال بقولهما من التابعين، وكذلك خلاف عروة بن الزبير. [31 - 206] إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا، فلا تحل له إلا من بعد زوج: نقل الإجماع جمع من أهل العلم على أن الرجل إذا طلق امرأته التي دخل بها ثلاث تطليقات أنها لا تحل له إلا من بعد زوج. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا أنها لا تحل له إلا بعد زوج، على ما جاء به حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬3). 2 - الجوهري (350 هـ) حيث قال: "وأجمع أهل العصر الأول أن المرأة المطلقة ثلاثًا لا تحل للزوج المطلق لها ذلك الطلاق إلا بعد خروجها من عدتها منه، وبعد زوج يجامعها، ثم يطلقها وتنقضي عدتها منه" (¬4). 3 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "لا يحل له العقد عليها حتى تنكح زوجًا غيره؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: الآية 230] وللإجماع الثابت فيه" (¬5). 4 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن من تزوج امرأة، ثم طلقها طلاقًا صحيحًا، فأكملت عدتها، ولم تتزوج، ثم نكحها ابتداء نكاحًا صحيحًا، أو لم تكمل عدتها؛ فراجعها مراجعة صحيحة، ثم طلقها ثانية طلاقًا صحيحًا، فأكملت عدتها، ¬
ولم تتزوج، ثم نكحها ثالثة نكاحًا صحيحًا، أو لم تكمل عدتها؛ فراجعها مراجعة صحيحة، ثم طلقها طلاقًا صحيحًا: فإنها لا تحل له إلا بعد زوج" (¬1). 5 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن من طلق امرأته طلقة، أو طلقتين، فله مراجعتها، فإن طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره" (¬2). ونقله عنه القرطبي (¬3). 6 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه إذا طلق ثلاثًا، فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره" (¬4). وقال أيضًا: "واتفقوا على أن النكاح هاهنا هو الإصابة، واتفقوا على أنه شرط في جواز عودها إلى الأول" (¬5). 7 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أما البائنة بالثلاث فإن العلماء كلهم متفقون على أن المطلقة ثلاثًا لا تحل لزوجها الأول إلا بعد الوطء" (¬6). 8 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا خلاف بينهم في أن المطلقة ثلاثًا بعد الدخول، لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، . . . وفي إجماع أهل العلم على هذا غنية عن الإطالة فيه" (¬7). 9 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "المراد بقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: الآية 230] الطلقة الثالثة {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: الآية 230] وهذا مجمع عليه لا خلاف فيه" (¬8). 10 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "إذا وقع بالمرأة الطلاق الثلاث، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجًا غيره، بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة" (¬9). وقال أيضًا: "والمقصود هنا إذا وقع بها الثلاث، حرمت عليه المرأة بإجماع المسلمين، كما دل عليه الكتاب والسنة" (¬10). ¬
11 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من طلق زوجته ثلاثًا، لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ويطأها في نكاح صحيح" (¬1). 12 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: ". . . بالإجماع على أن من طلق امرأته ثلاثًا أنها تحرم عليه" (¬2). 13 - العيني (855 هـ) حيث قال: ". . . وجب الوطء بحديث العسيلة، فإنه خبر مشهور يجوز به الزيادة على النص، وهذا لا خلاف فيه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المطلقة ثلاثًا لا تحل لزوجها الأول إلا من بعد زوج، ولا بد فيه من الإصابة، هو قول علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، ومسروق، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وأبي ثور، وأبي عبيد (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: الآية 230] • وجه الدلالة: دلت الآية على أنه لا بد أن تنكح المرأة المطلقة زوجًا غير الذي طلقها حتى تحل له، ولا بد أن يجتمع العقد، والوطء؛ لأنه لو عقد عليها دون وطء لا تحل للأول، وإن وطئها دون عقد لا تحل للأول أيضًا، قال الطبري: "لإجماع الأمة جميعًا"، فلا بد من العقد والوطء (¬5). 2 - أن امرأة رفاعة لما تزوجت عبد الرحمن بن الزبير، أتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إن زوجي أبتّ طلاقي، وقد تزوجتُ عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" (¬6). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن المرأة لا تحل لزوجها الذي طلقها إلا بعد أن تتزوج زوجًا غيره، فيطأها وطءًا صحيحًا. • الخلاف في المسألة: ورد خلاف في المسألة -سبقت الإشارة إليه- على النحو التالي: ¬
أولًا: ذهب سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير إلى أنه يكفي حتى تحل المرأة لزوجها الأول مجرد عقد الزوج الثاني. ثانيًا: قال الحسن البصري لا تكفي مجرد الإصابة، بل لا بد من الإنزال.Rأولًا: تحقق الإجماع على أن المطلقة ثلاثًا لا تعود لزوجها الأول إلا من بعد أن تنكح زوجًا غيره، ولا بد من الوطء في هذا النكاح. ثانيًا: سبق ذكر قول من خالف في أنه يكفي مجرد العقد، وقد وصف بالشذوذ، وأُعيدُ ما سبق قبل في الجواب عن هذا الخلاف: 1 - لعل سعيد بن المسيب، وابن جبير لم يبلغهما حديث العسيلة، أو لم يصح عندهما، فأخذا بظاهر القرآن (¬1). 2 - إن هذا القول لم نعلم أحدًا قال به إلا الخوارج؛ كما قال ابن المنذر (¬2). 3 - إنه قول شاذ، صحت السنة بخلافه، وانعقد الإجماع قبله وبعده (¬3). 4 - من عقد نكاحًا على مذهب سعيد بن المسيب فللقاضى فسخه؛ ولا يعتبر فيه خلافه؛ لأنه خارج عن إجماع العلماء (¬4). 5 - ما ورد عن سعيد بن جبير لم يوجد مسندًا عنه في كتاب، إنما نقله أبو جعفر النحاس في معاني القرآن (¬5). 6 - إن العسيلة التي لابد من ذوقها بين الزوجين هي مجرد التقاء الختانين بينهما، أما الإنزال فيسمى: "الدبيلة"، فإن الرجل لا يزال في لذة من الملاعبة، حتى إذا أولج فقد عسّل، ثم يتقاطر منه ما فيه عناء نفسه، وإتعاب أعضائه، فالإنزال أقرب إلى الحنظلية منه إلى العسيلية؛ لأنه يبدأ بلذة، ويختم بألم (¬6). ¬
[32 - 207] إذا طلقها ثلاثا فتزوجت غيره، ثم تزوجها الأول، فترجع إليه على ثلاث طلقات
[32 - 207] إذا طلقها ثلاثًا فتزوجت غيره، ثم تزوجها الأول، فترجع إليه على ثلاث طلقات: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا فإنها تحرم عليه، ولا تحل له إلا من بعد زوج، فإن طلقها الثاني وعادت إلى الأول، فإنها ترجع إليه، فيملك الزوج عليها ثلاث تطليقات جديدة، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة ثلاثًا، ثم انقضت عدتها، ونكحت زوجًا غيره، ودخل بها، ثم فارقها وانقضت عدتها، ثم ينكحها الأول، أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات جديدة" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملة ذلك أن المطلق إذا بانت زوجته منه، ثم تزوجها، . . . فهذه ترجع إليه على طلاق ثلاث، بإجماع أهل العلم" (¬2). 3 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "وإن ثلث الطلاق بأن طلقها ثلاثًا، وجدد نكاحها بعد زوج دخل بها وفارقها، وانقضت عدتها منه، عادت بثلاث بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الشافعية، وابن قدامة من الحنابلة من الإجماع على أن المرأة إذا طلقها زوجها الأول بالثلاث، فنكحت غيره، ثم عادت بعد أن طلقها الثاني، عادت إليه بثلاث تطليقات وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: أن طلاق الزوج الثاني للمرأة مثبت لحلها لزوجها الأول، وإثبات الحل يجعله يتسع لثلاث طلقات (¬7). 2 - لا يمكن بناء العقد الثاني على العقد الأول، فيكون نكاحًا مستفتحًا بأحكامه (¬8). ¬
[33 - 208] إذا طلق امرأته المدخول بها دون الثلاث، تعود إليه برجعة، أو بعقد جديد بعد العدة، وبما بقي عليها من الطلاق
Rتحقق الإجماع على أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثًا، ثم عادت إليه، أنها تعود إليه بثلاث تطليقات؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [33 - 208] إذا طلق امرأته المدخول بها دون الثلاث، تعود إليه برجعة، أو بعقد جديد بعد العدة، وبما بقي عليها من الطلاق: إذا طلق الرجل امرأته المدخول بها طلقة أو طلقتين، فإنها تعود إليه برجعة قبل أن تنتهي عدتها، فإن انتهت عدتها عادت إليه بعقد جديد، وتعود إليه بما بقي عليها من طلاق إن نكحها قبل زوج، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن له الرجعة في المدخول بها ما لم تنقض العدة، فإذا انقضت العدة فهو خاطب من الخطاب" (¬1). 2 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "إذا طلقها دون الثلاث، ثم عادت قبل أن تتزوج، فإنها تعود على ما بقي من الطلاق، بلا خلاف" (¬2). 3 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "ما يستبيحه المطلق بالرجعة من غير عقد، وهو ما دون الثلاث في المدخول بها، فيستبيحها الزوج؛ بأن يراجعها في العدة، فإن نكحها قبل زوج، . . . كانت معه على ما بقي من الطلاق، إجماعًا" (¬3). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن الطلاق نوعان: بائن ورجعي، وأن الرجعي هو الذي ملك فيه الزوج رجعتها من غير اختيارها، وأن من شرطه أن يكون في مدخول بها، . . . ولا خلاف في هذا" (¬4). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: ". . . أن يطلقها دون الثلاث، ثم تعود إليه برجعة، أو نكاح جديد قبل زوج ثانٍ، فهذه ترجع إليه على ما بقي من طلاقها، بغير خلاف نعلمه" (¬5). 6 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "ولو طلق دون ثلاث وراجع من طلقها، أو جدد نكاحها. . . عادت ببقية الثلاث، أما إذا لم يكن بعد زوج، فبالإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الرجل إذا طلق ¬
[34 - 209] إذا طلق امرأته غير المدخول بها طلقة واحدة، فلا تحل له إلا بعقد جديد
امرأته المدخول بها دون الثلاث، أن له رجعتها قبل انتهاء العدة، فإن انتهت العدة تعود إليه بعقد جديد، وتعود بما بقي من الطلاق إن لم تكن تزوجت - وافق عليه الحنفية (¬1)، وابن حزم (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: الآية 228] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: الآية 1] وقال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: الآية 229]. 2 - ما ورد عن عبد اللَّه بن عمر أنه لما طلق امرأته في الحيض، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمر: "مُرهُ فليراجعها. . . " (¬3). 3 - عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طلق حفصة ثم راجعها (¬4). • وجه الدلالة: دلت هذه النصوص على حق الزوج في الرجعة ما لم تنته العدة، فإن انتهت، كان خاطبًا من الخطاب إن أراد أن ينكحها، إذا كان الطلاق دون الثلاث.Rتحقق الإجماع على أن الرجل إذا طلق امرأته دون الثلاث، فله مراجعتها قبل العدة، وله أن يعقد عليها عقدًا جديدًا بعد العدة، فإن كانت لم تتزوج عادت إليه بما بقي من الطلاق، وذلك لعدم وجود مخالف. [34 - 209] إذا طلق امرأته غير المدخول بها طلقة واحدة، فلا تحل له إلا بعقد جديد: إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول طلقة واحدة، فإنها تحرم عليه، ولا يحل له مراجعتها؛ لأن الرجعة على المعتدة، وهذه لا عدة عليها؛ وإن أراد أن ينكحها فلا بد من عقد جديد، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - المروزي (294 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن الرجل إذا طلق امرأته تطليقة، ولم يدخل بها، أنها قد بانت منه، وليس له عليها رجعة، وليس عليها عدة" (¬5). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن من طلق زوجته، ولم يدخل ¬
بها طلقة أنها قد بانت منه، ولا تحل له إلا بنكاح جديد، ولا عدة له عليها" (¬1). 3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن التي طُلِّقت ولم تكن وُطِئَت في ذلك النكاح. . . فلا عدة عليها أصلًا، وأن لها أن تنكح من يحل له نكاحها، . . . ولا رجعة للمطلق عليها" (¬2). وقال أيضًا: "واتفقوا أن التي لا عدة عليها لا رجعة له عليها إلا على حكم ابتداء النكاح الجديد" (¬3). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة، ولا يستحق مطلقها رجعتها، . . . وإن رغب مطلقها فيها؛ فهو خاطب من الخطاب، يتزوجها برضاها بنكاح جديد، وترجع إليه بطلقتين، وإن طلقها اثنتين، ثم تزوجها، رجعت إليه بطلقة واحدة، بغير خلاف بين أهل العلم" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن غير المدخول بها إذا طلقت طلقة واحدة، فلا تحل لزوجها إلا بعقد جديد - وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: الآية 49] • وجه الدلالة: بين سبحانه وتعالى أن لا عدة على غير المدخول بها فتبين بمجرد طلاقها، وتصير كالمدخول بها بعد انقضاء عدتها، لا رجعة عليها، ولا نفقة لها (¬7). 2 - أن الرجعة إنما تكون في العدة، ولا عدة قبل الدخول (¬8).Rتحقق الإجماع على أن الرجل إذا طلق امرأته غير المدخول بها طلقة واحدة أنها لا تحل له إلا بعقد جديد؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[35 - 210] من طلق زوجته طلاقا رجعيا، فمات أحدهما في العدة، فإنهما يتوارثان
[35 - 210] من طلق زوجته طلاقًا رجعيًّا، فمات أحدهما في العدة، فإنهما يتوارثان: نُقل الإجماع على أن الرجل إذا طلق زوجته طلاقًا يملك رجعتها فيه، ومات أحدهما في العدة، فإنهما يتوارثان. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن من طلق زوجته مدخولًا بها طلاقًا يملك رجعتها، وهو صحيح أو مريض، فمات، أو ماتت قبل أن تنقضي عدتها، فإنهما يتوارثان" (¬1). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن من طلق زوجته طلاقًا يملك فيه رجعتها، ثم توفي قبل انقضاء العدة، أن عليها عدة الوفاة، وترثه" (¬2). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن من طلق امرأته -التي نكحها نكاحًا صحيحًا- طلاق سنة، وهي ممن يلزمها عدة من ذلك الطلاق، فطلقها مرة، أو مرة بعد مرة، فله مراجعتها شاءت أم أبت، بلا ولي ولا صداق، ما دامت في العدة، وأنهما يتوارثان، ما لم تنقض العدة" (¬3). 3 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "فإن كانت العدة من طلاق رجعي، فمات أحد الزوجين قبل انقضاء العدة، ورثه الآخر بلا خلاف" (¬4). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "والرجعية زوجة، يلحقها طلاقه، وظهاره، وإيلاؤه، ولعانه، ويرث أحدهما صاحبه، بالإجماع" (¬5). وقال أيضًا: "إذا طلق الرجل امرأته طلاقًا يملك رجعتها في عدتها، لم يسقط التوارث بينهما ما دامت في العدة، سواء كان في المرض أو في الصحة، بغير خلاف نعلمه" (¬6). 5 - القرافي (684 هـ) حيث قال: "اتفق الناس أن المطلقة الرجعية ترث وتورث في العدة، وقع الطلاق في المرض أو الصحة" (¬7). 6 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "وقيد بالبائن؛ لأن في الرجعي يرثها وترثه في ¬
العدة، وإن طلق في الصحة لقيام النكاح، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن في طلاق يملك الرجعة بعد الدخول يتوارثان في العدة" (¬1). 7 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "ويتوارثان -أي: الزوج المريض وزوجته- في عدة طلاق رجعي بالإجماع" (¬2). 8 - الرملي (1004 هـ) حيث قال: "ويتوارثان، أي: من طلق مرضًا والمطلقة، فى عدة طلاق رجعي إجماعًا" (¬3). 9 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: "بل يتوارثان في طلاق رجعي، ما دامت فى العدة، سواء كان في المرض أو الصحة، . . . بغير خلاف" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن من طلق زوجته طلاقًا رجعيًّا، فمات أحدهما في العدة أنهما يتوارثان، هو قول أبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهم- (¬5). • مستند الإجماع: أن الطلاق الرجعي لا يزيل النكاح، فتبقى زوجته بعد الطلاق، وقبل انتهاء العدة، فيلحقها كل ما يلحق الزوجة قبل الطلاق من ظهار وإيلاء، ولعان، ونحوه (¬6)، فيرثها وترثه بما جاء في آيات المواريث. قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النِّساء: الآية 12].Rتحقق الإجماع على أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقًا رجعيًّا، ثم مات أحدهما قبل انقضاء العدة، فإن الآخر يرث صاحبه؛ وذلك لعدم وجود مخالف. * * * ¬
[36 - 211] من طلق زوجته في صحته طلاقا بائنا، فلا يتوارثان، سواء مات أحدهما في العدة أو بعدها
[36 - 211] من طلق زوجته في صحته طلاقًا بائنًا، فلا يتوارثان، سواء مات أحدهما في العدة أو بعدها: سبق القول فيمن طلق امرأته، وهو مريض، ثم مات في مرضه ذلك أنها ترثه، أما إن طلق امرأته، وهو صحيح، وكان الطلاق بائنًا، ثم مات أحدهما قبل العدة أو بعدها، فلا يرث أحدهما الآخر، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "لا ترث مبتوتة في عدة كانت، أو غير عدة، . . . وأجمع المسلمون أنه إذا طلقها ثلاثًا، ثم آلى منها لم يكن موليًا، وإن تظاهر لم يكن متظاهرًا، وإذا قذفها لم يكن له أن يلاعنها، ويبرأ من الحد، وإن ماتت لم يرثها، فلما أجمعوا جميعًا أنها خارجة من معاني الأزواج، لم ترثه" (¬1). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن من طلق امرأته ثلاثًا، وهو صحيح، في كل قرء تطليقة، ثم مات أحدهما، أن لا ميراث للحي منهما من الميت" (¬2). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن المطلقة ثلاثًا لو ماتت لم يرثها المطلِّق؛ وذلك لأنها غير زوجته" (¬3). 3 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "قسم يقطع التوارث بينهما، وهو الطلاق البائن في الصحة. . . فلا يرثها ولا ترثه، سواء كان الموت في العدة أو بعدها؛ لارتفاع النكاح بينهما، وهذا إجماع" (¬4). 4 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن المطلقة ثلاثًا على حكم السنة، والتي انقضت عدتها من الطلاق الرجعي، ومن الخلع، ومن الفسخ، لا ترثه ولا يرثها" (¬5). 5 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وإن كانت من طلاق بائن أو ثلاث، فإن كان ذلك في حال الصحة، فمات أحدهما، لم يرثه صاحبه. . . بالإجماع" (¬6). ¬
[37 - 212] الطلاق يلحق المعتدة من طلاق رجعي
6 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن طلقها فى الصحة طلاقًا بائنًا أو رجعيًّا، فبانت بانقضاء عدتها، لم يتوارثا إجماعًا" (¬1). 7 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أنه لو طلقها في الصحة في كل طهر واحدة، ثم مات أحدهما لا يرثه الآخر" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن من طلق زوجته في صحته طلاقًا بائنًا، فلا يتوارثان، سواء مات أحدهما فى العدة أو بعدها -وافق عليه المالكية (¬3)، وهو قول عبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنهما- (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: الآية 230]. • وجه الدلالة: حرّم اللَّه تعالى على الرجل أن ينكح امرأته إذا طلقها ثلاثًا إلا بعد زوج، فلما كانت لا تحل له فلا توارث بينهما إذًا. 2 - أن سبب استحقاق الإرث بين الزوجين هو النكاح، فلما انقطعت عُرَى النكاح، فلا يلحقه شيء من تبعاته كالإرث (¬5).Rتحقق الإجماع على أن الرجل إذا طلق امرأته، وهو صحيح طلاقًا بائنًا، فلا توارث بينهما، سواء مات أحدهما في العدة أو بعدها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [37 - 212] الطلاق يلحق المعتدة من طلاق رجعي: إذا طلق الرجل امرأته طلاقًا يملك رجعتها فيه، فإنها لا تزال زوجته، فله أن يلحقها طلقة أخرى أو طلقتين، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أنه إن أتبع الطلقة التي ذكرنا للتي وطئها طلقة ثانية بعد الأولى، وقبل انقضاء عدتها، أنها أيضًا لازمة له، . . . واتفقوا إن لم يتبع الطلقة الأولى ثانية، أو لم يتبع الثانية ثالثة، أن له ذلك" (¬6). ¬
[38 - 213] لا يلزم الإشهاد على الطلاق
2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن الطلاق يقع على النساء اللاتي في عصمة أزواجهن، أو قبل أن تنقضي عددهن في الطلاق الرجعي" (¬1). وقال أيضًا: "لا خلاف بين المسلمين في ارتدافه في الطلاق الرجعي" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن رشد، وابن حزم من الاتفاق على أن الطلاق يلحق المعتدة من طلاق رجعي وافق عليه الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الاتفاق: أن الرجعية زوجة يلحقها الطلاق، والظهار، والإيلاء، واللعان، وإذا مات أحدهما في العدة ورثه الآخر (¬6).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أن المعتدة من طلاق رجعي يلحقها الطلاق؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [38 - 213] لا يلزم الإشهاد على الطلاق: إذا طلق الرجل امرأته، فلا يلزمه أن يشهد على طلاقه إياها، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "لم ألق مخالفًا حفظت عنه من أهل العلم أن حرامًا أن يطلق بغير بينة على أنه -واللَّه تعالى أعلم- دلالة اختيار، ولا فرض يعصي به من تركه، ويكون عليه أداؤه" (¬7). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "ولا نعلم خلافًا في أن من طلق، ولم يشهد أن الطلاق له لازم" (¬8). 3 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "وقد ظن بعض الناس أن الإشهاد هو الطلاق، وظن أن الطلاق الذي لا يشهد عليه لا يقع، وهذا خلاف الإجماع، وخلاف الكتاب والسنة، ولم يقل أحد من العلماء المشهورين به" (¬9). ¬
[39 - 214] متعة الطلاق غير مقدرة، بل هي بالمعروف
4 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "وقد اتفق الناس على أن الطلاق من غير إشهاد جائز" (¬1). 5 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "وقع الإجماع على عدم وجوب الإشهاد في الطلاق" (¬2). 6 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "ويسن الإشهاد على الرجعة، وليست شرطًا فيها، . . . لوقوع الإجماع على عدم وجوبه في الطلاق" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أنه لا يلزم الإشهاد على الطلاق وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5). • مستند الإجماع: قال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: الآية 2] • وجه الدلالة: كل من راجع في العدة فلا يلزمه شيء من أحكام النكاح غير الإشهاد على المراجعة، فذكر الإشهاد في الرجعة، ولم يذكره في الطلاق (¬6).Rتحقق الإجماع على أنه لا يجب الإشهاد على الطلاق؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [39 - 214] متعة الطلاق غير مقدرة، بل هي بالمعروف: إذا طلق الرجل امرأته، ولم يكن سمى لها مهرًا، فإن لها المتعة، وهذه المتعة غير مقدرة بل هي بالمعروف، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفي الخلاف: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "لم يختلف العلماء أن المتعة التي ذكر اللَّه عز وجل في كتابة بقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: الآية 241] وقوله عز وجل: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: الآية 236] أنها غير مقدرة ولا محدودة، ولا معلوم مبلغها، ولا معروف قدرها معرفة وجوب لا يتجاوزه، بل هي ¬
على الموسع قدره، وعلى المقتر أيضًا بقدره، متاعًا بالمعروف، كما قال عز وجل، لا يختلف العلماء في ذلك" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن عبد البر من أن متعة الطلاق غير مقدرة؛ بل هي بالمعروف وافق عليه الشافعية (¬2)، والإمام أحمد في رواية عنه، هي المذهب (¬3)، وابن حزم (¬4). وهو قول الحسن البصري، ورجحه الطبري (¬5). • مستند نفي الخلاف: قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: الآية 236] وقال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: الآية 241] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: الآية 49]. • وجه الدلالة من الآيات: دلت الآيات على أن للمطلقات متعة، وأنها غير مقدرة، بل هي بالمعروف، حسب حال الزوج من الغنى والفقر (¬6). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية (¬7)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬8) إلى أن المتعة تقدر بثلاثة أثواب درع وخمار وملحفة، فلا تزيد على نصف المهر، ولا تقل عن خمسة دراهم، وهو قول سعيد بن المسيب، وعطاء، والشعبي (¬9). • دليل هذا القول: أن هذا التقدير مروي عن عائشة، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم- (¬10). ثانيًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه (¬11) إلى أن أعلاها خادم، وأدناها كسوة ¬
[40 - 215] صحة التوكيل في الطلاق
تجزئها في صلاتها. • أدلة هذا القول: ورد عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قدر أعلى المتعة بخادم (¬1). 2 - تقدير أقلها بكسوة: أن الكسوة الواجبة في الشرع ما يكفي لستر العورة في الصلاة، فوجب ألا تقل عن ذلك (¬2).Rعدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن متعة الطلاق غير مقدرة؛ بل هي بالمعروف؛ وذلك لما يأتي: 1 - خلاف الحنفية، والإمام أحمد في رواية عنه بتقديرها، بحيث لا يتجاوز بتقديرها نصف المهر. 2 - خلاف عن الإمام أحمد في رواية عنه: أن أعلاها خادم، وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها. [40 - 215] صحة التوكيل في الطلاق: يجوز أن يقيم الزوج وكيلًا عنه في إيقاع الطلاق على زوجته، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "والأصل المجتمع عليه أن الطلاق بيد الزوج، أو بيد من جعل إليه" (¬3). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن قوله لأجنبي: طلق امرأتي؛ توكيل" (¬4). وقال أيضًا: ". . . أنه لو أضاف الأمر بالتطليق إلى الأجنبي، ولم يقيده بالمشيئة، كان توكيلًا بالإجماع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الكاساني، وابن عبد البر من الإجماع على صحة التوكيل في الطلاق وافق عليه الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وهو قول الحسن، ¬
[41 - 216] الطلاق بغير العربية يقع
النخعي (¬1). • مستند الإجماع: 1 - عن فاطمة بنت قيس -رضي اللَّه عنها-، أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: واللَّه ما لكِ علينا من شيء، فجاءت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فقال: "ليس لك عليه نفقة" (¬2). • وجه الدلالة: أن وكيل زوج فاطمة بنت قيس طلقها بمحضر من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمضاه، مما يدل على جواز التوكيل في الطلاق (¬3). 2 - لما جازت الوكالة في النكاح مع تغليظ حكمه، كان جوازها في الطلاق أولى (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى أن التوكيل في الطلاق لا يجوز (¬5). • أدلة هذا القول: قال تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام: الآية 164]. قال ابن حزم: فلا يجوز عمل أحد عن أحد، إلا حيث أجازه القرآن أو السنة الثابتة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يجوز كلام أحد عن كلام غيره إلا من حيث أجازه القرآن أو السنة، ولم يأت في طلاق أحد عن أحد بتوكيله إياه قرآن ولا سنة، فهو باطل (¬6).Rعدم تحقق الإجماع على أنه يجوز التوكيل في الطلاق؛ وذلك لوجود خلاف عن ابن حزم. [41 - 216] الطلاق بغير العربية يقع: لا يشترط في الطلاق أن يتم باللغة العربية، فلو طلق العجمي بلغته، لوقع صريحًا أو كناية، حسب لغتهم، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن العجمي إذا طلق لسانه وأراد الطلاق، أن الطلاق لازم له" (¬7). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وصريح الطلاق بالعجمية. . . إذا أتى بها ¬
[42 - 217] تفويض الطلاق إلى الزوجة يصح
العجمي؛ وقع الطلاق بغير نية، . . . ولا خلاف أنه إذا نوى بها الطلاق كانت طلاقًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر، وابن قدامة من الإجماع على صحة الطلاق بغير العربية وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، وابن حزم (¬4). وهو قول الشعبي، والنخعي، والحسن البصري، والثوري، وإسحاق (¬5). • مستند الإجماع: أن للعجم ألفاظًا يستعملونها في الطلاق، فأشبهت ألفاظه في العربية، فما كان صريحًا بلغتهم، وقع طلاقًا صريحًا بلا نية، وما كان كناية عن الطلاق لم يقع الطلاق فيه إلا بنية (¬6).Rتحقق الإجماع على أن الطلاق يقع بكل لغة، من العرب ومن غيرهم كل بلغته، ويقع صريحًا وكناية بلغة غير العربي؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [42 - 217] تفويض الطلاق إلى الزوجة يصح: يجوز تفويض الطلاق إلى الزوجة، ومعناه: أن يجعل الرجل الطلاق لامرأته (¬7). ومن تفويض الطلاق للزوجة أن يقول لها: طلقي نفسك، أو اختاري (¬8)، أو أمرك بيدك، أو ملّكتكِ نفسكِ. ونُقل الإجماع على جواز تفويض الرجل الطلاق إلى امرأته. • من نقل الإجماع: الشربيني (977 هـ) حيث قال: ". . . تفويض الطلاق للزوجة؛ وهو جائز بالإجماع" (¬9). ¬
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الشربيني من الشافعية من الإجماع على جواز تفويض الطلاق إلى الزوجة وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} [الأحزاب: الآية 28]. 2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: لما أُمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: "إني ذاكر لك أمرًا؛ فلا عليك أن لا تتعجلي حتى تستأمري أبويك"، قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: "إن اللَّه جل ثناؤه قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: الآية 28] إلى {أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29] "، قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبويّ؟ . فإني أريد اللَّه ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما فعلت (¬4). • وجه الدلالة: دلت هذه النصوص أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما خير نساءه فاخترنه أن ذلك ليس بطلاق، ولا يقع به فرقة، وعلى أنه يجوز أن يعطي الزوج زوجته مدة يوم، أو أكثر لتختار نفسها، فإن اختارته لم يكن طلاقًا (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى أنه لا يصح تفويض الطلاق للزوجة، فلو أن المرأة اختارت زوجها، أو اختارت الطلاق، أو لم تختر شيئًا، سواء كرر التخيير لها، أو اختارت الطلاق ألف مرة -كما قال- لم يكن شيء، وكله سواء، فلا يقع به طلاق أبدًا (¬6). • دليل هذا القول: قال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} [الأحزاب: الآية 28]. • وجه الدلالة: نص اللَّه سبحانه وتعالى أن نساء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إن أردن الدنيا، ولم يردن الآخرة، فإنهن يطلقن حينئذٍ من قبله -صلى اللَّه عليه وسلم- مختارًا لذلك (¬7). ¬
[43 - 218] إذا خير الرجل امرأته في الطلاق كان لها الخيار في المجلس على الفور
Rعدم تحقق الإجماع على صحة تفويض الرجل الطلاق إلى زوجته؛ وذلك لوجود خلاف عن ابن حزم بعدم صحة تفويض الطلاق للزوجة. [43 - 218] إذا خير الرجل امرأته في الطلاق كان لها الخيار في المجلس على الفور: إذا قال الرجل لامرأته: اختاري، فلها أن تختار أن تفارق زوجها، أو أن تبقى معه ما دامت في المجلس، فإذا قامت فلا خيار لها، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - المزني (264 هـ) حيث قال: "ولا أعلم خلافًا أنها إن طلقت نفسها قبل أن يتفرقا من المجلس، وتحدث قطعًا لذلك، أن الطلاق يقع عليها، فيجوز أن يقال لهذا الموضع: إجماع" (¬1). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "إنه على الفور في المجلس؛ لأنه قبول تمليك، . . . ولأنه (¬2) ذَكَر الإجماع فيه أنها إذا طلقت نفسها على هذه الصفة كان إجماعًا" (¬3). 3 - المرغيناني (593 هـ) حيث قال: "وإذا قال لامرأته: اختاري، ينوي بذلك الطلاق، أو قال لها: طلقي نفسك، فلها أن تطلق نفسها ما دامت في مجلسها. . . بإجماع الصحابة" (¬4). 4 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "أما الإجماع: فإنه روي عن جماعة من الصحابة، مثل عمر، وعثمان، وعلي، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عمر، وجابر، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، أن المخيرة إذا اختارت نفسها في مجلسها، وقع الطلاق" (¬5). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "قضى عمر، وعثمان، في الرجل يخير امرأته، أن لها الخيار ما لم يتفرقا، . . . ونحوه عن ابن مسعود، وجابر، ولم نعرف لهم مخالفًا من الصحابة، فكان إجماعًا" (¬6). 6 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: ". . . لإجماع الصحابة؛ روي عن عمر، ¬
وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وجابر، وزيد، وعائشة أنهم قالوا: إذا خير الرجل امرأته كان لها الخيار ما دامت في مجلسها ذلك، فإذا قامت فلا خيار لها، ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك فحل محل الإجماع" (¬1). 7 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وإذا قال لامرأته: اختاري، ينوي بذلك الطلاق، أو قال لها: طلقي نفسك، فلها أن تطلق نفسها ما دامت في مجلسها ذلك، وهذا الشرط بإجماع الصحابة" (¬2). 8 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "وإن قال لها: طلقي نفسك، فلها أن تطلق نفسها ما دامت في مجلسها؛ لأن المخيرة لها خيار المجلس بإجماع الصحابة" (¬3). 9 - ابن نجيم (970 هـ) فذكره كما قال ابن الهمام (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الرجل إذا خير امرأته في الطلاق، كان لها الخيار في المجلس على الفور وافق عليه الإمام مالك في رواية (¬5). وهو قول عمر، وعثمان، وابن مسعود، وابن عمر، وجابر، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، وقال به عطاء، وجابر بن زيد، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وأبو ثور (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: خيّرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاخترنا اللَّه ورسوله، فلم يُعَدَّ ذلك علينا شيئًا (¬7). 2 - أن عمر وعبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنهما- كانا يقولان: إذا خيرها فاختارت نفسها، فهي واحدة، وهو أحق بها، وإن اختارت زوجها، فلا شيء (¬8). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الإمام مالك في رواية عنه (¬9)، والإمام أحمد في ¬
رواية عنه أيضًا (¬1) إلى أن ذلك لها على التراخي، ما لم يبطله الزوج أو يطأها. وقال به الزهري، وقتادة، وأبو عبيد (¬2)، وابن المنذر (¬3). • دليل هذا القول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: لما أُمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: "إني ذاكر لك أمرًا؛ فلا عليك أن لا تتعجلي حتى تستأمري أبويك"، قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: "إن اللَّه جل ثناؤه قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إلى {أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29] "، قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبويّ؛ فإني أريد اللَّه ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما فعلت (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما جعل لها أن تستشير أبويها دل ذلك على أن الخيار لها على التراخي (¬5). ثانيًا: يرى ابن حزم أنه ليس هناك تخيير، ومن فعله لم يكن شيئًا، سواء اختارت نفسها، أو اختارت الطلاق (¬6). وعلى قول ابن حزم لا اعتبار للخلاف السابق عنده، سواء في قول من قال: الخيار لها في المجلس فقط، أم من قال لها ذلك بعده. • دليل هذا القول: قال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} [الأحزاب: الآية 28]. • وجه الدلالة: نص اللَّه سبحانه وتعالى أن نساء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إن أردن الدنيا، ولم يردن الآخرة، فإنهن يطلقن حينئذٍ من قِبَله -صلى اللَّه عليه وسلم- مختارًا لذلك (¬7).Rعدم تحقق الإجماع على أن من خير امرأته أن لها الخيار في المجلس؛ وذلك لما يلي: 1 - وجود خلاف عن الإمام مالك في رواية عنه، وعن الإمام أحمد في رواية عنه ¬
[44 - 219] إذا خير الرجل امرأته لمدة يوم أو أكثر فلها ذلك
أيضًا، ومن سبقهم من السلف أن لها الخيار على التراخي. 2 - أن هناك خلافًا عن ابن حزم يبطل القول بتخيير المرأة أو تمليكها نفسها، سواء اختارت نفسها أم اختارت زوجها، حتى لو قالت: أختار الطلاق. [44 - 219] إذا خير الرجل امرأته لمدة يوم أو أكثر فلها ذلك: إذا خير الرجل امرأته، وجعل لها الحق ليوم أو أكثر، فلها أن تطلق نفسها خلال المدة التي خيرها زوجها فيها، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفي الخلاف: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "ولا خلاف فيمن خير امرأته مدة يوم أو أيام أن ذلك لها إلى انقضاء المدة" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن عبد البر من أنه لا خلاف أن من جعل أمر امرأته بيدها لمدة يوم أو أكثر فلها ذلك وافق عليه الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند نفي الخلاف: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: لما أُمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: "إني ذاكر لك أمرًا؛ فلا عليك أن لا تتعجلي حتى تستأمري أبويك"، قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: "إن اللَّه جل ثناؤه قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: الآية 28] إلى {أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: الآية 29] "، قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبويّ؟ فإني أريد اللَّه ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما فعلت (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد جعل لعائشة الخيار حتى تستأمر أبويها، ومعلوم أن ذلك قد يستغرق يومًا، أو أكثر. • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى عدم اعتبار تخيير المرأة، سواء اختارت ¬
[45 - 220] تعليق الطلاق بالزمن المستقبل يقع
نفسها أو اختارت زوجها، أو خيرها في الطلاق ألف مرة، فليس ذلك بشيء (¬1). • دليل هذا القول: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} [الأحزاب: الآية 28]. • وجه الدلالة: نص اللَّه سبحانه وتعالى أن نساء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إن أردن الدنيا، ولم يردن الآخرة، فإنهن يطلقن حينئذٍ من قبله -صلى اللَّه عليه وسلم- مختارًا لذلك (¬2).Rأولًا: عدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن من جعل أمر امرأته بيدها لمدة يوم أو أكثر فلها ذلك؛ لخلاف ابن حزم الذي لا يرى التخيير أصلًا. ثانيًا: يمكن حمل نفي الخلاف على أنه لا خلاف بين المذاهب الأربعة في هذه المسألة. [45 - 220] تعليق الطلاق بالزمن المستقبل يقع: إذا علق الزوج طلاق امرأته على زمنٍ مستقبل، كان يقول: أنت طالق غدًا، أو يقول: أنت طالق اليوم، أو أنت طالق إذا جاء الشهر، وهكذا. . . فقد نقل الاتفاق عدد من الفقهاء على أنه يقع الطلاق في الزمن الذي حدده. • من نقل الاتفاق: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: ". . . أن يقول: إن قدم زيد فأنت طالق، فلا يقع الطلاق قبل وجود الصفة، سواء بصفة مضافة إليها بدخول الدار، أو مضافة إلى غيرها كقدوم زيد، وهذا متفق عليه" (¬3). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن الطلاق إلى أجل أو بصفة واقع إن وافق وقت الطلاق، . . . واتفقوا أنه إذا كان الأجل في وقت الطلاق أن الطلاق قد وقع" (¬4). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "وأما تعليق الطلاق بالأفعال المستقبلية: فإن الأفعال التي تعلق بها توجد على ثلاثة أضرب: أحدها: ما يمكن أن يقع أو لا يقع، كدخول الدار، وقدوم زيد، فهذا يقف وقوع الطلاق فيه على وجود الشرط بلا ¬
خلاف" (¬1). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "لو قال: أنت طالق إن قدم زيد، فإنها لا تطلق قبل قدومه؛ بالاتفاق" (¬2). وقال أيضًا: "أنت طالق في النهار، فإن كانت في النهار طلقت، وإن كانت في الليل طلقت إذا جاء النهار، وهذا كله مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، ولا أعلم فيه مخالفًا" (¬3). وقال أيضًا: "أن يقول: أنت طالق، ثم يصله بشرط أو صفة؛ مثل قوله: إن دخلت الدار، أو بعد شهر، أو قال: إن دخلت الدار بعد شهر؛ فهذا يصح إذا كان نطقًا بغير خلاف" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على أن من علق طلاق امرأته بالزمن المستقبل، فإنه يقع عند وجود ما علق عليه وافق عليه الحنفية (¬5). وهو قول ابن عباس، وعطاء، وجابر بن زيد، والنخعي، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - أن الطلاق معلق بشرط لا يتحقق إلا في الزمن المستقبل، فإذا تحقق الشرط، وقع الطلاق (¬7). 2 - أن قول المطلِّق: أنت طالق إذا قدم زيد، أو إذا جاء الغد، يقع؛ لأن "إذا" اسم زمن مستقبل معناه: أنت طالق غدًا وقت قدوم زيد، وإن لم يقدم زيد في غدٍ لم تطلق (¬8). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الإمام مالك إلى أن الطلاق إذا علق بالزمن المستقبل فإنه يقع في الحال، سواء قال: أنت طالق غدًا، أو قال: بعد شهر، أو قال: اليوم، فتطلق في الحال (¬9). وهو قول سعيد بن المسيب، والحسن، والزهري، ويحيى ¬
ابن سعيد الأنصاري، وربيعة، والليث (¬1). • دليل هذا القول: تعليق الطلاق بالأجل، كالوطء إلى أجل، وهو نكاح المتعة، فلما كان نكاح المتعة باطلًا؛ لأنه إلى أجل كان الطلاق إلى أجل باطلًا أيضًا، فيقع على الفور (¬2). ثانيًا: يرى ابن حزم أنه لا يقع بذلك طلاق أبدًا، سواء قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو ذكر وقتًا ما، فلا تكون طالقًا بذلك، لا الآن، ولا إذا جاء رأس الشهر (¬3). • أدلة هذا القول: 1 - لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك، وقد علّمنا اللَّه الطلاق على المدخول بها، وغير المدخول بها، وليس هذا فيما علّمناه، {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: الآية 1] (¬4). 2 - كل طلاق لا يقع حين إيقاعه، فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه (¬5).Rأولًا: عدم صحة ما ذكر من الاتفاق على أن تعليق الطلاق على زمن مستقبل أنه يقع إذا تحقق ما علق عليه؛ لما يأتي: 1 - خلاف عن الإمام مالك، ومن سبقه من السلف بإيقاعه فور التكلم به. 2 - خلاف عن ابن حزم الذي منع هذا الطلاق، ورأى أنه لا يقع به شيء. ثانيًا: الغريب أن ابن حزم يحكي الاتفاق على أن الطلاق إلى أجل يقع عند الأجل في كتابه مراتب الإجماع، وينفي ذلك في كتابه المحلى (¬6). ¬
[46 - 221] تعليق الطلاق بالزمن الماضي لا يقع
[46 - 221] تعليق الطلاق بالزمن الماضي لا يقع: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق أمس، أو الشهر الماضي، فلا يقع طلاقه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ولو قال: أنت طالق أمس، وقد تزوجها اليوم. . . لم يقع شيء. . . ولا خلاف فيه للفقهاء" (¬1). 2 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "ولو قال: أنت طالق أمس، أو في الشهر الذي خرج، وقد تزوجها اليوم، لم يقع شيء، بإجماع الفقهاء" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الحنفية من الإجماع على أن تعليق الطلاق بالزمن الماضي لا يقع وافق عليه الإمام الشافعي في أحد القولين (¬3)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬4). • مستند الإجماع: 1 - أن المطلِّق أسند الطلاق إلى حالة منافية لمالكية الطلاق، فكان حاصله إنكارًا للطلاق فيلغو، فكان كقوله: أنت طالق قبل أن أُخلَق (¬5). 2 - أنه حين تعذر تصحيح الطلاق إنشاءً، أمكن تصحيحه إخبارًا عن عدم النكاح، أي: طالق أمس عن قيد النكاح إذا لم تنكحي، أو عن طلاق زوج كان لها (¬6). 3 - أن الطلاق رفع للاستباحة، ولا يمكن رفعها في الزمن الماضي، فلا يقع الطلاق (¬7). • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية (¬8)، والإمام الشافعي في قول (¬9)، والحنابلة في المذهب، واختاره القاضي أبو يعلى (¬10) أن من قال لامرأته: أنت طالق أمس، أن طلاقه يقع. ¬
[47 - 222] تعليق الطلاق على شرط يقع العدد الذي كرره بتحقق المشروط
• دليل هذا القول: أن المطلِّق وصف الطلاق بما لا يتصف به، فتلغو الصفة، ويقع الطلاق، كمن قال لمن لا سنة لها ولا بدعة: أنت طالق للسنة، أو أنت طالق طلقة لا تلزمك (¬1).Rعدم تحقق الإجماع على أن من علق طلاق امرأته بالزمن الماضي، كمن قال: أنت طالق أمس، أو في الشهر الذي مضى أنه لا يقع؛ وذلك لخلاف المالكية، والإمام الشافعي في قول، والمذهب عند الحنابلة أن الطلاق على هذه الصفة يقع. [47 - 222] تعليق الطلاق على شرط يقع العدد الذي كرره بتحقق المشروط: إذا علق الرجل طلاق امرأته بشرط (¬2)، وكرر عدد الطلاق، فتحقق ذلك الشرط، فإنها تطلق، ويقع ما كرره من العدد، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "قال: أنت طالق فطالق فطالق إن دخلت الدار، تعلق الكل بالشرط، فإن وجد الشرط يقع الثلاث بالإجماع" (¬3). وقال أيضًا: "ولو قال: أنت طالق إن دخلت الدار، أنت طالق إن دخلت الدار، أنت طالق إن دخلت الدار، أو قدّم الشرط بأن قال: إن دخلت فأنت طالق، قال ذلك ثلاثًا، يتعلق الكل بالدخول، فما لم تدخل لا يقع شيء، وإن دخلت الدار دخلة واحدة، يقع الثلاث بالإجماع" (¬4). 2 - المرغيناني (593 هـ) حيث قال: "ولو قال لها: أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار، فدخلت؛ طلقت اثنتين، بالاتفاق" (¬5). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، وكرر ذلك ثلاثًا، فدخلت الدار، طلقت في قول الجميع" (¬6). ¬
4 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "أن يعلق بأمر يمكن أن يكون، ويمكن ألا يكون؛ كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، وكذلك إن كلمت زيدًا، . . . فهذا إن وقع الشرط وقع الطلاق، وإلا لم يقع، اتفاقًا" (¬1). 5 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: "إذا قال: أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار، فدخلت، وقع الجميع بالاتفاق" (¬2). 6 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وإن كانت المرأة مدخولًا بها وقع الجميع بلا خلاف، قدم الشرط أو أخره" (¬3). 7 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "ولو قدم الجزاء فقال: أنت طالق واحدة وواحدة، فإن دخلت الدار طلقت اثنتين بالاتفاق" (¬4). 8 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "أو إن دخلت الدار فأنت خلية، بنية الطلاق، . . . يقع بوجود الشرط، وهو صحيح، وليس فيه خلاف" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الطلاق إذا علق على شرط، فإنه يقع ما كرره عند تحقق الشرط وافق عليه الشافعية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أن الشرط المعلق عليه الطلاق وهو دخول الدار قد وقع، فيقتضي وقوع الطلاق (¬7). 2 - أن أهل اللغة قد رتبوا هذا الكلام على تأخير الشرط، فيقع جملة في زمان ما بعد الشرط (¬8). • الخلاف في المسألة: يرى ابن حزم أنه لا يقع بذلك طلاق أبدًا، سواء قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو ذكر وقتًا ما، فلا تكون طالقًا بذلك، لا الآن، ولا إذا جاء رأس الشهر (¬9). ¬
[48 - 223] إذا طلق امرأته فقال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة، وقعت طلقتان
• أدلة هذا القول: لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك، وقد علّمنا اللَّه الطلاق على المدخول بها، وغير المدخول بها، وليس هذا فيما علّمناه، {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: الآية 1] (¬1). 2 - كل طلاق لا يقع حين إيقاعه، فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه (¬2).Rعدم تحقق الإجماع على أن الطلاق المعلق بوجود شرط، أنه يقع عند تحقق الشرط، وأنه يقع ما كرره من العدد؛ وذلك لوجود خلاف عن ابن حزم، حيث يرى أن الطلاق المعلق على شرط أنه لا يقع. [48 - 223] إذا طلق امرأته فقال: أنتِ طالق ثلاثًا إلا واحدة، وقعت طلقتان: إذا طلق الرجل امرأته واستثنى (¬3) من ذلك، كأن يقول: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة، فتقع طلقتان، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنه إن قال لها: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة، أنها تطلق تطليقتين" (¬4). ونقله عنه ابن قدامة (¬5)، وابن قاسم (¬6). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "إذا استثنى الأقل من الأكثر فلا خلاف أعلمه أن الاستثناء يصح ويسقط المستثنى، مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن من قال لامرأته: أنتِ طالق ثلاثًا إلا واحدة، وقعت طلقتان وافق عليه الحنفية (¬8). وهو قول الثوري، ¬
[49 - 224] إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين، وقعت واحدة
وأبي ثور (¬1). • مستند الإجماع: 1 - إذا عاد الاستثناء إلى جملة، كان المراد منه ما بقي بعد الاستثناء منها، كقوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العَنكبوت: الآية 14]. فكان كقوله: تسعمائة وخمسين عامًا (¬2). 2 - أن الاستثناء إخبار أن المستثنى غير مراد بالكلام، فيمنع أن يدخل فيه ما لولاه لدخل (¬3). • الخلاف في المسألة: يرى أبو بكر الخلال من الحنابلة (¬4) -ويرى ابن تيمية أن هذه رواية منصوصة عن الإمام (¬5) - أن الاستثناء في الطلاق لا يصح، فإذا قال: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة، وقعت ثلاثًا. • دليل هذا القول: أن الطلاق قد وقع، فلا يرفعه الاستثناء بعد وقوعه (¬6).Rعدم تحقق الإجماع على أن من طلق امرأته ثلاثًا إلا واحدة، أنها تقع اثنتين؛ وذلك لما يأتي: وجود خلاف عن أبي بكر من الحنابلة -ويرى ابن تيمية أن هذا الخلاف هو رواية عن الإمام أحمد- أن الاستثناء في الطلاق لا يصح، فمن طلق امرأته ثلاثًا إلا واحدة، وقعت ثلاثًا. [49 - 224] إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا إلا اثنتين، وقعت واحدة: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثًا إلا اثنتين فيقع واحدة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثًا إلا اثنتين، إنها طالق واحدة" (¬7). ¬
[50 - 225] إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، وقعت ثلاث
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الإجماع على أن من طلق امرأته ثلاثًا إلا اثنتين، وقعت واحدة وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2). وهو قول الثوري، وأبي ثور (¬3). • مستند الإجماع: 1 - أن استثناء الأكثر من الأقل استثناء صحيح، وهذا استثناء لاثنتين فبقيت واحدة (¬4). 2 - أن الباقي بعد استثناء الطلقتين واحدة؛ فللواحدة اسمان: أحدهما: واحدة، والآخر: ثلاث إلا اثنتين (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب أبو يوسف من الحنفية (¬6)، والحنابلة (¬7) إلى القول بأن من طلق امرأته ثلاثًا إلا اثنتين، أنها تقع ثلاثًا. • دليل هذا القول: لا يصح استثناء الأكثر من الأقل، فقد استثنى المطلق اثنتين -وهي الأكثر- من الثلاث التي يملكها، فبقيت واحدة؛ وهي الأقل (¬8).Rعدم تحقق الإجماع على أن من قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا إلا اثنتين أنها تقع واحدة؛ وذلك لما يلي: وجود خلاف عن أبي يوسف من الحنفية، والحنابلة أن من طلق امرأته ثلاثًا إلا اثنتين أنها تطلق ثلاثًا. [50 - 225] إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا، وقعت ثلاث: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا، تقع الثلاث بالإجماع. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنه إن قال لها: أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا، أنها تطلق ثلاثًا" (¬9). ¬
[51 - 226] تعليق الطلاق على المشيئة يتوقف وقوعه على مشيئة من أضيف إليه
2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن قال: أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا؛ وقع ثلاث، بغير خلاف" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر، وابن قدامة من الإجماع على أن من قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا، وقعت ثلاث -وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، وهو قول الثوري، وأبي ثور (¬4). • مستند الإجماع: 1 - أن الاستثناء وضع أصلًا لرفع بعض المستثنى منه، فلا يصح رفعه جميعه (¬5). 2 - أن من طلق امرأته ثلاثًا ثم قال: إلا ثلاثًا، فقد استثنى الكل من الكل، وهذا لا يصح (¬6).Rتحقق الإجماع على أن من قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا أنه يلزمه ثلاث تطليقات؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [51 - 226] تعليق الطلاق على المشيئة يتوقف وقوعه على مشيئة من أضيف إليه: إذا قال رجل لامرأته: أنت طالق إذا شئتِ، أو إذا شاء فلان، فإن الطلاق يتوقف وقوعه على مشيئة من أضيف إليه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق إن شئتِ، فقالت: شئتُ إذا شاء فلان، أنها قد ردت الأمر، ولا يلزمها، الطلاق، وإن شاء فلان" (¬7). ونقله عنه ابن قدامة (¬8)، وابن قاسم (¬9). 2 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال "وإن قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت، فلها أن تطلق نفسها واحدة واثنتين، بالاتفاق" (¬10). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الطلاق إذا علق ¬
[52 - 227] إذا قال لامرأته: شعرك طالق، أو ظفرك طالق، فإن الطلاق يقع
بالمشيئة، فإن وقوعه يتوقف على مشيئة من أضيف إليه وافق عليه المالكية (¬1). • مستند الإجماع: 1 - إذا وجدت المشيئة، تحقق ما علق عليها (¬2). 2 - إذا علقت المرأة مشيئتها على مشيئة آخر، فلم توجد منها مشيئة حقيقة؛ لأنها قد علقتها على شرط، وليس تعليق المشيئة شرط مشيئة (¬3). • الخلاف في المسألة: (¬4): يرى ابن حزم عدم وقوع الطلاق إذا علق على مشيئة زيد أو عمرو، أو على مشيئة المرأة (¬5). • دليل هذا القول: إذا علق الطلاق على مشيئة زيد مثلًا فلا يقع؛ لأن مشيئة زيد لا يعرفها أحد غير اللَّه وغيره؛ لأن زيدًا قد يكذب (¬6).Rعدم تحقق الإجماع على أن من علق الطلاق على مشيئة امرأته، أو مشيئة زيد، أن طلاقه يتحقق بتحقق المشيئة؛ لما يأتي: خلاف ابن حزم في المسألة، بعدم وقوع الطلاق إذا علق على مشيئة فلان، أو مشيئة المرأة. [52 - 227] إذا قال لامرأته: شعرك طالق، أو ظفرك طالق، فإن الطلاق يقع: إذا أضاف الرجل الطلاق إلى جزء من المرأة، كالشعر، والظفر ونحو ذلك فإن الطلاق يقع، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشربيني (977 هـ) حيث قال: "شعرك طالق، أو ظفرك طالق، وقع الطلاق جزمًا، واحتجوا له بالإجماع" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الشربيني من الإجماع على أن من قال ¬
لامرأته: شعرك طالق، أو ظفرك طالق، فإن الطلاق يقع وافق عليه المالكية (¬1)، وهو وجه عند الحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: 1 - أن الطلاق قد صدر ممن هو أهله، فلا ينبغي أن يلغى (¬3). 2 - أن تبعيض الطلاق متعذر؛ لأن المرأة لا تتبعض في حكم النكاح، فوجب ألا تتبعض في حكم الطلاق (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬5)، وسحنون (¬6) من المالكية (¬7)، وهو المذهب عند الحنابلة (¬8) إلى أن من أضاف الطلاق إلى جزء من المرأة كالشعر والظفر، لم يقع طلاقه. • أدلة هذا القول: 1 - أن إضافة الطلاق إلى جزء من المرأة إضافة له إلى غير محله، فيلغو (¬9). 2 - أن الشعر والظفر من الأجزاء التي تنفصل عن المرأة في حال السلامة، فلا يصح إضافة الطلاق إليهما (¬10).Rعدم تحقق الإجماع في أن من قال لامرأته: شعرك طالق، أو ظفرك طالق فإن الطلاق يقع؛ لما يأتي: وجود خلاف عن الحنفية، وسحنون من المالكية، والحنابلة في المذهب أن الطلاق لا يقع. ¬
[53 - 228] إذا قال لامرأته: دمعك طالق، أو ريقك طالق، فلا يقع الطلاق
[53 - 228] إذا قال لامرأته: دمعك طالق، أو ريقك طالق، فلا يقع الطلاق (¬1): إذا أضاف الرجل الطلاق إلى دمع المرأة، أو ريقها، فلا يقع الطلاق، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن أضافه إلى الريق , والدمع، والعرق، لم تطلق، لا نعلم فيه خلافًا" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). 2 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "ولا خلاف أن بالإضافة إلى الشعر، والظفر، والسن، والريق، والعرق، لا يقع" (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن الهمام، وابن قدامة، وابن قاسم من أنه لا خلاف في أن من قال لامرأته: دمعك طالق، أو ريقك طالق، فلا يقع الطلاق وافق عليه المالكية (¬5)، والشافعية في الصحيح لديهم (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن هذه الأشياء أجزاء منفصلة، غير متصلة بالجسم، فلا يصح إضافة الطلاق إليها (¬7). 2 - أن إضافة الطلاق إلى جزء من المرأة إضافة له إلى غير محله، فيلغو (¬8). • الخلاف في المسألة: ذهب الشافعية في وجه إلى أن من قال لامرأته: ريقك طالق، أو دمعك طالق، فإن الطلاق يقع (¬9). • دليل هذا القول: أن الطلاق لا يتبعض، فكانت إضافته إلى جزء من المرأة ¬
[54 - 229] من طلق امرأته جزءا من الطلقة، وقعت طلقة كاملة: إذا قال الرجل لامرأته
كإضافته إليها كلها (¬1).Rأولًا: ما ذكره ابن الهمام من عدم الخلاف في أن إضافة الطلاق إلى الشعر والظفر لا يقع به الطلاق غير صحيح؛ فقد مرت المسألة، وتبين أنها خلافية. ثانيًا: عدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن من قال لامرأته: دمعك طالق، أو ريقك طالق أن الطلاق لا يقع؛ وذلك لوجود خلاف عن الشافعية في أحد الوجهين بوقوعه. [54 - 229] من طلق امرأته جزءًا من الطلقة، وقعت طلقة كاملة: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق نصف طلقة، أو ثلث طلقة، أو ربع طلقة، فإنها تحسب طلقة كاملة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن من طلق زوجته، نصفا، أو ثلثًا، أو ربعًا، أو سدسي طلقة أنها تطليقة واحدة" (¬2). ونقله عنه ابن قدامة (¬3)، وابن قاسم (¬4). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه إذا قال لها: أنت طالق نصف طلقة، وقعت طلقة" (¬5). ونقله عنه ابن قاسم (¬6). 3 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من قال لزوجته: أنت طالق نصف طلقة، لزمه طلقة كاملة" (¬7). 4 - الشعراني (973 هـ) فذكره كما قال قاضي صفد (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الشافعية، وابن هبيرة من الإجماع على أن من طلق امرأته جزءًا من الطلقة، وقعت طلقة كاملة وافق عليه الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10). وهو قول الشعبي، والزهري، وقتادة، وأبي عبيد، وأبي ثور، والثوري، وربيعة الرأي ¬
[55 - 230] من قال لامرأته: أنت طالق ملء الدنيا، وقع واحدة إن لم ينو أكثر
في قول (¬1). • مستند الإجماع: أن الطلاق لا يتبعض، وذكر البعض فيما لا يتبعض كذكر الكل، كالعفو عن بعض القصاص، أنه عفو عن الكل (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب ربيعة الرأي في قول، وداود (¬3) إلى أن من طلق امرأته بعض تطليقة، أنه لا يقع بها شيء من الطلاق. • دليل هذا القول: أن جزء التطليقة لا يكون طلاقًا حقيقة، بل هو بعضها، وبعض الشيء لا يكون عين ذلك الشيء، فصار الطلاق لغوًا (¬4).Rعدم تحقق الإجماع على أن من طلق امرأته جزءًا من الطلقة، كالنصف، أو الربع، أو الثلث، ونحو ذلك أنه يقع بها طلقة واحدة، وذلك للخلاف الوارد عن ربيعة الرأي في قول، وداود بعدم وقوع الطلاق بهذه الصورة. [55 - 230] من قال لامرأته: أنت طالق ملء الدنيا، وقع واحدة إن لم ينوِ أكثر: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق ملء الدنيا، أو كألف، فإنه يقع طلقة واحدة، إن لم ينوِ أكثر، فيقع ما نواه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "لو قال لها: أنت طالق كألف، أو مثل ألف. . . فإن نوى ثلاثًا فهو ثلاث بالإجماع" (¬5). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "فإن قال: أنت طالق ملء الدنيا، ونوى الثلاث، وقع الثلاث، وإن لم ينوِ شيئًا، أو نوى واحدة، فهي واحدة، . . . وهذا لا نعلم فيه خلافًا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الكاساني، وابن قدامة من الإجماع على أن من طلق امرأته ملء الدنيا، وقعت واحدة، إن لم ينوِ أكثر وافق عليه المالكية (¬7)، ¬
[56 - 231] من قال لامرأته: أنت طالق واحدة كألف، وقعت طلقة بائنة
والشافعية (¬1). • مستند الإجماع: 1 - أن تشبيه الطلاق بملء الدنيا، أو بألف يحتمل معنيين: أحدهما: التشبيه من حيث العدد والكثرة. والثاني: التشبيه من حيث صفة القوة والشدة؛ فإن الواحد من الرجال قد يشبه بألف في الشجاعة، وإذا كان التشبيه محتملًا للأمرين فلا يثبت العدد إلا بالنية، وعند عدم النية يحمل على الأدنى، وهو الواحدة (¬2). 2 - أن الطلقة الواحدة توصف بكونها يملأ الدنيا ذكرها، وأنها أشد الطلاق على المرأة، لما لضررها عليها (¬3). • الخلاف في المسألة: ذهب محمد بن الحسن من الحنفية إلى أنه إذا لم ينوِ عددًا معينًا، فتقع ثلاثًا (¬4). • دليل هذا القول: أن ما تلفظ به المطلق عندما قال: ملء الدنيا، أو كألف، فهو عدد؛ لأنه يراد به التشبيه بالعدد، فصار ظاهرًا، كما إذا قال: أنت طالق كعدد ألف (¬5).Rعدم تحقق الإجماع على أن من قال لامرأته: أنت طالق ملء الدنيا، أنها تقع واحدة، إن لم ينوِ أكثر؛ لخلاف محمد بن الحسن بأنها تقع ثلاثًا، إذا لم ينوِ عددًا معينًا. [56 - 231] من قال لامرأته: أنتِ طالق واحدة كألف، وقعت طلقة بائنة: إذا طلق الرجل امرأته بقوله: أنتِ طالق واحدة كألف، فإنها تقع طلقة بائنة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "أما لو قال: واحدة كألف، فهي بائنة بالإجماع" (¬6). ¬
[57 - 232] تعليق الطلاق بالحيض يقع
• مستند الإجماع: أن المطلِّق إذا قال: أنت طالق واحدة كألف، فقد وصف الطلاق بالشدة، فيكون وصفًا لأثره، ولا يكون شديدًا في وقعه، إلا إذا كان بائنًا؛ فيقع بائنًا (¬1). • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4) إلى أنه إذا قال: أنت طالقة واحدة كألف أنها تقع رجعية. • دليل هذا القول: أن من قال لامرأته: أنت طالق ملء الدنيا، أو كألف، أو أغلظ الطلاق، ونحو ذلك، فلا يقتضي العدد، وقد توصف الطلقة الواحدة بهذا، فلا تكون إلا واحدة رجعية (¬5).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن من قال لامرأته: أنتِ طالق واحدة كألف، أنها تقع طلقة بائنة؛ لخلاف المالكية، والشافعية، والحنابلة، أنها تقع واحدة رجعية. ثانيًا: يحمل ما ذكره ابن الهمام من الإجماع على أنه إجماع علماء المذهب الحنفي؛ فإنهم يعبرون أحيانًا بهذا اللفظ، ويريدون به علماء المذهب. [57 - 232] تعليق الطلاق بالحيض يقع: إذا قال الرجل لامرأته: إذا حضت فأنت طالق، فإن الطلاق يقع بها من حين ترى الدم، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا قال لامرأته: إذا حضت فأنت طالق، أنها إذا رأت الدم، يقع عليها الطلاق" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الإجماع على أن الرجل إذا قال لامرأته: أنتِ طالق إن حضت، فإنه يقع عليها الطلاق بمجرد نزول الدم، وافق عليه ¬
الإمام مالك في رواية عنه، وبه قال ابن الماجشون من المالكية (¬1)، والشافعية في وجه (¬2)، والحنابلة في المذهب (¬3). • مستند الإجماع: أن الطلاق علق على ما يمكن حصوله عادة، فلما حصل ما علق عليه، وجب أن يقع (¬4). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية (¬5)، والشافعية في وجه (¬6)، والحنابلة في قول (¬7) إلى أنها لا تطلق بمجرد رؤية الدم، ولا تطلق إلا بعد أن يمضي أقل الحيض. ثم اختلف هؤلاء بناءً على اختلافهم في أقل الحيض، فعند الحنفية ثلاثة أيام، وعند الشافعية، والحنابلة يوم وليلة. • أدلة هذا القول: دليل الحنفية: أن أقل من ثلاثة أيام لا يكون حيضًا، فوجب أن يستمر بها أقل الحيض؛ حتى يصدق عليها أقل الحيض، فيقع الطلاق (¬8). • دليل الشافعية، والحنابلة: أقل ما يصدق عليه أقل الحيض هو يوم وليلة؛ فإذا رأت المرأة الدم أقل من ذلك تبين أنه دم فساد، وليس بحيض، فلا نحكم بوقوعه (¬9). ثانيًا: ذهب الإمام مالك في رواية عنه إلى القول بأن من قال لامرأته: أنت طالق إذا حضت، أنها تطلق في الحال، ولا ينتظر حتى تحيض (¬10). • دليل هذا القول: أن الطلاق هنا عُلِّق على ما يغلب حدوثه، وكل ما يغلب في الوجود حدوثه فيقع في الحال (¬11).Rعدم تحقق الإجماع على أن من قال لامرأته: إذا حضت فأنت طالق؟ ¬
[58 - 233] إذا قال لامرأته: إن لم أطلقك فأنت طالق، وقع على التراخي
وذلك لما يأتي: 1 - وجود خلاف عن الحنفية بعدم وقوع الطلاق إلا بعد ثلاثة أيام هي أقل الحيض لديهم. 2 - وجود خلاف عن الشافعية في وجه، وعن الحنابلة في قول بعدم وقوع الطلاق إلا بعد يوم وليلة؛ هي أقل الحيض لديهم. 3 - وجود خلاف عن الإمام مالك في رواية عنه، أن الطلاق يقع بمجرد تلفظ الزوج به. [58 - 233] إذا قال لامرأته: إن لم أطلقك فأنت طالق، وقع على التراخي: إذا قال الرجل لامرأته: إن لم أطلقك فأنت طالق؛ فإنه يقع الطلاق على التراخي, إذا لم ينوِ وقتًا، فإن مات قبل أن تطلق، فيقع عليها الطلاق عند موته، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولو قال: أنت طالق إذا لم أطلقك. . . فإن أراد بـ إذا "إن" لا يقع الطلاق إلا في آخر جزء من أجزاء حياته بالإجماع" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إذا قال: إن لم أطلقك فأنت طالق، ولم ينوِ وقتًا، ولم يطلقها كان ذلك على التراخي، ولم يحنث بتأخيره، . . . وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي، ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافًا" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). 3 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ولو قال: أنت طالق إن لم أطلقك، لم تطلق حتى يموت. . . وقع قبل موته بقليل، وليس لذلك القليل حد معروف باتفاق الفقهاء" (¬4). 4 - ابن الهمام (861 هـ) فذكره كما قال العيني (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنفية، والحنابلة من الإجماع على أن الزوج إذا قال لامرأته: إن لم أطلقك فأنت طالق، وقع على التراخي، إذا لم ينوِ وقتًا ¬
وافق عليه الإمام مالك في رواية (¬1)، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: أن حرف "إن" موضوع للشرط، وذلك لا يقتضي زمنًا ولا يدل عليه إلا من حيث إن الفعل المعلق به من ضرورته الزمان، وما حصل ضرورة لا يتقيد بزمن معين، ولا يقتضي تعجيلًا، فما علق عليه كان على التراخي (¬3). 2 - إذا علق الطلاق بـ "إن"، أصبح كل وقت ممكن لفعل الطلاق، فلم يفت الوقت، فإذا مات أحدهما علمنا حينئذ حنثه، لأنه لا يمكن أن يقع الطلاق بعد الموت، فعلمنا أنه قد وقع إذا علمنا أنه لم يبق من حياة الزوج ما يتسع لتطليقها (¬4). 3 - أن الشرط أن لا يطلقها، ولا يتحقق ذلك إلا باليأس من الحياة، واليأس يكون في آخر جزء من حياته (¬5). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الإمام مالك في رواية عنه إلى أنها تطلق في الحال، ولا ينتظر حين موته (¬6). • أدلة هذا القول: من طلق إلى أجل؛ فإن كان الأجل آتيًا لا محالة، وكان يبلغه عمره، ويكون إتيانه مع بقاء نكاحه، يقع الطلاق في الوقت الذي تكلم به، ولا ينتظر به الأجل (¬7). 2 - الذي حمله على قوله هذا هو التعجل والفور، فكأنه قال: أنت طالق إن لم أطلقك الساعة، فيقع في الحال (¬8). ثانيًا: ذهب الإمام مالك في رواية عنه إلى أنها لا تطلق إلا أن ترفعه للسلطان (¬9). ثالثًا: ذهب المالكية في قول لديهم إلى أنها لا تطلق إلا بضرب أجل الإيلاء، فإن ¬
[59 - 234] إذا قال لامرأته: أنت طالق إن لم أطلقك اليوم، وقع الطلاق
طَلّق وإلا طُلِّق عليه بعد أربعة أشهر التي هي مدة الإيلاء (¬1). وهو قول ربيعة، والليث ابن سعد (¬2). رابعًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أن الطلاق يقع بعد موته (¬3).Rعدم تحقق الإجماع على أن من قال لامرأته: إن لم أطلقك فأنت طالق أن طلاقه يقع على التراخي، فيقع قبيل موته؛ للأسباب التالية: 1 - وجود خلاف عن الإمام مالك في رواية عنه أنها تطلق في الحال. 2 - وجود خلاف عن الإمام مالك في رواية عنه أنها لا تطلق إلا بعد رفع أمره إلى السلطان. 3 - وجود قول عند المالكية أنها لا تطلق إلا بعد انتهاء مدة الإيلاء. 4 - وجود رواية عن الإمام أحمد أن الطلاق يقع بعد موت الزوج. [59 - 234] إذا قال لامرأته: أنت طالق إن لم أطلقك اليوم، وقع الطلاق: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن لم أطلقك اليوم، فيقع الطلاق. وهذه المسألة تختلف عن التي قبلها؛ إذ لم يحدد في الأولى وقتًا، بل جعله مُطْلَقًا، وهنا حدده بيوم، فيقع في الوقت الذي حدده، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن قال لها: أنت طالق إن لم أطلقك اليوم، طلقت بغير خلاف" (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أن من قال لامرأته: أنتِ طالق إن لم أطلقك اليوم، فإن الطلاق يقع وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية في أحد الوجهين (¬7). • مستند نفي الخلاف: أن شرط الطلاق فوات اليوم، وإذا بقي من آخره ما يضيق ¬
[60 - 235] إذا قال لامرأته: أنت طالق ما لم أطلقك، أو متى لم أطلقك، وسكت، طلقت في الحال
عن لفظ الطلاق، فقد وجد الشرط، وذلك الزمان المتبقي من اليوم لا يضيق عن وقوع الطلاق، وإن ضاق عن لفظه، وجب أن يقع (¬1). • الخلاف في المسألة: ذهب الشافعية في الوجه الآخر، وهو ما رجحه الماوردي إلى أنه إذا مضى اليوم ولم يطلقها فلا يقع الطلاق (¬2). • أدلة هذا القول: 1 - أن مضي اليوم شرط في وقوع الطلاق في اليوم، ولا يوجد الشرط إلا بعد فوات المحل (¬3). 2 - أن الطلاق ضاق عن زمان لفظه، وزمان وقوعه مثلٌ له، فلما ضاق عن أحدهما ضاق عن الآخر (¬4).Rعدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف أن من قال لامرأته: أنتِ طالق إن لم أطلقك اليوم أن الطلاق يقع؛ لخلاف الشافعية في أحد الوجهين بعدم وقوع الطلاق. [60 - 235] إذا قال لامرأته: أنت طالق ما لم أطلقك، أو متى لم أطلقك، وسكت، طلقت في الحال: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق ما لم أطلقك، أو متى لم أطلقك؛ ثم سكت، فيقع عليها الطلاق في الحال، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - العيني (855 هـ) حيث قال: "ولو قال: أنت طالق ما لم أطلقك، أو متى لم أطلقك، أو متى ما لم أطلقك، وسكت، طلقت. . . باتفاق الفقهاء" (¬5). 2 - ابن الهمام (861 هـ) فذكره كما قال العيني (¬6). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره علماء الحنفية من الاتفاق على أن من قال لامرأته: أنت طالق ما لم أطلقك، أو متى لم أطلقك، وسكت؛ وقع الطلاق في الحال-وافق ¬
[61 - 236] لا كفارة في يمين الطلاق، ويلزم الطلاق إن حنث
عليه المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة، سواء اقترن طلاقه عند الحنابلة بـ "لم"، أو اقترن بنية، أو قرينة تدل على الفور، فإنه يقع على الفور، وإن تجرد عن "لم" (¬3). • مستند الاتفاق: أن "متى" ظرف زمان، وكذلك "ما" تكون مصدرية نائبة عن ظرف الزمان؛ قال تعالى قاصًّا لكلام عيسى -عليه السلام-: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] أي: مدة دوامي حيًّا، فصار المعنى: إضافة طلاقها إلى زمن خالٍ عن طلاقها، فلما سكت، وجد الزمان المضاف إليه، فيقع الطلاق (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنابلة إلى أن من قال لامرأته: أنت طالق ما لم أطلقك، أو متى لم أطلقك، فإنه يقع على التراخي إذا اقترن بنية، أو قرينة تدل على التراخي، وإن اقترن طلاقه بـ "لم" (¬5). • دليل هذا القول: إذا اقترن الطلاق بشيء من أدوات الشرط، نحو: متى، وما، وأي، وغير ذلك؛ اقتضى أنها طالق في مُطلَق الزمان، فيقع على التراخي، إلا أن تصاحبه قرينة، أو نية؛ فإن صاحبته قرينة تدل على الفور وقع على الفور، وإن صاحبته قرينة تدل على التراخي كان على التراخي (¬6).Rأولًا: صحة ما ذكر من الاتفاق على أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق ما لم أطلقك، أو متى لم أطلقك أنه يقع على الفور مطلقًا على قول الجمهور إذا اقترن بـ "لم"، أو صاحبته قرينة أو نية تدل على الفور على قول الحنابلة. ثانيًا: إذا خلا الطلاق في هذه المسألة عن قرينة أو نية تدل على الفور، فلا يقال بصحة الاتفاق فيه، لوجود خلاف عن الحنابلة أنه إذا صحبته قرينة أو نية تدل على التراخي، فيقع على التراخي، وإن اقترن بـ "لم". [61 - 236] لا كفارة في يمين الطلاق، ويلزم الطلاق إن حنث: إذا حلف رجل بالطلاق فحنث فيه، كأن يقول: امرأتي طالق إن فعلت كذا، فلم ¬
يفعل، فإن الطلاق يلزمه، ولا كفارة يمين عليه إذا لم يبر بيمينه؛ لأن كفارة اليمين لا تنفعه، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين علماء الأمة سلفهم وخلفهم أن الطلاق لا كفارة فيه، وأن اليمين بالطلاق كالطلاق على الصفة، وأنه لازم مع وجود الصفة" (¬1). 2 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "أن يقول: امرأتي طالق، أو أنت طالق، أو فلانة طالق، أو هي مطلقة، ونحو ذلك، فهذا يقع به الطلاق، ولا تنفع فيه الكفارة بإجماع المسلمين" (¬2). وقال أيضًا: "وهذا بخلاف إيقاع الطلاق؛ فإنه إذا وقع على الوجه الشرعي وقع باتفاق الأمة، ولم تكن فيه كفارة باتفاق الأمة، بل لا كفارة في الإيقاع مطلقًا، وإنما الكفارة خاصة في الحلف" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر، وابن تيمية من الإجماع على أن من حلف بالطلاق، فلم يوفِ بيمينه، أنه لا كفارة عليه، ويلزمه الطلاق -وافق عليه الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: أن الحالف بالطلاق أن لا يفعل فعلًا، أو أن يفعله إنما هو مطلق على صفة ما، فإذا وجدت الصفة التي علق بها طلاق امرأته لزمه ذلك (¬6). • الخلاف في المسألة: ذهب أشهب من المالكية (¬7)، وابن حزم (¬8) أنه لا يلزم باليمين بالطلاق شيء سواء بر أو حنث، فلا كفارة عليه، ولا يقع طلاقه. • دليل هذا القول: 1 - قال تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89]. قال ابن حزم: وجميع المخالفين لنا لا يختلفون في أن اليمين بالطلاق، والعتاق، والمشي إلى مكة، وصدقة المال، لا كفارة في حنثه في شيء منه إلا بالوفاء بالفعل، أو ¬
[62 - 237] إضافة الطلاق إلى الزوج لا يقع به طلاق بلا نية
الوفاء باليمين، فصح يقينًا أنه ليس شيء من ذلك يمينًا؛ إذ لا يمين إلا ما سماه اللَّه تعالى يمينًا (¬1). 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان حالفًا فلا يحلف إلا باللَّه" (¬2). • وجه الدلالة: بهذا الحديث يرتفع الإشكال أن كل حلف بغير اللَّه -عز وجل- يكون معصية، وليس يمينًا (¬3).Rأولًا: تحقق الإجماع على أنه لا كفارة في يمين الطلاق، سواء على قول الجمهور، أم على قول ابن حزم. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن من حلف بطلاق امرأته أنه يقع به الطلاق؛ لخلاف أشهب من المالكية، وابن حزم بعدم وقوعه. [62 - 237] إضافة الطلاق إلى الزوج لا يقع به طلاق بلا نية: إذا أضاف الزوج الطلاق إلى نفسه بقوله لامرأته: أنا منك طالق، فلا يقع به الطلاق من غير نية، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "فإن قال: أنا منك طالق، فقالت: أنت طالق، لم تطلق زوجته. . . ولا خلاف في أنه لا يقع به الطلاق من غير نية (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أن الرجل إذا قال لامرأته: أنا منكِ طالق، أن الطلاق لا يقع بغير نية -وافق عليه الشافعية (¬5). • مستند نفي الخلاف: أن قول الزوج: أنا منك طالق، لفظ كناية، لا يقع بغير نية، فإن نوى الطلاق وقع (¬6). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية إلى أن الطلاق لا يقع، على من قال ¬
لامرأته: أنا منك طالق، وإن نوى الطلاق (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - أن معنى الطلاق هو الإرسال، والإطلاق، فلا يقع الطلاق؛ لأن قيد الملك في جانب المرأة، وليس في جانب الرجل (¬2). 2 - أن للزوج أن يتزوج بغير امرأته، وليس لها أن تتزوج بغيره، فلا يتحقق الإرسال في جانبه (¬3). 3 - أن العبد لو قال لسيده: أنا حر منك، فلا يقع العتق، فكذلك الطلاق (¬4). ثانيًا: ذهب المالكية إلى أن من قال لامرأته: أنا منك طالق أن الطلاق يقع (¬5). • دليل هذا القول: أن هذا لفظ صريح في الطلاق، فإذا وقع هذا اللفظ، وقع الطلاق (¬6).Rما ذكر من نفي الخلاف على أن من قال لامرأته: أنا منك طالق، أن الطلاق لا يقع بغير نية غير صحيح؛ لما يأتي: 1 - خلاف الحنفية بعدم وقوعه سواء نوى الطلاق، أو لم ينوه. 2 - خلاف المالكية بوقوع الطلاق مطلقًا؛ لأنه لفظ صريح في الطلاق. ¬
الباب الثالث مسائل الإجماع في توابع النكاح ولوازمه
الباب الثالث مسائل الإجماع في توابع النكاح ولوازمه الفصل الأول: مسائل الإجماع في الرجعة [1 - 325] مشروعية الرجعة: شرع اللَّه -عز وجل- الرجعة (¬1) بين الزوجين عند الطلاق إذا لم يتجاوز الزوج طلقتين، ولم تنته عدة المرأة؛ ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة، وكانت مدخولًا بها، تطليقة أو تطليقتين، أنه أحق برجعتها حتى تنقضي العدة" (¬2). ونقله عنه ابن قدامة (¬3)، وابن قاسم (¬4). 2 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "الأصل في ثبوت الرجعة قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228]. . . ولا خلاف في ذلك" (¬5). 3 - الغزالي (505 هـ) حيث قال: "كل من طلق زوجته طلاقًا مستعقبًا للعدة، ولم ¬
يكن بعوض، ولم يستوف عدد الطلاق: ثبتت له الرجعة، . . . بإجماع الأمة" (¬1). 4 - العمراني (558 هـ) حيث قال: "وأجمعت الأمة على جواز الرجعة في العدة" (¬2). 5 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن للرجل أن يراجع المطلقة الرجعية" (¬3). 6 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "الرجعة مشروعة، عرفت شرعيتها بالكتاب، والسنة، والإجماع" (¬4). 7 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "كتاب الرجعة: وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع" (¬5). 8 - ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬6). 9 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في مشروعيتها لأحد؛ لثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع" (¬7). 10 - العيني (855 هـ) فذكره كما قال البابرتي (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على مشروعية الرجعة، وافقهم عليه ابن حزم الظاهري (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228]. يعني برجعتهن (¬10). 2 - وقال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]. • وجه الدلالة: أخبر -عز وجل- أن من طلق زوجته طلقتين فله الإمساك؛ وهو الرجعة، وله التسريح بالطلقة الثالثة (¬11). ¬
[2 - 326] المراد بقوله تعالى: {فأمسكوهن بمعروف} [البقرة: 231]: الرجعة
3 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طلق حفصة ثم راجعها (¬1).Rتحقق الإجماع على أن الرجعة تشرع ما لم يتجاوز الزوج طلقتين، ولم تنته عدة المرأة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [2 - 326] المراد بقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231]: الرجعة: نُقل الإجماع على أن المراد بقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231]: الرجعة. • من نقل الإجماع: العيني (855 هـ) حيث قال: "قال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] يعني: إذا بلغن منتهى عدتهن فأنتم بالخيار إن شئتم فالرجعة والإمساك من غير ضرار، وإن شئتم فالمفارقة من غير ضرار، . . . اللَّه تعالى سمى الرجعة إمساكًا؛ وذلك بإجماع أهل التفسير" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ذكر العيني من الحنفية أن المراد بالإمساك في قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] الرجعة، ونقل عليه إجماع أهل التفسير، وهو كما قال (¬3)، بل وافق فقهاء المذاهب الأخرى من المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7)، ما ذكره العيني. • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231]. 2 - وقال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]. ¬
[3 - 327] المراد بقوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن} [البقرة: 234]: مقاربة بلوغ انقضاء العدة
Rتحقق الإجماع على أن المراد بقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] الرجعة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [3 - 327] المراد بقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234]: مقاربة بلوغ انقضاء العدة: نُقل الإجماع على أن المراد بقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] مقاربة بلوغ انقضاء العدة، لا انقضاء الأجل حقيقة. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وهذا على ما فسر العلماء قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: 2] يريد بالبلوغ هنا مقاربة البلوغ لا انقضاء الأجل؛ لأن الأجل لو انقضى -وهو انقضاء العدة- لم يجز لهم إمساكهن، وهذا إجماع لا خلاف فيه" (¬1). 2 - ألكيا الهراسي (¬2) (504 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على أن المراد ببلوغ الأجل، مقاربة البلوغ" (¬3). 3 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "قوله تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 231] معنى: "بلغن" قاربن؛ بإجماع من العلماء" (¬4). • الموافقون على الإجماع: نقل ابن عبد البر والقرطبي من المالكية، والكيا الهراسي من الشافعية؛ الإجماع على أن المراد ببلوغ الأجل في قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] مقاربة انتهاء العدة لا انقضاء الأجل حقيقة، ووافقهم على هذا الإجماع الحنفية (¬5)، والحنابلة (¬6). ¬
[4 - 328] الإشهاد على الرجعة سنة
• مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231]. 2 - وقال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]. • الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم الجمهور في أن المراد بقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] أي: قاربن بلوغ نهاية العدة، فحمل النص على ظاهره؛ وقال: بل معناه بلوغ الأجل حقيقة (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - أن من أول العدة إلى آخرها وقت لرد الزوج زوجته إلى عصمته، ولإمساكه لها (¬2). 2 - لو كان الأمر على أن بلوغ الأجل مقاربة انتهائه، لم يكن للزوج الرجعة إلا قرب بلوغ أقصى العدة (¬3).Rعدم تحقق الإجماع على أن المراد ببلوغ الأجل في قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] قاربن بلوغ نهاية العدة؛ وذلك لوجود خلاف عن ابن حزم، يرى أن المراد نهاية الأجل حقيقة. [4 - 328] الإشهاد على الرجعة سنة: إذا راجع الرجل امرأته بعد الطلاق، فإنه يسن له أن يشهد على رجعتها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الرجعة تكون بالإشهاد" (¬4). وقال أيضًا: "ولم يختلف أهل العلم أن السنة في الرجعة أن تكون بالإشهاد" (¬5). ونقله عنه القرطبي (¬6)، والعيني (¬7). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن من أشهد عدلين -على الشروط التي ¬
ذكرناها في كتاب الشهادات- أن عليه مراجعتها، أنها رجعة صحيحة" (¬1). وقال أيضًا: "وأما طلاق الموطوءة واحدة، أو اثنتين؛ فللمطلق مراجعتها -أحبت أم كرهت- بلا صداق، ولا ولي، ولكن بإشهاد فقط، وهذا ما لا خلاف فيه" (¬2). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "بمَ تكون الرجعة؟ وهل لا بد فيها من الإشهاد؟ اتفقوا على أنها تكون بالقول والإشهاد" (¬3). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال في معرض حديثه عن الإشهاد في الرجعة: "ولا خلاف بين أهل العلم في أن السنة الإشهاد" (¬4). 5 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وكل من راجع في العدة، فإنه لا يلزمه شيء من أحكام النكاح؛ غير الإشهاد على المراجعة فقط، وهذا إجماع من العلماء" (¬5). 6 - ابن أبي عمر (682 هـ) حيث قال: "ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب الإشهاد" (¬6). 7 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "أمر بالإشهاد على الرجعة، والإشهاد عليها مأمور به باتفاق الأمة" (¬7). • الموافقون على الإجماع: المتأمل لمذاهب العلماء الذين حكوا الإجماع على الإشهاد عند الرجعة أنهم ينتمون لسائر المذاهب السنية؛ غير أنه لم يُصرِّح بأن الإشهاد على الرجعة سنة سوى العيني من الحنفية فيما نقله عن ابن المنذر، وابن المنذر من الشافعية، وابن قدامة، وابن أبي عمر من الحنابلة. وذكر ابن رشد، والقرطبي من المالكية، وابن تيمية من الحنابلة، وابن حزم الإشهاد، دون التصريح بحكمه: هل هو سنة أم واجب؟ والناظر في أقوال الفقهاء يجد أن من وافق حكاية الإجماع على أن الإشهاد سنة في الرجعة، هم: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، ¬
والإمام الشافعي في الجديد (¬1)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬2)، وهو قول ابن مسعود، وعمار بن ياسر -رضي اللَّه عنهما- (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] • وجه الدلالة: يحمل الأمر بالإشهاد على الرجعة على الاستحباب، بناءً على ما سيأتي من أدلة (¬4). 2 - قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- لما طلق عبد اللَّه بن عمر زوجته وهي حائض: "مُره فليراجعها" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لعمر بأن يراجع ابنه زوجته، ولم يأمره بالإشهاد؛ فدل على أنها غير واجبة (¬6). 3 - أن الرجعة لا تفتقر إلى قبول، فلم تفتقر إلى شهادة، كسائر حقوق الزوج (¬7). 4 - أن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد، والرجعة لا يشترط فيها الولى، فلا يشترط فيها الإشهاد (¬8). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام الشافعي في القديم (¬9)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬10)، وابن حزم (¬11)، إلى أن الإشهاد على الرجعة واجب، ولا تصح بدونه. • أدلة هذا القول: 1 - حملوا الأمر في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] على الوجوب (¬12). 2 - أن في الرجعة استباحة عضو مقصود، فوجبت الشهادة فيه؛ كالنكاح (¬13).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن الإشهاد على الرجعة سنة؛ وذلك ¬
[5 - 329] الرجعة لا تكون إلا في العدة
لوجود خلاف عن الإمام الشافعي في القديم، والإمام أحمد في رواية عنه، وابن حزم؛ الذين يرون وجوب الإشهاد، وأن الرجعة لا تصح بدونه. ثانيًا: يمكن الجمع بين أقوال الفقهاء في أن الإشهاد على الرجعة مأمور به، وأقل أحوال الأمر الاستحباب. [5 - 329] الرجعة لا تكون إلا في العدة: شرع اللَّه العدة استبراءً للرحم، ولعل حال الزوجين يصلح خلالها؛ فيرتجع الرجل امرأته، فإن انتهت عدة المرأة فلا تصح الرجعة عندئذٍ، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - المروزي (294 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن الرجل إذا أراد أن يطلق امرأته للسنة -وهي ممن تحيض- أنه إن أمهلها حتى تطهر من حيضها، ثم طلقها من قبل أن يجامعها -واحدة- ثم تركها حتى تنقضي عدتها، ولم يطلقها غير تلك التطليقة، أنه مصيب للسنة، وهو أملك برجعتها ما دامت في العدة، فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب" (¬1). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الرجعة إلى الرجل ما دامت في العدة، وإن كرهت المرأة" (¬2). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة، وكانت مدخولًا بها، تطليقة أو تطليقتين، أنه أحق برجعتها حتى تنقضي العدة" (¬3). ونقله عنه ابن قدامة (¬4)، وابن قاسم (¬5). 3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أنه إن أتمت العدة قبل أن يرتجعها، أنه ليس له ارتجاعها" (¬6). وقال أيضًا: "إن من أول العدة إلى آخرها وقت لرده إياها، ولإمساكه لها، ولا قول أصح من قول صححه الإجماع المتيقن" (¬7). 4 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "لأن الأجل لو انقضى -وهو انقضاء العدة- ¬
لم يجز لهم إمساكهن، وهذا إجماع لا خلاف فيه" (¬1). وقال أيضًا: "أجمعوا أنه لا سبيل له إليها بعد العدة" (¬2). 5 - ابن رشد الجد (520 هـ) حيث قال: "إجماعهم على أنها تبين من زوجها بانقضاء عدتها، ولا يكون له إليها سبيل" (¬3). 6 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "إن الزوج له الرجعة في العدة بلا خلاف" (¬4). 7 - العمراني (558 هـ) حيث قال: "وأجمعت الأمة على جواز الرجعة في العدة" (¬5). 8 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "وأجمع المسلمون على أن الزوج يملك رجعة الزوجة في الطلاق الرجعي، ما دامت في العدة" (¬6). 9 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق الحرة بعد دخوله بها أقل من ثلاث، بغير عوض، ولا أمر يقتضي بينونتها، فله عليها الرجعة ما كانت في عدتها، وعلى أنه لا رجعة له عليها بعد قضاء عدتها" (¬7). 10 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "فإن لم يراجعها المطلق حتى انقضت عدتها فهي أحق بنفسها، وتصير أجنبية منه؛ لا تحل له إلا بخطبة ونكاح مستأنف، بوليّ وإشهاد، ليس على سنة المراجعة، وهذا إجماع من العلماء" (¬8). 11 - ابن أبي عمر (682 هـ) حيث قال: "وأجمع أهل العلم على أن المرأة إذا طلقها زوجها فلم يرتجعها، حتى انقضت عدتها، أنها تبين منه" (¬9). 12 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "وإذا طلق الحر زوجته بعد الدخول أقل من ثلاث، فله عليها الرجعة، ما دامت في العدة، أجمع أهل العلم على هذا، . . . وأجمعوا أيضًا على أنه لا رجعة له إذا انقضت العدة" (¬10). 13 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد ¬
الدخول بها، تطليقة أو تطليقتين، فهو أحق برجعتها، ولو كرهت المرأة ذلك، فإن لم يراجع حتى انقضت العدة فتصير أجنبية، فلا تحل له إلا بنكاح مستأنف" (¬1). وقال أيضًا: "واتفقوا على أنها إذا انقضت عدتها فلا رجعة" (¬2). 14 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين، فله أن يراجعها في عدتها، . . . وهذا بإجماع أهل العلم" (¬3). 15 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "والمراد ببلوغ الأجل قرب انقضاء العدة؛ أي: فقرب انقضاء عدتهن، للإجماع على أن لا رجعة بعد الانقضاء" (¬4). 16 - ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: "وإن انقضت عدتها، ولم يرتجعها، بانت منه، ولم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه، بالإجماع" (¬5). 17 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "وقد أجمع العلماء على أن الزوج يملك رجعة زوجته في الطلاق الرجعي، ما دامت في العدة" (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: ذكر اللَّه -عز وجل- أن الزوج أحق برد امرأته إلى عصمته بعد الطلاق، وهذا حكم خاص فيمن كان طلاقها دون الثلاث، وكانت رجعتها في زمن عدتها (¬7). 2 - قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231]. • وجه الدلالة: أفادت الآية أن للزوج أن يرتجع زوجته ما لم تنقضِ عدتها (¬8).Rتحقق الإجماع على أن الرجعة لا تكون إلا في العدة، وأن من انتهت عدتها فليس لزوجها عليها رجعة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[6 - 330] صحة الرجعة بالقول
[6 - 330] صحة الرجعة بالقول: إذا قال الزوج لامرأته: قد راجعتك، أو قال لأجنبي: قد راجعت امرأتي؛ فإن الرجعة تصح، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "لا خلاف أنها تصح بالقول" (¬1). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "ولا خلاف أن الرجعة بالكلام رجعة" (¬2). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "فأما القول فتحصل به الرجعة، بغير خلاف" (¬3). 4 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في صحة الارتجاع بالقول" (¬4). 5 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "واتفقوا على الرجعة بالقول" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور من الاتفاق على أن الرجعة تصح بالقول، وافق عليه الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7). وهو قول جابر بن زيد، وأبي قلابة، والليث بن سعد (¬8). • مستند الاتفاق: قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231]. • وجه الدلالة: المعروف ما عرف به ما في نفس الممسك الرادّ، ولا يعرف ذلك إلا بالكلام، فإذا قال الزوج: قد راجعت امرأتي، فقد أمسك بالمعروف (¬9).Rصحة ما ذُكر من الاتفاق على أن الرجعة بالقول صحيحة؛ ولا مخالف في ذلك (¬10). ¬
[7 - 331] صحة الرجعة وإن كرهت المرأة
[7 - 331] صحة الرجعة وإن كرهت المرأة: لا يشترط رضى المرأة في صحة الرجعة، ما دامت الرجعة في العدة؛ لأنها ما زالت زوجة، فتصح مع كراهية المرأة ذلك، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الرجعة إلى الرجل ما دامت في العدة، وإن كرهت المرأة" (¬1). ونقله عنه العيني (¬2). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن من طلق امرأته -التي نكحها نكاحًا صحيحًا- طلاق سنة، وهي ممن يلزمها عدة من ذلك الطلاق، فطلقها مرة، أو مرة بعد مرة، فله مراجعتها، شاءت أو أبت" (¬3). 3 - علاء الدين السمرقندي (540 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أنه يملك المراجعة من غير رضى المرأة" (¬4). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "وأجمع المسلمون على أن الزوج يملك رجعة الزوجة في الطلاق الرجعي، ما دامت في العدة، من غير اعتبار رضاها" (¬5). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الرجعة إمساك للمرأة بحكم الزوجية، فلم يعتبر رضاها في ذلك، كالتي في صلب نكاحه، وأجمع أهل العلم على هذا" (¬6). 6 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة، وكانت مدخولًا بها، تطليقة أو تطليقتين، أنه أحق برجعتها، ما لم تنقضِ ¬
عدتها، وإن كرهت المرأة" (¬1). 7 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: "أن الزوجية قائمة، ولهذا يملك مراجعتها من غير رضاها، بالاتفاق" (¬2). 8 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها، تطليقة أو تطليقتين، فهو أحق برجعتها، ولو كرهت المرأة ذلك" (¬3). ونقله عنه الشوكاني (¬4). 9 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين، فله أن يراجعها في عدتها، رضيت بذلك أو لم ترضَ، وهذا بإجماع أهل العلم" (¬5). 10 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "الإجماع على أن الرجعة تثبت بلا رضاها" (¬6). 11 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "وقد أجمع العلماء على أن الزوج يملك رجعة زوجته في الطلاق الرجعي، ما دامت في العدة، من غير اعتبار رضاها" (¬7). 12 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "الرجعة لا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها، إجماعًا" (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: جعل اللَّه -عز وجل- الحق في الرجعة للزوج، ولو افتقرت الرجعة إلى رضى الزوجة؛ لكان الحق لهما (¬9). 2 - قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231]. • وجه الدلالة: خاطب اللَّه -عز وجل- الأزواج في هذه الآية بالإمساك، ولم يجعل للزوجات فيه ¬
[8 - 332] الرجعة تصح بلا علم المرأة
اختيار (¬1)، مما يدل على عدم اعتبار رضى المرأة. 3 - أن الرجعة إمساك للمرأة بحكم الزوجية، فلم يعتبر رضاها في ذلك، كالتي في صلب النكاح (¬2).Rتحقق الإجماع على أن الرجعة تصح، وإن كرهت المرأة، وأنه لا يشترط رضاها في ذلك؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [8 - 332] الرجعة تصح بلا علم المرأة: إذا أراد الزوج مراجعة امرأته؛ فإنه لا يشترط علمها بالرجعة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أجمعوا على أن الرجعة صحيحة، وإن لم تعلم بها المرأة" (¬3). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها، بإجماع أهل العلم" (¬4). 3 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "إجماع العلماء على أن الرجعة صحيحة، وإن لم تعلم بها المرأة" (¬5). 4 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "الرجعة لا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها، إجماعًا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أنه لا يشترط علم المرأة بالرجعة، وافق عليه الحنفية (¬7)، والشافعية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - الرجعية في أحكام الزوجات، والرجعة إمساك لها، واستبقاء لنكاحها، ولهذا سمى اللَّه -عز وجل- الرجعة إمساكًا، وتركها فراقًا وسراحًا؛ فقال: {فَإِذَا ¬
[9 - 333] الرجعة تصح بلا ولى
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] (¬1). 2 - تشعّث النكاح بالطلقة، وانعقد سبب زواله بها، فالرجعة تزيل شعثه، وتقطع مضيه إلى البينونة، فلم يحتج إلى ما يحتاج إليه ابتداء النكاح (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم الجمهور فرأى وجوب إعلام المرأة، أو أهلها بالرجعة قبل أن تتم عدتها (¬3). • دليل هذا القول: قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: إنما يكون الزوج أحق برد المرأة إن أراد الإصلاح، ومن كتمها الرد، أو ردها بحيث لا يبلغها، فلم يرد إصلاحًا بلا شك، بل أراد الإفساد، فليس ردًا ولا رجعة أصلًا (¬4). الرجعة هي الإمساك، ولا تكون إلا بمعروف، والمعروف هو إعلامها، وإعلام أهلها؛ فإن لم يعلمها، لم يمسك بمعروف، ولكن بمنكر؛ إذ منعها حقوق الزوجية: من النفقة، والكسوة، والإسكان فهو إمساك فاسد ما لم يعلمها، فحينئذٍ تكون الرجعة بمعروف (¬5).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن الرجعة تصح بلا علم المرأة؛ لخلاف ابن حزم في ذلك. ثانيًا: ما قيل من الإجماع يحمل على أنه قول المذاهب الأربعة. [9 - 333] الرجعة تصح بلا ولى: نُقل الإجماع على أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي، ولا يشترط رضاه في ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن من طلق امرأته -التي نكحها نكاحًا صحيحًا- طلاق سنة، وهي ممن يلزمها عدة من ذلك الطلاق، فطلقها مرة، أو مرة بعد مرة، فله مراجعتها، شاءت أو أبت، بلا ولي، ولا صداق، ما دامت في العدة" (¬6). وقال أيضًا: "وأما طلاق الموطوءة واحدة، أو اثنتين، فللمطلق ¬
مراجعتها -أحبت أم كرهت- بلا صداق، ولا ولي، ولكن بإشهاد فقط، وهذا ما لا خلاف فيه" (¬1). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها، بإجماع أهل العلم" (¬2). 4 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "لا يشترط في الرجعة ولي، ولا صداق، وهو إجماع والحمد للَّه" (¬3). 4 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: "وليس من شرط الرجعة الإشهاد، وكذا لا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها إجماعًا" (¬4). 5 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "وقد أجمع العلماء على أن الزوج يملك رجعة زوجته في الطلاق الرجعي، ما دامت في العدة، من غير اعتبار رضاها، ورضى وليها" (¬5). 6 - ابن قاسم (1392 هـ) فذكره بنحو ما قال البهوتي (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذُكر من الإجماع على أنه لا يعتبر رضى ولي المرأة في رجعتها، وأن الرجعة لا تفتقر إلى ولي، وافق عليه الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: جعل اللَّه -عز وجل- الحق في الرجعة للزوج، ولو افتقرت الرجعة لرضى الزوجة، أو لرضى وليها؛ لكان الحق مشتركا بين الزوج والزوجة والولي (¬10). ¬
[10 - 334] تعود الرجعية إلى زوجها في زمن العدة بلا مهر
2 - المطلقة طلاقًا رجعيًّا في حكم الزوجات، والرجعة إمساك لها، واستبقاء لنكاحها فلم يعتبر رضاها، أو رضى وليها، كالتي في صلب النكاح (¬1).Rتحقق الإجماع على أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي، ولا يشترط رضاه في ذلك؛ لعدم وجود مخالف. [10 - 334] تعود الرجعية إلى زوجها في زمن العدة بلا مهر: ليس من شرط الرجعة أن يقدم الزوج مهرًا في ذلك؛ بل له أن يرتجع امرأته في زمن العدة بلا مهر، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الرجعة بغير مهر، ولا عوض" (¬2). ونقله عنه العيني (¬3). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن من طلق امرأته -التي نكحها نكاحًا صحيحًا- طلاق سنة، وهي ممن يلزمها عدة من ذلك الطلاق، فطلقها مرة، أو مرة بعد مرة، فله مراجعتها، شاءت أو أبت، بلا ولي، ولا صداق، ما دامت في العدة" (¬4). وقال أيضًا: "وأما طلاق الموطوءة واحدة، أو اثنتين، فللمطلق مراجعتها -أحبت أم كرهت- بلا صداق، ولا ولي، ولكن بإشهاد فقط، وهذا ما لا خلاف فيه" (¬5). 3 - علاء الدين السمرقندي (540 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أنه يملك الرجعة من غير رضى المرأة، ومن غير مهر" (¬6). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها، بإجماع أهل العلم" (¬7). 5 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "لا يشترط في الرجعة ولي، ولا صداق، وهو إجماع" (¬8). ¬
[11 - 335] الرجعة تكون للمدخول بها
6 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: "وليس من شرط الرجعة الإشهاد، وكذا لا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها، إجماعًا" (¬1). 7 - ابن قاسم (1392 هـ) فذكره بنحو ما قال البهوتي (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الرجعية تعود إلى زوجها في زمن العدة بلا مهر، وافق عليه المالكية (¬3). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: جعل اللَّه -عز وجل- حق الرد إلى الأزواج، ولم يجعل للمرأة اختيارًا في الرجعة، وبما أن الرجعية ما زالت زوجة ما لم تنتهِ عدتها، فتعود إلى زوجها بحكم الزوجية، بلا مهر (¬4).Rتحقق الإجماع على أن الرجعية تعود إلى زوجها في زمن العدة بلا مهر؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [11 - 335] الرجعة تكون للمدخول بها: إذا أراد الرجل ارتجاع امرأته، فإن كان قد دخل بها، فتجوز له الرجعة في زمن العدة، وإن كان لم يدخل بها فليس له عليها رجعة؛ لأنه لا عدة له عليها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "لا عدة على المطلقة قبل أن تمس، وإن المسيس هو الإصابة، ولم أعلم في هذا خلافًا" (¬5). 2 - المروزي (294 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن الرجل إن طلق امرأته تطليقة، ولم يدخل بها، أنها قد بانت منه، وليس له عليها رجعة، وليس عليها عدة" (¬6). 3 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن له الرجعة في المدخول بها، ¬
ما لم تنقضِ العدة، فإذا انقضت العدة فهو خاطب من الخطاب" (¬1). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أنه من طلق زوجته، ولم يدخل بها -طلقة- أنها قد بانت منه، ولا تحل له إلا بنكاح جديد، ولا عدة عليها" (¬2). 4 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أنه إن أتمت العدة قبل أن يرتجعها، أنه ليس له ارتجاعها، إلا برضاها (¬3) " (¬4). وقال أيضًا: "واتفقوا أن التي لا عدة عليها لا رجعة له عليها إلا على حكم ابتداء النكاح الأول" (¬5). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن غير المدخول بها تَبينُ بطلقة واحدة، ولا يستحق مطلقها رجعتها" (¬6). 6 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "وقد أجمع العلماء على أن الزوج يملك رجعة زوجته في الطلاق الرجعي، ما دامت في العدة، من غير اعتبار رضاها، ورضى وليها، إذا كان الطلاق بعد المسيس" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الرجعة تكون للمدخول بها، وافق عليه الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9). • مستند الإجماع: قال تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أنه لا عدة على المرأة قبل الدخول، فتبين بمجرد طلاقها، وتصير كالمدخول بها بعد انقضاء عدتها، لا رجعة عليها، ولا نفقة لها، فلا رجعة إلا في العدة، والرجعة إنما تكون في العدة، ولا عدة إلا للمدخول بها (¬10).Rتحقق الإجماع على أنه لا رجعة إلا للمدخول بها، وأن غير المدخول بها لا رجعة لها؛ لأن الرجعة إنما تجوز في العدة، ولا عدة على غير المدخول بها، ¬
[12 - 336] المطلقة الرجعية لا تعود بعد العدة إلا بعقد جديد
وذلك لعدم وجود مخالف. [12 - 336] المطلقة الرجعية لا تعود بعد العدة إلا بعقد جديد: إذا طلق الرجل امرأته طلاقًا غير بائن، فله رجعتها، فإن انتهت العدة ولم يرتجعها؛ ثم أراد أن يعود إليها، فلا يعود إليها إلا بعقد جديد بشروطه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - المروزي (294 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن الرجل إذا أراد أن يطلق امرأته للسُّنة -وهي ممن تحيض- أنه إن أمهلها حتى تطهر من حيضها، ثم طلقها من قبل أن يجامعها -واحدة- ثم تركها حتى تنقضي عدتها، ولم يطلقها غير تلك التطليقة، أنه مصيب للسنة، وهو أملك برجعتها ما دامت في العدة، فإذا انقضت عدتها؛ فهو خاطب من الخطّاب" (¬1). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن له الرجعة في المدخول بها، ما لم تنقضِ العدة، فإذا انقضت العدة فهو خاطب من الخطاب" (¬2). 3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أنه إن أتمت العدة قبل أن يرتجعها، أنه ليس له ارتجاعها، إلا برضاها -إن كانت ممن لها رضى- على حكم ابتداء النكاح" (¬3). 4 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة، وكانت مدخولًا بها -تطليقة، أو تطليقتين- أنه أحق برجعتها ما لم تنقضِ عدتها؛ وإن كرهت المرأة، فإن لم يراجعها المطلق حتى انقضت عدتها، فهي أحق بنفسها، وتصير أجنبية منه؛ لا تحل له إلا بخطبة، ونكاح مستأنف، بولي وإشهاد، ليس على سنة المراجعة، وهذا إجماع من العلماء" (¬4). 5 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها -تطليقة أو تطليقتين- فهو أحق برجعتها، ولو كرهت المرأة ذلك، فإن لم يراجع حتى انقضت العدة فتصير أجنبية، فلا تحل له إلا بنكاح مستأنف" (¬5). ونقله عنه ¬
[13 - 337] تنقطع الرجعة بالاغتسال من الحيضة الثالثة
الشوكاني (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المطلقة الرجعية لا تعود بعد العدة إلا بعقد جديد، وافق عليه الحنفية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: جعل اللَّه -عز وجل- الرجعة للرجل على امرأته ما دامت في العدة، فإذا انتهت العدة فلا رجعة له عليها؛ لأن اللَّه -عز وجل- يقول: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234] (¬4).Rتحقق الإجماع على أن الرجعية إذا انتهت عدتها؛ فلا تعود لزوجها إلا بعقد جديد؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [13 - 337] تنقطع الرجعة بالاغتسال من الحيضة الثالثة: جعل اللَّه -عز وجل- عدة المطلقة ثلاثة قروء في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. فإذا انتهت الأقراء الثلاثة فقد انتهت العدة، ومن ثم إذا اغتسلت المطلقة الرجعية من حيضتها الثالثة فقد انتهت عدتها، وبذلك تنتهي رجعتها؛ ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الطحاوي (321 هـ) حيث قال: "فأجمع عمر، وعبد اللَّه (¬5) على أنه أحق بها، ما لم تحل لها الصلاة" (¬6). 2 - الجوهري (350 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن المطلقة إذا خرجت من الحيضة الثالثة، واغتسلت منها، حلّت للأزواج" (¬7). 3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن المطلقة، وهي ممن تحيض، وعدتها الإقراء، أنها إذا أكملت من حين وجوب العدة عليها ثلاثة أطهار تامة، وثلاث حيض تامة، ثم اغتسلت من الحيضة بعد انقطاعها ورؤية الطهر منها، . . . أنها قد انقضت عدتها، وحلت للأزواج، . . . وانقطعت رجعة المطلق، وصارا كالأجنبيين" (¬8). ¬
4 - علاء الدين السمرقندي (540 هـ) حيث قال: "فإن اغتسلت فلا تصح الرجعة، وتحل للأزواج. وإن كان قبل الاغتسال؛ فلا تحل لأزواج، وتصح الرجعة؛ لأن مدة الاغتسال من الحيض؛ بإجماع الصحابة" (¬1). 5 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وأما إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-: فإنه روى علقمة، عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه قال: كنت عند عمر -رضي اللَّه عنه- فجاء رجل وامرأة، فقال الرجل: زوجتي طلقتها وراجعتها، فقالت: ما يمنعني ما صنع أن أقول وما كان: إنه طلقني، وتركني حتى حضت الحيضة الثالثة، وانقطع الدم، وغلقت بابي، ووضعت غسلي، وخلعت ثيابي، فطرق الباب؛ فقال: قد راجعتك. فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: قل فيها يا ابن أم عبد، فقلت: أرى أن الرجعة قد صحت ما لم تحل لها الصلاة، فقال عمر: لو قلت غير هذا لم أره صوابًا. . . فاتفقت الصحابة -رضي اللَّه عنهم- يقولون: على اعتبار الغسل" (¬2). 6 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إذا انقطع حيض المرأة في المرة الثالثة، ولمّا تغتسل، . . . لا تنقضي عدتها حتى تغتسل، . . . فإذا اغتسلت أبيحت للأزواج، . . . روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي موسى, وعبادة، وأبي الدرداء، . . . وهذا قول من سمينا من الصحابة، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم؛ فيكون إجماعًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الرجعة تنقطع بالاغتسال من الحيضة الثالثة، وافق عليه الشافعية في أحد القولين (¬4). وقال به أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء -رضي اللَّه عنهم-، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، والضحاك (¬5)، والسدي، ¬
وعكرمة، والثوري، وأبو عبيد (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]. • وجه الدلالة: منع الزوج من الوطء قبل الغسل، كما منع منه حال الحيض، فوجب أن يمنع الغسل ما منعه الحيض؛ وهو النكاح (¬2). 2 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. هذا نص في وجوب استيفاء ثلاثة أقراء، أي: حيضات (¬3). 3 - عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه قال: كنت عند عمر -رضي اللَّه عنه- فجاء رجل وامرأة، فقال الرجل: زوجتي طلقتها وراجعتها، فقالت: ما يمنعني ما صنع أن أقول، وما كان إنه طلقني، وتركني حتى حضت الحيضة الثالثة، وانقطع الدم، وغلقت بابي، ووضعت غسلي، وخلعت ثيابي، فطرق الباب؛ فقال: قد راجعتك. فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: قل فيها يا ابن أم عبد، فقلت: أرى أن الرجعة قد صحت ما لم تحل لها الصلاة، فقال عمر: لو قلت غير هذا لم أره صوابًا (¬4). • الخلاف في المسألة: أولًا: فرّق الحنفية بين من كانت أيام حيضها عشرة أيام، وبين من كانت أيام حيضها أقل من ذلك؛ فقالوا: إن كانت أيام حيضها عشرة؛ فإن عادتها تنتهي بانقضاء الحيضة الثالثة، فلا تصح الرجعة؛ وإن لم تغتسل. وإن كانت أيام حيضها أقل من عشرة أيام؛ فتصح الرجعة ما لم تغتسل، فإن وجدت الماء ولم تغتسل ولم تتيمم لكي تصلي، ولم يخرج وقت أدنى الصلوات إليها؛ فتصح الرجعة (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - أن المرأة لا تزيد على عشرة أيام في عدتها، فإذا حاضت عشرة أيام تيقنّا انتهاء العدة، فلا رجعة بعد انتهاء العدة وإن لم تغتسل (¬6). 2 - إذا كان حيض المرأة أقل من عشرة أيام فهناك احتمال أن يعاودها الدم، فلا بد ¬
أن يقترن الانقضاء بحقيقة الغسل، أو بلزوم حكم من أحكام الطاهرات بمضي وقت الصلاة (¬1). ثانيًا: ذهب المالكية (¬2)، والشافعية في الصحيح من القولين (¬3)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬4)، وابن حزم (¬5)، إلى أن المرأة إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة؛ خرجت من العصمة، قبل أن تغتسل، فلا يحل لزوجها رجعتها. وهو قول عائشة، وزيد بن ثابت، وابن عمر -رضي اللَّه عنهما- (¬6). وهو مذهب الفقهاء السبعة، والزهري، وطاوس، والأوزاعي، وسعيد بن جبير (¬7)، وأبي ثور، وداود (¬8). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: أوجب اللَّه -عز وجل- التربص بالأقراء عُقيب الطلاق المباح، والطلاق المباح لا يكون إلا في انقطاع دم الحيض (¬9). وهذه المرأة قد كملت عندها القروء بانقطاع الحيض، فيجب عليها الغسل؛ لفعل الصلاة والصيام (¬10). 2 - بما أن أحكام الإرث، والطلاق، واللعان، والنفقة، تنقطع بانقطاع الدم من الحيضة الثالثة؛ وجب أن ينقطع حكم الرجعة (¬11).Rعدم تحقق الإجماع المحكي عن بعض الصحابة؛ بحجة عدم وجود ¬
[14 - 338] الرجعية زوجة يلحقها الطلاق، والظهار، والإيلاء، واللعان
مخالف؛ لما يلي: أن هذا الإجماع غير صحيح؛ لوجود خلاف عن عائشة، وابن عمر، وزيد بن ثابت، يعتبر أن دخول المرأة في الحيضة الثالثة يمنع من رجعتها لزوجها، فتصبح أجنبية منه. وما ذكره ابن حزم من الاتفاق ما هو إلا توفيق بين الآراء في المسألة، فإنه ذكر الغسل بعد ثلاثة أطهار، وبعد ثلاث حيض. والفقهاء الذين يرون انقطاع الرجعة بالدخول في الحيضة الثالثة، فمن باب أولى أن يقولوا: إنها إذا اغتسلت بعد تمام الحيضة الثالثة لا تحل لزوجها، وتصبح أجنبية منه. [14 - 338] الرجعية زوجة يلحقها الطلاق، والظهار، والإيلاء، واللعان: نُقل الإجماع على أن المطلقة طلاقًا رجعيًّا يلحقها في عدتها طلاق زوجها، وظهاره، وإيلاؤه، ولعانه. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "لم أعلم مخالفًا من أهل العلم في أن المطلقة التي يملك زوجها رجعتها، في معاني الأزواج، في أن عليه نفقتها وسكناها، وأن طلاقه، وإيلاءه، وظهاره، ولعانه يقع عليها" (¬1). 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "والرجعية زوجة يلحقها طلاقه، وظهاره، وإيلاؤه، ولعانه، ويرث أحدهما صاحبه، بالإجماع" (¬2). 2 - ابن مفلح (884 هـ) فذكره، بنحو ما قال ابن قدامة (¬3). 3 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: "والرجعية زوجة يلحقها الطلاق، والظهار، واللعان، والإيلاء، وابتداء المدة، التي تضرب للمولي، وهي الأربعة أشهر من حين اليمين -لا من الرجعة- ويرث كل منهما صاحبه إن مات بالإجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الإمام الشافعي، وعلماء الحنابلة من الإجماع على أن الرجعية زوجة يلحقها الطلاق، والظهار، والإيلاء، واللعان؛ وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، وابن حزم الظاهري (¬7). ¬
[15 - 339] إذا أسقطت الرجعية سقطا فقد انتهت عدتها، فلا رجعة عليها
• مستند الإجماع: قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: سمى اللَّه -عز وجل- الزوج بعلًا لها؛ وهذا يعني: أن الزوجية لم تنقطع بالطلاق ما دام رجعيًّا، وما دامت في العدة، فعلى هذا يلحقها في عدتها من زوجها، من طلاق، وظهار، وإيلاء، ولعان ما يلحقها فيما لو كانت في عصمته (¬1).Rتحقق الإجماع على أن الرجعية زوجة؛ يلحقها طلاق زوجها، وظهاره، وإيلاؤه، ولعانه؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [15 - 339] إذا أسقطت الرجعية سقطًا فقد انتهت عدتها، فلا رجعة عليها: إذا طلق الرجل امرأته وهي حامل، فإن عدتها تنتهي بوضع حملها، فلو أسقطت سقطًا قبل تمام الحمل، فقد انتهت عدتها، فلا رجعة لزوجها عليها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن عدة المرأة تنقضي بالسقط تسقطه، إذا علم أنه ولد" (¬2). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن المرأة إذا قالت في عشرة أيام: قد حضت ثلاث حيض، وانقضت عدتي، أنها لا تصدق، ولا يقبل قولها؛ إلا أن تقول: قد أسقطت سقطًا قد استبان خلقه" (¬3). ونقله عنه القرطبي (¬4). 2 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "وإذا أسقطت تام الخلق أو ناقص الخلق؛ بطل حق الرجعة؛ لانقضاء العدة، اتفاقًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المرأة إذا أسقطت سقطًا، فلا رجعة عليها؛ لانتهاء عدتها، وافق عليه الحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ ¬
[16 - 340] الرجعية تعود إلى زوجها بما بقي عليها من طلاق
أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} [الطلاق: 4]. • وجه الدلالة: بين اللَّه -عز وجل- أن الحامل المطلقة تنتهي عدتها بوضع الحمل، وهذه التي أسقطت حملها تبين بذلك براءة رحمها (¬1).Rتحقق الإجماع على أن المرأة إذا أسقطت سقطًا في حملها الذي طلقت فيه، أنه لا رجعة عليها؛ لانقضاء عدتها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [16 - 340] الرجعية تعود إلى زوجها بما بقي عليها من طلاق: إذا طلق الرجل امرأته، ثم راجعها، فإن طلقها واحدة، رجعت إليه ويبقي عليها طلقتان، وإن طلقها اثنتين؛ رجعت إليه ويبقى عليها طلقة واحدة، بالإجماع. • من نقل الإجماع: 1 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "إذا طلقها دون الثلاث، ثم عادت إليه قبل أن تتزوج، فإنها تعود على ما بقي من الطلاق، بلا خلاف" (¬2). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "ما يستبيحه المطلق بالرجعة من غير عقد، وهو ما دون الثلاث في المدخول بها، فيستبيحها الزوج بأن يراجعها في العدة، . . فإن نكحها قبل زوج، أو بعد زوج لم يصبها حتى طلقها، فإذا تزوجها الأول كانت معه على ما بقي من الطلاق إجماعًا" (¬3). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أن يطلقها دون الثلاث، ثم تعود إليه برجعة، أو نكاح جديد قبل زوج ثانٍ، فهذه ترجع إليه على ما بقي من طلاقها، بغير خلاف نعلمه" (¬4). وقال أيضًا: "وترجع إليه بطلقتين، وإن طلقها اثنتين، ثم تزوجها رجعت إليه بطلقة واحدة، بغير خلاف بين أهل العلم" (¬5). 4 - ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬6). 5 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "ولو طلق دون ثلاث، وراجع من طلقها، أو ¬
[17 - 341] المطلقة ثلاثا لا تحل لزوجها الأول إلا بعد أن تنكح زوجا غيره
جدد نكاحها. . . عادت ببقية الثلاث، أما إذا لم يكن بعد زوج فبالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الرجعية تعود إلى زوجها بما بقي عليها من طلاق، وافق عليه الحنفية (¬2)، وابن حزم الظاهري (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228]. 2 - وقال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] • وجه الدلالة: الرجعية ما زالت زوجة ما لم تنتهِ عدتها، فإذا عادت لزوجها في عدتها فإنها ترجع بما بقي عليها من طلاق، فإن الزوج لو طلقها وهي في العدة، أو ظاهر منها، للحقها طلاقه، وظهاره؛ فترجع بما بقي عليها من طلاق (¬4).Rتحقق الإجماع على أن الرجعية تعود إلى زوجها بما بقي عليها من الطلاق؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [17 - 341] المطلقة ثلاثًا لا تحل لزوجها الأول إلا بعد أن تنكح زوجًا غيره: سبق بحث هذه المسألة. [18 - 342] إذا مات أحد الزوجين في العدة فإنهما يتوارثان: سبق بحث هذه المسألة. [19 - 343] وجوب النفقة والسكنى للرجعية: إذا طلق الرجل امرأته طلاقًا رجعيًّا، فإنها لا تزال زوجته ما دامت في عدتها، له الحق في رجعتها، فتلزمه نفقتها وسكناها ما دامت في العدة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "لم أعلم مخالفًا من أهل العلم في أن المطلقة التي يملك زوجها رجعتها، في معاني الأزواج، في أن عليه نفقتها ¬
وسكناها" (¬1). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن للمطلقة التي يملك زوجها الرجعة؛ السكنى، والنفقة" (¬2). وقال أيضًا: "أجمع كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار على أن للمطلقة التي يملك زوجها رجعتها السكنى والنفقة؛ إذ أحكامها أحكام الأزواج في عامة أمورها" (¬3). 3 - الجصاص (370 هـ) حيث قال: "ولا خلاف نعلمه بين أهل العلم في أن على الزوج إسكانها ونفقتها في الطلاق الرجعي" (¬4). 4 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أما الرجعية: فلها السكنى والنفقة إلى انقضاء العدة، حاملًا كانت أو حائلًا، وهذا إجماع" (¬5). 5 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن للمعتدة من طلاق رجعي السكنى والنفقة" (¬6). 6 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "إن اللواتي لأزواجهن عليهن الرجعة؛ لا خلاف بين علماء الأمة في أن النفقة لهن، وسائر المؤنة على أزواجهن، حوامل كن أو غير حوامل؛ لأنهن في حكم الزوجات في النفقة، والسكنى، والميراث ما كنّ في العدة" (¬7). 7 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين أهل العلم في المعتدة الرجعية، أنها تستحق النفقة والسكنى على زوجها" (¬8). 8 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "فإن كان الطلاق رجعيًّا فلها النفقة والسكنى بلا خلاف" (¬9). 9 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن للمعتدة الرجعية النفقة والسكنى" (¬10). ¬
10 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وأما الرجعية فلها السكنى والنفقة؛ للآية، والخبر، والإجماع" (¬1). 11 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأما البائن الحامل؛ فيجب لها السكنى والنفقة، وأما الرجعية فتجبان لها بالإجماع" (¬2). 12 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "أما المطلقة طلاقًا رجعيًّا فلها السكنى والنفقة اتفاقًا" (¬3). 13 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "عدة الرجعية لأجل الزوج؛ وللمرأة فيها النفقة والسكنى باتفاق المسلمين" (¬4). 14 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "أما إن كان رجعيًّا فلها النفقة والسكنى بلا نزاع" (¬5). 15 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "الإجماع في الرجعية على أنها تجب لها النفقة" (¬6). 16 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "الإجماع على وجوب نفقة الرجعية مطلقًا" (¬7). وقال أيضًا: "وجوب النفقة والسكنى على الزوج للمطلقة رجعيًّا، وهو أمر مجمع عليه" (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6]. • وجه الدلالة: أمر اللَّه -عز وجل- بإسكان الزوجة المطلقة في منزل حتى تنتهي عدتها، والمطلقة الرجعية زوجة، فالسكن والنفقة لازمة على الزوج حاملًا كانت الرجعية أم لا (¬9). 2 - عن فاطمة بنت قيس -رضي اللَّه عنها- قالت: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: إن زوجي فلانًا أرسل إلىّ بطلاقي، وإني سألت أهله النفقة والسكنى فأبوا عليّ، قالوا: يا رسول اللَّه، إنه ¬
[20 - 344] لا حد على الزوج في وطئه لزوجته الرجعية
أرسل إليها بثلاث تطليقات، قالت: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة، فإذا لم تكن له عليها رجعة؛ فلا نفقة ولا سكنى" (¬1). 3 - أن ملك النكاح قائم، فكان الحال بعد الطلاق كالحال قبله (¬2). 4 - أنها زوجة يلحقها طلاق زوجها، وهي في العدة، وظهاره، وإيلاؤه، فوجبت لها النفقة والسكنى (¬3).Rتحقق الإجماع على وجوب النفقة والسكنى للمطلقة طلاقًا رجعيًّا، وذلك لعدم وجود مخالف. [20 - 344] لا حد على الزوج في وطئه لزوجته الرجعية: إذا وطئ رجل امرأته المطلقة دون الثلاث، وهي في عدتها من ذلك الطلاق، فلا حد عليه، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في أنه لا حد عليه بالوطء، ولا ينبغي أن يلزمه مهر، سواء راجع أم لم يراجع" (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في عدم وجوب الحد على الزوج في وطئه لزوجته الرجعية، وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن الرجعية زوجة، يرث أحدهما صاحبه إن مات الآخر في العدة (¬9). 2 - أنه وطئ زوجته التى يلحقها طلاقه، وظهاره، وإيلاؤه، فلا حد عليه بوطئها (¬10). ¬
[21 - 345] للعبد أن يراجع امرأته بعد الطلقة الأولى
Rما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في عدم وجوب الحد على من وطئ زوجته الرجعية صحيح؛ وذلك لعدم وجود مخالف (¬1). [21 - 345] للعبد أن يراجع امرأته بعد الطلقة الأولى: يملك الحر ثلاث تطليقات، فله أن يراجع امرأته بعد الطلقة الأولى، أو الثانية، وأما العبد فيملك طلقتين، فله أن يراجع امرأته بعد الطلقة الأولى، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن العبد إذا طلق زوجته الحرة مختارًا لذلك، وطلقها أيضًا عليه سيده مختارًا لذلك، طلقة واحدة، وكان قد وطئها، . . . أن له أن يراجعها" (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على أن للعبد رجعة امرأته بعد الطلقة الواحدة، إذا وجدت شروطها (¬3) " (¬4). ¬
[22 - 346] إذا تزوج المملوك المطلقة ثلاثا أحلها لزوجها الأول
3 - ابن أبي عمر (682 هـ) حيث قال: "إذا طلق امرأته بعد دخوله بها أقل من ثلاث، أو العبد واحدة بغير عوض، . . . فله رجعتها ما دامت في العدة، أجمع على ذلك أهل العلم" (¬1). 4 - ابن مفلح (884 هـ) فذكره كما قال ابن أبي عمر (¬2). 5 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: "أو طلق العبد واحدة. . . له مراجعتها ما دامت في العدة؛ للإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنابلة، وابن حزم من الإجماع على أن للعبد أن يراجع امرأته بعد الطلقة الأولى، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: قال تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: جعل اللَّه -عز وجل- حق الرجعة للبعل، وهو كل زوج، وهذا عام في كل زوج حرًا كان أو مملوكًا (¬7).Rتحقق الإجماع على أن للعبد أن يراجع امرأته بعد الطلقة الأولى؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [22 - 346] إذا تزوج المملوك المطلقة ثلاثًا أحلها لزوجها الأول: يحرم على الزوج أن ينكح زوجته المطلقة ثلاثًا إلا بعد زوج، فإذا تزوجت وطلقت من زوجها الثاني، فلزوجها الأول أن ينكحها، والمملوك يحلها لزوجها الأول كالحر تمامًا، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "فإن تزوجها مملوك، ووطئها، أحلها. وبذلك قال عطاء، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم ¬
[23 - 347] إذا راجع امرأته ثم دخل بها، ثم طلقها، لزمها عدة جديدة
لهم مخالفًا" (¬1). 2 - ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء الحنابلة من أنه لا خلاف في أن المملوك يحل المرأة المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول، وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند نفي الخلاف: قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. • وجه الدلالة: أن العبد يدخل في عموم النص، فإذا نكح مطلَّقة، فإنه يحلها لزوجها الأول كالحر (¬7).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن المملوك يحل المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول. [23 - 347] إذا راجع امرأته ثم دخل بها، ثم طلقها، لزمها عدة جديدة: اتفق الفقهاء على أن الرجل إذا راجع امرأته، ثم أصابها في رجعتها تلك، ثم طلقها أنها تستأنف العدة من جديد. • من نقل الاتفاق: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "المعتدة من طلاق رجعي إذا راجعها زوجها ثم طلقها؛ لم يخل الطلاق الثاني من أن يكون بعد الوطء، أو قبله، فإن كان بعد أن وطئها في رجعته، فقد بطل بالوطء ما تقدم من العدة، وعليه إذا طلق أن يستأنف العدة من الطلاق الثاني، وهذا متفق عليه" (¬8). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "فإن راجعها ثم دخل بها، ثم طلقها، فإنها تستأنف عدة بغير اختلاف بين أهل العلم" (¬9). ¬
[24 - 348] إذا خالع امرأته، أو فسخ نكاحها، ثم دخل بها، ثم طلقها، فعليها العدة
3 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وإن راجعها، ثم طلقها بعد دخوله بها؛ استأنفت العدة بلا نزاع" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكر الماوردي من الشافعية، وعلماء الحنابلة من الاتفاق على أن المطلقة طلاقًا رجعيًّا إن راجعها زوجها، وأصابها في رجعتها تلك، ثم طلقها أنها تستأنف العدة، وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الاتفاق: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أن كل مطلقة يلزمها أن تعتد، وهذه مطلقة بعد رجعة وقع فيها الدخول، فيلزمها أن تعتد. 2 - أن الواطئ بعد الرجعة، كالناكح ابتداءً إذا وطئ، فتلزمها العدة (¬5).Rما نُقل من اتفاق الفقهاء على أن الرجعية إن وطئها زوجها في رجعته لها، ثم طلقها، فإنه يلزمها عدة جديدة، اتفاق صحيح؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [24 - 348] إذا خالع امرأته، أو فسخ نكاحها، ثم دخل بها، ثم طلقها، فعليها العدة: إذا فسخ رجل نكاح امرأته، أو خالعها، ثم عاد إليها بعد ذلك، ثم طلقها بعد أن دخل بها، فيلزمها أن تعتد، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن خالع زوجته، أو فسخ النكاح، ثم نكحها في عدتها، ثم طلقها، فإن كان دخل بها، فعليها العدة بلا خلاف" (¬6). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في أن الرجل إذا خالع امرأته، أو فسخ النكاح، ثم نكحها مرة أخرى, فدخل بها، ثم طلقها أن عليها العدة وافق عليه الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
[25 - 349] إذا تزوج رجل الرجعية، وكانت تعلم هي أو زوجها الثانى أن زوجها الأول راجعها، فالنكاح باطل، وحكمه حكم الزنى
والشافعية (¬1)، وابن حزم الظاهري (¬2). • مستند نفي الخلاف: قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أن كل مطلقة يلزمها أن تعتد، وهذه مطلقة بعد دخول، فيلزمها أن تعتد (¬3).Rصحة ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في أن من فُسخ نكاحها، أو خالعها زوجها، ثم طلقها بعد أن دخل بها أن عليها العدة. [25 - 349] إذا تزوج رجل الرجعية، وكانت تعلم هي أو زوجها الثانى أن زوجها الأول راجعها، فالنكاح باطل، وحكمه حكم الزنى: إذا تزوجت الرجعية من آخر غير زوجها، وكانت تعلم هي بالرجعة، أو كان يعلم زوجها الثاني بها، فالنكاح باطل، وحكمه حكم الزنى، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أجمعوا على أن الأول أحق بها قبل أن تتزوج، وإذا كانت الرجعة صحيحة، كان زواج الثاني فاسدًا" (¬4). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وأما إن تزوجها مع علمها بالرجعة، أو علم أحدهما، فالنكاح باطل بغير خلاف، والوطء محرم على من علم منهما، وحكمه حكم الزاني في الحد وغيره" (¬5). 3 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "الفرج محرّم على اثنين في حال واحدة، بإجماع من المسلمين" (¬6). 4 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "أما إذا دخل بها عالمًا؛ فإجماع أنه زنى، وأنها للأول" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن من تزوج رجعية، كانت تعلم هي، أو زوجها الثاني، أن زوجها قد راجعها، فإن النكاح باطل، وحكمه ¬
[26 - 350] إذا قال الزوج: قد راجعتك، فسكتت المرأة مدة، ثم قالت: قد انقضت عدتي؛ فالرجعة صحيحة
حكم الزنى في حق من يعلم منهما، وافق عليه الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، وابن حزم الظاهري (¬3). • مستند الإجماع: 1 - عن سمرة بن جندب -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أيما امرأة زوجها وليان؛ فهي للأول منهما، ومن باع بيعًا من رجلين؛ فهو للأول منهما". • وجه الدلالة: إذا عقد للمرأة وليان، وعُلم الأول منهما، فهي له، وعقْد الثاني باطل، وكذلك إن راجعها زوجها الأول، وعلمت، أو علم زوجها الثاني، فالنكاح باطل. 2 - أن نكاح الغير لا تأثير له في إبطال الرجعة، لا قبل الدخول ولا بعده. 3 - أن الزوج الثاني وطئ امرأة غيره مع علمه، فيبطل نكاحه، وعليه حد الزنى. • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن من تزوج رجعية، كانت تعلم هي، أو زوجها الثاني، أن زوجها قد راجعها، فإن النكاح باطل، وحكمه حكم الزنى في حق من يعلم منهما، وافق عليه الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم الظاهري (¬6).Rتحقق الإجماع على أن من تزوج رجعية بعد رجعة زوجها الأول لها، وكانت المرأة تعلم بالرجعة، أو علم بها الزوج الثاني، أن النكاح باطل، وأن على العالم منهما حد الزنى؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [26 - 350] إذا قال الزوج: قد راجعتك، فسكتت المرأة مدة، ثم قالت: قد انقضت عدتي؛ فالرجعة صحيحة: إذا أخبر الرجل امرأته المطلقة بأنه قد راجعها، فلم تجبه، وسكتت مدة ثم قالت: قد انقضت عدتي، فالقول قول الزوج، وتصح الرجعة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنها لو ¬
سكتت ساعة ثم قالت: انقضت عدتي، يكون القول قول الزوج" (¬1). وقال أيضًا: "إن قولها: انقضت عدتي، إن كان إخبارًا عن انقضاء العدة في زمان متقدم على قول الزوج، لا يقبل منها بالإجماع" (¬2). 2 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "لأنها لو سكتت ساعة، تصح الرجعة اتفاقًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنفية من الإجماع على أن الزوج إذا قال: قد راجعتك، فسكتت المرأة مدة، ثم قالت: قد انقضت عدتي، فالرجعة صحيحة، وافق عليه المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة في المذهب (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: أن المرأة إذا سكتت مدة عن الإخبار بانقضاء عدتها، كانت متهمة في التأخير، فلا يقبل قولها (¬8). • الخلاف في المسألة: ذهب الخرقي (¬9)، وابن الجوزي (¬10) من الحنابلة إلى أن القول قول المرأة؛ فلا تصح الرجعة (¬11). • دليل هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228]. ¬
[27 - 351] إذا قالت: انقضت عدتي، وقال الزوج: قد راجعتك، فالرجعة غير صحيحة
• وجه الدلالة: الذي خلق اللَّه في أرحام النساء، هو الحيض، والحمل، ولما كُنّ مؤتمنات على الإخبار بما في أرحامهن، وجب تصديقهن بانقضاء عدتهن (¬1). 2 - أن المرأة لو سبقت الزوج، فقالت: قد انقضت عدتي، فالقول قولها، وهذه أخبرت بأن عدتها انقضت قبل أن يراجعها الزوج، فكأنها سبقته بالقول، فالقول قولها؛ فلا رجعة إذًا (¬2). 3 - أن هذا أمر تختص المرأة بمعرفته، ولا يعرف إلا من جهتها، فكان القول قولها، كالنية من الإنسان فيما تعتبر فيه النية (¬3).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن القول قول الزوج، فتصح الرجعة إذا قال: قد راجعتك، فسكتت المرأة ثم قالت: قد انقضت عدتي؛ لوجود خلاف عن الخرقي، وابن الجوْزي من الحنابلة، للسبب التالي: أن الخرقي توفي سنة 334 هـ، وأول من حكى الإجماع الكاساني المتوفى سنة 587 هـ؛ فكان الخلاف سابقًا على حكاية الإجماع، فلم يعد الإجماع متحققًا. ثانيًا: يمكن حمل الإجماع المذكور على أنه إجماع في المذهب الحنفي خاصة؛ لأن من ذكر الإجماع هم الحنفية، ولا خلاف لديهم في هذه المسألة. [27 - 351] إذا قالت: انقضت عدتي، وقال الزوج: قد راجعتك، فالرجعة غير صحيحة: إذا قالت المرأة لزوجها الذي يريد رجعتها: قد انقضت عدتي، فقال الزوج مجيبًا لها: إني كنت قد راجعتك؛ فالقول قول المرأة، ولا تصح الرجعة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا كذلك أن المطلق إذا قال بعد انقضاء العدة: إني كنت قد راجعتك، وأنكرت، أن القول قولها" (¬4). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولا خلاف أيضًا في أنها إذا بدأت، فقالت: ¬
انقضت عدتي، فقال الزوج مجيبًا لها موصولًا بكلامها: راجعتك، يكون القول قولها" (¬1). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن قال بعد انقضاء عدتها: كنت راجعتك في عدتك، فأنكرته، فالقول قولها؛ بإجماعهم" (¬2). 4 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على أن المطلق إذا قال بعد انقضاء العدة: إني كنت راجعتك في العدة، وأنكرت، أن القول قولها" (¬3). 5 - العيني (855 هـ) حيث قال: "قالت: انقضت عدتي، وقال الزوج مجيبًا لها موصولًا: راجعتك، لا تصح الرجعة بالاتفاق" (¬4). 6 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وإذا قالت: انقضت عدتي، فقال: قد كنت راجعتك، فأنكرته، فالقول قولها، بلا نزاع أعلمه" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المرأة إذا قالت: قد انقضت عدتي، وقال الزوج: قد راجعتك، أن الرجعة غير صحيحة، هو قول أبي ابن كعب -رضي اللَّه عنه- (¬6)، ومسروق، وسليمان بن يسار (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: الذي خلق اللَّه في أرحام النساء، هو الحيض، والحمل، ولما كُنّ مؤتمنات على الإخبار بما في أرحامهن، وجب تصديقهن بانقضاء عدتهن (¬8). 2 - أن الزوج ادعى الرجعة في زمن لا يملكها فيه، فالأصل عدمها، وحصول ¬
[28 - 352] إذا ادعت المرأة أن عدتها انقضت فيما يستحيل وقوعه، فلا يقبل قولها
البينونة (¬1). • الخلاف في المسألة: يرى ابن حزم أن القول قول الزوج، وتصح الرجعة، إذا قالت المرأة: إن عدتها قد انتهت، ولا يقبل قولها إذا أنكرت إلا ببينة، والبينة: أربع نساء عدول يشهدن أنها قد حاضت ثلاثة أقراء، أو شهادة امرأتين مع يمينها (¬2). وهو قول شريح القاضي، وقتادة، وإبراهيم النخعي (¬3). • دليل هذا القول: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حكم بالبينة على المدعي (¬4)، وهي مدعية بطلان حق ثابت لزوجها في رجعتها، فلا تصدق إلا ببينة عدل (¬5).Rعدم تحقق الإجماع على أن القول قول المرأة فلا تصح الرجعة إذا ادعت انقضاء عدتها، وكان زوجها قد قال: إني كنت راجعتك؛ وذلك لوجود خلاف عن ابن حزم، ومن سبقه من السلف في أن القول قول الزوج -فتكون الرجعة صحيحة- ما لم تأت ببينة تشهد لها. [28 - 352] إذا ادعت المرأة أن عدتها انقضت فيما يستحيل وقوعه، فلا يقبل قولها: إذا ادعت المرأة أن عدتها انقضت، وكانت المدة التي ذكرت أن عدتها انتهت فيها نادرة، وأنها تختلف عن باقي النساء فيما تنتهي عدتهن فيه؛ فلا يقبل قولها في ذلك، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المرأة إذا قالت في عشرة أيام، قد حضت ثلاث حيض، وانقضت عدتي، أنها لا تصدق، ولا ¬
يقبل قولها" (¬1). ونقله عنه القرطبي (¬2). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "المعتدة إن كانت من ذوات الأشهر، فإنها لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر، في عدة الطلاق إن كانت حرة، . . . ولا خلاف في هذه الجملة" (¬3). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "فمتى ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من هذا، لم يقبل قولها عند أحد فيما أعلم" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المرأة إذا ادعت انتهاء عدتها فيما يستحيل وقوعه من الوقت، فلا يقبل قولها، وافق عليه ابن حزم (¬5). وهو قول علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، وشريح القاضي، وقتادة، وإبراهيم النخعي (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: جعل اللَّه عدة النساء ثلاثة قروء؛ أي: ثلاث حيضات، أو أطهار -على الخلاف في ذلك- وجعل اللَّه عادة النساء أن تحيض كل شهر مرّة، فمن ادعت غير ذلك لا يقبل قولها إلا ببينة. 2 - جاءت امرأة إلى علي -رضي اللَّه عنه- تخاصم زوجها طلَّقَها، فقالت: قد حضت في شهر ثلاث حيض، فقال على لشريح: اقض بينهما، قال: يا أمير المؤمنين، وأنت هاهنا؛ قال: اقض بينهما، فقال: إن جاءت من بطانة أهلها ممن يرضى في دينه، وأمانته؛ تزعم أنها حاضت ثلاث حيض، تطهر عند كل قرء، وتصلي، جاز لها، وإلا فلا. فقال على: قالون. وقالون بلسان الروم: أحسنت (¬7). ¬
[29 - 353] للرجعية أن تتزين لزوجها
3 - اعتبار العادة والعرف؛ فإن العادة محكمة، فقد رجع الفقهاء في كثير من أحكام الحيض إلى عادة النساء في ذلك (¬1).Rتحقق الإجماع على أن المرأة إذا ادعت أن عدتها انقضت في وقت ليس من عادة النساء أن تنقضي عدتهن فيه، فلا يقبل قولها، إلا ببينة. [29 - 353] للرجعية أن تتزين لزوجها: إذا كان للرجل على زوجته المطلقة رجعة؛ فإنها لا تزال في حكم الزوجات، فلها أن تتزين له، وتتشوف (¬2)، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن للمرأة التي يملك زوجها رجعتها، أن تتزين وتتشوف" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الإجماع على أن للرجعية أن تتزين لزوجها، وافق عليه الحنفية (¬4)، والإمام مالك في قوله الأول؛ وقد رجع عنه كما قال ابن القاسم (¬5)، وهو وجه عند الشافعية، على سبيل الندب (¬6)، والمذهب عند الحنابلة (¬7). وهو قول علي -رضي اللَّه عنه-، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، والزهري، وقتادة، والأوزاعي (¬8). • مستند الإجماع: 1 - أن الرجعية حلال لزوجها؛ إذ النكاح ما زال قائمًا بينهما (¬9). 2 - أن الرجعية في حكم الزوجات، وكما يطلب منها التزين، وهي في صلب ¬
النكاح، لها أن تتزين في زمن الرجعة ليرغب فيها (¬1). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام مالك في قوله الثاني (¬2)، والشافعية في أحد الوجهين (¬3)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬4)، إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تتزين وتتشوف لزوجها في فترة العدة. وهو قول ابن عباس، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، وعروة بن الزبير، والليث (¬5). • دليل هذا القول: عن نافع أن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- طلق امرأة له، في مسكن حفصة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان طريقه إلى المسجد، فكان يسلك الطريق الأخرى من أدبار البيوت، كراهية أن يستأذن عليها، حتى راجعها (¬6). • وجه الدلالة: هذا الفعل من ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- دلالة على أنه ليس للزوج أن يرى من مطلقته الرجعية شيئًا حتى يراجعها. لكن ابن عبد البر حمله على الورع من ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- (¬7).Rعدم تحقق الإجماع على أن للرجعية أن تتزين لزوجها؛ لوجود خلاف عن الإمام مالك، والشافعية في أحد الوجهين، والإمام أحمد في رواية عنه، ومن سبقهم من السلف، أنه لا يجوز للرجعية أن تتزين لزوجها حتى يراجعها. ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في العدة
الفصل الثاني مسائل الإجماع في العدة [1 - 354] وجوب العدة على النساء: العدة (¬1) واجبة على النساء، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن من طلق امرأته -التي نكحها نكاحًا صحيحًا- طلاقًا صحيحًا، وقد وطئها في ذلك النكاح في فرجها، مرّة فما فوقها، أن العدة لازمة، وسواء كانت الطلقة أولى، أو ثانية، أو ثالثة" (¬2). وقال أيضًا: "لا يختلفون في أن من وطئ امرأته مرّة، ثم غاب عنها عشرات السنين، ثم طلقها، أن العدة عليها" (¬3). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الأصل في وجوب العدة: الكتاب، والسنة، والإجماع" (¬4). وقال أيضًا: "أجمعت الأمة على وجوب العدة في الجملة، وإنما اختلفوا في أنواع منها" (¬5). ¬
3 - ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬1). 4 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "فلو كان قد طلقها إحدى الطلقات الثلاث، للزمتها عدة مطلقه بنص القرآن واتفاق المسلمين" (¬2). 5 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "العدة: ما تعده المرأة من أيام أقرائها، . . . والأصل فيها قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. . . مع أن مشروعية ذلك الإجماع" (¬3). 6 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "والأصل فيها قبل الإجماع الآيات والأخبار (¬4) " (¬5). 7 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على وجوبها، للكتاب والسنة في الجملة" (¬6). 8 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "كتاب العدد، والأصل في وجوبها: الكتاب والسنة والإجماع" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب العدة على النساء إذا قام سببها، وافق عليه الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. 2 - قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. 3 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لفاطمة بنت قيس، حين طلقها زوجها البتة: "اعتدي في بيت ابن أم ¬
[2 - 355] أسباب العدة
مكتوم" (¬1). 4 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "أُمِرَتْ بريرة أن تعتد بثلاث حيض" (¬2). وذلك لما أعتقت؛ فأصبحت حرة. • وجه الدلالة: من هذه النصوص: هذه نصوص صريحة من القرآن والسنة يتبين بها وجوب العدة على النساء من حيث العموم (¬3).Rتحقق الإجماع على وجوب العدة على النساء؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [2 - 355] أسباب العدة: للعدة أسباب؛ فقد تكون بسبب طلاق، أو وفاة، أو عتق، ونُقل الاتفاق على ذلك (¬4). • من نقل الاتفاق: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "لم يختلفوا في أن لا عدة على زوجة إلا من وفاة، أو طلاق" (¬5). 2 - الجصاص (370 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن عدة المطلقة من يوم طلقت، ولم يعتبروا وقت بلوغ الخبر، كذلك عدة الوفاة، لأنهما جميعًا سببًا وجوب العدة" (¬6). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "إن المسلمين اتفقوا على أن العدة تكون في ثلاثة أشياء: في طلاق، أو موت، أو اختيار الأمة نفسها إذا عتقت" (¬7). ¬
[3 - 356] تبتدئ العدة من ساعة وقوع الطلاق، أو الوفاة
• الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الجمهور (¬1)، من الاتفاق على أن العدة على النساء تجب بواحد من الأسباب التالية: من طلاق، أو وفاة، أو عتق، وافق عليه والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الاتفاق: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. 2 - وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. 3 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن زوج بريرة كان عبدًا أسود، يسمى "مغيثًا"، فخيرها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فاختارت نفسها، وأمرها أن تعتد (¬4). 4 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "أُمِرَتْ بريرة أن تعتد بثلاث حيض" (¬5). وذلك لما أعتقت فأصبحت حرة. • وجه الدلالة: من هذه النصوص: دلت هذه النصوص على أن العدة تكون من طلاق، أو وفاة، أو عتق.Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أن العدة تجب بالطلاق، أو الوفاة، أو العتق؛ ولا مخالف في ذلك. [3 - 356] تبتدئ العدة من ساعة وقوع الطلاق، أو الوفاة: إذا طلق الرجل امرأته، أو توفي عنها، فتلزمها العدة من ساعة وقوع الطلاق، أو الوفاة، ونُقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: 1 - الجصاص (370 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن عدة المطلقة من يوم طلقت، ولم يعتبروا وقت بلوغ الخبر، كذلك عدة الوفاة؛ لأنهما جميعًا سببًا وجوب العدة" (¬1). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن المعتدة بالقروء، أو الشهور، أو بالأربعة أشهر وعشر فأقل من الوفاة، أنها إن ابتدأت ذلك كله من حين صحة طلاق زوجها لها عندها، ومن حين صحة وفاة زوجها عندها، فقد انقضت عدتها" (¬2). وقال أيضًا: "واتفقوا أن كل من ذكرنا من المعتدات، إن ابتدأت عدتها من حين بلوغ خبر الطلاق إليها على صحة؛ أو حين بلوغ الخبر بالوفاة إليها على صحة، حتى تتم الآجال التي ذكرنا، فقد اعتدت" (¬3). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمعوا في كل امرأة علمت بطلاق زوجها لها من حين طلقها، أن السنة أن تبتدئ عدتها من ساعة وقوع طلاقها" (¬4). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن كل معتدة من طلاق، أو وفاة، تحسب عدتها من ساعة طلاقها، أو وفاة زوجها" (¬5). • الموافقون على الإجماع: يلاحظ في نقل الإجماع ما يلي: أن الجصاص من الحنفية، وابن عبد البر من المالكية، نقلوا الإجماع على أن العدة تبدأ من حين وقوع الطلاق، أو الوفاة، بينما نقله ابن حزم على أن العدة تبدأ من حين صحة بلوغ الخبر. ولا يخفى ما في هذا من الاختلاف؛ فقد لا يبلغها الخبر إلا بعد أن يمضي من ساعة الطلاق، أو الوفاة وقت طويل. وما ذكره الحنفية والمالكية من أن العدة تبدأ من ساعة الطلاق، أو الوفاة؛ وافق عليه الشافعية (¬6)، والحنابلة في المذهب (¬7). وهو قول ابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، وابن الزبير -رضي اللَّه عنهم-، ومسروق، وعطاء، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وأبي قلابة، وعكرمة، وطاوس، وسليمان بن يسار، وإبراهيم ¬
النخعي، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] • وجه الدلالة: أمر اللَّه -عز وجل- بأن يكون الطلاق في وقت العدة، فدل على أن العدة متصلة بالطلاق؛ فيلزمها أن تعتد من وقت الطلاق، أو من وقت الوفاة (¬2). 2 - قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] • وجه الدلالة: أن المرأة لو طلقت وهي لا تعلم، أو توفي عنها زوجها، وكانت حاملًا؛ فإن عدتها تنتهي بوضع الحمل، ولو لم تكن عالمة بفرقة زوجها، أو وفاته (¬3). 3 - أن القصد في العدة غير معتبر، بدليل أن الصغيرة، والمجنونة تنقضي عدتهما من غير قصد منهما، وسواء اجتنبت ما تجتنبه الحادة أم لا؛ فإن الحداد -وإن كان واجبًا- لو تركته قصدًا لانتهت عدتها (¬4). 4 - أنه لو طلقها، وانتهت العدة، ولم تعلم إلا بعد انتهائها، لا ترثه إن مات؛ لأن زمان العدة قد انتهى (¬5). • الخلاف فى المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية (¬6)، وداود (¬7)، وابن حزم (¬8)، إلى أنه إن قامت بينة بموت الزوج أو طلاقه، فالعدة من حين الموت أو الطلاق، وإن لم تثبت البينة فمن حين يبلغها الخبر. وهو قول علي -رضي اللَّه عنه-، والحسن، وقتادة، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء الخراساني (¬9) (¬10). ¬
• أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: أن التربص في العدة فعل مقصود من المرأة، ولا يقع التربص إلا بعلم المرأة بموت زوجها أو طلاقه، فيخرج ما يقع قبل علمها بذلك (¬1). 2 - أن الفريعة بنت مالك (¬2) خرج زوجها في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كان بطرف القَدُوم (¬3) لحقهم فقتلوه، قالت: فسألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن أرجع إلى أهلي؛ فإن زوجي لم يترك لي مسكنًا يملكه، ولا نفقة، قالت: فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم: "نعم". قالت: فانصرفتُ، حتى إذا كنت في الحجرة ناداني فقال: "كيف قلت؟ "، قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر الفريعة أن تعتد من حين بلغها الخبر، ولم يعتبر ما مضى قبل ذلك (¬5). 3 - أن المعتدة من الوفاة مأمورة بالإحداد في العدة، من اجتناب للطيب، وعدم خروجها من مسكنها، وهي قبل علمها غير قاصدة لأحكام العدة، فلا تكون في عدة حتى يأتيها الخبر (¬6).Rعدم تحقق الإجماع على أن عدة المرأة تبدأ من ساعة الطلاق، أو الوفاة؛ وذلك لوجود خلاف عن بعض الصحابة والتابعين، ومن بعدهم فثمة من يرى أنه يبدأ من ساعة الطلاق، أو الوفاة، وثمة من يرى أنه من ساعة بلوغها الخبر إذا تيقنت ذلك. ¬
[4 - 357] انتهاء العدة
[4 - 357] انتهاء العدة: إذا كانت المعتدة حاملًا، فإن عدتها تنتهي بوضع الحمل، سواء طُلِّقت، أو مات عنها زوجها، علمت بذلك أم لم تعلم. وإن لم تكن ذات حمل، وكانت ممن يحضن؛ فعدتها تنتهي بثلاثة أقراء، ونُقل الإجماع على ذلك (¬1). • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أنها لو كانت حاملًا لا تعلم بوفاة زوجها، أو طلاقه، فوضعت حملها، أن عدتها منقضية" (¬2). وذكره في الإشراف (¬3). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن من استكملت ثلاثة أطهار، وثلاث حيض؛ فاغتسلت من آخر الثلاث حيض، . . . أنها قد انقضت عدتها" (¬4). 3 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على أنها لو كانت حاملًا لا تعلم طلاق زوجها، أو وفاته، ثم وضعت حملها أن عدتها منقضية" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على انتهاء العدة عند إتمام المرأة لها وفق التقدير الشرعي لذلك، فإن كانت ذات حمل، فإنها تنتهي بوضع الحمل، وإن كانت ممن يحضن فعدتها ثلاثة قروء، وافق عليه الحنفية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
[5 - 358] انتهاء العدة بالاغتسال من الحيضة الثالثة
• مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. 2 - وقال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].Rتحقق الإجماع على أن عدة ذات الحمل تنتهي بوضع الحمل، والتي تحيض بثلاثة قروء؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [5 - 358] انتهاء العدة بالاغتسال من الحيضة الثالثة: سبق بحث هذه المسألة. [6 - 359] لا عدة على المطلقة قبل الدخول بها: إذا عقد رجل على امرأة، ولم يدخل بها، ثم طلقها فلا عدة عليها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "كان بينًا في حكم اللَّه -عز وجل-: أن لا عدة على المطلقة قبل أن تمس، وأن المسيس هو الإصابة، ولم أعلم في هذا خلافًا" (¬1). 2 - المروزي (294 هـ) حيث قال: "وأجمع أهل العلم على أن الرجل إن طلق امرأته تطليقة ولم يدخل بها، أنها قد بانت منه، وليس له عليها رجعة، وليس عليها عدة" (¬2). 3 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن من طلق زوجته، ولم يدخل بها، طلقة، أنها قد بانت منه، ولا تحل له إلا بنكاح جديد، ولا عدة له عليها" (¬3). 4 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أن تطلق قبل الدخول والخلوة؛ فلا خلاف أنه لا عدة عليها" (¬4). 5 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن التي طُلِّقت، ولم تكن قد وطئت في ¬
ذلك النكاح، . . . فلا عدة عليها أصلًا" (¬1). 6 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء أن طلاق السنة إنما هو في المدخول بها، وأما غير المدخول بها؛ فليس في طلاقهن سنة ولا بدعة، وإن أمر اللَّه -عز وجل-، ومراد رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الطلاق للعدة؛ هو طلاق المدخول بها من النساء، فأما غير المدخول بها فلا عدة عليهن، ولا سنة ولا بدعة في طلاقهن" (¬2). 7 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "لا عدة على مطلقة قبل الدخول، وهو إجماع الأمة" (¬3). 8 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "فأما غير المدخول بها فلا عدة عليها بإجماع" (¬4). 9 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المطلقة قبل أن تمس لا عدة عليها" (¬5). 10 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "فالمطلقة إذا لم تكن ممسوسة لا عدة عليها بنص الكتاب وإجماع الأمة على ذلك" (¬6). 11 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "العدة من الطلاق فإن كان قبل الدخول فلا عدة على المطلقة إجماعًا" (¬7). 12 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "كل امرأة فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس والخلوة؟ فلا عدة عليها بلا نزاع" (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أنه لا عدة على المطلقة قبل الدخول، وافق عليه الحنفية (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ ¬
[7 - 360] وجوب العدة بالطلاق بعد الدخول
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]. 2 - أن العدة تجب لمعرفة براءة الرحم، وبراءته متيقنة هنا؛ لعدم دخول الزوج، فانتفت العدة (¬1).Rتحقق الإجماع على أنه لا عدة على المطلقة قبل الدخول بها، وذلك لعدم وجود مخالف. [7 - 360] وجوب العدة بالطلاق بعد الدخول: إذا تزوج رجل امرأة، ثم طلقها بعد أن يدخل بها؛ فتجب عليها العدة بالإجماع. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أن يطلقها بعد الدخول بها، فلا خلاف أن عليها العدة" (¬2). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن من طلق امرأته -التي نكحها نكاحًا صحيحًا- طلاقًا صحيحًا، وقد وطئها في ذلك النكاح في فرجها مرة فما فوقها، أن العدة لازمة" (¬3). 3 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "وإذا دخل بها فعليها العدة إجماعًا" (¬4). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا خلاف بين أهل العلم في وجوبها على المطلقة بعد المسيس" (¬5). 5 - القرطبي (671 هـ) فذكره كما قال ابن العربي (¬6). 6 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "إذ الطلاق بعد الدخول يوجب الاعتداد بثلاثة قروء، بنص القرآن واتفاق المسلمين" (¬7). 7 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "وإن كان بعد الدخول والمسيس؛ فعليها العدة إجماعًا" (¬8). ¬
[8 - 361] عدة الحرة المطلقة ذات الحيض تكون ثلاثة قروء
8 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "وقد انعقد الإجماع على وجوب العدة على المبتوتة" (¬1). 9 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "تلزم العدة زوجة وطئها ثم فارقها، بالاتفاق" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب العدة على المطلقة بعد الدخول، وافق عليه الحنفية (¬3). • مستند الإجماع: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]. • وجه الدلالة: أن اللَّه -عز وجل- لم يوجب العدة على المطلقة قبل الدخول، فبقي أن تعتد من طلقت بعد الدخول، وهي المعنية بقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] (¬4).Rتحقق الإجماع على أن العدة تجب على المرأة إذا طلقت بعد الدخول؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [8 - 361] عدة الحرة المطلقة ذات الحيض تكون ثلاثة قروء: إذا كانت المرأة المطلقة ممن يحضن فإن عدتها ثلاثة قروء (¬5)، ونُقل الإجماع على ¬
ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - المروزي (294 هـ) حيث قال: "الأمة قد اجتمعت على أن كل مفارقة -سوى المختلعة- مطلقة أو غير مطلقة، أن عدتها ثلاثة قروء" (¬1). 2 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "فأما العدة بالأقراء فتكون بالطلاق، والفسخ دون الموت، لا خلاف فيه، وهي لمن تحيض وتطهر، بثلاثة قروء، للحرة" (¬2). 3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن أجل الحرة المسلمة المطلقة، التي ليست حاملًا، ولا مستريبة، ولا ملاعنة، ولا مختلعة، ولا مختلفة أيام الحيض، وأيام الأطهار، وكان بين حيضتيها عدد لا يبلغ أن يكون شهرًا، فإن عدتها ثلاثة قروء" (¬3). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن العدة لازمة بالأقراء لمن تحيض" (¬4). 5 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "فأما ذوات الحيض الأحرار الجاريات في حيضهن على المعتاد، فعدتهن ثلاثة قروء، . . . ولا خلاف في هذا" (¬5). 6 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "عدة المطلقة إذا كانت حرة، وهي من ذوات القروء، ثلاثة قروء، بلا خلاف بين أهل العلم" (¬6). ¬
[9 - 362] عدة اليائسات من المحيض، والصغيرات، ثلاثة أشهر
7 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] عام في المطلقات ثلاثًا وفيما دونها، لا خلاف فيه" (¬1). 8 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "الطلاق بعد الدخول يوجب الاعتداد بثلاثة قروء، بنص القرآن، واتفاق المسلمين" (¬2). 9 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "وعدة ذات القروء الحرة، ثلاثة أقراء بالإجماع" (¬3). 10 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "واتفق الأئمة. . . على أن عدة من تحيض ثلاثة أقراء إذا كانت حرة" (¬4). 11 - الشعراني (973 هـ) فذكره كما قال قاضي صفد (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن عدة المطلقة الحرة ذات الحيض ثلاثة قروء، وافق عليه الحنفية (¬6). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: هذا نص في المسألة يتضح من خلاله أن المطلقة تعتد ثلاثة قروء.Rتحقق الإجماع على أن عدة المطلقة الحرة ذات الحيض ثلاثة قروء؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [9 - 362] عدة اليائسات من المحيض، والصغيرات، ثلاثة أشهر: إذا كانت المرأة قد بلغت سنًّا أيست معها من الحيض، أو كانت صغيرة لم تحض، فإن العدة في حقهن ثلاثة أشهر، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن عدة المسلمة الحرة المطلقة التي ليست حاملا ولا مستريبة وهي لم تحض أو لا تحيض إلا ¬
أن البلوغ متوهم منها؛ ثلاثة أشهر متصلة" (¬1). 2 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "من ارتفعت عن حد الاحتمال وجب عليها الاعتداد بالأشهر بالإجماع" (¬2). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واليائسات منهن عدتهن ثلاثة أشهر، ولا خلاف في هذا" (¬3). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن كانت من الآيسات، أو ممن لم يحضن، فعدتها ثلاثة أشهر، أجمع أهل العلم على هذا" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). 5 - ابن أبي عمر (682 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة الآيسة والصغيرة التي لم تحض ثلاثة أشهر" (¬6). 6 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "قال سبحانه في الآيسة والصغيرة: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] ثم اتفقت الأمة على أنها ثلاثة كوامل" (¬7). 7 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "وإن كانت من الآيسات أو ممن لم يحضن فعدتها ثلاثة أشهر، هذا إجماع والحمد للَّه" (¬8). 8 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وإن كانت ممن لا تحيض من صغر، أو كبر، فعدتها ثلاثة أشهر، تقوم مقام ثلاث حيض في التي لا تحيض، وهذا بالإجماع" (¬9). 9 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على. . . أن عدة من لم تحض، أو يئست، بثلاثة أشهر" (¬10). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]. • وجه الدلالة: الأصل في العدة الحيض، ¬
[10 - 363] إذا طلقت الحائض فلا تعتد بالحيضة التي طلقت فيها
والشهور بدل عنها، وجاءت الأشهر عدة بشرط عدم الحيض، والحيض مقدر بثلاثة قروء، فكذلك البدل مقدر بثلاثة أشهر (¬1).Rتحقق الإجماع على أن اليائسات من المحيض، والصغيرات اللاتي لم يحضن أن عدتهن ثلاثة أشهر؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [10 - 363] إذا طلقت الحائض فلا تعتد بالحيضة التي طلقت فيها: إذا طلق الرجل امرأته في زمن الحيض، فإن طلاقه يقع، ولا تعتبر الحيضة التي وقع فيها الطلاق من العدة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "الإجماع منعقد على أنها إن طلقت في حيضة أنها لا تعد بها" (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إن الحيضة التي تطلق فيها لا تحسب من عدتها بغير خلاف بين أهل العلم" (¬3). 3 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "لا خلاف أن من طلق في حال الحيض لم تعتد بذلك الحيض" (¬4). 4 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "لا يُعتد بالحيضة التي طلقها فيها من العدة، بل إنما تحسب بما بعدها، بلا خلاف نعلمه" (¬5). 5 - العيني (855 هـ) حيث قال: "إذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض، لم تعتد بالحيضة التي وقع فيها الطلاق، . . . وهذا بالإجماع" (¬6). 6 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "لا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها، بلا نزاع" (¬7). وذكره عنه ابن قاسم (¬8). ¬
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المطلقة إذا طلقت، وهي حائض، فلا تعتد بالحيضة التي طلقت فيها، وافق عليه الشافعية (¬1). وهو قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: أمر اللَّه -عز وجل- المطلقات بأن تكون عدتهن ثلاثة قروء، فيتناول ثلاثة كاملة، والتي تطلق في الحيض لم يبق من الثلاثة قروء ما تتم به مع الاثنين الثلاثة كاملة؛ فلا يعتد بها (¬3). 2 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1]. • وجه الدلالة: أُمر المطلق أن يكون طلاقه وقت طهر، فيجب أن يكون هو المعتبر في العدة؛ لأن إحصاء العدة يكون بالطهر الذي تطلق فيه المرأة (¬4). 3 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- في الذي يطلق امرأته، وهي حائض قال: لا تعتد بتلك الحيضة (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم الجمهور، فاعتبر العدة من بعد الطلاق مباشرة سواء وقع الطلاق في طهر أم في حيض (¬6)، وقال بهذا القول الحسن البصري (¬7). • أدلة هذا القول: 1 - عن نافع عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم: "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك، وإن شاء طلق، فتلك العدة التي أمر اللَّه تعالى أن تطلق لها النساء" (¬8). ¬
[11 - 364] عدة المطلقة الحرة الحامل تنقضي بوضع الحمل
• وجه الدلالة: 1 - نص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الطهر، وأخبر أن تلك العدة التي أمر اللَّه تعالى أن تطلق النساء لها، وأنها عقب الطلاق (¬1). 2 - العدة واجبة فرضًا إثر الطلاق بلا مهلة، فصح أن ما بعد الطلاق وقت للعدة، وليس الذي يفصل بينه وبين الطلاق فاصل (¬2). 3 - أن بعض الطهر طهر، وبعض الحيض حيض، فهي ثلاثة أقراء بكل حال، فوجب أن يعتبر ما يكون عقب الطلاق (¬3).Rعدم تحقق الإجماع على عدم اعتبار الحيضة التي تطلق فيها المرأة من العدة؛ لوجود خلاف عن الحسن البصري، وابن حزم يقضي باعتبارها. [11 - 364] عدة المطلقة الحرة الحامل تنقضي بوضع الحمل: المرأة الحرة إذا طلقت وهي حامل؛ فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن أجل كل حامل مطلقة، يملك الزوج رجعتها أو لا يملك، حرة كانت أو أمة، أو مدبرة، أو مكاتَبة، أن تضع حملها" (¬4). وقال أيضًا: "وأجمعوا أن عدة الحامل أن تضع حملها" (¬5). 2 - الجصاص (370 هـ) حيث قال: "لم يختلف السلف، والخلف بعدهم أن عدة المطلقة الحامل أن تضع حملها" (¬6). 3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "اتفقوا أن المطلقة وهي حامل، فعدتها وضع حملها متى وضعته، ولو إثر طلاقه لها" (¬7). 4 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء أن المطلقة وهي حامل، عدتها وضع حملها" (¬8). 5 - ابن هبيرة (565 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن عدة الحامل المتوفى عنها ¬
زوجها، أو المطلقة الحامل، أن تضع حملها" (¬1). 6 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "انقضاء عدة الحمل بوضع الحمل، إذا كانت معتدة عن طلاق، أو غيره من أسباب الفرقة، بلا خلاف" (¬2). 7 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "لا خلاف أن انقضاء عدة الحوامل لوضع حملهن، أعني المطلقات" (¬3). 8 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم في جميع الأعصار، على أن المطلقة الحامل تنقضي عدتها بوضع حملها" (¬4). وقال أيضًا: "لا خلاف في بقاء العدة ببقاء الحمل" (¬5). 9 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "ولو طلقها أو مات عنها، وهي حامل منه، لم تنقض عدتها إلا بوضع الحمل، أمة كانت أو حرة، . . . وهذا إجماع، والحمد للَّه" (¬6). 10 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن عدة الحامل مطلقًا بالوضع، سواء المتوفى عنها زوجها، والمطلقة" (¬7). 11 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وإن كانت المطلقة حاملًا فعدتها أن تضع حملها؛ ولا يعلم فيه خلاف" (¬8). 12 - الشعراني (973 هـ) فذكره كما قال قاضي صفد (¬9). • مستند الإجماع: قال اللَّه تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. • وجه الدلالة: هذا نص في المسألة، يفيد أن ذات الحمل تنقضي عدتها بوضع الحمل، ولا عدة إلا من وفاة (¬10)، أو طلاق. ¬
[12 - 365] عدة الحرة غير الحامل إذا توفي عنها زوجها، أربعة أشهر وعشر
Rتحقق الإجماع على أن المطلقة الحرة إن كانت حاملًا أن عدتها تنقضي بوضع الحمل؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [12 - 365] عدة الحرة غير الحامل إذا توفي عنها زوجها، أربعة أشهر وعشر: إذا توفي الزوج فيلزم زوجته إذا لم تكن حاملًا أن تعتد أربعة أشهر وعشرا، سواء دخل بها أم لا، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "لا اختلاف في أن عليها عدة أربعة أشهر وعشرا" (¬1). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن عدة الحرة المسلمة التي ليست بحامل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر، مدخولا بها، أو غير مدخول، صغيرة لم تبلغ، أو كبيرة قد بلغت" (¬2). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "أوجب اللَّه تعالى على المتوفى عنها زوجها أن تتربص أربعة أشهر وعشرا قبل أن تنكح، وأجمع العلماء على أن ذلك عام في المرأة الصغيرة والكبيرة، ما لم تكن حاملا" (¬3). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن عدة المتوفى عنها زوجها إذا لم تكن حاملًا أربعة أشهر وعشر" (¬4). 5 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "إن المسلمين اتفقوا على أن عدة الحرة من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر" (¬5). 6 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر، مدخولا بها، أو غير مدخول بها، سواء كانت كبيرة بالغة، أو صغيرة لم تبلغ" (¬6). 7 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "وأما عدة الوفاة فتجب بالموت، سواء دخل بها، أو لم يدخل، اتفاقًا" (¬7). ¬
[13 - 366] عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنتهي بوضع الحمل
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن عدة الحرة غير الحامل المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر سواء دخل بها أم لا، وافق عليه الحنفية (¬1)، وابن حزم (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. 2 - عن زينب بنت جحش -رضي اللَّه عنها- قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" (¬3). • وجه الدلالة: بين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن المتوفى عنها زوجها تمتنع من الزينة والطيب بإحدادها أربعة أشهر وعشرا، وهي مدة العدة.Rتحقق الإجماع على أن عدة الحرة غير الحامل المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر، في المدخول بها وفي غيرها، وذلك لعدم وجود مخالف. [13 - 366] عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنتهي بوضع الحمل: إذا توفي رجل عن زوجة حامل، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، وإن لم تبلغ أربعة أشهر وعشرا، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن عدة المتوفى تنقضي بالسقط" (¬4). وقال أيضًا: "وأجمعوا أنها لو كانت حاملًا لا تعلم بوفاة زوجها، أو طلاقه، فوضعت حملها، أن عدتها منقضية" (¬5). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وعلى القول بحديث سبيعة (¬6)، جماعة ¬
العلماء بالحجاز، والعراق، والشام، ومصر، والمغرب، والمشرق اليوم، ولا خلاف في ذلك" (¬1). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، أو المطلقة الحامل، أن تضع حملها" (¬2). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "الحامل التي يتوفى عنها زوجها: فقال الجمهور وجميع فقهاء الأمصار: عدتها أن تضع حملها" (¬3). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أيضًا على أن المتوفى عنها زوجها إن كانت حاملًا، أجلها وضع حملها" (¬4). 6 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "أجمع العلماء على أنها لو كانت حاملًا لا تعلم طلاق زوجها، أو وفاته، ثم وضعت حملها، أن عدتها منقضية" (¬5). 7 - النووي (676 هـ) حيث قال: "عدة المتوفى عنها بوضع الحمل، حتى لو وضعت بعد موت زوجها بلحظة قبل غسله، انقضت عدتها، وحلت للأزواج، هذا قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد، والعلماء كافة" (¬6). 8 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "قال جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار: إن الحامل إذا مات عنها زوجها؛ تحل بوضع الحمل، وتنقضي عدة الوفاة، . . . نقل غير واحد الإجماع" (¬7). 9 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على عدة الحامل مطلقًا بالوضع، سواء المتوفى عنها زوجها والمطلقة" (¬8). 10 - الشوكاني (1250 هـ) فذكره كما قال ابن حجر (¬9). 11 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "حصل نزاع بين السلف في المتوفى عنها، أنها تتربص أبعد الأجلين، ثم حصل الاتفاق على انقضائها بوضع الحمل" (¬10). ¬
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع الحمل؛ ولو كان بعد وفاة زوجها بيسير، وافق عليه الحنفية (¬1)، وابن حزم الظاهري (¬2). وهو قول عمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس في إحدى الروايتين عنه، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال به سعيد بن المسيب، والزهري، وقتادة، والثوري، والأوزاعي، وأبو ثور، وأبو عبيد (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. 2 - أن سُبيعةْ الأسلمية كانت تحت سعد بن خولة (¬4)، وكان ممن شهد بدرًا، فتوفي عنها في حجة الوداع؛ وهي حامل، فلم تنشب (¬5) أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلّت (¬6) من نفاسها، تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بَعْكَك (¬7) فقال لها: ما لي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح؟ إنكِ واللَّه ما أنت بناكح حتى تمر عليكِ أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك؛ جمعت عليَّ ثيابي حتى أمسيت، فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي (¬8). ¬
• الخلاف في المسألة: روي عن علي، وابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في رواية عنه؛ أنهما قالا: إذا توفي الرجل عن زوجته الحامل فإنها تعتد بأبعد الأجلين، فإن كان وضع الحمل هو الأبعد في العدة اعتدت به، وإن كانت الأربعة أشهر وعشر هي الأبعد اعتدت بها (¬1). وقال بهذا القول سحنون من المالكية (¬2). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. • وجه الدلالة الاعتداد بوضع الحمل إنما ذكر بعد الطلاق لا في عدة الوفاة بناءً على قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] فكان المراد بأولات الأحمال المطلقات دون غيرهن (¬3). 2 - أن في الاعتداد بالحمل جمعًا بين قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]؛ لأن فيه عملًا بآية عدة الحمل؛ إن كان أجل تلك العدة أبعد، وعملًا بعدة الوفاة؛ إن كان أجلها أبعد (¬4).Rتحقق الإجماع على أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنتهي بوضع الحمل؛ والذي يدعو إلى القول بتحقق الإجماع الأسباب التالية: 1 - ما ورد عن سبيعة الأسلمية أنها حلت بوضعها بعد وفاة زوجها بليال، وقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لها بأنها قد حلت. والقصة صحيحة وردت في الصحيحين. 2 - ما ورد عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- في أنها تعتد بأبعد الأجلين جاء عنه من وجه منقطع لا يصح عنه (¬5). قال ابن عبد البر: "بينت السنة المراد في المتوفى عنها الحامل؛ لحديث سبيعة، ولو بلغت السنة عليًّا ما عدا القول فيها" (¬6). 3 - ما ورد عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- فقد ثبت رجوعه إلى القول بأنها تعتد بوضع الحمل لما سمع بحديث سبيعة، وصحح ذلك عنه أصحابه عكرمة، وعطاء، وطاوس، وجابر ¬
[14 - 367] إذا ادعت المرأة انتهاء عدتها في ثلاثة أشهر صدقت
ابن زيد، وغيرهم (¬1). 4 - ما ورد عن سحنون المالكى شذوذ مردود؛ لأنه إحداث خلاف بعد استقرار الإجماع كما قال ابن حجر (¬2). [14 - 367] إذا ادَّعتِ المرأة انتهاء عدتها في ثلاثة أشهر صُدِّقت: إذا كانت المرأة معتدة من طلاق، وادعت أن عدتها قد انتهت في ثلاثة أشهر، وهي ممن يحضن، فإنها تُصدَّق فيما تقوله، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن المرأة إذا ادَّعتِ انقضاء العدة بالأقراء في ثلاثة أشهر صُدِّقت" (¬3). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "أقل المدة التي تُصدق فيها المعتدة في إقرارها بانقضاء عدتها، . . . المعتدة إن كانت من ذوات الأشهر؛ فإنها لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر، في عدة الطلاق إن كانت حرة، . . . ولا خلاف في هذه الجملة" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن حزم، والكاساني من الحنفية؛ أن المرأة إذا ادعت انتهاء عدتها في ثلاثة أشهر أنها تصدق في ذلك، وافق عليه المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). وهو قول علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، وشريح القاضي، وقتادة، وإبراهيم النخعي (¬8). • مستند الاتفاق: 1 - أن المرأة أمينة في الإخبار عن انقضاء عدتها؛ لأن اللَّه -عز وجل- ائتمنها على ذلك في قوله: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 228] (¬9). 2 - أمر العدة يدور على الحيض والأطهار، ولما كان الاطلاع عليهما من قبل ¬
[15 - 368] إذا حاضت الصغيرة التي عدتها بالأشهر قبل انتهاء الشهر الثالث، تستأنف العدة بالحيض
النساء، جُعل القول قول المرأة في انقضاء العدة من عدمها (¬1).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أن المعتدة إن ادعت أن عدتها انتهت في ثلاثة أشهر، وكانت ممن يحضن إنها تصدق في ذلك. [15 - 368] إذا حاضت الصغيرة التي عدتها بالأشهر قبل انتهاء الشهر الثالث، تستأنف العدة بالحيض: إذا طلقت المرأة وكانت عدتها بالأشهر لصغر، ثم حاضت قبل انتهاء الشهر الثالث بقليل، انتقلت إلى الاعتداد بثلاث حيض، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المرأة الصبية، أو البالغ المطلقة التي لم تحض؛ إن حاضت قبل انقضاء الشهر الثالث بيوم أو أقل من يوم، أن عليها استئناف العدة بالحيض" (¬2). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن المطلقة الممسوسة التي لم تحض قط، فشرعت في الاعتداد بالشهور، ثم حاضت قبل تمام الشهور، أنها لا تتمادى على الشهور" (¬3). 3 - العمراني (558 هـ) حيث قال: "إذا شرعت الصغيرة بالاعتداد بالشهور، فرأت الدم قبل انقضاء الشهور ولو بلحظة، انتقلت إلى الاعتداد بالأقراء، . . . قال أصحابنا: ¬
وهذا إجماع لا خلاف فيه" (¬1). 4 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] يعني: الصغيرة، فعدتهن ثلاثة أشهر، فإذا رأت الدم في زمن احتماله عند النساء انتقلت إلى الدم، . . . وهذا إجماع" (¬2). 5 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "فإن حاضت فيها، أي: أثناء الأشهر، وجبت الأقراء بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الصغيرة المعتدة بثلاثة أشهر، إذا حاضت قبل انتهاء الشهر الثالث، فإنها تستأنف عدتها بالحيض، وافق عليه الحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وهو قول سعيد بن المسيب، والزهري، والشعبي، والنخعي، والثوري، والحسن البصري، وقتادة، ومجاهد، وإسحاق، وأبي عبيد (¬6). • مستند الإجماع: 1 - الأصل في العدة الأقراء، ولما حاضت التي كانت عدتها بالشهور؛ أصبحت قادرة على فعل الأصل، فوجب الانتقال إليه، كالمتيمم يجد الماء أثناء تيممه (¬7). 2 - لا يجوز تلفيق العدة من جنسين مختلفين، كالشهور، والأقراء، فلا بد أن تستكمل المعتدة أحدهما، وهو القرء لانتقالها إليه (¬8).Rتحقق الإجماع على أن الصغيرة التي عدتها بالشهور، إذا حاضت قبل انتهاء الشهر الثالث، أنها تستأنف العدة بالأقراء، وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[16 - 369] إذا اعتدت المسنة بالحيض، ثم ارتفع عنها، اعتدت بالأشهر
[16 - 369] إذا اعتدت المسنّة بالحيض، ثم ارتفع عنها، اعتدت بالأشهر: إذا كانت المرأة الكبيرة من ذوات الحيض، فاعتدت به بسبب طلاقها، ثم ارتفع عنها قبل أن تتم ثلاثة قروء، لبلوغها سن اليأس، لزمها أن تعتد بالأشهر، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "إن اللَّه جعل عدة الحائض بالأقراء، فمن انقطع حيضها، . . . وجب عليها الاعتداد بالأشهر بالإجماع" (¬1). 2 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "إن المسنة إذا اعتدت بالدم ثم ارتفع، عادت إلى الأشهر، وهذا إجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء المالكية أن المسنة إذا اعتدت بالحيض، ثم ارتفع عنها دمها، اعتدت بالأشهر؛ وافق عليه الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم الظاهري (¬6). • مستند الإجماع: 1 - الأصل في العدة أن تعتد المطلقة ثلاثة قروء؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فإن أيست من المحيض انتقلت إلى البدل وهو الاعتداد بثلاثة أشهر، كما في قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (¬7). 2 - أن العدة لا تلفق من جنسين؛ فتعذر إتمامها بالحيض، فوجب تكميلها بالأشهر (¬8).Rتحقق الإجماع على أن المرأة المسنة إذا اعتدت بالحيض، ثم ارتفع عنها، فإنها تنتقل إلى الاعتداد بالأشهر؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[17 - 370] وجوب العدة بالخلوة
[17 - 370] وجوب العدة بالخلوة: إذا خلا الرجل بزوجته، ثم طلقها قبل أن يمسها، فقد لزمتها العدة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولها المهر كاملًا، وعليها العدة بالإجماع إن كان الزوج قد خلا بها" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إن العدة تجب على كل من خلا بها زوجها، وإن لم يمسها، . . . ولنا إجماع الصحابة، . . . وهذه قضايا اشتهرت، فلم تنكر فصارت إجماعًا" (¬2). وذكره في الكافي (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الكاساني، وابن قدامة من الإجماع على وجوب العدة بالخلوة وافق عليه المالكية (¬4)، والإمام الشافعي في القديم (¬5). وهو قول الخلفاء الراشدين، وزيد، وابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، وبه قال علي بن الحسين، وعروة، وعطاء، والزهري، والأوزاعي، وإسحاق (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عن زرارة بن أوفى أنه قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابًا، وأرخى سترًا فقد وجب المهر، ووجبت العدة (¬7). 2 - عن عمر وعلي -رضي اللَّه عنهما- قالا: من أغلق بابًا وأرخى سترًا، فلها الصداق كاملًا، وعليها العدة (¬8). 3 - الخلوة الصحيحة أقيمت مقام الدخول في وجوب العدة، مع أنها ليست بدخول حقيقة؛ لكونها سببا مفضيا إليه، فأقيمت مقامه احتياطًا، إقامة للسبب مقام المسبب فيما يحتاط فيه (¬9)، والاحتياط في باب الفروج واجب؛ إذ الأصل فيها التحريم (¬10). ¬
• الخلاف في المسألة: ذهب الإمام الشافعي في الجديد (¬1)، وابن حزم (¬2)، إلى أن الخلوة قبل المسيس لا تُوجِب العدة. وهو قول ابن مسعود، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، وشريح، والشعبي، وطاوس، وابن سيرين (¬3). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]. 2 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]. • وجه الدلالة: نص اللَّه -عز وجل- على وجوب نصف الصداق المسمى في حال الطلاق قبل الدخول، ونص -عز وجل- على عدم وجوب العدة إذا عُدم الدخول، ولم يفرق بين أن يكون خلا بها، أو لم يخل بها (¬4). 3 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها: ليس لها إلا نصف الصداق؛ لأن اللَّه -عز وجل- يقول: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] (¬5). 4 - أن الخلوة دون مسيس قد عريت عن الإصابة، فلم يتعلق بها حكم، كالخلوة من غير النكاح (¬6).Rعدم تحقق الإجماع على أن العدة تجب بالخلوة؛ لوجود خلاف عن الإمام الشافعي في الجديد، وابن حزم، وهو قول ابن مسعود، وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، وشريح، والشعبي، وطاوس، وابن سيرين، بأن الخلوة قبل المسيس لا توجب العدة. ¬
[18 - 371] وجوب العدة بالدخول في النكاح الفاسد
[18 - 371] وجوب العدة بالدخول في النكاح الفاسد: إذا نكح الرجل امرأةً نكاحًا مختلفًا فيه (¬1)، وكان قد دخل بها، فهو نكاح فاسد (¬2) تجب به العدة، فإن لم يدخل بها، فلا عدة عليها؛ ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن نكحها نكاحًا مختلفًا فيه، فهو فاسد، . . . وإن فارقها في الحياة بعد الإصابة، اعتدت بعد فرقته بثلاثة قروء، ولا اختلاف فيه، وإن كان قبل الخلوة، فلا عدة عليها، بلا خلاف" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أن من نكحت نكاحًا فاسدًا، إن أصابها الزوج اعتدت، وإن فارقها قبل الخلوة فلا عدة عليها، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - عموم قول اللَّه تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: هذا نص عام في كل مطلقة؛ فتجب العدة بالفرقة، سواء كانت من نكاح صحيح، أو من نكاح فاسد (¬7). 2 - أن النكاح الفاسد، يلحق به النسب، فوجبت به العدة، كالنكاح الصحيح (¬8). 3 - أن العدة هي للتعرف على براءة الرحم، فتستوي فيه من نكحت نكاحًا صحيحًا، ومن نكحت نكاحًا فاسدا (¬9). ¬
[19 - 372] فسخ النكاح إذا وقع في العدة
• الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم الجمهور؛ فقال: لا تجب العدة إلا من طلاق، أو وفاة، أو المعتقة إذا اختارت نفسها، وأما سائر وجوه الفسخ، سواء كانت من نكاح صحيح أو نكاح فاسد، فلا عدة في شيء من ذلك (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - أن عدة الطلاق، والوفاة، مذكورة في القرآن، وعدة المعتقة التي اختارت نفسها جاءت بها السنة، فقال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن زوج بريرة كان عبدًا أسود؛ اسمه "مغيث"، فخيرها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأمرها أن تعتد (¬2). ولو كانت العدة على غيرهن، لبينها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). 2 - أن العدة لا تكون إلا من نكاح صحيح، ولا تجب إلا من زوج، ومن كان عقده فاسدًا؛ فنكاحه غير صحيح وليس بزوج (¬4).Rأولًا: عدم تحقق ما ذكر من أنه لا خلاف في وجوب العدة من النكاح الفاسد؛ لوجود خلاف عن ابن حزم. ثانيًا: يحمل ما ذكر من نفي الخلاف؛ أنه لا خلاف في المذاهب الأربعة بوجوب العدة في النكاح الفاسد؛ وإن اختلفوا في بعض الأنكحة الفاسدة. [19 - 372] فسخ النكاح إذا وقع في العدة: سبق بحث مسألة التصريح والتعريض بالخطبة في العدة؛ إذ يحرم التصريح في العدة بالخطبة، ويُباح التعريض في المتوفى عنها زوجها. فإن وقع النكاح في العدة فهو مفسوخ، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "وجوب العدة تمنع من عقد النكاح قبل انقضائها، فإن نكحت في عدتها كان النكاح باطلًا بالإجماع" (¬5). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن كل نكاح عقدته امرأة وهي في عدتها ¬
الواجبة عليها، لغير مطلقها أقل من ثلاث، فهو مفسوخ أبدًا" (¬1). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملة الأمر أن المعتدة لا يجوز لها أن تنكح في عدتها؛ إجماعًا، أَيّ عدة كانت" (¬2). 4 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "ولو طلقها أو مات عنها، فلم تنقضِ عدتها حتى تزوجت؛ فُرّق بينهما، . . . أما كونه يفرق بينهما والحال هذه؛ فلأنه نكاح باطل اتفاقًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على فسخ النكاح إذا وقع في العدة، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، وهو قول عمر، وعلي -رضي اللَّه عنهما-، والشعبي (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235]. • وجه الدلالة: لا يجوز للرجل أن ينكح المرأة المعتدة حتى تنقضي عدتها، فتبلغ الأجل الذي أجله اللَّه في كتابه لانقضائها (¬7). 2 - عن سعيد بن المسيب، وعن سليمان بن يسار أن طليحة الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي، فطلقها، فنكحت في عدتها، فضربها عمر بن الخطاب، وضرب زوجها بالمخفقة ضربات، وفرق بينهما (¬8). • وجه الدلالة: يؤخذ من فعل عمر -رضي اللَّه عنه- أنه لم يضربهما، ولم يفرق بينهما إلا لتحريم النكاح في العدة. 3 - أن العدة إنما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم؛ لئلا يفضي إلى اختلاط المياه، وامتزاج الأنساب (¬9)، فإذا وقع النكاح في العدة، لم يؤمن من ذلك. ¬
[20 - 373] إذا تزوجت المعتدة ثم فارقها زوجها الثاني، أتمت عدتها من الأول، ثم استأنفت عدتها من الثاني
Rتحقق الإجماع على أن النكاح إذا وقع في العدة يجب أن يفسخ؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [20 - 373] إذا تزوجت المعتدة ثم فارقها زوجها الثاني، أتمت عدتها من الأول، ثم استأنفت عدتها من الثاني: إذا تزوجت المعتدة قبل انقضاء عدتها يجب أن يفسخ نكاحها -كما مضى في المسألة السابقة- فإذا فارقها زوجها الثاني، أكملت عدتها من زوجها الأول، واستأنفت عدة من زوجها الثاني، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: ". . . إذا ثبت هذا فعليه فراقها، فإن لم يفعل وجب التفريق بينهما، فإن فارقها أو فُرِّق بينهما وجب عليها أن تكمل عدة الأول؛ . . . فإذا أكملت عدة الأول وجب عليها أن تعتد من الثاني) ثم ذكر قول عمر، وعلى في ذلك، ثم قال: "وهذان قولا سيدين من الخلفاء، لم يعرف لهما في الصحابة مخالف" (¬1). 2 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وإن تزوجت في عدتها؛ لم تنقطع عدتها، حتى يدخل بها فتنقطع حينئذ، ثم إذا فارقها بَنَتْ على عدتها من الأول، واستأنفت العدة من الثاني، لا أعلم فيه خلافًا" (¬2). وذكره عنه ابن القاسم (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء الحنابلة من أنه لا خلاف في أن من تزوجت في عدتها، تكمل عدتها من الأول، وتستأنف عدة من الثاني، وافق عليه المالكية في رواية (¬4)، والشافعية (¬5). وهو قول عمر (¬6)، وعلي -رضي اللَّه عنهما-، وعمر بن عبد العزيز (¬7). ¬
• مستند نفي الخلاف: 1 - عن سعيد بن المسيب، وعن سليمان بن يسار أن طليحة الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي، فطلقها، فنكحت في عدتها، فضربها عمر ابن الخطاب، وضرب زوجها بالمخفقة ضربات، وفرق بينهما، ثم قال عمر بن الخطاب: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها، فُرِّق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم كان الآخر خاطبًا من الخطاب، وإن كان دخل بها، فُرّق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم اعتدت من الآخر، ثم لا يجتمعان (¬1). 2 - عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه قضى في التي تزوج في عدتها، أنه يُفرَّق بينهما، ولها الصداق بما استحل من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول، وتعتد من الآخر (¬2). • الخلاف فى المسألة: ذهب الحنفية (¬3)، والمالكية في رواية (¬4)، إلى أنها تجزئ عدة واحدة من يوم فارقها الثاني. ويروى هذا القول عن ابن مسعود (¬5)، ومعاذ بن جبل -رضي اللَّه عنهما- (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - أن الغرض من العدة هو معرفة براءة الرحم، وذلك يحصل بجعل عدة واحدة عليها بعد فراقها من زوجها الثاني (¬7). 2 - أن العدتين إذا كانتا من جنس واحد تداخلتا؛ فينقضيان بمضي واحدة منهما (¬8).Rما ذكر من نفي الخلاف في أن المعتدة إذا تزوجت في عدتها ثم فارقها الثاني، أكملت عدتها من الأول، ثم استأنفت عدة من الثاني غير صحيح؛ وذلك لوجود خلاف قديم بأن العدتين تتداخلان؛ فلا يلزمها إلا عدة واحدة، وهذا يروى عن ابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وهو قول الحنفية، والمالكية في رواية. ¬
[21 - 374] تحريم نكاح الحامل
[21 - 374] تحريم نكاح الحامل: سبق بحث هذه المسألة. [22 - 375] عدة المرضع التي انقطع حيضها بسبب الرضاع ثلاث حيض: قد يرتفع حيض المرأة بسبب الرضاع، فإن كانت معتدة، وهي ترضع؛ فيجب أن تعتد بثلاث حيض، طال الوقت، أم قصر، ونُقل الإجماع في ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "أجمعوا أن التأخير بالرضاع، لا يسوغ لها الاعتداد بغير الحيض؛ لأنها ليست ممن لا تحيض، ولا آيسة" (¬1). 2 - العمراني (558 هـ) حيث قال بعد أن ذكر قصة عثمان، وعلى في توريث امرأة حبان (¬2) منه؛ لانقطاع حيضها بسبب الرضاعة (¬3): "ولا مخالف لهما، فدل على أنه إجماع" (¬4). 3 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "إن كان قد ارتفع حيضها بمرض، أو رضاع؛ فإنها تتربص حتى يزول العارض باتفاق العلماء" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من أن عدة المرضع ثلاث حيضات وإن تباعدت، وافق عليه الحنفية (¬6)، وابن حزم (¬7). وهو قول عثمان، وعلي، وزيد، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، والحسن البصري، والشعبي، وعطاء، والزهري، وجابر بن زيد (¬8). ¬
• مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]. • وجه الدلالة: أن المرضع قد ثبت أنها تحيض قطعًا؛ فليست من اليائسات من المحيض، وليست صغيرة لم تحض، فوجب أن تعتد بثلاث حيضات بالغة ما بلغت (¬1). 2 - عن محمد بن يحيى بن حبان (¬2) قال: كان عند جدّي امرأتان: هاشمية وأنصارية، فطلق الأنصارية، وهي ترضع، فمرت بها سنة، ثم هلك عنها ولم تحض، فقالت: أنا أرثه؛ لم أحض؛ فاختصمتا إلى عثمان بن عفان، فقضى لها بالميراث، فلامت الهاشمية عثمان، فقال: هذا عمل ابن عمك، هو أشار علينا بهذا. يعني على ابن أبي طالب (¬3). • وجه الدلالة: عادة النساء أن تحيض إحداهن ثلاث حيضات في ثلاثة أشهر، وهذه المرضع لما طلقت مرَّت بها سنة قبل أن تحيض؛ بسبب الرضاعة، فلما مات زوجها بعد السنة ورَّثها الصحابة منه لأنها زوجة. 3 - أن حبان بن منقذ طلق امرأته طلقة واحدة، وكانت له منها بُنَيَّة ترضعها، فتباعد حيضها، ومرض حبان، فقيل له: إنك إن مت ورثتك. فمضى إلى عثمان، وعنده على، وزيد بن ثابت، فسأله عن ذلك، فقال عثمان لعلي وزيد: ما تريان؛ فقالا: نرى أنها إن ماتت ورثها، وإن مات ورثته؛ لأنها ليست من القواعد اللاتي يئسن من المحيض، ولا من الأبكار اللائي لم يبلغن المحيض، فرجع حبان إلى أهله، فانتزع البنت منها، فعاد إليها الحيض، فحاضت حيضتين؛ ومات حبان، قبل انقضاء الثالثة، فورّثها عثمان -رضي اللَّه عنه- (¬4). ¬
[23 - 376] من يتباعد ما بين حيضتيها لا تنقضي عدتها حتى تتم ثلاث حيض، وإن طالت
• وجه الدلالة: لما كانت المرأة غير يائسة من المحيض، ولا صغيرة لم تحض، كانت من ذوات الحيض، وذوات الحيض أجلهن انتهاء ثلاث حيض. وهذه لم تحض ثلاث حيض بسبب الرضاع، فورّثها عثمان -رضي اللَّه عنه- من زوجها لما مات قبل أن تستكمل حيضها.Rتحقق الإجماع على أن عدة المرضع إذا ارتفع حيضها بسبب الرضاعة، ثلاث حيض، طالت المدة أو قصرت؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [23 - 376] من يتباعد ما بين حيضتيها لا تنقضي عدتها حتى تتم ثلاث حيض، وإن طالت: إذا كانت المرأة معتدة بالأقراء، وكانت عادتها أن لا تحيض في كل شهر مرّة كما هي عادة النساء، بل عادتها متباعدة، فهذه لا تنتهي عدتها حتى تتم ثلاثة أقراء، ونُقل الإجماع في ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "عدة المطلقة الأقراء؛ وإن تباعدت، هذا إجماع من العلماء" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "فإن كانت عادة المرأة أن يتباعد ما بين حيضتيها، لم تنقض عدتها حتى تحيض ثلاث حيض، وإن طالت. . . ولا نعلم في هذا مخالفا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر، وابن قدامة من الإجماع على أن من يتباعد ما بين حيضتيها، لا تنقضي عدتها حتى تتم ثلاث حيض؛ وإن طالت، وافق عليه الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم الظاهري (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] • وجه الدلالة: من الآية: هذا نص عام في كل مطلقة، أنها تتربص ثلاثة قروء، وتستوي في ذلك من كانت تحيض في كل شهر مرة، أو من يتباعد ما بين حيضتيها. ¬
[24 - 377] العدة تعتبر بالنساء
2 - أن هذه لم يرتفع حيضها، ولم تتأخر عن عادتها، فهي من ذوات القروء، باقية على عادتها فأشبهت من لم يتباعد حيضها (¬1).Rتحقق الإجماع على أن من يتباعد ما بين حيضتيها، لا تنقضي عدتها حتى تتم ثلاث حيض؛ وإن طالت؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [24 - 377] العدة تعتبر بالنساء: العدة تعتبر بالنساء، حريَّةً ورقًّا، فلا تستوي الأمة مع الحرة في العدة؛ إلا في عدة الحمل، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - السرخسي (490 هـ) حيث قال: "وطلاق الأمة ثنتان، وعدتها حيضتان، تحت حُرٍّ كانت أو تحت عبد، وطلاق الحرة ثلاث تطليقات، وعدتها ثلاث حِيَضْ، تحت حُرٍّ كانت أو تحت عبد، وفي العدة اتفاق أن العبرة بحالها لا بحال الزوج" (¬2). 2 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الاعتبار في العدة بالمرأة، فإن كانت عدتها بوضع الحمل؛ فالحرة والأمة فيه سواء، وإن كانت بالأقراء؛ فالحرة تعتد بثلاثة أقراء، والأمة بقرأين، وإن كانت بالأشهر، فإن كانت عدة وفاة؛ فالأمة بشهرين وخمس ليال، على النصف من الحرة" (¬3). 3 - ابن رشد الجد (520 هـ) حيث قال: "ولا اختلاف أعلمه في أن العدة بالنساء، وأن الأمة تعتد بحيضتين، كان زوجها حرًّا أو عبدًا، والحرة تعتد ثلاث حيض، كان زوجها حرًّا أو عبدًا" (¬4). 4 - علاء الدين السمرقندي (540 هـ) حيث قال: "العدة تتنصف بالرق، وتتكامل بالحرية، ويعتبر فيها جانب النساء دون الرجال بالإجماع" (¬5). 5 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "إن العدة تعتبر بالنساء بالإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن العدة تعتبر بالنساء، ¬
[25 - 378] عدة الأمة المطلقة حيضتان
وافق عليه الحنابلة (¬1)، وابن حزم الظاهري (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. 2 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. 3 - وقال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. • وجه الدلالة: من هذه الآيات: الخطاب في هذه الآيات للنساء، مبيَّن فيه عدة المطلقة، والمتوفى عنها زوجها، واليائسة من المحيض، والصغيرة، وذات الحمل، فالعدة تعتبر بهن. 4 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء" (¬3). 5 - عن سالم أن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- كان يقول في العبد تكون تحته الحرَّة، أو الحرّ تكون تحته الأمة: أيهما رق نقص الطلاق برقه، والعدة بالنساء (¬4).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن العدة تعتبر بالنساء؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ثانيًا: وقع خلاف بين الفقهاء في بعض مفردات ما ذكره العلماء الذين حكوا الإجماع على أن العدة تعتبر بالنساء؛ مثل قولهم: عدة الأمة على النصف من عدة الحرة، فلا تساويها في عدة الأقراء، ولا في عدة الشهور، ولا في عدة الوفاة، وهو ما سيتبين من خلال المسائل التالية في البحث بإذن اللَّه تعالى. [25 - 378] عدة الأمة المطلقة حيضتان: إن كانت الأمة ممن يحضن؛ ثم طلقت، فعدتها حيضتان، ونُقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "لم أعلم مخالفًا ممن حفظت عنه من أهل العلم في أن عدة الأمة نصف عدة الحرة، فيما كان له نصف معدود ما لم تكن حاملًا، . . . أن تجعل عدة الأمة على النصف من عدة الحرة فيما له نصف، وذلك الشهور، فأما الحيض فلا يعرف له نصف، فتكون عدتها فيه أقرب الأشياء من النصف، . . . وذلك حيضتان" (¬1). 2 - الترمذي (279 هـ)، حيث قال بعد أن ذكر أن طلاق الأمة تطليقتان وعدتها قرءان: "والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم" (¬2). 3 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن عدة الأمة التى تحيض بالطلاق: حيضتان" (¬3). 4 - الجصاص (370 هـ) حيث قال: "وهذا الذي ذكره اللَّه تعالى من العدة ثلاثة قروء، ومرادها مقصورة على الحرة دون الأمة، وذلك أنه لا خلاف بين السلف أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة" (¬4). 5 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "وروي عن عمر قال: يطلق العبد تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين، ووافقه على، وابن عمر -رضي اللَّه عنه-، وليس لهم مخالف من الصحابة، فكان إجماعا" (¬5). 6 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "قال الجميع من علماء المسلمين في عدة الأمة من الطلاق: حيضتان" (¬6). 7 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "فإن كانت أمة؛ فتعتد نصف عدة الحرة إجماعًا" (¬7). ونقله عنه القرطبي (¬8). 8 - العمراني (558 هـ) حيث قال: "وإن كانت المطلقة أمة، . . . فإن كانت من ذوات الأقراء؛ اعتدت بقرأين، وهو قول كافة العلماء" (¬9). ¬
9 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن عدة الأمة بالأقراء قرءان" (¬1). ونقله عنه ابن القاسم (¬2). 10 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أكثر أهل العلم يقولون: عدة الأمة بالقرء قرءان، . . . منهم: عمر، وعلي، وابن عمر -رضي اللَّه عنه-، ولم نعرف لهم مخالفًا في الصحابة، فكان إجماعا" (¬3). 11 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "فإن كانت أمة فقرءان بالاتفاق" (¬4). 12 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن عدة من تحيض ثلاثة قروء إن كانت حرة، فإن كانت أمة فقرءان" (¬5). 13 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "أجمع الصحابة على أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة" (¬6). وقال أيضًا: "روي عن عمر، وابنه، وعلي -رضي اللَّه عنهم-؛ أن عدة الأمة حيضتان، ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة، فكان إجماعًا" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن عدة الأمة إن كانت من ذوات القروء حيضتان، هو قول عمر، وعلي، وابن عمر، -رضي اللَّه عنه-، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعطاء، وسالم بن عبد اللَّه، والقاسم بن محمد، والزهري، وقتادة، والثوري، وإسحاق، وأبي ثور (¬8). • مستند الإجماع: 1 - عن أم المؤمنين عائشة -رضي اللَّه عنه-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان" (¬9). 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طلاق الأمة طلقتان، وعدتها حيضتان" (¬10). ¬
3 - أن العدة معنى ذو عدد، بُنيَ على التفاضل؛ فلا تساوي فيه الأمة الحرة (¬1). 4 - كل عدد يؤثر فيه الرق بالنقصان، فيكون الرقيق فيه على النصف من الحر، إلا أن القرء لا يتبعض، فكُمِّل (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب داود (¬3)، وابن حزم (¬4)، إلى القول بأن عدة الأمة المطلقة ثلاثة قروء كالحرة. وهو قول ابن سيرين، والأصم (¬5)، إلا أن ابن سيرين قال: إلا أن تكون مضت بذلك سُنة؛ فالسُّنّة أحق أن تتبع (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: هذه الآية عامة في كل مطلقة سواء كانت حرة أو أمة (¬7). 2 - أن القاسم بن محمد سئل عن عدة الأمة فقال: الناس يقولون حيضتان، وإنا لا نعلم ذلك، أو قال: لا نجد ذلك في كتاب اللَّه، ولا سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬8).Rعدم تحقق الإجماع في أن عدة الأمة المطلقة قرءان؛ لما يأتي: 1 - أن ما قيل من أحاديث في هذه المسألة غير صحيح؛ ولذلك قال ابن سيرين: إن عدة الأمة كعدة الحرة؛ إلا أن تكون فيه سنة، ولم تثبت. 2 - ما قاله القاسم بن محمد أن ذلك ليس في كتاب اللَّه، ولا سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 3 - وجود خلاف عن ابن سيرين، والأصم، وداود، وابن حزم، يرى أنها كالحرة. ¬
[26 - 379] عدة الأمة التي يموت عنها زوجها شهران وخمس ليال
[26 - 379] عدة الأمة التي يموت عنها زوجها شهران وخمس ليال: إذا كانت الزوجة أمة، فتوفي عنها زوجها، فعدتها شهران وخمس ليال، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "لم أعلم مخالفًا ممن حفظت عنه من أهل العلم في أن عدة الأمة نصف عدة الحرة، فيما كان له نصف معدود ما لم تكن حاملًا، . . . أن تجعل عدة الأمة على النصف من عدة الحرة فيما له نصف، وذلك الشهور" (¬1). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن عدة الأمة التي ليست بحامل، من وفاة زوجها، شهران وخمس ليال" (¬2). 3 - الجصاص (370 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين السلف فيما نعلمه، وبين فقهاء الأمصار، في أن عدة الأمة المتوفى عنها زوجها شهران وخمسة أيام، نصف عدة الحرة" (¬3). 4 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "عدة الأمة إذا هلك عنها زوجها، شهران وخمس ليال، . . . على هذا جماعة العلماء من الصحابة، والتابعين، وأئمة الفتوى في أمصار المسلمين" (¬4). 5 - علاء الدين السمرقندي (540 هـ) حيث قال: "وأما في حق الزوجة الأمة: فشهران وخمسة أيام، كان زوجها حرًّا أو عبدًا؛ لأن العدة تتنصف بالرق، . . . بالإجماع" (¬5). 6 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "فإن كانت أمة فتعتد نصف عدة الحرة إجماعًا" (¬6). ونقله عنه القرطبي (¬7). 7 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وأما الأمة المتوفى عنها زوجها؛ فعدتها شهران ¬
وخمسة أيام، في قول عامة أهل العلم، . . . ولنا اتفاق الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على أن عدة الأمة المطلقة على النصف من عدة الحرة، فكذلك عدة الوفاة" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من أن عدة الأمة المتوفى عنها زوجها شهران وخمس ليال؛ هو قول سعيد ابن المسيب، وعطاء، وسليمان بن يسار، والزهري، وقتادة، والثوري، وإسحاق، وأبي ثور (¬2). • مستند الإجماع: 1 - عن أم المؤمنين عائشة -رضي اللَّه عنهما-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان" (¬3). 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طلاق الأمة طلقتان، وعدتها حيضتان" (¬4). • وجه الدلالة: أنه لما كانت الأمة على النصف من الحرة في العدة بالأقراء، وجب أن تكون على النصف في عدة الوفاة (¬5). 3 - أن العدة معنى ذو عدد، بُنيَ على التفاضل؛ فلا تساوي فيه الأمة الحرة (¬6). 4 - كل عدد يؤثر فيه الرق بالنقصان، فيكون الرقيق فيه على النصف من الحر (¬7). • الخلاف في المسألة: ذهب الشافعية في قول غير مشهور (¬8)، وابن حزم (¬9)، إلى أن عدة الأمة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر، كالحرة، وهو قول ابن سيرين (¬10)، والأصم (¬11). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ¬
[27 - 380] عدة الأمة الحامل كالحرة، تنقضي بوضع الحمل
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] • وجه الدلالة: هذه الآية عامة في كل من مات عنها زوجها، حرة كانت أو أمة (¬1). 2 - أن الولد يكون أربعين يومًا نطفة، وأربعين يومًا علقة، وأربعين يومًا مضغة، ثم تنفخ فيه الروح ويتحرك، فاعتبر أن تستوي الحرة والأمة في عدة الوفاة، كما تستويان في مراحل الحمل هذه (¬2).Rعدم تحقق الإجماع على أن عدة الأمة المتوفى عنها زوجها شهران وخمس ليال؛ وذلك لوجود خلاف عن ابن سيرين والأصم، والشافعية في غير المشهور عنهم وابن حزم، بأن عدتها أربعة أشهر وعشر. [27 - 380] عدة الأمة الحامل كالحرة، تنقضي بوضع الحمل: تستوي الأمة والحرة في عدة الحمل، فعدتها تنتهي بوضع الحمل، سواء كانت معتدة من عدة طلاق، أو من عدة وفاة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "ولم أعلم مخالفًا في أن الأمة الحامل في الوفاة والطلاق كالحرة، تحل بوضع حملها" (¬3). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن أجل كل حامل مطلقة، يملك الزوج رجعتها أو لا يملك، حرة كانت أو أمة، أو مدبرة، أو مكاتبة، إذا كانت حاملًا، أن تضع حملها" (¬4). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن كانت حاملًا فحتى تضع، وهذا بحمد اللَّه لا خلاف فيه" (¬5). 4 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "عدة الأمة المطلقة: أما الحامل فبالوضع اتفاقًا" (¬6). 5 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "ولو طلقها أو مات عنها، وهي حامل منه، لم تنقض عدتها إلا بوضع الحمل، أمة كانت أو حرة، . . . وهذا إجماع، والحمد ¬
للَّه" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن عدة الأمة الحامل المطلقة أو المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع الحمل، وافق عليه الحنفية (¬2)، وابن حزم الظاهري (¬3). وهو قول عمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس في إحدى الروايتين عنه، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4)، وقال به سعيد بن المسيب، والزهري، وقتادة، والثوري، والأوزاعي، وأبو ثور، وأبو عبيد (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: الآية 4]. • وجه الدلالة: هذا نص في المسألة، يفيد أن ذات الحمل تنقضى عدتها بوضع الحمل، وتستوي فيه الحرة والأمة. 2 - أن سُبيعة الأسلمية كانت تحت سعد بن خولة، وكان ممن شهد بدرًا، فتوفي عنها في حجة الوداع؛ وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلَّت من نفاسها، تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بَعْكَك فقال لها: ما لي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح؟ ! إنكِ واللَّه ما أنت بناكح حتى تمر عليكِ أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك؛ جمعت عليَّ ثيابي حتى أمسيت، فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي (¬6). • الخلاف في المسألة: روي عن علي، وابن عباس في رواية عنه؛ أنهما قال: إذا توفي الرجل عن زوجته الحامل فإنها تعتد بأبعد الأجلين، فإن كان وضع الحمل هو الأبعد في العدة اعتدت به، وإن كانت الأربعة أشهر وعشر هي الأبعد اعتدت بها (¬7)، ¬
[28 - 381] انتهاء العدة إذا وضعت الحامل ما يتبين أنه خلق آدمي
وقال بهذا القول سحنون من المالكية (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: الآية 4]. • وجه الدلالة: الاعتداد بوضع الحمل إنما ذكر بعد الطلاق لا في عدة الوفاة بناءً على قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: الآية 1]. فكان المراد بأولات الأحمال: المطلقات، دون غيرهن (¬2). 2 - أن في الاعتداد بالحمل جمعًا بين قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: الآية 234] وقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: الآية 4]؛ لأن فيه عملًا بآية عدة الحمل؛ إن كان أجل تلك العدة أبعد، وعملًا بعدة الوفاة؛ إن كان أجلها أبعد (¬3).Rتحقق الإجماع على أن عدة الأمة الحامل المطلقة، أو المتوفى عنها زوجها تنتهي بوضع الحمل، وقد سبق بيان ذكر خلاف على وابن عباس -رضي اللَّه عنهم- في الحرة إذا توفي عنها زوجها وهي حامل، وكانتRتحقق الإجماع على أنها تعتد بوضع الحمل، وأن الخلاف عن علي وابن عباس غير صحيح إليهما (¬4). [28 - 381] انتهاء العدة إذا وضعت الحامل ما يتبين أنه خلق آدمي: إذا طلق الرجل امرأته أو توفي عنها، وهي حامل، فإن عدتها تنتهي بوضع حملها، فلو أسقطت سقطًا تبين فيه خلق الآدمي، فقد انتهت عدتها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن عدة المرأة تنقضي بالسقط تسقطه، إذا علم أنه ولد" (¬5). ونقله عنه ابن قدامة (¬6). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن المرأة إذا قالت في عشرة أيام: قد ¬
[29 - 382] وجوب عدة الوفاة على الزوجة لموت زوجها، دخل بها أم لا
حضت ثلاث حيض، وانقضت عدتي، أنها لا تصدق، ولا يقبل قولها؛ إلا أن تقول: قد أسقطت سقطًا قد استبان خلقه" (¬1). ونقله عنه القرطبي (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إن المرأة إذا ألقت بعد فرقة زوجها شيئًا، . . . أن تضع ما بأن فيه خلق الآدمي، من الرأس واليد والرجل، فهذا تنقضي به العدة، بلا خلاف بينهم" (¬3). ونقله عنه ابن قاسم (¬4). 3 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "وإذا أسقطت تام الخلق أو ناقص الخلق؛ بطل حق الرجعة؛ لانقضاء العدة، اتفاقًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الحامل إذا وضعت ما يتبين أنه خلق آدمي، فقد انتهت عدتها، وافق عليه ابن حزم (¬6). وهو قول الحسن، وابن سيرين، وشريح، والشعبي، والنخعي، والزهري، والثوري، وإسحاق (¬7). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: الآية 4]. • وجه الدلالة: ما خرج من المرأة إثر ولادتها، ولو لم تتم تسعة أشهر، إذا تبين فيه خلق الآدمي يدخل في عموم هذه الآية (¬8).Rتحقق الإجماع على أن المرأة إذا أسقطت ما يتبين أنه خلق آدمي فقد انتهت عدتها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [29 - 382] وجوب عدة الوفاة على الزوجة لموت زوجها، دخل بها أم لا: تجب عدة الوفاة على كل زوجة، وتستوي في ذلك من دخل بها زوجها أم لم يدخل بها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن العدة واجبة من موت الزوج الصحيح العقل، وسواء كان وطئها، أو لم يكن وطئ، كان قد دخل بها، ¬
[30 - 383] وجوب عدة الوفاة على المطلقة طلاقا رجعيا
أو لم يدخل بها" (¬1). 2 - الرافعي (623 هـ) حيث قال: "إذا مات زوج المرأة، لزمتها عدة الوفاة بالإجماع، والنصوص" (¬2). 3 - النووي (676 هـ) فذكره كما قال الرافعي (¬3). 4 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "وأما عدة الوفاة فتجب بالموت؛ سواء دخل بها، أو لم يدخل، اتفاقًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من وجوب عدة الوفاة على الزوجة لموت زوجها، سواء كان دخل بها، أم لم يدخل بها، وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: الآية 234]. • وجه الدلالة: دلت الآية على وجوب العدة على النساء بموُت أزواجهن، وتدخل في الخطاب كل امرأة دخل بها زوجها أم لا (¬7).Rتحقق الإجماع على أن عدة الوفاة تجب على الزوجة لموت زوجها، دخل بها أم لا، وذلك لعدم وجود مخالف. [30 - 383] وجوب عدة الوفاة على المطلقة طلاقًا رجعيًّا: إذا طلق الرجل امرأته طلاقًا يملك رجعتها فيه، ثم مات قبل أن تنتهي من عدتها في الطلاق الرجعي، وجب عليها أن تستأنف عدة الوفاة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على مطلق زوجته طلاقا يملك فيه رجعتها، ثم توفي قبل انقضاء العدة أن عليها عدة الوفاة، وترثه" (¬8) ¬
ونقله عنه ابن قدامة (¬1)، وابن قاسم (¬2). 2 - المرغيناني (593 هـ) حيث قال: "أما إذا كان رجعيًّا؛ فعليها عدة الوفاة بالإجماع" (¬3). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "الرجعي فيه شبه من أحكام العصمة، ولذلك وقع فيه الميراث باتفاق إذا مات وهي في عدة من طلاق رجعي، وأنها تنتقل إلى عدة الموت" (¬4). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإذا مات زوج الرجعية، استأنفت عدة الوفاة، أربعة أشهر وعشرا، بلا خلاف" (¬5). ونقله عنه ابن قاسم (¬6). 5 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "فأما إن كان الطلاق رجعيا في الصحة والمرض، ومات قبل انقضاء العدة، فهذه زوجته ترث، وعليها عدة الوفاة باتفاق الأئمة" (¬7). 6 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "وإن مات عن مطلقة رجعية، انتقلت إلى عدة وفاة، بالإجماع" (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب عدة الوفاة على المطلقة طلاقًا رجعيًّا إذا توفي عنها زوجها وهي في عدتها، وافق عليه ابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: أن الرجعية زوجة يلحقها طلاق الزوج، وإيلاؤه، وينالها ميراثه، فاعتدت للوفاة، كغير المطلقة (¬10).Rتحقق الإجماع على وجوب عدة الوفاة على الرجعية بوفاة زوجها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[31 - 384] الطلقة طلاقا رجعيا لا تخرج من بيتها
[31 - 384] الطلقة طلاقًا رجعيًّا لا تُخرَج من بيتها: إذا طلق الرجل امرأته طلاقًا يملك فيه الرجعة، فليس له أن يخرجها من بيتها ما دامت في عدتها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن المطلقة طلاقًا يملك فيه زوجها رجعتها، أنها لا تنتقل من بيتها" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر من المالكية من أن المطلقة طلاقًا رجعيًّا لا تُخرَج من بيتها، وافق عليه الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة في المذهب (¬4)، وابن حزم (¬5). وهو قول عمر، وابن مسعود، وعائشة، وابن عمر، وأكثر الصحابة -رضي اللَّه عنه-، والنخعي (¬6). • مستند الإجماع: قال تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1]. • وجه الدلالة: نهى اللَّه -سبحانه وتعالى- الأزواج عن إخراج النساء غضبًا عليهن بسبب الطلاق، كما نهى النساء عن الخروج، وكان النهي أبلغ حين أوقعه بلفظ الخبر في قوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] (¬7). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه، إلى أن الرجعية تسكن حيث شاء الزوج، فلها أن تنتقل وتتحول لمنزل آخر بإذن زوجها (¬8). • دليل هذا القول: أن الرجعية زوجة؛ وكما أن لزوجها عليها حق الرجعة، وله أن يطلقها، ويظاهر منها؛ بحكم الزوجية، فله أن ينقلها حيث شاء (¬9).Rعدم تحقق الإجماع على أن الرجعية لا تخرج من بيتها؛ للخلاف الوارد عن الإمام أحمد في رواية عنه بأن له أن يخرجها حيث شاء. ¬
[32 - 385] تعتد المتوفى عنها زوجها في بيت الزوجية
[32 - 385] تعتد المتوفى عنها زوجها في بيت الزوجية: إذا مات زوج المرأة فتلزمها عدة الوفاة، ويكون مقامها في بيت زوجها الذي جاءها فيه خبر وفاته، ونُفي الخلاف في ذلك. من نفى الخلاف: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال في التي خرجت من بيت زوجها لسفر أو حج، ثم توفي زوجها: "ومتى رجعت وقد بقي عليها شيء من عدتها، لزمها أن تأتي به في منزل زوجها، بلا خلاف نعلمه بينهم في ذلك" (¬1). 2 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه، . . . بلا نزاع" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء الحنابلة من أنه لا خلاف في أن المعتدة من وفاة، تعتد في منزل زوجها الذي جاءها خبر وفاته فيه، وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وهو قول عمر، وعثمان، وابن عمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأم سلمة -رضي اللَّه عنهم-، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، والزهري، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1]. • وجه الدلالة: البيت الذي تؤمر بالسكون فيه للاعتداد، هو الموضع الذي كانت تسكنه قبل مفارقه زوجها وقبل موته، سواء كان الزوج ساكنا فيه أو لم يكن، لأن اللَّه تعالى أضاف البيت إليها بقوله -عز وجل-: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] والبيت المضاف إليها هو الذي تسكنه (¬7) 2 - أن الفريعة بنت مالك بن سنان جاءت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة؛ فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، فسألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن أرجع إلى أهلي، فإنه لم يتركني في ¬
مسكن يملكه ولا نفقة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم". قالت: فخرجت، حتى إذا كنت في المسجد، دعاني، فقال: "كيف قلت؟ "، فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي. قال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله". قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلى فسألني عن ذلك، فأخبرته، فاتبعه وقضى به (¬1). • وجه الدلالة: أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ألزمها أن تعتد في بيت الزوجية حتى تنقضي العدة، ويبلغ الكتاب أجله، وبه قضى عثمان، في جماعة الصحابة -رضي اللَّه عنهم- فلم ينكروه (¬2). 3 - عن مجاهد قال: استشهد رجال يوم أحد عن نسائهم، وكنَّ متجاورات في الدار، فجئن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلن: إنَّا نستوحش يا رسول اللَّه بالليل فنبيت عند إحدانا، حتى إذا أصبحنا تبددنا بيوتنا؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تحدثنَّ عند إحداكنَّ ما بدا لكن، حتى إذا أردتن النوم فلتأت كل امرأة إلى بيتها" (¬3). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب المزني من الشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5)، إلى أن المتوفى عنها زوجها تعتد حيث شاءت، ولا تجب عليها الإقامة في بيت زوجها أيام عدتها. وهو قول علي، وابن عباس، وجابر، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، وجابر بن زيد، والحسن البصري، وعطاء (¬6). • دليل هذا القول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: نسخت هذه الآية عدتها عند أهله، فتعتد حيث شاءت، وهو قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)} [البقرة: 240]. قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت؛ لقول اللَّه تعالى: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 240]. قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى، فتعتد حيث شاءت (¬7). ¬
[33 - 386] المعتدة من طلاق بائن، لا تلزمها عدة وفاة، إن مات زوجها وهي في عدة الطلاق
ثانيًا: ذهب سعيد بن المسيب، والنخعي إلى أن المرأة يلزمها أن تعتد حيث جاءها نعي زوجها، لا تبرح حتى تنقضي عدتها (¬1). • دليل هذا القول: في بعض ألفاظ حديث الفريعة: "اعتدي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك" (¬2). وفي لفظ: "اعتدي حيث أتاك الخبر" (¬3).Rعدم صحة ما ذكر من نفي الخلاف في أن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيت زوجها الذي مات فيه؛ لما يأتي: 1 - وجود خلاف عن بعض الصحابة والتابعين والظاهرية أن لها أن تعتد حيث شاءت. 2 - وجود خلاف عن سعيد بن المسيب والنخعي أنها تعتد حيث جاءها نعي زوجها، فلا تبرح ذلك المكان حتى تنتهي عدتها. [33 - 386] المعتدة من طلاق بائن، لا تلزمها عدة وفاة، إن مات زوجها وهي في عدة الطلاق: من طلق امرأته طلاقًا بائنًا وهو صحيحٌ، فعليها عدة الطلاق، فإن مات فلا تنتقل عن عدة الطلاق إلى عدة الوفاة، بلا خلاف. من نفى الخلاف: 1 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وإن طلقها في الصحة طلاقًا بائنًا، ثم مات في عدتها؛ لم تنتقل عن عدتها بلا نزاع" (¬4). 2 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وإن مات المطلق في عدة من أبانها في الصحة، لم تنتقل عن عدة الطلاق، . . . بلا نزاع، بل تبني على عدة الطلاق مطلقًا، ولا تعتد للوفاة" (¬5). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء الحنابلة من أنه لا خلاف في أن ¬
[34 - 387] إذا طلقت المرأة وهي نفساء، فلا تعتبر بذلك النفاس في العدة
المعتدة من طلاق بائن لا يلزمها عدة وفاة، إن مات زوجها وهي في عدة الطلاق، وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: هذه مطلقة لزمتها عدة الطلاق بنص الآية، وقد بانت من زوجها، فقد انتهت علائق النكاح بينهما، ولم يبقَ إلا معرفة براءة رحمها، ولا يكون ذلك إلا بالعدة ثلاثة قروء (¬4). 2 - أن هذه لم تعد زوجة؛ بل أصبحت أجنبية من مطلقها، فلا ترثه إن مات، ولا يرثها هو، فما يلزمها الاعتداد من وفاته (¬5).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن المعتدة من طلاق بائن لا يلزمها عدة وفاة، إن مات زوجها وهي في عدة الطلاق. [34 - 387] إذا طلقت المرأة وهي نفساء، فلا تعتبر بذلك النفاس في العدة: إذا طلق الرجل امرأته وهي نفساء، فلا تعتد بدم النفاس في العدة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن المطلقة وهي نفساء، لا تعتد بدم النفاس حتى تستأنف الأقراء" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية من الإجماع على عدم اعتبار النفاس في العدة، إذا طُلقت المرأة وهي نفساء، وافق عليه الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والحنابلة (¬9). وهو قول زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه-، والحسن، وعطاء، وسليمان ابن يسار، والزهري، وأبي عبيد (¬10). ¬
[35 - 388] وجوب العدة على امرأة الخصي
• مستند الإجماع: قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: جعل اللَّه -عز وجل- عدة المرأة بالقروء، والقرء هو: الطهر، أو الحيض، والنفاس ليس من القروء (¬1).Rتحقق الإجماع على أن المرأة إذا طُلِّقت وهي نفساء، أنها لا تعتد بدم النفاس في العدة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [35 - 388] وجوب العدة على امرأة الخصي: إذا طلق الخصي امرأته، وجبت عليها العدة، ونُفي الخلاف في ذلك. من نفى الخلاف: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "وكذلك لا يختلفون في أن امرأة الخصي الذي بقي له من الذكر ما يولج، فإن على امرأته العدة، وهو بلا شك لا يولد له ولد أبدًا" (¬2). الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره ابن حزم من عدم الخلاف في وجوب العدة على امرأة الخصي، وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - أنه يقع منه إصابة لزوجته، فيكون منه إحصان لنفسه ولامرأته (¬7). 2 - أن الوطء منه يتأتى، وفراشه كفراش الصحيح (¬8).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في وجوب العدة على امرأة الخصي. [36 - 389] تعتد المختلعة بحيضة واحدة: إذا اختلعت المرأة من زوجها، فليس عليها من العدة إلا حيضة واحدة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "إن الشارع جعل عدة ¬
المختلعة حيضة، كما ثبتت به السنة، وأقرَّ به عثمان بن عفان، وابن عباس، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، . . . وهو إجماع "الصحابة" (¬1). 2 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "إنها تعتد بحيضة، وهو مذهب عثمان، وابن عباس، وقد حُكي إجماع الصحابة، ولم يعلم لهما مخالف" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنابلة من إجماع الصحابة على أن عدة المختلعة حيضة واحدة، هي رواية عن الإمام أحمد، وليست المذهب (¬3). وهو قول عثمان، وابن عباس، وابن عمر على اختلاف عنه، وقال به أبان بن عثمان (¬4)، وعكرمة، وإسحاق (¬5)، واختاره ابن المنذر (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تعتد بحيضة (¬7). 2 - عن الرُّبَيّع بنت معوذ؛ أنها اختلعت على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فأمرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تعتد بحيضة (¬8). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة في المذهب (¬12)، وابن حزم (¬13)، إلى أن عدة المختلعة كعدة المطلقة؛ فإن كانت من ¬
ذوات القروء؛ فعدتها ثلاثة قروء، وإن كانت من الآيسات؛ فعدتها ثلاثة أشهر. وهو قول عمر، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهم-، وسعيد بن المسيب، والحسن، وسالم بن عبد اللَّه، وسليمان بن يسار، والشعبي، وأبو سلمة ابن عبد الرحمن، والنخعي، وعروة، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وقتادة، والليث ابن سعد، والأوزاعي، والثوري، وأبي عبيد (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: ما حدث من الخلع بين الزوجين هو فرقة وقعت بعد الدخول، فكانت المختلعة كالمطلقة تعتد بثلاثة قروء (¬2). 2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتردين عليه حديقته؟ "، قالت: نعم، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة" (¬3). • وجه الدلالة: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثابت بن قيس أن يطلق امرأته، لما اختلعت منه برد الحديقة، فدل على أن العدة من الخلع هي العدة من الطلاق (¬4).Rعدم تحقق ما ذكر من الإجماع عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في أن المختلعة تعتد بحيضة، للأسباب التالية: 1 - قول عثمان، وابن عباس بأن عدة المختلعة حيضة، قد خالفه قول عمر، وعلي، وابن مسعود؛ بأن عدتها ثلاثة قروء (¬5). 2 - ما ورد عن ابن عمر أن عدتها حيضة، اختلف عنه، والصحيح عنه أن عدتها عدة مطلقة (¬6). 3 - أن الجماهير من الفقهاء يرون أن عدتها عدة المطلقة. ¬
[37 - 390] إذا خالع الرجل زوجته، وهي حامل، ثم تزوجها حاملا، ثم طلقها حاملا، انقضت عدتها بوضع الحمل
[37 - 390] إذا خالع الرجل زوجته، وهي حامل، ثم تزوجها حاملا، ثم طلقها حاملًا، انقضت عدتها بوضع الحمل: إذا خالع الرجل امرأته، وهي حامل، ثم تزوجها في حملها منه، ثم طلقها قبل أن تضع حملها، فإن عدتها تنتهي بوضع الحمل، ونُفي الخلاف في ذلك. من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "فإن خلعها -أي زوجته- حاملا ثم تزوجها حاملا، ثم طلقها وهي حامل، انقضت عدتها بوضع الحمل. . . ولا نعلم فيه مخالفا، ولا تنقضي عدتها قبل وضع حملها، بغير خلاف نعلمه" (¬1). • مستند نفي الخلاف: قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. • وجه الدلالة: هذه آية عامة في كل من لزمتها عدة، وهي حامل، أن عدتها تنتهي بوضع الحمل، سواء كانت مطلقة، أو مختلعة، أو متوفى عنها زوجها. وهذه المسألة مبنية على مسألتين سابقتين سبق أن تحقق الإجماع فيهما، والمسألتان هما: 1 - نكاح المختلعة في عدتها من زوجها؛ وقد تحقق الإجماع على جواز ذلك. 2 - عدة المطلقة الحامل، وقد تحقق الإجماع على أن عدتها تنتهي بوضع حملها.Rصحة ما ذكره ابن قدامة من نفي الخلاف في أن الرجل إذا خالع امرأته، وهي حامل، ثم تزوجها، ثم طلقها قبل أن تضع حملها، فإن عدتها تنتهي بوضع الحمل. [38 - 391] وجوب النفقة والسكنى للمعتدة من طلاق رجعي: سبق بحث هذه المسألة. [39 - 392] لا نفقة للمعتدة من وفاة، حاملًا أو غير حامل: إذا اعتدت المرأة من وفاة زوجها، فلا نفقة لها؛ حاملًا كانت أو غير حامل، ونُقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أما النفقة فلا تجب في عدة الوفاة إجماعًا، حاملًا كانت أو حائلًا" (¬1). 2 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "والمعتدة عن الوفاة؛ لا نفقة لها، حاملًا أو حائلًا، لم يختلف فيها أهل العلم" (¬2). 3 - العمراني (558 هـ) حيث قال: "وأما المتوفى عنها زوجها؛ فلا تجب لها النفقة بالإجماع" (¬3). 4 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأما المتوفى عنها زوجها، فلا نفقة لها بالإجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الشافعية من الإجماع على أنه لا نفقة للمعتدة من وفاة حاملًا أو غير حامل، وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة في الصحيح من المذهب (¬7)، وابن حزم (¬8). وهو قول ابن عباس، وجابر -رضي اللَّه عنهم- (¬9)، وسعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، وعكرمة، ويحيى الأنصاري، وربيعة، وداود (¬10). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهم- قال: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] نسخ ذلك بآية الميراث، بما فُرض لهن من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا (¬11). 2 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا، في الحامل المتوفى عنها زوجها، قال: لا نفقة لها (¬12). ¬
[40 - 393] المطلقة البائن لها النفقة والسكنى إن كانت حاملا
3 - أن المرأة قد بانت بموت الزوج، ولو كانت تلزم لها النفقة بحق الزوجية، للزمت لكل الورثة بحق القرابة، وهذا غير جائز (¬1). 4 - أن مال الزوج انتقل بوفاته للورثة، فلا يجوز أن تبقى النفقة في مال الورثة (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أن للمعتدة من وفاة النفقة، إن كانت حاملًا (¬3). وهو قول علي، وابن مسعود، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، وسالم بن عبد اللَّه، وشريح، وأيوب السختياني (¬4)، والحسن بن حي، وإبراهيم النخعي، وحماد ابن أبي سليمان، وأبي عبيد، وسفيان الثوري (¬5). • أدلة هذا القول: أن هذه المرأة التي توفي عنها زوجها؛ حامل منه، فكانت لها النفقة، كالمفارِقة بطلاق ونحوه حال حياته (¬6).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن المتوفى عنها زوجها إن كانت حائلًا فلا نفقة لها. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها، إن كانت حاملًا؛ وذلك لوجود خلاف عن الإمام أحمد في رواية عنه، وهو قول علي، وابن مسعود، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، وسالم بن عبد اللَّه، وشريح، وأيوب السختياني، والحسن ابن حي، وإبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان، وأبي عبيد، وسفيان الثوري يرى وجوب النفقة للحامل المتوفى عنها زوجها. [40 - 393] المطلقة البائن لها النفقة والسكنى إن كانت حاملًا: إذا طلق الرجل امرأته طلاقًا لا رجعة له فيه، وكانت المرأة حاملًا؛ فلها النفقة ¬
والسكنى، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وإن كان الطلاق ثلاثا أو بائنا؛ فلها النفقة والسكنى إن كانت حاملا بالإجماع" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإذا كانت المبتوتة حاملًا، وجب لها السكنى، رواية واحدة، ولا نعلم بين أهل العلم خلافًا فيه" (¬2). وقال أيضًا: "وجملة الأمر أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقًا بائنًا، فإما أن يكون ثلاثًا، أو بخلع، أو بفسخ، وكانت حاملًا فلها النفقة والسكنى، بإجماع أهل العلم" (¬3). وذكره عنه ابن قاسم (¬4). 3 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين العلماء في وجوب النفقة والسكنى للحامل المطلقة ثلاثًا، أو أقل منهن حتى تضع حملها" (¬5). 4 - ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬6). 5 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "إذا بانت المرأة من زوجها بطلاق، أو فسخ، أو غير ذلك. . . فإن كانت حاملًا فلها النفقة والسكنى إجماعًا" (¬7). 6 - العيني (855 هـ) حيث قال: "لا نفقة للمبتوتة إلا إذا كانت حاملًا، فإنها تجب لها بالإجماع" (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب النفقة والسكنى للبائن الحامل وافق عليه الشافعية (¬9)، وابن حزم (¬10). وهو قول عمر، وابن مسعود، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، وشريح، والنخعي، والشعبي، والثوري، والحسن بن حي (¬11). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]. ¬
[41 - 314] نسخ الاعتداد بالحول في عدة الوفاة إلى أربعة أشهر وعشر
• وجه الدلالة: ذكر اللَّه -سبحانه وتعالى- المطلقات اللاتي بِنَّ من أزواجهن، فجعل لهن السكنى، ثم خص الحامل بالإنفاق، فوجبت النفقة والسكنى للبائن الحامل (¬1). 2 - أنها امرأة محبوسة بسبب الحمل الذي بها من زوجها، فيجب لها السكنى (¬2). 3 - أن البينونة تؤثر في سقوط النفقة على الزوجة، لكن لما كانت حاملًا وجبت لها النفقة بسبب الحمل، ولا يمكن النفقة على الحمل إلا بالنفقة على أمه (¬3).Rتحقق الإجماع على وجوب النفقة والسكنى للبائن الحامل؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [41 - 314] نسخ الاعتداد بالحول في عدة الوفاة إلى أربعة أشهر وعشر: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها تعتد بحول كامل، ثم نسخ هذا الحكم، وأصبحت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "قال اللَّه -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: الآية 240] قال الشافعي: حفظت عن غير واحد من أهل العلم بالقرآن أن هذه الآية نزلت قبل نزول آي المواريث، وأنها منسوخة، . . . وما وصفت من نسخ الوصية لها بالمتاع إلى الحول بالميراث؛ ما لا اختلاف فيه من أحد علمته من أهل العلم، وكذلك لا اختلاف علمته في أن عليها العدة أربعة أشهر وعشرا" (¬4). وذكره عنه الشوكاني (¬5). 2 - الجصاص (370 هـ) حيث قال: "واتفق أهل العلم على أن عدة الحول منسوخة بعدة الشهور" (¬6). 3 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "فإن قيل: فنسخ الشهور بالحول أولى من نسخ الحول بالشهور، قيل: هذا لا يصح، مع انعقاد الإجماع على خلافه" (¬7). 4 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "قال -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ ¬
أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: الآية 240] ثم نسخ ذلك بقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: الآية 234] وهذا من الناسخ والمنسوخ الذي لم يختلف علماء الأمة فيه، . . . وهذا مع وضوحه في السنة الثابتة المنقولة بأخبار الآحاد العدول إجماع من علماء المسلمين، لا خلاف فيه، وهذا عندهم من المنسوخ في المجتمع عليه، في أن الحول في عدة المتوفى عنها، منسوخ إلى أربعة الأشهر والعشر" (¬1). وذكره عنه ابن حجر (¬2). 5 - ابن رشد الجد (520 هـ) حيث قال: "وأما قول اللَّه -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: الآية 240] فإنها آية منسوخة بإجماع، نسخها قول اللَّه -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: الآية 234] " (¬3). 6 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "والإجماع منعقد على أن الحول منسوخ، وأن عدتها أربعة أشهر وعشر" (¬4). 7 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "وأطبقوا على أن آية الحول منسوخة، وأن السكنى تبع للعدة، فلما نسخ الحول في العدة بالأربعة أشهر، نسخت السكنى أيضًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من نسخ الحول في عدة الوفاة إلى أربعة أشهر وعشر، وافق عليه الحنابلة (¬6). وهو قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وعطاء، وقتادة، والضحاك (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن زينب بنت أبي سلمة (¬8) أنها سمعت أم سلمة تقول: ¬
جاءت امرأة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه، إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها؛ أفنكحلها؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا"، مرتين، أو ثلاثًا، كل ذلك يقول: لا، ثم قال: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة (¬1) على رأس الحول" (¬2). 2 - عن أم حبيبة -رضي اللَّه عنهما- قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" (¬3). • وجه الدلالة: دل الحديث على أنه لا يجوز أن تتجاوز المرأة في الإحداد أربعة أشهر وعشرا التي هي مدة عدة الوفاة، ولو كانت عدة الوفاة هي الحول لجاز الإحداد حولًا كاملًا. • الخلاف في المسألة: ذهب مجاهد إلى عدم القول بالنسخ، وأنه يُعمل بكلتا الآيتين، فتعتد المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرا، وتبقى عند أهلها بعد العدة سبعة أشهر وعشرين ليلة، فهذا حول كامل (¬4). • دليل هذا القول: أن آية الحول في التلاوة بَعدَ آيةِ الأربعةِ أشهرٍ وعشرٍ، فلا يكون الناسخ قبل المنسوخ (¬5).Rتحقق الإجماع على أن الحول في عدة الوفاة منسوخ بأربعة أشهر وعشر، والذي يدعو إلى القول بتحقق الإجماع ما يلي: ¬
[42 - 395] أقل مدة الحمل ستة أشهر
1 - أن آية الشهور متقدمة في التنزيل على آية الحول، وإن كانت في التلاوة متأخرة عنها، وهذا قول أجمع المسلمون عليه (¬1). 2 - ما ذكره الطبري وغيره عن مجاهد من أنه لا يرى أن هناك نسخًا؛ فإن ذلك فيه نظر على الطبري، كما قاله ابن عطية (¬2). 3 - أنه قد روي عن مجاهد مثل ما ورد عن الجمهور القائلين بالنسخ (¬3). 4 - ما جاء في السنة من إثبات عدة المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر، يدل على نسخ الحول في العدة. [42 - 395] أقل مدة الحمل ستة أشهر: أقل مدة تستكمل المرأة فيها حملها هي ستة أشهر، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - العمراني (558 هـ) حيث قال: "أقل مدة الحمل الذي يولد بها الولد ويعيش ستة أشهر، قال أصحابنا: وهو إجماع لا خلاف فيه" (¬4). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر" (¬5). 3 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن عدة الحامل بالوضع، . . . وعلى أن أقل مدة الحمل ستة أشهر" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الشافعية، وابن هبيرة من الحنابلة من الإجماع على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وافق عليه الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: 1 - رفع إلى عمر -رضي اللَّه عنه- امرأة ولدت لستة أشهر، فأراد عمر أن ¬
[43 - 396] الزوجة الذمية في العدة من زوجها المسلم كالمسلمة
يرجمها، فجاءت أختها إلى علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- فقالت: إن عمر يرجم أختي؛ فأنشدك اللَّه، إن كنت تعلم أن لها عذرا لما أخبرتني به، فقال علي: إن لها عذرا، فكبرت تكبيرة سمعها عمر من عنده، فانطلقت إلى عمر فقالت: إن عليًّا زعم أن لأختي عذرا، فأرسل عمر إلى علي: ما عذرها؟ قال: إن اللَّه -عز وجل- يقول: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] وقال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: الآية 15] فالحمل ستة أشهر، والفصل أربعة وعشرون شهرًا. فخلى عمر سبيلها (¬1). 2 - أُتي عثمان -رضي اللَّه عنه- بامرأة وضعت لستة أشهر، فأمر عثمان برجمها، فقال له ابن عباس: لو خاصمَتكَ إلى كتاب اللَّه لخصمتْك؛ فقد قال اللَّه تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: الآية 15] وقال سبحانه: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فالحمل ستة أشهر، والرضاع سنتان، فدرأ عنها الحد (¬2). • وجه الدلالة: استنبط الصحابة -رضي اللَّه عنهم- من هذه الآيات أقل مدة الحمل، وتبعهم الفقهاء في ذلك.Rتحقق الإجماع على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [43 - 396] الزوجة الذمية في العدة من زوجها المسلم كالمسلمة: إذا تزوج رجل مسلم كتابية، فلها من الحقوق على زوجها ما للمسلمة تمامًا، فإن طلقها، لزمتها العدة، ولها النفقة في المواطن التي تلزم للمسلمة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمع كل من أحفظ قوله من علماء الأمصار على أن عدة الذمية تكون تحت المسلم عدة الحرة المسلمة" (¬3). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "ولا خلاف أن الزوجة الذمية في النفقة والعدة، وجميع أحكام الزوجات كالمسلمة" (¬4). ¬
3 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "وإذا طلق الذمي الذمية فلا عدة عليها، بخلاف ما إذا طلقها المسلم أو مات عنها؛ فإن عليها العدة بالاتفاق" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الزوجة الذمية في العدة من زوجها المسلم، كالمسلمة، وافق عليه الحنابلة (¬2)، وابن حزم (¬3)، وهو قول الثوري، وأبي ثور، وأبي عبيد (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] 2 - وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. 3 - وقال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. • وجه الدلالة: دلت هذه الآيات على وجوب العدة على النساء، ولم تفرق بين مسلمة وغيرها (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام مالك إلى أن الذمية المتوفى عنها تعتد بثلاث حيض (¬6). • دليل هذا القول: أن العدة عبادة، والكتابية ليست من أهل العبادات، فيجب أن تُعرف براءة رحمها، ولا يكون ذلك إلا بالحيض، فتعتد بثلاث حيض (¬7). قال ابن العربي: وهذا منه فاسد جدًّا؛ لأنه أخرجها من عموم آية الوفاة وهي منها، وأدخلها في عموم آية الطلاق وليست منها (¬8).Rأولًا: ما ذكر من الإجماع على أن عدة الذمية كالمسلمة متحقق في الذمية المطلقة التي تحيض، والصغيرة التي لم تحض، واليائسة من المحيض. ¬
[44 - 397] زوجة الأسير لا تتزوج حتى يأتيها يقين وفاته
ثانيًا: أما الذمية المتوفى عنها زوجها فلم يتحقق الإجماع على أنها كالمسلمة في العدة، فقد وقع خلاف عن الإمام مالك أن عدتها ثلاث حيض؛ لكي يُعلم بها براءة رحمها. ولم يقبل هذا القول عند المالكية. [44 - 397] زوجة الأسير لا تتزوج حتى يأتيها يقين وفاته: إذا وقع رجل مسلم أسيرًا بيد العدو، فإن امرأته تبقى في حكم الزوجية، ولا تتزوج حتى يأتيها يقين يؤكد وفاته، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن زوجة الأسير لا تنكح حتى تعلم يقين وفاته ما دام على الإسلام" (¬1)، وذكره في الإشراف (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أجمعوا على أن زوجة الأسير لا تنكح حتى تعلم يقين وفاته" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر، وابن قدامة من الإجماع على أن زوجة الأسير لا تنكح حتى يأتيها يقين وفاته، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، وابن حزم (¬6). وهو قول النخعي، والزهري، ومكحول، ويحيى الأنصاري، وأبي ثور، وأبي عبيد (¬7). • مستند الإجماع: الأصل المتيقن هو عقد النكاح، وموت الزوج في الأسر مشكوك فيه، واليقين لا يزول بالشك (¬8).Rتحقق الإجماع على أن زوجة الأسير لا تتزوج حتى تعلم يقين وفاته؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [45 - 318] إذا غاب الزوج غيبة غير منقطعة فلا تتزوج امرأته: إذا غاب الرجل عن امرأته غيبة يُعرف فيها خبره، ويصل كتابه إليها، فليس لها أن ¬
[46 - 399] إذا غاب الزوج غيبة ظاهرها الهلاك، تربصت امرأته أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، ثم تتزوج
تتزوج، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "أن يكون متصل الأخبار معلوم الحياة، فنكاح زوجته مُحال، وإن طالت غيبته، وسواء ترك لها مالًا أم لا، وليس لها أن تتزوج غيره، وهذا متفق عليه" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: ". . . أن تكون غيبة غير منقطعة، يُعرفُ خبره، ويأتي كتابه، فهذا ليس لامرأته أن تتزوج في قول أهل العلم أجمعين" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الماوردي، وابن قدامة، من الإجماع على أن زوجة الغائب غيبة غير منقطعة لا تتزوج أبدًا، وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: 1 - أن اليقين هو حياة الزوج، فيجب البقاء على اليقين حتى يأتي ما يزيله (¬6). 2 - إذا مُكِّنت المرأة من النكاح؛ فهو حكم بموت الزوج، إذ المرأة لا تحل لزوجين في حالة واحدة، وفي هذا خروج عن الأصل، وهو يقين حياته (¬7).Rتحقق الإجماع على أن الغائب غيبة غير منقطعة أن امرأته لا تتزوج؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [46 - 399] إذا غاب الزوج غيبة ظاهرها الهلاك، تربصت امرأته أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، ثم تتزوج: إذا غاب الرجل عن أهله غيبة ظاهرها الهلاك، كالذي يفقد من بين أهله، أو يخرج إلى مكان قريب فلا يعود، أو يفقد في المعركة، أو يغرق المركب الذي كان يركبه في البحر، فعلى امرأته أن تتربص أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، ثم يحل لها أن تتزوج، ونُقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: 1 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "يضرب له الأجل لإجماع الصحابة على ذلك، روي عن عمر أنه يُضرب لها أجل أربع سنين، ثم يفرق بينهما، وروي مثله عن علي، وروي مثله عن جماعة من التابعين، ولم يُحفظ خلاف عن أحد من الصدر الأول في ذلك" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: ". . . أن تكون غيبته ظاهرها الهلاك، كالذي يفقد من بين أهله ليلًا أو نهارًا، أو يخرج إلى الصلاة فلا يرجع، أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجته ويرجع؛ فلا يظهر له خبر، أو يفقد من بين الصفين، أو ينكسر به مركب فيغرق بعض رفقته، أو يفقد في مهلكة، كبرية الحجاز ونحوها، . . . أن زوجته تتربص أربع سنين، ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرا، وتحل للأزواج" (¬2)، ثم ذكر أن عمر، وعثمان، وعليًّا، وابن الزبير، قد قضوا به. ثم قال بعد ذلك: "وهذه قضايا انتشرت في الصحابة فلم تنكر، فكانت إجماعا" (¬3). 3 - المواق (897 هـ) حيث قال: "الذي يغيب في بلاد المسلمين فينقطع أثره، ولا يعلم خبره، فيضرب لامرأته أجل أربع سنين، بإجماع من الصحابة" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء المالكية، وابن قدامة من الحنابلة، من الإجماع على أن امرأة الغائب غيبة ظاهرها الهلاك، تتربص أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، ثم تحل للأزواج؛ وافق عليه الإمام الشافعي في القديم (¬5). وهو قول عمر، وعثمان، وعلي (¬6)، وابن عباس، وابن الزبير، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، وعطاء، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والزهري، وقتادة، والليث، وإسحاق، وأبي عبيد، والأوزاعي (¬7). • مستند الإجماع: 1 - فُقد رجل في عهد عمر، فجاءت امرأته إلى عمر -رضي اللَّه عنه-، فقالت: إن زوجي خرج إلى مسجد أهله، وفُقِد، فقال: انطلقي، فتربصي أربع سنين، ففعَلَتْ، ثم أتته فقال: انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشرا، ففعَلَتْ، ثم أتته فقال: أين ¬
وليُّ هذا الرجل؟ فجاء وليُّه، فقال: طلقها؛ ففعل. فقال لها عمر: انطلقي، فتزوجي من شئت. فتزوجتْ، ثم جاء زوجها الأول، فقال له عمر: أين كنت؟ قال: يا أمير المؤمنين، استهوتني الشياطين، فوالله ما أدري في أي أرض اللَّه، كنت عند قوم يستعبدونني، حتى اغتزاهم قوم مسلمون، فكنت في ما غنموه، فقالوا في: أنت رجل من الإنس، وهؤلاء من الجن، فمالك وما لهم؟ فأخبرتهم خبري، فقالوا: بأي أرض اللَّه تحب أن تصبح؟ قلت: المدينة هي أرضي. فأصبحت وأنا انظر إلى الحرة. فخيره عمر، إن شاء امرأته، وإن شاء الصداق، فاختار الصداق، وقال: قد حبلتْ، لا حاجة لي فيها (¬1). 2 - عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: "أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو، فإنها تنتظر أربع سنين ثم تحد أربعة أشهر وعشرا، ثم تحل" (¬2). 3 - عن الزهريّ قال: وقضى بذلك -أي بمثل قضاء عمر- عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- (¬3). 4 - عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: "تعتد أربع سنين، ثم يطلقها ولي زوجها، وتعتد بعد ذلك أربعة أشهر وعشرا، فإن جاء زوجها المفقود بعد ذلك، خير بين الصداق وبين امرأته" (¬4). ¬
• الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية (¬1)، والإمام الشافعي في الجديد (¬2)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬3)، وابن حزم (¬4)، إلى أن امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها يقين وفاته، طالت المدة أو قصُرت. وهو قول علي بن أبي طالب فيما صح عنه، وابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (¬5)، وأبي قلابة، والشعبي، والنخعي، وابن سيرين، والثوري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وجابر بن زيد، وحمَّاد بن أبي سليمان (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - عن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر" (¬7). 2 - عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال في امرأة المفقود: هي امرأة ابتليت، فلتصبر، لا تنكح حتى يأتيها يقين موته (¬8). ثانيًا: جاءت رواية عن الإمام أحمد بالتوقف، فقال: كنت أقول ذلك، وقد هبتُ الجواب فيها، لما اختلف الناس فيها، وكأني أُحِبُ السلامة (¬9)، وقد أنكر الإمام أحمد على من روى عنه أنه رجع عن القول في هذه المسألة (¬10). ¬
[47 - 400] إذا عاد الغائب بعد أن تزوجت امرأته، خير في أن تعود إليه، أو يأخذ الصداق
Rعدم تحقق ما ذكر من إجماع الصحابة على أن الغائب غيبة ظاهرها الهلاك أن امرأته تتربص أربع سنين، ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرا، ثم تحل للأزواج؛ وذلك لوجود خلاف صحيح عن علي، وابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وعمن جاء بعدهما من التابعين، وأئمة المذاهب، بأنها امرأته حتى يأتيها يقين وفاته، طالت المدة، أو قصرت. [47 - 400] إذا عاد الغائب بعد أن تزوجت امرأته، خُيِّر في أن تعود إليه، أو يأخذ الصداق: إذا مضت المدة التي تتربص فيها المرأة من غيبة زوجها التي ظاهرها الهلاك، فلها أن تتزوج، فإن عاد زوجها الأول، وقد دخل بها زوجها الثاني، فإن زوجها الأول يُخير في أن تعود إليه، أو أن يأخذ صداقها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن قدم بعد دخول الثاني بها، خُيِّرَ الأول بين أخذها، فتكون امرأته بالعقد الأول، وبين أخذ صداقها، وتكون زوجة الثاني. . . لإجماع الصحابة عليه" (¬1). وذكره في الكافي (¬2)، ونقله عنه ابن قاسم (¬3). وقال أيضًا: "إن عمر وعثمان قال: إن جاء زوجها الأول، خُيِّرَ بين المرأة وبين الصداق الذي ساق هو، . . . ولم يُعرف لهما مخالف في عصرهم فكان إجماعًا" (¬4). 2 - ابن قاسم (1392 هـ)، حيث قال: "وللأول تركها معه، أي مع الثاني، لقول عمر، وعثمان وعلي، وقضى به ابن الزبير، . . . ولم يُعرف لهم مخالف، فكان إجماعًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنابلة، من الإجماع على أن الزوج ¬
الغائب إذا قدم وقد تزوجت امرأته ودخل بها الزوج الثاني؛ أن الزوج الأول يخير بين أن تعود إليه، وبين أن يأخذ صداقها، وافق عليه الإمام الشافعي في القديم، فيما ذكره الكرابيسي (¬1) عنه (¬2)، وابن حزم (¬3). وهو قول عمر، وعثمان، وابن الزبير -رضي اللَّه عنهم-، والحسن، وعطاء، وخلاس بن عمرو، وقتادة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - في قصة امرأة المفقود الذي رجع بعدما تزوجت، أن عمر -رضي اللَّه عنه- قال له: إن شئت رددنا إليك امرأتك، وإن شئت زوجناك غيرها (¬5). 2 - أن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- قضى بمثل قضاء عمر في امرأة المفقود أن تتربص أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، ثم تتزوج؛ فإن جاء زوجها الأول، خير بين الصداق وبين امرأته (¬6). 3 - ما روي عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-: أن المفقود إذا جاء بعد زواج امرأته، خير بين الصداق وبين امرأته (¬7). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية (¬8)، والإمام الشافعي في الجديد (¬9)، إلى أن الزوج الثاني إن دخل بالمرأة بعد قدوم زوجها الأول، فإنها ترد له، ويفرق بينها وبين الثاني، ولها المهر بما استحل من فرجها، ولا يقربها الأول حتى تنقضي عدتها من الثاني. وهو قول علي -رضي اللَّه عنه-، وإبراهيم النخعي، والثوري، والحكم بن عتيبة، وعثمان البتي (¬10). ¬
[48 - 401] وجوب النفقة لامرأة المفقود، حتى تخرج من العدة
• أدلة هذا القول: 1 - قال علي -رضي اللَّه عنه-: ليس الذي قال عمر -رضي اللَّه عنه- بشيء -يعني في امرأة المفقود- هي امرأة الأول حتى يأتيها يقين موته أو طلاقها، ولها الصداق من هذا بما استحل من فرجها، ونكاحه باطل (¬1). 2 - عن سعيد بن جبير عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: هي امرأة الأول دخل بها الآخر أو لم يدخل بها (¬2). 3 - أن المرأة تزوجت وهي منكوحة، ومنكوحة الغير ليست من المحللات؛ بل هي من المحرمات، فلا يستقيم تركها مع الثاني (¬3). ثانيًا: ذهب المالكية (¬4)، إلى أن الزوج الأول إن قدم بعد دخول الثاني بها فلا مقال له؛ فهي زوجة الثاني، وهو قول ابن تيمية (¬5). • دليل هذا القول: أن المرأة قد بانت من زوجها بحكم الحاكم؛ فقد تربصت أربع سنين، واعتدت أربعة أشهر وعشرًا بحكم من الحاكم، فلا يفرق بينها وبين زوجها الثاني (¬6).Rعدم تحقق ما ذكر من إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنه- في أن الزوج الغائب إن عاد، وقد تزوجت امرأته بآخر، أن الزوج الأول بالخيار بين أن ترجع إليه امرأته، وبين أن يأخذ الصداق؛ وذلك لوجود خلاف في المسألة، وهذا الخلاف على النحو التالي: 1 - أنها زوجة الأول، فتعود إليه، ولا يقربها إلا بعد تمام العدة، وهو قول علي -رضي اللَّه عنه-، وتبعه على ذلك بعض أهل العلم من التابعين، وهو قول الحنفية، والإمام الشافعي في الجديد. 2 - أنها زوجة الثاني، فقد بانت من الأول بالتربص أربع سنين، وبالعدة أربعة أشهر وعشرا، وهو قول المالكية، وابن تيمية. [48 - 401] وجوب النفقة لامرأة المفقود، حتى تخرج من العدة: إذا غاب الرجل عن امرأته، فإن النفقة لها واجبة في غيبته كوجوبها في حضرته، ¬
فإن أمرها الحاكم بأن تتربص أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، فلها النفقة حتى تخرج من العدة، ونُقل الإجماع على ذلك: • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "جعل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- على الزوج نفقة امرأته، وحكم اللَّه -عز وجل- بين الزوجين أحكامًا منها: اللعان، والظهار، والإيلاء، ووقوع الطلاق، فلم يختلف المسلمون فيما علمته في أن ذلك لكل زوجة على زوج غائب، أو حاضر" (¬1). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المفقود عليها زوجها ينفق عليها من ماله في العدة بعد الأربع سنين، أربعة أشهر وعشرا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الشافعية من الإجماع على وجوب النفقة لامرأة المفقود ما دامت في العدة، وافق عليه الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5)، وهو قول ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أن الزوجة حبست نفسها من أجل زوجها الغائب؛ فتجب لها النفقة (¬7). 2 - أن في الإنفاق على الزوجة إبقاءً لحياتها، وليس لها مال سواه، فتنفق على نفسها من ماله كما لو كان موجودًا (¬8). 3 - لو امتنع الزوج عن النفقة على امرأته، وهو حاضر، لحَكَم القاضي عليه بالنفقة، فكذلك إن كان غائبًا (¬9). • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية (¬10) إلى أن النفقة لزوجة المفقود تكون في الأربع سنين فقط، فإذا انتقلت للعدة أربعة أشهر وعشرا، فلا نفقة لها من ماله. • دليل هذا القول: أن الزوج أصبح ميتًا حكمًا، فانتقلت امرأته بعد التربص إلى ¬
[49 - 402] لا يرث أحد الزوجين الآخر إذا غاب أحدهما، ما لم يأت يقين وفاته
العدة من وفاته، ولا نفقة لمعتدة من وفاة ما لم تكن حاملًا (¬1).Rأولًا: أن الجميع متفقون على وجوب النفقة لامرأة المفقود في مدة التربص؛ وهي أربع سنين، فيمكن حمل الإجماع على هذا. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أنه ينفق عليها في العدة أي بعد الأربع سنين؛ لوجود خلاف عن المالكية، يقضي بأنه لا نفقة لها في العدة. [49 - 402] لا يرث أحد الزوجين الآخر إذا غاب أحدهما، ما لم يأتِ يقين وفاته: إذا غاب أحد الزوجين فلا يرثه الآخر حتى يأتي يقين وفاته، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - الشافعي (204 هـ)، حيث قال: "لم أعلم مخالفًا في أن الرجل، أو المرأة، لو غابا، أو أحدهما، برًّا أو بحرًا، عُلِمَ مغيبهما أو لم يُعلم، فماتا، أو أحدهما، فلم يسمع لهما بخبر، أو أسرهما العدو، فصيروهما إلى حيث لا خبر عنهما، لم نورث واحدًا منهما من صاحبه إلا بيقين وفاته قبل صاحبه" (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ)، حيث قال: "فأما ماله فاتفقوا على أنه لا يقسم حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الإمام الشافعي، وابن قدامة من الحنابلة، أن الغائب من الزوجين لا يرثه صاحبه ما لم يأتِ يقين وفاته، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، وابن حزم الظاهري (¬6). واختلف الفقهاء في القدر الذي يحكم بيقين وفاته فيها (¬7). ¬
• مستند الاتفاق: أن الشك قد وقع في موت المفقود، والأصل أنه حي، فلا يثبت الميراث بالشك والاحتمال؛ لأن الأصل أن الثابت بيقين لا يزول بالشك، وغير الثابت بيقين لا يثبت بالشك (¬1).Rتحقق ما ذكر من الاتفاق على أن الغائب من الزوجين لا يرثه الآخر ما لم يأتِ يقين وفاته؛ لكن الفقهاء اختلفوا -كما بيّنت- في المدة التي يُتيقن أن المفقود قد مات فيها. ¬
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في الحدود
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في الحدود [1 - 403] وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها: إذا توفي الزوج لزم امرأته أن تعتد للوفاة، ويلزمها أيضًا الإحداد (¬1) عليه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "ثبت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا" (¬2)، وأجمعوا على ذلك" (¬3). 2 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "فالمتوفى عنها زوجها، يجب الإحداد عليها، قاله جميع الفقهاء" (¬4). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الإحداد واجب" (¬5). وقال أيضًا: ". . . العدة واجبة في القرآن، والإحداد واجب بالسنة المجتمع عليها" (¬6). 4 - علاء الدين السمرقندي (540 هـ) حيث قال: "فإن كانت معتدة عن وفاة زوجها؛ يجب الإحداد بالإجماع" (¬7). 5 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "الإحداد فرض على المتوفى، بإجماع من ¬
الأمة" (¬1). 6 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين الفقهاء أن المتوفى عنها زوجها يلزمها الإحداد" (¬2). 7 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أجمع المسلمون على أن الإحداد واجب على النساء الحرائر المسلمات في عدة الوفاة" (¬3). 8 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "هذا يسمى الإحداد، ولا نعلم بين أهل العلم خلافًا في وجوبه على المتوفى عنها زوجها" (¬4). 9 - الرافعي (623 هـ) حيث قال: "قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة أن تحد على ميت فوق ثلاث؛ إلا على زوج"، أجمعوا على أنه أراد الوجوب" (¬5). 10 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأجمع الناس على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها" (¬6). 11 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وجوب الإحداد على المعتدة من وفاة زوجها، وهو مجمع عليه في الجملة" (¬7). 12 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "الإحداد: وهو في عدة الوفاة اتفاقًا" (¬8). 13 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "فالإحداد على الزوج عزيمة، وعلى غيره رخصة، وأجمعت الأمة على وجوبه على المتوفى عنها زوجها" (¬9). 14 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: "وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها بلا خلاف" (¬10). 15 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن عدة الحامل مطلقًا بالوضع، . . . وعلى أن الإحداد واجب في عدة الوفاة" (¬11). ¬
16 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: "قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة أن تحد على ميت فوق ثلاث؛ إلا على زوج"، أجمعوا على أنه أراد الوجوب" (¬1). 17 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "ويلزم الإحداد مدة العدة كل امرأة متوفى عنها زوجها، في نكاح صحيح، بلا نزاع بين أهل العلم" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها، وافق عليه ابن حزم (¬3). وهو قول ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وأم سلمة -رضي اللَّه عنهم-، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وعروة بن الزبير، ويحيى الأنصاري، وربيعة، والزهري، والنخعي، وسفيان الثوري، وإسحاق (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن أم حبيبة -رضي اللَّه عنها- قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" (¬5). 2 - عن زينب بنت أبي سلمة أنها سمعت أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه، إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها؛ أفنكحلها؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا، مرتين أو ثلاثًا"، كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول" (¬6). • وجه الدلالة: نفى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الحِل عن الإحداد فوق ثلاث على ميت غير الزوج، وبين أن الإحداد على الزوج أربعة أشهر وعشر، فلما نفى الحل عن غير الزوج، دل على وجوبه على الزوج. • الخلاف في المسألة: ذهب الحسن البصري، والشعبي، والحكم بن عتيبة (¬7)، إلى القول بعدم وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها، فلها أن تتزين، وتمتشط، وتكتحل، ونحو ذلك. ¬
• دليل هذا القول: 1 - عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد (¬1) عن أسماء بنت عميس (¬2) -رضي اللَّه عنه- قالت: دخل عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب فقال: "لا تحدي بعد يومك هذا" (¬3). 2 - عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر -رضي اللَّه عنه- أمرني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "تسلبي (¬4) ثلاثًا، ثم اصنعي ما شئت" (¬5). • وجه الدلالة: قال أصحاب هذا القول: حديث عبد اللَّه بن شداد بن الهاد عن ¬
أسماء ناسخ لأحاديث الإحداد؛ لأنه بعدها، فإن أم سلمة روت حديث الإحداد، وإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرها به بعد موت أبي سلمة، ولا خلاف أن موت أبي سلمة كان قبل موت جعفر (¬1).Rعدم تحقق الإجماع على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها، لما يأتي: 1 - أن كثيرًا من العلماء الذين نقلوا الإجماع على وجوب الإحداد لم يحكوا الخلاف إلا عن الحسن البصري فقط، ثم وصفوا هذا القول بالشذوذ. 2 - تبين بعد النظر في كتب الفقهاء والمحدثين أن الخلاف ثبت عن ثلاثة هم: الحسن البصري، والشعبي، والحكم بن عتيبة (¬2). 3 - أن هناك من العلماء من نفى تحقق الإجماع بسبب هذا الخلاف؛ قال ابن حجر: "ومخالفتهما -أي الحسن، والشعبي- لا تقدح في الاحتجاج، وإن كان فيها رد على من ادعى الإجماع" (¬3). وقال ابن حزم: "ولم يتفقوا في وجوب الإحداد على شيء يمكن ضمه؛ لأن الحسن لا يرى الإحداد أصلًا" (¬4). 4 - أن قول المخالفين بأن أحاديثهم نسخت الأحاديث الدالة على الوجوب؛ دليل على أنهم علموا بتلك الأحاديث الدالة على الوجوب. 5 - أن ما قيل من ضعف أحاديث المخالف، ووصفها بالانقطاع والإرسال، غير صحيح، فقد ذكر ابن حجر أنها ثبتت بسند قوي، فلا يقدح فيها ما وصفت به من الشذوذ ومخالفتها للسنة (¬5)، لكونها ثبتت بسند قوي. 6 - كل ما يقال في المسألة: إن رأي الجمهور هو الراجح. ¬
[2 - 404] لا تلبس الحادة المصبوغ من الثياب
[2 - 404] لا تلبس الحادة المصبوغ من الثياب: إذا توفي زوج المرأة لزمها الإحداد، وتمتنع فيه عن لبس الثياب المعصفرة (¬1)، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على منعها من لبس المعصفر" (¬2). ونقله عنه القرطبي (¬3)، والنووي (¬4)، وابن حجر (¬5)، والصنعاني (¬6)، والشوكاني (¬7)، وابن قاسم (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المعتدة تجتنب لبس الثياب المصبوغة، وافق عليه الحنفية (¬9)، وابن حزم الظاهري (¬10). وهو قول عائشة، وابن عمر، وأم سلمة، وأم عطية (¬11) -رضي اللَّه عنه-، والزهري، وإسحاق، وأبي ثور (¬12). • مستند الإجماع: عن أم عطية -رضي اللَّه عنهما-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا، إلا ثوب عصب (¬13)، ولا تكتحل، ولا تمسَّ طيبًا، إلا إذا طهرت نُبذةً من قُسطٍ، وأظفار (¬14) " (¬15). ¬
[3 - 405] لا تلبس الحادة الحلي
• الخلاف في المسألة: ذهب الحسن البصري، والشعبي، والحكم بن عتيبة إلى عدم وجوب الإحداد -الذي هو ترك الزينة-، ومن ثم كل ما ينبني على القول بعدم الوجوب، إباحة التزين والتطيب، ولبس الثياب المصبوغة وغيرها (¬1).Rعدم تحقق الإجماع في أن الحادة لا تلبس الثياب المصبوغة؛ وذلك لخلاف الحسن البصري، والشعبي، والحكم بن عتيبة، القائل بعدم وجوب الإحداد أصلًا. [3 - 405] لا تلبس الحادة الحلي: إذا كانت المرأة في الإحداد على زوجها فلا تلبس العلي، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على منع المرأة المحدة من لبس الحلي" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الإجماع على أن الحادة لا تلبس الحلي، وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). وهو قول عائشة، وابن عمر، وأم سلمة -رضي اللَّه عنهم-، وسعيد بن المسيب، وأبي ثور (¬6). • مستند الإجماع: عن أم سلمة -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة (¬7)، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل" (¬8). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم (¬9) إلى القول بإباحة الحلي للحادة، وهو قول ¬
[4 - 406] منع الحادة من الطيب والزينة
عطاء، إلا أن عطاء رخص في الفضة فقط، إن مات زوجها وهي عليها، فإن لم تكن عليها حين مات؛ فلا تبتدئ لبسها (¬1). • دليل هذا القول: ضعّف ابن حزم دليل الجمهور؛ فقال: في هذا الخبر ذكر الحلي، ولا يصح؛ لأن إبراهيم بن طهمان ضعيف، ولو صح لقلنا به (¬2).Rعدم تحقق الإجماع على أن الحادة لا تلبس الحلي؛ وذلك لما يأتي: 1 - خلاف الحسن، والشعبي، والحكم بن عتيبة، الذين لا يرون وجوب الإحداد. 2 - خلاف عطاء في إباحة لبس حلي الفضة إن مات الزوج، وهي على المرأة. 3 - خلاف ابن حزم الذي يرى جواز لبس الحلي للحادة، وإن كان يرى وجوب الإحداد. [4 - 406] منع الحادة من الطيب والزينة: تمنع الحادة من الطيب والزينة؛ لتناقض ذلك مع الإحداد، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على منع المرأة فى الإحداد من الطيب والزينة" (¬3). وذكره في الإشراف (¬4). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وتجتنب الحادة أربعة أشياء؛ أحدها: الطيب، ولا خلاف في تحريمه عند من أوجب الإحداد" (¬5). ¬
3 - ابن القيم (751 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬1). 4 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على منع الأدهان المطيبة" (¬2). 5 - ابن الهمام (861 هـ) فذكره كما قال العيني (¬3). 6 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "تحريم الطيب على المعتدة، وهو كل ما يسمى طيبًا، ولا خلاف في ذلك" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على تحريم الطيب والزينة على الحادة، وافق عليه المالكية (¬5)، وابن حزم (¬6). وهو قول ابن عباس، وابن عمر، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، وعطاء، والزهري (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن زينب بنت أم سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة -رضي اللَّه عنهما- حين توفي أبوها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة، خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: واللَّه ما لي بالطيب من حاجة؛ غير أني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" (¬8). 2 - عن أم عطية -رضي اللَّه عنهما- قالت: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر تحد فوق ثلاث، إلا على زوج، فإنها لا تكتحل، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تمس طيبا؛ إلا أدنى طهرها إذا طهرت، نبذة من قسط، أو أظفار" (¬9). 3 - أن الطيب يحرك الشهوة، ويدعو إلى المباشرة، وهذا ينافي معنى الإحداد (¬10). • الخلاف في المسألة: في المسألة خلاف سبق ذكره عن الحسن، والشعبي، والحكم بن عتيبة، إذ يرون أن الإحداد غير واجب، فللحادة أن تتطيب وتتزين بعد ثلاث ليال، ولا تمنع من شيء بعد ذلك (¬11). ¬
[5 - 407] جواز استعمال السدر والزيت للحادة في مشط رأسها
Rعدم تحقق الإجماع على أن الحادة تمنع من الطيب والزينة ونحوها بسبب الإحداد؛ لخلاف الحسن، والشعبي، والحكم؛ في عدم إيجاب الإحداد، وإباحة الزينة والطيب للحادة بعد ثلاث. [5 - 407] جواز استعمال السدر والزيت للحادة في مشط رأسها: يجوز للحادة أن تمشط شعرها بالسدر، والزيت، ونُفي الخلاف في ذلك. من نفى الخلاف: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "تجمع الحادة رأسها بالسدر، والزيت، . . . لا أعلم في ذلك خلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن عبد البر من المالكية من أنه لا خلاف في جواز استعمال السدر للحادة في مشط رأسها، وافق عليه الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - عن أم سلمة -رضي اللَّه عنهما- قالت: دخل عليّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين توفي أبو سلمة، وقد جعلت على عيني صبرًا، فقال: "ما هذا يا أم سلمة؟ "، فقلت: إنما هو صبر يا رسول اللَّه، ليس فيه طيب، قال: "إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل، وتنزعينه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب والحناء، فإنه خضاب"، قالت: قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول اللَّه؟ قال: "بالسدر تغلفين به رأسك" (¬6). 2 - عن مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانت تقول: تجمع الحاد رأسها بالسدر والزيت (¬7). قال ابن عبد البر: ويشبه ألا يكون مثله رأيًا (¬8). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية (¬9)، والشافعية (¬10)، ¬
والحنابلة (¬1)، وابن حزم (¬2)، إلى عدم إباحة استعمال الزيت في دهن الشعر. ثانيًا: فرَّق المالكية بين ما إذا كانت الأدهان مطيبة، أو غير مطيبة؛ فقالوا: إن كانت الأدهان مطيبة فلا يجوز استعمالها في الرأس، وإن كانت غير ذلك جاز (¬3). أدلة هذين القولين: 1 - أن استعمال الزيت يحدث زينة، وهى منهى عنها زمن الإحداد (¬4). 2 - أن الحادة ممنوعة من استعمال الزينة أثناء العدة، لما قد تسببه من شهوة الرجال إليها، أو شهوتها هي للرجال، والدهن من الزينة (¬5).Rأولًا: صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في جواز استعمال السدر في مشط الرأس وغسله؛ للأسباب التالية: 1 - لعدم وجود مخالف في ذلك كما قيل. 2 - لا يعترض على ذلك بأن الحسن البصري ومن وافقه لا يرون وجوب الإحداد؛ لأن الجمهور هنا يقولون بإباحة استعمال السدر في مشط الرأس، والذين لا يرون وجوب الإحداد من باب أولى أن يوافقوا على استعمال السدر وغيره. ثانيًا: عدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في جواز استعمال الزيت في مشط الرأس؛ لما يأتي: 1 - وجود خلاف عن الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم إذ منعوا استعمال الزيت في مشط الشعر. 2 - تفريق المالكية في الزيت فإن كان مطيبًا لم يجز استعماله، وإن كان غير مطيب جاز استعماله. [6 - 408] لا إحداد على غير الزوجة: إذا توفي الرجل لزم امرأته أن تعتد للوفاة، وأن تحد، وقد تكون هذه الزوجة حرة أو أمة، فإن كانت أمة يملكها ملك يمين، أو أم ولد له، فلا إحداد عليهن، ونُقل ¬
الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "لا أعلمهم يختلفون في أن لا حداد على أم الولد إذا مات سيدها" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا إحداد على غير الزوجات، كأم الولد إذا مات سيدها، قال ابن المنذر: لا أعلمهم يختلفون في ذلك، وكذلك الأمة التي يطؤها سيدها، إذا مات عنها" (¬2). 3 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن لا إحداد على أم الولد ولا على الأمة إذا توفي عنهما سيدهما" (¬3). 4 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "الإحداد لا يجب على الأمة، ولا على أم الولد إذا مات سيدهما؛ لأنهما ليسا بزوجين، قال ابن المنذر: لا أعلمهم يختلفون في ذلك" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الشافعية، والحنابلة من الإجماع على أن الإحداد لا يجب على غير الزوجات -فلا يجب على الإماء، وأمهات الأولاد- وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: عن أم حبيبة -رضي اللَّه عنها- قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا" (¬8). • وجه الدلالة: الإحداد على الزوجات بنص الحديث، وأما من كانت غير زوجة مما يملكه الإنسان ملك يمين من الإماء، وأمهات الأولاد فلا إحداد عليهن؛ لأنهن لسن زوجات (¬9).Rأولًا: تحقق الإجماع على أنه لا إحداد على غير الزوجات؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
ثانيًا: يبقى خلاف الحسن البصري ومن معه قائمًا في عدم وجوب الإحداد على الزوجات. [7 - 409] لا إحداد على غير زوج: إذا توفي قريب للمرأة، أخ، أو أب، أو ابن، فليس لها أن تحدّ عليه أكثر من ثلاثة أيام، والإحداد في مدة عدة الوفاة إنما هو على الزوج فقط، ونُفي الخلاف في ذلك. من نفى الخلاف: ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "ولا نعلم خلافًا في عدم وجوبه على الزوجة بسبب غير الزوج، من الأقارب" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن الهمام من أنه لا خلاف في أنه لا إحداد على ميت غير الزوج، وافق عليه المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم الظاهري (¬5). • مستند نفي الخلاف: عن زينب بنت أم سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة -رضي اللَّه عنها- حين توفي أبوها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة، خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: واللَّه ما لي بالطيب من حاجة؛ غير أني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" (¬6). • وجه الدلالة: هذه أم المؤمنين أم حبيبة لما توفي أبوها أتت بطيب بعد ثلاثة أيام فمست منه، مما يدل على أن الإحداد لا يجب على غير الزوج، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نفى الحل عن الإحداد على غير الزوج (¬7).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف أنه لا إحداد على غير الزوج. [8 - 410] لا يجب الإحداد على المطلقة طلاقًا رجعيًّا بسبب الطلاق: إذا طلق الرجل امرأته طلاقًا يملك رجعتها فيه، فلا يجب عليها أن تحد في فترة ¬
العدة، إظهارًا للحزن على الطلاق، بل سبق القول: إن لها أن تتزين له في فترة العدة، ونقل الإجماع على أنه لا يجب عليها إحداد جمع من أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "المطلقة طلاقا رجعيًّا مفارقة لزوجها بتمام عدتها، . . . ولا خلاف في أنه لا إحداد عليها لا في العدة ولا بعد العدة" (¬1). 2 - ابن عبد البر (413 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن لا إحداد على المطلقة الرجعية" (¬2). 3 - علاء الدين السمرقندي (540 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أنه لا يجب الإحداد على المطلقة طلاقًا رجعيًّا" (¬3). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا إحداد على رجعية، بغير خلاف نعلمه" (¬4). 5 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أنه لا يجب الإحداد على أم الولد، ولا على الأمة إذا توفى عنها سيدها، ولا على الزوجة الرجعية" (¬5). 6 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "وليس الإحداد من لوازم العدة ولا توابعها ولهذا لا يجب على الموطوءة بشبهة. . . ولا الرجعية اتفاقا" (¬6). 7 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "أما الرجعية: فلا إحداد عليها، إجماعا" (¬7). 8 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "لا إحداد على المطلقة، فأما الرجعية فإجماع" (¬8). 9 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "لا يجب على المطلقة الرجعية أن تحد على زوجها الحي؛ بلا خلاف" (¬9). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أنه لا يجب الإحداد على المطلقة طلاقًا رجعيًّا، هو قول الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وسفيان ¬
الثوري (¬1). • مستند الإجماع: 1 - أن الرجعية في حكم الزوجات، لها أن تتزين لزوجها، وتستشرف له، ليرغب فيها، وتنفق عنده، كما تفعل في صلب النكاح، بل هي مندوبة إلى ذلك (¬2). 2 - أن الإحداد إنما يجب عند فقد الزوج، والرجعية ليست كذلك، بل هي ذات زوج، بدليل أنه يلحقها إيلاؤه، وظهاره، ولعانه (¬3).Rسبق أن للرجعية أن تتزين لزوجها؛ والقول بوجوب الإحداد عليها يتعارض مع ذلك، وعليه فقد تحقق الإجماع على أنه لا يجب على المطلقة طلاقًا رجعيًّا أن تحد على زوجها في عدتها منه. [9 - 411] سقوط الإحداد عن المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل: تنتهي عدة المرأة الحامل سواء كانت عدة طلاق، أو عدة وفاة بوضع الحمل، فإن كانت حاملًا، وقد توفي عنها زوجها؛ لزمتها عدة الوفاة، ولزمها الإحداد على زوجها، فإن وضعت فقد انتهت عدتها، ومن ثم انتهى الإحداد مع العدة، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "إن الإحداد تابع للعدة بالشهور، أما الحامل؛ فإذا انقضى حملها سقط وجوب الإحداد عنها اتفاقًا" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن القيم من الاتفاق على أن الإحداد يسقط عن الحامل المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل، وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الاتفاق: 1 - أن سُبيعة الأسلمية كانت تحت سعد بن خولة، وكان ممن ¬
شهد بدرًا، فتوفي عنها في حجة الوداع؛ وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلَّت من نفاسها، تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بَعْكَك فقال لها: ما لي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح؟ إنكِ واللَّه ما أنت بناكح حتى تمر عليكِ أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك؛ جمعت عليَّ ثيابي حتى أمسيت، فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي (¬1). 2 - عن أم حبيبة -رضي اللَّه عنها- قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" (¬2). • وجه الدلالة: من الحديثين: أن زوج سبيعة قد توفي عنها وهي حامل، وقد ولدت بعد موته بقليل، وبين الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لها أن عدتها قد انتهت بوضع حملها، ولها أن تتزوج إن بدا لها، وأن المرأة تحد على زوجها إن مات أربعة أشهر وعشرا، فلما كان أنّ عدتها انتهت بوضع حملها تبعها الإحداد في الانتهاء. 3 - أن الإحداد تابع للعدة من الوفاة؛ فإن انتهت، سواء بالحمل أو بالشهور، فقد انتهى الإحداد بانتهائها (¬3).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أن الإحداد يسقط عن الحامل المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل؛ ولا مخالف في ذلك. [10 - 412] المطلقة قبل الدخول لا إحداد عليها: الإحداد مرتبط بالعدة كما سبق، فإن تُوفي زوج المرأة لزمتها العدة والإحداد، فإن طلقها قبل الدخول، فلا عدة ولا إحداد عليها، ونقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "المطلقة قبل الدخول لا إحداد عليها اتفاقًا" (¬4). ونقله عنه الشوكاني (¬5). ¬
• الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن حجر، والشوكاني من الاتفاق على أنه لا إحداد على المطلقة قبل الدخول؛ لعدم وجوب العدة عليها أصلًا، وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الاتفاق: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]. 2 - أن العدة تجب لمعرفة براءة الرحم، وبراءته متيقنة هنا؛ لعدم دخول الزوج، فانتفت العدة (¬5).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أنه لا إحداد على المطلقة قبل الدخول؛ لعدم وجود مخالف. [11 - 413] إباحة الإحداد للمطلقة البائن: إذا طلق الرجل امرأته طلاقًا بائنًا أُبيح لها الإحداد، وإظهار الأسف والحزن على فراقه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - المرداوي (885 هـ) حيث قال بعد أن ذكر الأقوال في الإحداد على البائن: "وحيث قلنا لا يجب الإحداد، فإنه يجوز إجماعًا" (¬6). 2 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "ويباح الإحداد لبائن من حيّ، بالإجماع" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنابلة من الإجماع على إباحة الإحداد للمطلقة البائن، وافق عليه المالكية (¬8)، والإمام ألشافعي في الجديد (¬9). وهو قوله ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، وأبي الزناد، وعطاء، وربيعة (¬10). • مستند الإجماع: أن هذه المرأة معتدة من طلاق بائن، أشبه الوفاة، فيباح لها ¬
إظهار التأسف على فراق زوجها (¬1). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬2)، والإمام الشافعي في القديم (¬3)، والإمام أحمد في رواية عنه، وعليها أكثر الحنابلة (¬4)، إلى أن الإحداد يجب على المطلقة البائن. وهو قول سعيد بن المسيب، وأبي عبيد، وأبي ثور (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - أن الإحداد شُرع إظهارًا للمصيبة على فوات نعمة النكاح، والنكاح في الطلاق البائن قد فات، فيجب إظهار التأسف والحزن لفواته (¬6). 2 - أن المبتوتة عدتها أغلظ من عدة المتوفى عنها زوجها، إذ تمنع من الخروج نهارًا، ولا تمنع منه المتوفى عنها زوجها، فكانت المبتوتة بالإحداد أولى (¬7).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن الإحداد يباح للمطلقة لبائن على فراق زوجها؛ لما يلي: 1 - خلاف عن الحنفية، والإمام الشافعي في القديم، ورواية عن الإمام أحمد، بوجوب الإحداد، ولا يخفى الفرق بين الإباحة، والوجوب من حيث التكليف. 2 - يترتب على القول بالوجوب؛ لحوق الإثم عند عدم الإحداد. 3 - أن القائلين بإباحة الإحداد يرون أنه لا يسن (¬8)، فكيف يقولون إنه يباح بالإجماع؟ ! ثانيًا: يمكن حمل ما قيل من الإجماع على إباحة الإحداد على أنه قول الذين لا يرون وجوبه؛ فقد قال ابن المنذر: "قال الشافعي: أحب أن تفعل، ولا يبين لي أن أوجبه" (¬9). وقال الماوردي: الإحداد مستحب للمبتوتة، وفي وجوبه قولان (¬10). ¬
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في الاسبتراء
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في الاسبتراء [1 - 414] من ملك أَمَة حَرُم عليه وطؤها قبل أن تستبرأ (¬1): سبق بحث هذه المسألة. [2 - 415] المسبية تستبرأ قبل وطئها: إذا وقعت امرأة من الكفار في أيدي المسلمين غنيمة من غنائم الحرب، ثم وقعت في سهم أحد المسلمين، فلا يحل له أن يطأها حتى يستبرئها، فإن كانت حاملًا فتستبرأ بوضع الحمل، وإن كانت ممن يحضن استُبرِئت بحيضة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على منع الرجل وطء جارية يملكها من السبي، وهي حامل، حتى تضع" (¬2). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن لا توطأ حامل مسبية حتى تضع؛ لتواتر الأخبار بذلك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬3). 3 - ابن أبي عمر (682 هـ) حيث قال: "والاستبراء يحصل بوضع الحمل إن كانت حاملًا، ولا خلاف في ذلك بحمد اللَّه" (¬4). 4 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "والمسبية ليس عليها إلا الاستبراء، بالسنة، واتفاق الناس" (¬5). 5 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "إنه إن كانت حاملًا، فاستبراؤها بوضع الحمل، وهذا كما أنه حكم النص، فهو مجمع عليه بين الأُمة" (¬6). ¬
[3 - 416] سبي أحد الزوجين يرفع النكاح بينهما
6 - قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من ملك أمَة ببيع أو هبة أو إرث أو سبي، لزمه استبراؤها" (¬1). 7 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "والاستبراء يحصل بوضع الحمل إن كانت حاملًا، بلا نزاع" (¬2). 8 - الشعرانى (973 هـ) فذكره كما قال قاضي صفد (¬3). 9 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "واستبراء الحامل بوضعها كل الحمل، بلا خلاف" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المسبية تستبرأ قبل وطئها، وافق عليه الحنفية (¬5)، وابن حزم الظاهري (¬6). • مستند الإجماع: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال في غزوة أوطاس، ونادى مناديه بذلك: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" (¬7). • وجه الدلالة: هذا نهي صريح عن وطء الحامل المسبية، أو غير الحامل إلا بعد استبرائها، فإن كانت حاملًا تترك حتى تضع، وإن لم تكن حاملًا فتستبرأ بحيضة.Rتحقق الإجماع على أن المسبية تستبرأ من قِبَل الذي وقعت في ملكه، قبل أن يطأها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [3 - 416] سبي أحد الزوجين يرفع النكاح بينهما: إذا وقع رجل من الكفار أسيرًا في أيدي المسلمين، وأصبح رقيقًا، فإن النكاح بينه وبين امرأته قد ارتفع، وكذلك إن وقعت المرأة في الأسر عند المسلمين، وأصبحت مسبية، فإن عقد نكاحها يرتفع بينها وبين زوجها، ولمن وقعت في سهمه من المسلمين أن يستبرئها قبل أن يطأها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المرأة ¬
إذا وقعت في ملك رجل، ولها زوج مقيم في دار الحرب، أن نكاح زوجها قد انفسخ، وحل لمالكها وطئها بعد الاستبراء" (¬1). ونقله عنه ابن تيمية (¬2). 2 - البغوي (516 هـ) حيث قال: "ولم يختلف أهل العلم في سبي أحد الزوجين دون الآخر أنه يوجب ارتفاع النكاح بينهما" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الشافعية، وابن تيمية من الحنابلة، من الإجماع على أن عقد النكاح بين المرأة وزوجها يرتفع إذا سبي أحدهما، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5). • مستند الإجماع: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال في غزوة أوطاس، ونادى مناديه بذلك: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أباح للسابي وطء المسبية، بعد أن يستبرئها بوضع الحمل إن كانت حاملًا، أو بحيضة إن كانت ممن يحضن، فكانت إباحة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بوطئهن بعد الاستبراء دلالة على ارتفاع النكاح بين المسبية وبين زوجها قبل الأسر (¬7). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى القول بأن من سُبيَ من أهل الحرب من الرجال وله زوجة، أو من النساء ولها زوج، فسواء سُبي معها، أو لم يُسبَ معها، ولا سُبيت معه، فهما على زوجيتهما، ما لم تسلم، فإن أسلمت انفسخ النكاح بينهما (¬8). • دليل هذا القول: قال ابن حزم: وأما بقاء الزوجية؛ فلأن نكاح أهل الشرك صحيح قد أقرهم عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يأتِ نصٌّ بأن سباءهما، أو سباء أحدهما يفسخ النكاح بينهما (¬9).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن سبي أحد الزوجين يرفع النكاح بينهما؛ لخلاف ابن حزم في ذلك. ثانيًا: يُحمل ما قيل من الإجماع على أنه إجماع المذاهب الأربعة. ¬
[4 - 417] لا يجب استبراء الأمة المحرمة، والمرهونة
[4 - 417] لا يجب استبراء الأمة المحرَّمة، والمرهونة: من ملك أمة، ثم أصبحت مُحَرَّمة عليه بصيام، أو حج، ونحوه، أو كانت مرهونة ففكت من الرهن؛ فإنها تحل لمالكها بغير استبراء، ونُفي الخلاف في ذلك. من نفى الخلاف: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "المحرمة إذا حلت، والمرهونة إذا فكت، فإنه لا خلاف في حلهما بغير استبراء" (¬1). يعني: لمالكهما. 2 - ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: "أو فك أمته من الرهن، حلَّت بغير خلاف" (¬2). 3 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: "أوفك أمته من الرهن، حلَّت بغير استبراء، بلا خلاف" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء الحنابلة من أن الأمة المحرَّمة إذا حلَّت، والمرهونة إذا فكت، يجوز لسيدهما أن يطأ كل واحدة منهما بغير استبراء، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن سبب حل الأمة لسيدها هو ملك الرقبة، ولم يزل ملكه عنها بسبب الرهن أو الإحرام ونحوه، فإذا عادت بعد الرهن، أو حلت بعد الإحرام فإن الملك لا يتجدد، فلا يلزم الاستبراء (¬8). 2 - أن الاستبراء شُرع لمعنى مظنته تجدد الملك وفي هذه لم يتجدد الملك، فلا يُشرع مع تخلف مظنته (¬9). 3 - أن سبب وجود الاستبراء هو استحداث الملك واليد، وهذا السبب متعين فيدار عليه الحكم وجودا وعدما (¬10)، والملك هنا غير مستحدث بل هو موجود سلفا؛ فلا يلزم الاستبراء. ¬
[5 - 418] لا عدة على الأمة إذا مات سيدها؛ بل تستبرأ بحيضة
4 - حرم على السيد الاستمتاع بأمته بسبب عارض، وقد زال هذا العارض، فلم يجب عليه الاستبراء، كمن كانت نفساء، أو حائضًا فطهرت (¬1).Rصحة ما ذكر من نفي الخلاف في أن الأمة المحرمة إذا حلَّت، أو المرهونة إذا فكت، أنه يصح لسيدهما أن يطأ كل واحدة منهما بغير استبراء. [5 - 418] لا عدة على الأمة إذا مات سيدها؛ بل تستبرأ بحيضة: إذا توفي سيد الأمة، فلا يلزمها عدة وفاة، بل يلزمها أن تستبرأ بحيضة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (413 هـ) حيث قال: "ولا خلاف علمته بين السلف والخلف بين علماء الأمصار أن الأمة لا عدة عليها إذا مات سيدها، وإنما عليها عند الجميع الاستبراء بحيضة" (¬2). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "إنها ليست زوجة فتعتد عدة الوفاة، ولا مطلقة فتعتد ثلاث حيض، فلم يبقَ إلا استبراء رحمها، وذلك يكون بحيضة، تشبيهًا بالأمة يموت عنها سيدها، وذلك ما لا خلاف فيه" (¬3). 3 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "إذا أعتق أم ولده، أو أمة كان يصيبها، أو مات عنها، لزمها استبراء نفسها بلا نزاع" (¬4). 4 - ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: "لا عدة على أمَة، أو مدبرة، أي: إذا مات مولاها أو أعتقها، بالإجماع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أنه لا عدة على الأمة إذا مات سيدها؛ بل تستبرأ بحيضة، وافق عليه الشافعية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أن الأمة هنا فراش لسيدها، فلم يجز أن تنتقل إلى فراش غيره بغير استبراء (¬7). ¬
[6 - 419] إباحة الاستمتاع بالأمة بما دون الوطء، قبل الاستبراء
2 - أن وطء الرجل لأمته وطء له حرمته، فيجب استبراؤها حفظًا على مائه من الاختلاط (¬1). 3 - أن زوال الفراش بعد الدخول يقتضي التربص، كما في زوال الفراش عن الحرة (¬2).Rتحقق الإجماع على أن الأمة إذا مات سيدها فليس عليها عدة وفاة، بل تستبرأ بحيضة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [6 - 419] إباحة الاستمتاع بالأمة بما دون الوطء، قبل الاستبراء: إذا ملك الرجل أمة ببيع أو هبة، أو سبي، جاز له أن يستمتع بها بما دون الوطء حتى يستبرئها، ونُفي الخلاف في ذلك. من نفى الخلاف: 1 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "إنه لما استمتع بها كانت ملكه ظاهرًا، وذلك يكفي في جواز الاستمتاع، كما يخلو بها ويحدثها، وينظر منها ما لا يباح من الأجنبية، وما كان جوابكم عن هذه الأمور، فهو الجواب عن القبلة، والاستمتاع، ولا يُعلم في جواز هذا نزاع" (¬3). 2 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "احتج ابن القيم بجواز الخلوة والنظر إليها، وقال: لا أعلم في جوازه نزاعًا" (¬4). 3 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "إنما جاء النهي عن الوطء، ومفهومه جواز الاستمتاع بدونه، وفعله ابن عمر وغيره، . . . وقال ابن القيم: لا أعلم في جواز هذا نزاعًا" (¬5). • الموافقون على نفي الخلاف: أولًا: ما ذكره ابن القيم، وتبعه عليه المرداوي، وابن قاسم، من جواز النظر والخلوة بالأمة إذا وقعت في الملك، هو قول الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، وابن حزم (¬9). ¬
ثانيًا: ما ذكره ابن القيم من جواز الاستمتاع بالأمة دون الوطء؛ قبل الاستبراء، هو قول الشافعية في أحد الوجهين، وهو الأصح عندهم (¬1). وهو قول عكرمة، والحسن البصري، وأبي ثور (¬2). • مستند نفي الخلاف: 1 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال في غزوة أوطاس، ونادى مناديه بذلك: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" (¬3). • وجه الدلالة: أن النهي الوارد في الحديث، نهي عن الوطء، فدل بمفهومه على جواز سائر الاستمتاعات دون الوطء (¬4). 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: وقع في سهمي من سبي جلولاء (¬5) جارية؛ كأن عنقها إبريق فضة، فلم أتمالك أن وثبت عليها، فقبَّلتُها، والناس ينظرون، ولم ينكر عليّ أحد (¬6). 3 - أنه لا يلزم من تحريم الوطء تحريم ما دونه، فتقاس على الحائض والصائمة، بجواز الاستمتاع بهما دون الوطء (¬7). 4 - أن المستبرأة قد أصبحت في ملكه، فلم يحرم عليه إلا الوطء قبل الاستبراء لئلا يختلط ماؤه بماء مشرك، وهذا لا يوجد فى التلذذ بها بغير الوطء (¬8). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والحنابلة في رواية هي المذهب (¬11)، إلى القول بتحريم الوطء ودواعيه في المستبرأة، سواء وقعت في ملك سيدها ببيع أو هبة، أو إرث، أو سبي. وهو قول ابن سيرين، وقتادة، وأيوب ¬
السختياني، ويحيى الأنصاري، والليث بن سعد، والثوري (¬1). ثانيًا: فرَّق الشافعية (¬2)، والحنابلة في رواية (¬3)، والأوزاعي (¬4)، بين الأمة إن وقعت في ملك سيدها ببيع، أو هبة، ونحوها من سائر وجوه التملك، وبين ما إذا وقعت في ملكه بالسبي. • فإذا وقعت في ملكه بغي سبي؛ اختلفوا على أقوال: الأول: يحرم عليه سائر الاستمتاعات حتى يستبرئها، عند الشافعية، والحنابلة في رواية هي المذهب، والأوزاعي. الثاني: يختص التحريم بمن تحيض، فيجوز الوطء، والاستمتاع، بمن لا تحيض، دون غيرها، في رواية عند الحنابلة. الثالث: يختص التحريم بالوطء فقط، في رواية عند الحنابلة، واختارها ابن القيم، وأيدها بعدم الخلاف في جواز الخلوة والنظر للمملوكة قبل الاستبراء؛ كما سبق. الرابع: إذا ملكها بالإرث فلا يجب الاستبراء، في وجه عند الحنابلة. • وإن وقعت في ملكه بالسبي اختلفوا على قولين: الأول: ذهب الشافعية في أحد الوجهين؛ وهو الأصح عندهم، والحنابلة في رواية، والأوزاعي، إلى أنه يحل الاستمتاع بالأمة المسبية بما دون الوطء قبل الاستبراء. الثاني: ذهب الشافعية في الوجه الآخر، ورواية عن الإمام أحمد هي المذهب؛ إلى القول بتحريم الاستمتاع بالمسبية بما دون الوطء حتى يستبرئهما. • دليل من منع الاستمتاع بالأمة قبل استبرائها: مُنِع الرجل من وطء الأمة قبل استبرائها؛ مخافة أن تكون أم ولد لغيره، فيؤدي ذلك إلى اختلاط الأنساب، وهذا المعنى موجود في القبلة والنظر بشهوة، ونحو ذلك من وجوه الاستمتاعات؛ لأنه قد يُفضي إلى الوطء (¬5).Rأولًا: تحقق ما ذكر من نفي الخلاف في إباحة النظر للمملوكة ¬
[7 - 420] لا تصير الأمة فراشا لسيدها بمجرد الملك، بل لا بد من الوطء
والخلوة بها، قبل استبرائها إذا وقعت في ملك الرجل. ثانيًا: ما ذكره ابن القيم، وتبعه عليه المرداوي، وابن قاسم من اعتبار عدم الخلاف في جواز النظر والخلوة بالمملوكة قبل استبرائها دليلًا على جواز الاستمتاع بما دون الوطء قبل الاستبراء، غير مقبول لدى العلماء؛ فقد وقع خلاف بينهم في منع الاستمتاع مطلقًا بالمسبية وغيرها، وهو رأي الحنفية، والمالكية، وبين المسبية وغيرها، عند من فرق بينهما. [7 - 420] لا تصير الأمة فراشًا لسيدها بمجرد الملك، بل لا بد من الوطء: إذا ملك رجل أمة، فلا تصبح فراشًا يثبت نسب ابنه منها بمجرد الملك، بل لا بد أن يقع منه وطء حتى تصير فراشًا، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشربيني (977 هـ) حيث قال: "ولا تصير أمة فراشًا لسيدها إلا بوطء، لا بمجرد الملك، بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الشربيني من الشافعية من الإجماع على أن الأمة لا تصير فراشًا بمجرد الملك، بل لا بد من الوطء، وافق عليه المالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص، وعبد ابن زمعة (¬5) في غلام؛ فقال سعد: هذا يا رسول اللَّه ابن أخي عتبة بن أبي وقاص، عهد إلى أنه ابنه، انظر إلى شبهه. وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول اللَّه ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى شبهه، فرأى شبهًا بينًا بعتبة، فقال: "هو ¬
لك يا عبد، الولد للفراش، وللعاهر الحجر (¬1)، واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة"، قالت: فلم يرَ سودة بعد (¬2). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن الرجل إن كانت له زوجة أو أمة فأتت بولد في مدة الإمكان صار ولدًا لصاحب الفراش، ولهذا قضى به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعبد بن زمعة؛ لأنه ولد على فراش أبيه (¬3). 2 - عن عبد اللَّه بن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنهما- قال: ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعزلوهن؟ لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أنه قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها، فاعزلوا بعد أو اتركوا (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية إلى القول بأن الأمة لا تصير فراشًا بمجرد الملك -كما قال الجمهور- ولا يكفي أن تأتي بولد؛ بل لا بد أن يستلحقه، فيقول: هذا الولد مني (¬5). • دليل هذا القول: أن فراش الأمة ضعيف (¬6)، فلا يثبت النسب فيه بغير ادعائه، وقد وجد الادعاء من السيد فيثبت له (¬7). ¬
Rأولًا: تحقق الإجماع على أن الأمة لا تصير فراشًا يثبت به النسب بمجرد الملك. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن الوطء وحده يكفي أن تكون الأمة فراشًا يثبت به النسب؛ وذلك لوجود خلاف عن الحنفية بأنه لا بد من الاستلحاق من قبل السيد، فلو وطئها، وأتت بولد ولم يستلحقه، لم يثبت نسبه.
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في الرضاع
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في الرضاع [1 - 421] يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب: سبق بحث هذه المسألة. [2 - 422] التحريم في الرضاعة يكون من جانب النساء: إذا أرضعت المرأة طفلًا أصبح ابنًا لها، وأصبحت هي أمًّا له، فيقع التحريم برضاعة الأم، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "الأصل الذي عليه مدار الرضاع، وبه يعتبر حكماه في التحريم، والمحرم، فانتشارهما من جهة المرضعة متفق عليه" (¬1). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "وكل من أرضعت الرجل حرمت عليه؛ لأنها أمه من الرضاعة، . . . وكلا هذا فلا خلاف فيه" (¬2). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "المرأة ترضع الطفل فيكون ابنها ابن رضاعة بإجماع العلماء" (¬3). 4 - علاء الدين السمرقندي (540 هـ) حيث قال: "والتحريم في جانب المرضعة مجمع عليه" (¬4). 5 - الكاساني (587 هـ) فذكره بنحو ما قال علاء الدين السمرقندي (¬5). 6 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أن الرضاع بالجملة يحرم منه ما يحرم من النسب؛ أعني: أن المرضعة تنزل منزلة الأم؛ فتحرم على المرضع، هي وكل من يحرم على الابن من قبل أم النسب" (¬6). 7 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إن المرأة إذا حملت من رجل، وثاب (¬7) لها ¬
لبن، فأرضعت به طفلا رضاعا محرما، صار الطفل المرتضع ابنا للمرضعة، بغير خلاف" (¬1). 8 - النووي (676 هـ) حيث قال: "الأحاديث متفقة على ثبوت حرمة الرضاع، وأجمعت الأمة على ثبوتها بين الرضيع والمرضعة، وأنه يصير ابنها يحرم عليه نكاحها أبدا، ويحل له النظر إليها، والخلوة بها، والمسافرة" (¬2). 9 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "إذا ارتضع الرضيع من المرأة خمس (¬3) رضعات في الحولين صارت المرأة أمه. . . باتفاق الأئمة" (¬4). 10 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "ولا نزاع بين أهل العلم في أن حرمة الرضاع تنتشر من جهة المرأة" (¬5). وقال أيضًا: "أما صيرورة المرضعة بنتًا لها فإجماع" (¬6). 11 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة، أي: وتبيح ما تبيح، وهو إجماع فيما يتعلق بتحريم النكاح وتوابعه، وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة، وتنزيلهم منزلة الأقارب في جواز النظر، والخلوة، والمسافر" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن التحريم في الرضاع، يكون في جانب النساء، هو قول ابن مسعود، وابن عباس، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]. • وجه الدلالة: هذه الآية نص على الحرمة في جانب المرضعة، وأنها تحرم على المرتضع؛ لأنها صارت أما له من الرضاع. 2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنهما- قالت: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب"، وفي رواية "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة" (¬9). ¬
[3 - 423] إذا لاعن الرجل امرأته، حرمت عليه ابنتها من الرضاع
• وجه الدلالة: كما أن البنوة تثبت من جهة النسب، فإنها تثبت أيضًا من جهة الرضاعة.Rتحقق الإجماع على أن التحريم في الرضاعة يكون من جانب النساء؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [3 - 423] إذا لاعن الرجل امرأته، حرُمت عليه ابنتها من الرضاع: إذا لاعن رجل امرأته، ونفى حملها، وقعت الفرقة بينهما، فإذا ولدت بعد اللعان، ثم أرضعت جارية مع ابنها المنفي باللعان، فإن هذه الجارية تحرم على الزوج الملاعن، ونُفي الخلاف في ذلك. من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإذا كان المرتضع جارية، حرمت على الملاعِن، بغير خلاف" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في تحريم المرتضعة من الزوجة التي لاعنها زوجها، وافق عليه المالكية في المشهور لديهم (¬2). • مستند نفي الخلاف: 1 - تحرم المرتضعة من الزوجة التي وقع عليها اللعان بسبب أنها ربيبة الزوج؛ إذ إنها بنت امرأته من الرضاع (¬3). 2 - أن هناك نكاحًا مشروعًا بين الزوجين، ثم وقعت الفرقة بينهما بسبب اللعان، فيعتبر التحريم في حق الزوج، لوجود نكاح سابق على اللعان (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬5)، والمالكية في غير المشهور لديهم (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة في المذهب (¬8)، وصوَّبه المرداوي (¬9)، إلى أن الرضيع ابن الزوجة الملاعنة دون الزوج، فلا تحرم الرضيعة على من لاعن امرأته. ¬
[4 - 424] رضاع البكر التي لم تنكح يقع به التحريم
• أدلة هذا القول: 1 - أن كل من ثبت منه النسب ثبت منه الرضاع، ومن لا يثبت منه النسب لا يثبت منه الرضاع (¬1). 2 - أن اللبن الموجود في الملاعنة ليس بلبن الزوج حقيقة؛ فلا يثبت في حقه حكم الرضاع (¬2).Rما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أن المرتضعة من الزوجة الملاعَنة، تحرم على الزوج، غير صحيح؛ لوجود خلاف في المسألة. [4 - 424] رضاع البكر التي لم تنكح يقع به التحريم: إذا ظهر لبن بامرأة ليس لها زوج، فإنه يقع بلبنها التحريم، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن البكر التي لم تنكح، ثم نزل لبن، فأرضعت به مولودًا أنه ابنها، ولا أب له من الرضاعة" (¬3). وقال أيضًا: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن البكر التي لم تنكح، لو نزل بها لبن فأرضعت به مولودًا؛ أنه ابنها، ولا أب له من الرضاعة" (¬4). ونقله عنه العيني (¬5). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن تحريم الرضاع إنما يجب به التحريم إذا كان من لبن الأنثى، سواء كانت بكرًا أم ثيبًا، موطوءة أو غير موطوءة" (¬6). ونقله عنه ابن قاسم (¬7). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "اتفقوا على أنه يحرم لبن كل امرأة بالغ وغير بالغ، واليائسة من المحيض، كان لها زوج أو لم يكن، حاملًا كانت أو غير حامل" (¬8). 4 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وإذا نزل للبكر لبن فأرضعت صبيًّا؛ تعلق به التحريم؛ لإطلاق النص، وهذا لا خلاف فيه للأئمة الأربعة" (¬9). ¬
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن لبن البكر (¬1) تنتشر به الحرمة، وافق عليه الثوري، وأبو ثور، والأوزاعي (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]. • وجه الدلالة: هذا نص مطلق في تحريم الأمهات من الرضاعة، دون فصل بين بكر وثيب (¬3). 2 - أنه لبن من امرأة فتعلق به التحريم، كما لو كان من وطء (¬4). 3 - أن ألبان النساء خلقت لغذاء الأطفال، وإن كان هذا نادرًا؛ فجنسه معتاد (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب الشافعية في أحد الوجهين (¬6)، والحنابلة في المذهب (¬7)، إلى أنه إذا ظهر لبن من امرأة لا ولد لها فلا تنتشر به الحرمة. • أدلة هذا القول: 1 - أن ما ظهر من المرأة من لبن دون حمل أو ولادة، فليس بلبن حقيقة، بل رطوبة متولدة (¬8). 2 - أنه يشبه لبن الرجل فلا حرمة له (¬9). 3 - أنه لبن نادر لم تجر العادة به لتغذية الأطفال (¬10).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن لبن البكر التي لم تنكح تنتشر به الحرمة؛ لوجود خلاف عن الشافعية في أحد الوجهين، والحنابلة في المذهب، بعدم التحريم بلبن البكر التي لم تنكح. ثانيًا: نفى العيني من الحنفية أن يكون هناك خلاف في المسألة بين الأئمة الأربعة، وهذا غير صحيح لوجود خلاف عند الشافعية في أحد الوجهين، والحنابلة في رواية ¬
[5 - 425] اللبن المحرم هو ما كان من النساء دون غيرهن
هي المذهب. [5 - 425] اللبن المحرِّم هو ما كان من النساء دون غيرهن: تنتشر الحرمة بلبن المرأة، ولا تنتشر بلبن بهيمة مثلًا، إن ارتضع طفلان من بهيمة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن صبيين لو شربا من لبن بهيمة أنه لا يكون رضاعًا" (¬1). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن ذلك مقصور على الآدميات، وأن طفلين لو ارتضعا من لبن بهيمة لم يثبت بينهما أخوة الرضاع" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). 3 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "إذا ارتضع طفلان من بهيمة؛ لم ينشر الحرمة، بلا نزاع" (¬4). 4 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: "لا تنتشر المحرمية بلا نزاع في لبن البهيمة" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية، وعلماء الحنابلة من الإجماع على أن اللبن المحرِّم هو ما كان من النساء دون غيرهن وافق عليه الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7). وهو قول أبي ثور (¬8)، وابن القاسم (¬9). • مستند الإجماع: 1 - أن تحريم الأخوة فرع تحريم الأمومة، فما لم يثبت فيه تحريم الأمومة، فلا تثبت فيه تحريم الأخوة (¬10). 2 - أن لبن البهائم له حكم سائر الأطعمة، فلا فرق بين لبن البهائم وغيره من الأطعمة (¬11). ¬
[6 - 426] الرضاع المحرم ما كان في الحولين
• الخلاف في المسألة: ذهب الإمام مالك فيما نقله عنه بعض الشافعية (¬1)، وعطاء -فيما ذكره عنه الغزالي (¬2) - وبعض السلف (¬3)، إلى أنه لو ارتضع صبيان من بهيمة صارا أخوين. • دليل هذا القول: أن الرضيعين قد اجتمعا على لبن واحد، فوجب أن يصيرا أخوين، كالاجتماع على لبن الآدميات (¬4).Rتحقق الإجماع على أن لبن غير النساء لا يحرم في الرضاع، والذي يدعو إلى القول بتحقق الإجماع ما يلي: 1 - أن ما ذكر عن الإمام مالك غير صحيح، فلم ينقله أحد من المالكية؛ بل قال ابن القاسم عندما سئل عن لبن البهيمة هل يقع به التحريم: "لم أسمع من مالك في هذا شيئًا، ولكن أرى أنه لا تكون الحرمة في الرضاع إلا في لبن الآدميات" (¬5). 2 - أن ما ذكره الغزالي عن عطاء، لم يُذْكر في أي من كتب الآثار. 3 - ما ذكر عن بعض السلف من ثبوت التحريم بلبن البهائم، قول غير صحيح كما قال ابن قدامة (¬6). 4 - أن الخلاف عن بعض السلف ذُكر بصيغة التضعيف، وليس بصيغة الجزم. 5 - أنه يلزم من القول بالتحريم بلبن غير الآدميات أن يشترك خلق كثير في الأخوة بسبب الرضاع من البهيمة، وفي هذا مشقة وحرج، والحرج مرفوع شرعًا بقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: الآية 185] وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]. [6 - 426] الرِّضاع المحرِّم ما كان في الحولين: إذا أرضعت المرأة طفلًا فلا تنتشر الحرمة إلا إذا وقع الرضاع في الحولين، ونُقل الاتفاق على ذلك. ¬
• من نقل الاتفاق: 1 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الرضاع يحرم في الحولين" (¬1). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن التحريم بالرضاع يثبت في سنتين" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن رشد من المالكية، وابن هبيرة من الحنابلة من الاتفاق على أن الرضاع هو ما كان في الحولين؛ وافق عليه الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5). وهو قول عمر، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، وأم سلمة -رضي اللَّه عنه-، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقتادة، والشعبي، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور، وداود (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أن الرضاع المعتبر في التحريم هو ما كان في الحولين (¬7). 2 - عن أم سلمة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء من الثدي (¬8)، وكان قبل الفطام" (¬9). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم (¬10)، إلى أن التحريم في الرضاع لا يتقيد بالحولين، فمتى وقع الرضاع وقع التحريم، وهو اختيار ابن تيمية (¬11) وقالت به عائشة -رضي اللَّه عنها- (¬12). ¬
• أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]. • وجه الدلالة: أمر اللَّه -سبحانه وتعالى- الوالدات برضاع أبنائهن عامين، وليس فيها تحريم الرضاعة بعد الحولين، ولا أن التحريم ينقطع بتمامهما (¬1). 2 - قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]. • وجه الدلالة: حرم اللَّه -سبحانه وتعالى- الأم المرضع، والأخت من الرضاعة، ولم يقيد الرضاع المحرم بما كان في الحولين (¬2). 3 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: إن سالمًا (¬3) مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة (¬4) وأهله في بيتهم، فأتت سهلة (¬5) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إن سالمًا قد بلغ مبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وأنه يدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئًا. فقال لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة"، فرجعت فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة (¬6). • وجه الدلالة: مثل هذا الحديث يرفع الإشكال في أن الرضاعة المحرِّمة ما كانت في الحولين، فهذا سالم قد ارتضع، وهو كبير قد عقل ما يعقله الرجال (¬7).Rأولًا: عدم تحقق ما ذكر من الاتفاق على أن الرضاع الذي يحرم هو ما كان في الحولين؛ وذلك لوجود خلاف عن عائشة -رضي اللَّه عنها-، وابن حزم الظاهري، وابن تيمية، بأن رضاع الكبير بعد الحولين ينشر الحرمة. ¬
[7 - 427] قليل الرضاع وكثيره يحرم
ثانيًا: يحمل ما ذكر من الاتفاق على أنه اتفاق الأئمة الأربعة (¬1). [7 - 427] قليل الرضاع وكثيره يُحرِّم: نُقل الإجماع على أن قليل الرِّضاع وكثيره يحرِّم. • من نقل الإجماع: 1 - الزهريّ (124 هـ) حيث قال: "قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد، انتهى أمر المسلمين على ذلك" (¬2). 2 - الليث بن سعد (175 هـ) حيث قال: "أجمع المسلمون على أن قليل الرضاع وكثيره يحرِّم ما كان في المهد، ما يُفطِر به الصائم". نقله عنه ابن عبد البر (¬3)، وابن قدامة (¬4)، وابن القيم (¬5)، والعيني (¬6)، والصنعاني (¬7)، والشوكاني (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكر من الإجماع على أن قليل الرِّضاع وكثيره يحرِّم، وافق عليه الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية في وجه (¬11)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬12). وهو قول علي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وجابر -رضي اللَّه عنهم-، والحسن ¬
البصري، وسعيد بن المسيب، وطاوس، والثوري، وعطاء، ومكحول، وقتادة، والأوزاعي (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]. • وجه الدلالة: جاء التحريم هنا بالرضاعة مطلقًا عن القدر؛ فيستوي قليله وكثيره (¬2). 2 - عن عقبة بن الحارث (¬3) -رضي اللَّه عنه- قال: تزوجت امرأة؛ فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: أرضعتكما، فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان، فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت لي: إني قد أرضعتكما، وهي كاذبة، فأعرض عنه، فأتيته من قبل وجهه، وقلت: إنها كاذبة. قال: "كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما؟ دعها عنك" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر المسائل بمفارقة امرأته لما جاءه الخبر أن امرأة أرضعتهما، ولم يسأله عن مقدار الرضعات، فدل على أن ما يطلق عليه اسم رضاع أنه يحرِّم (¬5). 3 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: الرضعة الواحدة تحرم (¬6). 4 - أن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- لمّا بلغه أن ابن الزبير قال: لا تحرم الرضعة والرضعتان قال: قضاء اللَّه خير من قضاء ابن الزبير، وتلا قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]. • الخلاف في المسألة: أولًا: من قال: إنه لا يحرِّم إلا ما كان خمس رضعات فأكثر، وإليه ذهب الشافعية في ظاهر المذهب (¬7)، والحنابلة في رواية هي المذهب (¬8)، وابن حزم الظاهري (¬9)، وهو قول عائشة -رضي اللَّه عنهما- (¬10). ¬
• دليل هذا القول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرِّمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهن فيما يقرأ من القرآن (¬1). ثانيًا: من قال: إنه لا يحرِّم إلا ثلاث رضعات، وهو وجه عند الشافعية (¬2)، ورواية عن الإمام أحمد (¬3). وهو قول عن عائشة، وابن الزبير -رضي اللَّه عنهما-، وسليمان بن يسار، وسعيد بن جبير، وأبي عبيد، وأبي ثور، وداود (¬4)، وابن المنذر (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - عن عبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنه- عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تحرم المصة ولا المصتان" (¬6). 2 - عن أم الفضل -رضي اللَّه عنها- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تحرم الإملاجة والإملاجتان" (¬7). • وجه الدلالة: هذه أحاديث صحيحة لا يجوز العدول عنها، فثبت التحريم بالثلاث، ونُفي التحريم بما دونها بصريح السنة (¬8). ثالثًا: من قال: إنه لا يحرّم إلا سبع رضعات، وحكي هذا عن عائشة، وحفصة، وعمر بن عبد العزيز (¬9). • دليل هذا القول: لا دليل على هذا المذهب كما قال ابن القيم، وابن حزم (¬10). قال ابن حزم: نظرنا فيما احتج به من ذهب إلى سبع رضعات، فلم نجد لهذا القول متعلقًا، فسقط (¬11). رابعًا: من قال: إنه لا يحرِّم إلا عشر رضعات، وحكي هذا القول عن عائشة أيضًا، وعن حفصة (¬12). • دليل هذا القول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: أن سهلة بنت سهيل أتت ¬
[8 - 428] الرضاع عشر مرات يقع بها التحريم
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت له: إن سالمًا كان منا حيث علمت، كنا نعده ولدًا، وكان يدخل عليّ، فلما أنزل اللَّه -عز وجل- فيه وفي أشباهه أنكرت وجه أبي حذيفة، إذا رآه يدخل عليّ قال: "فأرضعيه عشر رضعات، ثم ليدخل عليك، كيف شاء، فإنما هو ابنك" (¬1).Rما ذكره الزهري، والليث من الإجماع على أن قليل الرِّضاع وكثيره يحرِّم، غير صحيح؛ للأسباب التالية: 1 - أنه قد نقل عن الليث بن سعد القول بأنه لا يحرِّم إلا خمس رضعات كما قال الشوكاني، ويبعد على العالم أن يحكي الإجماع في مسألة ثم يخالفها (¬2). 2 - يحمل كلام الليث بن سعد على أنه لم يقف على خلاف في ذلك، كما قال ابن عبد البر (¬3). 3 - أنه قد وقع خلاف من زمن الصحابة على المقدار المحرِّم من الرضاع، وهذا الخلاف وقع لدى التابعين، ومن بعدهم من أئمة المذاهب، بين من يرى أن التحريم يقع بثلاث رضعات، وبخمس، وبسبع، وبعشر. [8 - 428] الرضاع عشر مرّات يقع بها التحريم: إذا ارتضع طفل من امرأة عشر رضعات في الحولين فقد وقع بها التحريم، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن امرأة عاقلة حية، غير سكرى، إن أرضعت صبيًا عشر رضعات متفرقات، . . . فتمت العشر قبل أن يستكمل ¬
[9 - 429] كل ما وصل إلى جوف الطفل من الرضاع يثبت به التحريم
الصبي حولين قمريين من حين ولادته، . . . فهو ابنها" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: سبق ذكر الخلاف في عدد الرضعات المحرِّمة في المسألة السابقة، وكأن ابن حزم نظر إلى أعظم الأقوال في تحديد الرضعات المحرِّمة، فإن من يقول: إن قليل الرضاع يحرِّم، ومن يقول: ثلاث، ومن يقول: خمس، ومن يقول: سبع، من باب أولى أن يقول: إن العشر رضعات تحرِّم. • مستند الاتفاق: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: أن سهلة بنت سهيل أتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت له: إن سالمًا كان منا حيث علمت، كنا نعده ولدًا، وكان يدخل عليّ، فلما أنزل اللَّه -عز وجل- فيه وفي أشباهه أنكرت وجه أبي حذيفة، إذا رآه يدخل عليّ قال: "فأرضعيه عشر رضعات، ثم ليدخل عليك، كيف شاء، فإنما هو ابنك" (¬2). 2 - أن عائشة -رضي اللَّه عنها- أرسلت بسالم بن عبد اللَّه بن عمر إلى أختها أم كلثوم بنت أبي بكر (¬3)، وهي ترضع، فقالت: أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل عليّ، قال سالم: فأرضعتني ثلاث رضعات؛ ثم مرضت أم كلثوم، فلم ترضعني، فلم أكن أدخل على عائشة أم المؤمنين من أجل أن أم كلثوم لم تتم لي عشرًا من الرضعات (¬4).Rما ذكره ابن حزم من الاتفاق على أن عشر رضعات يقع بها التحريم صحيح؛ لأن من يقول: إن كثير الرضاع وقليله يحرِّم، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، من باب أولى أن يقول: إن العشر رضعات تحرِّم. [9 - 429] كل ما وصل إلى جوف الطفل من الرِّضاع يثبت به التحريم: ما يصل إلى جوف الطفل وقت الرضاع سواء كان بمصٍّ عن طريق الفم، أو كان من سعوط، أو وجور (¬5) فيقع به التحريم، ونُقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: 1 - الجوهري (350 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن الصبي إذا وجد لبن امرأة فشربه؛ حرُمت على ذلك الصبي أن يتزوجها" (¬1). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وقد أجمع العلماء على التحريم بما يشربه الغلام الرضيع من لبن المرأة، وإن لم يمصه من ثديها" (¬2)، وذكر نحوه في التمهيد (¬3). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يتعلق التحريم بالسعوط، والوجور" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). 4 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولا خلاف في أنه إذا حلب لبنها في حال حياتها في إناء، فأوجر به الصبي بعد موتها، أنه يثبت به الحرمة" (¬6). 5 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "والوجور، والسعوط تثبت به الحرمة، اتفاقًا" (¬7). 6 - ابن نجيم (970 هـ) فذكره كما قال ابن الهمام (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن التحريم في الرضاع يثبت بما وصل إلى جوف الصبي؛ وإن لم يمصه من الثدي، وافق عليه الشافعية (¬9). وهو قول الشعبي، والثوري، وأبي ثور (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]. • وجه الدلالة: هذا يتناول اسم الرضاعة ومعناها، فإنها قد تكون بالمص بالفم، وقد تكون بالسعوط، وبالوجور (¬11). 2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: دخل عليّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعندي رجل قاعد، فاشتد ¬
ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه، قالت: قلت: يا رسول اللَّه! إنه أخي من الرَّضاعة قالت: فقال: "انظرن من إخوتكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة" (¬1). • وجه الدلالة: جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الرضاعة المحرِّمة ما استعمل لطرد الجوع، ويستوي في ذلك ما أخذه الطفل عن طريق الثدي، أو سعوطًا، أو وجورًا (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه (¬3)، وابن حزم (¬4)، إلى أن التحريم ما كان بالمصِّ عن طريق الثدي فقط، وما كان من سعوط أو وجور فلا يحرِّم، وإن وصل إلى الجوف، وبالغ ابن حزم فقال: ولو كان ذلك غذاءه دهره كله. وهو قول الليث بن سعد، وداود، وعطاء الخراساني (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]. 2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" (¬6). • وجه الدلالة: لم يحرِّم اللَّه -سبحانه وتعالى- ولا رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا المعنى نكاحًا إلا بالإرضاع، والرضاعة، ولا يسمى الإرضاع إرضاعًا إلا ما وضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع، وما عدا ذلك فلا يسمى إرضاعًا (¬7).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن التحريم يقع بما يمصه الصبي بفمه من الثدي مباشرة. ثانيًا: يبقى الخلاف في مقدار الرضعات التي يقع بها التحريم: هل هي كل ما يطلق عليه اسم الرّضاع، أم أنه يكون بثلاث، أم بخمس، أم بسبع، أم بعشر؛ فيكون التحريم بالسعوط والوجور على قدر اختلاف الفقهاء فيما يحرم من عدد الرضعات. ¬
[10 - 430] إذا اختلط لبن المرأة بغيره فلا يحرم ما لم يستويا
ثالثًا: عدم تحقق الإجماع على حصول التحريم بما وصل إلى جوف الطفل عن طريق السعوط والوجور؛ لوجود خلاف عن الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وابن حزم، والليث، وداود، وعطاء الخراساني، إذ يرون أن الرضاع بالسعوط، والوجور لا يحرم. [10 - 430] إذا اختلط لبن المرأة بغيره فلا يحرِّم ما لم يستويا: إذا اختلط لبن المرأة بماء مثلًا، أو بلبن شاة، أو نحوه، فلا يحرِّم شيئًا، ما لم يستويا، أو تكون الغلبة للبن المرأة، فإن غلب أو استويا وقع التحريم به عندئذٍ، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "واعتبر الغالب، لو بماء ودواء ولبن شاة وامرأة أخرى، . . . ولو استويا وجب ثبوت الحرمة، . . . وأما إذا استويا تعلق بهما جميعًا إجماعًا" (¬1). 2 - الحصكفي (1088 هـ) حيث قال: "ومخلوط بماء أو دواء أو لبن أخرى إذا غلب لبن المرأة، وكذا إذا استويا إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنفية من الإجماع على ثبوت الحرمة بالرضاع إذا اختلط بغيره، فإن استويا أو كان الغالب هو لبن المرأة وقع التحريم، وافق عليه المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة في المذهب (¬5). • مستند الإجماع: 1 - إذا استوى لبن المرأة وغيره من المائعات تعلق به التحريم؛ لأنه يطلق عليه اسم لبن فيقع التحريم به؛ ولأنه غير مغلوب في أي صفة من صفاته (¬6). 2 - إذا استوى لبن المرأة ولبن امرأة أخرى وقع التحريم بهما جميعًا؛ لعدم الأولوية لأحدهما على الآخر (¬7). 3 - أن اللبن إذا حلب من امرأتين أو أكثر وشرب الصبي، فهو كما لو ارتضع من ¬
[11 - 431] إذا أفسدت المرأة نكاح نفسها قبل الدخول برضاع؛ فلا مهر لها
كل واحدة منهن (¬1). 4 - لو اختلط طعام حلال بحرام، وكان الحرام مستهلكًا في الطعام، فإنه يحرم؛ فكذلك اللبن (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن القاسم من المالكية (¬3)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬4)، وابن حزم (¬5)، إلى عدم وقوع التحريم باللبن المختلط بغيره، ولو غلب لبن المرأة. • أدلة هذا القول: 1 - أن اللبن المختلط بغيره ينقله إلى معنى آخر، فيبطل حكمه، بدليل أن من حلف ألا يشرب لبنًا لا يحنث بشربه (¬6). 2 - أن تعليق التحريم باللبن كتعليق وجوب الحد بشرب الخمر، فإذا خلط خمر بماء حتى استهلك في الماء، فلا يتعلق بشربه حد، فكذلك اللبن (¬7). 3 - أن هذا اللبن لا يحصل به إنبات لم، أو إنشاز عظم، فليس برضاع ولا في معناه، فوجب ألا يثبت فيه حكم (¬8).Rعدم تحقق الإجماع على أن لبن المرأة إذا اختلط بغيره لا يحرِّم، ما لم يستويا، أو يغلب لبن المرأة فإنه يحرِّم؛ وذلك لوجود خلاف عن ابن القاسم من المالكية، ورواية عن الإمام أحمد، وابن حزم، بعدم التحريم إذا اختلط لبن المرأة بغيره، ولو كانت الغلبة للبن المرأة. [11 - 431] إذا أفسدت المرأة نكاح نفسها قبل الدخول برضاع؛ فلا مهر لها: إذا عقد رجل على امرأة كبيرة، وعقد على صغيرة أيضًا، فأرضعت الكبيرة الصغيرة، وكان ذلك قبل الدخول؛ انفسخ نكاح الكبيرة، ولا مهر لها، بلا خلاف. من نفى الخلاف: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "متى تزوج كبيرةً وصغيرةً، فأرضعت الكبيرة الصغيرة قبل دخوله بها، فسد نكاح الكبيرة في الحال، وحرمت على ¬
التأبيد، . . . ولا مهر للكبيرة، . . . ولا نعلم فيه خلافًا" (¬1). ونقله عنه ابن قاسم (¬2). 2 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وإن أفسدت نكاح نفسها؛ سقط مهرها، بلا نزاع" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء الحنابلة من أن المرأة إذا أفسدت نكاح نفسها قبل الدخول فلا مهر لها، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وابن حزم (¬7). وهو قول الثوري، وأبي ثور (¬8). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن فسخ نكاح الكبيرة جاء بسبب من جهتها، وقد رضيت به، فسقط صداقها (¬9). 2 - حرُمت الكبيرة عليه لأنها أصبحت من أمهات نسائه، وأمهات النساء يحرمن بمجرد العقد على بناتهن (¬10). 3 - الأصل أن الفرقة إذا حصلت قبل الدخول توجب سقوط المهر كله؛ لأن المبدل يعود سليمًا إلى المرأة، وسلامة المبدل لأحد المتعاقدين توجب سلامة البدل للآخر، حتى لا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد (¬11). • الخلاف في المسألة: ذهب الأوزاعي إلى أن نكاح الكبيرة ثابت، وتنزع الصغيرة من زوجها (¬12).Rصحة ما ذُكر من نفي الخلاف في أن الزوجة الكبيرة إذا أفسدت نكاح نفسها قبل الدخول برضاع، فلا مهر لها، ولا ينظر لخلاف الأوزاعي؛ لأنه غير صحيح إليه كما قال ابن قدامة، لأن الكبيرة أصبحت بالرضاعة أمُّا للصغيرة، وتحرم الأمهات ¬
[12 - 432] إذا أفسدت المرأة نكاح نفسها بعد الدخول، فلا يسقط المهر
بمجرد العقد علي بناتهن (¬1). [12 - 432] إذا أفسدت المرأة نكاح نفسها بعد الدخول، فلا يسقط المهر: هذه المسألة نظيرة التي سبقتها، فإن وقع إفساد النكاح من قبل المرأة بعد الدخول بها، بأن تزوج صغيرة فأرضعتها، فإنها تصبح أمًّا لها، فتحرمان عليه، ولا يسقط مهر الكبيرة بحال، ونُفي الخلاف في ذلك. من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ولا نعلم بينهم خلافًا في أنها إذا أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول، أنه لا يسقط مهرها" (¬2). ونقله عنه المرداوي (¬3)، وابن قاسم (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء الحنابلة من أن المرأة إذا أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول فإن المهر يجب، ولا يسقط، وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند نفي الخلاف: 1 - ينفسخ نكاح الكبيرة؛ لأنها أصبحت من أمهات نسائه، وينفسخ نكاح الصغيرة؛ لأنها أصبحت ربيبة مدخولًا بأمها (¬9). 2 - يجب المهر لأنه قد تأكد بالدخول، فلا يحتمل السقوط بعد ذلك (¬10).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن المرأة إذا أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول بأن أرضعت زوجته الصغرى، فإن النكاح ينفسخ، ولا يسقط مهر الكبرى. [13 - 433] لا يثبت الرضاع إلا بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين: لا بد في الرضاع حتى يثبت إما إقرار المرضع بالرضاعة، أو بثبوت البينة، ولا تثبت ¬
البينة إلا بشاهدين، رجلين، أو رجل وامرأتين، ولا تقبل شهادة النساء منفردات، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث قال بعد أن ذكر أن البينة في الرضاع تثبت بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين: "ولنا ما ورد عن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: لا يقبل على الرضاع أقل من شاهدين، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم يظهر النكير من أحد فيكون إجماعًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الكاساني من الحنفية من الإجماع على أنه لا يقبل في الشهادة على الرضاع إلا رجلان، أو رجل وامرأتان، وافق عليه المالكية (¬2)، والشافعية (¬3). وهو قول عمر -رضي اللَّه عنه- (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282]. 2 - أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أُتى في امرأة شهدت على رجل وامرأته أنها أرضعتهما فقال: لا حتى يشهد رجلان، أو رجل وامرأتان (¬5). 3 - لا يصح انفراد النساء بالشهادة على الرضاع؛ لأن ذلك مما يطلع عليه الرجال، لجواز اطلاع المحارم على ثدي المرضعة (¬6). • الخلاف في المسألة: الخلاف في هذه المسألة ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: ما ذكره الجمهور من قبول شهادة رجلين على الرضاع، أو رجل وامرأتين، خالفهم فيه الحنابلة، ففي المذهب أن الرضاع مما لا يطلع عليه إلا النساء فلا تقبل فيه إلا شهادة النساء (¬7). القسم الثاني: ما ذكره الحنفية أن شهادة النساء منفردات لا تقبل في الرضاع، وقصروا ذلك على رجلين، أو رجل وامرأتين، فهذا موضع اختلف فيه الفقهاء على ¬
أقوال: القول الأول: يجوز للنساء أن يشهدن على الرضاع، ولا يقبل فيه أقل من امرأتين، وهو قول الإمام مالك (¬1)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬2). واشترط الإمام مالك دون غيره فُشوَّ الرضاع وانتشاره حتى يكون بشهادة سماع، وإلا فلا (¬3). وقال به الحكم بن عتيبة، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والثوري (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - أن النساء قد أُقِمن هنا مقام الرجال، فاقتصر فيه منهن على عدد الرجال (¬5). 2 - أن كل جنس يثبت فيه الحق يكفي فيه اثنان، والرضاع لا يطلع عليه إلا النساء فلا بد من امرأتين (¬6). القول الثاني: لا يقبل منهن إلا أربع، وهو قول الإمام الشافعي (¬7). وقال به قتادة، والشعبي، وعطاء، وأبو ثور (¬8). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: أقام اللَّه -سبحانه وتعالى- المرأتين مقام الرجل؛ ولم يقبل من الرجال أقل من اثنين، فوجب ألا يقبل من النساء أقل من أربع (¬9). 2 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ " (¬10). 3 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل" (¬11). ¬
القول الثالث: يقبل فيه قول امرأة واحدة إذا كانت مرضية، وقال به الإمام أحمد في رواية عنه (¬1)، وابن حزم (¬2). وهو قول عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-، وطاوس، والزهري، وقبيصة، والأوزاعي (¬3). قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - عن عقبة بن الحارث -رضي اللَّه عنه- قال: تزوجت امرأة؛ فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: أرضعتكما. فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان، فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت لي: إني قد أرضعتكما، وهي كاذبة، فأعرض عنه، فأتيته من قبل وجهه، وقلت: إنها كاذبة. قال: "كيف بها، وقد زعمت: أنها قد أرضعتكما؟ دعها عنك" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر المسائل بمفارقة امرأته لما جاءه الخبر أن امرأة أرضعتهما، فقبل قولها، وهي واحدة، ولم يطلب شاهدًا غيرها. 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: سئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما الذي يجوز في الرضاع من الشهود؟ فقال: "رجل، أو امرأة" (¬6). 3 - عن ابن شهاب الزهريّ قال: جاءت امرأة سوداء في إمارة عثمان -رضي اللَّه عنه- إلى أهل ثلاثة أبيات قد تناكحوا، فقالت: أنتم بنيّ وبناتي، ففرَّق بينهم (¬7). القول الرابع: يقبل فيه قول امرأة واحدة مع يمينها، وهي رواية عن الإمام أحمد (¬8). وقال به ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وإسحاق (¬9). • أدلة هذا القول: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: شهادة المرأة الواحدة جائزة في الرضاع إذا كانت مرضية، وتستحلف مع ¬
[14 - 434] إذا تزوجت المرأة، وكانت مرضعا، فإن حكم اللبن من الزوج الأول لا ينقطع من الزوج الثاني ما لم تلد
شهادتها (¬1). 2 - عن أبي الشعثاء قال: جاء ابن عباس رجل فقال: زعمت فلانة أنها أرضعتني وامرأتي، وهي كاذبة. فقال ابن عباس: انظروا، فإن كانت كاذبة فسيصيبها بلاء. قال: فلم يحل الحول حتى برص ثديها (¬2). القول الخامس: يقبل ثلاث نسوة، وهو قول الحسن البصري، وعثمان البتي (¬3). • دليل هذا القول: أن كل موضع تقبل فيه شهادة النساء؛ فلا يكفي فيه إلا ثلاث، كما لو كان معهن رجل (¬4).Rعدم تحقق الإجماع على أن الشهادة في الرضاع تكون برجلين أو رجل وامرأتين؛ وذلك للخلاف بقبول شهادة النساء منفردات في الرضاع، وكان الخلاف على النحو التالي: 1 - خلاف الإمام مالك، والإمام أحمد في رواية عنه بقبول شهادة امرأتين في الرضاع. 2 - خلاف الإمام الشافعي بقبول شهادة أربع نسوة. 3 - خلاف الإمام أحمد في رواية عنه، وابن حزم، وهو قول عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-، وطاوس، والزهري، والأوزاعي، بقبول شهادة امرأة واحدة مرضية. 4 - خلاف الإمام أحمد في رواية عنه، وهو قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وإسحاق بقبول شهادة امرأة واحدة مع يمينها. 5 - خلاف الحسن البصري، وعثمان البتي بقبول شهادة ثلاث نسوة. [14 - 434] إذا تزوجت المرأة، وكانت مرضعًا، فإن حكم اللبن من الزوج الأول لا ينقطع من الزوج الثاني ما لم تلد: إذا تزوج رجل امرأة ذات لبن، فأرضعت صبيًّا عنده، فإن لم تلد من الثاني، فاللبن لزوجها الأول، وإن ولدت فاللبن لزوجها الثاني، ونُقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن حكم لبن الأول ينقطع بالولادة من الزوج الثاني" (¬1). ونقله عنه ابن قدامة (¬2). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "تزوجت بزوج آخر، فأرضعت صبيًّا عند الثاني، يُنظر: إن أرضعت قبل أن تحمل من الثاني؛ فالرضاع من الأول بالإجماع، . . . وإن أرضعت بعد ما وضعت من الثاني، فالرضاع من الثاني بالإجماع" (¬3). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإذا طلق الرجل زوجته، ولها منه لبن، فتزوجت آخر، لم يَخْلُ من خمسة أحوال: أحدها: أن يبقى لبن الأول بحاله، ولم يزد ولم ينقص، ولم تلد من الثاني، فهو للأول، سواء حملت من الثاني أو لم تحمل، لا نعلم فيه خلافًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: أولًا: الذين نقلوا الإجماع اتفقت عباراتهم على أن اللبن لا يلحق بالثاني إلا بعد الولادة، وافقهم عليه المالكية (¬5)، وابن حزم (¬6). ثانيًا: اختلفت عباراتهم فيما إذا حملت من الثاني: هل يبقى حكم اللبن للأول أم ينتقل للثاني؟ خلاف بين الفقهاء يُعرف في فقرة تالية. • مستند الإجماع: 1 - أن اللبن كان بسبب الزوج الأول، ولم تحدث ولادة تجدده بعد نكاحها من زوجها الثاني حتى يصبح اللبن له، فيبقى للأول (¬7). 2 - أن اللبن من الأول بيقين، ووقع الشك في كونه من الثاني، والشك لا يعارض اليقين (¬8). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب أبو يوسف من الحنفية (¬9)، والشافعية في قول (¬10)، وابن حزم (¬11)، ¬
إلى أن اللبن إن زاد (¬1) فهو للثاني، وإن لم يزد فهو للأول. • أدلة هذا القول: 1 - أن الحامل قد ينزل لها لبن، فإن ازداد لبنها عند الحمل الثاني دلَّ على أنه من زوجها الثاني؛ فيثبت اللبن له (¬2). 2 - جرت العادة أن المرأة ينقص لبنها بمضي الزمان، فلما زاد بعد دخول زوجها الثاني بها، كان اللبن له (¬3). ثانيًا: ذهب محمد بن الحسن، وزفر من الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والإمام الشافعي في القديم (¬6)، والحنابلة (¬7) إلى القول بأن اللبن من الزوجين جميعًا، إلى أن تلد. • دليل هذا القول: 1 - أن اللبن الأول باقٍ، والحمل سبب لحدوث الزيادة، فيجتمع لبنان في ثدي واحد؛ فتثبت الحرمة بهما (¬8). 2 - لكل واحد من الزوجين أمارة تدل على أن اللبن له، فوجب أن يشتركا (¬9). ثالثًا: ذهب الحسن بن زياد اللؤلؤي من الحنفية (¬10) إلى أن المرأة إذا حبلت من الزوج الثاني؛ فاللبن للثاني، زاد اللبن أم لم يزد. • دليل هذا القول: جرت العادة أن اللبن ينقطع بالحمل الثاني، ثم يحدث بعد ذلك لبن آخر، فدل على أن اللبن من الحمل الثاني، فيكون للزوج الثاني (¬11). رابعًا: ذهب المالكية (¬12)، والشافعية في قول (¬13)، وأبو الخطاب من الحنابلة ¬
[15 - 435] التحريم بلبن الفحل
-وصوّبه المرداوي (¬1) - وابن حزم (¬2) إلى أن اللبن إذا انقطع ثم عاد، يصبح للثاني دون الأول. • دليل هذا القول: الظاهر أن اللبن المنقطع هو لبن الأول، فلما عاد دل على أنه من الثاني فيلحق به؛ لانفراده به (¬3).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن المرأة إذا تزوجت، وهي ذات لبن، ثم ولدت من زوجها الثاني أن اللبن يصبح له، والولد ولده. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن المرأة إذا حملت عند زوجها الثاني، وكانت ذات لبن فأرضعت طفلًا أن اللبن يلحق بالأول؛ وذلك لوجود خلاف في المسألة. [15 - 435] التحريم بلبن الفحل: إذا أرضعت المرأة طفلًا، أصبحت أمًّا له، وأبناؤها إخوة له، وزوجها أبًا له، وأبناء زوجها إخوة له، وسائر قراباته قرابة له كما هو الحال من النسب (¬4)، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "وفي نفس السنة أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة، وأن لبن الفحل يحرِّم كما تحرِّم ولادة الأب، يحرم لبن الأب لا اختلاف في ذلك" (¬5). 2 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "استقر الأمر على التحريم بلبن الفحل في الأخبار والأمصار، فليس أحد يقضي بغيره، وانعقد الإجماع على التحريم به، وهو الحق الذي لا إشكال فيه" (¬6). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن لبن الفحل يحرِّم، وهو أن ترضع المرأة صبية؛ فتحرم هذه الصبية على زوج المرضعة وآبائه وأبنائه، ويصير الزوج الذي درَّ اللبن عن إعلاقه أبًا للمرضَعة" (¬7). ونقله عنه ابن قاسم (¬8). ¬
4 - النووي (676 هـ) حيث قال: "مذهبنا ومذهب العلماء كافة ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع، ويصير ولدًا له، وأولاد الرجل إخوة الرضيع وأخواته، وإخوة الرجل أعمام الرضيع. . . ولم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر وابن علية" (¬1). 5 - العيني (855 هـ) حيث قال: "قوله: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" وهذا إجماع لا خلاف فيه بين الأئمة؛ فإذا حرمت الأم، فكذا زوجها؛ لأنه والده؛ لأن اللبن منهما جميعًا، وانتشرت الحرمة إلى أولاده، فأخو صاحب اللبن عم، وأخوها خاله من الرضاع، فيحرم من الرضاع العمات والخالات والأعمام والأخوات وبناتهن كالنسب" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على التحريم بلبن الفحل وافق عليه ابن حزم (¬3). وهو قول علي، وابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، والحسن، والشعبي، وطاوس، ومجاهد، والقاسم بن محمد، وعروة، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، وابن المنذر (¬4)، والليث بن سعد، والأوزاعي (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن عروة أن عائشة أخبرته أنه جاء أفلح أخو أبي القعيس (¬6) يستأذن عليها بعد ما نزل الحجاب، وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة، قالت عائشة: فقلت: واللَّه لا آذن لأفلح حتى أستأذن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإن أبا القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأته قالت عائشة: فلما دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قلت: يا رسول اللَّه، إن أفلح أخا أبي القعيس جاءني يستأذن عليّ، فكرهتُ أن آذن له حتى أستأذنك، قالت: فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ائذني له" (¬7). قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول: حرِّمُوا من الرضاعة ما تحرمون من النسب (¬8). ¬
2 - عن عمرة (¬1) أن عائشة أخبرتها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان عندها، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة. قالت عائشة: فقلت: يا رسول اللَّه، هذا رجل يستأذن في بيتك. فقال: "أراه فلانًا" لِعَمِّ حفصة من الرضاعة، فقالت عائشة: يا رسول اللَّه، لو كان فلان حيًّا -لعمها من الرضاعة- دخل عليَّ؟ قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم، إن الرضاعة تُحَرِّمُ ما تُحَرِّم الولادة" (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب عبد اللَّه بن عمر، وجابر (¬3)، وعبد اللَّه بن الزبير، ورافع بن خديج، وزينب بنت أبي سلمة -رضي اللَّه عنهم- (¬4) إلى أنه لا يقع التحريم بلبن الفحل (¬5). وهو قول سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد اللَّه، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار (¬6)، وأخيه سليمان بن يسار، والنخعي، وأبي قلابة (¬7)، وداود، وإياس بن معاوية (¬8)، وربيعة الرأي، وإسماعيل ابن عُلَيَّة، وكان عبد الملك بن مروان يقضي بذلك (¬9). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]. • وجه الدلالة: ذكر اللَّه -سبحانه وتعالى- التحريم بالرضاعة ما كان من ¬
[16 - 436] رضاع الكبير لا يحرم
جهة الأم، ولم يذكره من جهة الأب (¬1). 2 - اللبن ينفصل من المرأة، ولا ينفصل من الرجل، فلا تلحق به الحرمة (¬2).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن التحريم يقع بلبن الفحل؛ للأسباب التالية: 1 - وجود خلاف قديم عن بعض الصحابة، والتابعين، وكثير من الفقهاء، يقضي بعدم التحريم بلبن الفحل. 2 - نفى ابن القيم أن تكون دعوى الإجماع هنا صحيحة فقال: "ولا يمكن دعوى الإجماع في هذه المسألة؛ ومن ادعاه فهو كاذب. . .)، ثم ذكر الخلاف عن السلف في ذلك (¬3). ثانيًا: العمل على التحريم بلبن الفحل؛ لأن الاحتياط في باب التحريم أولى (¬4). [16 - 436] رضاع الكبير لا يُحرِّم: الكبير هو: من تجاوز الحولين، فلو أن امرأة أرضعت كبيرًا فلا يتعلق بذلك الرضاع تحريم، فلا يعد المرتضع ابنًا للمرأة، ولا يكون أبناؤها إخوة له، ونحو ذلك، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "اتفق الفقهاء على أن لا يحرِّم رضاع الكبير" (¬5). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن رضاع الكبير غير محرِّم" (¬6). 3 - العيني (855 هـ) حيث قال: "الحرمة مبنية على وجود اللبن، . . . والحرمة لا تتعلق بصورة الإرضاع ووجود اللبن؛ كما في الكبير بالإجماع، بل تتعلق باعتبار إنشاز العظم، وإنبات اللحم" (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن رضاع الكبير لا يحرِّم وافق عليه: الشافعية (¬1). وهو قول عمر، وعلى فيما صح عنه (¬2)، وابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس، وأبي موسى الأشعري، وسائر أمهات المؤمنين، غير عائشة -رضي اللَّه عنهم- (¬3) وقال به سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والشعبي، وابن شبرمة، والثوري، والأوزاعي، وداود (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: دخل عليّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعندي رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه! ، إنه أخي من الرَّضاعة، قالت: فقال: "انظرن من إخوتكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة" (¬5). • وجه الدلالة: 1 - جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الرضاعة المحرِّمة ما استعمل لطرد الجوع، ولا يندفع الجوع بالرضاع إلا في حق الصغير، أما في حق الكبير فلا يدفعه الرضاع (¬6). 2 - عن أم سلمة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء من الثدي، وكان قبل الفطام" (¬7). وهذا نص في المسألة. 3 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الرضاع ما أنبت اللحم، وأنشز العظم" (¬8). • وجه الدلالة: الذي ينبت اللحم وينشز العظم هو رضاع الصغير دون الكبير (¬9). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم (¬10) إلى أن رضاع الكبير يُحرِّم كما يحرم رضاع الصغير ولا فرق. وهو قول عائشة -رضي اللَّه عنهما- من بين أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬11)، والليث بن سعد، ¬
وعطاء، وإسماعيل ابن عُليَّة (¬1)، وهو اختيار ابن تيمية (¬2)، ورجحه الشوكاني (¬3). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: الآية 23]. • وجه الدلالة: جعل اللَّه سبحانه وتعالى الرضاع محرِّمًا من غير فصل بين حال الصغر وحال الكبر (¬4). 2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: إن سالمًا مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم، فأتت سهلة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: إن سالمًا قد بلغ مبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وإنه يدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئًا. فقال لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة"، فرجعت فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة (¬5). • وجه الدلالة: حمل أصحاب هذا القول حديث سالم مولى أبي حذيفة على العموم، وليست حالة خاصة به، فيستوي في تحريم الرضاع الصغير والكبير (¬6).Rعدم تحقق الإجماع على أن رضاع الكبير لا يُحرِّم؛ وذلك لوجود خلاف في المسألة، يرى التحريم. * * * ¬
الفصل السادس: مسائل الإجماع في النفقات
الفصل السادس: مسائل الإجماع في النفقات [1 - 437] وجوب نفقة الزوجات: تجب النفقة (¬1) للزوجة على زوجها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمع أهل العلم على أن للزوجة نفقتها، وكسوتها بالمعروف" (¬2). وقال أيضًا: "وقد اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات إذا كانوا جميعًا بالغين، إلا الناشز منهن الممتنعة، فنفقة الزوجة ثابتة في الكتاب والسنة والاتفاق" (¬3). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن الحر الذي يقدر على المال، البالغ العاقل غير المحجور عليه، فعليه نفقة زوجته التي تزوجها زواجًا صحيحًا، إذا دخل بها، وهي ممن تُوطأ، وهي غير ناشز، وسواء كان لها مال أو لم يكن" (¬4). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على وجوب نفقة الرجل على من تلزمه نفقته، كالزوجة، والولد الصغير, والأب" (¬5). 4 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "نفقة الزوجات، فالكلام فيها يقع في مواضع: ¬
في بيان وجوبها. . . أما وجوبها: فقد دل عليه الكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول، . . . أما الإجماع؛ فلأن الأمة أجمعت على هذا" (¬1). 5 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من حقوق الزوجة على الزوج النفقة، والكسوة" (¬2). 6 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، . . . وأما الإجماع، فاتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين، إلا الناشز منهن" (¬3). 7 - الرافعي (623 هـ) حيث قال: "لوجوب النفقة أسباب ثلاثة: ملك النكاح، وملك اليمين، وقرابة البعضية، . . . والأصل في السبب الأول: الإجماع، فلا خلاف في وجوب نفقة الزوجات على الأزواج في الجملة" (¬4). 8 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع" (¬5). وقال أَيضًا: "أما نفقة الزوجة، فواجبة بالنصوص، والإجماع" (¬6). 9 - ابن أبي عمر (682 هـ) حيث قال: "اتفق أهل العلم على وجوب نفقة الزوجات على أزواجهن، إذا كانوا بالغين، إلا الناشز منهم" (¬7). 10 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "يجب على الرجل أن ينفق على ولده، وبهائمه، وزوجته، بإجماع المسلمين" (¬8). 11 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "نفقة الزوجة واجبة في الجملة، بالإجماع" (¬9). 12 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "النفقة على الأهل واجبة، بالإجماع" (¬10). 13 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "النفقة واجبة للزوجة على زوجها. . . وعليه إجماع العلماء" (¬11). ¬
14 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "تجب النفقة للزوجة على زوجها، والكسوة، بقدر حالهما، . . . وعليه إجماع الأمة" (¬1). 15 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: "نفقة الزوجات، . . . ويلزم ذلك المذكور -وهو الكفاية من الخبز، والأدم، والكسوة، وتوابعها- الزوج لزوجته، إجماعًا" (¬2). 16 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "أما نفقة الزوجة فهي واجبة، لإجماع الصحابة على عدم سقوطها" (¬3). وقال أَيضًا: "وجوب النفقة والكسوة للزوجة، كما دلت عليه الآية، وهو مجمع عليه" (¬4). 17 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "انعقد الإجماع على وجوب نفقة الزوجة" (¬5). 18 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "يلزم الزوج نفقة زوجته، بالكتاب، والسنة، والإجماع" (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [الطلاق: الآية 7]. • وجه الدلالة: في هذه الآية دلالة على وجوب نفقة الزوجة على زوجها، ووجوب نفقة الأولاد على آبائهم بحسب قدرتهم (¬7). 2 - قال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: الآية 6] • وجه الدلالة: يجب على الرجل أن يسكن امرأته على قدر ما يجده من السعة، والأمر بالإسكان أمر بالإنفاق (¬8). 3 - عن عائشة -رضي اللَّه عنهما- أن هند بنت عتبة (¬9) قالت: يَا رسول اللَّه، إن أبا سفيان رجل ¬
[2 - 438] وجوب الكسوة للزوجات على أزواجهن
شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (¬1). 4 - ما روى جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطب الناس في حجة الوداع في يوم عرفة، فكان مما قال: "اتقوا اللَّه في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان اللَّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللَّه، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (¬2). 5 - أن المرأة محبوسة على الزوج بحبس النكاح، وممنوعة من الاكتساب حقًّا للزوج، فكان نفع حبسها عائدا إليه، فكانت كفايتها عليه، ولا بد له من الإنفاق عليها (¬3).Rتحقق الإجماع على وجوب النفقة للزوجة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [2 - 438] وجوب الكسوة للزوجات على أزواجهن: الكسوة تجب للزوجة على زوجها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وقد أجمع أهل العلم على أن للزوجة نفقتها وكسوتها بالمعروف" (¬4). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يلزم الرجل من النفقات التي ذكرنا ما يدفع الجوع من قوت البلد الذي هو فيه، ومن الكسوة ما يطرد البرد وتجوز فيه الصلاة" (¬5). وقال أَيضًا: "واتفقوا أن من لزمته نفقته، فقد لزمته كسوة المُنْفَق عليه، وإسكانه" (¬6). ¬
[3 - 439] الزوجة الذمية كالمسلمة في وجوب النفقة على زوجها
3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من حقوق الزوجة على الزوج النفقة، والكسوة" (¬1). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وتجب عليه كسوتها، بإجماع أهل العلم" (¬2). 5 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع" (¬3). 6 - ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب الكسوة للزوجة وافق عليه الحنفية (¬5). • مستند الإجماع: ما استُدِلَّ به في المسألة السابقة في وجوب النفقة ذكره الفقهاء في وجوب الكسوة أَيضًا، ومن هذه الأدلة: 1 - قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: الآية 233]. 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (¬6). 3 - أن البدن لا بد له من الكسوة على الدوام، ولا يقوم دونها، فوجبت على الزوج كالقوت (¬7).Rتحقق الإجماع على وجوب الكسوة للزوجة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [3 - 439] الزوجة الذمية كالمسلمة في وجوب النفقة على زوجها: إذا كان لرجل مسلم زوجة ذمية، أو زوجات مسلمات وذميات، فإنهن في وجوب النفقة سواء، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "ولا خلاف أن الزوجة الذمية في النفقة والعدة، وجميع أحكام الزوجات كالمسلمة" (¬8). ¬
[4 - 440] وجوب النفقة للزوجة المريضة
• الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن عبد البر من أنه لا خلاف في أن الزوجة الذمية كالمسلمة في وجوب النفقة سواء وافق عليه الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند نفي الخلاف: ما ذُكر من أدلة في مستند الإجماع في المسألة الأولى من مسائل النفقات يستدل بها هنا، وذلك لعمومها، وأنها لم تُفرق بين الزوجات إن كن مسلمات، أو ذميات (¬5).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن الزوجة الذمية كالمسلمة في وجوب النفقة. [4 - 440] وجوب النفقة للزوجة المريضة: إذا كانت الزوجة مريضة؛ فقد يفوت على الزوج بعض حقوقه من الاستمتاع بها؛ لأن الفقهاء جعلوا النفقة في مقابل الاستمتاع، ومع هذا فلا تسقط نفقة الزوجة المريضة، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "لو مرضت في بيت الزوج مرضًا لا تستطيع معه الجماع، لم تبطل نفقتها بلا خلاف" (¬6). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن نجيم من الحنفية من أنه لا خلاف في وجوب نفقة الزوجة المريضة وافق عليه المالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وابن حزم (¬10). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن الاستمتاع بالمريضة ممكن، ولا تفريط من جهتها، ¬
[5 - 441] لا نفقة للزوجة الناشز
وإن منع الوطء (¬1). 2 - أن ما يوجب النفقة هو تمكين الاستمتاع، وذلك بتسليم نفسها إلى زوجها، وقد حصل، فتجب النفقة (¬2).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في وجوب نفقة الزوجة المريضة. [5 - 441] لا نفقة للزوجة الناشز: إذا نشزت المرأة فإنه لا نفقة لها، ويسقط وجوبها عن زوجها بسبب نشوزها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على إسقاط النفقة من زوج الناشز" (¬3). ونقله عنه القرطبي (¬4). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن الحر الذي يقدر على المال، البالغ العاقل غير المحجور عليه، فعليه نفقة زوجته التي تزوجها زواجًا صحيحًا، إذا دخل بها، وهي ممن تُوطأ، وهي غير ناشز، وسواء كان لها مال أو لم يكن" (¬5). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الناشز لا نفقة لها" (¬6). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أما لمن تجب النفقة: فإنهم اتفقوا على أنها تجب للحرة غير الناشز" (¬7). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، . . . وأما الإجماع، فاتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن، إذا كانوا بالغين، إلا الناشز منهن" (¬8). 6 - ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬9). 7 - المواق (897 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الناشز لا نفقة لها" (¬10). ¬
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على سقوط نفقة الزوجة الناشز وافق عليه الحنفية (¬1). وهو قول الحسن البصري، والنخعي، والشعبي، والزهري، وحماد بن أبي سليمان، وأبي ثور، والأوزاعي (¬2). • مستند الإجماع: 1 - أن النفقة تجب في مقابلة التمكين من الاستمتاع، فإذا سقط التمكين من الاستمتاع؛ سقط استحقاق النفقة، كما لو لم تسلِّم نفسها (¬3). 2 - أن الزوج إذا امتنع من الإنفاق عليها، كان لها أن تمتنع من تمكينه من الاستمتاع بها، فإذا نشزت سقط ما يقابل التمكين، وهي النفقة (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن عبد الحكم (¬5)، وابن القاسم من المالكية (¬6)، وابن حزم (¬7) -وهو قول الحكم بن عتيبة (¬8) - إلى القول بعدم سقوط نفقة الناشز على زوجها. والغريب في الأمر أن ابن حزم نقل الاتفاق على سقوط النفقة عن الزوجة الناشز، ثم تجده يخالف ذلك في المحلى، ويرى أن النفقة لا تسقط عن الزوجة الناشز بحال من الأحوال. • أدلة هذا القول: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (¬9). • وجه الدلالة: تجب النفقة للزوجة، صغيرة أو كبيرة، ناشزًا أو غير ناشز، غنية كانت أو فقيرة، ولم يرد في الحديث استثناء للزوجة الناشز (¬10). 2 - أن القول بعدم وجوب النفقة للناشز قول لم يأت به قرآن، ولا سنة، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأي له وجه، ولو أراد اللَّه سبحانه وتعالى استثناء الناشز لما أغفله حتى يبينه غيره (¬11). 3 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد أن انظروا من ¬
[6 - 442] إذا أبت المرأة غير المدخول بها تسليم نفسها لزوجها، فلا نفقة لها
طالت غيبته، أن يبعثوا نفقة، أو يرجعوا، أو يفارقوا، فإن فارق فإن عليه النفقة ما فارق من يوم غاب" (¬1). • وجه الدلالة: لم يخص عمر ناشزًا من غيرها، وما نعلم لعمر في هذا مخالفًا من الصحابة، ولا يحفظ أن أحد الصحابة منع الناشز من النفقة (¬2).Rعدم تحقق الإجماع على أن نفقة الزوجة الناشز تسقط بسبب نشوزها؛ وذلك لوجود خلاف عن ابن عبد الحكم، وابن القاسم من المالكية، والحكم بن عتيبة، وابن حزم الظاهري -يقضي بوجوب نفقة الزوجة الناشز. [6 - 442] إذا أبت المرأة غير المدخول بها تسليم نفسها لزوجها، فلا نفقة لها: من شروط وجوب النفقة على الزوج أن تسلم المرأة نفسها لزوجها، فإن أبت التسليم والدخول فلا نفقة لها، ونُقل الإجماع على ذلك. وهذه المسألة تختلف عن التي قبلها، ففي هذه المسألة والحال أن الزوج لم يدخل بامرأته بعد، وفي السابقة: أن المرأة في عصمة زوجها، وقد دخل بها. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا تزوج المرأة فلم يدخل بها، فإن كان الحبس من قبلها؛ فلا نفقة عليها" (¬3). 2 - العيني (855 هـ) حيث قال: "تسليمها نفسها شرط في وجوب النفقة، ولا خلاف في ذلك" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره العيني، وابن المنذر، من الإجماع على أن غير المدخول بها لا نفقة لها حتى تسلِّم نفسها وافق عليه المالكية (¬5)، والشافعية في الجديد (¬6)، والحنابلة في الصحيح من المذهب (¬7). وهو قول الحسن، وبكر بن عبد اللَّه المزني، والنخعي، والشعبي، والثوري، وإسحاق، وأبي ثور (¬8). ¬
[7 - 443] إذا كانت الزوجة صغيرة لا تطيق الجماع، فلا نفقة لها
• مستند الإجماع: 1 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تزوج عائشة، ودخل بها بعد سنتين من العقد، فما أنفق عليها حتى دخلت عليه، ولو أنفق عليها لنُقِل إلينا (¬1). 2 - أن النفقة لا تجب بمجرد العقد، بدليل سقوطها بالنشوز (¬2). 3 - أن النفقة تجب في مقابلة التمكين المستحق بعقد النكاح، فإذا وُجِد استحقت النفقة، وإذا لم يوجد لم تستحق شيئًا (¬3). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام الشافعي في القديم (¬4)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬5)، وابن حزم (¬6) إلى القول بوجوب النفقة للزوجة بمجرد العقد. • أدلة هذا القول: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (¬7). • وجه الدلالة: دل الحديث على وجوب النفقة من حين العقد (¬8). 2 - أن القول بغير هذا القول ليس عليه دليل من قرآن، أو سنة، ولا قول صاحب، ولا قياس (¬9). 3 - أن المهر يجب للزوجة بمجرد العقد، فكذا النفقة (¬10).Rعدم تحقق الإجماع على أن الزوجة غير المدخول بها لا نفقة لها حتى تسلِّم نفسها لزوجها، وذلك لوجود خلاف عن الإمام الشافعي في القديم، والإمام أحمد في رواية عنه، وابن حزم بوجوبها بمجرّد العقد. [7 - 443] إذا كانت الزوجة صغيرة لا تطيق الجماع، فلا نفقة لها: من شروط استحقاق الزوجة للنفقة أن تكون ممن يوطأ مثلها، والصغيرة التي لا تطيق الجماع لا يوطأ مثلها، فلا تستحق النفقة، ونُقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: العيني (855 هـ) حيث قال: "وإن كانت صغيرة لا تطيق الجماع، لا نفقة لها بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره العيني من الحنفية من الإجماع على أنه لا نفقة للصغيرة التي لا تطيق الجماع وافق عليه المالكية (¬2)، والشافعية في أصح القولين (¬3)، والحنابلة في الصحيح من المذهب (¬4). وهو قول الحسن، وبكر بن عبد اللَّه المزني، والنخعي، والشعبي، وإسحاق، وأبي ثور (¬5). • مستند الإجماع: 1 - أن النفقة تجب في مقابل الاستمتاع، ولا استمتاع بالصغيرة، فلا نفقة لها, لكون المنع جاء من جهتها (¬6). 2 - أن تعذر الاستمتاع بالزوجة الصغيرة لمعنى فيها، فأشبهت الناشز، فلا نفقة لها (¬7). • الخلاف في المسألة: ذهب الشافعية في أحد القولين (¬8)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬9)، وابن حزم (¬10) إلى القول بوجوب النفقة للزوجة بمجرد العقد، صغيرة كانت أو كبيرة، وإن كانت في المهد، وهو قول الثوري (¬11). • أدلة هذا القول: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (¬12). • وجه الدلالة: دل الحديث على وجوب النفقة من حين العقد، وتستوي فيه الصغيرة، والكبيرة (¬13). 2 - أن الصغيرة تستحق النفقة؛ لأنها محبوسة على الزوج، وفوات الاستمتاع بها ¬
[8 - 444] وجوب النفقة لامرأة الغائب مطلقا
كان بسبب هي معذورة فيه، فأشبهت المريضة، والرتقاء (¬1).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على عدم وجوب النفقة للصغيرة التي لا يوطأ مثلها؛ لوجود خلاف عن الشافعية في القديم، ورواية عن الإمام أحمد، وابن حزم، وهو قول الثوري بوجوب النفقة للزوجة بمجرد العقد صغيرة كانت أو كبيرة. ثانيًا: يحمل ما ذكره العيني من الإجماع على أن الصغيرة التي لا يوطأ مثلها لا نفقة لهما، على أنه قول الحنفية، فإنه لا خلاف لديهم في ذلك (¬2). [8 - 444] وجوب النفقة لامرأة الغائب مطلقًا: إذا غاب رجل عن امرأته بعد دخوله بها، فإن غيبته لا تسقط وجوب النفقة عليه، بل تجب النفقة لامرأته، سواء عُلِم مكانه أم لا, ولا يحتاج الأمر إلى فرض السلطان لها، ولها أن تأخذ من ماله ما يكفيها حتى يعود، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الشافعي (204 هـ) حيث قال: "جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الزوج نفقة امرأته، وحكم اللَّه عز وجل بين الزوجين أحكامًا منها: اللعان، والظهار، والإيلاء، ووقوع الطلاق، فلم يختلف المسلمون فيما علمته في أن ذلك لكل زوجة على كل زوج غائب وحاضر" (¬3). 2 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن المفقود عليها زوجها ينفق عليه من ماله في العدة" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الشافعية من الإجماع على وجوب النفقة لامرأة الغائب وافق عليه المالكية (¬5)، والحنابلة في المذهب (¬6)، وابن حزم (¬7). وهو قول الحسن البصري، وأبي ثور، وإسحاق (¬8). ¬
[9 - 445] إذا أبى الزوج النفقة، لزمته نفقة ما مضى
• مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (¬1). • وجه الدلالة: إذن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهند بأن تأخذ ما يكفيها وولدها من النفقة بالمعروف، وزوجها حاضر دليل على وجوب النفقة، فلأن تجب مع غيبة الزوج أولى. 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد أن انظروا من طالت غيبته، أن يبعثوا نفقة، أو يرجعوا، أو يفارقوا، فإن فارق فإن عليه النفقة ما فارق من يوم غاب" (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬3)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬4) إلى أن النفقة لا تجب إلا بأن يفرضها الحاكم؛ فقالوا: لا تجب على الغائب إلا بفرض القاضي، أو يُقر الزوج بالنكاح، أو يعترف الوكيل الذي بيده مال النفقة أنه طُلِب منه أن يُنفِق. • أدلة هذا القول: 1 - أن الإقرار بالزوجية إقرار بثبوت الحق عليه، واعتراف من وجب عليه الحق في حق نفسه صحيح، فيقضي القاضي عليه باعترافه (¬5). 2 - إذا جحد الزوج الزوجية، فلا تسمع البينة عليه؛ لأنه ليس بخصم في الزوجية، وإن جحد المال؛ فالمرأة ليست بخصم في إثباته (¬6).Rعدم تحقق الإجماع على أن النفقة تجب لامرأة الغائب مطلقًا؛ وذلك لوجود خلاف عن الحنفية، والإمام أحمد في رواية عنه، بأنها لا تجب إلا بفرض القاضي، أو إقرار الزوج بالنكاح، أو وكيله بالنفقة. [9 - 445] إذا أبى الزوج النفقة، لزمته نفقة ما مضى: إذا كان الزوج غائبًا، أو حاضرًا فأبى النفقة على زوجته، فإنه يُلزم نفقة ما مضى، ونُقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وإذا غاب الزوج، أو كان حاضرًا, ولم ينفق على زوجته، لزمته نفقة ما مضى، وهو مذهب مالك والشافعي، وحُكي إجماع الصحابة عليه، ولو لم يفرضها الحاكم، فإن فرضها لزمت اتفاقًا" (¬1). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد أن انظروا من طالت غيبته، أن يبعثوا نفقة، أو يرجعوا، أو يفارقوا، فإن فارق فإن عليه النفقة ما فارق من يوم غاب" (¬2). 2 - أن النفقة حق يجب في حال اليسار والإعسار، فلم تسقط بمضي الزمان، كأجرة العقار، وكسائر الديون (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن قاسم من الحنابلة من الإجماع على أن الزوج إذا أبى النفقة فإنَّها تلزمه لما مضى إذا فرضها الحاكم عند الحنفية (¬4)، ومطلقًا عند المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وابن حزم (¬7)، وهو قول الحسن، وإسحاق (¬8). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬9)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬10) إلى أن النفقة إذا لم يفرضها الحاكم فلا تجب. • أدلة هذا القول: يضاف لما سبق ذكره من أدلة في المسألة السابقة ما يلي: 1 - أن النفقة تجب يومًا فيومًا، فتسقط ما لم يفرضها الحاكم (¬11). 2 - أن نفقة الماضي قد استُغنيَ عنها بمضي وقتها فلا تجب (¬12).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن النفقة إذا فرضها الحاكم فإنَّها تلزم. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على لزوم النفقة بغير فرض الحاكم لها؛ لخلاف ¬
[10 - 446] إذا أنفقت المرأة من مال زوجها الغائب، ثم تبين أنه قد مات، حسب من ميراثها
الحنفية، والإمام أحمد في رواية عنه. [10 - 446] إذا أنفقت المرأة من مال زوجها الغائب، ثم تبين أنه قد مات، حُسب من ميراثها: تلزم الزوج الغائب نفقة امرأته، فإن كان له مال حاضر وأنفقت منه الزوجة، ثم تبين أن الزوج قد مات في غيبته، فإن ما أنفقته بعد موته يحسب من ميراثها، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإذا أنفقت المرأة على نفسها من مال زوجها الغائب، ثم بأن أنه قد مات قبل إنفاقها، حسب عليها ما أنفقته من ميراثها سواء أنفقته بنفسها، أو بأمر الحاكم، وبهذا قال أبو العالية (¬1)، ومحمد بن سيرين، والشافعي، وابن المنذر، ولا أعلم عن غيرهم خلافهم" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من الحنابلة من أنه لا خلاف أن المرأة إذا أنفقت من مال زوجها الغائب، ثم تبين أنه قد مات، فإنه يحسب من ميراثها -وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم (¬6). وهو قول أبي العالية الرياحي، وابن سيرين (¬7). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن المرأة تستحق النفقة بسبب الاحتباس على الزوج، وقد بطل الاستحقاق بموته، فيبطل العوض الذي أخذته، ويحسب عليها ما أنفقته من ميراثها حين تبين أنها لا تستحقه (¬8). 2 - أن المرأة أصبحت وارثة بموت زوجها، فلا تأخذ ما ليس من حقها (¬9). ¬
[11 - 447] السكن حق واجب للزوجة على زوجها
Rصحة ما ذُكر من أنه لا خلاف أن امرأة الغائب إذا أنفقت من مال زوجها، ثم بأن أنه قد مات فإنه يحسب من ميراثها ما أنفقته بعد موته. [11 - 447] السكن حق واجب للزوجة على زوجها: يجب على الرجل أن يسكن امرأته؛ لأنه من النفقة الواجبة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - النووي (676 هـ) حيث قال: "فيجب لها مسكن، . . . وله إسكانها في المملوك، والمستأجر، والمستعار بلا خلاف" (¬1). 2 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: الآية 6]، أي: مما تطيقون، ملكًا، أو إجارة، أو عارية إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن نجيم من الحنفية، والنووي من الشافعية من الإجماع على وجوب السكنى للزوجة وافق عليه المالكية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: الآية 6]. وهذا نص في وجوب سكنى الزوجة حسب الطاقة (¬6). 2 - قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النّساء: الآية 19]. ومن المعروف أن يسكنها بمسكن (¬7). 3 - إذا وجب السكن للمطلقة الرجعية، فللتي في صلب النكاح أولى (¬8). 4 - أن الزوجة تحتاج إلى المسكن؛ لسترها عن العيون عند التصرف والاستمتاع، ويقيها من الحر والبرد، فوجب لها كالكسوة (¬9).Rتحقق الإجماع على وجوب السكنى للزوجة على زوجها؛ وذلك لعدم ¬
[12 - 448] النفقة تكون بقدر المعروف
وجود مخالف. [12 - 448] النفقة تكون بقدر المعروف: النفقة الواجبة للزوجة على زوجها تكون بقدر المعروف، ولا تكون مقدرة بمقدار بحيث لا يصح أن تكون أقل من ذلك المقدار، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يلزم الرجل من النفقات التي ذكرنا ما يدفع الجوع من قوت البلد الذي هو فيه، ومن الكسوة ما يطرد البرد، وتجوز فيه الصلاة" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن حزم من أن النفقة تكون بقدر المعروف وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4). وقال به أبو عبيد، وأبو ثور (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: الآية 233]. والمعروف قدر الكفاية، ولأن اللَّه سبحانه وتعالى أوجبها باسم الرزق، ورزق الإنسان كفايته في العرف والعادة (¬6). 2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنهما- أن هند بنت عتبة قالت: يَا رسول اللَّه، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (¬7). 3 - ما روى جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطب الناس في حجة الوداع في يوم عرفة، فكان مما قال: "اتقوا اللَّه في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان اللَّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللَّه، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (¬8). ¬
4 - عن حكيم بن معاوية القشيري عن أَبيه (¬1) قال: أتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: ما تقول في نسائنا؟ قال: "أطعموهن مما تأكلون، واكسوهن مما تكتسون، ولا تضربوهن ولا تقبحوهن" (¬2). • وجه الدلالة من هذه الأحاديث: دلت هذه الأحاديث على أن نفقة الزوجات غير مقدرة بقدر، ومردها إلى العرف، فقد ذكر الإنفاق من غير تحديد ولا تقييد، فوجب رده إلى العرف (¬3). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الشافعية إلى أن النفقة مقدرة بحسب حال الزوج؛ فإن كان موسرًا: فعليه مدان، والمعسر: مد، والمتوسط: مد ونصف. والاعتبار في ذلك بمد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يساوي: مائة وثلاثة وسبعين درهمًا (¬4)، وثلث درهم (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: الآية 7]. • وجه الدلالة: دلت هذه الآية على اعتبار النفقة بحال الزوج، وتختلف بيسار الزوج وإعساره، فإن الغني ينفق حسب حالة، والفقير ينفق حسب حاله (¬6). 2 - قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: الآية 233]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أن النفقة تكون بالمعروف عند الناس، والعرف والعادة عند الناس: أن نفقة الغني تختلف عن نفقة الفقير (¬7). ثانيًا: ذهب القاضي أبو يعلى من الحنابلة إلى أن النفقة مقدرة بمقدار لا يختلف في ¬
[13 - 449] الوقت الذي تدفع فيه النفقة هو ما يتفق عليه الزوجان
القلة، والكثرة، والواجب رطلان (¬1) من الخبز في كل يوم في حق الموسر والمعسر، اعتبارًا بالكفارات (¬2).Rعدم صحة ما ذكر من الاتفاق على أن النفقة مقدرة بالعرف؛ وذلك لخلاف الشافعية القائل بتعلقها بيسار الزوج وإعساره، وخلاف أبي يعلى من الحنابلة، الذي حددها برطلين من الخبز في كل يوم، دون النظر لحال الزوج من يسار أو إعسار. [13 - 449] الوقت الذي تدفع فيه النفقة هو ما يتفق عليه الزوجان: تجب النفقة للزوجة كل يوم، وإن اتفق الزوجان على تأخيرها أو تقديمها جاز ذلك لهما، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "ويجب عليه دفع نفقتها إليها في صدر نهار كل يوم إذا طلعت الشَّمس، . . . فإن اتفقا على تأخيرها جاز، . . . . وإن اتفقا على تعجيل نفقة عام، أو شهر، أو أقل من ذلك، أو أكثر، أو تأخيره، جاز، وليس بين أهل العلم في هذا خلاف علمناه" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف بين العلماء في أن وقت النفقة ما اتفق عليه الزوجان -وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وابن حزم الظاهري (¬7). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن وجوب النفقة في أول اليوم؛ لأنه أول وقت الحاجة (¬8). ¬
[14 - 450] وجوب نفقة الزوجة الرجعية
2 - إذا اتفق الزوجان على تعجيل النفقة أو تأخيرها، جاز ذلك؛ لأن الحق لهما لا يخرج عنهما، فجاز من تعجيله وتأخيره ما اتفقا عليه، قياسًا على الدَّين (¬1). 3 - أن النفقة مشروعة لكفاية الزوجة، فتجب على ما يتفقان (¬2).Rصحة ما ذكر من نفي الخلاف في أن وقت دفع النفقة للزوجة هو ما يتفق الزوجان عليه. [14 - 450] وجوب نفقة الزوجة الرجعية: سبق بحث هذه المسألة. [15 - 451] وجوب نفقة المبتوتة الحامل: سبق بحث هذه المسألة. [16 - 452] لا نفقة للحامل المتوفى عنها زوجها: سبق بحث هذه المسألة. [17 - 453] تجب نفقة زوجة العبد عليه: تجب نفقة الزوجة على زوجها، فإن كان الزوج عبدًا فإن نفقة زوجته واجبة عليه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن على العبد نفقة زوجته" (¬3). وقال أَيضًا: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على العبد نفقة زوجته" (¬4). ونقله عنه ابن رشد (¬5)، وابن قدامة (¬6)، وابن قاسم (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب نفقة زوجة العبد عليه وافق عليه الحنفية في الحرة (¬8)، وابن حزم في الحرة والأمة (¬9). وهو قول ¬
الشعبي، والحكم بن عتيبة (¬1). • مستند الإجماع: 1 - النصوص الدالة على وجوب النفقة للزوجات على أزواجهن، فيدخل الزوج العبد في عموم هذه النصوص (¬2). 2 - أن النفقة عوض واجب في النكاح، فتجب على العبد كالمهر (¬3). • الخلاف في المسألة: أولًا: لم يقع خلاف في وجوب النفقة للزوجة الحرة. ثانيًا: وقع الخلاف في الزوجة الأمة، وهذا الخلاف على قولين: • القول الأول: إن كانت الزوجة أمة؛ يُنظر إن بوأها بيتًا لزمته نفقتها، وإن لم يبوئها بيتًا فالنفقة على السيد، فإن كانت تبيت معه بالليل دون النهار، فعليه نصف النفقة، وهو قول الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5). • دليل هذا القول: أن النفقة كانت لغرض احتباس المرأة لزوجها في منزله، وعدم التبوئة في المنزل يفقد هذا الاحتباس، فتدور النفقة مع التبوئة وعدمها (¬6). • القول الثاني: ذهب المالكية في قول -واختاره أبو مصعب (¬7) منهم (¬8)، والحنابلة في رواية (¬9) - إلى أن النفقة لا تجب على العبد لزوجته الأمة، بوأها بيتًا أم لا. • دليل هذا القول: 1 - أن النفقة على الزوجة على سبيل المعاوضة، والعبد ليس من أهل المعاوضات (¬10). ¬
[18 - 454] وجوب نفقة الولد الصغير على أبيه، حتى يبلغ
2 - أن النفقة من العبد لا تجب لأقاربه؛ لأن نفقة الأقارب على سبيل المواساة، والعبد ليس من أهل المواساة، فلا تجب عليه لزوجته (¬1). 3 - أن الولد من زوجة العبد مملوك لسيد الأمة، فتجب النفقة على السيد (¬2).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن النفقة تجب على العبد إذا كانت زوجته حرة. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على وجوب نفقة الزوجة الأمة على زوجها العبد؛ وذلك لوجود خلاف في المسألة، بين من فرق فيما إذا كانت مع زوجها في بيت أم لا، ومن منع وجوب النفقة على العبد مطلقًا لزوجته الأمة. [18 - 454] وجوب نفقة الولد الصغير على أَبيه، حتى يبلغ: نفقة الولد الصغير حق واجب له على أَبيه، حتى يبلغ، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم" (¬3). ونقله عنه ابن قدامة (¬4)، والزركشي (¬5)، وابن قاسم (¬6). 2 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "تلزم الرجل نفقة ولده الصغير,. . . ولا خلاف في ذلك" (¬7). 3 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: "نفقة الأولاد على الآباء، بدليل: الكتاب، والسنة، والإجماع" (¬8). 4 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يلزم الرجل نفقة ولده، وابنته، اللذين لم يبلغا, ولا لهما مال حتى يبلغا" (¬9). 5 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "ولو كان للصغير أبوان فنفقته على الأب، لا ¬
على الأم، بالإجماع" (¬1). 6 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الأصل في وجوب نفقة الوالدين، والمولدين: الكتاب، والسنة، والإجماع" (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). وقال أَيضًا: "ومن كان له أب من أهل الإنفاق، لم تجب نفقته على سواه. . . ولا خلاف في هذا نعلمه" (¬4). 7 - القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على أن على المرء نفقة ولده الأطفال الذين لا مال لهم" (¬5). 8 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "يجب على الرجل أن ينفق على ولده، وبهائمه، وزوجته، بإجماع المسلمين" (¬6). 9 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "فيه دليل (¬7) على تفرد الأب بنفقة أولاده، ولا تشاركه فيها الأم، وهذا إجماع من العلماء" (¬8). 10 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الأب يجبر على نفقته (¬9) مطلقًا" (¬10). 11 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "يلزم الأب نفقة ولده المعسر، فإن كان صغيرًا فذلك إجماع" (¬11). • الموافقون على الإجماع: أولًا: يلاحظ أن حكايته الإجماع على وجوب نفقة الصغير جاءت عن أئمة ينتمون لجميع المذاهب الفقهية. ثانيًا: ما ذكره ابن حزم من وجوب النفقة على الصغير, ذكرًا أو أنثى إلى البلوغ وافق عليه الشافعية (¬12). ¬
• مستند الإجماع: 1 - أن اللَّه سبحانه وتعالى خص الأب بتسميته مولودا له، وأضاف الولد إليه بلام الملك، وخصه بإيجاب نفقة الولد الصغير عليه، بقوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: الآية 233]، أي: رزق الوالدات المرضعات، فسمى الأم والدة والأب مولودا له (¬1). 2 - قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: الآية 6]، فخص سبحانه وتعالى الأب بإيتاء أجر الرضاع بعد الطلاق، وكذلك أوجب في الآيتين منفقة الرضاع على الأب لولده الصغير, وليس وراء الكل شيء (¬2). 3 - قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (¬3). فيه دلالة على وجوب نفقة الولد (¬4). 4 - أن ولد الإنسان بعضه، والولد بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله، كذلك يجب على بعضه (¬5). • الخلاف في المسألة: الخلاف في هذه المسألة على قسمين: القسم الأول: ذهب الإمام أبو حنيفة في رواية عنه، إلى أن النفقة الواجبة للولد تكون على الأب والأم بقدر ميراثهما منه (¬6). • دليل هذا القول: قال تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: الآية 233]. • وجه الدلالة: الأم وارثة، فيقتضي أن تشارك الأب في النفقة، كسائر الورثة (¬7). القسم الثاني: قال ابن حزم: إن الأب ينفق على ابنه وابنته حتى يبلغا، وهذا ليس على إطلاقه؛ فإن الخلاف في هذه المسألة على قولين: • القول الأول: ذهب الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، إلى القول بأن الأب ينفق على أبنائه الذكور إلى البلوغ، وعلى الإناث إلى أن يتزوجن. ¬
• دليل هذا القول: أن الأولاد الذكور يقدرون على الكسب ببلوغهم، بخلاف النساء، فلا يقدرن على الكسب، فينفق عليها أبوها حتى تتزوج، ثم ينفق عليها زوجها (¬1). • القول الثاني: لم يشترط الحنابلة بلوغ الأبناء حتى تنقطع النفقة عنهم، بل وقع الخلاف لديهم على روايتين فيمن كان صحيحًا ولا حرفة له وهو يقدر على الكسب (¬2): الرواية الأولى: إذا بلغ الابن فقيرًا لزمت نفقته على أَبيه. الرواية الثانية: إن كان يستطيع الكسب فلا نفقة له. أما من لا يستطيع الكسب، كالصغير, والمجنون، والزمِن، فتلزمه نفقته رواية واحدة. • أدلة هذا القول: 1 - قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (¬3). • وجه الدلالة: جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- النفقة للولد على الوالد، ولم يستثن منهم بالغًا ولا صحيحًا (¬4). 2 - أن الولد الفقير يستحق النفقة على والده الغني، كما لو كان زمِنًا، أو مكفوفًا (¬5).Rأولًا: تحقق الإجماع على وجوب نفقة الولد الصغير على والده، ولا ينظر لما ورد عن أبي حنيفة من الخلاف في رواية عنه أن الأم تنفق على الولد بقدر ميراثها؛ للأسباب التالية: 1 - أن ما ورد عن أبي حنيفة ليس هو القول المعتمد عند الحنفية، بل اعتبر العيني القول بوجوب نفقة الابن الصغير على أَبيه هو إجماع الأئمة الأربعة (¬6). 2 - أن هذا الخلاف وصِف بالشذوذ (¬7). ثانيًا: ذكر ابن حزم في ثنايا عبارته حكايته الاتفاق على وجوب النفقة على الصغير أن ¬
[19 - 455] نفقة الصغير إذا مات والده، تكون في ماله إن كان له مال
ذلك ببلوغ الذكر والأنثى من الأبناء، وفي هذا خلاف بين الفقهاء، فقد رأى الحنفية، والمالكية أن النفقة تكون على الأبناء الذكور إلى البلوغ، وعلى الإناث إلى أن تتزوج إحداهن، ورأى الحنابلة أن الابن إن بلغ فقيرًا لا يستطع الكسب فإن النفقة تلزم والده. [19 - 455] نفقة الصغير إذا مات والده، تكون في ماله إن كان له مال: إذا تُوفِّي الأب وله ولد صغير، فإن كان للولد مال، فإن نفقته تكون من ماله، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن نفقة الصبي إذا تُوفِّي والده وله مال، أن ذلك في ماله" (¬1). 2 - القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "تلزم الأب نفقة ولده الصغير إذا كان فقيرًا، . . . وشرطنا الفقر للاتفاق على أنه إن كان له مال لم يلزم أحد أن ينفق عليهم" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره القاضي عبد الوهاب من المالكية وابن المنذر من الشافعية من الإجماع على أن نفقة الولد تكون في ماله إن كان له مال وافق عليه الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). وهو قول الحسن البصري، وشريح، وعطاء، وقبيصة بن ذؤيب، والنخعي، والزهري، وأبي الزناد، وربيعة (¬6). • مستند الإجماع: قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: الآية 233]. والمولود له هو الأب، وهذا في الفقير من الأبناء، فإن كان له مال فالأصل أن نفقة الإنسان في ماله صغيرًا كان أو كبيرًا (¬7).Rتحقق الإجماع على أن نفقة الصغير تكون في ماله، إن مات والده، وكان له مال؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[20 - 456] يباع عروض الصغير للنفقة عليه
[20 - 456] يباع عروض الصغير للنفقة عليه: إذا كان للصغير عروض، ورثها من أمه إن ماتت -مثلًا- فللأب بيعها من أَجل النفقة عليه من ماله، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "أما الصغير فللأب بيع عرضه للنفقة إجماعًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن نجيم من الحنفية من الإجماع على أن للأب أن يبيع عروض ابنه الصغير للنفقة عليه وافق عليه المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: 1 - لا تجب نفقة أحد الموسرين على الآخر، والابن له مال فهو موسر، فلا تجب نفقته على أَبيه (¬6). 2 - أن نفقة الولد تجب على الأب للحاجة، فإذا كان لدى الابن عروض وعقار، اندفعت الحاجة فلا تجب النفقة (¬7).Rتحقق الإجماع على أن للأب أن يبيع عروض ابنه الصغير للنفقة عليه، وذلك لعدم وجود مخالف. [21 - 457] تجبر الأم على إرضاع ولدها إذا لم يأخذ ثدي غيرها، أو لم يوجد غيرها: إذا أبى الطفل أن يرضع ثديًا غير ثدي أمه، أو لم يوجد غير أمه، لزمها أن ترضعه، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - العيني (855 هـ) حيث قال: "لا تجبر الشريفة التي لا عادة لها بإرضاع الولد، وإن كانت ممن ترضع تجبر؛ فإن لم يوجد غيرها، أو لم يأخذ ثدي ¬
[22 - 458] إذا لم يكن للرضيع أم، أو لم يكن لها لبن، لزم الأب إرضاعه، إن لم يكن للابن مال
غيرها؛ أُجبرت بلا خلاف" (¬1). 2 - ابن الهمام (861 هـ) فذكره كما قال العيني (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء الحنفية من أنه لا خلاف في أن الأم تلزم إرضاع ابنها إذا لم يوجد غيرها، أو أبى الطفل غير ثديها وافق عليه المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). ويرى ابن حزم (¬6)، وابن أبي ليلى، وأبو ثور، والحسن ابن حي، أن الرضاع يجب على الأم مطلقًا (¬7)، فكيف إذا لم يجد الطفل غير ثديها؟ أو لم يرضَ بغيره؟ . • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: الآية 233]. • وجه الدلالة: الظاهر من هذه الآية الخبر، والمراد به الأمر على أن ترضع المرأة ابنها حولين (¬8). 2 - جرى العرف في غالب أحوال النساء أنهن يرضعن أبناءهن، وأن الأم تلي أمر ذلك بنفسها، وهو لا يأبى ثدي غيرها، ومع رفضه لثدي غير ثديها يكون أولى (¬9). 3 - أن في عدم إرضاع الأم لولدها مع رفضه لغيرها إتلافًا وضياعًا له (¬10).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن الأم تجبر على إرضاع ولدها، إذا لم يأخذ ثدي غيرها، أو لم يوجد غيرها. [22 - 458] إذا لم يكن للرضيع أم، أو لم يكن لها لبن، لزم الأب إرضاعه، إن لم يكن للابن مال: إذا ماتت أم الطفل، أو لم تمت، ولكن ليس لها لبن لترضع ابنها، فإن الأب يلزم البحث عمن يرضع ابنه، وأن يستأجر له من ترضعه، ونُقل الاتفاق على ذلك. ¬
[23 - 459] لا تجبر الأم المطلقة على إرضاع ابنها
• من نقل الاتفاق: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن من كان بهذه الصفة، فعليه القيام برضاع ولده، إن لم يكن للرضيع أم، أو لم يكن لأمه لبن، ولم يكن للرضيع مال" (¬1). 2 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "ويجب على الأب أن يسترضع لولده إذا عدمت أمه، أو امتنعت، بلا خلاف" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن حزم، وابن قاسم من الحنابلة من الاتفاق على أن على الأب أن يسترضع لابنه إذا لم يكن له أم، أو ليس لها لبن -وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: الآية 233]. • وجه الدلالة: الرضاع على الأم مستحق بنص الآية، إلا أنها عُذرت لاحتمال عجزها، فيلزم الأب القيام بالبحث عمن يرضعه (¬6). 2 - قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: الآية 6]. وهذا نص في وجوب إعطاء المستأجرة للرضاع حقها (¬7).Rصحة ما ذُكر من الاتفاق على أن الرضيع إذا لم يكن له أم، أو لم يكن لها لبن، لزم الأب إرضاع ولده، إن لم يكن للابن مال، ولا خلاف في ذلك. [23 - 459] لا تجبر الأم المطلَّقة على إرضاع ابنها: لا يملك الرجل إجبار مطلقته على إرضاع ابنه منها، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "رضاع الولد على الأب وحده، وليس له إجبار أمه على رضاعة، سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة، ولا نعلم في عدم إجبارها على ذلك إذا كانت مفارقة خلافًا" (¬8). ونقله عنه ابن قاسم (¬9). ¬
2 - ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره علماء الحنابلة من أنه لا خلاف أن الأب لا يجبر مطلقته على رضاع ابنها وافق عليه الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: الآية 6]. • وجه الدلالة: إذا اختلف الزوجان فقد تعاسرت المرأة من رضاعة ابنها، فلا تجبر على ذلك، فيسترضع الأب له امرأة أخرى (¬5). 2 - لا يجوز أن يكون الرضاع لحق الولد؛ لأنه لو كان لحقه للزمها بعد الفرقة (¬6). 3 - أن الرضاع ليس من حق الزوج؛ بدليل أنه لا يستطيع أن يجبرها عليه وهي في عصمته، فبعد الفرقة أولى (¬7). • الخلاف في المسألة: أولًا: وافق المالكية الجمهور في أن المطلقة البائن لا تجبر برضاع ولدها. ثانيًا: خالفوا الجمهور في المطلقة الرجعية، فقالوا: إن كان مثلها يرضع فإنَّها تجبر ما دامت في العدة، فإن انتهت العدة، ولم يراجعها؛ فقد بانت منه. وإن كانت شريفة لا يرضع مثلها، فلا تجبر، سواء في صلب النكاح، أو بعده (¬8). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: الآية 233]. • وجه الدلالة: جاءت هذه الآية بصيغة الخبر، إلا أن المراد بها الأمر، والعرف جارٍ على أن الأم تلي رضاع ابنها، فتجبر عليه (¬9). 2 - أن المرأة إن كان لا يرضع مثلها -لشرفها- فإن العرف جارٍ بذلك، وقد تعاقد الزوجان على هذا، فلم يلزمها سواء كانت في عصمته، أو معتدة من طلاق رجعي (¬10). ¬
[24 - 460] أم الرضيع المطلقة لها أجرة الرضاع، إن طلبت ذلك
Rأولًا: صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن المطلقة طلاقًا بائنًا لا تجبر على إرضاع ابنها. ثانيًا: عدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن المطلقة الرجعية لا تجبر على إرضاع ابنها؛ لخلاف المالكية، فيمن كان مثلها يرضع، فإنَّها تجبر في صلب النكاح، وبعده، ما دامت في العدة. [24 - 460] أم الرضيع المطلَّقة لها أجرة الرضاع، إن طلبت ذلك: إذا طلقت المرأة، ولها ابن رضيع، فلا تجبر على إرضاعه، فإن أرضعته بأجرة فلها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - قاضي خان (¬1) (592 هـ) حيث قال: "وأجمعوا على أن مدة الرضاع في استحقاق أجرة الرضاع مقدر بحولين، حتى إن المطلقة إذا طالبته بعد الحولين بأجرة الرضاع، فأبى الأب أن يعطي، لا يجبر، ويجبر في الحولين" (¬2). 2 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال عندما سُئل عن امرأة مطلقة، ولها بنت ترضع، وقد ألزموه النفقة: ". . . وأما أجر الرضاع فلها ذلك باتفاق العلماء" (¬3). 3 - البابرتي (786 هـ) حيث قال: "لا تستحق المطلقة أجرة الرضاع بعد الحولين بالإجماع" (¬4). 4 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "مدة الرضاع في حق الأجرة حولان عند الكل، حتى لا تستحق بعد الحولين إجماعًا، وتستحق في الحولين إجماعًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنفية، وابن تيمية من الحنابلة من الإجماع على أن المطلقة لها أن ¬
[25 - 461] لزوم نفقة الوالدين على الولد، إن كانا فقيرين
ترضع ابنها بأجرة في الحولين وافق عليه المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، وابن حزم (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: الآية 6]. وهذا نص في وجوب إعطاء المستأجرة للرضاع حقها (¬4).Rتحقق الإجماع على أن أم الرضيع المطلقة لها أجرة الرضاع إن طلبت ذلك في الحولين؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [25 - 461] لزوم نفقة الوالدين على الولد، إن كانا فقيرين: تلزم النفقة للأبوين الفقيرين على ولدهما، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين، اللذين لا كسب لهما ولا مال، واجبة في مال الولد" (¬5). ونقله عنه ابن قدامة (¬6)، وابن أبي عمر (¬7)، والشربيني (¬8)، والبهوتي (¬9)، وابن قاسم (¬10). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن على الرجل الذي هو كما ذكرنا، نفقة أبويه، إذا كانا فقيرين زمنين" (¬11). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على وجوب نفقة الرجل على من تلزمه نفقته، كالزوجة، والولد الصغير, والأب" (¬12). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "الأصل في وجوب نفقة الوالدين والمولودين: الكتاب، والسنة، والإجماع" (¬13). 5 - ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬14). 6 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "اعلم أنه قد وقع الإجماع على أنه يجب على ¬
الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين" (¬1). • الموافقون على الإجماع: فا ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب النفقة على الوالدين إن كانا فقيرين وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3). وهو قول الثوري، والحسن بن حي، وإسحاق، وأبي ثور (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسرَاء: الآية 23]. ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما (¬5). 2 - قال تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمَان: الآية 15]. ومن المعروف القيام بكفايتهما عند حاجتهما (¬6). 3 - عن عائشة -رضي اللَّه عنهما- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم" (¬7). • الخلاف في المسألة: ذكر الماوردي من الشافعية خلافًا عن الإمام مالك أن الولد لا يلزمه أن ينفق على أمه، فلا ينفق إلا على والده (¬8).Rتحقق الإجماع على وجوب نفقة الوالدين الفقيرين على ولدهما؛ ولا يُنظر لما ورد من الخلاف عن الإمام مالك؛ لما يأتي: 1 - أن ما ذكر من خلاف الإمام مالك لم يذكره أحد من علماء المالكية (¬9). 2 - أن الإمام مالكًا سئل: إن كان الأبوان معسرين أينفق عليهما من مال ولدهما ¬
[26 - 462] إذا كان أحد القريبين رقيقا فلا نفقة لأحدهما على صاحبه
الصغير؟ فقال: "قال مالك: نعم، ينفق عليهما من مال الولد صغيرًا كان أو كبيرًا" (¬1). 3 - أن الإمام مالكًا يرى وجوب النفقة على الأب وعلى زوجته، غير الأم؛ جاء في المدونة: "قلت: وكذلك إن لم تكن أمها تحت أبيها, ولكنه تزوج غير أمها، أينفق على أبيها وعلى امرأة أبيها من مالها؟ قال: نعم" (¬2). فكيف يوجب الإمام مالك النفقة لزوجة الأب، ولا يوجبها للأم؟ . [26 - 462] إذا كان أحد القريبين رقيقًا فلا نفقة لأحدهما على صاحبه: لا تجب النفقة لأحد الرقيقين على قريبه؛ لأنه لا توارث بينهما، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وإن امتنع الميراث مع وجود القرابة، لم يخل من ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون أحدهما رقيقًا، فلا نفقة لأحدهما على صاحبه، بغير خلاف" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أن القريبين إذا كان أحدهما رقيقًا، فلا تجب على أحدهما نفقة لصاحبه وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: الآية 233]. • وجه الدلالة: أن النفقة لا تجب إلا أن يكون المنفِق وارثًا, ولما كان أحدهما رقيقًا فقد امتنع الإرث (¬8). 2 - أن العبد لا مال له فتجب عليه النفقة، وكسبه لسيده، ونفقته على سيده، فيستغني بها عن نفقة غيره (¬9).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف أن القريبين إذا كان أحدهما رقيقًا، فلا ¬
[27 - 463] وجوب نفقة المماليك على أسيادهم
نفقة لأحدهما على صاحبه. [27 - 463] وجوب نفقة المماليك على أسيادهم: إذا ملك الرجل رقيقًا فقد وجبت عليه نفقته، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن على الرجل الحر والمرأة الحرة نفقة أمتهما وعبدهما وكسوتهما وإسكانهما، إذا لم يكن للرقيق صنعة يكتسبان منها" (¬1). 2 - العمراني (558 هـ) حيث قال: "ويجب على السيد نفقة عبده، وأمته، وكسوتهما، . . . وهو إجماع لا خلاف فيه" (¬2). 3 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: "نفقة الرقيق: فوجوبها ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع، . . . وعليه إجماع الأمة أن نفقة المملوك واجبة" (¬3). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وجملة ذلك أن نفقة المملوكين على ملاكهم ثابتة بالسنة، والإجماع، . . . أجمع العلماء على وجوب نفقة المملوك على سيده" (¬4). وذكره عنه ابن قاسم (¬5). 5 - ابن أبي عمر (682 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬6). 6 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "وعلى ملاك المملوكين أن ينفقوا عليهم، ويكسوهم بالمعروف، وهذا إجماع والحمد للَّه" (¬7). 7 - العيني (855 هـ) حيث قال: "وعلى المولى أن ينفق على عبده، وأمته، وعليه إجماع العلماء" (¬8). 8 - ابن الهمام (861 هـ) فذكره كما قال العيني (¬9). 9 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وعلى السيد الإنفاق على رقيقه قدر كفايتهم، ¬
وكسوتهم، بلا نزاع" (¬1). 10 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: "وتجب النفقة، والكسوة، والسكنى، لمملوكه على سيده، . . . وعليه إجماع العلماء" (¬2). 11 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: ". . . وجوب نفقة المملوك وكسوته، وهو مجمع عليه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب نفقة الرقيق على أسيادهم وافق عليه المالكية (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" (¬5). 2 - عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن إخوانكم خولكم (¬6)، جعلهم اللَّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم" (¬7). • وجه الدلالة: من الحديثين: أنه يجب على الرجل نفقة مملوكه، مما لا غنى له عنه وكسوته (¬8). 3 - أن منافع المملوك لسيده، وهو أخص الناس به، فوجبت نفقته عليه (¬9).Rتحقق الإجماع على وجوب نفقة المماليك على أسيادهم؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ¬
[28 - 464] لا يكلف الرقيق أكثر مما يطيقون من الأعمال
[28 - 464] لا يكلف الرقيق أكثر مما يطيقون من الأعمال: يكلف الرقيق من العمل بقدر طاقته، ولا يكلفون أكثر من ذلك، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن من كسا رقيقه مما يلبس، وأطعمهم مما يأكل، أي شيء كان ذلك، ولم يكلفهم ما لا يطيقون، ولا لطم، ولا ضرب، ولا سب بغير حق، فقد أدَّى ما عليه" (¬1). 2 - النووي (676 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يكلفه من العمل ما لا يطيقه" (¬2). 3 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "تحريم تكليف العبيد والإماء فوق ما يطيقونه من الأعمال، وهذا مجمع عليه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره النووي، وابن حزم، والشوكاني من الإجماع على أنه لا يكلف الرقيق أكثر مما يطيقون من الأعمال وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" (¬7). 2 - عن أبي ذر -رضي اللَّه عَنْهُ- به قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن إخوانكم خولكم، جعلهم اللَّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم" (¬8). • وجه الدلالة من الحديثين: تحريم تكليف الرقيق أكثر مما يطيقونه من الأعمال (¬9). ¬
[29 - 465] لا تلزم السيد نفقة مكاتبه
Rتحقق الإجماع على أن الرقيق لا يكلفون أكثر مما يطيقون؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [29 - 465] لا تلزم السيد نفقة مكاتَبه: إذا اتفق العبد مع سيده على أن يكاتبه على مال يدفعه له ثم يعتقه، فينال حريته، فإن نفقته لا تلزم سيده، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "لا خلاف أن المكاتب لا تلزم سيده نفقته" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: مما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في أن نفقة المكاتَب لا تلزم سيده وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن المكاتَب مع سيده كالأجنبي في النفقة، والكسب، والمنافع (¬6). 2 - أن العبد بعقد الكتابة ملك منافع نفسه، ومنع السيد من التصرف فيها، فلا يملك من كسبه شيئًا؛ فينفق عندئذٍ على نفسه (¬7).Rصحة ما نفي من الخلاف بأن المكاتَب لا تلزم سيده نفقته. [30 - 466] وجوب النفقة للحيوان: يجب على المسلم أن ينفق على بهائمه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "واتفقوا أن من كان له حيوان، فحرام عليه أن يجيعه، أو يكلفه ما لا يطيق، أو يقتله عبثًا" (¬8). ¬
2 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "يجب على الرجل أن ينفق على ولده، وبهائمه، وزوجته، بإجماع المسلمين" (¬1). 3 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وعليه إطعام بهائمه، وسقيها، بلا نزاع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنابلة، وابن حزم من الإجماع على وجوب نفقة الحيوان وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عُذبت امرأة في هِرَّة حبستها، حتى ماتت جوعًا، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش (¬6) الأرض" (¬7). • وجه الدلالة: دل الحديث على وجوب النفقة للبهائم، وتحريم حبسها بلا نفقة (¬8).Rتحقق الإجماع على وجوب النفقة للحيوان على أربابها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. * * * ¬
الفصل السابع: مسائل الإجماع في الحضانة
الفصل السابع: مسائل الإجماع في الحضانة [1 - 467] إذا افترق الزوجان فالأم أحق بحضانة ابنها: إذا طلق الرجل امرأته، أو تُوفِّي عنها، ولها منه طفل صغير؛ فهي أحق بحضانته (¬1)، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل، أن الأم أحق به ما لم تنكح" (¬2). وذكره عنه القرطبي (¬3)، والصنعاني (¬4). وقال أَيضًا: "وأجمعوا على أن لا حق للأم في الولد إذا تزوجت" (¬5). ونقله عنه القرطبي (¬6). 2 - الخطابي (388 هـ) حيث قال: "ولم يختلفوا أن الأم أحق بالولد الطفل من الأب ما لم تتزوج" (¬7). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "لا أعلم خلافًا بين السلف من العلماء ¬
والخلف، في المرأة المطلقة إذا لم تتزوج أنها أحق بولدها من أَبيه ما دام طفلًا صغيرًا لا يميز شيئًا، إذا كان عندها في حرز وكفاية، ولم يثبت منها فسق ولم تتزوج" (¬1). ونقله عنه القرطبي (¬2). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الحضانة للأم ما لم تتزوج" (¬3). وقال أَيضًا: "واتفقوا على أن الأم إذا تزوجت ودخل بها الزوج؛ سقطت حضانتها" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). 5 - ابن قدامة (625 هـ) حيث قال: "إن الزوجين إذا افترقا، ولهما ولد طفل أو معتوه، فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها، ذكرًا كان أو أنثى، وهذا قول يحيى الأنصاري، والزهري، والثوري، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وإسحاق، وأصحاب الرأي، ولا نعلم أحدًا خالفهم" (¬6). ونقله عنه ابن قاسم (¬7). 6 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "وقد دل الحديث على أنه إذا افترق الأبوان، وبينهما ولد، فالأم أحق به، . . . وقد قضى به خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبو بكر على عمر بن الخطاب، ولم ينكر علبه منكر، فلما وَليَ عمر قضى بمثله، . . . ولا مخالف لهما من الصحابة" (¬8). 7 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: "إذا افترق الزوجان وبينهما ولد، فالأم أحق به في الجملة، إن كان طفلًا، بلا خلاف نعلمه" (¬9). 8 - العيني (855 هـ) حيث قال عندما قضى أبو بكر على عمر بأن الولد لأمه: "ريحها خير له من سمن وعسل عندك يا عمر، فدعه عندها، وقضى به بحضرة من الصحابة -رضي اللَّه عنهما- ولم ينكر عليه أحد، فحل محل الإجماع" (¬10). 9 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "الأم أحق بالولد بالإجماع" (¬11). ¬
10 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وأحق الناس بحضانة الطفل والمعتوه أمه، بلا نزاع" (¬1). 11 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال بعد ذكره لحديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَنْتَ أحق به ما لم تنكحي" (¬2) (الحكم الذي دل عليه الحديث لا خلاف فيه) (¬3). 12 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "إن الأم أولى بالولد من الأب ما لم يحصل مانع من ذلك كالنكاح، . . . وهو مجمع على ذلك" (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الأم أحق بحضانة ابنها وافق عليه ابن حزم (¬5). وهو قول أبي بكر، وعمر -رضي اللَّه عنهما-، ويحيى الأنصاري، والزهري، والثوري، وإسحاق، وأبي ثور (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أن امرأة قالت: يَا رسول اللَّه، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني. فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنتِ أحق به ما لم تنكحي". • وجه الدلالة: دل الحديث دلالة واضحة على أن الأم أحق بحضانة الولد ما لم تتزوج. 2 - ما رواه مالك عن القاسم بن محمد قال: كانت عند عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- امرأة من الأَنصار، فولدت له عاصم بن عمر (¬7) ثم إنه فارقها، فجاء عمر قباء، فوجد ابنه عاصمًا يلعب بفناء المسجد، فأخذ بعضده، فوضعه بين يديه على الدابة، فأدركتُه جدة الغلام، فنازعته إياه، حتى أتيا أبا بكر الصديق. فقال عمر: ابني. وقالت المرأة: ¬
[2 - 468] سقوط حق الأم في الحضانة إذا تزوجت
ابني. فقال أبو بكر: خل بينها وبينه. قال: فما راجعه عمر الكلام (¬1). 3 - عن سعيد بن المسيّب أن عمر بن الخطاب طلق أم عاصم، ثم أتاها، وفي حجرها عاصم، فأراد أن يأخذه منها، فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام، فانطلقا إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: يَا عمر، مسحها وحجرها وريحها خير له منك حتى يشب الصبي فيختار (¬2). 4 - أنها أقرب إليه، وأشفق عليه، ولا يشاركها في القرب إلا أبوه، وليس له مثل شفقتها، ولا يتولى الحضانة بنفسه، وإنما يدفعه إلى امرأته، وأمه أولى به من امرأة أَبيه (¬3).Rتحقق الإجماع على أن الزوجين إذا افترقا فالأم أحق بحضانة ابنها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [2 - 468] سقوط حق الأم في الحضانة إذا تزوجت: إذا تزوجت الأم سقط حقها في الحضانة، وليس لها المطالبة بذلك، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا افترقا، ولهما ولد طفل، أن الأم أحق به ما لم تنكح" (¬4). وذكره عنه ابن قدامة (¬5)، والقرطبي (¬6)، والصنعاني (¬7). وقال أَيضًا: "وأجمعوا على أن لا حق للأم في الولد إذا تزوجت" (¬8). ونقله عنه القرطبي (¬9). 2 - الخطابي (388 هـ) حيث قال: "ولم يختلفوا أن الأم أحق بالولد الطفل من الأب ما لم تتزوج" (¬10). ¬
3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "لا أعلم خلافًا بين السلف من العلماء والخلف، في المرأة المطلقة إذا لم تتزوج أنها أحق بولدها من أَبيه ما دام طفلًا صغيرًا لا يميز شيئًا، إذا كان عندها في حرز وكفاية، ولم يثبت منها فسق ولم تتزوج" (¬1). ونقله عنه القرطبي (¬2). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن الحضانة للأم ما لم تتزوج" (¬3). وقال أَيضًا: "واتفقوا على أن الأم إذا تزوجت ودخل بها الزوج؛ سقطت حضانتها" (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). 5 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال عند الحديث عن سقوط الحضانة بالتزوج: "اتفاق الصحابة على ذلك، وقد تقدم قول الصديق لعمر: هي أحق به ما لم تتزوج، وموافقة عمر له على ذلك، ولا مخالف لهما من الصحابة البتة، وقضى به شريح، والقضاة بعده إلى اليوم في سائر الأعصار والأمصار" (¬6). 6 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: "إن الأم أولى بالولد من الأب ما لم يحصل مانع من ذلك كالنكاح، . . . وهو مجمع على ذلك" (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الأم أحق بحضانة ابنها، فإذا تزوجت سقطت، وافق عليه الحنفية (¬8). وهو قول أبي بكر، وعمر -رضي اللَّه عنهما-، وإبراهيم النخعي (¬9)، وشريح، ويحيى الأنصاري، والزهري، والثوري، وإسحاق، وأبي ثور، والأوزاعي، والليث (¬10). • مستند الإجماع: عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أن امرأة قالت: يَا رسول اللَّه إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثدي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، ¬
وأراد أن ينتزعه مني. فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنتِ أحق به ما لم تنكحي" (¬1). • وجه الدلالة: دل الحديث دلالة واضحة على أن الأم أحق بحضانة الولد ما لم تتزوج. • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أن حق الأم في حضانة البنت خاصة لا يسقط، وإن تزوجت، أما في الغلام فيسقط. ثم اختلفت الرواية عنه في الجارية فقال في رواية: حتى تبلغ سبع سنين، وفي رواية ثانية: حتى تبلغ بحيض، أو غيره (¬2). • دليل هذا القول: عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: خرج زيد بن حارثة إلى مكة، فقدم بابنة حمزة، فقال جعفر: أنا آخذها، أنا أحق بها؛ ابنة عمي، وعندي خالتها، وإنما الخالة أم. فقال علي: أنا أحق بها، ابنة عمي، وعندي ابنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ وهي أحق بها. فقال زيد: أنا أحق بها، أنا خرجت إليها، وسافرت، وقدمت بها، فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "وأما الجارية فاقضي بها لجعفر تكون مع خالتها، وإنما الخالة أم" (¬3). • وجه الدلالة: قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ببنت حمزة لجعفر، لكون خالتها عنده، بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخالة أم"، فدل على أن الأم لا يسقط حقها في حضانة الجارية إن تزوجت (¬4). ثانيًا: ذهب ابن حزم (¬5) إلى عدم سقوط الحضانة بتزوج الأم، سواء كان الطفل ذكرًا أم أنثى. وهو قول الحسن البصري (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: الآية 233]. • وجه الدلالة: جاءت هذه الآية تبين أن للأم أن ترضع طفلها الصغير، ولم يأت نص يبين أن حقها في الحضانة يسقط إن تزوجت (¬7). 2 - حديث على المتقدم في حضانة بنت حمزة؛ فقد قالوا: فيه دليل على أن النكاح ¬
[3 - 469] لا تسقط حضانة الأم المتزوجة إذا لم يطالب الأب بابنه
لا يسقط الحضانة (¬1). 3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أبوك" (¬2). • وجه الدلالة: هذا نص جلي على إيجاب الحضانة، وبقاء الطفل مع أمه لأنها صحبة (¬3).Rعدم تحقق الإجماع على أن الأم إن تزوجت فإن حقها في الحضانة يسقط؛ لما يأتي: 1 - خلاف عن الإمام أحمد في عدم سقوط الحضانة عن الجارية إن تزوجت أمها. 2 - خلاف ابن حزم، والحسن البصري قبله، في عدم سقوط الحضانة عن الولد -ذكرًا كان أو أنثى- إن تزوجت أمه. [3 - 469] لا تسقط حضانة الأم المتزوجة إذا لم يطالب الأب بابنه: إذا تزوجت المرأة، ولها طفل ممن طلقها، ولم يطالب زوجها بأن تترك حضانته، ولم يطالب أبي الطفل بحضانته، فلها أن تقوم بحضانته وتربيته، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "وأما مع عدم طلبه فلا نزاع في أن للأم المزوجة أن تقوم بولدها" (¬4). 2 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "وأنها إذا نكحت سقط حقها في الحضانة، وذلك مع طلب من تنتقل إليه الحضانة ومنازعته، وإلا فللأم المزوجة أن تقوم بولدها بالاتفاق" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره الصنعاني، وابن قاسم من الحنابلة من الاتفاق ¬
على أن حق الأم في الحضانة لا يسقط ما لم يطالب أب الغلام به، أو أن لا يرضى زوج المرأة بحضانتها -وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية في أحد الوجهين (¬3)، وابن حزم (¬4). وهو قول الحسن البصري (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، ليس له خادم، فأخذ أبو طلحة (¬6) بيدي، فانطلق بي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يَا رسول اللَّه، إن أنسًا غلام كيِّس فليخدمك، قال: فخدمته في السفر والحضر، ما قال لشيء صنعته: لم صنت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه: لِمَ لمْ تصنع هذا هكذا؟ (¬7). • وجه الدلالة: هذا أنس بن مالك عند أبي طلحة زوج أمه، فبقي حق الأم في حضانته؛ لأن أحدًا من أقارب أنس لم ينازع فيه (¬8). 2 - أن سقوط الحضانة بالنكاح هو مراعاة لحق الزوج، فإنه يتنغص عليه الاستمتاع المطلوب من المرأة لحضانتها لولد غيره، ويتنكد عليه عيشه مع المرأة، فقد لا يؤمن وقوع الخلاف بينه وبين امرأته بسبب الطفل (¬9). • الخلاف في المسألة: ذهب الشافعية في وجه إلى أن الأم إذا تزوجت سقط حقها في الحضانة، وإن مكنها الزوج من ذلك؛ إلا أن يكون عصبة للولد. • دليل هذا القول: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنتِ أحق به ما لم تنكحي" (¬10). • وجه الدلالة: هذا نص في سقوط حق الأم في الحضانة إذا تزوجت، دون تبيين لرضا الزوج أو عدمه (¬11). ¬
[4 - 470] تخيير الغلام بين أبويه بعد الحضانة إذا بلغ سبع سنين
2 - أن طبع المرأة يجذبها إلى النفور من الزوج، ومراعاة أولادها، وهي مأمورة بطاعته وتمكينه من الاستمتاع بها في أي وقت (¬1). 3 - أن النكاح يشغلها بحقوق الزوج عن حقوق الطفل، ويجب تقديم حقوق الزوج على الطفل (¬2).Rما ذكر من الاتفاق على أن حق الأم المتزوجة في الحضانة لا يسقط إذا لم يطالب أب الطفل بحضانته، أو زوج المرأة بترك حضانته؛ غير صحيح؛ وذلك لوجود خلاف عن الشافعية في أحد الوجهين بسقوط حق المرأة في الحضانة، وإن أذن الزوج لها. [4 - 470] تخيير الغلام بين أبويه بعد الحضانة إذا بلغ سبع سنين: للأم المطلقة حق حضانة ابنها حتى يبلغ سبع سنين، فإن بلغ سبع سنين خُيّر بين أَبيه وأمه، فيكون عند من اختار منهما، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إن الغلام إذا بلغ سبعًا، وليس بمعتوه، خير بين أبويه، إذا تنازعا فيه، فمن اختار منهما فهو أولى به، . . . ولأنه إجماع الصحابة؛ فروي عن عمر أنه خير غلامًا بين أَبيه وأمه، وروي عن علي، ونحو ذلك عن أبي هريرة، وهذه قصص في مظنة الشهرة، ولم تنكر، فكانت إجماعًا" (¬3). وذكره عنه ابن قاسم (¬4). 2 - ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "قد ثبت التخيير عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الغلام، من حديث أبي هريرة، وثبت عن الخلفاء الراشدين، وأبي هريرة، ولا يُعرف لهم مخالف في الصحابة البتة، ولا أنكره منكر" (¬5). 3 - الزركشي (772 هـ)، حيث قال بعد أن ذكر التخيير عن عمر، وعلي، وأبي هريرة -رضي اللَّه عنهما-: "ولا نعلم لهم مخالفا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنابلة من الإجماع على أن الغلام يخير ¬
إذا بلغ سبع سنين، هو قول الشافعية، بشرط أن يعقل ويميز، وعلى هذا فلو لم يعقل ويميز بعد السبع يبقى عند أمه (¬1)، وهو قول الليث (¬2). • مستند الإجماع: 1 - ما رواه أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنا قاعد عنده، فقالت: يَا رسول اللَّه، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة (¬3)، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "استهما عليه" فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت"، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به (¬4). 2 - عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: أنه خير غلامًا بين أَبيه وأمه (¬5). 3 - عن عمارة بن ربيعة الجرمي (¬6): أن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- خيره بين أمه وعمه، فاختار أمه، فقال له: أَنْتَ مع أمك، وأخوك هذا إذا بلغ ما بلغت، خير كما خيرت. قال: وأنا غلام (¬7). 4 - قيدت السن بالسبع؛ لأنها أول حالٍ أمر الشرع فيها بمخاطبته بالأمر بالصلاة (¬8). 5 - أن الأم قدمت في حال الصغر؛ لحاجته إلى أن تحمله، وتباشر خدمته، وهي أعرف بذلك، وأقوم به، فإذا استغنى عن ذلك، تساوى والداه؛ لقربهما منه، فرجح ¬
باختياره (¬1). • الخلاف في المسألة: اختلف العلماء في السن التي يخير فيها الغلام بعد الحضانة على أقوال (¬2): أولًا: ذهب الحنفية (¬3)، والمالكية في قول (¬4)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬5) إلى عدم تحديد سن يخير فيها الغلام بين أبويه، بل يبقى عند أمه حتى يستطيع أن يأكل وحده، ويشرب وحده، ويلبس وحده، ويتوضأ وحده. • دليل هذا القول: أن الأم لها حق الحضانة، وينتهي ذلك الحق إذا استغنى الولد بنفسه؛ لأن الصبي إذا استغنى فإنه يحتاج إلى التأدب بآداب الرجال والتخلق بأخلاقهم، والأب أقدر على التأديب والحفظ (¬6). ثانيًا: ذهب المالكية في قول آخر (¬7)، وابن حزم (¬8) إلى أن الغلام يخير بعد البلوغ. • دليل هذا القول: أن الغلام لا قول له، ولا يعرف حظه، وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه، ويمكنه من شهواته، فيؤدي إلى فساده (¬9). ¬
ثالثًا: يرى الإمام أحمد في رواية عنه، أن الأب أحق بلا تخيير. وضعّف الزركشي هذه الرواية (¬1). • دليل هذا القول: الأب أحق بالابن؛ لأنه يحتاج إلى التعليم والتأديب، والأب أخص بذلك (¬2). رابعًا: يرى الإمام أحمد في رواية عنه أن الأم أحق؛ وضعّف المرداوي هذه الرواية نقلًا عن الزركشي (¬3)، والصحيح أن الزركشي ضعّف الرواية السابقة. • دليل هذا القول: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنتِ أحق به ما لم تنكحي" (¬4).Rعدم تحقق الإجماع على أن الغلام إذا بلغ سبع سنين أنه يخير بين أبويه بعد الحضانة؛ وذلك للأسباب التالية: 1 - وجود خلاف في المسألة بين من يرى التخيير وبين من لا يراه. 2 - لم يرد في الحديث التقييد بسبع سنين؛ ولا يقتضي الحديث ذلك (¬5). * * * ¬
الفصل الثامن: مسائل الإجماع في اللقيط
الفصل الثامن: مسائل الإجماع في اللقيط [1 - 471] اللقيط (¬1) حُر: إذا وُجِدَ طفل صغير مطروح في مكان عام، أو عند باب مسجد، فإنه يشرع (¬2) لمن وجده أن يلتقطه، ويحكم بحرية ذلك اللقيط، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن اللقيط حر" (¬3). وذكره عنه ابن قدامة (¬4)، والشربيني (¬5). 2 - الجصاص (370 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين الفقهاء في أن ولد الزنى، واللقيط حران" (¬6). ¬
3 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: "أجمعوا أن اللقيط إذا أقر ملتقطه بحريته؛ فإنه حر" (¬1). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه حر" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على حرية اللقيط وافق عليه المالكية (¬3). وهو قول عمر، وعلي -رضي اللَّه عنهما-، وعمر بن عبد العزيز، والشعبي، والنخعي، والحكم بن عتيبة، وحمّاد بن أبي سليمان، والثوري، وإسحاق (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن سُنَيْن أبي جميلة (¬5) أنه وجد منبوذًا في زمان عمر بن الخطاب، قال: فجئت به إلى عمر بن الخطاب؛ فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها (¬6). فقال له عريفه (¬7): يَا أمير المُؤْمنين؛ إنه رجل صالح. فقال عمر: أكذلك؟ قال: نعم. فقال عمر: اذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته (¬8). 2 - الأصل في الآدميين الحرية، فإن اللَّه تعالى خلق آدم وذريته أحرارًا، وإنما الرق لعارض، ولا ينتقل عن حكم الأصل إلا بدليل (¬9). ¬
[2 - 472] إذا وجد اللقيط في بلاد الإسلام فهو مسلم
• الخلاف في المسألة: ذكر الجصاص (¬1)، والقرطبي (¬2)، وابن قدامة (¬3) أن النخعي خالف في ذلك فرأى أن الملتقط إن أراد استرقاق اللقيط فله ذلك. وذكر ابن جزي الخلاف عن قوم أنه عبد لمن التقطه، ولم ينسبه لقائله (¬4). ولعله يقصد النخعي.Rأولًا: تحقق الإجماع على أن اللقيط حر. ثانيًا: لا ينظر لما ورد من الخلاف في المسألة؛ لما يأتي: 1 - أن عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن حزم نقلوا خلاف ذلك، فقد نقلوا عن النخعي أن اللقيط حر (¬5). 2 - أن عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن حزم أثبتوا القول بأن النخعي يقول: إن اللقيط حر، وغيرهم نفى ذلك، والمثبتِ مقدم على النافي. [2 - 472] إذا وجد اللقيط في بلاد الإسلام فهو مسلم: إذا وجد اللقيط في أرض الإسلام فإنه يحكم بإسلامه، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه إذا وجد لقيط في بلاد الإسلام فهو مسلم" (¬6). 2 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "ويحكم بإسلامه بلا نزاع، إلا أن يوجد في بلد الكفار" (¬7). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره علماء الحنابلة من الاتفاق على أن اللقيط في دار الإسلام مسلم وافق عليه الحنفية في رواية, -فيما إذا وجده مسلم في كنيسة أو بيعة في دار الإسلام- والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، وابن حزم (¬10). ¬
[3 - 473] الحكم بإسلام الصغير بإسلام أبيه وأمه
• مستند الاتفاق: 1 - أن الأصل في المولود أنه يولد على الفطرة، أي: على دين الإسلام، ولا يكون كافرًا إلا بما ينقله إلى الكفر (¬1)، لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه" (¬2). 2 - أن العبرة بالدار التي يسكنها المسلمون، ولا يضر أن يكون فيها لأهل الذمة مكان من بيعة ونحوها، فيحكم بإسلامه تغليبًا لحكم الدار (¬3). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية في رواية إلى القول بأن اللقيط ليس بمسلم إذا ادعاه ذمي ببينة، أو وجده ذمي في كنيسة أو بيعة في دار الإسلام، فيحكم بأنه ذمي (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - إذا ادعاه ذمي حكم به له؛ لانتفاع الصغير بثبوت نسبه (¬5). 2 - أن العبرة بالمكان الذي وجد فيه اللقيط، فمتى وجد في بيعة أو كنيسة فهو من أهل الذمة، ومتى وجد في مسجد فهو من أهل الإسلام (¬6).Rأولًا: تحقق ما ذكر من الاتفاق على أن اللقيط مسلم إن وجد في دار الإسلام، أو وجده مسلم في كنيسة أو بيعة، وكانت الكنيسة أو البيعة في أرض الإسلام. ثانيًا: عدم تحقق ما ذكر من الاتفاق على أن اللقيط مسلم إذا وجد في بيعة أو كنيسة في دار الإسلام إذا كان واجده ذميًّا؛ لخلاف الحنفية. [3 - 473] الحكم بإسلام الصغير بإسلام أَبيه وأمه: إذا كان أب الصغير وأمه مسلمين، فإنه يحكم بإسلامه تبعًا لهما، ونُقل الاتفاق على ذلك. ¬
• من نقل الاتفاق: 1 - العمراني (558 هـ) حيث قال: "إن أسلم الأب وحده، تبعه في الإسلام بلا خلاف" (¬1). 2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه يحكم بإسلام الصغير بإسلام أَبيه، واتفقوا على أنه يحكم بإسلام الصغير بإسلام أمه، كأبيه" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره العمراني من الشافعية، وابن هبيرة من الحنابلة من الاتفاق على أن الصغير يتبع أبويه في الإسلام وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية في الأب خاصة دون الأم (¬4). ووافق أشهب، وابن وهب من المالكية (¬5)، وابن حزم (¬6) الجمهور في إسلام الصغير بإسلام أحد أبويه. وهو قول عثمان البتي، والحسن بن حي، والأوزاعي، والليث بن سعد (¬7). • مستند الاتفاق: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه" (¬8). • وجه الدلالة: دل الحديث على الحكم بإسلام الصغير, وأنه يبقى مسلمًا ما لم يتدخل الأبوان في إخراجه من الإسلام إلى الكفر (¬9). 2 - أن الأم أحد الأبوين اللذين يتبعهما الابن في الإسلام بنص الحديث السابق (¬10). 3 - أن هذا الصغير يحكم بإسلامه بإسلام أبويه أو أحدهما؛ اعتبارًا بذلك ساعة العلوق، فهو جزء من مسلم (¬11). • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية (¬12)، وداود الظاهري (¬13) إلى القول بأنه لا يحكم بإسلام الصغير بإسلام أمه. ¬
[4 - 474] ما وجد مع اللقيط من مال فهو له
• أدلة هذا القول: 1 - أن الدين بالنصرة، والأب ذكر مظنتها دون الأم (¬1). 2 - أن الأب هو المتبرع في عقد الذمة، فيكون هو المتبرع في الإسلام كعقد الذمة، ولا تلي الأم ذلك (¬2). 3 - أن الأم مساوية للصغير في دخولها في عهد الأب، فلا يتبعها، كما لا يتبع الأخ (¬3).Rأولًا: تحقق ما ذكر من الاتفاق على إسلام الصغير بإسلام أَبيه، أو والديه جميعًا. ثانيًا: عدم تحقق ما ذكر من الاتفاق على إسلام الصغير بإسلام أمه؛ لخلاف المالكية، وداود الظاهري. [4 - 474] ما وجد مع اللقيط من مال فهو له: إذا وجد مع اللقيط مال مربوط معه، أو موضوع في فراشه، فهذا المال له، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن ما وجد معه من مال، أنه له" (¬4). 2 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "إذا وجد مع اللقيط مال مشدود عليه، أو دابة هو مشدود عليها، فالكل له، بلا خلاف" (¬5). 3 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "وما وجد معه من فراش تحته، أو ثياب، أو مال في جيبه، أو تحت فراشه، أو حيوان مشدود ببابه؛ فهو له، بلا نزاع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن ما وجد مع اللقيط من مال فهو له وافق عليه المالكية (¬7)، وابن حزم (¬8). • مستند الإجماع: أن الصغير من أهل الملك، وكل من كان من أهل الملك، فكل ¬
[5 - 475] إذا ادعى رجل مسلم حر لقيطا لحقه نسبه بلا بينة
ما كان بيده فهو له (¬1).Rتحقق الإجماع على أن ما وجد مع اللقيط من مال فهو له؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [5 - 475] إذا ادعى رجل مسلم حر لقيطًا لحقه نسبه بلا بينة: إذا ادعى اللقيطَ رجلٌ مسلم حرٌّ بمفرده، فإن نسبه يلحق به، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "أن يدعيه واحد ينفرد بدعواه، فيُنظر؛ فإن كان المدعي رجلًا مسلمًا حرًّا، لحق نسبه به، بغير خلاف بين أهل العلم" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أن اللقيط إن ادعاه رجل حر مسلم فإنه يلحق به وافق عليه الحنفية (¬3)، وأشهب من المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم (¬6). وهو قول أبي ثور (¬7). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن الإقرار بنسب اللقيط فيه نفع للطفل؛ لاتصال نسبه، ولا مضرة على غيره فيه، فتقبل دعواه، كما لو أقر بمال (¬8). 2 - أن المدعي أخبر عن أمر محتمل الثبوت، وكل من أخبر عن أمر محتمل الثبوت وجب تصديقه، إحسانًا للظن بالمسلمين (¬9). 3 - أن الولادات لا تعرف إلا بقول الآباء والأمهات، وهكذا أنساب الناس كلهم (¬10). 4 - أنه لا منازع له في دعواه، فوجب أن تقبل (¬11). 5 - أن نسب اللقيط من المدعي يحتمل الثبوت شرعًا؛ لأنه مجهول النسب، فوجب ¬
[6 - 476] إذا ادعت المرأة أن اللقيط ابنها, لا يقبل قولها إلا ببينة
نسبته إليه (¬1). • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية إلى القول بعدم قبول ادّعاء من يدعي اللقيط -ولو كان رجلًا واحدًا- إلا ببينة (¬2). • أدلة هذا القول: 1 - أنه ربما يأتي آخر فيدعي نسبه بعد أن يقضى به للأول، فلا بد من بينة (¬3). 2 - ربما طرح الناس أولادهم من فقر، فيأتي الغريب عنهم فيدعي نسبهم (¬4).Rما ذكر من أنه لا خلاف أن اللقيط إذا ادعاه رجل مسلم أُلحق به بلا بينة، غير صحيح؛ لوجود خلاف عن المالكية، يقضي بعدم قبول دعوى المدعي إلا ببينه. [6 - 476] إذا ادعت المرأة أن اللقيط ابنها, لا يقبل قولها إلا ببينة: لا تقبل دعوى المرأة بأن اللقيط ابنها إلا ببينة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن المرأة لو ادعت اللقيط أنه ابنها, لم يقبل قولها" (¬5). وقال أَيضًا: "وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن امرأة لو ادعت اللقيط أنه ابنها؛ أن قولها لا يقبل" (¬6). ونقله عنه ابن قدامة (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الإجماع، ونقله عنه ابن قدامة، على أن المرأة إذا ادعت اللقيط فلا يقبل قولها إلا ببينة -وافق عليه الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬10)، وابن حزم (¬11). وهو قول الثوري، ¬
ويحيى بن آدم (¬1)، وأبي ثور (¬2). • مستند الإجماع: 1 - أن المرأة يمكنها إقامة بينة بتصديق الزوج لها، أو بشهادة القوابل لها، فلا تسمع دعواها إلا ببينة (¬3). 2 - أن في دعوى المرأة حمل النسب على الغير، فتدخل على الرجل ما ليس بابنه، فلا يقبل قولها إلا ببينة (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب أشهب من المالكية (¬5)، وبعض الشافعية (¬6)، والإمام أحمد في رواية عنه هي المذهب (¬7) إلى أن المرأة إذا ادعت أن اللقيط ابنها فإن دعواها تقبل بلا بينة. • أدلة هذا القول: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك. وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك. فتحاكمتا إلى داود عليه السلام، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليه السلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما. فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك اللَّه، هو ابنها. فقضى به للصغرى. قال أبو هريرة: واللَّه إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذ، وما كنا نقول إلا المدية (¬8). • وجه الدلالة: هذا نبي اللَّه داود حكم به للمرأة الكبرى, ونبي اللَّه سليمان حكم به للصغرى بمجرد الدعوى (¬9). 2 - أن الأم أحد الوالدين، فيثبت النسب بدعواها كالأب (¬10). ¬
[7 - 477] إذا ادعى اللقيط اثنان لا بينة لهما، أولهما بينتان فتعارضتا، نريه القافة
3 - أنه يمكن أن يكون منها، كما يمكن أن يكون من الرجل، بل هو منها أكثر؛ لأنها قد تأتي به من زوج، أو من وطء شبهة، أو من زنى، فيلحقها بها ولدها من الزنى دون الأب (¬1).Rعدم تحقق الإجماع على أن المرأة إذا ادعت اللقيط فلا يقبل قولها إلا ببينة؛ لخلاف أشهب من المالكية، وبعض الشافعية، ورواية هي المذهب عند الحنابلة؛ بقبول قول المرأة بلا بينة. [7 - 477] إذا ادعى اللقيط اثنان لا بينة لهما، أولهما بينتان فتعارضتا، نريه القافة: إذا ادعى اللقيط اثنان، وليس لأحدهما بينة، أو كان لكل منهما بينة، لكنهما متعارضتان، فتسقط البينتان، ونريه القافة، فمن ألحقته فهو له، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "إذا لم تكن به بينة، أو تعارضت به البينتان، وسقطتا، فإنا نريه القافة معهما، أو مع عصبتهما عند فقدهما، فنلحقه بمن ألحقته به منهما، . . . لأن عمر -رضي اللَّه عنه- قضى به بحضرة الصحابة، فلم ينكره منكر فكان إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن قدامة من الحنابلة من إجماع الصحابة على أن اللقيط إذا ادعاه اثنان، ولا بينة لهما، أو كان لهما بينتان فتعارضتا، فإنا نريه القافة -وافق عليه الإمام مالك في الإماء خاصة دون الحرائر، وقال أشهب من المالكية: يكون في الحرائر دون الإماء، وهو اختيار ابن عبد البر (¬3)، والعمل بالقافة في الإماء والحرائر هو قول الشافعية (¬4). وهو قول عمر في إحدى الروايتين عنه، وابن عباس، وأنس -رضي اللَّه عنهم-، وعطاء، والأوزاعي، والليث بن سعد، وأبي ثور (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليها مسرورًا تبرق أسارير وجهه، فقال: "ألم تسمعي ما قال المدلجي لزيد وأسامة -ورأى ¬
أقدامهما-: إن بعض هذه الأقدام من بعض" (¬1). • وجه الدلالة: دل الحديث على جواز الاعتماد على القافة، وإلا ما سر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا اعتمد عليه (¬2). 2 - كان عمر بن الخطاب يليط (¬3) أولاد الجاهلية (¬4) بمن يدعيهم في الإسلام، فأتى عمر رجلان كلاهما يدعي ولد امرأة، فدعا عمر قائفًا، فنظر إليهما، فقال: لقد اشتركا فيه. فضربه عمر بالدرة. ثم دعا المرأة فقال: أخبريني خبرك، فقالت: كان هذا -لأحد الرجلين- يأتيني، وهي في إبل لأهلها، فلا يفارقها حتى تظن، ويظن أنه قد استمر بها حبل، ثم انصرف عنها، فأهريقت عليه دمًا، ثم خلف عليها هذا -تعني الآخر- فلا أدري من أيهما هو؟ فكبر القائف. فقال عمر للغلام: وال أيهما شئت (¬5). • وجه الدلالة: هذا عمر قضى بالقافة بمحضر من الصحابة، ولو لم يكن العمل بقول القائف لما أخذ به عمر (¬6). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية إلى القول بعدم اعتبار القافة هنا، فإن قدم أحدهما علامة على جسده، وكانا مسلمين، فهو لصاحب العلامة، وإن لم يقدم أحدهما علامة، واستويا في الدعوى ولا مرجح فيها، فهو ابنهما جميعًا (¬7). وهو قول عمر في الرواية الأخرى، وعلي -رضي اللَّه عنهما-، والنخعي، والثوري، وإسحاق بن راهويه (¬8). • أدلة هذا القول: 1 - عن أبي قلابة أن رجلين وقعا على امرأة في طهر واحد، فحملت، فنفست غلامًا، فأبصر القافة شبهه فيهما، فقال عمر: هذا أمر لا أقضي فيه شيئًا، ثم قال للغلام: اجعل نفسك حيث شئت (¬9). ¬
[8 - 478] نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط
• وجه الدلالة: هذا عمر لم ير العمل بالقافة، ولو رأى العمل بها, لم يتوقف في القضاء بما قالوا. 2 - عن قتادة قال: رأى عمر والقافة جميعًا شبه الغلام في رجلين ادعياه، فقال عمر: هو بينكما، ترثانه ويرثكما (¬1). 3 - أتى عليًّا -رضي اللَّه عنه- رجلان وقعا على امرأة في طهر، فقال: الولد لكما، وهو للباقي منكما (¬2). • وجه الدلالة من الأثرين: هذا عمر، وعلي، لم يعملا بالقافة، ولما استوت البينتان أشركا بينهما في نسب الغلام.Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على العمل بالقافة إذا تعارضت البينات في دعوى الولد؛ لاختلاف الصحابة في ذلك. ثانيًا: هناك خلاف في العمل بالقافة، هل يعمل بها أصلًا، وهل تستوي فيه الحرة والأمة، أم تختلفان؟ خلاف على أقوال: 1 - ذهب الحنفية إلى عدم العمل بالقافة. 2 - يرى المالكية أن يعمل بها في الإماء دون الحرائر. 2 - يرى أشهب من المالكية العمل بها في الحرائر دون الإماء. 3 - يرى الشافعية، والحنابلة العمل بها في الحرائر والإماء على حد سواء. [8 - 478] نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط: إذا وجد لقيط فلا تجب نفقته على من وجده، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط، كوجوب نفقة ولده إن كان له" (¬3)، وذكر مثله في كتاب الإجماع (¬4)، ونقله عنه ابن قدامة (¬5). ¬
[9 - 479] نفقة اللقيط في بيت المال
2 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه حر، وأن ولاءه لجميع المسلمين، وإن وجد معه مال أنفق عليه منه، وإن لم يوجد معه نفقة أنفق عليه من بيت المال" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية، وابن قدامة وابن هبيرة من الحنابلة من الإجماع على عدم وجوب نفقة اللقيط على الملتقط -وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3). • مستند الإجماع: 1 - أن أسباب وجوب النفقة -من القرابة، والزوجية، والمِلك، والولاء- منتفية هنا، فلا تجب النفقة بغير هذه الأمور (¬4). 2 - أن الالتقاط تخليص للقيط من الهلاك، وتبرُّع بحفظه، فلا يوجب ذلك نفقته (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى القول بوجوب نفقة اللقيط على الملتقط (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: الآية 32]. 2 - بناءً على الآية السابقة: من ترك اللقيط، ولم يأخذه، وتركه حتى مات فهو قاتل بلا شك (¬7).Rأولًا: يحمل ما ذكر من الإجماع على أنه عند المذاهب الأربعة؛ لعدم وجود خلاف لديهم. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط؛ لخلاف ابن حزم الذي يرى وجوبها. [9 - 479] نفقة اللقيط في بيت المال: إذا وُجِدَ اللقيط، ولا مال له، فإن نفقته تجب في بيت المال، ونُقل الاتفاق على ¬
ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه حر، وأن ولاءه لجميع المسلمين، وإن وجد معه مال أنفق عليه منه، وإن لم يوجد معه نفقة أنفق عليه من بيت المال" (¬1). 2 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: "ونفقته في بيت المال، أي: إذا لم يكن له مال، وهذا بلا خلاف" (¬2). 3 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: "ينفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه، بلا نزاع" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن الهمام من الحنفية، وابن هبيرة، والمرداوي من الحنابلة من الاتفاق على أن نفقة اللقيط تكون في بيت المال -وافق عليه المالكية إن تبين أن أباه لم يلقه عمدًا (¬4)، والشافعية في الأصح (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - عن سُنَيْن أبي جميلة أنه وجد منبوذًا في زمان عمر بن الخطاب، قال: فجئت به إلى عمر بن الخطاب؛ فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها. فقال له عريفه: يَا أمير المُؤْمنين؛ إنه رجل صالح. فقال عمر: أكذلك؟ قال: نعم. فقال عمر: اذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته (¬6). 2 - أن اللقيط ولاؤه للمسلمين، فتكون نفقته في بيت المال (¬7). • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية إلى أن الأب إن طرح ابنه عمدًا فالنفقة عليه واجبة، تكون دينًا يرجع به عليه (¬8). وذهب الشافعية في قول إلى أن نفقة اللقيط لا تجب في بيت المال، لكن الإمام يقترض له ما ينفق عليه، إما من بيت المال، أو من أحد من المسلمين، ويكون دينًا ¬
[10 - 480] ولاء اللقيط لجميع المسلمين
على اللقيط، أو وليه إن ظهر له ولي (¬1). • دليل هذا القول: 1 - يجوز أن يكون اللقيط عبدًا، فتكون نفقته على سيده، ويجوز أن يكون حرًّا, وله أب غني، فتجب نفقته على أَبيه (¬2). 2 - أن بيت المال لا يجب فيه إلا ما كان له وجه، ونفقة اللقيط لا وجه لها في بيت المال (¬3).Rعدم صحة ما ذكر من الاتفاق على أن نفقة اللقيط في بيت المال إن لم يكن له مال؛ لخلاف المالكية أن النفقة على أَبيه إن طرحه عمدًا، والشافعية في أحد القولين بعدم وجوبها في بيت المال أصلًا. [10 - 480] ولاء اللقيط لجميع المسلمين: ولاء اللقيط -أي: ميراثه (¬4) - لجميع المسلمين، فيكون ما يتركه من مال في بيت مال المسلمين، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أنه حر، وأن ولاءه لجميع المسلمين" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن هبيرة من الحنابلة من الاتفاق على أن اللقيط ولاؤه لجميع المسلمين وافق عليه الحنفية في حالة أن يعقل بيت المال عنه إذا جنى جناية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، وابن حزم، وداود (¬9). وهو قول الحسن البصري (¬10)، وأكثر العلماء كما قال ابن قدامة (¬11). • مستند الاتفاق: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما الولاء لمن أعتق" (¬12). ¬
2 - أنه لم يثبت على اللقيط رق، ولا على آبائه، فلم يثبت عليه الولاء لأحد (¬1). 3 - أن المسلمين لهم كل مال لا مالك له، ويرثون مال من لا وارث له غير اللقيط، فكذلك اللقيط (¬2). 4 - أن اللقيط لو جنى جناية كانت على بيت مال المسلمين، فكذلك ولاؤه (¬3). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية إلى أن اللقيط لا ولاء لأحد عليه، فله أن يوالي من يشاء، إلا أن يجني جناية يتحملها بيت المال عنه، فيكون ولاؤه لبيت المال (¬4). وهو قول علي -رضي اللَّه عنه- وابن جريج، وعطاء، والزهري (¬5). • أدلة هذا القول: ما ورد عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه قال: المنبوذ حر، فإن أحب أن يوالي الذي التقطه والاه، وإن أحب أن يوالي غيره والاه (¬6). ثانيًا: ذهب شريح، وإسحاق (¬7) إلى أن ولاء اللقيط للذي التقطه. • أدلة هذا القول: 1 - عن واثلة بن الأسقع (¬8) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها, ولقيطها، وولدها الذي لاعنت عليه" (¬9). 2 - قول عمر لأبي جميلة: هو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته (¬10). ¬
[11 - 481] إذا وجد طفل ميت في بلاد المسلمين دفن في مقابر المسلمين
Rما ذكر من الاتفاق على أن ولاء اللقيط لجميع المسلمين غير صحيح، لما يأتي: 1 - خلاف الحنفية أنه يوالي من شاء، إلا أن يعقل عنه بيت المال إن جنى جناية. 2 - خلاف شريح، وإسحاق أن ولاء اللقيط لمن التقطه. [11 - 481] إذا وجد طفل ميت في بلاد المسلمين دفن في مقابر المسلمين: إذا وجد طفل ميت لقيط في بلاد المسلمين، فإنه يدفن في مقابر المسلمين، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتًا أن غسله، ودفنه يجب في مقابر المسلمين" (¬1). ونقله عنه ابن قدامة (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية، وابن قدامة من الحنابلة من الإجماع على أن اللقيط الميت الموجود في بلاد المسلمين أنه يدفن في مقابر المسلمين -وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: إذا وجد اللقيط في بلاد المسلمين يحكم بإسلامه، فإن وجد ميتًا فالحكم كذلك اعتبارًا بالدار (¬6).Rتحقق الإجماع على أن اللقيط إذا وجد ميتًا في بلاد المسلمين، فإنه يدفن في مقابر المسلمين؛ وذلك لعدم وجود مخالف. * * * ¬
[الباب الرابع: مسائل الإجماع في العتق]
الباب الرابع الفصل الأول: مسائل الإجماع في عتق المماليك [1 - 482] مشروعية العتق: العتق (¬1) من الأمور التي يُتقرب بها إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وهو مندوب إليه ابتداءً؛ إلا أن يلزم المكلف عتق بسبب قتل خطأ، أو كفارة ظهار، أو يمين، أو إفطار في نهار رمضان، فيجب عندئذٍ، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن عِتق المسلم الحر البالغ العاقل، الذي ليس بسكران -للمسلم الذي ليس بولد زنى، ولا جناية- فعل خير) (¬2). وقال أَيضًا: (العتق فعل حسن، لا خلاف في ذلك) (¬3). 2 - الغزالي (505 هـ) حيث قال: (ولا يخفى أن العتق قربة، ويشهد لنفوذه الكتاب، والسنة، والإجماع) (¬4). 3 - العمراني (558 هـ) حيث قال: (وأجمعت الأمة على صحة العتق، وحصول القربة به) (¬5). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن العتق من القرب المندوب إليها) (¬6). ¬
5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (والأصل فيه: الكتاب، والسنة، والإجماع، . . . وأجمعت الأمة على صحة العتق، وحصول القربة به" (¬1). 6 - الرافعي (623 هـ) حيث قال: (الإجماع منعقد على صحة الإعتاق، وعلى أنه من القربات) (¬2). 7 - القرافي (684 هـ) حيث قال: (والعتق من المندوبات إجماعًا) (¬3). 8 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: (وأجمع المسلمون على مشروعية ذلك، وأنه قربة في الجملة) (¬4). 9 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: (اتفق الأئمة على أن العتق من أعظم القربات المندوب إليها) (¬5). 10 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: (والعتق المنجز من المسلم قربة بالإجماع) (¬6). 11 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: (كتاب العتق: . . . وهو من أفضل القرب، بالكتاب، والسنة، والإجماع) (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على مشروعية العتق، وأنه من القربات التي يتقرب بها إلى اللَّه سبحانه وتعالى وافق عليه الحنفية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} [البَلَد: الآية 13] أي: عتقها وخلاصها من الرق (¬9). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أعتق رقبة مؤمنة؛ أعتق اللَّه بكل عضو منها عضوًا منه من النَّار" (¬10). ¬
[2 - 483] جواز عتق المشرك تطوعا
3 - عن أبي نجيح السلمي (¬1) -رضي اللَّه عنه- قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالطائف، فسمعته يقول: "من رمى بسهم في سبيل اللَّه فله درجة في الجنة، ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة، وأيما رجل أعتق رجلًا مسلمًا، كان به وقاء كل عظم من عظامه عظمًا من عظام محرره من النَّار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة، فإن اللَّه جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظمًا من عظام محررها من النَّار يوم القيامة" (¬2).Rتحقق الإجماع على مشروعية العتق، وأنه من الأعمال التي يتقرب بها إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وذلك لعدم وجود مخالف. [2 - 483] جواز عتق المشرك تطوعًا: إذا كانت الرقبة المراد عتقها مشركة، فإنه يجوز عتقها تطوعًا، ونُقل الإجماع على ذلك، ووقع الخلاف في عتق الرقبة المشركة في الكفارات، كالظهار ونحوه. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وقد أجمع العلماء على جواز عتق الكافر تطوعًا) (¬3). 2 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (لا خلاف في جواز عتق المشرك تطوعًا) (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر من المالكية، وابن حجر من الشافعية من الإجماع على جواز عتق الرقبة المشركة تطوعًا -وافق عليه الحنفية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: يستدل لهذه المسألة بما استدل به في المسألة الأولى من ¬
[3 - 484] الألفاظ الصريحة في العتق
الترغيب في العتق دون أن يخص مؤمنًا من كافر (¬1).Rتحقق الإجماع على جواز عتق الرقبة المشركة تطوعًا؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [3 - 484] الألفاظ الصريحة في العتق: يقع العتق بكل لفظ يطلق عليه، فقد يقع بالألفاظ الصريحة، وقد يقع بألفاظ الكناية؛ نحو: لا سبيل لي عليك، لا ملك لي عليك، خرجت من ملكي، حَبْلُكِ على غاربك، فهذه الألفاظ لا تقع بغير نية. ومن الألفاظ الصريحة التي يقع العتق بها: أَنْتَ حر، أو محرر، أو عتيق، أو معتق، أو حررتك، أو أعتقتك، فهذه ألفاظ صريحة يقع العتق بها (¬2)، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن الرجل إذا قال لعبده: أَنْتَ حر، أو قد أعتقتك، أو أَنْتَ عتيق، أو أَنْتَ معتق، ينوي عتقه؛ أن مملوكه ذلك يعتق عليه، ولا سبيل له إليه) (¬3). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وإذا قال الرجل لعبده: أَنْتَ حر، أو أَنْتَ عتيق، أو أَنْتَ محرر؛ عتق عليه، وخرج عن ملكه، لا خلاف في ذلك) (¬4). 3 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: (وصريحه نحو: أَنْتَ حر، أو محرر، أو عتيق، أو معتق، أو حررتك، أو أعتقتك، فهذه الألفاظ تلزم السيد بإجماع العلماء) (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وقوع العتق بالألفاظ ¬
[4 - 485] لا يصح العتق إلا من جائز التصرف
الصريحة فيه وافق عليه الحنفية (¬1). • مستند الإجماع: 1 - أن "العتق"، و"التحرير" لفظان وردا في الكتاب والسنة، وهما يستعملان عُرفًا، فكانا صريحين فيه (¬2). 2 - أن هذه الألفاظ صريحة في العتق، فلا تستعمل إلا فيه، ولا تحتاج إلى نية، كصريح الطلاق؛ لأن النية لتعيين المحتمل، ولا احتمال في هذه الألفاظ لغير العتق (¬3).Rتحقق الإجماع على وقوع العتق باللفظ الصريح الدال عليه؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [4 - 485] لا يصح العتق إلا من جائز التصرف: لا يصح العتق إلا ممن يجوز تصرفه، وهم البالغون، العقلاء، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، فلا يصح من صغير، ولا مجنون، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمع كل من أحفظ عنه على أن عتق الصبي لا يجوز) (¬4). (ولا يجوز عتق المجنون، . . . ولا أعلم فيه اختلافًا بين أهل العلم) (¬5). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وقد أجمع المسلمون على أن عتق النصراني، أو اليهودي لعبده المسلم صحيح نافذ، جائز عليه) (¬6). (لا أعلم خلافًا أن الغلام ما لم يحتلم لا يجوز عتقه) (¬7). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (أجمعوا على أنه يصح عتق المالك التام الملك، الصحيح الرشيد القوي) (¬8). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ومن أعتق عبده، وهو جائز التصرف، صح عتقه بإجماع أهل العلم) (¬9). (ويصح العتق من كل من يجوز تصرّفه في المال، وهو ¬
البالغ العاقل الرشيد، سواء كان مسلمًا، أو ذميًّا, ولا نعلم في هذا خلافًا) (¬1). 5 - ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (قوله: "من أعتق" ظاهره العموم؛ لكنه مخصوص بالاتفاق، فلا يصح من المجنون، ولا من المحجور عليه لسفهه) (¬2). 6 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: (ومتى أعتق عبده، وهو صحيح جائز التصرف، عتق بلا نزاع) (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن العتق لا يصح إلا من جائز التصرف، فلا يصح من صغير، ولا مجنون وافق عليه الحنفية (¬4)، وابن حزم (¬5). وهو قول الحسن البصري، والشعبي، والزهري، والأوزاعي (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ" (¬7). 2 - أن العتق تبرع بالمال، فلا يصح من صغير ولا مجنون، كالهبة (¬8). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية, اختارها أبو بكر عبد العزيز (¬9) إلى أن عتق الصبي المميز يصح (¬10). • دليل هذا القول: أنه كما يصح طلاقه ووصيته، يصح عتقه (¬11).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن العتق لا يصح من مجنون، ولا صبي غير مميز؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن عتق الصبي المميز لا يصح؛ لخلاف عن الإمام ¬
[5 - 486] من ملك والديه وإن علوا، أو أبناءه وإن نزلوا عتقوا عليه
أحمد في رواية عنه أن عتقه يصح. [5 - 486] من ملك والديه وإن علوا، أو أبناءه وإن نزلوا عتقوا عليه: إذا ملك رجل أحدًا من والديه أو أجداده وإن علوا، أو أبنائه أو أبناء أبنائه وإن نزلوا, فإنهم يعتقون عليه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن الرجل إذا ملك أبويه أو ولده، أنَّهم يعتقون عليه ساعة يملكهم) (¬1). (وأجمعوا أنه إذا ملك أبويه، أو جداته لأبيه أو أمه، أو جداته لأمه، أنَّهم يعتقون عليه) (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية من الإجماع على أن رجلًا لو ملك والديه وإن علوا، أو أبناءه وإن نزلوا، فإنهم يعتقون عليه، وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)} [الأنبيَاء: الآية 26]. 2 - وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)} [مريم: 88 - 90]. • وجه الدلالة من هاتين الآيتين: نفى اللَّه سبحانه وتعالى عن نفسه اتخاذ الولد؛ لأن الكل عبيد للَّه، وذلك ينفي كون الولد عبدًا؛ فإن البنوة والعبادة متنافيان، فلا يجتمعان له، فمن ملك من يعتق عليه وجب أن يعتقه (¬7). 3 - أن كل قرابة لا تتضمن رد الشهادة، لا تعتق بالملك، قياسًا علي بني العم طردًا، وعلى الوالدين والمولودين عكسًا (¬8). ¬
[6 - 487] من ملك ذا رحم محرم عتق عليه
• الخلاف في المسألة: ذهب داود إلى القول بأن من ملك والديه وإن علوا، أو أبناءه وإن نزلوا فلا يعتقون عليه، إلا الوالد فقط (¬1). • دليل هذا القول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه، فيعتقه" (¬2). • وجه الدلالة: خص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الوالد بوجوب ابتياعه وإعتاقه بعد ملكه، فدل على أنه لا يعتق أحد غيره بالملك (¬3).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن من ملك والده فإنه يعتق عليه؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن من ملك أبناءه وإن نزلوا أنَّهم يعتقون عليه؛ لخلاف داود الظاهري. [6 - 487] من ملك ذا رحم محرم عتق عليه: جاء في المسألة السابقة أن من ملك والديه، وإن علوا، أو أبناءه وإن نزلوا، عتقوا عليه، وتبين خلاف داود في أنه لا يعتق إلا الوالد فقط. ومن ملك رحمه المحرم، وهم أرحامه الذين يحرم عليه نكاحهم بسبب قرابة، كالإخوة، وأبنائهم، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، فإنهم يعتقون عليه ساعة يملكهم، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: (من ملك ذا رحم محرم عتق عليه، . . . روي ذلك عن عمر، وابن مسعود، ولا مخالف لهما من الصحابة) (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: ما ذكره ابن الهمام من أنه لا خلاف في أن من ملك ذا رحم محرم منه، فإنه يعتق عليه وافق عليه المالكية في رواية (¬5)، والحنابلة في المذهب (¬6)، وابن حزم (¬7). ¬
وهو قول عمر بن الخطاب، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما-، وجابر بن زيد، والحسن البصري، وعطاء، والشعبي، والزهري، وحماد، والثوري، وابن شبرمة، والحسن بن حي، والليث بن سعد، وإسحاق، والأوزاعي (¬1). • مستند نفي الخلاف: 1 - عن سمرة بن جندب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر" (¬2). 2 - روي ذلك عن عمر (¬3)، وابن مسعود (¬4)، ولا مخالف لهما من الصحابة (¬5). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب المالكية في رواية (¬6) إلى أن الذين يعتقون هم الآباء، وإن علوا، والأبناء، وإن نزلوا، والإخوة والأخوات، دون أبنائهم، ودون الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وهو قول يحيى الأنصاري (¬7). ¬
[7 - 488] إذا أعتق الرجل عبده الآبق وقع العتق
• أدلة هذا القول: 1 - أن الإخوة أشبهوا الولد؛ لأنهم يرثون بالفرض، ويرثون مع الجد (¬1). 2 - أن الإخوة يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس، فوجب أن يعتقوا (¬2). 1 - بالنسبة للأعمام والأخوال لا يعتقون؛ لأن من حلّت ابنته بعقد نكاح، أو ملك يمين، لم يعتق عليه بالملك (¬3). 2 - أن كل جنس يرث ذكورهم دون أبنائهم، فلا يعتقون بالملك، كبني العم (¬4). ثانيًا: ذهب المالكية في رواية (¬5)، والشافعية (¬6)، والإمام أحمد في رواية (¬7) إلى أن العتق لا يكون إلا في عمود النسب، فلا يُعتق إلا الوالدان وإن علوا، والأبناء وإن نزلوا فقط. ثالثًا: سبق ذكر خلاف داود، إذ يرى أن من يعتق هو الوالد فقط دون غيره من سائر القرابات.Rعدم تحقق الإجماع على أن من ملك ذا رحم محرم فإنه يعتق عليه، لخلاف داود، والمالكية في رواية, والشافعية، والإمام أحمد في رواية. [7 - 488] إذا أعتق الرجل عبده الآبق وقع العتق: إذا أبق (¬8) العبد من سيده، وأراد أن يعتقه، وقد أبق، جاز له ذلك ووقع العتق، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن الرجل إذا أعتق عبده الآبق أن العتق يقع عليه) (¬9). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية من وقوع العتق على الآبق ¬
[8 - 489] الولاء لمن أعتق
إن أعتقه سيده وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: أن السيد إذا أعتق عبده الآبق، فكأنه قبضه، فيقع الإعتاق؛ لأن الإعتاق إتلاف للمال، كما لو أعتق المشتري العبدَ المشترى (¬4).Rتحقق الإجماع على أن الرجل إذا أعتق عبده الآبق وقع العتق؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [8 - 489] الولاء لمن أعتق: قد يقع العتق كفارة عن ارتكاب منهي عنه، وقد يقع قربة للَّه سبحانه وتعالى فإذا أعتق رجل مملوكه، فإن ولاءه (¬5) له، وإن أعتق المملوكَ شركاؤه فولاؤه لهم، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الماوردي (450 هـ) حيث قال: (وقد أجمع المسلمون على استحقاق الولاء للمعتق، لإنعامه بالعتق) (¬6). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من أعتق عبده، أو أمته -كما قدمنا- عتقًا صحيحًا غير سائبة، ولم يكن للمعتق أب أعتقه، غير الذي أعتقه هو، أن ولاءه له) (¬7). 3 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: (ولاء العتاقة، فلا خلاف في ثبوته شرعًا، عرفنا ذلك بالسنة وإجماع الأمة) (¬8). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (أجمع أهل العلم على أن من أعتق عبدًا، أو عتَقَ عليه. . . أن له الولاء) (¬9). (وجملته أن العبد متى كان بين ثلاثة فأعتقوه معًا، ¬
[9 - 490] ثبوت الولاء للمعتق عنه إذا وقع بأمره
فإنه يصير حرًا وولاؤه بينهم، . . . وهذا لا نعلم فيه بين أهل العلم خلافًا) (¬1). 5 - النووي (676 هـ) حيث قال: (وقد أجمع المسلمون على ثبوت الولاء لمن أعتق عبده أو أمته عن نفسه، وأنه يرث به) (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الولاء يكون للمعتِق إن وقع العتق عن النفس، أو أعتقه الشركاء -وافق عليه المالكية (¬3). • مستند الإجماع: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الولاء لمن أعتق" (¬4).Rتحقق الإجماع أن الولاء للمعتِق إن وقع العتق عن النفس، ويكون للشركاء إن أعتقوا شركهم في المملوك. [9 - 490] ثبوت الولاء للمعتق عنه إذا وقع بأمره: إذا أعتق رجل مملوكه عن آخر، فإن وقع العتق بأمره كان الولاء للمعتق عنه، وإن لم يكن بأمره وقع العتق عن نفسه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن الرجل إذا أعتق عن الرجل عبدًا بغير أمره أن الولاء للمعتِق) (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية من الإجماع على أن العتق إن وقع عن الغير بلا أمره أن الولاء للمعتِق -وافق عليه الحنفية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الولاء لمن أعتق" (¬8). وهذا نص أن الولاء لمن أعتق من غير فصل (¬9). 2 - أنه لا يصح الأمر بعتق عبد الغير عن نفسه ما لم يملكه بالثَّمن، ولا ملك ¬
للآمر، فيقع العتق عن المعتِق (¬1). • الخلاف في المسألة: ذهب أبو يوسف من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3) إلى أن الولاء يكون للمعتَق عنه، سواء وقع بأمره أم لا، وسواء كان عن حي، أو عن ميت. وهو قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، والحسن، وأبي عبيد (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - أن سعد بن عبادة (¬5) -رضي اللَّه عنه- قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أمي هلكت، فهل ينفعها أن أعتق عنها؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم" (¬6). 2 - أن عبد الرحمن بن أبي بكر (¬7) تُوفِّي في نوم نامه، فأعتقت عنه عائشة رقابًا كثيرة (¬8). • وجه الدلالة مما سبق: هذا سعد بن عبادة أعتق عن أمه، وعائشة أعتقت عن أخيها، فيقع ثواب العتق لمن أُعتق عنه، فيكون له ولاؤه (¬9). 3 - أنه إذا أعتق عبده عن الغير، فقد ملّكه إياه بشرط العتق، فكان كالوكيل (¬10). 4 - أن الولاء يجري مجرى النسب، فلا يفتقر حصوله إلى إذن لمن يحصل له (¬11).Rعدم تحقق الإجماع أن العتق إن وقع عن الغير ولم يكن بأمره أن الولاء للمعتِق؛ لخلاف أبي يوسف من الحنفية، والمالكية بأن الولاء للمعتق عنه، سواء وقع ¬
[10 - 491] من قال: أعتق عبدك عني وعلى ثمنه، فالولاء للمعتق عنه
بأمره أم لا، وهو قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، والحس، وأبي عبيد. [10 - 491] من قال: أعتق عبدك عني وعلى ثمنه، فالولاء للمعتق عنه: من قال لآخر: أعتق عبدك عني بألف -مثلًا- لزمه الثمن، وكان الولاء له، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ومن قال: أعتق عبدك عني، وعلى ثمنه؛ فالثمن عليه، والولاء للمعتَق عنه، لا نعلم في هذه المسألة خلافًا) (¬1). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أن من قال: أعتق عبدك عني وعليَّ ثمنه، فالثمن عليه، والولاء للمعتق عنه -وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند نفي الخلاف: أن الرجل إذا قال: أعتق عني عبدك بألف -مثلًا- فقد ملَّكه إياه، ويجوز للرجل أن يعتق من يملك (¬5).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن من قال: أعتق عبدك عني وعلي ثمنه أن الولاء له. [11 - 492] إذا قال لعبده: أَنْتَ حر، في وقت سماه، لم يعتق حتى يأتي ذلك الوقت. من قال لعبده: أَنْتَ حر إذا جاء رأس الشهر، أو إن قدم فلان؛ فلا يقع العتق حتى يأتي الوقت الذي عُلِّق العتق عليه، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإذا قال لعبده: أَنْتَ حر، في وقت سماه، لم يعتق حتى يأتي ذلك الوقت، فإن جاء الوقت، وهو في ملكه، عتق، بغير خلاف نعلمه) (¬6). • الموافقون على نفى الخلاف: مما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أن من قال لعبده: ¬
[12 - 493] وقوع العتق على ما في بطن الأمة من الحمل، دون الأم.
أَنْتَ حر، في وقت سماه، فإنه يعتق إذا جاء ذلك الوقت -وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن حزم (¬4)، والأوزاعي (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن العتق قد علق على وقت متحقق الوقوع، فإذا جاء ذلك الوقت، فقد وقع العتق (¬6). 2 - أن في تعليق العتق توسعة لحصول القربة بالعتق (¬7).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف أن من قال لعبده: أَنْتَ حر، في وقت سماه، لم يعتق حتى يأتي ذلك الوقت. [12 - 493] وقوع العتق على ما في بطن الأمة من الحمل، دون الأم. إذا قال الرجل لِأمته: كل ولد تلدينه فهو حر؛ وقع العتق على المولود دون الأم، ونُقل الإجماع علَى ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لأمته: كل ولد تلدينه فهو حر؛ فولدت أولادًا، أنَّهم أحرار) (¬8). ونقله عنه ابن قدامة (¬9). والشربيني (¬10). (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا أعتق ما في بطن أمته، فولدت ولدًا حيًّا مكانها، أن الولد حر دون الأم) (¬11). * الموافِقون على الإِجماع: ما ذكر من الإجماع على أن العتق يقع على حمل الأمة ¬
[13 - 494] إذا أعتق الشريك الموسر نصيبه من العبد عتق نصيبه
دونها -وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2). وهو قول ابن عمر، وأبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، والنخعي، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، وإسحاق (¬3). • مستند الإجماع: 1 - أن القصد في العتق توجه فيه إلى العمل، فوجب حمله عليه (¬4). 2 - أن مِنْ شَرْطِ البيع والهبة القدرة على التسليم، ولا يشترط ذلك في العتق (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى أن من أعتق حمل أمته دونها، فإن العتق يقع على الجنين، وعلى أمه، وإن لم يرد عتق أمه (¬6). • دليل هذا القول: 1 - أن الجنين بعض أمه؛ لأنه خلق من مائها، ومن اعتق البعض، وجب عليه عتق الكل، فتعتق الأم ووليدها (¬7). 2 - أن الجنين في بطن أمه مجهول، فلا يعلم هل هو ذكر أم أنثى، أبيض أم أسود، شقي أم سعيد، فإذ هو كذلك لا تجوز هبته ولا عتقه دونها (¬8).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن العتق يقع على الحمل دون الأم؛ لخلاف ابن حزم. ثانيًا: يحمل الإجماع المذكور على أنه قول الأئمة الأربعة فقد قصره ابن الهمام من الحنفية على الأئمة الأربعة دون غيرهم؛ فقال: (ولو أعتق الحمل خاصة، عتق دونها، بإجماع الأربعة) (¬9). [13 - 494] إذا أعتق الشريك الموسر نصيبه من العبد عتق نصيبه: إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد المملوك بينهما، وكان موسرًا، فإن نصيبه يعتق، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وجملته أن الشريك إذا ¬
أعتق نصيبه من العبد، وهو موسر، عتق نصيبه، لا نعلم خلافًا فيه) (¬1). 2 - النووي (676 هـ) حيث قال: (أجمع العلماء على أن نصيب المعتق يعتق بنفس الإعتاق) (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره النووي، وابن قدامة من الإجماع على أن الشريك الموسر إن أعتق نصيبه من العبد عتق نصيبه -وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع: 1 - الأحاديث والآثار الدالة على فضيلة العتق، والتي سبق ذكرها. 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أعتق شركًا له في مملوك، فعليه عتقه أكله، إن كان له مال يبلغ ثمنه، فإن لم يكن له مال؛ يقوم عليه قيمة عدل على المعتق، فأعتق منه ما عتق" (¬6). 3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في المملوك بين الرجلين، فيعتق أحدهما، قال: "يضمن" (¬7). 4 - أن العتق وقع من جائز التصرف، فأعتق ملكه الذي لم يتعلق به حق لغيره، فنفذ عتقه فيه، كمن يعتق جميع العبد المملوك له (¬8). • الخلاف في المسألة: ذهب ربيعة بن عبد الرحمن إلى القول بأن من أعتق حصته من عبد بينه وبين آخر أن عتقه لا ينفذ (¬9). • دليل هذا القول: أن لكل من الشريكين نصيبًا في العبد، وعتق أحدهما لنصيبه دون عتق الآخر فيه إفساد لنصيب الآخر (¬10).Rتحقق الإجماع على أن الشريك الموسر إذا أعتق نصيبه، فإن نصيبه يعتق ¬
[14 - 495] تحريم وطء الجارية المشتركة، وتعزير الواطئ
مطلقًا؛ ولا ينظر لخلاف ربيعة بن عبد الرحمن أن العتق لا يقع أذن الشريك أم لا، لما يأتي: قال النووي: (هذا مذهب باطل، مخالف للأحاديث الصحيحة, والإجماع) (¬1). [14 - 495] تحريم وطء الجارية المشتركة، وتعزير الواطئ: إذا كانت جارية مشتركه بين اثنين، حرم على أحدهما وطؤها، فإن فعل عُزِّر، ولم يبلغ بتعزيره الحد، ونفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في تحريم وطء الجارية المشتركة، . . . ولا خلاف في أنه يعزر) (¬2). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في تحريم وطء الجارية المشتركة، وتعزير الواطئ -وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} [المؤمنون: 5 - 7]. والوطء هنا صادف ملك غيره بلا نكاح، فإن اللَّه سبحانه وتعالى لم يحل الوطء إلا بنكاح، أو ملك تام (¬6). 2 - أن حل الوطء ينبني على ملك المتعة، ويستفاد ذلك بكمال ملك الرقبة (¬7). 3 - لا حد على الواطئ؛ لأن الوطء صادف ملكًا فيه شبهة، فيعزر (¬8). • الخلاف في المسألة: ذهب أبو ثور إلى القول بوجوب الحد على واطئ الجارية المشتركة (¬9). • دليل هذا القول: أنه وطء محرَّم؛ لكونه وقع في ملك غيره، فأشبه ما لو لم يكن ¬
[15 - 496] إذا ادعى المملوك العتق، وأنكره المولى، فلا يقبل قول العبد إلا ببينة
له فيها ملك، فيجب الحد (¬1).Rأولًا: صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في تحريم وطء الجارية المشتركة. ثانيًا: عدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أنه لا يلزم الواطئ الحد؛ وينتقل إلى التعزير؛ لخلاف أبي ثور بوجوب الحد على واطئ الجارية المشتركة. [15 - 496] إذا ادعى المملوك العتق، وأنكره المولى، فلا يقبل قول العبد إلا ببينة: إذا قال العبد المملوك: إن سيده أعتقه، وأنكر سيده ذلك، فلا يقبل قول العبد إلا ببينة تثبت صدق ما يقوله، ونفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: الكاساني (587 هـ) حيث قال: (أما البينة: فجملة الكلام فيها أنه لا خلاف في أنها تقبل على عتق المملوك إذا ادعى المملوك العتق، وأنكره المولى، سواء كان المملوك عبدًا، أو جارية) (¬2). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره الكاساني من الحنفية أن المملوك إذا ادعى العتق وأنكره سيده، فلا يقبل قول المملوك إلا ببينة -وافق عليه المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر" (¬6). 2 - إذا لم تكن للعبد بينة، فالقول قول السيد مع يمينه؛ لأن الأصل عدم العتق (¬7).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف أن العبد إذا ادعى أن سيده قد أعتقه وأنكره سيده، فلا يقبل قوله إلا ببينة. ¬
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في التدبير
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في التدبير [1 - 497] مشروعية التدبير: التدبير (¬1) من الأمور المشروعة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن تدبير المسلم -على الصفات التي قدمنا- مباح) (¬2). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (أجمع المسلمون على جواز التدبير، وهو أن يقول السيد لعبده: أَنْتَ حر عن دبر مني، أو يُطلِق فيقول: أَنْتَ مدبر) (¬3). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (والأصل فيه: السنة، والإجماع) (¬4). 4 - القرافي (684 هـ) حيث قال: (التدبير مأخوذ من إدبار الحياة، . . . وأصله الكتاب، والسنة، والإجماع، . . . وانعقد الإجماع على أنه قربة) (¬5). 5 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: (التدبير: والأصل في الباب قبل الإجماع: خبر الصحيحين)، ثم ذكر الحديث (¬6). 6 - الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: (مشروعية التدبير وذلك مما لا خلاف فيه) (¬7). ¬
[2 - 498] من ملك الرقيق ملكا تاما، وكان جائز التصرف، غير محجور عليه، فله حق التدبير
7 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: (ويصح تعليق العتق بموت، وهو التدبير, وقد أجمع العلماء على صحته في الجملة) (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على مشروعية التدبير وافق عليه الحنفية (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)} [الحج: الآية 77]. 2 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: أعتق رجل من بني عذرة (¬3) عبدًا له عن دُبُر، فبلغ ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ألك مال غيره؟ "، فقال: لا. فقال: "من يشتريه مني؟ "، فاشتراه نعيم النحّام بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فدفعها إليه، ثم قال: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا، وهكذا" (¬4). 3 - أنه عتق معلق بشرط، فصار كالمعلق بدخول الدار (¬5). 4 - أن التدبير وصية للعبد برقبته، فصار كسائر الوصايا (¬6).Rتحقق الإجماع على أن التدبير مشروع، ولا مخالف في ذلك. [2 - 498] من ملك الرقيق ملكًا تامًّا، وكان جائز التصرف، غير محجور عليه، فله حق التدبير: الذي له حق التدبير: هو السيد الذي يملك رقيقه ملكًا تامًّا، "ويكون جائز التصرف، غير محجور عليه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن من دبر ¬
عبده، أو أمته، ولم يرجع عن ذلك حتى مات، فالمدبر يخرج من ثلث ماله بعد قضاء الدين، إن كان عليه، وإنفاذ وصاياه إن كان أوصى بها، وكان السيد بالغًا، جائز الأمر، أن الحرية تجب له إن كان عبدًا, ولها إن كانت أمة، بعد وفاة السيد) (¬1). ونقله عنه ابن قدامة (¬2). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من قال لعبده أو أمته اللذين يملكهما ملكًا صحيحًا: أَنْتَ مدبر، أو أنتِ مدبرة بعد موتي؛ أنه تدبير صحيح) (¬3). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (شرط السيد المدبر: اتفقوا على أن من شرطه أن يكون مالكًا تام الملك، غير محجور عليه، سواء كان صحيحًا أو مريضًا) (¬4). 4 - ابن قاسم (1392 هـ) فذكره كما قال ابن رشد (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن السيد الذي له حق التدبير هو الذي يملك عبده ملكًا تامًّا، ويكون جائز التصرف، غير محجور عليه، وافق عليه الحنفية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ" (¬7). 2 - أن التدبير تبرع بالمال، فلا يصح من صغير ولا مجنون، كالهبة (¬8). 3 - أن الصبي ليس من أهل العقود، فلم يصح تدبيره، كالمجنون (¬9). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب المالكية في رواية (¬10)، والشافعية في أحد القولين (¬11)، والحنابلة في رواية (¬12) إلى أن تدبير الصبي المميز يصح. وهو قول ¬
عمر -رضي اللَّه عنه-، وشريح، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة (¬1). • دليل هذا القول: 1 - أن غلامًا من غسان (¬2) حضرته الوفاة بالمدينة، ووارثه بالشَّام، فذكر ذلك لعمر، فقيل له: إن فلانًا يموت، أفَيوصي؟ قال: فليوصِ، وكان عمر الغلام عشر سنين، وقيل: اثنتي عشرة سنة (¬3). 2 - أنه كما يصح طلاقه ووصيته، يصح عتقه (¬4). 3 - أن وصية غير البالغ، وتدبيره، أنفع له؛ لأنه ما دام حيًّا فلا تلزمه، فإن مات كان أجرًا (¬5). ثانيًا: ذهب الشافعية في أحد القولين إلى أن تدبير السفيه يقع (¬6). • دليل هذا القول: أن السفيه منع من التصرف في ماله، حتى لا يضيع ماله فيفتقر، وبالتدبير لا يضيع ماله؛ لأنه باق على ملكه، وإن مات استغنى عن المال، وحصل له الثواب (¬7).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن التدبير لا يصح من مجنون، ولا صبي غير مميز؛ وذلك لعدم وجود مخالف. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن تدبير الصبي المميز لا يصح؛ لخلاف عن المالكية في رواية, والشافعية في أحد القولين، والحنابلة في رواية أن تدبيره يصح. ثالثًا: عدم تحقق الإجماع على أن المحجور عليه بسبب السفه لا يصح تدبيره؛ لخلاف عن الشافعية في أحد القولين أن تدبيره صحيح. ¬
[3 - 499] يقع التدبير على كل مملوك لا يعتق على سيده
[3 - 499] يقع التدبير على كل مملوك لا يعتق على سيده: الذي يقع عليه التدبير: هو كل عبد صحيح العبودية، لا يعتق على سيده، سواء ملكه كله أو بعضه، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الذي يقبل العتق هو كل عبد صحيح العبودية، ليس يعتق على سيده، سواء ملكه كله أو بعضه) (¬1). 2 - ابن قاسم (1392 هـ) فذكره كما قال ابن رشد (¬2). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن رشد من المالكية، وابن قاسم من الحنابلة، من الاتفاق على أن التدبير لا يقع إلا على الرقيق الذي يملكه سيده، كله أو بعضه -وافق عليه الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند الاتفاق: عن عمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن جده أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك" (¬5).Rتحقق ما ذكر من الاتفاق على أن التدبير لا يقع إلا على العبد الذي يملكه سيده، أوله شرك في الملك، وذلك لعدم وجود مخالف. [4 - 500] تعليق العتق بالموت يصبح العبد به مدبرًا، فلا يعتق إلا بعد الموت: التدبير هو تعليق العتق بالموت، فإذا قال السيد لعبده: أَنْتَ حر، أو عتيق بعد موتي؛ فلا يعتق إلا بعد موت سيده، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن من أعتق عبدًا له عن دبر، أنه لا يعتق إلا بعد موت السيد) (¬6). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من قال لعبده أو أمته اللذين يملكهما ملكًا صحيحًا: أنتَ مدبر، أو أنتِ مدبرة بعد موتي؛ أنه تدبير صحيح) (¬7). ¬
[5 - 501] من دبر عبده أو أمته، ولم يرجع حتى مات، أخرج من ثلث ماله
3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إذا علق صريح العتق بالموت، فقال: أَنْتَ حر، أو محرر، أو عتيق، أو معتق، بعد موتي؛ صار مدبرًا، بلا خلاف نعلمه) (¬1). 4 - الشعراني (973 هـ) حيث قال: (اتفق الأئمة على أن السيد إذا قال لعبده: أَنْتَ حر بعد موتي؛ صار العبد مدبرًا، يعتق بموت سيده) (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من تعليق العتق بالموت -بألفاظ تدل على أنه لا يعتق إلا بعد الموت- وافق عليه الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4). • مستند الإجماع: أن لفظ أَنْتَ حر، أو محرر، أو عتيق، ونحوها من الألفاظ، ألفاظ موضوعة لعقد التدبير، وهي صريحة فيه، وعلقت بالموت، فتقع في الوقت الذي أراده السيد (¬5).Rتحقق الإجماع على أن السيد إن علق عتق عبده بموته، فإنه يصبح مدبرًا لا يعتق إلا بعد موت سيده؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [5 - 501] من دبر عبده أو أمته، ولم يرجع حتى مات، أُخرج من ثلث ماله: إذا دبر السيد عبده، أو أمته، ولم يرجع في تدبيره حتى مات، فإن العبد يُخرج من ثلث المال بعد قضاء الدين، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن من دبر عبده، أو أمته، ولم يرجع عن ذلك حتى مات، فالمدبر يخرج من ثلث ماله بعد قضاء الدين) (¬6). ونقله عنه ابن قدامة (¬7). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن سيده إن مات، ولم يرجع في تدبيره، ولا أخرجه، ولا خرج عن ملكه، وله مال، يُخرج من ثلثه) (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المدبر يخرج من ¬
ثلث المال، إن مات سيده، ولم يرجع -وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2). وهو قول علي، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، وشريح، وسعيد بن المسيّب، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، والحسن البصري، وابن سيرين، ومكحول، وقتادة، وحمّاد بن أبي سليمان، والثَّوريّ، وإسحاق، وأبي ثور (¬3). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المدبر لا يباع، ولا يوهب، وهو حر من الثلث" (¬4). 2 - أن التدبير تبرع مضاف لما بعد الموت، والحكم غير ثابت في الحال، فينفذ من ثلث المال (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أنه يعتق من رأس المال (¬6) (¬7). وهو قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنهما-، ومسروق، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والنخعي، وداود (¬8). • دليل هذا القول: أن التدبير عتق، فينفذ من رأس المال، كالعتق في الصحة، وعتق أم الولد (¬9). ¬
[6 - 502] إذا دبر الرجل أمته دخل فيه حملها
Rعدم تحقق الإجماع على أن المدبر يخرج من ثلث المال، لخلاف من قال: إنه يعتق من رأس المال. [6 - 502] إذا دبر الرجل أمته دخل فيه حملها: إذا دبر الرجل أمته، وهي حامل (¬1)، دخل في التدبير حملها، سواء حملت بعد التدبير أو قبله، فيعتق بعتقها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - المرغيناني (593 هـ) حيث قال: (وولد المدبرة مدبر، وعلى ذلك إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-) (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (الولد الحادث من المدبرة بعد تدبيرها، . . . أن يكون موجودًا حال تدبيرها، . . . فهذا يدخل معها في التدبير، بلا خلاف نعلمه) (¬3). (ما روي عن عمر، وابن عمر، وجابر أنَّهم قالوا: ولد المدبرة بمنزلتها، ولم نعرف لهم من الصحابة مخالفًا، فكان إجماعًا) (¬4). 3 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: (أما الذي كان حملًا، فبالإجماع كما لو أعتقها وهي حامل، . . . وعلى هذا إجماع الصحابة، يعني الإجماع السكوتي) (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء الحنفية، وابن قدامة من الحنابلة من إجماع الصحابة على أن الرجل إذا دبر أمته دخل في التدبير حملها، سواء وقع الحمل قبل التدبير أو بعده -وافق عليه المالكية (¬6)، والشافعية إلا في الحمل الذي وقع بعد التدبير فلهم فيه قولان: أحدهما كقول الجمهور (¬7). وقال به عمر، وعثمان، وابن عمر، وابن مسعود، وجابر -رضي اللَّه عنهم-، وابن المسيّب، والحسن، والقاسم بن محمد، والزهري، والثوري (¬8). ¬
• مستند الإجماع: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: أولاد المدبرة بمنزلة أمهم (¬1). 2 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: ما أرى أولاد المدبرة إلا بمنزلة أمهم (¬2). 3 - أن الحمل في بطن أمه بمنزلة عضو من أعضائها؛ فيتبعها (¬3). 4 - أن الأم استحقت الحرية بموت سيدها، فيتبعها ولدها (¬4). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الشافعية في أحد القولين -وهو اختيار المزني (¬5) - إلى أن المدبرة إن حملت بعد التدبير فلا يتبعها ولدها في العتق بموت السيد. وهو قول زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه-، وعكرمة، وجابر بن زيد، وعطاء (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- رخص في بيع ولد المعتقة عن دبر (¬7). 2 - أنه يجوز أن يلحق الفسخُ العقدَ، فلا يلحق الولد بأمه عندئذٍ (¬8). 3 - أنه لما تقابل في الولد حقان: حق السيد في رقه، وحق الأم في عتقه، وكان حق السيد فيه عن ملك مستقر، وحق الأم فيه عن تدبير غير مستقر، كان تغليب ما استقر في رقه أولى من تغليب ما لم يستقر في عتقه (¬9). 4 - أن جابر بن زيد يرى أنة كالبستان الذي يتصدق به إن مات، فتكون له الثمرة ما بقي (¬10). ثانيًا: ذهب ابن حزم إلى القول بأن ما حملت به الأمة المدبرة، سواء قبل التدبير أو بعده، لا يلحق بأمه في التدبير بل يبقى عبدًا لسيد أمه (¬11). ¬
[7 - 503] ولد المدبر حكمه حكم أمه.
• أدلة هذا القول: 1 - أنه ولد أَمَة يجوز بيعها، فولدها عبد يباع؛ لأن ولد الأمة عبد (¬1). 2 - استدل أَيضًا بقول عكرمة، وعطاء، وجابر بن زيد (¬2).Rعدم تحقق الإجماع على أن ولد المدبرة حكمه حكم أمه في التدبير لخلاف زيد بن ثابت، وعكرمة، وجابر بن زيد، وعطاء، والشافعية في أحد القولين -إن كان الحمل بعد التدبير- وابن حزم سواء كان الحمل بعد التدبير أو قبله، أنه لا يلحقها في التدبير فيبقى عبدًا لسيد أُمه. [7 - 503] ولد المدبر حكمه حكم أمه. إذا دبر السيد عبده المملوك، فلا يلحق به أبناؤه في التدبير، بل يكون حكمهم حكم أمهم، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فأما ولد المدبر فحكمه حكم أُمِّه، لا نعلم فيه خلافًا) (¬3). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أن أولاد المدبر لا يتبعونه في التدبير؛ بل يكون حكمهم حكم أمهم -وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية، إن كانت الأم حرّة (¬5)، والشافعية (¬6). وهو قول ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، وعطاء، والزُّهْرِيّ، والأوزاعي، والليث (¬7). • مستند نفي الخلاف: أن الولد يتبع أمه في الرق، والحرية (¬8). • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية إلى القول بأن ولد المدبر من أمته هم بمنزلته، وليسوا بمنزلة أمهم (¬9). ¬
[8 - 504] للرجل أن يطأ جاريته المدبرة
• دليل هذا القول: أن كل ولد حدث في ملك اليمين يتبع أباه في الحرية والرق، كالحر إذا اشترى أَمة فأولدها (¬1).Rأولًا: ما ذكر من أنه لا خلاف أن ولد المدبر حكمهم حكم أمهم صحيح؛ إن كانت الأم حرّة. ثانيًا: عدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف أن ولد المدبر لا يتبعه في التدبير، وأن حكمهم حكم أمهم، لخلاف المالكية أنَّهم يتبعون أباهم في التدبير إن كانت أمهم أمة. [8 - 504] للرجل أن يطأ جاريته المدبرة: إذا دبر الرجل جاريته، فإنه يجوز له أن يطأها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن للرجل أن يصيب وليدته إذا دبرها) (¬2). 2 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: (وله إصابة مدبرته، سواء شرطه أو لا، وهو صحيح، نص عليه، ولا أعلم فيه خلافًا) (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية، والمرداوي من الحنابلة من الإجماع على أن للرجل أن يطأ جاريته إذا دبرها -وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5). وهو قول ابن عباس، وابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، وسعيد بن المسيّب، وعطاء، والنخعي، والأوزاعي في قول، والليث، والثوري، وإسحاق، والحسن بن حي، وأبي ثور، وداود، والطبري (¬6). • مستند الإجماع: أنها مملوكته، لم تشترِ نفسها منه، فحل له وطؤها؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5، 6]. ¬
2 - أن عمر -رضي اللَّه عنه- أعتق وليدة له عن دبر، ثم وطئها بعد ذلك سبع سنين، ثم أعتقها، وهي حبلى (¬1). 3 - عن عطاء أن ابن عباس وابن عمر، وغيرهما قالوا: يصيب الرجل وليدته إذا دبرها إن أحب (¬2). 4 - قد تحمل الأمة من سيدها، فتزداد خيرًا، فتصبح أم ولد، فتعتق من رأس المال (¬3). • الخلاف في المسألة: أولًا: كره الزهري أن يطأ الرجل جاريته إذا دبرها (¬4). ثانيًا: روي عن الأوزاعي قول ثان له: إن كان السيد يطؤها قبل تدبيره، فلا بأس بوطئها بعد تدبيره إياها، وإن كان لم يطأها قبل التدبير؛ فلا يطؤها بعده (¬5). • دليل هذين القولين: 1 - قال ابن عبد البر: أظن الزهري تأول في ذلك -واللَّه أعلم- قول ابن عمر: "لا يطأ الرجل وليدةً إلا وليدته، إن شاء باعها، وإن شاء وهبها، وإن شاء صنع بها ما شاء"، لم يبلغه أن ابن عمر كان يطأ مدبرته (¬6). 2 - أن من كره وطء المدبرة شبهها بالمعتقة إلى أَجل آتٍ لا محالة، والمعتقة إلى أجل قاسها الذي كره وطأها على نكاح المتعة؛ لأنه نكاح إلى أَجل (¬7).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن للرجل أن يطأ جاريته المدبرة؛ لما يأتي: لخلاف الأوزاعي في أحد القولين عنه، بمنع وطء الجارية المدبرة. ثانيًا: لو لم يكن من الخلاف إلا خلاف الزهري، لكان الإجماع متحققًا؛ لأن القول بالكراهة لا ينافي القول بالجواز. ¬
[9 - 505] يجوز بيع المدبر المقيد
[9 - 505] يجوز بيع المدبر المقيد: قسَّم الفقهاء التدبير إلى قسمين: تدبير مطلق، وتدبير مقيد (¬1). فالتدبير المطلق أن يقول السيد لعبده: أنت مدبر، أو إن مت فأنت حر. والتدبير المقيد أن يقول السيد لعبده: أنت حر إن مت في هذه السنة، أو في هذا الشهر، ونحو ذلك. وعلى هذا فقد نُقل الإجماع على جواز بيع المدبر المقيد. • من نقل الإجماع: 1 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: (ويجوز بيع المدبر المقيد، بالإجماع) (¬2). 2 - البابرتي (786 هـ)، حيث قال في بيع المدبر: (وكما في المدبر المقيد، فإن ذلك جائز فيه، بلا خلاف) (¬3). 3 - العيني (855 هـ) حيث قال: (وكما في المدبر المقيد، فإنه يجوز بالاتفاق) (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الحنفية من الإجماع على جواز بيع المدبر المقيد، لم يوافقهم عليه أحد من العلماء في تخصيص البيع بالمدبر المقيد فقط، ولعله يُحمل على إجماع الحنفية أنفسهم؛ فإنهم كثيرًا ما يستخدمون هذه العبارات. • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المدبر لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، وهو حر من ثلث المال" (¬5). يحمل هذا الحديث على المدبر المطلق، فإن النهي جاء عن بيع المدبر المطلق (¬6). 2 - أن التدبير وصية، بدليل أنه يعتق من ثلث المال، والوصية غير مانعة من البيع، والهبة، وغيرهما (¬7). ¬
3 - أن العبد يجوز بيعه قبل التدبير فيباع استصحابًا للحال؛ لأن التدبير لم يوجب زوال الرق (¬1). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب المالكية (¬2)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬3) إلى القول بمنع بيع المدبر، سواء كان مطلقًا، أو مقيدًا. وهو قول ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، وسعيد بن المسيب، والشعبي، والنخعي، وابن سيرين، والزهري، والثوري، والأوزاعي (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المدبر لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، وهو حر من ثلث المال" (¬5). 2 - أن المدبر يستحق العتاق بموت المولى، فليس له بيعه، كأم الولد (¬6). ثانيًا: ذهب المالكية (¬7)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬8) إلى جواز بيع المدبر في الدَّيْن فقط. • دليل هذا القول: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: أعتق رجل من بنى عذرة عبدًا له عن دُبُر، فبلغ ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ألك مال غيره؟ "، فقال: لا. فقال: "من يشتريه مني؟ "، فاشتراه نعيم النحّام بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فدفعها إليه، . . . " الحديث (¬9). وفي بعض طرقه: "اقض دينك، وأنفق على عيالك" (¬10). • وجه الدلالة: أجاز النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيع المدبر في الدَّيْن، فجاز بيع المدبر في ذلك الموضع، ويبقى ما عداه على المنع (¬11). ثالثًا: ذهب الشافعية (¬12)، والحنابلة في رواية هي المذهب (¬13)، وابن حزم (¬14)، ¬
إلى جواز بيع المدبر، سواء كان مدبرًا مطلقًا، أم مقيدا. وهو قول عائشة -رضي اللَّه عنها-، وعمر بن عبد العزيز، وطاوس، ومجاهد (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدًا له عن دُبُر، فبلغ ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ألك مال غيره؟ ". فقال: لا. فقال: "من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم النحّام بثمانمائة درهم فجاء بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فدفعها إليه. . . الحديث (¬2). 2 - أن التدبير عطية تعلقت بالموت، فتعتبر من الثلث، فكان له الرجوع، كالوصية (¬3). 3 - أن التدبير عتق تعلق بصفة صدرت عن قول، فلم يمنع البيع مع الحاجة وعدمها (¬4). رابعًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أنه يباع المدبر، ولا تباع الأمة المدبرة (¬5). • دليل هذه الرواية: أن بيع الجارية يقتضي إباحة فرجها، والفقهاء مختلفون في جواز بيع المدبرة، فلو أجزنا بيعها أبحنا فرجها بأمر مختلف فيه، فدخلته شبهة، فكان المنع أولى (¬6). خامسًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه -وهي أصح (¬7) - إلى أن الأَمَة المدبرة كالعبد في جواز البيع (¬8). • دليل هذه الرواية: أن عائشة -رضي اللَّه عنها- باعت مدبرة لها سحرتها (¬9). وفي هذا دليل على جواز بيع المدبرة، كالمدبر (¬10). ¬
[10 - 506] إذا ادعى العبد التدبير، وأنكره سيده، فلا يقبل قول العبد إلا ببينة
سادسًا: لا يباع المدبر إلا من نفسه، وهذا قول ابن سيرين (¬1).Rأولًا: عدم تحقق الإجماع على أن بيع المدبر لا يجوز إلا في المدبر المقيد؛ للخلاف في ذلك بين من يرى جواز بيع المدبر مطلقًا، وبين من يرى منع بيع المدبر مطلقًا، سواء كان مدبرًا تدبيرًا مقيدًا، أو مطلقًا. ثانيًا: يُحمل ما ذكر من الإجماع على أنه قول الحنفية، فإن مثل هذه التعبيرات تكثر لديهم. [10 - 506] إذا ادعى العبد التدبير، وأنكره سيده، فلا يقبل قول العبد إلا ببينة: إذا ادعى العبد التدبير، وأنكر السيد، فلا يقبل قول العبد إلا ببينة على صدق دعواه، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: (إذا ادعى المملوك التدبير، وأنكر المولى، فأقام البينة، قبلت بينته بلا خلاف) (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن كانت للعبد بينة، حُكِمَ بها، ويقبل فيه شاهدان عدلان بلا خلاف) (¬3). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره الكاساني من الحنفية، وابن قدامة من الحنابلة، من أنه لا خلاف في أن المملوك إذا ادعى التدبير وأنكره سيده، فلا يقبل قول المملوك إلا ببينة، وافق عليه المالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر" (¬6). 2 - إذا لم تكن للعبد بينة، فالقول قول السيد مع يمينه؛ لأن الأصل عدم التدبير (¬7).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف أن العبد إذا ادعى أن سيده قد دبره، فلا يقبل قوله إلا ببينة. ¬
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في الكتابة
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في الكتابة [1 - 507] مشروعية الكتابة: الكتابة (¬1) من الأمور المشروعة، وشرعيتها على سبيل الندب والاستحباب، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - البغوي (516 هـ) حيث قال: (الكتابة جائزة باتفاق أهل العلم) (¬2). 2 - العمراني (558 هـ) حيث قال: (وأجمعت الأمة على جواز الكتابة) (¬3). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن كتابة العبد الذي له كسب، مستحبة مندوب إليها) (¬4). 4 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: (بيان جواز المكاتبة: . . . جائزة بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة) (¬5). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (الأصل في الكتابة: الكتاب، والسنة، والإجماع، . . . وأجمعت الأمة على مشروعية الكتابة) (¬6). ¬
6 - الرافعي (623 هـ) حيث قال: (الأصل فيها (¬1): الإجماع) (¬2). 7 - ابن مودود الموصلى (683 هـ) حيث قال: (الكتابة مستحبة مندوبة، والمراد الندب؛ لأن الإيجاب غير مراد بالإجماع، . . . وهي مشروعة، . . . وعلى جوازها الإجماع) (¬3). 8 - القرافي (684 هـ) حيث قال: (كتاب الكتابة: وأصل جوازها: الكتاب، والسنة، والإجماع، . . . وأجمعت الأمة على جوازها) (¬4). 9 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: (كتاب المكاتَب: وهي مشروعة بالإجماع) (¬5). 10 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: (كتاب الكتابة: . . . والأصل فيها قبل الإجماع. . .)، ثم ذكر الأدلة على جوازها (¬6). 11 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: (الكتابة. . . وأجمع المسلمون على مشروعيتها) (¬7). 12 - ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: (والأصل فيها: الكتاب، والسنة، والإجماع) (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على مشروعية الكتابة، وافق عليه ابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]، وأدني درجات الأمر الندب، فضلًا عن الجواز (¬10). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثلاثة كلهم حق على اللَّه عونه: الغازي في سبيل اللَّه، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد التعفف" (¬11). ¬
[2 - 508] إذا دعا العبد سيده لمكاتبته، لم تجب إجابته إن لم يكن فيه خير
3 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم" (¬1).Rتحقق الإجماع على أن الكتابة مشروعة، وأنها على سبيل الندب، وذلك لعدم وجود مخالف. [2 - 508] إذا دعا العبد سيده لمكاتبته، لم تجب إجابته إن لم يكن فيه خير: إذا طلب العبد من سيده أن يكاتبه؛ لعتق رقبته من الرق، استحب للسيد إجابته، إن كان فيه خير (¬2)، ولا تجب عليه، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا خلاف بينهم أن من لا خير فيه لا تجب إجابته) (¬3). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من نفي الخلاف في عدم وجوب إجابة المملوك إذا دعا سيده للكتابة، إن لم يكن فيه خير، وافق عليه الحنفية (¬4)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية في المشهور (¬2)، وهو قول الحسن، والشعبي، والثوري (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]. فالمكاتبة هنا كتابة ندب لا إيجاب (¬4). 2 - أن الأُمة من لدن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا هذا يتركون مماليكهم بعد موتهم ميراثًا لورثتهم، من غير نكير، فعُلِم أن ليس المراد بالأمر بالكتابة الوجوب (¬5). 1 - أن الكتابة إعتاق بعوض، فلم تجب؛ لأن العتق مندوب إليه غير واجب (¬6). • الخلاف في المسألة: ذهب الشافعية في قول (¬7)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬8)، وابن حزم (¬9)، وداود (¬10)، إلى القول بوجوب الكتابة إذا سألها العبد، وهو قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وعطاء، وعمرو بن دينار (¬11)، واختيار الطبري (¬12). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]. وظاهر الأمر الوجوب (¬13). 2 - أن سيرين -أبا محمد- سأل أنسًا المكاتبة، فأبى، فانطلق إلى عمر -رضي اللَّه عنه-، فقال: كاتبه، فأبى، فضربه بالدرة، ويتلو عمر: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (¬14). ¬
[3 - 509] الكتابة عقد لازم لا يملك السيد فسخه، ما لم يعجز المكاتب.
• وجه الدلالة: لم يكن عمر ليرفع الدرة على أنس؛ إلا لأن الكتابة واجبة (¬1). 3 - أن الخير المراد في الآية هو الدين، فلا خير في كافر، فإن دعا العبد المملوك المسلم سيده للكتابة وجبت عليه (¬2).Rما ذكر من نفي الخلاف أن العبد إذا لم يكن فيه خير لا تجب إجابته إلى الكتابة غير صحيح؛ وذلك لوجود خلاف عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وبعض التابعين، وقول عند الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، وقول داود، وابن حزم، بوجوب الكتابة إذا سألها العبد. [3 - 509] الكتابة عقد لازم لا يملك السيد فسخه، ما لم يعجز المكاتب. الكتابة من العقود اللازمة، تقوم على استمرار العبد في أداء أنجم (¬3) الكتابة، فإن عجز عن الأداء، فللسيد فسخ الكتابة، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (الكتابة عقد لازم، لا يملك السيد فسخها من قبل عجز المكاتَب، بغير خلاف نعلمه) (¬4). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أن السيد لا يملك فسح عقد الكتابة قبل عجز المكاتب عن الأداء، وافق عليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7). وهو قول علي، وجابر -رضي اللَّه عنهما-، وابن أبي ليلى، والحكم بن عتيبة، والحسن بن حي، وداود (¬8). • مستند نفي الخلاف: 1 - أنجم الكتابة ثبتت في العقد مؤجلًا، فإذا حلَّ النجم فللسيد المطالبة؛ لأنه دين حلّ، فأشبه الدين على الأجنبي (¬9). ¬
[4 - 510] كل ما يجوز بيعه يجوز أن يكون ثمنا في الكتابة.
2 - أن المشتري لو أعسر ببعض ثمن المبيع فللبائع الفسخ، فكذلك في الكتابة (¬1). 3 - أن الكتابة عقدت لحظ المملوك، وفي فسخ السيد الكتابة دون عجز المكاتَب إضرار به (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى القول بأن السيد لا يملك فسخ عقد الكتابة، وإن تأخر المكاتَب في أداء ما اتفق عليه (¬3). • أدلة هذا القول: 1 - أن الكتابة دين واجب، يسقط منه بقدر ما أدى، وإذا كانت كذلك فإن اللَّه -سبحانه وتعالى- يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: الآية 280] (¬4). 2 - وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. فوجب الوفاء بعقد الكتابة، وأنه لا يجوز الرجوع فيه، ووجبت النظرة إلى الميسرة ولا بد (¬5).Rعدم صحة ما ذكر من أنه لا خلاف في أن السيد يملك فسخ الكتابة إذا عجز المكاتَب عن أداء نجوم الكتابة؛ لخلاف ابن حزم في أن السيد لا يملك فسخ الكتابة، وإن عجز المكاتَب، فلا بد من أن يُنظر إلى وقت ميسرة. [4 - 510] كل ما يجوز بيعه يجوز أن يكون ثمنًا في الكتابة. إذا كاتب السيد عبده، جاز أن يكون الثمن الذي يؤدى في الكتابة كل ما يجوز بيعه، من معدود، وموزون، ونحوها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن سيد العبد إذا كاتبه على نجوم معلومة، بمال تجوز الكتابة به، في أوقات معلومة من شهور العرب، وقال: إذا أديت في الأوقات التي سميتها لك، فأنت حر؛ أن الحرية تقع عليه إذا أدى ذلك، على ما شرط عليه) (¬6). (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا كاتب عبده، على ما يجوز أن يملك، مما له عدد، أو وزن، أو كيل، على نجوم معروفة معلومة من شهور العرب، ووصف ما يكاتب عليه من ذلك، كما يوصف في أبواب السلم: أن ذلك جائز) (¬7). ¬
[5 - 511] تصح مكاتبة الأمة، كما تصح مكاتبة العبد.
2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن العبد والأمة، المسلمين، البالغين، العاقلين، . . . إذا سألا أو أحدهما السيد. . . أن يكاتبه فأجابه، وكاتبه كله، بما يحل بيعه من مال محدود معلوم، . . . أنها كتابة صحيحة) (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر، وابن حزم من الإجماع على أن كل ما يجوز بيعه، يجوز أن يكون ثمنًا في الكتابة، وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: أن الكتابة عقد معاوضة، فأشبهت البيع؛ فلا تصح إلا على عوض معلوم (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم الجمهور فيما لا يحل بيعه، كالكلب، والسنور، والثمرة التي لم يبدُ صلاحها، والسنبل الذي لم يشتد، فقال: يجوز أن تكون هذه الأشياء ثمنًا في الكتابة (¬6). • دليل هذا القول: أن الكتابة ليست بيعًا، وهذه الأشياء يجوز تملكها، وهبتها، والتصدق بها، فيجوز أن تكون في مقابل الكتابة (¬7).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن كل ما يجوز بيعه يجوز أن يكون ثمنًا في الكتابة، وذلك لعدم وجود مخالف. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن ما لا يجوز بيعه لا يجوز أن يكون ثمنًا في الكتابة؛ لخلاف ابن حزم في جواز ذلك. [5 - 511] تصح مكاتبة الأمة، كما تصح مكاتبة العبد. الكتابة تصح من كل مملوك عبدًا كان أو أمة، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (إن بريرة لما كاتبها ¬
أهلها، دل على أن الرجال والنساء والعبيد والإماء داخلون في عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] لا خلاف فيه) (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (يصح مكاتبة الأمة، كما تصح مكاتبة العبد، لا خلاف بين أهل العلم فيه) (¬2). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره ابن عبد البر، وابن قدامة من نفي الخلاف أن الأمة كالعبد في صحة المكاتبة، وافق عليه الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]. فالعبيد والإماء داخلون تحت عموم هذه الآية (¬6). 2 - عن عروة أن عائشة -رضي اللَّه عنها- أخبرته: أن بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كاتبتك، ويكون ولاؤك لي، فذكرت ذلك بريرة لأهلها، فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ابتاعي، فأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق" (¬7). 3 - أن جويرية بنت الحارث -رضي اللَّه عنها- (¬8) كاتبها ثابت بن قيس الأنصاري، فأتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تستعينه في كتابتها، فأدى عنها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتابتها، وتزوجها (¬9). ¬
[6 - 512] أولاد المكاتب من زوجته الحرة أحرار، ومن الأمة مماليك لسيدها
• وجه الدلالة من الحديثين: هذه بريرة، وهذه جويرية، قد كاتبتا أسيادهما، مما يدل على جواز المكاتبة من الأمة كما تجوز من العبد، وكان ذلك بحضرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في صحة الكتابة من الأمة، كما تصح من العبد. [6 - 512] أولاد المكاتب من زوجته الحرة أحرار، ومن الأمة مماليك لسيدها: إذا كان للمكاتب زوجة حرة، فإن أولاده منها أحرار، وإن كان له أمة، فأولادها مماليك لسيدها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن ولد المكاتب من الحرة، أحرار) (¬2). (وأجمعوا أن ولده من أمة لقوم آخرين، مملوك لسيد الأمة) (¬3). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وقد أجمعوا أن ولدها تبع لها في الملك، والحرية) (¬4). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن كل ولد من تزويج فهو تابع لأمه في الرق والحرية) (¬5). 4 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (إذا تزوج الرجل المرأة، وعلم أنها مملوكة، فإن ولدها منه مملوك لسيدها، باتفاق الأئمة) (¬6). 5 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: (والزوج قد رضي برق الولد، حيث أقدم على تزوجها مع العلم برقها، وفي هذا إجماع) (¬7). 6 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: (والولد يتبع الأم في الملك، والحرية، والرق، . . لإجماع الأمة) (¬8). ¬
7 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: (أو أحبل أمة غيره بنكاح لا غرور فيه بحرية، فالولد الحاصل بذلك رقيق بالإجماع) (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن ولد المكاتَب من زوجته الحرة أحرار، ومن الأمة مماليك لسيد الأمَة، هو قول النخعي، وعطاء، وعمرو بن دينار، وإسحاق (¬2). • مستند الإجماع: 1 - أن ولد المكاتب منفصل عنه، فلا تسري إليه الكتابة، كالمكاتَبة الحامل (¬3). 2 - أن الجنين يخلق من ماءين، ماء الزوج الحر، وماء الأمة المملوكة للسيد، فتتحقق المعارضة بينهما، فيترجح جانب الأم، بيقين، بحيث لا ينتفي عنها لو نفاه الأب، ويثبت النسب منها، بالزنى، وبعد الملاعنة، فترث الأم ابنها، ويرثها، دون الأب (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم الجمهور، فذهب إلى أن ولد المكاتب أحرار، سواء ولدوا قبل الكتابة أو بعدها، وسواء كانت أمهم أَمة، أو حرة (¬5). • دليل هذا القول: أن الحرية تسري في المكاتَب بالأداء، وتكون الحرية بقدر ما أدى، فيتبعه ولده في الحرية (¬6)، لما رواه ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المكاتَب يعتق منه بقدر ما أدى، ويقام عليه الحد بقدر ما أدى، ويرث بقدر ما يعتق منه" (¬7).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن ولد المكاتب من زوجته الحرة أحرار. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن ولد المكاتب من زوجته الأمة مماليك لسيد الأمة؛ وذلك لخلاف ابن حزم في أن ولد المكاتب أحرار سواء كانت أمهم حرة أو أمة. ¬
[7 - 513] أولاد المكاتب الذين ولدوا قبل الكتابة لا يتبعونه فيها.
[7 - 513] أولاد المكاتَب الذين ولدوا قبل الكتابة لا يتبعونه فيها. ورد في المسألة السابقة أن أولاد المكاتب من زوجته الحرة أحرار، وأن أولاده من زوجته الأمة، مماليك لسيد الأمة، فإن كاتب العبد سيده، فلا يدخل أولاده من زوجته الأمة في الكتابة، ما لم يكونوا ولدوا بعد الكتابة، أو اشترطهم عند العقد، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (لا أعلم خلافًا أن أولاده عبيد لسيده، ليسوا تبعًا له عند عقد الكتابة) (¬1). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (اتفقوا على أن ولد المكاتب لا يدخل في كتابة المكاتَب، إلا بالشرط، واتفقوا على دخول ما ولد له في الكتابة فيها) (¬2). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره علماء المالكية من الاتفاق على أن أولاد المكاتب الذين ولدوا قبل الكتابة لا يتبعون أباهم في عقد الكتابة، إلا بالشرط، وافق عليه الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). وهو قول حمّاد بن أبي سليمان، وعثمان البتي، وعطاء، وعمرو بن دينار، والليث بن سعد (¬6). • مستند الاتفاق: أن أولاد المكاتب رقيق لسيدهم، فلا تقع عليهم الكتابة إلا بعقد مستقل، أو بشرط مع أبيهم (¬7). • الخلاف في المسألة (¬8): ذهب ابن حزم إلى القول: إن أولاد المكاتَب أحرار بمكاتَبة أبيهم، فيتبعون أبيهم في الحرية، سواء كانوا موجودين قبل عقد الكتابة أو بعدها (¬9). وهو قول الحسن (¬10).Rعدم تحقق الاتفاق على أن أولاد المكاتَب الذين ولدوا قبل الكتابة لا يتبعونه فيها؛ لخلاف الحسن، وابن حزم في أنهم أحرار بحرية والدهم المكاتَب. ¬
[8 - 514] لا تنفسخ الكتابة إذا لم يطالب السيد المكاتب بأداء ما عليه.
[8 - 514] لا تنفسخ الكتابة إذا لم يطالب السيد المكاتَب بأداء ما عليه. إذا اتفق المكاتَب وسيده على أنجم الكتابة، فإن تأخر المكاتَب في الأداء، فإن الكتابة لا تنفسخ إذا لم يطالب السيد بالأداء، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن المكاتب إذا دخل عليه نجمان من نجومه، أو نجومه كلها، فوقف السيد عن مطالبته، فيتركه بحاله، أن الكتابة لا تنفسخ، ما داما ثابتين على العقد الأول) (¬1). ونقله عنه ابن قدامة (¬2). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فإن اختار الصبر عليه، فلا يملك العبد الفسخ، بغير خلاف نعلمه" (¬3). 3 - القرطبي (671 هـ) فذكره كما قال ابن المنذر (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المكاتَب إذا تأخر في أداء ما عليه، لا تنفسخ الكتابة إذا لم يطالب السيد، وافق عليه الحنفية (¬5). • مستند الإجماع: أن نجم الكتابة دين حلّ على المكاتَب، وللسيد مطالبته بما حل من نجومه، وله الصبر عليه وتأخيره؛ لأنه حق له سمع بتأخيره، كالدين على الأجنبي (¬6).Rتحقق الإجماع على أن المكاتَب إذا تأخر في أداء ما عليه، لا تنفسخ الكتابة إذا لم يطالب السيد؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [9 - 515] لا تنفسخ الكتابة بموت السيد: إذا مات السيد قبل أن يؤدي المكاتَب ما عليه، فإن الكتابة قائمة، ولا تنفسخ، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: (هل تنفسخ بالموت؟ أما ¬
[10 - 516] إذا مات المكاتب قبل أن يؤدي شيئا مما عليه، مات رقيقا
بموت المولى فلا تنفسخ بالإجماع" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (الكتابة لا تنفسخ بموت السيد، لا نعلم فيه بين أهل العلم خلافًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الكاساني، وابن قدامة من الإجماع على أن الكتابة لا تنفسخ بموت السيد، وافق عليه المالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: 1 - أن عقد الكتابة عقد لازم من جهة السيد لا يملك فسخه، فلا تنفسخ بموته، كالبيع، والإجارة (¬5). 2 - أن في بقاء عقد الكتابة فائدة للمكاتَب، فيتكسب ويؤدي إلى ورثة سيده، كما لو كان السيد حيًّا (¬6). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى القول بأن السيد إن مات انفسخت الكتابة (¬7). • دليل هذا القول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المكاتَب يعتق منه بقدر ما أدى، ويقام عليه الحد بقدر ما أدى، ويرث بقدر ما يعتق منه" (¬8). • وجه الدلالة: هذا حكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المكاتَب، فإنه يُعتق منه بقدر ما أدى، ويرق منه ما لم يؤدِ، ويكون للورثة، والموصى لهم، والغرماء، فتبطل الكتابة (¬9).Rعدم تحقق الإجماع على أن الكتابة لا تنفسخ بموت السيد؛ لخلاف ابن حزم، إذ يرى أنها تنفسخ بموت السيد، فيعتق من المكاتَب بقدر ما أدى، ويبقى رقيقًا منه ما لم يؤدِ. [10 - 516] إذا مات المكاتب قبل أن يؤدي شيئًا مما عليه، مات رقيقًا: إذا مات المكاتَب قبل أن يؤدي شيئًا من مال الكتابة، انفسخت الكتابة، ومات ¬
[11 - 517] ولاء المكاتب لسيده
رقيقًا، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (أجمع الفقهاء أن المكاتَب عبدٌ ما بقي عليه درهم، وأنه إن مات في حياة سيده، أو بعد وفاته، ولم يترك وفاء الكتابة، أنه مات عبدًا) (¬1). 2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: (وأما بموت المكاتَب، فإن مات لَا عَنْ وفاء، ينفسخ بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الكاساني، وابن عبد البر، من الإجماع على أن المكاتَب إذا مات قبل أن يؤدي شيئًا مما عليه مات رقيقًا، وافق عليه الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). قال ابن قدامة: (وهو قول أهل الفتوى من أئمة الأمصار) (¬6). • مستند الإجماع: أن المكاتَب مات عاجزًا، ومورد العقد هي الرقبة، وقد فاتت، فلا فائدة في بقاء العقد، فينفسخ ضرورة (¬7).Rتحقق الإجماع على أن المكاتَب إذا مات قبل أن يؤدي شيئًا مما عليه، مات رقيقًا؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [11 - 517] ولاء المكاتَب لسيده: إذا أدى المكاتَب أنجم الكتابة لسيده، أصبح حرًّا، ويكون ولاؤه لسيده، إن مات ورثه سيده عند عدم وجود وارث للمكاتَب، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن ولاء المكاتَب لسيده، إذا أدى إليه) (¬8). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أن ولاء المكاتَب ¬
[12 - 518] إذا شرط في كتابته أن يوالي من يشاء، فالشرط باطل
لسيده، وافق عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - عن عروة أن عائشة أخبرته أن بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كاتبتك، ويكون ولاؤك لي، فذكرت ذلك بريرة لأهلها، فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ابتاعى، فأعتقى، فإنما الولاء لمن أعتق" (¬5). • وجه الدلالة: هذا يدل على أن ثبوت الولاء على المكاتَب لسيده الذي أدى إليه كان متقررًا عندهم (¬6). 2 - أن الكتابة إنعام وإعتاق للعبد، وكسبه كان لسيده بحكم ملكه إياه، وأعتق السيد عبده عوضًا عن منفعته المستحقة له بحكم الأصل، فكان معتقًا له منعمًا عليه، فاستحق ولاءه (¬7).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف أن ولاء المكاتَب لسيده الذي أدى إليه. [12 - 518] إذا شرط في كتابته أن يوالي من يشاء، فالشرط باطل: إذا كاتب سيد عبده، واشترط العبد أن يكون ولاؤه لغير سيده، فالولاء لمن أعتق، والشرط باطل، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإذا شرط في كتابته أن يوالي من شاء، فالولاء لمن أعتق، والشرط باطل، لا نعلم في بطلانه خلافًا) (¬8). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف أنه إذا شُرِطَ في عقد الكتابة أن يوالي المكاتَب من يشاء، أنه شرط باطل، والولاء لمن أعتق، وافق ¬
[13 - 519] تصرف المكاتب ببيع أو شراء مأذون فيه شرعا
عليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن حزم (¬4). • مستند نفي الخلاف: عن عروة أن عائشة أخبرته: أن بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كاتبتك، ويكون ولاؤك لي، فذكرت ذلك بريرة لأهلها، فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ابتاعي، فأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر عائشة بشراء بريرة، مع وجود هذا الشرط، وبين أن الولاء لمن أعتق (¬6).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف أنه إذا شُرِطَ في عقد الكتابة أن يوالي المكاتَب من يشاء، أن الولاء لمن أعتق، والشرط باطل. [13 - 519] تصرف المكاتَب ببيع أو شراء مأذون فيه شرعًا: إذا عقد المكاتَب عقد الكتابة مع سيده، فله أن يسعى لتحصيل ثمن الكتابة، من فعله لكل مباح من بيع وشراء، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن للمكاتَب أن يبيع ويشتري، ويأخذ ويعطي، ويتصرّف فيما فيه الصلاح لماله، والتوفير عليه، على ما يجوز بين المسلمين من أحكامهم" (¬7). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن للمكاتَب أن يبيع ويشتري، ما يرجو فيه نماء ماله، بغير إذن سيده" (¬8). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (أجمعوا أن له أن ينفق على نفسه من كسبه، في كل ما يحتاج إليه من كسوته وقوته بالمعروف، وأنه في تصرفه في البيع ¬
[14 - 520] للمكاتب أن ينفق على نفسه بالمعروف
والشراء، . . كالأحرار) (¬1). 4 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وللمكاتَب أن يبيع ويشتري، بإجماع أهل العلم) (¬2) (لا خلاف في أن المكاتَب يصح شراؤه للعبيد، والمكاتب يجوز بيعه، على ما ذكرنا) (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن للمكاتَب أن يبيع ويشتري، وافق عليه الحنفية (¬4). • مستند الإجماع: الغرض من عقد الكتابة هو تحصيل العتق، ولا يحصل العتق إلا بأداء العوض، ولا يمكن الأداء إلا بالاكتساب، والبيع والشراء من أقوى جهات الاكتساب (¬5).Rتحقق الإجماع على أن للعبد أن يبيع ويشتري، وأنه مأذون له شرعًا في البيع والشراء؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [14 - 520] للمكاتَب أن ينفق على نفسه بالمعروف: للمكاتَب أن ينفق على نفسه بالمعروف، فيما لا غنى له عنه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن له أن ينفق على نفسه بالمعروف، مما في يده من المال على نفسه، فيما لا غنى له عنه) (¬6). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (أجمعوا أن له أن ينفق على نفسه من كسبه، في كل ما يحتاج إليه، من كسوته، وقُوتِه بالمعروف) (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر، وابن المنذر، من الإجماع على أن للمكاتَب أن ينفق على نفسه بالمعروف، وافق عليه الحنفية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: أن المكاتَب له حق التملك، فله حق النفقة على نفسه بما لا ¬
[15 - 521] المكاتب محجور عليه في ماله
يضره من تأخير أنجم الكتابة (¬1).Rتحقق الإجماع على أن للمكاتَب أن ينفق على نفسه بالمعروف؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [15 - 521] المكاتَب محجور عليه في ماله: المكاتَب يمنع من التصرف في ماله، مما يؤدي إلى ضرر به أو بسيده، من هبة، أو كفالة، أو قرض، ونحوه، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (لم يختلفوا أن المكاتب ليس له أن يهلك ماله، ويتلفه، ولا شيئًا منه، إلا بالمعروف، وأن هبته، وصدقته بغير التافه، اليسير، وعتقه، كل ذلك باطل، مردود، إذا كان بغير إذن سيده" (¬2). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (أجمع العلماء من هذا الباب على أنه ليس للمكاتب أن يهب من ماله شيئًا له قدر، ولا يعتق، ولا يتصدق، بغير إذن سيده، فإنه محجور عليه في هذه الأمور وأشباهها) (¬3). 3 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (والمكاتَب محجور عليه في ماله، فليس له استهلاكه، ولا هبته، وبهذا قال الحسن، ومالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا أعلم فيه مخالفًا) (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء المالكية، وابن قدامة من الإجماع على أن المكاتَب محجور عليه في ماله فيما يضر به أو بسيده، وافق عليه الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أن حق السيد لم ينقطع عن المكاتَب؛ لأنه قد يعجز عن الأداء فيعود في الرق (¬7). 2 - أن هبة المكاتَب لماله فيه تفويت لتحصيل العتق بالأداء؛ لأن القصد من الكتابة ¬
[16 - 522] لا زكاة على المكاتب في ماله قبل العتق
هو العتق (¬1). 3 - أن هبة المكاتَب، وقرضه، وكفالتة هي تبرع، وليس من أهل التبرع، وهذه الأشياء ليست من ضرورات الاكتساب (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى صحة تصرفات العبيد والإماء المملوكين ملكًا تامًّا، من بيع وشراء، وصدقة، وهبة، ونحو ذلك، فكيف إذا كان مكاتبا قد عتق منه بقدر ما أدى (¬3)؟ . • أدلة هذا القول: استدل ابن حزم بالنصوص الدالة على الإنفاق، والحث على الصدقة، وأن جميع المسلمين مخاطبون بما فيها من التكاليف، ويستوي في ذلك الحر، والعبد، والذكر، والأنثى؛ لأن الجميع مخاطبون بشرائع الإسلام، فالكل ملزم بتخليص نفسه، والتقرب إلى اللَّه عز وجل بالأعمال الصالحة، موعود بالجنة، متوعد بالنار، ولا فرق بين حر وعبد (¬4)؛ ومن هذه النصوص: 1 - قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]. 2 - وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)} [المنافقون: 9، 10].Rعدم تحقق الإجماع على أن المكاتَب محجور عليه في ماله؛ لخلاف ابن حزم في ذلك. [16 - 522] لا زكاة على المكاتَب في ماله قبل العتق: الزكاة لا تجب على المكاتَب قبل أن يعتق، فإذا عتق صار ممن تجب عليه الزكاة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن لا زكاة في مال المكاتب قبل العتق) (¬5). ¬
[17 - 523] لا يجوز بيع المكاتب إلا برضاه
2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إن المكاتب لا زكاة عليه بلا خلاف نعلمه) (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر، وابن قدامة من الإجماع على أنه لا زكاة على المكاتَب قبل العتق، وافق عليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3). • مستند الإجماع: 1 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس في مال المكاتَب زكاة حتى يعتق" (¬4). 2 - أن المكاتب ليس له ملك تام، فلا تجب عليه الزكاة (¬5). 3 - أنه ليس من أهل الزكاة ابتداءً، فإذا عتق صار من أهل الزكاة، فيبتدئ حولًا من حين عتق، فإذا تم الحول، وملك نصابًا، وجبت الزكاة (¬6). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن حزم إلى القول بوجوب الزكاة على المكاتب قبل العتق وبعده (¬7). وهو قول الحسن، وأبي ثور (¬8). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]. • وجه الدلالة: الصلاة واجبة على الحر والعبد، فالزكاة كذلك (¬9). 2 - القول بأن هناك إجماعًا على أنه لا زكاة على المكاتَب، غير صحيح؛ لأنه قد صح عن عدد من الصحابة والتابعين أن المكاتَب عبد ما بفي عليه درهم، والعبد تجب عليه الزكاة (¬10).Rعدم تحقق الإجماع على أنه لا يجب على المكاتَب زكاة قبل العتق؛ لخلاف ابن حزم، ومن سبقه من السلف، بوجوبها عليه. [17 - 523] لا يجوز بيع المكاتَب إلا برضاه: إذا اتفق السيد والمملوك على الكتابة، يُمنع السيد من بيع المكاتَب بغير رضاه، ¬
ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: الكاساني (587 هـ) حيث قال: (ولا يجوز له بيع المكاتَب بغير رضاه، بلا خلاف) (¬1). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره الكاساني من أنه لا خلاف أنه لا يجوز بيع المكاتب إلا برضاه وافق عليه المالكية (¬2)، والشافعية في الجديد (¬3)، والإمام أحمد في رواية عنه (¬4). وهو قول الزهري، وأبي الزناد، وربيعة (¬5). • مستند نفي الخلاف: عن عروة أن عائشة أخبرته: أن بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كاتبتك، ويكون ولاؤك لي، فذكرت ذلك بريرة لأهلها، فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ابتاعي، فأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق" (¬6). • وجه الدلالة: 1 - هذه عائشة اشترت بريرة، وهذا محمول على رضى بريرة بالبيع؛ لأنها هي التي ذهبت إلى عائشة (¬7). 2 - أن في بيع المكاتَب بغير رضاه إبطالًا لحقه في الحرية، فاشترط رضاه (¬8). 3 - أن السيد ممنوع من استحقاق كسب المكاتَب بعقد الكتابة، فوجب أن يمنع من بيعه (¬9). • الخلاف في المسألة: أولًا: يرى الإمام الشافعي في القديم (¬10)، والحنابلة في الصحيح من المذهب (¬11)، جواز بيع المكاتَب مطلقًا، برضاه، أو بغير رضاه، وهو اختيار ابن المنذر (¬12). ¬
[18 - 524] لا تنفسخ الكتابة ببيع المكاتب
• أدلة هذا القول: 1 - شراء عائشة لبريرة، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها: "ابتاعي، فأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق". • وجه الدلالة: 1 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجاز بيع المكاتَب (¬1)، قال الماوردي: وهذا الحديث نص في جواز بيع المكاتَب (¬2). 2 - أن المكاتَب عبد في جميع أحكامه، فوجب أن يكون كالعبد في صحة بيعه (¬3). ثانيًا: يرى ابن حزم جواز بيع المكاتَب قبل أن يؤدي شيئًا، فإن شرع في الأداء، فقد أعتق منه بقدر ما أدى، وما بقي فهو رقيق فيه، فيجوز بيع ما بقي، وتبطل الكتابة فيه (¬4). • دليل هذا القول: استدل بحديث بريرة، إذ قال: "فهذه بريرة لم تكن أدت شيئًا من مال الكتابة، وجاءت تستعين على أدائها، فدل على جواز بيع المكاتَب الذي لم يؤدِّ شيئًا" (¬5).Rما ذكر من أنه لا خلاف في عدم صحة بيع المكاتَب بغير رضاه، غير صحيح؛ لخلاف الشافعية في القديم، والحنابلة في المذهب، وابن حزم. [18 - 524] لا تنفسخ الكتابة ببيع المكاتَب: إذا كاتب السيد عبده، فله بيعه بعد عقد الكتابة، على أن عقد الكتابة لا يبطل بعد البيع، ويستمر العبد في أداء نجوم الكتابة للمشتري، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن بيع السيد مكاتبه، غير جائز على أن يبطل كتابته بيعه، إذا كان ماضيًا فيها، مؤديًا ما يجب عليه من نجومه في أوقاتها) (¬6). ونقله عنه ابن قدامة (¬7). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إن الكتابة لا تنفسخ بالبيع ولا يجوز إبطالها، لا نعلم في هذا خلافًا) (¬8). ¬
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر، وابن قدامة، من الإجماع على أن الكتابة لا تنفسخ بالبيع، وافق عليه المالكية، بشرط أن يعتقه المشتري (¬1)، والإمام الشافعي في القديم (¬2)، والحنابلة في المذهب (¬3). وهو قول عطاء، والنخعي، والليث (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن عروة أن عائشة أخبرته: أن بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كاتبتك، ويكون ولاؤك لي، فذكرت ذلك بريرة لأهلها، فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ابتاعي، فاعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجاز بيع المكاتَب، فإن بريرة جاءت تستعين على أداء كتابتها، ولو كان عقد الكتابة انفسخ، لم يكن للاستعانة فائدة (¬6). 2 - أن الكتابة عقد لازم، لا تبطل ببيع العبد، كإجارته، ونكاحه، ويبقى على كتابته، وعلى نجومه عند المشتري، كما كان عند البائع (¬7). 3 - أن المكاتَب عبد في جميع أحكامه، فوجب أن يكون كالعبد في صحة بيعه (¬8). 4 - أن الكتابة عتق بصفة، وهذا لا يمنع من جواز البيع (¬9). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬10)، والشافعية في الجديد (¬11)، وابن حزم (¬12)، إلى بطلان عقد الكتابة ببيع المكاتَب. • أدلة هذا القول: 1 - أن بيع المكاتَب، دليل على رضاه بفسخ عقد الكتابة، فيكون ¬
[19 - 525] صحة تدبير المكاتب
البيع إقالة، والكتابة تدخلها الإقالة (¬1). 2 - أن المشتري إذا قبض أنجم الكتابة، كان قبضه لنفسه، وهذا القبض بمقتضى البيع، والبيع فاسد، فكان القبض فاسدًا (¬2).Rعدم تحقق الإجماع على أن بيع المكاتب لا يفسخ الكتابة، لخلاف الحنفية، والشافعية في الجديد، وابن حزم. [19 - 525] صحة تدبير المكاتَب: إذا تم عقد الكتابة بين السيد وعبده، ثم قال السيد لمكاتَبه: أنت حر عن دبر مِنِّي؛ فقد أصبح العبد مكاتبًا ومدبّرًا، فإن مات السيد قبل إتمام عقد الكتابة، أصبح العبد حرًّا بالتدبير، وإن أتم أنجم الكتابة قبل موت السيد، أصبح حرًّا بالأداء، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إن تدبير المكاتَب صحيح، لا نعلم فيه خلافًا) (¬3). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره ابن قدامة من أنه لا خلاف في صحة تدبير المكاتب وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن التدبير عتق معلق بصفة، ويملك السيد تدبير عبده، كما يملك مكاتبته (¬7). 2 - أن الحرية غير ثابتة بعد على المكاتَب أو المدبر، فجاز تدبير المكاتَب، كما تجوز مكاتَبة المدبر (¬8).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف في صحة تدبير المكاتب. ¬
[20 - 526] يحرم على السيد وطء جارية المكاتب، أو المكاتبة، فإن فعل فلا حد عليه، ولسيدها المهر
[20 - 526] يحرم على السيد وطء جارية المكاتَب، أو المكاتَبة، فإن فعل فلا حد عليه، ولسيدها المهر: يجوز للمكاتَب أن يبيع ويشتري ويتملك، ومن وجوه التملك تملكه للإماء، فإن وطئ السيد جارية مكاتَبه فقد فعل ما يحرُم عليه، وليس عليه الحد، ولسيد الأمة المهر، ونُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وليس له وطء جارية مكاتَبته، ولا مكاتَبه، اتفاقًا، فإن فعل، أثم، وعُزِّر، ولا حد عليه، وعليه المهر لسيدها) (¬1). • الموافقون على الاتفاق: لم أجد أحدًا من العلماء نص على هذه المسألة سوى ابن قدامة، والشربيني من الشافعية (¬2). على أن الفقهاء جميعًا حرّموا على السيد وطء جاريته المكاتَبة، فمن باب أولى تحريم وطء جارية المكاتَب (¬3). • مستند الاتفاق: 1 - يسقط الحد عن سيد المكاتب لوطئه جاريته؛ لشبهة الملك، لأنه يملك مالكها (¬4). 2 - أن ملك السيد على مكاتبته قد ضعف، فلها مكاسبها، وأرش جنايتها، فمن باب أولى تحريم جاريتها (¬5).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أنه يحرم على السيد وطء جارية المكاتَب، أو المكاتَبة؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [21 - 527] حرية المكاتب بأداء ما عليه، وبقاؤه في الرق ما بقي عليه شيء: إذا أدى المكاتب ما عليه من مال الكتابة، أصبح حرًّا، فإن بقي عليه شيء، فلا تتحقق الحرية له، حتى يؤدي جميع مال الكتابة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن ¬
المكاتب كتابة صحيحة، إذا أدى نجومه في أوقاتها، على ما شرط عليه، أنه يعتق) (¬1). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أنة إذا كاتب السيد عبده أو أمته -كما ذكرنا- وأديا في نجومهما، لا قبلها ولا بعدها، ما كاتبهما إليه نفسه، أو إلى وكيله، في حياة السيد، على الصفة التي تعاقداها، أنهما حرّان، كذا إذا أُديَ ذلك عنهما" (¬2). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (أجمع الفقهاء أن المكاتَب عبد ما بقي عليه درهم) (¬3). 4 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه إذا قال: كاتبتك على ألف درهم، أو نحوها؛ فإنه متى أداها عتق) (¬4). ونقله عنه ابن قاسم (¬5). 5 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (اتفقوا على أنه يخرج من الرق إذا أدى جميع الكتابة) (¬6). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن المكاتَب لا يصبح حرًّا إلا بأداء جميع ما عليه، وافق عليه الحنفية (¬7). وهو قول عمر في رواية عنه، وابن عمر، وزيد، وعائشة، وأم سلمة -رضي اللَّه عنهم-، وسعيد ابن المسيب، والزهري، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد اللَّه، وسليمان ابن يسار، وعطاء، وقتادة، والثوري، وابن شبرمة، وإسحاق، والأوزاعي (¬8). • مستند الإجماع: 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم" (¬9). 2 - عن سليمان بن يسار قال: استأذنت على عائشة فقالت: من هذا؟ فقلت: سليمان. قالت: كم بقي عليك من مكاتبتك؟ قلت: عشر أواق. قالت: ادخل فإنك ¬
عبد ما بقي عليك درهم (¬1). 3 - عن أبي قلابة قال: كن أزواج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه دينار (¬2). • الخلاف في المسألة: أولًا: لم يختلف الفقهاء في أن المكاتَب يُعتق بأداء كل ما عليه من دين الكتابة. ثانيًا: ذكر ابن عبد البر الإجماع على أن المكاتَب عبد ما بقي عليه درهم، وهذا غير صحيح؛ فقد وقع خلاف في المسألة، وهذا الخلاف على أقوال: • القول الأول: ذهب ابن حزم (¬3)، إلى أن المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى، ويرق منه بقدر ما بقي، وهو قول علي، وابن عباس -رضي اللَّه عنهما- (¬4). • دليل هذا القول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المكاتَب يعتق منه بقدر ما أدى، ويقام عليه الحد بقدر ما أدى، ويرث بقدر ما يعتق منه" (¬5). • وجه الدلالة: هذا حكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المكاتَب، فإنه يُعتق منه بقدر ما أدى، ويرق منه ما لم يُؤَدّ، ويكون للورثة، والموصى لهم، والغرماء، فتبطل الكتابة (¬6). • القول الثاني: إذا أدى المكاتب النصف، فلا يرق، وهو غريم، يسعى في تأدية ما بقي، وهو قول عن عمر، وعلي -رضي اللَّه عنهما-، والنخعي (¬7). • القول الثالث: إذا أدى الثلث فلا يرق، وهو غريم، وهو قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وشريح (¬8). ¬
[22 - 528] ما اكتسب المكاتب بعد الأداء فهو له
• القول الرابع: إذا أدى المكاتب الربع، فلا يرق، وهو غريم، روي عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (¬1). • القول الخامس: إذا أدى ما يوازي قيمته، فلا يرق، وهو غريم، روي عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (¬2).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن المكاتَب يصبح حرًّا بأداء كل ما عليه من دين الكتابة، ولا مخالف في هذا. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن المكاتَب يبقى رقيقًا، وإن بقي عليه درهم، للأسباب التالية: 1 - خلاف عن علي، وابن عباس، وابن حزم أن العتق يسري فيه بقدر ما أدى من كتابته. 2 - خلاف يروى عن عمر، وعلي، والنخعي أنه لا رق عليه إذا أدى النصف من كتابته. 3 - وقيل: الثلث، فيما يروى عن ابن مسعود، وشريح. 4 - وقيل: الربع، فيما يروى عن ابن مسعود. 5 - وقيل: بقدر قيمته، فيما يروى عن ابن مسعود. 6 - قال ابن المنذر: وفيه أقاويل سوى هذه (¬3). [22 - 528] ما اكتسب المكاَتب بعد الأداء فهو له: كَسْبُ المكاتَب له في زمن الكتابة؛ لكي يؤدي دين الكتابة، وهو له بعد الكتابة؛ لأنه أصبح حرًّا، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (اتفقوا أنه ما لم يتراضيا على فسخ الكتابة، ولم يعجز المكاتَب، وما لم يبعه سيده، أنه ليس له انتزاع ماله الذي اكتسب بعد الكتابة) (¬4). ¬
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أمهات الأولاد
2 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: (وما اكتسب بعد الأداء فهو للمكاتَب، بالإجماع، وليس للمولى فيه شيء) (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الكاساني، وابن حزم من الإجماع على أن كسب المكاتَب بعد الأداء هو له وافق عليه المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - أن المكاتَب أصبح حرًّا بأداء دين الكتابة، فبرئت ذمته، وأصبح ماله كله له (¬5). 2 - أن الكتابة معاوضة عن النفس بالمال، فلما أعتق نفسه، تبعه ماله (¬6).Rتحقق الإجماع على أن ما اكتسب المكاتَب بعد الأداء فهو له؛ وذلك لعدم وجود مخالف. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أمهات الأولاد وفيه إحدى عشرة مسألة: [1 - 592] إباحة التسري، ووطء الإماء: للرجل أن يَتَسرَّى، وأن يتخذ أمة للوطء، ونُقل الإجماع على ذلك، فإذا وطئ الرجل أَمَته، فأتت بولد بعد وطئة لها، أصبحت أم ولد (¬7). • من نقل الإجماع: 1 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (وقد انعقد الإجماع على أن ¬
[2 - 530] بم تصبح الأمة أم ولد؟ .
له أن يطأ جاريته، ويحبلها" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا خلاف في إباحة التسري، ووطء الإماء) (¬2). 3 - الزركشي (772 هـ) حيث قال: (كتاب عتق أمهات الأولاد: . . . وقد أشعر كلام المصنف في الباب بجواز التسري، ووطء الإماء، وهو إجماع لا ريب فيه) (¬3). 4 - البهوتي (1051 هـ) حيث قال: (. . . وقد أشعر كلامه بجواز التسري، وهو إجماع) (¬4). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن رشد من المالكية، وعلماء الحنابلة من الإجماع على إباحة التسري ووطء الإماء، وافق عليه الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5، 6]. • وجه الدلالة: اقتضت الآية إباحة وطء الزوجة، وملك اليمين، وتحريم ما عدا هذين الصنفين (¬8). 2 - كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أم ولد، وهي مارية القبطية، أم إبراهيم ابن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- التي قال فيها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أعتقها ولدها" (¬9).Rتحقق الإجماع على إباحة التسري، ووطء الإماء، وذلك لعدم وجود مخالف. [2 - 530] بم تصبح الأمة أم ولد؟ . تصبح الأمة أم ولد إذا حملت من سيدها، وولدت، ووضعته، متيقنًا أنه ولده، وادعاه، ونُقل الاتفاق على ذلك: ¬
• من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من حملت منه أمته التي يحل له وطؤها، بملكه لها، ملكًا صحيحًا، أو سائر ما يبيح الوطء، من الأحوال التي لا يحرم معها النظر إلى عورتها، وهو حر تام الحرية، مسلم، فولدت متيقنًا أنه ولده، أنها أم ولد له) (¬1). • الموافقون على الاتفاق: ما ذكره ابن حزم من الاتفاق على أن الأمة تصبح أم ولد إذا حملت من سيدها، فولدت وادعاه سيدها، وكان المولود متخلقًا (¬2)، وافق عليه الحنفية (¬3)، والشافعية في أحد القولين (¬4)، والحنابلة في المذهب (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من وطئ أمته فولدت له، فهي معتقة عن دبر منه" (¬6). 2 - ذكرت أم إبراهيم ابن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أعتقها ولدها" (¬7). • الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب المالكية (¬8)، والشافعية فى القول الآخر (¬9)، والحنابلة في رواية (¬10)، إلى أن الأمة تصبح أم ولد بما تحمله من سيدها، من علقة، أو مضغة، وما فوق ذلك. وهو قول النخعي، وحمّاد بن أبي سليمان، والأوزاعي (¬11). ¬
• أدلة هذا القول: 1 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: حدثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث اللَّه ملكًا يؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وشقي، أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح. . . " (¬1). فهذا نص على أن من أطوار خلق الجنين، العلقة، ثم المضغة، فيحكم بذلك (¬2). 2 - أن الدم المجتمع في الرحم إذا صار علقة خرج عن كونه من الدم الذي يلقيه الرحم من غير ولادة (¬3). ثانيًا: ذهب الحنابلة في رواية (¬4)، إلى أن الأمة لا تصبح أم ولد لسيدها إلا إذا نفخت في الجنين الروح، وذلك بعد أن يكون للحمل أربعة أشهر، وقال به الشعبي (¬5). • أدلة هذا القول: 1 - حديث عبد اللَّه بن مسعود المتقدم. 2 - أن ما دون أربعة أشهر، لا يغسل، ولا يصلى عليه، فلا تعتق بما دون أربعة أشهر (¬6). ثالثًا: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه (¬7)، إلى أنها تصبح أم ولد إذا تبين حملها، وإن لم تضع. • دليل هذا القول: أنه يمنع من نقل ملكها، بسبب حملها، حتى يعلم ما في بطنها (¬8). رابعًا: يحكم للأمة بأنها أم ولد، ولو طرحت سقطًا لم يتبين منه شيء، وهو قول الحسن البصري، وابن سيرين، والزهري (¬9). • دليل هذا القول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أم الولد حرة، ¬
[3 - 531] إذا اشترى الرجل أمة، ووطئها، فأتت بولد، تبقى على أحكام الإماء
وإن كان سقطًا" (¬1).Rأولًا: عدم تحقق ما ذكر من الاتفاق على أن الأمة تصبح أم ولد إذا حملت من سيدها، وولدت، ووضعته، متخلقًا؛ لخلاف من يعتد بمجرد العلقة، والمضغة، تضعها الأمة، فتصبح بها أم ولد، ومن يرى أنها لا تعد أم ولد إلا إذا اكتمل الحمل أربعة أشهر ونفخت فيه الروح. ثانيًا: لو لم يكن في المسألة من الخلاف إلا خلاف من يرى أن الأمة تعد أم ولد بمجرد العلقة والمضغة، لكان الاتفاق متحققًا؛ لأن من يرى أنها تصبح أم ولد إذا وضعت علقة أو مضغة، من باب أولى أن يقول أنه تصبح أم ولد إذا وضعته متخلقًا. [3 - 531] إذا اشترى الرجل أمة، ووطئها، فأتت بولد، تبقى على أحكام الإماء: تبقى أم الولد في كثير من أمورها في حكم الإماء، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن الرجل إذا اشترى جارية شراء صحيحًا، ووطئها، وأولدها، أن أحكامها في أكثر أمورها أحكام الإماء" (¬2). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن حكم أم الولد -ما لم يمت سيدها، أو يعتقها- حكم الأمة في جميع أحكامها" (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية، وابن حزم من الإجماع على أن أم الولد لها أحكام الإماء في أكثر أمورها، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: أنها مملوكة ينتفع بها، فلسيدها الانتفاع بها في سائر وجوه الانتفاع، فله أن يطأها، وله ملك كسبها، وعتقها، ونحو ذلك (¬7). ¬
[4 - 532] للسيد وطء أم الولد
Rتحقق الإجماع على أن أم الولد لها أحكام الإماء في أكثر أمورها، فتبقى كذلك إلى موت سيدها (¬1). [4 - 532] للسيد وطء أم الولد: جاء في المسألة السابقة أن أم الولد لها أحكام الإماء، فلسيدها أن يستمتع بها من وطء، وغيره، ونُقل الإجماع على أن له أن يطأها. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن لسيدها وطأها، حاملًا أو غير حامل" (¬2). 2 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (ما للسيد في أم ولده: . . . الإجماع على أنه يجوز له وطؤها" (¬3). 3 - ابن جزي (741 هـ) حيث قال: (في أحكام أم الولد، . . . وللسيد وطؤها بالإجماع) (¬4). 4 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: (وللسيد وطء أم الولد منه، بالإجماع) (¬5). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على جواز استمتاع السيد بأم ولده، وأن له أن يطأها، وافق عليه الحنفية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع أمهات الأولاد، وقال: "لا يبعن، ولا يوهبن، ولا يورثن، يستمتع بها سيدها ما دام حيًّا، فإذا مات فهي حرة" (¬8). ¬
[5 - 533] أم الولد تعتق من رأس المال، وإن لم يملك سيدها غيرها
Rتحقق الإجماع على أنه يجوز للسيد أن يطأ أم ولده؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [5 - 533] أم الولد تعتق من رأس المال، وإن لم يملك سيدها غيرها: إذا مات الرجل، وله مماليك، فإن أوصى بعتقهم، ينظر: إن كانوا أكثر من ثلث ما يملك، فلا يعتق منهم إلا بقدر الثلث، أما أم الولد فإنها تفارق الإماء في هذا الحكم، فإن مات سيدها، أو أعتقها في حياته، عتقت وإن لم يملك غيرها، ولا تكون من ثلث المال، بل من رأس المال، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن الرجل إذا أعتق أم ولده في مرضه، ولا مال له، أو له مال؛ فسواء، وتعتق من رأس المال" (¬1). 2 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إذا مات فقد صارت حرة، وإن لم يملك غيرها، يعني: أن أم الولد تعتق من رأس المال، وهذا قول كل من رأى عتقهن، لا نعلم بينهم فيه خلافًا" (¬2). 3 - ابن قاسم (1392 هـ) فذكره كما قال ابن قدامة (¬3). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن المنذر من الشافعية، وعلماء الحنابلة من الإجماع على أن أم الولد تعتق من رأس المال، وإن لم يملك السيد غيرها، وافق عليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، وابن حزم (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع أمهات الأولاد، وقال: "لا يبعن، ولا يوهبن، ولا يورثن، يستمتع بها سيدها ما دام حيًّا، فإذا مات فهي حرة" (¬7). 2 - أنه لم يبقَ للسيد في أم ولده إلا الاستمتاع بالوطء، وهو لا يورث عنه، ولا يملك بعده، ولا قيمة لها يراعى دخولها في الثلث، فلم يبقَ إلا العتق من رأس ¬
[6 - 534] حرية ولد أم الولد من سيدها
المال (¬1). • الخلاف في المسألة: ذهب ابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وابن الزبير -رضي اللَّه عنهم-، إلى أن أم الولد تجعل في نصيب ولدها، فإذا ملكها عتقت عليه بحكم القرابة (¬2).Rأولًا: تحقق الإجماع على أن أم الولد تعتق بموت سيدها. ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن أم الولد تعتق من رأس المال، لوجود خلاف عن بعض الصحابة أنها تجعل في نصيب ابنها، فتعتق عليه بالقرابة. [6 - 534] حرية ولد أم الولد من سيدها: إذا وطئ السيد الحر أمته، فولدت منه، أصبح ولدها منه حرًّا، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن ولد أم الولد من سيدها، حر) (¬3). 2 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (أجمعت الأمة على أن ولد الأمة مملوك لسيد أمه، إلا أن يكون ولد الرجل من أمته الصحيحة الملك، فإنه حر) (¬4). (واتفقوا أن إبراهيم ابن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خُلِق حرًّا، وأمه مارية أم ولد لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬5). 3 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (أجمع علماء المسلمين بأن ولد الحر من سريته، تبع له لا لأمه، وأنه حر مثله) (¬6). (وأجمعوا على أن ولد المكاتب من سريته بمنزلته، وأن ولد الحر من سريته حر مثله) (¬7). 4 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن كل ولد من ملك يمين أنه تابع لأبيه، إن حرًّا فحر، وإن عبدًا فعبد) (¬8). ¬
[7 - 535] أولاد أم الولد من غير سيدها، حكمهم حكم أمهم
5 - العيني (855 هـ) حيث قال: (وولد الأمة من مولاها حر، . . . بإجماع الأئمة" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن ولد أم الولد من سيدها حر، وافق عليه الحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: أن الولد مخلوق من ماء أبيه، وهو حر، فيكون الولد حرًّا مثله (¬3).Rتحقق الإجماع على أن ولد أم الولد من سيدها حر، وذلك لعدم وجود مخالف. [7 - 535] أولاد أم الولد من غير سيدها، حكمهم حكم أمهم: إذا أصبحت الأمة أم ولد من سيدها، ثم نكحت غيره، فأنجبت أولادًا، فإنها تعتق بموت سيدها، فيعتق أبناؤها من غير سيدها بعتقها، ويبقون مماليك ما بقيت أمهم، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن أولادها من غير سيدها بمنزلتها، يعتقون بعتقها، ويرقون برقها) (¬4). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وقد أجمعوا أن ولدها تبع لها في الملك، والحرية) (¬5). (عن ابن عمر قال: ولد أم الولد بمنزلتها، ولا أعلم له من الصحابة مخالفًا" (¬6). 3 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: (فإن زوجها المولى فجاءت بولد، فهو في حكم أمه، . . . وهذه إجماعية) (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن ولد أم الولد من غير سيدها حكمهم حكم أمهم، يعتقون بعتقها، ويرقون برقها، وافق عليه الحنابلة (¬8)، ¬
[8 - 536] لا يجوز بيع أمهات الأولاد
وابن حزم (¬1). وهو قول ابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وشريح، وسعيد بن المسيب، والشعبي، وقتادة، والنخعي، والثوري (¬2). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "إذا ولدت الأمة من سيدها، فنكحت بعد ذلك، فولدت أولادًا؛ كان ولدها بمنزلتها، عبيدًا ما عاش سيدها، فإن مات فهم أحرار" (¬3). 2 - أن ولد الأمة تبع لأمه في الرق والحرية، وحكم أم الولد مشترك بين الرق والحرية، فاقتضى أن يكون ولدها تبعًا لها في الحالين (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب عمر بن عبد العزيز، والزهري، إلى أنهم مملوكون (¬5). ووجّه ابن قدامة هذا الخلاف فقال: يحتمل أنه لا يثبت لهم حكم أمهم؛ لأن الاستيلاد مختص بها، فتختص بحكمه، ويحتمل أنهم عبيد، حكمهم حكم أمهم، فيعتقون بعتقها، فيكون مثل قول الجماعة؛ لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية (¬6).Rأولًا: إذا حمل خلاف عمر بن عبد العزيز، والزهري على أن ولد الأمة من غير سيدها، حكمهم حكم أمهم فيبقون مماليك ما بقيت، فإن أعتقت عتقوا، يكون الإجماع متحققًا. ثانيًا: إن حمل الخلاف على أنهم يبقون عبيدًا؛ لاختصاص حكم الاستيلاد بأمهم دونهم، فلا يُحكم بتحقق الإجماع. [8 - 536] لا يجوز بيع أمهات الأولاد: يحرم بيع أمهات الأولاد، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن الأمة إذا حملت -كما ذكرنا- لا يحل بيعها، ولا إنكاحها، ولا إخراجها عن ملكه ما لم تضع) (¬7). ¬
2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (الأمة مجمعة على أنه لا يجوز بيعها، وهي حامل من سيدها) (¬1). 3 - ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه لا تباع أمهات الأولاد) (¬2). ونقله عنه ابن قاسم (¬3). 4 - الكاساني (587 هـ) حيث قال: (إجماع التابعين على أنه لا يجوز بيع أم الولد) (¬4). 5 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وأحكام أمهات الأولاد، أحكام الإماء، في جميع أمورهن، إلا أنهن لا يبعن، . . . لأنه إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-) (¬5). 6 - العيني (855 هـ) حيث قال: (إذا ولدت الأمة من مولاها، فقد صارت أم ولد لا يجوز بيعها، . . . لأن عمر -رضي اللَّه عنه- لما نهى عن ذلك أجمعوا عليه) (¬6). 7 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: (أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعتق أمهات الأولاد، وعدم مخالفة أحد لعمر حين أفتى به وأمر، فانعقد إجماع الصحابة على عدم بيعهن) (¬7). 8 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: (وقد قام الإجماع على عدم صحة بيعها) (¬8). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على منع بيع أمهات الأولاد، هو قول عمر، وعثمان -رضي اللَّه عنهما-، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وسالم بن عبد اللَّه، والحسن، والنخعي، وسفيان الثوري، والحسن بن صالح، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور (¬9). قال ابن المنذر: وعلى هذا أدركنا عامة علماء الأمصار (¬10). • مستند الإجماع: 1 - عن عطاء عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: "بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا) (¬11). ¬
2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع أمهات الأولاد، وقال: "لا يبعن، ولا يوهبن، ولا يورثن، يستمتع بها سيدها ما دام حيًّا، فإذا مات فهي حرة" (¬1). 3 - عن إبراهيم النخعي قال: أعتق عمر أمهات الأولاد إذا مات سادتهن، فأتت امرأة منهن عليًّا، أراد سيدها أن يبيعها في دين كان عليه، فقال: "اذهبي فقد أعتقكن عمر" (¬2). وفي هذا دليل على أن عليًّا رجع عن قوله بجواز البيع إلى عدم جوازه (¬3). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنابلة في رواية (¬4)، وابن حزم (¬5)، إلى أنه يجوز بيع أم الولد مع الكراهة عند الحنابلة (¬6)، وهو اختيار ابن تيمية (¬7). وذهب داود، وبشر المريسي، والشيعة (¬8)، إلى القول بجواز بيع أمهات الأولاد. وهو قول أبي بكر، وعلي، وجابر، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وابن الزبير -رضي اللَّه عنهم- (¬9). • أدلة هذا القول: 1 - عن عبيدة السلماني عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: اجتمع رأي ورأي عمر على عتق أمهات الأولاد، ثم رأيت بعد أُرِقّهن في كذا وكذا، قال: قلت له: رأيك ورأي عمر في الجماعة، أحب إلى من رأيك وحدك، فضحك علي (¬10). ¬
2 - عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: "كنا نبيع سرارينا، وأمهات أولادنا، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فينا حي، لا نرى بذلك بأسًا" (¬1). 3 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: "كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- " (¬2). 4 - أن ابن الزبير قد أذن في بيع أمهات الأولاد (¬3). قال البيهقي: ليس في هذه الأحاديث شيء يدل على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علم بذلك وأقرهم عليه (¬4). وتعقبه السندي فقال: لا يخفى أن الجمهور يرون أن لمثل هذه الأحاديث حكم الرفع، وما ذكر البيهقي احتمال بعيد، يؤدي إلى فساد أدلة كثيرة (¬5). 5 - أن ما كان جائزًا في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعهد أبي بكر، لم يجز نسخه بقول عمر، ولا غيره (¬6). 6 - أنه يجوز أن تباع الأمة قبل أن تصير أم ولد، فوجب أن تباع بعد ذلك، إذ الأصل في كل ثابت دوامه واستمراره (¬7).Rعدم تحقق الإجماع على تحريم بيع أمهات الأولاد؛ لأن عددًا من العلماء أنكر دعوى الإجماع: 1 - حكى الإمام الشافعي أن أمهات الأولاد يعتقن في بعض كتبه، وتوقف في ¬
[9 - 537] ولد الأمة من زوجها مملوك لسيدها
بعضها الآخر، قال أصحابه: لينبه على الخلاف في بيعهن، وإفسادًا لدعوى الإجماع، ردًّا على الإمام مالك في ادعائه الإجماع في تحريم بيعهن، بناءً على أصله في أن الإجماع إجماع أهل المدينة؛ لأن عليًّا -رضي اللَّه عنه- استجد خلافًا في جواز بيعهن بالكوفة، بعد أن استقر الأمر على عدم بيعهن، وهو في المدينة (¬1). 2 - قال ابن حجر قال عند قول البخاري: "باب أم الولد": أورد فيه حديثين، وليس فيهما ما يفصح بالحكم عنده، وأظن ذلك لقوة الخلاف في المسألة بين السلف (¬2). 3 - قال الشوكاني: وقد ادعى بعض المتأخرين الإجماع على تحريم بيع أم الولد، وهو مجازفة ظاهرة (¬3). القطع بالتحريم، إن كان لأجل دعوى الإجماع ففيه ما عرفت، وكيف يصح الاحتجاج بمثل ذلك، والخلاف ما زال منذ أيام الصحابة إلى اليوم؟ (¬4). [9 - 537] ولد الأمة من زوجها مملوك لسيدها: يجوز للرجل إذا عدم الطول أن يتزوج أمة مملوكة، فإن أنجبت منه أولادًا فإنهم رقيق لسيد الأمة، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (أجمعت الأمة على أن ولد الأمة مملوك لسيد أمه، إلا أن يكون ولد الرجل من أمته الصحيحة الملك، فإنه حر (¬5). 2 - ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وقد أجمعوا أن ولدها تبع لها في الملك، والحرية" (¬6). 3 - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن كل ولد من تزويج فهو تابع لأمه، في الرق والحرية) (¬7). 4 - ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (إذا تزوج الرجل المرأة، وعلم أنها مملوكة، فإن ولدها منه مملوك لسيدها، باتفاق الأئمة) (¬8). ¬
[10 - 538] صحة الوصية لأم الولد
5 - ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: (والزوج قد رضي برق الولد، حيث أقدم على تزوجها مع العلم برقها، وفي هذا إجماع) (¬1). 6 - ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: (والولد يتبع الأم في الملك، والحرية، والرق، . . لإجماع الأمة" (¬2). 7 - الشربيني (977 هـ) حيث قال: (أو أحبل أمة غيره بنكاح، لا غرور فيه بحرية، فالولد الحاصل بذلك رقيق بالإجماع) (¬3). • مستند الإجماع: أن الجنين يخلق من ماءين، ماء الزوج الحر، وماء الأمة المملوكة للسيد، فتتحقق المعارضة بينهما، فيترجح جانب الأم بيقين، بحيث لا ينتفي عنها لو نفاه الأب، ويثبت النسب منها بالزنا، وبعد الملاعنة، فترث الأم ابنها، ويرثها، دون الأب (¬4).Rتحقق الإجماع على أن ولد الأمة من زوجها، مملوك لسيدها؛ وذلك لعدم وجود مخالف. [10 - 538] صحة الوصية لأم الولد: إذا أوصى الرجل لأم ولده، فإن الوصية صحيحة، إذا كان يحتملها الثلث، ونُفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: 1 - ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (الوصية لأم الولد تصح، لا نعلم فيه خلافًا بين أهل العلم) (¬5). ونقله عنه الزركشي (¬6). 2 - المرداوي (885 هـ) حيث قال: (تصح الوصية لكل من يصح تمليكه، . . . وتصح لأم ولده بلا نزاع) (¬7). • الموافقون على نفى الخلاف: ما ذكره علماء الحنابلة من أنه لا خلاف في صحة الوصية لأم الولد، وافق عليه الحنفية (¬8). ¬
[11 - 539] أرش جناية أم الولد على سيدها
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، وابن حزم (¬3). وهو قول عمر، وعمران بن الحصين، وميمون بن مهران، والزهري، ويحيى الأنصاري، وإسحاق (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - عن الحسن أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أوصى لأمهات أولاده بأربعة آلاف، أربعة آلاف، لكل امرأة منهن (¬5). 2 - أن أم الولد تكون حرة من أصل المال عند نفوذ الوصية؛ لأن عتقها يتنجز بموته، فتأخذ الوصية في حريتها (¬6).Rصحة ما ذكر من أنه لا خلاف أن الوصية تصح لأم الولد. [11 - 539] أرش جناية أم الولد على سيدها: إذا جنت أم الولد جناية، فإن أرش جنايتها على سيدها، ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال (الإجماع قد انعقد أنها لا تعتق قبل موت سيدها، وأنها في أرش جنايتها كالأمة) (¬7). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره ابن عبد البر من المالكية من الإجماع على أن أرش جناية أم الولد على سيدها، وافق عليه الحنفية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10). وهو قول الزهري، وقتادة، والنخعي، والأوزاعي، وإسحاق (¬11). • مستند الإجماع: 1 - أن أم الولد مملوكة لسيدها، له كسبها، فلزمه أرش جنايتها (¬12). 2 - أن السيد أحدث في أمته ما يمنع من بيعها، وهي كونها أم ولد، فلزمه أرش ¬
جنايتها (¬1). • الخلاف في المسألة (¬2): ذهب ابن حزم (¬3)، إلى أن جنايتها تتعلق برقبتها، وليست على السيد، وقال به أبو ثور (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - قال تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. • وجه الدلالة: لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، بل كل نفس مأخوذة بجرمها، ومعاقبة بإثمها (¬5). 2 - أن العبد مال من مال سيده، والمسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه (¬6). 3 - أن السيد لا يملك بيعها؛ لأنها أم ولد، فإذا عتقت لزمتها (¬7).Rعدم تحقق الإجماع على أن جناية أم الولد تكون على السيد، لخلاف أبي ثور، وابن حزم أن جنايتها في رقبتها. * * * ¬
الخاتمة
الخاتمة تبين لي من خلال دراسة مسائل البحث ما يلي: 1 - بلغت مسائل هذه الرسالة 539 مسألة. 2 - المسائل التي تحقق فيها الإجماع 391 مسألة. 3 - المسائل التي لم يتحقق فيها الإجماع 148 مسألة. 4 - أن المصطلحات التي تدل على الإجماع هي: أ - لفظ "الإجماع" وما تفرع منه من مصطلحات، مثل: أجمعوا، بالإجماع، بإجماع العلماء، أجمعت الأمة، ونحو ذلك. ب- لفظ "الاتفاق" وما تفرع منه من مصطلحات، مثل: بالاتفاق، اتفقوا، باتفاق المسلمين، ونحو ذلك. ت- نفي الخلاف وما تفرع منه من مصطلحات، مثل: لم أجد فيه خلافًا، بلا خلاف، لم يختلف فيه أحد، ونحو ذلك. 5 - أن هناك من العلماء من عبر بلفظ الإجماع في مسألة في موضع، وعبر بنفي الخلاف في المسألة ذاتها في موضع آخر، ومنهم من عبر بالإجماع، وعبر في موضع آخر بالاتفاق في نفس المسألة. 6 - يمكن تقسيم العلماء -من خلال الثلاثين كتابًا محل الدراسة- الذين نقلوا الإجماع إلى قسمين: قسم يحكي الإجماع ابتداءً؛ وهم: الإمام الشافعي، والطبري، وابن المنذر، وابن حزم، وابن عبد البر، والبغوي، وابن العربي، وابن هبيرة، والكاساني، وابن قدامة، والنووي، وابن تيمية، وابن حجر، وابن الهمام رحمهم اللَّه تعالى. وقسم يحكي الإجماع نقلًا عمن سبقه من العلماء؛ وهم من عدا المذكورين في
القسم الأول. 7 - هناك من العلماء من تفرد بنقل الإجماع من غير الثلاثين كتابًا التي هي محل الدراسة، والذين جاء ذكرهم في الكتب المساعدة الأخرى، وهم: الطحاوي، والقاضي عبد الوهاب، والماوردي، والسرخسي، والقاضي عياض، والعمراني، والمرغيناني، والرافعي، وقاضي صفد رحمهم اللَّه تعالى. 8 - أن أكثر العلماء دقة في حكاية الإجماع، أو الاتفاق، أو نفي الخلاف هو ابن تيمية. 9 - هناك من العلماء من يعبر بالإجماع في مسألة ما كابن المنذر، وابن عبد البر، وابن قدامة، ويكون الخلاف قائمًا في مذهبهم، فضلًا عن بقية المذاهب. 10 - يذكر علماء الحنفية الإجماع، أو الاتفاق، أو نفي الخلاف في مسألة ما، ويقصدون به في المذهب لديهم في الغالب. 11 - أن ابن حزم يذكر الاتفاق في كتابه مراتب الإجماع، ويخالف ذلك في كتابه المحلى كثيرًا. * * *
فهرس المراجع
فهرس المراجع أولًا: كتب التفسير وعلوم القرآن الكريم: 1 - " أحكام القرآن للإمام الشافعي" لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. [ط 1، د ت، دار القلم، بيروت، لبنان]. 2 - "أحكام القرآن" لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص. [ط 1، 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 3 - "أحكام القرآن" لأبي بكر محمد بن عبد اللَّه بن العربي، تحقيق عبد الرزاق المهدي. [ط 1، 1425 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان]. 4 - "أحكام القرآن" لعماد الدين بن محمد الطبري المعروف بالكيا الهرّاسي. [ط 2، 1405 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 5 - "تفسير الثعلبي" = "الكشف والبيان في تفسير القرآن" لأبي إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي، تحقيق سيد كسروي حسن. [ط 1، 1425 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 6 - "تفسير الطبري" = "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، د ت. [د ط، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة]. 7 - "تفسير ابن كثير" = "تفسير القرآن العظيم" لأبي الفداء إسماعيل بن كثير. [د ط، د ت، دار التراث العربي، القاهرة]. 8 - "الجامع لأحكام القرآن" لأبي عبد اللَّه محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تحقيق صدقي محمد جميل. [د ط، 1414 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 9 - "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" لجلال الدين السيوطي. [د ط، 1993 م، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 10 - "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" لأبي القاسم جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشري. [د ط، د ت، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 11 - "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية
ثانيا: كتب الحديث وعلومه
الأندلسي، تحقيق عبد السلام محمد. [ط 1، 1422 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 12 - "معاني القرآن" لأبي جعفر النحاس، تحقيق محمد على الصابوني. [ط 1، 1409 هـ، نشر جامعة أم القرى، مكة المكرمة]. 13 - "الوسيط في تفسير القرآن المجيد" لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، تحقيق عادل عبد الموجود وآخرون. [ط 1، 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. ثانيًا: كتب الحديث وعلومه: 14 - " آداب الزفاف في السنة المطهرة" لمحمد ناصر الدين الألباني. [ط 1، 1409 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 15 - "الاستذكار، الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، وعلماء الأقطار" لأبي عمر يوسف ابن عبد اللَّه بن عبد البر، تحقيق إبراهيم شمس الدين. [ط 2، 1423 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 16 - "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" لمحمد ناصر الدين الألباني. [ط 2، 1405 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 17 - "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض، تحقيق د. يحيى إسماعيل. [د ط، 1998، دار الوفاء، المنصورة، مصر]. 18 - "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محمد حامد الفقي. [د ط، د ت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 19 - "التحقيق في أحاديث الخلاف" لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق مسعد عبد الحميد. [ط 1، 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 20 - "التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق السيد عبد اللَّه هاشم اليماني. [د ط، د ت، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 21 - "التلخيص على مستدرك الحاكم" لأبي عبد اللَّه الذهبي، بهامش "مستدرك الحاكم". 22 - "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" لأبي عمر يوسف بن عبد اللَّه ابن
عبد البر، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي، ومحمد البكري. [د ط، 1387 هـ، دار المؤيد، الرياض]. 23 - "جامع بيان العلم وفضله" لأبي عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر، تحقيق عبد الكريم الخطيب. [د ط، 1395 هـ، دار الكتب الحديثة، القاهرة]. 24 - "الجوهر النقي" لابن التركماني، تحقيق يوسف مرعشلي. [د ط، د ت، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 25 - "حاشية السندي على سنن النسائي" [مطبوع بهامش "سنن النسائي"]. 26 - "سبل السلام شرح بلوغ المرام" لمحمد بن إسماعيل الصنعاني. [ط 2، 1422 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 27 - "سلسلة الأحاديث الصحيحة" لمحمد ناصر الدين الألباني. [ط 1، 1422 هـ، مكتبة المعارف، الرياض]. 28 - "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ على الأمة" لمحمد ناصر الدين الألباني. [ط 1، 1421 هـ، مكتبة المعارف، الرياض]. 29 - "سنن الترمذي" لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي. [د ط، 1414 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 30 - "سنن الدارقطني" لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق مجدي بن منصور الشورى. [ط 1، 1417 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 31 - "سنن الدارمي" لأبي محمد عبد اللَّه بن بهرام الدارمي. [د ط، 1414 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 32 - "سنن أبي داود" لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. [د ط، د ت، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 33 - "سنن سعيد بن منصور" لسعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي. [د ط، د ت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 34 - "السنن الكبرى" لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق يوسف مرعشلي. [د ط، د ت، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 35 - "السنن الكبرى" لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق د. عبد الغفار البنداري. [ط 1، 1411 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 36 - "سنن ابن ماجه" لأبي عبد اللَّه محمد بن يزيد القزويني، تحقيق صدقي جميل العطار. [د ط، 1415 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان].
37 - "سنن النسائي المجتبى" لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي، تحقيق عبد الوارث محمد علي. [ط 1، 1416 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 38 - "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" لسيدي محمد الزرقاني. [د ط، 1398 هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 39 - "شرح السنة" لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق علي معوض، وعادل عبد الموجود. [ط 1، 1412 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 40 - "شرح صحيح البخاري" لأبي الحسن علي بن خلف بن بطال، تحقيق أبو تميم ياسر إبراهيم. [ط 2، 1423 هـ، مكتبة الرشد، الرياض]. 41 - "شرح صحيح مسلم" = "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" لأبي زكريا يحيي بن شرف النووي، تحقيق صدقي جميل العطار. [د ط، 1415 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 42 - "شرح مشكل الآثار" لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، تحقيق شعيب الأرنؤوط. [ط 1، 1408 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 43 - "شرح معاني الآثار" لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، تحقيق محمد زهري النجار. [ط 1، 1399 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 44 - "شعب الإيمان" لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقى، تحقيق محمد السعيد بسيوني. [ط 1، 1410 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 45 - "صحيح البخاري" لأبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري. [د ط، 1414 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 46 - "صحيح الترغيب والترهيب" لمحمد ناصر الدين الألبانى. [ط 5، 1422 هـ، مكتبة المعارف، الرياض]. 47 - "صحيح الجامع الصغير وزيادته" لمحمد ناصر الدين الألبانى. [ط 2، 1406 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت]. 48 - "صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان" لعلاء الدين علي بن بلبان الفارسي، تحقيق شعيب الأرنؤوط. [ط 3، 1418 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 49 - "صحيح سنن أبي داود" لمحمد ناصر الدين الألبانى. [ط 2، 1421 هـ، مكتبة المعارف، الرياض]. 50 - "صحيح سنن ابن ماجه" لمحمد ناصر الدين الألباني. [ط 1، 1417 هـ، مكتبة
المعارف، الرياض]. 51 - "صحيح سنن النسائي" لمحمد ناصر الدين الألباني. [ط 1، 1419 هـ، مكتبة المعارف، الرياض]. 52 - "ضعيف الجامع الصغير وزيادته" لمحمد ناصر الدين الألباني. [ط 3، 1410 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت]. 53 - "ضعيف سنن الترمذي" لمحمد ناصر الدين الألباني. [ط 2، 1422 هـ، مكتبة المعارف، الرياض]. 54 - "ضعيف سنن أبي داود" لمحمد ناصر الدين الألباني. [ط 2، 1421 هـ، مكتبة المعارف، الرياض]. 55 - "ضعيف سنن ابن ماجه" لمحمد ناصر الدين الألباني. [ط 1، 1417 هـ، مكتبة المعارف، الرياض]. 56 - "عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي" لأبي بكر محمد بن عبد اللَّه بن العربي، تحقيق جمال المرعشلي. [ط 1، 1418 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 57 - "علل الحديث" لأبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن أبي حاتم، تحقيق محب الدين الخطيب. [د ط، 1405 هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 58 - "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق خليل الميس. [ط 1، 1403 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 59 - "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني. [د ط، د ت، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان]. 60 - "عون المعبود شرح سنن أبي داود" لمحمد شمس الحق العظيم آبادي، تحقيق محمد عبد الرحمن عثمان. [ط 2، 1389 هـ، المكتبة السلفية، بالمدينة المنورة]. 61 - "غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام" لمحمد ناصر الدين الألباني. [ط 3، 1405 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 62 - "فتح الباري شرح صحيح البخاري" لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. [ط 1، 1419 هـ، دار الحديث، القاهرة]. 63 - "الفردوس بمأثور الخطاب" لأبي شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي، تحقيق محمد السعيد بسيوني. [ط 1، 1406 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 64 - "فيض القدير شرح الجامع الصغير" لعبد الرؤوف المناوي. [د ط، د ت، دار
الحديث، القاهرة]. 65 - "القبس شرح موطأ مالك بن أنس" لأبي بكر محمد بن عبد اللَّه بن العربي، تحقيق محمد عبد اللَّه ولد كريم. [ط 1، 1992 م، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 66 - "كشف الخفاء ومزيل الإلباس" لإسماعيل بن محمد العجلوني، تصحيح أحمد القلاش. [د ط، د ت، نشر مكتبة التراث الإسلامي، حلب، سوريا]. 67 - "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق محمد عبد القادر عطا. [ط 1، 1422 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 68 - "المراسيل" لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق عبد العزيز السيروان. [ط 1، 1406 هـ، دار القلم، بيروت، لبنان]. 69 - "المستدرك على الصحيحين" لأبي عبد اللَّه الحاكم النيسابوري، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. [ط 1، 1411 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 70 - "المسند" للإمام أحمد بن حنبل الشيباني، تحقيق عبد اللَّه التركي، وشعيب الأرنؤوط. [ط 2، 1420 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 71 - "مشكاة المصابيح" للخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني. [ط 2، 1399 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 72 - "مصباح الزجاجة" لأحمد بن أبي بكر الكناني البوصيري، تحقيق محمد المنتقى الكشناوي. [ط 2، 1403 هـ، الدار العربية، بيروت، لبنان]. 73 - "مصنف عبد الرزاق" لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي. [ط 2، 1403 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 74 - "المصنف في الأحاديث والآثار" لعبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة الكوفي. [د ط، 1414 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 75 - "معالم السنن" لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، تحقيق محمد راغب الطباخ. [ط 1، 1403، المطبعة العلمية، حلب، سوريا]. 76 - "المعجم الأوسط" لسليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق د. محمود الطحان. [ط 1، 1405 هـ، مكتبة المعارف، الرياض]. 77 - "المعجم الكبير" لسليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي. [د ط، د ت، مكتبة ابن تيمية، القاهرة]. 78 - "معرفة السنن والآثار" لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي. [ط 1، 1412 هـ، دار قتيبة، دمشق، سوريا].
ثالثا: كتب العقيدة
79 - "المعلم بفوائد مسلم" لأبي عبد اللَّه محمد بن علي المازري، تحقيق الشيخ محمد الشاذلي النيفر. [ط 2، 1992 م، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 80 - "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار" لأبي الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي، تحقيق أشرف عبد المقصود. [ط 1، 1415 هـ، مكتبة طبرية، الرياض]. 81 - "المفهم شرح صحيح مسلم" لأبي العباس أحمد بن عمر القرطبي، تحقيق الأحمدي أبو النور، وآخرون. [د ط، د ت، دار الكتاب المصري، القاهرة]. 82 - "موسوعة أطراف الحديث النبوي" لأبي هاجر محمد السعيد بسيوني. [د ط، د ت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 83 - "الموطأ" للإمام مالك بن أنس الأصبحي، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. [د ط، د ت، دار الحديث، القاهرة]. 84 - "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" لأبي محمد عبد اللَّه بن يوسف الزيلعي، تحقيق أحمد شمس الدين. [ط 1، 1416 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 85 - "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار" لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق صدقي جميل العطار. [د ط، 1414 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. ثالثًا: كتب العقيدة: 86 - " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" لأبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق محمد حامد الفقي. [د ط، د ت، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 87 - "جامع الرسائل والمسائل" لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق د. محمد رشاد سالم. [ط 1، 1389 هـ، دار المدني، القاهرة]. 88 - "الفَرق بين الفِرق" لعبد القاهر البغدادي. [ط 1، 1393 هـ، دار الآفاق الجديدة، القاهرة]. 89 - "مجموعة الرسائل والمسائل" لشيخ الإسلام ابن تيمية. [د ط، د ت، مكتبة ومطبعة محمد على صبيح، القاهرة]. 90 - "منهاج السنة النبوية" لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق د. محمد رشاد سالم. [ط 1، 1406 هـ، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية]. رابعًا: كتب الفقه: 91 - " الإجماع" لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر. [ط 1، 1414 هـ، دار الكتب
العلمية، بيروت، لبنان]. 92 - "الإجماع" لابن عبد البر، جمع وترتيب فؤاد الشلهوب، وعبد الوهاب الشهري. [ط 1، 1418 هـ، دار القاسم، الرياض]. 93 - "إجماعات ابن عبد البر في العبادات" للدكتور عبد اللَّه بن مبارك البوصي. [ط 1، 1420 هـ، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض]. 94 - "إحياء علوم الدين" لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي. [د ط، د ت، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان]. 95 - "اختلاف العلماء" لأبي عبد اللَّه محمد بن نصر المروزي، تحقيق صبحي السامرائي. [ط 2، 1406 هـ، عالم الكتب، بيروت، لبنان]. 96 - "الاختيار لتعليل المختار" لعبد اللَّه بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي. [د ط، د ت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 97 - "الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" لأبي الحسن على البعلي، تصحيح الشيخ عبد الرحمن حسن. [د ط، د ت، المؤسسة السعيدية بالرياض]. 98 - "أسنى المطالب شرح روض الطالب" لأبي يحيى زكريا الأنصاري. [د ط، د ت، المكتبة الإسلامية للحاج رياض الشيخ، دون بيانات]. 99 - "الإشراف على مذاهب أهل العلم" لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر. [د ط، د ت، المكتبة التجارية، مكة المكرمة]. 100 - "إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان" لأبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تعليق الشيخ محمد جمال الدين القاسمي. [د ط، د ت، مطبعة الإمام، القاهرة]. 101 - "الإفصاح عن معاني الصحاح" لأبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، تحقيق محمد حسن إسماعيل. [ط 1، 1417 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 102 - "الإقناع" لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق محمد حسن إسماعيل. [ط 1، 1418 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 103 - "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" لشمس الدين محمد بن محمد الخطيب الشربيني، تحقيق على معوض، وعادل عبد الموجود. [ط 1، 1414 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 104 - "الإقناع لطالب الانتفاع" لشرف الدين موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي، تحقيق د. عبد اللَّه التركي. [ط 1، 1418 هـ، دار هجر، القاهرة].
105 - "الأم" لأبي عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق محمود مطرجي. [ط 1، 1403 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 106 - "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد" لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، تحقيق محمد حامد الفقي. [ط 1، د ت، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان]. 107 - "إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك" لأبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي، تحقيق أحمد بو طاهر البغدادي، 1400 هـ. [مطبعة فضالة، المحمدية، المغرب]. 108 - "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" لزين الدين إبراهيم بن نجيم. [ط 3، 1413 هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 109 - "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني. [ط 1، 1418 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 110 - "بدائع الفوائد" لشمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق هشام عبد العزيز عطا وآخرون. [ط 1، 1416 هـ، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة]. 111 - "بداية المجتهد، ونهاية المقتصد" لابن رشد القرطبي، تحقيق حازم القاضي. [د ط، 1415 هـ، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة]. 112 - "بلغة السالك لأقرب المسالك" للشيخ أحمد الصاوي. [ط 1، 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 113 - "البناية شرح الهداية" لبدر الدين العيني، تحقيق أيمن صالح شعبان. [ط 1، 1420 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 114 - "البيان في مذهب الإمام الشافعي" لأبي الحسين يحيى بن أبي الخير العمراني، تحقيق قاسم النوري. [ط 2، 1424 هـ، دار المنهاج، جدة، المملكة العربية السعودية]. 115 - "البيان والتحصيل" لابن رشد الجد. [د ط، 1406 هـ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 116 - "التاج والإكليل شرح مختصر خليل" لأبي عبد اللَّه محمد بن يوسف المواق. [ط 1، 1416 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 117 - "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" لعثمان بن علي الزيلعي. [ط 2، د ت، دار
الكتاب الإسلامي، القاهرة]. 118 - "تحفة الفقهاء" لعلاء الدين السمرقندي. [ط 1، 1405 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 119 - "التفريع" لأبي القاسم عبيد اللَّه بن الحسين بن الجلاب، تحقيق د. حسين الدهماني. [ط 1، 1408 هـ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 120 - "تكملة البحر الرائق" لمحمد بن حسين بن علي الطوري. [ط 3، 1413 هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 121 - "تكملة فتح القدير" = "نتائج الأفكار في كشف الرموز الأسرار" لشمس الدين أحمد بن قودر المعروف بقاضي زاده أفندي. [د ط، د ت، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 122 - "التلقين في الفقه المالكي" للقاضي عبد الوهاب بن علي البغدادي، تحقيق الشيخ زكريا عميرات. [ط 1، 1420 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 123 - "التنبيه" لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، تحقيق علي معوض، وعادل عبد الموجود. [ط 1، 1418 هـ، دار الأرقم، بيروت، لبنان]. 124 - "التهذيب في فقه الإمام الشافعي" لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق عادل عبد الموجود، وعلي معوض. [ط 1، 1418 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 125 - "الجوهرة النيرة على مختصر القدوري" لأبي بكر عبد اللَّه بن محمد الحداد اليمني. [د ط، د ت، مكتبة امدادية، ملتان، باكستان]. 126 - "حاشية ابن عابدين" = "رد المحتار إلى الدر المختار" لمحمد أمين الشهير بابن عابدين، تحقيق عادل عبد الموجود، وعلى معوض. [ط 1، 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 127 - "حاشية الخرشي على مختصر خليل" لمحمد بن عبد اللَّه الخرشي، تحقيق زكريا عميرات. [ط 1، 1417 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 128 - "حاشية الدسوقي" لشمس الدين محمد بن عرفة الدسوقي. [د ط، 1423 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 129 - "حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع" لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم. [ط 2، 1403 هـ، دون بيانات للناشر]. 130 - "حاشية الشرقاوي على التحرير" لعبد اللَّه حجازي، الشهير بالشرقاوي. [د ط،
د ت، دار إحياء الكتب العربية" لعيسى البابي الحلبي، القاهرة]. 131 - "حاشية العدوي، بهامش حاشية الخرشي" لعلي بن أحمد العدوي، تحقيق زكريا عميرات. [ط 1، 1417 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 132 - "الحاوي الكبير" لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي، تحقيق د. محمود مطرجي. [د ط، 1414 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان] 133 - "حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء" لأبي بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال، تحقيق د. ياسين أحمد دراركه. [ط 1، 1988 م، مكتبة الرسالة الحديثة، عمّان، الأردن]. 134 - "الدر المختار شرح تنوير الأبصار" لمحمد بن علي الحصكفي، تحقيق عادل عبد الموجود، وعلى معوض. [ط 1، 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 135 - "الذخيرة" لأبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي، تحقيق د. محمد حجي، وآخرون. [ط 1، 1994 م، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 136 - "رحمة الأمة في اختلاف الأئمة" لأبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الدمشقي العثماني. [ط 1، 1407 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 137 - "الروض المربع شرح زاد المستقنع" لمنصور بن يونس البهوتي، تحقيق محمد عبد الرحمن عوض. [ط 2، 1406 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان]. 138 - "روضة الطالبين وعمدة المفتين" لمحيي الدين يحيى بن شرف النووي. [د ط، د ت، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 139 - "الزواج والطلاق في الإسلام" لبدران أبو العينين. [د ط، د ت، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية]. 140 - "شرح الزركشي على مختصر الخرقي" لشمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الزركشي، تحقيق عبد الملك بن دهيش. [ط 1، 1412 هـ، مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، مكة المكرمة]. 141 - "الشرح الكبير" لأبي البركات سيدي أحمد الدردير. [د ط، 1423 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 142 - "الشرح الكبير" لشمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن محمد بن قدامة المقدسي، تحقيق د. عبد اللَّه التركي. [ط 1، 1414 هـ، دار هجر، القاهرة]. 143 - "شرح منتهى الإرادات" لمنصور بن يونس البهوتي. [ط 1، 1414 هـ، عالم
الكتب، بيروت، لبنان]. 144 - "العزيز شرح الوجيز" لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي، تحقيق على معوض، وعادل عبد الموجود. [ط 1، 1417 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 145 - "عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة" لجلال الدين عبد اللَّه بن نجم ابن شاس، تحقيق د. حميد بن محمد لحمر. [ط 1، 1423 هـ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 146 - "العناية على الهداية" لأكمل الدين محمود بن محمد البابرتي. [د ط، د ت، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 147 - "عيون المجالس" للقاضي عبد الوهاب بن علي البغدادي، تحقيق امباي بن كيبا كاه. [ط 1، 1421 هـ، مكتبة الرشد، الرياض]. 148 - "الغرر البهية شرح منظومة البهجة الوردية" لأبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري، تحقيق محمد عبد القادر عطا. [ط 1، 1418 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 149 - "الفتاوى الخانية" لفخر الدين حسن بن منصور الفرغاني المعروف بقاضي خان. [ط 4، 1406 هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان]. 150 - "الفتاوى الهندية" للشيخ نظام الدين وجماعة من علماء الهند. [ط 4، 1406 هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان]. 151 - "فتح القدير" لمحمد بن علي السيواسي المعروف بكمال الدين بن الهمام. [د ط، د ت، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 152 - "فتح الوهاب شرح منهج الطلاب" لأبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري. [د ط، د ت، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة]. 153 - "الفروع" لشمس الدين محمد بن مفلح المقدسي، تحقيق د. عبد اللَّه التركي. [ط 1، 1424 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 154 - "الفروق" لأبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي، تحقيق خليل المنصور. [ط 1، 1418 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 155 - "الفقه الإسلامي وأدلته" للدكتور وهبة الزحيلي. [ط 3، 1409 هـ، دار الفكر، دمشق]. 156 - "الفواكه الدواني شرح رسالة أبي زيد القيرواني" لأحمد بن غنيم الأزهري،
تحقيق عبد الوارث محمد علي. [ط 1، 1418 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 157 - "قوانين الأحكام الفقهية" لمحمد بن أحمد بن جزي الغرناطي، تحقيق عبد الرحمن حسن محمود. [ط 1، 1405، دار الأقصر، القاهرة]. 158 - "الكافي" لموفق الدين أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق د. عبد اللَّه التركي. [ط 1، 1417 هـ، دار هجر، القاهرة]. 159 - "الكافي في فقه أهل المدينة المالكي" لأبي عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر. [ط 2، 1413 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 160 - "كشاف القناع عن متن الإقناع" لمنصور بن يونس البهوتي، تحقيق الشيخ هلال مصيلحي هلال. [د ط، 1402 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 161 - "اللباب شرح الكتاب" لعبد الغني الغنيمي الميداني. [ط 1، 1415 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان]. 162 - "اللباب في الفقه الشافعي" لأبي الحسن أحمد بن محمد المحاملي، تحقيق عبد الكريم بن صنيتان العمري. [ط 1، 1416 هـ، دار البخاري، المدينة المنورة]. 163 - "المبدع شرح المقنع" لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن مفلح، تحقيق محمد حسن إسماعيل. [ط 1، 1418 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 164 - "المبسوط" لأبي بكر محمد بن أحمد بن سهل السرخسي. [د ط، 1409 هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 165 - "مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر" لعبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكليبولي، المعروف بشيخ زاده. [ط 1، 1419 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 166 - "المجموع شرح المهذب" لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي. [د ط، د ت، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 167 - "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية"، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم. [د ط، 1412 هـ، دار عالم الكتب، الرياض]. 168 - "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" للشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز، جمع وترتيب د. محمد بن سعد الشويعر. [ط 3، 1421 هـ، نشر رئاسة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية]. 16 - "المحرر في الفقه" لمجد الدين أبي البركات عبد السلام بن تيمية، تحقيق محمد حسن إسماعيل. [ط 1، 1419 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان].
170 - "المحلى بالآثار" لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم، تحقيق د. عبد الغفار البنداري. [د ط، د ت، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 171 - " مختصر خليل" لخليل بن إسحاق المالكي، تحقيق الشيخ طاهر الزواوي. [د ط، د ت، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، القاهرة]. 172 - "مختصر الطحاوي" لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، تحقيق أبو الوفا الأفغاني. [ط 1، 1456 هـ، دار إحياء العلوم، بيروت، لبنان]. 173 - "مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية" لبدر الدين محمد بن علي البعلي. [د ط، د ت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 174 - "مختصر كتاب النظر في أحكام النظر بحاسة البصر" لأبي الحسن علي بن محمد ابن القطان، تحقيق محمد أبو الأجفان. [ط 1، 1418 هـ، مكتبة التوبة، الرياض]. 175 - "مختصر المزني على كتاب الأم" لإسماعيل بن يحيى المزني، تحقيق محمود مطرجي. [ط 1، 1413 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 176 - "المدونة"، رواية سحنون عن ابن القاسم عن الإمام مالك. [ط 1، 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 177 - "مراتب الإجماع" لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري. [ط 1، 1419 هـ، دار ابن حزم، بيروت، لبنان]. 178 - "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" للقاضي أبي يعلى، تحقيق د. عبد الكريم اللاحم. [ط 1، 1405 هـ، مكتبة المعارف، الرياض]. 179 - "المعونة" للقاضي عبد الوهاب بن علي البغدادي، تحقيق حميش عبد الحق. [ط 2، 1425 هـ، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة]. 180 - "معين الحكام في القضايا والأحكام" لأبي إسحاق إبراهيم بن حسين المعروف بقاضي الجماعة بتونس. [د ط، 1989 م، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 181 - "المغني" لموفق الدين أبي محمد عبد اللَّه بن قدامة المقدسي، تحقيق د. عبد اللَّه التركي، ود. عبد الفتاح الحلو. [ط 2، 1412 هـ، دار هجر، القاهرة]. 182 - "مغني المحتاج" لشمس الدين محمد بن محمد الخطيب الشربيني، تحقيق على معوض، وعادل عبد الموجود. [ط 01، 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 183 - "مقدمات ابن رشد في بيان ما اقتضته المدونة من الأحكام" لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، تحقيق أحمد عبد السلام. [ط 1، 1412 هـ، دار الكتب العلمية،
بيروت، لبنان]. 184 - "الملخص الفقهي" للشيخ صالح بن فوزان الفوزان. [ط 1، 1423 هـ، نشر رئاسة إدارة البحوث بالمملكة العربية السعودية]. 185 - "منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات" لتقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي، تحقيق د. عبد اللَّه التركي. [ط 1، 1419 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 186 - "المنح الشافيات شرح المفردات" لمنصور بن يونس البهوتي. [د ط، 1343 هـ، المطبعة السلفية، القاهرة]. 187 - "منحة الخالق على البحر الرائق" لمحمد أمين الشهير بابن عابدين، -مطبوع بهامش البحر الرائق-. [ط 3، 1413 هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 188 - "المهذب في فقه الإمام الشافعي" لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، تحقيق زكريا عميرات. [ط 1، 1416 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 189 - "مواهب الجليل لشرح مختصر خليل" لأبي عبد اللَّه محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب، تحقيق زكريا عميرات. [ط 1، 1416 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 190 - "موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي" لسعدي أبو جيب. [ط 3، 1419 هـ، دار الفكر، دمشق، سوريا]. 191 - "موسوعة الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية"، جمع وترتيب عبد اللَّه بن مبارك البوصي. [ط 1، 1420 هـ، مكتبة دار البيان الحديثة، الطائف]. 192 - "الموسوعة الفقهية الكويتية". [ط 2، 1414 هـ، نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت]. 193 - "الميزان" لعبد الوهاب الشعراني، تحقيق د. عبد الرحمن عميرة. [ط 1، 1049 هـ، عالم الكتب، بيروت، لبنان]. 194 - "نقد مراتب الإجماع" لشيخ الإسلام ابن تيمية، مطبوع مع "مراتب الإجماع" لابن حزم. 195 - "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" لشهاب الدين محمد بن أبي العباس أحمد الرملي. [د ط، 1414 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 196 - "نوادر الفقهاء" لمحمد بن الحسين التميمي الجوهري، تحقيق د. فضل عبد العزيز المراد. [ط 1، 1414 هـ، دار القلم، دمشق، سوريا].
خامسا: كتب أصول الفقه، والقواعد الفقهية
197 - "الهداية شرح بداية المبتدي" لأبي الحسن علي بن أبي بكر المرغيناني. [ط 1، 1410 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 198 - "الوسيط في المذهب" لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق أحمد محمود إبراهيم. [ط 1، 1417 هـ، دار السلام، القاهرة]. خامسًا: كتب أصول الفقه، والقواعد الفقهية: 199 - " الإبهاج في شرح المنهاج" لعلي السبكي وولده تاج الدين. [ط 1، 1404 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 200 - "إحكام الفصول في أحكام الأصول" لأبي الوليد الباجي، تحقيق عبد المجيد تركي. [ط 1، 1456 هـ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 201 - "الإحكام في أصول الأحكام" لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم. [ط 1، 1404 هـ، دار الحديث، القاهرة]. 202 - "الإحكام في أصول الأحكام" لعلي بن محمد الآمدي، تحقيق د. سيد الجميلي. [ط 1، 1404 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان]. 203 - "إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول" لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق أبو مصعب البدري. [ط 4، 1414 هـ، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان]. 204 - "الأشباه والنظائر" لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي، تحقيق عادل عبد الموجود، وعلى معوض. [ط 1، 1411 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 205 - "الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان" لزين الدين إبراهيم ابن نجيم، تحقيق محمد مطيع الحافظ. [ط 1، 1411 هـ، دار الفكر، دمشق]. 206 - "الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية" لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق محمد المعتصم البغدادي. [ط 1، 1407 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان]. 207 - "أصول السرخسي" لمحمد بن أحمد السرخسي، تحقيق أبو الوفا الأفغاني. [د ط، د ت، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 208 - "أصول الفقه الإسلامي" للدكتور وهبة الزحيلي. [ط 2، 1416 هـ، دار الفكر، دمشق، سوريا]. 2 - "إعلام الموقعين" لشمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق بشير محمد عيون. [ط 1، 1421، مكتبة دار البيان، دمشق، سوريا].
210 - "البحر المحيط في أصول الفقه" لبدر الدين الزركشي. [ط 2، 1413 هـ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت]. 211 - "بذل النظر في الأصول" لمحمد بن أحمد الأسمندي، تحقيق د. محمد زكي عبد البر. [ط 1، 1412 هـ، مكتبة دار التراث، القاهرة]. 212 - "البرهان في أصول الفقه" لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني، تحقيق د. عبد العظيم الديب. [ط 3، 1412 هـ، دار الوفاء، المنصورة، مصر]. 213 - "بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب" لمحمود بن عبد الرحمن الأصفهاني، تحقيق د. محمد مظهر بقا. [ط 1، 1406 هـ، دار المدني، جدة]. 214 - "التبصرة في أصول الفقه" لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، تحقيق محمد حسن هيتو. [د ط، 1400 هـ، دار الفكر، دمشق]. 215 - "التحرير في أصول الفقه" لكمال الدين محمد بن عبد الواحد بن الهمام. [ط 2، 1453 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 216 - "التقرير والتحبير" لابن أمير الحاج. [ط 2، 1403 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 217 - "التلخيص في أصول الفقه" لإمام الحرمين الجويني، تحقيق د. عبد اللَّه النيبالي، وشبير العمري. [ط 1، 1417 هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان]. 218 - "التمهيد في أصول الفقه" لأبي الخطاب الكلوذاني، تحقيق مفيد أبو عمشة، [ط 1، 1406 هـ، دار المدني، جدة]. 219 - "تيسير التحرير على كتاب التحرير" لمحمد أمين المعروف بأمير باد شاه. [د ط، د ت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 220 - "الرسالة" للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق أحمد شاكر. [د ط، 1358 هـ، القاهرة]. 221 - "روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه" لأبي محمد عبد اللَّه بن قدامة. [د ط، د ت، دار الزاحم، الرياض]. 222 - "شرح تنقيح الفصول" لشهاب الدين أبو العباس القرافي، تحقيق طه عبد الرءوف سعد. [ط 2، 1414 هـ، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة]. 223 - "شرح العضد على مختصر ابن الحاجب" للقاضي عضد الملة عبد الرحمن بن أحمد الإيجي. [د ط، 1393 هـ، نشر مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة]. 224 - "شرح الكوكب المنير" لمحمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار، تحقيق
د. محمد الزحيلي، ود. نزيه حماد. [د ط، 1413 هـ، مكتبة العبيكان، الرياض]. 225 - "شرح اللمع في أصول الفقه" لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، تحقيق د. على عبد العزيز العميريني. [د ط، 1407 هـ، دار البخاري، بريدة، المملكة العربية السعودية]. 226 - "شرح مختصر الروضة" لنجم الدين سليمان الطوفي، تحقيق د. عبد اللَّه التركي. [ط 2، 1419 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 227 - "العدة في أصول الفقه" للقاضي أبي يعلي، تحقيق د. أحمد سير مباركي. [ط 1، 1410 هـ، الرياض]. 228 - "علم أصول الفقه" لعبد الوهاب خلاف. [د ط، 1416 هـ، دار الفكر العربي، القاهرة]. 229 - "الفصول في الأصول" لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، تحقيق د. عجيل النشمي. [د ط، 1405 هـ، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت]. 230 - "الفقيه والمتفقه" لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تعليق الشيخ إسماعيل الأنصاري. [ط 2، 1405 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 231 - "فواتح الرحموت شرح مسلّم الثبوت" لعبد العلي محمد الأنصاري. [ط 2، 1403 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 232 - "قواطع الأدلة" لمنصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني، تحقيق محمد حسن الشافعي. [ط 1، 1418 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 233 - "كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي" لعبد العزيز البخاري. [ط 1، 1418 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 234 - "اللمع في أصول الفقه" لإبراهيم بن علي الشيرازي. [ط 1، 1405 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 235 - "المحصول من علم الأصول" لفخر الدين محمد بن عمر الرازي، تحقيق عادل عبد الموجود. [ط 1، 1417 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 236 - "مختصر التحرير في أصول الفقه" لمحمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي، المعروف بابن النجار، تحقيق د. محمد مصطفى محمد. [ط 1، 1420 هـ، دار الزاحم، الرياض]. 237 - "المستصفى من علم الأصول" لأبي حامد الغزالي. [ط 2، د ت، دار الكتب
سادسا: اللغة وآدابها
العلمية، بيروت، لبنان، مصور عن المطبعة الأميرية سنة 1322 هـ]. 238 - "المسودة في أصول الفقه" لآل تيمية، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. [د ط، د ت، دار المدني، القاهرة]. 239 - "معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة" لمحمد بن حسين الجيزاني. [ط 1، 1416 هـ، دار ابن الجوزي، الرياض]. 240 - "المعتمد في أصول الفقه" لأبي الحسين محمد بن علي البصري. [ط 1، 1403 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 241 - "المنثور في قواعد الفقه" لأبي عبد اللَّه محمد بن بهادر بن عبد اللَّه الزركشي، تحقيق د. تيسير فائق أحمد محمود. [ط 2، 1405 هـ، نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت]. 242 - "المنخول من تعليقات الأصول" لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق محمد حسن هيتو. [ط 3، 1419، دار الفكر، دمشق]. 243 - "الموافقات في أصول الشريعة" لأبي إسحاق إبراهيم الشاطبي، تحقيق الشيخ عبد اللَّه دراز. [ط 1، 1411 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 244 - "الواضح في أصول الفقه" لأبي الوفاء بن عقيل، تحقيق د. عبد اللَّه التركي. [ط 1، 1420 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 245 - "الوصول إلى الأصول" لأبي الفتح أحمد بن علي بن برهان البغدادي، تحقيق د. عبد الحميد على أبو زنيد. [ط 1، 1404 هـ، مكتبة المعارف، الرياض]. سادسًا: اللغة وآدابها: 246 - " إصلاح المنطق" لأبي يوسف يعقوب بن السكيت، تحقيق أحمد شاكر، وعبد السلام هارون. [ط 4، د ت، دار المعارف، القاهرة]. 247 - "الأغاني" لعلي بن الحسين بن محمد المشهور بأبي الفرج الأصبهاني. [د ط، 1985 م، دار الثقافة، بيروت، لبنان]. 248 - "تاج العروس من جواهر القاموس" للسيد محمد مرتضى الزبيدي، تحقيق عبد السلام هارون. [د ط، 1389 هـ، مطبعة حكومة الكويت]. 249 - "تحرير ألفاظ التنبيه" لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق عبد الغني الدقر. [ط 1، 1408 هـ، دار القلم، دمشق]. 250 - "التعريفات" لعلي بن محمد الجرجاني، تحقيق إبراهيم الأبياري. [ط 2،
1413 - هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان]. 251 - "تهذيب الأسماء واللغات" لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي. [د ط د ت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 252 - "تهذيب اللغة" لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق عبد الكريم العزباوي، ومحمد النجار. [د ط د ت، الدار المصرية للتأليف والترجمة]. 253 - "شرح حدود ابن عرفة" لأبي عبد اللَّه محمد الأنصاري الرصاع، تحقيق محمد أبو الأجفان، والطاهر المعموري. [ط 1، 1993 م، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 254 - "حياة الحيوان الكبرى" لكمال الدين محمد بن موسى الدميري. [ط 1، 1415 هـ دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 255 - "ديوان الأعشى"، شرح د. يوسف فرحات، [ط 1، 1413 هـ دار الجيل، بيروت، لبنان]. 256 - "ديوان امرئ القيس". [د ط د ت، دار صادر، بيروت، لبنان]. 257 - "ديوان عمر بن أبي ربيعة". [د ط، 1398 هـ دار بيروت للطباعة، بيروت، لبنان]. 258 - "ديوان الفرزدق"، شرح د. علي مهدي زيتون. [ط 1، 1417 هـ، دار الجيل، بيروت، لبنان]. 259 - "ديوان المتنبي". [ط 3، 1424 هـ دار صادر، بيروت، لبنان]. 260 - "ذيل كشف الظنون" لإسماعيل البغدادي. [د ط، 1414 هـ دار الفكر، بيروت، لبنان]. 261 - "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري. [د ط 1414 هـ دار الفكر، بيروت، لبنان]. 262 - "الشعر والشعراء" لأبي محمد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة. [ط 1، 1404 هـ دار إحياء العلوم، بيروت، لبنان]. 263 - "الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية" لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري، تحقيق د. محمد نبيل طريفي. [ط 1، 1420 هـ الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 264 - "طلبة الطلبة" لنجم الدين بن حفص النسفي، تحقيق الشيخ خليل الميس. [ط 1، 1406 هـ دار القلم، بيروت، لبنان].
265 - "غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق د. محمد خان. [ط 1، 1396 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان]. 266 - "غريب الحديث" لأبي محمد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري، تحقيق د. عبد اللَّه الجبوري. [ط 1، 1397 هـ مطبعة المعاني، بغداد]. 267 - "الفائق في غريب الحديث" لأبي القاسم جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق على محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم. [ط 2، د ت، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة]. 268 - "فقه اللغة وسر العربية" لأبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي، تحقيق د. فائز محمد. [ط 3، 1417 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان]. 269 - "القاموس المحيط" لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادي. [ط 2، 1407 هـ مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 270 - "كتاب الحيوان" لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون. [د ط، 1416 هـ دار الجيل، بيروت، لبنان]. 271 - "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" لحاجي خليفة. [د ط، 1414 هـ دار الفكر، بيروت، لبنان]. 272 - "كفاية المتحفظ" لأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل المشهور بابن الأجدابي، تحقيق السائح على حسين. [دار اقرأ، طرابلس، ليبيا]. 273 - "لسان العرب" لأبي الفضل جمال الدين محمد مكرم بن منظور. [ط 1، 1415 هـ دار صادر، بيروت، لبنان]. 274 - "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" لأحمد بن محمد بن علي الفيومي. [د ط، د ت، مكتبة لبنان للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان]. 275 - "معجم البلدان" لأبي عبد اللَّه ياقوت بن عبد اللَّه الحموي، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي. [د ط، د ت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 276 - "معجم الشعراء" لأبي عبد اللَّه محمد بن عمران المرزباني، تحقيق د. ف. كرنكو. [ط 2، 1402 هـ دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 277 - "معجم مقاييس اللغة" لأبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق عبد السلام هارون. [ط 1، 1366 هـ، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة]. 278 - "معجم لغة الفقهاء" للدكتور محمد رواس قلعه جي. [ط 2، 1408، دار النفائس، بيروت، لبنان].
سابعا: كتب الرجال والتراجم والسيرة
279 - "المغرب في ترتيب المعرب" لأبي الفتح ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي، تحقيق محمد فاخوري، وعبد الحميد مختار. [ط 1، 1399 هـ مكتبة أسامة، حلب، سوريا]. 280 - "المفردات في غريب القرآن" لأبي القاسم الحسين بن محمد الشهير بالراغب الأصفهاني. [ط 1، 1412 هـ، دار القلم، دمشق]. 281 - "النظم المستعذب في شرح غريب المهذب" لمحمد بن أحمد بن بطال اليمني، تحقيق زكريا عميرات. [ط 1، 1416 هـ دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 282 - "النهاية في غريب الحديث والأثر" لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد ابن الأثير، تحقيق صلاح عويضة. [ط 1، 1410 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. سابعًا: كتب الرجال والتراجم والسيرة: 283 - " أسد الغابة في معرفة الصحابة" لعز الدين أبي الحسن علي بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير، تحقيق على معوض، وعادل عبد الموجود. [ط 1، 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 284 - "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لأبي عمر يوسف بن عمر بن عبد البر، تحقيق على محمد البجاوي. [ط 1، 1412 هـ، دار الجيل، بيروت، لبنان]. 285 - "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق على معوض، وعادل عبد الموجود. [ط 1، 1415 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 286 - "الأعلام" قاموس تراجم لخير الدين الزركلي. [ط 12، 1997 م، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان]. 287 - "الأنساب" لأبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني، تعليق عبد اللَّه عمر البارودي. [ط 1، 1419 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 288 - "البداية والنهاية" لأبي الفداء إسماعيل بن كثير، تحقيق على شيري. [ط 1، 1408 هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان]. 289 - "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" لمحمد بن علي الشوكاني. [ط 1، 1418 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 290 - "تاج التراجم" لزين الدين قاسم بن قطلوبغا، تحقيق إبراهيم صالح. [ط 1،
1412 - هـ، دار المأمون، دمشق]. 291 - "التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول" لصديق بن حسن بن علي القنوجي. [ط 1، 1416، مكتبة دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض]. 292 - "تاريخ أصبهان" لأبي نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصبهاني. [د ط، 1931 م، مطبعة ليدن، بريل]. 293 - "تاريخ بغداد" لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي. [د ط، د ت، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان]. 294 - "تاريخ الجبرتي" = "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" لعبد الرحمن بن حسن الجبرتي. [د ط، د ت، دار الجيل، بيروت، لبنان]. 295 - "التاريخ الكبير" لأبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق السيد هاشم الندوي. [د ط، د ت، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 296 - "تذكرة الحفاظ" لأبي عبد اللَّه محمد بن أحمد الذهبي. [د ط، 1333 هـ، حيدر أباد، الهند]. 297 - "ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك" للقاضي عياض، تحقيق د. أحمد بكير محمود. [د ط، 1387 هـ، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان]. 298 - "تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة" لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. [د ط، د ت، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان]. 299 - "تقريب التهذيب" لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محمد عوامة. [ط 1، 1406 هـ، دار الرشيد، دمشق]. 300 - "تهذيب التهذيب" لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. [ط 1، 1404 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 301 - "تهذيب الكمال" لأبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي، تحقيق د. بشار معروف. [ط 1، 1400 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 302 - "الثقات" لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، تحقيق السيد شرف الدين أحمد. [ط 1، 1395 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 303 - "الجرح والتعديل" لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي. [ط 1، 1371 هـ، دائرة المعارف العثمانية، الهند]. 304 - "الجواهر المضية في طبقات الحنفية" لمحيي الدين عبد القادر بن محمد القرشي، تحقيق عبد الفتاح الحلو. [د ط، 1398 هـ، مطبعة عيسى البابي الحلبي،
القاهرة]. 305 - "جمهرة أنساب العرب" لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم. [د ط، 1421 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 306 - "جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام مدينة مكناس" لأحمد بن القاضي المكناسي. [د ط، 1973 م، دار المنصور للطباعة، الرباط، المغرب]. 307 - "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. [ط 1، 1387 هـ، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة]. 308 - "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر" للمولى محمد المحبي. [د ط، د ت، دار صادر، بيروت، لبنان]. 309 - "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني. [د ط، 1392 هـ، مطبعة مجلس دار المعارف العثمانية، حيدر أباد، الهند]. 310 - "الدر المنضد في ذكر أصحاب الإمام أحمد" لمحيى الدين عبد الرحمن بن محمد العليمي، تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين. [ط 1، 1412، مكتبة التوبة، الرياض]. 311 - "الديباج المذهب" لإبراهيم بن علي بن فرحون، تحقيق مأمون الجنّان. [ط 1، 1417 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 312 - "ذيل طبقات الحنابلة" لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، تحقيق محمد حامد الفقي. [د ط، 1372 هـ، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة]. 313 - "الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام" لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد اللَّه الخثعمي السهيلي، تحقيق عبد الرحمن الوكيل. [ط 1، 1414 هـ، مكتبة ابن تيمية، القاهرة]. 314 - "روضات الجنات" لمحمد باقر الموسوي. [د ط، د ت، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 315 - "زاد المعاد في هدي خير العباد" لشمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرنؤوط. [ط 15، 1407 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 316 - "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" لمحمد بن عبد اللَّه النجدي، تحقيق بكر
أبو زيد، ود. عبد الرحمن العثيمين. [ط 1، 1416 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 317 - "سير أعلام النبلاء" لأبي عبد اللَّه محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط. [ط 9، 1413 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 318 - "السيرة النبوية" لأبي محمد عبد الملك بن هشام، تحقيق مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري. [د ط، د ت، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة]. 319 - "شجرة النور الزكية" لمحمد بن محمد بن عمر مخلوف، تحقيق عبد المجيد خيالي. [ط 1، 1424 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 320 - "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي. [د ط، ت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 321 - "صفة الصفوة" لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق محمد فاخوري. [ط 2، 1399 هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 322 - "الصلة" لأبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال. [د ط، 1966 م، الدار المصرية للتأليف، القاهرة]. 323 - "الضوء اللامع" لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي. [د ط، د ت، مكتبة الحياة، بيروت، لبنان]. 324 - "الطبقات" لخليفة بن خياط أبو عمر الليثي العصفري، تحقيق د. أكرم ضياء العمري. [ط 2، 1402 هـ، دار طيبة، الرياض]. 325 - "طبقات الحنابلة" لأبي الحسين محمد بن أبي يعلى، تحقيق محمد حامد الفقي. [د ط، 1371 هـ، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة]. 326 - "الطبقات السنية في تراجم الحنفية" لتقي الدين بن عبد القادر التميمي الغزي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. [ط 1، 1403 هـ، دار الرفاعي، الرياض]. 327 - "طبقات الشافعية" لأبي بكر أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبه، تحقيق د. الحافظ عبد الحليم خان. [د ط، 1407 هـ، دار الندوة الحديثة، بيروت، لبنان]. 328 - "طبقات الشافعية" لجمال الدين عبد الرحيم الإسنوي، تحقيق عبد اللَّه الجبوري. [د ط، 1400، دار العلوم، الرياض]. 329 - "طبقات الشافعية الكبرى" لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي السبكي، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. [ط 1، 1420 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان].
330 - "طبقات الفقهاء" لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي. [د ط، د ت، دار القلم، بيروت، لبنان]. 331 - "طبقات فقهاء اليمن وعيون من أخبار سادات رؤساء الزمن" لعمر بن علي بن سمرة الجعدي، تحقيق فؤاد السيد. [د ط، د ت، دار القلم، بيروت]. 332 - "الطبقات الكبرى" لأبي عبد اللَّه محمد بن سعد. [د ط، د ت، دار صادر، بيروت، لبنان]. 333 - "طبقات المفسرين" لأحمد بن محمد الأدنروي، تحقيق سليمان بن صالح الخزي. [ط 1، 1997 م، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة]. 334 - "علماء نجد خلال ستة قرون" للشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام. [ط 1، 1398 هـ، مطبعة ومكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة]. 335 - "الفهرست" لابن النديم، تحقيق الشيخ إبراهيم رمضان. [ط 2، 1417 هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 336 - "الفوائد البهية في تراجم الحنفية" لأبي الحسنات محمد بن عبد الحي اللكنوي. [د ط، د ت، دار المعرفة، بيروت، لبنان]. 337 - "الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة" لأبي عبد اللَّه محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق محمد عوامة. [ط 1، 1413 هـ، دار القبلة، جدة]. 338 - "الكامل في التاريخ" لعز الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر بن الأثير. [ط 4، 1414 هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان]. 339 - "الكامل في ضعفاء الرجال" لأبي أحمد عبد اللَّه بن عدي بن عبد اللَّه بن محمد الجرجاني، تحقيق يحيى مختار غزاوي. [ط 3، 1409 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 340 - "كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج" لأحمد باب التنبكتي. [ط 1، 1422 هـ، دار ابن حزم، بيروت، لبنان]. 341 - "لسان الميزان" لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلانى. [د ط، 1331 هـ، حيدر أباد، الهند]. 342 - "مراتب النحويين" لأبي الطيب اللغوي. [د ط، 1954، مطبعة نهضة مصر، القاهرة]. 343 - "مشاهير علماء الأمصار" لأبي حاتم محمد بن حبان البستي. [د ط، 1959، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان].
ثامنا: المجلات العلمية
344 - "معجم الأدباء" لأبي عبد اللَّه ياقوت بن عبد اللَّه الحموي. [ط 1، 1411 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 345 - "معجم المؤلفين" لعمر رضا كحالة. [ط 1، 1414 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان]. 346 - "المقتنى في سرد الكنى" لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق محمد صالح المراد. [ط 1، 1408، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة]. 347 - "المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد" لمحيي الدين عبد الرحمن بن محمد العليمي، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. [ط 1، 1420 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 348 - "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية" لأحمد بن محمد القسطلاني، تحقيق صالح أحمد الشامي. [ط 1، 1412 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان]. 349 - "ميزان الاعتدال" لأبي عبد اللَّه محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق على محمد البجاوي. [ط 1، 1382 هـ، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة]. 350 - "نزهة الألباء في طبقات الأدباء" لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. [ط 1، 1424 هـ، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان]. 351 - "نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب" لأبي العباس أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي. [د ط، د ت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان]. 352 - "هدية العارفين" لإسماعيل البغدادي. [د ط، 1414 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان]. 353 - "الوافي بالوفيات" لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، تحقيق جماعة من المستشرقين. [د ط، د ت، دار صادر، بيروت، لبنان]. 354 - "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" لأبي العباس أحمد بن محمد بن خلكان، تحقيق إحسان عباس. [د ط، د ت، دار صادر، بيروت، لبنان]. ثامنًا: المجلات العلمية 355 - " مجلة البحوث الإسلامية" العدد 67، 1423 هـ، نشر رئاسة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية. * * *
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة إن الحمد للَّه، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فقد اتفق علماء الأمة رحمهم اللَّه على أن مصادر الأحكام المتفق عليها هي الكتاب، والسنة، والإجماع، وهذا يظهر بجلاء أهمية البحث في مسائل الإجماع فقد بين العلماء عظيم شأن هذا المصدر وخطورة مخالفته وقد نص بعض أهل العلم على أن الجاحد للحكم المجمع عليه -إجماعًا غير خفي- يكفر بذلك، قال ابن النجار: "والحق أن منكر المجمع عليه الضروري، والمشهور، والمنصوص عليه، كافر قطعًا، وكذا المشهور فقط، لا الخفي" (¬1). وإذا تساوى الإجماع مع الكتاب والسنة المتواترة في الثبوت والدلالة فإن الإجماع يقدم، قال البرماوي: "إذا استوى النص والإجماع في القطع متنًا ودلالة، كان ما دليله الإجماع راجحًا ودونهما إذا كانا ظنيين. بأن كان أحدهما نصًّا ظنيًّا، والآخر إجماعًا ظنيًّا رجح أيضًا ما كان دليله الإجماع، لما سبق من قبول النص النسخ والتخصيص. قال الهندي: هذا صحيح بشرط التساوي في الدلالة، فإن اختلفا فالحق أنه يتبع فيه الاجتهاد (¬2). ¬
مشكلة البحث
وجاء في البحر المحيط: "مسألة [إذا أجمعوا على خلاف الخبر] إذا ذكر واحد من المجمعين خبرًا عن الرسول عليه السلام، يشهد بضد الحكم الذي انعقد عليه الإجماع، قال ابن برهان في الوجيز: (يجب عليه ترك العمل بالحديث، والإصرار على الإجماع) " (¬1). وجاء أيضًا في البحر المحيط "أن الإجماع لو انعقد على مخالفة خبر متواتر إن تصور ذلك؛ فالتعلق بالإجماع لأنه حجة" (¬2). ولقد بحث أهل العلم من علماء الأصول الإجماع في كتبهم، فبينوا صورته، وحكمه، ودليله، وأركانه، وشروط انعقاده. . . الخ لكن لم تحظ الإجماعات الفقهية التي هي ثمرة تقرير دليل الإجماع بنفس ما حظي به الإجماع عند علماء الأصول إلا عند بعض العلماء. لذا رأيت التقدم بهذا الموضوع للقسم تحت عنوان (مسائل الإجماع في المحرمات المالية وفي عقود المداينات والتوثيقات والإطلاقات والتقييدات والمشاركات جمعًا ودراسة) لاسيما وهو لبنة في بناء المشروع الذي أعده أعضاء هيئة التدريس بمسار الفقه وأصوله. مشكلة البحث: اعتنى الفقهاء رحمهم اللَّه بذكر مسائل الإجماع في أبواب المحرمات المالية (الربا والغصب. .)، والمداينات والتوثيقات، والإطلاقات والتقييدات، والمشاركات، فقبل أن يذكروا مسائل الخلاف يتطرقون لتحرير مسائل الإجماع في المسألة المبحوثة، وقد كون ذلك مجموعة كثيرة من مسائل الإجماع في هذه الأبواب. وهنا تأتي أهمية جمعها وتصنيفها حسب ترتيب فقهي معتبر، ودراسة كل مسألة بمقارنة كلام الفقهاء بعضهم ببعض كل بدليله، ثم الوصول إلى نتيجة من اعتبار هذا الإجماع أو عدم اعتباره. ¬
حدود البحث على ثلاثة أقسام
حدود البحث على ثلاثة أقسام: أولا: الحد الصياغي: تختلف عبارات العلماء في نقل الإجماع أو الاتفاق أو نفي الخلاف أو النزاع، وقد اقتصرت في هذا البحث على المصطلحات التالية: 1 - العبارات الصريحة في حكاية الإجماع، وهي مادة (أجمع) وما تصرف منها. 2 - التعبير بالاتفاق وما تصرف منه، مثل: اتفق العلماء، اتفقوا، باتفاقهم. . . . 3 - التعبير بنفي الخلاف، وما يأخذ حكمه ك: نفي النزاع، ونفي الشك. 4 - التعبير بقول: عليه العمل، أو قولا واحدًا، أو نحو ذلك من العبارات بما يفيد الإجماع أو الاتفاق ونفي الخلاف. . وهذا الحد شامل لجميع أنواع الإجماعات كإجماع الصحابة، والخلفاء الراشدين، والأئمة الأربعة وغيرهم. ثانيا: الحد الموضوعي: ويشمل هذا البحث الموضوعات التالية: 1 - المحرمات المالية. 2 - عقود المداينات والتوثيقات. 3 - عقود الإطلاقات والتقييدات. 4 - عقود الشركات. ثالثا: الحد الزمني: ويشتمل على ثلاثين كتابًا قام القسم باختيارها مراعيًا في ذلك عدة اعتبارات منها اعتبارات مذهبية، وزمنية، من القرن الثاني إلى القرن الخامس عشر على النحو الآتي: كتب الإجماع: 1 - الإجماع لابن المنذر ت (318 هـ). 2 - مراتب الإجماع لابن حزم ت (456 هـ).
كتب الحنفية
3 - الإفصاح إلى معاني الصحاح لابن هبيرة ت (560 هـ). 4 - نقد مراتب الإجماع لابن تيمية ت (728 هـ). كتب الحنفية: 5 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ت (587 هـ). 6 - البناية شرح الهداية للعيني ت (855 هـ). 7 - فتح القدير لابن الهمام ت (861 هـ). 8 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ت (970 هـ). كتب المالكية: 9 - الاستذكار لابن عبد البر ت (463 هـ). 10 - عارضة الأحوذي لابن العربي ت (546 هـ). 11 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت (671 هـ). 12 - الذخيرة للقرافي ت (684 هـ). كتب الشافعية: 13 - الأم للشافعي ت (204 هـ). 14 - شرح السنة للبغوي ت (516 هـ). 15 - المجموع شرح المهذب للنووي ت (676 هـ). 16 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر ت (852 هـ). 17 - مغني المحتاج للشربيني ت (977 هـ). كتب الحنابلة: 18 - المغني شرح مختصر الخرقي لابن قدامة ت (620 هـ). 19 - مجموع الفتاوى لابن تيمية ت (728 هـ). 20 - جامع الرسائل لابن تيمية. 21 - مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية.
المذهب الظاهري
22 - مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية. 23 - زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية ت (751 هـ). 24 - إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية. 25 - حاشية الروض المربع لعبد الرحمن بن قاسم ت (1392 هـ). المذهب الظاهري: 26 - المحلى بالآثار لابن حزم ت (456 هـ). مذاهب أخرى: 27 - الجامع للترمذي ت (279 هـ). 28 - جامع البيان في تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري ت (310 هـ). 29 - سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني ت (1182 هـ). 30 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني ت (1250 هـ). مصطلحات البحث: 1 - الإجماع: هو اتفاق مجتهدي الأمة في عصر على حكم شرعي. 2 - المحرمات المالية: وأقصد بها الربا، وبعض صور البيوع المحرمة، والغصب. 3 - المداينات والتوثيقات: وأقصد بها عقد القرض، وعقد الضمان، وعقد الكفالة، وعقد الرهن، وعقد الحوالة. 4 - الإطلاقات والتقييدات: وأقصد بها عقد الوكالة، والولاية والوصاية، والحجر. 5 - عقد المشاركات: وأقصد بها عقد الشركة. أهمية الموضوع: تتبين أهمية البحث من خلال النقاط التالية: 1 - أن الإجماع مصدر من مصادر التشريع المجمع على حجيتها وحاجة الناس له ماسة لارتباطه بمعايشهم وتعاملاتهم، ومعرفته شرط من شروط المجتهد. ومقتضيات هذه المرحلة تقديم الموسوعات الفقهية ليسهل على الباحثين من
أسباب اختيار البحث
طلاب العلم وغيرهم الاستفادة منها، وتضيق دائرة الخلاف بين المسلمين وتقليل التعصب المذهبي، وذلك ببيان أن ما أجمع عليه أهل العلم أكثر مما اختلفوا فيه. 2 - الترجيح في حال التعارض، فالإجماع القطعي مقدم على الكتاب والسنة، ووجه ذلك أن الإجماع لا يتطرق إليه الاحتمال، أما الإجماع الظني فبعد الكتاب والسنة. 3 - أن العلماء يختلفون في نقل الإجماع وفي حدوده، فمنهم من يتساهل في نقله، ومنهم من ينقل الإجماع ويقصد به إجماع المذهب؛ لذا ظهرت أهمية دراسة هذه المسائل للتحقق من موقع الإجماع العام من عدمه. 4 - أن معرفة مسائل الإجماع في المعاملات المالية مما يعين المفتين والقضاة والهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية في تنزيل الأحكام، فلا يقعون في مخالفة ما أجمع عليه، مع معرفة تنقيح مناط هذه الإجماعات لتحقيقها على آحاد المسائل المستجدة. 5 - تضييق دائرة الخلاف بين المسلمين، وتقليل التعصب المذهبي وتأليف القلوب وذلك ببيان أن ما أجمع عليه أهل العلم من المسائل ليس بالقليل. 6 - قلة الكتب والبحوث الجامعة لمسائل الإجماع في أبواب المعاملات المالية. 7 - أن معرفة مسائل الإجماع يساعد على تصور مسائل الخلاف. أسباب اختيار البحث: إضافة لما سبق إبرازه من أهمية موضوع البحث فهناك أسباب دعتني لتسجيل هذا القسم من مشروع مسائل الإجماع، وهي: 1 - أن من المتقرر أن الشيء بشرف بشرف متعلقه، والبحث هنا متعلق بدليل من أدلة الأحكام الذي ينبني فهم الحكم وأخذه عليه، فكان الاشتغال بدراسته وإبراز أهميته مما يحقق ذلك المقصد العظيم.
أهداف البحث
2 - أن هذا القسم هو إكمال لعِقد كتاب المعاملات الذي بدأه زميلي/ علي بن عبد العزيز الخضيري. وجاء ترتيبه للمسائل متماشيا مع تقسيمات المعاصرين لكتاب المعاملات، ابتداء بعقود المعاوضات. والبحث هنا متعلق بالمحرمات المالية (الربا، والغصب، وبعض صور البيع)، وأيضا متعلق بعقود المداينات والتوثيقات، والإطلاقات والتقييدات، والمشاركات. 3 - ما ظهر في الدراسات السابقة من عدم وجود مصدر شامل متكامل يتعلق بموضوع البحث. 4 - ومن أهم أسباب اختياري لهذا الموضوع ارتباطه بطبيعة ما مارسته من عمل في المجموعة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار. أهداف البحث: إن مقصود البحث وهدفه الرئيس هو إظهار ما تقرر من مسائل الإجماع في المحرمات المالية، والمداينات والتوثيقات، والإطلاقات والتقييدات والمشاركات. ويظهر هذا الهدف في مجموعة أهداف جزئية هي على النحو التالي: 1 - حصر مسائل الإجماع، وبيان ما يصح حكاية الإجماع فيه وما لا يصح. 2 - ذكر مستند الإجماع من كتاب أو سنة أو غيرهما من الأدلة المختلف فيها. 3 - بيان الأقوال الشاذة المخالفة للإجماع. 4 - تكوين ملكة فقيهة تحليلية لدى الباحث وذلك بالنظر في كتب علم الأصول والفقه، حيث إن البحث ذو جانب أصولي وفقهي. 5 - تسهيل الوصول إلى مواضع الإجماع في الفقه. أسئلة البحث: من خلال هذا البحث يمكن الإجابة على الأسئلة التالية إن شاء اللَّه: 1 - ما المسائل التي وقع فيها الإجماع في المحرمات المالية وفي عقود المداينات والتوثيقات والإطلاقات والتقييدات والمشاركات؟ ومن نقل الإجماع عن
منهج البحث
غيره ووافقه عليه؟ ومن خالف من أهل العلم في وقوع الإجماع؟ 2 - ما مستند هذه الإجماعات؟ وما قوة هذا المستند؟ 3 - هل يوجد مخالف للإجماع؟ وما مستند المخالف للإجماع؟ 4 - هل تصح هذه الإجماعات، وما نوعها، وما درجة قوتها؟ منهج البحث: البحث سيكون على منهجين إن شاء اللَّه: الأول: الاستقراء: والمراد به جمع الفروع الفقهية التي وقع عليها الإجماع ودراستها وتمحيصها. الثاني: الاستنتاج: والمراد به ترتيب المخرجات من المنهج الأول وفق إطار معين للخروج بالنتيجة الصحيحة على الإجماعات. إجراءات دراسة البحث وكتابته: 1 - أجمع المسائل التي وقع فيها الإجماع من خلال الكتب المقررة وغيرها مع مراعاة الطبعات المعتمدة ما أمكن. 2 - أُرَتِّبُ المسائل حسب الأبواب الفقهية وفق الترتيب المعاصر، وكذا أرتب المسائل داخل الأبواب. 3 - أذكر المسألة التي حكي فيها الإجماع بصيغة مناسبة شاملة. 4 - أبين صورة المسألة التي وقع عليها الإجماع، وإذا لم تكن ظاهرة أشرحها وأذكر أمثلة عليها مبينا ما يميزها عن غيرها من المسائل التي قد تشتبه بها. 5 - أذكر أول من ذكر الإجماع ثم من ذكره بعده، وفق الترتيب الزمني. 6 - أنقل نصوص العلماء في حكاية الإجماع، وعند تكرار ذكر الإجماع لعالم واحد في المسألة الواحدة أكتفي بذكر أوضح نص له وأشير للبقية في الهامش. 7 - إذا كان العالم قد حكى الإجماع عن غيره ممن هم ضمن كتب المشروع بأن كان ابن قدامة نقل الإجماع عن ابن المنذر مثلًا فإني أكتفي بعبارة: "ونقله عنه ابن قدامة" بعد ذكر نص الإجماع لابن المنذر.
8 - إذا كانت صيغة الإجماع التي أتى بها المتأخر موافقة للمتقدم ممن هم من أصحاب الكتب المعتمدة في المشروع فإني أذكر بعد نص الإجماع عبارة "وذكره بهذا النص -وأذكر اسم العالم-". 9 - أذكر مستند الإجماع من النصوص الشرعية إن علم. وقد رتبت مستند كل مسألة على النحو التالي: أ- القرآن، مع بيان وجه الدلالة إن وجد. ب- السنة: أرتبها حسب ورودها في الكتب الستة: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه؛ فأقدم ما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم على ما انفرد أحدهما به، ثم ما رواه البخاري، ثم ما رواه مسلم وقد أكتفي بتخريجه عندهما أو أحدهما إن كان عند غيرهما. ثم أذكر ما رواه بقية الستة حسب ترتيبها، ثم أذكر بقية كتب السُّنة من المسانيد والمجاميع وغيرها. ج- الأدلة العقلية: أرتبها حسب وفاة أصحابها دون اعتبار لأسبقيتها، فيأتي مثلًا دليل ابن حزم الظاهري ت 456 هـ قبل دليل السرخسي الحنفي ت 483 هـ، ودليل الموفق ابن قدامة الحنبلي ت 620 هـ، قبل دليل النووي الشافعي ت 676 هـ، وبعدهما دليل فخر الدين الزيلعي الحنفي ت 742 هـ. . . وهكذا. 10 - أقوم بشَكْلِ الآيات القرآنية وعزوها إلى سورها، وبيان أرقام آياتها. 11 - أقوم بشَكْلِ ما يُشكِلُ عدم شكله من نصوص البحث، استحسانًا لقول من قال: إنما يُشكَلُ ما يُشكِلُ. كما قال ابن الصلاح في مقدمته: (ص: 89). 12 - أضع قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الأحاديث، وكذا نصوص العلماء بين علامتي تنصيص هكذا "" إضافة إلى تسويد قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لتميزه. 13 - إذا وقع كلام النبي عليه السلام داخل نص فقهي أو نحوه فأجعله بين قوسين
عاديين هكذا ()، إذا وقع كلام النبي عليه السلام داخل نص فقهي أو نحوه فأجعله بين قوسين عاديين هكذا ()، أو بين قوسين " " إذا كان النص فيه قوسان عاديان (). إضافة إلى تسويد قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لتميزه. 14 - ما كان بين معقوفتين هكذا [] في البحث كله، إنما هو صنع الباحث، سواء أكان مزيدَ بيان في سند حديث، أو تعقيبًا على شيء، أو شرحًا لمشكل أو نحو ذلك، أو تأكيدًا على كون لفظة ما هكذا بالنص المنقول، ويعبر عن هذا الأخير بـ[كذا]. 15 - أبين معاني الكلمات التي تحتاج إلى بيان؛ عازيًا هذا البيان إلى كتب غريب الحديث أو شروحه، أو كتب اللغة. 16 - أقوم ببيان المقادير والمكاييل والمقاييس القديمة ك: (الوسق، والصاع، والمد، والفرسخ)، بما يعادلها من المعاصرة. 17 - أخرج الأحاديث والآثار من مصادرها المعتمدة، بذكر رقم الحديث حسب الترقيم المعتمد لدى العلماء المعاصرين، فإن لم يوجد رقم أحيل للكتاب، والباب، والجزء، والصفحة، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما أكتفي بذلك، وإلا فأخرج الحديث وأذكر ما قاله أهل العلم عنه، وأبين درجته. 18 - أنقل أقوال العلماء من كتبهم المعتمدة في كل مذهب. 19 - أعرف بالمصطلحات والألفاظ الواردة في صلب البحث من المصادر المعتمدة. 20 - عند النقل من المصدر بالنص أذكر اسم الكتاب، والجزء، والصفحة. 21 - عند النقل بالمعنى أو التصرف في النص أسبق ذكر اسم الكتاب والجزء والصفحة بكلمة (انظر). 22 - أترجم لبعض الأعلام الوارد ذكرهم في صلب البحث، مقدمًا لقب العَلَم
خطة البحث
على كنيته إذا اجتمعا، ومؤخره عن الاسم إذا اجتمعا، وقدمت الكنية على الاسم إذا اجتمعا كما هو الراجح عند النحاة، وأذكر مذهبه الفقهي، وأهم مؤلفاته، ومولده، ووفاته من المصادر المعتمدة. 23 - عندما أذكر المسألة التي حكي فيها الإجماع أبدأ بالبحث عمّن خالف الإجماع، إما بنصه على أنه مخالف، أو ذكره خلافًا في المسألة. 24 - إذا خلا الإجماع من معارض أبين قوة الإجماع من حيث كثرة القائلين به. 25 - إذا وجد مخالف للإجماع أذكر المخالف، وأتحقق من هذه المخالفة بعزوها إلى أصحابها من كتبهم المعتمدة إن كانت لهم كتب كالمذاهب الخمسة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والظاهري، مع ذكر أدلة المخالف إن وجدت. 26 - أذكر النتيجة عقب كل إجماع من خلال الدراسة. خطة البحث: يحتوي البحث على: مقدمة، وأربعة أبواب، وخاتمة. المقدمة: تشمل: مشكلة البحث، وحدوده، ومصطلحاته، وأهمية الموضوع، وسبب اختياره، ومنهجه، وإجراءات الدراسة، وخطة البحث. الباب الأول: المسائل المجمع عليها في المحرمات المالية: وتحته ثلاثة فصول: الفصل الأول: مسائل الإجماع في عقود الربا. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في صور من البيوع. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في مسائل الغصب. الباب الثاني: المسائل المجمع عليها في عقود المداينات والتوثيقات وفيه تمهيد وخمسة فصول: تمهيد: التعريف بالمداينات والتوثيقات وأدلة مشروعيتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع في عقد القرض. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في عقد الضمان.
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في عقد الكفالة. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في عقد الرهن. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في عقد الحوالة. الباب الثالث: المسائل المجمع عليها في الإطلاقات والتقييدات وفيه تمهيد وثلاثة فصول: تمهيد: تعريف عقود الإطلاقات والتقييدات وأدلة مشروعيتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع في عقد الوكالة. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في الولاية والوصاية. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في الحجر. الباب الرابع: المسائل المجمع عليها في المشاركات وفيه تمهيد وفصلان: تمهيد: تعريف المشاركات وأدلة مشروعيتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع في عقد الشركة. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في عقد المضاربة. الخاتمة: وتتضمن النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث والتوصيات التي أرى أهميتها. ثم الفهارس بأنواعها: * فهرس الآيات، ورتبتها حسب ورودها في المصحف. * فهرس الأحاديث والآثار، ورتبتها هجائيًّا أبتثيًّا [أب ت ث. . ي]. * فهرس الإجماعات المتفق عليها (أو غير المخروقة). * فهرس الإجماعات المختلف فيها (أو المخروقة). * فهرس الأعلام، ورتبتها هجائيًّا أبتثيًّا. * فهرس المصادر والمراجع، ورتبتها حسب الفنون، وفي كل فن رتبت كتبه هجائيًّا أبتثيًّا، مع ذكر اسم المؤلف، وتاريخ وفاته، واسم الناشر، ومكان
الصعوبات التي واجهت الباحث
النشر، وتاريخ النشر إن وجد. * فهرس الموضوعات. وقد أبقينا على فهرس المصادر والمراجع والموضوعات فقط حتى لا يطول الكتاب. الصعوبات التي واجهت الباحث إنّ البحث في علوم الشريعة أو غيرها تعتريه بعض الصعوبات والتحديات، سواء كانت على المستوى الشخصي -والتي تختلف باختلاف الأشخاص-، أو تكون صعوبات موضوعية تتعلق بموضوع البحث، ومن نافِلة القولِ رصدُ ما واجهتني من صعوباتِ موضوعية في إعداد هذه الرسالة أجملها فيما يلي: قد يتصور للقارئ للوهلة الأولى بعد استعراضه لما قام به الباحث من جهدٍ، أن الرسالة تعتمدُ على الجمع ولا تتطلبُ جهدًا كبيرًا، إلا أن طولَ الرسالة وتشعب مسائلها، وتشابهها، وتشابكها أحيانًا يتطلب إطالة نظرٍ وبحث مستغرقًا أيامًا عدةً، إلا أن وقت إعداد الرسالةِ لا يسعف الباحث على نحو كافٍ؛ للاستطراد في البحث، ذلكَ أن المدة المقررة -قرابة السنتين- تضاءلت؛ نظرا لتأخر القسم في الموافقة على الخطة التي قُدمت له عام 1425 هـ، علاوةً على أن طول المدة تشغلُ الإنسان عن معاشه وشؤونهِ الخاصةِ، مع الأخذ في الحسبان ما قد يعتري أيّ نفس بشرية من الإقبال تارة، والإدبار تارة أخرى، وما جبلت عليه من تقلب النشاط والكسل، الأمر الذي زاد من صعوبة البحث. ولا يخفى على باحثٍ في الشريعة وعلومها، أنّ أبواب المعاملات المالية من الأبواب الدقيقة في الفقه الإسلامي، التي تحول أسوارها المنيعة من الاستطلاع السريع، والاهتداء اليسير، ولا ينَبِّؤُك مثل خبير، إذ يتجرع الباحث صعوبةً في استقصاء الموافقينَ على الإجماع، فمتى ما وجدَ الخلافُ في
شكر وعرفان
المسألة وكان خلافًا مشهورًا، كانت المسألة أيسر من تلك المسائل التي حُكي فيه إجماعٌ، والخلاف فيها غير ظاهرٍ، فتستغرق حينئذٍ جهدًا ووقتًا، فضلا على أن الاستدلال قد يأخذ وقتًا، إذ أن كثيرًا من المسائل يكون الاستدلال فيها من المعقول، ولا تكاد تجد فيها إلا دليلًا واحدًا أو لا تجد. وحرصًا على إعداد عملٍ جادٍ يضيف للمكتبة الشرعيةِ خلاصةَ جهدٍ وجمعِ لمسائلَ تهمُ الباحث في الشريعة وعلومها، فقد استفرغت غايةَ جهدي، وشحذت كل طاقتي، مستعينًا باللَّه على تخطي تلك الصعوباتِ، مسابقا الزمن والمُدَدَ المقررة، فإن أصبتُ فمن اللَّه وحده، وإن أخطأتُ فحسبي أني مجتهد بشريٌّ جُبلَ على الخطأ والصواب. شكر وعرفان أحمد اللَّه جل وعلا على نعمه العظام، أن يسر لي أموري ومنها إتمام هذا البحث، فله الحمد والمنة. ولا يفوتني أن أسدي الشكر لمستحقه بعد اللَّه جل وعلا، وأنسب الفضل لأهله فإنه لا يشكرُ اللَّهَ مَنْ لا يشكرُ الناسَ. فالشكر لفضيلة الأستاذ الدكتور/ علي الحسون المشرف على الرسالة، على ما قدمه من توجيهات ونصائح لإخراج البحث على الوجه الأكمل. . ولفضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد بن يحيى النجيمي، الذي أَشْرُفُ به مناقشًا اليوم، كما شَرُفْتُ من قبل به مشرفًا علي في بحث الماجستير. ولفضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد الرحيم يعقوب، على قبوله مناقشة هذه الرسالة. ثم الشكر للأستاذ الدكتور/ عبد اللَّه الناصر الأستاذ المشارك في قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود، على ما قدمه من توجيهات، والعمل على إتمام تسجيل خطة البحث فله مني الدعاء. وكذا لفضيلة الأستاذ الدكتور/ عبد العزيز اللويحق الأستاذ المشارك في
قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود أيضًا، على حثه إياي على إتمام هذا البحث وإنهائه، وتيسير بعض الصعوبات التي واجهتني. ثم الشكر الموفور لوالدي الكريمين -حفظهما اللَّه- متبوعًا بالشكر لأهل بيتي على ما قدموه من العناية، وتهيئة الظروف المناسبة لإتمام هذا البحث.
الباب الأول: المسائل المجمع عليها في المحرمات المالية
الباب الأول: المسائل المجمع عليها في المحرمات المالية الفصل الأول: مسائل الإجماع في عقود الربا. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في صور من البيوع. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في مسائل الغصب.
الفصل الأول مسائل الإجماع في عقود الربا
الفصل الأول مسائل الإجماع في عقود الربا [1/ 1] مسألة: الإجماع على حرمة الربا (¬1). الربا بتعريفه الشرعي كما بالهامش حرام، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذه الحرمة. • من نقل الإجماع والاتفاق: الماوردي ت 450 هـ، فقال: "قد المسلمون على تحريم الربا أجمع (¬2). ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن الربا حرام" (¬3). ابن عبد البر المالكي ت 463 هـ، فقال: "أجمع العلماء من السلف والخلف أن الربا الذي نزل القرآن بتحريمه، هو أن يأخذ صاحب الدين لتأخير ¬
دينه بعد حلوله عِوَضًا عينًا أو عَرْضًا" (¬1). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على جواز البيع، وتحريم الربا" (¬2). الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "الربا في اللغة: هو الزيادة. . . وهو في الشرع: الزيادة في أشياء مخصوصة، وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع. . . وأجمعت الأمة على أن الربا محرم" (¬3). النووي ت 676 هـ، فقال: "قد أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة" (¬4). فخر الدين الزيلعي ت 742 هـ، فقال: "والربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. . . وأجمعت الأمة على تحريمه حتى يكفر جاحده" (¬5). الصنعاني ت 1182 هـ، فقال: "يطلق الربا على كل بيع محرم، وقد أجمعت الأمة على تحريم الربا في الجملة" (¬6). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2) على الإجماع والاتفاق على تحريم الربا في الجملة. • من مستند الإجماع والاتفاق: قوله تعالى (¬3): {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]. وقوله تعالى (¬4): {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130]. وقوله تعالى (¬5): {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البَقَرَة 275]. وقوله تعالى (¬6): {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161]. قال الماوردي عقب الاستدلال بهذه الآية: "إن اللَّه تعالى ما أحل الزنا ولا الربا في شريعة قطُّ، وهو معنى قوله: وأخذهم الربا وقد نهوا عنه" (¬7). قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬8): "اجتنبوا السبع الموبقات (¬9) " قيل: يا رسول اللَّه ما هي؟ قال: "الشرك باللَّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، وأكل الربا، وأكل. . . " (¬10). ¬
[2/ 2] مسألة: نفي الخلاف في العقود التي يدخلها الربا.
قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1): "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلًا بمثلٍ يدًا بيدٍ، فمن زاد أو استزاد؛ فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء والشعير" (¬2). حديث جابر رضي اللَّه عنه (¬3) قال: لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- آكِلَ الربا ومؤكلَه وكاتبَه وشاهديه. وقال: "هم سواء" (¬4). قال الإمام الصنعاني عقب الاستدلال بهذا الحديث: "أي دعا على المذكورين بالإبعاد عن الرحمة، وهو دليل على إثم من ذكر، وتحريم ما تعاطَوْه، وخص الأكل؛ لأنه الأغلب في الانتفاع، وغيرُه مثلُه" (¬5). • الخلاف في المسألة: لم يعرف خلاف أحد لهذا الإجماع والاتفاق.Rتحقق الإجماع والاتفاق على حرمة الربا في الجملة. [2/ 2] مسألة: نفي الخلاف في العقود التي يدخلها الربا. العقود التي يدخلها الربا؛ هي عقد البيع (¬6)، والقرض (¬7)، والسلم (¬8). وقد ¬
نفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "والربا لا يكون إلا في بيع، أو قرض، أو سلم، وهذا ما لا خلاف فيه من أحد" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في هذه المسألة جمهور الفقهاء: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند نفي الخلاف: لأن النصوص وردت بتحريم الربا في تلك المعاملات، والحرام ما فصل اللَّه تحريمه، قال اللَّه تعالى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]. وقال تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]. وقال تعالى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] (¬6). ¬
[3/ 3] مسألة: الاتفاق على نوعا الربا.
• الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في نفي خلاف كان الربا يدخل البيع والقرض والسلم.Rتحقق نفي الخلاف في مسألة كون الربا يدخل البيع والقرض والسلم. [3/ 3] مسألة: الاتفاق على نوعا الربا. • الربا نوعان: ربا الفضل [أو الزيادة، أو الصرف، أو النقد، أو التفاضل] (¬1) وربا النسيئة [أو النَّسَأ] (¬2) وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع والاتفاق ونفى الخلاف: الإمام عبد اللَّه بن المبارك ت 181 هـ، فقال: "ليس في الصرف اختلاف" (¬3). الإمام الترمذي ت 297 هـ، فقال: "العمل على هذا (¬4) عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم" (¬5). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الربا الذي حرمه اللَّه ضربان: زيادة ونَسَأ" (¬6). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، حيث قال: "وأما الربا في البيع؛ فإن ¬
العلماء أجمعوا على أنه صنفان: نسيئة، وتفاضل" (¬1). الإمام ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "والربا على ضربين: ربا الفضل، وربا النسيئة، وأجمع أهل العلم على تحريمهما" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار على أن الربا نوعان فضل ونسيئة: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وهو قول الثوري وابن المبارك وإسحاق (¬7). • من مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: حديث أبي سعيد رضي اللَّه عنه مرفوعًا (¬8): "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، ولا ¬
تُشِفُّوا (¬1) بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا غائبًا بناجز (¬2) " (¬3). 2 - حديث أبي سعيد الخدري (¬4) قال: جاء بلال إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتمر برني، فقال له النبي - صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أين هذا يا بلال"؟ قال: كان عندنا تمر رديء فبعت صاعين بصاع (¬5) ليطعم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أوَّه! عين الربا، عين الربا. لا تفعل، ولكن إن أردت أن تشتري؛ فبع التمر ببيع آخر، ثم اشتر به" (¬6). 3 - حديث عبادة بن الصامت (¬7) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلًا بمثل، سواء بسواء يدًا بيدٍ؛ فإذا اختلفت هذه الأصناف؛ فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ" (¬8). 4 - حديث عثمان بن عفان (¬9)؛ أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تبيعوا الدينار ¬
بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين" (¬1). • الخلاف في المسألة: لم يُعرف مخالف في هذه المسألة إلا ما حكي عن ابن عباس، وأسامة بن زيد، وزيد ابن أرقم، وابن الزبير والبراء بن عازب؛ فقالوا: إنما الربا في النسيئة، إنكارًا منهم لربا التفاضل (¬2). وقد أشار السبكي في تكملتِه (المجموعَ) للنووي إلى هؤلاء مع جماعة آخرين هم: ابن عمر وابن مسعود ومعاوية من الصحابة، وعطاء بن أبي رباح، وفقهاء المكيين، وسعيد، وعروة من التابعين. وقد أسند عن أكثرهم ما يدل على قولهم بهذا الرأي، كما أسند عن بعضهم الرجوع عن هذا الرأي (¬3). والمشهور من ذلك قول ابن عباس، ثم إنه رجع إلى قول الجماعة، روى ذلك الأثرم بإسناده، وقاله الترمذي وابن المنذر وغيرهم (¬4). • أدلة هذا الرأي: 1 - حديث أسامة بن زيد مرفوعًا (¬5): "لا ربا إلا في النسيئة" (¬6). قال الإمام الماوردي مبينًا وجه استدلال المخالف بهذا الحديث: "فلما أثبت الربا في النسيئة؛ دل على انتفاء الربا في النقد" (¬7). ¬
[4/ 4] مسألة: الإجماع على معنى ربا الجاهلية هو ربا النسيئة.
وقد رد عليه الماوردي قائلًا: "وأما حديث أسامة، وقوله: (إنما الربا في النسيئة) ففيه جوابان: أحدهما: وهو جواب الشافعي: أنه جواب من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لسائل مسألة عن التفاضل في جنسين مختلفين، فقال: (إنما الربا في النسيئة)، فنقل أسامة جواب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأغفل سؤال المسائل. والثاني: أنه محمول على الجنس الواحد يجوز التماثل فيه نقدًا ولا يجوز نسيئة. على أن ابن عباس المستدل بحديث أسامة رجع عن مذهبه" (¬1). 2 - ما رواه (¬2) سفيان عن عمرو سمع أبا المنهال عبد الرحمن بن مطعم، قال: باع شريك لي دراهم في السوق نسيئة، فقلت: سبحان اللَّه أيصلح هذا؟ فقال: سبحان اللَّه، واللَّه لقد بعتها في السوق، فما عابها عليَّ أحد، فسألت البراء بن عازب، فقال: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة ونحن نتبايع هذا البيع، فقال: "ما كان يدًا بيد؛ فليس به بأس، وما كان نسيئة فلا يصلح". والقَ زيدَ بن أرقم، فاسأله؛ فإنه كان أعظمنا تجارةً، فسألت زيد بن أرقم، فقال مثله (¬3).Rعدم تحقق الإجماع على كون الربا يكون في الفضل والنسيئة لخلاف ابن عباس وغيره من الصحابة في ربا الفضل. [4/ 4] مسألة: الإجماع على معنى ربا الجاهلية هو ربا النسيئة. ربا الجاهلية هو ربا النسيئة، وهو: أن يكون للإنسان دَيْن عند آخر فيؤخره به على أن يزيده فيه (¬4)، أو هو: بيع الدينار بالدينارين مؤجلا. وقد نقل الإجماع على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام أبو الحسن الماوردي ت 450 هـ، ¬
فقال: "وَأَمَّا النَّسَاءُ: فَهُوَ بيع الدرهم بالدرهمين إلى أجل، وهو المعهود من ربا الجاهلية، والذي قد أجمع على تحريمه جميع الأمة" (¬1). أبو الوليد الباجي ت 474 هـ، حيث قال: "ربا الجاهلية: كان أن يقول الذي له الدين عند أجله للذي عليه الدين: أتقضي أم تربي، يريد يزيد في الدين؛ فإن اختار أن يزيده في الدين ليزيده في الأجل؛ فعل، وهذا مما لا خلاف بين المسلمين في تحريمه" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6) على الإجماع على كون ربا الجاهلية في الديون إما أن يقضيه وإما أن يربي له فيه. • مستند الإجماع: قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ. . .} [البقرة: 278 - 280]. قال الإمام أبو الوليد الباجي بعد تعريفه ربا الجاهلية كما سبق في حكاية ¬
[5/ 5] مسألة: الإجماع على معنى ربا النسيئة.
الإجماع: "وقد قيل أن قول اللَّه تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ} -وذكر الآيات كما بالاستدلال- نزلت في هذا، واللَّه أعلم" (¬1). • الخلاف في المسألة: لم أقف على مخالف لهذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف على كون ربا الجاهلية في الديون إما أن يقضيه وإما أن يربي له فيه. [5/ 5] مسألة: الإجماع على معنى ربا النسيئة (¬2). • ربا النسيئة: هو بيع الدينار بالدينارين إلى أجل، أو نحو ذلك مما مؤداه واحد كالذهب بالفضة مؤجلا، وقد نقل الإجماع على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام أبو الحسن الماوردي ت 450 هـ، فقال: "وَأَمَّا النَّسَاءُ: فَهُوَ بيع الدرهم بالدرهمين إلى أجل، وهو المعهود من ربا الجاهلية، والذي قد أجمع على تحريمه جميع الأمة" (¬3). الإمام البهوتي ت 1051 هـ، فقال: " (وأما ربا النسيئة: فكل شيئين ليس أحدهما نقدًا؛ بأن باع مُدَّ برٍّ بجنسه أو بشعير ونحوه بجنسه أو بنحاس ونحوه لا يجوز النساء فيهما) بغير خلاف نعلمه" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬5)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، على أن ربا النسيئة؛ هو بيع الدرهم بالدرهمين إلى أجل أو نحو ذلك من المعاني التي مؤداها واحد. • مستند الإجماع: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4): "البر بالبر ربا إلا هاء وهاء (¬5) " (¬6). وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7): "ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز" (¬8). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع على كون ربا النسيئة هو بيع الربوي بمثله كالدرهم بالدرهمين أو بما يودي مؤداه كالدرهم بالدينار مؤجلا. ¬
[6/ 6] مسألة: الإجماع على جريان الربا في الأعيان الستة.
[6/ 6] مسألة: الإجماع على جريان الربا في الأعيان الستة. الأعيان الربوية المجمع عليها أو الأنواع الربوية أو الأصناف الربوية أو الأموال الربوية، المقصود بها ستة، هي: الذهب، والفضة [الوَرِق]، والبُّر [الحنطة أو القمح] والشعير، والتمر، والملح. وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام الماوردي ت 450 هـ، فقال: "أما المنصوص عليه في الربا فستة أشياء وردت السنة بها، وأجمع المسلمون عليها وهي: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح" (¬1). الإمام البغوي الفراء ت 510 هـ، فقال: "اتفق العلماء على أن الربا يجري في هذه الأشياء الستة التي نص الحديث عليها" (¬2). الإمام ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "هذه الأعيان المنصوص عليها يثبت الربا فيها بالنص والإجماع" (¬3). الإمام النووي فقال: "أجمع المسلمون على تحريم الربا في هذه الأعيان الستة المنصوص عليها" (¬4). العيني ت 855 هـ؛ حيث قال: "هذه الأشياء الستة مجمع عليها" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8) ¬
[7/ 7] مسألة: الإجماع على أن الربا يتعدى الأعيان الستة.
والحنابلة (¬1) على الإجماع والاتفاق على كون الأعيان الربوية ستة كما سبقت. • مستند الإجماع: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلًا بمثل، سواء سواء يدًا بيدٍ؛ فإذا اختلفت هذه الأصناف؛ فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ" (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق على الربوية في الأعيان الربوية. [7/ 7] مسألة: الإجماع على أن الربا يتعدى الأعيان الستة. يتعدى الربا المحرم غير الأعيان الستة المنصوص عليها في السنة إلى كل ملحق بشيء منها، ويعد منها، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام السرخسي ت 483 هـ، فقال: "اتفق فقهاء الأمصار رحمهم اللَّه تعالى على أن حكم الربا غير مقصور على الأشياء الستة، وإن فيها معنى يتعدى الحكم بذلك المعنى إلى غيرها من الأموال" (¬4). الإمام البغوي الفراء ت 510 هـ، فقال: "ذهب عامة أهل العلم إلى أن حكم الربا غير مقصور عليها بأعيانها، إنما ثبت لأوصاف فيها، ويتعدى إلى كل ما توجد فيه تلك الأوصاف" (¬5). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الربا المحرم يجري في غير الأعيان الستة المنصوص عليها، وأنه متعد منها إلى كل ملحق بشيء منها" (¬6). ¬
الإمام ابن قدامة الحنبلي ت 620 هـ، فقال: "ما اجتمع فيه الكيل والوزن والطعم من جنس واحد ففيه الربا رواية واحدة. . . وهذا قول أكثر أهل العلم. قال ابن المنذر: هذا قول علماء الأمصار في القديم والحديث، سوى قتادة فإنه بلغني أنه شذ عن جماعة الناس؛ فقصر تحريم التفاضل على الستة الأشياء" (¬1). الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "قال أهل الظاهر: لا ربا في غير هذه الستة بناء على أصلهم في نفي القياس، وقال جميع العلماء سواهم: لا يختص بالستة، بل يتعدى إلى ما في معناها، وهو ما يشاركها في العلة" (¬2). الإمام ابن مودود الموصلي ت 683 هـ؛ فقال: "أجمعت الأمة على تعدي الحكم منها [أي الأصناف الستة] إلى غيرها" (¬3). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الاتفاق على تعدي الربا غير الأعيان الستة إلى كل ملحق بشيء منها: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع والاتفاق: قول اللَّه تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ¬
[البقرة: 275] وهو "يقتضي تحريم كل زيادة؛ إذ الربا في اللغة الزيادة" (¬1). 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء يدًا بيدٍ. ." (¬2). قال الإمام الماوردي في معرض الاستدلال لقول الجمهور والرد على المخالفين: "فإن قيل: فهذا وإن كان عامًّا فمخصوص ببيان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الربا في الأجناس الستة. قيل: بيان بعض ما يتناوله العموم لا يكون تخصيصا؛ لأنه لا ينافيه. . . والدلالة الثالثة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نص على البر، وهو أعلى المطعومات، وعلى الملح وهو أدنى المطعومات، فكان ذلك منه تنبيهًا على أن ما بينهما لاحق بأحدهما" (¬3). 3 - حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة (¬4)، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث أخا بني عدي الأنصاري، واستعمله على خيبر، فقدم بتمر جَنِيْبِ (¬5)، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أكل تمر خيبر هكذا؟ " قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجَمْعَ (¬6). فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تفعلوا, ولكن مثلًا بمثل، أو بيعوا هذا، واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان" (¬7). قال الإمام السرخسي عقب استدلاله بهذا الحديث: "يعني ما يوزن بالميزان؛ فتبين بهذه الآثار قيامُ الدليل على تعدية الحكم من الأشياء الستة إلى غيرها" (¬8). ¬
4 - حديث ابن عمر (¬1)، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرِّما" والرِّما هو الربا. فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ قال: "لا بأس، إذا كان يدًا بيد" (¬2). قال الإمام السرخسي عقب الاستدلال بهذا الحديث: "لم يرد به عين الصاع، وإنما أراد به ما يدخل تحت الصاع، كما يقال: خذ هذا الصاع، أي ما فيه، ووهبت لفلان صاعًا أي من الطعام" (¬3). 5 - لأن القياس حجة عند جمهور الفقهاء لتعدية الحكم الثابت بالنص، وهذا يتحقق في كثير مما عدا الأصناف الستة لاتحاد العلة (¬4). 6 - لأن القياس دليل شرعي؛ فيجب استخراج علة هذا الحكم وإثباته؛ حيث وجدت علته في غير الأصناف الستة (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقالوا: ما خلا الأصناف الستة لا يجري فيه الربا, ولا يعد منه: طاوس، وقتادة، ومسروق، والشعبي، وعثمان البتي، وداود بن علي الظاهري، ونفاة القياس جميعًا (¬6). وكذا ابن عقيل من الحنابلة (¬7). وقواه الأمير الصنعاني لاختلاف الجمهور اختلافًا كبيرًا في العلة التي من أجلها تعدى الحكم إلى غير الستة (¬8). ¬
[8/ 8] مسألة: الاتفاق على أن علة الربا غير متفق عليها.
• أدلة هذا الرأي: عموم قول اللَّه تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]. وهو عام، خرج منه الأعيان الستة، فبقي ما عداها على مقتضى العموم. ولا يخصص العام بالقياس (¬1). 2 - لأنه لا يجوز قياس غير المنصوص وهو ما عدا الأصناف الستة على المنصوص وهو الأصناف الستة لإثبات الحكم (¬2). 3 - لأن القياس على الأصول لا يجوز إلا أن يرد دليل في كل أصل على جواز القياس عليه، وحيث لم يرد الدليل على قياس غير الأصناف الستة عليها لذا لا تلحق بها في الحكم (¬3).Rعدم تحقق إجماع الفقهاء ولا اتفاقهم على تعدي حكم الأصناف الستة إلى غيرها مما شاركها في العلة؛ لخلاف من سبق من العلماء. [8/ 8] مسألة: الاتفاق على أن علة الربا غير متفق عليها. علة تحريم الربا في النقدين الذهب والفضة، أو الأصناف الأربعة الأخرى غير متفق عليها، وقد نقل الاتفاق على عدم الاتفاق، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "وقال بعضهم علة تحريم البر بالبر متفاضلًا أنه مطعوم. وقال بعضهم العلة في ذلك أنه مكيل. وقال بعضهم العلة في ذلك أنه مدخر. قال أبو محمد: وكل واحد من هذه الطوائف مبطلةٌ لما عدت به الأخرى؛ فكلهم قد اتفق على إبطال التعليل بلا خلاف بينهم" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: لعله يكفي هنا أن نذكر عبارة الإمام النووي للدلالة على اختلاف فقهاء الأمصار وغيرهم في تحديدهم علة الربا. فيقول الإمام: " (فرع) في مذاهب العلماء في بيان علة الربا في الأجناس الأربعة، وهي البر والشعير والتمر والملح، ولهم فيها عشرة مذاهب: ¬
أحدهما: مذهب أهل الظاهر ومن موافقهم: أنه لا ربا في غير الأجناس الستة كما سبق. الثاني: مذهب أبي بكر عبد الرحمن بن كيسان الاسم: أن العلة فيها كونها منتفعًا به حكاه عنه القاضى حسين. والثالث: مذهب ابن سيرين وأبي بكر الأودني من أصحابنا: أن العلة الجنسية، تحرم الربا في كل شيء بيع بجنسه كالتراب بالتراب متفاضلًا والثوب بالثوبين والشاة بالشاتين. الرابع: مذهب الحسن البصري: أن العلة المنفعة في الجنس؛ فيجوز عنده بيع ثوب قيمته دينار بثوبين قيمتهما دينار، ويحرم بيع ثوب قيمته دينار بثوب قيمته ديناران. الخامس: مذهب سعيد بن جبير: أن العلة تقارب المنفعة في الجنس، فحرم التفاضل في الحنطة بالشعير. السادس: مذهب ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أن العلة كونه جنسًا تجب فيه الزكاة، فحرم الربا في جنس تجب فيه الزكاة من المواشى والزروع وغيرها ونفاه عما لا زكاة فيه. السابع: مذهب مالك كونه مقتاتًا مدخر جنس [كذا: مدخر جنس]؛ فحرم الربا في كل ما كان قوتًا مدخرًا، ونفاه عما ليس بقوت كالفواكه وعما هو قوت لا يدخر كاللحم. الثامن: مذهب أبي حنيفة أن العلة كونه مكيل جنس؛ فحرم الربا في كل ميكل، وإن لم يؤكل كالجص والنورة والأشنان، ونفاه عما لا يكال ولا يوزن، وإن كان مأكولًا كالسفرجل والرمان. التاسع: مذهب سعيد بن المسيب، وقول الشافعي في القديم: أن العلة كونه مطعومًا يكال أو يوزن فحرمه في كل مطعوم يكال أو يوزن ونفاه عما سواه، وهو كل ما لا يؤكل ولا يشرب، أو يؤكل ولا يكال ولا يوزن كالسفرجل والبطيخ.
[9/ 9] مسألة: الإجماع على أن بيع الربوي بجنسه نسيئة حرام.
العاشر: أن العلة كونه مطعومًا فقط سواء كان مكيلًا أو موزونًا أم لا, ولا ربا فيما سوى المطعوم غير الذهب والفضة، وهذا مذهب الشافعي الجديد الصحيح، وهو مذهب أحمد وابن المنذر وغيرهما (فأما) أهل الظاهر فسبق دليلهم والدليل عليهم (وأما) الباقون فدليلنا على جميعهم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (الطعام بالطعام مثلا بمثل) وهو صحيح سبق بيانه ووجه الدلالة فيه ما ذكره المصنف وأيضا هذه الآثار مع الحديث المذكور في الكتاب" (¬1). • مستند الاتفاق: قال ابن حزم: "وكل واحد من هذه الطوائف مبطلة لما عدت به الأخرى، فكلهم قد اتفق على إبطال التعليل بلا خلاف بينهم، فليس ما أثبتت هذه الطائفة من التعليل بأثبت مما أثبتت الأخرى، ولا بعض هذه العلل أولى بالسقوط من سائرها، بل كلها دعوى زائفة ساقطة لا برهان عليها، وهكذا جميع عللهم" (¬2).Rعدم تحقق أي إجماع أو اتفاق أو نفي خلاف في مسألة علة الربا؛ بل كما سبق تحقق الاتفاق على الاختلاف في العلة. [9/ 9] مسألة: الإجماع على أن بيع الربوي بجنسه نسيئة حرام. بيع أحد الأصناف الستة المنصوص عليها في السنة: الذهب، والفضة، والتمر، والبر، والشعير، والملح، وتسمى الربويات، أو الأموال الربوية نسيئة أي إلى أجل؛ حرام، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. ¬
• من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن السّتّة الأصْنَاف، متفاضلًا يدًا بيد ونسيئة؛ لا يجوز أحدهما، وهو حرام" (¬1). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن بيع الذهب بالذهب بين المسلمين نسيئة حرام، وأن بيع الفضة بالفضة نسيئة حرام. . . واتفقوا أن بيع القمح بالقمح نسيئة حرام، وأن بيع الشعير بالشعير كذلك نسيئة حرام، وأن بيع الملح بالملح نسيئة حرام، وأن بيع التمر بالتمر كذلك نسيئة حرام" (¬2). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز بيع الذهب بالذهب منفردًا، أو الورق بالورق تبرها ومضروبها وحليها إلا مثلًا بمثل، وزنًا بوزن، يدًا بيد، وأنه لا يباع شيء منها غائب بناجز. فقد حرم في هذا الجنس الربا من طريقين الزيادة والنساء جميعًا" (¬3). وقال أيضًا في الموضع نفسه: "واتفقوا على أنه لا يجوز بيع الحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح، والتمر بالتمر، إذا كان بمعيار؛ إلا مثلًا بمثل ويدًا بيد". الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ. حيث قال: "أجمع العلماء على أن التفاضل والنساء مما لا يجوز واحد منهما في الصنف الواحد من الأصناف التي نُصَّ عليها في حديث عبادة بن الصامت" (¬4). ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "كل جنسين يجري فيهما الربا بعلة واحدة، كالمكيل بالمكيل، والموزون بالموزون، والمطعوم بالمطعوم عند من يعلل به؛ فإنه يحرم بيع أحدهما بالآخر نساء بغير خلاف نعلمه" (¬5). الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "وأجمعوا على أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل. وعلى أنه. . . ولا خلاف بين العلماء في شيء من هذا" (¬6). ¬
الإمام الصنعاني ت 1182 هـ، فقال: "واتفقوا على أنه لا يجوز بيع الشيء بجنسه وأحدهما مؤجل" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على حرمة بيع الربوي بجنسه نسيئة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند نفي الخلاف: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6): "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدًا بيد" (¬7) وهذا نص إذا اختلفت الأجناس فلم يجز بيعها إلا يدًا بيد فقط، فالأولى ألا يجوز بيعها نسيئة إذا اتحدت. • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في حرمة بيع نسيئة الربوي بجنسه.Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في حرمة بيع الربوي بجنسه نسيئة. ¬
[10/ 10] مسألة: الإجماع على أن بيع الربوي بما يشاركه في العلة نسيئة حرام.
[10/ 10] مسألة: الإجماع على أن بيع الربوي بما يشاركه في العلة نسيئة حرام. بيع الربوي بما يشاركه في العلة كالثَّمَنِيَّة في الذهب والفضة، وكالكيل في التمر والبر والحنطة والملح، أو الاقتيات أو الطعم فيها. بيعه بذلك نسيئة حرام، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك، ونفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن بيع هذه الأصناف الأربعة [القمح، الشعير، التمر، الملح، بعضها ببعض بين المسلمين نسيئة -وإن اختلفت أنواعها- حرام، وأن ذلك كله ربا" (¬1). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أنه يجوز بيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب متفاضلين يدًا بيد، ويحرم ذلك نسيئًا" (¬2). وقال أيضًا: "واتفقوا على أنه لا يجوز بيع التمر بالملح، والملح بالتمر نسأ على الإطلاق" (¬3). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "فأما النساء فكل جنسين يجري فيهما الربا بعلة واحدة كالمكيل بالمكيل، والموزون بالموزون، والمطعوم بالمطعوم عند من يعلل به؛ فإنه يحرم بيع أحدهما بالآخر نساء بغير خلاف نعلمه" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على حرمة بيع الربوي بما يشاركه في العلة نسيئة: الحنفية (¬5)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). "فإذا اختلفت هذه الأصناف؛ فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدًا بيد" (¬5). قال الإمام الكمال ابن الهمام عقب استدلاله بهذا الحديث: "فألزم التقابض عند الاختلاف، وهو تحريم النسيئة" (¬6). 2 - حديث سمرة بن جندب (¬7)، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم-؛ أنه نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة" (¬8). ¬
قال الإمام الكمال ابن الهمام عقب استدلاله بهذا الحديث: "فقام دليلًا على أن وجود أحد جزءي علة الربا علة لتحريم النساء" (¬1). 3 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "لا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدًا بيدٍ، وأما نسيئة فلا, ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير كثرهما يدًا بيد، وأما النسيئة فلا" (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة إسماعيل ابن علية (¬4)، فقال بجواز النساء في الجنسين إذا اختلفا من المكيل، ومن الموزون؛ فأجاز بيع البر بالشعير، والشعير بالتمر، والتمر بالأرز، وكل ما اختلف اسمه ونوعه بما يخالفه من المكيل والموزون سواء تم بيعه نقدًا أو نسيئةً، ولا فرق بين ما كان مأكولًا أو غير مأكول، حيث لم يجعل الكيل والوزن علة، ولا الأكل والاقتيات علة أيضًا (¬5). • أدلة هذا الرأي: هو بالقياس على جواز بيع الذهب أو الفضة بالرصاص ¬
[11/ 11] مسألة: الإجماع على أن بيع الربوي بما لا يشاركه في العلة نسيئة جائز.
والنحاس والحديد والزعفران والمسك وسائر الموزونات نساء فقاس ما اختلفوا فيه على هذه المسائل المجمع عليها (¬1).Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في حرمة بيع الربوي بما يشاركه في العلة نسيئة. لعدم الاعتداد بخلاف ابن علية. قال ابن عبد البر: "وليس قوله عندهم [عند أصحاب مذاهب أهل السنة] مما يعد خلافًا, ولا يعرج عليه؛ لثبوت السنة بخلافه من حديث عبادة، وغيره" (¬2). [11/ 11] مسألة: الإجماع على أن بيع الربوي بما لا يشاركه في العلة نسيئة جائز. بيع الربوي بما لا يشاركه في العلة نسيئة جائز، كبيع الذهب بالحنطة، والفضة بالشعير وغيره من المكيل. وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك، ونفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام الشافعي ت 204 هـ، فقال: "لا أعلم المسلمين اختلفوا في أن الدنانير والدراهم يسلمان (¬3) في كل شيء إلا أن أحدهما لا يسلم في الآخر لا ذهب في ذهب، ولا ورق في ورق" (¬4). وقال في موضع آخر: ". . المسلمين أجمعوا على أن الذهب والورق يسلمان فيما سواهما بخلاف ما سواهما فيهما" (¬5). وقال أيضًا: "لا أعلم بين المسلمين اختلافا أن الدينار والدرهم يسلمان في كل شيء، ولا يسلم أحدهما في الآخر" (¬6). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن بيع الحنطة بالذهب ¬
والفضة نساء جائز" (¬1). الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "أجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلا ومؤجلا وذلك كبيع الذهب بالحنطة وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل" (¬2). الإمام الصنعاني ت 1182 هـ، فقال: "اتفق العلماء على جواز بيع ربوي بربوي لا يشاركه في الجنس مؤجلًا ومتفاضلًا كبيع الذهب بالحنطة، والفضة بالشعير وغيره من المكيل" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عدم وجود العلة المشتركة التي هي مناط التحريم (¬8). 2 - لأن الشرع أرخص في السلم، والأصل في رأس مال السلم الدراهم والدنانير يؤخذ بهما تمر أو قمح أو شعير أو نحوها مما هو من أموال الربا أو ¬
[12/ 12] مسألة: ربا الفضل لا يكون إلا عند اتحاد الجنس بالاتفاق.
غيرها، فلو حرم النساء ها هنا لانسد باب السلم (¬1). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في جواز بيع الربوي بما لا يشاركه في العلة نسيئة. [12/ 12] مسألة: ربا الفضل لا يكون إلا عند اتحاد الجنس بالاتفاق. لا يكون ربا الفضل إلا عند اتحاد الجنس. أي إذا بيع أحد الأصناف الستة بجنسه متفاضلًا، كبيع الذهب بالذهب متفاضلًا، أو بيع التمر بالتمر متفاضلًا. . . وهكذا في بقية الأصناف. أما بيع التمر بالحنطة، أو الذهب بالفضة متفاضلًا يدًا بيد فجائز. وقد نقل الاتفاق على أنه لا يكون ربا فضل إلا عند اتحاد الجنس. • من نقل الاتفاق: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "اتفق أهل العلم على أن ربا الفضل لا يجري إلا في الجنس الواحد" (¬2). الإمام شمس الدين الزركشي الحنبلي ت 772 هـ، فقال: "شرط جريان ربا الفضل؛ الجنس عند العامة" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على كون ربا الفضل لا يكون إلا عند اتحاد الجنس: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
والشافعية (¬1) الحنابلة (¬2). • مستند الاتفاق: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدًا بيد، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم. . . " (¬4). ¬
[13/ 13] مسألة: الإجماع على أن بيع الربوي بجنسه متفاضلا حرام.
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة سعيد بن جبير (¬1)؛ فقال بوقوع ربا الفضل عند وجود شيئين يتقارب الانتفاع بهما كالحنطة بالشعير والتمر بالزيت والذرة بالدهن (¬2). ولا يعول على خلافه -كما قال الموفق ابن قدامة- لمخالفته النص. • أدلة هذا الرأي: لأنهما يتقارب نفعهما فجريا مجرى نوعي جنس واحد. ذكر الموفق هذا الاستدلال لسعيد، ثم عقبه بقوله: "فلا يعول عليه، ثم يبطل بالذهب بالفضة؛ فإنه يجوز التفاضل فيهما مع تقاربهما" (¬3).Rتحقق الاتفاق على كون ربا الفضل لا يكون؛ إلا عند اتحاد الجنس. [13/ 13] مسألة: الإجماع على أن بيع الربوي بجنسه متفاضلًا حرامٌ. بيع الأموال الربوية بجنسها متفاضلة يدًا بيد أو نسيئة أي إلى أجل؛ حرام، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن السّتّة الأصْنَاف، متفاضلاً يدًا بيد ونسيئة؛ لا يجوز أحدهما، وهو حرام" (¬4). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أنه لا يجوز بيع الحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح، والتمر بالتمر، إذا كان بمعيار إلا مثلًا بمثل، ويدًا بيد" (¬5). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، حيث قال: "أجمع العلماء على أن ¬
التفاضل والنساء مما لا يجوز واحد منهما في المصنف الواحد من الأصناف التي نص عليها في حديث عبادة بن الصامت" (¬1). الإمام الكاساني ت 587 هـ، فقال: "وأما بيع المكيل المطعوم بجنسه متفاضلًا، وبيع الموزون المطعوم بجنسه متفاضلًا؛ كبيع قفيز (¬2) أرز بقفيزي أرز، وبيع مَنٍّ (¬3) سكر بمَنَوَيْ سكرٍ؛ فلا يجوز بالإجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور الصحابة، وجمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على حرمة بيع الربوي بجنسه متفاضلًا: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: 1 - حديث عبادة بن الصامت (¬3) أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين، يدًا بيد، ولكن بيعوا الذهب بالورق، والورق بالذهب، والبر بالشعير، والشعير بالبر، والتمر بالملح، والملح بالتمر، يدًا بيد، كيف شئتم" (¬4). 2 - حديث عثمان بن عفان (¬5)، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين" (¬6). 3 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث أبي سعيد الخدري (¬7): "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، سواء بسواء، مثل بمثل، من زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء" (¬8). ¬
4 - حديث أبي هريرة (¬1)، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما" (¬2). 5 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث عبادة (¬3): "من زاد أو ازداد فقد أربى" (¬4). قال الإمام السرخسي عقب استدلاله بهذا الحديث: "ففي الحديث حكمان: حرمة النساء في هذه الأموال عند المبايعة بجنسها، وهو متفق عليه، وحرمة التفاضل" (¬5). 6 - حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة (¬6)، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث أخا بني عدي الأنصاري، واستعمله على خيبر، فقدم بتمر جَنِيْبٍ، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أكل تمر خيبر هكذا؟ " قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجَمْعَ. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تفعلوا, ولكن مثلًا بمثل، أو بيعوا هذا، واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان" (¬7). قال الإمام الصنعاني عقب الاستدلال بهذا الحديث: "والحديث دليل على أن بيع الجنس بجنسه يجب فيه التساوي، سواء اتفقا في الجودة والرداءة أو اختلفا، وأن الكل جنس واحد. وقوله: وقال في الميزان مثل ذلك، أي قال فيما كان يوزن إذا بيع بجنسه مثل ما قال في المكيل, إنه لا يباع متفاضلًا، وإذا أريد مثل ذلك بيع بالدراهم، وشري ما يراد بها" (¬8). • الخلاف في المسألة: لم يعرف مخالفٌ في هذه المسألة إلا ما اشتهر عن ¬
ابن عباس أنه يجوز التفاضل في هذه الأموال، وروي مثله أيضًا عن أسامة بن زيد، وزيد ابن أرقم، وابن الزبير، والبراء (¬1). وقد أشار السبكي في تكملتِه (المجموعَ) شرح المهذب إلى هؤلاء مع جماعة آخرين هم: ابن عمر وابن مسعود ومعاوية من الصحابة، وعطاء بن أبي رباح، وفقهاء المكيين، وسعيد، وعروة من التابعين، وقد أسند عن أكثرهم ما يدل على قولهم بهذا الرأي، كما أسند عن بعضهم الرجوع عن هذا الرأي (¬2). والمشهور كما سبق أنه قول ابن عباس، ثم إنه رجع إلى قول الجماعة، روى ذلك الأثرم بإسناده، وقاله الترمذي وابن المنذر وغيرهم (¬3). وقد قال الإمام السرخسي عقب حكايته ذلك الرأي عن ابن عباس: "ولا معتبر بهذا القول؛ فإن الصحابة لم يسوغوا له هذا الاجتهاد" (¬4). • أدلة هذا الرأي: حديثا أسامة بن زيد مرفوعًا (¬5): "لا ربا إلا في النسيئة" (¬6). قال الإمام الماوردي ناقلًا وجه استدلال المخالفين بهذا الحديث: "فلما أثبت الربا في النسيئة؛ دل على انتفاء الربا في النقد" (¬7). وقد رد عليهم الماوردي قائلًا: "وأما حديث أسامة، وقوله: (إنما الربا في ¬
[14/ 14] مسألة: الإجماع على أن بيع الربوي بغير جنسه متفاضلا جائز.
النسيئة) ففيه جوابان: أحدهما: وهو جواب الشافعي: أنه جواب من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لمسائل مسألة عن التفاضل في جنسين مختلفين، فقال: (إنما الربا في النسيئة)، فنقل أسامة جواب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأغفل سؤال المسائل. والثاني: أنه محمول على الجنس الواحد يجوز التماثل فيه نقدًا ولا يجوز نسيئة على أن ابن عباس المستدل بحديث أسامة رجع عن مذهبه" (¬1). 2 - ما رواه (¬2) سفيان عن عمرو سمع أبا المنهال عبد الرحمن بن مطعم، قال: باع شريك لي دراهم في السوق نسيئة، فقلت: سبحان اللَّه أيصلح هذا؟ فقال: سبحان اللَّه، واللَّه لقد بعتها في السوق، فما عابها عليَّ أحد، فسألت البراء بن عازب، فقال: قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة ونحن نتبايع هذا البيع، فقال: "ما كان يدًا بيد؛ فليس به بأس، وما كان نسيئة فلا يصلح"، والقَ زيدَ بن أرقم، فاسأله؛ فإنه كان أعظمنا تجارةً، فسألت زيد بن أرقم، فقال مثله (¬3).Rعدم تحقق الإجماع والاتفاق على حرمة بيع الربوي بجنسه متفاضلًا لخلاف من سبق. [14/ 14] مسألة: الإجماع على أن بيع الربوي بغير جنسه متفاضلًا جائز. بيع أحد الأصناف الستة المنصوص عليها في السنة، بيع بعضها ببعض من غير جنسه يدًا بيد متفاضلًا كبيع الحنطة بالشعير، وبيع الذهب بالفضة، والفضة بالذهب وهكذا. . جائز. • من نقل الإجماع: الإمام الترمذي ت 297 هـ، فقال: "إذا اختلفت الأصناف فلا بأس أن يباع متفاضلاً إذا كان يدًا بيد، وهذا قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم" (¬4). الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا أن بيع الصبرة بالصبرة من ¬
الطعام غير جائز، إذا كان من صنف واحد. وأجمعوا على إجازته إذا كان من صنفين" (¬1). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أنه يجوز بيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب متفاضلين يدًا بيد" (¬2). وقال أيضًا: "واتفقوا على أنه يجوز بيع الحنطة بالشعير والعسل بالزيت متفاضلًا يدًا بيد" (¬3). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "لا خلاف في جواز التفاضل في الجنسين نعلمه" (¬4). وقال أيضًا: "ولا يحرم التفاضل إلا في الجنس الواحد للخبر والإجماع" (¬5). الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "وأجمعوا على أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل. . . وعلى أنه يجوز التفاضل عند اختلاف الجنس إذا كان يدًا بيد كصاع حنطة بصاعي شعير، ولا خلاف بين العلماء في شيء من هذا" (¬6). الإمام تقي الدين السبكي ت 756 هـ، فقال: "لا خلاف في جواز المفاضلة عند اختلاف الجنس" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على جواز بيع الربوي بغير جنسه متفاضلًا: الحنفية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، وهو قول الثوري وإسحاق (¬11). ¬
• من مستند الاتفاق: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1): "بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدًا بيد، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدًا بيد، . . . " (¬2) الحديث. وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد" (¬4). 2 - لأن علة الربا الفضل مجموع الوصفين وقد انعدم أحدهما وهو الجنس (¬5). 3 - لأنهما جنسان فجاز التفاضل فيهما كما لو تباعدت منافعهما (¬6). • الخلاف في المسألة: ذهب سعيد بن جبير إلى جريان ربا الفضل عند وجود جنسين يتقارب الانتفاع بهما كالحنطة بالشعير (¬7) ولا يعول على خلافه -كما قال الموفق ابن قدامة- لمخالفته النص. وبنحو قول سعيد قال مالك وأصحابه أيضًا؛ فحرم التفاضل في الصنفين إذا تقاربت منافعها مثل القمح والشعير، وجعلهما جنسًا واحدًا (¬8)، وهو قول سعد بن أبي وقاص من الصحابة وقول الأوزاعي والليث بن سعد (¬9). كما خالف ابن عليه أيضًا فمنع التفاضل بين الذهب والفضة (¬10). • أدلة رأي مالك وسعيد: حديث سليمان بن يسار قال: فني علف حمار سعد بن أبي وقاص، فقال لغلامه: خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرًا، ¬
[15/ 15] مسألة: الإجماع على شمول الجنس عدة أصناف.
ولا تأخذ إلا مثله (¬1). قال الإمام أبو الوليد الباجي في معرض الاستدلال بهذا الأثر: "ونهيه عن أن لا يأخذ إلا مثله؛ دليل على تحريم التفاضل فيه عندهم؛ لأنه لا خلاف أن الحنطة أفضل من الشعير، وأنه لو جاز ذلك لوجدوا بالحنطة من الشعير أفضل من مكيلتها فلم يذكروا ذلك؛ لأنه ممنوع عندهم، وهذا يقتضي أن الحنطة والشعير جنس واحد؛ لا يجوز التفاضل بينهما، وكذلك السلت عند مالك هو من جنسهما. . . وإذا ثبت أنها جنس واحد حرم فيها التفاضل" (¬2). ولأنهما [أي الحنطة والشعير] أصبحا كالجنس الواحد لتقارب نفعهما فجرا فيهما الربا كجريانه في نوعي جنس واحد (¬3). ذكر الموفق هذا الاستدلال لسعيد، ثم عقبه بقوله: "فلا يعول عليه، ثم يبطل بالذهب بالفضة؛ فإنه يجوز التفاضل فيهما مع تقاربهما" (¬4).Rعدم تحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في جواز بيع الربوي بغير جنسه متفاضلًا لخلاف مالك في حرمة بيع الحنطة بالشعير، وخلاف سعيد في حرمة بيع الذهب بالفضة. [15/ 15] مسألة: الإجماع على شمول الجنس عدة أصناف (¬5). التمر جنس واحد أو نوع واحد وإن تعددت أصنافه كالأسود، وغير الأسود (¬6)، ¬
والعجوة، والبرني، والصيحاني (¬1)، ورفيعه، ووضيعه (¬2)، والمَعْقِلي، والإبراهيمي، والخاستوي وغيرها (¬3). والبر [أو القمح أو الحنطة] جنس واحد أو نوع واحد وإن تعددت أصنافه كالصيني والسمرة (¬4)، والأعلى، والأدنى، والوسط (¬5)، والجيد، والرديء، والجديد، والعتيق، والمقلو، وغير المقلو (¬6)، والريوز، والثمرة والسمراء، والحمولة وما أشبه ذلك (¬7)، والصعيدي، والبحيري (¬8)، والشعير جنس واحد أو نوع واحد وإن تعددت أصنافه كالأعلى، والأدنى، والوسط (¬9)، والجيد، والرديء، والجديد، والعتيق (¬10). والملح جنس واحد أو نوع واحد وإن تعددت أصنافه كالمعدني والمائي (¬11). والذهب جنس واحد أو نوع واحد وإن تعددت أصنافه كالمصري والمغربي (¬12). والفضة جنس واحد أو نوع واحد وإن تعددت أصنافها من تبر أو عين (¬13). وهكذا شمل كل جنس منها أو منوع منها أصنافًا متعددة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام الطحاوي ت 321 هـ، فقال: "لم نجد بين أهل العلم اختلافًا أن الأسود من التمر وغير الأسود منه؛ جنس واحد" (¬14). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن أصناف القمح كلها نوع ¬
واحد. واتفقوا أن أصناف الشعير كلها صنف واحد. واتفقوا أن أصناف الملح كلها نوع واحد. واتفقوا أن أصناف التمر كلها نوع واحد" (¬1). الإمام ابن عبد البر المالكي ت 463 هـ، فقال: "البر كله صنف واحد بإجماع، وإن اختلفت ألوانه وبعض صفاته وخاص أسمائه كالريوز والثمرة والمراء والحمولة وما أشبه ذلك، وكذلك الشعير كله صنف واحد، والتمر كله على اختلاف ألوانه وأسمائه الخاصة صنف واحد" (¬2). الحافظ ابن حجر ت 852 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن الوتمر بالتمر لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلًا بمثل، وسواء فيه الطيب والدون، وأنه كله على اختلاف أنواعه جنس واحد" (¬3). • الموافقون: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على أن كل نوع من الأعيان الربوية الستة يشمل عدة أصناف: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، ¬
والحنابلة (¬1) والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح مثلًا بمثل يدًا بيد؛ فمن زاد أو استزاد؛ فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه" (¬4). قال الإمام الطحاوي عقب إيراده هذا الحديث: "فتأملنا هذا الحديث، فوجدنا الألوان المذكورة فيه هي الأنواع من الأجناس المختلفات من هذه الأشياء التي يدخلها الربا لا ما سواها؛ لأنا لم نجد بين أهل العلم اختلافا أن الأسود من التمر وغير الأسود منه جنس واحد لا يباع باللون الآخر إلا مثلًا بمثل" (¬5). 2 - حديث أبي سعيد الخدري (¬6) قال: جاء بلال إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتمر برني، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أين هذا يا بلال؟ " قال: كان عندنا تمر رديء فبعت صاعين بصاع ليطعم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أوَّه! عين الربا، عين الربا. لا تفعل، ولكن إن أردت أن تشتري؛ فبع التمر ببيع آخر، ثم اشتر به" (¬7). ¬
قال الإمام السبكي في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "فأنواع التمر كلها كالمعقلي والبرنى وغير ذلك جنس واحد، وأنواع الحنطة كالصعيدي والبحيري وغيرهما جنس واحد وأنواع الذهب كالمصري والمغربي وغيرهما جنس واحد، وأنواع الزبيب كالأسود والأحمر وسائر أصنافه جنس واحد، والمعتمد فيه حديث بلال المتقدم، وإطلاق قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (التمر بالتمر والذهب بالذهب والحنطة بالحنطة) " (¬1). 3 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "التمر بالتمر مثلًا بمثل"، فقيل له: إن عاملك على خيبر يأخذ الصالح بالصاعين؛ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ادعوه لي، فدعي له؛ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتأخذ الصاع بالصاعين؟ " فقال: يا رسول اللَّه، لا يبيعونني الجَنِيْبَ بالجَمْعِ صاعًا بصاع، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بع الجَمْعَ بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا" (¬3). قال ابن عبد البر بعد هذا الحديث: "وفيه من الفقه أن التمر كله جنس واحد؛ رديئه وطيبه، ورفيعه ووضيعه" (¬4). 4 - قوله عليه السلام (¬5) عن الأصناف الستة: "جيدها ورديئها سواء" (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف على أن كل جنس من الأعيان الربوية الستة يشمل جميع أصنافه. ¬
[16/ 16] مسألة: الإجماع على أن المساواة المرعية في بيع الربوي بجنسه تكون بالكيل فيما أصله الكيل وبالوزن بما أصله الوزن.
[16/ 16] مسألة: الإجماع على أن المساواة المرعية في بيع الربوي بجنسه تكون بالكيل فيما أصله الكيل وبالوزن بما أصله الوزن. إذا بيع أحد الأصناف الستة الربوية (الذهب، الفضة، البر، الشعير، التمر، الملح) بجنسه كذهب بذهب، أو بر ببر. . . وهكذا؛ فلا يباع المكيل إلا كيلًا، ولا ما يوزن إلا وزنًا، وقد نقل الاتفاق على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الاتفاق: الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ؛ فقال: "واتفقوا على أن المكيلات المنصوص عليها وهي: البر والشعير والتمر والملح مكيلة أبدًا لا يجوز بيعها بعضها ببعض إلا كيلًا، والموزونات المنصوص عليها موزونة أبدًا" (¬1). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "لا يباع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزنًا, ولا ما أصله الوزن كيلًا. لا خلاف بين أهل العلم في وجوب المماثلة في بيع الأموال التي يحرم التفاضل فيها، وأن المساواة المرعية هي المساواة في المكيل كيلًا وفي الموزون وزنًا، ومتى تحققت هذه المساواة لم يضر اختلافهما فيما سواها" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) على وجوب المماثلة في بيع الأموال ¬
الكيلي بالكيلي. . وهكذا. • مستند الاتفاق: حديث (¬1): "الذهب بالذهب وزنًا بوزن، مثلًا بمثل، والفضة بالفضة، وزنًا بوزن، مثلًا بمثل، فمن زاد أو استزاد فهو ربا" (¬2). وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "الذهب بالذهب وزنًا بوزن، والفضة بالفضة وزنًا بوزن، والبر بالبر كيلًا بكيل، والشعير بالشعير كيلًا بكيل" (¬4). وقوله عليه السلام (¬5): "الذهب بالذهب تبْرُها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والبر بالبر مُدْيٌ (¬6) بمديً، والشعير بالشعير مُدْيٌ بمديً، والتمر بالتمر مُدْيٌ بمديً، والملح بالملح مُدْيٌ بمديً، فمن زاد أو ازداد فقد أربى" (¬7). قال الإمام ابن قدامة: "فأمر بالمساواة في الموزونات المذكورة في الوزن كما أمر بالمساواة في المكيلات في الكيل" (¬8). وقال الزركشي الحنبلي في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "فاعتبر في ¬
الموزون الوزن، وفي المكيل الكيل، فمن خالف ذلك خرج عن المشروع المأمور به" (¬1). - لأن الفضل مبطل للبيع، ولا يعلم عدم الفضل إلا بالوزن فيما يوزن؛ فوجب ذلك كما في المكيل والأثمان (¬2). - لأن النص جاء على الموزون بالموزون، والمكيل بالمكيل وهو أقوى من العرف؛ فلا يترك ما هو أقوى وهو النص إلى الأدنى وهو العرف (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة -في رواية أخرى خلاف المشهور عنه- فذهب إلى أن تحديد المساواة المعتبرُ فيه العرفُ، وقد رجحه الكمال ابن الهمام (¬4). • ودليل رأي أبي يوسف: أن النص على الكيل والوزن؛ كان بناء على العرضي ذاك الوقت، وقد تبدلت فتبدل الحكم (¬5). كما خالف مالك وأصحابه في ذلك فقالوا: بجواز بيع بعض الموزونات والمكيلات ببعض جزافًا (¬6).Rعدم انعقاد الاتفاق ولا تحقق نفي الخلاف على وجوب تحديد المساواة في بيع الربوي بالربوي بالموزون وزنًا، وبالمكيل كيلًا لخلاف أبي يوسف، وبالموزون وزنًا لخلاف المالكية. ¬
[17/ 17] مسألة: الإجماع على أن بيع غير الربوي بجنسه متفاضلا يدا بيد جائز.
[17/ 17] مسألة: الإجماع على أن بيع غير الربوي (¬1) بجنسه متفاضلًا يدًا بيد جائز. بيع غير الربوي بجنسه متفاضلًا كفرس بفرسين أو سيف بسيفين ونحوها جائز، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفيت كراهته. • من نقل الإجماع، ونفى الكراهة: الإمام الشافعي ت 204 هـ، نقلًا عن محمد بن شهاب الزهري ت ما بين 123 هـ إلى 125 هـ؛ فقال: "سئل ابن شهاب عن ثوب بثوبين نسيئة فقال لا بأس به ولم أعلم أحدًا يكرهه" (¬2). الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ فقال: "ويجوز بيع المذروعات والمعدودات المتفاوتة واحدًا باثنين يدًا بيد كبيع ثوب بثوبين وعبد بعبدين وشاة بشاتين ونصل بنصلين ونحو ذلك بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع ونفي الكراهة: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على جواز بيع غير الربوي بجنسه متفاضلًا: بشرط أن يكون يدًا بيد عند الحنفية والمالكية (¬4)، وعند الشافعية حالا ومؤجلًا (¬5)، وكذا المذهب ¬
[18/ 18] مسألة: الإجماع على أن بيع الحيوان باللحم جائز إذا كان يدا بيد.
عند الحنابلة (¬1)، وهو قول أبي ثور وابن المنذر (¬2). مستند الإجماع ونفي الكراهة: لانعدام أحد الوصفين وهو الكيل والوزن (¬3). ولانعدام الطعم والثمنية (¬4). ولأنه غير مقتات ولا مدخر (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في جواز بيع غير الربوي بجنسه متفاضلًا إذا كان يدا بيد.Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الكراهة على جواز بيع غير الربوي بجنسه متفاضلًا إذا كان يدا بيد. [18/ 18] مسألة: الإجماع على أن بيع الحيوان باللحم جائز إذا كان يدًا بيد. بيع الحيوان باللحم يدًا بيد لا نسيئة جائز، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن بيع الحيوان يدا بيد جائز" (¬6). الإمام شمس الدين المنهاجي الأسيوطي ت 880 هـ، فقال: "لا يجوز بيع حيوان يؤكل بلحم من جنسه عند الثلاثة وقال أبو حنيفة يجوز ذلك وأجمعوا على أن بيع الحيوان باللحم يدًا بيد جائز" (¬7). • مستند الإجماع: لأن سبب المنع هو بيع مال الربا بأصله المشتمل عليه، ولم يوجد ذلك في هذه الصورة (¬8). ولأنه بيع الموزون وهو اللحم بما ليس ¬
[19/ 19] مسألة: بيع الربوي بغير جنسه، ومعه من جنسه إلا أن غير مقصود في البيع جائز بلا خلاف.
بموزون وهو الحيوان فاختلفت العلة (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في قول عندهم؛ فقالوا بعدم الجواز (¬2). • ودليلهم في هذا: ظاهر نهيه (¬3) -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الحيوان باللحم (¬4).Rعدم تحقق الإجماع على جواز بيع الحيوان باللحم لخلاف الشافعية في قول. [19/ 19] مسألة: بيع الربوي بغير جنسه، ومعه من جنسه إلا أن غير مقصود في البيع جائز بلا خلاف. إن بيع الربوي كالذهب مثلًا بغير جنسه كسيف مثلًا ومع السيف شيء من الذهب حلي به عن غير قصد؛ جاز هذا البيع، وقد نفي الخلاف في ذلك. ¬
• من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "وإن باع ما فيه الربا بغير جنسه، ومعه من جنس ما بيع به إلا أنه غير مقصود كدار مموه سقفها بالذهب؛ جاز لا أعلم فيه خلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار على نفي الخلاف في جواز بيع الربوي بغير جنسه، ومعه من جنسه: الحنفية ببعض شروط (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية في الأصح عندهم (¬4)، والحنابلة في ظاهر مذهبهم، وهو اختيار تقي الدين ابن تيمية، وابن القيم (¬5)، وهو قول الحسن والشعبي والنخعي (¬6)، ونقله ابن حزم عن الحكم بن عتيبة وابن سيرين وقتادة، وسليمان بن موسى، ومكحول، وسفيان (¬7). • مستند نفي الخلاف: لجواز دخول الثمرة قبل بدو صلاحها في بيع الأصل تبعًا (¬8) (¬9). ¬
2 - لأن الحاجة داعية إلى بيع ذلك، وشرائه، وقد عمت به البلوى، ولو منع ذلك وقع الناس في حرج شديد (¬1). 3 - لأنه لا يعرف عن أحد من الصحابة أنه نهى أن يباع الحلي إلا بغير جنسه أو بوزنه، والمنقول عنهم إنما هو في الصرف (¬2). 4 - لأن الدار المبيعة -وقد مُوِّه سقفُها بالذهب- بالذهب هي المقصودة، وهذه لا ربا فيها، والربوي الذي ظهر فيها وهو الذهب المموه به لم يكن مقصودًا في البيع، فوجوده كعدمه (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف ابن حزم في هذا، فقال بعدم الجواز حتى يفصل الربوي عن ما معه (¬4). والقول الثاني عند الشافعية (¬5)، والرواية الثانية عند أحمد: المنع، وهي ما عليه جماهير الأصحاب عند الحنابلة وقدموه ونصروه (¬6). وعن أحمد رواية بالجواز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره [وهو شبيه بما اشترطه الحنفية] أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه، ويشترط أن لا يكون حيلة على الربا (¬7). • أدلة هذا الرأي: 1 - حديث فضالة بن عبيد الأنصاري (¬8): أتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم؛ تباع، فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده, ثم قال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الذهب بالذهب وزنًا بوزن" (¬9). ¬
[20/ 20] مسألة: الإجماع على فسخ عقد البيع المتضمن للربا.
وعند أبي داود بلفظ: أتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز، ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو بسبعة دنانير، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا. حتى يتميز بينه وبينه" فقال: إنما أردت الحجارة. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا. حتى يتميز بينهما" (¬1). قال الإمام ابن حزم عقب استدلاله بهذين اللفظين: "فهذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يلتفت نيته في أنه إنما كان غرضه الخرز، ويكون الذهب تبعًا, ولا راعى كثرة ثمن من قلته، وأوجب التمييز والموازنة ولا بد" (¬2). 2 - ولأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر أن لا يباع الذهب والفضة بشيء من نوعهما إلا عينًا بعين، فإذا خلط أو كان مضافا إليه شيء؛ فلا سبيل إلى تحقيق أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيعه عينًا بعين (¬3).Rعدم تحقق نفي الخلاف على جواز بيع الربوي بغير جنسه، ومعه من جنسه؛ لخلاف من سبق من الفقهاء. [20/ 20] مسألة: الإجماع على فسخ عقد البيع المتضمن للربا. إذا المرء باع بيعًا أربى فيه، كأن باع ذهبًا بذهب أو فضة بفضة أو برًّا ببر أو شعيرًا بشعير أو تمرًا بتمر أو ملحًا بملح متفاضلًا أو نسيئة. أو باع بشرط أن يسلفه أو يقرضه أو شرط المشتري ذلك عليه، فالبيع محرم وفاسد وباطل ومفسوخ، وقد نقل الإجماع على هذا كما قد نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: 1 - الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال كما نقله عنه السبكي: "أجمع عوام [كذا] الأمصار: مالك بن أنس، ومن تبعه من أهل المدينة، وسفيان الثوري ومن وافقه من أهل العراق، والأوزاعي ومن قال بقوله من أهل الشام، والليث بن سعد ومن وافقه من أهل مصر، والشافعي وأصحابه، وأحمد، ¬
وإسحق، وأبو ثور، والنعمان [أبو حنيفة]، ويعقوب [أبو يوسف]، ومحمد بن الحسن (¬1) [الشيباني] على أنه لا يجوز بيع ذهب بذهب، ولا فضة بفضة، ولا بر ببر، ولا شعير بشعير، ولا تمر بتمر، ولا ملح بملح متفاضلًا يدًا بيد ولا نسيئة، وأن من فعل ذلك؛ فقد أربى، والبيع مفسوخ" (¬2). 2 - الإمام أبو القاسم المهلب ابن أبي صفرة التميمي ت 433 هـ (¬3)، فقال: "لا خلاف بين العلماء أن كل من باع بيعًا فاسدًا أن بيعه مردود، وقول النبي عليه السلام: (أوَّهْ عين الربا) (¬4)؛ دليل على فسخ البيع؛ لأن اللَّه تعالى قد أمر بذلك في كتابه، وقضى برد رأس المال بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278] " (¬5). 3 - الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، فقال: "وفي اتفاق الفقهاء على أن البيع إذا وقع بالربا مفسوخ أبدًا؛ دليل واضح على أن بيع عامل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الصاعين بالصاع في هذا الحديث (¬6)؛ كان قبل نزول آية الربا، وقبل أن يتقدم إليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالنهي عن التفاضل في ذلك" (¬7). 4 - الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "ولو باعه بشرط أن يسلفه أو يقرضه، أو شرط المشتري ذلك عليه؛ فهو محرم، والبيع باطل. . . ولا أعلم ¬
فيه خلافًا" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬2) والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) على أن عقد البيع المتضمن الربا فاسد مفسوخ، وهو قول من ذكر ابن المنذر في حكايته الإجماع السابق. • مستند الاتفاق: قوله تعالى (¬6): {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]. قال الإمام الكاساني في معرض الكلام عن هذه المسألة: "لو انتفت [أي المماثلة بين البدلين في أموال الربا] فالبيع فاسد؛ لأنه بيع ربا، والبيع الذي فيه ربا فاسد؛ لأن الربا حرام بنص الكتاب الكريم، قال اللَّه عز وجل: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] " (¬7). 2 - حديث أبي سعيد الخدري (¬8) قال: جاء بلال بتمر برني فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أين هذا"؟ فقال بلال: من تمر كان عندنا رديء، فبعت صاعين ¬
منه بصاع ليطعم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند ذلك: "أوَّه! عين الربا، لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري التمر؛ فبعه ببيع آخر، ثم اشتر به" (¬1). وفي رواية: أُتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بتمر، فقال: "ما هذا التمر من تمرنا" فقال الرجل يا رسول اللَّه بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذا الربا، فردوه، ثم بيعوا تمرنا، واشتروا لنا من هذا" (¬2). قال الإمام ابن عبد البر في معرض الاستدلال لهذا المسألة: "وقد روى أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر برد هذا البيع، وذلك محفوظ من حديث بلال، ومن حديث أبي سعيد الخدري أيضًا" (¬3). وقال الإمام القرطبي عقب استدلاله بهذين الحديث بلفظيه: "قال علماؤنا: قوله: (أوه عين الربا) أي هو الربا المحرم نفسه لا ما يشبهه. وقوله: (فردوه) يدل على وجوب فسخ صفقة الربا، وأنها لا تصح بوجه" (¬4). 3 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5): "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد" (¬6). قال الإمام ابن عبد البر في معرض الاستدلال لهذا المسألة: "والبيع إذا وقع محرمًا فهو مفسوخ مردود، وإن جهله فاعله. قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) " (¬7). ¬
4 - حديث يحيى بن سعيد (¬1)، أنه قال: أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- السعدين (¬2) أن يبيعا آنية من المغانم من ذهب أو فضة، فباعا كل ثلاثة بأربعة عينًا، أو كل أربعة بثلاثة عينًا؛ فقال لهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أربيتما فَرُدَّا" (¬3). قال الإمام ابن عبد البر في معرض استدلاله بهذا الخبر: "وفي قوله. . (أربيتما فردا) دليل على أن البيع الحرام مردود أبدًا؛ فإن فات رجع فيه إلى [القيمة عند] الفقهاء" (¬4). وقال الإمام السرخسي أيضًا: "لأن مباشرته [أي العقد الفاسد] معصية، والإصرار على المعصية معصية؛ فلهذا قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أربيتما فردا) " (¬5). • الخلاف في المسألة: ليس هناك خلاف في هذه المسألة؛ إلا أن الخفية يرون أن العقد وإن كان فاسدًا إلا أنه لا يفسخ إن كان العوض مقبوضًا. فقال السرخسي مثلًا: "الفضل الخالي عن العوض إذا دخل في البيع كان ضد ما يقتضيه البيع؛ فكان حرامًا شرعًا، واشتراطه في البيع مفسد للبيع" (¬6). ومؤدى كلامه أن العوض ما لم يكن مشروطًا لم يفسد البيع. وفصل ابن نجيم أكثر فقال: "من جملة صور البيع الفاسد جملة العقود الربوية، يملك العوض فيها بالقبض" (¬7). • ودليلهم على هذا: أن الربا وسائر البيوع الفاسدة من قبيل ما كان مشروعًا بأصله دون وصفه (¬8). ¬
[21/ 21] مسألة: الإجماع على أنه لا ربا بين العبد وسيده إلا أن يكون على العبد دين.
Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف على كون عقد البيع الذي دخله الربا عقدًا فاسدًا. أما كونه مفسوخًا حتى بعد القبض فقد سبق خلاف الحنفية في ذلك. [21/ 21] مسألة: الإجماع على أنه لا ربا بين العبد وسيده إلا أن يكون على العبد دَيْنٌ. لا يجري الربا بين العبد وسيده، وعليه يجوز أن يبيع السيدُ لعبده درهمًا بدرهمين، أو نحو ذلك من الفضل الخالي عن العوض، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام محمد بن الحسن التميمي الجوهري ت في حدود 350 هـ، فقال: "وأجمعوا أنه لا ربا بين العبد وسيده إلا أن يكون على العبد دين" (¬1). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أنه ليس بين السيد وبين عبده ربا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الاتفاق على أنه ليس بين السيد وبين عبده ربا: الحنفية وإن كان عليه دين عند بعضهم (¬3)، والمالكية مع كراهته عندهم دون تحريمه (¬4)، وألمح الشافعية إليه (¬5)، وهو رواية ¬
عن أحمد، اختيار بعض أصحابه كابن أبي موسى، وأبي بكر (¬1)، وحكاه ابن حزم من قول الحسن وجابر بن زيد والنخعي والشعبي وسفيان الثوري وعثمان البتي والحسن بن حي والليث (¬2). • مستند الإجماع والاتفاق: حديث (¬3): "لا ربا بين العبد وسيده" (¬4). 2 - لأن هذا ليس ببيعٍ؛ لأن كسب العبد لمولاه فهو ما لرقبته، والبيع مبادلة ملك السيد بملك غيره (¬5). أدلة المالكية على الكراهة: 1 - قول النبي عليه السلام (¬6): "الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقي المشبهات استبرأ لدينه وعرضه" (¬7). ¬
قال الإمام أبو الوليد ابن رشد الجد في معرض استدلاله لرأيهم بالكراهة: "أن ربا السيد من عبده من المشتبهات التي من تركها أجر، ومن فعلها لم يأثم لقول النبي عليه السلام: (الحلال والحرام. .) -فذكره-" (¬1). ب- لأن ملك العبد لماله غير مستقر، فيجوز لسيده أن يأخذه منه، فلما جاز له أخذه بغير رضاه، لم يحرم عليه أن يأخذه منه ربا معه فيه (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف أحمدُ وجماهيرُ أصحابه، وهو المذهبُ عندهم (¬3)، والظاهريةُ (¬4)، فقالوا: يجري الربا بين العبد وسيده. وعليه لا يجوز أن يبيعه درهمًا بدرهمين، وهكذا. وأدلتهم على ذلك: 1 - حديث عبد اللَّه بن شداد (¬5)، قال: مر الحسين بن علي رضي اللَّه عنهما براع، فأهدى الراعي إليه شاة، فقال له الحسين: حر أنت أم مملوك؟ فقال: مملوك. فردها الحسين عليه؛ فقال له المملوك: إنها لي، فقبلها منه، ثم اشتراه، واشترى الغنم، فأعتقه وجعل الغنم له (¬6). قال ابن حزم عقب الاستدلال بهذا الحديث: "فهذا الحسين تَقبَّل هدية المملوك إذ أخبره أنها له" (¬7) أي أنه قد ثبتت بذلك الخبر ذمة مالية مستقلة للعبد. ¬
[22/ 22] مسألة: الإجماع على جواز قليل الغور.
2 - لأن اللَّه تعالى حرم الربا بصيغة العموم؛ ولم يخص عبدًا من حر (¬1). كما ذهب أكثر الحنفية إلى أنه إن كان عليه دين لا يجوز الربا بينهما (¬2). • وأدلتهم على ذلك: أن ما في يد العبد ليس بملك للسيد عند أبي حنيفة فأصبح كالمكاتب، أما أبو يوسف ومحمد بن الحسن فلأنه تعلق به حق الغير فلا يخلو من شبه الربا (¬3).Rعدم تحقق الاتفاق على أن لا ربا بين العبد وسيده؛ لخلاف الحنابلة؛ حيث هو المذهب عندهم، والظاهريةِ. [22/ 22] مسألة: الإجماع على جواز قليل الغور (¬4). البيوع والمهور وغيرها من المعاملات لا تخلو من غور قليل وغبن يسير، فيعفى عنه، وقد نقل الإجماع على جوازه. • من نقل الإجماع: الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، فقال: "وكثير الغرر لا يجوز بإجماع وقليله متجاوز عنه" (¬5). الإمام النووي ت 676 هـ؛ فقال: "أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير" (¬6). ¬
[23/ 23] مسألة: الاتفاق على جواز الصرف إذا كان أحدهما دينا وقبضه في المجلس.
• الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على جواز الغرر القليل: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: لأنه لا يسلم بيع من قليل الغرر (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع على جواز الغرر القليل والعفو عنه. [23/ 23] مسألة: الاتفاق على جواز الصرف (¬6) إذا كان أحدهما دينًا وقبضه في المجلس. إذا كان أحد العوضين أو البدلين دينًا في عملية الصرف، فتصارفا به مع قبضه في المجلس؛ جاز ذلك، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام الطحاوي ت 321 هـ، فقال: "واتفقوا -يعني ¬
هؤلاء الفقهاء الثلاثة [أبا حنيفة ومالكًا والشافعي]-على جواز الصرف إذا كان أحدهما دينًا وقبضه في المجلس" (¬1). الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، فقال: "اتفق هؤلاء المذكورون [يعني أبا حنيفة ومالكًا والشافعي وزفر والحسن بن حي] على جواز الصرف إذا كان أحدهما دينًا وقبضه في المجلس" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور الفقهاء على الاتفاق على جواز الصرف إذا كان أحد البدلين دينًا: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وهو الصحيح عند الحنابلة (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - خبر ابن عمر (¬7)، قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في بيت حفصة، فقلت: يا رسول اللَّه رويدك أسألك: إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم ¬
وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء" (¬1). قال الإمام شمس الدين ابن قدامة عقب استدلاله بهذا الحديث: "دل الحديث على جواز بيع ما في الذمة من أحد النقدين بالآخر وغيره مقاس عليه ودل على اشتراط القبض في المجلس قوله: (إذا تفرقتما وليس بينكما شيء" (¬2). 2 - لأنه إذا لم يقبض في المجلس قبل التفرق -والحال هكذا- صار بيع دين بدين وهو حرام (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف أحمد في الرواية الثانية عنه في هذا، فقال بعدم الجواز (¬4). ¬
Rعدم تحقق الاتفاق على جواز الصرف إذا كان أحد العوضين دينًا رغم قبضه في المجلس؛ لخلاف أحمد في رواية.
الفصل الثاني مسائل الإجماع في صور من البيوع
الفصل الثاني مسائل الإجماع في صور من البيوع [24/ 1] مسألة: من ابتاع سلعة ثم باعها مرابحة (¬1)، ثم ابتاعها بزيادة فأراد بيعها مرابحة وجب أن يبيعها على ثمنها الثاني لا الأول بالإجماع. كمن اشترى ثوبا بعشرة دراهم فباعه بخمسة عشر درهمًا ثم اشتراه باثني عشر درهمًا، وجب بيعها على ثمنه الثاني اثني عشر درهمًا. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام محمد بن الحسن التميمي الجوهري ت في حدود 350 هـ، فقال: "وأجمعوا أن من ابتاع سلعة ثم باعها مرابحة، ثم ابتاعها. بزيادة، فأراد أن يبيعها؛ باعها على ثمنها الثاني لا الأول" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع في هذه المسألة: أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، ¬
وهو قول عند الحنابلة (¬1) صوبه بعضُهم وضعَّف سواه (¬2). • مستند الإجماع: 1 - لأنه الشراء الثاني مستقل فلا يدخل فيه ما قبله من ربح (¬3). 2 - لأنه لو تملكه بسبب هبة أو ميراث أو وصية فباعه، ثم اشتراه بعد ذلك؛ جاز له أن يبيعه مرابحة على ما اشتراه به (¬4). 3 - لأنه تهمة ولا تغرير بالمشتري (¬5). 4 - لأن العقد الثاني وهو الشراء ملك حادث غير لازم للبيع الأول (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف جماعة فقالوا: لا يجوز؛ بل عليه أن لا يبيعه مرابحة حتى يطرح ربحه الأول من رأس المال. وهم: أبو حنيفة وأتباعُه سوى صاحبيه (¬7)، وهو المذهب والمستحب عند الحنابلة وعليه الأصحاب (¬8) -ولكنه ضعيف عند المرداوي (¬9) -، وابنُ سيرين (¬10). ¬
[25/ 2] مسألة: الإجماع حرمة الخديعة في البيع.
• أدلة هذا الرأي: 1 - لأن العقود في المرابحة تضم إلى بعضها، وبيوع الأمانة تقتضين أن يخبر بما قامت عليه به، كما تضم أجرة الخياط والقصار، وإن البائع استفاد بالشراء ثبوت الربح له لعدم رجوع المشتري في العقد الأول (عقد البيع) فقد أمن أن يرده عليه (¬1). 2 - لأن الإخبار بحقيقة الأمر أبعد من التغرير بالمشتري (¬2).Rعدم انعقاد الإجماع في هذه المسألة لخلاف أبي حنيفة والحنابلة. [25/ 2] مسألة: الإجماع حرمة الخديعة في البيع (¬3). تَحْرُم الخديعة، حتى أصبح ذلك التحريم واضحًا لكل أحد، ولا يكاد يخفى عليه، ولا مراء فيه، كما أن الخديعة كذب، والكذب حرام، وقد نقل الإجماع على هذا، ونفي المراء فيه. • من نقل الإجماع: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "حرم عز وجل الخديعة. ولا يمتري أحد في أن بيع المرء بأكثر مما يساوي ما باع ممن لا يدري ذلك؛ خديعة للمشتري، وأن بيع المرء بأقل مما يساوي ما باع، وهو لا يدري ذلك؛ خديعة للبائع، والخديعة حرام لا تصح" (¬4). الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ؛ فقال: "أما النجش فلا أعلم بين أهل العلم اختلافًا في أن معناه: أن يعطي الرجل الذي قد دسه البائع وأمره، في السلعة ¬
عطاء لا يريد شراءها به فوق ثمنها؛ ليغتر المشتري، فيرغب فيها" أو يمدحها بما ليس فيها، فيغتر المشتري حتى يزيد فيها. أو يفعل ذلك بنفسه ليغر الناس في سلعته وهو لا يعرف أنه ربها، وهذا معنى النجش عند أهل العلم. . . وهذا من فعل فاعله مكر وخداع لا يجوز عند أحد من أهل العلم لنهي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن النَّجْشِ (¬1). . . وأجمعوا أن فاعله عاص للَّه إذا كان بالنهي عالمًا" (¬2). الإمام الرافعي ت 623 هـ؛ حيث قال: "النجش خديعة وتحريم الخديعة واضح لكل أحد" (¬3). الإمام بدر الدين العيني ت 855 هـ؛ فقال: "الكذب حرام بالإجماع جائز في مواطن بالإجماع أصلها الحرب" (¬4). وقد سمى النبي عليه السلام الحرب خدعة، فقال: "الحرب خدعة" (¬5). وإذا كان الكذب جائز في الحرب، فالمقصود بالكذب هنا الخداع؛ فدل ذلك على أن تحريم الكذب تحريم للخديعة. واللَّه تعالى أعلم. الشيخ ابن قاسم النجدي ت 1392 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على تحريمه [أي النجش] لخبر: (هى عن النجش)، ولما فيه من تغرير المشتري وخديعته" (¬6). وإذا كان النجش محرم بالإجماع للتغرير والخديعة؛ دل ذلك على أن الخديعة محرمة بالإجماع مثله. • الموافقون على حرمة الخديعة في البيع: وافق جمهور فقهاء الأمصار ¬
وأتباعهم على الإجماع ونفي المراء في تحريم الخديعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع ونفي المراء: 1 - قوله تعالى (¬6): {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 9]. 2 - قوله عليه السلام: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" (¬7). 3 - قوله عليه السلام (¬8): "بيع المُحَفَّلاتِ (¬9) خِلابة، ولا تحل الخِلابة لمسلم" (¬10). ¬
[26/ 3] مسألة: البيع التدليس والغش؛ نافذ بالإجماع.
قال الشافعي: "وينبغي للمسلمين أن لا يخلبوا، والخِلابة: الخديعة" (¬1). وقال ابن تيمية عقب الاستدلال بهذا الحديث: "هذا نص في تحريم جميع أنواع الخلابة في البيع وغيره، والخلابة الخديعة" (¬2). 4 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "الخديعة في النار" (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع على حرمة الخديعة لكونها كذبًا وتغريرًا وظلمًا. [26/ 3] مسألة: البيع التدليس (¬5) والغش؛ نافذ بالإجماع. البيع إذا تم، وكان في المبيع تدليس أو عيب؛ نَفَذَ البيعُ، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، فقال: "فيه [أي حديث المصراة (¬6)] دليل على أن بيع المعيب بيع يقع صحيحًا، بدليل التخيير فيه؛ لأنه ¬
إن رضي المبتاع بالعيب جاز ذلك، ولو كان بيع المعيب فاسدًا أو حرامًا لم يصح الرضا به، وهذا أصل مجتمع عليه" (¬1). وقال أيضًا: "بيع تلقي السلع وقد أجمعوا أن البيع في ذلك غير مفسوخ" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على نفاذ البيع مع العيب أو التدليس: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4) والشافعية (¬5)، وهو المذهب عند الحنابلة، وعليه الأصحاب (¬6). • مستند الإجماع: قوله عليه السلام في حديث المصراة (¬7): "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعدُ؛ فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها: إن شاء ¬
أمسك، وإن شاء ردها وصاعَ تمر" (¬1). قال ابن عبد البر في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "فيه دليل على أن بيع المعيب بيع يقع صحيحًا، بدليل التخيير فيه؛ لأنه إن رضي المبتاع بالعيب جاز ذلك، ولو كان بيع المعيب فاسدًا أو حرامًا لم يصح الرضا به" (¬2). وقال الإمام الشيرازي في معرض استدلاله للمسألة: "إن باع ولم يبين العيب؛ صح البيع؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صحح البيع في المصراة مع التدليس بالتصرية" (¬3). وقال الإمام تقي الدين السبكي عقب ذكر الاستدلال بهذا الحديث: "فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل مشترى المصراة بالخيار إن شاء أمسك، وإن شاء رد مع التدليس الحاصل من البائع بالتصرية، وهي عيب مثبت للخيار بمقتضى الحديث؛ فدل على أن التدليس بالعيب وكتمانه لا يبطل البيع" (¬4). 2 - لأن للمشتري الخيار إذا كان يعلم حال المدلس أو المعيب إن شاء لم يرضه فرده، وإن شاء رضيه فأمضاه (¬5). 3 - لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن التصرية، وجعلها تدليسًا، ثم قال: "من ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعًا" ولو كان البيع باطلًا بالتدليس لرد ولم يخير (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف هذا الإجماع فقال ببطلان البيع: أحمدُ في رواية قيل هي ظاهر منصوص الإمام، وهو اختيار بعض أصحابه (¬7)، والظاهريةُ (¬8). ¬
[27/ 4] مسألة: لا ينبغي أن يسوم المسلم على سوم أخيه المسلم ولا على الكتابي الذمي بالإجماع.
• أدلة هذا الرأي: 1 - قوله تعالى (¬1): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]. 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" (¬2). 3 - لأنه أكل مال بالباطل (¬3). 4 - لأنه منهي عنه والنهي يقتضي الفساد (¬4). 5 - لظاهر النهي في حديث المصراة (¬5).Rعدم انعقاد الإجماع على كون البيع مع التدليس واقع لخلاف أحمد في رواية وبعض أصحابه، والظاهرية. [27/ 4] مسألة: لا ينبغي أن يسوم (¬6) المسلم على سوم أخيه المسلم ولا على الكتابي (¬7) الذمي (¬8) بالإجماع. لا يجوز لمسلم أن يسوم على سوم أحد سواء أكان هذا الأحد مسلمًا أو غير مسلم، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. ¬
• من نقل الإجماع: الإمام الطحاوي ت 321 هـ، فقال: "قال الأوزاعي: لا بأس بدخول المسلم على الذمي في سومه. قال أبو جعفر: ولا نعلم أحدًا قال بذلك غير الأوزاعي" (¬1). الإمام محمد بن الحسن التميمي الجوهري ت في حدود 350 هـ، فقال: "وأجمعوا أنه لا ينبغي أن يسوم الرجل على سوم الرجل، ولا الكتابي الذمي" (¬2). الإمام ابن بطال ت 449 هـ، فقال: "الفقهاء كلهم يكرهون أن يسوم على سوم أخيه بعد السكون" (¬3). الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، فقال: "لا خلاف بينهم في كراهية بيع الرجل على بيع أخيه المسلم وسومه على سوم أخيه المسلم. . وكذلك لا أعلم خلافًا في أن الذمي لا يجوز لأحد أن يبيع على بيعه ولا يسوم على سومه، وأنه والمسلم في ذلك سواء" (¬4). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن بيع السائمة على سوم أخيه، وبيعه على بيع أخيه مكروه" (¬5). الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "أجمع العلماء على منع البيع على بيع أخيه والشراء على شرائه والسوم على سومه" (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، ¬
المالكية (¬1)، وأكثر الشافعية (¬2)، والحنابلة بالنسبة لحرمة سوم المسلم على المسلم دون الذمي (¬3). • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - قوله عليه الصلاة والسلام (¬4): "لا يستامُ الرجل على سوم أخيه" (¬5). وهو خبر بمعنى النهي (¬6). 2 - أن ذكر الأخ في الحديث؛ خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له؛ فعليه المسلم والذمي في ذلك سواء (¬7). ¬
3 - لأن في السوم على الغير فيه إفساد وإنجاش، وكلاهما محرم (¬1). 4 - لأن الذمى يدخل في النهي عن النجش، وعن ربح ما لم يضمن، وفي الشفعة أيضًا، وغيرها مما يتبع فيه الذمى للمسلم، فكذلك هذه المسألة يدخل الذمي في منع السوم عليه (¬2). 5 - لأن العلماء أجمعوا على كراهة سوم الذمي على سوم المسلم وعلى سوم الذمي إذا تحاكموا إلينا، فدل ذلك على أنهم داخلون في النهي (¬3). 8 - أن ذكر الأخ في الحديث؛ هو من باب الرقة والعطف على المسلم وليس للتقيد؛ والكافر كالمسلم في ذلك (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في نفي الخلاف بالنسبة للذمي: أبو عبيد بن حَرْبَوَيْه (¬5) من الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، ¬
[28/ 5] مسألة: الذمي إذا كان عنده عبد فأسلم العبد أجبر على بيعه بالإجماع.
والأوزاعي (¬1) فرأوا جواز سوم المسلم على الذمي. • أدلة هذا الرأي: أن الأخوة بين الذمي والمسلم منتفية، والنهي عن السوم في المسلمين خاصة؛ لأنه عليه الصلاة السلام قال: "لا يسوم أحدكم على سوم أخيه" (¬2). 2 - لأن خطاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان للمسلمين في أن لا يبع بعضهم على بيع بعض، فقال: "لا يبع أحد على بيع أخيه" يعني المسلم (¬3). 3 - ولأن وإلحاق غير المسلم بالمسلم إنما يصح إذا كان مثله، والذمي ليس كالمسلم، ولا حرمته كحرمته (¬4). 4 - أن القول بأن الحديث خرج مخرج الغلب إنما يصح جوابا متى كان المذكور لا يحمل معنًا خاصا لتخصيص الحكم به، لكن الحديث ذكر الأخوة الإسلامية وهي توجب زيادة احتياط في رعاية الحقوق وهي غير موجودة في الذمي (¬5).Rعدم انعقاد الإجماع والاتفاق وعدم تحقق نفي الخلاف على المنع من سوم المسلم على الذمي خاصة لخلاف ابن حربويه الشافعي والحنابلة والأوزاعي. [28/ 5] مسألة: الذمي إذا كان عنده عبد فأسلم العبد أجبر على بيعه بالإجماع. إذا كان عند أحد من أهل الذمة رقيق فأسلموا أجبروا على بيعهم، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي النزاع فيه. ¬
• من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا أن رقيق أهل الذمة إذا أسلموا بيعوا عليهم" (¬1). الإمام شمس الدين ابن قدامة ت 680 هـ، فقال: "لا يجوز استدامة الملك للكافر على المسلم إجماعًا" (¬2). الإمام المرداوي ت 885 هـ، فقال: "إن أسلم عبد الذمي أجبر على إزالة ملكه عنه بلا نزاع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهريةُ على الإجماع في هذه المسألة، إلا أن الظاهرية قالوا: هو حر ساعة أسلم. ولا ولاء لأحد عليه لأنه خرج من ملكه فلا ينتظر حتى يباع عليه (¬8). • مستند الإجماع ونفي النزاع: 1 - قوله تعالى (¬9): {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]. ¬
قال الإمام ابن حزم عقب استدلاله بهذه الآية: "والرق أعظم السبيل" (¬1). 2 - لأنه في إقرار تحت ملكه واستخدمه له قهرًا بموجب ملك اليمين، فيه ذل؛ فيجبر على إزالة هذا الذل (¬2). 3 - أن في إجباره على العتق؛ فيه دفع للذل عن العبد المسلم، وتجنبًا لسلطان الكافر عليه (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة إلا ما سبق من رأي ابن حزم أنه بإسلامه أصبح حرًّا, ولا ينتظر حتى يباع. ولا يعد هذا خلافًا جوهريًّا. إذ الكل متفق على الأصل العام وهو وجوب إخراج من أسلم من سلطة الذمي؛ إذ لا ولاية عليه.Rتحقق الإجماع ونفي النزاع على إجبار الذمي على بيع من أسلم من رقيقه. ¬
الفصل الثالث مسائل الإجماع في مسائل الغصب
الفصل الثالث مسائل الإجماع في مسائل الغصب [29/ 1] مسألة: الإجماع على حرمة الغصب (¬1). الغصب كما سبق هو أخذ مال الغير بغير حق، وهو حرام، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام أبو الوليد ابن رشد الجد ت 520 هـ، كما حكاه عنه القرافي فقال: "قال صاحب المقدمات: التعدي على رقاب الأموال سبعة أقسام لكل منها حكم يخصه وهي كلها مجمع على تحريمها وهي: الحِرابة والغصب والاختلاس والسرقة والخيانة والإدلال والجحد" (¬2). الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الغصب حرام" (¬3). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "الغصب هو الاستيلاء على مال غيره بغير حق، وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع. . . وأجمع ¬
المسلمون على تحريم الغصب في الجملة" (¬1). الإمام شمس الدين المنهاجي الأسيوطي ت 880 هـ، فقال: "الغصب محرم. والأصل في تحريمه: الكتاب، والسنة، والإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • من مستند الإجماع والاتفاق: قوله تعالى (¬8): {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188]. وقوله تعالى (¬9): {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} [النساء: 10]. وقوله تعالى (¬10): {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]. وقوله تعالى (¬11): {وَالسَّارِقُ ¬
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38]. قال ابن قدامة عقب الاستدلال بهذه الآية: "والسرقة نوع من الغصب" (¬1). وقوله تعالى (¬2): {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)} [المطففين: 1]. قال الإمام الشربيني عقب الاستدلال بهذه الآية: "وإذا كان هذا في التطفيف وهو غصب القليل؛ فما ظنك بغصب الكثير؟ ! " (¬3). - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4): "ألا إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" (¬5). قال الإمام المنهاجي عقب استدلاله بهذا الحديث: "ومعنى ذلك: دماء بعضكم على بعض، وأموال بعضكم على بعض" (¬6). - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7): "من ظلم قيد شبر من أرض طُوِّقَهُ (¬8) من سبع أرضين" (¬9). - لأن الغصب عدوان وظلم ترفضه النفوس البشرية، وهما حرام (¬10). ¬
[30/ 2] مسألة: الاتفاق على جواز تأديب الغاصب بالضرب.
• الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع على أن حكم الغصب الحرمة. [30/ 2] مسألة: الاتفاق على جواز تأديب الغاصب بالضرب. من غصب أحدًا شيئًا أدب بالضرب ونحوه تعزيرًا (¬1)، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن الغاصب المجاهر الذي ليس محاربًا لا قطع عليه، واتفقوا أن التعزير يجب فيه من جلدة إلى عشرة" (¬2). الإمام فخر الدين الزيلعي ت 743 هـ، فقال: " (فصل في التعزير). . . اجتمعت الأمة على وجوبه في كبيرة لا توجب الحد، أو جناية لا توجب الحد" (¬3). ¬
• الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على تعزير الغاصب: الحنفية (¬1)، المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - أن تعزير الغاصب محتاج إليه لحق اللَّه تعالى (¬6)، ولدفع الفساد (¬7)، وللأذى الناجم عنه. 2 - أن الغصب منكر من المنكرات وتغيير المنكر واجب (¬8). 3 - أنه لا بد من زجر الغاصب وأمثاله، ليتناهى الناس عن حرمات اللَّه (¬9). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rهو تحقق الإجماع على تعزير الغاصب. ¬
[31/ 3] مسألة: الإجماع على صحة الوضوء بأرض مغصوبة.
[31/ 3] مسألة: الإجماع على صحة الوضوء بأرض مغصوبة. من توضأ في مكان مغصوب صح وضوؤه، وقد نقل فيه الإجماع. • من نقل الإجماع: الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "لو ذبح بسكين حلال في أرض مغصوب أو توضأ بماء في أرض مغصوبة؛ فإنه تحصل الذكاة والوضوء بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: لم أجد في نصوص الفقهاء نصًّا على هذه المسألة إلا عند الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). أما الحنفية والمالكية فقد تكلموا عن عدم فساد الصلاة بالأرض المغصوبة، مع كونها حرامًا. وذلك عند الحنفية (¬4)، لأن النهي إذا كان لمعنى في غير المنهي عنه لا يعدم المنهي عنه ولا يمنع نفوذه شرعًا. وعند المالكية (¬5) نحو هذا التعليل، فعندهم؛ لأن النهي لأمر خارج غير لازم فلا يقتضي الفساد. • مستند الإجماع: 1 - لأن فعل الطهارة وماءها لا يتعلق بغصب الأرض (¬6). 2 - لأن الإناء والمكان ليسا من شروط الطهارة فالنهي هنا يعود إلى أمر خارج كما لو صلى وفي إصبعه خاتم ذهب (¬7). 3 - لأن النهي لأمر خارج، وغير لازم؛ فلا يقتضي الفساد (¬8). ¬
[32/ 4] مسألة: الصلاة في ثوب مغصوب حرام بالإجماع.
• الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في هذه المسألة، غير أن ابن حزم تكلم محق بطلان الوضوء من إناء مغصوب؛ لأنه لم يتوضأ الوضوء الذي أمره اللَّه تعالى به، والذي لا تجزئ الصلاة إلا به، بل هو وضوء محرم، هو فيه عاص للَّه تعالى (¬1).Rانعقاد الإجماع على صحة الوضوء بأرض مغصوبة. [32/ 4] مسألة: الصلاة في ثوب مغصوب حرام بالإجماع. لبسُ المغصوبِ والصلاةُ فيه؛ حرامٌ على الرجال والنساء جميعًا، وقد نقل الإجماع في ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام الشوكاني ت 1250 هـ، فقال: "المنع من لبس الثوب المغصوب فلكونه ملك الغير وهو حرام بالإجماع" (¬2). الشيخ صديق حسن خان ت 1307 هـ، فقال: " (ولا يصلي في ثوب حرير. . . ولا ثوب شهرة. . . ولا مغصوب) لكونه ملك الغير، وهو حرام بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على حرمة الصلاة في الثوب المغصوب: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). وذكر ابن حزم حرمة الوضوء من الإناء ¬
[33/ 5] مسألة: الصلاة في المكان المغصوب حرام بالإجماع.
المغصوب (¬1)، وبطلان الحج على بعير مغصوب (¬2). ولم أجده نص على حرمة الصلاة في الثوب المغصوب، ولعله نوه بالنص على ما سبق على حرمة ما سواه. • مستند الإجماع: 1 - لأن العبادة لا تتأدي بما هو منهى عنه (¬3). 2 - لأن الصلاة مأمور بها وهي قربة وطاعة والصلاة منهي عنها على هذا الوجه إذ كيف يتقرب العبد بما هو عاص به؟ (¬4). 3 - أن ذلك فيه انتفاع بملك الغير بدون إذن، فلا يجوز أن ينتفع بملك الغير إلا بإذن (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع على حرمة الصلاة في الثوب المغصوب. [33/ 5] مسألة: الصلاة في المكان المغصوب حرام بالإجماع. الصلاة في أي مكان مغصوب حرام، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: قال الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على حرمة الصلاة في المكان المغصوب: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
[34/ 6] مسألة: نفي الخلاف في حرمة أكل الغاصب من الذبيحة المغصوبة.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: 1 - لأن البقاء في الثوب المغصوب يحرم في غير الصلاة؛ فلأن يحرم في الصلاة أولى (¬3). 2 - لما في الانتفاع بالشيء المغصوب من ظلم لصاحبه (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع على حرمة الصلاة في المكان المغصوب. [34/ 6] مسألة: نفي الخلاف في حرمة أكل الغاصب من الذبيحة المغصوبة. الغاصب معتد على مال الغير، كما سبق من تعريف الغصب شرعًا أنه أخذ قال متقوم محترم مملوك للغير بطريق التعدي (¬5). وعليه يكون ذبح الغاصب للمغصوب باطل حرام ويحرم أكله منها، وقد نفى الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "ذبح المعتدي باطل محرم عليه معصية للَّه تعالى بلا خلاف" (¬6). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في بطلان ذبح ¬
الغاصب وحرمة أكله من الذبيحة: الحنابلة في رواية عن أحمد المشهور، والظاهر والصحيح الحل (¬1)، والظاهريةُ (¬2)، وهو اختيار بعض أصحاب أحمد كأبي بكر (¬3) وهو عبد العزيز ابن باقا (¬4)، وابن القيم (¬5)، وهو قول إسحاق بن راهويه وعكرمة (¬6)، ¬
وطاوس بن كيسان (¬1). • مستند نفي الخلاف: قول اللَّه تعالى (¬2): {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]. قال الإمام ابن حزم في معرض الاستدلال بهذه الآية: "فإن الحيوان حرام أكله إلا ما ذكينا، فالذكاة حق مأمور به طاعة للَّه تعالى لا يحل أكل ما حرم من الحيوان إلا به ومن الباطل المتيقن أن تنوب المعصية، عن الطاعة. والعجب أنهم [أي المخالفين لهذا الرأي] متفقون معنا على أن الفروج المحرمة لا تحل إلا بالعقد المأمور به لا بالعقد المحرم: فمن أين وقع لهم أن يبيحوا الحيوان المحرم بالفعل المحرم؟ ! وما الفرق بين تصيد المحرم للصيد المحرم عليه، وبين ذبح المتعدي لما حرم عليه ذبحه؟ ! " (¬3). ¬
2 - وقوله تعالى (¬1): {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]. قال الإمام ابن حزم أيضًا في معرض الاستدلال بهذه الآية: "فنسأل من خالف قولنا أبحق ذبح هذا الحيوان أو نحو، أم بباطل، ولا بد من أحدهما، ولا يقول مسلم: إنه ذبح بحق، فإذ لا شك في أنه نحو وذبح بباطل فهو محرم أكله بنص القرآن" (¬2). 3 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" (¬4). 4 - حديث رافع بن خديج (¬5) قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذي الحليفة من تهامة فأصبنا غنما وإبلا فعجل القوم فأغلوا بها القدور فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمر بها فأكفئت، ثم عدل عشرًا من الغنم بجزور (¬6). قال الإمام ابن حزم في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "فهذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أمر بهرق القدور التي فيها اللحم المذبوح من الغنيمة قبل القسمة، ولا شك في أنه لو كان حلالًا أكله ما أمر بهرقه, لأنه عليه السلام نهى عن إضاعة المال؛ فصح يقينا أنه حرام محض، وأن ذبحه ونحره تعد يوجب الضمان، ولا يبيح الأكل" (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فأحل ذبيحة الغاصب مع التفصيل: الحنفية (¬8)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة في الرواية المشهورة وهي الصحيح والظاهر من المذهب (¬3)، وهو قول الأوزاعي والثوري (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - حديث رجل من الأنصار (¬5) قال: خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في جنازة، فرأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو على القبر يوصي الحافر: "أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه"، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجيء بالطعام، فوضع يده، ثم وضع القوم، فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يلوك ¬
[35/ 7] مسألة: الذبح بآلة مغصوبة صحيح مع الإثم بالإجماع.
لقمة في فمه، ثم قال: "أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها" فأرسلت المرأة، قالت: يا رسول اللَّه إني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة، فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة: أن أرسل إلى بها بثمنها؛ فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته، فأرسلت إلى بها، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أطعميه الأسارى" (¬1). قال الإمام ابن عبد البر في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "وهو لم تكن ذكية ما أطعمها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬2). وقال الإمام أبو الوليد ابن رشد الجد: "وإذ لو لم تكن ذكية لما أطعمها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدًا" (¬3). وقال الحافظ ابن حجر: "فلو لم تكن ذكية ما أمر بإطعامها الأسارى" (¬4).Rعدم تحقق نفي الخلاف في حرمة أكل الغاصب من الذبيحة المغصوبة لخلاف أكثر الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية، وكذا الحنابلة في الصحيح الظاهر عندهم. [35/ 7] مسألة: الذبح بآلة مغصوبة صحيح مع الإثم بالإجماع. إذا ذبحت الذبيحة بآلة مغصوبة سكين أو نحوها حلت، مع الإثم. وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "نقلوا الإجماع على صحة الصلاة في الدار المغصوبة. . . ومثل هذا لو توضأ. . . أو ذبح بسكين ¬
مغصوب. . . . صح الوضوء. . والذبح. . . ويأثم" (¬1). وقال أيضًا: "لو ذبح بسكين مغصوب. . كره ذلك، وحلت الذبيحة بلا خلاف عندنا قال العبدري: وبه قال العلماء كافة" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق الجمهور على حل الذبح بآلة مغصوبة مع الإثم: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4) (¬5)، والحنابلة في أصح الوجهين عندهم (¬6). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - قوله تعالى (¬7): {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]. 2 - قوله عليه السلام: "ما أَنْهَرَ الدَّمَ (¬8)، وذُكِرَ اسْمُ اللَّه فكلوا. . . " (¬9). 3 - لأنه يباح الذبح بها للضرورة والضرورات تبيح المحظورات (¬10). ¬
• الخلاف في المسألة: خالف الإجماع في هذه المسألة: الحنابلة في الرواية الأخرى (¬1)، والظاهرية (¬2)، فقالوا بعدم حل الذبيحة المذبوحة بآلة مغصوبة. • أدلة هذا الرأي: 1 - قوله عليه السلام (¬3): "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد" (¬4). قال الإمام النووي رادّا على الاستدلال بهذا الحديث: "والجواب عن حديث (من عمل عملًا) أنه يقتضى تحريم فعله، ولا يلزم منه إبطال الذكاة" (¬5). 2 - لأن المذبوح بآلة مغصوبة لم يُذَكَّ التذكية المأمور بها، فإذا لم يذك كما أمر؛ فلم يحل بذلك العمل المنهي عنه أكل ما لا يحل أكله إلا بالتذكية المأمور بها (¬6). 3 - لأن الغصب منهي عنه؛ وحيث إن الآلة محرمة فلم يحصل مقصودها كما، أشبه ما لو استجمر بالروث والرمة (¬7). ¬
[36/ 8] مسألة: الذكاة في أرض مغصوبة صحيح بالإجماع.
Rعدم انعقاد الإجماع وعدم تحقق نفي الخلاف على حل الذبيحة المذبوحة بآلة مغصوبة لخلاف الظاهرية، ورواية عن الحنابلة. [36/ 8] مسألة: الذكاة في أرض مغصوبة صحيح بالإجماع. من ذبح في مكان مغصوب صحت ذكاته، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "لو ذبح بسكين حلال في أرض مغصوب. . . . .؛ فإنه تحصل الذكاة. . . بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: لم أجد أحدًا من الفقهاء تطرق لهذه المسألة بقبول أو رد، سوى الشافعية كما ذكر النووي عند حكايته الإجماع، ودون مستند.Rانعقاد الإجماع على صحة الذكاة في الأرض المغصوبة. [37/ 9] مسألة: أجمع على حرمة انتفاع الغاصب بالعين. لا يحل للغاصب أن ينتفع بالمغصوب، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "أما الخبر [أي حديث: (الخراج بالضمان) (¬2)] فوارد في البيع، ولا يدخل فيه الغاصب؛ لأنه [أي الغاصب] لا يجوز له الانتفاع بالمغصوب بالإجماع" (¬3). الإمام ابن عادل المفسر ت 775 هـ، فلا: "أجمع المسلمون على أنَّهُ ¬
[38/ 10] مسألة: أجمع على أن للمالك إبطال تصرف الغاصب بالعين.
لا يجوز للغاصب أن ينفق [مما أخذه] بل يجب رَدُّه" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الإجماع على حرمة انتفاع الغاصب بالمغصوب: الحنفية في رواية عندهم هي المعتمدة (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وغيرهم كالشوكاني (¬6). • مستند الإجماع: لأنه لا يحل مال الغير لأحد لا عينًا ولا انتفاعًا دون إذن ذلك الغير (¬7). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة، وما ينبغي أن يكون فيها خلاف، إذ لا يحل لأحد أن ينتفع بملك غيره إلا بإذنه.Rتحقق الإجماع على حرمة الانتفاع بالمغصوب. [38/ 10] مسألة: أجمع على أن للمالك إبطال تصرف الغاصب بالعين. إذا تصرف الغاصب بالعين ببيع أو إجارة أو نحوها، فأبطل المالك تصرفه ¬
بطل. وإن أمضاه مضى، وقد نفى الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "أما ما اختار المالك إبطاله [أي من تصرفات وعقود الغاصب] وأخذ المعقود عليه فلم نعلم فيه [أي في إبطاله] خلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على نفي الخلاف في بطلان تصرف الغاصب بالعين إن أبطله المالك، ونفاذه إن أمضاه: الحنفية على تفصيل (¬2)، المالكية (¬3)، والشافعية في القديم (¬4)، ¬
والحنابلة في رواية (¬1). • مستند نفي الخلاف: لأن سبب الملك قد تقدم فتبين أنه باع ملك نفسه (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه الشافعية في الجديد (¬3)، والحنابلة في الرواية الأخرى (¬4) فقالوا ببطلان بيع الغاصب، ووجوب رد العين للمغصوب منه. • أدلة هذا الرأي: 1 - قوله عليه السلام (¬5): "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" (¬6). 2 - لأنه تصرف في مال غيره بغير إذنه (¬7). 3 - لتصرفه فيما لم يملكه (¬8). وخالف الحنابلة أيضًا في رواية ثالثة فقالوا: يصح البيع وينفذ مطلقًا (¬9). • ودليلهم في ذلك: 1 - لأن الغصب في الظاهر تتطاول مدته فلو لم يصح تصرف الغاصب أفضى إلى الضرر بالمالك والمشتري لأن المالك لا يملك ثمنها والمشتري لا يملكها (¬10). ¬
[39/ 11] مسألة: غلة المغصوب للمغصوب منه بالاتفاق.
2 - إن الحكم بصحتها يقتضي كون الربح للمالك، والعوض بنمائه، وزيادته له، والحكم ببطلانها يمنع ذلك، وفي المنع تفويت المنافع على المالك (¬1).Rعدم تحقق نفي الخلاف في عدم جواز بيع الغاصب ما اغتصبه، لخلاف الحنابلة في رواية بصحة البيع ونفاذه. وقد يقع تحقق نفي الخلاف إذا قلنا بصحة البيع مع حرمته، واللَّه تعالى أعلم. [39/ 11] مسألة: غلة المغصوب للمغصوب منه بالاتفاق. غلة الشيء المغصوب للمغصوب منه، وقد نقل الاتفاق على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الاتفاق ونفى الخلاف: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "كل ما تولد من مال المرء؛ فهو له باتفاق" (¬2). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "إن غصب شجرًا فأثمر؛ فالثمر لصاحب الشجر بغير خلاف نعلمه" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الاتفاق على كون الغلة للمغصوب منه: الحنفية (¬4)، وهو قول عند المالكية (¬5)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإتفاق ونفي الخلاف: 1 - حديث ابن عمر (¬4)، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ (¬5)، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؛ فإنما تخزن لهم ضروعُ مواشيهم أطعماتِهم؛ فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه" (¬6). 2 - حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل (¬7) عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: ¬
[40/ 12] مسألة: رد عين المغصوب لصاحبه واجب بالإجماع.
"من أحبا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق (¬1) " (¬2). 3 - لأن الربح هو نماء ملك المغصوب منه لذا فهو أولى به (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في القول الثاني عندهم، فقالوا: إن كانت الغلة المتولدة من المغصوب على غير خلقته وهيئته كاللبن والصوف والثمرة؛ فهي للغاصب (¬4). واستدلوا بحديث (¬5): "الخراج بالضمان" (¬6). ولأن الغاصب ضامن للعين المغصوبة، ومن ضمن شيئًا فخراجه له (¬7).Rعدم تحقق الاتفاق ونفي الخلاف في كون غلة المغصوب عامة للمغصوب منه لخلاف المالكية في قول. [40/ 12] مسألة: رد عين المغصوب لصاحبه واجب بالإجماع. يجب رد المغصوب إلى صاحبه، وقد نقل فيه الإجماع والاتفاق، كما نفي فيه الخلاف. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "ومن غصب دارًا فتهدمت كلف رد بنائها كما كان. . . وهو بإجماعهم معنا، وإجماع أهل الإسلام؛ مأمور بردها في كل وقت إلى صاحبها" (¬8). الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الغاصب يجب ¬
عليه رد المغصوب إن كان عينه قائمة ولم يخف من نزعها إتلاف نفس" (¬1). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، فقال: "الواجب على الغاصب إن كان المال قائمًا عنده بعينه لم تدخله زيادة ولا نقصان أن يرده بعينه وهذا لا خلاف فيه" (¬2). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "من غصب شيئًا؛ لزمه ردُّه ما كان باقيًا بغير خلاف نعلمه" (¬3). الإمام ابن عادل المفسر ت 775 هـ، فلا: "أجمع المسلمون على أنَهُ لا يجوز للغاصب أن ينفق [مما أخذه] بل يجب رَدّه" (¬4). الإمام شمس الدين المنهاجي الأسيوطي ت 880 هـ، فقال: "الإجماع قد انعقد على تحريم الغصب وتأثيم الغاصب، وأنه يجب رد المغصوب إن كانت عينا باقية، ولم يخف من نزعها إتلاف نفس" (¬5). الإمام ميارة الفاسي ت 1072 هـ، فقال: "أما وجوب رد الشيء المغصوب فلا خلاف فيه بين العلماء" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على وجوب رد عين المغصوب إلى من غصبت منه: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، ¬
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: قول اللَّه تعالى (¬3): {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]. 2 - حديث عبد اللَّه بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده (¬4) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبًا ولا جادًا، ومن أخذ عصا أخيه؛ فليردها" (¬5). 3 - قول النبي عليه السلام (¬6): "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" (¬7). ¬
[41/ 13] مسألة: رد غلة المغصوب المتولدة منه لمالكها بالاتفاق.
4 - لأن حق المغصوب منه تعلق بعين المغصوب، ورجوع الحق يتحقق إلا برد عين ماله (¬1). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rهو تحقق الإجماع والاتفاق وتحقق نفي الخلاف على وجوب رد عين المغصوب. [41/ 13] مسألة: رد غلة المغصوب المتولدة منه لمالكها بالاتفاق. إذا كان للمغصوب غلة متولدة من ذات المغصوب بطبيعته وخلقته ردت لمالكها وهو المغصوب منه، وقد نقل الاتفاق ونفي الخلاف في ذلك. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن جزي المالكي ت 741 هـ، فقال: "إن كانت الغلة ولادة كنتاج البهائم وولد الأمة؛ فيردها الغاصب مع الأم باتفاق" (¬2). الإمام ميارة الفاسي ت 1072 هـ، فقال: "الغلات على ثلاثة أقسام: أحدها: غلة متولدة عن الشيء المغصوب على هيئته وخلقته كالولد؛ فإنه يرد مع الأم بلا خلاف. . . " (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الاتفاق على وجوب رد غلة المغصوب إلى المغصوب منه: الحنفية (¬4)، وأحد أقوال المالكية، وهو التحقيق عند متأخري المذهب كما نص عليه ¬
ميارةُ (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الاتفاق ونفي الخلاف: 1 - حديث ابن عمر (¬5)، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تُؤتَى مَشْرُبَتُهُ؟ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؛ فإنما ¬
تخزن لهم ضروعُ مواشيهم أطعماتِهم؛ فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه" (¬1). 2 - قوله عليه السلام (¬2): "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس" (¬3). 4 - لأن الغاصب متعدي، فلا يملك هذا النماء (¬4). 5 - لأن المقصود من الأعيان هو المنافع، فإذا لم ترد الغلة المتحصلة حال الغصب؛ لكان الحكم بالرد هو عودة الانتفاع به في المستقبل، تتميم لغرض الغاصب (¬5). • الخلاف في المسألة مع أدلته: تعددت أقوال المالكية واختلفت في هذه المسألة (¬6) فقالوا كما قال الجمهور. وقالوا أيضًا: لا يردها مطلقًا؛ لأنها في مقابلة الضمان الذي عليه. وقالوا: يردها في الأصول والعقار؛ لأنه مأمون ولا يتحقق الضمان فيه دون الحيوان وشبهه مما يتحقق فيه الضمان. وقالوا: يردها إن انتفع بها، ولا يردها إن عطلها. وقالوا: يردها إن غصب المنافع خاصة، ولا يردها إن غصب المنافع والرقاب.Rعدم تحقق الاتفاق ونفي الخلاف في وجوب رد غلة المغصوب مطلقًا للمغصوب منه لتعدد أقوال المالكية في ذلك. ¬
[42/ 14] مسألة: يضمن الغاصب هلاك المنقول بالإجماع.
ملاحظة هذه المسألة تختلف عن السابقة فالسابقة فيما كان على غير هيئة المغصوب كاللبن والصوف، أما هذه المسألة فهي ما كان متولد من المغصوب بخلقته كالولد ونحوه. [42/ 14] مسألة: يضمن الغاصب هلاك المنقول بالإجماع. إذا اغتصب شيء من المنقولات فهلك ضمنه الغاصب وجوبًا، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، حيث قال: "أما ما يجب فيه الضمان؛ فهو كل مال أتلفت عينه أو تلفت عند الغاصب عينه بأمر من السماء أو سلطت اليد عليه، وتملك، وذلك فيما ينقل ويحول باتفاق" (¬1). الإمام الخطيب الشربيني 977 هـ، فقال: " (فإن تلف) المغصوب المتمول عند الغاصب بآفة أو إتلاف كله أو بعضه (ضمنه) الغاصب بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الاتفاق على وجوب ضمان المغصوب الهالك إن كان منقولًا: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4) ¬
[43/ 15] مسألة: يضمن الغاصب هلاك العقار المغصوب بالإجماع.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - لأن هذا الشيء المنقول مال للمغصوب منه تلف في يد الغاصب (¬4). 2 - لمِاَ فوَّت الغاصبُ على المغصوب منه من النفع بما غصبه؛ وتفويت اليد المقصودة كتفويت الملك عليه بالاستهلاك، وفوجب عليه ضمانه (¬5). 3 - لتعدي الغاصب بإتلافه المغصوب (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع والاتفاق على وجوب ضمان المغصوب إذا هلك. [43/ 15] مسألة: يضمن الغاصب هلاك العقار المغصوب بالإجماع. إذا غُصِبَ عَقَارٌ فهلك كأن تهدَّم بنفسه أو بآفة سماوية كغلبة سيل مثلًا؛ ضمنه الغاصب. وقد نقل الإجماع والقطع في ذلك. ¬
• من نقل الإجماع والقطع: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "ومن غصب دارًا فتهدمت كلف رد بنائها كما كان ولا بد. . . وهو بإجماعهم معنا وإجماع أهل الإسلام؛ مأمور بردها في كل وقت إلى صاحبها؛ فلا يجوز أن يسقط عنه بهدمها ما لزمه" (¬1). الشيخ محمد بن أحمد بن عرفه الدسوقي ت 1230 هـ، فقال: "مجرد الاستيلاء على المغصوب يوجب ضمانه قطعًا كان عقارًا أو غيره" (¬2). • الموافقون على الإجماع: محمد صاحب أبي حنيفة وأبو يوسف في قول أول له (¬3) والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وهو ظاهر مذهب أحمد، وهو المنصوص عن أصحابه (¬6)، والظاهريةُ (¬7)، وهو قول زفر (¬8). ¬
• مستند الإجماع والقطع: قول اللَّه تعالى (¬1): {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]. قال الإمام ابن حزم عقب استدلاله بهذه الآية: "وهو قد اعتدى على البناء المؤلف فحال بينه وبين صاحبه" (¬2). 2 - قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين" (¬4) وفي لفظ: "من غصب شبرًا من الأرض" (¬5)، قال الإمام ابن قدامة عقب استدلاله بهذا الحديث: "فأخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه يغصب ويظلم فيه" (¬6). 3 - لأن يد الغاصب على العقار الذي غصبه مثل يده على ما ينقل ويحول من الأموال (¬7). 4 - لتحقق إثبات يد الغاصب، ومن ضرورته زوال يد المالك صاحب العقار؛ لاستحالة اجتماع اليدين على محل واحد في حالة واحدة (¬8). لأن العقار يضمن في البيع إذا تلف؛ فوجب ضمانه في الغصب كالمنقول (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف (¬10) ورواية عند ¬
[44/ 16] مسألة: الغاصب يضمن عيب المغصوب بالإجماع.
أحمد (¬1) -في قوله الأخير- فقالوا: إذا هلك العقار بيد المغتصب بنفسه أو بآفة سماوية كغلبة سيل فلا ضمان عليه حيث لم يكن ذلك بسببه. • أدلة هذا الرأي: لأن العقار لا يتحقق فيه الغصب بإزالة اليد؛ لأن العقار لا ينقل، وإبعاد المالك عن ملكه هو فعل في المالك لا في العقار؛ فكان كما إذا بعد المالك عن المواشي (¬2). هذا على أن الغاصب إذا أَتلَف العقارَ؛ كأن هَدَمَ وحفر الأرضَ فهما يريان وسائرُ الحنفية والعلماء كآفة وجوبَ الضمان (¬3)، وذلك لأنه وجد منه النقل (¬4). وقد نفى الموفق ابن قدامة الخلاف في هذا؛ فقال: "وأما ما تلف من الأرض بفعله أو سبب فعله كهدم حيطانها وتغريقها وكشط ترابها وإلقاء الحجارة فيها أو نقص يحصل بغرسه أو بنائه؛ فيضمنه بغير اختلاف في المذهب، ولا بين العلماء؛ لأن هذا إتلاف، والعقار يضمن بالإتلاف من غير اختلاف" (¬5).Rعدم تحقق الإجماع على وجوب ضمان هلاك العقار المغصوب إذا هلك بنفسه أو بآفة سماوية كسيل مثلًا؛ لخلاف أبي حنيفة وكذا صاحبه أبي يوسف في قوله الأخير. [44/ 16] مسألة: الغاصب يضمن عيب المغصوب بالإجماع. إذا تعيب المغصوب في يد الغاصب بما يوجب نقصانًا في قيمته أو يفوت جزءًا منه، أو يفوت صفة مرغوبًا فيها؛ كأن لحقه زمانة أو عرج أو شلل أو عمى ¬
أو عور أو صمم أو بكم أو حمى أو مرض آخر، أو كانت أمة فأولدها (¬1). . أو نحو ذلك نقصت قيمته؛ وعليه ضمان هذا النقصان، وقد نقل الإجماع على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: "يضمن النقصان، ولا يعلم فيه خلاف" (¬2). الإمام أبو محمد البغدادي ت 1030 هـ، فقال: "يضمن النقصان بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على وجوب تضمين عيب المغصوب: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5) والشافعية (¬6)، ¬
[45/ 17] مسألة: هزال المغصوب مضمون بالإجماع.
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لوجود فوات جزء من عين المغصوب أو فوات صفة مرغوب فيها (¬3). 2 - لأن جميع أجزاء المغصوب دخلت في ضمانه؛ فيجب عليه ضمان قيمة ما تعذر رده سواء كان جزءا من أجزائه أو كلا (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف على وجوب ضمان نقص ما تعيب من المغصوب. [45/ 17] مسألة: هزال المغصوب مضمون بالإجماع. الهزال نقصان، وعليه إذا اغتصب الغاصب شيئًا فأصابه الهزال في يده، بحيث ينقص قيمته؛ فعليه ضمان هذا النقصان، وقد نقل الإجماع على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: "يضمن النقصان، ولا يعلم فيه خلاف" (¬5). الإمام أبو محمد البغدادي، فقال: "يضمن النقصان بالإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على ¬
[46/ 18] مسألة: صفة الضمان في الغصب.
الإجماع على وجوب تضمين هزال المغصوب: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: لأن جميع أجزاء المغصوب دخلت في ضمانه؛ فيجب عليه ضمان قيمة ما نقص من أجزائه كلا أو بعضًا من هزال وغيره (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف على وجوب ضمان نقص هزال المغصوب. [46/ 18] مسألة: صفة الضمان في الغصب. يضمن الغاصب ما اغتصب إذا ذهبت عينه؛ مثله مما له مثل، وقيمته مما لا مثل له. وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، فقال: "قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-. . (طعامٌ مثلُ طعامٍ) (¬6) مجتمع على استعماله والقول به في كل مطعوم مأكول أو ¬
موزون مأكول أو مشروب إنه يجب على مستهلكه مثله لا قيمته" (¬1). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ حيث قال: "فإذا ذهبت عينه [أي المغصوب] فإنهم اتفقوا على أنه إذا كان مكيلًا أو موزونًا أن على الغاصب المثل أعني مثل ما استهلك صفة ووزنًا" (¬2). الإمام المرداوي ت 885 هـ، فقال: "إن كان مثليًّا؛ فالواجب المثل بلا خلاف" (¬3). الإمام ابن نجيم الحنفي ت 970 هـ، فقال: "المغصوب القيمي إذا هلك فالمعتبر قيمته يوم غصبه اتفاقًا" (¬4). الشيخ ابن عابدين ت 1252 هـ، فقال: "وتجب القيمة في القيمي يوم غصبه إجماعًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع والاتفاق على وجوب ضمان المثلي بالمثلي والقيمي بالقيمي: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: قوله تعالى (¬10): {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]. ¬
[47/ 19] مسألة: أتفق على جواز الصلح عن المغصوب بجنسه بدون زيادة.
2 - قوله عليه السلام (¬1): "من أعتق شركًا له في عبد، فكان له مالٌ يبلغُ ثمنَ العبدِ؛ قُوِّم العبدُ عليه قيمةَ عَدْلٍ، فأعطى شركاءَه حِصَصَهم، وعَتَقَ عليه، وإلا فقد عَتَقَ منه ما عَتَقَ" (¬2). قال الإمام البهوتي عقب الاستدلال بهذا الحديث: "فأمر بالتقويم في حصة الشريك؛ لأنها متلفة بالعتق، ولم يأمر بالمثل لأن هذه الأشياء لا تتساوى أجزاؤها وتختلف صفاتها، فالقيمة فيها أعدل وأقرب إليها، فكانت أولى" (¬3). 3 - لأن المثل أقرب إليه من القيمة؛ فهو ممائل له من طريق الصورة والمشاهدة (¬4). 4 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5): "على اليد ما أخذت حتى ترده" (¬6). قال الشيخ محمد عليش عقب استدلاله بهذا الحديث: "لأن (على) للوجوب، وقد رتبه -صلى اللَّه عليه وسلم- على وصف الأخذ؛ فأفاد أنه سبب للضمان" (¬7). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف على وجوب ضمان المغصوب المثلي بالمثلي والقيمي بالقيمي. [47/ 19] مسألة: أتفق على جواز الصلح عن المغصوب بجنسه بدون زيادة. يجوز الصلح عن المغصوب الهالك بجنسه دون زيادة، وبخلاف جنسه بزيادة، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: الإمام داماد أفندي ت 1078 هـ؛ فقال: "إن صالح عنه بعرض صح مطلقا أي سواء كانت قيمته أكثر من قيمة المغصوب أو لا ¬
اتفاقًا" (¬1). الشيخ ابن عابدين 1252 هـ، فقال: "المصالح عليه إن كان من جنس المغصوب لا تجوز الزيادة اتفاقًا، وإن كان من خلاف جنسه جاز اتفاقًا" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على الاتفاق على جواز الصلح عن المغصوب بجنسه دون زيادة، وبخلاف جنسه بزيادة أبو حنيفة وأكثر أصحابه (¬3)، والمالكية (¬4) والحنابلة (¬5). ولم أعثر عند الشافعية على نص أو إشارة إلى هذه المسألة. • مستند الاتفاق: لأن الزيادة لا تظهر عند اختلاف الجنس (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقال بعدم جواز الصلح عن المغصوب الهالك على أكثر من قيمته أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة (¬7).Rعدم تحقق الاتفاق على جواز الصلح عن المغصوب بجنسه دون ¬
[48/ 20] مسألة: الغش حرام بالإجماع.
زيادة، وبخلاف جنسه بزيادة؛ لخلاف أبي يوسف ومحمد بعدم جواز الصلح عن المغصوب الهالك على أكثر من قيمته. [48/ 20] مسألة: الغش حرام بالإجماع (¬1). الغش حرام، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام الترمذي ت 297 هـ، فقال عقب حديث أبي هريرة: "من غش فليس منا" (¬2): "العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا الغش، وقالوا الغش حرام" (¬3). الإمام ابن العربي ت 543 هـ، فقال: "الغش حرام بإجماع الأمة" (¬4). الإمام ابن تيمية ت 728 هـ، فقال: "وبيع المغشوش لمن لا يتبين له أنه مغشوش حرام بالإجماع" (¬5). الإمام ابن عرفة الورغمي ت 803 هـ (¬6)، فقال: "الغش التدليس. . . وهو ¬
محرم إجماعًا كبيرة" (¬1). الإمام الخراشي ت 1101 هـ، فقال: "الغش. . . هو ضد النصيحة. . وهو حرام بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على حرمة الغش: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬8): "من غشنا فليس منا" (¬9). 2 - لأنه نقيض النصح (¬10). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع على حرمة الغش. ¬
[49/ 21] مسألة: القمار حرام بالإجماع.
[49/ 21] مسألة: القِمار (¬1) حرام بالإجماع. القِمار هو الميسر كما ورد ذكره في القرآن، وهو حرام، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي فيه الخلاف. • من نقل الإجماع: الإمام ابن بطال ت 449 هـ، فقال: "لم يختلف العلماء أن القمار محرم" (¬2). الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، فقال: "لم يختلف العلماء أن القمار من الميسر المحرم" (¬3). الإمام القرطبي ت 671 هـ، فقال: "إجماع العلماء أن القمار كله حرام" (¬4). وقال أيضًا: "روي عن عطاء أن المراهنة في كل شيء جائزة؛ وقد تُؤُول قوله؛ لأن حمله على العموم في كل شيء يؤدي إلى إجازة القمار، وهو محرم باتفاق" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على حرمة القمار: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). ¬
[50/ 22] مسألة: أدوات القمار طاهرة بالإجماع.
• مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى (¬1): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90]. قال الإمام ابن بطال عقب الاستدلال بهذه الآية: "واتفق أهل التأويل أن الميسر ها هنا القمار كله" (¬2). 2 - قوله عليه السلام (¬3): "إن اللَّه حرم على أمتي الخمر، والميسر. . . " (¬4). قال الإمام الماوردي عقب الاستدلال بهذا الحديث: "فالميسر: القمار" (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف على حرمة القمار. [50/ 22] مسألة: أدوات القمار طاهرة بالإجماع. أدوات القمار التي يتم اللعب بها سواء أكانت خشبًا أو خزفًا أو ورقًا؛ طاهرةُ العين، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "ولا يضر قرن الميسر والأنصاب والأزلام بها [أي بالخمر] مع أن هذه الأشياء طاهرة؛ لأن هذه الثلاثة ¬
خرجت بالإجماع [أي عن النجاسة] فبقيت الخمر على مقتضى الكلام" (¬1). الإمام القرافي ت 686 هـ، فقال: "قوله: {رِجْسٌ} [أي في آية {إِنَّمَا الْخَمْرُ}] والرجس: النجس لغة، وهو يدل على نجاسة الجميع خرجت الثلاثة عن النجاسة إجماعًا، بقي الحكم مستصحبًا في الخمر؛ فتكون نجسة فتحرم" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على طهارة أدوات القمار: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] فليس فيها دلالة ظاهرة على نجاسة المذكورات؛ لأن الرجس عند أهل اللغة القذر، ولا يلزم من ذلك النجاسة (¬7). 2 - لأن أمر الشارع باجتناب هذه الأشياء لا يلزم منه النجاسة. • الخلاف في المسألة: لم أجد خلافًا في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع على طهارة أدوات القمار. ¬
الباب الثاني المسائل المجمع عليها في عقود المداينات والتوثيقات وفيه تمهيد وخمسة فصول: تمهيد: التعريف بالمداينات والتوثيقات وأدلة مشروعيتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع في عقد القرض. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في عقد الضمان. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في عقد الكفالة. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في عقد الرهن. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في عقد الحوالة.
الباب الثاني المسائل المجمع عليها في عقود المداينات والتوثيقات
الباب الثاني المسائل المجمع عليها في عقود المداينات والتوثيقات التمهيد: التعريف بالمداينات وأدلة مشروعيتها. أولًا: تعريف بالمداينات وأدلة مشروعيتها: أ - تعريف المداينات: جمع مفرده (مداينة). وهي لغة: مصدر من الفعل (داين) (¬1)؛ ومعناه: تعامل بـ (الدَّين) (¬2). والدَّين: القرضُ. والقرض في لغة أهل الحجاز يسمى السَّلَفُ (¬3). قال الفيومي ت 770 هـ: "الرجل (يَدِينُ) (دَيْنًا) من المداينة. . . يقال (دِنْتُهُ) إذا أقرضته فهو (مَدِينٌ) و (مَدْيُونٌ) واسم الفاعل (دَائِنٌ). . وقوله تعالى {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] أي: إذا تعاملتم بدين من سلم وغيره فثبت بالآية وبما تقدم أن (الدَّيْنَ) لغة هو القرض" (¬4). وقال المناوي ت 1029 هـ: "القرض لغة: المداينة، والإعطاء بالجزاء" (¬5). وقال الزبيدي ت 1205 هـ: "ودنته، بالكسر دينًا، وأدنته إدانة أعطيته إلى أجل، فصار عليه دين" (¬6). والمداينة شرعًا: دفعُ جائزِ التصرف من ماله قدرًا معلومًا يصح تسلمه لمثله بصيغة لينتفع به، ويرد بدَله (¬7). وقال الطبري ت 310 هـ: "لو قال داينْه اليوم فما داينتَه به اليومَ من شيء فهو عليَّ، فأَقرضه في ذلك اليوم وباعه متاعًا بألف درهم وقبضه؛ لزم الكفيل ¬
المال؛ لأن القرض وثمن البيع يدخل في المداينة" (¬1). ب - دليل مشروعية المداينات: ذكر بعض المعاصرين: إن المداينة لم تكن مشروعة في أول الإسلام لأجل الضيق فلما فتحت الفتوحات شرعت للتمكن من الأداء حينئذ. ومن قال ذلك يرى أن دليل عدم المشروعية في أول الأمر رفضُه -صلى اللَّه عليه وسلم- الصلاةَ على الجنائز التى كان على أصحابها ديونٌ، حتى يضمن ضامن أداء هذا الدين؛ فيصلى عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- حينئذ. وقد ساق القرافي ت 684 هـ، عدة أحاديث في ذلك الأمر (¬2)، منها حديث سلمة بن الأكوع (¬3)، ثم قال: "فائدة: امتناعه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الصلاة؛ يدل على أن الميت كان عاصيًا بسبب الدين، مع أن المداينة جائزة، ولا سيما وفي بعض الأحاديث: (الآن بردت جلدة صاحبك) (¬4). ويدل أيضًا على أن هذا الذنب كبيرة، فإن هذا الزجر العظيم إنما يكون بسبب كبيرة، وإلا فما من ميت إلا وله صغيرة بل صغائر. وأجاب العلماء عنه بأربعة أجوبة: أحدها: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعل ذلك إحسانًا لا زجرًا؛ ليبادر الناس إلى قضاء الدين عن المعسر. ¬
وثانيهما: ليكف المعسرون عن المداينة بحسب الإمكان. وثالثهما: أن المداينة لم تكن مشروعة في أول الإسلام لأجل الضيق فلما فتحت الفتوحات شرعت للتمكن من الأداء حينئذ. ورابعها: أن صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- تقضي الرحمة والمغفرة وتكفير الذنوب، ومع الدين لا يحصل فكاك منه إلى يوم القيامة؛ لأن حق الآدمي لا يسقطه إلا صاحبه أو يأخذه، ولذلك قال -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث أنس: (هل عليه دين؟ ) قالوا: نعم. قال: (فما تنفعه صلاتي، وذمته مرتهنة بدينه، فلو قام أحدكم فضمنه، فصليت عليه، كانت صلاتي تنفعه) (¬1) ". أما أدلة المشروعية: قوله تعالى (¬2): {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]. وعموم قوله تعالى (¬3): {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ} [المزمل: 20]. - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4): "ومن فرَّج عن مسلم كربةً؛ فرج اللَّه عنه كربةً من كربات يوم القيامة" (¬5). وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6): "من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا؛ نفَّس اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر؛ يسر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة" (¬7). ¬
ثانيا: تعريف التوثيقات، وأدلة مشروعيتها
وفعله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1) حيث استسلف من رجل بَكْرًا (¬2)، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكْرَه، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيًا، فقال: "أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء" (¬3). وعن أبي هريرة (¬4) قال: استقرض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سنًّا فأعطاه سنًّا خيرًا من سنه، وقال: "خياركم أحاسنكم قضاء" (¬5). ثانيًا: تعريف التوثيقات، وأدلة مشروعيتها: أ - تعريف التوثيقات: توثيقات، جمع مفردها (توثيقة). لغة: من الفعل (وثّق) المشدد، مصدره (توثيقًا) واسم المرة منه (توثيقة). ومنه: وَثَّقْتُ الشيء تَوْثيقًا فهو مُوَثَّق. والوَثيقةُ: الإِحْكام في الأَمر (¬6). وشرعًا: ضمان الديون لأصحابها وتأمين الدائن على دينه (¬7). ومن عقودها: عقد الكفالة، وعقد الحوالة، وعقد الرهن، وعقد الضمان. ب- أدلة مشروعية التوثيقات: ستأتي بالتفصيل بعض أحكام هذه العقود في مواضعها، مع أدلة مشروعيتها، كحكم الكفالة والرهن. ¬
الفصل الأول مسائل الإجماع في عقد القرض
الفصل الأول مسائل الإجماع في عقد القرض [51/ 1] مسألة: تعريف القرض (¬1). القرض هو أن يدفع الإنسان لآخر شيئًا من مالِهِ ليرد إليه بدله. وقد نقل الإجماع على هذا المعنى للقرض. • من نقل الإجماع: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "القرض فعل خير، وهو أن تعطي إنسانًا شيئًا بعينه من مالِكَ تدفعه إليه ليرد عليك مثلَه إما حالًّا في ذمته وإما إلى أجل مسمى هذا مجمع عليه" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع على هذا التعريف للقرض في الجملة الجمهور من الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6) والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: قوله تعالى (¬8): {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ¬
[52/ 2] مسألة: القرض جائز بالإجماع
فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]. • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذا التعريف.Rما ذكره ابن حزم من الإجماع على كون القرض مالًا بمال مثله صحيحٌ؛ حيث إنه لم يوقف على قول لأحد قال بخلافه. [52/ 2] مسألة: القرض جائز بالإجماع: القرضُ قربة إلى اللَّه، وهو من جنس التبرع بالمنافع، لذا فهو مندوب إليه في حق المقرِض، ومباح للمقترِض (¬1). وقد نقل الاتفاق والإجماع على ذلك جماعة من العلماء. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن المنذر ت 319 هـ؛ حيث قال: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن استقراضَ ما لَهُ مثلٌ من المكيل والموزون والأطعمة جائز" (¬2). الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أن القرض فعل خير، وأنه إلى أجل محدود وحالًا في الذمة جائز" (¬3). الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ (¬4)، فقال: "واتفقوا أن القرض قربة ومثوبة" (¬5). الإمام ابن قدامة الحنبلي ت 620 هـ، حيث قال: "القرض نوع من السلف، وهو جائز بالسنة والإجماع. . . وأجمع المسلمون على جواز القرض" (¬6). البهوتي الحنبلي ت 1051 هـ، فقال: "القرض. . لغة: القطع. واصطلاحا: ¬
دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله وهو جائز بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: ما ذكره الأئمة السابقون من الإجماع على جواز القرض واستحبابه، وافق عليه جمهور الفقهاء: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: هو نفسه مستند مشروعية المداينة (¬6). وأيضًا كما قال الموفق ابن قدامة: "ولأن فيه تفريجًا عن أخيه المسلم، وقضاءً لحاجته، وعونًا له، فكان مندوبًا إليه، كالصدقة عليه وليس بواجب. قال أحمد: لا إثم على من سئل القرض فلم يقرض. وذلك لأنه من المعروف، فأشبه صدقة التطوع. وليس بمكروه في حق المقرض. قال أحمد: ليس القرض من المسألة. يعني ليس بمكروه؛ وذلك لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يستقرض بدليل حديث أبي رافع، ولو كان مكروهًا، كان أبعد الناس منه. ولأنه إنما يأخذه بعوضه، فأشبه الشراء بدين في ذمته" (¬7). • الخلاف في المسألة: لم يعرف مخالف من العلماء على جواز القرض واستحبابه. غير ما ذكره الشيخ الشربيني الشافعي من أن القرض قد يكون واجبًا لعارض، وقد يكون حرامًا، وقد يكون مكروهًا ثم ذكر الشيخ تفصيل ذلك (¬8). ¬
[53/ 3] مسألة: اشتراط الإيجاب والقبول في القرض.
وكون القرض تعتريه بعضُ الأحكام الخمسة أو كلها أمر وارد في كثير من المسائل الفقهية، ولا يعد التفصيل فيه خلافًا، واللَّه أعلم.Rتحقق الإجماع والاتفاق على كون القرض مندوبًا إليه في حق المقرِض لا واجبًا، ومباحًا للمقترِض لا مكروهًا. [53/ 3] مسألة: اشتراط الإيجاب والقبول في القرض. القبول هو قول المستقرِض -وهو آخذ القرض-: استقرضتُ أو قبلتُ أو رضيتُ أو ما يجري هذا المجرى. والإيجاب قول المقرض -وهو معطي القرض-: أقرضتك هذا الشيء أو خذ هذا الشيء قرضًا، ونحو ذلك (¬1). وقد نقِل الإجماعُ الفعليُّ على كون الإيجاب والقبول ليسا بشرط في القرض. • من نقل الإجماع: الإمام الشربيني ت 977 هـ، نقلًا عن الإمام الأَذْرعِي (¬2)، حيث قال: "الإيجاب والقبول ليسا بشرط؛ بل إذا قال أقرضني كذا فأعطاه إياه أو بعث إليه رسولًا، فبعث إليه المال صح القرض. قال الأَذْرعِي: والإجماع الفعلي عليه، وهو الأقوى والمختار" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق أبو حنيفة وأبو يوسف في رواية (¬4)، ¬
والشافعية في القول الثاني عندهم (¬1)، والحنابلة (¬2) على عدم اشتراط الإيجاب والقبول في القرض. • مستند الإجماع: 1 - أن الإقراض إعارة والقبول ليس بركن في الإعارة (¬3). 2 - "لو كان الإيجاب والقبول شرطًا في هذه العقود [البيع والهبة والصدقة] لشق ذلك، ولكانت أكثر عقود المسلمين فاسدة، ولأن الإيجاب والقبول إنما يرادان للدلالة على التراضي؛ فإذا وجد ما يدل عليه من المساومة والتعاطي؛ قام مقامهما وأجزأ عنهما لعدم التعبد فيه" (¬4). 3 - لأن القرض مكرمة، وإباحة إتلاف بشرط الضمان، وظاهر أن الالتماس من المقرض كـ (اقترض مني) يقوم مقام الإيجاب، ومن المقترض كـ (أقرضني) يقوم مقام القبول كما في البيع (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف هذا الإجماع فذهب إلى أن الإيجاب والقبول شرط في القرض كل من أبي حنيفة في الرواية الأخرى عنه، ومحمد بن الحسن صاحبه، وكذا أبو يوسف في رواية (¬6)، والشافعية في القول الأصح عندهم (¬7). ¬
[54/ 4] مسألة: أجمع على جواز إقراض المثليات.
• أدلة هذا القول: أن الواجبَ في ذمة المُسْتَقْرِض مثل المستقرَض، فلهذا اخْتُصَّ جوازُه بما لَهُ مِثْلٌ، فأشبه البيعَ فكان القبولُ ركنًا فيه كما في البيع (¬1).Rعدم تحقق الإجماع على أن الإيجاب والقبول ليس شرطًا في القرض، لخلاف محمد بن الحسن وأبي يوسف في رواية، والشافعية في القول الأصح عندهم. [54/ 4] مسألة: أجمع على جواز إقراض المثليات. يجوز إقراض كل ما له مِثْلٌ من المكيل، والموزون، والأطعمة، وقد نَقلَ الإجماعَ والاتفاقَ ونفى الخلافَ على هذا الجواز جماعةٌ من العلماء. • من نقل الإجماع: ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا أن استقراض الأشياء من الأطعمة وغيرها جائز" (¬2). وابن حزم، فيما عدا الدواب فقال: "اتفقوا أن استقراض ما عدا الحيوان جائز، واختلفوا في جواز استقراض الرقيق والجواري والحيوان" (¬3). الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، حيث قال: "ويجوز قرض المكيل والموزون بغير خلاف" (¬4). الإمام القرطبي ت 671 هـ، فقال: "وأجمع أهل العلم على أن استقراض الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب، وكل ما له مثل من سائر الأطعمة جائز" (¬5). الإمام النووي عن ابن الصباغ؛ حيث قال: "يجوز [أي قرض الخبز] قال ابن الصباغ: لإجماع أهل الأمصار على ذلك، فإنهم يقترضون الخبز" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على جواز الإقراض فيما له مثل من ¬
المكيل والموزون الجمهورُ: أبو حنيفة (¬1)، ومالك (¬2)، والشافعي (¬3)، والحنابلة (¬4)، وجماهير علماء السلف والخلف (¬5)، وابن حزم الظاهري (¬6)، وكذا ابن تيمية، ونقله عن فقهاء الحجاز والحديث (¬7)، وإبراهيم النخعي (¬8). • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: عموم قوله تعالى (¬9): {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282]. قال الإمام ابن حزم في معرض استدلاله بالآية: "فعمَّ تعالى، ولم يخصَّ" (¬10). • الخلاف في المسألة: منع أبو حنيفة من القرض في الخبز وزنًا وعددًا (¬11). وعن أبي يوسف يجوز وزنًا ولا يجوز عددًا، وعند محمد أنه يجوز عددًا (¬12). • أدلة هذا القول: للتفاوت الفاحش بين خبز وخبز، ويعود ذلك لاختلاف العجن، والنضج، والثقل في الوزن، ولهذا لم يجز السلم فيه بالإجماع، فالقرض أولى؛ لأن السلم أوسع جوازًا من القرض ولم يصح فيه، فلم يصح في القرض وهو أضيق من السلم (¬13). ¬
[55/ 5] مسألة: للمستقرض تملك القرض بالإجماع.
Rعدم انعقاد الإجماع والاتفاق وعدم تحقق نفي الخلاف في هذه المسألة لخلاف الحنفية في الخبز. [55/ 5] مسألة: للمستقرض تملك القرض بالإجماع. إذا اقترض مقترض شيئًا فقد تملك هذا الشيء، وقد نقل الإجماع على ذلك، كما نفي الشك فيه. • من نقل الإجماع ونفى الشك: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن للمستقرض بيع ما استقرض وأكله وتملكه وأنه مضمون عليه مثله، إن غُصِبه، أو غلب عليه" (¬1). الإمام الرافعي ت 623 هـ؛ حيث قال: "ولا شك أن المستقرض يتملك ما استقرضه" (¬2). • الموافقون على الإجماع ونفي الشك: وافق على تملك المقترِض للقرض الأئمةُ الأربعة مع اختلاف في وقت التملك، فذهب إلى أنه يملك بالقبض: الحنفية (¬3) والشافعية في الرواية الأصح (¬4) والحنابلة في رواية (¬5) والرواية الأخرى عند الشافعية أنه يملك بالتصرف بالبيع والهبة (¬6). . والرواية الأخرى عند الحنابلة يملك المبهم بالقبض، ويملك المعين بالعقد (¬7) وروي عن أبي ¬
[56/ 6] مسألة: المدين ضامن للقرض بالاتفاق.
يوسف صاحب أبي حنيفة أنه لا يملك بالقبض ما لم يُسْتَهْلَكْ (¬1)، وذهب المالكية إلى أنه يملك بمجرد القول وإن لم يقبض (¬2). • مستند الإجماع ونفي الشك: 1 - لأن المقترض يملك المنفعة بالعين فملك العين (¬3). 2 - لثبوت مثل القرض في ذمة المستقرض للمقرض (¬4). 3 - لأن عقد القرض التصرف فيه يقف على القبض، فوقف الملك فيه على القبض أيضًا كالهبة، لذا إذا كان القرض حيوانًا فالنفقة بعد القبض على المستقرض، وكذا إذا اقترض الإنسان أباه فيعتق عليه بالقبض (¬5). 4 - لأن القرض كسائر أنواع المعروف من: صدقة، وهبة، ونحلة، وعمرى، وغيرها (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أقف على قول لأحد من العلماء قال بعدم تملك المقترض لما استقرضه.Rانعقاد الإجماع ونفي الشك على تملك المقترض لما استقرضه مع الخلاف في وقت التملك كما سبق مفصلًا. [56/ 6] مسألة: المدين ضامن للقرض بالاتفاق. إذا اقترض مقترض شيئًا فهو ضامن له، يجب عليه رد مثله في المثلي، وما لا مثل له يضمن بالقيمة، إذا أتلف، أو غُصِبه، أو غُلِب عليه. وقد نُقل الاتفاق على ذلك. ¬
• من نقل الاتفاق: ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن للمستقرض بيع ما استقرض وأكله وتملكه وأنه مضمون عليه مثله، إن غصبه، أو غلب عليه" (¬1). • الموافقون على الأوافق على الاتفاق على ضمان المقترض للقرض جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الاتفاق: حديث أبي رافع (¬6)، أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- استسلف من رجل بكرًا، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكْرَه، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيًا، فقال: "أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء" (¬7). قال الإمام الشافعي بعد روايته: "فهذا الحديث الثابت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبه آخذ، وفيه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضمن بعيرًا بصفة، وفي هذا ما دل على أنه يجوز أن يضمن الحيوان كله بصفة في السلف. . وكل أمر لزم فيه الحيوان بصفة ¬
[57/ 7] مسألة: اشتراط ضامن في القرض لا يحل بلا خلاف.
وجنس وسن؛ فكالدنانير بصفة وضرب ووزن، والطعام بصفة وكيل" (¬1). 2 - لأن في قضاء الدين إثبات ملك مضمون بالمثل على القابض؛ لأنه إنما تملكه بالمثل (¬2). 3 - لأن مقتضى القرض رد المثل. . . وفيما لا مثل له يجب عليه القيمة (¬3). • الخلاف في المسألة: لم يوقف على خلاف أحد من الفقهاء على الإجماع على ضمان المدين للقرض.Rانعقاد الاتفاق على ضمان المدين للقرض. [57/ 7] مسألة: اشتراط ضامن في القرض لا يحل بلا خلاف. لا يجوز للمقرِض اشتراط ضامن على المقترض. وقد نفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، حيث قال: ". . ولا يحل اشتراط رد أفضل مما أخذ، ولا أدنى، وهو ربا، ولا يجوز اشتراط نوع غير النوع الذي أخذ، ولا اشتراط أن يقضيه في موضع كذا، ولا اشتراط ضامن. . . ولا خلاف في بطلان هذه الشروط التي ذكرنا في القرض" (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على عدم جواز اشتراط الضامن الحنفية (¬5). لكنه إن وجد دون اشتراط فجائز للآتي: لقول اللَّه تعالى {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72]. ولقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الزعيم غارم" (¬6). ¬
ولحديث أنس بن مالك، قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأتي برجل يصلي عليه، فقال: "هل على صاحبكم دين؟ " قالوا: نعم. قال: فما ينفعكم أن أصلي على رجل روحه مرتهن في قبره، لا تصعد روحه إلى السماء، لو ضمن رجل دينه، قمت فصليت عليه؛ إن صلاتي تنفعه، (¬1) (¬2). قال الكاساني الحنفي: "وأما الدين فتصح الكفالة به بلا خلاف لأنه مضمون على الأصيل مقدور الاستيفاء من الكفيل" (¬3). • مستند نفي الخلاف: قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4): "ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب اللَّه، ما كان من شرط ليس في كتاب اللَّه؛ فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق" (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقال بجواز اشتراط حميل أو كفيل، وهو الضامن، في القرض توثقة للعقد المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • أدلة هذا القول: 1 - لأن ما جاز فعله جاز شرطه (¬9). 2 - لأن اشتراط الضامن توثقة للحق، وليس ذلك بزيادة (¬10). ¬
[58/ 8] مسألة: اشتراط القرض في البيع لا يجوز بالإجماع.
Rعدم تحقق نفي الخلاف في عدم جواز اشتراط الضامن لخلاف المالكية والشافعية بجوازه. [58/ 8] مسألة: اشتراط القرض في البيع لا يجوز بالإجماع. لا يجوز للمقرِض أن يشترط القرض في البيع كأن يبيعه على أن يقرضه، وقد نَقل الإجماع والاتفاق على ذلك جماعةٌ من أهل العلم. • من نقل الإجماع: أبو الوليد الباجي ت 474 هـ، حيث قال: "ما روي أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع وسلف، لا نعلم له إسنادًا صحيحًا، وأشبهها ما روى أيوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يحل بيع وسلف) وأجمع الفقهاء على المنع من ذلك" (¬1). ابن تيمية ت 728 هـ؛ حيث قال: "قد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز أن يشرط مع البيع عقدًا. فلا يجوز أن يبيعه على أن يقرضه، وكذلك لا يجوز أن يؤجره على أن يساقيه، أو يشاركه على أن يقترض منه، ولا أن يبيعه على أن يبتاع منه ونحو ذلك" (¬2). الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ؛ فقال: "واتفقوا على أنه لا يجوز بيع وسلف، وهو أن يبيع الرجل السلعة أو يسلفه سلفًا أو يقرضه قرضًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق على الإجماع على عدم جواز اشتراط القرض في البيع الجمهور من الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك" (¬4). 2 - لأن القرض من عقود التبرعات وليس من عقود المعاوضة، لذا لا يصح أن يكون له عوض. فإن قارنه شرط على عقد معاوضة، كان لن لهذا القرض حصة من العوض، فخرج عن مقصوده وهو الإرفاق، فبطل وبطل ما قارنه من عقود المعاوضة (¬5). 3 - لأن القرض إن كان إلى غير أجل محدد، فهو عقد غير لازم للمقرض، والبيع والإجارة ونحوهما عقود لازمة، لا يجوز أن يقارنها عقد غير لازم لتنافي حكميهما (¬6). 4 - لأن هذه الصورة تجر إلى أن يحابي البائع المقرض في ثمن البيع ¬
[59/ 9] مسألة: وفاء القرض واجب بالاتفاق.
لأجل القرض، والقرض مقتضاه رد المثل فقط، فأشبه ما لو اشترط زيادة في القرض لذا لم يجر الاشتراط لأنه زيادة نفع، وهي ربا (¬1). 5 - قال ابن القيم: لأنه جَعَلَ هذا البيعَ ذريعةً إلى الزيادة في القرض الذي موجبه رد المثل، ولولا هذا البيع لما أقرضه، ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك (¬2). • الخلاف في المسألة: لم يوقف على خلاف أحد من العلماء على هذا الإجماع السالف، وهو المنع من اشتراط القرض مع البيع.Rهو تحقق الإجماع والاتفاق على المنع من اشتراط القرض في البيع ونحوه من العقود اللازمة. [59/ 9] مسألة: وفاء القرض واجب بالاتفاق. وفاء القرض واجب على المقترض، فلا يؤخر، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: شمس الدين الحطاب المالكي ت 954 هـ، حيث قال: "وأما قضاء الدين فلا يؤخر ويؤدى باتفاق" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق على كون وفاء القرض واجب جمهور الفقهاء: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
• مستند الاتفاق: قوله تعالى (¬1): {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]. قال الإمام ابن حزم عقب هذه الآية: "والقرض أمانة ففرض أداؤها إلى صاحبها متى طلبها" (¬2). 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى اللَّه عنه، من أخذ يريد إتلافَها أتلفه اللَّه" (¬4). قال الإمام ابن بطال عند شرح هذا الحديث: "هذا الحديث شريف ومعناه: الحض على ترك استشكال أموال الناس والتنزه عنها، وحسن التأدية إليهم عند المداينة، وقد حرم اللَّه فى كتابه أكل أموال الناس بالباطل" (¬5). 3 - حديث أبي ذر رضي اللَّه عنه (¬6)، قال: كنت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما أبصر يعني أحدًا، قال: "ما أحب أنه يُحَوَّلُ لي ذهبًا يمكث عندي منه دينارٌ فوق ثلاث، إلا دينارًا أَرْصُدُ لِدَيْنٍ. . . " (¬7). قال الإمام ابن بطال عند شرح هذا الحديث: "فدل هذا الحديث على ما دلت الآية عليه من تأكيد أمر الدين، والحض على أدائه" (¬8). • الخلاف في المسألة: لم يوقف على خلاف أحد من العلماء في وجوب الوفاء بالقرض.Rانعقاد الاتفاق على وجوب الوفاء بالقرض. ¬
[60/ 10] مسألة: الدينان عن عين من مبيع إذا تساويا صفة وقدرا وحل الأجلان؛ جازت المقاصة.
[60/ 10] مسألة: الدينان عن عين من مبيع إذا تساويا صفة وقدرا وحل الأجلان؛ جازت المقاصَّة (¬1). تجوز المقاصة إذا كان الدينان عن عين كدراهم ودنانير وطعام وحيوان وأرض ونحوها من مبيع إذا تساويا صفة كالجودة والحداثة ونحوها، وقدرًا كدراهم بدارهم وهكذا، وكان الأجلان قد حلا. وقد نُقِل الاتفاق على هذا الجواز. • من نقل الاتفاق: الإمام القرافي ت 684 هـ، حيث قال: "الدينان عن عين من مبيع إذا تساويا صفة وقدرًا وحل الأجلان أو كالمحالين؛ جازت المقاصة اتفاقا" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على الاتفاق على جواز المقاصة بهذه الشروط فقهاء الحنفيةُ (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعيةُ في أظهر الأقوال عندهم (¬5)، ¬
والحنابلةُ (¬1). • مستند الاتفاق: حديث ابن عمر (¬2)، قال: أتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-وهو في بيت حفصة، فقلت: يا رسول اللَّه رويدك أسألك: إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا، وبينكما شيء" (¬3). 2 - لعدم ما يتوهم من الفساد بهذه المقاصة (¬4). 3 - لأن ما في الذمة يعتبر مقبوضًا حكمًا (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف بعض الشافعية فقال: أنه لا يحصل التقاص مطلقًا (¬6). ¬
[61/ 11] مسألة: اشتراط الزيادة في القرض حرام بالإجماع.
• أدلة هذا القول: لأنه بيع دين بدين (¬1).Rعدم تحقق الاتفاق على جواز المقاصة بالشروط السالفة لخلاف بعض الشافعية. [61/ 11] مسألة: اشتراط الزيادة في القرض حرام بالإجماع. إذا أقرض رجلٌ رجلًا على شرط الزيادةِ، فهو حرامٌ وربا، وقد نقل الإجماعَ والاتفاق ونفي الخلاف على هذا بعضُ أهلِ العلمِ. • من نقل الإجماع: ابن المنذر ت 318 هـ، حيث قال: "وأجمعوا على أن المسلف إذا شرط عُشْر السلف هدية أو زيادة، فأسلفه على ذلك، أن أخذه الزيادة ربا" (¬2). ابن حزم فقال: "ولا يحل أن يشترط ردا أكثر مما أخذ، ولا أقل، وهو ربا مفسوخ. . . ولا خلاف في بطلان هذه الشروط التي ذكرنا في القرض" (¬3). ابن عبد البر المالكي ت 463 هـ، فقال: "أجمعوا على أن من أقرض قرضا ثوبا أو غيره رجلا وشرط عليه أن يرده إليه بعد مدة ثوبين من جنسه أو ثوبا مثله في صفته وزيادة شيء من الأشياء كان ذلك ربا بإجماع" (¬4). وقال أيضًا: "كل زيادة من عين أو منفعة يشترطها المسلف على المستسلف فهي ربا لا خلاف في ذلك" (¬5). وقال أيضًا: "لا أعلم خلافًا فيمن اشترط للزيادة في السلف أنه [ربا] حرام لا يحل أكله" (¬6). الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "وكل قرض شَرَطَ فيه أن يزيده، فهو حرام، بغير خلاف" (¬7). الإمام القرطبي ت 671 هـ؛ حيث قال: "وأجمع المسلمون نقلا عن نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- أن اشتراط الزيادة في السلف ربا" (¬8). ¬
ابن تيمية ت 728 هـ، فقال: "القرض موجبه رد المثل فقط، فمتى اشترط زيادة لم تجز بالاتفاق" (¬1). بدر الدين العيني ت 855 هـ؛ حيث قال: "وقد أجمع المسلمون بالنقل عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن اشتراط الزيادة في السلف ربا حرام" (¬2). الشوكاني ت 1255 هـ، فقال: "إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فتحرم اتفاقًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم من الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7) على الإجماع على حرمة اشتراط الزيادة. ¬
[62/ 12] مسألة: اشتراط الهدية في القرض حرام بالإجماع.
• مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1): "كل قرض جر منفعة فهو ربا" (¬2). 2 - ما روي عن أبي بن كعب، وعبد اللَّه بن سلام، وفضالة بن عبيد رضي اللَّه عنهم، وابن عباس، وابن مسعود، وأنس بن مالك أنهم نهوا عن قرض جر منفعة (¬3). 3 - ولأن القرض عقد إرفاق وقربة فإذا اشترط فيه زيادة خرج عن موضوعه (¬4). • الخلاف في المسألة: لم يعرف مخالفٌ من العلماء للإجماع السالف، وهو حرمة اشتراط الزيادة في القرض، وكونه ربا.Rانعقاد الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف على حرمة اشتراط الزيادة في القرض، وكونه ربا. [62/ 12] مسألة: اشتراط الهدية في القرض حرام بالإجماع. اشتراطُ ربِّ المالِ وهو المقرِضُ هديةً على المستقرِض مع القرض ربا، والربا حرام، وقد نُقِل الإجماع على ز• من نقل الإجماع: ابن المنذر ت 318 هـ، حيث قال: "وأجمعوا على أن المسلف إذا شرط عُشْر السلف هدية أو زيادة، فأسلفه على ذلك، أن أخذه الزيادة ربا" (¬5). الإمام القرطبي ت 671 هـ؛ فقال: ¬
"وأجمع المسلمون نقلًا عن نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- أن اشتراط الزيادة في السلف ربا" (¬1) ابن تيمية 728 هـ، فقال: "ولو قال له وقت القرض: أنا أعطيك مثله وهذه الهدية: لم يجز بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على حرمة اشتراط الهدية في القرض، وكونها ربا جمهور الفقهاء: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - ما روي عن أُبَىٍّ، وابن عباس، وابن مسعود، أنهم نهوا عن ذلك (¬8). 2 - استفاضة الآثار عن السلف أن الهدية إذا كانت لأجل منفعة في مقابلة ¬
[63/ 12] مسألة: القرض يصح مؤجلا بالإجماع.
دينه فهو محرم (¬1). 3 - لأن هذه الزيادة إما نوع ربا أو رشوة، وكلاهما حرام بالنصوص المستفيضة (¬2). • الخلاف في المسألة: لم يعرف مخالف من العلماء على الإجماع السالف، وهو حرمة اشترط الهدية في القرض، وكونها ربا.Rانعقاد الإجماع على حرمة اشترط الهدية في القرض، وكونها ربا. [63/ 12] مسألة: القرض يصح مؤجلًا بالإجماع. القرض يصح مؤجلًا، والحال يتأجل بالتأجيل من غير اشتراط. وقد نُقِل الإجماع على ذلك، وتضافرت آراء أكثر أهل العلم في ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم ت 456 هـ، فقال: (القرض فعل خير، وهو أن تعطي إنسانًا شيئًا بعينه من مالِكَ تدفعه إليه ليرد عليك مثلَه؛ إما حالًا في ذمته وإما إلى أجل مسمى، هذا مجمع عليه" (¬3). القرافي ت 684 هـ؛ حيث قال: "انفرد مالك دون سائر العلماء باشتراط الأجل في القرض، ويجوز التأخير من غير شرط إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الإجماع السالف المالكيةُ، وقالوا: والقرض يجوز أن يكون مؤجلًا، وغير مؤجل، فإن كان مؤجلًا لم يكن للمقرض أن يطلبه قبل الأجل (¬5)، وأحمدُ في قول صوبه المرداوي (¬6)، وهو ¬
قول عطاءٌ، وعمرو بن دينار (¬1)، والليثُ (¬2)، واختاره تقي الدين ابن تيمية (¬3)، وابنُ القيم، وقال: "وهذا هو الصحيح لأدلة كثيرة" (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5): "المسلمون عند شروطهم" (¬6). 2 - لأن المتعاقدينِ لهما حق التصرف فى هذا العقد بالإقالة والإمضاء، فكان لهما الزيادة فيه كخيار المجلس (¬7). 3 - قال الإمام ابن عبد البر: "قال مالك وأصحابه: من أقرض رجلًا مالًا فى دنانير أو دراهم أو شيئًا مما يكال أو يوزن وغير ذلك إلى أجل أو منح منحة أو أعار عارية أو أسلف سلفًا كل ذلك إلى أجل، ثم أراد الانصراف في ذلك وأخذه قبل الأجل؛ لم يكن ذلك له؛ لأن هذا مما يتقرب به إلى اللَّه عز وجل وهو من باب الحسبة. ومن الحجة لمالك رحمه اللَّه في ذلك؛ عموم قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34] وقوله عليه السلام: كل معروف صدقة) (¬8) " (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف الإجماع الحنفيةُ (¬10)، والشافعيةُ (¬11)، ¬
والحنابلةُ في قول الصوابُ خلافُه (¬1)، وابن حزم (¬2)، وهو قول الحارث العُكْلِي، والأوزاعيّ، وابن المنذر (¬3)، وزُفَر بنِ الهُذَيْلِ (¬4) (¬5)، فقالوا القرض حال، ولا يتأجل بالتأجيل. • أدلة هذا القول: قوله تعالى (¬6): {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]. • وجه الدلالة: أن القرض أمانة، ففرض أداؤها إلى صاحبها متى طلبها (¬7). 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬8): "ما كان من شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل" (¬9). • ووجه الدلالة: أن تأجيل الحالِّ ليس في كتاب اللَّه تعالى، فكان باطلًا (¬10). 3 - لأنه الدين حق مستقر فلم يتأجل بالتأجيل (¬11). 4 - أن المقرض متبرع، فلو كان الأجل فيه لازما لصار التبرع ملزمًا المتبرع شيئًا، وهو الكف عن المطالبة إلى انقضاء الأجل، وذلك يناقض موضوع التبرع (¬12). 5 - أن القرض كالعارية، والمعير له الرجوع في العارية متى ما شاء، حتى ¬
[64/ 14] مسألة: اتفق على عدم جواز استقراض الحيوان.
إن المعير وإن وقته سنة فله أن يسترده من ساعته، فكذلك القرض (¬1). 6 - أن الأجل منفعة في القرض، والقرض لا يحتمل الزيادة والنقصان في عوضه؛ فلم يجز شرط الأجل فيه (¬2).Rعدم انعقاد الإجماع على كون القرض يتأجل بالتأجيل لخلاف الحنفية والشافعية وغيرهم ممن سبق ذكرهم. [64/ 14] مسألة: اتفق على عدم جواز استقراض الحيوان. استقراض الحيوان لا يجوز. وقد نُقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: (اتفقوا أن استقراض ما عدا الحيوان جائز، واختلفوا فى جواز استقراض الرقيق والجواري والحيوان" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق على الاتفاق على عدم استقراض الحيوان أبو حنيفة وأصحابه (¬4)، وفقهاءُ الكوفة والثوريُّ والحسنُ بن صالح (¬5)، وروي ذلك عن ابن مسعود وحذيفة وعبد الرحمن بن سمرة (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - عموم آيات الربا، أما حديث أبي رافع (¬7) وما كان مثله؛ فمنسوخ بآية الربا (¬8). ¬
2 - قول الإمام الطحاوي الحنفي: "يحتمل أن يكون هذا [أي استقراص الحيوان] كان قبل تحريم الربا، ثم حرم الربا بعد ذلك، وحرم كل قرض جر منفعة، وردت الأشياء المستقرضة إلى أمثالها، فلم يجز القرض إلا فيما له مثل (¬1). 3 - أن ثبوت المثل في الحيوان متعذر، وموجب القرض ثبوت المثل في الذمة بشرط المعادلة في المماثلة؛ لذا لم يجز استقراضه (¬2). 4 - لأن الحيوان كالحر لا يجوز استقراضه لأن منفعته منفصلة عن عينه (¬3). 5 - لأن معرفة القيمة في الحيوان هي بالحزر، ولا تثبت بها المماثلة المعتبرة في القرض (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف هذا الإجماع فجوز استقراض الحيوان أكثرُ أهل العلم من المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والأوزاعي والليث وإسحاق بن راهويه (¬8)، وابن حزم الظاهري، وحكاه عن أصحابهم وعن المزني وأبي سليمان ومحمد بن جرير (¬9). ¬
أدلة هذه القول: عموم قوله تعالى (¬1): {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282]. قال الإمام ابن حزم في معرض الاستدلال بهذه الآية" فعمَّ تعالى، ولم يخصَّ، فلا يجوز التخصيص في ذلك بالرأي الفاسد بغير قرآن، ولا سنة" (¬2). 2 - حديث أبي رافع (¬3): أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- استسلف من رجل بكرًا، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكْرَه، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيًا، فقال: "أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء" (¬4). قال الإمام ابن تيمية عقب ذكره: "في هذا دليل على جواز الاستسلاف فيما سوى المكيل والموزون، من الحيوان ونحوه" (¬5). 3 - لأن الحيوان مما يضبط بالصفة في الأغلب (¬6). 4 - لأن استقراض -صلى اللَّه عليه وسلم- للحيوان فيه إثبات أن الحيوان يمكن أن يثبت في الذمة بالصفة المعلومة (¬7). 5 - لأنه مثل الحيوان تقريبًا يمكن أن يثبت في الذمة (¬8). 6 - أن التقريب هو المعتبر في معرفة المعقود عليه، وإلا فيعز وجود حيوان مثل ذلك الحيوان لكن يوجد ما يقارب له فكان التقارب كافيا (¬9).Rعدم انعقاد الإجماع على عدم الاستقراض في الحيوان؛ لخلاف أكثر أهل العلم بجوازه من المالكية والشافعية والحنابلة والأوزاعي والليث ¬
[65/ 15] مسألة: بيع المستقرض لما استقرضه جائز بالإجماع.
وإسحاق بن راهويه، وابن حزم الظاهري وأصحابه، والمزني وأبي سليمان ومحمد بن جرير. [65/ 15] مسألة: بيع المستقرض لما استقرضه جائز بالإجماع. يجوز للمستقرض بيع ما استقرضه، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن للمستقرض بيع ما استقرض وأكله وتملكه وأنه مضمون عليه مثله أن غصبه أو غلب عليه" (¬1). ابن نجيم الحنفي ت 970 هـ، فقال: "وبيع المستقرض يجوز إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: لم أجد من الفقهاء من نص على جواز بيع المستقرض لما استقرضه إلا النص السابق لابن حزم، وفيه حكاية الإجماع على الجواز، وكذا نص ابن نجيم. ووجدت نصًا آخر للحنفية، وهو قول ابن عابدين: "قوله: (وصح بيعه) أي بيع المستقرض" (¬3). • مستند الإجماع: لم أجد عند الفقهاء الذين تطرقوا لهذه المسألة مستندًا. ولكن لعل مما يصلح مستندًا لهذه المسألة: 1 - أن الصحابي تصرف في البَكر الذي استقرضه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له بالأكل أو البيع. ووجه الدلالة أنه لو لم يتصرف فيه بأحد وجوه التصرف المذهبة لأصله للزمه رده بعينه، فلما أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أبي رافع برد مثله دل على جواز تصرف المستقرض في القرض بالبيع أو نحوه، واللَّه أعلم. 2 - كما أنه سبق في المسألة الأولى، وهي تعريف القرض تعريفات منها، ¬
[66/ 16] مسألة: المقرض أحق بالعين من غير في حال إفلاس المقترض.
أنه: "إعطاءُ الرجلِ غيرَه مالَه مُمْلِكًا له، ليقضيَه مثلَه إذا اقتضاه" (¬1). أو: "دفع مال لمن ينتفع به، ويرد بدله" (¬2). • ووجه الدلالة من التعريف الأول: أن المستقرض ملك القرض، وعليه فإن له التصرف فيه بالبيع أو الأكل أو نحوهما. بدلالة قوله: ليقضيه مثله. • ووجه الدلالة من التعريف الثاني: أنه دفع له لينتفع به، ومن وجوه الانتفاع البيع والأكل، بدلالة قوله: ويرد بدله. واللَّه تعالى أعلم. • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد من العلماء في جواز انتفاع المستقرض بما استقرضه بالبيع أو الأكل أو نحوهما.Rانعقاد الإجماع والاتفاق على جواز بيع المستقرض ما استقرضه، وأكله له. [66/ 16] مسألة: المقرض أحق بالعين من غير في حال إفلاس المقترض. إذا أفلس المقترض، فوجد المقرِض ما أقرضه عنده؛ فهو أحق به من غيره. قضى عثمان بن عفان بذلك، وقد نفي المخالف له من الصحابة. • من نفى المخالِف: ابن المنذر ت 318 هـ؛ حيث قال: "لا نعرف لعثمان في هذا مخالفًا من الصحابة" (¬3). ابن عبد البر المالكي ت 456 هـ، حيث قال: "حديث التفليس هذا (¬4) من رواية الحجازيين والبصريين حديث صحيح عند أهل النقل ثابت، وأجمع فقهاء الحجازيين وأهل الأثر على القول بجملته، وإن اختلفوا في أشياء من فروعه ودفعه من أهل العراق أبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين وردوه" (¬5). ¬
• الموافقون على نفي الخلاف: وافق على هذا القول المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وروي عن عثمان وعلي وأبي هريرة، وبه قال عروة والأوزاعي والعنبري وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر (¬4). • مستند نفي الخلاف: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5): "من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس؛ فهو أحق به من غيره" (¬6). قال الحافظ ابن حجر عند شرحه: "ظهر أن الحديث وارد في صورة البيع، ويلتحق به القرض" (¬7). 2 - قضاء عثمان بن عفان به كما علقه البخاري (¬8). ¬
3 - تبويب الإمام البخاري للمسألة بقوله: "باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به"، وإيراده حديث أبي هريرة السابق تحته (¬1). 4 - لأن المقرض غريم كالبائع قد وجد عين ماله، فكان له أخذه (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة أبو حنيفة وأصحابه وسائر أهل الكوفة (¬3)، والحسن والنخعي وابن شبرمة (¬4) فقالوا. هو أسوة غرمائه، أي يقتسم معهم حصصًا، كلٌّ حسب حصته. • أدلة هذا القول: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5): "أيما رجل أفلس وعنده مال امرئ بعينه لم يقتضِ منه شيئًا، فهو أسوةُ الغرماء (¬6) " (¬7).Rعدم تحقق نفي المخالف في مسألة أحقية المقرض عن غيره ما أقرضه إذا وجده عند إفلاس المقترض؛ لخلاف الحنفية، وسائر أهل الكوفة حيث قالوا: هو أسوة غرمائه، كما سبق. ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في عقد الضمان
الفصل الثاني مسائل الإجماع في عقد الضمان [67/ 1] مسألة: الضمان (¬1) جائز بالإجماع. • الضمان: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق (¬2)، وهو جائز، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق والإجماع: الإمام الغزالي ت 505 هـ، فقال: "الضمان معاملة صحيحة دل عليه الخبر والإجماع" (¬3). الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على جواز الضمان" (¬4). الإمام ابن قدامة الحنبلي ت 620 هـ، فقال: "أجمع المسلمون على جواز الضمان في الجملة" (¬5). الإمام الرافعي ت 623 هـ؛ فقال: "الإجماع والأخبار متعاضدة على صحة الضمان" (¬6). الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "كتاب الضمان: هو صحيح بالإجماع" (¬7). ¬
• الموافقون على الاتفاق والإجماع: وافق على الإجماع والاتفاق اللذين حكيا سابقًا على جواز الضمان جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند والإجماع: قوله تعالى (¬5): {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72]. 2 - حديث قبيصة بن مخارق الهلالي (¬6) قال: تحملت حمالة فأتيت رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أسأله فيها، فقال: "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها" قال: ثم قال: "يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال: سدادًا من عيش- ورجل أصابته فاقة حتى يقوم [كذا] ثلاثة من ذوى الحجا من قومه [أي يقولون]: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال: سدادًا من عيش- فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتًا يأكلها صاحبها سحتًا" (¬7). ¬
[68/ 2] مسألة: أجمعوا على لزوم الضمان على الضامن.
• ووجه الدلالة كما يقول المنهاجى الأسيوطي ت 880 هـ: "فأباح له الصدقة حتى يؤدي، ثم يمسك؛ فدل على أن الحمالة قد لزمته" (¬1). 3 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "الزعيم غارم" (¬3).Rانعقاد الإجماع وتحقق الاتفاق على جواز الضمان [68/ 2] مسألة: أجمعوا على لزوم الضمان على الضامن. إذا ضمن شخص ما عن آخر مالًا معلومًا بأمره؛ لزمه هذا الضمان، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا ضمن عن الرجل لرجل مالًا معلومًا بأمره: أن الضمان لازم له، وله أن يأخذ ممن ضمن عنه" (¬4). الإمام ابن قدامة ت 620، فقال: "الضمان إذا صح لزم الضامن أداء ما ضمنه وكان للمضمون له مطالبته، ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع ونفي الخلاف السابقين على لزوم الضمان على الضامن جمهور فقهاء الأمصار: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). ¬
[69/ 3] مسألة: لا اعتبار لرضا المضمون عنه في الضمان بالاتفاق.
• مستند الإجماع ونفي الخلاف: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1): "الزعيم غارم" (¬2).Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف على لزوم الضمان على الضامن. [69/ 3] مسألة: لا اعتبار لرضا المضمون عنه في الضمان بالاتفاق. المضمون عنه، هو المدين، ولا يعتبر رضاه في ضمان الدين عنه، وقد نقل الاتفاق على هذا، كما نقل نفي الخلاف فيه. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن قدامة الحنبلي ت 620 هـ، فقال: "ولا يعتبر رضا المضمون عنه، لا نعلم فيه خلافًا" (¬3). الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "كتاب الضمان. . . أركانه وهي خمسة الأول المضمون عنه، ولا يشترط رضاه بالاتفاق" (¬4). • الموافقون على الاتفاق ونفي الخلاف: أبو يوسف من الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الاتفاق: 1 - لأنه لما جاز قضاء دينه من غير رضاه جاز ضمان ما عليه من ¬
غير رضاه (¬1). 2 - لأن أبا قتادة ضمن من غير رضى المضمون له ولا المضمون عنه فأجازه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكذلك روي عن علي رضي اللَّه عنه (¬2). 3 - ولأنها وثيقة بدين لا يشترط فيها قبض فشابهت الشهادة، ولأنه ضمان دين فأشبه ضمان بعض الورثة دين الميت للغائب وقد سلموه (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أجد نصًّا صريحًا عند الحنفية باشتراط ذلك، سوى ما ذكره الزيلعي في المسألة التالية: " (وهو متبرع في الإنفاق على اللقيط واللقطة) لأنه لا ولاية له في الإيجاب على ذمتهما فصار كما إذا قضى دين غيره بغير إذن المدين" (¬4). وهذا معناه: أن أحدًا لو قضى دين أحد بغير إذنه، فلا ولاية له في الولاية على ذمة المدين، وهذا يعني عدم الاعتبار عند عدم الإذن والرضا؛ فدل على اشتراط ذلك في الضمان، واللَّه تعالى أعلم. وكذلك كلام ابن الهمام عن ركني الكفالة، فقال: "وأما ركناها فالإيجاب والقبول بالألفاظ الآتية، ولم يجعل أبو يوسف في قوله الأخير القبول ركنًا، فجعل الكفالة تتم بالكفيل وحده في الكفالة بالمال والنفس وهو قول مالك وأحمد وقول للشافعي" (¬5). وعقدا الكفالة والضمان متدخلان عند الحنفية وغيرهم، كما يتضح ذلك من تعريف الضمان، كما عند المنهاجي الأسيوطي: "ويقال فيه: زعيم، وضمين، وحميل، وكفيل، وقبيل. . . والضمان على ضربين: أحدهما: ضمان النفس. والثاني: ضمان المال. . . الخ" (¬6). ¬
[70/ 4] مسألة: الضامن بالإذن يرجع على المضمون عنه بعد الأداء وإن أده بدون إذن بالاتفاق.
هذا وقد أشار إلى خلاف الحنفية القرافي، فقال: "واشترطه (ح) " (¬1). • أدلة هذا الرأي: لم أجد دليلًا للحنفية من كتبهم، ولكن استدل لرأيهم القرافي بالتالي: 1 - لأنه إثبات مال لآدمي فلم يثبت إلا برضاه، أشبه البيع فالرضا مشترط فيه من كل طرفي العقد البائع والمشتري (¬2).Rعدم تحقق الاتفاق، وكذا نفي الخلاف على عدم اعتبار رضى المضمون عنه، لخلاف الحنفية. [70/ 4] مسألة: الضامن بالإذن يرجع على المضمون عنه بعد الأداء وإن أدَّه بدون إذن بالاتفاق. إذا أدى الضامن حقًّا عن المضمون عنه بإذنه، رجع به على المضمون عنه، وإن لم يأمره المضمون عنه بالأداء، وقد نقل الاتفاق على هذا • من نقل الاتفاق: الإمام ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أنه إذا ضمن حقًّا عن رجل بإذنه وأداه؛ أنه يجب له الرجوع به على المضمون عنه" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق على الاتفاق السابق جمهور فقهاء الأمصار: أبو يوسف من الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
• مستند الاتفاق: 1 - لأن المضمون عنه قد أذن للضامن في الضمان والقضاء (¬1). 2 - لأن الضامن قد قضى دين واجب وقضاءه مبرأ؛ فكان له الرجوع لأنه الدين من ضمان من هو عليه (¬2). 3 - لأن المضمون عنه قد انتفع بمال الغير بإذن فكان للضامن لضامن الرجوع بما صرف من ماله (¬3). • الخلاف فى المسألة: خالف في هذه المسألة أكثر الحنفية كأبي حنيفة ومحمد، فقالوا: لم يرجع على الآمر إلا إذا كان خليطًا أو شريكًا (¬4) والشافعية في قول (¬5). • أدلة هذا الرأي: لم أقف على دليل عندهم لذلك. لكن ذكر ابن قدامة دليلًا لهم كالتالي: 1 - لأنه قد يأمر مخالطه بالنقد عنه (¬6).Rعدم تحقق الاتفاق على رجوع الضامن -إذا ضمن بالإذن ودفع بدون إذن- على المضمون عنه بعد الأداء لخلاف أكثر الحنفية وقول عند الشافعية. ¬
[71/ 5] مسألة: ضمان ما لم يجب لا يجوز بالاتفاق.
[71/ 5] مسألة: ضمان ما لم يجب لا يجوز بالاتفاق. لا يجوز ضمان مال لم يجب بعد، كمن قال لآخر: أنا أضمن لك ما تستقرضه من فلان، أو قال له: اقترض من فلان دينارًا وأنا أضمنه عنك، أو قال له: أقرض فلانًا دينارًا وأنا أضمنه لك (¬1)، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "اتفقوا أن ضمان ما لم يجب قط، ولا وجب على المرء؛ لا يجوز" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على الاتفاق السابق محمد بن الحسن من الحنفية (¬3)، والشافعية في أصح القولين وأشهرهما، وهو الجديد (¬4)، وأبي سليمان (¬5)، وابن أبي ليلى (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الاتفاق: 1 - لأن ضمان ما لم يجب، ليس في كتاب اللَّه عز وجل فهو باطل (¬8). 2 - لأن الضمان عقد واجب، وضمان ما لم يجب هو من باب ضمان الواجب في غير واجب وهو لا يجوز، فهو التزام ما لم يلزم بعد، وهذا محال (¬9). ¬
• الخلاف في المسألة: خالف الاتفاق السابق جمهور الفقهاء: أكثر الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية في القول الآخر وهو القديم (¬3)، والحنابلة (¬4)، وعثمان البتي (¬5). • أدلة هذا الرأي: 1 - قوله تعالى (¬6): {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72]. قال البهوتي مبينًا وجه الدلالة من الآية: "فدلت الآية على ضمان حمل البعير مع أنه لم يكن وجب" (¬7). 2 - لأن ضمان ما لم يجب قد تقتضيه المصلحة، والحاجة والضرورة داعية إليه (¬8).Rعدم تحقق الاتفاق على ضمان ما لم يجب بعد لخلاف الجمهور. ¬
[72/ 6] مسألة: يجوز مطالبة المضمون له الضامن بما ضمن بالاتفاق.
[72/ 6] مسألة: يجوز مطالبة المضمون له الضامن بما ضمن بالاتفاق. يحق للمضمون له [صاحب الحق من دَين ونحوه] أن يطالب الضامن بما ضمنه له، وقد نقل الاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الاتفاق ونفى الخلاف: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا على أن من كان له على آخر حي حق واجب من مال محدود قد وجب بعد فضمنه عنه ضامن واحد بأمر الذي عليه الحق ورضي المضمون له بذلك وكان الضامن له غنيًّا، فإن ذلك جائز، وللمضمون له أن يطالب الضامن بما ضمن له" (¬1). الإمام ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "الضمان إذا صح لزم الضامن أداء ما ضمنه وكان للمضمون له مطالبته ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬2). • الموافقون والإجماع: وافق على الاتفاق ونفي الخلاف: الحنفية (¬3)، ومالك في قول رجع عنه (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وهو قول الثوري ¬
وإسحاق وأبي عبيد (¬1). • مستند الاتفاق: 1 - قول اللَّه تعالى (¬2): {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72]. 2 - قوله عليه السلام (¬3): "الزعيم غارم" (¬4). 3 - لأن الدين ثابت في ذمته فكان له مطالبته (¬5). 4 - لأن الحق ثابت في ذمة الضامن كالأصيل فجاز له مطالبته به (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف الاتفاقَ السابق ونفي الخلاف فيه الإمامُ مالكٌ في رواية له هي المرجوع إليها فقال بعدم مطالبة الضامن إلا إذا تعذرت مطالبة الأصيل وهو المضمون عنه (¬7)، وقواه ابن القيم، فقال بعد سرده والاستدلال له: وهذا القول في القوة كما ترى (¬8). • أدلة هذا الرأي: هو ما استدل به ابن القيم للقائلين به، وهو: 1 - أن الضامن فرع والمضمون عنه أصل، والقاعدة في الشريعة أنه لا يصار إلى الأبدال والفروع إلا إذا تعذر الأصول كالتراب في الطهارة، وشاهد الفرع مع شاهد الأصل (¬9). 2 - أن الكفالة توثقة وحفظ للحق فهي كالرهن، إلا أن الرهن هو رهن لعين وفي الضمان هو رهن للذمة، أقرها الشارع وجعلها في مقام رهن الأعيان للحاجة إليها، والرهن لا يصار إليه ولا يستوفى منه إلا إذا تعذر الوفاء؛ فكذا الضمين. ¬
[73/ 7] مسألة: نفي النزاع على عدم رجوع الضامن على المضمون عنه إذا قضى دينه متبرعا.
3 - أن الأصل في الضمان هو لحفظ الحقوق وليس لتعدد محل الحق أو نقله لغير محله الأصلي، فللمضمون له أن يرجع إلى الضمان عند تعذر الاستيفاء، والضامن نصب نفسه للمطالبة عند تعذر الأصل، بدليل أن الناس تستقبح مطالبة الفرع مع موجود الأصل، ويعذر المضمون له في مطالبة الفرع إذا عجز عن مطالبة الأصل، وهو ما فطر عليه الناس.Rعدم تحقق الاتفاق ونفي الخلاف على مطالبة المضمون له الضامن بما أداه، لخلاف المالكية المفصل ومن وافقهم. [73/ 7] مسألة: نفي النزاع على عدم رجوع الضامن على المضمون عنه إذا قضى دينه متبرعًا. إذا تبرع الضامن بقضاء الدين عن المضمون عنه [المديون] وقضاه؛ فلا رجوع له على المضمون عنه، وقد نفي النزاع في ذلك. • من نفى النزاع: الإمام المرداوي ت 885 هـ، فقال: "إن قضى الضامن الدين فلا يخلو إما أن يقضيه متبرعًا أو لا؛ فإن قضاه متبرعًا؟ لم يرجع بلا نزاع" (¬1). • الموافقون على نفي النزاع: وافق على نفي النزاع في ذلك علماء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). ¬
[74/ 8] مسألة: نفي الخلاف في عدم صحة ضمان المجنون والصبي غير المميز.
• مستند نفي النزاع: لأن الضامن إذا قضاه متبرعًا كان كالمتصدق، والمتصدِق لا يرجع على المتصدَّق عليه بها (¬1).Rتحقق نفي النزاع على عدم رجوع الضامن على المضمون عنه إن قضى دينه متبرعًا. [74/ 8] مسألة: نفي الخلاف في عدم صحة ضمان المجنون والصبي غير المُمَيِّز. الجنون والصغر من عوارض الأهلية، وعليه لا يصح تصرف كل من المجنون والصغير غير المميز، ومن هذه التصرفات الضمان، وعليه لا يصح ضمانهم، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نقل نفي الخلاف: الإمام القدوري ت 428 هـ، فقال: "ولا يجوز تصرف المجنون المغلوب على عقله بحال" (¬2). الإمام ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "يصح ضمان كل جائز التصرف في ماله سواء كان رجلًا أو امرأة. . . ولا يصح من المجنون والمبرسم ولا من صبي غير مميز بغير خلاف" (¬3). الإمام المرداوي ت 885 هـ، فقال: "أما المجنون؛ فلا يصح ضمانه قولًا واحدًا، وكذا الصبي غير المميز" (¬4). الشيخ عبد الرحمن بن قاسم النجدي ت 1392 هـ، فقال: "أما المجنون، والطفل فلا يصح تصرفهما مطلقًا" (¬5). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف السابق فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، ¬
[75/ 9] مسألة: تعدد المضمون عنه والضمان واحد جائز بالاتفاق.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وكذا الظاهرية (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - لارتفاع القلم عن المجنون والصبي (¬4). 2 - لأن الضمان هو إيجاب في أموال بعقد فلم يصح منهم كالنذر والإقرار (¬5). 3 - لأن الضمان عقد تبرع بالتزام مال للمضمون له، فلم يصح منهم كنذر الصدقة (¬6).Rتحقق نفي الخلاف في عدم صحة ضمان المجنون. [75/ 9] مسألة: تعدد المضمون عنه والضمان واحد جائز بالاتفاق. قد يتعدد المدينون، فيضمنهم جميعًا ضامن واحد، فمثل هذا الضمان جائز، وقد نقل الاتفاق على جوازه. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن ضمانَ الواحدِ عن الاثنين فصاعدًا بما عليهم مَن له قِبَلَهم حقٌّ واجبٌ بعدُ على واحدٍ لهم قِبَلَه، مثل ذلك الحقِّ جائزٌ" (¬7). • الموافقون على الاتفاق: لم أجد من تعرض لهذه المسألة بموافقة أو مخالفة سوى الحنفية عند الكلام عن جواز تعدد المكفول له (¬8)، وكذلك ابن حزم في حكاية الاتفاق الآنفة. ¬
[76/ 10] مسألة: نفي النزاع على عدم براءة المضمون عنه ببراءة الضامن.
• مستند الاتفاق: لم أعثر على مستند عند من قال بجواز تعدد المضمون عنه هذا على أن الأصول العامة للشريعة الإسلامية تجيز ذلك؛ حيث يجوز للمرء أن يتصدق على أكثر من شخص، أو يتبرع لهم، والضمان دون التبرع، فكان أولى. واللَّه أعلم.Rسلامة الاتفاق من الوقوف على معارض، وعليه تحقق الاتفاق على جواز تعدد المضمون عنه. [76/ 10] مسألة: نفي النزاع على عدم براءة المضمون عنه ببراءة الضامن. إذا برئت ذمة المضمون عنه وهو الأصل برئ الفرع وهو الضامن، لكن إن برئ الفرع وهو الضامن لا يبرأ الأصل وهو المضمون عنه، وقد نفي النزاع في ذلك. • من نفى النزاع: الإمام المرداوي ت 885 هـ، فقال: "إن برئ الضامن أو أقر ببراءته لم يبرأ المضمون عنه بلا نزاع" (¬1). • الموافقون على نفي النزاع: وافق على نفي النزاع في عدم براءة المضمون عنه ببراءة الضامن جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، ¬
وهو قول الثوري وإسحاق وأبو عبيد (¬1). • مستند نفي النزاع: 1 - قول النبي عليه السلام (¬2): "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" (¬3). 2 - لأن براءة الضامن هو تنازل عن الوثيقة، وسقوط الوثيقة ليس هو وفاء للحق أو إبطال له، أشبه ما لو فسخ المرتهن الرهن فلا يبطل به الدين (¬4). 3 - لأن الضمان كالشاهدة، فهو وثيقة بالدين فلا يسقط الحق بسقوطه (¬5). 4 - لأن المضمون عنه أصل فلا يبرأ بإبراء الفرع (¬6). 5 - لأن في الدين في الأصل على الأصيل، وهو المضمون عنه (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف نفي النزاع في هذه المسألة بعضُ الفقهاء ¬
ك: ابن شبرمة (¬1)، وأبي ثور، وابن أبي ليلى وداود الظاهري، فذهبوا إلى أن من ضمن عن رجل مالًا لزمه وبرئ المضمون عنه (¬2). • أدلة هذا الرأي: حديث أبي سعيد الخدري قال: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في جنازة فلما وضعت قال: "هل على صاحبكم من دين؟ " قالوا: نعم درهمان، فقال: "صلوا على صاحبكم" فقال علي: هما علي يا رسول اللَّه، وأنا لهما ضامن، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فصلى عليه، ثم أقبل على علي، فقال: "جزاك اللَّه خيرًا عن الإسلام، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك" فقيل: يا رسول اللَّه: هذا لعلي خاصة أم للناس عامة؟ فقال: "للناس عامة" (¬3). قال ابن قدامة عقب ذكر احتجاجهم بهذا الحديث: "فدل على أن المضمون عنه بريء بالضمان" (¬4). 2 - حديث جابر قال: توفي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه فخطا خطى، ثم قال: "أعليه دين؟ " قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه، فقال أبو قتادة: ¬
[77/ 11] مسألة: نفي النزاع على صحة ضمان المريض.
الديناران عليَّ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَحِقَّ الغريمُ، وبرئ منهما الميتُ" قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: "ما فعل الديناران؟ " فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: لقد قضيتهما. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الآن بردتّ عليه جلده" (¬1). قال ابن قدامة عقب ذكر احتجاجهم بهذا الحديث أيضًا: "وهذا صريح في براءة المضمون عنه لقوله: (وبريء الميت منهما)، ولأنه دَيْنٌ واحد فإذا صار في ذمة ثانية برئت الأولى منه كالمحال به، وذلك لأن الدَّيْن الواحد لا يحل في محلين" (¬2). ثم شرع يستدل لقول الحنابلة كما سبق عنه في مستند نفي النزاع.Rعدم تحقق نفي النزاع في عدم براءة المضمون عنه ببراءة الضامن لخلاف من خالف من الفقهاء. وجه الدلال أن الضامن برئ من الدين فتبعه المضمون عنه، والبراءة هنا في حق الدائن، لكن ليس في حق الضامن فيجوز له الرجوع على المضمون عنه بما دفعه كما سبق بيانه لكن الحديث يدل على أن أبا قتادة متبرع فسقط عن الميت الدين. [77/ 11] مسألة: نفي النزاع على صحة ضمان المريض. إذا ضمن المريض أحدًا؛ صح ضمانه ولزمه ما يلزم الصحيح، وقد نفي النزاع في ذلك. • من نفى النزاع: الإمام المرداوي ت 885 هـ، فقال: "قوله: (ولا يصح إلا من جائز التصرف). . . دخل في عموم كلام المصنف صحة ضمان المريض، وهو صحيح؛ فيصح ضمانه بلا نزاع" (¬3). ¬
• الموافقون على نفي النزاع: وافق على نفي النزاع جمهور الفقهاء وأتباعهم: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند نفي النزاع: لأن الضمان تبرع، والمريض ليس من أهله (¬5).Rتحقق نفي النزاع على صحة ضمان المريض. ¬
الفصل الثالث مسائل الإجماع في عقد الكفالة
الفصل الثالث مسائل الإجماع في عقد الكفالة [78/ 1] مسألة: الكفالة (¬1) جائزة بالإجماع. الكفالة جائزة سواء بالمال أو بإحضار نفس المكفول، وقد نقل الإجماع والاتفاق في ذلك، كما قد نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع والاتفاق ونفى الخلاف: الإمام أبو الحسن الماوردي ت 450 هـ، فقال: "إجماع الصحابة منعقد بجواز الكفالة" (¬2). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا على أن من كان له على آخر حيِّ حقٌّ واجب من مال محدود قد وجب بعد، فضمنه عنه ضامن واحد بأمر الذي عليه الحق ورضي المضمون له بذلك وكان الضامن له غنيًا؛ فإن ذلك جائز، وللمضمون له أن يطالب الضامن بما ضمن له" (¬3). ¬
الإمام علاء الدين السمرقندي ت 539 هـ، فقال: "ولا خلاف في جواز الكفالة إلى أجل معلوم من الشهر والسنة ونحوها" (¬1). الإمام الكاساني ت 587 هـ، فقال: "وأما الدين؛ فتصح الكفالة به بلا خلاف؛ لأنه مضمون على الأصيل، مقدور الاستيفاء من الكفيل" (¬2). الإمام ابن رشد، حيث قال: "لها أسماء: كفالة وحمالة وضمانة وزعامة، فأما أنواعها فنوعان حمالة بالنفس وحمالة بالمال. أما الحمالة بالمال فثابتة بالسنة ومجمع عليها من الصدر الأول ومن فقهاء الأمصار" (¬3). الإمام ابن مودود الموصلي الحنفي ت 683 هـ؛ فقال: "وتجوز بالنفس والمال لما روينا وذكرنا من الحاجة والإجماع" (¬4). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: " (وأما الكفالة فجائزة). . . وهذا لا خلاف فيه إذا كان المال معلومًا" (¬5). الإمام كمال الدين ابن الهمام ت 861 هـ، فقال: "ودليل وقوع شرعيتها قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (الزعيم غارم) (¬6). . .، والإجماع" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على نفي الخلاف والإجماع على جواز الكفالة بالمال والنفس: الحنفية (¬8)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية في القديم، وبعض أصحابه (¬2)، والحنابلة (¬3)، وشريح، والثوري، والليث (¬4). • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: قوله تعالى (¬5): {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66]. 2 - قوله تعالى (¬6): {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72]. 3 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7): "الزعيم غارم" (¬8). 4 - لأن الأصيل ضامن للمال، ومقدور على استيفاءه من الكفيل، فصحت الكفالة (¬9). 5 - ولأن كل ما وجب أن يسلم بالعقد؛ وجب تسليمه بعقد الكفالة كالمال (¬10). ¬
[79/ 2] مسألة: من تصح منه الكفالة.
6 - أقرار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فقد بعث والناس يتكفلون فأقرهم عليه، والعمل عليه إلى يومنا هذا من غير نكير (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعي في الجديد وبعض أصحابه في جواز الكفالة بالنفس؛ فلم يجيزوها (¬2)، وكذا داود الظاهري (¬3). • أدلة هذا القول: قوله تعالى (¬4): {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} [يوسف: 79]. • ووجه الدلالة كما يقول الإمام الماوردي: "فكان قوله: {مَعَاذَ اللَّهِ} إنكارًا للكفالة أن تجوز حين سأله إخوته أن يأخذ أحدهم كفيلًا ممن وجد متاعه عنده" (¬5). 2 - لأن الكفالة بالنفس هي ضمان عين في الذمة، فلم تصح كالمسلم في الأعيان (¬6).Rعدم انعقاد الإجماع؛ لخلاف الشافعي. [79/ 2] مسألة: من تصح منه الكفالة. يشترط في الكفيل أن يكون أهلًا للتبرع؛ لأن الكفالة من التبرعات، وعلى ذلك لا تصح الكفالة من المجنون أو المعتوه أو الصبي. • من نفى الخلاف: الإمام موفق الدين ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "صح ضمان كل جائز التصرف في ماله سواء كان رجلًا أو امرأة؛ لأنه يقصد به المال، فصح من المرأة كالبيع، ولا يصح من المجنون والمبرسم (¬7) ولا من ¬
[80/ 3] مسألة: لا يشترط رضا المدين بالكفالة بالاتفاق.
صبي غير مميز بغير خلاف؛ لأنه إيجاب مال بعقد، فلم يصح منهم كالنذر والإقرار، ولا يصح من السفيه المحجور عليه" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في صحة كفالة من يصح منه التبرع، وأنه لا يصح من المجنون ولا الصبي، جمهور الفقهاء: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - لأن الكفالة عقد فيه إيجاب بمال، فلم يصح إلا من جائز التصرف (¬6). 2 - أن الصبي والمجنون ليسا من أهل التبرع، فقد ارتفع القلم عنهما (¬7). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rتحققُ نفي الخلافِ في صحة كفالة من يصح منه التبرع. [80/ 3] مسألة: لا يشترط رضا المدين بالكفالة بالاتفاق. لا يشترط لصحة الكفالة رضا المكفول عنه أو المضمون عنه، وهو المدين أو إذنه، بل تصح مع كراهته لذلك. وقد نقل الاتفاق على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن قدامة الحنبلي ت 620 هـ، فقال: "ولا يعتبر رضا المضمون عنه، لا نعلم فيه خلافًا" (¬8). الإمام النووي ت 676 هـ، فقال: "كتاب الضمان. . . أركانه وهي خمسة ¬
الأول المضمون عنه، ولا يشترط رضاه بالاتفاق" (¬1). الإمام ابن شطا الدمياطي ت بعد 1302 هـ، فقال: "لا يشترط رضا المدين، وهذا بالاتفاق" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور الفقهاء على صحة الكفالة دون اشتراط رضا المدين (المكفول عنه): الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4) والشافعية (¬5)، والحنابلة فى وجه (¬6). • مستند الاتفاق ونفي الخلاف: حديث أبي قتادة الطويل، وفيه: ثم أتي [أي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-] بالثالثة [أي بالجنازة الثالثة] فقالوا: صل عليها. قال: "هل ترك شيئًا؟ " قالوا: لا. قال: "فهل عليه دين؟ " قالوا. ثلاثة دنانير. قال: "صلوا على صاحبكم". قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول اللَّه وعلى دينه فصلى عليه. • ووجه الدلالة: أن الميت لا يأتى منه رضا ولا إذن، وقد أقر النبي كفالة أبي قتادة. 2 - أن الكفالة فيها التزام من الكفيل بالمطالبة، وهو تصرف فيما يملك، ¬
[81/ 4] مسألة: لا يجوز اشتراط الكفيل الخيار لنفسه بلا خلاف.
وفيه نفع للمكفول له، ولا ضرر فيه على المكفول عنه، لأنه لا رجوع عليه. ولأن قضاء دين الغير بغير إذن جائز، فكان الالتزام أولى بالجواز (¬1). 3 - لأن الكفالة كالشهادة وثيقة لا قبض فيها؛ فصحت من غير رضاه (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقال: لا تصح الكفالة بغير رضا المكفول عنه الحنابلة في الوجه الآخر (¬3). • أدلة هذا القول: لأن الكفيل عند العجز لا يغرم المال، فلا فائدة لها إذا إلا حضور المكفول عنه، وهو غير لازم له الحضور مع الكفيل عند عدم الرضا، لذا لم تصح بدون إذن (¬4).Rعدم تحقق الاتفاق ونفي الخلاف في صحة الكفالة مع عدم رضا المكفول عنه [المدين]. [81/ 4] مسألة: لا يجوز اشتراط الكفيل الخيار لنفسه بلا خلاف. لا يجوز اشتراط الكفيل الخيار لنفسه، وقد نفي الخلاف في عدم الجواز. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "ولا يدخل الضمان والكفالة خيار. . وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي: ولا نعلم عن أحد خلافهم" (¬5). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في عدم جواز الخيار في الكفالة جمهور الفقهاء من الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، ¬
والحنابلة (¬1). هذا على أن من الفقهاء (¬2) من يرى صحة الكفالة مع بطلان شرط الخيار. • مستند نفي الخلاف: 1 - أن الخيار شرع ليتبين للمشترط ما فيه الحظ، والكفيل على يقين أنه لا حظ له (¬3). 2 - لأن الكفالة لا يشترط لها القبول؛ فلم يدخله الخيار كالنذر. 3 - لأن الخيار ينافي مقتضى الكفالة وهي لزوم ما كفل به (¬4). 4 - أن الكفالة التزام على وجه مخصوص، وشرط الخيار فيها يؤدي إلى أنه لا يلتزم به حالًا، لذا مع الخيار لم يوجد الالتزام من أصله، فلم يصح (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في المسألة سوى قول ابن مودود الموصلي الحنفي ت 683 هـ: "وشرط الخيار في الكفالة جائز" (¬6). ولكن لعله يقصد خيار المكفول له (الدائن) في أن يطالب الكفيل أو الأصيل بدليل قوله: "وإذا صحت الكفالة فالمكفول له، إن شاء طالب الكفيل، وإن شاء طالب الأصيل" (¬7). حتى لا يتعارض مع قول الزيلعي ت 743 هـ: "لو أقر بالكفالة على أنه بالخيار جاز إقراره بالكفالة، وبطل الخيار" (¬8).Rتحقق نفي الخلاف في عدم دخول الخيار الكفالة. ¬
[82/ 5] مسألة: نفي الخلاف على صحة الكفالة إلى أجل.
[82/ 5] مسألة: نفي الخلاف على صحة الكفالة إلى أجل. تجوز الكفالة إلى أجل معلوم شهرًا أو نحوه، وقد نفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: الإمام علاء الدين السمرقندي ت 539 هـ، فقال: "ولا خلاف في جواز الكفالة إلى أجل معلوم من الشهر والسنة ونحوها" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في جواز الكفالة إلى أجل معلوم الأئمة الأربعة وأتباعهم: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند نفي الخلاف: أن هذا الأجل هو مقتضى الكفالة ووجبها؛ فصح اشتراطه (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في المسألة.Rتحقق نفي الخلاف في اشتراط الكفالة إلى أجل. [83/ 6] مسألة: لا يشترط معلومية الدين في الكفالة بالإجماع. لا تشترط معلومية الدين في الكفالة، وعليه تصح الكفالة مع جهالة الدين المكفول به، وقد نقل الإجماع على. • من نقل الإجماع: الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: "الكفالة بجهالة المكفول به فإنه يصح بالإجماع" (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على عدم اشتراط معلومية الدين في الكفالة بالمال جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية في وجه فى وجه هو المذهب (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: لأن الكفالة بالبدن لا بالدين، والبدن معلوم فلا تبطل الكفالة (¬5). 2 - لأن مبنى الكفالة على التوسع فتحتمل فيها هذه الجهالة (¬6). 3 - لأن ضمان المجهول يصح، وهو التزام المال ابتداء، فالكفالة التي لا تتعلق بالمال ابتداء أولى (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فاشترط معلومية الدين: والشافعية في الوجه الآخر (¬8)، وابن أبي ليلى (¬9). • أدلة هذا القول: 1 - لقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]. 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل مال مسلم إلا بطيب نفس منه" قال ابن حزم: "والتراضي وطيب النفس لا يكون إلا على معلوم القدر هذا أمر يعلم ¬
[84/ 7] مسألة: لو قال: إن طلعت الشمس غدا فما لك على غريمك فلان علي.
بالحس والمشاهدة" (¬1). 3 - لأنه ضمن شيئا مجهولًا غير مسمى (¬2). 4 - لأنه الكفالة يترتب عليها إثبات مال في الذمة للغير بموجب عقد فلا يصح أن يقع على مجهول كالبيع والإجارة (¬3).Rعدم تحقق الإجماع على عدم اشتراط معلومية الدين في الكفالة؛ لخلاف من سبق. [84/ 7] مسألة: لو قال: إن طلعت الشمس غدًا فما لك على غريمك فلان عليَّ. نُفِيَ الخلافُ في كون الكفيلِ غيرَ مُلْزَمٍ بشيء مما في هذه المسألة. وهذه المسألة من باب تعليق الكفالة. • من نقل الخلاف: الإمام ابن جرير الطبري ت 310 هـ، فقال: "لا خلاف بين الجميع في أن رجلًا لو قال لآخر: إن طلعت الشمس غدًا فما لك على غريمك فلان -وهو ألف درهم- عليَّ، فطلعت من الغد؛ أنه لا يلزمه بذلك من ضمان على غريمه شيء؛ لأن ذلك من المخاطرة" (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: في الأصح عن الشافعية (¬5)، هو أنه لا يجوز تعليقها، وهو وجه عن الحنابلة واختيار بعضهم (¬6). ¬
• مستند نفي الخلاف: 1 - لأن ذلك من المخاطرة وهي منهي عنها شرعا (¬1). 2 - لأن الكفالة عقد لا يقبل التعليق كالبيع لا يصح أن يكون معلقا (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف الجمهور واتفقت أقوال الفقهاء على جواز الكفالة المعلقة من الحنفية، بشرط أن يكون على شرط ملائم (¬3)، وكذا قال المالكية بمثل قول الحنفية مما يفهم من كلامهم (¬4)، والشافعية (¬5)، وصحيح مذهب الحنابلة (¬6). • مستند أقوال الفقهاء: قوله تعالى: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)} [يوسف: 72]. قال الإمام الألوسي: "أي كفيل أؤديه إليه، وهو قول المؤذن. واستدل ¬
[85/ 8] مسألة: لا يجوز كفالة ما لم يجب بالاتفاق.
بذلك كما في الهداية وشروحها على جواز تعليق الكفالة بالشروط؛ لأن مناديه علق الالتزام بالكفالة بسبب وجوب المال وهو المجيء بصواع الملك وندائه بأمر يوسف عليه السلام، وشرع من قبلنا شرع لنا إذا مضى من غير إنكار" (¬1). 2 - لأن القبول ليس بشرط في الكفالة، فجاز أن يكون معلقا قياسا على الطلاق في جواز التعليق (¬2). 3 - لأن الكفالة شرعة لتحقيق مصلحة مشروعة ولسد حاجة الناس فجاز أن تكون معلقة لعدم الضرر فيها (¬3).Rعدم تحقق نفي الخلاف لوجود المخالف في كون من قال: إن طلعت الشمس غدًا فما لك على غريمك فلان علىَّ؛ غيرَ مُلْزَمٍ بشيء من ذلك وهو قول الجمهور. [85/ 8] مسألة: لا يجوز كفالة ما لم يجب بالاتفاق. لا يجوز كفالة ما لم يجبْ بعدُ، كمن قال لآخر: أنا كفيل بما تستقرضه من فلان، أو قال له: اقترض من فلان كذا وأنا أكفله لك، أو قال له: أقرض فلانًا كذا وأنا أكفله لك. وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "اتفقوا أن ضمان ما لم يجب قط ولا وجب على المرء؛ لا يجوز" (¬4). لكن نقل الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ الاختلاف في هذه المسألة فقال: "واختلفوا في ضمان المجهول وهو مثل أن يقول: ضمنت ماله من ذمة فلان. وهما لا يعلمان مبلغة وكذلك ما لم يجب مثل أن يقول: ما داينت فلانًا فأنا ضامنه. فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يصح الضمان فيهما. وقال الشافعي: لا يصح" (¬5). ¬
• الموافقون على الاتفاق: وافق محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة وتلميذه (¬1)، والحنفية وهو بخلاف ما عليه الفتوى (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن حزم (¬4)، ونقله عن ابن أبي ليلى، وأبي سليمان؛ على الاتفاق على عدم جواز ضمان ما لم يجب. • مستند الاتفاق: 1 - لأنه شرط ليس في كتاب اللَّه عز وجل؛ فهو باطل (¬5). 2 - لأن الضمان عقد واجب، ولا يجوز الواجب في غير واجب، وهو التزام ما لم يلزم بعد. وكل عقد لم يلزم حين التزامه فلا يجوز أن يلزم في ثانٍ، وفي حين لم يلتزم فيه (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقال بجواز ضمان ما لم يجب: أبو حنيفة استحسانًا وهو ما عليه الفتوى (¬7)، والمالكية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وعثمان البتي (¬10). ¬
[86/ 9] مسألة: يجوز كفالة أكثر من مدين بالاتفاق.
• أدلة هذا القول: قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] (¬1). 2 - عموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "الزعيم غارم" (¬3). 3 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- للأسير العقيلي: -لما قال له: يا محمد، عَلامَ أخذتني وسابقةَ الحاج؟ يعني ناقته- "بجريرة حلفائك من ثقيف" (¬4). • وجه الدلالة: "فأسر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا العقيلي، وحبسه لينال بذلك من حلفائه مقصوده" (¬5). 4 - وذكر ابن حزم من مستدلهم: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولى زيد بن حارثة جيش الأمراء، فإن مات، فالأمير جعفر بن أبي طالب، فإن مات، فالأمير عبد اللَّه بن رواحة (¬6). قال [أي المستدل بهذا]: فكما تجوز المخاطرة في الولايات فهي جائزة في الضمان (¬7). 5 - لأنه التزام حق في الذمة من غير معاوضة فصح كالنذر والإقرار (¬8). 6 - لأنه الضمان يصح تعليقه بضرر وخطر (¬9).Rهو عدم تحقق الاتفاق على عدم جواز كفالة ما لا يجب؛ لخلاف أكثر الفقهاء وقولهم بجوازه. [86/ 9] مسألة: يجوز كفالة أكثر من مدين بالاتفاق. يجوز أن يكفل الواحد أكثر من مدين، وقد نقل الاتفاق على هذا الجواز. ¬
[87/ 10] مسألة: للكفيل الرجوع على المدين إذا كانت الكفالة والأداء بالإذن إجماعا.
• من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم الظاهري ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن ضمان الواحد عن الاثنين فصاعدًا. . . جائز" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: لم أجد من تطرق إلى هذه المسألة من الفقهاء إلا الحنفية (¬2)، غير أن الحنابلة أشارو إلى جواز تكفل اثنين بواحد (¬3). • مستند الاتفاق: قوله عليه الصلاة والسلام: "الزعيم غارم" (¬4)، فقد أطلق من غير تفصيل فصل بين الكفالة بالمال والكفالة بالنفس (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أجد من تطرق إلى هذه المسألة بموافقة أو خلاف غير الحنفية كما سبق.Rتحقق الاتفاق على جواز أن يكفل الواحد أكثر من مدين. [87/ 10] مسألة: للكفيل الرجوع على المدين إذا كانت الكفالة والأداء بالإذن إجماعا. إن كانت الكفالة والأداء بإذن المدين فللكفيل حق الرجوع بما أداه عنه بالإجماع. وإذا كانت بغير أمره لم يحق له الرجوع عليه عند عامة الفقهاء. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا ضمن عن الرجل لرجل مالًا معلومًا بأمره: أن الضمان لازم له، وله أن يأخذ ممن ضمن عنه" (¬6). الإمام الكاساني ت 587 هـ، فقال: " (منها) أن تكون الكفالة بأمر المكفول عنه [المدين] لأن معنى الاستقراض لا يتحقق بدونه، ولو كفل بغير أمره لا يرجع عليه عند عامة العلماء" (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على عدم رجوع الكفيل على المدين إذا كانت الكفالة بغير أمر المدين عامة العلماء من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة في رواية (¬3)، وابن المنذر (¬4). • مستند الإتفاق: 1 - حديث جابر رضي اللَّه عنه، وفيه: مات رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه ووضعناه لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل ثم آذنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصلاة عليه، فجاء معنا خطى، ثم قال: "لعل على صاحبكم دينًا" قالوا: نعم، ديناران. فتخلف، ففال له رجل منا -يقال له أبو قتادة-: يا رسول اللَّه هما علي، فجعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "هما عليك وفي مالك والميت منهما بريء" فقال: نعم فصلى عليه، فجعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا لقي أبا قتادة يقول: "ما صنعت الديناران" حتى كان آخر ذلك قال: قد قضيتهما يا رسول اللَّه قال: "الآن حين بردت عليه جلده" (¬5). قال الإمام ابن حزم رادًا على من قالوا بالرجوع: "وأما حديث أبي قتادة من طريق عبد اللَّه بن محمد بن عقيل؛ فأعظم حجة عليهم لو كان لهم مسكة إنصاف؛ لأن فيه نصًّا قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للضامن عن الميت: (حق الغريم عليك، وبرئ منهما الميت) قال الضامن: نعم. أليس في هذا كفاية. .؟ ! " (¬6). وقال الموفق ابن قدامة: "بدليل حديث علي وأبي قتادة؛ فإنهما لو كانا يستحقان الرجوع على الميت؛ صار الدين لهما، فكانت ذمة الميت مشغولة بدينهما كاشتغالها بدين المضمون عنه، ولم يصل عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬7). ¬
وقال الإمام الشربيني: "لو كان له الرجوع لما صلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الميت بضمان أبي قتادة" (¬1). 2 - لأن الكفالة بغير إذن من المكفول عنه؛ تبرعٌ؛ فلا يصح الرجوع فيها (¬2). 3 - لأنه تبرعه بالأداء أشبه ما لو علف دوابه وأطعم عبيده بغير أمره (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف الإمام مالك في هذه المسألة فرأى الرجوع على المدين وإن كان بغير أمره إن فعله رفقًا بالمطلوب، وإن أراد الضرر بطلبه وإعناته لعداوة بينهما منع من ذلك فلم يرجع (¬4). وهو رواية عند الحنابلة، ونقله الموفق ابن قدامة عن عبد اللَّه بن الحسن وإسحاق (¬5). وعند الحنابلة أيضًا: أن مبنى الرجوع على النية؛ فيرجع إن نوى الرجوع، وإن لم ينو لم يرجع (¬6). • ودليلهم: لأن القضاء لدين واجب، برئ به المدين، فكان من ضمان من هو عليه، أشبه الحاكم إذا دفع المال عن المدين الممتنع، فكان له الرجوع (¬7). قال ابن قدامة: "فأما على وأبو قتادة فإنهما تبرعا بالقضاء والضمان، فإنهما قضيا دينه قصدًا لتبرئة ذمته ليصلي عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع علمهما بأنه لم يترك وفاء، والمتبرع لا يرجع بشيء وإنما الخلاف في المحتسب بالرجوع (¬8). وخالف ابن حزم فرأى عدم الرجوع مطلقًا سواء بأمره أو بغير أمره إلا أن يكون استقرضه. ونقله عن ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي ثور وأبي سليمان (¬9). • وأدلته على هذا القول: حديث جابر السابق، وبيان وجه الدلالة منه.Rعدم انعقاد الاتفاق على رجوع الكفيل على المكفول عنه ¬
[88/ 11] مسألة: للمكفول مطالبة الكفيل بالدين بالاتفاق.
(المدين) إذا أدى عنه بغير إذنه؛ لخلاف المالكية وغيرهم على التفصيل السابق. وكذا عدم رجوعه وإن أداه بإذنه؛ ؟ لخلاف ابن حزم وغيره. [88/ 11] مسألة: للمكفول مطالبة الكفيل بالدين بالاتفاق. إذا صحت الكفالة لزم الكفيل أداء الدين، وكان للمكفول له مطالبته به، وقد نقل الاتفاق على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الاتفاقَ: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا على أن من كان له على آخر حيِّ حقٌّ واجب من مال محدود قد وجب بعد، فضمنه عنه ضامن واحد بأمر الذي عليه الحق ورضي المضمون له بذلك وكان الضامن له غنيًا؛ فإن ذلك جائز، وللمضمون له أن يطالب الضامن بما ضمن له" (¬1). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "الضمان إذا صح لزم الضامن أداء ما ضمنه، وكان للمضمون له مطالبته ولا نعلم في هذا خلافًا، وهو فائدة الضمان" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على مطالبة المكفول له الكفيلَ بالدين، إلا أنه رأى سقوطه عن المكفول عنه الظاهرية، ونقله ابن حزم عن ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وأبي ثور، وأبي سليمان، ورُوِّيه عن الحسن وابن سيرين (¬3). • مستند الاتفاق: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4): "الزعيم غارم" (¬5). وحديث سلمة بن الأكوع رضي اللَّه عنه: أتي [أي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-] بالثالثة [أي بالجنازة الثالثة] فقالوا: صلِّ عليها. قال: "هل ترك شيئًا؟ " قالوا: لا. قال: "فهل عليه دين؟ " قالوا: ¬
ثلاثة دنانير. قال: "صلوا على صاحبكم". قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول اللَّه، وعلى دينه، فصلى عليه (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك أكثر الفقهاء؛ فقالوا: للمكفول له (الدائن) مطالبة أي من الكفيل والمكفول عنه، وهم الحنفية (¬2)، ومالك في رواية اختارا ابن القاسم (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وحكاه عن الثورى والأوزاعى وإسحاقَ، ابنُ بطال (¬6). • أدلة هذا القول: 1 - قوله عليه السلام (¬7): "نفس المؤمن معلقة بِدَيْنِهِ حتى يُقْضَى عنه" (¬8). 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في خبر أبي قتادة: "الآن بردت جلدته" (¬9) حين أخبره ¬
أنه قضى دينه (¬1). 3 - لأن الكفالة وثيقة للدين فلا تنقل الحق عن المدين كالشهادة، وأما صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على المضمون عنه؛ فلأنه بالكفالة صار له وفاء، كمن مات وعليه دين له وفاء لم يؤدى بعد، وإنما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يمتنع عن الصلاة إذا كان المدين لم يخلف وفاء. وأما قوله: لعلي: (فك اللَّه رهانك كما فككت رهان أخيك) (¬2)، لأن كان بحال لا يصلي عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما وجد الكفيل فقد فك رهن أخيه. وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (برئ الميت منهما) يعني أن الكفيل صار هو المطالب بالدين، وكان ذلك من باب التأكيد بدليل أنه لما أُخبر النبي بالوفاء قال: (الآن بردت عليه جلدته). ويفارق الضمان الحوالة بأن الضمان ضم بين الذمتين، أما الحوالة فهي تحول ونقل للحق من ذمة إلى ذمة، أما جواز تعلق الدين الواحد في محلين، إنما هو على سبيل التوثيق كالرهن فالدين متعلق بذمة الراهن ويجوز استيفاءه من المرهون (¬3). ¬
[89/ 12] مسألة: إبراء المدين في الكفالة إبراء للكفيل بالإجماع.
وفي قول أخر لمالك خلاف لهذا الاتفاقَ، فذهب إلى أنه لا يُطالب الكفيلُ إلا أن يفلس المدين أو يغيب (¬1). وقواه ابن القيم، فقال بعد سرده والاستدلال له: وهذا القول فى القوة كما ترى (¬2). • أدلة هذا القول: أن الذى عليه الحق قد استفاد بأخذ عوض ما يؤخذ منه، أما الكفيل إنما دخل على وجه التبرع، ولم يأخذ عوض ما يؤخذ منه، فكان الأولى التبدئة بالأصيل الذى عليه الحق أولى، إلا إن كان الذى عليه الحق غائبًا أو معدمًا، فإنه يصار للكفيل؛ لأن من له الحق معذور فى أخذه من الكفيل فى هذه الحال. قال ابن بطال (¬3): قاله الأبهري (¬4).Rعدم تحقق الاتفاق ونفي الخلاف فى مطالبة المكفول له الكفيلَ وحده بالدين؛ لخلاف الأئمة الأربعة وغيرهم كما سبق. [89/ 12] مسألة: إبراء المدين في الكفالة إبراء للكفيل بالإجماع. من آثار إبراء المدين [المكفول عنه، أو الأصيل] في عقد الكفالة إبراءُ الكفيل. وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "وإن أبرأ صاحب الدين المضمون عنه؛ برئت ذمة الضامن لا نعلم فيه خلافًا" (¬5). الإمام كمال الدين ابن الهمام ت 861 هـ، فقال: "براءة الأصيل توجب براءة الكفيل بالإجماع" (¬6). ¬
[90/ 13] مسألة: الكفالة بالنفس في المال جائزة بالإجماع.
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع على أن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل جمهور العلماء من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: لأن الكفيل فرع الأصيل فإذا برئ الأصيل برئ الكفيل (¬5). ولأن الكفيل هنا وثيقة، تزول إذا بريء الأصل (¬6). ولأن الدين على الأصيل في الأصل، فلما برئ منه برئ الكفيل (¬7). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع على أن إبراء المدين يوجب إبراء الكفيل. [90/ 13] مسألة: الكفالة بالنفس في المال جائزة بالإجماع. الكفالة بإحضار نفس المكفول جائزة إذا كانت بسبب المال، وقد قد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام محمد بن الحسن التميمى الجوهرى ت في حدود 350 هـ، فقال: "وأجمع الصحابة ومن بعدهم على إجازة الكفالة بالنفس -وإن لم يكن معه مال- وإنما الاختلاف بعدهم" (¬8). ¬
الإمام الماوردي ت 450 هـ، فقال: "الكفالة في الحدود باطلة، وفي الأموال على قولين: أحدهما: جائزة. . وروي أن العباس بن عبد المطلب تكفل بأبي سفيان بن حرب عام الفتح لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1) [ثم ذكر مثل هذه الآثار عن الصحابة الدالة على جواز الكفالة بالنفس، ثم قال] فدل على أن إجماع الصحابة منعقد بجواز الكفالة" (¬2). الإمام ابن مودود الموصلي الحنفي ت 683 هـ؛ فقال: "وتجوز بالنفس والمال؛ لما روينا وذكرنا من الحاجة والإجماع" (¬3). وقال الإمام ابن رشد الحفيد: "وأما الحمالة بالنفس، وهي التي تعرف بضمان الوجه؛ فجمهور فقهاء الأمصار على جواز وقوعها شرعًا إذا كانت بسبب المال" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على نفي الخلاف والإجماع على جواز الكفالة بالنفس: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعي في القديم وبعض أصحابه (¬7)، والحنابلة (¬8)، وهو قول شريح، والثوري، والليث (¬9)، ¬
والفقهاء السبعة (¬1). • مستند الإجماع: قوله تعالى (¬2): {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66]. ¬
قال الإمام الماوردي في معرض الاستدلال بالآية: "والمَوْثِق الكفيل فامتنع يعقوب من إرسال ولده مع إخوته إلا بكفيل يكفل به" (¬1). 2 - عموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "الزعيم غارم". 3 - حديث حارثة بن مضرب قال: صليت الغداة مع عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه، فلما سلم قام رجل فأخبره أنه انتهى إلى مسجد بني حنيفة مسجد عبد اللَّه بن النواحة فسمع مؤذنهم يشهد: أن لا إله إلا اللَّه، وأن مسيلمة الكذاب رسول اللَّه، وأنه سمع أهل المسجد على ذلك، فقال عبد اللَّه: من ها هنا، فوثب نفر، فقال: عليَّ بابن النواحة وأصحابه، فجئ بهم، وأنا جالس، فقال عبد اللَّه بن مسعود لعبد اللَّه بن النواحة: أين ما كنت تقرأ من القرآن؟ قال: كنت أتقيكم به. قال: فتب. قال: فأبى، قال: فأمر قَرَظَةَ بن كعب الأنصاري، فأخرجه إلى السوق؛ فضرب رأسه، قال: فسمعت عبد اللَّه يقول: من سره أن ينظر إلى بن النواحة قتيلًا في السوق؛ فليخرج؛ فلينظر إليه. قال حارثة: فكنت فيمن خرج، فإذا هو قد جرد ثم إن ابن مسعود استشار الناس في أولئك النفر، فأشار إليه عدي بن حاتم بقتلهم، فقام جرير والأشعث، فقالا: لا، بل استتبهم وكفلهم عشائرهم، فاستتابهم فتابوا، فكفلهم عشائرهم (¬3). 4 - لأنه لما جاز ضمان المال وهو في الذمة جاز ضمان صاحب الذمة نفسها؛ إذ لعدم الفرق بين ضمان الحق وبين ضمان من عليه الحق (¬4). 5 - لأن الحاجة، والمصلحة داعية إلى جواز الكفالتين المال والنفس (¬5). 6 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث كان الناس يكفل بعضهم بعضا فأقرهم عليه، ¬
[91/ 14] مسألة: نفي الخلاف على عدم صحة الكفالة بالنفس في الحدود.
وعليه العمل من غير نكير إلى يومنا هذا من لدن الصدر الأول (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعي في الجديد وبعض أصحابه في جواز الكفالة بالنفس؛ فلم يجيزوها (¬2)، وكذا داود الظاهري (¬3). • أدلة هذا القول: قوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} [يوسف: 79]. ووجه الدلالة كما يقول الإمام الماوردي: "فكان قوله: {مَعَاذَ اللَّهِ} إنكارًا للكفالة أن تجوز حين سأله إخوته أن يأخذ أحدهم كفيلًا ممن وجد متاعه عنده" (¬4). 2 - لأن النفس لا تضمن باليد، وما لا يضمن باليد لا يصح أن يضمن بالعقد كالميتة والخمر (¬5). 3 - لأن الضمان بالنفس في القصاص يكون باطلا، وعقد الكفالة بالنفس ضمان لا يستحق على الضامن أن يطالب بمقتضاه؛ لذا وجب أن تكون الكفالة به باطلة.Rعدم انعقاد الإجماع على جواز الكفالة بالنفس؛ لخلاف الشافعي في الجديد وبعض أصحابه، وداود الظاهري. [91/ 14] مسألة: نفي الخلاف على عدم صحة الكفالة بالنفس في الحدود. الكفالة بالحد نفسه والقصاص لا تجوز، وقد نفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: الإمام السرخسي ت 483 هـ، فقال: "لا خلاف أنه لا تصح الكفالة بنفس الحد والقصاص" (¬6). الإمام كمال الدين ابن الهمام ¬
ت 861 هـ، فقال: "لا خلاف أنه لا تكفيل بنفس الحدود والقصاص" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور الفقهاء على نفي الخلاف في عدم جواز الكفالة في الحدود: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، ونقله شمس الدين ابن قدامة عن شريح، والحسن، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور (¬6). • مستند نفي الخلاف: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7): "لا كفالة في حد" (¬8). ¬
2 - وقال بكير بن عبد اللَّه بن الأشج (¬1): "لا تقبل حمالة في دم ولا في سرقة ولا شرب خمر ولا في شيء من حدود اللَّه وتقبل فيما سوى ذلك" (¬2). 3 - لأن الحدود والقصاص لا يجري فيها النيابة في الإيفاء (¬3). 4 - لأن الكفالة المقصود منها هو أن يقوم الكفيل مقام المكفول عنه في الإيفاء، وهذا لا يصلح في شيء من الحدود أو القصاص. فلا تصح الكفالة بها (¬4). 5 - لأن من مقاصد الكفالة هو الاستيثاق، والحدود مبنية على الدرء والإسقاط؛ فلا يناسبها الاستيثاق بالكفالة (¬5)؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ادرءوا الحدود مما استطعتم" (¬6). ¬
[92/ 15] مسألة: نفي النزاع على جواز حبس الكفيل.
• الخلاف في المسألة: خالف في ذلك صاحبا أبي حنيفة: أبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني؛ فقالا بجواز الكفالة في الحدود (¬1). • أدلة هذا القول: الحدود يجوز الحبس فيها للتهمة، فالكفالة أولى؛ لأن الاستيثاق بالحبس أبلغ منه في الكفالة، فلما جاز الحبس وهو الأبلغ في الحدود؛ كانت الكفالة أحق بالجواز (¬2).Rعدم تحقق نفي الخلاف في عدم جواز الكفالة بالنفس في الحدود لخلاف الصاحبين؛ حيث قالا بالجواز. [92/ 15] مسألة: نفي النزاع على جواز حبس الكفيل. إذا كان الكفيل قادرًا على وفاء ما كفله من دين فامتنع حبس حتى يفي. وقد نفي النزاع فيه. • من نفى النزاع: الإمام ابن تيمية ت 728 هـ، فقال: "مَنْ كان قادرًا على وفاء دينه وامتنع أُجبر على وفائه بالضرب والحبس ونص على ذلك الأئمة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ولا أعلم فيه نزاعًا" (¬3). الإمام المرداوي ت 880 هـ، فقال: "وإن كان حالا وله مال يفي به لم يحجر عليه ويأمره الحاكم بوفائه فإن أبى حبسه. القول بالحبس: اختاره جماهير ¬
الأصحاب وقطع به أكثرهم وعليه العمل وهو الصواب ولا تخلص الحقوق في هذه الأزمنة غالبًا إلا به وبما هو أشد منه" (¬1). • الموافقون على نفي النزاع: وافق على نفي النزاع في هذه المسألة الحنفية (¬2)، وهو رأي الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند نفي النزاع: لم أجد لهما دليلا على ذلك. • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك المالكية فهو مقتضى كلامهم (¬5)، وخالف في ذلك فلم ير حبس أحد في الدين الوزير ابن هبيرة حتى قال: "ومضت السنة في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلى رضي اللَّه عنهم؛ أنه لا يحبس على الديون؛ لكن يتلازم الخصمان. وأما الحبس الآن على الدين فلا أعلم أنه يجوز عند أحد من المسلمين" (¬6). كما أن قول المرداوي من قبل: "وقطع به أكثرهم" يدل على أن بعضهم لم يقل به. ¬
• أدلة هذا القول: حديث (¬1): "الحميل غارم" (¬2). وليس فيه الحبس. 2 - حديث ابن عباس؛ أن رجلًا لزم غريمًا له بعشرة دنانير، فقال: واللَّه لا أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل، فتحمل بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتاه بقدر ما وعده، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أين أصبت هذا الذهب؟ " قال: من معدن. قال: "لا حاجة لنا فيها، ليس فيها خير" فقضاها عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). قالوا: فهذا غرم في الحمالة المطلقة (¬4). ولم يرشده النبي إلى حبس الأصيل فالكفيل من باب الأولى. 3 - أن الحبس فيه مفاسد كثيرة منها أنه يجمع العدد الكثير في موضع واحد وقد يضيق عنهم، مما يترتب عليه عدم القدرة على الوضوء والصلاة، كما أنه قد يحبس ولا جِدَةَ له، والواجب فيه الإنظار، وقد يكون حبسه بقصد الإضرار أو عن طريق الحيلة (¬5).Rعدم تحقق نفي النزاع في حبس الكفيل إذا امتنع عن الوفاء بما تكفل به مع قدرته. ¬
الفصل الرابع المسائل المجمع عليها في عقد الرهن
الفصل الرابع المسائل المجمع عليها في عقد الرهن [93/ 1] مسألة: الرَّهْنِ (¬1) جائز بالإجماع. الرهن جائز، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الرهن في السفر والحضر جائز" (¬2). الإمام ابن بطال ت 449 هـ، فقال: "الرهن جائز فى الحضر والسفر، وبه قال جميع الفقهاء" (¬3). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "اتفقوا على أن الرهن في السفر في القرض الذي هو إلى أجل مسمى أو في البيع الذي يكون ثمنه إلى أجل مسمى إذا قبضه المرتهن بإذن الراهن قبل تمام البيع وبعد تعاقده وعاين المشهود قبض المرتهن له وكان الرهن مما يجوز بيعه وكان ملكًا صحيحًا للراهن فإنه رهن صحيح تام" (¬4). الإمام ابن قدامة، فقال: "الرهن في الشرع: المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفي من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه، وهو جائز بالكتاب والسنة والإجماع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، ¬
[94/ 2] مسألة: الرهن بعد ثبوت الحق صحيح الإجماع.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - قوله تعالى (¬4): {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]. 2 - حديث أنس رضي اللَّه عنه (¬5)، قال: ولقد رهن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- درعه بشعير (¬6). 3 - حديث عائشة رضي اللَّه عنه؛ أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه درعه (¬7). • الخلاف في المسألة: لم يوقف على خلاف أحد في جواز الرهن.Rانعقاد الإجماع والاتفاق على جواز الرهن. [94/ 2] مسألة: الرهن بعد ثبوت الحق صحيح الإجماع. لا يصح الرهن إلا بعد ثبوت الحق [الدين] وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "ولا يخلو الرهن من ثلاثة أحوال أحدها: أن يقع بعد الحق فيصح بالإجماع" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية (¬9)، وهو ¬
الظاهر عند الحنابلة، بل هو منصوص أحمد (¬1). • مستند الإجماع: 1 - لأنه دَيْنٌ ثابت والحاجة داعية إلى أخذ الوثيقة به؛ فجاز أخذ الرهن به كالضمان (¬2). 2 - لأن اللَّه تعالى قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة: 283] فجعلها اللَّه بدلًا عن الكتابة؛ فيكون الرهن في محل الكتابة ومحل الكتابة بعد وجوب الحق. وفي الآية دليل ذلك وهو قوله تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] فالكتابة جاءت بعد الفاء التعقيب. 3 - لأن الرهن وثيقة بالحق، ولا يكون لازما قبل لزوم الحق، كالشهادة لا أن تسبق الدين. 4 - لأن الرهن تابع للحق فلا يتقدم عليه كالشهادة، والثمن لا يتقدم البيع. • الخلاف فى المسألة: خالف هذا الإجماع فقال يجوز الرهن قبل ثبوت الحق المرهون به: الحنفيةُ (¬3)، والمالكيةُ (¬4)، وأبو الخطاب (¬5) ¬
[95/ 3] مسألة: صفات الراهن.
من الحنابلة (¬1). • أدلة هذا القول: لأن الرهن وثيقة؛ فجاز أن تسبق الحق كالضمان (¬2).Rعدم تحقق الإجماع على عدم صحة الرهن إلا بعد ثبوت الحق؛ لخلاف الحنفية والمالكية وأبي الخطاب من الحنابلة. [95/ 3] مسألة: صفات الراهن. لابد أن تتحقق في الراهن صفات يجمعها كونه جائز التصرف في المال؛ فيكون عاقلًا، بالغًا، أو مميزًا بإذن وليه، غير محجور عليه، حرًّا إلا أن يأذن السيد لعبده. وقد نفي الخلاف في وجوب تحقق هذه الصفات. • من نفى الخلاف: الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، حيث قال: "أما الراهن فلا خلاف أن من صفته أن يكون غير محجور عليه من أهل السداد" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جميع الفقهاء على نفي الخلاف في وجوب تحقق صفات الأهلية في الراهن: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
[96/ 4] مسألة: الرهن في السفر جائز بالإجماع.
• مستند نفي الخلاف: 1 - لأن الرهن عقد على المال؛ فلم يصح من الصبى والمجنون والمحجور عليه كالبيع لا يصح منهما (¬1). 2 - لأن العقل معتبر في جميع التصرفات (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في المسألة.Rتحقق نفي الخلاف في كون الراهن لابد أن يكون جائز التصرف في المال. [96/ 4] مسألة: الرهن في السفر جائز بالإجماع. الرهن في السفر جائز، بل هو الأصل في الرهن، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الرهن في السفر والحضر جائز" (¬3). الإمام ابن بطال ت 449 هـ، فقال: "الرهن جائز فى الحضر والسفر، وبه قال جميع الفقهاء" (¬4). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "اتفقوا على أن الرهن في السفر في القرض الذي هو إلى أجل مسمى أو في البيع الذي يكون ثمنه إلى أجل مسمى إذا قبضه المرتهن بإذن الراهن قبل تمام البيع وبعد تعاقده وعاين الشهود قبض المرتهن له وكان الرهن مما يجوز بيعه وكان ملكًا صحيحًا للراهن فإنه رهن صحيح تام" (¬5). الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ؛ فقال: "واتفقوا على جواز الرهن في الحضر والسفر" (¬6). الإمام القرافي ت 684 هـ، فقال: "الرهن اللزوم، وكل شيء ملزوم فهو رهن. . . قال اللخمي: الإجماع عليه سفرًا وحضرًا" (¬7). ¬
[97/ 5] مسألة: الرهن في الحضر جائز بالإجماع.
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله عز وجل (¬6): {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]. 2 - حديث أنس رضي اللَّه عنه (¬7)، قال: ولقد رهن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- درعه بشعير (¬8). قال الإمام السرخسي بعد أن ساق هذا الحديث: "وفيه دليل أن الرهن جائز في الحضر والسفر جميعًا" (¬9). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في جواز الرهن في السفر.Rانعقاد الإجماع على جواز الرهن في السفر. [97/ 5] مسألة: الرهن في الحضر جائز بالإجماع. الرهن في الحضر جائز كما في السفر، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الرهن في السفر والحضر جائز" (¬1). الإمام ابن بطال ت 449 هـ، فقال: "الرهن جائز فى الحضر والسفر، وبه قال جميع الفقهاء" (¬2). الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ؛ فقال: "واتفقوا على جواز الرهن في الحضر والسفر" (¬3). الإمام القرافي ت 684 هـ، فقال: "الرهن اللزوم، وكل شيء ملزوم فهو رهن. . . قال اللخمي: الإجماع عليه سفرًا وحضرًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق جميع الفقهاء من الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8) على جواز الرهن في الحضر كما هو في السفر، وكذا ابن حزم الظاهري لكن دون أن يُشْتَرَط (¬9). • مستند الإجماع والاتفاق: قوله عز وجل (¬10): {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]. قال الإمام البغوي الفراء ت 510 هـ: "خرج الكلام في الآية على الأعم الأغلب، لا على سبيل الشرط" (¬11). وقال الإمام ابن بطال ت 449 هـ: "وحجة الجماعة أن اللَّه لم يذكر السفر على أن يكون شرطًا فى الرهن، وإنما ذكره لأجل أن الغالب فيه أن الكاتب ¬
يعدم فى السفر، وقد يوجد الكاتب فى السفر، ويجوز فيه الرهن، فكذلك يجب أن يجوز الرهن فى الحضر، وإن كان الكاتب حاضرًا؛ لأن الرهن إنما هو على معنى الاستيثاق، بدليل قوله تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضًا} [البقرة: 283] " (¬1). وقال الإمام ابن قدامة ت 620 هـ: "فأما ذكر السفر؛ فإنه خرج مخرج الغالب لكون الكاتب يعدم في السفر غالبًا، ولهذا لم يشترط عدم الكاتب وهو مذكور معه أيضًا" (¬2). 2 - حديث عائشة رضي اللَّه عنها (¬3)، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه درعه (¬4). 3 - حديث أنس رضي اللَّه عنه (¬5)، قال: ولقد رهن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- درعه بشعير (¬6). قال الإمام السرخسي بعد أن ساق هذا الحديث: "وفيه دليل أن الرهن جائز في الحضر والسفر جميعًا؛ فإنه رهنه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة في حال إقامته بها" (¬7). وقال الإمام القرطبي: "قال جمهور من العلماء: الرهن في السفر بنص التنزيل، وفي الحضر ثابت بسنة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬8). 4 - لأنه الرهن توثقة للدين تجوز سفرًا فجازت حضرًا كالضامن؛ ولأن صورة جاز فيها الضمان جاز فيها الرهن كالسفر (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقال الرهن لا يكون إلا في ¬
[98/ 6] مسألة: رهن السلاح عند أهل الذمة ومن له عهد.
السفر: مجاهدُ بن جبر (¬1)، والضحاك بن مُزَاحِم (¬2)، وداود بن علي الظاهري (¬3). • أدلة هذا القول: ظاهر قوله تعالى (¬4): {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}: [البقرة: 283].Rعدم تحقق الإجماع والاتفاق على جواز الرهن في الحضر لخلاف مجاهد والضحاك وداود بقصرهم الرهن على السفر. [98/ 6] مسألة: رهن السلاح عند أهل الذمة ومن له عهد. رهن السلاح عند أهل الذمة من أهل الكتاب ونحوهم جائز وكذا من له عهد مع المسلمين كعهد الأمان ونحوه وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: الإمام أبو حامد الغزالي ت 505 هـ، فقال: "رهن السلاح من الحربي مرتب على بيعه منه، ورهنه من الذمي جائز وفاقًا" (¬5). الإمام الشوكاني ت 1250 هـ، فقال بعد أن ساق عدة أحاديث منها حديث لعائشة وأنس رضي اللَّه عنهما: "والأحاديث المذكورة فيها دليل على مشروعية الرهن. . . وجواز رهن السلاح عند أهل الذمة لا عند أهل الحرب بالاتفاق" (¬6). • الموافقون على الاتفاق: جواز رهن السلاح من الذمي، قال به الحنفية مع الكراهة إن كان لهم قوة (¬7)، ¬
[99/ 7] مسألة: رهن السلاح عند أهل الحرب.
والشافعية (¬1)، والمالكية (¬2). • مستند الاتفاق: لأن رهنه من الذمي كبيعه له (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أجد مخالفًا لجواز رهن السلاح من الذمي عند الفقهاء.Rتحقق الاتفاق على جواز رهن السلاح من الذمي. [99/ 7] مسألة: رهن السلاح عند أهل الحرب. رهن السلاح عند أهل الحرب لا يجوز، وقد نقل الاتفاق على عدم الجواز • من نقل الاتفاق: الإمام الشوكاني ت 1250 هـ، فقال بعد أن ساق عدة أحاديث منها ما سبق قبل مسألة في حديثي عائشة وأنس رضي اللَّه عنهما: "والأحاديث المذكورة فيها دليل على مشروعية الرهن. . . وجواز رهن السلاح عند أهل الذمة لا عند أهل الحرب بالاتفاق" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: وافق على عدم جواز رهن السلاح عند أهل الحرب، الحنفية (¬5)، ¬
[100/ 8] مسألة: رهن النقود.
المالكية (¬1)، والشافعية في الأظهر عندهم (¬2). • مستند الاتفاق: لأن رهن السلاح من الحربي حكمه حكم بيعه منه وهو محرم (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في عدم جواز رهن السلاح من الحربي، الشافعية في غير الأظهر عندهم، لكن اشترطوا أن يوضع عند من يجوز له تملكه (¬4). • أدلة هذا القول: لأن في أقراه تحت أيديهم تسليط للكافر عليها فكره.Rعدم تحقق الاتفاق على عدم جواز رهن السلاح من الحربي؛ لخلاف الشافعية. [100/ 8] مسألة: رهن النقود. رهن النقود من دنانير أو دارهم أو غيرها جائز، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام محمد بن الحسن التميمى الجوهري ت في حدود 350 هـ، فقال: "وأجمعوا على جواز ارتهان الدنانير والدارهم بالدين، وأنه ¬
سواء ختم عليها الراهن في كيس أولم يختم عليها" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق أكثر الفقهاء على الإجماع على جواز رهن النقود: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، وهو مفهوم عبارات الحنابلة (¬4)، والظاهريةُ (¬5). • مستند الإجماع: لم أعثر عند أحد من القائلين برهن النقود دليلًا، لا نصًّا ولا اجتهادًا. • الخلاف في المسألة: خالف المالكية، هذا الإجماع فقالوا بعدم جواز رهن النقود إلا إن طبع عليها. جاء في المدونة: "قلت: هل يجوز في قول مالك إن ارتهن دنانير أو دراهم أو فلوسا؟ قال: قال مالك: إن طبع عليها وإلا فلا" (¬6). وكذا ابن حزم ت 456 هـ، في كتابه مراتب الإجماع فقال: "واتفقوا على أن الرهن كما ذكرنا أن كان دنانير أو دراهم فختم عليها في الكيس جاز رهنها" (¬7). • أدلة هذا الرأي: لأنه بالأختم يمتنع من الانتفاع به ورد مثلها (¬8).Rعدم تحقق الإجماع على جواز رهن النقود مطلقًا لخلاف المالكية باشتراط أن تكون مطبوعًا عليها. ¬
[101/ 9] مسألة: رهن المصحف.
[101/ 9] مسألة: رهن المصحف. يجوز ارتهان المسلم المصحف من أخيه المسلم، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن للمسلم أن يرتهن المصحف من أخيه المسلم" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق أكثر الفقهاء على الإجماع على رهن المسلم المصحف من أخيه المسلم: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، وأحد قولي الشافعية (¬4)، وأحد قولي الحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - حديث عائشة في رهن النبي عليه السلام درعه عند اليهودي (¬6). قال الإمام السرخسي الحنفي: "وفي هذا دليل جواز الرهن في كل ما هو مال متقوم، ما يكون معدًّا للطاعة وما لا يكون معدًّا له في ذلك سواء؛ فإن درعه صلوات اللَّه عليه كان معدًّا للجهاد به، فيكون دليلًا على جواز رهن المصحف" (¬7). ¬
[102/ 10] مسألة: رهن العارية.
2 - لأن المصحف يصح بيعه فصح رهنه كغيره (¬1). • الخلاف في المسألة: القول الآخر لكل من الشافعية والحنابلة في الموضعين السابقين هو عدم جواز رهن المصحف. • أدلة هذا القول: لأن المصحف لا يصح بيعه، والرهن المقصود منه استيفاء الدين من ثمنه بعد بيعه (¬2).Rعدم انعقاد الإجماع على جواز رهن المصحف؛ لخلاف من سبق. [102/ 10] مسألة: رهن العارية. يجوز أن يستعير الرجل شيئًا ليرهنه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا استعار من الرجل الشيء يرهنه على دنانير معلومة، عند رجل سمي له، إلى وقت معلوم، فرهن ذلك على ما أذن له فيه، أن ذلك جائز" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق جميع الفقهاء على الإجماع على جواز رهن العارية: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
[103/ 11] مسألة: قبض المرتهن للعين المرهونة.
• مستند الإجماع: 1 - لأن رهن العين المستعارة هو أحد منافع العارية التي تنقضي بها حاجة المستعير؛ فصح كسائر العواري (¬1). 2 - لأن للمعير يصح أن يلتزم دين في ذمته، فيملك أن يلزمه في عين ماله؛ فكل من المحلين محل حقه، وتصرفه (¬2). 3 - لأنه لا يفوت على المالك حقه، فبه يقضى للمرتهن حقه ببيع العارية إن لم يؤد الراهن ما عليه، ويرجع المعير على المستعير بما أدى عنه (¬3). 4 - لأن الإطلاق اليد في العارية معتبر؛ لأنه لا يؤدي للنزاع (¬4). 5 - لأن المعار مضمون على الراهن إن تلف أو بيع (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع على جواز رهن العارية. [103/ 11] مسألة: قبض المُرتَهِن للعين المرهونة. قبض المرتهن [آخذ الرهن] العين المرهونة شرط في عقد الرهن، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا أن الرهن لا يكون إلا مقبوضا" (¬6). الإمام البغوي الفراء ت 510 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الرهن لا يتم إلا بالقبض" (¬7). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، فقال: "فأما القبض فاتفقوا بالجملة على أنه شرط في الرهن" (¬8). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق الفقهاء على كون الرهن لا يتم إلا بالقبض: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى (¬6): {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]. قال الإمام السرخسي: "والدليل على أن دوام اليد موجب العقد قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} هذا يقتضي أن لا يكون مرهونًا إلا في حال يكون مقبوضًا فيه" (¬7). وقال الإمام البغوي: "قوله: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} أي: ارتهنوا واقبضوا" (¬8). وقال الإمام الكاساني: "وصف سبحانه وتعالى الرهن بكونه مقبوضًا؛ يقتضي أن يكون القبض فيه شرطًا صيانة لخبره تعالى عن الخلف" (¬9). 2 - لأن المقصود بالرهن هو ضمان حق المرتهن، وقد شرعت الكتابة ¬
[104/ 12] مسألة: امتناع الراهن عن تقبيض الرهن.
والشهادة خشية الجحود، والرهن بدل عن الكتابة، ولا تزول هذه الخشية إذا عاد الرهن إلى يد الراهن لأنه ربما يجحد الرهن والدَّيْن جميعًا (¬1). 3 - ولأن من أهداف الرهن حث الراهن ليسارع إلى قضاء الدين لينتفع بما رهن، ولا يحصل هذا الهدف إلا بقبض المرتهن الرهن (¬2). 4 - لأنه عقد تبرع للحال؛ فلا يثبت الحكم فيه بنفسه، فلم يصح إلا مقبوضا كسائر التبرعات (¬3). • الخلاف في المسألة: لم يوقف على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق على كون الرهن لا يتم إلا بقض المرتهن العين المرهونة. [104/ 12] مسألة: امتناع الراهن عن تقبيض الرهن. إن امتنع الراهن عن تسليم الرهن المشروط للمرتهِن لم يجبر على ذلك، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا أن الرهن لا يكون إلا مقبوضًا؛ فإن امتنع الراهن أن يقبض المرتهن الرهن لم يجبر على ذلك" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق جميع الفقهاء على الإجماع على عدم إجبار الراهن على تسليم الرهن إن امتنع عنه، وأن المرتهن (البائع) بالخيار إن شاء أسقط حقه فى طلب الرهن، وإن شاء فسخ البيع: الحنفية (¬5)، والمالكية إن ¬
[105/ 13] مسألة: وضع الرهن عند عدل.
كان الرهن غير معين (¬1) والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: لأن عقد الرهن تبرعٌ، ولا جبرَ على المتبرع كالواهب (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقال: يجبر الراهن على تسليم الرهن إن امتنع عنه الحنابلة في رواية إن كان الرهن معينا (¬5)، وزفر (¬6). • أدلة هذا الرأي: أنه بالشرط صار الرهن حقًّا من حقوق المرتهن (¬7).Rعدم انعقاد الإجماع على عدم إجبار الراهن على تسليم الرهن إن امتنع عنه لخلاف الحنابلة في رواية، وزفر. [105/ 13] مسألة: وضع الرهن عند عدل. إذا شرط وضع الرهن عند عدل، جاز، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام عماد الدين الكيا الهراسي ت 504 هـ؛ فقال: "ولا خلاف عند العلماء أن تعديل المرهون جائز" (¬8). الإمام الموفق ابن قدامة ت 625 هـ؛ فقال: "والشروط في الرهن تنقسم قسمين: صحيحًا وفاسدًا، ¬
فالصحيح مثل أن يشترط كونه على يد عدل عينه أو عدلين أو أكثر، أو أن يبيعه العدل عند حلول الحق، ولا نعلم في صحة هذا خلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار على نفي الخلاف في جواز وضع الرهن عند عدل: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند نفي الخلاف: لأن يد المرتهن هي يد العدل في حق المالية، ومالية الرهن هي المضمونة (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف زفر (¬7)، وابن أبي ليلى فقال: لا يصح الوضع عند العدل حتى يقبض المرتهن (¬8). ودليلهما: أن يد العدل يد المالك، لأن الذي يرجع إليه إذا استحق الرهن بعد الهلاك وبعدما ضمن العدل قيمته هو المالك (¬9).Rعدم تحقق نفي الخلاف في جواز وضع الرهن عند عدل؛ لخلاف زفر وابن أبي ليلى. ¬
[106/ 14] مسألة: اشتراط بيع العدل الرهن.
[106/ 14] مسألة: اشتراط بيع العدل الرهن. إذا شرط بيع العدل الرهن عند حلول الحق، جاز وصح بيعه، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "والشروط في الرهن تنقسم قسمين: صحيحًا وفاسدًا، فالصحيح مثل أن يشترط كونه على يد عدل عينه أو عدلين أو أكثر، أو أن يبيعه العدل عند حلول الحق، ولا نعلم في صحة هذا خلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار من الحنفية (¬2)، والمالكية بأمر من السلطان، لكن أن بيع نفذ (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) على نفي الخلاف في صحة اشتراط بيع العدل الرهن عند حلول الحق. • مستند نفي الخلاف: لأن العدل قد منح الإذن وسلط على البيع عند امتناع الراهن من الأداء، فصح الشرط والبيع (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة. ¬
[107/ 15] مسألة: ضمان العدل ثمن العين.
Rتحقق نفي الخلاف في صحة اشتراط بيع العدل الرهن عند حلول الأجل. [107/ 15] مسألة: ضمان العدل ثمن العين. لا يضمن العدل ثمن العين المرهونة إلا بالتعدي، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 625 هـ؛ فقال: "إذا باع العدل الرهن بإذنهما وقبض الثمن، فتلف في يده من غير تعد؛ فلا ضمان عليه. . . ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬1). الإمام النووي ت 676 هـ؛ فقال: "وإذا ادعى العدل تلف الثمن في يده قبل قوله مع يمينه. وإن ادعى تسليمه إلى المرتهن فالقول قول المرتهن مع يمينه، فإذا حلف أخذ حقه من الراهن ورجع الراهن على العدل" وإن كان قد أذن له في التسليم، ولو صدقه الراهن في التسليم فإن كان أمره بالإشهاد ضمن العدل بلا خلاف لتقصيره، وكذا إن لم يأمره على الأصح لتفريطه، فلو قال أشهدت ومات شهودي وصدقه الراهن فلا ضمان" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق فقهاء الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وهو مقتضى قول المالكية في هلاك الرهن والثمن من بابه (¬6)، ¬
[108/ 16] مسألة: لا يتجزئه الرهن بوفاء بعض الدين شرعا.
على نفي الخلاف في ضمان العدل بالتعدي، وعدمه بعدمه. • مستند نفي الخلاف: 1 - لأن قبض العدل ليس على سبيل الاستيفاء، فجاز للمرتهن الرجوع على الراهن بالحق بعد التلف (¬1). 2 - لأن العدل وكيل عن الراهن في البيع، وقبض الثمن، وهو أمين له؛ فإذا تلف الثمن فلا ضمان على العدل، وكان من ضمان موكله كسائر الأمناء (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أجد للمالكية إلا النص على تعدي العدل على الرهن دون الثمن، فقالوا إن تعدى على الرهن ودفعه إلى المرتهن فلا ضمان على العدل (¬3). ولم أعثر على دليل للمالكية في هذا الرأي.Rعدم تحقق نفي الخلاف في ضمان العدل بالتعدي، وعدمه بعدمه، لخلاف المالكية بعدم ضمان العدل مطلقًا. [108/ 16] مسألة: لا يتجزئه الرهن بوفاء بعض الدين شرعًا. لا يلزم المرتهن تجزئة الرهن للوفاء ببعض الدين؛ لأن الرهن لا يتجزأ شرعا. وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا أنه من رهن شيئًا أو أشياء بمال، فأدى بعض المال، وأراد بعض الرهن، أن ذلك ليس له، ولا يخرج من الرهن شيء، حتى يوفيه آخر حقه، أو يبرأ من ذلك" (¬4). ¬
الإمام الطحاوي ت 321 هـ، فقال: "كل قد أجمع أن الراهن لا يستحق على المرتهن قبض شيء من الرهن بدفعه إليه شيئًا من الدين الذي رهنه به ذلك الرهن، وأن الراهن بعد براءته إلى المرتهن من بعض الدين في حكمه الذي كان عليه قبل براءته إليه من شيء من ذلك الدين" (¬1). الإمام الخطيب الشربيني ت 977 هـ، فقال: " (فإن بقي شيء منه) أي من الدين وإن قل (لم ينفك شيء من الرهن) بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع على كون الرهن لا يتجزأ: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والثوري وإسحاق وأبو ثور (¬7). ¬
[109/ 17] مسألة: المرتهن ضامن للرهن إذا قبضه بالإجماع.
• مستند الإجماع: 1 - لأن الرهن وثيقة بالحق؛ فلا تسقط الوثيقة إلا بسداد كامل الحق كالضمان والشهادة لا تتجزء بسداد جزء الحق (¬1). 2 - لأن في استرداد جزء من المرهون تفريق للصفقة المنعقد بعقد واحد من غير رضا المرتهن فلم تلزم المرتهن (¬2). 3 - لأن الرهن حبس بكل جزء من الحق، كالتركة محبوسة بكل جزء من الدين حتى يؤدا كاملا عن الميت (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة إلا ما حكاه ابن رشد الحفيد عن قوم مجهولين، أنه يتجزأ، وأنه يبقى من الرهن بيد المرتهن بقدر ما يبقى من الحق، فقال: "والرهن عند الجمهور يتعلق بجملة الحق المرهون فيه وببعضه، أعني أنه إذا رهنه في عدد ما، فادى منه بعضه؛ فإن الرهن بأَسْرِهِ يبقى بعدُ بيد المرتهن؛ حتى يستوفي حقه. وقال قوم: بل يبقى من الرهن بيد المرتهن بقدر ما يبقى من الحق" (¬4). • أدلة هذا الرأي: أن جميع الرهن تم حبسه بجميع الحق، فوجب أن يكون أجزء الرهن محبوسة بأجزاء الحق (¬5).Rهو عدم انعقاد الإجماع على عدم تجزؤ الرهن لخلاف من ذكرهم ابن رشد الحفيد. [109/ 17] مسألة: المرتهن ضامن للرهن إذا قبضه بالإجماع. إذا قبض المرتهن الرهن صار حقًّا عليه أن يضمنه إذا هلك، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام ابن مودود الموصلي الحنفي ت 683 هـ؛ فقال: ¬
" (فإذا قبضه المرتهن دخل في ضمانه). . . وقد نقل أصحابنا إجماع الأمة على أنه مضمون على اختلافهم في كيفية الضمان" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ضمان المرتهن الرهن دون قيود الحنفية (¬2)، وابن أبي ليلى والثوري (¬3). • مستند الإجماع: 1 - ما روي (¬4)، أن رجلًا رهن فرسًا له بدين فنفق (¬5)، فاختصما إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال عليه الصلاة والسلام للمرتهن: "ذهب حقك" (¬6). 2 - لأن الرهن بالحبس صار مستوفيًا لحقه من وجه؛ وقد تأكد هذا الاستيفاء بهلاك المرهون، فإن ضمن كان وفاء ثانيًا وهو ربا (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية، فقالوا: ما قبضه المرتهن مما لا يُغاب عليه [أي لا يمكن إخفاؤه] لا يضمنه المرتهن، وما يغاب عليه يضمنه (¬8)، ¬
[110/ 18] مسألة: إذا ضاق مال الراهن عن ديونه وطالب الغرماء الوفاء بها فيقدم من له أرش جناية ثم من له رهن.
وذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2) إلى أنه يضمنه إذا تعدى، وإلا فلا. • أدلة هذا الرأي: 1 - حديث أبي هريرة (¬3)، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَغْلَقُ الرهنُ من صاحبه الذي رهنه (¬4)، له غنمه وعليه كرمه (¬5) " (¬6). 2 - لأن المرتهن لو ضمن الرهن دون تعد لامتنع الناس من التداين خوفًا من الضمان (¬7). 3 - لأن الضمان في ضرر عظيم؛ لأنه وسيلة إلى تعطيل المداينات، والضمان منفي شرعًا؛ لأنه وثيقة بالدين والوثيقة لا تضمن، ولا يحصل به الوفاء بهلاكها (¬8).Rعدم تحقق الإجماع على ضمان المرتهن الرهن مطلقًا لخلاف من خالف. [110/ 18] مسألة: إذا ضاق مال الراهن عن ديونه وطالب الغرماء الوفاء بها فيقدم من له أرش جناية ثم من له رهن. إذا حدث هذا للراهن أو حجر عليه لفلسه، فيقدم من له أَرْشُ جنايةٍ، ثم ¬
من له رهن من بين سائر الغرماء، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "إذا ضاق مال الراهن عن ديونه، وطالب الغرماء بديونهم أو حجر عليه لفلسه، وأريد قسمة ماله بين غرمائه؛ فأول من يقدم من له أَرْشُ جنايةٍ يتعلق برقبة بعض عبيد المفلس لما ذكرنا من قبل، ثم من له رهن؛ فإنه يخص بثمنه عن سائر الغرماء. . . ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في هذه المسألة المالكية في المشهور عندهم (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند نفي الخلاف: 1 - لأن المرتهن تعلق حقه بعين الرهن، وذمة الراهن، أما سائر الغرماء فقد تعلق حقهم بالذمة فقط، فكان حقه أقوى (¬5). 2 - لأن من مقاصد الرهن صيانة حق المرتهن عن مزاحمة سائر الغرماء (¬6). ¬
• الخلاف في المسألة: خالف في ذلك الحنفية (¬1)، وما روي عن مالك، وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة؛ أن الغرماء يدخلون مع المرتهن في ذلك (¬2). وأدلتهم: لأن تصرفه صحيح في كل أحواله بيعا وشراء، وقد عامله الدائنون على أنه يبيع ويشتري ويقضي فكانوا كغيرهم من الغرماء (¬3). وخالف كذلك الظاهرية؛ حيث ذهبوا إلى بطلان الرهن بموت الراهن، ولا يكون المرتهن أولى بثمن الرهن من سائر الغرماء حينئذ (¬4). وأدلتهم: 1 - قول اللَّه تعالى (¬5): {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ} [الأنعام: 164]. . . فإذا مات الراهن فإنما كان عقد المرتهن معه لا مع ورثته، وقد سقط ملك الراهن عن الرهن بموته، وانتقل ملكه إلى ورثته أو إلى غرمائه، وهو [المرتهن] أحد غرمائه، أو إلى أهل وصيته، ولا عقد للمرتهن معهم، ولا يجوز عقد الميت على غيره فيكون كاسبًا عليهم، فالواجب رد متاعهم إليهم (¬6). 2 - قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7): "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" (¬8).Rعدم انعقاد الإجماع على كون المرتهن أحق بثمن الرهن من بين سائر الغرماء؛ إذا ضاق مال الراهن عن ديونه وطالب الغرماء بديونهم؛ لخلاف الظاهرية في حالة موت الراهن، وما روي عن مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة. ¬
[111/ 19] مسألة: العبد المرهون إذا جنى جناية على إنسان تعلقت الجناية برقبته.
[111/ 19] مسألة: العبد المرهون إذا جنى جناية على إنسان تعلقت الجناية برقبته. إذا جنى العبد المرهون على إنسان جناية بقتل أو ما يوجب الأرش أو نحو ذلك تعلقت الجناية برقبته فاستوفي منها؛ وكانت مقدمة على حق المرتهن، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نقل الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "العبد المرهون إذا جنى على إنسان أو على ماله؛ تعلقت الجناية برقبته؛ فكانت مقدمة على حق المرتهن، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في هذه المسألة الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). ¬
[112/ 20] مسألة: العبد المرهون إذا جنى جناية على مال تعلقت الجناية برقبته.
• مستند نفي الخلاف: 1 - لأن حق المجني عليه مقدم على حق مالكه، فمن باب أولى أن يقدم على حق المرتهن (¬1). 2 - لأن المجني عليه تعلق حقه بالعين، أما المرتهن فقد تعلق حقه بالعين والذمة؛ فلو قدم حق المرتهن على المجني عليه أسقطنا حقه، وليس العكس لأن حق المرتهن يبقى تعلقه بالذمة فلا يسقط (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق نفي الخلاف في أنه إذا جنى العبد المرهون على إنسان تعلقت الجناية برقبته؛ فكانت مقدمة على حق المرتهن. [112/ 20] مسألة: العبد المرهون إذا جنى جناية على مال تعلقت الجناية برقبته. إذا جنى العبد المرهون جناية على مال بغصب أو سرقة أو نحوها؛ تعلقت الجناية برقبته، فيقدم حقه على حق المرتهن، فيفديه سيده أو يسلمه للمجني عليه للبيع حتى يستوفي حقه؛ فإن فضل شيء فللمرتهن. وقد نفي الخلاف في ذلك. • من نقل الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "العبد المرهون إذا جنى على إنسان أو على ماله؛ تعلقت الجناية برقبته؛ فكانت مقدمة على حق المرتهن، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في هذه المسألة الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
[113/ 21] مسألة: لا يجوز انتفاع المرتهن بالرهن الذي لا يحتاج إلى مؤنة إلا بالإذن.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند نفي الخلاف: 1 - لأن حق المجني عليه مقدم على حق مالكه، فمن باب أولى أن يقدم على حق المرتهن (¬3). 2 - لأن المجني عليه تعلق حقه بالعين، أما المرتهن فحقه متعلق حق بالعين والذمة؛ فلو قدم حق المرتهن على المجني عليه سقط حقه، وليس العكس لأن حق المرتهن يبقى تعلقه بالذمة فلا يسقط (¬4). 3 - وأما تخيير سيده بين الفداء والتسليم للبيع؛ فلأنه مالكه (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق نفي الخلاف في أنه إذا جنى العبد المرهون على مال تعلقت الجناية برقبته؛ فقدمت على حق المرتهن، فيفديه سيده أو يسلمه للمجني عليه للبيع حتى يستوفي حقه؛ فإن فضل شيء فللمرتهن. [113/ 21] مسألة: لا يجوز انتفاع المرتهن بالرهن الذي لا يحتاج إلى مؤنة إلا بالإذن. لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن الذي لا يحتاج إلى مؤنة بدون إذن الراهن، وقد نقل الإجماع على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام السرخسي ت 483 هـ، قال: "وعقد الرهن عقد مشروع وبالإجماع المرتهن لا يتمكن من الانتفاع به" (¬6). وقال أيضًا: "لا خلاف ¬
أن المرتهن لا يملك الانتفاع بالرهن بدون إذن الراهن" (¬1). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن منافع الرهن للراهن" (¬2). الموفق ابن قدامة ت 625 هـ، فقال: "لا يجوز للمرتهن الانتفاع به [أي بالرهن الذي لا يحتاج إلى مؤنة كالدار والمتاع ونحوه] بغير إذن الراهن بحال، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع على عدم جواز استعمال المرتهن الرهن أبو حنيفة وصاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن وأتباعهم (¬4)، ومالك (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والثوري (¬8). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - حديث (¬9): "الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه" (¬10). ¬
[114/ 22] مسألة: لا يحل وطء المرتهن الجارية المرهونة.
2 - نهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن قرض جر منفعة (¬1). ولو انتفاع أدى إلى ذلك (¬2). 3 - لأن المنفعة تابعة للأصل، والأصل للواهن، فالمنفعة تكون على ملكه، لا يجوز أن لا يستوفيها الغير إلا بالإذن، والراهن أوجب ملك اليد للمرتهن لا ملك المنفعة، فكان الانتفاع له كما له الانتفاق قبل عقد الرهن (¬3). 4 - لأن عقد الرهن لم يتناول الانتفاع بالرهن (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في المسألة.Rتحقق الإجماع على عدم انتفاع المرتهن بالرهن إن كان مما لا يحتاج إلى مؤنة كالعقار وغيره. [114/ 22] مسألة: لا يحل وطء المرتهن الجارية المرهونة. لا يحل للمرتهن وطء الجارية المرهونة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "ولا يحل للمرتهن وطء الجارية المرهونة إجماعًا" (¬5). الإمام برهان الدين ابن مفلح ت 884 هـ، فقال: " (وإن وطئ المرتهن الجارية من غير شبهة) فهو حرام إجماعًا (فعليه الحد) " (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
[115/ 23] مسألة: يضمن المرتهن العين المرهونة إذا تعدى أو فرط.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6، المعارج: 30]، وليست هذه زوجة ولا ملك يمين (¬3). 2 - لأن الاستيفاء من الجارية يكون من معناها لا من عينها، فإن وطءها كان الوطء في غير محل الاستيفاء؛ لأن الرهن لا يفيد ملك العين حقيقة (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أجد من خالف الإجماع على حرمة وطء المرتهن الجارية المرهونة.Rانعقاد الإجماع على حرمة وطء المرتهن الجارية المرهونة. [115/ 23] مسألة: يضمن المرتهن العين المرهونة إذا تعدى أو فرط. إذا تعدى المرتهن في الرهن أو فرط في الحفظ فتلف ضمنه، وقد نقل الإجماع على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. ¬
• من نقل الإجماع، ونفى الخلاف: الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن المرتهن إذا تعدى في الرهن فتلف؛ ضمنه" (¬1). الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، حيث قال: "إذا تعدى المرتهن في الرهن أو فرط في الحفظ للوهن الذي عنده حتى تلف؛ فإنه يضمن لا نعلم في وجوب الضمان عليه خلافًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جميع الفقهاء على الإجماع على وجوب ضمان المرتهن على الرهن إذا تعدى عليه أو فرط: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وعطاء والزهري وأبو ثور وابن المنذر (¬7). • مستند الإجماع: 1 - لأن الرهن زيادة على مقدار الدين، وما كان زيادة فهو أمانة، والأمانات تضمن بالتعدي (¬8). 2 - لأن الرهن كالوديعة أمانة في يد المرتهن فلزمه ضمانه إذا تعدى أو فرط (¬9). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف في وجوب ضمان المرتهن الرهن ¬
[116/ 24] مسألة: شرط المرتهن ملك الرهن بالدين.
إذا تعدى فيه أو فرط في حفظه. [116/ 24] مسألة: شرط المرتهن ملك الرهن بالدين. إذا شرط المرتهن أنه متى حل الحق ولم يستوف حقه أن الرهن له بالدين، فشرطُه فاسد، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "وإن شرط أنه متى حل الحق ولم يوفني فالرهن لي بالدين، أو فهو مبيع لي بالدين الذي عليك؛ فهو شرط فاسد، روي ذلك عن ابن عمر وشريح والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم أحدًا خالفهم" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار على نفي الخلاف في فساد شرط تملك المرتهن الرهن إذا حل الحق ولم يستوف حقه: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، ¬
والشافعية وقالوا بفساد الرهن (¬1)، وهو المذهب عند الحنابلة (¬2)، وهو قول ابن عمر (¬3)، والزهري وطاوس (¬4) وشريح القاضي وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6): "لا يغلق الرهن. . . " (¬7). وقال الإمام الموفق ابن قدامة: "قال الأثرم: قلت لأحمد ما معنى قوله [لا يغلق الرهن]؟ قال لا يدفع رهنًا إلى رجل، ويقول: إن جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا وإلا فالرهن" (¬8). 2 - لأنه بالشرط يؤل إلى البيع المعلق بشرط وهو لا يصح، وإذا شرط هذا الشرط فسد الرهن (¬9). • الخلاف في المسألة: أجاز الإمام أحمد وبعض الحنابلة كتقي الدين أبي العباس ابن تيمية وتلميذِه ابن القيم في هذه المسألة اشتراط ملك الرهن للمرتهن إذا حل الحق ¬
[117/ 25] مسألة: ملكية الراهن للرهن.
ولم يستوف حقه (¬1). • أدلة هذا الرأي: لأن هذا الشرط لا ينافي عقد الرهن. للأدلة الشرعية ولا القواعد.Rعدم تحقق نفي الخلاف في فساد اشتراط تملك المرتهن الرهن إذا حل الأجل ولم يستوف المرتهن حقه لخلاف من سبق. [117/ 25] مسألة: ملكية الراهن للرهن. لا يخرج الرهن عن ملك الراهن، وقد نقل الإجماع على ذلك، ونفي فيه الخلاف. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام الشافعي ت 254 هـ، فقالا: "لا أعلم بين أحد من أهل العلم خلافًا في أن الرهن ملك للراهن" (¬2). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "وملك الشيء المرتهن باق لراهنه بيقين وبإجماع لا خلاف فيه" (¬3). الإمام القرافي ت 684 هـ، حيث قال: "الراهنُ مالكٌ إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جميع الفقهاء على الإجماع ونفي الخلاف في ثبوت ملكية الراهن للرهن: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[118/ 26] مسألة: لا يجوز بيع الرهن وإخراجه من يد المرتهن.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - حديث (¬4): "لا يَغْلَقُ الرهنُ من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه" (¬5). قال الإمام الشافعي: "الرهن للراهن أبدًا حتى يخرجه من ملكه بوجه يصح إخراجه له. والدليل على هذا قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (الرهن من صاحبه الذي رهنه) ثم بينه وأكده؛ فقال: "له غنمه وعليه غرمه) " (¬6). وقال الإمام الطحاوي عقب هذا الحديث: "ثبت بذلك أن الرهن لا يضيع بالدين وأن لصاحبه غنمه وهو سلامته وعليه غرمه وهو غرم الدين بعد ضياع الرهن" (¬7). 2 - لأن يد المرتهن ليست يد ملك إنما يد استيفاء (¬8). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف في ملكية الرهن للراهن؛ حتى يخرجه عن ملكه بوجه يصح. [118/ 26] مسألة: لا يجوز بيع الرهن وإخراجه من يد المرتهن. لا يجوز بيعُ الراهن المرهونَ، ولا إخراجه من يد المرتهن حتى يبرأ من حق المرتهن بأداء أو إبراء أو نحوهما، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن ¬
الراهن ممنوع من بيع الرهن، وهبته، وصدقته، وإخراجه من يد من رهنه، حتى يبرأ من حق المرتهن" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق جميع الفقهاء على عدم جواز بيع الراهن الرهن وإخراجِهِ من يد المرتهن حتى يبرأ من حق المرتهن: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: لأن البيع تصرف يبطل به حق المرتهن ويضر به؛ فلم يصح من الراهن أشبه ما لو فسخ الراهن الرهن بدون إذن المرتهن (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك الظاهرية (¬7) فقالوا بصحة بيع الراهن ¬
[119/ 27] مسألة: لا يجوز هبة الرهن وإخراجه من يد المرتهن.
الرهن وإخراجه من يد المرتهن وإن لم يأذن المرتهن، سواء كان الراهن موسرا أو غير موسر. وبه قال أبو الوليد الباجي المالكي إن كان موسرا، فقال: "كل ما فعل فيه [أي الرهن] من بيع أو وطء أو عتق، أو هبة أو صدقة أو عطية أو غير ذلك نافذ إن كان [الراهن] مليًّا، وإن كان معسرًا لم ينفذ منه" (¬1). • أدلة هذا القول: 1 - أن المنع من أخراج الراهن الرهن عن ملكه جملة، لم يمنعه اللَّه تعالى في كتاب أو سنة، فإذا صار في ملك غيره فقد قال تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [سورة الأنعام: 164] (¬2). 2 - أن عقد المرتهن لم يكن مع من انتقل إليه الملك بالبيع، فلا يلزم بارتهان ماله عن غيره (¬3).Rعدم تحقق الإجماع على منع الراهن من بيع الرهن وإخراجه من يد المرتهن حتى يبرأ من حق المرتهن لخلاف ابن حزم من الظاهرية، الباجي من المالكية. [119/ 27] مسألة: لا يجوز هبة الرهن وإخراجه من يد المرتهن. لا تجوز هبة الراهن المرهونَ، ولا إخراجه من يد المرتهن بأداء أو إبراء أو نحوهما؛ حتى يبرأ من حق المرتهن، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الراهن ممنوع من بيع الرهن، وهبته، وصدقته، وإخراجه من يد من رهنه، حتى يبرأ من حق المرتهن" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق فقهاء الأمصار على عدم جواز بيع الراهن الرهن وإخراجِهِ من يد المرتهن حتى يبرأ من حق المرتهن: الحنفية (¬5)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: لأن هبة الراهن المرهون بغير إذن المرتهن لو صحة، لبطلت به الوثيقة؛ فلم يصح من الراهن (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك الظاهرية (¬5) فقالوا بصحة هبة الراهن الرهن وإخراجه من يد المرتهن وإن لم يأذن المرتهن، إن كان الراهن مليًّا، وبه قال الباجي من المالكية، فقال: "كل ما فعل فيه [أي الرهن] من بيع أو وطء أو عتق، أو هبة أو صدقة أو عطية أو غير ذلك نافذ إن كان [الراهن] مليًّا، وإن كان معسرًا لم ينفذ منه" (¬6). • أدلة هذا القول: لم أجد دليلا لهذا القول.Rتحقق الإجماع على منع الراهن من هبة الرهن وإخراجه من يد المرتهن حتى يبرأ من حق المرتهن إن كان الراهن معسرا، وعدم انعقاد الإجماع على منع الراهن من هبة الراهن وإخراجه من يد المرتهن إن كان موسرا؛ لخلاف ابن حزم، وأبو الوليد الباجي. ¬
[120/ 28] مسألة: عدم جواز صدقة الرهن وإخراجه من يد المرتهن.
[120/ 28] مسألة: عدم جواز صدقة الرهن وإخراجه من يد المرتهن. لا يجوز أن يتصدق الراهن بالمرهون، ولا يخرجه من يد المرتهن حتى يبرأ من حق المرتهن، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الراهن ممنوع من بيع الرهن، وهبته، وصدقته، وإخراجه من يد من رهنه، حتى يبرأ من حق المرتهن" (¬1). • الموافقون على الإجماع: لم أجد من نص للفقهاء في عين المسألة، إلا أن الحنفية يفهم من قولهم عدم صحة الصدقة بالرهن، وإخراجه من يد من رهنة (¬2)، كما أن الإمام مالك ذهب إلى عدم صحة التصدق بالعبد إن كان على الإنسان دين يحيط بماله وإن لم يكن العبد مرهونا (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في ذلك الظاهرية (¬4) فقالوا بصحة تصدق الراهن بالرهن، وإخراجه من يد المرتهن وإن لم يأذن المرتهن، إن كان الراهن ¬
[121/ 29] مسألة: عدم جواز إخراج الراهن الرهن من الارتهان إخراجا مطلقا دون تعويض.
مليًّا، وبه قال الباجي من المالكية، فقال: "كل ما فعل فيه [أي الرهن] من بيع أو وطء أو عتق، أو هبة أو صدقة أو عطية أو غير ذلك نافذ إن كان [الراهن، مليًّا، وإن كان معسرًا لم ينفذ منه" (¬1). • أدلة هذا القول: لم أجد لهم دليلا على ما ذهبوا إليه.Rتحقق الإجماع على منع الراهن من التصدق بالرهن وإخراجه من يد المرتهن حتى يبرأ من حق المرتهن إن كان الراهن معسرا، وعدم انعقاد الإجماع على منع الراهن من التصدق بالراهن وإخراجه من يد المرتهن إن كان موسرا؛ لخلاف ابن حزم، وأبو الوليد الباجي. [121/ 29] مسألة: عدم جواز إخراج الراهن الرهن من الارتهان إخراجًا مطلقًا دون تعويض. لا يجوز أن يخرج الراهن المرهون من الارتهان إخراجًا مطلقًا من غير أن يعوض المرتهن بدلًا منه، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الراهن إذا أراد إخراج الرهن من الارتهان إخراجًا مطلقًا دون تعويض فيما عدا العتق؛ لم يجز ذلك له" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: لم أعثر على موافقة أو مخالفة في نصوص الفقهاء لهذه المسألة، سوى إلماح دون دليل عند الشافعية (¬3). • المخالفون لهذا الاتفاق: جاء عن الإمام ابن حزم ما يدل على مخالفته لهذا الإجماع الذي نقله، حيث ذهب إلى أن بيع الرهن وإصداقه ينفذ مطلقا ¬
[122/ 30] مسألة: إذا أعتق الراهن العبد بإذن المرتهن نفذ.
سواء كان الراهن موسرا أو غير موسر من غير أن يقيده بدفع العوض، أما إن كان الراهن لا ماله له، فيبطل عتقه؛ وصدقته، وهبته (¬1).Rعدم انعقاد الاتفاق على عدم جواز إخراج الراهن الرهن من الارتهان إخراجًا مطلقًا دون تعويض لأن ابن حزم نفسه خالف الاتفاق الذي نقله. [122/ 30] مسألة: إذا أعتق الراهن العبد بإذن المرتهن نفذ. إذا أعتق الراهن العبد بإذن المرتهن صح عتقه ونفذ، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "وإن أعتقه بإذن المرتهن فلا نعلم خلافًا في نفوذ عتقه" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جميع الفقهاء على نفاذ عتق الراهن عبده المرهون بإذن الراهن: الحنفية (¬3)، [وعندهم أذن أو لم يأذن العتق نافذ]، وهو المفهوم من نصوص المالكية (¬4)، ¬
[123/ 31] مسألة: القول قول الراهن في قدر الدين مع يمينه.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند نفي الخلاف: 1 - لأنه منع من العتق لحفظ حق المرتهن، وأقد أسقط حقه؛ لأنه أذن بالعتق وهو منافي لحقه، وقد رضي به (¬3). 2 - لأن بطلان العتق كان لحق المرتهن؛ فصح بإذنه كما لو لم يطلب رهنا (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق نفي الخلاف في نفاذ عتق الراهن الرهن إذا أذن المرتهن. [123/ 31] مسألة: القول قول الراهن في قدر الدين مع يمينه. إن اختلف الراهن والمرتهن في قدر الدين؛ فالقول قول الراهن مع يمينه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام محمد بن الحسن التميمى الجوهري ت في حدود 350 هـ، فقال: "وأجمعوا أن القول في الدين -في مقداره- قول الراهن مع يمينه" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع في هذه المسألة الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
والحنابلة في الصحيح من المذهب (¬1)، والنَّخَعِي والثوري وعثمان البَتِّي وأبو ثور (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو يعطى الناس بدعواهم؛ لادعى قوم دماء رجال وأموالهم؛ ولكن اليمين على المدعى عليه" (¬3). • وجه الدلالة: قال الإمام ابن رشد الحفيد: "لأن الراهن مدعَى عليه، والمرتهن مدعٍ؛ فوجب أن تكون اليمين على الراهن على ظاهر السنة المشهورة" (¬4). وقال الإمام الموفق ابن قدامة: "الراهن منكر للزيادة التي يدعيها المرتهن" ¬
والقول قول المنكر؛ لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لو يعطى الناس بدعواهم. . .) [فذكر الحديث] " (¬1). 2 - لأن الأصل براءة الذمة من الزيادة، فالقول قول من ينفيها (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة؛ فقال القول قول المرتهن: المالكية فيما يحيط بقيمة الرهن لا فيما زاد (¬3)، وهو اختيار شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، ونقله ابن قدامة عن الحسن وقتادة، كما نقله ابن القيم ورجحه (¬4). • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن الظاهر أن الرهن يكون بقدر الحق (¬5). 2 - لأن الرهن بدلًا من الكتاب والشهود، ولو لم يكن القول قول الراهن لم يكن في الرهن فائدة، لأن الراهن سيجحد الزيادة في القدر، وكان وجود الرهن كعدمه (¬6). 3 - أن المرتهن جانبه أقوى، وهو مدعي هاهنا، معه رهن وهو بمنزلة الشهادة، فنقلت اليمن إليه (¬7). ¬
[124/ 32] مسألة: القول قول الراهن في قدر الرهن.
Rعدم تحقق الإجماع على كون القول قول الراهن مع يمينه إن اختلف الراهن والمرتهن في قدر الدين؛ لخلاف المالكية، وغيرهم. [124/ 32] مسألة: القول قول الراهن في قدر الرهن (¬1). إن اختلف الراهن والمرتهن في قدر الرهن؛ فالقول قول الراهن. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "وإن اختلفا في قدر الرهن فقال: رهنتك هذا العبد فقال: بل هو والعبد الآخر؛ فالقول قول الراهن لأنه منكر ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬2). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: "ولو اختلفا في قدر الرهن، بأن يقول المرتهن: الرهن ب هذان العبدان [كذا] وقال الراهن: أحدهما بعينه، فالقول للراهن، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في كون القول قول الراهن إذا اختلف هو والمرتهن في قدر الرهن جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم من الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). ¬
[125/ 33] مسألة: القول قول المرتهن في قيمة الرهن.
• مستند نفي الخلاف: 1 - لأن المرتهن مدعي زيادة ضمان على الراهن، وهو ينكر؛ فالقول قول المنكر (¬1). 2 - لأن لأصل عدم الرهن (¬2). 3 - لأن القول قول الراهن إذا اختلفا في أصله، لذا كان القول قوله إذا اختلفا في قدره. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة المالكية فقالوا: القول في ذلك قول المرتهن (¬3). • أدلة هذا الرأي: لأن المرتهن غارم، والغارم مصدق (¬4).Rعدم تحقق نفي الخلاف في كون القول قول الراهن إن اختلف الراهن والمرتهن في قدر الرهن؛ لخلاف المالكية. [125/ 33] مسألة: القول قول المرتهن في قيمة الرهن. إن اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن؛ فالقول قول المرتهن مع يمينه، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "إذا اختلفا في قيمة الرهن -إذا تلف في الحال التي يلزم المرتهن ضمانه، وهي إذا تعدى ¬
أو لم يَحْرُزْ- فالقول قول المرتهن مع يمينه وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفًا، (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في هذه المسألة جميع الفقهاء: الحنفية (¬2)، والمالكية إن كان الرهن مما يغاب عليه (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - لأنه صار مدعى عليه في وثيقة كانت بيده في مقبل دينه، والمرتهن لا يقر بالزيادة فوجبت اليمين عليه في صفت الرهن (¬6). 2 - لأن المرتهن مدعى عليه وهو الضامن لقيمة الرهن، والراهن مدع بأكثر مما يقر به المرتهن (¬7). 3 - لأن المرتهن غارم، والغارم مصدق (¬8). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في المسألة.Rتحقق نفي الخلاف في كون القول قول المرتهن مع يمينه إن اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن. ¬
[126/ 34] مسألة: زوائد الرهن للراهن.
[126/ 34] مسألة: زوائد الرهن (¬1) للراهن. زوائد الرهن من ولد ولبن وثمرة ونحوها للراهن، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام أبو جعفر الطحاوي ت 321 هـ، فقال: "أجمع أهل العمل أن نفقة الرهن على الراهن لا على المرتهن وأنه ليس للمرتهن استعمال الرهن" (¬2). الإمام ابن عبد البر المالكي ت 463 هـ، فقال: "وقد أجمعوا أن لبن (¬3) الرهن وظهره للراهن" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة في رواية (¬8)، ¬
وهو قول الشعبي، وابن سيرين (¬1). • مستند الإجماع (¬2): 1 - حديث: "لا يَغْلَقُ الرهنُ من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه" (¬3). قال الشيخ محمد نجيب المطيعي: "دليلنا على أصحاب الحديث وعلى أحمد ما روى أبو هريرة رضي اللَّه عنه؛ أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يغلق الرهن. . .) فمن قال إنه ملك للمرتهن؛ فقد خالف نص الحديث" (¬4). 2 - لأن الزيادة فرع وهي تابعة للأصل، والرهن ملك للراهن، لذا وجب أن يكون النماء له كسائر الأملاك (¬5). 3 - لأن يد المرتهن على الرهن لغرض استيفاء حقه منه، وهذا لا يوجب ملك المنافع كحبس المبيع في يد البائع (¬6). 4 - لأن الرهن ليس ملكا للمرتهن، فإذا لم يأذن الراهن له في الانتفاع به، أو الإنفاق عليه؛ لم يكن له ذلك كغير الرهن (¬7). 5 - لأن حكم الرهن الحبس الدائم، والانتفاع ينافيه، لذا ليس له أن ينتفع بالمرهون استخدامًا وركوبًا ولبنًا وسكنى وغير ذلك (¬8). ومما يؤيد هذا القول، وهو قول الجمهور أيضًا، أن المخالف -وهم الحنابلة، كما سيأتي- قد قال بقول الجمهور في موضعين، كما ذكر ابن قدامة الحنبلي: ¬
الأول: "الرهن ملك الراهن؛ فكذلك نماؤه" (¬1). الثاني المؤول: "والحديث نقول به [يقصد حديث: (الرهن من راهنه. . .)] والنماء للراهن؛ ولكن للمرتهن ولاية صرفها إلى نفقته لثبوت يده عليه وولايته" (¬2). وفي هذا الموضع الثاني قد تأولوا الحديث حتى يتفق مع قولهم: أن نماء الرهن للمرتهن. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة أحمد في رواية (¬3)، وهو قول إسحاق وإبراهيم النخعي (¬4) فأجازوا استعمال المحلوب والمركوب بقدر نفقته عليه. واختار الخرقي الحنبلي، وذهب أبو ثور والأوزاعي والليث إلى أنه إن كان الراهن ينفق عليه، لم ينتفع به المرتهن، وإن كان لا ينفق عليه، وتركه في يد المرتهن، فأنفق عليه، فله ركوبه (¬5). • أدلة هذا الرأي: 1 - حديث أبي هريرة (¬6) عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ أنه قال: "الرهن محلوب ومركوب" (¬7). ¬
2 - حديث أبي هريرة (¬1)، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الظهر يُرْكَب بنفقتِهِ إذا كان مرهونًا، ولبنُ الدَّرِّ شرَبُ بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركبُ وبشربُ النفقةُ" (¬2). قال موفق الدين ابن قدامة عقب استدلاله بهذا الحديث: "فجعل منفعته بنفقته وهذا محل النزاع. فإن قيل: المراد به الراهن ينفق وينتفع، قلنا: لا يصح لوجهين: (أحدهما): أنه قد روي في بعض الألفاظ: (إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها، ولبن الدر يشرب، وعلى الذي يشرب نفقته)، فجعل المنفق المرتهن فيكون هو المنتفع. (الثاني): أن قوله: (بنفقته) يشير إلى أن الانتفاع عوض النفقة، وإنما ذلك في حق المرتهن، أما الراهن فإنفاقه وانتفاعه لا بطريق المعاوضة لأحدهما بالآخر؛ ولأن نفقة الحيوان واجبة، وللمرتهن فيه حق، وقد أمكنه استيفاءُ حقِّه من نماءِ الرهن، والنيابةِ عن المالك فيما وجب عليه، واستيفاءِ ذلك من منافعه؛ فجاز ذلك، كما يجوز للمرأة أخذ مؤنتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه، والنيابةُ عنه في الإنفاق عليها" (¬3). وقال ابن عبد البر المالكي رادًّا الاستدلال بهذا الحديث: "وهذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول يجتمع عليها، وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها" (¬4). 3 - ولأن نفقة على الحيوان واجبة، وقد تعلق للمرتهن حق فيه، وهو نائب عن المالك، وأمكنه الحصول على حقه من نماء الرهن، فجاز ذلك (¬5). 4 - لأن عدم الانتفاع فيه تعطيل المنافع؛ وقد نهي عن تضييع المال (¬6). ¬
[127/ 35] مسألة: مؤنة الرهن على الراهن.
Rوعدم تحقق الإجماع على عدم الانتفاع بالمركوب والمحلوب ونحوهما؛ لخلاف الحنابلة، وغيرهم. [127/ 35] مسألة: مؤنة الرهن على الراهن. مؤنة الرهن أي نفقته من علف دابة وأجرة سقي أشجار وقطع ثمار وتجفيفها ونحو ذلك على الراهن، وقد نقل الإجماع عل ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام الطحاوي ت 321 هـ، فقال: "أجمع أهل العلم أن نفقة الرهن على الراهن لا على المرتهن" (¬1). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن نفقة الرهن على الراهن" (¬2). الإمام الشربيني الشافعي ت 977 هـ، حيث قال: " (ومؤنة المرهون على الراهن) المالك بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع على هذه المسألة جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: أبو حنيفة وصاحباه (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والعنبري وإسحاق (¬8). ¬
• مستند الإجماع: 1 - حديث: "الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه" (¬1). • وجه الدلالة: قال الإمام الموفق ابن قدامة: "وهذا [أي المؤنة] من غرمه، ولأنه ملكه فكانت نفقته عليه كالذي في يده" (¬2). 2 - لأن الملك للراهن؛ فكانت المؤنة عليه (¬3). 3 - لأن الراهن مالك للرهن، وله غلته، فعليه النفقة (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة إلا ما روي عن الحسن البصري أو الحسن صالح بن صالح بن حي أن المؤنة على المرتهن، ولا مستدل لمن نقل ذلك عنه (¬5).Rعدم تحقق الإجماع لما روي عن الحسن أو غيره من أن المؤنة على المرتهن. ¬
الفصل الخامس مسائل الإجماع في عقد الحوالة
الفصل الخامس مسائل الإجماع في عقد الحوالة [128/ 1] مسألة: تعريف الحوالة (¬1). الحوالة هي نقل المطالبة بالحق من ذمة المديون [المحيل] إلى ذمة الملتزم [المحال عليه] وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام المارودي ت 450 هـ، فقال: "إذا قبل المحتال الحوالة؛ فقد انتقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه إجماعًا" (¬2). الإمام كمال الدين ابن الهمام ت 861 هـ، فقال: "كتاب الحوالة. . . وهي في الشرع: نقل المطالبة من ذمة المديون إلى ذمة الملتزم -بخلاف الكفالة فإنها ضم في المطالبة لا نقل- فلا يطالب المديون بالاتفاق" (¬3). ابن نجيم الحنفي ت 970 هـ، فقال: " (هي نقل الدين من ذمة إلى ذمة) أي من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وهذا قول البعض فقد اتفقوا على أصل النقل ثم اختلفوا في كيفيته" (¬4). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الإجماع على تعريف الحوالة بهذا أو نحوه: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[129/ 2] مسألة: صفة الحوالة.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه (¬3)، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَطْلُ (¬4) الغني ظلم؛ فإذا أُتْبعَ أحدُكم على مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ (¬5) " (¬6). وفي لفظ أحمد: "مطل الغني ظلم، ومن أحيل على مليء فَلْيَحْتَلْ". • الخلاف في المسألة: لم يوقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق على كون الحوالة: هي نقل المطالبة بالحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. [129/ 2] مسألة: صفة الحوالة. • الحوالة هي: أن يحيل المديونُ الدائنَ بحق قد وجب له على إنسان حاضر مليء، ورضي المحيل والمحال عليه بالحوالة، وعلم المحيل والمحال مقدار ¬
الحق الواجب. وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "اتفقوا على أن من أحيل بحق قد وجب له بشيء يجوز بيعه قبل قبضه على شخص واحد مليء حاضرًا، ورضي بالحوالة، ورضي المحال عليه بها أيضًا، وعلم كل واحد منهم مقدار الحق الواجب؛ فقد جاز للمحال أن يطلب المحال عليه بذلك الحق، وأنها حوالة صحيحة" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذه الصفات عامة في الحوالة جمهور فقهاء الأمصار: بعض الحنفية (¬2)، والمالكية في المشهور عندهم (¬3)، وأكثر الشافعية (¬4)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الاتفاق: أ- في اشتراط كون المحال عليه مليًّا: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أُتْبعَ أحدُكم على مَلِئ فَلْيَتْبَعْ" (¬2). فقد نص على كونه مليًّا أي غنيًّا قادرًا على الوفاء بماله؛ لأنه إن كان فقيرًا فليس بملي. ب- في اشتراط رضا المحال عليه [الملتزم]: 1 - لأن المحال عليه شرطًا في الحوالة فكان رضاه فيها شرطًا كالمحيل والمحتال (¬3). 2 - ولأن صاحب الدين قد يكون أسهل اقتضاء، فلا يرضى من عليه الدين بمعاملة غيره؛ لذا كانت الحوالة موقوفة على قبوله لها". ج- في اشتراط رضا المحيل [المديون]: لأن أصاحب المروءات قد يستنكفون عن تحمل غيرهم ما عليهم من الدين (¬4). • الخلاف في المسألة: خولف الاتفاق في بعض هذه الصفات، كرضا المحيل بالحوالة، فلم يشترطه بعض الحنفية وهو المختار عندهم (¬5). ¬
[130/ 3] مسألة: الحوالة مشروعة بالإجماع.
كذلك خالف المالكية، والشافعية في ظاهر مذهبهم فقالوا بأن رضا المحال عليه غير معتبر في صحة الحوالة (¬1). • أدلة هذا الرأي: أ- عدم اشتراط رضا المحيل: 1 - لأن المحيل لا يتضرر بالحوالة، بل يحصل له النفع؛ ولأن المحتال عليه رضي بالحوالة؛ ولأن المحتال عليه لا يرجع على المحيل إن لم يكن بأمره (¬2). ب- على عدم اشتراط رضا المحال عليه: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3): "إذا أُتْبعَ أحدُكم على مَلِئ فَلْيَتْبَعْ" (¬4). قال الإمام أبو الوليد الباجي في معرض الاستدلال بالحديث: "والدليل على ما نقوله قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (وإذا أتبع أحدكم. . .) ولا بد أن يكون معناه الأمر أو الإباحة، ولم يشترط في ذلك رضا الذي عليه الحق، وإنما شرط في ذلك رضا المحيل؛ لأنه هو الذي يتبع من له عليه الدين على من له هو عليه مثله، ومن جهة المعنى أنها استنابة من يقضي هذا الحق كالوكيل" (¬5). 2 - لأن صاحب الدين مخير مخير في استيفائه بنفسه وبغيره، والمحتال بمنزلة الوكيل (¬6).Rعدم تحقق الاتفاق على صفة الحوالة السابقة، للخلاف في اشتراط رضا المحيل، والمحال عليه. [130/ 3] مسألة: الحوالة مشروعة بالإجماع. الحوالة مشروعة [مباحة، أو مندوبة، أو واجبة] وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام الماوردي ت 450 هـ، فقال: "الأصل في جواز الحوالة السنة والإجماع" (¬1). الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على جواز الإحالة" (¬2). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "الحوالة ثابتة بالسنة والإجماع. . . أجمع أهل العلم على جواز الحوالة في الجملة" (¬3). الإمام القرافي ت 684 هـ، حيث قال: " (كتاب الحوالة). . . وأجمعت الأمة على مشروعيتها" (¬4). الإمام الزيلعي ت 742 هـ، فقال: "كتاب الحوالة. . . هي مشروعية بإجماع الأمة" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10) على الإجماع على كون الحوالة مشروعة. • مستند الإجماع والاتفاق: قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، وهي بر (¬11)، وقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77]، وهي خير، ونحو ذلك من النصوص الدالة على المعروف (¬12). حديث (¬13): "مطل الغني ظلم، وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع" (¬14). ¬
[131/ 4] مسألة: قبول المحال للحوالة شرط في صحتها.
قال الإمام ابن عبد البر: "هذا عند أكثر الفقهاء ندب وإرشاد لا إيجاب وهو عند أهل الظاهر واجب. . قال ابن وهب سألت مالكًا عن تفسير حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أتبع على مليء فليتبع قال مالك هذا أمر ترغيب وليس بالذي يلزمه السلطان الناس وينبغي له أن يطيع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). وقال الإمام الزيلعي: "والأمر بالاتباع دليل الجواز" (¬2). ولأن الحاجة داعية إليها (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف الأصم (¬4) فمْال بعدم مشروعيتها، ومخالفته غير معتبرة كما نص على ذلك الموفق ابن قدامة الحنبلي، دون ذكر مستند الأصم في ذلك (¬5). وأما الخلاف في كونها مندوبة أو مباحة، أو واجبة فكله آيل إلى مشروعيتها (¬6).Rتحقق الإجماع والاتفاق على كون الحوالة مشروعة، ولا عبرة بمخالفة الأصم. [131/ 4] مسألة: قبول المحال للحوالة شرط في صحتها. قبول المحالِ (رب الدين) الحوالةَ شرط في صحتها، ولا يجبر على قبولها، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام ابن جرير الطبرى ت 310 هـ. كما نقله عنه الحافظ العراقي ت 806 هـ قائلًا: "قال ابن جرير: ولست وإن أوجبتُ ذلك فيما بينه وبين اللَّه تعالى بمجبزه حكمًا على قبول الحوالة للإجماع ¬
على أنه غير مجبر على ذلك حكمًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على كون المحال ليس مجبرًا على قبول الحوالة، وأن قبوله شرط في صحتها: الحنفية في قول (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة في قول (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6): "إن لصاحب الحق يدًا ومقالًا" (¬7). قال الإمام الماوردي عقب استدلاله بهذا الحديث: "فكان عامًا" (¬8). ¬
2 - حديث (¬1): "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" (¬2). 3 - لأن الحقوق قد تنتقل إلى ذمة بالحوالة أو إلى عين بالمعاوضة، وانتقالها بالمعاوضة يشترط فيه التراضي، فكان في الذمة أولى؛ لأنه بنقله إلى العين قد استوفى حقه، أما إلى الذمة فليس بوفاء حقه (¬3). 4 - ولأن حديث (إذا أحيل أحدكم على ملي فليتبع) فمحمول على الإباحة (¬4). 5 - لأن الحوالة تصرف في حق المحتال بنقله من ذمة إلى أخرى، فلا يصح من غير رضاه؛ لأنه صاحب الحق (¬5). 6 - لأن الحوالة دون رضى المحال إبطال حق له كالبيع (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقال بوجوب قبول المحال للحوالة: الحنابلة وهو المذهب (¬7)، والظاهرية (¬8)، وأبو ثور، ومحمد بن جرير الطبري (¬9). • أدلة هذا الرأي: ظاهر قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬10): "إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع" (¬11).Rعدم تحقق الإجماع على كون قبول المحالِ الحوالةَ شرط في ¬
[132/ 5] مسألة: إذا بأن المحال عليه مفلسا.
صحتها، وأنه لا يجبر على قبولها؛ لخلاف الحنابلة والظاهرية ومن ذكرنا. [132/ 5] مسألة: إذا بأن المحال عليه مفلسًا. هذه المسألة ذات فرعين: حيث نفيُ فيها الخلاف في أن المحال عليه إذا كان مفلسًا لم يكن للمحتال أن يرجع على المحيل بشيء، ونُقِلَ إجماعٌ مضاد له على أن للمحتال الرجوع على المحيل إذا كان مفلسًا على النحو التالي: أولًا: قد نفي الخلاف في أنه إذا بأن المحال عليه مفلسًا لم يكن للمحتال [رب الدين] أن يرجع على المحيل [المديون] بشيء. • من نفى الخلاف: الإمام المارودي ت 450 هـ، فقال: "روي أنه كان لحزن جد سعيد بن المسيب على علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه مال فأحاله به على إنسان فمات المحال عليه، فرجع حزن إلى علي، وقال: قد مات من أحلتني عليه، فقال: قد اخترت علينا غيرنا، أبعدك اللَّه (¬1)، ولم يعطه شيئًا، فلو كان له الرجوع لما استجاز على أن يمنعه منه، وهو فعل منتشر في الصحابة لا نعرف له مخالفًا" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في كون المحتال لا يرجع على المحيل إذا بأن المحال عليه مفلسًا جمهور الفقهاء من المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) وهو الصحيح عندهم، وهو قول ¬
إسحاق أبي عبيد والليث وأبي ثور (¬1). إلا أن المالكية يرون أنه إن كان المحيل قد غره فأحاله على عديم رجع المحال على المحيل. كما يرون والحنابلة كذلك أن المحتال إذا اشترط أن يرجع على المحيل إن أفلس المحال عليه أو جحد أو مات؛ فله شرطه (¬2). أما إذا لم يرض المحتال بالحوالة ثم بأن المحال عليه مفلسًا أو ميتًا رجع على المحيل بلا خلاف، كما نقله الموفق ابن قدامة (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - ما روي أنه كان لجد حزن -جد سعيد بن المسيب- على علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه مال فأحاله به على إنسان فمات المحال عليه، فرجع حزن إلى علي، وقال: قد مات من أحلتني عليه، فقال: قد اخترت علينا غيرنا، أبعدك اللَّه، ولم يعطه شيئًا" (¬4). قال الإمام الماوردي عقب الاستدلال بهذا الحديث: "فلو كان له الرجوع لما استجاز على أن يمنعه منه" (¬5). 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6): "وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع" (¬7). • وجه الدلالة: قال الإمام المارودي: "فكان الدليل فيه من وجهين: أحدهما -وهو دليل الشافعي رضي اللَّه عنه- أنه لو كان له الرجوع لما كان لاشتراط الملاءة فائدة؛ لأنه إن لم يصل إلى حقه رجع؛ فلما شرط الملاءة؛ علم أن الحق قد انتقل بها انتقالًا لا رجوع له به، فاشترط الملاءة حراسة لحقه" (¬8). ¬
وقال الإمام أبو الوليد الباجي: "شرط الملاءة معنى في الحوالة، وذلك يقتضي أنه لا رجوع على المحيل، ولو كان للمحال عليه رجوع لما كان لشرط الملاءة؛ لأنه لا يخاف تلف دينه بإفلاسه" (¬1). ثانيًا: قد نُقل الإجماع -كما نفى الخلاف أيضًا- على أنه إذا مات المحال عليه مفلسًا كان للمحتال الرجوع على المحيل. • من نقل الإجماع: الإمام الكاساني الحنفي ت 587 هـ، فقال: "روي عن سيدنا عثمان رضي اللَّه عنه أنه قال في المحال عليه إذا مات مفلسًا عاد الدين إلى ذمة المحيل، وقال: لا توى على مال امرئ مسلم. وعن شريح ذلك ذكره محمد في الأصل، ولم ينقل عن أحد من الصحابة خلافه فكان إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذه المسألة أبو حنيفة، وصاحباه أبو يوسف ومحمد وأتباعهم (¬3). وذهب شريح وعثمان البتي والشعبى والنخعى إلى أن المحتال يرجع إذا أفلس حيًّا (¬4)، وهو وجه ثالث عند أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة (¬5). ¬
• مستند الإجماع: 1 - حديث عثمان رضي اللَّه عنه موقوفًا عليه ومرفوعًا؛ في المحتال عليه يموت مفلسًا، قال: "يعود الدين إلى ذمة المحيل، لا توى (¬1) على مال امرئ مسلم" (¬2). • وجه الدلالة: قال الإمام السرخسي عقب استدلاله بهذا الأثر: ". . . حق الطالب كان في ذمة المحيل، فنقله إلى ذمة المحتال عليه بالحق الذي له، كما له أن ينقله إلى العين بالشراء، ثم هناك إذا هلكت العين قبل القبض عاد حقه في الدين كما كان، فكذلك هنا. . . " (¬3). 2 - لأن الدين ثابت في ذمة المحيل قبل الحوالة، والإفلاس ليس بأداء، فيبقى الحق على الحال الأولى (¬4). 3 - أن الحوالة ليست بقضاء ولا إبراء، غاية ما في الحوالة هو انتقال المطالبة من المحيل إلى المحتال عليه، فإذ تعذر الاستيفاء من المحال عليه عاد المحال إلى المحيل (¬5). ¬
[133/ 6] مسألة: تماثل الدينين في الحوالة شرط.
4 - لأن المقصود الحوالة هو وصول المحتال لحقه، فعند فواته عند المحتال عليه، رجع المحتال على المحيل (¬1). • الخلاف في المسألة: هو قول من سبق من الموافقين على حكاية نفي الخلاف الأول.Rعدم تحقق إجماع أو نفي خلاف في مسألة الرجوع على المحيل إذا أفلس المحال عليه لتضاد نفي الخلاف والإجماع. [133/ 6] مسألة: تماثل الدينين في الحوالة شرط. لا بد في عقد الحوالة من تماثل الدينين أي تساويهما؛ فيكون ما على المحال عليه مساويًا لما على المحيل قدرًا ووصفًا. قد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن رشد الحفيد 595 هـ، حيث قال: "ومن الشروط التي اتفق عليها في الجملة كون ما على المحال عليه مجانسًا لما على المحيل قدرًا ووصفًا" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على الاتفاق على تماثل الدينين في عقد الحوالة جمهور فقهاء الأمصار: الحنفية على تفصيل عندهم (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). ¬
[134/ 7] مسألة: أثر الحوالة.
• مستند الاتفاق: لأن الحوالة من عقود الارتفاق، ولو قيل بصحتها مع عدم تماثل الدينين، صار المطلوب منه طلب الفضل فتخرج عن موضوعها (¬1). لأن الحوالة تحويل ونقل للحق من ذمة إلى ذمة، فوجب أن يكون على صفته (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أجد من خالف في هذه المسألة.Rتحقق الاتفاق على اشتراط كون الدينين متماثلين في عقد الحوالة. [134/ 7] مسألة: أثر الحوالة. من آثار عقد الحوالة: براءةُ المحيل عن دين المحتال، والمحالِ عليه عن دين المحيل؛ فلا يطالب أحد منهم بهذا الدين، وتحويلُ حق المحتال إلى ذمة المحال عليه، وقد نقل الاتفاق على بعض هذا، وحكي الإجماعُ على جميعه. • من نقل الإجماع: الإمام ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على براءة ذمة المحيل إذا كان للمحيل على المحال عليه دين، ورضى المحتال والمحال عليه" (¬3). الإمام ابن الهمام ت 861 هـ، فقال: "كتاب الحوالة. . . هي في الشرع نقل المطالبة من ذمة المديون إلى ذمة الملتزم -بخلاف الكفالة فإنها ضم في المطالبة لا نقل- فلا يطالب المديون بالاتفاق" (¬4). الإمام الأسيوطي ت 880 هـ، فقال: "إذا قبل صاحب الحق الحوالة على ملئ فقد برئ المحيل على كل وجه. وبه قال الفقهاء أجمع" (¬5). الإمام المليباري ت 987 هـ، فقال: "يبرأ المحيل بالحوالة عن دين المحتال والمحال عليه عن دين المحيل ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال ¬
عليه إجماعًا (¬1). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق على هذا الاتفاق والإجماع على هذه المسألة: الحنفية وهو الصحيح من مذهبهم (¬2)، والشافعية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - لأن من المحال بقاء الدين في زمن واحد في محلين المحيل والمحال (¬6). 2 - لأن الحوالة نقل للدين، والدين قد تحول من ذمة المحيل (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة زفر، فقال: فقال: لا يبرأ (¬8). • أدلة هذا الرأي: من حكى الخلاف -وهو الموفق ابن قدامة- لم يذكر دليل قائله.Rعدم تحقق الإجماع والاتفاق على براءة المحيل إذا أدى المحال عليه الدين لخلاف زفر. ¬
[135/ 8] مسألة: إذا تبينت الحوالة على بيع باطل بطلت الحوالة.
[135/ 8] مسألة: إذا تبينت الحوالة على بيع باطل بطلت الحوالة. إذا أحال المشتري البائع بالثمن أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلًا بأن كان المبيع مستحقًّا أو خمرًا أو نحوه مما يُبْطِلُ البيعَ؛ بطلت الحوالة ويبقى الحق على ما كان عليه أولًا، وقد نقل الإجماع على ذلك، ونفي النزاع ليه. • من نقل الإجماع: الإمام المرداوي ت 885 هـ، فقال: " (وإذا أحال المشتري البائع بالثمن أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلًا فالحوالة باطلة) بلا نزاع" (¬1). الإمام ابن نجيم فقال: "ولو استحق المبيع أو استحق الدين الذي قيد به الحوالة من جهة الغرماء أو ظهر أن العبد المبيع كان حرًّا؛ بطلت الحوالة إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع ونفي النزاع في بطلان الحوالة إذا تبينت على بيع باطل جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬3)، وأكثر المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). ¬
[136/ 9] مسألة: إذا رضي المحتال بالحوالة مطلقا برئ المحيل.
• مستند الإجماع ونفي النزاع: 1 - لأن البيع إذا بطل، لم يكن للمحيل على المحال عليه حق، ومن شرط الحوالة أن يكون للمحيل على المحال عليه مثل ذلك الحق؛ فإذا استحقت السلعة التي ثبت فيها الحق عليه؛ وجب أن تبطل الحوالة؛ لبطلان المحل المعقود عليه (¬1). 2 - لأنه بأن أن لا ثمن على المشتري كون البيع باطلا، والحوالة فرع على لزوم الثمن (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف مالك وابن القاسم فقالوا لا تبطل الحوالة (¬3). • أدلة هذا القول: لأن الحوالة من العقود اللازمة، وحق المحال لا ينقض باستحقاق سلعة لم يعاوض بها؛ وذلك لأنها تحت يده (¬4).Rعدم تحقق الإجماع ونفي النزاع في بطلان الحوالة إذا تبينت على بيع باطل. [136/ 9] مسألة: إذا رضي المحتال بالحوالة مطلقًا برئ المحيل. لو رضى المحتال بالحوالة مطلقًا -سواء أكان المحال عليه مفلسًا أو معسرًا أو لا- برئ المحيل، وبه قال الفقهاء أجمعون. من نقل قول الفقهاء: الإمام شمس الدين المنهاجي الأسيوطي ت 880 هـ، قال: "إذا قبل صاحب الحق الحوالة على ملئ فقد برئ المحيل على كل وجه. وبه قال الفقهاء أجمع" (¬5). • الموافقون على ذلك: وافق جمهور فقهاء الأمصار على براءة المحيل إذا ¬
رضي المحتال بالحوالة مطلقًا: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الفقهاء: 1 - لأن الحوالة من التحويل، ولا بقاء مع التحويل فيبرأ المحيل (¬5). 2 - لأن المحتال ترك حقه؛ حيث رضي بالتحول (¬6). 3 - لأن الأحكام الشرعية تبنى على وفق المعاني، فمعنى الحوالة النقل والتحويل، وهو لا يتحقق إلا بفراغ ذمة الأصيل المحيل بخلاف الكفالة (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف زُفَرُ بنُ الهُذَيْلِ الفقهاء في هذه المسألة، فقال: لا يبرأ المحيل (¬8). • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن الحوالة للاستيثاق؛ فبقي الدين على المحيل كالكفالة (¬9).Rعدم تحقق اتفاق الفقهاء على براءة المحيل إذا رضي المحتال مطلقًا لخلاف زفر. ¬
الباب الثالث المسائل المجمع عليها في الإطلاقات والتقييدات وفيه تمهيد وثلاثة فصول: تمهيد: تعريف عقود الإطلاقات والتقييدات وأدلة مشروعيتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع في عقد الوكالة. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في الولاية والوصاية. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في الحجر.
الباب الثالث المسائل المجمع عليها في الإطلاقات والتقييدات
الباب الثالث المسائل المجمع عليها في الإطلاقات والتقييدات تمهيد تعريف عقود الإطلاقات والتقييدات، وأدلة مشروعيتها أولًا: تعريف عقود الإطلاقات، وأدلة مشروعيتها أ- تعريف الإطلاقات: لغة. من الفعل (أطلق) المتعدي بالهمزة، ومصدره (إطلاقًا)، واسم المَرَّةِ منه (إطلاقة)، وجمعها (إطلاقات). ومنه: أطْلَقَ الأسير خلَّاه، وأطلق الناقة من عقالها. . وأطْلَقَ يده بالخير (¬1). واصطلاحًا: إطلاق الشخص يد غيره في العمل، ك: الوكالة، [والمضاربة]، وتولية الولاة والقضاء، والإذن للمحجور عليه بالتصرف، أو للصغير المميز بالتجارة، والإيصاء: وهو أن يعهد شخص لآخر في أن يتولى شؤون أولاده القصر بعد وفاته (¬2). ومن عقودها: عقد الوكالة، عقد المضاربة، عقد الوصاية. . . وكلها تفيد إطلاق التصرف. ب- أدلة مشروعية عقود الإطلاقات: أدلة مشروعية هذه العقود، هي أدلة حكمها، وستأتي في مواضعها من البحث بالتفصيل إن شاء اللَّه. ثانيًا: تعريف عقود التقييدات، وأدلة مشروعيتها. أ- تعريف التقييدات: لغة: من الفعل (قيَّد) المضعف، ومَصدره (تقييدًا)، واسم المَرَّةِ منه (تقييدة)، وجمعها (تقييدات). ¬
ومنه: قَيَّدَ الإِيمان الفَتْكَ، أَي أَن الأَيمان يمنع عن الفتك، كما يمنع القَيْدُ عن التصرف (¬1). واصطلاحًا: منع الشخص من التصرف، كعزل الولاة والقضاة، ونظار الوقف، والأوصياء، والقوام على المحجور عليهم، والوكلاء، وحجر الشخص عن التصرف بسبب الجنون أو العته أو السفه أو الصغر (¬2). ومن عقودها: عقد الحجر. وهي تفيد المنع من التصرف. ب- أدلة مشروعية عقود التقييدات: أدلة مشروعية عقود التقييدات، هي أدلة حكمها، وسيأتي الكلام عن عقد الحجر بالتفصيل، وفيه مسائل تتعلق بمشروعيته، كوجوب الحجر على الصغير والمجنون والسفيه. ¬
الفصل الأول مسائل الإجماع في عقد الوكالة
الفصل الأول مسائل الإجماع في عقد الوكالة [137/ 1] مسألة: حكم الوكالة (¬1). الوكالة تصح في كل حق تجوز النيابة فيه (¬2)، وكل عقد يصح أن يعقده الإنسان بنفسه (¬3)، وقد نُقِلَ الإجماع والاتفاق على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمريض العاجز عن الخروج إلى مجلس الحكم، والغائب عن المصر، يوكل كل واحد منهما وكيلًا يطالب له حقه، ويتكلم عنه" (¬4). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "اتفقوا على جواز الوكالة في البيع والشراء، وحفظ المتاع، وقبض الحقوق من الأموال ودفعها، والنظر في الأموال" (¬5). ¬
الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، فقال: "ولا خلاف في جواز الوكالة عند العلماء" (¬1). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الوكالة من العقود الجائزة في الجملة، وأن كل ما جازت به النيابة من الحقوق جازت الوكالة فيه كالبيع والشراء والإجارة وقضاء الدين والخصومة في المطالبة بالحقوق والتزويج والطلاق وغير ذلك" (¬2). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "وأجمعت الأمة على جواز الوكالة في الجملة" (¬3). الإمام القرطبي ت 671 هـ، فقال بعد حديث: "وفيه دليل على جواز الوكالة، ولا خلاف فيها بين العلماء" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور الفقهاء وأتباعهم من الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، ¬
الظاهرية (¬1) على الإجماع على جواز الوكالة. • مستند الإجماع والاتفاق ونفى الخلاف: 1 - قوله تعالى (¬2): {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19]. قال الإمام الماوردي عقب استدلاله بهذه الآية: "فلما أضاف الورق إلى جميعهم، وجعل لهم استنابة أحدهم؛ دل على جواز الوكالة، وصحة الاستنابة" (¬3). 2 - قوله تعالى (¬4): {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282]. قال الإمام الماوردي أيضًا في معرض استدلاله بهذه الآية: "ووجه الدلالة منها: أنه لما جاز نظر الأولياء، ونظرهم إنما يكون بتوصية أب أو تولية حاكم وهما لا يملكان؛ كان توكيل المالك في ملكه أجوز" (¬5). 3 - حديث جابر (¬6) قال: أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقلت: إني أريد الخروج إلى خيبر فقال: إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقًا، ¬
[138/ 2] مسألة: جواز نيابة الغير لضرورة.
فإن ابتغى منك آية؛ فضع يدك على ترقوته (¬1). 4 - أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يبعث الولاة لإقامة الحدود، والحقوق على الناس، ولأخذ الصدقات وتفريقها (¬2). 5 - لأن الحاجة داعية إلى الوكالة؛ فإنه لا يمكن لكل واحد أن يفعل ما يحتاج إليه بنفسه (¬3). • الخلاف في المسألة: لم يخالف أحد هذا الإجماع.Rانعقاد الإجماع والاتفاق وتحقق نفي الخلاف في جواز الوكالة. [138/ 2] مسألة: جواز نيابة الغير لضرورة (¬4). نيابة المرء غيرَه لضرورةٍ كغياب أو مرض أو عجز عن القيام بما وكل فيه؛ ليطالب بحقه، أو يتكلم عنه؛ جائزة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمريض العاجز عن الخروج إلى مجلس ¬
الحكم، والغائب عن المصر، أن يوكل كل واحد منهما وكيلًا يطالب له حقه، ويتكلم عنه" (¬1). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، حيث قال: "واتفقوا على وكالة الغائب والمريض والمرأة المالكين لأمور أنفسهم" (¬2). الإمام القرطبي ت 671 هـ، فقال: "وجواز توكيل ذوي العذر متفق عليه" (¬3). الإمام ابن جزي المالكي ت 741 هـ، فقال: "وتجوز وكالة الغائب والمرأة والمريض اتفاقًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). • مستند الإجماع والاتفاق: عموم أدلة جواز الوكالة، مع الآتي: 1 - ما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬10)، أنه سمع دعوى حويصة ومحيصة على يهود خيبر؛ أنهم قتلوا عبد اللَّه بن سهل نيابة عن عبد الرحمن بن سهل، ووليه ¬
[139/ 3] مسألة: جواز الوكالة في البيع.
كان حاضرًا؛ فما أنكر دعواهم له مع حضوره (¬1). قال الإمام الماودري في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "فلو كانت وكالة الحاضر غير جائزة لأنكرها حتى يبتدئ الولي بها، ألا تراه أنكر على محيصة حين ابتدأ بالكلام قبل حويصة، وقال له: كبر كبر، وليس تقديم الأكبر بواجب، وإنما هو أدب فكيف يكف عن إنكار ما هو واجب؟ ! " (¬2). وكونه أجاز وكالة الحاضر ولا عذر، فوكالة من له عذر أجوز. واللَّه تعالى أعلم. 2 - ولأن الولاية تثبت لعجز المولى عليه؛ لذا وجب أن تصح الوكالة إذا كان الموكل عاجزا (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في جواز نيابة الغير للضرورة.Rتحقق الإجماع على جواز نيابة الغير للضرورة. [139/ 3] مسألة: جواز الوكالة في البيع. الوكالة بالبيع جائزة، لأنها عقد من العقود التي يعقدها المرء بنفسه، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا؛ كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع والاتفاق ونفَى الخلافَ: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، ¬
فقال: "وأجمعوا أن الرجل إذا وكل ببيع عبد له فباعه من ابن الآمر أو من أبيه أو من أمه أو من أخته أو من زوجته أو من خالته أو من عمته فالبيع جائز" (¬1). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "اتفقوا على جواز الوكالة في البيع والشراء" (¬2). الإمام الموفق ابن قدامة ت 625 هـ، فقال: "لا نعلم خلافًا في جواز التوكيل في البيع والشراء" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8) على جواز الوكالة في البيع. • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - قوله تعالى (¬9): {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19]. قال الإمام الموفق ابن قدامة عقب استدلاله بهذه الآية: "وهذه وكالة" (¬10). ¬
2 - ما روي عن عروة بن الجعد (¬1)، قال: أعطاني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دينارا أشتري له شاة أو أضحية فاشتريت شاتين فبعت إحداهما بدينار، وأتيته بشاة ودينار، فدعا لي بالبركة (¬2). ¬
[140/ 4] مسألة: جواز الوكالة في النظر في الأموال.
3 - لقيام الحاجة في توكيل الغير في البيع؛ لأن الموكل قد يكون ممن لا يحسن البيع أو لا يجيد التجارة، أو لا تحسن به (¬1). 4 - لأن صح الوكالة فيها تحقيق منافع الأدمي (¬2). • الخلاف في المسألة: لم يخالف الإجماع أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع والاتفاق وتحقق نفي الخلاف في جواز الوكالة في البيع. [140/ 4] مسألة: جواز الوكالة في النظر في الأموال (¬3). تجوز الوكالة في النظر في الأموال، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "اتفقوا على جواز الوكالة في البيع والشراء. . . . والنظر في الأموال" (¬4). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "اتفقوا على أن الوكالة من العقود الجائزة في الجملة، وأن كل ما جازت فيه النيابة من الحقوق جازت الوكالة فيه كالبيع والشراء والإجارة، واقتضاء الحقوق، والخصومة في المطالبة ¬
بالحقوق" (¬1). الإمام أبو الحسن ابن القطان ت 628 هـ، فقال: "واتفقوا على جواز الوكالة في قبض الحقوق من الأموال ودفعها، والنظر فيها" (¬2). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق على جواز الوكالة في النظر في الأموال جمهور الفقهاء من الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - حديث عروة البارقي (¬7): قال: أعطاني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دينارا أشتري له شاة أو أضحية فاشتريت شاتين فبعت إحداهما بدينار، وأتيته بشاة ودينار، فدعا لي بالبركة (¬8). قال الشيخ خليل المالكي في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "وقد فعل ذلك عروة البارقي مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فدعا له. وشراء الشاة الأخرى ودفع أحدهما يخرج على إجازة المالك تصرف الغير في ملكه؛ إذ رضي ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأمضاه" (¬9). ¬
[141/ 5] مسألة: جواز الوكالة في الصرف.
2 - لأن الحاجة داعية إلى التوكيل في النظر في الأموال بما يصلحها؛ لأنه قد يكون ممن لا يحسن البيع والشراء، أو لا يمكنه الخروج إلى السوق، وقد يكون له مال ولا يحسن التجارة فيه، وقد يحسن ولا يتفرغ، وقد لا تليق به التجارة لكونه امرأة، أو ممن يتعير بها، ويحط ذلك من منزلته (¬1). 3 - أباح الشرع النظر في الأموال دفعًا للحاجة، وتحصيلًا لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة اللَّه سبحانه (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أقف على قول لمخالف في جواز الوكالة في النظر في الأموال.Rتحقق الإجماع والاتفاق ونقي الخلاف في جواز الوكالة في النظر في الأموال بالبيع والشراء وغير ذلك. [141/ 5] مسألة: جواز الوكالة في الصرف (¬3). تجوز الوكالة في الصرف، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "أجمع كل من ¬
نحفظ عنه من أهل العلم أن الوكالة فى الصرف جائزة" (¬1). الإمام أبو الحسن ابن القطان ت 628 هـ، فقال: "وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الوكالة في الصرف جائزة" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على جواز الوكالة في الصرف: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، وهو منصوص الشافعي (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - حديث أنس بن مالك رضي اللَّه عنه (¬7) قال: أتى عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه بإناء خسرواني قد أحكمت صنعته فبعثني به لأبيعه فأعطيت به وزنه وزيادة؛ فذكرت ذلك لعمر رضي اللَّه عنه فقال: أما الزيادة فلا (¬8). قال الإمام السرخسي عقب ذكر هذا الحديث: "وفيه دليل على جواز التوكيل بالصرف" (¬9). ¬
[142/ 6] مسألة: يجوز التوكيل في العقود الجائزة
• الخلاف في المسألة: لم يوقف على خلاف أحد من العلماء لهذا الإجماع.Rانعقاد الإجماع على جواز الوكالة في عقد الصرف. [142/ 6] مسألة: يجوز التوكيل في العقود الجائزة. يجوز التوكيل في العقود الجائزة كالإجارة والمضاربة والتزويج والتطليق والصلح والخلع ونحوها مما يجوز للمرء أن يعقده بنفسه، وقد نقل الاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الاتفاق ونفى الخلاف: الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الوكالة من العقود الجائزة، وأن كل ما جازت فيه النيابة من الحقوق جازت الوكالة فيه كالبيع والشراء والإجارة، واقتضاء الحقوق، والخصومة في المطالبة بالحقوق، والتزويج والطلاق وغير ذلك" (¬1). الإمام ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "ويجوز التوكيل في الحوالة والرهن والضمان والكفالة والشركة والوديعة والمضاربة والجعالة والمساقاة والإجارة والقرض والصلح والوصية والهبة والوقف والصدقة والفسخ والإبواء لأنها في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها فيثبت حكمه، ولا نعلم في شيء من ذلك اختلافًا" (¬2). • الموافقون على الاتفاق ونفي الخلاف: وافق الاتفاق على جواز الوكالة في العقود الجائزة جمهور فقهاء الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، ¬
[143/ 7] مسألة: أثر عقد الوكالة.
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الاتفاق ونفي الخلاف: مع عموم أدلة جواز الوكالة كما بمسألة حكم الوكالة، التالي: 1 - لأن كل ما صح أن يفعله بنفسه جاز أن يوكل فيه غيره (¬3). 2 - ولأن كل ما تدخله النيابة، صح أن يوكل الإنسان فيه غيره سواء كان الموكَل رجلًا أو امرأة، حرًا أو عبدًا، مسلمًا أو كافرًا (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خالف أحد في جواز التوكيل في العقود الجائزة.Rتحقق الاتفاق ونفي الخلاف على جواز التوكيل في العقود الجائزة. [143/ 7] مسألة: أثر عقد الوكالة. يترتب على عقد الوكالة ثبوت ولاية التصرف (¬5)، وعليه تجوز تصرفات الوكيل ولزومها في حق من وكله، ما لم يخرج عن حد ما وُكِّلَ به، وأن للوكيل اقتضاء الحقوق والمخاصمة وغيرها مما وكل به، وقد اتفق على هذا أهل العلم. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا على أن الوكيل إذا أنفذ شيئًا مما وكل به ما بين بلوغ الخبر إليه وصحته عنده إلى حين عزل موكله له، أو موت الموكل مما لا غبن فيه ولا تعد؛ فإنه نافذ لازم للموكل ¬
ولورثته بعده" (¬1). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ؛ فقال: "واتفقوا على أن التوكيل يصح فيما يملكه الموكل، وتصح فيه النيابة عنه كما ذكرنا، ويلزمه أحكامه" (¬2). الإمام أبو الحسن ابن القطان ت 628 هـ؛ فقال: "واتفق العلماء جميعًا على أن رجلًا لو أقام بينة عند الحاكم بأن فلانًا الغائب وكله في قبض كل حق له؛ أنه يجب على الحاكم أن يحكم له، وأن اقتضاء ديونه جائز له، وأنه يقوم في ذلك مقام الغائب الذي وكله" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الاتفاق: 1 - حديث جابر (¬9) قال: أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقلت: إني أريد الخروج إلى خيبر فقال: إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقًا (¬10). 2 - بعثُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الولاةَ لإقامة الحدود، والحقوق على الناس، ¬
[144/ 8] مسألة: إقرار الوكيل إذا جعل الموكل إليه ذلك جائز.
ولأخذ الصدقات وتفريقها (¬1). • الخلاف في المسألة: لم يخالف في هذا أحد من أهل العلم.Rانعقاد الاتفاق على ثبوت ولاية التصرف للوكيل. [144/ 8] مسألة: إقرار (¬2) الوكيل إذا جعل الموكل إليه ذلك جائز. إذا جعل الموكل للوكيل أن يقر عليه جاز؛ وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه (¬3). • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا أن إقرار الوكيل إذا جعل الموكل أن يقر عليه جائز على الموكل" (¬4). الإمام ابن القطان ت 628 هـ، فقال: "وأجمع كل من يُحْفَظ عنه من أهل العلم على أن إقرار الوكيل الذي جعل له الموكل أن يقر عليه جائز" (¬5). الشيخ خليل بن إسحاق ت 776 هـ، فقال: "وتجوز الوكالة بالإقرار عنه أو على أن يناكر عليه بما ادعى خصمه واليمين على الموكل بلا خلاف" (¬6). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
والشافعية (¬1) وهو غير الصحيح عندهم، والحنابلةُ وهو الصحيح عندهم (¬2) على الإجماع ونفي الخلاف في هذه المسألة. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن إقرار الوكيل مع رضاه الموكل، هو بمنزلة مباشرة الوكيل للعقد ابتداء (¬3). 2 - لأن الإقرار قول يترتب عليه إثبات حق في الذمة؛ فجاز التوكيل فيه كالتوكيل بالبيع (¬4). 3 - لأن الوكلاء بمنزلة الأصلاء فيما أقيموا له من أمرهم (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف هذا الإجماع من الفقهاء: الشافعية (¬6)، والحنابلة في القول الآخر (¬7)، والظاهرية (¬8)، وابن أبي ليلى (¬9) ¬
[145/ 9] مسألة: لا يقبل إقرار الوكيل في حد.
وزفر (¬1)؛ فقالوا بعدم صحة إقرار الوكيل على موكله. • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن أمر الوكيل الموكل بالإقرار ليس في ذاته إقرار من الأمر (¬2). 2 - لأنه إقرار الوكيل هو إخبار عن حق؛ فلا يقبل التوكيل كالشهادة (¬3).Rعدم انعقاد الإجماع أو تحقق نفي الخلاف في جواز إقرار الوكيل إذا جعل الموكل إليه ذلك. [145/ 9] مسألة: لا يقبل إقرار الوكيل في حد. إقرار الوكيل على موكله في الحدود غير مقبول، وقد نقل إجماع أهل العلم واتفاقهم على هذا. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام المزني ت 264 هـ، فقال: "أجمعوا على أنه لا يقبل إقرار أحد على غيره" (¬4). الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "قد صح إجماع أهل الإسلام على أن لا يصدق أحد على غيره إلا على حكم الشهادة فقط" (¬5). الوزير ابن هبيرة، فقال: "واتفقوا على أن إقرار الوكيل على موكله بالحدود والقصاص غير مقبول، سواء كان في مجلس حكمه أو غيره" (¬6). الإمام أبو الحسن ابن القطان ت 628 هـ، فقال: "وإقرار الوكيل على موكله أنه ارتد فاسد باتفاق الجميع" (¬7). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: أكثر الحنفية كأبي ¬
يوسف (¬1)، والمالكية في غير الأصح عندهم (¬2)، والحنابلة (¬3)، والشافعية (¬4)، والظاهرية (¬5)، وهو قول ابن أبي ليلى وزفر (¬6). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - قول اللَّه تعالى (¬7): {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. 2 - لأن هذا الحق للَّه وقد أمرنا فيه بالدرء والتوصل إلى إسقاطه، وبالتوكيل يتوصل إلى إيجابه فلم يجز (¬8). 3 - لأن التوكيل إنابة، وشبهة النيابة يتحرز عنها في هذا الباب كما في الشهادة على الشهادة، وكما في الاستيفاء (¬9). 4 - لأن الوكيل بمنزلة البدل عن الأصل، ولا مدخل للإبدال في هذا الباب، ولهذا لا تجوز فيه الشهادة على الشهادة ولا كتاب القاضي إلى القاضي ¬
[146/ 10] مسألة: لا يقبل إقرار الوكيل في قصاص.
ولا شهادة النساء ولا من الأخرس لأن إشارته بدل عن العبارة ولأن المقصود من الإثبات الاستيفاء، فإذا لم يصح به لا يصح بالإثبات (¬1). 5 - لأن في الإقرار شبهة عدم الأمر به (¬2). 6 - لأن خصومة الوكيل تقوم مقام خصومة الموكل، وشرط الحد لا يثبت بمثل التوكيل في الإقرار (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف هذا الإجماع أبو حنيفة وتلميذه محمد (¬4)، والمالكية في الأصح عندهم (¬5)، فقالوا بجواز التوكيل لإثبات الحدود. • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن الخصومة شرط محض، ولأن وجوب الحد مضاف إلى الجناية، وظهوره إلى الشهادة فيجري في إثباته التوكيل كما في سائر الحقوق (¬6). 2 - لأن التوكيل تناول ما ليس بحد ولا قصاص، ولا يضاف وجوب الحد إلى الخصومة، فيصح التوكيل فيها كما في سائر الحقوق (¬7).Rعدم تحقق الإجماع والاتفاق على رفض إقرار الوكيل في الحدود لخلاف من سبق. [146/ 10] مسألة: لا يقبل إقرار الوكيل في قصاص. إقرار الوكيل على موكله في القصاص مرفوض غير مقبول، وقد نقل إجماع أهل العلم واتفاقهم على هذا. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام المزني ت 264 هـ، فقال: "أجمعوا ¬
على أنه لا يقبل إقرار أحد على غيره" (¬1). الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "قد صح إجماع أهل الإسلام على أن لا يصدق أحد على غيره إلا على حكم الشهادة فقط" (¬2). الوزير ابن هبيرة ت 60 هـ، فقال: "واتفقوا على أن إقرار الوكيل على موكله بالحدود والقصاص غير مقبول، سواء كان في مجلس الحكم أو غيره" (¬3). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: أكثر الحنفية ومنهم أبو يوسف صاحب أبي حنيفة وتلميذه (¬4)، والمالكية في غير الأصح عندهم (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8)، وهو قول ابن أبي ليلى وزفر (¬9) على الإجماع على عدم قبول إقرار الوكيل على موكله بالقصاص. ¬
[147/ 11] مسألة: لا يجوز إقرار الوكيل في غير ما وكل فيه.
• مستند الإجماع والاتفاق: 1 - قول اللَّه تعالى (¬1): {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. 2 - لأن التوكيل إنابة وشبهة النيابة يتحرز عنها في هذا الباب كما في الشهادة على الشهادة (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة أبو حنيفة ومحمد (¬3)، والمالكية في الأصح عندهم (¬4)، فقالوا تجوز الوكالة بالخصومة في سائر الحقوق. • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن الوكيل قام مقام الموكل بعد صحة التوكيل؛ وقد جعل إقراره فى سائر الحقوق كإقرار الموكل، وكذلك في القصاص (¬5). 2 - أن الخصومة شرط محض؛ ولأن وجوب الحد مضاف إلى الجناية، وظهوره مضاف إلى الشهادة؛ فيجري فيه التوكيل كما فى سائر الحقوق (¬6).Rعدم انعقاد الإجماع والاتفاق على رفض وعدم قبول إقرار الوكيل في القصاص لخلاف من سبق. [147/ 11] مسألة: لا يجوز إقرار الوكيل في غير ما وكل فيه. لا يجوز إقرار الوكيل على موكله بشيء أو عقد بغير ما وكل به، وقد نفي الخلاف في هذا. ¬
• من نقل نفي الخلاف: الشيخ خليل بن إسحاق ت 776 هـ؛ حيث قال: "ولا خلاف أنه لا يكون للوكيل الإقرار إلا بما قيده موكله عنه، (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في أنه لا يجوز إقرار الوكيل بغير ما وكل به جمهور الفقهاء من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند نفي الخلاف: 1 - قوله تعالى (¬7): {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164]. 2 - لأن الوكيل بعقد لا يملك عقدًا آخر (¬8). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rعدم تحقق نفي الخلاف في عدم جواز إقرار الوكيل في غير ما وكل فيه. ¬
[148/ 12] مسألة: جواز التوكيل بالخصومة.
[148/ 12] مسألة: جواز التوكيل بالخصومة. التوكيل في الخصومة جائز، وقد ورد الإجماع والاتفاق على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، حيث قال: "واتفقوا أن كل ما جازت فيه النيابة من الحقوق جازت الوكالة فيه؛ كالبيع والشراء والإجارة واقتضاء الحقوق والخصومة في المطالبة بالحقوق" (¬1). الإمام علاء الدين الكاساني ت 587 هـ، فقال: "لا خلاف أنه يجوز التوكيل بالخصومة في إثبات الدين والعين وسائر الحقوق برضا الخصم حتى يلزم الخصم جواب التوكيل" (¬2). الإمام أبو الحسن ابن القطان ت 628 هـ، فقال: "وأجمعوا أن الوكالة في المخاصمات وطلب الحقوق مع حضور ورضا الخصم إذا كان الموكل حاضرًا جائزة" (¬3). • الموافقون على الإجماع والاتفاق ونفى الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار: من الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، ¬
وابن أبي ليلى (¬1) على جواز التوكيل بالخصومة. غير أنه في المواضع السابقة لم يشترط أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة، والمالكيةُ، والشافعيةُ، والحنابلةُ رضا الخصم؛ فقالوا بجواز التوكيل برضاه وبغير رضاه، واشترطه أبو حنيفة. • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - توكيل على رضي اللَّه عنه (¬2) عقيلًا عند أبي بكر رضي اللَّه عنه وقال: ما قضى له فلي وما قضى عليه فعلي (¬3). 2 - توكيلُ علي عبد اللَّه بن جعفر عند عثمان (¬4)، وقوله: إن للخصومة قُحَمًا (¬5)، ¬
[149/ 13] مسألة: ما لا يمكن التوكيل بالخصومة.
وإن الشيطان ليحضرها، وإني لأكره أن أحضرها (¬1). 3 - لأن الحاجة تدعو إلى التوكيل في الخصومات؛ لأنه قد يكون له حقٌّ أو يُدَّعَى عليه حقٌّ ولا يُحسن الخصومةَ فيه، أو يكره أن يتولاها بنفسه؛ فجاز أن يوكل فيه (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أجد خلافًا في المسألة.Rانعقاد الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في جواز التوكيل في الخصومة. [149/ 13] مسألة: ما لا يمكن التوكيل بالخصومة. هناك أمور لا تمكن الخصومة في إثباتها كحد الزنا، وحد الشرب، وقد نقل فيها الاتفاق. • من نقل الاتفاق: الإمام الزيلعي ت 743 هـ؛ فقال: "والتوكل بإثبات حد الزنا، والشرب لا يصح اتفاقًا" (¬3). الإمام ابن عابدين ت 1252 هـ؛ فقال: "أما التوكيل بإثبات حد الزنا والشرب فباطل اتفاقًا" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: وافق على الاتفاق على عدم صحة التوكيل بالخصومة في إثبات حد الزنا والشرب فقهاء الحفنية (¬5)، ¬
وأبو الخطاب من الحنابلة (¬1). • مستند الاتفاق: 1 - لأن حد الزنا والشرب يثبت عند القاضي بالبينة أو الإقرار من غير خصومة (¬2). 2 - لأنه لا حق لأحد فيه، وإنما تقام البينة على وجه الحسبة؛ فإذا كان أجنبيًّا عنه لا يجوز توكيله به (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف هذا الاتفاق فقال بجواز الخصومة بإثبات حد الزنا والشرب (¬4): الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • أدلة هذا الرأي: 1 - قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7): "اغد يا أنيْسُ إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها". قال: فغدا عليها فاعترفت، فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت (¬8). ¬
[150/ 14] مسألة: إذا قيد الموكل الوكيل لم تصح مخالفته.
قال الموفق ابن قدامة في معرض استدلاله بهذا الحديث: "إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وكله [أي أنيسًا] في إثباته واستيفائه جميعًا؛ فإنه قال: (فإن اعترفت فارجمها)، وهذا يدل على أنه لم يكن ثبت، وقد وكله في إثباته واستيفائه جميعًا" (¬1). 2 - لأن عفو الإمام عن الحد بعد ثبوته لا يصح (¬2). 3 - لأن الحدود تسقط بالشبهات وقد أمرنا بدرئها بها، والتوكيل يوصل إلى الإيجاب (¬3). 4 - لأن الحاكم إذا استناب دخل في ذلك الحدود؛ فإذا دخلت في التوكيل بطريق العموم؛ وجب أن تدخل بالتخصيص بها أولى. 5 - لأن الوكيل يقوم مقام الموكل في درء الحدود بالشبهات.Rعدم تحقق الاتفاق على عدم جواز التوكيل بالخصومة في حد الزنا والشرب. [150/ 14] مسألة: إذا قيد الموكل الوكيل لم تصح مخالفته (¬4). إذا قيد الموكل الوكالة بنوع من التصرفات كالبيع أو الشراء ونحوهما، أو بزمن أو وقت معين، أو بمكان معين، أو بثمن معين (¬5)، فلا يجوز للوكيل أن يخالف هذا القيد، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: ¬
"وأجمعوا على أن الرجل إذا وكل الرجل بقبض دين له على آخر، فأبرأ الوكيل الغريم من الدين الذي عليه أن ذلك غير جائز" (¬1). وقال أيضًا: "وأجمعوا أنه إذا سمى للوكيل ثمنًا في البيع والشراء فخالف الوكيل ذلك أنه غير جائز" (¬2). الإمام الكاساني ت 587 هـ، فقال: "فالتوكيل بالشراء لا يخلو: إما إن كان مطلقًا أو مقيدًا؛ فإن كان مقيدًا؛ يراعي فيه القيدُ إجماعًا" (¬3). الإمام ابن القطان ت 628 هـ، فقال: "وإذا وكل رجلٌ رجلًا بأن يشتري له شيئًا، وسمى له شيئًا في الشراء والبيع، فخالف الوكيل؛ فذلك غير جائز على الموكل، لا أعلمهم يختلفون فيه" (¬4). وقال أيضًا: "وإذا أمره الموكل ببيع عبده من رجل، فباعه من رجل آخر لم يجز البيع في قولهم جميعًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق على الإجماع على عدم جواز مخالفة الوكيل في الوكالة المقيدة جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). ¬
[151/ 15] مسألة: للوكيل حق التوكيل إذا أذن له.
• مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن الوكيل لا يملك مخالفة القيد (¬1). 2 - لأن الأصل في المقيد اعتبار القيد فيه، إلا قيدًا لا يفيد اعتباره (¬2). 3 - لأن تصرف الوكيل كان بناءً على الإذن فاختص بما أذن فيه (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على من خالف هذا الإجماع.Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف في عدم جواز مخالفة الوكيل في الوكالة المقيدة. [151/ 15] مسألة: للوكيل حق التوكيل إذا أذن له. للوكيل الحق في أن يوكل من يقوم بالوكالة نيابة عنه بإذن من وكله، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. من فقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الوكيل إذا أراد أن يوكل وقد جعل إليه الموكل ذلك في كتاب الوكالة؛ أن له أن يوكل غيره" (¬4). الإمام ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "لا يخلو التوكيل من ثلاثة أحوال أحدها: أن ينهي الموكل وكيله عن التوكيل فلا يجوز له ذلك بغير خلاف. الثاني: أذن له في التوكيل فيجوز له ذلك. . ولا نعلم في هذين خلافًا. . . " (¬5). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: "الوجه الثاني: أن يأذن [أي الموكل] له [أي للوكيل] في التوكيل؛ يوكل غيره بغير خلاف" (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية في وجه (¬2) والحنابلة في رواية (¬3) على الإجماع على جواز توكيل الوكيل إذا أذن له الموكل. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن الموكل أجاز فعل الوكيل على العموم، فالتوكيل من فعله، فصح لوجود الرضا من صاحب الحق (¬4). 2 - لأن توكيل الوكيل لغيره عقد أذن له فيه؛ فكان له فعله كالتصرف المأذون له فيه (¬5). 3 - لأن الوكيل مفوض ومطلوب إعمال رأيه، وقد عمل بأن وكل غيره (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف هذا الإجماع الشافعية في الوجه الآخر (¬7)، والحنابلة في الرواية الأخرى (¬8) فقالوا بجواز توكيل الوكيل وإن لم يأذن الموكل؛ إن كان الوكيل لا يحسن ما وكل فيه، أو لا يليق به، أو كثر وعجز عن الإتيان بكله. ¬
[152/ 16] مسألة: ما لا تصح فيه الوكالة.
• أدلة هذا الرأي: 1 - لأن التوكيل فيما لا يحسن الصنعة فيه؛ هو استنابتُه وإذن في توكيل توكيل من يحسنها (¬1). 2 - لأن الحاجة داعية إلى جواز توكيل الوكيل فيما لا يمكن الوكيل فعله بخلاف الممكن (¬2). وخالف الشافعية والحنابلة أيضًا فقالوا بجواز توكيل الوكيل مطلقًا دون القيود السابقة (¬3). • ودليلهم في ذلك أن للوكيل ملك التصرف بنفسه، فله أن ينيب ذلك إلى نائبه كالمالك (¬4). كما خالف ابن أبي ليلى فقال له للوكيل التوكيل للغياب أو المرض فقط، فإن كان الوكيل صحيحًا حاضر فلا (¬5).Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف في أن للوكيل أن يوكل غيره بإذن الموكل، أما خلاف الشافعية والحنابلة وابن أبي ليلى، فمحمول على السكوت عن الإذن، لا التصريح بالنهي عن التوكيل. [152/ 16] مسألة: ما لا تصح فيه الوكالة. هناك أشياء لا يجوز للمرء أن ينيب فيها غيرَه، وعليه لا يجوز أن يوكل فيها غيرَه للقيام بها ك: العبادات المتعلقة بالأبدان إخلاصًا كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث، أو زجرًا كالأيمان واللعان (¬6)، والنذور والقسامة، ¬
والقسم بين الزوجات (¬1)، وك: المحرمات كالظهار والغصب والجنايات (¬2) وك: المباحات كالاحتطاب والاحتشاش واجتناء الثمار من الجبال والاصطياد وحفر المعادن وأخذ الملح والجص والكحل (¬3). وقد نقل الإجماع والاتفاق خاصة على عدم جواز الوكالة في الصلاة والصوم من القادر، ويخرج بذلك الصلاة فيما كان تبعًا، كركعتي الطواف فهي تابعة للحج أو العمرة، والصلاة والصوم عن الميت. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن الوكالة في الصلاة المفروضة والصيام لا يجوز" (¬4). الإمام ابن رشد، فقال: "الوكالة في كل شيء جائزة إلا فيما أجمع على أنه لا تصح فيه من العبادات وما جرى مجراها" (¬5). الإمام أبو الحسن ابن القطان ت 628 هـ؛ فقال: "واتفقوا على أن الوكالة في الصلاة المفروضة والصيام عن الحي لا يجوز" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الإجماع على عدم جواز التوكيل في الصلاة والصيام: من المالكية (¬7)، ¬
[153/ 17] مسألة: للمرأة أن تكون وكيلة عن غيرها.
والشافعية (¬1) والحنابلة (¬2). ولم أعثر عند الحنفية على ما يتعلق بهذه المسألة في الصلاة والصيام خاصة، لكنهم تكلموا على عدم التوكيل في المباحات كما سبق في نهاية رأس المسألة، لأنها ليست ملكا له فلا يصح توكيله فيها. • مستند الإجماع والاتفاق: لأن العبادات من الصوم والصلاة خاصة تتعلق ببدن من هي عليه؛ فلا يقوم غيره مقامه فيها (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على قول مخالف لهذا الإجماع.Rانعقاد الإجماع والاتفاق على عدم جواز الوكالة في الصلاة والصوم. [153/ 17] مسألة: للمرأة أن تكون وكيلة عن غيرها. " من ملك التصرف فيما تدخله النيابة في حق نفسه؛ جاز أن يتوكل فيه لغيره" (¬4). ومن ذلك المرأة يجوز أن تكون وكيلة وتنوب عن غيرها فيما لم تمنع منه كأبواب المعاملات من بيع وشراء وإجارة ورهن ونحوها، أو تكون وكيلة في طلاق نفسها أو غيرها، وقد نقل الاتفاق على هذا. من نقل الإنفاق: الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن ¬
التوكيل يصح فيما يملكه الموكل، ويصح فيه النيابة عنه كما ذكرنا. ويلزمه أحكامه، ويكون الوكيل حرًّا بالغًا" (¬1). قلت: لم يشترط هنا في الاتفاق كون الوكيل ذكرًا؛ فدل على جواز كونه أنثى اتفاقًا أيضًا. • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار من: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) على الاتفاق على جواز كون الوكيل امرأة فيما لم تمنع منه. • مستند الاتفاق: 1 - لأنها تملك التصرف في حق نفسها لأنها مالكة له؛ فملكت في حق التصرف في حق غيرها بالإذن (¬6). 2 - لقيام الحاجة إلى الوكالة، والمرأة تحسن القيام بالعمل الموكلة به (¬7). 3 - لكون المرأة يجوز أن تعمل لغيرها، فجاز أن تكون وكيلة لغيرها أيضًا (¬8). ¬
[154/ 18] مسألة: للغائب توكيل الغير.
4 - أن بوكالة المرأة يحصل المقصود الذي وكلت فيه فصحت وكالتها (¬1). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الاتفاق على جواز توكيل المرأة فيما لم تمنع منه. [154/ 18] مسألة: للغائب توكيل الغير. تجوز وكالة الغائب، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمع كل من نحفظ من أهل العلم أن للمريض العاجز عن الخروج إلى مجلس الحكم، والغائب عن المصر يوكل كل واحد منهما وكيلًا يطالب له حقه، ويتكلم عنه" (¬2). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، حيث قال: "واتفقوا على وكالة الغائب والمريض والمرأة المالكين لأمور أنفسهم" (¬3). الإمام أبو الحسن ابن القطان ت 628 هـ، فقال: "وأجمعوا أن الطالب إذا كان غائبًا على مسيرة ثلاثة أيام؛ جاز أن يوكل وإن لم يحضر" (¬4). الإمام ابن جزي ت 741 هـ؛ فقال: "وتجوز وكالة الغائب والمرأة والمريض اتفاقًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور أهل العلم: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10) على الإجماع ¬
[155/ 19] مسألة: جواز توكيل الحاضر في غير الحدود والقصاص.
على جواز وكالة الغائب. • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه (¬1)، قال: كان لرجل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سن من الإبل؛ فجاءه يتقاضاه، فقال: "أعطوه"، فطلبوا سنه فلم يجدوا له إلا سنًّا فوقها، فقال: "أعطوه". فقال: أوفيتني أوفى اللَّه بك. قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن خياركم أحسنكم قضاء" (¬2). قال الحافظ ابن حجر: "موضع الترجمة [باب وكالة الشاهد والغائب جائزة] منه لوكالة الحاضر واضح، وأما الغائب فيستفاد منه بطريق الأولى لأن الحاضر إذا جاز له التوكيل مع اقتداره على المباشرة بنفسه فجوازه للغائب عنه أولى لاحتياجه إليه. وقال الكرماني: لفظ (أعطوه) يتناول وكلاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حضورًا وغيبًا" (¬3). 2 - أن الوكالة شرعت دفعًا للحاجة، وتحقيقًا لمصالح العباد (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف بين أهل العلم في الإجماع على جواز توكيل الغائب.Rانعقاد الإجماع والاتفاق على جواز توكيل الغائب. [155/ 19] مسألة: جواز توكيل الحاضر في غير الحدود والقصاص. يجوز توكيل الحاضر الصحيح مطلقًا دون قيد أو شرط، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن بطال ت 449 هـ؛ فقال: "وعامة الفقهاء ¬
يجيزون توكيل الحاضر الصحيح البدن وإن لم يرض خصمه بذلك" (¬1). الإمام أبو الحسن ابن القطان ت 628 هـ؛ فقال: "واتفق علماء الأمصار على صحة توكيل الصحيح الحاضر" (¬2). الإمام ابن جزي ت 741 هـ؛ حيث قال: "وتجوز وكالة الغائب والمرأة والمريض اتفاقا ووكالة الحاضر الصحيح" (¬3). • الموافقون على الإتفاق: وافق جمهور الفقهاء وأتباعهم: أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة وتلميذاه (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8)، وابن أبي ليلى (¬9) على الاتفاق على جواز توكيل الحاضر الصحيح. • مستند الاتفاق: 1 - حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه (¬10)، قال: كان لرجل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
سن من الإبل؛ فجاءه يتقاضاه، فقال: "أعطوه"، فطلبوا سنه فلم يجدوا له إلا سنًّا فوقها، فقال: "أعطوه". فقال: أوفيتني أوفى اللَّه بك. قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن خياركم أحسنكم قضاء" (¬1). قال الإمام ابن بطال: "أن النبي عليه السلام أمر أصحابه أن يقضوا عنه السن التى كانت عليه، وذلك توكيل منه لهم على ذلك. ولم يكن عليه السلام غائبًا ولا مريضًا ولا مسافرًا" (¬2). وقال الحافظ ابن حجر: "موضع الترجمة [باب وكالة الشاهد والغائب جائزة] منه لوكالة الحاضر واضح، وأما الغائب فيستفاد منه بطريق الأولى لأن الحاضر إذا جاز له التوكيل مع اقتداره على المباشرة بنفسه فجوازه للغائب عنه أولي لاحتياجه إليه. وقال الكرماني: لفظ (أعطوه) يتناول وكلاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حضورًا وغيبًا" (¬3). 2 - لأن المقصود الأول من الوكالة هو دفع الحاجة بمعونة من كان ضعيفًا، أو صيانةُ من كان مهيبًا وهذا المعنى موجود في الحاضر الصحيح كوجوده في المعذور (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف أبو حنيفة رحمه اللَّه؛ فقال بعدم جواز توكيل الحاضر في الخصومة إلا إذا كان الموكل معذورًا بعذر من الأعذار (¬5). • ودليله على هذا: 1 - لأن التوكيل حوالة وهي ولا تصح بدون رضى المحال عليه. ولأن الموكل ملزم بالجواب في الخصومة لأنها مستحقة عليه (¬6). ¬
[156/ 20] مسألة: جواز توكيل المرأة لغيرها.
2 - ولأن التوكيل فيه إضرار بالمدعى عليه، لأن الموكل لا يوكل إلا من هو ألد وأشد إنكارًا، فلا يلزمه بدون التزامه كالحوالة، إلا إذا كان بالموكل عذر من الأعذار (¬1).Rعدم انعقاد الاتفاق على توكيل الحاضر مطلقًا دون قيد لخلاف أبي حنيفة. [156/ 20] مسألة: جواز توكيل المرأة لغيرها. الأصل أن كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به غيرَه (¬2)، فكل ما جاز للمرأة أن تباشره بنفسها؛ جاز أن توكل به غيرَها من بيع وشراء وغيره من المعاملات، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ حيث قال: "ويجوز التوكيل من المرتدة بالإجماع؛ لأن تصرفاتها نافذة بلا خلاف" (¬3) قُلتُ: وحيث جاز التوكيل من المرتدة فهو في المسلمة أجوز. الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ حيث قال: "واتفقوا على [جواز] وكالة الغائب والمريض والمرأة المالكين لأمور أنفسهم" (¬4). الإمام ابن جزي المالكي ت 741 هـ؛ فقال: "وتجوز وكالة الغائب والمرأة والمريض اتفاقًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار: الحنفية في ظاهر الرواية عندهم (¬6)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3) على الاتفاق على جواز توكيل المرأة. • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - حديث سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه إني قد وهبت لك من نفسي. فقال رجل: زوجنيها. قال: "قد زوجناكها بما معك من القرآن" (¬4). قال الإمام ابن بطال في معرض الاستدلال بهذا الحديث على صحة توكيل المرأة: "وجه استنباط الوكالة من هذا الحديث: هو أن الرسول لما قالت له المرأة: (قد وهبت نفسى لك) كان ذلك كالوكالة له على تزويجها من نفسه" (¬5). 2 - لأن تصرفات المرأة نافذة، والتوكيل من هذه التصرفات (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة أبو حنيفة فمنع توكيل الغير في الخصومة سواء أكان ذكرًا أو أنثى إلا من عذر، واستحسن بعض الحنفية أن المرأة إذا كانت بَرَزَةً (¬7) فلا يجوز توكيلها (¬8). وكما خالف ابنُ أبي ليلى أيضًا؛ حيث قيد جواز توكيل المرأة غيرها بكونها بكرًا (¬9). ¬
[157/ 21] مسألة: جواز توكيل أحد الشريكين للآخر.
Rعدم انعقاد الإجماع والاتفاق وعدم تحقق نفى الخلاف في جواز توكيل المرأة مطلقًا فيما يمكنها مباشرته لقيد أبي حنيفة بكونها برزة، وكذا تقيده بالبكر عند ابن أبي ليلى. [157/ 21] مسألة: جواز توكيل أحد الشريكين للآخر. يجوز توكيل أحد الشريكين للآخر، لأن الشركة قائمة على التوكيل، وقد نفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "ويجوز التوكيل في الحوالة والرهن والضمان والكفالة والشركة. . . ولا نعلم في شيء من ذلك اختلافًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على نفي الخلاف في جواز التوكيل في الشركة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - لأن الحاجة في التوكيل في الشركة قائمة، كالحاجة إلى التوكيل في البيع؛ فيثبت في الوكالة حكم التوكيل كالبيع؛ وهو في البيع جائز (¬6). ¬
[158/ 22] مسألة: جواز توكيل المسلم للحربي المستأمن.
2 - لأن الشركة تفيد الإذن في التصرف؛ وإن كان التصرف مجهولًا، لأن الجهالة في التصرف كالجهالة في الأذن في التجارة؛ فهي يسيرة (¬1). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق نفي الخلاف في جواز توكيل الشريك. [158/ 22] مسألة: جواز توكيل المسلم للحربي المستأمن. " من ملك التصرف فيما تدخله النيابة في حق نفسه؛ جاز أن يتوكل فيه لغيره" (¬2). ومن ذلك الحربي المستأمن يجوز أن يكون وكيلًا عن المسلم فيما يصح تصرفه فيه كالبيع (¬3)، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "توكيل المسلم حربيًّا مستأمنًا، وتوكيل الحربي المستأمن مسلمًا لا خلاف في جوازه" (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار على نفي الخلاف في جواز توكيل المسلم الحربي المستأمن: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند نفي الخلاف: 1 - حديثا عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه قال: كاتبت أمية بن خلف ¬
كتابًا بأن يحفظني في صَاغِيَتي (¬1) بمكة وأحفظه في صَاغِيَتِهِ بالمدينة (¬2). قال الإمام العيني في شرح هذا الحديث مؤكدًا وجه الاستدلال على جواز المسألة: "مطابقته للترجمة [أي مطابقة الحديث لترجمة الباب] من حيث إن عبد الرحمن بن عوف، وهو مسلم في دار الإسلام كاتب إلى أمية بن خلف، وهو كافر في دار الحرب؛ بتفويضه إليه لينظر فيما يتعلق به، وهو معنى التوكيل؛ لأن الوكيل إنما هو مرصد لمصالح موكله وقضاء حوائجه، ورد بهذا ما قاله ابن التين: (ليس في هذا الحديث وكالة إنما تعاقد أن يجير كل واحد منهما صاغية صاحبه) فإن قلت: بمجرد هذا يصح توكيل مسلم حربيًّا في دار الحرب؟ ! قلت: الظاهر أن عبد الرحمن لم يفعل هذا إلا باطلاع النبي؛ فلم ينكر عليه فدل على صحته. فإن قلت: الترجمة في شيئين، والحديث لا يدل إلا على أحدهما، وهو توكيل المسلم حربيًّا، وهو في دار الحرب؛ قلت: إذا صح هذا؛ فتوكيله إياه في دار الإسلام يكون بطريق الأولى أن يصح. وقال ابن المنذر. . . [فذكر إجماعه] " (¬3). 2 - لأن التوكيل استنابة واستعانة، والوكيل ملك التصرف بالإذن (¬4). 3 - لأن الوكيل لا يشترط فيه العدالة (¬5). 4 - لأن الوكيل إنما هو مرصد لمصالح موكله وهذا يصلح بالحربي وغيره (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذا المالكيةُ فقالوا بعدم جواز توكيل ¬
[159/ 23] مسألة: جواز توكيل الحربي المستأمن للمسلم.
المسلمِ الذميَّ (¬1)، قلت والحربي من باب أولى. • أدلة هذا الرأى: 1 - لأن الحربي لا يتقي الحرام في معاملاته (¬2). 2 - لأن الوكالة من باب الأمانات، والكفار من أهل الخيانات، وإن كانوا مستأمنين.Rعدم تحقق نفي الخلاف في جواز توكيل المسلم الحربي المستأمن لخلاف المالكية. [159/ 23] مسألة: جواز توكيل الحربي المستأمن للمسلم. يجوز أن يوكل الحربي المستأمن مسلمًا، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "توكيل المسلم حربيًّا مستأمنًا، وتوكيل الحربي المستأمن مسلمًا لا خلاف في جوازه" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار على نفي الخلاف في جواز توكيل الحربي المستأمن المسلم: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). ¬
[160/ 24] مسألة: التزام الوكيل بالبيع بالنقد الغالب.
ولم أعثر للحنابلة على قول في هذه المسألة سوى قول ابن قدامة: "ولو وكل كافرٌ مسلمًا في شراء مسلم لم يصح الشراء؛ لأن الملك يقع للموكل ولأن الموكل ليس بأهل لشرائه فلم يصح أن يشتري له" (¬1). قلت: وهذه يعني عندهم أنه يجوز أن يوكل الكافرُ المسلمَ فيما يصح للكافر أن يمارسه من تملك وبيع وشراء إلا فيما يحرم على المسلم ممارسته كشراء الخنزير والتعامل بالربا ونحوه. . • مستند نفي الخلاف: 1 - حديث عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه قال: كاتبت أمية بن خلف كتابًا بأن يحفظني في صَاغِيَتِي بمكة وأحفظه في صَاغِيَتِهِ بالمدينة (¬2). • ووجه الدلالة قوله: (وأحفظه في صَاغِيَتِهِ بالمدينة). حيث أقام ابنُ عوف الصحابي نفسه وكيلًا عن أمية الكافر في حفظ أهله، وأقره أمية على ذلك. • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق نفي الخلاف في جواز توكيلِ الحربي المستأمنِ المسلمَ. [160/ 24] مسألة: التزام الوكيل بالبيع بالنقد الغالب. الموكل إذا وكل وكيله بالبيع وكالة مطلقة، فعليه أن يبيع بغالب نقد البلد؛ فإذا باعها ملتزمًا بالأغلب من نقد البلد فالبيع جائز، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا أنه إذا أوكله ببيع سلعة، فباعها بالأغلب من نقد البلد دنانير كان أو دراهم؛ أنه جائز (¬3) أوكله ببيع سلعة فباعها بالأغلب من نقد البلد. ابن القطان ت 628 هـ؛ فقال: "وإذا وُكِّلَ الوكيل ببيع سلعة من السلع ¬
فباعها بالأغلب من نقد البلد دراهم كانت أو دنانير؛ فالبيع جائز لا أعلمهم يختلفون فيه" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق جميع الفقهاء: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، على وجوب التزام الوكيل بالبيع بغالب نقد البلد حتى ينفذ البيع. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن الوكالة عقد معاوضة بوكالة مطلقة؛ فوجب أن لا يصح بغير نقد البلد قياسًا على الشراء (¬6). 2 - لأن كل جنس لا يجوز للوكيل أن يشتري به لم يجز له أن يبيع به، قياسًا على عدم صحة بيع الوكيل بغير جنس الأثمان وبيعه بالمحرمات، فعلى هذا لو كان غالب نقد البلد دراهم لم يجز بيعه بالدنانير. . 3 - لأن إطلاق البيع يحمل على غالب نقد البلد (¬7). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف في وجوب التزام الوكيل بالبيع بالنقد الغالب حتى ينفذ البيع. ¬
[161/ 25] مسألة: رد البيع بالعيب للوكيل.
[161/ 25] مسألة: رد البيع بالعيب للوكيل. الوكيل إذا باع شيئًا فوجد المشتري به عيبًا؛ فللمشتري أن يرد المبيع بذلك العيب ولا يلزمه شيء من ثمنها، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر ت 318 هـ، حيث قال: "وأجمعوا أنه إذا باع الوكيل عبدًا أو سلعة من السلع؛ ففطن المشتري فيها بعيب، وأقام البينة أن الوكيل باعها وبها ذلك العيب لم يبرأ ذلك منه، فرد القاضي البيع وألزم الوكيل رد الثمن؛ لزم الأمر رد الثمن ورجعت السلعة إليه، ولم يلزم المشتري شيء من ذلك" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع على وجوب رد البيع بالعيب للوكيل: الحنفية (¬2)، والمالكيةُ (¬3)، والشافعيةُ (¬4)، والحنابلةُ (¬5). • مستند الإجماع: 1 - لأن الوكيل في حقوق العقد بمنزلة العاقد لنفسه (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في وجوب رد البيع بالعيب للوكيل.Rانعقاد الإجماع على وجوب رد البيع بالعيب للوكيل. ¬
[162/ 26] مسألة: عدم جواز شراء الوكيل لنفسه.
[162/ 26] مسألة: عدم جواز شراء الوكيل لنفسه. لا يجوز للوكيل أن يشتري من مال موكله شيئًا لنفسه، وقد نفي خلاف الصحابة في ذلك. • من نفى الخلاف: الماوردي؛ فقال: "ودليلنا أن غير الأب [يعني الوصي والوكيل] لا يجوز له مبايعة نفسه، هو ما روي أن رجلًا أوصى إلى رجل بوصية، فأراد الوصي بيع فرس من التركة على نفسه، فسأل عبد اللَّه بن مسعود عن جوازه، فقال له: لا (¬1) وليس نعرف له مخالفًا من الصحابة" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على نفي الخلاف في عدم جواز شراء الوكيل لنفسه من مال موكله: الحنفية (¬3)، والمالكية إلا بقيد (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة في رواية (¬6)، وهو قول زفر بن الهذيل (¬7). ¬
• مستند نفي الخلاف: 1 - ما روي (¬1) أن رجلًا أوصى إلى رجل بوصية، فأراد الوصي بيع فرس من التركة على نفسه، فسأل عبد اللَّه بن مسعود عن جوازه، فقال له: لا (¬2). 2 - أن الإنسان جبل على تقديم حظ نفسه على حظ غيره، والأصل في الوكيل أن يطلب حظ الموكل، فإذا باع من نفسه قامت الشبهة بانصراف البيع بجبلة الطبع إلى حظ نفسه فانعدم المقصود بالوكالة فلم يجز (¬3). 3 - لأن الوكيل نائب عن غيره في تولي العقد؛ فلم يجز أن يتولى طرفي الحق فيعقد مع نفسه (¬4). 4 - لأن الواحد في باب البيع إذا تولى طرفي العقد فإن ذلك يؤدي إلى تضاد الأحكام؛ لأنه يكون مشتريًا مستقضيًا قابضًا مسلمًا مخاصِمًا في العيب ومخاصَمًا، وهذا فيه من التضاد ما هو ظاهر (¬5). 5 - لأن الوكيل إذا باع لنفسه؛ تلحقه تهمة، لأنه يتنافى مع غرض الوكالة حيث ما اختير وكيلًا إلا لأمانته وتحقيق مقصود الموكل، وبيعه لنفسه يتنافى مع هذا الغرض فلم يجز (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة، فقال بجواز شراء الوكيل لنفسه من مال موكله: الحنابلة في رواية بشرط أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء ويتولى النداء غيره لتنتفي التهمة (¬7)، والأوزاعي (¬8). ¬
[163/ 27] مسألة: جواز تعامل الوكيل مع أقارب الموكل.
وحكاه الماوردي والموفق ابن قدامة عن مالك (¬1). ولم أجده عند المالكية إلا ما ذكره ابن عبد البر كما سبق في الكافي؛ مقيَّدًا: "إلا أن يشتري بعضه بسعر ما باع سائره". وما ذكره الصاوي في بلغة السالك: "الوكيل على شيء لا يسوغ له أن يفعله مع نفسه إلا بإذن خاص فليس لمن وكل على بيع أو شراء أن يبيع أو يشتري لنفسه إلا بتعيين". وما ذكره الصاوي خارج عن محل النزاع إذ المحل في حال التوكيل مطلقًا بدون إذن أو نهي عن البيع من نفسه. • أدلة هذا الرأي: 1 - أن المقصود من البيع هو الحصول على الثمن، فإذا حصل من الوكيل أجزأ كحصوله من غيره (¬2). 2 - لأن الوكيل ببيعه من نفسه قد امتثل أمر الموكل وحصّل مقصوده وغرضَه؛ كما لو باع من غير نفسه (¬3).Rعدم تحقق نفي الخلاف في عدم جواز شراء الوكيل لنفسه؛ لخلاف من سبق من الحنابلة في رواية وغيرهم. [163/ 27] مسألة: جواز تعامل الوكيل مع أقارب الموكل. يجوز للوكيل أن يتعامل مع أقارب الموكل من أب وأم، وابن وابنة، وزوج وزوجة، وأخ وأخت، وعم وعمة، وخال وخالة وغيرهم بالبيع والشراء وخلافه، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، حيث قال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا وكل ببيع عبد له فباعه من ابن الآمر أو من أبيه أو من أُمه أو ¬
[164/ 28] مسألة: إذا سمي للوكيل ثمن فى البيع أو الشراء فخالف الوكيل.
من أُخته أو من زوجته أو من خالته أو عمته؛ فالبيع جائز" (¬1). • الموافقون على الإجماع: لم أجد من الفقهاء من تطرق لهذا المسألة قبولًا، أو ردًّا؛ إلا ما عند الحنفية: "وكل الأب رجلًا ببيع عبد ابنه فباعه الوكيل من الأب؛ جاز" (¬2). • مستند الإجماع: لم أعثر على مستند لهذه المسألة. • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع على جواز تعامل الوكيل مع أقارب الموكل؛ لنقل الإجماع، وعدم العثور على المخالف. [164/ 28] مسألة: إذا سمي للوكيل ثمن فى البيع أو الشراء فخالف الوكيل. إذا اشترط الموكل على الوكيل البيع فباع بأقل مما سمى أوكله بالشراء بثمن معين فاشترى بأكثر مما سمى، فلا يجوز أن يخالف الوكيل هذا الشرط، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا أنه إذا سمى للوكيل ثمنًا في البيع والشراء فخالف الوكيل ذلك أنه غير جائز" (¬3). الإمام أبو الحسن ابن القطان ت 628 هـ، فقال: "وإذا وكل رجلٌ رجلًا بأن يشتري له شيئًا، وسمى له شيئًا في الشراء والبيع، فخالف الوكيل؛ فذلك غير جائز على الموكل، لا أعلمهم يختلفون فيه" (¬4). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق على هذا الإجماع جمهور فقهاء الأمصار: الحنفية إلا أن أبا حنيفة قيده في البيع فقال بتوقفه على ¬
الإجازة (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3). ولم أعثر عند الشافعية على ما يتعلق بهذه المسألة قبولًا أو ردًّ، إلا أنه يفهم من نصوصهم موافقة الإجماع (¬4). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن تصرف الوكيل إنما صح ابتداء بالإذن، فاختص بما أذن له فيه (¬5). 2 - وأما جوازه في البيع عند الحنفية لأن الوكيل في الشراء متهم بالشراء لنفسه، فكان الشراء له، أما البيع فلا تهمة في أنه يبيع لنفسه، لعدم ملكه للمبيع (¬6). • الخلاف في المسألة: تأول بعض المالكية (¬7)، فقالوا بعدم جواز شراء ¬
[165/ 29] مسألة: إذا وكله بقبض دين على آخر فأبرأ الوكيل الغريم من الدين.
الوكيل بما سماه الموكل من الثمن، إذا كان وكله بشراء نوع مطلق كثوب ونحوه، إذا كان المسمى من الثمن لا يفي لشراء ما يلق بالموكل. كما خالف (¬1) بعضهم أيضًا، فيما لو باع الوكيل بأقل مما أمر به، وغرم النقص، فقالوا بصحته. • ودليلهم: أن مقصود الوكيل الثمن وقد حصل. ونوقش أن الموكل ليس ملزم بالتزام الوكيل بتحمل ما نقص لأنها نوع عطية لا يلزم قبولها (¬2). وفي رواية أن الإمام أحمد قال يصح في البيع ويضمن النقص، ولا يصح في الشراء وإن ضمن الزيادة (¬3).Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف على عدم جواز بيع الوكيل بثمن أقل من الذي سماه له الموكل، أو شراؤه بأكثر مما سمى. لكن لم ينعقد على صحة البيع وإن غرم النقص، أو صحة الشراء وإن غرم الزيادة لخالف من ذكر. [165/ 29] مسألة: إذا وكله بقبض دين على آخر فأبرأ الوكيل الغريم من الدين. إذا وكل رجل آخر بقبض دين من آخر لم يكن للوكيل إبراؤه منه، وعلى هذا أجمع أهل العلم، ونفوا الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا أن الرجلَ إذا وكَّل الرجلَ بقبض دين له على آخر، فأبرأ الوكيلُ الغريمَ من الدين الذي عليه أن ذلك غير جائز" (¬4). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "الوكيل لا يملك الإنكار على وجه يمنع الموكل من الإقرار، . . . ولا يملك ¬
[166/ 30] مسألة: حكم الوكالة إذا مات الموكل.
المصالحة عن الحق ولا الإبراء منه بغير خلاف نعلمه" (¬1). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) على الإجماع على عدم جواز إبراء الوكيل الغريم من الدين. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: لأن المال ليس ملكا له ولم يأذن له في التصرف بالإبراء (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذا.Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف في عدم جواز إبراء الوكيل الغريم من الدين. [166/ 30] مسألة: حكم الوكالة إذا مات الموكل. إذا مات الموكل بطلت الوكالة علم الوكيل أو لم يعلم، وقد نقل الإجماع والاتفاق في هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن الموكل إذا مات أن وكالته تنفسخ بموته" (¬7). ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "وتبطل أيضًا بموت أحدهما، أيهما كان، وجنونه المطبق، ولا خلاف في هذا كله فيما نعلم" (¬8). الإمام ابن القطان ¬
ت 628 هـ، فقال: "وأجمع المسلمون أن الموكل إذا مات بطلت الوكالة" (¬1). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: " (وتبطل الوكالة بموت الموكل وجنونه جنونًا مطبقًا ولحاقه بدار الحرب مرتدًا). ولا خلاف في هذه الأشياء" (¬2). الإمام المرداوي ت 885 هـ؛ فقال: "تبطل الوكالة بموت الوكيل أو الموكل بغير خلاف نعلمه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور أهل العلم من الحنفية (¬4)، والمالكية فى قول (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8) على الإجماع على بطلان الوكالة بموت الموكل. • مستند الإجماع والاتفاق ونفى الخلاف: 1 - لأن الموكل بموته لا يملك التصرف؛ فلا يملك غيره من جهته (¬9). ¬
2 - لأن التوكيل إنما يلزم بالأمر به ابتداء، ويلزم استدامه هذه الإذن تصرف غير لازم فيكون لدوامه حكم ابتدائه، فلا بد من قيام الأمر، وقد بطل بالموت (¬1). 3 - لأن الموكل خرج عن أهلية التصرف (¬2). 4 - لأن الوكيل فرع الموكل فيزول مع الوكالة بزوال أصله وهو الموكل. 5 - لأن الوكالة تعتمد الحياة، وقد فقدت الحياة (¬3). 6 - لأن الحق انتقل لغير الموكل من الورثة (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة المالكية (¬5) والحنابلة في رواية صوبها المرداوي (¬6) فقالوا بعدم عزل الوكيل قبل علمه بموت موكله، كما أن ابن حزم خالف ما ذكره في المحلى فنقل الاتفاق على أن تصرفات الوكيل مما لا غبن فيه ولا تعد قبل علمه بموت موكله صحيحة (¬7). أدلة هذا القول لم أقف لهم على دليل في هذه المسألةRعدم تحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في بطلان الوكالة بموت الموكل لخلاف المالكية في قول، والحنابلة في رواية، والظاهرية. ¬
[167/ 31] مسألة: ما فعله الوكيل بعد العلم بالموت يكون باطلا.
[167/ 31] مسألة: ما فعله الوكيل بعد العلم بالموت يكون باطلًا. ما يفعله الوكيل من بيع أو شراء أو غير ذلك من التصرفات بعد علمه بموت الموكل؛ يكون باطلًا، وقد نفي الشك في ذلك. • من نفى الشك: الإمام شمس الدين الزركشي الحنبلي ت 772 هـ؛ فقال: "إذا علم الوكيل بفسخ الموكل أو موته، فلا شك في بطلان ما فعله بعد ذلك" (¬1). • الموافقون على نفي الشك: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على نفي الشك في بطلان ما يفعله الوكيل بعد علمه بموت الموكل: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند نفي الشك: لأن وكالته قد انفسخت بموت موكله (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rهي تحقق نفي الشك في بطلان ما يفعله الوكيل بعد علمه بموت الموكل. ¬
[168/ 32] مسألة: ما فعله الوكيل قبل علمه بعزل الموكل يكون نافذا.
[168/ 32] مسألة: ما فعله الوكيل قبل علمه بعزل الموكل يكون نافذا. ما يفعله الوكيل قبل علمه بعزل موكله إياه؛ نافذ صحيح لازم للموكل ولمن بعده من الورثة، وقد نقل الاتفاق على هذا، كما نفي الشك فيه. • من نقل الاتفاق ونفى الشك: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا على أن الوكيل إذا أنفذ شيئًا مما وكل به ما بين بلوغ الخبر إليه وصحته عنده إلى حين عزل موكله له، أو موت الموكل مما لا غبن فيه ولا تعد؛ فإنه نافذ لازم للموكل ولورثته بعده" (¬1). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ؛ حيث قال: "واتفقوا على أنه إذا عزل الموكل الوكيل وعلم بذلك انعزل" (¬2). الإمام شمس الدين الزركشي الحنبلي ت 772 هـ؛ فقال: "إذا علم الوكيل بفسخ الموكل أو موته، فلا شك في بطلان ما فعله بعد ذلك" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق على الاتفاق ونفي الشك عن صحة تصرف الوكيل ولزومه للموكل الحنفية (¬4)، والمالكية في قول (¬5) والشافعية في ¬
قول (¬1) والحنابلة في رواية صوبها المرداوي (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن الوكيل يتصرف بأمر الموكل، ولا يثبت حكم الرجوع في حق المأمور قبل علمه كالفسخ (¬4). 2 - لأن الوكيل لو انعزل قبل علمه تضرر بذلك؛ إذ قد يتصرف على أنه وكيل تصرفات فتلحقه العهدة وتقع باطلة، وربما باع الجارية فيطؤها المشتري، أو باع الطعام فيأكله المشتري، أو غير ذلك فيتصرف فيه المشتري ويجب ضمانه، ويتضرر المشتري والوكيل (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة، فقال بانعزال الوكيل بعزل الموكل إياه، حتى ولو لم يعلم بالعزل، وعليه يكون تصرفه باطلًا غير نافذ ولا ملزم: المالكية في القول الآخر (¬6)، والشافعي في قول (¬7)، والحنابلة في ¬
[169/ 33] مسألة: ما فعله الوكيل بعد العلم بالعزل يكون باطلا.
الرواية الأخرى، وهي المذهب والأشهر، وهي ظاهر كلام الخرقي، وهي اختيار أكثر الحنابلة كأبي الخطاب والشريف وابن عقيل (¬1). أدلة المخالفين: لأنه قطع عقده لا يفتقر إلى رضا صاحبه؛ فلم يفتقر إلى علمه كالطلاق والعتاق (¬2).Rعدم تحقق الاتفاق ونفي الشك في صحة ونفاذ ما يفعله الوكيل قبل علمه بعزل موكله إياه؛ لخلاف أكثر الفقهاء كما سبق. [169/ 33] مسألة: ما فعله الوكيل بعد العلم بالعزل يكون باطلًا. ما يفعله الوكيل بعد العلم بعزله باطل غير نافذ، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا على أن الوكيل إذا أنفذ شيئًا مما وكل به ما بين بلوغ الخبر إليه وصحته عنده إلى حين عزل موكله له، أو موت الموكل مما لا غبن فيه ولا تعد؛ فإنه نافذ لازم للموكل ولورثته بعده" (¬3). قُلتُ: فإذا كان تصرف الوكيل إلى حين عزل الموكل نافذًا لازمًا؛ دل على أن ما ينفذه بعد العزل يكون باطلًا غير ملزم للموكل. الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ؛ حيث قال: "واتفقوا على أنه إذا عزل الموكل الوكيل وعلم بذلك انعزل" (¬4). ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "الوكالة عقد جائز من الطرفين فللموكل عزل وكيله متى شاء، وللوكيل عزل نفسه. . . وتبطل أيضًا بموت أحدهما، أيهما كان، وجنونه المطبق، ولا خلاف في هذا كله" (¬5). ¬
[170/ 34] مسألة: إذا عزل الوكيل نفسه انعزل.
• الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4) على الاتفاق على بطلان ما يفعله الوكيل بعد علمه بعزل الموكل إياه. • مستند الاتفاق: 1 - لأن في العزل إضرارًا بالوكيل من حيث إبطال ولايته، أو من حيث رجوع الحقوق إليه، فينقد من مال الموكل، ويسلم المبيع، فيضمنه فيتضرر به (¬5). 2 - لأن الوكيل متصرف، والعزل يمنع صحة التصرف (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rانعقاد الاتفاق على بطلان ما يفعله الوكيل بعد علمه بعزل الموكل إياه. [170/ 34] مسألة: إذا عزل الوكيل نفسه انعزل. إذا عزل الوكيل نفسه؛ انعزل وبطلت الوكالة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام الموفق ابن قدامة ت 625 هـ، فقال: "الوكالة عقد جائز من الطرفين فللموكل عزل وكيله متى شاء، وللوكيل عزل نفسه. . . وتبطل أيضًا بموت أحدهما، أيهما كان، وجنونه المطبق ولا خلاف في هذا ¬
كله" (¬1). الإمام أبو الحسن ابن القطان ت 628 هـ؛ فقال: "وأجمعوا أن الموكل إذا طلب رجوعه أن الوكالة باطلة" (¬2). الإمام القرطبي ت 671 هـ؛ فقال: "اتفق على أن الوكيل والحاكم وجميع من ناب عن غيره في شيء له أن يعزل نفسه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6) على الإجماع على أن الوكيل إذا عزل نفسه انعزل وبطلت الوكالة. • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - لأن الوكالة إذن في التصرف فجاز لكل واحد منهما إبطاله كالإذن في أكل طعامه (¬7). 2 - لأن العزل رفع للعقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه، وحيث لم يفتقر إلى رضا صاحبه في الرفع؛ فلا يفتقر إلى علمه. • الخلاف في المسألة: خالف الحنفية (¬8)، فقالوا الوكيل إذا عزل نفسه لم ينعزل إلا إذا علم موكله بالعزل. • أدلة هذا القول: لأن الوكيل متصرف بأمر موكله، وفي انعزاله بدون علم الموكل يترتب عليه فيه ضرر، فلا يصح رد أمره بغير حضرته، كالمودع لا يصح له رد الوديعة دون علم صاحبها ولو فعل ضمن. ¬
[171/ 35] مسألة: إذا مات الوكيل بطلت الوكالة.
Rعدم انعقاد الإجماع والاتفاق وتحقق نفي الخلاف في انعزال الوكيل بعزله نفسه، وبطلان الوكالة؛ لخلاف الحنفية. [171/ 35] مسألة: إذا مات الوكيل بطلت الوكالة. إذا مات الوكيل بطلت الوكالة، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "وتبطل أيضًا بموت أحدهما، أيهما كان، وجنونه المطبق، ولا خلاف في هذا كله فيما نعلم" (¬1). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: " (وكذا) ش: أي تبطل الوكالة عند م: (موت الوكيل) ش: لقيامها به، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬2). الإمام المرداوي ت 885 هـ؛ فقال: "تبطل الوكالة بموت الوكيل أو الموكل بغير خلاف نعلمه" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7) على نفي الخلاف في بطلان الوكالة بموت الوكيل. • مستند نفي الخلاف: 1 - لأن الوكيل لا يصح أمره بعد موته (¬8). 2 - لقيام الوكالة بالوكيل وقد مات (¬9). ¬
[172/ 36] مسألة: إذا جن الوكيل جنونا مطبقا بطلت الوكالة.
3 - لأن الوكالة تعتمد الحياة، وقد فقدت حياة القائم بها وهو الوكيل (¬1). 4 - لأن الوكالة ليست ملكا للوكيل وحقا له فتورث عنه (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أقف على قول مخالف في هذه المسألة.Rتحقق نفي الخلاف في بطلان الوكالة بموت الوكيل. [172/ 36] مسألة: إذا جن الوكيل جنونًا مطبقًا بطلت الوكالة. إذا جن الوكيل جنونًا مطبقًا؛ بطلت الوكالة، وقد نفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "وتبطل أيضًا بموت أحدهما؛ أيَّهُما كان، وجنونِهِ المطبق، ولا خلاف في هذا كله فيما نعلم" (¬3). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في كون الوكالة تبطل بجنون الوكيل إن كان الجنون مطبقًا جمهور أهل العلم من الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة على الصحيح عندهم (¬7). • مستند نفي الخلاف: 1 - لأن الوكيل في جنونه عاجز عن القبض وأداء الأمانة في المقبوض (¬8). ¬
[173/ 37] مسألة: إذا جن الموكل جنونا مطبقا بطلت الوكالة.
2 - لأن الجنون المطبق مبطل لأهلية المكلف (¬1). 3 - لأن الجنون إن لم يكن مطبقًا فقد أشبه النوم، فلا ينقطع بغير المطبق (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في هذه المسألة على قول عندهم، فقالوا إذا جن الوكيل بطلت الوكالة مطلقًا ولو قربت الإفاقة منه (¬3). وفي رواية للحنابلة أن الوكالة لا تبطل إذا جن الوكيل (¬4). • أدلة هذا القول: لم أجد لهم دليلًا على هذا القول.Rعدم تحقق نفي الخلاف ببطلان الوكالة بجنون الوكيل جنونًا مطبقًا؛ لخلاف الشافعية في قول والحنابلة في غير الصحيح. [173/ 37] مسألة: إذا جن الموكل جنونًا مطبقًا بطلت الوكالة. الموكل إذا جن جنونًا مطبقًا؛ أي لا يفيق منه؛ بطلت الوكالة، وقد نفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 625 هـ؛ فقال: "وتبطل أيضًا بموت أحدهما؛ أيهما كان، وجنونِهِ المطبق، ولا خلاف في هذا كله فيما نعلم" (¬5). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: " (وتبطل الوكالة بموت الموكل وجنونه جنونًا مطبقًا ولحاقه بدار الحرب مرتدًا). . ولا خلاف في هذه الأشياء" (¬6). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على بطلان وكالة الموكل بجنونه جنونا مطبقًا جمهور أهل العلم من الحنفية (¬7)، والشافعية إذا طال جنونه، وإذا لم يطل ¬
أيضًا فهو الظاهر من المذهب (¬1)، وأكثر الحنابلة، وهو الصحيح عندهم (¬2). • مستند نفي الخلاف: 1 - لأن الموكل لما صار بالجنون باطل التصرف؛ كان تصرف من توكل من جهته أبطل (¬3). 2 - لأن الوكيل إنما انتصب نائبًا عن الموكل باعتبار رأي الموكل، وقد خرج الموكل بالجنون المطبق من أن يكون أهلًا للرأي، وصار مولى عليه؛ فبطلت الوكالة (¬4). 3 - لأن التوكيل تصرف غير لازم فيكون لدوامه حكم ابتدائه فلا بد من قيام الأمر، وقد بطل بالجنون (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة المالكيةُ فقالوا بعدم بطلان وكالة الموكل وإن جن وطال جنونه جدًّا ولم يبرأ منه؛ لكن ينظر له الحاكم (¬6). والشافعيةُ في غير الظاهر عندهم، وهو قولُ أبي العباس ابن سريج منهم: أن جنونه إذا لم يطل، وفاق منه سريعًا؛ لم تبطل الوكالة؛ لا سيما إذا صار مألوفًا (¬7). والحنابلةُ في رواية أنها لا تبطل (¬8). ¬
[174/ 38] مسألة: لا تبطل الوكالة إذا ناما جميعا أو نام أحدهما.
أدلة رأي الشافعية: لأن قصر مدت الجنون وسرعة الإفاقة منه تجعله عفوًا كالنوم؛ لانتفاء الخوف عنه (¬1).Rعدم تحقق نفي الخلاف في بطلان وكالة الموكل بجنونه؛ لخلاف مَن سبق مِن المالكية وغيرهم. [174/ 38] مسألة: لا تبطل الوكالة إذا ناما جميعًا أو نام أحدهما. نوم الوكيل والموكل جميعًا أو نوم أحدهما لا يبطل الوكالة، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا جميعًا أن نومهما أو نوم أحدهما لا يبطل الوكالة" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم من الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) على عدم بطلان الوكالة بنوم الوكيل والموكل جميعًا. ولم نجد عند المالكية تطرقًا لهذه المسألة بقبول أو رد. • مستند الإجماع: 1 - لانتفاء الخوف بالنوم عن الوكيل والموكل (¬6). 2 - لأن النوم لا يترتب عليه انقطاع الرأي به؛ فلا يصيران مولى عليهما (¬7). 3 - لأن الوكيل والموكل لا يخرجان بالنوم عن أهلية التصرف (¬8). ¬
[175/ 39] مسألة: إذا وكل الأب في مال ابنه الطفل وكيلا ومات الأب بطلت الوكالة.
• الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع على عدم بطلان الوكالة بنوم الوكيل والموكل أو أحدهما. [175/ 39] مسألة: إذا وكل الأب في مال ابنه الطفل وكيلًا ومات الأب بطلت الوكالة. إذا وكل الأب في مال ابنه وكيلًا ثم مات؛ انقطعت الوكالة وبطلت، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وإذا وكل الأب في ماله ابنه الطفل وكيلًا يبيع ويشتري أو غير ذلك ثم مات الأب انقطعت الوكالة" (¬1). • الموافقون على الإجماع: لم أجد من نص على هذه المسألة إلا الحنفية (¬2) إلا أن جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم من المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، الظاهرية (¬6). على الإجماع على هذه المسألة. • مستند الإجماع: 1 - لأن الموكل سواء كان أبا أو لا، فبموته لا يملك التصرف لذا لم ¬
[176/ 40] مسألة: إن قال وكلتك في شراء كذا في وقت كذا صح التقييد.
يملك الوكيل من جهته التصرف (¬1). 2 - لأن الأب بموته قد انقطع رأيه، وتصوف وكيله كان باعتبار أن للأب رأي وولايته وقد زالت (¬2). 3 - لأن الأب بعد موته لا يصح أمره (¬3). 4 - لأن الموكل وهو الأب خرج بالموت عن أهلية التصرف (¬4). 5 - لأن الوكيل فرع الموكل فيزول الوكيل مع الوكالة بزوال أصله وهو الموكل، ولأن الوكالة تعتمد الحياة، وقد فقدت الحياة (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أجد خلافًا في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع على بطلان وكالة الأب الموكل بموته. [176/ 40] مسألة: إن قال وكلتك في شراء كذا في وقت كذا صح التقييد. إذا قيد الموكل الوكيل بشراء شيء معين سواء أكان بعينه أو بوصفه في وقت معين؛ صح هذا التقييد، ولزم الوكيل. • من نقل الإجماع: الإمام الكاساني ت 587 هـ، فقال: "فالتوكيل بالشراء لا يخلو: إما إن كان مطلقًا أو مقيدًا؛ فإن كان مقيدًا؛ يراعي فيه القيدُ إجماعًا" (¬6). الإمام الموفق ابن قدامة ت 618 هـ؛ حيث قال: "ولو قال وكلتك في شراء كذا في وقت كذا؛ صح بلا خلاف" (¬7). الإمام ابن القطان ت 628 هـ، فقال: "وإذا وكل رجلٌ رجلًا بأن يشتري له شيئًا، وسمى له شيئًا في الشراء والبيع، فخالف الوكيل؛ فذلك غير جائز على ¬
الموكل، لا أعلمهم يختلفون فيه" (¬1). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) على نفي الخلاف في كون الوكيل ملزم بما قيده به الموكل. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن الوكيل لا يملك مخالفة القيد (¬6). 2 - لأن الأصل في القيد اعتباره إلا قيدًا لا يفيد اعتباره (¬7). 3 - لأن تصرف الوكيل ملك بالإذن فاختص بما أذن فيه (¬8). 4 - لأنه الموكل بالقيد نص على أمر له فيه غرض فلم يجز للوكيل تفويته (¬9). • الخلاف في المسألة: لم أقف على مخالف في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف في كون الوكيل إذا قيد بشراء شيء معين في زمن معين؛ ملزمًا بما قيده به الموكل. ¬
[177/ 41] مسألة: إذا عين الموكل للوكيل المشتري تعيين.
[177/ 41] مسألة: إذا عين الموكل للوكيل المشتري تعيين. إذا عين الموكل للوكيل رجلًا يشتري منه، ولا يتعداه إلى غيره؛ لم يجز بيعه لغيره؛ فإن خالف فباعه لآخر غير المعين؛ لم يلزم الموكل، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام الكاساني ت 587 هـ، فقال: "فالتوكيل بالشراء لا يخلو: إما إن كان مطلقًا أو مقيدًا؛ فإن كان مقيدًا؛ يراعي فيه القيدُ إجماعًا" (¬1). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "وإن عين له المشتري فقال: بعه فلانًا لم يملك بيعه لغيره بغير خلاف علمناه" (¬2). الإمام ابن القطان، فقال: "وإذا أمره الموكل ببيع عبده من رجل فباعه من رجل آخر؛ لم يجز البيع في قولهم جميعًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم من الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7) على الإجماع على عدم جواز مخالفة الوكيل قيد موكله في تعيين المشتري. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن الموكل قد يكون له غرض في تمليك المشتري المعين المبيع دون غيره (¬8). ¬
[178/ 42] مسألة: جواز التوكيل من المرتدة.
2 - لأن الوكيل لا يملك من التصرف إلا ما يقتضيه إذن موكله من جهة النطق (¬1). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد من أهل العلم في هذه المسألة إلا ما سبق نقله عن الحنابلة من صحة بيعه لغير من عَيّن إن كان هناك قرينة أنه لا غرض للموكل في عين المشتري.Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف في عدم جواز مخالفة الوكيل قيد موكله في تعيين المشتري. وخلاف الحنابلة والشافعية لا يعود على الإجماع بالنقض، لأن رواية الحنابلة وقول الغزالي من الشافعية المُقَيِّدة لهذه المسألة هو عند العلم بعدم قصد التعيين، ويعرف العلم بالقصد بالتصريح أو بالقرينة عند عدم التصريح. وعليه فقولهم ليس واردًا على محل الإجماع لما ذكر. [178/ 42] مسألة: جواز التوكيل من المرتدة. للمرتدة حال كونها مرتدة أن توكل غيرها فيما تملك مباشرتها بنفسها، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ حيث قال: "ويجوز التوكيل من المرتدة بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع على جواز التوكيل من المرتدة حال كونها مرتدة: الحنفية (¬3)، والشافعية في غير الأظهر عندهم (¬4)، والحنابلة في وجه (¬5). ¬
[179/ 73] مسألة: المرتدة إذا ماتت بطلت وكالتها.
• مستند الإجماع: 1 - لأن تصرفات المرتدة نافذة بلا خلاف، لذا صحت أن توكل غيرها (¬1). 2 - لأن ردة المرأة لا تؤثر في صحة عقودها وتصرفاتها (¬2). 3 - لأن المرأة بعد الردة تبقى مالكة للتصرف بنفسها (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في عين هذه المسألة [أي بالنص على المرأة المرتدة] غير أن الشافعية في الأظهر عندهم (¬4) يرون عدم صحة التوكيل من المرتد من غير تفريق بين امرأة أو رجل. وللحنابلة وجهان غير ما سبق ذكره من موافقة الإجماع وهما التوقف، وقيل تبطل، وهو الصحيح من المذهب (¬5). • أدلة هذا القول: لم أجد أقف على دليل لهم.Rعدم انعقاد الإجماع على جواز توكيل المرتدة غيرها فيما تملك التصرف فيه بنفسها حال كونها مرتدة؛ لخلاف الشافعية في غير الأظهر والحنابلة في الصحيح عندهم. [179/ 73] مسألة: المرتدة إذا ماتت بطلت وكالتها. الموت يبطل الوكالة، سواء أكان الموكل باقيًا على دينه أم مرتدًا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن الموكِّل إذا مات أن وكالته تنفسخ بموته" (¬6). الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ حيث ¬
قال: "وإن كان الموكل امرأة فارتدت، فالوكيل على وكالته حتى تموت أو تلحق بدار الحرب إجماعًا" (¬1). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "وتبطل أيضًا بموت أحدهما، أيهما كان، وجنونه المطبق، ولا خلاف في هذا كله فيما نعلم" (¬2). الإمام ابن القطان ت 628 هـ؛ فقال: "وأجمع المسلمون أن الموكل إذا مات بطلت الوكالة" (¬3). الإمام ابن الهمام ت 861 هـ؛ فقال: "تصرف الوكيل نافذ قبل موت موكلته المرتدة أو لحوقها بدار الحرب بالإجماع (¬4). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: " (وتبطل الوكالة بموت الموكل وجنونه جنونًا مطبقًا ولحاقه بدار الحرب مرتدًا). . ولا خلاف في هذه الأشياء" (¬5). الإمام المرداوي ت 885 هـ؛ فقال: "تبطل الوكالة بموت الوكيل أو الموكل بغير خلاف نعلمه" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على بطلان وكالة المرتدة إذا ماتت جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، والظاهرية (¬11). ¬
[180/ 44] مسألة: المرتدة إذا لحقت بدار الحرب بطلت وكالتها.
مستند الإجماع ونفى الخلاف: 1 - لأن الميتة لا تملك التصرف بنفسها، فلا يملكه غيرها التصرف من جهتها (¬1). 2 - لأن الميتة بطل أهليتها بالموت؛ فبطلت الوكالة (¬2). 3 - لأن الوكيل فرع موكله، تزول وكالته بزوال أصله، وهو الموكل (¬3). 4 - لأن الوكالة قائمة على الحياة ومعتمدة عليها وقد فقدت الحياة (¬4). 5 - لأن الميت لا يملك الحق؛ لانتقاله لغيره من الورثة (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة إلا ما سبق أن ورد في مسألة حكم الوكالة إذا مات الموكل.Rوالذي يظهر إلحاق الخلاف في هذه المسألة بما سبق أن ورد في حكم الوكالة إذا مات الموكل، لذا تكون النتيجة عدم انعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف في بطلان الوكالة بموت المرأة المرتدة. [180/ 44] مسألة: المرتدة إذا لحقت بدار الحرب بطلت وكالتها. إذا ارتدت المرأة فلحقت بدار الحرب بطلت وكالتها، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ حيث قال: "وإن كان الموكل امرأة فارتدت، فالوكيل على وكالته حتى تموت أو تلحق بدار الحرب إجماعًا" (¬6). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: " (وتبطل الوكالة بموت الموكل وجنونه ¬
جنونًا مطبقًا ولحاقه بدار الحرب مرتدًا). ولا خلاف في هذه الأشياء" (¬1). الإمام ابن الهمام؛ فقال: "تصرف الوكيل نافذ قبل موت موكلته المرتدة أو لحوقها بدار الحرب بالإجماع (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع على بطلان وكالة المرتدة إذا لحقت بدار الحرب جمهور الفقهاء: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية في غير الظاهر عندهم (¬5)، وكذا الحنابلة في أحد الوجهين عندهم (¬6). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن ملك الموكل قد زال بردته، والوكالة متعلقة بملك الموكل، لذا بطلت الوكالة لورودها على محل غير صالح للتوكيل (¬7). 2 - لأن الوكالة لْوع من التصرفات، والمرتد تبطل تصرفاته الردة (¬8). 3 - لأن الوكالة من العقود الجائزة، ويشترط لبقاء عقد الوكالة، ما يشترط ¬
[181/ 45] مسألة: إذا ارتد الموكل ولحق بدار الحرب بطلت وكالته.
في ابتدائه، واستصحابه في جميع الأزمان، وقد زال باللحوق بدار الحرب (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذا الشافعية في الظاهر عندهم (¬2)، والحنابلة في الوجه الثاني عندهم (¬3)، فقالوا بعدم بطلان الوكالة بردة الموكل، وعليه فلا ينعزل الوكيل. • أدلة هذا الرأي: 1 - لأنه يصح تصرفه لنفسه الموكل لنفسه؛ فلم تبطل الوكالة، كما لو لم يلحق بدار الحرب (¬4). 2 - لأن العدالة لا تشترط في ابتداء الوكالة فلا فزوالها لا ينمنع استدامتها كسائر الكفر. . 3 - لأن ملكه لم يزل بردته ولحاقه بدار الحرب (¬5).Rعدم انعقاد الإجماع وعدم تحقق نفي الخلاف في بطلان وكالة المرتدة إذا لحقت بدار الحرب لخلاف من سبق. [181/ 45] مسألة: إذا ارتد الموكل ولحق بدار الحرب بطلت وكالته (¬6). إذا ارتد الموكل ولحق بدار الحرب؛ بطلت الوكالة، وقد نقل إجماع أهل ¬
العلم على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ حيث قال: "وإن كان الموكل امرأة فارتدت، فالوكيل على وكالته حتى تموت أو تلحق بدار الحرب إجماعًا" (¬1). الإمام الزيلعي ت 743 هـ؛ فقال: " (وموت أحدهما وجنونه مطبقًا ولحوقه مرتدًا): يعني تبطل بهذه الأشياء أيضًا؛ لأن الوكالة عقد جائز غير لازم. . . والمراد بلحاقه بدار الحرب مرتدا أن يحكم الحاكم بلحاقه؛ لأن لحاقه لا يثبت إلا بحكم الحاكم، فإذا حكم به بطلت الوكالة بالإجماع" (¬2). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: " (وتبطل الوكالة بموت الموكل وجنونه جنونًا مطبقًا ولحاقه بدار الحرب مرتدًا). . ولا خلاف في هذه الأشياء" (¬3). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق على الإجماع على بطلان الوكالة إذا ارتد الموكل فقهاء: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية في غير الظاهر عندهم (¬6)، وكذا الحنابلة في أحد الوجهين عندهم (¬7). ¬
• مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن ملك الموكل قد زال بردته، والوكالة متعلقة بملك الموكل، لذا بطلت الوكالة لورودها على محل غير صالح للتوكيل (¬1). 2 - لأن الوكالة نوع من التصرفات، والمرتد تبطل تصرفاته الردة (¬2). 3 - لأن الوكالة من العقود الجائزة، ويشترط لبقاء عقد الوكالة، ما يشترط في ابتدائه، واستصحابه في جميع الأزمان، وقد زال باللحوق بدار الحرب (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذا الشافعية في الظاهر عندهم (¬4)، والحنابلة في الوجه الآخر (¬5)، فقالوا بعدم بطلان الوكالة بردة الموكل، وعليه فلا ينعزل الوكيل. • أدلة هذا الرأي: 1 - لأنه يصح تصرفه لنفسه الموكل لنفسه؛ فلم تبطل الوكالة، كما لو لم يلحق بدار الحرب (¬6). 2 - لأن العدالة لا تشترط في ابتداء الوكالة فلا فزوالها لا ينمنع استدامتها كسائر الكفر. . 3 - لأن ملكه لم يزل بردته ولحاقه بدار الحرب (¬7). ¬
[182/ 46] مسألة: العلم بالتوكيل شرط لصحة الوكالة.
Rعدم انعقاد الإجماع وعدم تحقق نفي الخلاف في بطلان وكالة المرتد إذا لحق بدار الحرب لخلاف من سبق. [182/ 46] مسألة: العلم بالتوكيل شرط لصحة الوكالة. علم الوكيل بالوكالة شرط لصحتها، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام الكاساني ت 587 هـ، حيث قال: "لا خلاف في أن العلم بالتوكيل في الجملة شرط، إما علم الوكيل، وإما علم من يعامله" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق الحنفية (¬2) على نفي الخلاف في اشتراط علم الوكيل بالوكالة. ولم أجد عند المالكية نصًّا في هذه المسألة بقبول أو رد، إلا أنهم أشاروا إلى أن قبول الوكالة إذا تأخر عن علم الوكيل بها؛ فعلى قولين عند مالك (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - لأنها لو لزمت قبل علمه بها للحقه ضرر، لذا لم تلزم لدفع الضرر عنه (¬4). 2 - لأن حكم الموكل لا يلزم الوكيل إلا بعد أن يعلم ما وكل فيه، مع قدرة الوكيل على اكتساب سبب العلم بالموكل به، كما أن خطاب الشارع لا يلزم إلا بالعلم به (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فلم يشترط علم الوكيل بالتوكيل الشافعية (¬6)، ¬
[183/ 47] مسألة: جواز بيع الوكيل بعض ما وكل فيه مما لا ضرر في تبعيضه.
والحنابلة (¬1). • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن الاعتبار في العقود هو بما عليه الأمر نفسه، وهو في الأمر نفسه وكيل وإن لم يعلم (¬2).Rعدم تحقق نفي الخلاف في اشتراط علم الوكيل بالوكالة؛ لخلاف الشافعية والحنابلة. [183/ 47] مسألة: جواز بيع الوكيل بعض ما وكل فيه مما لا ضرر في تبعيضه. إذا باع الوكيل بعض ما وكل فيه مما لا ضرر في تبعيضه كبيع عبد من عبدين أو فرس من فرسين أو أردب من أردبين، جاز، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام السمرقندي ت 539 هـ؛ فقال: "أما إذا باع الوكيل بعض ما وكل ببيعه؛ فهو على وجهين: إن كان ذلك مما لا ضرر في تبعيضه جاز بالاتفاق مثل المكيل والموزون" (¬3). الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ فقال: "ولو باع الوكيل بعض ما وكل ببيعه فهو على وجهين: إما أن كان ذلك مما لا ضرر في تبعيضه، كالمكيل والموزون بأن كان وكيلًا ببيع عبدين فباع أحدهما؛ جاز بالإجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، ¬
[184/ 48] مسألة: إذا اشترى الوكيل نصف ما وكل فيه مما في تبعيضه ضرر لم يلزم الموكل.
والحنابلة (¬1) على الإجماع على جواز بيع الوكيل بعض ما وكل فيه مما لا ضرر فى تبعيضه. ولم أعثر للمالكية على نص إلى هذه المسألة بقبول أو ردٍّ. • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - لأن تبعيض الموكل فيه، مما لا يضره التبعيض؛ فلا ضرر على الموكل في بيع بعضه (¬2). 2 - لأن الوكيل لما ملك التصرف في كل الموكل فيه، ملك التصرف في بعضه (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذا.Rانعقاد الإجماع والاتفاق على جواز بيع الوكيل بعض ما وكل فيه مما لا ضرر في تبعيضه. [184/ 48] مسألة: إذا اشترى الوكيل نصف ما وكل فيه مما في تبعيضه ضرر لم يلزم الموكل. إذا اشترى الوكيل نصف ما وكل فيه مما في تبعيضه ضرر، كشراء نصف جارية أو عبد؛ فالشراء لا يلزم الموكل، ويكون موقوفًا، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. ¬
• من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ فقال: "ولو كان وكيلًا بالشراء فاشترى نصفه [أي العبد] لم يلزم الآمر إجماعًا إلا أنه يشتري الباقي ويجيزه الموكل" (¬1). الإمام ابن نجيم ت 970 هـ؛ فقال: "لو وكله بشراء عبد فاشترى نصفه فالشراء موقوف اتفاقًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على كون شراء الوكيل نصف ما وكل بشرائه غير لازم للموكل: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). ولم أعثر للمالكية على نص أو إشارة إلى هذه المسألة بقبول أو رد. • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - لأن شراء الوكيل نصف ما لا يتبعض أو يضره التبعيض كعبد مثلًا يترتب عليه من المشاركة ما يستضر بها الموكل (¬6). 2 - لأن شرا الوكيل نصف ما وكل فيه ليس شراء كاملًا، فنصف العبد ليس بعبد، فيكون مخالفًا وغير ممتثل أمر الآمر (¬7). 3 - لأن الموكل يتضرر بالتبعيض، ولم يوجد التصريح فيه من الآمر، أو لم يجر به عرف؛ فلم يجز (¬8). ¬
[185/ 49] مسألة: إذا أذن الموكل للوكيل بتوكيل الغير جاز له التوكيل.
• الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذا.Rانعقاد الإجماع والاتفاق على كون شراء الوكيل نصف ما وكل بشرائه كاملًا مما يتضرر الموكل بتبعيضه غير لازم للموكل. [185/ 49] مسألة: إذا أذن الموكل للوكيل بتوكيل الغير جاز له التوكيل. إذا أذن الموكل للوكيل في توكيل غيره؛ جاز، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الوكيل إذا أراد أن يوكل وقد جعل إليه الموكل ذلك في كتاب الوكالة؛ أن له أن يوكل غيره" (¬1). الإمام ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "لا يخلو التوكيل من ثلاثة أحوال أحدها: . . . الثاني: أذن له في التوكيل فيجوز له ذلك. . ولا نعلم في هذين خلافًا" (¬2). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: "الوجه الثاني: أن يأذن [أي الموكل] له [أي للوكيل] في التوكيل؛ يوكل غيره بغير خلاف" (¬3). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على جواز توكيل الوكيل غيره بإذن موكله: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعيةُ في وجه (¬6)، ¬
والحنابلة في رواية (¬1). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن الموكل أجاز صنع الوكيل على العموم، والتوكيل من صنعه، فيجوز لوجود الرضا من الموكل (¬2). 2 - لأنه عقد أذن للوكيل فيه؛ فكان له التوكيل كالمصرف المأذون فيه (¬3). 3 - لأن الوكيل مأمور بإعمال رأيه، وقد عمل بأن يوكل غيره (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف هذا الإجماع الشافعيةُ في الوجه الآخر (¬5)، والحنابلة في الرواية الأخرى (¬6)؛ فقالوا بجواز توكيل الوكيل وإن لم يأذن الموكل؛ إن كان الوكيل لا يحسن ما وكل فيه، أو لا يليق به، أو كثر وعجز عن الإتيان بكله. • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن "معنى توكيله فيه وهو لا يحسن الصنعة؛ استنابتُه في توكيل من يحسنها" (¬7). ¬
[186/ 50] مسألة: إذا نهى الموكل الوكيل عن توكيل الغير لم يجز له التوكيل.
2 - لأن الضرورة دعت إليه فيما لا يمكن بخلاف الممكن (¬1). وخالف الحنابلة أيضًا فقالوا بجواز توكيل الوكيل مطلقًا دون القيود السابقة (¬2). ودليلهم في ذلك أن للوكيل أن يتصرف بنفسه، فله أن يفوض ذلك إلى نائبه كالمالك (¬3). كما خالف ابن أبي ليلى فيما حكي عنه، فقال للوكيل التوكيل للغياب أو المرض فقط دون ذكر الإذن أو عدمه (¬4).Rعدم انعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف في أن للوكيل أن يوكل غيره بإذن الموكل لخلاف الشافعية والمالكية وابن أبي ليلى. [186/ 50] مسألة: إذا نهى الموكل الوكيل عن توكيل الغير لم يجز له التوكيل. إذا نهى الموكل الوكيل بتوكيل الغير، فلا يجوز أن يوكل غيره، فإن وكل كان توكيله باطلًا، وقد نقل الاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الاتفاق ونفى الخلاف: الإمام الماوردي ت 450 هـ؛ فقال: "لا يخلو حال الموكل معه [أي مع وكيله] من ثلاثة أحوال، أحدها: أن ينهاه في عقد وكالته عن توكيل غيره؛ فلا يجوز له مع النهي أن يوكل غيره؛ فإن فعل كان توكيله باطلًا، وهذا متفق عليه" (¬5). الإمام ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "لا يخلو التوكيل من ثلاثة أحوال أحدها: أن ينهي الموكل وكيله عن التوكيل فلا يجوز له ذلك بغير خلاف. . الثاني: أذن له في التوكيل فيجوز له ذلك. . ولا نعلم في هذين خلافًا" (¬6). ¬
[187/ 51] مسألة: لو خاصم الموكل الوكيل إلى القاضي قبل أن يشتري الوكيل الباقي مما لا يتبعض، وألزم القاضي الوكيل ثم إن الوكيل اشترى الباقي بعد ذلك يلزم الوكيل.
• الموافقون على الاتفاق ونفي الخلاف: وافق جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1) والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4) على الإجماع على عدم جواز توكيل الوكيل غيره عند النهي. • مستند الاتفاق ونفي الخلاف: لأن ما نهي الوكيل عن فعله، غير داخل في إذن الموكل؛ فلم يجز كما لو لم يوكله (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في المسألة.Rانعقاد الاتفاق وتحقق نفي الخلاف في بطلان توكيل الوكيل إذا نهاه الموكل عن ذلك. [187/ 51] مسألة: لو خاصم الموكل الوكيل إلى القاضي قبل أن يشتري الوكيل الباقي مما لا يتبعض، وألزم القاضي الوكيل ثم إن الوكيل اشترى الباقي بعد ذلك يلزم الوكيل. إذا وكل الموكِّلُ الوكيلَ في شراء شيء بعينه، فخالف، فاشتراه على غير صفته؛ كان وكل بشراء عبد فاشترى نصفه، أو بشراء جارية للخدمة فاشترى جارية مقطوعة اليدين أو الرجلين أو عمياء، فإنه ينفذ على الوكيل ويلزمه الضمان لا الموكل (¬6)، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام الكاساني ت 587 هـ، فقال: "الوكيل بشراء عبد بعينه إذا اشترى نصفه فالشراء موقوف: إن اشترى باقيه قبل الخصومة لزم ¬
الموكلَ [أي الضمان] عند أصحابنا الثلاثة؛ لأنه امتثل أمر الوكيل، وعند زفر يلزم الوكيل، ولو خاصم الموكل الوكيلَ إلى القاضي قبل أن يشتري الوكيل الباقي، وألزم القاضي الوكيلَ ثم إن الوكيل اشترى الباقي بعد ذلك؛ يلزم الوكيلَ إجماعًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) على الإجماع على لزوم الوكيل ضمان ما خالف فيه موكله. • مستند الإجماع: 1 - لأن العرف إذا أطلق في بيع العبد وشرائه فإنه يحمل على جميعه؛ فحملت الوكالة على هذا الإطلاق (¬6). 2 - لأن في التبعيض ضررًا بالموكل (¬7). 3 - لزوم الموكَّل به للوكيل؛ لأنه خالف (¬8). ¬
[188/ 52] مسألة: تعلق الحقوق بالوكيل.
4 - لأن على الوكيل أن يضمن ما فوت على المالك، والتبعيض فيه تفويت لغرضه (¬1). • الخلاف في المسألة: لم يوقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع على لزوم الوكيل ما بقي من نصف المشترى إذا قضى الحاكم بلزوم النصف الأول للوكيل لمخالفته. [188/ 52] مسألة: تعلق الحقوق (¬2) بالوكيل. كل عقدٍ يضيفه الوكيل إلى نفسه مثل البيع والإجارة فحقوق ذلك العقد تتعلق بالوكيل دون الموكل، فيسلم المبيع، ويقبض الثمن، ويطالب بالثمن إذا اشترى، ويقبض المبيع، ويخاصم بالعيب (¬3)، ونحو ذلك من الحقوق، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمريض العاجز عن الخروج إلى مجلس الحكم، والغائب عن المصر، يوكل كل واحد منهما وكيلًا يطالب له حقه، ويتكلم عنه" (¬4). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "اتفقوا على جواز الوكالة في البيع والشراء وحفظ المتاع وقبض الحقوق من الأموال ودفعها والنظر في الأموال" (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق على الإجماع على تعلق الحقوق بالوكيل دون الموكل فقهاء الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]. 2 - وقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} [النجم: 39]. قال الإمام الكاساني في معرض استدلاله بهاتين الآيتين: "الوكيل هو العاقد حقيقة فكانت حقوق العقد راجعة إليه، كما إذا تولى الموكل بنفسه، ولا شك أن الوكيل هو العاقد حقيقة؛ لأن عقده كلامه القائم بذاته حقيقة، ويستحيل أن يكون الإنسان فاعلًا بفعل الغير حقيقة، وهذه حقيقة مقررة بالشريعة. قال اللَّه عز وجل: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} [النجم: 39] وقال اللَّه عز شأنه: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} " (¬3). 3 - لأن "الأصل أن كل عقد لا يحتاج فيه إلى إضافته إلى الموكل ويكتفي فيه بالإضافة إلى نفسه فحقوقه راجعة إلى العاقد" (¬4). 4 - "لأن العقد يقوم بالكلام وصحة عبارة الوكيل لكونه آدميًّا، وكذا حكمًا؛ لأنه يستغنى عن إضافة العقد إلى الموكل، ولو كان سفيرًا عنه ما استغنى عن ذلك كالرسول، وإذا كان كذلك كان أصيلًا في الحقوق فتتعلق به" (¬5). ¬
[189/ 53] مسألة: انعزال الوكيل ببعث الكتاب.
• الخلاف فى المسألة: خالف الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2) في هذه المسألة، فقالوا: تتعلق الحقوق بالموكل وينتقل الملك إليه. هذا على أن الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4) يرون أيضًا جواز التوكيل بمطالبة الحقوق واستيفائها والإبراء منها ونحو ذلك من الحقوق. • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن الوكيل قَبِلَ عقدًا لغيره صح له؛ فوجب أن ينتقل الملك إلى الغير، وهو الموكل كالأب والوصي، وكما لو تزوج له (¬5).Rعدم تحقق الإجماع والاتفاق على كون الحقوق تتعلق بالوكيل لخلاف الشافعية والحنابلة. [189/ 53] مسألة: انعزال الوكيل ببعث الكتاب. إذا بلغ الوكيل كتاب من موكله بالعزل إنعزل به، وفقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام ابن الهمام ت 861 هـ؛ فقال: "العلم بالعزل في باب الوكالة حصل بأسباب متعددة، منها: حضور صاحبه، ومنها بعث الكتاب ووصوله إليه، ومنها إرسال الرسول وتبليغ الرسالة، ومنها إخبار واحد عدل أو اثنين غير عدلين بالإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع على أن العلم بعزل الوكيل عن الوكالة يحصل ببعث الكتاب ووصوله إليه: الحنفية (¬7)، والشافعية في قول ¬
[190/ 54] مسألة: انعزال الوكيل بخبر الرسول.
الأصح خلافه (¬1). ولم أعثر للمالكية والحنابلة على نص أو إشارة إلى هذه المسألة بقبول أو رد. • مستند الإجماع: 1 - لأن كتاب الغائب كخطابه لو كان حاضرًا (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في الأصح عندهم في هذه المسألة فقالوا: لا يكفي الكتاب المجرد (¬3).Rعدم انعقاد الإجماع على أن العلم بعزل الوكيل عن الوكالة يحصل ببعث الكتاب ووصوله إليه، لخلاف الشافعية في الأصح. [190/ 54] مسألة: انعزال الوكيل بخبر الرسول. انعزال الوكيل عن الوكالة يحصل بأمور منها: حضور الموكل، أو إرسال الرسول وتبليغه الرسالة. . وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن الهمام ت 861 هـ؛ فقال: "العلم بالعزل في باب الوكالة يحصل بأسباب متعددة، منها: حضور صاحبه، ومنها بعث الكتاب ووصوله إليه، ومنها إرسال الرسول وتبليغ الرسالة، ومنها إخبار واحد عدل أو اثنين غير عدلين بالإجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع على أن العلم بعزل الوكيل عن الوكالة يحصل بخبر الرسول: الحنفية (¬5)، والشافعية بشرط أن يكون ¬
[191/ 55] مسألة: انعزال الوكيل بإخبار عدل واحد.
الرسول مقبول الرواية (¬1). ولم أعثر للمالكية والحنابلة على نص أو إشارة إلى هذه المسألة بقبول أو رد. • مستند الإجماع: 1 - لأن الرسول قائم مقام المرسِل، معبر وسفير عنه؛ فتصح سفارته بعد أن صحت عبارته على أي صفة كان (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على من خلاف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع على أن العلم بعزل الوكيل عن الوكالة يحصل بخبر الرسول. [191/ 55] مسألة: انعزال الوكيل بإخبار عدل واحد. انعزال الوكيل عن الوكالة يحصل بأمور منها: إخبار الوكيل. . وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن الهمام ت 861 هـ؛ فقال: "العلم بالعزل في باب الوكالة يحصل بأسباب متعددة منها حضور صاحبه ومنها بعث الكتاب ووصله إليه ومنها إرسال الرسول وتبليغ الرسالة ومنها إخبار واحد عدل أو اثنين غير عدلين بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع على انعزال الوكيل بإخبار عدل واحد الحنفية (¬4)، والحنابلة في قول (¬5). ¬
• مستند الإجماع: لأن خبر الواحد مقبول في المعاملات (¬1). • الخلاف فى المسألة: خالف في ذلك صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد فرأيا أن الانعزال يحصل بخبر الواحد عدلًا كان أو فاسقًا (¬2)، واشترط الشافعية العدلين (¬3)، وذهب الحنابلة في القول الآخر إلى أنه لا يثبت (¬4). ولم أجد عند المالكية نصًّا ولا إشارة إلى هذه المسألة، إلا ما سبق نقله في الهامش قبل السابق عن الإمام الأسيوطي المنهاجي في جواهر العقود: "وعند الثلاثة [يعني: مالكًا والشافعي وأحمد]: يشترط فيهما [أي ثبوت الوكالة، وعزل الوكيل] العدلان" (¬5). وهذا يعني أن المالكية أيضًا ممن خالف في هذه المسألة فاشترط العدلين. • أدلة صاحبي أبى حنيفة: 1 - أن الرسول يقبل قوله، ولا يشترط له العدالة، ولأن كل واحد لا يستطيع أن يجد عدلًا يرسله (¬6). 2 - لأن الإخبار عن العزل من باب المعاملات، ولا يشترط فيه أكثر من واحد، ولا العدالة كما في الإخبار في سائر المعاملات (¬7).Rعدم انعقاد الإجماع على انعزال الوكيل بخبر الواحد العدل؛ لخلاف من سبق من الفقهاء. ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في الولاية والوصاية
الفصل الثاني مسائل الإجماع في الولاية والوصاية [192/ 1] مسألة: من أصيب عقله ولم يكن له ولي فعلى الحاكم إحراز ماله (¬1). من زال عقله، ولم يكن له ولي، حجر الحاكم عليه؛ فأحرز ماله، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام الطبري ت 310، فقال: "إجماع الكل أن من أصيب بعقله فعلى الحاكم إحراز ماله؛ إذا لم يكن له ولي يكون أحق بالقيام بذلك من الحاكم" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على حجر الحاكم على من زال عقله عند عدم الولي: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - لأن ذلك من مصلحة مال من ذهب عقله (¬8). ¬
[193/ 2] مسألة: السلطان ولي من لا ولي له.
2 - لأن ذاهب العقل يعجز بذلك عن التصرف في ماله على وجه المصلحة وحفظه (¬1). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع على إحراز الحاكم مال من ذهب عقله إن لم يكن له ولي. [193/ 2] مسألة: السلطان ولي من لا ولي له. من عدم الأولياء فوليه السلطان (¬2)، وقد نقل الإجماع على ذلك، كما نفي الخلاف في ذلك. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، فقال: "أجمعوا أن السلطان ولي من لا ولي له" (¬3). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن للسلطان ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على أن السلطان ولي من لا ولي له: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - عموم قوله عليه السلام (¬2): "السلطان ولي من لا ولي له" (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خالف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف في أن السلطان ولي من لا ولي له. ¬
[194/ 3] مسألة: ولي الصغير أبوه.
[194/ 3] مسألة: ولي الصغير أبوه. يلي أمر الصغير أو الصغيرة أبوه، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام الشربيني ت 977 هـ، فقال: " (ولي الصبي أبوه) بالإجماع. . " (¬1). الإمام الحصيني الدمشقي الشافعي ت 829 هـ، فقال: "وإذا امتنع تصرف هؤلاء تصرف الأولياء للآية الكريمة، وأولاهم الأب بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على أن ولي الصغير أبو ثم جده: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - لوفور شفقة الأب على غيره فكانت الولاية له (¬7). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع على أن ولي الصغير أو الصغيرة أبوهما. ¬
[195/ 4] مسألة: للأب أن يقوم في مال ولده الطفل ومصالحه إن كان ثقة أمينا.
[195/ 4] مسألة: للأب أن يقوم في مال ولده الطفل ومصالحه إن كان ثقة أمينًا. إذا كان الأب عدلًا فله أن يقوم على مال ولده بيعًا وشراء وإجارة ونحوها من المصالح، وقد نقل الإجماع على هذا. من ثقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الأب يقوم في مال ولده الطفل، وفي مصالحه إن كان ثقة أمينًا، وليس للحاكم منعه من ذلك" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على قيام الأب الثقة الأمين برعاية ولده في ماله وسائر مصالحه: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - لأن للأب شفقة تامة، فإذا كان ثقة؛ فله التصرف فيه (¬6). 2 - ليحفظ الأب مال صبيه الصغير عليه، وينميه له، ويقوم بمصالحة التي يعجز الصبي عن القيام بها (¬7). ¬
[196/ 5] مسألة: شراء الوصي غير الأب والجد مال الصغير لنفسه أو بيعه له جائز إذا كان فيه نفع ظاهر.
• الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة من أن الأب متى ما كان ثقة أمينًا.Rتحقق الإجماع على أن للأب إن كان ثقة أمينًا القيامَ على مال ولده الطفل ومصالحه. [196/ 5] مسألة: شراء الوصي غير الأب والجد مال الصغير لنفسه أو بيعه له جائز إذا كان فيه نفع ظاهر. شراء أو بيع الوصي غير الأب والجد على الصغير ماله لنفسه إن كان فيه نفع ظاهر فجائز، وإن لم يكن فيه نفع ظاهر؛ فغير جائز، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي فيه الخلاف. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام علاء الدين السمرقندي ت 539 هـ، فقال: "الوصي إذا اشترى مال الصبي لنفسه أو باع مال نفسه من الصبي، وفيه نفع ظاهر للصبي جاز بلا خلاف" (¬1). الإمام الكاساني ت 587 هـ، فقال: "وأما الوصي إذا باع مال نفسه من الصغير أو اشترى مال الصغير لنفسه؛ فإن لم يكن فيه نفع ظاهر لا يجوز بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع على عدم جواز شراء الولي لنفسه مال الصغير إلا أن يكون فيه نفع ظاهر، الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، ¬
والحنابلة في إحدى الروايتين (¬1). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن الولي متهم بإعزاز نفسه فمنه منه إلا أن يكون فيه نفع ظاهر (¬2). 2 - لأن الولي يتهم على المحاباة (¬3). 4 - لأن بيع الولي لنفسه محمول على غير السداد بخلاف بيعه من غيره أو كان هناك نفع ظاهر (¬4). • الخلاف في المسألة: روي عن أبي حنيفة والصاحبين (¬5)، وهو ما ذهب إليه الشافعية (¬6)، ¬
[197/ 6] مسألة: القول قول الولي.
والحنابلة في إحدى الروايتين (¬1) وهو قول زفر بن الهذيل (¬2) أن ليس للوصي أي يشتري لنفسه ما له بيعُه، أو يبيع لنفسه ما له شراءهُ مطلقًا. • ودليله في ذلك (¬3): 1 - لأن الإنسان مجبول على جلب حظ نفسه، والأصل في النائب جلب حظ غيره؛ فمنع من البيع والشراء لنفسه من نفسه (¬4). 2 - لأن الحقوق ترجع إلى العاقد، فإذا تولى طرفي العقد كان مسلمًا ومتسلمًا، طالبا ومطالَبًا وهذا محال (¬5). ونقل الموفق ابن قدامة جواز الشراء عن الأوزاعي دون ذكر التقيد بالنفع الظاهر، ودون ذكر دليله (¬6).Rعدم تحقق الإجماع ونفي الخلاف في جواز شراء الولي مال الصغير لنفسه أو بيعه مال نفسه من الصبي إن كان فيه نفع ظاهر، لخلاف الأوزاعي بالجواز في الشراء دون التقيد بالنفع، ولخلاف الشافعية، ورواية عند الحنابلة وقول زفر بالمنع مطلقًا. [197/ 6] مسألة: القول قول الولي. إذا زال الحجر عن الصبي بالبلوغ، فادعى على الولي تعديًا أو ما يوجب ضمانًا كأن ادعى عدم دفع المال إليه، فالقول قول الولي. وقد نفي فيه النزاع. • من نفى النزاع: الإمام المرداوي ت 885 هـ، فقال: " (ومتى زال الحجر ¬
فادعى على الولي تعديًا أو ما يوجب ضمانًا فالقول قول الولي) بلا نزاع" (¬1). • الموافقون على نفي النزاع: وافق على نفي النزاع في قبول قول الولي إذا ادعى عليه من كان وصيًّا عليه أنه تعدى فلم يدفع إليه ماله عند البلوغ: الحنفية (¬2)، وهو غير المشهور عند المالكية (¬3)، وهو قول عبد الملك بن الماجشون منهم (¬4)، وهو المذهب عند الحنابلة (¬5). • مستند نفي النزاع: لأن الوصي الولي أمينٌ على مال الصغير؛ فقبل قوله كالمودع (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية في المشهور عندهم (¬7)، والشافعية (¬8) وهو احتمال عند الحنابلة قواه المرداوي (¬9)، والظاهرية (¬10)، فقالوا: القول ¬
[198/ 7] مسألة: صفات الوصي.
قول الصبي، ولا يقبل قول الولى بغير إشهاد أو بينة. • أدلة هذا الرأي: 1 - قوله تعالى (¬1): {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6]. قال الإمام شمس الدين ابن قدامة ت 682 هـ عقب الاستدلال بهذه الآية: "فمن ترك الإشهاد فقد فرط؛ فلزمه الضمان" (¬2). وقال الإمام الخراشي المالكي عقبها أيضًا: "المراد لئلا تغرموا" (¬3). 2 - لأن الأصل عدم الرد (¬4).Rعدم تحقق نفي النزاع على دعوى الرد لخلاف أكثر المالكية، والشافعية وبعض الحنابلة. [198/ 7] مسألة: صفات الوصي. يشترط في الوصي أن يكون مسلمًا عاقلًا بالغًا حرًّا ثقة عدلًا، قويًّا على النظر (¬5)، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي فيه الخلاف. • من نقل الإجماع والاتفاق ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، ¬
فقال: "وأجمعوا أن الوصية إلى المسلم الحو الثقة العدل جائزة" (¬1). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن للأب العاقل الذي ليس محجورًا أن يوصي على ولده ولبنيه الصغيرين الذين لم يبلغوا، والذين بلغوا مُطْبِقِيْنَ [أي مجانين لا يفيقون] رجلًا من المسلمين الأحرار العدول الأقوياء على النظر" (¬2). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "تصح الوصية إلى الرجل العاقل المسلم الحر العدل إجماعًا، ولا تصح إلى مجنون ولا طفل ولا وصية مسلم إلى كافر بغير خلاف نعلمه" (¬3). القرطبي ت 671 هـ، فقال: "أجمع أهل العلم على أن الوصية إلى المسلم الحر الثقة العدل جائزة" (¬4). وقال أيضًا: "لا خلاف في وصية البالغ العادل غير المحجور عليه" (¬5). • الموافقون على الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة في رواية (¬8) على الإجماع على ضرورة كون الوصي مسلمًا بالغًا عاقلًا حرًّا ثقة عدلًا. ¬
• مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - قوله عز وجل: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران: 118]. قال الإمام الشيرازي في معرض الاستدلال بهذه الآية: "وأما الكافر فلا تجوز الوصية إليه في حق المسلم؛ لقوله عز وجل {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً}؛ ولأنه غير مأمون على المسلم" (¬1). 2 - لأن المجنون والطفل ليست لهما الأهلية في التصرف في أموالهما، فلا يليان على غيرهما (¬2). 3 - لأن الفاسق ليس من أهل الولاية والأمانة، وهي مشترطة في الوصية (¬3). 4 - لأن الخائن لا يجوز تولية الخائن على يتيم. 5 - لأن الكافر ليس له ولاية على المسلم (¬4). 6 - أن العبد ناقص عن مرتبة الولاية، وهو منشغل بخدمة مولاة، كما أنه لا يملك التصرف في مال ابنه، فغيره أولى (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة الحنفية (¬6)، والحنابلة في رواية (¬7)، والحسن وابن سيرين (¬8)، فلم يشترطوا العدالة، وعليه تجوز الوصية للفاسق. ¬
[199/ 8] مسألة: جواز الوصاية إلى المرأة في المال.
كما خالف الحنابلة فقالوا: تصح إلى عبد، وقال الأوزاعي: تصح إلى عبده لا عبد غيره (¬1). • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن المقصود هو حفظُ المال -وقد تحقق بالأمين عند مَن اشترطه- وتحقيقُ نظر الوصي تنفيذًا للوصية لاحتمال أن الموصي رأى من الفاسق زيادة شفقة ورحمة (¬2).Rعدم تحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في اشتراط اكتمال جميع الشروط معا في كون الوصي مسلمًا عاقلًا بالغًا حرًّا ثقة عدلًا؛ حتى تنعقد له الوصاية، لخلاف من سبق في بعض هذه الشروط كالعدالة والحرية. [199/ 8] مسألة: جواز الوصاية إلى المرأة في المال. الوصاية إلى المرأة في المال جائزة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن وصية المرأة في المال خاصة كوصية الرجل" (¬3). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "وتصح الوصية إلى المرأة في قول أكثر أهل العلم" (¬4). الإمام الشربيني ت 977 هـ، حيث قال: " (ولا تشترط الذكورة) بالإجماع كما حكاه ابن المنذر" (¬5). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على جواز الوصية إلى المرأة: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، ¬
والحنابلة (¬1)، وهو قول شريح والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح وإسحاق وأبي ثور (¬2). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3) لهند بن عتبة زوج أبي سفيان بن حرب رضي اللَّه عنهما: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (¬4). • وجه الدلالة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل هندًا وصية في مال ولدها. 2 - ما روي (¬5) أن عمر رضي اللَّه عنه وصى إلى ابنته حفصة في صدقته ما عاشت؛ فإذا ماتت فهو إلى ذوي الرأي من أهلها (¬6). ¬
[200/ 9] مسألة: إذا عين الأب وصيا قدم على غيره.
3 - أن الوصاية وإن كان ولاية، فالمغلب فيها الأمانة، وهي من أهل الأمانات (¬1). 4 - لأن المرأة من أهل الشهادة في المال؛ ولما كانت من أهل الشهادة، فجازت الوصية إليها كالرجل (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف عطاء؛ فقال: لا تصح إلى المرأة (¬3). • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن في الوصية ولاية وأمانة والنساء عاجزات عن الولاية (¬4). 2 - لأن المرأة لما نقصت عن الرجل فلم تكن من أهل الولاية؛ فلا تكون قاضية؛ فلا تكون وصية (¬5).Rعدم تحقق الإجماع والاتفاق على جواز كون المرأة وصية، لخلاف عطاء. [200/ 9] مسألة: إذا عين الأب وصيًّا قدم على غيره. للأب أن يعين وصيًّا على ولده فإذا عين قدم على غيره من القرابة مطلقًا، ¬
وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن للأب العاقل الذي ليس محجورًا أن يوصي على ولده ولبنيه الصغيرين الذين لم يبلغوا، والذين بلغوا مُطْبِقِيْنَ [أي مجانين لا يفيقون] رجلًا من المسلمين الأحرار العدول الأقوياء على النظر" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الاتفاق على أن للأب تعيين وصي على ولده: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الاتفاق: 1 - لكمال شفقة الأب على أولاده وحسن نظره لهم فقد وصيه على غيرهم (¬5). 2 - لأن تعين الوصي من قبل الأب مع علمه بقيام الجد يدل على أن اختياره وتصرفه كان لعلمه بأن الوصي أصلح لبنيه من جدهم (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية (¬7)، فذهبوا إلى تقديم الجد على من ¬
[201/ 10] مسألة: جواز الوصاية إلى رجلين في وقت واحد على فعل واحد مجتمعين ومنفردين.
عين الأب وصيًّا. • أدلة هذا القول: لأن ولاية الجد ثابتة بالشرع، وما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بغيره (¬1).Rعدم تحقق الاتفاق على تقديم من عينه الأب وصيًّا على غيره، لخلاف الشافعية. [201/ 10] مسألة: جواز الوصاية إلى رجلين في وقت واحد على فعل واحد مجتمعين ومنفردين. تجواز الوصية إلى رجلين في وقت واحد على فعل واحد، ويكون لكل واحد منهما التصرف منفردا بأذن الوصي، كما يجوز أن يوصي لهما معا، ويشترط عدم انفراد أحدهما بالتصرف، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "ويجوز أن يوصي إلى رجلين معًا في شيء واحد، ويجعل لكل واحد منهما التصرف منفردًا؛ فيقول: أوصيت إلى كل واحد منكما أن ينفرد بالتصرف. . . وله أن يوصي إليهما ليتصرفا مجتمعين وليس لواحد منهما الانفراد بالتصرف. . . وهاتان الصورتان لا أعلم فيهما خلافًا" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في جواز الوصاية إلى رجلين جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: أبو حنفية، ومحمد بن الحسن (¬3)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - ما روي أن ابن مسعود (¬4) كتب في وصيته: إن مرجع وصيتي إلى اللَّه ثم إلى الزبير وابنه عبد اللَّه (¬5). 2 - لأن الوصاية هي استنابة الغير فى التصرف؛ فجازت إلى اثنين كالوكالة (¬6). 3 - لأن الولاية إنما تثبت بالتفويض، فوجب مراعاة الوصف فيها وهو الاجتماع وهو شرط مقيد برضا الموصى ولم يرض إلا بالاثنين وليس الواحد كالاثنين (¬7). ¬
[202/ 11] مسألة: تعيين الحاكم للوصي.
• الخلاف في المسألة: خالف أبو يوسف من الحنفية (¬1) وقال لكل واحد منهما أن ينفرد بالتصرف في المال من غير إذن صاحبه في جميع الأشياء. • ودليله على ذلك: لأن الوصاية ولاية وهي وصف شرير لا يقبل التجزئة، لذا ثبت الولاية كاملة لكل واحد منهما.Rتحقق نفي الخلاف في جواز الوصاية إلى رجلين، إلا أنه وقع الخلاف فيما إذا انفرد أحدهما بالمصرف بدون إذن صاحبه فقد خالف أبو يوسف فقال بالصحة وإن لم يأذن صاحبه. [202/ 11] مسألة: تعيين الحاكم للوصي. إذا مات إنسان ولم يوص على أولاده الصغار أو بلغوا مجانين ولم يوصي عليهم، ففرض على الحاكم تعيين وصيٍّ لهم، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن من مات ولم يوص على ولده الذين لم يبلغوا أو المجانين؛ ففرض على الحاكم أن يقدم من ينظر لهم" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق من الفقهاء على الاتفاق على أنه فوض على الحاكم أن يعين وصيًّا لمن لا وصي له: المالكية (¬3)، والحنابلة (¬4). ¬
• مستند الاتفاق: 1 - لأن في تعيين القاضي وصيًّا على من لم يوص له؛ حفظا للمال الواجب عليه حفظه (¬1). 2 - لأن السلطان ناظر لحقوق المسلمين متى ما عجزوا عن النظر لأنفسهم، وذلك يستلزم تعيين ناظر بدلًا عنهم، وليس لأحد أن تكون له النظارة إذا لم يعين وصيًّا (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬3) أن فرض الحاكم إذا مات الأب ولم يوص على أولاده الصغار أو المجانين منهم، يأتي بعد انعدام الأولياء الذي هم أولى بهؤلاء، وبه قال الشافعية (¬4) بعد الأب والجد ووصيهما. • أدلة هذا الرأي: لأن الجد كالأب في تزويج الصغيرة فكان أولى أن يكون وصيًّا في المال من غيره (¬5).Rعدم تحقق الاتفاق على أنه على الحاكم وجوب تعيين وصي لمن لا وصي لهم حتى إن وجد الجد لخلاف الحنفية والشافعية. ¬
[203/ 12] مسألة: لا يصح إقرار الأب على الصغير.
[203/ 12] مسألة: لا يصح إقرار الأب على الصغير. لا يصح إقرار الأب على الصغير، ولا يملكه، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام السمرقندي ت 539 هـ؛ فقال: "وأجمعوا أن إقرار الأب والوصي وأمين القاضي (¬1) على الصغير لا يصح" (¬2). الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ فقال: "والأب والوصي وأمين القاضي لا يملك الإقرار على الصغير بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على أنه لا يصح إقرار الأب على الصغير، ولا يملكه: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: لأن الإقرار يرتب التزامًا على المقر، وهذا فيه إضرار به، ولهذا لا يملكه الأب ولا الوصي (¬8). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة. ¬
[204/ 13] مسألة: لا يصح إقرار الوصي على الصغير.
Rانعقاد الإجماع على أن الأب لا يصح إقراره على الصغير، ولا يملكه. [204/ 13] مسألة: لا يصح إقرار الوصي على الصغير. لا يصح إقرار الوصي على الصغير، ولا يملكه، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام السمرقندي ت 539 هـ؛ فقال: "وأجمعوا أن إقرار الأب والوصي وأمين القاضي على الصغير لا يصح" (¬1). الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ فقال: "والأب والوصي وأمين القاضي لا يملك الإقرار على الصغير بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على أنه لا يصح إقرار الوصي على الصغير، ولا يملكه. الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والمالكية (¬5). • مستند الإجماع: لأن الإقرار يرتب التزامًا على المقر، وهذا فيه إضرار به، ولهذا لا يملكه الأب ولا الوصي (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف والحنابلة (¬7) فقالوا لا يصح إقرار الوصي على الصغير إلا أن يكون الوصي أبوه فحينئذ يصح إقراره. • أدلة هذا القول: لم أقف لهم على دليل في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع على أن الوصي لا يصح إقراره على الصغير، ولا يملكه، إن كان الوصي غير الأب. أما إن كان أبوه فخالف الحنابلة هذا الإجماع فقالوا يصح إقراره. ¬
[205/ 14] مسألة: لا يصح إقرار أمين القاضي على الصغير.
[205/ 14] مسألة: لا يصح إقرار أمين القاضي على الصغير. لا يصح إقرار أمين القاضي على الصغير، ولا يملكه، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام السمرقندي ت 539 هـ؛ فقال: "وأجمعوا أن إقرار الأب والوصي وأمين القاضي على الصغير لا يصح" (¬1). الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ فقال: "والأب والوصي وأمين القاضي لا يملك الإقرار على الصغير بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: لم أجد من تطرق لهذه المسألة بقبول أو رد سوى فقهاء الحنفية (¬3). • مستند الإجماع: لم أقف على مستند لهذا الإجماع. • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع على أن أمين القاضي لا يصح إقراره على الصغير، ولا يملكه. [206/ 15] مسألة: لا سلطة للحاكم على وصي الموصي. ليس للحاكم سلطة على وصي الموصي إذا كان كفئًا وتحققت فيه شروط الوصي، بعزله أو الاعتراض عليه أو نحو ذلك، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن الوصي إذا كان كما ذكرنا [أي في صفة الوصي] فليس للحاكم الاعتراض عليه ولا إزالته ولا الاشتراك معه" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الاتفاق على أنه ليس للحاكم سلطة على وصتي كفء تحققت فيه شروط الوصي: الحنفية في ¬
الصحيح عندهم (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الاتفاق: 1 - لأن في عزله مع كفايته تعطيلًا للمصالح (¬5). 2 - لأن الموصي أشفق وأعلم بنفسه من القاضي في تعيين الموصى له، فلم يكن للقاضي عزله (¬6). 3 - لأن الوصية إلى معين تقطع نظر الحاكم (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف بعض الحنفية، وهو خلاف الصحيح عندهم؛ فقالوا تنفذ سلطة الحاكم بعزل الوصي التي تحققت فيه الصفات مع الإثم (¬8). ¬
[207/ 16] مسألة: إنفاق الوصي بالمعروف على اليتيم من ماله نافذ.
Rعدم تحقق الاتفاق على أنه ليس للحاكم سلطة على وصي كفء حققت فيه شروط الوصي؛ لخلاف بعض الحنفية، كما سبق. [207/ 16] مسألة: إنفاق الوصي بالمعروف على اليتيم من ماله نافذ. إنفاق الوصي على اليتيم من ماله بالمعروف نافذ؛ كالنفقة على طعامه، وكسوته، وتعليمه، وتزويجه، وكل ما يلزمه، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن ما أنفق الوصي المذكور على اليتيم بالمعروف من ماله؛ فإنه نافذ" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الاتفاق على أن إنفاق الوصي على الموصي إليه من ماله نافذ: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). ¬
[208/ 17] مسألة: تصرف الوصي بما لا يحل مردود.
• مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى (¬1): {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152]. قال الإمام الماوردي في معرض الاستدلال بهذه الآية. "اعلم أن ولي اليتيم مندوب إلى القيام بمصالحه، قال تعالى: [ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن. والذي يلزمه في حق اليتيم أربعة أشياء: أحدها: حفظ أصول أمواله. والثاني: تمييز فروعها. والثالث: الإنفاق عليه منها بالمعروف. والرابع: إخراج ما تعلق بماله من الحقوق" (¬2). 2 - لأن الوصي نائب عن الموصي أو الحاكم، فيقوم بما يقومان به من نفقة وكل ما يلزم الموصى عليه (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الاتفاق على كون نفقة الوصي على الموصى إليه بالمعروف فيما يلزمه نافذة. [208/ 17] مسألة: تصرف الوصي بما لا يحل مردودٌ. تصرف الوصي تصرفًا لا يحل شرعًا، مردودٌ، كأن يتسلف أموال الموصى إليه، أو يتجر فيها لنفسه، أو يرهنها، أو يقرضها، أو يهبها، أو يحابي بها، أو يعتق عليه، أو يتبرع بها، أو نحو ذلك من التصرفات التي تعود على الموصى إليه بالخطر أو الضرر، أو عدم النفع، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن ما أنفذ [أي الوصي] مما لا يحل مردود" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الاتفاق على أنه ليس للوصي أن يتصرف في مال الموصى إليه بما لا يحل: ¬
الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى (¬6): {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152]. 2 - قوله عليه السلام (¬7): "لا ضرر ولا ضرار" (¬8). ¬
3 - لأن الوصي ليس له ولاية ونظر للوصي أصلًا في أن يرهن ماله عن نفسه؛ لأن ذلك ضرر محض (¬1). 4 - لأن في هذه التصرفات من الوصي نظرًا لنفسه دون الموصى إليه (¬2). 5 - لأن إقراض المال يفوت الحظ على الصغير في الأصل (¬3). 6 - لأن الوصي لا يملك هذا النوع من التصرف في مال الصغير لنفسه (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الاتفاق على كون تصرف الوصي بما لا يحل؛ مردودٌ. ¬
[209/ 18] مسألة: القول قول الوصي على الموصى عليه في النفقة.
[209/ 18] مسألة: القول قول الوصي على الموصى عليه في النفقة. إذا ادعى الوصي أنه قد أنفق على الموصى عليه نفقةَ مثلِهِ فالقول قول الوصي، وإذا ادعى زيادة على النفقة اللائقة صدق الموصى عليه، وقد نقل القطع بذلك. • من نقل القطع: الإمام الشربيني ت 977 هـ، فقال: " (وإذا بلغ الطفل ونازعه) أي الموصي أو نحوه كالأب (في الإنفاق عليه صدق الوصي) ونحوه بيمينه في اللائق بالحال. . فإن ادعى زيادة على النفقة اللائقة صدق الولد قطعًا" (¬1). • الموافقون على القطع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على القطع على رد دعوى الوصي إذا ادعى على الموصى عليه زيادة على النفقة اللائقة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). ¬
[210/ 19] مسألة: الوصي ضامن إذا تعدى.
• مستند القطع: لم أعثر على مستند في هذا. • الخلاف في المسألة: لم يخالف أحد في هذه المسألة.Rتحقق القطع بأنه دعوى الوصي على الموصي عليه مردودة إذا ادعى زيادة على النفقة اللائقة. [210/ 19] مسألة: الوصي ضامن إذا تعدى. الوصي إذا فرط فتعدى أو أهمل ضمن؛ لأن الوصايا أمانة (¬1)، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن الوصي إن تعدَّى ضَمِنَ" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الاتفاق على أن الوصي إذا تعدى ضمن: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، . . . ¬
[211/ 20] مسألة: تصح الوصاية إلى العدل الذي يعجز عن النظر فى أمور الموصى عليه ويضم إليه الحاكم أمينا.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الاتفاق: 1 - لأن الوصي أمين، والأمين إذا فرط وضيع أمانته أو تعدى فيها؛ فهو ضامن لها (¬3). 2 - لأن للوصي مؤتمن وله ولاية الحفظ؛ فإذا تعدى وقصر في الحفظ ضمن (¬4). • الخلاف في المسألة: لم يخالف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الاتفاق على ضمان الوصي إذا تعدى أو أهمل. [211/ 20] مسألة: تصح الوصاية إلى العدل الذي يعجز عن النظر فى أمور الموصى عليه ويضم إليه الحاكم أمينا. الوصي العدل الذي يعجز عن النظر فيما فيه نفع ومصلحة للموصى عليه ¬
لعلة أو ضعف، تصح الوصية إليه؛ لكن يضم إليه الحاكم أمينًا، ولا يزيل الحاكم يده عن المال ولا نظره، وقد نفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "وأما العدل الذي يعجز عن النظر لعلة أو ضعف فإن الوصية تصح إليه ويضم إليه الحاكم أمينًا ولا يزيل يده عن المال ولا نظره. . . وهذا قول الشافعي وأبي يوسف ولا أعلم لهما مخالفًا" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على نفي الخلاف في هذه المسألة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - لأن الضعف لا يمنع الولاية ما دام أمينًا فصحت الوصية إليه، كالقوي الذي حدث له ضعف طارئ، كل ذلك يستدرك بضم الحاكم إلى الضعيف يدًا أخرى (¬6). 2 - أن في إبقائه وإضافة الحاكم معه يدًا أخرى رعايةً للحقين، حق الموصي، وحق الموصى عليه بحفظ ماله، وهذا لأن القاضي نصب ناظرًا (¬7). ¬
[212/ 21] مسألة: إذا رشد الصبي دفع الوصي المال إليه.
3 - لأن القاضي إذا ظهر له أمانة الوصي وضعفه عن القيام بما هو واجب عليه؛ وجب عليه استكمال نظره بضم غيره إليه (¬1). • الخلاف في المسألة: لم أجد خلافًا في هذه المسألة.Rتحقق نفي الخلاف في أن الوصي العدل الذي يعجز عن النظر؛ تصح الوصية إليه؛ لكن يضم إليه الحاكم أمينًا، ولا يزيل يده عن المال ولا نظره. [212/ 21] مسألة: إذا رشد الصبي دفع الوصي المال إليه. إذا بلغ الصبي راشدًا؛ وجب على الوصي دفع ماله إليه. وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك، كما نفي فيه الخلاف. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن مال اليتيم يدفع إليه، إذا بلغ النكاح، وأونس منه الرشد" (¬2). الإمام ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أنه إذا أونس من صاحب المال الرشد؛ دفع إليه ماله" (¬3). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: " (ومن أونس منه رشد دفع إليه ماله إذا كان قد بلغ) الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة: أحدها: في وجوب دفع المال إلى المحجور عليه إذا رشد وبلغ وليس فيه اختلاف" (¬4). الإمام الزركشي الحنبلي ت 772 هـ، فقال: " (ومن أونس منه رشد دفع إليه ماله إذا كان قد بلغ) هذا مما لا خلاف فيه في الجملة" (¬5). الإمام الأسيوطي المنهاجي ت 880 هـ، فقال: "إذا أونس من صاحب المال الرشد؛ دفع إليه ماله بالاتفاق" (¬6). • الموافقون على الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على نفي الخلاف في وجوب دفع المال إلى الصبي إذا بلغ ¬
راشدًا: أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - قوله تعالى (¬5): {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. قال الإمام السرخسي في معرض الاستدلال بهذه الآية: "هذه آية محكمة لم ينسخها شيء فلا يجوز دفع المال إليه قبل إيناس الرشد منه. . . وقال اللَّه تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2]، والمراد البالغين. فهذا تنصيص على وجوب دفع المال إليه بعد البلوغ؛ إلا أنه قام الدليل على منع المال منه بعد البلوغ إذا لم يؤنس رشده، وهو ما تلوا؛ فإن اللَّه تعالى قال: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} وحرف الفاء للوصل والتعقيب؛ فيكون بين أن دفع المال إليه عقيب البلوغ بشرط إيناس الرشد" (¬6). 2 - لأن الأصل في المنع كان لعجز الصبي عن التصرف، لذا منع حفظًا لماله؛ فلما صار أهلًا للتصرف زال الحجز عنه فدفع المال له لزوال سببه (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف أبو حنيفة فقال: إن بلغ خمسًا وعشرين سنة ¬
[213/ 22] مسألة: لا يبرأ الوصي إذا دفع المال للموصى عليه إلا إذا أشهد عدولا.
دفع المال إليه، ولو لم يؤنس منه الرشد (¬1). • أدلة هذا الرأي: 1 - قوله تعالى (¬2): {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6]. قال الإمام السرخسي عقب ذكره هذه الآية دليلًا لأبي حنيفة: "معناه: أن يكبروا يلزمكم دفع المال إليهم" (¬3). هذا على أن السرخسي رد هذا القول، فقال: "ألا ترى أن عند البلوغ إذا لم يؤنس منه الرشد لا يدفع المال إليه بهذه الآية؛ فكذلك إذا بلغ خمسًا وعشرين؛ لأن السفه يستحكم بمطاولة المدة؛ ولأن السفه في حكم منع المال منه بمنزلة الجنون والعته، وذلك يمنع دفع المال إليه بعد خمس وعشرين سنة كما قبله فكذلك السفه" (¬4).Rعدم تحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في وجوب دفع المال للصبي إذا بلغ بشرط الرشد؛ لخلاف لأبي حنيفة السابق. [213/ 22] مسألة: لا يبرأ الوصي إذا دفع المال للموصى عليه إلا إذا أشهد عدولًا. لا يبرأ الوصي إذا دفع مال الموصى عليه إليه؛ إلا بإشهاد العدول على هذا الدفع، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا على أن من دفع من الأوصياء المذكورين إلى من نظره بعد بلوغ اليتيم ورشده ما له عنده، وأشهد على دفعه بينة عدل؛ أنه قد برئ، ولا ضمان عليه" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على ضرورة الإشهاد عند دفع المال للموصى عليه، وأن الوصي لا يبرأ إلا بهذا: ¬
المالكية في المشهور عندهم (¬1)، والشافعية في ظاهر مذهبهم والصحيح عندهم (¬2)، وهو احتمال عند الحنابلة قواه المرداوي (¬3)، والظاهرية (¬4). ¬
• مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى (¬1): {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: 6]. قال الإمام شمس الدين ابن قدامة في معرض الاستدلال بهذه الآية: "يحتمل أن القول قول الصبي؛ لأن أصله معه، ولأن اللَّه سبحانه قال: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} فمن ترك الإشهاد فقد فرط؛ فلزمه الضمان" (¬2). وقال الإمام الرافعي أيضًا: "واحتج له أيضًا بأن اللَّه تعالى قال: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ} أَمَرَ بالإشهاد، ولو كان قوله [أي بأنه دفع المال إليه دون بينة] مقبولًا لما أَمَرَ" (¬3). 2 - لأن اللَّه تعالى إنما جعل الوصي أمينًا على الحفظ، ؛ أما الدفع فليس وصيًّا عليه (¬4). 3 - لأن الأصل عدم الدفع، فاحتاج إلى إشهاد (¬5). 4 - لأن البينة على الدفع لا تعسر، فمن قصر في ذلك غرم (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية (¬7)، والمالكية في ¬
[214/ 23] مسألة: تصرف الصغير العاقل قبل بلوغه صحيح إذا كان نافعا.
غير المشهور عندهم، وهو قول عبد الملك بن الماجشون منهم (¬1)، وهو قول للشافعية (¬2)، وهو المذهب عند الحنابلة (¬3)؛ فلم يشترطوا الإشهاد عند رد المال، بل جعله بعضهم مندوبًا. • أدلة هذا الرأي: 1 - قوله تعالى (¬4): {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: 6]. قال الإمام الشافعي: "وفي قول اللَّه عز وجل {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} كالدليل على الإرخاص في ترك الإشهاد لأن اللَّه عز وجل يقول {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} أي إن لم تشهدوا، واللَّه تعالى أعلم" (¬5). وقال الإمام العيني: "إن الإشهاد من باب الندب خوف الإنكار منهم، وقيل إن الإشهاد منسوخ بقوله: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} أي شهيدًا أو كافيًا من الشهود" (¬6). 2 - ويحتمل الآن الأمر بالإشهاد هو إرشاد أو ندب حيث لا يحتاج إلى اليمين (¬7).Rعدم تحقق الاتفاق على عدم براءة الوصي إذا دفع المال للموصى إليه إلا بالإشهاد للخلاف المذكور. [214/ 23] مسألة: تصرف الصغير العاقل قبل بلوغه صحيح إذا كان نافعًا. يصح تصرف الصبي الصغير العاقل قبل بلوغه إذا كان التصرف نافعًا، ولا يصح إذا كان ضارًّا محضًا، ولا يتوقف على إجازة الولي، وقد نقل ¬
الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام الكاساني ت 587 هـ، فقال: "أما الصبي العاقل فتصح منه التصرفات النافعة بلا خلاف، ولا تصح منه التصرفات الضارة المحضة بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية إن لم يكن في المتصرف فيه عوض (¬3)، وعلي بن داود الظاهري (¬4). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: لأن الرد في التصرفات الضارة لأجله، والتوقف في المتردد بين النفع والضرر لأجله حتى يجيزه الولي إن رأى فيه مصلحة؛ فكذا وجب أن ينفذ تصرفه النافع نظرًا له (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف المالكية، فقالوا: إن تصرفات الصبي النافعة ¬
إن كانت على عوض فهي موقوفة على إذن وليه (¬1)، والظاهرية (¬2). لم أجد عند الشافعية والحنابلة ما ينص على هذه المسألة وهي تصرفات الصبي النافعة والضارة بدون إذن. غير أن الشافعية يرون بطلان تصرف الصبي وعدم نفاذه دون التعرض لكون هذا التصرف نافعًا أو ضارًّا (¬3). وذهب الحنابلة إلى أن الصغير المميز إذا تصرف بدون إذن وليه لم يصح تصرفه، ويحتمل عندهم الصحة (¬4)، وفي رواية ثالثة: يصح مطلقًا (¬5). • ودليلهم في ذلك: 1 - لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم" (¬6). ¬
[215/ 24] مسألة: حيازة الأب الهبة لابنه الصغير جائزة.
2 - لأن تصرفهم قبل الإذن يفضي إلى ضياع أموالهم، وفيه ضرر عليهم (¬1).Rعدم تحقق الإجماع ونفي الخلاف في صحة تصرفات الصبي النافعة، وبطلان التصرفات الضارة؛ لخلاف من سبق. [215/ 24] مسألة: حيازة (¬2) الأب الهبة لابنه الصغير جائزة. حيازةُ الأبِ الهبةَ لابنه الصغير جائزة، وإن كانت هذه الهبةُ هبةَ الأب بشرط الإشهاد، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي فيه الخلاف. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا أن الرجل إذا وهب لولده الطفل دارًا بعينها أو عبدًا بعينه وقبضه له من نفسه وأشهد عليه؛ أن الهبة تامة" (¬3). الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، فقال: "أجمع الفقهاء أن عطية الأب لابنه الصغير في حجره لا يحتاج فيها إلى قبض، وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض، وأنها صحيحة وإن وليها أبوه لخصوصه ¬
بذلك ما دام صغيرًا" (¬1). وقال أيضًا: "لا أعلم خلافا أنه إذا تصدق على ابنه الصغير بدار أو ثوب أو سائر العروض أن إعلان ذلك بالإشهاد عليه يدخله في ملك الابن الصغير ويخرجه عن ملك الأب" (¬2). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، فقال: "جمهور فقهاء الأمصار على أن الأب يحوز لابنه الصغير الذي في ولاية نظره وللكبير السفيه الذي ما وهبه كما يجوز لهما ما وهبه غيره لهما وأنه يكفي في الحيازة له إشهاده بالهبة والإعلان بذلك" (¬3). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "أحق من يحوز على الصبي أبوه، وهذا مذهب الشافعي، ولا أعلم فيه خلافًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق على الإجماع على صحة حيازة الأب لابنه الصغير جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬5)، والمالكية بشرط عدم انتفاعه بما حازه لابنه (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2)، وهو قول عمر بن الخطاب وعمر ابن عبد العزيز وشريح الكندي وابن شهاب وربيعة وبكير بن الأشج (¬3). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - قول عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه (¬4): "ما بال رجال يَنْحَلُونَ (¬5) أبناءهم نُحْلًا ثم يمسكونها، فإن مات ابن أحدهم قال: مالي بيدي لم أعطه أحدا. وإن مات هو قال: هو لابني قد كنت أعطيته إياها. من نحل نِحْلَةً فلم يحزها الذي نُحِلَهَا -حتى يكون إن مات لورثته- فهي باطل" (¬6). ¬
[216/ 25] مسألة: الأب أحق بقبض الهبة لابنه ثم من يليه من الأولياء.
2 - ما رواه مالك عن الزهري عن ابن المسيب أن عثمان (¬1) قال: "من نحل ولدًا له صغيرًا لم يبلغ أن يحوز نُحْلَه، فأعلن ذلك، وأشهد على نفسه؛ فهي جائزة، وإن وليها أبوه" (¬2). 3 - قول عثمان رضي اللَّه عنه (¬3): نظرنا فى هذه النحول، فرأينا أن أحق من يحوز على الصبي أبوه (¬4). 4 - لأن الأب هو الحائز لابنه الصغير من نفسه ومن غيره (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في جواز حيازة الأب لابنه الصغير.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف في جواز حيازة الأب لابنه الصغير. [216/ 25] مسألة: الأب أحق بقبض الهبة لابنه ثم من يليه من الأولياء. يقبض الهبةَ للطفل أبوه إذا كان الأب أمينًا، وهو أحق بذلك من غيره إن كان حاضرًا، ثم من يليه من الأولياء، وقد نقل الاتفاق على ذلك، كما نفي النزاع في ذلك. ¬
• من نقل الاتفاق ونفى النزاع: الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أنه يقبض للطفل أبوه أو وليه" (¬1). الإمام المرداوي ت 885 هـ، فقال: "يقبض الأب للطفل من نفسه بلا نزاع" (¬2). • الموافقون على الاتفاق ونفي النزاع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على أن الأب الأمين يقبض الهبة لطفله إذا كان حاضرًا؛ وإلا وليه: الحنفية إذا كان الصغير غير مميز (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الاتفاق ونفي النزاع: 1 - قول عثمان رضي اللَّه عنه (¬7): نظرنا في هذه النحول، فرأينا أن أحق من يحوز على الصبي أبوه (¬8). 2 - لأن الأب هو الحائز لابنه الصغير من نفسه ومن غيره (¬9). 3 - لأن الأب أشفق على طفله وأقرب إليه، ثم وليه وصيه؛ لأن الأب ¬
أقامه مقام نفسه فجرى مجرى وكيله (¬1). 4 - لأن القبض إنما يكون من المتهب أو نائبه والولي نائب بالشرع؛ فصح قبضه له سواء أكان أبًا أو وصيه أو جدًّا أو غيرهم. 5 - صحة قبض وقبوله غير الأب ومن يليه عند عدمهم؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك؛ فإن الصبي قد يكون في مكان لا حاكم فيه وليس له أب ولا وصي ويكون فقيرًا لا غنى به عن الصدقات؛ فإن لم يصح قبض غيرهم له انسد باب وصولها إليه؛ فيضيع ويهلك. 6 - لأن مراعاة حفظ الطفل عن الهلاك أولى من مراعاة الولاية؛ فعلى هذا للأم القبض له، وكل من يليه من أقاربه وغيرهم. 7 - لأن للأب ولاية على اليتيم، والوصي والجد يقومان مقام الأب (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك الحنفية فقالوا بصحة قبض الصبي لنفسه إن كان مميزا، ولا يفتقر إلى قبض أبيه أو وليه له (¬3)، والحنابلة في المأكول الذي يدفع مثله للصبي (¬4). • أدلة هذا القول: 1 - استدل الحنابلة على قبض الصبي لليسير بحديث أبي هريرة (¬5) "كان الناس إذا رأوا أول الثمار جاءوا به إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فإذا أخذه قال اللهم بارك لنا في ثمرنا، ثم يعطيه أصغر من بحضره من الولدان" (¬6). 2 - لأن الصغير في التصرف النافع يلحق بالبالغ (¬7). ¬
[217/ 26] مسألة: للولي المشاركة في مال اليتيم إذا كان فيه مصلحة راجحة.
Rعدم تحقق الاتفاق ونفي النزاع في أنه يقبض الهبة للطفل أبوه إذا كان أمينًا حاضرًا، ثم من يليه، لخلاف الحنفية فقد أجازوا قبض الصغير المميز لنفسه. [217/ 26] مسألة: للولي المشاركة في مال اليتيم إذا كان فيه مصلحة راجحة. للولي أن يخلط ماله بمال اليتيم ويتشاركا فيه، إذا كان لليتيم في ذلك مصلحة راجحة، كمشاركته ومخالطته في أكله وشربه، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن بطال ت 499 هـ، فقال: "شركة اليتيم ومخالطته فى ماله لا تجوز عند العلماء إلا أن يكون لليتيم فى ذلك رجحان" (¬1). ونقله عنه الحافظ ابن حجر بأوضح من ذلك، فقال: "قال ابن بطال: اتفقوا على أنه لا تجوز المشاركة في مال اليتيم إلا إن كان لليتيم في ذلك مصلحة راجحة" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). ¬
[218/ 27] مسألة: للولي أن يضارب في مال اليتيم.
• مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى (¬1): {قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 220]. • ووجه الدلالة: كما قال الإمام الجصاص: "وقوله: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} قد دل على ما ذكرنا من جواز المشاركة والخلطة، على أنه يستحق الثواب بما يتحرى فيه الإصلاح من ذلك، لأن قوله فإخوانكم قد دل على ذلك إذ هو مندوب إلى معونة أخيه وتحرى مصالح" (¬2). 2 - لأن إفراد مال اليتيم وطعامه قد يشق على الولي (¬3). 3 - للارتفاق وهو الرفق والمساعدة والمعاونة والانتفاع (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الاتفاق على جواز خلط ولي اليتيم ماله بمال اليتيم في الطعام والشراب، ونحو ذلك مما فيه مصلحة راجحة لليتيم. [218/ 27] مسألة: للولي أن يضارب في مال اليتيم. لولي اليتيم أن يضارب بماله بنفسه، أو يدفعه إلى من يضارب له به، أبا كان أو وصيًا أو حاكمًا أو أمين حاكم، وقد نفيت كراهة ذلك. • من نفى الكراهة: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "لولي اليتيم أن يضارب بماله، وأن يدفعه إلى من يضارب له به، ويجعل له نصيبًا من الربح أبًا كان أو وصيًّا أو حاكمًا أو أمين حاكم. . . ويروى إباحة التجارة به عن عمر وعائشة والضحاك، ولا نعلم أحدًا كرهه" (¬5). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على ¬
نفى كراهة المضاربة في مال اليتيم: الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وهو قول ابن عمر والنخعي والحسن بن صالح وأبي ثور (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6): "ألا من ولي يتيمًا له مال؛ فَلْيَتَّجرْ فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" (¬7). 2 - وقوله عليه الصلاة والسلام (¬8): "ابتغوا في مال اليتامى خيرًا" (¬9). ¬
3 - قول عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه (¬1): "ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة" (¬2). 4 - لأن ذلك أحظ لليتيم، فينفق عليه من الربح، ويبقى رأس المال (¬3). 5 - لأن هذا أولى من تركه، ولو ترك لأكلته النفقة على المولى عليه (¬4). • الخلاف في المسألة: ذكر الموفق ابن قدامة أن الحسن كره ذلك (¬5). • أدلة هذا الرأي: اجتنابًا للمخاطرة به، ولأن خزنه أحفظ له (¬6). ¬
[219/ 28] مسألة: أكل مال اليتيم ظلما حرام.
Rعدم تحقق نفي الخلاف في عدم كراهة المضاربة بمال اليتيم؛ لما رُوِيَ عن الحسن من الكراهة. [219/ 28] مسألة: أكل مال اليتيم ظلمًا (¬1) حرام. أكل مال اليتيم أو اليتيمة ظلمًا حرام وكبيرة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام الجصاص ت 370 هـ، فقال: "لا خلاف بين المسلمين أن أكل مال اليتيم ظلمًا محظور" (¬2). الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، فقال: "اختلف أهل العلم في ما يحل لوالي اليتيم من ماله بعد إجماعهم أن أكل مال اليتيم ظلمًا من الكبائر" (¬3). الإمام ابن رشد، فقال: "اتفق أهل العلم جميعًا على تحريم أكل مال اليتيم ظلمًا وإسرافًا وعلى أن ذلك من الكبائر" (¬4). وقد نقله عن ابن رشد الجد الإمامُ الحطَّاب ت 954 هـ بلفظ: "أجمع أهل العلم أن أكل مال اليتيم ظلمًا من الكبائر لا يحل ولا يجوز" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4) على الإجماع على حرمة أكل مال اليتيم ظلمًا. • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - قوله تعالى (¬5): {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]. 2 - قوله تعالى (¬6): {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} [النساء: 10]. ¬
3 - قوله تعالى (¬1): {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152، الإسراء: 34]. 4 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "اجتنبوا السبع المُوبِقات (¬3) " قيل: يا رسول اللَّه ما هي؟ قال: "الشرك باللَّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" (¬4). • الخلاف في المسألة: لم يخالف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في أن أكل مال اليتيم ظلمًا حرام وكبيرة. ¬
الفصل الثالث مسائل الإجماع في الحجر
الفصل الثالث مسائل الإجماع في الحجر [220/ 1] مسألة: الحجر (¬1) على من لم يبلغ واجب. الحجر على الصغير الذي لم يبلغ الحلم واجب، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع والاتفاق ونفى الخلاف: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "اتفقوا على وجوب الحجر على من لم يبلغ، وعلى من هو مجنون معتوه أو مطبق لا عقل له" (¬2). الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الأسباب الموجبة للحجر: الصغر والرق والجنون" (¬3). ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، فقال: "أجمع العلماء على وجوب الحجر على الأيتام الذين لم يبلغوا الحلم" (¬4). الإمام القرطبي ت 671 هـ، فقال: "فأما الصغير والمجنون فلا خلاف في الحجر عليهما" (¬5). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: " (الأسباب الموجبة للحجر ثلاثة: الصغر ¬
والرق والجنون) ش: وهذا بالإجماع" (¬1). الإمام شمس الدين المنهاجي الأسيوطي ت 880 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الأسباب الموجبة للحجر: الصغر، والرق، والجنون" (¬2). • الموافقون على الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7)؛ على الإجماع على وجوب الحجر على من لم يبلغ. • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - قوله تعالى (¬8): {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. قال الإمام الموفق ابن قدامة عقب استدلاله بهذه الآية: "فدل على أن لا تسلم إليهم قبل الرشد" (¬9). 2 - لأن إطلاق الصغار في التصرف في أموالهم فيه ضياعها، وهو ضرر عليهم (¬10). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة. ¬
[221/ 2] مسألة: الحجر على من كان مجنونا واجب.
Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في وجوب الحجر على من لم يبلغ. [221/ 2] مسألة: الحجر على من كان مجنونًا واجب. الحجر على المجنون المعتوه أو المطبق الذي لا يفيق واجب، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع والاتفاق ونفى الخلاف: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "اتفقوا على وجوب الحجر على من لم يبلغ، وعلى من هو مجنون معتوه أو مطبق لا عقل له" (¬1). الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الأسباب الموجبة للحجر: الصغر والرق والجنون" (¬2). الإمام القرطبي ت 671 هـ، فقال: "فأما الصغير والمجنون فلا خلاف في الحجر عليهما" (¬3). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: " (الأسباب الموجبة للحجر ثلاثة: الصغر والرق والجنون) ش: وهذا بالإجماع" (¬4). الإمام المنهاجي الأسيوطي ت 880 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الأسباب الموجبة للحجر: الصغر، والرق، والجنون" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، ¬
[222/ 3] مسألة: يحجر على من كان سفيها مضيعا لماله.
والظاهرية (¬1)؛ على الاتفاق وجوب الحجر على المجنون. • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: لأن إطلاق المجنون في التصرف في ماله يفضي إلى تضيعه إياه، وفيه ضرر عليه (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في وجوب الحجر على من لم يبلغ. [222/ 3] مسألة: يحجر على من كان سفيهًا (¬3) مضيعًا لماله. إذا بلغ الغلامُ غيرَ رشيدٍ، أو سفه الكبيرُ فلم يحسنِ التصرف في ماله كأن بذره وضيعه في المعاصي أو الإسراف؛ حُجِرَ عليه، وقد نُقِلَ الإجماعُ والاتفاقُ على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الحجر يجب على كل مضيع لماله من صغير وكبير" (¬4). الإمام الطحاوي ت 321 هـ، فقال: "لم أجد عن أحد من الصحابة والتابعين أنه قال: لا حجر [أي على المضيع لماله]، كما قال أبو حنيفة إلا عن النخعى وابن سيرين" (¬5). الإمام ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن ¬
الغلام إذا بلغ غير رشيد لم يسلم ماله إليه" (¬1). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "المحجور عليه إذا فك عنه الحجر لرشده وبلوغه ودفع إليه ماله، ثم عاد إلى السفه أعيد عليه الحجر. . . وقال أبو حنيفة لا. . . ولنا إجماع الصحابة، وروى عروة بن الزبير أن عبد اللَّه بن جعفر ابتاع بيعًا، فقال علي رضى اللَّه عنه: لآتين عثمان؛ ليحجر عليك، فأتى عبد اللَّه ابن جعفر الزبير، فقال: قد ابتعت بيعًا، وإن عليًّا يريد أن يأتي أمير المؤمنين عثمان، فيسأله الحجر عليه، فقال الزبير: أنا شريكه في البيع، فقال عثمان: كيف أحجر على رجل شريكه الزبير؛ قال أحمد: . . وهذه قصة يشتهر مثلها، ولم يخالفها أحد في عصرهم فتكون إجماعا" (¬2). الإمام ميارة الفاسي ت 1072 هـ ـ، فقال: "اتفقوا أن على الإمام أن يولي عليه إذا ثبت عنده سفهه، وخشي ذهاب ماله" (¬3). • الموافقون على الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف على وجوب الحجر على المضيع لماله: أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة (¬4)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو قول عثمان (¬4) وعلي (¬5)، وابن عباس وابن الزبير (¬6) وعائشة (¬7)، والقاسم بن محمد (¬8)، والأوزاعى وإسحاق وأبى ثور (¬9). ¬
• مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - قوله تعالى (¬1): {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282]. قال السرخسي في معرض الاستدلال بهذه الآية: "وهو تنصيص على أن إثبات الولاية على السفيه، وأنه مولى عليه، ولا يكون ذلك إلا بعد الحجر عليه" (¬2). 2 - وقوله تعالى (¬3): {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5]. قال السرخسي عقب استدلاله بهذه الآية أيضًا: "وهذا أيضًا تنصيص على إثبات الحجر عليه بطريق النظر له؛ فإن الولي الذي يباشر التصرف في ماله على وجه النظر منه له" (¬4). 3 - وقوله تعالى (¬5): {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. قال الإمام ابن بطال عقب استدلاله بهذه الآية: "فنهى تعالى عن دفع الأموال إلى السفهاء وقال: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} فجعل شرط دفع أموالهم إليهم وجود الرشد، وهذه الآية محكمة غير منسوخة، ومن كان مبذرًا لماله فهو غير رشيد" (¬6). وقال الإمام ابن رشد الحفيد عقب استدلاله بها أيضًا "فدل هذا على أن السبب المقتضي للحجر هو السفه" (¬7). ¬
4 - ما روي أن حبان بن منقذ الأنصاري رضي اللَّه عنه (¬1) كان يُغْبن في البياعات لآمَّةِ أصابت رأسه؛ فسأل أهلُه رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يحجر عليه؛ فقال: إني لا أصبر عن البيع، فقال عليه الصلاة والسلام: "إذا بايعت، فقل: لا خلابة، ولي الخيار ثلاثة أيام" (¬2). قال الإمام السرخسي عقب الاستدلال بهذه الحديث: "فلو لم يكن الحجر بسبب التبذير في المال مشروعًا عرفًا؛ لَمَا سال أهلُه ذلك" (¬3). ¬
5 - ما روي أن عبد اللَّه بن جعفر رضي اللَّه عنه (¬1) ابتاع أرضًا سبخة (¬2) بستين ألفًا فقال له عثمان: ما يسرني أن تكون لي بنعلي معًا؛ فبلغ ذلك عليًّا كرم اللَّه وجهه، وعزم أن يسأل عثمان أن يحجر عليه، فجاء عبد اللَّه ابن جعفر إلى الزبير، وذكر أن عليًّا يريد أن يسأل عثمان رضي اللَّه عنهما أن يحجر عليه، فقال الزبير: أنا شريكك، فجاء على إلى عثمان رضي اللَّه عنهما، وسأله أن يحجر عليه، فقال: كيف أحجر على من شريكه الزبير (¬3). قال الإمام الشيرازي عقب استدلاله بهذا الحديث: "فدل على جواز الحجر" (¬4). ¬
6 - لأن ماله المضيع عاجز عن إصلاح ماله أو متعمد لتضييعه في شهواته (¬1). 7 - لأن الحجر على الصبي شرع لاحتمال التبذير، فيكون الحجر على السفيه مع تيقن التبذير أولى (¬2). 8 - أن الحجز إنما شرع صيانة لماله ولمصحلته (¬3). 9 - لأن إطلاقه في التصرف يفضي إلى ضياع أمواله وفيه ضرر عليه (¬4). 10 - لأن السفه لو قارن البلوغ منع دفع المال إليه، فإذا حدث السفه، أوجب انتزاع المال كالجنون (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة الإمام أبو حنيفة (¬6)، وزفر (¬7)، وإبراهيم النخعي وابن سيرين (¬8)، والظاهرية (¬9)، فقالوا: لا يحجر على الحر البالغ، إذا بلغ مبالغ الرجال. • أدلة هذا الرأي: 1 - ما روي أن حبان بن منقذ (¬10) كان يغبن في البياعات فطلب أولياؤه من ¬
[223/ 4] مسألة: من لا يحجر عليه.
النبي عليه الصلاة والسلام الحجر عليه، فقال له: "إذا ابتعت؛ فقل: لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام" (¬1). ولم يحجر عليه. 2 - لأن المضيع لماله مخاطب بأحكام الشريعة فهو كالرشيد؛ فلا يحجر عليه، ولأن الحجر عليه لا يدفع ضررًا عنه؛ لقدرته على إتلاف ماله بالزواج من أربع وتطليقهن قبل الدخول وبعده وفي كل وقت (¬2). 3 - لأن الحجر على المضيع ماله فيه إنقاص لآدميته وإهدار لها، وضرر الحجر عليه أعظم من إضاعته لماله، والنفوس مجبولة على رفض الحجر، كما ترفضه النفوس الأبية، ولا يزال الضرر الأدنى بالضرر الأعلى (¬3).Rعدم تحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في وجوب الحجر على كل سفيه مضيع لماله لخلاف أبي حنيفة ومن سبق. [223/ 4] مسألة: من لا يحجر عليه. لا يحجر على من كان بالغًا عاقلًا حرًا عدلًا (¬4) في دينه حَسَنَ النظَرِ في ماله، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن من كان بالغًا عاقلًا حرًا عدلًا في دينه حَسَنَ النظَرِ في ماله؛ أنه لا يحجر عليه" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الاتفاق على كون من كان بالغا عاقلًا حرًا عدلًا في دينه حَسَنَ النظَرِ في ماله؛ ¬
لا يحجر عليه: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). بل يرى هؤلاء أيضًا أنه لا يحجر عليه ولو كان فاسقًا مادام حافظًا ماله حسن التصرف فيه؛ وعليه فمن باب أولى ألا يحجر على من كان عدلًا حسن التصرف في ماله [إلا الشافعي] (¬6). ¬
[224/ 5] مسألة: رعاية أمور المحجور عليه واجبة.
بل يرى أبو حنيفة، وزفر، وإبراهيم النخعي وابن سيرين، والظاهرية أيضًا عدم الحجر عليه ولو كان سفيهًا مسرفًا في ماله، كما سبق في المسألة الآنفة بنصوصها. • مستند الاتفاق: 1 - ما روي أن حبان بن منقذ الأنصاري رضي اللَّه عنه (¬1) كان يُغْبن في البياعات لآمَّةٍ (¬2) أصابت رأسه؛ فسأل أهلُه رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يحجر عليه؛ فقال: إني لا أصبر عن البيع، فقال عليه الصلاة والسلام: "إذا بايعت، فقل: لا خلابة، ولي الخيار ثلاثة أيام" (¬3). قال الإمام القرطبي في معرض الاستدلال بهذا الحديث على عدم الحجر على العاقل البالغ: "فلما سأل القوم الحجر عليه، لما كان في تصرفه من الغبن، ولم يفعل عليه السلام؛ ثبت أن الحجر لا يجوز" (¬4). 2 - قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. قال الإمام الموفق ابن قدامة في معرض استدلاله بهذه الآية: "من كان مصلحًا لماله فقد وجد منه رشد" (¬5). • الخلاف في المسألة: لم يخالف أحد الاتفاق على كون البالغ العاقل الحر العدل في دينه الحَسَن النظَرِ في ماله لا يحجر عليه.Rتحقق الاتفاق على أنه لا يحجر على من كان بالغًا عاقلًا حرًا عدلًا في دينه حَسَنَ النظَرِ في ماله. [224/ 5] مسألة: رعاية أمور المحجور عليه واجبة. يجب حسن النظر للمحجور عليه، ورعايةُ مصالحه من بيع وشراء ونكاح ¬
وإنكاح ونحو ذلك من مصالح. وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "اتفقوا على أن وجوب الحجر على من لم يبلغ، وعلى من هو مجنون معتوه، أو مطبق لا عقل له. . . واتفقوا على وجوب حسن النظر لمن هذه صفته" (¬1). وقال أيضًا: "واتفقوا أن من لا يعقل البتة وهو مطبق معتوه أو عرض له ذلك بعد عقله فواجب أن يقدم من ينظر له" (¬2). وقال أيضًا: "واتفقوا أن من مات ولم يوص على ولده الذين لم يبلغوا أو المجانين ففرض على الحاكم أن يقدم من ينظر لهم" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7) على الاتفاق على وجوب رعاية المحجور عليه. • مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى (¬8): {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5]. ¬
[225/ 6] مسألة: إقرار المحجور عليه لفلس بما يوجب العقوبة مقبول.
قال الإمام أبو الوليد ابن رشد الجد عقب هذه الآية: "فنهى أن تدفع إليهم أموالهم لئلا يفسدوها ويبذروها، وأمر أن يرزقوا ويكسوا منها، فوجب أن يدفع إليهم ما يحتاجون إليه من نفقتهم وكسوتهم، وكذلك ما تحتاج إليه المرأة من جهازها إلى زوجها" (¬1). وقال الإمام فخر الدين الزيلعي بعدها أيضًا: "فهذا نص على إثبات الحجر عليه [أي السفيه، ولكن الحكم يعم كل محجور عليه] بطريق النظر فإن الولي هو الذي يباشر التصرف في ماله على وجه النظر له" (¬2). 2 - لأن رعاية الولي ونظره في أمور المحجور عليه من جملة التعاون على البر (¬3). • الخلاف في المسألة: لم يخالف أحد الاتفاق على وجوب النظر للمحجور عليه.Rتحقق الاتفاق على وجوب النظر للمحجور عليه. [225/ 6] مسألة: إقرار المحجور عليه لفلس بما يوجب العقوبة مقبول. إذا أقر المحجور عليه بسبب الفلس بما يوجب حدًّا أو قصاصًا كالزنا والسرقة والشرب والقذف والقتل العمد أو قطع اليد أو الإتلاف وما أشبههما فإن ذلك مقبول ويلزمه حكم ذلك في الحال، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن إقرار المحجور على نفسه جائز" (¬4). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "المحجور عليه لفَلَس أو سفه إذا أقر بما يُوجِبُ حذا أو قصاصًا كالزنا والسرقة والشرب والقذف والقتل العمد أو قطع اليد وما ¬
أشبههما؛ فإن ذلك مقبول، ويلزمه حكم ذلك في الحال، لا نعلم في هذا خلافًا. . . وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم" (¬1). الإمام كمال الدين ابن الهمام ت 861 هـ؛ فقال: "لو أقر المفلس بعمد القتل يقتل إجماعًا وإن كان فيه إبطال ديون الناس" (¬2). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور الفقهاء وأتباعهم من الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وأبي ثور (¬7) على الإجماع على قبول إقرار المحجور عليه لفلس بما يوجب حدًا أو قصاصًا ولزومه حكم ذلك. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن المحجور عليه لا تتطرق له التهمة في حق نفسه، والحجر إنما هو متعلق بالمال؛ فقبل إقراره على نفسه بما لا يتعلق بمال (¬8). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف في قبول إقرار المحجور عليه لفلس بما يوجب حدًّا أو قصاصًا، ولزومه حكم ذلك. ¬
[226/ 7] مسألة: إقرار المحجور عليه لسفه بما يوجب العقوبة مقبول.
[226/ 7] مسألة: إقرار المحجور عليه لسفه بما يوجب العقوبة مقبول. إذا أقر المحجور عليه بسبب السفه بما يوجب حدًّا أو قصاصًا أو أَرْشًا كالزنا والسرقة والشرب والقذف والقتل العمد أو قطع اليد وما أشبههما فإن ذلك مقبول منه، ويلزمه حكم ذلك في الحال، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفي الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن إقرار المحجور على نفسه جائز" (¬1). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "المحجور عليه لفَلَس أو سفه إذا أقر بما يُوجِبُ حدًا أو قصاصًا كالزنا والسرقة والشرب والقذف والقتل العمد أو قطع اليد وما أشبههما؛ فإن ذلك مقبول، ويلزمه حكم ذلك في الحال، لا نعلم في هذا خلافًا. . . وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم" (¬2). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، ¬
[227/ 8] مسألة: إذا عقل المجنون زال الحجر دون حكم حاكم.
والحنابلة (¬1)، وأبي ثور (¬2) على الإجماع على قبول إقرار المحجور عليه لسفه بما يوجب حدًّا أو قصاصًا ولزومه حكم ذلك. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: لأنه غير متهم في حق نفسه، والحجر إنما تعلق بماله؛ فقبل إقراره على نفسه بما لا يتعلق بمال (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة الشافعية، فقالوا: إقرار المحجور عليه بسفه لا يقبل بحال.Rعدم تحقق الإجماع ونفي الخلاف في قبول إقرار المحجور عليه بنفسه بما يوجب حدًا أو قصاصًا لخلاف الشافعية. [227/ 8] مسألة: إذا عقل المجنون زال الحجر دون حكم حاكم. إذا عقل المجنون؛ زال الحجر عنه دون حاجة إلى حكم حاكم، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام موفق الدين ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "ولا يعتبر في زوال الحجر عن المجنون إذا عقل حكم حاكم بغير خلاف" (¬4). الإمام شمس الدين ابن قدامة ت 682 هـ، فقال: "إذا عقل المجنون ورشد انفك الحجر عنه، ولا يحتاج إلى حكم حاكم بغير خلاف" (¬5). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على نفي الخلاف في زوال الحجر عن المجنون دون حكم حاكم: الشافعية (¬6)، وجماهير الحنابلة، والمذهب عندهم، وهو منصوص الإمام أحمد (¬7). ¬
ولم أجد للحنفية في هذه المسألة موافقة ولا مخالفة، وإنما عندهم الكلام عن زواله عن السفيه إذا صار مصلحًا لماله؛ هل يزول الحجر من غير قضاء القاضي فعند أبي يوسف لا يزول إلا بالقضاء، وعند محمد يزول من غير قضاء (¬1). أما الإمام أبو حنيفة فلا يرى الحجر على السفيه كما سبق. وأما المالكية فقد تعرضوا للكلام عن فك الحجر عامة، وذكروا فيه خلافًا، والمفهوم من كلامهم أنه -عند مالك وأكثر أصحابه- ينفك الحجر عن المحجور عنه لأي شيء دون حكم حاكم. وعند بعضهم كابن القصار (¬2)، والقاضي عبد الوهاب (¬3) أنه لا يزول الحجر عن المحجور عنه إلا بحكم حاكم (¬4). ¬
• مستند نفي الخلاف: 1 - ظاهر قوله تعالى (¬1): {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. قال القرافي عقيب استدلاله بهذه الآية: "فلا يحتاج للحاكم، وجعل الدفع لمن له الابتلاء" (¬2). وقال الشيخ ابن قاسم في معرض الاستدلال بهذه الآية: "زال حجرهم" لزوال علته، قال تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} بلا قضاء حاكم؛ لأنه ثبت بغير حكمه؛ فزال لزوال موجبه بغير حكمه" (¬3). 2 - لأن الحجر على المجنون ثبت بغير حكم حاكم؛ فيزول بدونه (¬4). 3 - لأننا لو وقفنا تصرفات الناس على الحاكم، كان أكثر الخلق محجورًا عليه (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة -كما سبق- فقال: لا يزول الحجر عنه إلا بحكم حاكم: ابن القصار، وتلميذه عبد الوهاب من المالكية، وبعض الحنابلة -وهو اختيار القاضي أبي يعلى- وهو وجه عندهم. • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن الفساد قد غلب على من يلي أمر المحجورين اليوم؛ فيسارعون فيقولون رشد، ولم يرشد بعد (¬6). 2 - لأن من يزال عنه الحجر يفتقر للاختبار، وتحقق زوال سبب الحجر، والحاكم هو من يقوم بذلك (¬7). 3 - لأن الحكم بزوال الحجر عن المحجور يحتاج إلى اجتهاد، ولا يضبطه إلا الحاكم (¬8). ¬
[228/ 1] مسألة: زوال الحجر عن الذكور الصغار ذوي الآباء.
Rعدم تحقق نفي الخلاف في زوال الحجر عن المجنون دون حكم حاكم لخلاف بعض من المالكية والحنابلة. [228/ 1] مسألة: زوال الحجر عن الذكور الصغار ذوي الآباء. الذكور الصغار ذوو الآباء لا يزول عنهم الحجر إلا ببلوغ سن التكليف وإيناس الرشد منهم، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، فقال: "أما الذكور الصغار ذوو الآباء فاتفقوا على أنهم لا يخرجون من الحجر إلا ببلوغ سن التكليف وإيناس الرشد منهم" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: لم أر قيد كون الصغير ذا أب عند أحد من الفقهاء غير ابن رشد من المالكية (¬2)، والمسألة عند غيره منهم مطلقة دون هذا القيد (¬3)، وكذا عند جمهور الفقهاء من الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6) على أن الصبي إذا بلغ رشيدًا زال عنه الحجر؛ سواء أكان ذا أب أو ذا وصي. ¬
[229/ 10] مسألة: زوال الحجر عن الذكور ذوي الأوصياء.
• مستند الاتفاق: 1 - قوله تعالى (¬1): {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. • الخلاف في المسألة: سبق ذكر أنه لم يُرَ قيد كون الصغير ذا أب عند أحد من الفقهاء غير المالكية، وعليه قد تكون المسألة خلافية لهذا القيد.Rعدم انعقاد الاتفاق على كون الذكور الصغار ذوي الآباء لا يزول عنهم الحجر إلا ببلوغ سن التكليف وإيناس الرشد منهم، لعدم وجود قيد كونه ذا أب إلا عند المالكية. [229/ 10] مسألة: زوال الحجر عن الذكور ذوي الأوصياء. الذكور الصغار ذوو الأوصياء لا يزول عنهم الحجر إلا بإطلاق الوصي إياهم من الحجر إن كان مقدمًا من قبل الأب، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، فقال: "أما ذوو الأوصياء فلا يخرجون من الولاية في المشهور عن مالك إلا بإطلاق وصيِّه له من الحجر أي يقول فيه: إنه رشيد إن كان مقدمًا من قبل الأب بلا خلاف" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: في هذه المسألة أيضًا لم أر قيد كون الصغير ذا وصي عند أحد من الفقهاء غير ابن رشد من المالكية (¬3)، والمسألة عند غيره منهم مطلقة دون هذا القيد (¬4) وكذا عند جمهور الفقهاء من الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7) على أن الصبي إذا بلغ رشيدًا زال عنه الحجر سواء ¬
[230/ 11] مسألة: يزول الحجر عن البنات بالبلوغ والإيناس.
أكان ذا أب أو ذا وصي، ولا يحتاج ذو الوصي إلى إطلاق وصيه، ولا ترشيدِه [أي قول: إنه رشيد]. • مستند نفي الخلاف: قوله تعالى (¬1): {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. • الخلاف في المسألة: سبق ذكر أنه لم يُرَ قيدُ كون الصغير ذا وصي عند أحد من الفقهاء غير المالكية، وعليه قد تكون المسألة خلافية لهذا القيد.Rعدم تحقق نفي الخلاف في كون الذكور الصغار ذوي الأوصياء لا يزول عنهم الحجر إلا بإطلاق الوصي وترشيده، لعدم وجود قيد كونه ذا وصي إلا عند المالكية. [230/ 11] مسألة: يزول الحجر عن البنات بالبلوغ والإيناس. يزول الحجر عن البنات بما يزول به عن الذكور، وهو البلوغ والإيناس، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام شمس الدين ابن قدامة ت 682 هـ، فقال: "إذا عقل المجنون ورشد انفك الحجر عنه ولا يحتاج إلى حكم حاكم بغير خلاف، وكذلك الصبي إذا بلغ ورشد" (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على أن نفي الخلاف في أنه يزول الحجر عن الصغار بالبلوغ والإيناس سواء أكانوا ذكورًا أو إناثًا: الحنفية (¬3)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة في رواية (¬2). • مستند نفي الخلاف: 1 - قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] (¬3). 2 - لأن المرأة أحد نوعي الآدميين فأشبهت الرجل (¬4). 3 - لأن الحجر كان بسبب العجز عن التصرف في أموالها حفظًا له، وقد زال بالبلوغ والرشد؛ فوجب زوال الحجر لزوال سببه (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة المالكية، والحنابلة في رواية. فزاد المالكية لزوال الحجر عن البنت مع البلوغ؛ دخولَ زوج، وشهادة العدول على صلاح حالها (¬6). وزاد الحنابلة في الرواية الأخرى عنها: أن تتزوج وتلد، أو يمضي عليها سنة في بيت الزوج؛ فإن لم تتزوج فقال القاضي [أبو يعلى الفراء]: عندي أن ¬
[231/ 12] مسألة: عودة السفه توجب الحجر.
يدفع إليها مالها إذا عنست وبرزت للرجال (¬1). • ودليل الحنابلة على هذا: لأن ذلك يروى عن عمر رضي اللَّه عنه (¬2).Rعدم تحقق نفي الخلاف في زوال الحجر عن البنات بالبلوغ والرشد؛ لخلاف المالكية والحنابلة في رواية كما سبق. [231/ 12] مسألة: عودة السفه توجب الحجر. عودة ما يوجب الحجر كالسفه أو الجنون، يعيد الحجر، وقد نقل إجماع الصحابة على هذا، كما قد نفي النزاع فيه. • من نقل الإجماع ونفَى النزاع: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "المحجور عليه إذا فك عنه الحجر لرشده وبلوغه ودفع إليه ماله، ثم عاد إلى السفه أعيد عليه الحجر. . . وقال أبو حنيفة لا. . ولنا إجماع الصحابة، وروى عروة بن الزبير أن عبد اللَّه بن جعفر ابتاع بيعا، فقال علي رضي اللَّه عنه: لآتين عثمان؛ ليحجر عليك، فأتى عبد اللَّه ابن جعفر الزبير، فقال: قد ابتعت بيعا، وإن عليًّا يريد أن يأتي أمير المؤمنين عثمان، فيسأله الحجر عليه، فقال الزبير: أنا شريكه في البيع، فقال عثمان: كيف أحجر على رجل شريكه الزبير؟ قال أحمد: . . وهذه قصة يشتهر مثلها، ولم يخالفها أحد في عصرهم فتكون إجماعا" (¬3). الإمام المرداوي ت 885 هـ، فقال: " (ومن فك عنه الحجر فعاود السفه؛ أعيد عليه الحجر) بلا نزاع" (¬4). • الموافقون على الإجماع ونفي النزاع: المالكية (¬5)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2) وهو قول القاسم بن محمد، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو عبيد (¬3)، على خلاف بينهم فيمن يحجر عليه هل هو الحاكم أو الأب، أو وليه الأول. وحكاه أيضًا الموفق ابن قدامة (¬4) عن أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة وتلميذيه، ولم أجده عند الحنفية. • مستند الإجماع ونفي النزاع: 1 - ما روى عروة بن الزبير (¬5) أن عبد اللَّه بن جعفر ابتاع بيعًا فقال علي رضي اللَّه عنه: لآتين عثمان ليحجر عليك، فأتى عبد اللَّه بن جعفر الزبير، فقال: قد ابتعت بيعًا، وإن عليًّا يريد أن يأتي أمير المؤمنين عثمان فيسأله الحجر عليه، فقال الزبير: أنا شريكه في البيع؛ فقال عثمان: كيف أحجر على رجل شريكه الزبير؟ قال الموفق ابن قدامة عقب استدلاله بهذا الأثر: "قال أحمد: لم أسمع هذا إلا من أبي يوسف القاضي، وهذه قصة يشتهر مثلها، ولم يخالفها أحد في عصرهم؛ فتكون إجماعًا" (¬6). 2 - لأن هذا سفيه؛ فيحجر عليه كما لو بلغ سفيهًا؛ فإن العلة التي أوجبت الحجر هي السفه، وهي موجودة في كلٍّ (¬7). ¬
[232/ 13] مسألة: حكم التفليس.
3 - لأن السفه لو كان مقارنًا للبلوغ، كان مانعًا من دفع المال إليه، فإن حدث بعد البلوغ كان سببًا للحجر كالجنون. 4 - لأن كل علة أوجبت حكمًا اقتضى أن يكون زوال تلك العلة موجبًا لزوال ذلك الحكم؛ نظرًا إلى دوران الحكم مع العلة (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة الإمام أبو حنيفة، وزفر، وإبراهيم النخعي وابن سيرين، والظاهرية؛ فلو يروا الحجر على السفيه بدءًا. وقد سبق العزو لهذا الرأي مع أدلته في مسألة "الحجر على من كان سفيهًا مضيعًا لماله".Rعدم تحقق الإجماع ونفي النزاع في عودة الحجر على من عاوده موجب الحجر؛ لخلاف أبي حنيفة ومن سبق في الحجر على السفيه. [232/ 13] مسألة: حكم التفليس (¬2). إذا كان عند امرئ مال وعليه ديون خُلِعَ عن ماله للغرماء وهذا هو التفليس وهو واجب، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الإنكار فيه. • من نقل الإجماع ونفي الإنكار: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "أجمعوا على أن كل من لزمه حق في ماله أو ذمته لأحد ففرض عليه أداء الحق لمن هو له عليه إذا أمكنه ذلك وبقي له بعد ذلك ما يعيش به أياما هو ومن تلزمه نفقته" (¬3). الإمام المنهاجي الأسيوطي ت 880 هـ، فقال: "ما روي أن عمر رضي اللَّه عنه صعد المنبر. وقال: ألا إن الأسيفع -أسيفع جهينة- رضي من دينه وأمانته، ¬
أن يقال: سابق الحاج -ويروى: سبق الحاج- فادَّان معرضًا (¬1)، وأصبح وقد رين به (¬2). فمن كان له عليه دين فليحضر غدا. فإنا بايعوا ماله. فقاسموه بين غرمائه. وروي: فمن كان له عليه دين فليغد بالغداة. فلنقسم ماله بينهم بالحصص، وهذا بمجمع من الصحابة. ولم ينكر عليه أحد. فدل أنه إجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع ونفي الإنكار: وافق على الإجماع على وجوب التفليس جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8)، ¬
وابن أبي ليلى (¬1). • مستند الإجماع ونفي الإنكار: 1 - حديث أبي سعيد الخدري (¬2) قال: أصيب رجل فى عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تصدقوا عليه" فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لغرمائه: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك" (¬3). 2 - ما روي (¬4) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حجر على معاذ وقال لغرمائه: "خذوا ما معه فليس لكم إلا ما وجدتم" (¬5). ¬
3 - ما روى (¬1) بلال بن الحارث؛ قال: كان رجل يغالي بالرواحل ويسبق الحاج حتى أفلس قال فخطب عمر بن الخطاب فقال أما بعد فإن الأسيفع أسيفع جهينة رضي من أمانته ودينه أن يقال سبق الحاج فادان مُعْرِضا فأصبح قد رِيْنَ به، فمن كان له شيء فليأتنا حتى نقسم ماله بينهم (¬2). 4 - لأنه الحجر بالمرض جائز لأجل الورثة، لأن مصير المال إليهم وإن لم يكن في الحال فأولى أن يجوز بديون الغرماء لأن المال مستحق لهم فى الحال (¬3). 5 - لأن البيع مستحق على المفلس لإيفاء دينه (¬4). 6 - لأن في تفليس الغارم دفعًا للضرر عن الغرماء (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة أبو حنيفة فلم ير التفليس (¬6). • أدلة هذا الرأي: أن المال غاد ورائح فلا يصير بالتفليس المال هالكًا (¬7). ¬
[233/ 14] مسألة: جواز حبس المفلس ليعلم صدقه.
Rعدم تحقق الإجماع ونفي الإنكار على وجوب التفليس لخلاف أبي حنيفة. [233/ 14] مسألة: جواز حبس المفلس ليعلم صدقه. المدين إذا ادعى الفلس ولم يعلم صدقه ولم يتبين إفلاسه وفقره وإعدامه (¬1) حُبِسَ حتى يظهر صدقه أو يقر صاحب الدين بإفلاسه، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع ونفى النزاع: الإمام أن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن يحبسوا في الديون" (¬2). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، فقال: "وكلهم [أي فقهاء الأمصار] مجمعون على أن المدين إذا ادعى الفلس ولم يعلم صدقه أنه يحبس حتى يتبين صدقه أو يقر له بذلك صاحب الدين فإذا كان ذلك خلي سبيله" (¬3). الإمام ابن تيمية ت 827 هـ، فقال: "ومن كان قادرًا على وفاء دينه وامتنع أجبر على وفائه بالضرب والحبس، ونص على ذلك الأئمة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم. قال أبو العباس: ولا أعلم فيه نزاعا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
والحنابلة (¬1) على وجوب حبس المدين المدعي فلسًا دون بينة. • مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "إن لصاحب الحق يدًا ومقالًا" (¬3). قال الإمام الماوردي عقب استدلاله بهذا الحديث: "يعني باليد: الحبس والملازمة، وبالمقال: الاقتضاء والمطالبة" (¬4). 2 - قوله - صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5): "ليُّ الواجد يبيح عرضه وعقوبته (¬6) " (¬7). ¬
قال الإمام الماوردي عقب استدلاله بهذا الحديث: "يعني بإباحة العرض: المطالبة والتوبيخ بالمماطلة، وبالعقوبة: الحبس" (¬1). 3 - ما روي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2) حبس رجلًا يومًا وليلة في تهمة (¬3). قال الإمام الماوردي في معرض استدلاله بهذا الحديث: "فلما جاز حبسه في تهمة لم تثبت عليه؛ فأولى أن يجوز حبسه في دين ثبت عليه" (¬4). 4 - لأن الحبس طريق إلى استيفاء الحق، فإذا كان لا يتوصل إلى الحق إلا به كان مستحقًّا كملازمة المدين (¬5). 5 - لأن المماطلة ظلم والوفاء واجب؛ فيحبسه القاضي دفعًا للظلم وتحصيلًا للحق إلى مستحقه (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة الخليفة الراشد عمر بن ¬
[234/ 15] مسألة: تصرف المفلس قبل الحجر معتبر ونافذ.
عبد العزيز والليثُ بن سعد فقالا: لا يجوز أن يحبس أحد في دين (¬1). • أدلة هذا الرأي: لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما حبس أحد في دين قط (¬2).Rعدم تحقق الإجماع على حبس المفلس لخلاف من سبق. [234/ 15] مسألة: تصرف المفلس قبل الحجر معتبر ونافذ. تصرفات المفلس قبل الحجر عليه نافذة معتبرة كالبيع والشراء والهبة والإقرار ونحوها، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام ابن قدامة؛ فقال: "ما فعله المفلس قبل حجر الحاكم عليه من بيع أو هبة أو إقرار أو قضاء بعض الغرماء أو غير ذلك؛ فهو جائز نافذ، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، لا نعلم أحدًا خالفهم" (¬3). شمس الدين ابن قدامة ت 682 هـ، فقال: "وتصرفه قبل حجر الحاكم في ماله نافذ من البيع والهبة والإقرار وقضاء بعض الغرماء وغير ذلك وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على نفي الخلاف في كون تصرفات المفلس قبل الحجر عليه نافذة معتبرة: الحنفية (¬5)، ¬
[235/ 16] مسألة: الإنفاق على المفلس وأهله يكون من ماله الباقي.
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة في رواية (¬3). • مستند نفي الخلاف: لأن المفلس حال تصرفه -قبل الحجر عليه- كان رشيدًا، فنفذ تصرفه كغيره، وسبب المنع هو الحجر فلا يتقدم المنع على الحجر الذي هو سببه، ولأنه من أهل التصرف (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقالوا بعدم نفاذ تصرفات المفلس قبل الحجر الحنابلة في الرواية الأخرى، وهي اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (¬5).Rعدم تحقق نفي الخلاف في صحة نفاذ تصرفات المفلس قبل الحجر لخلاف من سبق. [235/ 16] مسألة: الإنفاق على المفلس وأهله يكون من ماله الباقي. إذا حجر على إنسان لفلس فإنه ينفق عليه وعلى من تلزمه نفقته من ماله الباقي، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع والاتفاق ونفى الخلاف: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "أجمعوا على أن كل من لزمه حق في ماله أو ذمته لأحد ففرض عليه أداء الحق لمن هو له عليه إذا أمكنه ذلك وبقي له بعد ذلك ما يعيش به أياما هو ومن تلزمه نفقته" (¬6). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أنه ينفق على ¬
من حجر عليه بفلس من ماله الباقي وعلى ولده الصغار وزوجته" (¬1). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "وممن أوجب الإنفاق على المفلس وزوجته وأولاده الصغار من ماله أبو حنيفة ومالك والشافعي ولا نعلم أحدًا خالفهم" (¬2). • الموافقون على الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار من الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6) على الإجماع على وجوب النفقة على المفلس وذويه. • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7): "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" (¬8). ¬
[236/ 17] مسألة: ما سبق الجنون من تصرفات وعقود نافذ.
قال الموفق ابن قدامة في معرض استدلاله بهذا الحديث: "ومعلوم أن فيمن يعوله من تجب نفقته عليه ويكون دينًا عليه وهي الزوجة؛ فإذا قدم نفقة نفسه على نفقة الزوجة فكذلك على حق الغرماء، ولأن الحي آكد حرمة من الميت لأنه مضمون بالإتلاف، وتقديم تجهيز الميت ومؤنة دفنه على دينه متفق عليه؛ فنفقته أولى، وتقدم أيضًا نفقة من تلزمه نفقته من أقاربه مثل الوالدين والمولودين وغيرهم ممن تجب نفقتهم لأنهم يجرون مجرى نفسه" (¬1). 2 - لأن حاجات المفلس الأساسية مقدمة على حق الدائنين، وهي أيضًا حق ثابت لمن يعول من زوجة وولد ونحوهما، فلا يسقط هذا الحق بالحجر على المفلس (¬2). 3 - لأن ملك المُفَلَّس لم يزل بالحجر فهو باق على ملكه (¬3). 4 - لأن المُفلَّسَ مُوسِرٌ بما يملكه من مال ما لم يؤل ملكه عنه (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في وجوب النفقة على المفلس ومن تلزمه نفقته من ماله. [236/ 17] مسألة: ما سبق الجنون من تصرفات وعقود نافذ. إن ما يسبق الجنون من تصرفات وعقود ك: إيصاء وهبة وصدقة وصلح وبيع وشراء وطلاق وعتاق وكتابة وإقرار ونحوها، يكون فعله فعل عاقل، وفعل العادل صحيح نافذ؛ لأن الأحكام والفرائض تلزمه، وقد نقل الإجماع على ¬
هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل" (¬1). قلت: إذا كانت الأحكام والفرائض تجب على العاقل؛ دل ذلك على كون تصرفاته وعقوده صحيحة نافذة. الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ فقال: "أما الصبي العاقل فتصح منه التصرفات النافعة بلا خلاف" (¬2). قلت: فإذا كانت التصرفات تصح من الصبي العاقل؛ فمن الكبير العاقل قبل جنونه أولى. • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق على الإجماع على كون العاقل تلزمه الأحكام والفرائض وتصح منه التصرفات والعقود جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم من الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، ¬
[237/ 18] مسألة: تصرفات المجنون حال فقد العقل باطلة.
والحنابلة (¬1). • الخلاف في المسألة: لم يخالف أحد في كون تصرفات العاقل وعقوده قبل جنونه صحيحة نافذة.Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف في كون العاقل تلزمه الفرائض والأحكام، وعليه تصح منه التصرفات والعقود. [237/ 18] مسألة: تصرفات المجنون حال فقد العقل باطلة. تصرفات المجنون حال فقد العقل باطلة لا يعتد بها كصلاة وصيام وحج وعمرة، وشهادة وطلاق، وردة وجناية وإقرار وأمان، وبيع، وشراء، وعتاق وكتابة وهبة، وصدقة ووصية، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه متفرقًا (¬2). • من نقل الإجماع والاتفاق ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن المجنون إذا حُج به ثم صح، أو حُج بالصبي ثم بلغ، أن ذلك لا يجزئهما عن حجة الإسلام" (¬3). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن لا شهادة للمجنون في حال جنونه" (¬4). وقال أيضًا: "وأجمعوا على أن المجنون والمعتوه لا يجوز طلاقه" (¬5). وقال أيضًا: "وأجمعوا أن المجنون إذا ارتد في حال جنونه أنه مسلم على ما كان قبل ذلك" (¬6). الإمام ابن بطال ت 449 هـ؛ فقال "أجمع العلماء أن المجنون إذا أصاب ¬
الحد فى حال جنونه؛ أنه لا يجب عليه حد" (¬1). الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "لا يقام عليه في حال عقله كل حد كان منه في حال جنونه، بلا خلاف من الأمة" (¬2). الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ؛ فقال: "وأجمع العلماء أن ما جناه المجنون في حال جنونه هدر وأنه لا قود عليه في ما يجني" (¬3). الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أنه لا يصح بيع المجنون" (¬4). وقال أيضًا: "واتفقوا على أن المجنون والصبي غير المميز والصغير غير المأذون له لا يقبل إقرارهم ولا طلاقهم ولا تلزم عقودهم" (¬5). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "أما الطفل والمجنون والمبرسم والنائم والمغمى عليه؛ فلا يصح إقرارهم لا نعلم في هذا خلافًا" (¬6). الإمام النووي ت 676 هـ؛ فقال: "وأما المجنون والصبي الذي لا يميز فلا يصح إسلامهما مباشرة بلا خلاف" (¬7). وقال أيضًا: "المجنون لا يلزمه الصوم في الحال بالإجماع" (¬8). الحافظ ابن حجرت 852 هـ؛ فقال: "وأما المجنون فلا يصح أمانه بلا خلاف" (¬9). • الموافقون على الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: وافق على الإجماع على كون التصرفات المجنون باطلة فقهاء الأمة: الحنفية (¬10)، والمالكية (¬11)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4) للذى شهد على نفسه أربع شهادات: "أَبِكَ جُنُون؟ " (¬5). قال الإمام ابن بطال في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "فدل قوله هذا أنه لو اعترف بالجنون؛ لدرأ الحد عنه، وإلا فلا فائدة لسؤاله هل بك جنون أم لا؟ " (¬6). 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬7): "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ" (¬8). ¬
[238/ 19] مسألة: إقرار المفلس بما يوجب مالا مقبول.
3 - لأن حال الجنون فالقلم مرفوع عنه، ولا يتوجه الخطاب إليه حينئذ (¬1). 4 - لأن الأهلية شرط جواز التصرف وانعقاده، ولا أهلية بدون العقل (¬2). 5 - لأن المجنون مسلوب العبارة وأهلية التصرف (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف ابن عرفة من المالكية (¬4) فقال إن عقده وتصرفه موقوف على إجازة السلطان. دليل قوله: إلحاقه بمن جن خلال زمن الخيار فإن السلطان ينظر للأصلح له (¬5).Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في كون تصرفات المجنون حال فقد العقل باطلة غير نافذة. وخلاف ابن عرفة شاذ ومتأخر عن انعقاد الإجماع. [238/ 19] مسألة: إقرار المفلس بما يوجب مالًا مقبول. إذا أقر المفلس بما يوجب مالًا كبيع أو هبة أو إجارة أو نحوها قبل إقراره، وقد نقل الإجماع على هذا كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن إقرار المحجور على نفسه جائز" (¬6). قلت: هذا إجماع عام على إقرار المحجور، فيشمل الإقرار بما يوجب مالًا. الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "ما فعله المفلس قبل حجر الحاكم عليه من بيع أو هبة أو إقرار أو قضاء بعض الغرماء أو غير ذلك؛ فهو ¬
[239/ 20] مسألة: باع سلعة ولم يقبض ثمنها وبقيت عند البائع ثم أفلس المشتري فالبائع أحق بها.
جائز نافذ، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، لا نعلم أحدًا خالفهم" (¬1). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على قبول إقرار المفلس بما يوجب مالًا: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: لأن المُفَلَّس أهل للتصرف، والحجر متعلق بماله لا بذمته (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف في صحة إقرار المفلس بما يوجب مالًا. [239/ 20] مسألة: باع سلعة ولم يقبض ثمنها وبقيت عند البائع ثم أفلس المشتري فالبائع أحق بها. إذا باع بائع سلعة ولم يقبض ثمنها وبقيت عنده في يده وقد أفلس المشتري فالبائع أحق بها، وقد نقل الاتفاق على هذا، كما قد نفي الخلاف فيه. ¬
• من نقل الاتفاق ونفى الخلاف: الإمام الماوردي ت 450 هـ؛ فقال: "كل غريم للمفلس ثبت دينه من ثمن مبيع لم يخل حال العين المبيعة إذا لم يقبض البائع ثمنها من ثلاثة أحوال: أحدها: أن تكون في يد البائع لم يسلمها إلى المشتري حتى حجر عليه بالفلس؛ فللبائع أن يفسخ البيع فيها ويأخذ بثمنها، وله أن يمضي البيع ويسلمها ويضرب مع الغرماء بثمنها، وهذا قول متفق عليه ليس يعرف خلاف فيه" (¬1). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "أما قبل القبض [أي قبض المشتري السلعة] فالعلماء متفقون: أهل الحجاز وأهل العراق أن صاحب السلعة [أي عند إفلاس المشتري] أحق بها" (¬2). الإمام ابن رشد نفسه؛ فقال: "أما العرض فإن كان في يد بائعه لم يسلمه حتى أفلس المشتري فهو أحق به في الموت والفلس وهذا ما لا خلاف فيه" (¬3). • الموافقون على الاتفاق ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الاتفاق ونفي الخلاف في كون البائع أحق بسلعته إذا كان لم يقبض ثمنها، وكانت في يده، ولم يقبضها المشتري عند إفلاس المشتري الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8)، وهو ¬
مروي عن عثمان وعلي وأبي هريرة، وهو قول عطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير وطاووس والشعبي والأوزاعي وعبيد اللَّه بن الحسن وإسحاق ابن راهويه والعنبري وأبو ثور وابن المنذر (¬1). • مستند الاتفاق ونفي الخلاف: 1 - قول -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "إذا أفلس الرجل فوجد الرجل متاعه بعينه فهو أحق به من الغرماء" (¬3). • وجه الدلالة: أنه أحق بالمبيع لو كان تحت يد المفلس فمن باب أولى إذا كان تحت يده. 2 - لأن السلعة في ضمانه (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rهو تحقق الاتفاق ونفي الخلاف في كون البائع أحق بسلعته إذا كان لم يقبض ثمنها، وكانت في يده، ولم يقبضها المشتري عند إفلاس المشتري. ¬
[240/ 21] مسألة: باع سلعة ولم يقبض ثمنها وكانت عند المشتري ثم أفلس فالبائع أحق بها.
[240/ 21] مسألة: باع سلعة ولم يقبض ثمنها وكانت عند المشتري ثم أفلس فالبائع أحق بها. إذا باع بائع سلعة ولم يقبض ثمنها وكانت عند المشتري ثم أفلس المشتري فالبائع أحق بها من الغرماء، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ؛ فقال: "حديث التفليس هذا (¬1) من رواية الحجازيين والبصريين حديث صحيح عند أهل النقل ثابت، وأجمع فقهاء الحجازيين وأهل الأثر على القول بجملته" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم من المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6)، وهو مروي عن عثمان وعلى وأبي هريرة، وهو قول عطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير وطاووس ¬
والشعبي والأوزاعي وعبيد اللَّه بن الحسن وإسحاق بن راهويه والعنبري وأبو ثور وابن المنذر (¬1) على الإجماع على كون البائع أحق بسلعته إذا كان لم يقبض ثمنها وكانت عند المشتري حتى أفلس المشتري. • مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2): "إذا أفلس الرجل فوجد الرجل متاعه بعينه فهو أحق به" (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف الحنفية (¬4)، وهو رأي ابن سيرين، وإبراهيم من التابعين (¬5) فقالوا إن البائع ليس أحق بسلعته إذا كان لم يقبض ثمنها وكانت عند المشتري حتى أفلس المشتري. • أدلة هذا القول: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]. قال ابن نجيم: "فاستحق النظر إلى الميسرة بالآية فليس له المطالبة قبلها، ولا فسخ بدون المطالبة بالثمن، وهذا؛ لأن الدين صار مؤجلًا إلى الميسرة بتأجيل الشارع، وبالعجز عن الدين المؤجل من المتعاقدين لا يجب له خيار الفسخ قبل مضي الأجل فكيف يثبت ذلك في تأجيل الشارع وهو أقوى من تأجيلهما" (¬6). ¬
[241/ 22] مسألة: باع سلعة ولم يقبض ثمنها وفوت المشتري بعضها ثم أفلس المشتري فالبائع أحق بما بقي منها.
2 - حديث: "أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده متاعه فهو أسوة غرمائه فيه" (¬1).Rهو عدم تحقق الإجماع على كون البائع أحق بسلعته إذا كان لم يقبض ثمنها ولو كانت عند المشتري عند إفلاس المشتري لخلاف الحنفية. [241/ 22] مسألة: باع سلعة ولم يقبض ثمنها وفوت المشتري بعضها ثم أفلس المشتري فالبائع أحق بما بقي منها. إذا باع بائع سلعة ولم يقبض ثمنها، وفوت المشتري بعضها ببيع أو تلف أو هبة أو وقف أو استهلاك أو نحو ذلك، ثم أفلس المشتري؛ فالبائع أحق بما بقي منها من سائر الغرماء، ويضرب مع الغرماء بحصة المُفَوَّتِ، وقد نفي الخلاف في ذلك. • من نفى الخلاف: الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "ولم يختلفوا أنه إذا فوت المشتري بعضها [أي السلعة]؛ أن البائع أحق بالمقدار الذي أدرك من سلعته" (¬2). ¬
• الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في أحقية البائع باقي السلعة التي لم يقبض ثمنها وقد فوت المشتري بعضها، الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وهو قول الأوزاعي والعنبري (¬4)، على نفي الخلاف في أحقية البائع باقي السلعة التي لم يقبض ثمنها وقد فوت المشتري بعضها. • مستند نفي الخلاف: لأن السلعة عين يملك الرجوع في جميعها؛ فملك الرجوع في بعضها كالذي له الخيار، وكالأب فيما وهب لولده (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك الظاهرية (¬6)، والحنابلةُ وحكوه عن إسحاقَ (¬7)، وعطاءُ بن أبي رباح (¬8)، فقالوا إذا فوت المشتري بعضها كان البائع أسوة الغرماء. ¬
[242/ 23] مسألة: باع سلعة وقبض البائع بعض ثمنها ثم أفلس المشتري لم يكن للبائع أخذها ولا شيء منها.
• أدلة هذا الرأي: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1): "من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به" (¬2). قال الإمام الموفق ابن قدامة في معرض استدلاله بهذا الحديث: "فشرط أن يجده بعينه، ولم يجده بعينه" (¬3). وقال الشيخ بهاء الدين المقدسي ت 624 هـ عقب استدلاله به أيضًا: "والذي تلف بعضه لم يوجد بعينه" (¬4). 2 - ولأنه بالرجوع بالبعض، لا تنقطع الخصومة فمنع من الرجوع.Rعدم تحقق نفي الخلاف في كون البائع أحق بباقي السلعة التي لم يقبض ثمنها وقد فوت المشتري بعضها بعد إفلاس المشتري. [242/ 23] مسألة: باع سلعة وقبض البائع بعض ثمنها ثم أفلس المشتري لم يكن للبائع أخذها ولا شيء منها. إذا باع بائع سلعة وقبض ثمن بعضها، ثم أفلس المشتري؛ لم يكن للبائع أخذها ولا شيءٍ منها، وإنما هو أسوة الغرماء، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ؛ فقال: "إجماعهم على أنه لو قبض ثمنها كله لم يكن له [أي البائع] إليها سبيل؛ فكذلك إذا أخذ ثمن بعضها لم يكن إلى ذلك البعض سبيلًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على كون البائع إن كان قد قبض شيئًا من ثمن السلعة ثم أفلس ¬
المشتري أنه أسوة الغرماء: الحنفية (¬1)، وحكي عن الشافعي القديم (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو قول داود وإسحاق (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5): "أيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئًا؛ فهي له، وإن كان قبض من ثمنها شيئًا فهو أسوة الغرماء" (¬6). ¬
2 - لأن البائع يقصد بالرجوع إزالة الضرر عن نفسه، واسترداد البعض فيه ضرر على المشتري بسوء مشاركته أو تفريق الصفقة عليه، والضرر لا يزال عن النفس بإدخاله على الغير (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف الإجماع على كون البائع إن كان قد قبض شيئًا من ثمن السلعة ثم أفلس المشتري أنه أسوة الغرماء؛ فقالوا البائع بالخيار في ذلك دون إلزام: إن شاء رد ما أخذه، وعادت إليه سلعته، وإن شاء تركها وكان أسوة الغرماء: المالكية (¬2)، والظاهرية (¬3). كما خالف الإجماع في هذه المسألة الشافعية في الجديد؛ فقالوا للبائع أن يأخذ من المبيع بقسط ما بقي له من ثمنه، ويكون باقي المبيع للمفلس يباع في حق غرمائه (¬4). • وحجتهم: لأن من جاز أن يعود إلى عين ماله بالفسخ جاز له العود إلى بعضها (¬5). ¬
[243/ 24] مسألة: الإفلاس لا يعجل الدين المؤجل.
Rعدم انعقاد الإجماع في هذه المسألة لخلاف من سبق. [243/ 24] مسألة: الإفلاس لا يعجل الدين المؤجل. إذا أفلس إنسان مثلًا في أول عام، وعليه دين مؤجل إلى نصف العام أو نهايته؛ فإن هذا الدين لا يحل بإفلاسه، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن ما كان من دين للمفلس إلى أجل أن ذلك إلى أجله لا يحل بإفلاسه" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على أن ديون المفلس المؤجلة لا تحل بإفلاسه: الحنفية (¬2)، والشافعية في الصحيح عندهم (¬3)، والحنابلة في رواية هي الأصح عندهم (¬4). • مستند الإجماع: 1 - لأن من عليه الدين المؤجل له أن يتصرف في الذمة؛ فلم يحل عليه الدين (¬5). 2 - لأن استمرار التأجيل لا ينعدم به وجوب أصل الدين (¬6). 3 - لأن الأجل هو حق من حقوق المفلس فلا يسقط بسبب فلسه كسائر حقوقه (¬7). ¬
[244/ 25] مسألة: الاحتلام من علامات البلوغ.
4 - لأن الإفلاس ليس سببًا لحلول ماله على الغير؛ فكذا لا يوجب حلول ما للغير عليه كالجنون والإغماء. 5 - لأنه دين مؤجل على حي فلا يستوفى قبل أجله كغير المفلس. • الخلاف في المسألة: خالف الإجماع في هذه المسألة: المالكية (¬1)، والشافعية في قول غير الصحيح عندهم (¬2)، والحنابلة في رواية (¬3)، فقالوا: تحل الديون المؤجلة عليه بفلسه. • أدلة هذا الرأي: لأن الدين قد تعلق بالمال فحل الدين المؤجل كما في حال الموت (¬4).Rعدم انعقاد الإجماع على حلول الديون المؤجلة عند الإفلاس. [244/ 25] مسألة: الاحتلام (¬5) من علامات البلوغ. احتلام الصبي أو الصبية علامة من علامات البلوغ، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل وعلى المرأة ¬
بظهور الحيض منها" (¬1). الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال "واتفقوا على أن من احتلم فرأى الماء من الرجال والنساء أو حاضت من النساء بعد أن تتجاوز خمسة عشر ويستكملا في قدهما (¬2) ستة أشبار وهما عاقلان فقد لزمتهما الأحكام. . " (¬3). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: ". . . فكيفما خرج [أي المني] من يقظة أو منام بجماع أو احتلام أو غير ذلك حصل به البلوغ لا نعلم في ذلك اختلافًا" (¬4). وقال أيضًا: "والبلوغ يحصل بأحد أسباب ثلاثة؛ أحدها، الاحتلام، وهو خروج المني من ذكر الرجل أو قبل الأنثى في يقظة أو منام. وهذا لا خلاف فيه" (¬5). الإمام شمس الدين الزركشي الحنبلي ت 772 هـ، فقال: "يعرف البلوغ بواحد من ثلاثة أشياء (أحدها) الاحتلام إجماعًا" (¬6). الإمام ابن حجر ت 852 هـ؛ فقال: "أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام" (¬7). الإمام العيني، فقال: " (بلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال والإنزال إذا وطئ) وهذا بالإجماع بلا خلاف، وكذلك بلوغ الجارية بالحيض، والاحتلام والحبل بالإجماع" (¬8). الإمام ابن مفلح ت 884 هـ: "والبلوغ يحصل بالاحتلام، وهو خروج المني من القبل بغير خلاف" (¬9). الإمام المرداوي ت 885 هـ؛ فقال: " (والبلوغ يحصل بالاحتلام) بلا نزاع" (¬10). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق على الإجماع على البلوغ ¬
بالاحتلام جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - قوله تعالى (¬6): {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59]. قال الإمام الشيرازي في معرض الاستدلال بهذه الآية: "فأمرهم بالاستئذان بعد الاحتلام، فدل على أنه بلوغ" (¬7). 2 - قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} [النور: 58] (¬8). 3 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬9): "رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم" (¬10). ¬
4 - قول -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1): "لا يتم بعد احتلام. " (¬2). 5 - حديث معاذ (¬3) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجهه إلى اليمن أمره أن أخذ من كل حالم -عني محتلمًا- دينارًا" (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف في البلوغ بالاحتلام. ¬
[245/ 26] مسألة: الحيض من علامات البلوغ.
[245/ 26] مسألة: الحيض من علامات البلوغ. ظهور دم الحيض علامة من علامات البلوغ التي تختص بها الأنثى، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الأحكام تجب على المرأة إذا تطهرت من الحيض. . " (¬1). ونقل ابن قدامة عنه قوله "وأجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل، وعلى المرأة بظهور الحيض منها" (¬2). الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال "واتفقوا على أن من احتلم فرأى الماء من الرجال والنساء أو حاضت من النساء بعد أن تتجاوز خمسة عشر ويستكملا في قدهما (¬3) ستة أشبار وهما عاقلان فقد لزمتهما الأحكام" (¬4). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "وأما الحيض فهو علم على البلوغ لا نعلم فيه خلافًا" (¬5). الإمام القرطبي ت 671 هـ؛ فقال: "أما الحيض والحبل فلم يختلف العلماء في أنه بلوغ، وأن الفرائض والأحكام تجب بهما" (¬6). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: " (بلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال والإنزال إذا وطئ) وهذا بالإجماع بلا خلاف، وكذلك بلوغ الجارية بالحيض، والاحتلام والحبل بالإجماع" (¬7). الإمام المرداوي ت هـ 88 هـ؛ فقال: " (وتزيد الجارية بالحيض والحمل) بلا نزاع" (¬8). الشيخ زكريا الأنصاري ت 926 هـ؛ فقال: "والبلوغ يحصل إما (بكمال خمس عشرة سنة، أو إمناء وإمكانه كمال تسع سنين أو حيض) في حق ¬
أنثى بالإجماع" (¬1). وقال أيضًا: "وتزيد المرأة على ما ذكر من السن وخروج المني ونبات العانة بالحيض لوقت إمكانه بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على كون الحيض من علامات البلوغ عند الأنثى: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - ما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬8)، أنه قال: "إذا حاضت المرأة؛ فلا يحل أن ينظر إلى شيء من لدنها إلا إلى وجهها وكفيها" (¬9). ¬
قال الإمام الماوردي في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "فجعلها بالحيض عورة يحرم النظر إليها، فدل على أنها بالحيض صارت بالغة" (¬1). 2 - حديث عائشة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2)، أنه قال: "لا يقبل اللَّه صلاة حائض إلا بخمار" (¬3). قال الإمام الماوردي في معوض الاستدلال بهذا الحديث: "يعني بلغت، وقت الحيض، لا أنه أراد كونها في وقت الحيض؛ لأن الحائض لا تصح منها الصلاة بحال" (¬4). ¬
[246/ 27] مسألة: الحبل من علامات البلوغ.
• الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف في البلوغ بالحيض. [246/ 27] مسألة: الحبل من علامات البلوغ. الحبل علامة من علامات البلوغ المختصة بالأنثى، وقد نقل فيه الإجماع، ونفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام القرطبي ت 671 هـ؛ وقال: "أما الحيض والحبل فلم يختلف العلماء في أنه بلوغ، وأن الفرائض والأحكام تجب بهما" (¬1). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: " (بلوغ الغلام بالاحتلام والإحبال والإنزال إذا وطئ) وهذا بالإجماع بلا خلاف، وكذلك بلوغ الجارية بالحيض، والاحتلام والحبل بالإجماع" (¬2). الإمام المرداوي ت 885 هـ؛ فقال: " (وتزيد الجارية بالحيض والحمل) بلا نزاع" (¬3). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة في الصحيح عندهم (¬7). ¬
[247/ 28] مسألة: الشعر من علامات البلوغ.
• مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن لا يتصور حبل بدون إنزال للماء، فكان البلوغ به لا بالحبل (¬1). 2 - لأن اللَّه تعالى قد أجرى العادة بخلق الولد من ماء الرجل وماء المرأة. قال اللَّه تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} [الطارق: 5 - 7] ونزوله علامة من علامات البلوغ بالإجماع (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف الحنابلة في هذه المسألة في رواية عن أحمد الصحيح خلافها؛ فقالوا: لا يحصل بلوغها بغير الحيض (¬3).Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف في كون الحبل علامة من علامات البلوغ الخاصة بالأنثى؛ لضعف الخلاف في هذا في رواية الحنابلة. [247/ 28] مسألة: الشعر من علامات البلوغ. إنبات الشعر الخشن حول ذكر الرجل أو فرج المرأة [وهو العانة فيهما] الذي استحق أخذه بالموسى؛ علامة من علامات البلوغ، وقد نقل الإجماع والعمل على هذا. • من نقل الإجماع والعمل: الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ؛ فقال: "من جهل مولده وعدم منه الاحتلام أو جحده؛ فالعمل فيه على ما روى نافع عن أسلم عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه؛ أنه كتب إلى أمراء الأجناد: (أن لا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي) (¬4) " (¬5). ¬
الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "الثاني: إنبات الشعر الخشن حول القبل وهو علامة على البلوغ. . . ولم يظهر خلاف هذا فكان إجماعًا (¬1). • الموافقون على الإجماع والعمل: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على كون البلوغ يحصل بالإنبات: أبو يوسف وجماعة من الحنفية (¬2)، والمالكية في المشهور عنهم (¬3)، والشافعية في قول خلافه أصح (¬4)، والحنابلة في رواية هي المذهب وعليها الأصحاب (¬5)، وهو قول الليث وإسحاق (¬6). • مستند الإجماع والعمل: 1 - حديث عطية القرظي (¬7): عرضت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم قريظة، فشكوا فيَّ، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُنْظَرَ إلى هل أنبتُّ بعدُ؟ فنظروا إليَّ، فلم يجدوني ¬
أنبت بعد، فألحقوني بالذرية (¬1). 2 - ما روى نافع عن أسلم عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه (¬2)، أنه كتب إلى أمراء الأجناد: "أن لا يضربوا الجزية إلا على من جرى عليه المواسي" (¬3). 3 - لأن الغالب أن خروج الشعر يكون ملازمًا للبلوغ، والذكر والأنثى فيه سواء؛ فكان علامة على البلوغ كالاحتلام (¬4). 4 - لأن الخارج ضربان: متصل وهو الشعر، ومنفصل وهو الماء، فلما كان من المنفصل ما يثبت به البلوغ؛ كان كذلك المتصل. • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك فلم ير البلوغ بالشعر: أبو حنيفة وأكثر أصحابه منهم محمد ابن الحسن (¬5)، والمالكية في غير المشهور عنهم (¬6)، والشافعية في الأصح عندهم (¬7)، والحنابلة في الرواية الأخرى (¬8). • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن الشعر نبات في بدن الإنسان؛ فلا يصلح دليلًا على البلوغ كاللحية (¬9). ¬
[248/ 29] مسألة: يحصل البلوغ بالسن تسعة عشر عاما إذا لم يحتلم أو تحض.
2 - لأن اللحية يمكن أن نتوصل بها إلى معرفة البلوغ بدون المحظور الشرعي من لمس أو نظر بخلاف العانة؛ فإنه إما أن ينظر إليها أو تمس، فإذا لم يكن الشعر الذي لا محظور فيه صالح لإثبات البلوغ فالعانة أولى.Rعدم تحقق كون العمل على حديث اعتبار الإنبات علامة على البلوغ، عند من جُهل المولد، وانعدام الاحتلام أو جحده لخلاف أكثر الفقهاء؛ حتى إنّ مَنْ حُكِيَ عنه اعتبارُ الإنبات روي عنه عدمُ اعتباره، حتى قال الوزير ابن هبيرة: "واختلفوا في الإنبات هل هو علم للبلوغ محكوم به؟ " (¬1). [248/ 29] مسألة: يحصل البلوغ بالسن تسعة عشر عامًا إذا لم يحتلم أو تحض. من بلغ -أو بلغت- تسعة عشر عامًا، فقد فارق -أو فارقت- الصبا، ولحق بالرجال -أو لحقت بالنساء-، وقد نقل الإجماع على هذا كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "أما ظهور الماء في اليقظة الذي يكون منه الحمل فيصير به الذكر أبا والأنثى أما فبلوغ لا خلاف فيه من أحد. وأما استكمال التسعة عشر عامًا فإجماع متيقن" (¬2). وقال أيضًا: "ولا شك في أن من أكمل تسع عشرة سنة ودخل في عشرين سنة فقد فارق الصبا ولحق بالرجال لا يختلف اثنان من أهل كل ملة وبلدة في ذلك" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور الفقهاء على نفي الخلاف، في تحقق البلوغ عند سن تسعة عشر عامًا؛ بل أكثرهم جعله قبل ذلك: ومن قال به الحنفية (¬4)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: لم أعثر على مستند يؤيد أن بلوغ تسعة عشر -هكذا تحديدًا- يفارق الآدمي عنده الصبا ويلحق بالبالغين، لكن حديث ابن عمر التالي يؤيد هذه المفارقة قبل هذه السن. وأكثر الفقهاء يرون البلوغ بالسن دون ذلك، كما مرت أقوالهم عند العزو؛ وذلك لأن تسعة عشر عامًا تخطت هذه التحديدات، فالكل متفق على تسعة عشر، وإنما الخلاف فيما قبلها. ولعل مما يؤيد ذلك قول ابن حزم مستدلًا على هذا الإجماع ونفي الخلاف: "أصله أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورد المدينة وفيها صبيان وشبان وكهول، فألزم الأحكام من خرج، عن الصبا إلى الرجولة، ولم يلزمها الصبيان، ولم يكشف أحدا من كل من حواليه من الرجال: هل احتلمت يا فلان وهل أشعرت وهل أنزلت وهل حضت يا فلانة هذا أمر متيقن لا شك فيه. فصح يقينا أن هاهنا سنا إذا بلغها الرجل أو المرأة فهما ممن ينزل أو ينبت أو يحيض، إلا أن يكون فيهما آفة تمنع من ذلك" (¬4). وحديث ابن عمر هو (¬5): قال: "عرضت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنة؛ فلم يجزني ولم يرني بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق، ¬
[249/ 30] مسألة: أثر البلوغ.
وأنا ابن خمس عشرة سنة، فرآنى بلغت فأجازني" (¬1). • الخلاف في المسألة: لم يخالف أحد في كون من بلغ تسعة عشر عامًا قد فارق الصبا، ولحق بالبالغين والبالغات.Rتحقق نفي الخلاف في كون من أتم تسعة عشر عامًا قد فارق الصبا، ولحق بالبالغين والبالغات. [249/ 30] مسألة: أثر البلوغ. إن أثر البلوغ هو وجوب الفرائض من صلاة وصيام وغيرها، ولزوم الأحكام من حدود وغيرها على الجنسين، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال "وأجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المسلم البالغ" (¬2). ونقل عنه الموفق ابن قدامة قوله: "وأجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل، وعلى المرأة بظهور الحيض منها" (¬3). الإمام ابن العربي ت 543 هـ، فقال: "رفع اللَّه الحرج عن الآدمي حتى يبلغ الحلم، وينتهي إلى النكاح بإجماع ونص القرآن" (¬4). الإمام القرطبي ت 671 هـ؛ فقال: "أما الحيض والحبل فلم يختلف العلماء في أنه بلوغ، وأن الفرائض والأحكام تجب بهما" (¬5). الإمام ابن حجر ت 852 هـ؛ فقال: "أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به ¬
العبادات والحدود وسائر الأحكام" (¬1). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6) على الإجماع على أن أثر البلوغ وجوبُ الأحكام والفرائض على من بلغ. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - قوله تعالى (¬7): {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] وقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] وقوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152، الإسراء: 34]. قال الإمام ابن تيمية في معرض الاستدلال بهذه الآيات: "اللَّه إنما علق الأحكام ببلوغ الحلم بقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6]-ثم ساق ¬
الآيات الثلاث-" (¬1). قال الإمام النفراوي في معرض الاستدلال بالآية الثانية: "فوجوب الاستئذان بالبلوغ علامة على لزوم سائر الفرائض، إذ لا قائل بالفرق بين حكم وحكم" (¬2). 2 - ما روى ابن عمر رضي اللَّه عنهما (¬3) أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني. قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هذا الحديث فقال: إن هذا لحدٌّ بين الصغير والكبير، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة (¬4). قال الحافظ ابن حجر في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "واستدل بقصة ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- هذه على أن من استكمل خمس عشرة سنة أجريت عليه أحكام البالغين، فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود، ويستحق سهم الغنيمة، ويُقتل إن كان حربيًا، ويفك عنه الحجر إن أونس رشده" (¬5). 3 - قوله عليه السلام (¬6): "رُفِع القلم عن ثلاث: الصبي حتى يحتلم. . . " (¬7). قال الإمام ابن حزم: "وقد صح عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن القلم مرفوع عن ¬
[250/ 31] مسألة: إذا ظهرت على الخنثى علامات الذكور أو بال من الذكر وحده؛ فهو رجل.
الصبي حتى يبلغ؛ فصح أنه غير مخاطب" (¬1). وقال الإمام القرافي عقب هذا الحديث: "فجعل الحُلُم مناط الأحكام" (¬2). • الخلاف في المسألة: لم يخالف أحد في وجوب الأحكام والفرائض بالبلوغ.Rانعقاد الإجماع وتحقق نفي الخلاف في أن أثرَ البلوغ هو وجوبُ الأحكام والفرائض على من بلغ. [250/ 31] مسألة: إذا ظهرت على الخنثى (¬3) علامات الذكور أو بال من الذكر وحده؛ فهو رجل. إذا ظهرت على الخنثى علاماتُ الذكور من نباتِ لحية أو خروجِ مني رجل من ذكر، أو بولٍ من ذكر وحده؛ فهو رجل، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن الخنثى يرث من حيث يبول: إن بال من حيث يبول الرجال ورث ميراث الرجال، وإن بال من حيث تبول المرأة ورث ميراث المرأة" (¬4). ونقله عنه الإمام ابن قدامة بلفظ: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول إن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة" (¬5). الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أنه إن ظهرت علامات المني ¬
والإحبال أو البول من الذكر وحده؛ أنه رجل في جميع أحكامه ومواريثه وغيرها" (¬1). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وهو قول علي ومعاوية وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد (¬6) على الإجماع على أنه إذا ظهرت على الخنثى علامات الذكور أو بال من الذكر وحده؛ فهو رجل. • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - ما روي عن علي (¬7)، أنه قال: يورث الخنثى من حيث يبول (¬8). ¬
2 - حديث ابن عباس (¬1)، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عن مولود له قُبُل وذَكَر من أين يورث؛ قال: "من حيث يبول" (¬2). 3 - ما وروي؛ أنه عليه السلام أتي بخنثى من الأنصار؛ فقال: "ورثوه من أول ما يبول منه" (¬3). 4 - لأن اللَّه تعالى جعل لكم من الذكر والأنثى مخرجًا خاصًّا، فبول الذكر من الذكر، وبول الأنثى من الفرج فرجع في التمييز إليه (¬4). ¬
[251/ 32] مسألة: إذا ظهرت على الخنثى علامات الأنوثة أو بالت من الفرج وحده فهو امرأة.
5 - لأن الاعتماد على المبال لأنه أدوم وأيسر لكل أحد (¬1). 6 - لأن خروج البول هو من أظهر العلامات لمعرفة النوع لوجوده لدى الصغير والكبير بينما سائر العلامات إنما تعرف بعد الكبر (¬2). • الخلاف في المسألة: لن يخالف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع والاتفاق على أنه إذا ظهرت على الخنثي، علامات الذكور أو بال من الذكر وحده؛ فهو رجل. [251/ 32] مسألة: إذا ظهرت على الخنثى علامات الأنوثة أو بالت من الفرج وحده فهو امرأة. إذا ظهرت على الخنثى علاماتُ النساء من حيض أو حمل أو سقوط الثديين أو بالت من الفرج وحده؛ فهو امرأة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن الخنثى يرث من حيث يبول: إن بال من حيث يبول الرجال ورث ميراث الرجال، وإن بال من حيث تبول المرأة ورث ميراث المرأة" (¬3). ونقله عنه الإمام ابن قدامة بلفظ: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول إن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة" (¬4). الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أنه إن ظهرت علامات الحيض المتيقن أو الحبل أو البول من الفرج وحده؛ فإنه أنثى في جميع أحكامه ومواريثه وغيرها" (¬5). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على أنه إذا ظهرت على الخنثى علامات النساء أو بالت، من الفرج ¬
وحده؛ فهي امرأة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وهو قول على ومعاوية وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد (¬5). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - ما روي عن علي كرم اللَّه وجهه (¬6)، أنه قال: يورث الخنثى من حيث يبول (¬7). 2 - حديث ابن عباس (¬8)، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عن مولود له قُبُلٌ وذَكَرٌ، من أين يورث؛ قال: "من حيث يبول" (¬9). 3 - ما روي (¬10)، أنه عليه السلام أتي بخنثى من الأنصار؛ فقال: "وَرِّثُوه ¬
[252/ 33] مسألة: إذا لم يظهر من الخنثى شيء من العلامات، وكان البول يندفع من كلا الثقبين؛ فهو مشكل.
من أول ما يبول منه" (¬1). 4 - لأن اللَّه تعالى جعل لكم من الذكر والأنثى مخرجًا خاصًا، فبول الذكر من الذكر، وبول الأنثى من الفرج فرجع في التمييز إليه (¬2). 5 - لأن الاعتماد على المبال لأنه أدوم وأيسر لكل أحد (¬3). 6 - لأن خروج البول هو من أظهر العلامات لمعرفة النوع لوجوده لدى الصغير والكبير بينما سائر العلامات إنما تعرف بعد الكبر (¬4). • الخلاف في المسألة: لم يخالف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع والاتفاق على أنه إذا ظهرت على الخنثى علامات النساء أو بالت من الفرج وحده؛ فهي امرأة. [252/ 33] مسألة: إذا لم يظهر من الخنثى شيء من العلامات، وكان البول يندفع من كلا الثقبين؛ فهو مشكل. إذا لم يظهر على الخنثى علاماتُ الذكور من نباتِ لحية أو خروجِ مني رجل من ذكر، أو بولٍ من ذكر وحده، أو علاماتُ النساء من حيض أو حمل أو سقوط الثديين أو استدارتهما، وكان البول يندفع من كلا الثقبين؛ فهو خنثى مشكل، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أن المشكل هو ما لم يظهر منه شيء مما ذكرنا، وكان البول يندفع من كلا الثقبين اندفاعًا واحدًا مستويًا" (¬5). الإمام المرغيناني ت 593 هـ؛ فقال: "وإن كان يخرج منهما على السواء؛ فهو مشكل بالاتفاق" (¬6). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الإجماع على ¬
أنه إذا لم يظهر من الخنثى شيء من العلامات، وكان البول يندفع من كلا الثقبين؛ فهو مشكل: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وهو قول على ومعاوية وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد (¬5). • مستند الاتفاق: لانعدام المرجح في كون الشخص أنثى أو ذكرًا لوجود العلامتين واستوائهما (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة أبو حنيفة فتوقف عن القول فيها بشيء (¬7).Rانعقاد الاتفاق على أنه إذا لم يظهر من الخنثى شيء من العلامات، وكان البول يندفع من كلا الثقبين؛ فهو مشكل، وذلك لأن توقف أبي حنيفة؛ لا يعد خلافًا حقيقة. ¬
الباب الرابع المسائل المجمع عليها في المشاركات وفيه تمهيد وفصلان: تمهيد: تعريف المشاركات وأدلة مشروعيتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع في عقد الشركة. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في عقد المضاربة
الباب الرابع المسائل المجمع عليها في عقود المشاركات
الباب الرابع المسائل المجمع عليها في عقود المشاركات تمهيد: تعريف المشاركات وأدلة مشروعيتها: أولًا: تعريف المشاركات لغة واصطلاحًا: أ- المشاركات لغة: مفردها مشاركة، وهي مصدر شارك الرباعي، يقال: شارك فلان فلانًا مشاركة. والثلاثي من شارك: شرك. يقال: شَرِك فلانًا في الأمر [وفي المال كذلك] شِرْكَا وشَرِكةً وشِرْكَةً وشَرْكَةً، أي صار له شريكًا؛ فكان لكل منهما نصيب منه (¬1). ب- المشاركة اصطلاحًا: من الشَّرِكَة، أو الشِّرْكَة. والشركة: هي ثبوت الحق في شيء لاثنين فأكثر على جهة الشيوع (¬2). أو هي: عقد بين المتشاركين في الأصل والربح (¬3). أو هي: الاجتماع في استحقاق أو تصرف (¬4). ثانيًا: من أدلة مشروعية المشاركات: 1 - قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]. قال الإمام الماوردي عقب استدلاله بهذه الآية: "فجعل اللَّه تعالى خمس الغنائم مشتركة بين أهل الخمس، وجعل الباقي مشتركًا بين الغانمين؛ لأنه لما أضاف المال إليهم وبين الخمس لأهله؛ علم أن الباقي لهم" (¬5). ¬
2 - وقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. قال الإمام الماوردي في معرض استدلاله بهذه الآية: "فجعل التركة شركة بين الورثة" (¬1). 3 - وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] فجعل أهل السهام شركاء في الصدقات. قاله الإمام الماوردي (¬2). 4 - وقوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24]. يعني الشركاء (¬3). 5 - حديث جابر رضي اللَّه عنهما (¬4)؛ أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من كان له شريك في رَبْعٍ أو حائط (¬5)، فلا يبَعِهْ حتى يُؤذِنَ شَرِيْكَهُ" (¬6). 6 - خبر السائب بن أبي السائب (¬7): أنه كان يشارك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل الإسلام في التجارة؛ فلما كان يوم الفتح جاءه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مرحبًا بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري. يا سائب قد كنت تعمل أعمالًا في الجاهلية لا تقبل منك، وهي اليوم تقبل منك"، وكان ذا سلف وصلة (¬8). ¬
7 - خبر عن أبي هريرة (¬1)، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إن اللَّه تعالى يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما" (¬2). قال الإمام الشربيني: "والمعنى أنا معهما بالحفظ والإعانة، فأمدهما بالمعونة في أموالهما، وأنزل البركة في تجارتهما، فإذا وقعت بينهما الخيانة، رفعت البركة والإعانة عنهما، وهو معنى خرجت من بينهما" (¬3). ¬
الفصل الأول مسائل الإجماع في عقد الشركة
الفصل الأول مسائل الإجماع في عقد الشركة [253/ 1] مسألة: الشركة جائزة. الشركة جائزة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن الشركة جائزة من كل مطلق التصرف" (¬1). الإمام الموفق ابن قدامة ت 625 هـ، فقال: "وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة" (¬2). الإمام ابن مودود الموصلي ت 683 هـ؛ فقال: "كتاب الشركة. . . بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والناس يتعاملونها؛ فلم ينكر عليهم، وتعاملوا بها إلى يومنا هذا من غير نكير، فكان إجماعًا" (¬3). الإمام برهان الدين ابن مفلح ت 884 هـ، فقال: "كتاب الشركة وهي ثابتة بالإجماع" (¬4). الإمام الشوكاني ت 1250 هـ، فقال: "أصل الشركة ثابت بالسنة المطهرة وعليه أجمع المسلمون" (¬5). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2) على الإجماع على جواز الشركة. • مستند الإجماع والاتفاق (¬3): 1 - قوله تعالى (¬4): {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220]. 2 - وقوله تعالى (¬5): {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19]. قال الإمام القرافي: "مقتضاه الشركة في الطعام المُشترى بالورق" (¬6). 3 - وقوله تعالى (¬7): {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3]. قالت عائشة رضي اللَّه عنها: هي اليتيمة تشاركه في ماله (¬8). 4 - حديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه (¬9): قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يُقْسَمْ. فإذا وقعتِ الحُدُودُ (¬10) وصُرفَتِ الطُّرُقُ (¬11)، ¬
[254/ 2] مسألة: صورة الشركة الصحيحة.
فلا شُفْعَةَ (¬1). 5 - حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما (¬2)، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أعتق شركًا له في عبد، فكان له مالٌ يبلغُ ثمنَ العبدِ؛ قُوِّم العبدُ عليه قيمةَ عَدْلٍ، فأعطى شركاءَه حِصَصَهم، وعَتَقَ عليه، وإلا فقد عَتَقَ منه ما عَتَقَ" (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق على جواز الشركة. [254/ 2] مسألة: صورة الشركة الصحيحة. الشركة الصحيحة أن يخرج كل من الشريكين مالًا مثل صاحبه، ثم يخلطاه بحيث لا يتميز، فيبيعا ويشتريا، على أن ما كان فيه من فضل فلهما، وما كان من نقص فعليهما. وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الشركة الصحيحة: أن يخرج كل واحد من الشريكين مالًا مثل صاحبه دنانير أو دراهم، ثم يخلطان ذلك حتى يصير مالًا واحدًا لا يتميز، على أن يبيعا ويشتريا ما رأيا من التجارات، على أن ما كان فيه من فضل فلهما، وما كان من نقص فعليهما، فإذا فعلا ذلك صحت الشركة" (¬4). الإمام ابن بطال ت 449 هـ، فقال: "وأجمع العلماء أن الشركة الصحيحة أن يخرج كل واحد من الشريكين مالًا مثل مال صاحبه، ثم يخلطان ذلك ولا يتميز، ثم ليس لأحدهما أن يبيع إلا مع صاحبه، إلا أن يجعل كل واحد منهما لصاحبه أن يتجر بما رآه، ويقيمه مقام نفسه" (¬5). الإمام ابن حزم ت، 456 هـ، ¬
فقال: "اتفقوا أن الشركة إذا أخرج كل واحد من الشريكين أو الشركاء دراهم متماثلة في الصفة والوزن وخلطوا كل ذلك خلطًا لا يتميز به ما أخرج كل واحد منهم أو منهما؛ فإنها شركة صحيحة فيما خلطوه من ذلك على السواء بينهم" (¬1). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور الفقهاء على الإجماع على كون الشركة الصحيحة بالصفة السابقة: زفر تلميذ أبي حنيفة (¬2)، وقول بعض المالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - إن الشركة مبنية على الاختلاط، فإن أمكن تمييز المالين، فلا اختلاط إذَا، فلا تتحقق معنى الشركة (¬5). ¬
2 - أن من أحكام الشركة أن الهلاك يكون من المالين، وقبل الخلط ما هلك من أحد المالين يكون على صاحبه، وهذا ليس من مقتضى الشركة، فلا بد من الخلط (¬1). 3 - ما ثبتت الشركة فيه بالخلط أو الاختلاط، فإنه لا يجوز التصرف فيه إلا بموافقة الشريك وإذنه، لأن الخلط هو استهلاك معنى، فترتب عليه شبهة زوال ملك نصيب كل واحد من الشريكين إلى شريكه، فكان لزامًا وجود الإذن بالتصرف (¬2). 4 - لأن الربح فرع المال ولا تقع الشراكة فيه إلا إذا وجدت الشراكة في أصله وهو المال، ولا يتصور ذلك بلا خلط، والجنسان لا يختلط أن فيكون ممتازًا عن نصيب الآخر، ولا اشتراك مع الامتياز (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف أبو حنيفة وصاحباه أبو يوسف، ومحمد وأتباعهم ومالك في رواية وابن القاسم والحنابلةُ في بعض شروط الشركة الصحيحة السابقة. فقال أبو حنيفة وصاحباه وأتباعهم، ومالك في رواية وابن القاسم، والحنابلة: لا يشترط لجواز الشركة خلط المالين (¬4). وخالف الحنفية أيضًا فلم يشترطوا لصحتها اتفاق المالين في الجنس؛ بل يجوز أن يخرج أحدهما دراهم والآخر دنانير (¬5)، وكذا الحنابلة وحكاه ابن قدامة عن الحسن وابن سيرين (¬6). ¬
كما خالف الحنفية أيضًا فلم يشترطوا تساوي المالين في القدر، وجوزوا التفاضل في المال (¬1)، وكذا بعض أصحاب الشافعي (¬2)، والحنابلة وحكاه ابن قدامة عن الحسن والشعبي والنخعي وإسحاق (¬3). دليل الحنفية ومالك وابن القاسم والحنابلة ومن وافقهم على عدم اشتراط خلط المالين في الشركة: 1 - أن أي المالين هلك هلك من مال صاحبه؛ لأنه بقي على ملكه بعد عقد الشركة، وكل واحد منهما أمين في رأس مال صاحبه سواء هلك فى يده أو في يد صاحبه يكون هلاكه عليه (¬4). 2 - أن الشركة تشتمل على الوكالة، فما جاز التوكيل به؛ جازت الشركة فيه، والتوكيل جائز في المالين قبل الخلط، كذا الشركةُ (¬5). 3 - أن الشركة عقد توكيل من الطرفين ليشتري كل واحد منهما بثمن في ذمته على أن يكون المشترى بينهما وهذا لا يفتقر إلى الخلط (¬6). دليل الحنفية والحنابلة ومن وافقهم في الخلاف الثاني، وهو عدم اشتراط اتفاق المالين في الجنس: 1 - أن الدارهم والدنانير من جنس الأثمان فكانت المجانسة ثابتة في الثمنية (¬7). 2 - أن الدراهم والدنانير من جنس الأثمان فصحت الشركة فيهما كالجنس الواحد، ومتى تفاصلا يرجع هذا بدنانيره، وهذا بدراهمه، ثم اقتسما الفضل (¬8). ¬
[255/ 3] مسألة: جواز كون رأس مال الشركة من النقدين.
دليل الحنفية وبعض أصحاب الشافعي والحنابلة ومن وافقهم في، الخلاف الثالث، وهو عدم اشتراط اتفاق المالين في القدر: 1 - أن المالين مالان من جنس الأثمان مهما تفاوتا؛ فجاز عقد الشركة عليهما كما لو تساويا (¬1).Rعدم تحقق الإجماع والاتفاق على اقتصار الشركة الصحيحة على الصفة المذكورة لخلاف من سبق. [255/ 3] مسألة: جواز كون رأس مال الشركة من النقدين. رأس مال الشركة يجوز أن يكون من النقدين الدارهم أو الدنانير، وقد نقل الإجماع على ذلك، ونفي فيه الخلاف. • من نقل الإجماع، ونفى الخلاف: الإمام علاء الدين السمرقندي ت 539 هـ، فقال: "أن يكون رأس مال الشركة أثمانا مطلقة من الدراهم والدنانير عند أكثر العلماء، ويصح عقد الشركة فيهما بالإجماع" (¬2). الإمام الموفق ابن قدامة ت 625 هـ، فقال: "لا خلاف في أنه يجوز جعل رأس المال الدراهم والدنانير" (¬3). الإمام الرافعي ت 623 هـ؛ حيث قال: "لا خلاف في جواز الشركة في النقدين" (¬4). الإمام العيني ت 855 هـ، فقال: "ولا خلاف في أن الشركة تصح بالنقدين والفلوس النافقة [الرائجة] " (¬5). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الإجماع ونفي الخلاف في جواز أن يكون رأس مال الشركة من النقدين: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، ¬
[256/ 4] مسألة: عدم جواز الشركة بالعروض.
والشافعية (¬1)، الحنابلة (¬2). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: لأن الدارهم والدنانير قيم الأموال وأثمان البِياعات، والناس يشتركون بها من لدن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى زمننا من غير نكير (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف في جواز أن يكون رأس مال الشركة من أحد النقدين: الدارهم أو الدنانير. [256/ 4] مسألة: عدم جواز الشركة بالعروض (¬4). الشركة بالعُروض -وهي ما عدا الأثمان والحيوان والنبات- غير جائزة، وقد نقل الإجماع على عدم الجواز. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الشركة بالعروض لا تجوز" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على عدم جواز الشركة بالعروض: الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، وهو ¬
الظاهر عند الحنابلة ومنصوص أحمد، وقال به أكثرهم (¬1)، والثوري وإسحاق وأبو ثور (¬2)، والأوزاعي إلا إذا كانت قمحًا أو زبيبًا فيخلطان جميعًا (¬3)، وابن شبرمة (¬4)، وابن سيرين، ويحيى بن أبي كثير (¬5). • مستند الإجماع: 1 - لأن الشركة من لوازمها الوكالة، والوكالة الورادة في الشركة لا تصح في العروض (¬6). 2 - لأن العروض تتغير قيمها فربما زادت قبل بيعها فيشاركه الآخر في نماء ماله من العين التي هي ملكه (¬7). 3 - لأن الشركة عند انقضائها أو المفاصلة يرجع فيها برأس المال أو بمثله، مثل العروض، فيرجع إليه (¬8). 4 - لأن العروض تحتم أن تنقص قيمتها فيؤدي إلى مشاركة الشريك الآخر في أصل ملكه أو ثمنه الذي ليس بربح. 5 - ولا يصح أن تكون الشركة في العرض وعلى أثمانها لأنها معدومة وقت العقد، وليس بملك لهما، ولأنها إن كانت الشركة في الثمن بيع البيع فهي شركة معلقة على شرط. ¬
6 - لأن الشركة بالعروض لازمه هو ربح ما لم يضمن، فملك الشريك قبل الخلط من ضمانه (¬1). 7 - لأن ثمن العروض مجهول، والشركة لا تصح على رأس مال مجهول (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف هذا الإجماع فقال بجواز الشركة بالعروض: المالكية (¬3)، وأحمد في رواية، وهو اختيار أبي بكر وأبي الخطاب من الحنابلة [ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد] (¬4)، وابنُ أبي ليلى (¬5)، والأوزاعي [إذا كانت قمحًا أو زبيبًا فيخلطان جميعًا] (¬6)، وحماد بن أبي سليمان (¬7)، وعثمانُ البتي (¬8). • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن غاية الشركة ومقصودها، هو تسليط كل من الشريكين على مال الشركة واقتسام الربح بينهما، وهذا ممكن في العروض (¬9). 2 - أن الشركة إذا وقعت فإنما تقع على قيمة العرض الذي شارك به كل واحد منهما، فلم يكن رأس مال مجهولًا (¬10). ¬
[257/ 5] مسألة: الإذن في التصرف بمال الشركة من الشريكين يجعل كل واحد منهما متصرفا بالأصالة والوكالة في مال الشركة.
Rعدم تحقق الإجماع على عدم جواز الشركة بالعروض لخلاف من سبق من العلماء بجوازها. [257/ 5] مسألة: الإذن في التصرف بمال الشركة من الشريكين يجعل كل واحد منهما متصرفا بالأصالة والوكالة في مال الشركة. إذا أذن كل شريك لصاحبه في التصرف في مال الشركة بالبيع والشراء؛ صار كل واحد منها متصرفًا في ماله بصفته أصيلًا، وفي مال صاحبه بالوكالة، وانفرد بالبيع والشراء حتى ينهاه صاحبه. وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن ليس لأحد منهما أن يبيع ويشتري دون صاحبه، إلا أن يجعل كل واحد منهما لصاحبه أن يتحرى في ذلك بما يرى، فان فعلا، قام كل واحد منهما مقام صاحبه، وانفرد بالبيع والشراء حتى ينهاه صاحبه" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على جواز تصرف كل من الشريكين بإذنه بالبيع والشراء وانفراده بذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). ¬
[258/ 6] مسألة: من باع من الشركاء ما لا يتغابن الناس بمثله أو اشترى مما لا عيب فيه فالبيع جائز ولازم.
• مستند الإجماع: 1 - لأن تصرف أحد الشريكين في مال صاحبه إنما يكون وكالة، والوكالة يشترط لها الإذن، كما لو أراد التصرف في مال غير مشترك (¬1). 2 - لأن الشركة مبينة على الوكالة والأمانة؛ لأنه بالتفويض في المال وجدت الأمانة، وبالإذن له في التصرف وجدت الوكالة، ولكل من الشريكين العمل في مال الشركة بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه (¬2). 3 - لأن الشركة حقيقتها توكيل وتوكُّل، وبالإذن يجوز له التصرف منفردا (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع على جواز تصرف كل من الشريكين بإذنه بالبيع والشراء وانفراده بذلك، مع وجود اختلاف بينهم في كيفية حصول الإذن هل يحصل بمطلق الشراكة لأن العرف جار به أو لا بد من وجود صريح اللفظ. [258/ 6] مسألة: من باع من الشركاء ما لا يتغابن الناس بمثله أو اشترى مما لا عيب فيه فالبيع جائز ولازم. إذا باع أحد الشريكين ما لا يتغابن الناس بمثله أو اشترى ما لا عيب فيه بالتراضي كان جائزًا لازمًا للجميع. وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن من باع منهم في ذلك ما لا يتغابن الناس بمثله أو اشترى كذلك ما لا عيب إذا تراضوا بالتجارة فيه؛ فإنه جائز لازم لجميعهم" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: لم أجد عند الفقهاء من نص على هذه المسألة ¬
[259/ 7] مسألة: جواز الشركة بغير ذكر الأجل.
سوى الحنفية (¬1). • مستند الاتفاق: 1 - لأنهما بموجب عقد الشركة، أذن كل شريك لصاحبه بالتصرف بمال الشركة (¬2). 2 - لأن الشركة تقتضي الوكالة فأصبح كل واحد من الشريكين وكيل صاحبه بالبيع. 3 - لأن مقصود الشركة حصول الربح، ويتحقق ذلك إلا بالتجارة، وما التجارة إلا البيع والشراء؛ فوجود عقد الشركة وإقدامهما عليه إذنًا من كل واحد منهما لصاحبه بالبيع والشراء دلالة. • الخلاف في المسألة: لم أجد -كما سبق- من تطرق لهذه المسألة بموافقة أو مخالفة سوى الحنفية، وقد خالف فيها الصاحبان.Rعدم تحقق الاتفاق على أنه إذا باع أحد الشريكين ما لا يتغابن الناس بمثله أو اشترى ما لا عيب فيه بالتراضي كان جائزًا لازمًا للجميع؛ لخلاف الصاحبين. [259/ 7] مسألة: جواز الشركة بغير ذكر الأجل. يصح انعقاد الشركة دون ذكر أجل انتهائها، بحيث يجوز لأحد، الشريكين أن يفسخ الشركة متى شاء، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "وأجمعوا أن الشركة كما ذكرنا بغير ذكر أجل جائزة" (¬3). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الإجماع على صحة انعقاد الشركة دون أن تحد بأجل: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). إلا أن الحنفية يرون أن من شَرَطَ عدمَ الفسخ إلا بعلم صاحبه؛ لم يجز الفسخُ إلا بعلمه، ولم ينفسخ العقدُ أيضًا إلا به؛ لأن الفسخ من غير علم صاحبه إضرار بصاحبه (¬5). • مستند الإجماع: 1 - لأن الشركة عقد جائز مخير لازم، والعقود غير اللازمة تكون محتملة للفسخ، فإذا فسخ من أحد الطرفين عند وجود شرط الفسخ ينفسخ (¬6). 2 - لأن عقد الشركة من العقود الجائزة مخير اللازمة، مما يعنى أن لكل واحد من الشريكين فسخ الشركة متى شاء (¬7). ¬
[260/ 8] مسألة: الربح والخسارة على السواء إذا كان رأس المال سواء.
• الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rهي تحقق الإجماع على صحة انعقاد الشركة دون ذكر أجل انتهائها، بحيث يجوز لأحد الشريكين فسخ الشركة متى شاء. [260/ 8] مسألة: الربح والخسارة على السواء إذا كان رأس المال سواء. الشركة تقوم على أن يكون الربح والخسارة بين الشركاء على السواء إذا كان رأس مالهما سواء. وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ، فقال: "وأجمعوا على أن الشركة الصحيحة: أن يخرج كل واحد من الشريكين مالًا مثل صاحبه دنانير أو دراهم، ثم يخلطان ذلك حتى يصير مالًا واحدًا لا يتميز، على أن يبيعا ويشتريا ما رأيا من التجارات، على أن ما كان فيه من فضل فلهما، وما كان من نقص فعليهما، فإذا فعلا ذلك صحت الشركة" (¬1). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن لهما أو لهم التجارة فيما أخرجوه من ذلك، وأن الربح بينهم على السواء والخسارة بينهم على السواء" (¬2). قلت: قد سبق اشتراطه في مسألة صورة الشركة الصحيحة أن تكون الأموال المقدمة من الشريكين متماثلة في الصفة والوزن. الإمام علاء الدين السمرقندي ت 539 هـ، فقال: "لا شك أنهما إذا شرطا الربح بينهما نصفين جاز بالإجماع إذا كان رأس مالهما على السواء" (¬3). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ، حيث قال: "اتفقوا على أنه إذا كان الربح تابعًا لرؤوس الأموال أعني إن كان أصل مال الشركة متساويين كان الربح بينهما نصفين" (¬4). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ وفيه: "الخسران في الشركة على كل ¬
واحد منهما بقدر ماله، فإن كان مالهما متساويًا في القدر، فالخسران بينهما نصفين، وإن كان أثلاثًا، فالوضيعة أثلاثًا. لا نعلم في هذا خلافًا بين أهل العلم" (¬1). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الإجماع توزيع الربح والخسارة على السواء إذا كانت الأصول متساوية: زفر صاحب أبي حنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - لأن الربح نماء مال الشريكين والخسارة هي نقصان مالهما أيضًا، فكانا على قدر المالين (¬6). 2 - ولأن اشتراط التفاضل في الربح والخسران إذا كان المال متساويًا باطل لمخالفته لمقتضى عقد الشركة، كما لو اشترط أحدهما تفرده بالربح (¬7). ¬
3 - لأن سبب استحقاق الربح هو إما المال أو العمل أو هما معًا؛ وحيث وجد التساوي في المال وجد التساوي في الربح والخسارة (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف هذا الإجماع فأجاز اشتراط التفاضل في الربح مع التساوي في المال: أبو حنيفة وصاحباه أبو يوسف، ومحمد وأتباعهم (¬2)، والحنابلةُ (¬3). إلا أن الحنفية (¬4) والحنابلة (¬5) وافقوا الإجماع على أن الخسارة تكون على قدر المالين ولا يجوز التفاضل في الخسارة. • أدلة هذا الرأي: 1 - قوله عليه الصلاة والسلام (¬6): "الربح على ما شرطا، والواضيعة على قدر المالين" (¬7). 2 - لأن الربح يستحق بالأعمال بشرط العمل ولا يلزم من ذلك أن يعمل الشريك (¬8). 3 - لأن العمل سبب لاستحقاق الربح به؛ فجاز أن يتفاضلا في الربح مع ¬
[261/ 9] مسألة: تنفسخ الشركة بموت أحد الشريكين.
وجود العمل منهما كالمضاربين لرجل واحد (¬1). 4 - لأن أحد الشريكين قد يكون أقدر وأعلم بالتجارة من صاحبه فجاز له أن يسأل زيادة في الربح في مقابل عمله، كما لو اشترط المضارب الربح في مقابل عمله (¬2). 6 - لأن الشركة وقعت على المال والعمل جميعًا، وكل منهما يقتضي حصة من الربح لو كان منفردًا، فكذلك إذا اجتمعا (¬3). 7 - لأن الأصل في توزيع الربح إنما هو الشرط وقد وجد فجاز التفاضل. 8 - ولا يصح التفاضل في الخسارة لأنه عبارة عن نقص في رأس المال، فكان مختصًا بهما مالكه، لا على الشريك العامل فيه، فيكون النقص على مالكه دون غيره (¬4).Rعدم انعقاد الإجماع والاتفاق على أن الشركة تقوم على أن يكون الربح بين الشركاء على السواء لخلاف من سبق من الحنفية والحنابلة. وانعقاد الإجماع ونفي الخلاف على أن الشركة تقوم على أن يكون الخسران بين الشركاء على السواء. [261/ 9] مسألة: تنفسخ الشركة بموت أحد الشريكين. لو مات أحد الشريكين أو كلاهما أو الشركاء كلهم انفسخت الشركة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ: "وأجمعوا أنه إذا مات أحد منهما انفسخت الشركة" (¬5). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: ¬
"واتفقوا أن الشركة كما ذكرنا فإنها متمادية عليهم كلهم؛ ما لم يقسمها واحد منهم أو منهما أو كلاهما، وما لم يمت أحدهما أو كلاهما أو كلهم" (¬1). قال ابن الهمام: " (قوله وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق بدار الحرب بطلت الشركة) مفاوضة كانت أو عنانًا إذا قضى بلحاقه على البتات حتى لو عاد مسلمًا لم يكن بينهما شركة، وإن لم يقض القاضي بلحاقه انقطعت على سبيل التوقف بالإجماع إذا مات أحد الشريكين أو ارتد" (¬2). قال ابن نجيم: " (قوله وتبطل الشركة بموت أحدهما، ولو حكمًا) لأنها تتضمن الوكالة ولا بد منها لتحقق الشركة على ما مر، والوكالة تبطل بالموت، والموت الحكمي الالتحاق بدار الحرب مرتدًا إذا قضى القاضي به؛ لأنه بمنزلة الموت كما قدمناه، فلو عاد مسلمًا لم يكن بينهما شركة وإن لم يقض بلحاقه انقطعت على سبيل التوقف بالإجماع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
[262/ 10] مسألة: للشريك إنهاء الشركة بعد بيع السلع وحصول الثمن.
• مستند الإجماع والاتفاق: 1 - لأن بالموت بطلت ملكية الشريك وأهليته في التصرف (¬1). 2 - لأن الشركة تتضمن الوكالة، والوكالة تبطل بموت أحد طرفيها إجماعًا (¬2). 3 - لأن الشركة من العقود الجائزة من الطرفين، والعقود الجائزة تبطل بموت أحد المتعاقدين (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق على انفساخ الشركة بموت أحد الشريكين. . [262/ 10] مسألة: للشريك إنهاء الشركة بعد بيع السلع وحصول الثمن. إذا أراد أحد الشريكين إنهاء الشركة بعد بيع السلع وحصول الثمن فله ذلك، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أن من أراد منهم الانفصال بعد بيع السلع وحصول الثمن؛ فإن ذلك له" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: لم أجد أحدًا من الفقهاء تطرق لهذه المسألة صراحة، ولكن تَكَلمَ عن نُضُوضِ المال أي صيرورته دارهم أو دنانير [بعد أن كان عروضًا، وهذا يعني بيع السلع وحصول الثمن] وأنهما لا ينفصلان أو يقتسمان حتى ينض المال -كلُّ من المالكية (¬5)، والحنابلة (¬6). ¬
[263/ 11] مسألة: صورة شركة العنان.
Rتحقق الاتفاق على أنه إذا أراد أحد الشريكين إنهاء الشركة بعد بيع السلع وحصول الثمن فله ذلك، وقد نقل الاتفاق على هذا، وحيث لا مخالف. [263/ 11] مسألة: صورة شركة العنان (¬1). شركة العِنان: أن يخرج كل واحد من الشريكين مالًا مثل صاحبا، دنانير أو دراهم، ثم يخلطان ذلك حتى يصير مالًا واحدًا لا يتميز، على أن يبيعا ويشتريا ما رأيا من التجارات، على أن ما كان فيه من فضل فلهما، وما كان من نقص فعليهما. وهذه الصورة هي صورة الشركة الصحيحة؛ إذ يبدو أنهم آن تعريفهم للشركة عامة تصوروا شركة العنان. ودليل ذلك أن موفق الدين ابن قدامة بعد تعريفه لشركة العنان، قال: "وهي جائزة بالإجماع، ذكره ابن المنذر" (¬2). ¬
[264/ 12] مسألة: جواز شركة العنان.
وتعريف ابن المنذر كما سبق في صورة الشركة الصحيحة عام، ولم يتطرق للفظ العِنان. ولذا فما ذكر هناك في مسألة صورة الشركة الصحيحة، هو هو ما يقال هنا؛ من حيث نقلُ الإجماع والاتفاق، وذكرُ الموافقين على الإجماع والاتفاق، والمستندُ، والخلافُ في المسألة، ودليلُ كل مخالف، والنتيجةُ. [264/ 12] مسألة: جواز شركة العنان. شكر العنان بالصورة التي ذكرناها في المسألة السابقة جائزة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على ذلك، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع (¬1): الإمام علاء الدين السمرقندي ت 539 هـ، فقال: "أما شركة العنان، فتفسيرها: أن يشارك صاحبه في بعض الأموال التي ذكرنا لا في جميع الأموال، ويكون كل واحد منهما وكيلًا عن صاحبه في التصرف في النوع الذي عينا من أنواع التجارة أو في جميع أنواع التجارة إذا عينا ذلك أو أطلقا ويبينان قدر الربح. وهذه الشركة جائزة بلا خلاف" (¬2). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ، فقال: "واتفقوا على أن شركة العنان جائزة" (¬3). الإمام الكاساني ت 587 هـ، فقال: "أما العنان فجائز بإجماع فقهاء الأمصار" (¬4). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "شركة العنان. . . وهي جائزة بالإجماع" (¬5). الإمام الزيلعي ت 742 هـ، فقال: "شركة العنان فإنها جائزة بالإجماع" (¬6). الإمام شمس الدين المنهاجي الأسيوطي ت 880 هـ، فقال: "شركة العنان جائزة بالاتفاق" (¬7)، الإمام الشربيني، حيث قال: ¬
" (وشركة العنان صحيحة) بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: وافق على هذا الإجماع جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم، ولم يعرف لهم مخالف: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - ما روي أن أسامة بن شريك (¬6) جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: أتعرفني؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "وكيف لا أعرفك وكنت شريكي، ونعم الشريك لا تداري ولا تماري" (¬7). قال الإمام الكساني عقب استدلاله بهذا الحديث: "وأدنى ما يستدل بفعله عليه السلام الجواز" (¬8). 2 - لأن الشركة تتضمن الوكالة في التصرف عن الشريك لشريكه، والتوكيل مشروع (¬9). 3 - الناس في كل عصر تتعامل بذلك من غير نكير، و"ما رآه المسلمون ¬
حسنًا؛ فهو عند اللَّه حسن" (¬1) (¬2). 4 - أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بُعث والناس يتعاملون بهذه الشركة؛ فلم ينههم، والتقرير أحد وجوه السنة. 5 - لأن الشركة تشتمل على مصالح للعباد، وحاجتهم إلى تنمية أموالهم ماسة ومن سبل التنمية الشركة، فكانت مشروعة. • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد لهذا الإجماع على مشروعية شركة العنان.Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في مشروعية شركة العنان. ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في عقد المضاربة
الفصل الثاني مسائل الإجماع في عقد المضاربة [265/ 1] مسألة: جواز المضاربة. المضاربة، والمقارضة، والقِراض كلها بمعنى واحد، وهي عقد شركة في الربح بمال رجل، وعمل من آخر (¬1)، وهي جائزة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن القِراض بالدنانير والدراهم جائز" (¬2). الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أن القِراض كما ذكرنا فى التجارة المطلقة جائز" (¬3) ¬
الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ؛ فقال: "والقِراض مأخوذ من الإجماع الذي لا خلاف فيه عند أحد من أهل العلم" (¬1). وقال أيضًا: "أصل هذا الباب إجماع العلماء على أن المضاربة سنة معمول بها مسنونة قائمة" (¬2). الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ؛ فقال: "واتفقوا على جواز المضاربة" (¬3). الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ فقال: "وأما الإجماع فإنه روي عن جماعة من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم أنهم دفعوا مال اليتيم مضاربة. . . ولم ينقل أنه أنكر عليهم من أقرانهم أحد ومثله يكون إجماعًا" (¬4). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "لا خلاف بين المسلمين في جواز القِراض" (¬5). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "أجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة" (¬6). الإمام الأسيوطي المنهاجي ت 880 هـ؛ فقال: "اتفق الأئمة رحمهم اللَّه تعالى على جواز المضاربة" (¬7). • الموافقون على الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: وافق على الإجماع على جواز المضاربة في الجملة جمهور أهل العلم: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، ¬
والظاهرية (¬1)، وهو مروي عن عمر وعثمان وعلى وابن مسعود وعبد اللَّه بن عمر وعائشة وحكيم بن حزام وغيرهم من الصحابة رضي اللَّه عنهم (¬2). • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: 1 - قوله تعالى (¬3): {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]. قال الماوردي في استدلاله بالآية: "وفي القراض ابتغاء فضل وطلب نماء" (¬4). 2 - قوله تعالى (¬5): {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]. 3 - قوله تعالى (¬6): {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20]. 4 - قوله عليه السلام (¬7): "دعوا الناس يرزق اللَّه بعضهم من بعض" (¬8). قال الإمام الماوردي في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "وفي القراض رزق بعضهم من بعض" (¬9). 5 - حديث أسلم مولى عمر بن الخطاب (¬10) قال: خرج عبد اللَّه وعبيد اللَّه ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلما قفلا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل، ثم قال: لو أقدر لكما على ¬
أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال اللَّه أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه، فتبتاعان به متاعًا من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون الربح لكما، فقالا: وددنا ذلك، ففعل، وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكلُّ الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا. فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه. فأما عبد اللَّه فسكت، وأما عبيد اللَّه؛ فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه، فقال عمر: أدياه. فسكت عبد اللَّه، وراجعه عبيد اللَّه. فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضًا، فقال عمر: قد جعلته قراضًا، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد اللَّه وعبيد اللَّه ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال (¬1). 6 - ما روي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما (¬2)، أنه قال: كان سيدنا العباس ابن عبد المطلب إذا دفع المال مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرًا، ولا ينزل به واديًا، ولا يشتري به دابة ذات كبد رطبة؛ فإن فعل ذلك ضمن، فبلغ شرطُه رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأجاز شرطه (¬3). 7 - خروج النبي عليه السلام في قراض بمال خديجة رضي اللَّه عنها (¬4). 8 - لقيام الحاجة إليها؛ فالناس بين غني بالمال غني عن التصرف فيه، ¬
[266/ 2] مسألة: صفة المضاربة.
وبين عارف بالتصرف لا مال له؛ فقامت الحاجة إلى هذه الشركة لتنتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني (¬1). 9 - أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث والناس يتعاقدون المضاربة؛ فلم ينكر عليه وأقرهم على ذلك، والتقرير أحد وجوه السنة (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف في جواز المضارية. [266/ 2] مسألة: صفة المضاربة. صفة المضاربة أن يعطي الشخص لغيره مالًا ليتجر به على جزء معلوم من الربح يأخذه العامل فيه، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن رشد ت 595 هـ، فقال: "كتاب القراض. . . أجمعوا على أن صفته أن يعطي الرجل الرجل المال على أن يتجر به على جزء معلوم يأخذه العامل من ربح المال، أي جزء كان مما يتفقان عليه ثلثًا أو ربعًا أو نصفًا، وأن هذا مستثنى من الإجارة المجهولة" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور الفقهاء من: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
[267/ 3] مسألة: عقد المضاربة غير لازم.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3) على الاتفاق على صفة المضاربة الآنفة. • أدلة الإجماع: 1 - قوله عليه السلام (¬4): "دعوا الناس يرزق اللَّه بعضهم من بعض" (¬5). قال الإمام الماوردي في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "وفي القراض رزق بعضهم من بعض" (¬6). 2 - لقيام الحاجة إليها؛ فالناس بين غني بالمال غني عن التصرف فيه، وبين عارف بالتصرف لا مال له؛ فقامت الحاجة إلى هذه الشركة لتنتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني (¬7). 3 - لأن الرخصة في ذلك؛ إنما هي لموضع الرفق بالناس (¬8).Rانعقاد الإجماع على الصفة الآنفة للمضاربة أو القراض. [267/ 3] مسألة: عقد المضاربة غير لازم. لزوم عقد المضاربة غير متحقق؛ لأنه عقد جائز، والعقد الجائز يحق لأي من الطرفين فسخه، دون رضا من الآخر، متى بدا له؛ إلا إذا شرع العامل في العمل بالمال فلا يفسخ إلا أن يعود الثمن كله كما أخذه، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. ¬
• من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا في القراض أن لكل واحد منهما إذا تم البيع وحصل الثمن كله أن يترك التمادي في القراض إن شاء الآخر أم أبى" (¬1). الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ؛ فقال: "وأجمعوا أن القراض ليس عقدًا لازمًا، وأن لكل واحد منهما أن يبدو له فيه، ويفسخه ما لم يشرع العامل في العمل به بالمال ويشتري به متاعًا أو سلعًا؛ فإن فعل لم يفسخ حتى يعود المال ناضًّا (¬2) عينًا كما أخذه" (¬3). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "أجمع العلماء على أن اللزوم ليس من موجبات عقد القراض، وإن لكل واحد منهما فسخه ما لم يشرع العامل في القراض" (¬4). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور الفقهاء على الإجماع على أن عقد المضاربة ليس لازمًا: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
[268/ 4] مسألة: رأس مال المضاربة لا بد أن يكون نقدا.
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - لأن المضاربة عقد غير لازم، والعقود غير اللازمة يجوز فسخها من كل واحد من المتعاقدين (¬3). 2 - لأن المضاربة ليس لها مدة، لذا لا يجبر الممتنع منهما على الاستمرار في أمر لا يريده، كما لا يصح التأخير في ذلك؛ لأن كل واحد منهما لا يدري كم يكون التأخير؟ ! ، حيث قد ترتفع قيمة البضاعة وقد تنقص خلال الانتظار، فإيجاب التأخير في ذلك خطأ (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع والاتفاق على كون عقد المضاربة ليس لازمًا. [268/ 4] مسألة: رأس مال المضاربة لا بد أن يكون نقدا. المال الذي تنبني عليه شركة المضاربة لا بد أن يكون دنانير أو دراهم، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام الخطيب الشربيني ت 977 هـ؛ فقال: "كتاب القِراض. . . (ويشترط لصحته كون المال) فيه (دراهم أو دنانير خالصة) بالإجماع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الإجماع على كون مال المضاربة لا يكون إلا من الدراهم والدنانير: الحنفية (¬6)، وهو تحصيل ¬
المذهب عند المالكية (¬1)، والشافعيةُ (¬2)، وهو ظاهر المذهب وأصح الروايتين عند الحنابلة (¬3)، والظاهريةُ (¬4)، وهو قول أبي سليمان (¬5) وإبراهيم النخعي والحسن (¬6) وابن سيرين ويحيى بن أبي كثير والثوري وإسحاق وأبو ثور (¬7) والليث (¬8). • مستند الإجماع: 1 - نهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬9) عن ربح ما لم يُضْمَن (¬10). قال الإمام السرخسي في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "والمضاربة بالعروض تؤدي إلى ذلك؛ لأنها أمانة في يد المضارب، وربما ترتفع قيمتها بعد العقد، فإذا باعها حصل الربح واستحق المضارب نصيبه من غير أن يدخل شيء في ضمانه، بخلاف النقد فإنه يشتري بها، وإنما يقع الشراء بثمن مضمون في ¬
ذمته، فما يحصل له يكون ربح ما قد ضُمِن" (¬1). 2 - لأن الدارهم والدنانير مستودع القيم وأثمان للسلع، والناس من لدن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الآن يتشاركون بهما من غير نكير (¬2). قال الإمام ابن قدامة: "لأن الشركة إما أن تقع على أعيان العروض أو قيمتها أو أثمانها: لا يجوز وقوعها على أعيانها؛ لأن الشركة تقتضي الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله، وهذه لا مثل لها فيرجع إليه، وقد تزيد قيمة جنس أحدهما دون الآخر فيستوعب بذلك جميع الربح أو جميع المال، وقد تنقص قيمته فيؤدي إلى أن يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح. ولا على قيمتها؛ لأن القيمة غير متحققة القدر فيفضي إلى التنازع وقد يقوم الشيء بأكثر من قيمته، ولأن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فيشاركه الآخر في العين المملوكة له. ولا يجوز وقوعها على أثمانها؛ لأنها معدومة حال العقد ولا يملكانها، ولأنه إن أراد ثمنها الذي يبيعها به، فإنها تصير شركة معلقة على شرط، وهو بيع الأعيان ولا يجوز ذلك" (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف مالك في رواية (¬4)، والحنابلة في الرواية الثانية وهي الأظهر عندهم والأصوب جواز المضاربة بالعروض وتجعل قيمتها وقت العقد رأس المال (¬5)، وهو قول طاوس والأوزاعي وحماد بن أبي سليمان (¬6) وابن أبي ليلى (¬7). ¬
[269/ 5] مسألة: جواز تعدد الأموال والمضارب واحد.
• أدلة هذا الرأي: 1 - لأن العروض في المضاربة بمنزلة الأرض للزراعة والنخل للَّه للمعاملة. قال الإمام أبو جعفر الطحاوي تعقيبًا على هذا الاستدلال الذي لابن أبي ليلى: "تشبيهه بالمزارعة والمعاملة بعيد؛ لأن المضاربة يدفع منها رأس المال ثم الربح بينهما" (¬1). 2 - أن غاية عقد المضاربة هو كون الربح بينهما وجواز التصرف في المال، وهذا يتحقق بالعروض كالنقود؛ فيجب أن تصح المضاربة بها كالأثمان، وعند المفاصلة يرجع صاحب العروض بقيمة ماله عند العقد (¬2).Rعدم تحقق الإجماع على كون المضاربة لا تكون إلا بالدراهم والدنانير لخلاف من سبق. [269/ 5] مسألة: جواز تعدد الأموال والمضارب واحد. قد يتعدد أرباب الأموال فتتعدد الأموال، ويكون في كل ذلك العامل واحدًا، يعمل بكل مال على حدة، وهذا جائز، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أن للعامل إذا أخذ من اثنين فصاعدا قراضًا أن يعمل بكل مال على حدته، وأن ذلك جائز" (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الاتفاق على جواز تعدد الأموال في المضاربة مع توحد العامل: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
[270/ 6] مسألة: عدم جواز جعل الدين مال مضاربة.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الاتفاق: لم أقف على ذكر أحد من الفقهاء مستندًا لهذه المسألة. • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rانعقاد الاتفاق على جواز تعدد الأموال في المضاربة مع توحد العامل. [270/ 6] مسألة: عدم جواز جعل الدين مال مضاربة. إذا كان لرجل على رجل دين؛ لا يجوز أن يجعل هذا الدين مالًا للمضاربة، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم؛ أنه لا يجوز أن يجعل الرجل دينًا له على رجل مضاربةً" (¬3). الإمام الكاساني ت 587 هـ؛ فقال: "إذا كان لرب المال على رجل دين فقال له: اعمل بديني الذي في ذمتك مضاربة بالنصف أن المضاربة فاسدة بلا خلاف" (¬4). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "ولا يجوز أن يقال لمن عليه دين: ضارب بالدين الذي عليك، نص أحمد على هذا، وهو قول أكثر أهل العلم ولا نعلم فيه مخالفًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق على الإجماع على عدم ¬
جواز المضاربة بالدين جمهور الفقهاء: الحنفية (¬1)، وأكثر المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، هو قول أكثرهم والمشهور والمذهب عندهم، وهو قول عطاء والحكم وحماد والثوري وإسحاق وأبو ثور (¬5). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن المال الذي في يدي المدين هو ملك المدين وليس الدائن، وإنما يصير للدائن بقبضه ولم يوجد هنا قبض (¬6). 2 - لأن التوكيل بالشراء بدين في ذمة الوكيل؛ لا يصح حتى يعين البائع، أو المبيع، والمضاربة هي توكيل بالشراء؛ لذا لم تصح بدين في الذمة (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة (¬8)، وبعض المالكية (¬9)، وبعض الحنابلة (¬10)، فقالوا بصحة المضاربة ¬
[271/ 7] مسألة: جواز المضاربة في التجارة المطلقة.
بالدين، وقد نصره الإمام ابن القيم (¬1). • وأدلتهم على ذلك: 1 - لأنه بالشراء يكون مشتريا بإذن رب المال، وقد دفع العامل وهو المدين المال إلى البائع بإذنه، فيسقط الدين عن المدين، ويصير كما لو دفع رب المال عرضًا وقال للعامل بعه وضارب بثمنه (¬2). 2 - لأنه لم يرد دليل من الأدلة الشرعية على منع هذه الصورة، ولم تخالف قاعدة من قواعد الشرع، ولا يترتب عليها محظور شرعي (¬3).Rعدم تحقق الإجماع ونفي الخلاف في عدم جواز المضاربة بالدين لخلاف أبي يوسف ومحمد وبعض الحنابلة كالإمام ابن القيم وغيره. [271/ 7] مسألة: جواز المضاربة في التجارة المطلقة (¬4). المضاربة في التجارة المطلقة جائزة، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أن القِراض كما ذكرنا في التجارة المطلقة جائز" (¬5). ¬
[272/ 8] المضارب بالمال يكون بما جرت به العادة.
• الموافقون على الاتفاق هنا، هم الموافقون على جواز المضاربة. عند مسألة حكم المضاربة. وكذا المستند هنا هو نفس المستند هناك. أنه لا خلاف في جواز هذه أيضًا وعليه فالنتيجة هي نفس النتيجة أيضًا: تحقق الاتفاق على جواز المضاربة في التجارة المطلقة. [272/ 8] المضارب بالمال يكون بما جرت به العادة. على المضارب أن يتصرف بمال المضاربة بما يتصرف فيه التجارة عادة؛ فلا يتجر إلا على النظر والاحتياط، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن رشد ت 595 هـ؛ فقال: "الجميع متفقون على أن العامل إنما يجب له أن يتصرف في عقد القراض ما يتصرف فيه الناس غالبًا أكثر الأحوال" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، ¬
[273/ 9] مسألة: للمضارب حرية البيع والشراء والرد بالعيب.
والحنابلة (¬1) على الاتفاق على أن للمضارب أن يتصرف فيما يتصرف فيه الناس على الاحتياط والنظر. • مستند الاتفاق: 1 - لأنه العامل وكيل رب المال، والوكيل مطلوب منه التصرف على النظر والاحتياط (¬2). 2 - لأن إطلاق الإذن يحمل على ما جرة العادة به، وما جرة به العادة صح فعله له، وإن لم تجري به عادة فليس للعامل فعله (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق الاتفاق على أنه على المضارب أن يتصرف بمال المضاربة بما يتصرف فيه الناس؛ فيتجر على النظر والاحتياط. وهذا الاتفاق هو اتفاق في تنقيح المناط، وإن كان هناك اختلاف بينهم في بعض الصور إنما هو راجع لاختلافهم في تحقيق المناط الذي هو الغبطة والمصلحة. [273/ 9] مسألة: للمضارب حرية البيع والشراء والرد بالعيب. لعامل المضاربة الحرية في البيع والشراء والرد بالعيب ونحو ذلك، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أن للعامل أن يبيع ويشترى بغير مشورة صاحب المال ويرد بالعيب" (¬4). ¬
• الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الاتفاق على أن لعامل المضاربة الحرية في البيع والشراء: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الاتفاق: 1 - لأن المقصود من العقد هو الاسترباح، وهو لا يتحصل إلى بالبيع والشراء، وما يفعله التجارة عادة من صنوف التجارة، والرد بالعيب ونحوه (¬5). 2 - لإن رب المال إذا أطلق العقد، فإنه يحمل على ما فعله التجار عادة، وهو البيع والشراء والرد بالعيب، ولا يتضمن ما لا يفعل عادة (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق الاتفاق على أن لعامل المضاربة الحرية في البيع والشراء والرد بالعيب دون الرجوع إلى إذن رب المال. ¬
[274/ 10] مسألة: ضمان المضارب لاستغراق كراء النقل لثمن السلع.
[274/ 10] مسألة: ضمان المضارب لاستغراق كراء النقل لثمن السلع. إن تكارى العامل لنقل السلع إلى بلد، فاستغرق الكراء قيم السلع وفضل عليه فضلة أنها على العامل، لا على رب المال، وكذلك ما زاد على المال واستغرقه، وقد ثقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نفى الخلاف: الإمام ابن عبد البر ت 456 هـ؛ فقال: "قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالًا قراضا فاشترى به متاعًا فحمله إلى بلد التجارة فبار عليه وخاف النقصان إن باعه، فتكارى عليه إلى بلد آخر فباع بنقصان، فاغترق الكراء أصل المال كله. قال مالك أن كان فيما باع وفاء للكراء فسبيله ذلك، وإن بقي من الكراء شيء بعد أصل المال كان على العامل، ولم يكن على رب المال منه شيء يتبع به. . . (¬1). قال أبو عمر: لست أعلم فيما ذكره مالك خلافًا وهو أصل وإجماع" (¬2). الإمام ابن رشد؛ فقال: "ولا أعرف خلافًا بين فقهاء الأمصار أنه إن تكارى العامل على السلع إلى بلد فاستغرق الكراء قيم السلع وفضل عليه فضلة أنها على العامل لا على رب المال" (¬3). • الموافقون على الإجماع: لم أعثر عند الفقهاء على نص أو إشارة إلى هذه المسألة، سوى المالكية (¬4). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن رب المال إنما قارضه في مال دفع له، فليس للعامل أن يلحق رب المال بما سوى ذلك من المال المدفوع، ولو صح أن يبعه به لكان دين في ذمة رب المال، ورب المال لم يأذن له به؛ فليس للعامل أن يحمل ذلك على رب المال (¬5). ¬
[275/ 11] مسألة: مضارب المضارب بالمال لا يكون إلا بإذن رب المال.
2 - لأن رب المال إنما دفع ماله إلى المضارب ليتجر به، فما كان من خسارة فعلى رب المال بمقدار ما دفع وما زاد فعلى المقارض (¬1). • الخلاف فى المسألة: لم أعثر على خلاف في هذه المسألة، كما لم أعثر من قبل على وفاق.Rانعقاد الإجماع على تحميل المضارب الكراء لنقل السلع إن استغرق الكراء قيمتها؛ لعدم الوقوف على المخالف. [275/ 11] مسألة: مضارب المضارب بالمال لا يكون إلا بإذن رب المال. مضارب المضارب لا يكون إلا بإذن رب المال، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام محمد بن الحسن التميمى الجوهرى ت في حدود 350 هـ، فقال: "وأجمعوا أن المضارب لا يدفع المال إلى غيره مضاربة إلا بإذن ربه، أو يطلق له في العقد أن يضع فيه رأيه" (¬2). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "لم يختلف هؤلاء المشاهير من فقهاء الأمصار أنه إن دفع العامل رأس مال القراض إلى مقارض آخر أنه ضامن إن كان خسران" (¬3). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "ليس للمضارب دفع المال إلى آخر مضاربة نص عليه أحمد. . قال: إن أذن له رب المال وإلا فلا. . . وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا أعرف عن غيرهم خلافهم" (¬4). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم من الحنفية [إذا قيد بشيء عندهم] (¬5)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية في قول الأصح خلافه (¬2)، والحنابلة في أصح الوجوه عندهم (¬3) على الإجماع على كون مضارب المضارب، لا يكون إلا بإذن رب المال. هذا على أن الحنفية يرون أن رب المال لو فوض الأمر لعامل المضاربة، بأن قال له اعمل برأيك مثلًا؛ فإنه يجوز للعام أن يضارب بدون إذن رب المال. قال الإمام ابن مودود الموصلي الحنفي: " (ولا يضارب إلا بإذن رب المال، أو بقوله: اعمل برأيك) ". ثم يذكر دليل ذلك فيقول: "لأن الشيء لا يستتبع مثله لاستوائها في القوة فاحتاج إلى التنصيص أو مطلق التفويض" (¬4). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه واللَّه يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق؛ فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه، فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فَرقٍ (¬5) من أرز، فذهب ¬
وتركه، وإني عمدت إلى ذلك الفرق، فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقرًا، وأنه أتانى يطلب أجره؛ فقلت: اعمد إلى تلك البقر، فسقها. فقال لي: إنما لي عندك فرق من أرز؛ فقلت له: اعمد إلى تلك البقر؛ فإنها من ذلك الفرق فساقها" (¬1). • وجه الدلالة: أن تجارة الرجل في مال الرجل بغير إذنه الأصل فيها عدم الجواز، وهي موقوفة على إجازته، إن أجازه نفذ وإلا لغا (¬2). 2 - لأن تصرف المقارض بالإذن، فلا يملك هذا التصرف إلا بالإذن فإذا لم يأذن له رب المال فيه فلا يملكه (¬3). 3 - لأنه إن وقع هذا التصرف من العامل دون إذن فقد أوجب في المال حقا لغيره، ولا يصح أن يوجب الإنسان حقًّا في مال غيره إلا بإذنه (¬4). 4 - لأن الشيء لا يتضمن مثله إلا بالتنصيص عليه أو التفويض المطلق إليه (¬5). 5 - لأن رب المال لو أراد من العامل أن يقارض غيره، لقارضهما ابتداء لأنه يجوز للمالك أن يقارض شخصين في الابتداء (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف الشافعية في الأصح عندهم؛ فقالوا لا يصح أن يضار المضارب غيره حتى ولو أذن المالك (¬7). ¬
• ودليلهم على هذا: 1 - لأن المضاربة جاءت على خلاف القياس، فموضوع المضاربة أن يكون أحد العاقدين مالكًا لا عمل له، والآخر محاملًا، ولو متعمدًا لا ملك له، أما مضاربة المضارب لغيره فهي تدور بين عاملين فلا يصح (¬1). كما خالف القاضي أبو من الحنابلة فخرج وجهًا في جواز أن يضارب المضارب غيره ولو لم يأذن (¬2). • ودليلهم على هذا: 1 - لأن هذا من باب توكيل الوكيل من غير إذن الموكل وهو جائز (¬3). وقد تعقبه الموفق ابن قدامة فقال: "ولا يصح هذا التخريج، وقياسه على الوكيل ممتنع لوجهين: أحدهما: أنه إنما دفع إليه المال هاهنا ليضارب به ويدفعه إلى غيره مضاربة يخرج عن كونه مضاربًا به بخلاف الوكيل. الثاني: إن هذا يوجب في المال حقا لغيره ولا يجوز إيجاب حق في مال إنسان بغير إذنه" (¬4).Rعدم انعقاد الإجماع على جواز أن يضار المضارب غيره بإذن المالك؛ لخلاف من سبق من الشافعية في الأصح، ووجه عند الحنابلة. وغني عن الذكر القول بعدم انعقاده على جواز أن يضارب غيره إن أطلق رب المال للمقارض في العقد أن يضع فيه رأيه، ولم يصرح له بالإذن. ¬
[276/ 13] مسألة: جواز أمر المضارب بالتجارة في سلعة معينة.
[276/ 13] مسألة: جواز أمر المضارب بالتجارة في سلعة معينة. إذا أمر رب المال المضارب بالتجارة في سلعة معينة؛ فذلك جائز، ولزمه التجارة فيها بعينها، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أنه إن أمره بالتجارة في جنس سلعة بعينها مأمونة الانقطاع؛ فإن ذلك جائز لازما ما لم ينهه عن غيرها" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق فقهاء الحنفية (¬2)، والحنابلة (¬3) على الاتفاق على وجوب التزام المضارب بما أمره به رب المال من التجارة في سلعة بعينها. • مستند الاتفاق: 1 - لأنه توكيل مع تخصيص وفي التخصيص فائدة فيتخصص (¬4). 2 - لأن المضاربة من العقود التي يصح تخصيصها بنوع فصح تخصيصها في سلعة بعينها كالوكالة (¬5). 3 - أن مقصود المضاربة حصول الربح وهذا التخصيص لا يمنع المقصود، وغايته إنما يقلله والتقليل لا يمنع الصحة. 4 - لأنها مضاربة خاصة لا تمنع الربح بالكلية؛ فصحت كما لو شرط أن لا يتجر إلا في نوع يعم وجوده. ¬
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقهاء المالكية (¬1)، والشافعية (¬2) فقالوا بعدم جواز تخصيص رب المال للمضارب التجارةَ في سلعة بعينها؛ إلا إن تكون السلعة مما يكثر وجودها ولا تنقطع في وقت من السنة، فإن لم تكن كذلك لم يجز هذا التخصيص، وكانت المضاربة على ذلك فاسدة. • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن المعين قد يتلف؛ فيتعذر شراء غيره، أو قد يباع بما لا فضل في ثمنه (¬3). 2 - لأن غاية المضاربة هو الربح فإذا علق على ما لا يعم أو على سلعة بعينها قد تتعذر الغاية، فإذا تعذرت فلا تصح المضاربة (¬4). 3 - لا التقييد على هذا الوجه فيه تضيق على المقارض فيعظم الغرر (¬5).Rعدم تحقق الاتفاق علي جواز تخصيص رب المال للمضارب التجارةَ في سلعة بعينها لخلاف المالكية والشافعية السابق. ¬
[277/ 13] مسألة: جواز نهي المضارب عن التجارة في سلعة معينة.
[277/ 13] مسألة: جواز نهي المضارب عن التجارة في سلعة معينة. إذا نهي صاحب المال المضارب عن التجارة في جنس ما من السلع؛ جاز، وكان على شرطه في ذلك، فإن تعدى وتاجر في هذا المنهي عنه كان ضامنًا، وقد نقل الإجماع على لزوم وجوب الشرط. • من نقل الإجماع: الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "لو اشترط عليه أن لا يشتري جنسًا ما من السلع؛ لكان على شرطه في ذلك بإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور الفقهاء على الإجماع على وجوب التزام المضاربِ شرطَ صاحب المال في عدم التجارة فيما نهاه عنه من السلع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وهو مروي عن أبي هريرة وحكيم بن ¬
[278/ 14] مسألة: عدم جواز أمر المضارب أن لا يبتاع بالمال إلا نخلا لأجل طلب ثمره مع إمساك أصله.
حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد وإسحاق (¬1)، وهو قول فقهاء المدينة السبعة (¬2). • مستند الإجماع: 1 - لأن غير المنهي عنه من السلع ما لا يعدم التجارة فيها في بلد من البلدان ولا وقت من الأوقات، وهذا هو الشرط في صحة المضاربة (¬3)، 2 - لأن المضارب متصرف في مال رب المال فإذا فعل ما نهي عنه كان متصرفا بغير إذنه؛ فلزمه الضمان كالغاصب (¬4). 3 - لأن رب المال لم دفع ماله للمضارب إلا على الوجه الذي أمره به؛ فإذا فعل ما نهي عنه كان متعديا، فصار غاصبًا فيضمن (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أجد من خالف في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع على وجوب التزام المضاربِ شرطَ صاحب المال في عدم التجارة فيما نهاه عنه من السلع. [278/ 14] مسألة: عدم جواز أمر المضارب أن لا يبتاع بالمال إلا نخلًا لأجل طلب ثمره مع إمساك أصله. إذا أمر صاحبُ المال المضاربَ أن لا يشتري إلا نخلًا؛ طلبًا لثمره مع مسك رقابها؛ لم يجز أمره، وقد نقل ابن عبد البر ت 463 هـ؛ أن هذا قول مالك وسائر ¬
الفقهاء؛ فقال: "قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالًا قراضًا، واشترط عليه أن لا يبتاع به إلا نخلًا أو دواب لأجل أنه يطلب ثمر النخل أو نسل الدواب ويحبس رقابها، قال مالك: لا يجوز هذا، وليمس هذا من سنة المسلمين في القراض. . . (¬1). قال أبو عمر ابن عبد البر: "هذا قول سائر الفقهاء" (¬2). • الموافقون على هذا الرأي: لم أعثر عند الفقهاء على نص أو إشارة تتعلق بهذه المسألة سوى المالكية (¬3)، والشافعية (¬4). مستند هذا الرأي: 1 - لأن عقد المضاربة مختص بما كان الربح فيه نتيجة البيع والشراء، أما ما كان من غير بيع أو شراء بشراء النخل بقصد الثمرة فالنماء هنا حادث من غير البيع والشراء؛ فبطل أن يكون قراضًا (¬5). 2 - لأن القراض عقد مخصوص ليس من باب الإجارات والبيوع؛ فلا يتجاوز به سنته، ولا يصح القياس عليه غيره، كالعرايا لا يقاس عليها غيرها، لأنه رخصة مخصوصة خارجة عن الأصل؛ فلا تقع المضاربة ولا تنعقد إلا على سمنتها (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق ما حكاه ابن عبد البر من سائر الفقهاء على عدم جواز مضاربة العامل على أن لا يبتاع بالمال إلا نخلًا لأجل طلب ثمرها. ¬
[279/ 15] مسألة: عدم جواز أمر المضارب أن لا يبتع بالمال إلا دواب لأجل نسل الدواب وحبس رقابها.
[279/ 15] مسألة: عدم جواز أمر المضارب أن لا يبتع بالمال إلا دواب لأجل نسل الدواب وحبس رقابها. إذا أمر صاحبُ المال المضاربَ أن لا يشتري إلا دواب طلبًا لنسلها؛ لم يجز أمره، وقد نقل ابن عبد البر ت 463 هـ؛ أن هذا قول مالك وسائر الفقهاء؛ فقال: "قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالًا قراضًا، واشترط عليه أن لا يبتاع به إلا نخلًا أو دواب لأجل أنه يطلب ثمر النخل أو نسل الدواب ويحبس رقابها، قال مالك: لا يجوز هذا، وليس هذا من سنة المسلمين في القراض. . . (¬1). أبو عمر ابن عبد البر: "هذا قول سائر الفقهاء" (¬2). • الموافقون على هذا الرأي: لم أعثر عند الفقهاء على نص أو إشارة تتعلق بهذه المسألة سوى المالكية (¬3)، والشافعية (¬4). مستند هذا الرأي: لأن القراض عقد مخصوص ليس من باب الإجارات والبيوع؛ فلا يتجاوز به سنته، ولا يصح قياسها على غيرها، فالقراض عقد مخصوص؛ فلا تقع المضاربة ولا تنعقد إلا على سنتها، وكان له فيما لو عمل أجرة مثله وكانت الدواب لرب المال (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق ما حكاه ابن عبد البر من قول الفقهاء على عدم جواز مضاربة العامل على أن لا يبتاع بالمال إلا دواب لأجل طلب نسلها. ¬
[280/ 16] مسألة: إذا نهي المضارب أن يبيع نسيئة فباع نسيئة ضمن.
[280/ 16] مسألة: إذا نهي المضارب أن يبيع نسيئة فباع نسيئة ضمن. إذا نهى رب المال المضارب أن يبيع نسيئة [أي إلى أجل] فباع نسيئة، ضَمِنَ، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن رب المال إذا نهى العامل أن يبيع بنسيئة فباع بنسيئة؛ أنه ضامن" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور الفقهاء وأتباعهم من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وهو قول ابن أبي ليلى (¬6)، على الإجماع على ضمان المضارب إذا خالف شرط رب المال؛ كأن ينهاه أن يبيع نسيئة فباع نسيئة. ¬
[281/ 17] مسألة: إذا أمر المضارب أن يبيع نسيئة فباع نقدا لم يجز.
• مستند الإجماع: 1 - لأن هذا التقييد فيه فائدة لرب المال فيتقيد المضارب به (¬1). 2 - لأن المضارب إنما جاز له التصرف بالأذن؛ فلا يتصرف في غير ما أذن له فيه كالوكيل (¬2). 3 - لأن ذلك الاشتراط لا يمنع مقصود المضاربة. 4 - لأن بيع النسيئة فيه مخاطرة، والمال ملك الغير فضمنه المضارب لنهي رب المال عنه (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في هذه المسألة.Rانعقاد الإجماع على ضمان المضارب إذا خالف شرط رب المال؛ كأن نهاه أن يبيع نسيئة فباع نسيئة، لخلاف من سبق. [281/ 17] مسألة: إذا أمر المضارب أن يبيع نسيئة فباع نقدًا لم يجز. إذا أمر رب المال المضارب بأن يبيع نسيئة فباع نقدًا؛ لم يجز، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام ابن نجيم ت 970 هـ؛ نقلًا عن السرخسي ت 483 هـ؛ فقال: "ولو قال: بعه بالنسيئة بألف، فباعه بالنقد بألف؛ يجوز، فإن باعه بأقل من ألف لا يجوز كذا في الخلاصة. ثم قال: لو قال: بعه إلى أجل؛ فباعه بالنقد، قال الإمام السرخسي: الأصح أنه لا يجوز بالإجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الحنفية وهو الأصح عندهم (¬5)، والحنابلةُ (¬6) على الإجماع على عدم جواز بيع ¬
المضارب بالنقد إذا أمر بالبيع نسيئة. • مستند الإجماع: 1 - لأن المضارب ملك التعرف بالإذن؛ فلا يتصرف في غير ما أذن له فيه كالوكيل (¬1). 2 - لأن ذلك لا يترتب عليه غياب مقصود المضاربة، بل يطلب بذلك زيادة فائدة في العادة. • الخلاف في المسألة: خالف الحنفية في قول الأصحُّ خلافُه (¬2)؛ فقالوا بجواز بيع المضارب بالنقد إذا أمر بالبيع نسيئة شريطة أن يكون بيعه بالنقد بمثل قيمته أو أكثر أو بمثل ما سمي له من الثمن؛ فإن كان بدون ذلك فهو مخالف لأنه ليس فيه تحميل مقصود الآمر في القدر فالشيء يشترى بالنسيئة بأكثر مما يشترى به بالنقد. • وأدلتهم على هذا الرأي: 1 - لأن المخالفة والحال هذه فيها خير لصاحب المال (¬3). 2 - لأن المضارب إذا خالف إلى ما هو من جنس ما أمره به، وكان فيه خير، فإنه لا يكون خلافًا في المضاربة، كما لو أمره أن يبيع بألف ولا يزيد على ذلك فباعه بأكثر فإنه لا يصير مخالفا؛ لأنه حصل مقصوده وزيادة خير. 3 - لأن من المقرر غالبًا أن النقد أنفع من النسيئة؛ والقيد لا يعمل به إلا إذا كان هناك فائدة، لذا لم يثبت القيد (¬4). ¬
[282/ 18] مسألة: لا أثر للردة على الشراكة.
كما خالف المالكيةُ (¬1)، والشافعية أيضًا (¬2) فلم يقولوا بوجوب اتباع الأمر فقط؛ بل قالوا ببطلان عقد القراض بهذا الشرط. • ودليلهم على هذا الرأي: 1 - لأن التأخير فيه غرر فلا ينعقد به العقد، ولأن في تحصيله مزيد كلفة على العامل فلا يصح (¬3). 2 - لأنه هذا النوع من الشروط هو خلاف العقد. ولأنه إذا أمر بالبيع نسيئة فباع بنقد ففاتت ضمن قيمتها نقدًا (¬4).Rعدم انعقاد الإجماع على عدم جواز بيع المضارب بالنقد إذا أمر بالبيع نسيئة؛ لخلاف من سبق من الحنفية في غير الأصح عندهم والمالكية والشافعية على التفصيل السابق. [282/ 18] مسألة: لا أثر للردة على الشراكة. إذا ارتد المضارب بقيت الشراكة على حالها، ولم تفسخ، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن نجيم ت 970 هـ؛ فقال: "المضارب لو ارتد فالمضاربة على حالها اتفاقًا" (¬5). • الموافقون على الاتفاق: لم أجد من الفقهاء من تطرق لهذه المسألة بقبول ¬
[283/ 19] مسألة: لا أثر للحوق بدار الحرب على الشراكة.
أو رد سوى الحنفية (¬1). • مستند الاتفاق: 1 - لأن للمضارب عبارة صحيحة، وملك رب المال باقي على مال المضاربة؛ فبقيت المضاربة (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الاتفاق على أن عقد الشراكة لا يبطل بردة المضارب. [283/ 19] مسألة: لا أثر للحوق بدار الحرب على الشراكة. ارتداد المضارب ولحوقه بدار الحرب لا تأثير له على عقد الشراكة، بخلاف لحوق رب المال، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المعروف بـ داماد أفندى ت 1128 هـ؛ فقال: "لا تبطل المضاربة بلحاق المضارب إجماعًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: لم أجد من الفقهاء من تطرق لهذه المسألة بقبول أو رد سوى الحنفية (¬4). • مستند الإجماع: لأن تصرفات المرتد إنما تتوقف لتوقف ملكه بالردة، والمضارب لا ملكه له في مال المضاربة؛ فبقيت المضاربة على حالها (¬5). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع على أن عقد الشراكة لا يبطل بلحاق المضارب مرتدًا بدار الحرب. ¬
[284/ 20] مسألة: كراهية مشاركة اليهودي والنصراني.
[284/ 20] مسألة: كراهية مشاركة اليهودي والنصراني. تكره مشاركة المسلم لليهودي وغيره من أهل الذمة، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "وكره الشافعي مشاركتهم مطلقًا؛ لأنه روي عن عبد اللَّه بن عباس أنه قال: أكره أن يشارك المسلم اليهودي، ولا يعرف له مخالف في الصحابة" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في كراهية مشاركة المسلم اليهودي والنصراني مطلقًا فقهاء الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3). • مستند نفي الخلاف: 1 - قول ابن عباس رضي اللَّه عنه (¬4)، أنه قال: لا تشاركن يهوديًا ولا نصرانيًا ولا مجوسيًا. قلت: لم؟ قال: لأنهم يربون، والربا لا يحل (¬5). 2 - لأن غير المسلم قد يباشر عقودًا لا تحل في الإسلام؛ فيحصل من عمله كسب محظور فيكره (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فرأى عدم كراهة مشاركة المسلم الذمي بشرط أن لا يخلو بالمال دون المسلم، ويكون المسلم هو الذي يليه فقهاء المالكية (¬7)، ¬
[285/ 21] مسألة: تلف أحد المالين في عقد الشركة من ضمان الشريكين.
والحنابلة (¬1)، وهو قول الحسن والثوري (¬2)، وعطاء، وطاووس، ومجاهد (¬3). • أدلة هذا الرأي: ما روى الخلال بإسناده عن عطاء مرسلًا (¬4) قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن مشاركة اليهودي والنصراني إلا أن يكون الشراء والبيع بيد المسلم (¬5).Rعدم تحقق نفي الخلاف في كراهة مشاركة المسلم اليهودي والنصراني كراهة مطلقة لخلاف المالكية والحنابلة ومن وافقهم. [285/ 21] مسألة: تلف أحد المالين في عقد الشركة من ضمان الشريكين. إذا تلف أحد مال الشريكين بعد خلطهما؛ كان من ضمانهما، وقد نقل الاتفاق على هذا، كما نفي النزاع فيه. • من نقل الاتفاق ونفى النزاع: الإمام برهان الدين ت 884 هـ؛ فقال: " (وإن تلف أحد المالين؛ فهو من ضمانهما) بعد الخلط اتفاقًا" (¬6). الإمام المرداوي ت 885 هـ؛ فقال: " (وإن تلف أحد المالين فهو من ضمانهما) يعنى إذا تلف بعد عقد الشركة، وشمل مسألتين: إحداهما: إذا كانا مختلطين فلا نزاع أنه من ضمانهما" (¬7). ¬
• الموافقون على الاتفاق ونفي النزاع: وافق على الاتفاق على كون تلف أحد المالين في الشركة من ضمان الشريكين بعد الخلط جمهور فقهاء الأمصار من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الاتفاق ونفي النزاع: 1 - لأنه بالخلط بين المالين يصير مشاعا بينهما، فما اشتري فهو مشاع وربحه مشاع بينهما والخسارة مشاع بينهما (¬6). 2 - لأن المال بالخلط لا يتميز فيجعل الهالك من المالين (¬7). 3 - لأن العقد اقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد، فما كان من ربح أو خسارة فعليهما (¬8). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في هذه المسألة. ¬
[286/ 22] مسألة: لا ضمان على المضارب لرأس المال.
Rتحقق الاتفاق ونفي الخلاف على كون تلف أحد المالين في الشركة من ضمان الشريكين معًا بعد الخلط. [286/ 22] مسألة: لا ضمان على المضارب لرأس المال. ضمان المضارب رأس مال المضاربة لا يكون إلا إذا كان بجناية منه أو تفريط أو تضييع، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ؛ فقال: "السنة المجتمع عليها في القراض أن البراء في المال من رب المال، وأن الربح بينهما على شرطهما" (¬1). وقال أيضًا: "ولا خلاف بين العلماء أن المقارض مؤتمن لا ضمان عليه فيما يتلفه من المال؛ من غير جناية منه فيه، ولا استهلاك له، ولا تضييع" (¬2). أبو الوليد الباجي؛ فقال: "سنة القراض ما قدمناه من أن العامل يأخذ المال القراض ويعمل فيه، ولا يكون عليه الضمان، وإنما هو من ضمان رب المال ولا خلاف في ذلك" (¬3). الإمام الغزالي ت 505 هـ؛ فقال: "عامل القراض لا يضمن إجماعًا" (¬4). ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن صفته [أي القراض] أن يعطي الرجل الرجل المال على أن يتجر به على جزء معلوم يأخذه العامل من ربح المال. . . وأنه لا ضمان على العامل فيما تلف من رأس المال إذا لم يتعد" (¬5). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على كون المضارب لا ضمان عليه إلا بالتعدي: الحنفية (¬6)، ¬
[287/ 33] مسألة: بطلان شرط الضمان في المضاربة.
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5): "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" (¬6). 2 - لأن المضارب أمين، والأمين لا ضمان عليه إلا إذا تعدى أو فرط (¬7). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف على عدم ضمان المضارب إلا بالتعدي أو التفريط. [287/ 33] مسألة: بطلان شرط الضمان في المضاربة. إذا اشترط رب المال على المضارب ضمان المال، بطل شرطه، وصح العقد، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ، فقال: "متى شرط على المضارب ضمان المال أو سهمًا من الوضيعة؛ فالشرط باطل لا نعلم فيه خلافًا" (¬8). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في بطلان شرط ¬
الضمان في المضاربة فقهاء الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة في رواية هي المذهب عندهم (¬3). • مستند نفي الخلاف: لأن شرط الضمان في القراض؛ لا يؤثر في جهالة الربح؛ فلم يفسد به كما لو شرط لزوم المضاربة (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف مالك في هذه المسألة واختلف قوله فيها، فمرة قال يرد إلى قراض مثله ومرة قال يرد إلى أجرة مثله (¬5). ودليله على فساد القراض ورده إلى أجرة مثله: أن في هذا الشرط زيادة غرر فبطل العقد وثبت أجرة المثل (¬6). كما خالف الشافعية (¬7)، والحنابلة في رواية (¬8) فقالوا بفساد المضاربة بهذا الشرط.Rعدم تحقق نفي الخلاف في كون شرط رب المال الضمان في المضاربة باطل، مع صحة المضاربة؛ لخلاف من سبق. ¬
[288/ 24] مسألة: جواز سفر المضارب بالمال.
[288/ 24] مسألة: جواز سفر المضارب بالمال. سفر المضارب بمال المضاربة جائز؛ إن أذن له رب المال، وقد نقل الإجماع والاتفاق عن ذلك. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام الماوردي ت 450 هـ؛ فقال: "فلرب المال معه [أي المضارب] ثلاثة أحوال: أحدها. . . والحالة الثانية: أن يأذن له في السفر به، يأذن صاحب المال للعامل أن يسافر بالمال فيجوز له أن يسافر به إجماعًا" (¬1). الإمام ابن حزم ت 456 هـ، فقال: "واتفقوا أنه إن أباح له رب المال السفر بالمال فسافر؛ فله ذلك، وليس متعديًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6) على جواز سفر المضارب بمال المضاربة بإذن له رب المال. • مستند الإجماع والاتفاق: لأن المضارب يجب عليه الاحتياط في مال المضاربة، وليس في السفر احتياط؛ لأن السفر له مخاطره، فلا يجوز إلا بإذن ¬
مالكه وقد أذن فجاز (¬1). هذا على أن بعض الفقهاء يجوز للمضارب السفر بمطلق العقد كالحنفية (¬2) في الظاهر عندهم، والمالكيةَ في المشهور عندهم (¬3)، والحنابلةَ [كما سبق النقل عنهم]. ويرى البويطي من الشافعية أن له ذلك ولو بلا إذن عند أمن الطريق (¬4). قلت: فإذا جاز عندهم ذلك بمطلق العقد، كان بالإذن أجوز. • ودليلهم على هذا: 1 - أن المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض، وذلك إنما يتحقق بالمسافرة (¬5). 2 - أن غاية القراض هو تحصيل الربح وإنما يحصل ذلك في العادة بالسفر بالمال؛ فكان له السفر بمطلق العقد ولو لم يصرح به (¬6). ¬
[289/ 25] مسألة: جواز شرط رب المال عدم السفر بالمضاربة.
وخالف سحنون من المالكية فقيد الإذن بالمال اليسير (¬1). • ودليله: أن الإنفاق من المال اليسير في السفر لا يتحمله المال، لذا لم يستلزم هذا المال السفر به لأنه ينقضي به ما القراض (¬2).Rهي تحقق الإجماع والاتفاق على أن سفر المضارب بالمال جائز بإذن رب المال. [289/ 25] مسألة: جواز شرط رب المال عدم السفر بالمضاربة. إذا شرط رب المال على المضارب ألا يسافر بمال المضاربة، وجب اتباع شرطه، ولم يجز له أن يسافر به، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام الماوردي ت 450 هـ؛ فقال: "فلرب المال معه [أي مع المضارب] ثلاثة أحوال: أحدها: أن ينهاه عن السفر به، ينهى صاحب المال العامل أن يسافر به؛ فلا يجوز أن يسافر به إجماعًا فإن سافر به ضمنه، والقراض في حاله صحيح" (¬3). الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أن صاحب المال إن أمر العامل أن لا يسافر بماله فذلك جائز ولازم للعامل، وأنه إن خالف فهو متعد" (¬4). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم من الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[290/ 36] مسألة: نفقة المضارب في السفر على المضاربة.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2) على الإجماع على وجوب التزام المضارب شرط رب المال بعدم السفر بمال المضاربة. • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - قول النبي عليه الصلاة والسلام (¬3): "المسلمون عند شروطهم" (¬4). قال الإمام الكاساني في معرض الاستدلال بهذا الحديث: "الأصل في الشروط اعتبارها ما أمكن، وإذا كان القيد مفيدًا كان يمكن الاعتبار فيعتبر؛ لقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: (المسلمون عند شروطهم) " (¬5). 2 - لأن أماكن البيع والشراء تختلف بالرخص والغلاء، والسفر يحتمل الخطر فاعتبر شرط رب المال عدم السفر بماله (¬6). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق على وجوب التزام المضارب شرط رب المال عدم السفر بالمال. [290/ 36] مسألة: نفقة المضارب في السفر على المضاربة. نفقة المضارب في السفر بالمعروف محسوبة على المضاربة، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا. • من نقل الإجماع والاتفاق: الإمام محمد بن الحسن التميمى الجوهري ت في حدود 350 هـ، فقال: "وأجمعوا أن له [أي المضارب] أن ينفق منه على ¬
نفسه نفقة بالمعروف تكون محسوبة على المضاربة إذا سافر به قاصدًا" (¬1). الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أن للعامل أن ينفق من المال على نفس المال فيما لا بد للمال منه، وعلى نفسه فى السفر" (¬2). • الموافقون على الإجماع والاتفاق: وافق على الإجماع على كون نفقة المضارب في السفر بالمعروف من مال المضاربة فقهاء الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية في رواية المزني (¬5)، وهو قول النخعي والحسن (¬6) والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور (¬7). • مستند الإجماع والاتفاق: 1 - لأن النفقة تجب مقابل حبس المضارب نفسه للقراض، كالقاضي ¬
والمرأة استحقا النفقة بالاحتباس، وإذا سافر صار محبوسًا بالمضاربة؛ فيستحق النفقة فيه (¬1). 2 - لأن سفره لمصلحة المال فكانت نفقته منه كأجر الحمال (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقال بعدم النفقة للمضارب في السفر: الشافعيةُ في رواية أبي يعقوب البويطي، وهو قول أكثرهم وظاهر مذهبهم (¬3)، والحنابلةُ (¬4)، والظاهريةُ (¬5)، وهو قول حماد بن أبي سليمان وابن سيرين (¬6). • أدلة هذا الرأي: 1 - لأن ذلك يؤدي إلى أن المضارب يختص بالربح أو بجزء منه دون صاحب المال (¬7). 2 - لأن نفقة الإنسان تكون من ماله، سواء أكان في السفر أو في الحضر (¬8). 3 - لأن المضارب دخل على أن يكون له جزء من الربح، فلا يكون له غيره. 4 - لأن القول بصحة اشتراط النفقة في السفر يقضي إلى أن يختص بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه. ¬
[291/ 27] مسألة: نفقة المضارب في الحضر من ماله.
وخالف الثوري فقال: ينفق في ذهابه في سفره ومقامه ولا ينفق راجعًا (¬1).Rعدم انعقاد الإجماع والاتفاق على أن للمضارب النفقة من مال المضاربة في السفر؛ لخلاف من سبق. [291/ 27] مسألة: نفقة المضارب في الحضر من ماله. نفقة المضارب في الحضر من مال نفسه، لا من مال المضاربة، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام محمد بن الحسن التميمى الجوهري ت في حدود 350 هـ، فقال: "وأجمع الفقهاء أن المضارب إذا باع في مصره، ولم يسافر بالمال إلى بلد آخر، فليس له أن يأكل منه على المضاربة" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور الفقهاء على الإجماع على أن نفقة المضارب في الحضر من مال نفسه لا من مال المضاربة: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). ¬
[292/ 28] مسألة: الإنفاق على مال المضاربة منه.
• مستند الإجماع: 1 - لأن العامل مختص بنفقته، فكانت عليه؛ كنفقة زوجته (¬1). 2 - لأن المضارب دخل على أن يكون له جزء من الربح، فلا يكون له غيره. • الخلاف فى المسألة: خالف الليثُ فقال: له أن يتغدى منه إذا اشتغل به عن الانقلاب إلى أهله للغداء (¬2).Rانعقاد الإجماع على كون المضارب لا نفقة له في مال المضاربة إذا كان حاضرًا، ولا ينقض هذا الإجماع بقول الليث؛ حيث قال الإمام الطحاوي: "وقول الليث أيضًا خلاف الإجماع؛ لأنه لو وجب له الغداء؛ وجب له العشاء كالسفر" (¬3). ولأنه قوله أيضًا معلل بانشغاله بالمضاربة عن الانقلاب إلى أهله، فلو لم ينشغل؛ فلا نفقة له أيضًا على قول الليث، واللَّه تعالى أعلم. [292/ 28] مسألة: الإنفاق على مال المضاربة منه. للمضارب أن ينفق على مال المضاربة منه، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أن للعامل أن ينفق من المال على نفس المال فيما لا بد للمال منه، وعلى نفسه في السفر" (¬4). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور الفقهاء على الاتفاق على أن الإنفاق على مال المضاربة منه: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[293/ 29] مسألة: يقسم الربح بين صاحب المال والمضارب على ما اتفقا عليه.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الاتفاق: 1 - لأن النفقة على مال القراض منه هو من مقتضى العقد (¬3). 2 - لأنه هذه النفقة هي من تمام عقد المضاربة ومصالحها فكانت عليها من مالها (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أعثر على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق الاتفاق على كون النفقة على مال المضاربة منه. [293/ 29] مسألة: يقسم الربح بين صاحب المال والمضارب على ما اتفقا عليه. قسمة ربح مال المضاربة بعد إخراج رأس المال (¬5)؛ تتم بين صاحب المال والمضارب على ما يتفقان عليه، وقد نقل الإجماع والاتفاق على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أن المال إذا حصل عينًا كلُّه مثل الذي دفع رب المال أولًا إلى العامل، وهنالك ربح أن الربح مقسوم بينهما على شرطهما" (¬6). ابن عبد البر فقال: "أجمعوا أن القراض لا يكون إلا على جزء معلوم من الربح نصفًا كان أو أقل أو أكثر. . . وروي ذلك عن قتادة وابن سيرين وأبي قلابة ¬
وجابر بن زيد وجماعة، ولا أعلم فيه خلافًا" (¬1). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "والربح على ما اصطلحا عليه، يعني في جميع أقسام الشركة ولا خلاف في ذلك فى المضاربة المحضة" (¬2). وقال أيضًا: "ولعامل المضاربة ما اتفقا عليه بغير خلاف". • الموافقون على الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الإجماع والاتفاق على أن الربح بين المضارب وصاحب المال مقسوم على ما اشترطا. الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وهو قول قتادة وابن سيرين وأبي قلابة وجابر بن زيد وغيرهم (¬7). • مستند الإجماع والاتفاق ونفي الخلاف: قول علي رضي اللَّه عنه (¬8) في المضاربة: الرضيعة على رب المال، والربح على ما اصطلحوا عليه (¬9). ¬
[294/ 30] مسألة: إذا كان الربح مجهولا في المضاربة فسد العقد.
• الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع والاتفاق ونفى الخلاف في أن كون الربح بين المتضاربين مقسومًا على ما اتفقا عليه. [294/ 30] مسألة: إذا كان الربح مجهولًا في المضاربة فسد العقد. إذا كان الربح المشروط في المضاربة مجهولًا فسد العقد، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع: الإمام ابن رشد؛ فقال: "أجمعوا بالجملة على أنه لا يقترن به شرط يزيد في مجهلة الربح أو في الغرر الذي فيه" (¬1). الإمام المرداوي ت 885 هـ؛ فقال: "ما يعود بجهالة الربح يفسد به العقد، مثل أن يشترط المضارب جزءًا من الربح مجهولًا، أو ربح أحد الكيسين، أو أحد الألفين أو أحد العبدين أو إحدى السفرتين، أو ما يربح في هذا الشهر ونحو ذلك، فهذا يفسد العقد بلا نزاع" (¬2). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار من الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، ¬
[295/ 31] مسألة: شرط أحد المضاربين اختصاصه بجزء معلوم من الربح مفسد
والحنابلة (¬1) على الإجماع على فساد عقد القراض إذا كان الربح المشروط مجهولًا. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن الربح المجهول يعود بالضرر على أحد طرفي المضاربة فمنع منه (¬2). 2 - لأن جهالة الربح تؤول إلى جهل كل واحد منها بحقه من الربح، أو فواته بالكلية عنه، والمضاربة يشترط فيها أن يكون الربح معلومًا (¬3). 3 - لأن الربح هو غاية المضاربة؛ فلم يصح مع الجهالة كالثمن والأجرة في الإجارة (¬4). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف في فساد عقد القراض إذا كان الربح المشروط مجهولًا. [295/ 31] مسألة: شرط أحد المضاربين اختصاصه بجزء معلوم من الربح مفسد. للعقد. لا يجوز أن يشرط أحد المضاربين اختصاصه بجزء معلوم من الربح، كعشرة دنانير مثلًا أو خمسة دنانير مع نسبة معلومة، ولو فعل؛ بطل القراض، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفي الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: ¬
"وأجمعوا على إبطال القراض الذي يشترط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة" (¬1). الإمام ابن عبد البر ت 456 هـ؛ فقال: "لا أعلم خلافًا أنه إذا اشترط [العامل] أو رب المال على صاحبه شيئًا يختص به من الربح معلومًا دينارًا أو درهمًا أو نحو ذلك، ثم يكون الباقي [في الربح] بينهما نصفين أو على ثلث أو ربع؛ فإن ذلك لا يجوز" (¬2). الإمام ابن رشد؛ فقال: "لا خلاف بين العلماء أنه إذا اشترط أحد لنفسه من الربح شيئًا زائدًا غير ما انعقد عليه القراض أن ذلك لا يجوز" (¬3). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والأوزاعي وأبو ثور (¬8) على الإجماع على بطلان عقد القراض إذا شرط أحد المضاربين اختصاصه بجزء معلوم من الربح. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن العقد بهذه الصفة يترتب عليه جهالة نصيب كل واحد منهما، ¬
[296/ 32] مسألة: استحقاق المضارب للربح يكون بعد نضوض رأس المال.
ولا يجوز (¬1). 2 - لأن عقد القراض لا يجوز في الأصل إلى علي نسبة معلومة، ولا تخالف به عادة. 3 - لأنه إذا شرط مبلغ معين فقد لا يربح إلا بمقدار هذا العين فيحصل على جميع الربح، أو لا يربح شيئًا فيأخذ من رأس المال، أو قد يربح كثيرًا فيستضر من شرط المعين (¬2). 4 - لأن هذا الشرط قد يحمل العامل على التقصير في طلب الربح لعدم فائدته فيه، لحصول غيره أو لقلته بالنسبة للعامل؛ بخلاف ما إذا كان له جزء من الربح (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف في بطلان عقد المضاربة إذا اشترط أحدهما اختصاصه بجزء معلوم من الربح. [296/ 32] مسألة: استحقاق المضارب للربح يكون بعد نضوض رأس المال. يستحق المضارب نصيبه من ربح المضاربة بعد نضوض رأس المال (¬4)، واستيفاء رب المال إياه، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام محمد بن الحسن الشيباني ت 189 هـ؛ فقال: "أجمع أهل العلم جميعًا أنه لا ربح في مضاربة حتى يستوفي رأس المال" (¬5). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "ولا خلاف بينهم أن المقارض إنما يأخذ حظه من الربح بعد أن ينض جميع رأس المال" (¬6). ¬
الإمام المرداوي ت 885 هـ؛ فقال: " (وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال) بلا نزاع" (¬1). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) على الإجماع على أن المضارب لا يستحق نصيبه من الربح إلا بعد استيفاء رأس المال ناضًّا. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأن الربح لا يوجد إلا بعد أن يصل إلى رب المال رأس ماله (¬6). 2 - لأن الربح قبل تسليم رأس المال هو وقاية له عن الخسران ما دام ¬
[297/ 33] مسألة: حضور صاحب المال وإذنه عند استحقاق الربح شرط لحصول المضارب على الربح.
العمل قائمًا، فإن وجدت الخسارة لاحقًا فإنها تجبر من الربح (¬1). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف في أن الربح لا يقسم بين المتضاربين حتى يستوفى رأس المال ناضًّا. [297/ 33] مسألة: حضور صاحب المال وإذنه عند استحقاق الربح شرط لحصول المضارب على الربح. لا يستحق المضارب الربح إلا بحضور صاحب المال وإذنه، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "وأجمع علماء الأمصار على أنه لا يجوز للعامل أن يأخذ نصيبه من الربح إلا بحضرة رب المال، وأن حضور رب المال شرط في قسمة المال وأخذ العامل حصته، وأنه ليس يكفي في ذلك أن يقسمه بحضور بينة ولا غيرها" (¬2). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق أكثر فقهاء الأمصار على الإجماع على وجوب حضور رب المال عند قسمة الربح: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، ولم أعثر عند الشافعية والحنابلة على نص أو إشارة إلى هذه المسألة. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: لم أقف على مستند. • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الإجماع ونفي الخلاف في وجوب حضور رب المال، وإذنه عند قسمة الربح في عقد المضاربة. ¬
[298/ 34] مسألة: يلزم إحضار رأس المال عند توزيع الربح.
[298/ 34] مسألة: يلزم إحضار رأس المال عند توزيع الربح. إحضارُ رأس مال المضاربة عند توزيع الربح واستيفاؤُه؛ لازم، وقد نقل الإجماع على هذا. • من نقل الإجماع: الإمام محمد بن الحسن الشيباني ت 189 هـ؛ فقال: "أجمع أهل العلم جميعًا أنه لا ربح في مضاربة حتى يستوفي رأس المال" (¬1). الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن قسم الربح جائز، إذا أخذ رب المال رأس ماله" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على الإجماع على وجوب إحضار رأس المال عند قسمة الربح في عقد المضاربة: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). ولم أعثر عند الحنابلة على نص أو إشارة إلى هذه المسألة. ¬
[299/ 35] مسألة: إذا كان رأس المال عند المضارب وسأله أن يكتبه عليه سلفا لم يجز.
• مستند الإجماع: 1 - لأن عدم حضور المال قد يؤدي إلى النزاع؛ لذا وجب إحضاره مخافة أن يكون العامل قد نقص فيه (¬1). 2 - لأن العامل قد لا يصدق أو لا يصدق فيما يخبر به من كثرة أو قلة ربح، أو سلامة رأس المال (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة. إلا ما وجدته عند الشافعي من أنه إن كان المضارب عند رب المال "صادقًا فلا يضره يحضر المال أو لا يحضره" (¬3).Rانعقاد الإجماع على وجوب إحضار رأس المال عند قسمة الربح، ولا يعد قول الشافعي خلافًا؛ لأنه تقييد ربما لا يخالف فيه أحد، واللَّه تعالى أعلم. [299/ 35] مسألة: إذا كان رأس المال عند المضارب وسأله أن يكتبه عليه سلفًا لم يجز. إذا كان رأسُ المال عند المضارب، وسأل المضاربُ ربَّ المال أن يكتبه عليه سلفًا، لم يجز، وقد نقل الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ؛ فقال: "قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالًا قراضًا فأخبره أنه قد اجتمع عنده، وسأله أن يكتبه عليه سلفًا. قال: لا أحب ذلك حتى يقبض منه ماله ثم يسلفه إياه إن شاء أو يمسكه. قال أبو عمر: قد بين مالك الفقه لكراهية ما كره في هذه المسألة، وسائر أهل العلم على كراهة ذلك وهو غير جائز عندهم" (¬4). الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "لا يكون مع القراض بيع ولا كراء ولا سلف ولا عمل ولا مرفق يشترطه أحدهما لصاحبه مع نفسه فهذه جملة ما اتفقوا عليه" (¬5). ¬
• الموافقون على الاتفاق: لم أرى من الفقهاء من وافق على كراهة جعل المضاربة سلفًا، وعدم جوازه سوى المالكية (¬1). ولم أر عند الشافعية نصًّا أو إشارة على هذه المسألة. إلا قولهم: "ولو قال: خذه، وتصرف فيه، والربح كله لك؛ فقرض صحيح" (¬2). • مستند الاتفاق: 1 - لأن ذلك قد يؤدي إلى الربا، لمخافة أن يكون قد نُقِص منه، فهو يسأل المال قرضًا لأجل أن يؤخره على أن يزيده فيه بمقدار ما نقص من المال، فذلك مكروه ولا يجوز (¬3). 2 - لأن المال في يد العامل أمانة ولا يكون في الذمة ولا مضمونًا حتى يقبض المال صاحبه ثم يسلفه، وكذلك الدين لا يكون أمانة حتى يقبض ثم يعود أمانة بعد. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقال بجواز قلب مال المضاربة سلفًا، ويخرج بذلك عن المضاربة، ويكون سلفًا مضمونًا: الحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5). • أدلة هذا الرأي: لأن مال المضاربة في حكم الوديعة فإذا أقرضه أيها جاز، ¬
[300/ 36] مسألة: جواز مشاركة رب المال للمضارب بالعمل.
"ولا يقول صاحب الوديعة: لا حتى أقبضها ثم أسلفك إياها، وجَعْلُ مال المضاربة قرضًا كهذه" (¬1).Rعدم تحقق الاتفاق على كراهة جعل القراض سلفًا؛ لخلاف الحنفية والحنابلة. [300/ 36] مسألة: جواز مشاركة رب المال للمضارب بالعمل. مشاركة رب المال للمضارب بالعمل جائزة، ما لم يشترط ذلك؛ فإن اشترط ذلك فسدت المضاربة، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام مالك ت 179 هـ؛ فقال: "والعمل الخفيف بغير شرط، قال مالك: لا يختلفون في أنه لا بأس به" (¬2). الإمام ابن المنذر فقال: "وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل، إذا دفع إلى آخر مالًا، وأعانه رب المال من غير شرط: أن ذلك جائز، فإن اشترط أن يعمل معه: فهي مضاربة فاسدة" (¬3). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار على الإجماع على جواز إعانة رب المال المضارب في العمل دون اشتراط وفسادها عند الاشتراط: الحنفية (¬4)، والمالكية شريطة أن يكون العمل يسيرًا من غير كراهة، وكراهته إن كان كثيرًا (¬5)، والشافعيةُ في الصحيح ¬
عندهم (¬1)، والحنابلة في قول (¬2)، وهو مذهب الأوزاعي وأبي ثور وابن المنذر (¬3) على الإجماع على جواز إعانة رب المال المضارب في العمل دون اشتراط، وأن المضاربة لا تصح مع اشتراط ذلك. • مستند الإجماع ونفي الخلاف: لأن من أحكام المضاربة أن رأس المال في يد المضارب يكون أمانة، ولا يتحقق ذلك إلا بأن يخلي رب المال بينه وبين المال كالوديعة، فإن عمل معه انعدمت التخلية لأن المال في أيديهما يعملان فيه (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف بعضُ الشافعية (¬5)، والحنابلةُ في قول نص عليه الإمام أحمد؛ فقالوا بجواز اشتراط العمل (¬6). • أدلة هذا الرأي: أن العمل هو أحد أركان المضاربة فجاز أن يقوم به أحدهما مع وجود الأمرين أي العمل والمال من الآخر (¬7). وأجاب ابن قدامة عن دليلهم بقوله "وقولهم إن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل ممنوع، إنما تقتضي إطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه، وهذا حاصل مع اشتراكهما في العمل، ولهذا لو دفع ماله إلى اثنين ¬
[301/ 37] مسألة: انتهاء شركة المضاربة بالموت.
مضاربة صح، ولم يحصل تسليم المال إلى أحدهما" (¬1).Rعدم تحقق الإجماع ونفي الخلاف في عدم جواز اشتراط عمل رب المال مع المضارب؛ لخلاف بعض الشافعية، والحنابلة بالجواز. [301/ 37] مسألة: انتهاء شركة المضاربة بالموت. تنتهي شركة المضاربة بالموت سواء أماتا معًا أو مات أحدهما، وقد نقل الاتفاق على بعض هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن حزم ت 456 هـ؛ فقال: "واتفقوا أن العامل باق على قراضه ما لم يمت هو، أو يمت مقارضه" (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور الفقهاء من الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6) على الاتفاق على انتهاء شركة المضاربة بالموت. • مستند الاتفاق: 1 - لأن المضاربة عقد جائز فانفسخ بموت أحدهما، فالعقود الجائزة تبطل بالموت (¬7). 2 - أما بطلان العقد بسبب موت رب المال؛ فلأن المال صار للورثة، ¬
[302/ 38] مسألة: حكم المضاربة الفاسدة الفسخ.
والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن دماءَكم وأموالَكم عليكم حرامٌ" (¬1) (¬2). 3 - أما بطلان العقد بسبب موت العامل، فلقول اللَّه تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] والعقد بين رب المال والميت لا مع ورثته. 4 - لأن العامل بالموت عاجز عن العمل (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة المالكية فقالوا لا ينفسخ إلا بالاختيار من ورثة رب المال، وورثة العامل يقومون مقامه، وكذلك ليس لهم أن ينتزعوا المال إن كان قد شرع في التجارة (¬4).Rعدم تحقق الاتفاق على انتهاء شركة المضاربة بالموت؛ لخلاف المالكية المفصل الآنف. [302/ 38] مسألة: حكم المضاربة الفاسدة (¬5) الفسخ. حكم المضاربة الفاسدة؛ هو الفسخ، وعليه لا ربح للعامل، وقد نقل ¬
الاتفاق على هذا. • من نقل الاتفاق: الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "واتفقوا على أن حكم القراض الفاسد فسخه، ورد المال إلى صاحبه ما لم يفت بالعمل" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق جمهور الفقهاء على فسخ القراض الفاسد: الحنفية (¬2)، والمالكية في قول، والقول الآخر ينفسخ إلى قراض المثل (¬3)، كما وافق الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) على الاتفاق على انفساخ المضاربة الفاسدة على اختلاف بينهم في الواجب للعامل بعد الفسخ من أجرة المثل أو قراض المثل. • مستند الاتفاق: لأن الربح مستحق بموجب عقد المضاربة، فإذا فسدت المضاربة فسد ما هو تابع لها، كالصلاة (¬6). فإذا لم يثبت له الربح كان له أجر المثل، لأن رد عمله إليه متعذر فوجب قيمته وهو أجرة المثل سواء ظهر الربح أو لم يظهر. ¬
[303/ 39] مسألة: يتحمل رب المال الخسارة.
• الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف لهذا الاتفاق.Rانعقاد الاتفاق على انفساح المضاربة الفاسدة، وعدم استحقاق العامل للربح المسمى. [303/ 39] مسألة: يتحمل رب المال الخسارة. يتحمل الخسارة في عقد المضاربة من له المال، أي رب المال، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام شمس الدين الزركشي الحنبلي ت 772 هـ؛ فقال: "الوضيعة تختص المال وتتقدر به، بلا خلاف نعلمه. . . وفي المضاربة تختص المال لا تتعداه إلى العامل، واللَّه أعلم" (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم على نفي الخلاف في كون الخسارة على رب المال في عقد المضاربة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند نفي الخلاف: 1 - أن الخسارة على رب المال لأنه حادث في ملكه (¬6). ¬
[304/ 40] مسألة: تجبر الخسارة من الربح.
2 - لأنه لا ضمان على المبضعِ في البضاعة ولا المضاربِ في المضاربة (¬1). 3 - لأن الجزء الفائت من المال دون تعد في المضاربة؛ يلزم الآمر وهو رب المال دون غيره، فالمضارب أمين ولا ضمان على الأمين إلا إن تعدى أو فرط (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق نفي الخلاف في كون الخسارة على رب المال. [304/ 40] مسألة: تجبر الخسارة من الربح. جبر الخسارة في شركة المضاربة، يكون من الربح، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نقل الخلاف: الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "ولا خلاف بينهم أن المقارض إنما يأخذ حظه من الربح بعد أن ينض جميع رأس المال، وأنه إن خسر ثم اتجر ثم ربح؛ جبر الخسران من الربح" (¬3). بهاء الدين المقدسي ت: 624 هـ؛ فقال: " (وتجبر الوضيعة من الربح). . . وهذا لا نعلم فيه خلافًا" (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق جمهور فقهاء الأمصار وأتباعهم: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
[305/ 41] مسألة: اشتراط تحميل المضارب بعض الخسارة باطل والعقد صحيح.
والحنابلة (¬1) على نفي الخلاف في جبر الخسارة من الربح. • مستند نفي الخلاف: 1 - لأن الربح لا يحصل إلا بما فضل عن رأس المال، وما لم يفضل فليس بربح (¬2). 2 - لأن الربح حقيقته زيادة على رأس المال (¬3). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق نفي الخلاف في أن جبر الخسارة من الربح. [305/ 41] مسألة: اشتراط تحميل المضارب بعض الخسارة باطل والعقد صحيح. إذا اشترط رب المال على المضارب تحمل بعض الخسارة؛ فالعقد صحيح والشرط باطل، وقد نفي الخلاف في هذا. • من نفى الخلاف: الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "متى شرط على المضارب ضمان المال أو سهمًا من الوضيعة؛ فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافًا، والعقد صحيح" (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على نفي الخلاف في بطلان اشتراط بعض الخسارة على المضارب مع صحة العقد فقهاء الحنفية (¬5)، والحنابلة في رواية هي المذهب عندهم (¬6). ¬
[306/ 42] مسألة: عدم جواز اشتراط تحميل المضارب زكاة المال.
• مستند نفي الخلاف: 1 - لأن شرط الوضيعة شرط فاسد؛ وتبقى المضاربة لأن العقد الصحيح لا يبطل بالشروط الفاسدة (¬1). 2 - لأن هذا الشرط لا يترتب عليه جهالة الربح فلم يفسد العقد به، كما لو شرط لزوم المضاربة، فصح العقد فيهما وبطل الشرط (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة، فقال ببطلان عقد المضاربة باشتراط بعض الخسارة على المضارب فقهاء المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة في الرواية الثانية (¬5). • أدلة هذا الرأي: 1 - لاشتراط خلاف موجب العقد (¬6). 2 - لأنه شرط فاسد فأفسد المضاربة (¬7).Rعدم تحقق نفي الخلاف في صحة عقد المضاربة مع اشتراط تحميل المضارب بعض الخسارة رغم بطلان الشرط؛ لخلاف من سبق ببطلان العقد وعدم صحته مع هذا الاشتراط. [306/ 42] مسألة: عدم جواز اشتراط تحميل المضارب زكاة المال. اشتراط رب المال على المضارب تحمل زكاة أصل المال؛ غير جائز، وقد نقل الاتفاق على هذا. ¬
• من نقل الاتفاق: الإمام ابن رشد الحفيد ت 595 هـ؛ فقال: "اشتراط زكاة أصل المال عليه -أعني على العامل - فإنه لا يجوز باتفاق" (¬1). • الموافقون على الاتفاق: لم أجد من الفقهاء من تطرق لهذه المسألة وهي اشتراط تحميل المضارب زكاة المال بقبول أو رد، سوى المالكية (¬2). أما بقية الفقهاء فقد تناولوا مسألة زكاة رأس مال المضاربة، وأنها على رب المال دون المضارب: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). ولعل ذلك يتبع أصولهم العامة في باب المضاربة، ومنها: أن الأصل في الشرط الفاسد إن كان يؤدي إلى جهالة الربح يوجب فساد العقد؛ لأن الربح هو المعقود عليه وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد. وإن كان لا يؤدي إلى جهالة الربح يبطل الشرط، وتصح المضاربة (¬6). • مستند الاتفاق: 1 - لأن رب المال بهذا الشرط قد اشترط لنفسه جزءًا معلومًا من الربح ¬
[307/ 43] مسألة: اختلاف صاحب المال والمضارب في قدر رأس المال.
ثابتًا بمقدار ما سقط عنه من حصة الزكاة التي تصيبه في نصيبه (¬1). 2 - لأن أصل المال معلوم القدر ومقدار الزكاة فيه، لكن غير معلوم نسبة الزكاة من الربح، ويحتمل أن تكون الزكاة مستغرقة للربح كله؛ فيبقى محمل المقارض باطلًا (¬2). • الخلاف في المسألة: لم أقف على خلاف أحد في هذه المسألة.Rتحقق الاتفاق على عدم جواز اشتراط تحمل المضارب زكاة المال، لعدم المخالف. [307/ 43] مسألة: اختلاف صاحب المال والمضارب في قدر رأس المال. قد يختلف رب المال مع المضارب في أمور، فيكون أحيانًا القول قول رب المال، لكن غالب الأحوال يكون القول فيها قول المضارب؛ لأنه يكون مدعًى عليه غالبًا، وهو منكر، والقول قول المنكر، وهذا باستقراء نصوص الفقهاء. من ذلك: اختلاف المضارب ورب المال في قدر رأس مال المضاربة، فالقول هنا قول المضارب مع يمينه؛ لأنه منكر، واليمين على من أنكر، وقد نقل الإجماع على هذا، كما نفي الخلاف فيه. • من نقل الإجماع ونفى الخلاف: الإمام ابن المنذر ت 318 هـ؛ فقال: "وأجمعوا على أن الرجل إذا دفع إلى الرجل مالًا مضاربة، ثم اختلفا، وقد جاء العامل بألفي درهم، فقال رب المال: كان رأس مالي ألفي (¬3) درهم. وقال العامل: كان رأس المال ألف درهم، والربح ألف درهم، أن القول: قول ¬
العامل مع يمينه، وذلك إذا لم يكن لرب المال بينة" (¬1). الإمام الموفق ابن قدامة ت 620 هـ؛ فقال: "القول قوله [أي قول المضارب] في قدر رأس المال. . . لا نعلم فيه خلافًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع ونفي الخلاف: وافق على الإجماع على أن رب المال والمضارب إذا اختلفا في قدر رأس المال أن القول قول المضارب: أبو حنيفة في قوله الآخر، وهو قول صاحبيه (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وهو قول والثوري وإسحاق (¬7). ¬
• مستند الإجماع ونفي الخلاف: 1 - لأنه المضارب أمين، وهو مدعى عليه، فالقول قوله مع يمينه (¬1). 2 - لأن المضارب ورب المال اختلفا في مقدار رأس المال، ورب المال مدع للزيادة فكان القول قول المضارب القابض، ولو أنكر القبض أصلًا كان القول قوله، فكذلك لو أنكر جزءًا منه (¬2). 3 - لأن رب المال مدع على المضارب قبض شيء، والمضارب ينكره، والقول قول المنكر (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة فقال: القول قول رب المال أبو حنيفة في قوله الأول، وزفر (¬4). • أدلة هذا الرأي: لم أقف على أدلة لهذا القول.Rعدم تحقق الإجماع ونفي الخلاف في أن القول قول المضارب إذا اختلف مع رب المال في قدر رأس المال. ¬
فهرس المراجع
فهرس المراجع أولًا: القرآن الكريم وتفسيره وعلومه: 1 - (القرآن الكريم). 2 - أحكام القرآن - للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي ت 321 هـ - الطبعة الأولى: المجلد الأول 1416 هـ، 1995 م، والمجلد الثاني 1418 هـ، 1998 م تحقيق / الدكتور سعد الدين أونال - مركز البحوث الإسلامية، استانبول - تركيا. 3 - أحكام القرآن - للإمام أبي بكر أحمد بن علي الحنفي الرازي الجصاص ت 370 هـ - طبعة 1455 هـ - دار إحياء التراث العربي - بيروت - تحقيق/ محمد الصادق قمحاوي. 4 - أحكام القرآن - للإمام عماد الدين أبي الحسن علي بن محمد بن علي، الطبري، المعروف بالكيا الهراسي الشافعي ت 554 هـ. طبعة دون ناشر ولا تاريخ. 5 - تفسير الطَّبَرِيِّ، واسمه "جامع البيان في تأويل القرآن" - للإمام أبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد ابن كثير بن غالب الآملي الطبري ت 310 هـ - الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م - مؤسسة الرسالة - تحقيق الشيخ/ أحمد محمد شاكر. 6 - تفسير القرطبي، وهو "الجامع لأحكام القرآن" - للإمام شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد ابن أحمد ابن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي القرطبي ت 671 هـ - طبعة 1423 هـ، 2003 م - دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، تحقيق / هشام سمير البخاري. 7 - اللباب في علوم الكتاب - للإمام سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي ت 775 هـ - الطبعة الأولى 1419 هـ، 1998 م، دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق/ عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض.
ثانيا: كتب السنة وعلومها
8 - معالم التنزيل - للإمام ركن الدين أبي محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي الشافعي ت 510 هـ - الطبعة الرابعة 1417 هـ - 1997 م، دار طيبة - الرياض - تحقيق/ محمد عبد اللَّه النمر، وعثمان جمعة ضميرية، وسليمان مسلم الحرش. ثانيًا: كتب السنة وعلومها: 9 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - للشيخ أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألبانى - الطبعة الثانية 1405 هـ، 1985 م - المكتب الإسلامي. 10 - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - للإمام ابن عبد البر ت 463 هـ، طبعة 2000 م، دار الكتب العلمية، تحقيق/ سالم محمد عطا، ومحمد على معوض. 11 - بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث - مسند الحارث للإمام الحارث بن أبي أسامة ت 282 هـ - والبغية للحافظ نور الدين الهيثمي ت 807 هـ - الطبعة الأولى 1413 هـ، 1992 م - مركز خدمة السنة والسيرة النبوية - المدينة المنورة - تحقيق د/ حسين أحمد صالح الباكري. 12 - بلوغ المرام من أدلة الأحكام - للحافظ ابن حجر العسقلاني ت 842 هـ - طبعة بعناية/ محمد حامد الفقي، دون تاريخ أو ناشر. 13 - تأويل مختلف الحديث - للإمام أبي محمد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري ت 276 هـ - طبعة 1393 - 1972 - دار الجيل - بيروت - تحقيق: محمد زهري النجار. 14 - التحقيق في أحاديث الخلاف - للإمام جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ت 597 هـ - الطبعة الأولى 1415 هـ، دار الكتب العلمية - بيروت - تحقيق/ مسعد عبد الحميد محمد السعدني. 15 - تقريب تهذيب تهذيب الكمال - للحافظ ابن حجرت 852 هـ - الطبعة الرابعة 1412 هـ، 1992 م - دار الرشيد - سوريا - بعناية الأستاذ/ محمد عوامة.
16 - تغليق التعليق على صحيح البخاري - للحافظ ابن حجرت 852 هـ - الطبعة الأولى 1405 هـ - المكتب الإسلامي، دار عمار - بيروت، عثمان - الأردن - تحقيق/ سعيد عبد الرحمن موسى القزقي. 17 - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - للحافظ ابن حجر ت 852 هـ - طبعة 1384 هـ، 1964 م - المدينة المنورة - تحقيق السيد/ عبد اللَّه هاشم اليماني المدني. 18 - تلخيص المستدرك على الصحيحين - للإمام شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ت 748 هـ - وهو مطبوع مع المستدرك للحاكم - الطبعة الأولى 1411 هـ، 1990 م - دار الكتب العلمية - بيروت - تحقيق/ مصطفى عبد القادر عطا. 19 - التمهيد لما في الموطأ من المعانى والأسانيد - للإمام أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه. . بن عبد البر القرطبي المالكي ت 463 هـ، طبعة مؤسسة قرطبة، القاهرة، بعناية جماعة من المحققين بدءًا من سنة 1387 هـ، 1967 م. 20 - تهذيب تهذيب الكمال - للإمام أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني ت 852 هـ - الطبعة الأولى 1404 هـ، 1984 م - دار الفكر، بيروت. 21 - توجيه النظر إلى أصول الأثر - للشيخ/ طاهر الجزائري الدمشقي - الطبعة الأولى 1416 هـ، 1995 م - مكتبة المطبوعات الإسلامية - حلب - تحقيق الشيخ/ عبد الفتاح أبو غدة. 22 - التيسير بشرح الجامع الصغير - للإمام محمد عبد الرؤوف المناوي زين الدين ت 1031 هـ، الطبعة الثالثة 1408 هـ، 1988 م، مكتبة الإمام الشافعي، الرياض. 23 - الجرح والتعديل - للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد ابن إدريس الرازي التميمي ت 327 هـ، الطبعة الأولى 1371 هـ، 1952 م، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
24 - حاشية ابن القيم على سنن أبي داود - للإمام ابن القيم أبي عبد اللَّه محمد ابن أبي بكر أيوب الزرعي ت 751 هـ - مطبوعة مع عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد بن شمس الحق العظيم آبادي ت بعد 1310 هـ - الطبعة الأولى 1410 هـ، 1990 م - دار الكتب العلمية - لبنان. 25 - خلاصة البدر المنير - للإمام سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد المعروف بـ "ابن الملقن" الأنصاري ت 804 هـ - الطبعة الأولى 1410 هـ - مكتبة الرشد - الرياض - بتحقيق الأستاذ/ حمدي السلفي. 26 - الدراية في تخريج أحاديث الهداية - للإمام أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني ت 852 هـ - طبعة دار المعرفة - بيروت - تحقيق/ السيد عبد اللَّه هاشم اليماني المدني. 27 - سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام - السبل للإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني الأمير ت 1182 هـ، والبلوغ للحافظ ابن حجرت 852 هـ - الطبعة الرابعة 1379 هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق/ محمد عبد العزيز الخولي. 28 - سنن أبي داود - للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ت 275 هـ - طبعة دار الفكر- تحقيق أ/ محمد محيي الدين عبد الحميد. 29 - سنن ابن ماجة - للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن يزيد بن ماجة القزويني ت 273 هـ - طبعة دار الريان - مصر - بعناية الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي. 30 - سنن البيهقي الكبرى - للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي الخراساني البيهقي الشافعي ت (458 هـ) - طبعة دار الفكر- لبنان. 31 - سنن الترمذي، واسمه: الجامع الصحيح - للإمام عيسى محمد بن عيسى الترمذي ت 297 هـ - طبعة 1987 م - دار الكتب العلمية - لبنان - حقق الشيخ/ أحمد محمد شاكر الجزءين الأول والثانى، وحقق الثالث الأستاذ/ محمد فؤاد عبد الباقى، وحقق الجزءين الأخيرين الأستاذ/ كمال يوسف الحوت.
32 - سنن الداقطني - للإمام أبي الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادى من أهل محلة "دار القطن" ببغداد ت 385 هـ، الطبعة الثانية 1403 هـ، 1983 م، عالم الكتب، لبنان. 33 - سنن النسائي الصغرى، وهي المجتبى من السنن الكبرى - للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ت 303 هـ - الطبعة الثانية 1406 هـ، 1986 م - دار البشائر الإسلامية - لبنان - اعتنى به الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة. 34 - سنن النسائي الكبرى - للإمام النسائي ت 303 هـ - الطبعة الأولى 1411 هـ، 1991 م - دار الكتب العلمية - لبنان - تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان البندارى، والأستاذ سيد كسروى حسن. 35 - شرح ابن بطال لصحيح البخاري - للإمام أبي الحسن علي بن خلف ابن بطال ت 449 هـ - الطبعة الثانية 1423 هـ، 2003 م، مكتبة الرشد - الرياض - تحقيق/ أبو تميم ياسر بن إبراهيم. 36 - شرح السنة - للإمام ركن الدين ومحيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء، البغوي الشافعي ت 510 هـ - الطبعة الثانية 1403 هـ، 1983 م - المكتب الإسلامي - دمشق - تحقيق/ شعيب الأرناؤوط، ومحمد زهير الشاويش. 37 - شرح صحيح مسلم - للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي ت 676 هـ - طبعة المطبعة المصرية - القاهرة. 38 - شرح مسند أبي حنيفة - للملا علي بن محمد القاري ت 1014 هـ - والكتاب بالمكتبة الشاملة دون ذكر الناشر لكن الترقيم موافق للمطبوع. 39 - شرح معاني الآثار - للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة المصري الطحاوي الحنفي ت 321 هـ - الطبعة الأولى 1399 هـ - دار الكتب العلمية - لبنان - بعناية الأستاذ/ محمد زهري النجار.
40 - شرح مشكل الآثار - للإمام الطحاوي أيضًا - طبعة 1408 هـ، 1987 م - مؤسسة الرسالة - لبنان. تحقيق/ شعيب الأرنؤوط. 41 - صحيح البخاري، وهو: "الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وسننه، وأيامه" - للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري ت (256 هـ) - الطبعة الثالثة، 1407 هـ -1987 م - دار ابن كثير، اليمامة - بيروت - تحقيق د/ مصطفى ديب البغا. 42 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان - للإمام أبي حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي ت 354 هـ - الطبعة الثانية 1414 هـ - 1993 م، مؤسسة الرسالة، بيروت، تحقيق/ شعيب الأرنؤوط. 43 - صحيح ابن خزيمة - للإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري ت 311 هـ - الطبعة الثانية 1412 هـ، 1992 م - المكتب الإسلامي - تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي. 44 - صحيح مسلم، وهو "المسند الصحيح المختصر من السنن، بنقل العدل، عن العدل، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ت 261 هـ - الطبعة الأولى 1412 هـ، 1991 م - دار الحديث - القاهرة - بتحقيق الأستاذ/ محمد فؤاد عبد الباقي. 45 - عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي - للإمام أبي بكر محمد بن عبد اللَّه بن محمد المعافري المالكي الشهير بابن العربي ت 543 هـ - الطبعة الأولى 1418 هـ، 1997 م - دار الكتب العلمية - لبنان - بعناية الشيخ/ جمال المرعشلي. 46 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري - للإمام بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد ابن موسى ابن أحمد العينى الحنفي ت 855 هـ - الطبعة الأولى 1421 هـ، 2001 م، دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق/ عبد اللَّه محمود محمد عمر.
47 - فتح الباري شرح صحيح البخاري - للحافظ ابن حجر ت 852 هـ - طبعة 1379 هـ - دار المعرفة بيروت، تحقيق الأستاذين/ محمد فؤاد عبد الباقي، ومحب الدين الخطيب. 48 - فتح المغيث شرح ألفية الحديث - للإمام محمد بن عبد الرحمن شمس الدين السخاوي ت 902 هـ - الطبعة الأولى 1403 هـ - دار الكتب العلمية - لبنان. 49 - فيض القدير شرح الجامع الصغير - للإمام محمد عبد الرؤوف شمس الدين المناوي ت 1029 هـ - الطبعة الثانية 1391 هـ، 1972 م - دار المعرفة - لبنان. وكتاب "جامع الصغير" - لجلال الدين السيوطي ت 911 هـ 50 - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث - للشيخ محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي ت 1914 م - دار إحياء الكتب العربية. 51 - الكامل في ضعفاء الرجال - للإمام أبي أحمد عبد اللَّه بن عدي بن عبد اللَّه بن محمد الجرجاني ت 365 هـ - الطبعة الثالثة 1409 هـ، 1988 م - دار الفكر - بيروت - تحقيق/ يحيى مختار غزاوي. 52 - كشف الخفا ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس - للإمام إسماعيل بن محمد العجلوني ت 1162 هـ - الطبعة الرابعة 1405 هـ - مؤسسة الرسالة - تحقيق الأستاذ أحمد القلاش. 53 - ميزان الاعتدال - للحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي. . بن حجر العسقلانى الشافعي ت (852 هـ) - الطبعة الأولى 1416 هـ، 1996 م - دار المؤيد - الرياض - بتحقيق الأستاذ/ خليل محمد العربي. 54 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - للإمام نور الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي الشافعي ت 807 هـ - الطبعة الثالثة 1402 هـ، 1982 م - دار الكتاب العربي - لبنان، ويقصد بالزوائد: زوائد مسند أحمد، ومسند أبي يعلى الموصلي، ومسند البزار، ومعاجم الطبراني الثلاثة: الكبير، والأوسط، والصغير؛ على الكتب الستة: البخاري، ومسلم، وأبى داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.
55 - مختصر المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة - للإمام محمد ابن عبد الباقي الزرقانى ت 1122 هـ - الطبعة الأولى 1401 هـ، 1981 م - المكتب المصري الحديث، ومكتب التربية العربي لدول الخليج - الرياض - بتحقيق د/ محمد بن لطفي الصباغ. والمقاصد الحسنة للإمام شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي ت 902 هـ 56 - المستدرك على الصحيحين [البخارى، ومسلم]- للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن محمد الحافظ الحاكم الصغير ت (405 هـ) - الطبعة الأولى 1411 هـ، 1990 م - دار الكتب العلمية - بيروت - تحقيق/ مصطفى عبد القادر عطا. 57 - مسند أحمد - للإمام أبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل ت 241 هـ - طبعة مؤسسة قرطبة - مصر. 58 - وطبعة أخرى بتحقيق الشيخ/ أحمد محمد شاكر- طبعة 1405 هـ، 1985 هـ - دار المعارف - القاهرة. 59 - مسند الشافعي - للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعي ت 204 هـ - طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. 60 - مسند الطيالسي - للإمام أبي داود سليمان بن داود الفارسي البصري الطيالسي ت 204 هـ - دار المعرفة - بيروت. 61 - مسند أبي يعلى- للإمام أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي التميمي - الطبعة الأولى 1404 هـ - 1984 م - دار المأمون للتراث - دمشق - تحقيق: حسين سليم أسد. 62 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة - للإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني البوصيري الشافعي ت 840 هـ - طبعة 1403 هـ - دار العربية - بيروت - تحقيق/ محمد المنتقى الكشناوي.
63 - مصنف ابن أبي شيبة - للإمام أبي بكر عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة الكوفي ت 235 هـ - الطبعة الأولى 1409 هـ، 1989 م - مكتبة الرشد - الرياض - تحقيق/ كمال يوسف الحوت. 64 - مصنف عبد الرزاق - للإمام أبي بكر عبد الرزاق بن همَّام بن نافع الصنعانى ت 211 هـ - الطبعة الثانية 1403 هـ، 1983 م - المكتب الإسلامي - تحقيق الشيخ/ حبيب الرحمن الأعظمي. 65 - المعجم الأوسط - للإمام أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ت 360 هـ - طبعة 1415 هـ، دار الحرمين، القاهرة، تحقيق/ طارق عوض اللَّه محمد، وعبد المحسن إبراهيم الحسيني. 66 - المعجم الصغير - للإمام الطبراني أيضًا - الطبعة الأولى 1405 هـ، 1985 م - المكتب الإسلامي، دار عمار - بيروت، عثمان - تحقيق/ محمد شكور محمود الحاج أمرير. 67 - المعجم الكبير- للإمام الطبراني أيضًا - الطبعة الثانية - دار إحياء التراث العربي - لبنان - تحقيق الأستاذ حمدي عبد المجيد السلفي. 68 - المقدمة في علم الحديث - للإمام تقي الدين أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الشافعي المعروف بابن الصلاح ت 643 هـ - طبعة مكتبة المتنبي - القاهرة. 69 - المنتقى، وهو شرح لموطأ مالك - للإمام أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد المالكي التجيبي القرطبي الباجي ت 474 هـ - الطبعة 1420 هـ، 1999 م - دار الكتب العلمية - لبنان - تحقيق/ محمد عبد القادر أحمد عطا. 70 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان على الصحيحين - للإمام علي بن أبي بكر بن سليمان نور الدين الهيثمي ت 807 هـ - دار الكتب العلمية - تحقيق/ محمد عبد الرزاق حمزة.
ثالثا: كتب الفقه والقواعد والإجماع والسياسة الشرعية
71 - الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي عن مالك وهو إمام دار الهجرة أبي عبد اللَّه مالك بن أنس الأصبحي ت 179 هـ - طبعة: دار إحياء التراث العربي - مصر - تحقيق/ محمد فؤاد عبد الباقي. 72 - نصب الراية لأحاديث الهداية - للإمام جمال الدين أبي محمد عبد اللَّه بن يوسف بن محمد الزيلعي ت 762 هـ - الطبعة الأولى 1418 هـ، 1997 م - مؤسسة الريان للطباعة والنشر - بيروت - لبنان، دار القبلة للثقافة الإسلامية - جدة - السعودية. تحقيق: محمد عوامة. 73 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار - للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني ت 1255 هـ - و"منتقى الأخبار" لمجد الدين ابن تيمية ت 652 هـ - طبعة إدارة الطباعة المنيرية - القاهرة - تعليق/ محمد منير الدمشقي. 74 - النهاية في غريب الحديث والأثر - للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن محمد الجزري المعروف بـ "ابن الأثير" اللغوي ت 606 هـ - طبعة المكتبة العلمية - لبنان - بتحقيق الأستاذين/ طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي. ثالثًا: كتب الفقه والقواعد والإجماع والسياسة الشرعية: أ - الفقه الحنفى: 75 - الاختيار لتعليل المختار - للإمام عبد اللَّه ابن محمود بن مودود الموصلي الحنفي ت 683 هـ - الطبعة الثالثة 1426 هـ -2005 م - دار الكتب العلمية - بيروت/ لبنان - تحقيق: عبد اللطيف محمد عبد الرحمن. 76 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق - للإمام زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن بكر المصري الحنفي الشهير بابن نجيم ت 970 هـ - وكنز الدقائق للإمام أبي البركات عبد اللَّه ابن أحمد بن محمود النسفي الحنفي ت 710 هـ - الطبعة الثانية - دار الكتاب الإسلامي.
77 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي ت 587 هـ، طبعة 1982 م، دار الكتاب العربي، بيروت. 78 - بداية المبتدى - للإمام برهان الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني ت 593 هـ، طبعة محمد على صبح، القاهرة. 79 - البناية شرح الهداية - للإمام بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد العينى الحنفي ت 855 هـ - والهداية شرح البداية كلاهما للإمام على بن أبي بكر بن عبد الجليل برهان الدين الفرغاني المرغيناني ت 593 هـ - الطبعة الأولى 1420 هـ، 2000 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، تحقيق/ أيمن صالح شعبان. 80 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق - للإمام عثمان بن علي فخر الدين الزيلعي الحنفي ت 742 هـ - وكنز الدقائق للإمام حافظ الدين أبي البركات عبد اللَّه بن أحمد بن محمود النسفي الحنفي ت 710 هـ - الطبعة الثانية - دار الكتاب الإسلامي. 81 - تحفة الفقهاء - للإمام علاء الدين أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي الحنفي ت 539 هـ أو بعدها - طبعة 1405 هـ -1984 م - دار الكتب العلمية - بيروت. 82 - الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير - الجامع الصغير للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن الحسن الشيباني ت 189 هـ - طبعة 1406 هـ - عالم الكتب - بيروت، والنافع الكبير للشيخ محمد عبد الحي بن محمد عبد الحليم اللكنوي الهندي الحنفي المتوفى سنة 1304 هـ. 83 - الجوهرة النيرة - للإمام أبي بكر بن علي ابن محمد الحدادي العبادي اليمني الزَّبِيدِيّ ت 800 هـ - طبعة دون ناشر أو تاريخ.
84 - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح - للشيخ أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي ت 1231 هـ - و (مراقي الفلاح بإمداد الفتاح) شرح (نور الإيضاح ونجاة الأرواح) كلاهما للشيخ أبي الإخلاص حسن بن عمار بن علي الشرنبلالي الحنفي ت 1069 هـ - المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق - سنة 1318 هـ - مصر. 85 - حاشية ابن عابدين، واسمها (رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار) - للإمام محمد أمين ابن عمر بن عبد العزيز الشامي الحنفى الشهير بابن عابدين ت 1252 هـ. و"الدر" للإمام محمد علاء الدين ابن علي الحنفى ت 1088 هـ، و"التنوير" للإمام محمد بن عبدلله بن تمرتاش شمس الدين الحنفى ت 1004 هـ - الطبعة الثانية 1386 هـ - دار الفكر - بيروت. 86 - درر الحكام شرح غرر الأحكام - والدرر والغرر كلاهما للإمام محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو ت 885 هـ - طبعة دون ناشر أو تاريخ. 87 - درر الحكام شرح مجلة الأحكام - للشيخ على حيدر خواجه أمين أفندي ت: 1353 هـ - طبعة دار الكتب العلمية، لبنان، تحقيق وتعريب المحامي/ فهمي الحسيني. 88 - الدر المختار شرح تنوير الأبصار - للإمام محمد علاء الدين ابن علي الحنفى ت 1088 هـ، و"التنوير" للإمام محمد بن عبد اللَّه بن تمرتاش شمس الدين الحنفي ت 1004 هـ - الطبعة الثانية 1386 هـ - دار الفكر - بيروت. 89 - العناية شرح الهداية على بداية المبتدى - للإمام أكمل الدين أبي عبد اللَّه محمد بن محمد ابن محمود الرومي البابرتي ت 786 هـ - طبعة دار الفكر. والبداية والهداية للإمام المرغينانى. 90 - الفتاوى الهندية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان - للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند - طبعة 1411 هـ -1991 م - دار الفكر.
91 - فتح القدير شرح البداية والهداية - للإمام محمد بن عبد الواحد كمال الدين المعروف بـ "ابن الهمام" الحنفى ت 861 هـ - الطبعة الثانية - دار الفكر - بيروت. وهذا الشرح للبداية والهداية وهما للإمام علي بن أبي بكر بن عبد الجليل برهان الدين الفرغاني المرغيناني ت 593 هـ وهذا الشرح لم يستكمله ابن الهمام، وقد استكمله الإمام قاضى زاده ت 988 هـ. 92 - الكتاب - للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد القدوري البغدادي الحنفي ت 428 هـ، ومعه (اللباب) للشيخ عبد الغني بن طالب بن حمادة بن إبراهيم الغنيمي الدمشقي الميداني ت 1298 هـ - طبعة دار الكتاب العربي - تحقيق/ محمود أمين النواوي. 93 - المبسوط - للإمام أبي بكر بن أبي سهل السرخسي الحنفي ت 483 هـ، الطبعة الأولى 1421 هـ، 2000 م، دار الفكر، لبنان، تحقيق/ خليل محيي الدين الميس. 94 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى البحر - للإمام عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكليبولي المدعو بشيخي زاده، والمعروف بداماد أفندى الحنفى ت 1078 هـ - و (ملتقى الأبحر) للإمام إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن سليمان الحلبي الحنفي ت 956 هـ - طبعة 1419 هـ -1998 م - بيروت، لبنان. 95 - مجمع الضمانات في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان - للإمام أبي محمد بن غانم بن محمد البغدادي ت 1030 هـ - طبعة بالمكتبة الشاملة دون ذكر الناشر وسنة النشر - تحقيق الدكتورين/ محمد أحمد سراح، وعلى جمعة محمد. 96 - المحيط البرهاني في الفقه النعماني - للإمام محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه برهان الدين البخاري الحنفي ت 616 هـ، طبعة دار إحياء التراث العربي.
ب - الفقه المالكى
ب - الفقه المالكى: 97 - إرشاد السالك مع شرحه أشرف المسالك: (ص 204) - للإمام عبد الرحمن بن محمد ابن عسكر شهاب الدين البغدادي المالكي ت 732 هـ - طبعة الشركة الإفريقية للطباعة، دون تاريخ. 98 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - للإمام أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد ت 595 هـ - الطبعة الرابعة 1395 هـ، 1975 م - مطبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر. 99 - بلغة السالك لأقرب المسالك - للشيخ أحمد بن محمد المالكي، الشهير بالصاوي ت 1241 هـ - طبعة 1415 هـ -1995 م - دار الكتب العلمية - لبنان - تحقيق/ محمد عبد السلام شاهين. 100 - البهجة في شرح التحفة - للإمام أبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي ت 1258 هـ، والتحفة هي (تحفة الحكام) للإمام أبي بكر محمد بن محمد بن محمد بن عاصم القيسي ت 829 هـ، الطبعة الأولى 1418 هـ -1998 م - دار الكتب العلمية - لبنان - تحقيق/ محمد عبد القادر شاهين. 101 - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة - للإمام أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد الجد القرطبي ت 520 هـ، وكتاب المستخرجة) من أسمعة تلاميذ مالك؛ للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عبد العزيز العُتْبِيِّ - مولى عتبة بن أبي سفيان - القرطبي ت 255 هـ - الطبعة الثانية 1408 هـ، 1988 م - دار الغرب الإسلامي، لبنان - تحقيق د/ محمد حجي، وآخرون. 102 - التاج والإكليل لمختصر خليل - للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري المعروف بالمواق ت 897 هـ - طبعة 1398 هـ، دار الفكر، بيروت. ومختصر خليل هو "المختصر في القفه المالكى" للشيخ خليل بن إسحاق ت 767 هـ.
103 - التلقين في الفقه المالكي - للإمام أبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي ت 422 هـ - الطبعة الأولى 1425 هـ، 2004 م - دار الكتب العلمية - تحقيق/ أبو أويس محمد بو خبزة الحسني التطواني. 104 - التوضيح شرح المختصر الفرعي - للإمام الشيخ خليل بن إسحاق ضياء الدين الجندي المالكي ت 776 هـ -، و (المختصر الفرعي) للإمام جمال الدين أبي عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر المعروف بـ "ابن الحاجب" ت 646 هـ، الطبعة الأولى 1429 هـ، 2008 م - دار نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث - تحقيق/ أحمد عبد الكريم نجيب. 105 - الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني - للشيخ صالح بن عبد السميع الآبي الأزهري ت 1335 هـ - طبعة المكتبة الثقافية - بيروت. 106 - حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير - للشيخ محمد بن أحمد بن عرفه شمس الدين الدسوقي المالكي ت 1230 هـ. والشرح الكبير شرح مختصر خليل للشيخ أحمد بن محمد بن أحمد العدوى المالكى الشهير بـ "الدردير" ت 1201 هـ - دار الفكر - بيروت - تحقيق وتعليق فضيلة الشيخ محمد عليش. 107 - حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني - للشيخ أبي الحسن علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي المالكي ت 1189 هـ - طبعة 1412 هـ - دار الفكر - بيروت - تحقيق يوسف الشيخ محمد البقاعي. وكفاية الطالب لأبي الحسن علي بن محمد بن محمد. . ابن جبريل المصري المالكي ت 939 هـ، وهو شرح لرسالة الإمام أبي محمد عبد اللَّه بن أبي زيد عبد الرحمن القيراوني ت 386 هـ. 108 - الذخيرة - للإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المالكي ت 684 هـ - طبعة 1994 م - دار الغرب - بيروت - تحقيق/ محمد حجي.
109 - الشرح الكبير - للشيخ أبي البركات أحمد بن محمد بن أحمد العدوى المالكى الشهير بـ "الدردير" ت 1201 هـ - دار الفكر - بيروت - تحقيق/ محمد عليش. 110 - شرح مختصر خليل - للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الخراشي المالكي ت 1101 هـ. ومختصر خليل هو "المختصر في القفه المالكى" للشيخ خليل ابن إسحاق ت 767 هـ، دار الفكر، بيروت. 111 - شرح ميارة وهو (الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام) - للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد بن محمد ميارة الفاسي المالكي ت 1072 هـ و (تحفة الحكام) للإمام الوزير أبي بكر محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عاصم القيسي ت 829 هـ - طبعة 1420 هـ، 2000 م - دار الكتب العلمية - لبنان. 112 - غاية البيان شرح زُبَدِ ابن رسلان - للإمام محمد بن أحمد الرملي الأنصاري ت 1004 هـ - دار المعرفة - بيروت. 113 - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - للإمام أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي المالكي ت 1125 هـ -وهو شرح لرسالة الإمام أبي محمد عبد اللَّه بن أبي زيد عبد الرحمن القيراوني ت 386 هـ - طبعة 1415 هـ، دار الفكر، بيروت. 114 - القوانين الفقهية - للإمام محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي المالكي ت 741 هـ - طبعة دون تاريخ، ودون ذكر الناشر. 115 - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي - للإمام أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه. . بن عبد البر القرطبي المالكي ت 463 هـ - الطبعة الثانية 1413 هـ، 1992 م - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. 116 - كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني - للإمام أبي الحسن علي بن محمد بن محمد. . بن جبريل المصري المالكي ت 939 هـ، وهو شرح لرسالة الإمام أبي محمد عبد اللَّه بن أبي زيد عبد الرحمن القيراوني ت 386 هـ، طبعة دار الفكر 1412 هـ، بيروت، تحقيق/ يوسف الشيخ محمد.
ج - الفقه الشافعي
117 - المدونة الكبرى - للإمام أبي سعيد عبد السلام بن حبيب بن حسان المالكى الملقب بـ "سحنون" ت 240 هـ - يرويها عن عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك - طبعة دار الفكر - لبنان. 118 - منح الجليل شرح على مختصر خليل - للشيخ محمد عليش المالكي مفتي الديار المصرية الأسبق ت 1299 هـ - طبعة 1409 هـ - 1989 م - دار الفكر- بيروت. 119 - مواهب الجليل شرح مختصر خليل- للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن محمد المغربي المالكي المعروف بـ "الحطَّاب" ت 954 هـ - طبعة 1423 هـ - 2003 م - دار عالم الكتب - تحقيق زويا عميرات. ج - الفقه الشافعي: 120 - أسنى المطالب في شرح روض الطالب - للإمام أبي يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الشافعي ت 926 هـ - الطبعة الأولى 1422 هـ - 2000 - م - دار الكتب العلمية - بيروت - تحقيق د/ محمد محمد تامر، وروض الطالب للإمام شرف الدين أبي محمد إسماعيل بن أبي بكر بن عبد اللَّه الشهير بابن المقري ت 837 هـ، وهو مختصر لكتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين للإمام النووي ت 676 هـ. 121 - الإقناع - للإمام أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الشافعي الشهير بالماوردي ت 450 هـ. 122 - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع - للإمام محمد بن أحمد شمس الدين المعروف بالخطيب الشربيني الشافعي ت 977 هـ، طبعة 1415 هـ، دار الفكر، بيروت. 123 - إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين - للإمام أبي بكر السيد البكري بن السيد محمد شطا الدمياطي الشافعي ت بعد 1302 هـ - وفتح المعين للشيخ زين الدين بن عبد العزيز المعبري المليباري الشافعي ت 987 هـ - طبعة دار الفكر - بيروت، بدون تاريخ.
124 - الأم - للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعي ت 204 هـ - الطبعة الثانية 1393 هـ - دار المعرفة - بيروت. 125 - تحرير ألفاظ التنبيه - للإمام النووي ت 676 هـ، الطبعة الأولى 1408 هـ - دار القلم، دمشق، تحقيق/ عبد الغني الدقر. والتنبيه للإمام أبي إسحاق الشيرازي الشافعي ت 476 هـ. 126 - التنبيه - للإمام أبي إسحاق الشيرازي الشافعي ت 476 هـ - الطبعة الأولى 1403 هـ، عالم الكتب، بيروت، تحقيق/ عماد الدين أحمد حيدر. 127 - جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود - للإمام محمد بن أحمد شمس الدين المنهاجي الأسيوطي ت 880 هـ، الطبعة الأولى 1417 هـ، 1996 م - دار الكتب العلمية - لبنان - بعناية/ مسعد السعدني. 128 - حاشية قليوبي على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين - للإمام أحمد بن أحمد بن سلامة شهاب الدين القليوبي ت 1069 هـ - طبعة دار الفكر 1419 هـ، 1998 م - لبنان - تحقيق مكتب البحوث والدراسات، وشرح محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم جلال الدين المحلي الشافعي المصري ت 863 هـ هو المسمى كنز الراغبين في شرح منهاج الطالبين، ومنهاج الطالبين للإمام النووي ت 676 هـ. 129 - حواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج - للشيخ عبد الحميد الشرواني الدغستاني ت 1301 هـ، طبعة دار الفكر، بيروت. وتحفة المنهاج للإمام سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد المعروف بـ "ابن الملقن" الأنصاري ت 804 هـ، والمنهاج هو منهاج الطالبين للإمام النووي ت 676 هـ. 130 - الحاوي الكبير في فقه الشافعي - للإمام أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الشافعي الشهير بالماوردي ت 450 هـ - الطبعة الأولى 1414 هـ، 1994 م - دار الكتب العلمية.
131 - خبايا الزوايا - للإمام محمد بن بهادر بن عبد اللَّه الشافعي الزركشى ت 794 هـ، طبعة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية. 132 - روضة الطالبين وعمدة المفتين - للإمام النووي ت 676 هـ - الطبعة الثانية 1405 هـ - المكتب الإسلامي - بيروت. 133 - طرح التثريب في شرح التقريب (تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد) - "التقريب" للإمام زين الدين أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي ت 806 هـ، و"طرح التثريب" للإمام زين الدين نفسه ولم يتمه فأكمله سنة 818 هـ ولدُه ولى الدين العراقى ت 826 هـ - طبعة مكتبة ابن تيمية - القاهرة. 134 - الشرح الكبير أو (العزيز بشرح الوجيز) - للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي الشافعي ت 623 هـ - و (الوجيز) للإمام أبي حامد محمد الغزالي ت 505 هـ - وقد طبع الكتاب بالصلب الثالث من كتاب (المجموع شرح المهذب) للإمام النووي - طبعة دار الفكر. 135 - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار - الكفاية للإمام تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الحصيني الدمشقي الشافعي ت 829 هـ - وغاية الاختصار للإمام أبي شجاع الحسين بن أحمد الأصفهاني الشافعي ت 488 هـ - تحقيق على عبد الحميد بلطجي ومحمد وهبي سليمان - دار الخير- طبعة 1994 م - دمشق. 136 - فتح المعين بشرح قرة العين - للإمام زين الدين بن عبد العزيز المليباري الشافعي ت 987 هـ - طبعة دار الفكر - بيروت - بدون تاريخ. 137 - فتح الوهاب شرح منهج الطلاب -كلاهما للإمام زين الدين أبي يحيى زكريا بن محمد ابن زكريا الأنصاري المصري الشافعي ت سنة 926 هـ - طبعة دار الفكر- بيروت. 138 - متن أبي شجاع - للإمام أبي شجاع أحمد بن الحسين بن أحمد الأصفهاني ت حدود 500 هـ - طبعة 1398 هـ، 1978 م - دار الإمام البخاري - دمشق - تحقيق الدكتور/ مصطفى ديب البُغَا.
139 - المجموع شرح المهذب - من الجزء الأول حتى التاسع للإمام النووي ت 676 هـ، ومن الجزء العاشر حتى الثاني عشر تكملة الإمام تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي السبكي الكبير ت 756 هـ، ومن الجزء الثالث عشر حتى العشرين تكملة الشيخ محمد نجيب المطيعي المصري ت 1416 هـ والمهذب للإمام أبي إسحاق الشيرازي الشافعي ت 476 هـ - طبعة دار الفكر - لبنان. 140 - مختصر المزني - للإمام إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني صاحب الإمام الشافعي ت 264 هـ، وقد اختصره من كلام الإمام الشافعي، طبعة 1393 هـ، دار المعرفة - بيروت. 141 - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - للإمام شمس الدين محمد بن أحمد المعروف بالخطيب الشربيني الشافعي ت 977 هـ - طبعة - دار الفكر - بيروت. والمنهاج هو منهاج الطالبين للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي ت 676 هـ 142 - منهاج الطالبين وعمدة المفتين - للإمام أبي زكريا يحيى بن شرت النووي ت 676 هـ، طبعة دار المعرفة. 143 - المهذب في فقه الإمام الشافعي - للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ت 476 هـ - طبعة بيروت. 144 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - للإمام محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي الشهير بالشاقعي الصغير ت 1004 هـ - طبعة 1404 هـ - 1984 م - دار الفكر للطباعة - بيروت. 145 - الوسيط في المذهب - للإمام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الشافعي ت 505 هـ - طبعة 1417 هـ - دار السلام - القاهرة - تحقيق/ أحمد محمود إبراهيم، محمد محمد تامر.
د - الفقه الحنبلى
146 - الغرر البهية - للإمام زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري - المطبعة الميمنية. د - الفقه الحنبلى: 147 - الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل - للإمام شرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي ت 960 هـ - طبعة دار المعرفة - لبنان، تحقيق/ عبد اللطيف محمد موسى السبكي. 148 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد - للإمام علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي ت 885 هـ - الطبعة الأولى 1419 هـ - دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان. 149 - حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع اختصار المقنع - للشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي النجدي ت 1392 هـ - الطبعة الأولى 1397 هـ. وزاد المستقنع لشرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي ت 960 هـ، والمقنع لموفق الدين أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد بن محمد، الشهير بابن قدامة المقدسي ت 620 هـ 150 - الروض المربع شرح زاد المستنقع في اختصار المقنع - للشيخ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي ت 1051 هـ - طبعة دار الفكر للطباعة والنشر - بيروت - لبنان. تحقيق/ سعيد محمد اللحام. 151 - شرح زاد المستقنع للحمد -وهو دروس مجموعة بالمكتبة الشاملة، من شرح الشيخ، جمعها من كلامه الشيخ عبد العزيز الغسلان. 152 - شرح زاد المستقنع - للشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي ت 1393 هـ - دروس صوتية مفرغة بمعرفة موقع الشبكة الإسلامية. 153 - شرح الزركشي على مختصر الخرقي - للإمام شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الزركشي المصري الحنبلي ت 772 هـ - طبعة 1423 هـ، 2002 م - دار الكتب العلمية - لبنان. تحقيق/ عبد المنعم خليل إبراهيم.
154 - الشرح الكبير - للإمام شمس الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة ت 682 هـ - طبعة مع المغني لعمه موفق الدين ابن قدامة - طبعة دار الكتب العلمية - لبنان. 155 - الشرح الممتع على زاد المستقنع - لفضيلة الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين ت 1421 هـ - الطبعة الأولى 1422، 1428 هـ - دار ابن الجوزي - السعودية. 156 - العدة شرح العمدة - للإمام بهاء الدين أبي محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد المقدسي ت 624 هـ - والعمدة هو (عمدة الفقه) لموفق الدين ابن قدامة صاحب المغني ت 620 هـ - الطبعة الثانية 1426 هـ، 2005 م - دار الكتب العلمية، تحقيق/ صلاح بن محمد عويضة. 157 - الفتاوى الكبرى - للإمام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ت 728 هـ - الطبعة الأولى 1408 هـ -1987 م - دار الكتب العلمية، تحقيق محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا. 158 - الفروع في الفقه الحنبلى - للإمام شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن مفلح المقدسي الحنبلى ت 763 هـ، الطبعة الأولى 1418 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق/ أبو الزهراء حازم القاضي. 159 - الفروع وتصحيح الفروع - الفروع لشمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن مفلح بن محمد المقدسي ت 763 هـ، والتصحيح لعلي بن سليمان علاء الدين المرداوي ت 885 هـ - الطبعة الأولى 1424 هـ، 2003 م - مؤسسة الرسالة - تحقيق/ عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي. 160 - الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل - للإمام موفق الدين أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد بن محمد، الشهير بابن قدامة المقدسي ت 620 هـ - الطبعة الخامسة 1408 هـ، 1988 م، المكتب الإسلامي، بيروت، تحقيق/ زهير الشاويش.
161 - كشاف القناع عن متن الإقناع - للإمام منصور بن يونس بن إدريس البهوتي الحنبلي ت 1051 هـ، ومتن الإقناع لشرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم الحجاوى المقدسي الحنبلي ت 968 هـ - طبعة 1402 هـ - دار الفكر - بيروت - تحقيق/ هلال مصيلحي مصطفى هلال. 162 - المبدع شرح المقنع - للإمام برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن مفلح ت 884 هـ - طبعة 1423 هـ، 2003 م - دار عالم الكتب، الرياض. 163 - مجموع الفتاوى - للإمام أبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ت 728 هـ - الطبعة الثالثة 1426 هـ، 2005 م - دار الوفاء - تحقيق أنور الباز، وعامر الجزار. 164 - المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل - للإمام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد اللَّه بن الخضر بن محمد الحراني ابن تيمية الجد ت 652 هـ - الطبعة الثانية 1404 هـ، 1984 م - مكتبة المعارف - الرياض. 165 - مختصر الإنصاف والشرح الكبير - لشيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي ت 1206 هـ - تحقيق/ عبد العزيز بن زيد الرومي وغيره. 166 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه - للإمام أبي يعقوب إسحاق بن منصور المروزي الكوسج ت 251 هـ - الطبعة الأولى 1425 هـ، 2002 م - دراسة وتحقيق/ الناشر: عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية. 167 - المغني شرح مختصر الخرقي - للإمام موفق الدين أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد بن محمد، الشهير بابن قدامة المقدسي ت 620 هـ - الطبعة الثالثة 1417 هـ، 1997 م - دار عالم الكتب - الرياض - تحقيق الدكتورين/ عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح محمد الحلو.
هـ - فقه المذاهب الأخرى
168 - منار السبيل في شرح الدليل - للشيخ إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان ت 1353 هـ، وهو شرح لكتاب (دليل الطالب لنيل المطالب) للشيخ مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي ت 1033 هـ - الطبعة السابعة 1409 هـ، 1989 م - المكتب الإسلامي - تحقيق/ زهير الشاويش. هـ - فقه المذاهب الأخرى: 169 - الدراري المضية شرح الدرر البهية - كلاهما لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني ت 1250 هـ، الطبعة الأولى 1407 هـ -1987 م - دار الكتب العلمية. 170 - الروضة الندية شرح الدرر البهية - الروضة لأبي الطيب محمد صديق خان ابن حسن ابن علي ابن لطف اللَّه الحسيني البخاري القِنَّوجي ت 1307 هـ - دار المعرفة. والدرر البهية للشوكاني كما سبق. 171 - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - للإمام محمد بن علي بن محمد بن عبد اللَّه الشوكاني الصنعاني ت 1250 هـ - و"الحدائق" للإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى الزيدي ت 840 هـ - الطبعة الأولى - دار ابن حزم. 172 - المُحَلَّى بالآثار - للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري ت: 456 هـ - طبعة دار الفكر - بيروت. و- الفقه المقارن: 173 - إعلام الموقعين عن رب العالمين - للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي الشهير بابن قيم الجوزية ت 751 هـ - طبعة دار الجيل - لبنان. بعناية الأستاذ/ طه عبد الرءوف سعد. 174 - الفقه الإسلامي وأدلته - للدكتور وهبة الزحيلى - الطبعة الثالثة 1409 هـ، 1989 م - دار الفكر - سوريا. ويمكن أن ندرج هنا "المجموع" للنووى، و"المغنى" لابن قدامة" ونحوها مما اهتم أصحابها بإيراد أقوال المذاهب الأخرى مع مذاهبهم.
ز- القواعد الفقهية
175 - الموسوعة الفقهية الكويتية - الطبعة الأولى من 1404 - 1427 هـ، مطابع دار الصفوة - مصر. ز- القواعد الفقهية: 176 - الأشباه والنظائر في الفروع - للإمام السيوطي ت 911 هـ - طبعة دار الفكر- لبنان. 177 - الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان - للإمام زين الدين ابن إبراهيم بن محمد الحنفي، الشهير بابن نجيم ت 970 هـ - طبعة 1400 هـ، 1980 م - دار الكتب العلمية - لبنان. 178 - أنوار البروق في أنواع الفروق - للإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس المالكي الشهير بالقرافي ت 684 هـ. طبعة دون ناشر، ودون تاريخ. 179 - القواعد الحنبلية - للإمام زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي الدمشقي ت 795 هـ - طبعة مكتبة نزار مصطفى الباز 1999 م - مكة. ح - الإجماع: 180 - الإجماع - للإمام أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري الفقيه الشافعي ت 318 هـ - الطبعة الثانية 1408 هـ، 1988 م - دار الكتب العلمية - لبنان. 181 - إجماع الأئمة الأربعة واختلافهم - للإمام الوزير عون الدين أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعد الشيباني ت 560 هـ - الطبعة الأولى 1430 هـ، 2009 م - دار العلا - تحقيق م/ محمد حسين الأزهري. 182 - اختلاف الأئمة العلماء - للإمام الوزير ابن هبيرة ت 560 هـ - الطبعة الأولى 1423 هـ، 2002 م - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - تحقيق/ السيد يوسف أحمد.
ط - السياسة الشرعية
183 - اختلاف الفقهاء - للإمام أبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي الطبري ت 315 هـ - طبعة دار الكتب العلمية. بدون تاريخ. 184 - الإفصاح عن معاني الصحاح في الفقه على المذاهب الأربعة - لابن هبيرة أيضًا - الطبعة الأولى 1417 هـ، 1996 م - دار الكتب العلمية بيروت - لبنان. 185 - الإقناع في مسائل الإجماع - للإمام أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الملك المعروف بابن القطان ت 628 هـ - الطبعة الأولى 1424 هـ، 2004 م - الفاروق الحديثة للطباعة والنشر - تحقيق/ حسن بن فوزي الصعيدي. 186 - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات - للإمام أبي محمد علي بن أحمد ابن حزم الأندلسي ت 456 هـ - طبعة دار الكتب العلمية، بيروت. 187 - نوادر الفقهاء - للإمام محمد بن الحسن التميمي الجوهري، عاش في القرن الرابع الهجرى - طبعة 1414 هـ، 1993 م - دار القلم - سوريا - بتحقيق الدكتور/ محمد فضل عبد العزيز المراد. ط - السياسة الشرعية: 188 - الأحكام السلطانية والولايات الدينية - للإمام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي ت 450 هـ - طبعة دار الكتب العلمية - لبنان. رابعًا: كتب أصول الفقه والتشريع: 189 - الأحكام في أصول الأحكام - للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري ت 456 هـ - الطبعة الأولى 1404 هـ - دار الحديث - القاهرة. 190 - الإحكام في أصول الأحكام - للإمام أبي الحسن علي بن محمد الآمدي الشافعي ت 631 هـ - الطبعة الثانية 1406 هـ، 1986 م - دار الكتاب العربي - لبنان. بتحقيق الدكتور/ سيد الجميلي.
191 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول- للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني ت 1250 هـ - الطبعة الأولى 1419 هـ -1999 م - دار الكتاب العربي - تحقيق الشيخ أحمد عزو عناية. 192 - أصول السرخسي - للإمام أبي بكر شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي الحنفي ت 483 هـ - الطبعة الأولى 1414 هـ -1993 م - دار الكتاب العلمية - لبنان. 193 - الأصول من علم الأصول - للشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين ت 1421 هـ - طبعة 1426 هـ - دار ابن الجوزي. 194 - إعلام الموقعين عن رب العالمين - للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي الشهير بابن قيم الجوزية ت 751 هـ - طبعة دار الجيل - لبنان. بعناية الأستاذ/ طه عبد الرءوف سعد. 195 - البحر المحيط في أصول الفقه: (3/ 585) - للإمام بدر الدين أبي عبد اللَّه محمد بن بهادر بن عبد اللَّه بدر الدين الزركشي ت 794 هـ - طبعة 1421 هـ - 2000 م - دار الكتب العلمية - بيروت - تحقيق د/ محمد محمد تامر. 196 - التحبير شرح التحرير في أصول الفقه - للإمام أبي الحسن علاء الدين علي بن سليمان المرداوي الحنبلي ت 885 هـ - طبعة 1421 هـ -2000 م - مكتبة الرشد - الرياض - تحقيق الدكاترة: عبدا لرحمن الجبرين، وعوض القرني، وأحمد السراح. 197 - التوضيح في حل غوامض التنقيح لمتن التنقيح في أصول الفقه - للإمام عبيد اللَّه بن مسعود صدر الشريعة المحبوبي البخاري الحنفي ت 747 هـ - طبعة 1416 هـ -1996 م - دار الكتب العلمية. لبنان. 198 - الرسالة - للإمام الشافعي ت 204 هـ - طبعة دار الكتب العلمية - لبنان - تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر.
199 - روضة الناظر وجنة المناظر - للإمام أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة المقدسي ت 620 هـ - الطبعة الثانية 1399 هـ - جامعة الإمام محمد بن سعود - الرياض - تحقيق: د/ عبد العزيز عبد الرحمن السعيد. 200 - شرح الكوكب المنير - للإمام أبي البقاء تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي المعروف بابن النجار ت 972 هـ - الطبعة الثانية 1418 هـ -1997 م - مكتبة العبيكان - تحقيق/: محمد الزحيلي ونزيه حماد. 201 - الفقيه والمتفقه - للإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي ت 463 هـ - طبعة سنة 1417 هـ - دار ابن الجوزي - السعودية. تحقيق: عادل بن يوسف العزازي. 202 - قواطع الأدلة في الأصول - للإمام أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد المروزي السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعي ت 489 هـ - الطبعة الأولى 1418 هـ، 1999 م - دار الكتب العلمية - لبنان - تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي. 203 - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - للإمام عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري ت 730 هـ - الطبعة الأولى 1418 هـ، 1997 م - دار الكتب العلمية - بيروت - تحقيق/ عبد اللَّه محمود محمد عمر. 204 - اللمع في أصول الفقه - للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ت 476 هـ - الطبعة الأولى 1405 هـ، 1985 م - دار الكتب العلمية - بيروت. 205 - المحصول في علم الأصول - للإمام فخر الدين أبي عبد اللَّه محمد بن عمر بن الحسين الرازي ت 606 هـ - الطبعة الأولى 1400 هـ - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض - تحقيق: طه جابر فياض العلواني. 206 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل - للشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بن محمد بدران الحنبلى الدمشقي ت 1346 هـ - الطبعة الأولى 1417 هـ، 1996 م - دار الكتب العلمية - تحقيق محمد أمين ضناوي.
خامسا: كتب التاريخ والتراجم
207 - المستصفى من علم الأصول - للإمام أبي محمد محمد بن محمد الغزالي ت 505 هـ - الطبعة الأولى 1413 هـ - دار الكتب العلمية - بيروت - تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي. 208 - المسودة - جمعها الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الحراني الدمشقي الحنبلي ت 745 هـ - جمعها من أقوال الأئمة: مجد الدين عبد السلام ابن تيمية ت 652 هـ، وولده شهاب الدين عبد الحليم ابن تيمية ت 682 هـ، وحفيده تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ت 728 هـ - طبعة المدني- القاهرة تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد. 209 - معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة - للشيخ الدكتور محمد بن حسَيْن بن حَسنْ الجيزاني - الطبعة الخامسة 1427 هـ - دار ابن الجوزي. 210 - المعتمد في أصول الفقه - للإمام أبي الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي ت 436 هـ - الطبعة الأولى 1403 هـ - دار الكتب العلمية - بيروت - تحقيق الشيخ خليل الميس مدير أزهر لبنان. خامسًا: كتب التاريخ والتراجم: 211 - الأعلام - للأستاذ خير الدين الزركلي - الطبعة الثامنة - دار العلم للملايين - لبنان. 212 - تاريخ بغداد - للإمام أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ت 463 هـ - دار الكتب العلمية - بيروت. 213 - تهذيب الأسماء واللغات - للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي ت 676 هـ - طبعة دار الفكر، بيروت. 214 - الجواهر المضية في طبقات الحنفية - للإمام محيى الدين أبي محمد عبد القادر بن محمد بن محمد القرشي الحنفي ت 775 هـ - تحقيق الناشر مير محمد كتب خانه - كراتشي.
215 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب [المالكى]- للإمام برهان الدين أبي الوفا إبراهيم بن علي بن فرحون المالكي المدني ت 799 هـ - طبعة دار الكتب العلمية - لبنان. 216 - سير أعلام النبلاء- للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ت 748 هـ - الطبعة الرابعة 1406 هـ، 1986 م - مؤسسة الرسالة. 217 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب - للشيخ عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الشهير بابن العماد الحنبلي ت 1089 هـ - طبعة دار ابن كثير 1406 هـ - دمشق - تحقيق/ عبد القادر الأرنؤوط، ومحمود الأرناؤوط. 218 - طبقات الحنابلة - للإمام أبي الحسين محمد بن أبي يعلى ت 521 هـ - طبعة دار المعرفة - بيروت - تحقيق/ محمد حامد الفقي. 219 - طبقات الشافعية - للإمام أبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة ت 851 هـ، الطبعة الأولى 1047 هـ، عالم الكتب، بيروت، تحقيق د/ الحافظ عبد العليم خان. 220 - طبقات الشافعية الكبرى - للإمام تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي ت 771 هـ - الطبعة الثانية 1413 هـ - دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة - بتحقيق الأستاذين: عبد الفتاح محمد الحلو، ومحمود محمد الطناحي. 221 - طبقات الفقهاء - للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ت 476 هـ، طبعة دار القلم - بيروت، تحقيق/ خليل الميس. 222 - المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد- للإمام إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن مفلح برهان الدين ت 884 هـ، طبعة 1410 هـ - 1990 م، مكتب الرشد، الرياض، تحقيق د/ عبد الرحمن بن سليمان العثيمين. 223 - كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون - للعلامة مصطفى بن عبد اللَّه الرومي الحنفي المعروف بـ "حاجي خليفة" ت 1076 هـ - طبعة 1410 هـ، 1990 م - دار الفكر - لبنان.
سادسا: اللغة والمعاجم
سادسًا: اللغة والمعاجم: 224 - أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء - للإمام قاسم بن عبد اللَّه بن أمير على القونوي الرومي الحنفى ت 978 هـ - طبعة 1424 هـ - 2004 م - دار الكتب العلمية - تحقيق/ يحيى مواد. 225 - تاج العروس من جواهر القاموس - للإمام أبي الفيض محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني الزبيدي الملقب بمرتضى ت 1205 هـ. 226 - التعريفات - للإمام علي بن محمد الجرجاني ت 816 هـ - الطبعة الأولى 1405 هـ - دار الكتاب العربي - بيروت، تحقيق/ إبراهيم الأبياري. 227 - التوقيف على مهمات التعاريف - للإمام محمد عبد الرؤوف شمس الدين المناوي ت 1029 هـ - الطبعة الأولى 1410 هـ - دار الفكر المعاصر، دار الفكر - بيروت، دمشق - تحقيق د/ محمد رضوان الداية. 228 - الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة - للإمام أبي يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري ت 926 هـ، الطبعة الأولى 1411 هـ، دار الفكر المعاصر، بيروت، تحقيق د/ مازن المبارك. 229 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية - للإمام لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري ت 393 هـ - الطبعة الرابعة 1407 هـ، 1987 م - دار العلم للملايين، بيروت - تحقيق/ أحمد عبد الغفور عطار. 230 - لسان العرب - للإمام جمال الدين أبي الفضل محمد بن مكرم بن علي الأنصاري الأفريقي المقرئ المعروف بـ "ابن منظور" ت 711 هـ - طبعة 1412 هـ، 1992 م دار صادر - لبنان. 231 - مختار الصحاح - للإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ت بعد 666 هـ - طبعة جديدة، 1415 - 1995 - بيروت - تحقيق: محمود خاطر. وهو مختصر من كتاب: "الصحاح" لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهرى ت 393 هـ
سابعا: دراسات إسلامية، وفكرية عامة
232 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعى - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير - للإمام أبي العباس أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي ثم الحموي ت 770 هـ - طبعة المكتبة العلمية - بيروت - والشرح الكبير للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي الشافعي ت 623 هـ. 233 - المطلع على أبواب المقنع - للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي ت 709 هـ - طبعة 1401 هـ، 1981 م - المكتب الإسلامي، بيروت، تحقيق/ محمد بشير الأدلبي. والمقنع للإمام ابن قدامة صاحب "المغنى". 234 - معجم لغة الفقهاء - وضع أ. د/ محمد رواس قلعه جي، د/ حامد صادق قنيبي - الطبعة الأولى: 1405 هـ - 1985 م - دار النفائس- بيروت - لبنان. 235 - المعجم الوسيط- للأساتذة/ إبراهيم مصطفى، وأحمد الزيات، وحامد عبد القادر، ومحمد النجار - طبعة دار الدعوة - تحقيق/ مجمع اللغة العربية - القاهرة. 236 - منازل الحروف- للإمام أبي الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد اللَّه الرماني ت 388 هـ - دار الفكر - عثمان - تحقيق إبراهيم السامرائي. سابعًا: دراسات إسلامية، وفكرية عامة: 237 - بدائع الفوائد - للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية ت 751 هـ - الطبعة الأولى 1416 هـ، 1996 م - مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة - تحقيق/ هشام عبد العزيز عطا، وعادل عبد الحميد العدوي، وأشرف أحمد.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة حصل بها الباحث على درجة الدكتوراة بتقدير ممتاز من جامعة الملك سعود بالرياض
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة إن الحمد للَّه نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد: فإن من إكرام اللَّه -تعالى- لهذه الأمة أن بعث فيها محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- نبيًّا، وجعل رسالته خاتمة الرسالات ومهيمنة عليها، وهذا يقتضي أن تكون أحكامها صالحة لكل زمان ومكان؛ لذا فقد حفظ اللَّه -تعالى- أصل هذه الرسالة من التحريف والتبديل، وهيَّأ لخدمتها علماء أفذاذًا خدموا أحكامها وحددوا الأصول التي تستند عليها تلك الأحكام، فجعلوا القرآن الكريم هو الأصل الأول الذي تُستنبط منه الأحكام، تليه السنة المطهرة المؤكدة والمفصلة والمبينة لأحكام القرآن، ثم الإجماع (¬1). فهو حق مقطوع به في دين اللَّه عز وجل، وأصل عظيم من أصول الدين، ومصدر مهم من مصادر التشريع، وركيزة أساسية من ركائز اللَّه، مستمدة من كتاب اللَّه الكريم وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال لأحكام القرآن في الرتبة والمنزلة. إلا أن مسائل الإجماع كثيرة في كتب الفقه، ونقلها يختلف باختلاف العلماء في المسائل الفقهية، الأمر الذي جعل كثيرًا من هذه المسائل بحاجة إلى التحقق من نقل الإجماع عليه من خلال البحث والدراسة المستفيضة، ولَمَّا كانت مسائل الإجماع كثيرة جدًّا بحيث لا يستطيع باحث أن يجمعها كلها، لذا فقد تبنى مشروع هذا البحث نخبة من أعضاء هيئة التدريس في مسار الفقه وأصوله من قسم الثقافة الإسلامية كلية التربية بجامعة الملك سعود، فكان هذا البحث بعنوان: (مسائل الإجماع في الأحكام السلطانية جمعًا ودراسة) سائلًا المولى ¬
مشكلة البحث
العلي القدير التوفيق في القول والعمل، وأن يغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين، إنه هو الغفور الرحيم. مشكلة البحث: تعد الأحكام السلطانية من أوسع أبواب الفقه، فمسائلها متفرقة في بعض أبواب الفقه، مما يتطَلَّب جُهدًا في جمع شتاتها، فمنها ما هو محل اتفاق، ومنها ما وقع فيه الخلاف، شأنها شأن أبواب الفقه الأخرى، والمسائل التي نُقل فيها الإجماع بحاجة إلى إمعان النظر والدراسة، وصولًا إلى كون هذه المسألة مجمعا عليها أم لا؟ فقد يكتشف الباحث أن هناك نوع تساهل في إطلاق الإجماع، فمنهم من يعتد بخلاف الواحد والاثنين، ومنهم من لا يعتد بذلك، كما أن كثيرًا من العلماء يسوقون الإجماع من غير ذكر المستند عليه؛ لكونه حاضرًا في أفهامهم، الأمر الذي يتطلَّب بحثًا ومراجعة للوصول إلى ما استند إليه ذلك الإجماع (¬1). ولا شك أن ذلك كله بحاجة إلى جهد واسع ونظر فاحص؛ للوصول إلى حقيقة الإجماع في تلك المسائل، ومن ثم كان هذا البحث لجمع مسائل الإجماع التي نُقِلَت في أبواب الأحكام السلطانية، ودراسة كل مسألة على حدة. حدود البحث: تتعلق حدود البحث بجانبين: الجانب الأول: الجانب الصياغي، فسأقتصر فيه على لفظ الإجماع ومشتقاته، وهي: الألفاظ الصريحة للإجماع، نحو: أجمع العلماء، إجماعًا، بالإجماع. ألفاظ الاتفاق، نحو: اتفق العلماء، اتفاقًا، بالاتفاق. عبارات نفي الخلاف، نحو: لا نعلم فيه خلافًا، بلا خلاف، ونحوها. الجانب الثاني: الجانب الموضوعي: وذلك في أبواب الأحكام السلطانية وفروعها، وقد بلغت المسائل التي ستحتويها الدراسة مبدئيًا ما يقارب ثنتين وخمسين ومائتي مسألة قابلة للزيادة مستقبلًا مع البحث والاطلاع. ¬
أما المراجع
أما المراجع: فقد اعتمدت لجنة المشروع عددًا من المراجع التي يُحكى فيها الإجماع، أضفت إليها ما دعت الحاجة إلى الرجوع إليه، وهي مرتبة على النحو التالي: أولا: كتب التفسير: 1 - تفسير ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي (¬1) (ت 327 هـ)، تحقيق: أسعد محمد الطيب، المكتبة العصرية، صيدا. 2 - تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء (¬2) (ت 774 هـ)، دار الفكر، بيروت، 1401 هـ. 3 - جامع البيان في تأويل آي القرآن للطبري (¬3) (ت 310 هـ)، طبعة مؤسسة دار الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1410 هـ. ¬
ثانيا: شرح السنة
4 - لأحكام القرآن للقرطبي (¬1) (ت 671 هـ)، طبعة دار الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1427 هـ. ثانيًا: شرح السنة: 1 - الجامع المختصر من السنن عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل للترمذي (¬2) (ت 279 هـ)، بتحقيق أحمد شاكر وآخرين، طبعة إحياء التراث العربي، بيروت. 2 - شرح السنة للبغوي (¬3) (ت 516 هـ)، بتحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط، طبعة المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1412 هـ. 3 - شرح صحيح البخاري، علي بن خلف بن بطال (¬4) (ت 449 هـ)، تحقيق: ¬
أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثانية 1423 هـ. 4 - عارضة الأحوذي لابن العربي (¬1) (ت 546 هـ)، بتحقيق جمال المرعشلي، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ. 5 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر (¬2) (ت 853 هـ)، تعليق الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه اللَّه، طبعة دار السلفية. 6 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني (¬3) (ت 1255 هـ)، بتحقيق صوفي العطار، طبعة دار الفكر، بيروت، 1414 هـ. ¬
ثالثا: الكتب المتخصصة في نقل الإجماع
ثالثًا: الكتب المتخصصة في نقل الإجماع: 1 - الإجماع لابن المنذر (¬1) (ت 318 هـ)، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1414 هـ. 2 - الإفصاح عن معاني الصحاح، لابن هبيرة (¬2) (ت 560 هـ)، بتحقيق محمد ابن حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ. 3 - الإقناع في مسائل الإجماع، لابن القطان الفاسي (¬3) (ت 628 هـ)، بتحقيق: د. فاروق حمادة، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1424 هـ. 4 - مراتب الإجماع لابن حزم (¬4) (ت 456 هـ)، طبعة دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ. ¬
رابعا: المذهب الحنفي
5 - نقد مراتب الإجماع لابن تيمية (¬1) (ت 728 هـ)، طبعة دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ، مطبوع مع الإجماع لابن حزم. رابعًا: المذهب الحنفي: 1 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم (¬2) (ت 970 هـ)، طبعة دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة 1413 هـ. 2 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (¬3) (ت 587 هـ)، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ. 3 - البناية في شرح الهداية للعيني (¬4) (ت 855 هـ)، بتحقيق أيمن صالح ¬
خامسا: المذهب المالكي
شعبان، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1420 هـ. 4 - فتح القدير لابن الهمام (¬1) (ت 861 هـ)، طبعة دار الفكر، بيروت. خامسًا: المذهب المالكي: 1 - الاستذكار لابن عبد البر (¬2) (ت 463 هـ)، بتحقيق سالم محمد عطا ومحمد على معوض، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ. 2 - الذخيرة للقرافي (¬3) (ت 684 هـ)، بتحقيق أحمد حجي وآخرين، طبعة دار التربية الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى 1994 م. ¬
سادسا: المذهب الشافعي
سادسًا: المذهب الشافعي: 1 - الأم للشافعي (¬1) (ت 204 هـ)، طبعة دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1393 هـ. 2 - روضة الطالبين وعمدة المفتين، للنووي (¬2) (ت 676 هـ)، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1405 هـ. 3 - المجموع شرح المهذب للنووي، طبعة دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ. 4 - مغني المحتاج للشربيني (¬3) (ت 977 هـ)، بتحقيق على معوض وعادل عبد الموجود، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ. سابعًا: المذهب الحنبلي: 1 - جامع الرسائل لابن تيمية، بتحقيق محمد رشاد سالم، طبعة دار المدني، القاهرة، الطبعة الأولى 1389 هـ. 2 - جامع المسائل لابن تيمية، جمع وتحقيق محمد عزيز شمس، من ¬
ثامنا: كتب الأحكام السلطانية
مطبوعات مجمع الفقه الإسلامي بجدة طبعة عالم الفوائد، الطبعة الأولى 1422 هـ. 3 - حاشية الروض المربع لعبد الرحمن بن قاسم (¬1) (ت 1392 هـ)، الطبعة الثانية 1403 هـ. 4 - المغني شرح مختصر الخرقي لابن قدامة (¬2) (ت 620 هـ)، بتحقيق د. عبد اللَّه التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، الطبعة الثانية 1412 هـ. ثامنًا: كتب الأحكام السلطانية: 1 - الأحكام السلطانية لأبي يعلى البغدادي (¬3) (ت 458 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. ¬
2 - الأحكام السلطانية للماوردي (¬1) (ت 450 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. 3 - الاستخراج لأحكام الخراج، لابن رجب الحنبلي (¬2) (795)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ. 4 - الخراج للقاضي أبي يوسف (¬3) (ت 182 هـ)، دار المعرفة، بيروت، طبعة 1399 هـ. 5 - الرتبة في طلب الحسبة للماوردي، دار الرسالة، بدون تاريخ. 6 - السياسة الشرعية لابن تيمية، بتحقيق د. صالح اللحان، طبعة مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1425 هـ. 7 - الطرق الحكمية لابن القيم (¬4) (751 هـ)، مكتبة دار البيان، بدون تاريخ. ¬
تاسعا: كتب أخرى
8 - مسألة الحسبة لابن تيمية، تحقيق محمد النجدي، طبعة دار إيلاف، بدون تاريخ. تاسعًا: كتب أخرى: 1 - إحياء علوم الدين، لأبي حامد الغزالي (¬1) (ت 505 هـ)، دار المعرفة، بيروت. 2 - الآداب الشرعية والمنح المرعية، لابن مفلح المقدسي (¬2) (ت 763 هـ)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وعمر القيام، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1417 هـ. 3 - أصول الفقه (حاشية على شرح الإسنوي المسمى نهاية السول شرح منهاج الأصول على متن المنهاج للبيضاوي)، لمحمد أبي النور زهير (¬3) (ت 1407 هـ)، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة 1998 م. 4 - إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم، بتحقيق طه عبد الرؤوف سعيد، طبعة دار الجيل، بيروت، 1973 م. 5 - الإمامة والرد على الرافضة، لأبي نعيم الأصبهاني (¬4) (ت 430)، ¬
بتحقيق: د. علي بن محمد الفقيهي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الثالثة 1415 هـ. 6 - البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، أحمد بن يحيى المرتضى (¬1) (ت 840 هـ)، دار الكتاب الإسلامي. 7 - زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم، بتحقيق شعيب الأرناؤوط، طبعة دار الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة عشر 1407 هـ. 8 - سبل السلام شرح بلوغ المرام، للأمير الصنعاني (¬2) (ت 1182 هـ)، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1422 هـ. 9 - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم، تحقيق: علي بن محمد الدخيل اللَّه، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الثالثة 1418 هـ. 10 - غياث الأمم في التياث الظلم، لأبي المعالي الجويني (¬3) (ت 478 هـ)، ¬
مصطلحات البحث
بتحقيق: مصطفى حلمي، وفؤاد عبد المنعم، دار الدعوة للنشر والتوزيع، الإسكندرية. 11 - مجموع الفتاوى لابن تيمية، طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، عام 1416 هـ. 12 - المحلى بالآثار لابن حزم، بتحقيق أحمد شاكر، طبعة دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ. 13 - مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. 14 - منهاج السنة النبوية، لابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، مؤسسة قرطبة، الطبعة الأولى 1406 هـ. 15 - المواقف، للإيجي (¬1) (ت 756 هـ)، بتحقيق عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ. مصطلحات البحث: مسائل الإجماع: المسائل: هي المطالب التي يُبَرْهَنْ عليها في العلم، ويكون الغرض من ذلك العلم معرفتها (¬2) الإجماع: عبارة عن اتفاق جملة أهل الحل والعقد من أمة محمد في عصر من العصور على حكم واقعة من الوقائع (¬3). ¬
أهمية الموضوع، وأسباب اختياره
الأحكام السلطانية: الأحكام: جمع، مفرده: حكم. وفي اللغة: القضاء، وأصل معناه: المنع، يقال: حكمت عليه بكذا، إذا منعته من خلافه (¬1). أما في الاصطلاح الشرعي: فعند الأصوليين: هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاءً، أو تخييرًا أو وضعًا (¬2). أما عند الفقهاء: أثر خطاب اللَّه المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاءً، أو تخييرًا، أو وضعًا (¬3). السلطانية: فهي متعلقة بالسلطة والتسلط والسلطان، فالسين واللام والطاء أصل واحد، ويُراد بها القوة والقهر، وقيل: الشديد (¬4) وعرفت الأحكام السلطانية بأنها: هي التي تشمل أحكام الإمامة العظمى وما يتفرع عنها من ولايات داخل دولة الإسلام أو خارجها (¬5). أهمية الموضوع، وأسباب اختياره: تتضح أهمية الموضوع، وأسباب اختياره من خلال الآتي: 1 - كونه يتعلق بما يكون سببًا في حفظ الدين وحراسته، وسياسة الدنيا وسيرها على النهج السليم. 2 - أن معرفة مسائل الإجماع في أبواب الأحكام السلطانية يساعد على معرفة واجبات الإمام وواجبات الرعية. 3 - أن التحقق من الإجماع وخلافه ودراسة مسائله له أهمية بالغة، حيث إن الناقلين للإجماع متفاوتون، فمنهم من يتساهل في حكايته، ومنهم من ¬
أهداف البحث
ينقله ويقصد به قول الجماهير من الفقهاء، ومنهم من يقصد به إجماع المذهب عندهم. 4 - يُعد الإجماع المصدر الثالث من مصادر التشريع، فقد أجمع العلماء على حجيته، واشترطوا معرفته لبلوغ رتبة الاجتهاد، ولا يحل لمكلف أن يُخالف الإجماع بعد أن علمه، قال اللَّه -تعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (¬1). 5 - أن وجود مسائل الإجماع في مؤلفات خاصة بها يُعين طلاب العلم والمشتغلين بالفقه الإسلامي على الوقوف على تلك المسائل والاستفادة منها، كما يُسهم في تضييق دائرة الخلاف بين المسلمين. أهداف البحث: تتلخص أهداف البحث فيما يلي: 1 - بيان التحقق من وقوع الإجماع من عدمه في هذه المسائل محل الدراسة. 2 - بيان مستند الإجماع في مسائل أبواب البحث. 3 - بيان جوانب الاتفاق التي وقعت بين الفقهاء في المسائل المتعلقة بالأحكام السلطانية. 4 - بيان من قال بالإجماع في تلك المسائل من العلماء، ومن نقل ذلك الإجماع، كذلك بيان من خالف الإجماع. أسئلة البحث: سيجيب البحث -بإذن اللَّه تعالى- على عدة أسئلة، منها: 1 - ما مسائل الإجماع التي وقع فيها الاتفاق بين العلماء في الأحكام السلطانية؟ 2 - ما مستند الإجماع في مسائل البحث، وما مدى سلامته من المخالفة؟ 3 - ما جوانب الاتفاق التي وقعت بين الفقهاء في المسائل المتعلقة بالأحكام السلطانية؟ 4 - من قال بالإجماع في تلك المسائل من العلماء ومن نقل ذلك الإجماع؟ ¬
منهج البحث
منهج البحث: سأقوم في دراستي باتِّباع منهجين علميين بإذن اللَّه: 1 - المنهج الاستقرائي: وذلك بجمع المسائل التي حُكي فيها الإجماع، ودراستها وتمحيصها. 2 - المنهج الاستنباطي: وذلك بدراسة المسائل المقيدة دراسة علمية، أخلص في نهايتها إلى إثبات صحة الإجماع من عدمه. إجراءات البحث: 1 - حصر جميع الإجماعات الواردة في مسائل الأحكام السلطانية، من خلال الرجوع إلى جميع الكتب المعتمدة، مراعيًا في ذلك الطبعات المعتمدة لهذه الكتب في هذا المشروع. 2 - أعنون المسألة التي حكي فيها الإجماع بصيغة مناسبة شاملة، وأشرح إذا كانت تحتاج إلى شرح وتفصيل وتمييز عن غيرها من المسائل المشتبهة بها. 3 - أذكر أول من ذكر الإجماع أو الاتفاق أو نفى الخلاف، ثم أذكر من نقله بعده مراعيًا الترتيب الزمني في ذلك. 4 - أذكر النص الذي حُكي فيه الإجماع بعينه، وعند تكرار ذكر الإجماع لعالم واحد في المسألة الواحدة فإني أكتفي بذكر نص واحد هو أوضحها وأصرحها، وأشير إلى بقية النصوص في الهامش بذكر الكتاب والجزء والصفحة. 5 - إذا كان العالم قد حكى عن غيره ممن هم من أصحاب الكتب المعتمدة في المشروع، كأن ينقل ابن قدامة الإجماع عن ابن المنذر مثلًا، فإني أكتفي بذكر نص ابن المنذر، ثم أقول: ونقله عنه ابن قدامة. وكذلك إذا كانت صيغة الإجماع التي أتى بها المتأخر موافقة لصيغة الإجماع التي أتى بها من قبله ممن هم من أصحاب الكتب المعتمدة في المشروع، مثال ذلك: إذا كانت صيغة الإجماع التي ذكرها ابن حزم موافقة للصيغة التي ذكرها ابن عبد البر أو قريبة منها، فإني أقول بعد ذكر نص الإجماع لابن عبد البر: وذكره بهذا النص ابن حزم.
6 - أذكر الإجماعات على ترتيب كتابي الأحكام السلطانية للماوردي وأبي يعلى، وحسب ما تراه اللجنة المُشَكَلة للتنسيق في هذا المشروع، وكذلك ترتيب المسائل داخل الأبواب. وإذا كانت المسألة يتناولها أكثر من باب فإني أذكرها في الباب الأول، ثم أحيل عليها في الباب الذي بعده منعًا للتكرار. 7 - إذا لم يذكر علماء المذهب الفقهي صيغة الإجماع في المسألة إلا أنهم يتفقون في حكمها، فإني أبين ذلك من خلال الرجوع إلى كتابين -على الأقل- من كتبهم المعتبرة. 8 - أذكر مستند الإجماع من النصوص الشرعية إن عُلِم، فإن لم يظهر ذلك فإني أذكره بطرق الاستنباط الأخرى، مراعيًا أن تكون الصيغة شاملة ومختصرة. 9 - عزو الآيات إلى سورها، وتخريج الأحاديث والآثار مع بيان درجة الحديث، وإذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما فأكتفي بتخريجه منهما أو من أحدهما دون الإشارة إلى من خرَّجه من غيرهما، أما بالنسبة لترجمة الأعلام غير المشهورين فسيكون في الهامش أو في آخر الرسالة حسب ما تراه اللجنة. 10 - بعد ذكر المسألة التي حكي فيها الإجماع أنظر هل يوجد نقض للإجماع؟ إما بالنص على أن الإجماع منقوض أو حكاية خلاف في هذه المسألة أو نحو ذلك. وأبذل جهدي في التحقق من المسألة التي لم يحك الإجماع فيها إلا عالم أو عالمان مع اشتهار أحدهما بالتساهل في حكاية الإجماع، ويكون ذلك بالرجوع إلى كتب الخلاف والتأكد من عدم وجود خلاف مذهبي في هذه المسألة. 11 - عند سلامة الإجماع أذكر النتيجة مع بيان تحقق الإجماع المحكي في المسألة من عدمه. 12 - إذا وُجِد خرق للإجماع -سواء كان معتبرًا أو غير معتبر- أتحقق من هذا الخلاف، وأذكر الخلاف المحكي في المسألة مع العزو إلى الكتب
خطة البحث
المعتبرة من الكتب المعتمدة في المشروع، أو غيرها من المؤلفات الأخرى بحسب المذاهب الفقهية. وعند ذكر الخلاف في المسألة أذكر الأدلة التي استدل بها المخالف ثم أبين ما يترجح لي في المسألة التي خرق فيها الإجماع وأذكر النتيجة. خطة البحث: تتكون خطة البحث من مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة، وفهارس بيانها كالتالي: المقدمة: وتشتمل على أهمية الإجماع، وأسباب اختياري للإجماع في الأحكام السلطانية، وبيان حدود البحث ومصطلحاته، مع الإشارة إلى الدراسات السابقة، وبيان أهداف البحث، والمنهج الذي سوف أتبعه، مع ذكر الإجراءات والطريقة التي سأسير عليها بإذن اللَّه. التمهيد: في تعريف الإجماع والأحكام السلطانية ويشتمل على أربعة مباحث: المبحث الأول: تعريف الإجماع لغة واصطلاحًا. المبحث الثاني: مكانة الإجماع في التشريع وحجيته. المبحث الثالث: شروط الإجماع. المبحث الرابع: تعريف الأحكام السلطانية وأهم الكتب التي أُلِّفت فيها. الباب الأول: مسائل الإجماع في الإمامة وفيه تمهيد وثمانية فصول: التمهيد: ويتضمن التعريف بالإمامة، وبيان أهميتها، ومشروعيتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع في نصب الإمام. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في شروط الإمام. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في كيفية اختيار الإمام. الفصل الرابع: مسائل الإجماع فيمن لا تصح إمامتهم. الفصل الخامس: مسائل الإجماع فيما يجب على الرعية تجاه الإمام. الفصل السادس: مسائل الإجماع في حكم عزل الإمام ومبطلات الإمامة.
الفصل السابع: مسائل الإجماع في واجبات الإمام. الفصل الثامن: مسائل الإجماع في الشورى. الباب الثاني: مسائل الإجماع في الحسبة وفيه تمهيد وأربعة فصول: التمهيد: ويتضمن التعريف بالحسبة. الفصل الأول: مسائل الإجماع في حكم الحسبة. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في مواطن الحسبة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في شروط المحتسب. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في شهادة المحتسب. الباب الثالث: مسائل الإجماع في تصرفات الإمام في موارد بيت مال المسلمين وفيه تمهيد وأربعة فصول. التمهيد: ويتضمن التعريف ببيت المال، الخراج، الفيء، الغنيمة، إحياء الأموات. الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب الخراج. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في الفيء والغنيمة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في إحياء الموات. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أخذ الإمام للزكاة. الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث، والتوصيات التي أرى أهميتها. الفهارس: وتشتمل على: فهرس المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.
التمهيد تعريف الإجماع والأحكام السلطانية
التمهيد تعريف الإجماع والأحكام السلطانية المبحث الأول: تعريف الإجماع لغة واصطلاحًا: وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريفه في اللغة: الإجماع: مصدر أجمع (¬1)، والجيم والميم والعين أصل واحد يدل على انضمام الشيء (¬2). وأجمعت كذا، أكثر ما يُقال فيما يكون جمعًا يتوصل إليه بالفكرة (¬3)، ومنه قول اللَّه -تعالى-: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} (¬4)، وقول اللَّه -تعالى-: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} (¬5). وقال الفراء (¬6): "الإجماع: العزم على الأمر والإحكام عليه، تقول: أجمعت الخروج وأجمعت عليه" (¬7). ومنه قول ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: "أُصَلِّي صَلَاةَ المُسَافِرِ، ما لم أُجْمِعْ مُكْثًا" (¬8)، أي: ما لم أعزم ¬
المطلب الثاني: الإجماع اصطلاحا
على الإقامة (¬1). المطلب الثاني: الإجماع اصطلاحًا: ذُكرت للإجماع تعريفات كثيرة في كتب الأصول تختلف بحسب اختلاف العلماء في طائفة من الأمور المتعلقة بالإجماع، من شروط وأركان وغير ذلك (¬2). ولذا فإني سأقتصر على أشمل هذه التعريفات في إدراكه لمعنى الإجماع الأصولي وهو: "اتفاق المجتهدين من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- في عصر بعد وفاته على حكم شرعي" (¬3). شرح التعريف ومحترزاته: [اتفاق]: معناه الاشتراك في الاعتقاد، أو القول، أو الفعل، أو أطبق بعضهم على الاعتقاد، وبعضهم على القول أو الفعل الدالين على الاعتقاد، أو السكوت أو التقرير، وهو جنس يشمل كل اتفاق (¬4). وقولنا: [المجتهدين] قيد أول في التعريف يخرج به اتفاق غير المجتهدين، كما يخرج به اتفاق بعض المجتهدين، قلَّوا أو كثروا؛ كإجماع أهل المدينة، أو أهل البيت، أو الخلفاء الأربعة، أو الشيخين. وقولنا: [من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-] احتراز عن اتفاق مجتهدي الشرائع السالفة (¬5). ¬
وقولنا: [في عصر] يخرج تخصيص الإجماع بعصر معين، كعصر الصحابة مثلًا. وقولنا: [بعد وفاته] يخرج الاتفاق الذي يكون في حياته، فمتى وُجِد قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- فلا عبرة بقول غيره (¬1). وقولنا: [على حكم شرعي] يخرج الإجماع على ما ليس حكمًا شرعيًّا؛ لأن ذلك لا يعتبر حجة، والإجماع على الحكم يعم حالتي الإثبات والنفي (¬2). وتعميم المجمع عليه ليشمل الأمور اللغوية -ككون الفاء للترتيب أو التعقيب- والأمور الاقتصادية، والأمور العقلية، ذهب إليه بعض الحكماء (¬3). وأطلق بعضهم الأمر حتى قال بوجوب اتباع إجماع آراء المجتهدين في أمر الحروب ونحوها. وُيرد عليه: أن تارك الاتباع إن أثم فهو أمر شرعي، وإلا فلا معنى للوجوب (¬4). ¬
المبحث الثاني مكانة الإجماع وحجيته
المبحث الثاني مكانة الإجماع وحجيته المطلب الأول: مكانة الإجماع: قال ابن حزم -رحمه اللَّه-: "الإجماع قاعدة من قواعد الملة الحنيفية، يُرجع إليه، ويُفزع نحوه، ويُكفَّر من خالفه، إذا قامت عليه الحجة أنه إجماع" (¬1). المطلب الثاني: حجية الإجماع: ذهب جمهور الأصوليين إلى أن الإجماع حجة شرعية يجب المصير إليها والعمل بمقتضاها (¬2)، ولم يخالفهم إلا الإمام أحمد (¬3) في رأي له (¬4)، وطوائف من الرافضة والخوارج والمعتزلة، وهي فرق ¬
اتفق أهل العلم على ضلالها، كما أنهم حادثون بعد الاتفاق، فلا يُعتد بقولهم (¬1). وقد نقل إجماع الأصوليين كل من: القاضي البيضاوي (¬2)، وأمير بادشاه ¬
أولا: أدلة حجية الإجماع من القرآن
الحسيني (¬1)، والآمدي (¬2)، وابن أمير الحاج (¬3). واستدلوا على حجية الإجماع بأدلة من الكتاب والسنة والقياس: أولًا: أدلة حجية الإجماع من القرآن: الدليل الأول: استدلوا بقول اللَّه -تعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه -تعالى- قد جمع بين مشاقة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحًا لما جمع بينه وبين المحظور، فثبت أن متابعة غير سبيل المؤمنين عبارة عن متابعة قول أو فتوى يخالف قولهم أو فتواهم، وإذا كانت تلك محظورة وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة (¬5). ¬
كما أنه إذا أجمع المؤمنون على أمر في قضية فمن شاقهم فقد خالفهم واتبع غير سبيلهم، وبذلك كان عرضة للوعيد المذكور في الآية (¬1). وقد نوقش هذا الاستدلال: بأن المراد من السبيل في قول اللَّه -تعالى-: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ليس هو الإجماع، بل يحتمل أن يكون المراد سبيلهم وطريقهم في متابعة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو في مناصرته، أو في الاقتداء به، وإذا وجد الاحتمال في الدليل سقط به الاستدلال (¬2). وأجيب عن هذه المناقشة: بأنه لو كان المراد من ما ذكره المعترضون، للزم أن تكون مخالفة سبيلهم هي عين المشاقة للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذلك يستلزم التكرار في الآية الكريمة، مع أن العطف يقتضي المغايرة. وإذا كان كلام العقلاء يصان عن التكرار بدون فائدة، فمن باب أولى كلام اللَّه تعالى (¬3). فإن قيل: إن الوعيد في الآية إنما في مخالفة سبيل المؤمنين مع مشاقة الرسول. قلنا: هما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصًا عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالمخالف لهم مخالف للرسول، كما أن المخالف للرسول مخالف للَّه، ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بيَّنه الرسول، وهذا هو الصواب (¬4). قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه-: "لا يوجد قط مسألة مجمع عليها ¬
إلا وفيها بيان من الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس ويعلم الإجماع فيستدل به، كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص، وهو دليل ثان مع النص كالأمثال المضروبة في القرآن، وكذلك الإجماع دليل آخر كما يُقال: قد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وكل من هذه الأصول يدل على الحق مع تلازمها، فإن ما دل عليه الإجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة، وما دل عليه القرآن فعن الرسول أُخِذ، فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه، ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص" (¬1). الدليل الثاني: كما استدلوا على حجية الإجماع بقول اللَّه -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (¬2). • وجه الدلالة: أن الوسط: العدل الخيار، فيكون اللَّه -تعالى- قد أخبر عن خيرية هذه الأمة، وهذا يقتضي أن يكونوا عدولًا، ويوجب عصمتهم عن الخطأ، ولا يقدمون على شيء من المحظورات، وهذا يوجب أن يكون قولهم حجة (¬3). فإذا كان الرب قد جعلهم شهداء لم يشهدوا بباطل، فإذا شهدوا أن اللَّه أمر بشيء فقد أمر به، وإذا شهدوا أن اللَّه نهى عن شيء فقد نهى عنه (¬4). وقد نوقش الاستدلال بهذه الآية؛ بأن العدالة هي عبارة عن فعل الواجبات واجتناب المنهيات، وهذا من فعل العبد، وأن اللَّه -تعالى- قد أخبر بأنه قد جعلهم وسطًا فتكون العدالة التي فسرت بها الآية غير الوسطية التي جعلها اللَّه -تعالى- للأمة المحمدية. وأجيب عن ذلك: بأن العدالة من فعل اللَّه -تعالى- الذي عدَّل الأمة ¬
ثانيا: أدلة حجية الإجماع من السنة
المحمدية لعلمه الأزلي بأنهم سيكونون عدولًا، وهو خبر صادق لا يحتمل الكذب (¬1). الدليل الثالث: واستدلوا أيضًا بقول اللَّه -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه -عز وجل- وصف أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنهم يأمرون بكل معروفٍ وينهون عن كل منكرٍ، فانتفى أن تجتمع الأمة - وللَّه الحمد - على ضلالة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فلو قالت الأمة في الدين بما هو ضلال لكانت لم تأمر بالمعروف في ذلك، ولم تنه عن المنكر فيه" (¬3). ثانيًا: أدلة حجية الإجماع من السنة: استدلوا بأحاديث منها: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةَ جَاهِلِيَّة" (¬4). وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الجَمَاعَةَ" (¬5). وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّه لَا يجْمَعُ ¬
أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ" (¬1). • وجه الدلالة من الأحاديث: هذه الأحاديث مع غيرها من الأحاديث الدالة على نفس المعنى تلقتها الأمة بالقبول، ولم يدفعها أحد من سلف الأمة وخلفها من موافقي الأمة ومخالفيها، ولم تزل الأمة تحتج بها في أصول الدين وفروعه، والاستدلال بهذه الأحاديث يفيد حصول العلم الضروري بأن قصد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من جملة هذه الأخبار -وإن لم يتواتر آحادها-: تعظيم شأن هذه الأمة، والإخبار بعصمتها عن الخطأ، وكذلك أن هذه الأخبار مشهورة عن الصحابة والتابعين، وهم متمسكون بها في إثبات الإجماع من غير خلاف؛ إذ المعلوم إن كان لا أصل لها لاشتد النكير وظهر (¬2). قال الشافعي: "إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة وأبدان قوم متفرقين، وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى؛ لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئًا، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما، ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أُمِر بلزومها، وإنما تكون الغفلة في الفرقة، فأما الجماعة ¬
ثالثا: أدلة حجية الإجماع من المعقول
فلا يمكن فيها كافة غفلة عن معنى كتاب ولا سنة ولا قياس إن شاء اللَّه" (¬1). ثالثًا: أدلة حجية الإجماع من المعقول: ثبت عن طريق التواتر المعنوي ما يفيد عصمة هذه الأمة عن الخطأ، وأنها لا تجتمع على ضلالة، وهذا موجب لصدقها قطعًا، ولذلك كان قولها حجة (¬2). ¬
المبحث الثالث شروط الإجماع
المبحث الثالث شروط الإجماع ينعقد الإجماع بتوفر عدد من الشروط، ولقد اخترت منها ما هو أكثر صلة بموضوع الدراسة، ومن تلك الشروط: الشرط الأول: اتفاق الأكثر: اختلف العلماء في شرط أن يكون الاتفاق في الإجماع واقعًا من كل المجتهدين، إذا كان المقصود بيان الحكم الشرعي لمسألة ما على قولين: القول الأول: أنه لا بد من اتفاق الجميع على المسألة، بحيث إذا خالف في الحكم واحد أو أكثر فإن الإجماع لا ينعقد، وإن كان القائلون هم الأكثر (¬1). وقد استدل أصحاب هذا القول بأمرين هما: الدليل الأول: إن الأدلة الدالة على حجية الإجماع جاءت بألفاظ دالة على العموم والاستغراق كلفظ المؤمنين في قول اللَّه -تعالى-: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2)، والأمة في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّه لَا يجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ" (¬3) (¬4). وإذا استعملا في الأكثر فذلك بطريق التجوز، ولا يُصار إلى ذلك إلا بقرينة، ولا قرينة مع هذه النصوص (¬5). الدليل الثاني: أن الأدلة الدالة على عصمة الأمة مثل قول اللَّه -تعالى-: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤمِنِينَ}. إنما شهدت بالعصمة لمجموع الأمة، ومجموع الأمة ليس بحاصل مع خلاف الواحد والاثنين (¬6). ¬
القول الثاني: أن مخالفة الواحد أو الاثنين لا تؤثر في الإجماع، وهو قول الطبري، والجصاص (¬1)، وبعض المعتزلة، وقد أومأ إليه الإمام أحمد (¬2). وقد استدل أصحاب هذا القول بما يلي: الدليل الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّه لَا يَجْمَعُ أمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللَّه مع الجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إلى النَّارِ" (¬3). • وجه الدلالة: ظاهر الحديث يدل على أن الأكثر هم الجماعة مع وجود المخالف، فقد جعل اللَّه الحق مع الأكثر. وأجيب عنه: بأن المراد بالجماعة في الحديث الكل، والذين شذوا خالفوا بعد الموافقة (¬4). الدليل الثاني: اعتمدت الأمة في خلافة أبي بكر -رضي اللَّه عنه- على أنه إجماع، فقد اتفق عليه الأكثرون، وخالف في ذلك جماعة، كعلي بن أبي طالب، وسعد بن عبادة، ولولا أن قول الأكثر حجة مع مخالفة الأقل لما كانت إمامة أبي بكر ثابتة بالإجماع (¬5) وأجيب عنه: برجوع علي وسعد -رضي اللَّه عنهما- إلى المبايعة، كما أن الإمامة لا يلزم انعقادها حصول الإجماع، بل تكفي بيعة الأكثر (¬6). الدليل الثالث: ما رواه أنس -رضي اللَّه عنه-، قال سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ على ضَلَالَةٍ، فإذا رَأَيْتُمْ اخْتِلَافًا فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الأعْظَمِ" (¬7). ¬
الشرط الثاني: استناد الإجماع إلى دليل
• وجه الدلالة: يدل ظاهر الحديث على أن الحق مع السواد الأعظم، وأن المنفرد بقوله مخطئ (¬1) وأجيب عن ذلك: بحمل السواد الأعظم أو الجماعة على الكل حقيقة، ويرجّح ذلك ما ورد في حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إلى النَّارِ" (¬2)، أي: من خرج عن رأي الكل، ولو لم يكن إجماعًا وحجة لما استحق المخالف لذلك النار؛ لأن الاتفاق واقع على أن المجتهد مأجور وليس مأزورًا (¬3). الترجيح: ويظهر -واللَّه أعلم- أن الراجح هو القول الأول، وذلك لقوة أدلة القائلين به وقوة مناقشتهم لأدلة أصحاب القول الثاني. الشرط الثاني: استناد الإجماع إلى دليل: وقد ذهب جماهير أهل العلم إلى أنه لا بد للإجماع من مستند (¬4). وخالف في ذلك بعض المتكلمين (¬5)، فقالوا: يجوز أن ينعقد الإجماع عن طريق الإلهام فيحصل لهم تبخيتًا، وهذا قول ساقط وخلاف لا يعتد به، ولذلك أسقطه بعض أهل العلم ولم يحكه، كالغزالي، والشيرازي (¬6)، بل وصفه الآمدي بالشذوذ (¬7). ¬
الشرط الثالث: أن يكون المجمعون من العلماء المجتهدين
الشرط الثالث: أن يكون المجمعون من العلماء المجتهدين: واختلفوا في شرط المعتبر موافقتهم في الإجماع -العلماء أم جميع الأمة- على قولين: القول الأول: أنه لا يعتبر قول العوام في الإجماع، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم (¬1)، بل قال بعضهم: لا يعتبر قولهم بالاتفاق (¬2). واستدلوا على ذلك بما يلي: الدليل الأول: أن العامي يلزمه المصير إلى أقوال العلماء بإجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم، فلا تكون مخالفته معتبرة فيما يجب عليه التقليد فيه (¬3). وقد أجيب عن ذلك: بأنه وإن كان يجب على العامي الرجوع إلى أقوال العلماء، فليس في ذلك ما يدل على أن أقوال العلماء دونه حجة قاطعة على غيرهم من المجتهدين من بعدهم؛ لجواز أن يكون الاحتجاج بأقوالهم على من بعدهم مشروطًا بموافقة العامة لهم، وإن لم يكن ذلك شرطًا في وجوب اتباع العامة لهم فيما يفتون به (¬4). ويُجاب عن هذا الجواب بأنه إذا سلّم أن العامي يجب عليه تقليد العالم، سقط قول العامي؛ لأن العالِم هو المتصرف فيهم (¬5). الدليل الثاني: أن العامي بالنسبة إلى فهم الأدلة وطرق الاجتهاد كالصبيان، فقوله إذًا بغير مستند، وهو خطأ، والخطأ لا عبرة به (¬6). القول الثاني: يعتبر قول العوام في الإجماع. ودليلهم في ذلك: أن العوام من الأمة، فيتناولهم لفظ الأدلة، فلا تقوم الحجة بدونهم (¬7). ¬
الشرط الرابع: هو عدالة المجمعين
الترجيح: يظهر -واللَّه أعلم- أن القول الأول هو الراجح، وذلك لقوة أدلته، وضعف دليل القول الثاني. الشرط الرابع: هو عدالة المجمعين: وبهذا الشرط يستبعد الفاسق من المجمعين، سواء كان فسقة بالكذب، أو شرب الخمر، أو الزنا، أو تعاطي الربا، أو غير ذلك من المعاصي القادحة في العدالة (¬1). وقد ذكر أبو حامد الغزالي أن شرط العدالة إنما هو لجواز الاعتماد على أقوال المجتهد، أما هو في نفسه فله أن يجتهد، إن كان عالمًا ويؤخذ باجتهاده، أما العدالة عنده فهي شرط لقبول الفتوى، لا لصحة الاجتهاد (¬2). الشرط الخامس: أن يكون المجمعون أحياء وموجودين: المعتبر في الإجماع أهل عصره من المجتهدين الأحياء الموجودين، فيبطل الالتفات إلى الماضين كما بطل -على القطع- الالتفات إلى اللاحقين، ولولا ذلك لما تُصوِّر إجماعٌ بعد موت واحد من المسلمين في زمان الصحابة والتابعين، وقد اعترفوا بصحة إجماع الصحابة بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبعد موت من مات بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وليس ذلك إلا لأن الماضي لا يُعتبر والمستقبل لا يُنتظر. أما اعتبار جميع مجتهدي الأمة في جميع العصور فغير ممكن؛ لأن ذلك يؤدي إلى عدم الانتفاع بالإجماع إلى يوم القيامة (¬3). ويدخل تحت هذا الشرط مسألة: انقراض العصر. وقد اختلف العلماء في انقراض العصر هل هو شرط في انعقاد الإجماع أولا؛ فذهب بعضهم إلى اعتباره شرطًا. ومنهم من فصَّل وقال: إن كان قد اتفقوا بأقوالهم أو أفعالهم أو بهما لا يكون انقراض العصر شرطًا، وإن كان الإجماع بذهاب واحد من أهل الحل والعقد إلى حكم وسكت الباقون عن الإنكار مع اشتهاره فيما بينهم فهو شرط (¬4). ¬
وذهب جمهور العلماء إلى أن انقراض العصر ليس شرطًا في صحة الإجماع (¬1) وأن المعتبر في إجماع مجتهدي عصر من العصور اتفاقهم ولو في لحظة واحدة. وهذا هو المختار، فلا يُشترط أن ينقرض عصر المجمعين، أو يمضي زمن طويل على اتفاقهم، بل متى اتفقوا واستقر قولهم، وعلم ذلك منهم، انعقد الإجماع؛ لأن اشتراط انقراض عصر المجمعين يؤدي إلى تعذر وقوع الإجماع؛ لتلاحق المجتهدين. ولعل من اشترط انقراض العصر أراد بذلك زيادة التثبت في نسبة قول المجمعين إليهم، والاطلاع على أحوالهم للعلم باستقرارهم على أقوالهم. ويُجاب عن ذلك: بأنه إذا حصل التأكد من وقوع الاتفاق والعلمُ بموافقة جميع المجتهدين، ولو في لحظة واحدة، فلا يُلتفت بعد حصول الإجماع إلى مخالفة من خالف، سواء كان من أهل الإجماع أو من غيرهم. أما إذا نُقِل الاتفاق دون التأكد من استقرار جميع المجتهدين على أقوالهم، فالإجماع المنقول لا يكون صحيحًا، سواء انقرض العصر أو لم ينقرض. ¬
المبحث الرابع تعريف الأحكام السلطانية وأهم الكتب التي ألفت فيها
المبحث الرابع تعريف الأحكام السلطانية وأهم الكتب التي أُلّفت فيها أولا: تعريف الأحكام السلطانية: الأحكام: جمع، مفرده: حكم. وفي اللغة: القضاء، وأصل معناه: المنع، يقال: حكمت عليه بكذا، إذا منعته من خلافه. وتأويله المنع من الظلم، وسميت حكمة الدابة لأنها تمنعها، والحكمة هذا قياسها لأنها تمنع من الجهل (¬1). أما في الاصطلاح الشرعي: فعند الأصوليين: هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاءً، أو تخييرًا أو وضعًا (¬2). أما عند الفقهاء: أثر خطاب اللَّه المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاءً، أو تخييرًا، أو وضعًا (¬3). السلطانية: فهي متعلقة بالسلطة والتسلط والسلطان، فالسين واللام والطاء أصل واحد، وُيراد بها القوة والقهر، وقيل: الشديد (¬4). وعرفت الأحكام السلطانية بأنها: تلك التي تشمل أحكام الإمامة العظمى وما يتفرع عنها من ولايات داخل دولة الإسلام أو خارجها (¬5). وقد خلص الدكتور فؤاد عبد المنعم في كتابه (شيخ الإسلام ابن تيمية والولاية السياسية الكبرى في الإسلام) (¬6) أن المراد بالأحكام السلطانية: الأحكام المتعلقة بولاة الأمور مما يحسن فيه التقدير ويحكم به التدبير، وهي الأحكام المتعلقة بالإمامة والولايات التي تصدر عنها. ثانيًا: أهم الكتب التي ألفت في الأحكام السلطانية: فيما يلي قائمة بأهم ¬
المؤلفات القديمة في فقه الأحكام السلطانية مرتبة حسب وفاة مؤلفيها: 1 - الخراج: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم (ت 182 هـ). 2 - السير الكبير: محمد بن الحسن الشيباني (¬1) (ت 189 هـ). 3 - الخراج: يحيى بن آدم القرشي (¬2) (ت: 204 هـ). 4 - الأموال: أبو عبيد القاسم بن سلام (¬3) (ت 224 هـ). 5 - الأحكام السلطانية: علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت 450 هـ). 6 - قوانين الوزارة: الماوردي. 7 - أدب القاضي: الماوردي. 8 - غياث الأمم في التياث الظلم: أبو المعالي الجويني إمام الحرمين (ت 478 هـ). 9 - نهاية الرتبة في طلب الحسبة: أبو الحسن الشيرازي (ت 589 هـ). ¬
10 - العقد الفريد للملك السعيد: محمد بن طلحة القرشي (¬1) (ت: 652 هـ) 11 - السياسة الشرعية: شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ). 12 - الحسبة في الإسلام: ابن تيمية. 13 - معالم القربة في أحكام الحسبة: ابن الأخوة (¬2) (ت 729 هـ). 14 - تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام: بدر الدين ابن جماعة (¬3) (ت 733 هـ). 15 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: ابن القيم (ت 751 هـ). 16 - أحكام أهل الذمة: ابن القيم. 17 - الاستخراج لأحكام الخراج، لابن رجب الحنبلي (795)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ. 18 - تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام: ابن فرحون (¬4) (ت 799 هـ). ¬
19 - لسان الحكام في معرفة الأحكام: ابن الشحنة (¬1) (ت 882 هـ). 20 - السياسة الشرعية لزين الدين بن إبراهيم بن نجيم الحنفي (ت 970 هـ). 21 - السياسة الشرعية لإبراهيم بن يحيى بن بخشي المشهور بـ (دده خليفة) (¬2) (ت 973 هـ). 22 - الجواهر المضيئة في بيان الآداب السلطانية: عبد الرؤوف المناوي (¬3) (ت 1031 هـ). 23 - أحكام الخراج في الفقه الإسلامي للدكتور محمد عثمان شبير. ¬
الباب الأول مسائل الإجماع في الإمامة
الباب الأول مسائل الإجماع في الإمامة وفيه تمهيد وثمانية فصول: التمهيد: التعريف بالإمامة وبيان أهميتها ومشروعيتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع في نصب الإمام. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في شروط الإمامة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في كيفية اختيار الإمام. الفصل الرابع: مسائل الإجماع فيمن لا تصح إمامتهم. الفصل الخامس: مسائل الإجماع فيما يجب على الرعية تجاه الإمام. الفصل السادس: مسائل الإجماع في حكم عزل الإمام ومبطلات الإمامة. الفصل السابع: مسائل الإجماع في واجبات الإمام. الفصل الثامن: مسائل الإجماع في الشورى.
التمهيد تعريف الإمامة وبيان أهميتها ومشروعيتها
التمهيد تعريف الإمامة وبيان أهميتها ومشروعيتها المبحث الأول: تعريف الإمامة لغة واصطلاحًا: المطلب الأول: الإمامة في اللغة: الإمامة مصدر من "أمَّ"، والأمُّ -بالفتح-: القصد، يُقال: أَمّه وأممه وتأممه إذا قصده (¬1). وأمَّهم وأمَّ بهم: تقدمهم، وهي الإمامة. والإمام: كل ما ائتم به من رئيس أو غيره (¬2)، يقول الأزهري: "الإمام كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين" (¬3). وفي التنزيل: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (¬4)، أي: إمام هدى أو إمام ضلالة، في أحد وجوه التفسير (¬5). والجمع: أئمة، أصلها: أممة، مثل: مثال وأمثلة، ولكن الميمين لما اجتمعتا أدغمت الأولى في الثانية، وألقيت حركتها على الهمزة، فقيل: أئمة. وإمام كل شيء قيِّمُه والمصلح له، والقرآن إمام المسلمين، وسيدنا محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إمام الأئمة، والخليفة إمام الرعية، وإمام الجند قائدهم، وهذا أيَّمُ من هذا وأوَّم من هذا، أي: أحسن إمامة منه، قلبوها إلى الياء مرة وإلى الواو أخرى كراهية التقاء الهمزتين. وأممت القوم في الصلاة إمامة، وائتم به: اقتدى به. والإمام: الخيط الذي يُمَدُّ على البناء فيبنى عليه ويسوى عليه سقف البناء، ¬
المطلب الثاني: الإمامة في الاصطلاح
وإمام الغلام في المكتب ما يتعلمه كل يوم، والإمام: المثال، أي: ما امتثل عليه (¬1). والإمام: الطريق الواسع، وبه فُسِّر قول اللَّه -تعالى-: {وَإِنَّهُمَا لبَإِمَامٍ مُّبِينٍ} (¬2)، أي: بطريق يأتمون به في سفرهم ويهتدون به، يبين لمن ائتم به استقامته (¬3). والدليل: إمام السفر، والحادي: إمام الإبل، وإن كان وراءها لأنه الهادي لها (¬4). إلى غير ذلك من المعاني المقاربة. وخلاصة ما سبق: أن الإمام في اللغة: القائد، والقدوة، وقيِّم الأمر المصلح له، والإمامة: القيادة. المطلب الثاني: الإمامة في الاصطلاح: ورد عن أهل السنة والجماعة ومخالفيهم عدة تعريفات للإمامة، منها: 1 - هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها؛ إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به (¬5). 2 - الإمامة: موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا (¬6). 3 - الإمامة: رياسة تامة، وزعامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا (¬7). 4 - هي: نيابة عن الرسول صلى اللَّه عليه وسلم في إقامة الدين، بحيث يجب ¬
على كافة الأمم الاتباع (¬1). 5 - هي خلافة الرسول صلى اللَّه عليه وسلم في إقامة الدين، بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة (¬2). 6 - وذهب الزيدية إلى أن الإمامة: رئاسة عامة لشخص مخصوص بحكم الشرع ليس فوقه يد إلا يد اللَّه سبحانه وتعالى (¬3). 7 - وذهب الإمامية إلى أن الإمامة: رئاسة الدين والدنيا، ومنصب إلهي يختاره اللَّه بسابق علمه، ويأمر النبي بأن يدل الأمة عليه، ويأمرهم باتباعه (¬4). ويُلاحظ أن التعريفات الخمسة الأولى تتفق في اعتبار الإمامة خلافة للنبوة شاملة لأمور الدنيا والدين، أما تعريفا الزيدية والإمامية فيظهر فيهما أثر عقيدة الفرقتين في الإمام والإمامة. وأشمل هذه التعريفات هو التعريف الأول: "حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها". • شرح التعريف ومحترزاته: قولنا: [حمل الكافة] يخرج به ولايات الأمراء والقضاة وغيرهم؛ لأن لكل منهم حدوده الخاصة به وصلاحيته المقيدة. وقولنا: [على مقتضى النظر الشرعي] تقييد لسلطة الإمام بأن تكون موافقة للشريعة الإسلامية، وفيه أيضًا وجوب سياسة الدنيا بالدين، لا بالأهواء والشهوات والمصالح الفردية. وقولنا: [في مصالحهم الأخروية والدنيوية] بيان لاشتمال مسؤولية الإمام لمصالح الدين والدنيا، لا الاقتصار على أحدهما. ويصف العلماء "الإمامة" أحيانًا بـ "الإمامة العظمى" أو "الإمامة الكبرى" تمييزًا لها عن الإمامة في الصلاة، على أنهم إذا أطلقوا لفظ "الإمامة" فإنهم ¬
المطلب الثالث: لفظ "الإمام" في الكتاب والسنة
يريدون به "الإمامة الكبرى" أو العامة، كما نُقل ذلك عن ابن حزم رحمه اللَّه (¬1). المطلب الثالث: لفظ "الإمام" في الكتاب والسنة: لم يرد لفظ "الإمامة" في القرآن الكريم، بينما ورد لفظ "الإمام" في مواضع عدة، فجاء بصيغة الإفراد، في قول اللَّه -تعالى-: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} (¬2)، أي: مُصَيِّرُك للناس إمامًا يؤتم به، ويُقتدى به (¬3). وقول اللَّه -تعالى-: {وَاْجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (¬4)، أي: أئمة يقتدي بنا من بعدنا (¬5). وجاء بصيغة الجمع، في قول اللَّه -تعالى-: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} (¬6)، أي: أئمة يؤتم بهم في الخير في طاعة اللَّه في اتباع أمره ونهيه، ويقتدى بهم (¬7). وقول اللَّه -تعالى-: {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَّارِثيِنَ} (¬8)، أي: ولاة وملوكًا (¬9). كما ورد بمعنى: من يؤتم بهم في الشر، كقول اللَّه -تعالى-: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} (¬10)، أي: جعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على اللَّه والكفر به (¬11). لكن لا ينصرف لفظ "الإمام" إلى أئمة الباطل إلا إذا قُيّد، كما في الآيات السابقة، أما إن كان على إطلاقه فإنه ينصرف إلى أئمة الهدى. ¬
المطلب الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين
وقد ورد أيضًا لفظ "الإمام" و"الأئمة" في مواطن عديدة من السنة المطهرة، ومن ذلك: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّه في ظِلِّهِ يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ. . . " (¬1). وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْإِمَامُ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" (¬2). والمراد: الحاكم أو الخليفة. وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ ولا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي" (¬3). أي: أئمة الضلالة. المطلب الرابع: الترادف بين ألفاظ: الإمام والخليفة وأمير المؤمنين: باستعراض الأحاديث النبوية والآثار المروية عن الصحابة والتابعين الواردة في باب الخلافة والإمامة، لا نجد فيها تفريقًا بين لفظ "الخليفة"، ولفظ "الإمام"، وبعد تولية ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أضيف إليها لفظ: "أمير المؤمنين". وقد ذهب العلماء إلى أن هذه الألفاظ الثلاثة مترادفة، وأن هذا الترادف من قبيل دلالتها وإطلاقها على ذات واحدة، أما من حيث معانيها فلكل واحدة منها معناها الخاص بها، مثل القرآن، والفرقان، والهدى، والنور، فهي مترادفة من حيث دلالتها على القرآن، ومتباينة من حيث معانيها. قال النووي: "يجوز أن يُقال للإمام: الخليفة، والإمام، وأمير المؤمنين" (¬4). وقال الماوردي: "ويجوز أن يُقال: خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬5). وقال البغوي: "ولا بأس أن يُسمى القائم بأمور المسلمين أمير المؤمنين، والخليفة، وإن كان مخالفًا لبعض سير أئمة العدل؛ لقيامه بأمر المؤمنين وسمع ¬
المؤمنين له، ويُسمَّى خليفة لأنه خلف الماضي قبله وقام مقامه" (¬1). وقال ابن خلدون (¬2): "قد بينا حقيقة هذا المنصب، وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا، به تسمى: خلافة وإمامة، والقائم به خليفة وإمامًا، فأما تسميته إمامًا فتشبيها بإمام الصلاة في اتباعه والاقتداء به، ولهذا يقال: الإمامة الكبرى، وأما تسميته خليفة فلكونه يخلف النبي في أمته، فيُقال: خليفة بإطلاق، وخليفة رسول اللَّه، واختُلِف في تسميته: خليفة اللَّه، فأجازه بعضهم اقتباسًا من الخلافة العامة التي للآدميين في قول اللَّه -تعالى-: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (¬3)، وقوله: {جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} (¬4)، ومنع الجمهور منه؛ لأن معنى الآية ليس عليه (¬5)، وقد نهى أبو بكر عنه لما دُعي به، وقال: "لست خليفة اللَّه، ولكني خليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم" (¬6)، ¬
المطلب الخامس: استعمالات لفظي الخلافة والإمامة
ولأن الاستخلاف إنما هو في حق الغائب" (¬1). ويفسر بعضهم الترادف بين الإمامة والخلافة بقوله: "سمِّيت خلافة لأن الذي يتولاها ويكون الحاكم الأعظم للمسلمين يخلف النبي صلى اللَّه عليه وسلم في إدارة شؤونهم، وتُسمى إمامة لأن الخليفة كان يُسمى إمامًا، ولأن طاعته واجبة، ولأن الناس كانوا يسيرون وراءه كما يصلون وراء من يؤمهم الصلاة" (¬2). وأرجع بعضهم سبب استعمال المسلمين ألفاظ "الإمام"، و"الخليفة"، و"أمير المؤمنين" إلى أنه ابتعاد بالمفهوم الإسلامي للدولة ورياستها عن النظام الملكي بمفهومه القديم عند الأمم الأخرى من الفرس والرومان المختلف اختلافا أساسيًا عن المفهوم الإسلامي الجديد (¬3). وقد كان الخليفة الراشد أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- يُلقب بالخليفة كما يلقب بالإمام، ومع خلافة عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- استعمل المسلمون لقب: "أمير المؤمنين" (¬4). المطلب الخامس: استعمالات لفظي الخلافة والإمامة: يغلب استعمال لفظ "الإمامة" عادة عند أهل السنة في مباحثهم العقدية والفقهية، بينما يغلب استعمالهم لفظ "الخلافة" في مباحثهم التاريخية، وسبب ذلك أنهم كانوا يردون في هذه المباحث العقدية والفقهية على المبتدعة كالشيعة والخوارج. فالإمامة ركن من أركان الإيمان عند الشيعة، ولذلك يفرقون بين الإمامة والخلافة، فيعتبرون الإمامة رئاسة دين، والخلافة رئاسة دولة (¬5)، ويدَّعون أن ¬
عليًّا -رضي اللَّه عنه- كان إمامًا زمن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي اللَّه عنهم. وذهب أيضًا الرافضة الباطنية (¬1)، وبعض المعتزلة (¬2) إلى التفريق بين الإمامة والخلافة. وادعى بعض المعاصرين أن أهل السنة استعملوا لفظ "الإمامة" تأثرًا بالشيعة (¬3)، ويرى بعضهم أنه من اختراعات الشيعة (¬4). وهذا غير صحيح؛ لاستعمال المسلمين هذا اللفظ قبل انشقاق الشيعة عن الجماعة، ولورود لفظ "إمام" و"أئمة" في بعض الآيات والأحاديث كما سبق، ولاستعمال الصحابةُ رضوان اللَّه عليهم له. ¬
المبحث الثاني أهمية الإمامة
المبحث الثاني أهمية الإمامة يُعد منصب الإمامة العظمي أعلى رتبة دينية في خلافة النبوة، فالإمام خليفة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في تدبير مصالح الخلائق وضبطها وفق نصوص الشريعة، لكن مع فارق واحد بينه وبين النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهو: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتلقى بالوحي الأحكام التي يُلزم بها أمته، أما الإمام فهو يتلقاها من النصوص الثابتة من الكتاب والسنة، أو مما أجمع عليه المسلمون، فإن لم يكن ثم نص أو إجماع اجتهد في شأنها في إطار الأدلة العامة والقواعد الثابتة. وتتبين الأهمية القصوى لمنصب الإمامة من الأسباب التالية: 1 - يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها. فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لحراسة الدين من رأس (¬1). 2 - إن اللَّه -جل وعلا- أمر عباده المسلمين بالاجتماع ونبذ الفرقة، فقال -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (¬2)، وحذر نبيه صلى اللَّه عليه وسلم من مفارقة الجماعة بقوله: "من فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ" (¬3)، ولا يمكن لأي أمة أن تنجو من بلاء التفرق والتنازع إلا إذا أسلمت قيادتها لكبير فيها، تجتمع الكلمة على رأيه، وتخضع الآراء لحكمه، ويكون من سائر أفراد الأمة كالقطب من الدائرة، يجسد وحدتهم، ويرعى بقيادته قوتهم، وهي حاجة ماسة في استقامة النظام، واتساق الأوضاع، يشعر بها حتى عالم الحيوانات والبهائم (¬4). ¬
3 - الأمة الإسلامية معرضة في كل وقت لظهور طائفة فيها تبغي وتشق عصا المسلمين بسائق من الأهواء أو الأفكار الجانحة باسم الدين والإصلاح. ولا سبيل إلى إطفاء نار مثل هذه الفتنة إلا بواسطة إمام مسلم عادل، يوضح للأمة المنهج السليم، ويحذرها من الانصياع للسبل الأخرى، فإن الأمة عندئذ لا يمكن أن تقع -بسبب الجهالة- في الحيرة أو اللبس، لأن ما يأمر به الإمام هو الذي يجب العمل به في حكم اللَّه عز وجل. أما عند غياب هذا الإمام، فإن أصحاب الدعوات المختلفة من شأنهم أن يوقعوا أشتات المسلمين في حيرة مهلكة، لا مناص منها؛ إذ سرعان ما ينقسم المسلمون شيعًا وأحزابًا متطاحنة، وما هو إلا أن يفنيها الشقاق، ويهلكها الخلاف (¬1). ¬
المبحث الثالث مشروعية الإمامة
المبحث الثالث مشروعية الإمامة أجمع سلف الأمة، وأهل السنة، وجمهور الطوائف الأخرى على أن نصب الإمام -أي توليته على الأمة- واجب على المسلمين شرعًا (¬1) لا عقلًا فقط، كما قال الأصم (¬2) من المعتزلة، وغيره. ذلك لأن الوجوب يؤخذ من الشرع، إلا أن يُفسر الواجب بالفعل الذي فيه فائدة وفي تركه أدنى مضرة، وعند ذلك لا يُنكر عقلًا وجوب نصب الإمام؛ لما فيه من الفوائد ودفع المضار في الدنيا (¬3). قال ابن حزم: "اتفق جميع أهل السنة، وجميع المرجئة، وجميع الشيعة، وجميع الخوارج، على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل، يقيم فيهم أحكام اللَّه، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول ¬
أولا: الأدلة من القرآن الكريم
اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يشاطوا الحق بينهم. . . وقول هذه الفرقة ساقط، يكفي من الرد عليه وإبطاله: إجماع كل من ذكرنا على بطلانه، والقرآن والسنة قد وردا بإيجاب الإمام" (¬1). وقال القرطبي: "ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة، إلا ما رُوي عن الأصم، حيث كان عن الشريعة أصم، وكذلك كل من قال بقوله واتَّبعه على رأيه ومذهبه" (¬2). وهذا الإجماع من سائر المسلمين على وجوب الإمامة لا يرتفع به إلى مبادئ العقيدة كما هو الأمر عند معظم فرق الشيعة؛ ولذلك فإنّه لا يتعلق به كفر عند الإخلال التصديقي به كما هو عندهم، ولكنه مجرد عصيان كالعصيان المترتب على الخلل في فروع الأحكام، بل إن هذا الوجوب وجوب كفائي متوجه إلى أهل الحل والعقد باعتبارهم الممثلين للأمة، النائبين عنها في هذه المهمة العظيمة، فإذا تقاعس أهل الحل والعقد عن ذلك لحق الإثم بكل من له قدرة واستطاعة حتى يسعى لإقامة هذا الواجب بحسب وسعه. أدلة وجوب نصب الإمامة: استدلوا على وجوب نصب الإمام بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقواعد الشرعية، وسنقتصر فيما يلي على ذكر بعض أدلة الكتاب والسنة لوضوح الدلالة فيها: أولًا: الأدلة من القرآن الكريم: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬3). روى ابن جرير الطبري أقوال السلف في المقصود بأولي الأمر في هذه الآية، ثم قال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: هم الأمراء ¬
والولاة؛ لصحة الأخبار عن رسول اللَّه بالأمر بطاعة الأئمة والولاة، فيما كان للَّه طاعة، وللمسلمين مصلحة" (¬1). وقال ابن كثير: "هذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال -تعالى-: {أَطِيعُواْ اللَّهَ} أي: اتبعوا كتابه، {وَأَطِيعُواْ الْرَّسُولَ} أي: خذوا بسنته، {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} أي: فيما "أمروكم به من طاعة اللَّه لا في معصية اللَّه" (¬2). • وجه الدلالة: أن الأمر بطاعة أولي الأمر -وهم الأئمة- يدل على وجوب نصب ولي الأمر؛ لأن اللَّه -تعالى- لا يأمر بطاعة من لا وجود له، ولا يفرض طاعة من وجوده مندوب، فالأمر بطاعته يقتضي الأمر بإيجاده، فدل على أن إيجاد إمام للمسلمين واجب عليهم (¬3). الدليل الثاني: قال اللَّه -تعالى- مخاطبًا رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (¬4). وقال اللَّه -تعالى-: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (¬5). قال ابن كثير: "أي: فاحكم يا محمد بين الناس -عربهم وعجمهم أميهم وكتابيهم- بما أنزل اللَّه إليك من هذا الكتاب العظيم، وبما قرره لك من حكم من كان قبلك من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك" (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه -جل وعلا- أمر رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن يحكم بين العباد بما شرعه في كتابه، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قدوة للأمة ومُتَّبَعًا لهم، فأمره ونهيه يكون أمرًا ونهيًا لأمته، إلا ما دل الدليل فيه على الفرق (¬7)، ويدل لذلك قول اللَّه -تعالى-: ¬
ثانيا الأدلة من السنة
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (¬1)، ولم يقل: "إذا طلقت النساء فطلقهن"، فدل على أن خطابه خطاب لأمته، وهنا لم يرد دليل على التخصيص، فيكون خطابًا للمسلمين جميعًا بإقامة الحكم بما أنزل اللَّه إلى يوم القيامة، ولا يعني إقامة الحكم والسلطان إلا إقامة الإمامة؛ لأن ذلك من وظائفها، ولا يمكن القيام به على الوجه الأكمل إلا عن طريقها، فتكون جميع الآيات الآمرة بالحكم بما أنزل اللَّه دليلًا على وجوب نصب إمام يتولى ذلك (¬2). الدليل الثالث: قول اللَّه -تعالى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} (¬3). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أخبر أنه أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط، وذكر أنه أنزل الحديد الذي به يُنصر هذا الحق، فالكتاب يهدى والسيف ينصر، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا. ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد، ما قال من قال من السلف: صنفان إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء، والعلماء" (¬4). • وجه الدلالة: أن مهمة الرسل ومن أتى بعدهم من أتباعهم إقامة العدل بين الناس على وفق ما في الكتاب المنزل، ونصرة ذلك بالقوة، وهذا لا يأتي لأتباع الرسل إلا بتنصيب إمام يقيم فيهم العدل، وينظم جيوشهم المناصرة. ومن الأدلة القرآنية أيضًا: جميع آيات الحدود والقصاص ونحوها من الأحكام التي يلزم القيام بها وجود الإمام، وآيات وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوها من الآيات. ثانيًا الأدلة من السنة: وردت أحاديث كثيرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها دلالة على ¬
وجوب نصب الإمام، منها: الدليل الأول: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَة مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" (¬1). أي: بيعة الإمام. • وجه الدلالة: هذا الحديث واضح الدلالة على وجوب نصب الإمام؛ لأنه إذا كانت البيعة واجبة في عنق المسلم، والبيعة لا تكون إلا لإمام، فنصب الإمام واجب (¬2). الدليل الثاني: حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-: "لا يَحِلُّ لِثَلاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلاةٍ من الأرْضِ إلا أَمَّرُوا عليهم أَحَدَهُمْ" (¬3). ومثله حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ" (¬4). وحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا كان ثَلَاثَةٌ في سَفَرٍ فَلْيُوَمِّرُوا أَحَدَهُمْ" (¬5). قال الشوكاني: "وفيها دليل على أنه يُشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدًا أن يؤمروا عليهم أحدهم؛ لأن في ذلك السلامة من الخلاف الذي يؤدي إلى الإتلاف، فمع عدم التأمير يستبد كل واحد برأيه، ويفعل ما يطابق هواه، ¬
فيهلكون، ومع التأمير يقل الاختلاف وتجتمع الكلمة" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شرع ذلك لثلاثة في فلاة من الأرض أو في سفر، فمشروعيته لأهل القرى والأمصار أولى وأحرى؛ لأنهم يحتاجون لدفع التظالم، وفصل التخاصم، وإقامة العدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد، وإقامة الحج، والجمع والأعياد، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أوجب -صلى اللَّه عليه وسلم- تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع" (¬2). إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على وجوب طاعة الحكام فيما لا معصية فيه، وأحاديث البيعة، ومنها حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم (مَنْ أَعْطَى إمَامًا صَفَقةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ فَإنْ جَاءَ آخر يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرَ) (¬3) فدلّ ذلك على وجوب تنصيبه (¬4). ¬
الفصل الأول مسائل الإجماع في نصب الإمامة
الفصل الأول مسائل الإجماع في نصب الإمامة [1/ 1] فضل النبوة على الإمامة • المراد بالمسألة: النبوة في اللغة: النون والباء والحرف المعتل ومنه النبي والنباوة: وهو ما يدل على ارتفاع في الشيء عن غيره، كأنه المفضل على سائر الناس برفع منزلته، وقيل الطريق الواضح (¬1). والنبأ الخبر ومنه المنبئ: المخبر، لأنه أنبأ عن اللَّه تعالى فتحققت نبوته بمجرد ذلك وتثبت له أوصاف العلو والارتفاع (¬2). وبالنظر إلى النبوة في الاصطلاح الشرعي نجد أنها قد اشتملت على هذه المعاني جميعا، فهي إخبار عن اللَّه، ورفعة لصاحبها، وهي الطريق الموصلة إلى اللَّه. فاستظهر بعضهم أن الرسول: هو من أنزل إليه كتاب وشرع مستقل، والنَّبي: هو من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أوحي إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يرسلون ويؤمرون بالعمل بما في التوراة (¬3). وبهذا المعنى الاصطلاحي للنبوة أجمع علماء الأمة على أن الأنبياء أفضل الخلق، وبالأحرى فهم أفضل من الأئمة. • من نقل الإجماع: أبو الحسن الزوندويستي (¬4) (382 هـ) قال: "أجمعت ¬
الأمة على أن الأنبياء أفضل الخليقة" (¬1). نقله ابن نجيم (970 هـ) (¬2) والطحطاوي (¬3) (1231 هـ) (¬4)، وابن عابدين (¬5) (1252 هـ) (¬6). ابن تيمية (728 هـ) قال: "والأنبياء أفضل الخلق باتفاق المسلمين" (¬7). ابن كثير (774 هـ) قال: "النبوة أعلى رتبة بلا خلاف" (¬8). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬4) وقول اللَّه -تعالى-: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (¬5). • وجه الدلالة: أمر اللَّه -جل وعلا- بطاعته مطلقًا، وأمر بطاعة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، لأنه لا يأمر إلا بطاعة اللَّه، ومن يطع الرسول فقد أطاع اللَّه، وجعل طاعة أولي الأمر داخلة في ذلك، فقال: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، ولم يذكر لهم طاعة ثالثة (¬6)، فدل ذلك على أن رتبة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أفضل من رتبة الأئمة. الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} (¬7). وقول اللَّه -تعالى- {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (¬8). • وجه الدلالة: دل القرآن -في غير موضع- على أن من أطاع الرسول كان من أهل السعادة، ولم يشترط في ذلك طاعة غيره، ومن عصى الرسول كان من أهل ¬
الوعيد وإن قُدِّر أنه أطاع من ظن أنه معصوم (¬1). فكل من سوى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يؤخذ من قوله ويترك؛ وذلك لفضل الأنبياء على سائر البشر، وفيهم الأئمة فدل على أن النبوة أفضل من الإمامة. • ثانيًا: السنة: حديث سعد بن أبي وقاص -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الناس أَشَدُّ بَلَاءً؟ قال: "الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ" (¬2) أي: الأشرف فالأشرف، والأعلى فالأعلى في الرتبة والمنزلة، يُقال: هذا أمثل من هذا أي أفضل وأدنى إلى الخير، وأماثل الناس: خيارهم (¬3) وهؤلاء فيهم الأئمة وغيرهم فدل على علو مرتبة النبوة على مرتبة الإمامة. • وجه الدلالة: قال أولًا: "ثُمَّ الأمْثَلُ" بلفظ (ثم)، وقال ثانيًا: "فَالأمْثَلُ" بالفاء؛ للإعلام بالبعد والتراخي في المرتبة بين الأنبياء وغيرهم، وعدم ذلك بين غير الأنبياء" (¬4). • من خالف الإجماع: الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، فقد بالغوا في تقديس أئمتهم وقربوهم من مرتبة الرسل بإظهار المعجزة على أيديهم، والعصمة من الذنوب، وزعموا أن كل الأئمة معصومون عن الخطأ والنسيان، وعن اقتراف الكبائر والصغائر، وفرّقوا بين الرسل والأئمة في أن الرسل يوحى إليهم دون الأئمة (¬5). ¬
قال المجلسي (¬1) (1111 هـ): "اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة ¬
[2/ 2] وجوب نصب الإمام
عليهم السّلام من الذّنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلًا، لا عمدًا ولا نسيانًا، ولا لخطأ في التّأويل، ولا للإسهاء من اللَّه سبحانه" (¬1). فأثبت للأئمة العصمة من جميع الأوجه المتصورة، من المعصية كلها الصغيرة والكبيرة، ومن الخطأ، ومن السهو والنسيان. فلا يُعتد بخلاف الشيعة الإمامية، وكيف يُعتد بخلافهم ولم يستقم لهم ثمة دليل واحد فيما زعموه؟ ! ! ! Rصحة الإجماع في فضل مرتبة النبوة على مرتبة الإمامة. [2/ 2] وجوب نصب الإمام • المراد بالمسألة: النَّصْبُ: إقامة الشيء ورفعه قائمًا منتصبًا، من الانتصاب وهو المثول والإشراف والتطاول، وتَنَصَّبَ فلان وانْتَصَبَ إذا قام رافعًا رأسه (¬2) والإمام: القائد، والقدوة، وقيِّم الأمر المصلح له (¬3). ونصب الإمام في الاصطلاح: اختيار خليفة للمسلمين نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا؛ ليقيم فيهم أحكام اللَّه -تعالى-، ويسوسهم بأحكام الشريعة، وتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخلافة (¬4). وبهذا المعنى فإن نصب الإمام واجب (¬5) بإجماع العلماء. ¬
• من نقل الإجماع: أبو منصور البغدادي (¬1) (429 هـ) قال: "قال جمهور أصحابنا من المتكلمين والفقهاء مع الشيعة والخوارج وأكثر المعتزلة بوجوب الإمامة، وأنها فرض واجب، وخالفهم شرذمة من القدرية، كأبي بكر الأصم، وهشام الفوطي (¬2)، وقد اجتمعت الصحابة على وجوبها، ولا اعتبار بخلاف الفوطي والأصم فيها مع تقدم الإجماع على خلاف قوليهما" (¬3). ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفق جميع أهل السنة، وجميع المرجئة، وجميع الشيعة، وجميع الخوارج، على وجوب الإمامة. . . حاشا النجدات من الخوارج. . . وقول هذه الفرقة ساقط، يكفي من الرد عليه وإبطاله: إجماع كل من ذكرنا على بطلانه" (¬4). أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "نصب الإمام عند الإمكان واجب، وذهب عبد الرحمن بن كيسان الأصم إلى أنه لا يجب. . . وهو مسبوق بإجماع من أشرقت عليه الشمس شارقة وغاربة واتفاق العلماء ¬
قاطبة" (¬1) ونقله عنه أبو عبد اللَّه المواق (¬2) (897 هـ) (¬3). ابن رشد الجد (¬4) (520 هـ) قال: "لا اختلاف بين الأمة في وجوب الإمامة" (¬5). القاضي عياض (¬6) (544 هـ) قال: "لا بد من إقامة خليفة، وهذا مما أجمع المسلمون عليه بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سائر الأعصار خلافًا للأصم" (¬7). النووي (676 هـ) قال: "أجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب ¬
خليفة" (¬1). نقله عنه ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬2) والعيني (855 هـ) (¬3)، والشوكاني (1250 هـ) (¬4) والعظيم آبادي (¬5) (بعد 1310 هـ) (¬6). ابن عادل الدمشقي (¬7) (بعد سنة 880 هـ) قال: "لا خلاف في وجوب ذلك -أي: نصب الإمام- بَيْنَ الأمة، إلا ما رُوي عن الأصَمّ وأتباعه" (¬8). ملا على ¬
القاري (¬1) (1014 هـ) قال: "وفي شرح العقائد الإجماع على أن نصب الإمام واجب" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع على أدلة من الكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول، وسنقتصر فيما يلي على ذكر بعض أدلة الكتاب والسنة لوضوح ¬
الدلالة فيها: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (¬1). • وجه الدلالة: قال القرطبي: "هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة" (¬2). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (¬3) وقول اللَّه -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (¬4) قال القرطبي: "أي: يجعل منهم خلفاء" (¬5). • وجه الدلالة: أن وعد اللَّه -جل وعلا- ناجز لا محالة باستخلاف المؤمنين في الأرض، أي: "ليجعلنهم فيها خلفاء يتصرفون فيها تصرف الملوك" (¬6). الدليل الثالث: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬7). • وجه الدلالة: أن طاعتهم فرع وجودهم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (¬8). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما -: "لا يَحِلُّ لِثَلاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلاةٍ من الأرْضِ إلا أَمَّرُوا عليهم أَحَدَهُمْ" (¬9). ومثله ¬
حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ" (¬1). وحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا كان ثَلَاثَة في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ" (¬2). • وجه الدلالة: أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع؛ لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أوجب -صلى اللَّه عليه وسلم- تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع" (¬3). الدليل الثاني: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" (¬4). أي: بيعة الإمام. • وجه الدلالة: أن البيعة واجبة في عنق المسلم، والبيعة لا تكون إلا لإمام، وبيعته فرع وجوده، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (¬5). الدليل الثالث: الأحاديث الدالة على وجوب السمع والطاعة، وطاعتهم فرع وجودهم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (¬6)، ومنها: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعْ الْأمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي" (¬7). ¬
2 - حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ" (¬1). 3 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ" (¬2). 4 - حديث حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نَعَمْ"، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْر؟ قَال: "نَعَمْ"، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَال: "نَعَم"، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَال: "يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَاي، وَلَا يَسْتَنُّون بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إِنْسٍ"، قَال: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُول اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَال: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ" (¬3). • من خالف الإجماع: لم يشذ عن هذا الإجماع إلا النجدات من الخوارج، والأصم، والفوطي من المعتزلة، وقد نقله غير واحد من أهل العلم كما سلف آنفًا. قال المخالفون: إن الواجب إنما هو إمضاء أحكام الشرع، فإذا تواطأت الأمة على العدل وتنفيذ أحكام اللَّه -تعالى- لم يحتج إلى إمام، ولا يجب نصبه (¬4). ¬
[3/ 3] الإمامة من أسباب إقامة المصالح الدينية والدنيوية
ونوقش ذلك بأنهم محجوجون بكامل الأدلة المتقدمة، وعلى رأسها الإجماع السابق (¬1). قال ابن خلدون: "والذي حملهم على هذا المذهب إنما هو الفرار عن الملك ومذاهبه من الاستطالة والتغلب والاستمتاع بالدنيا، لما رأوا الشريعة ممتلئة بذم ذلك، والنعي على أهله، ومرغبة في رفضه. واعلم أن الشرع لم يذم الملك لذاته، ولا حظر القيام به، وإنما ذم المفاسد الناشئة عنه من القهر والظلم والتمتع بالملذات، ولا شك أن في هذه مفاسد محظورة وهي من توابعه، كما أثنى على العدل والنصفة وإقامة مراسم الدين والذب عنه، وأوجب وإزائها الثواب، وهي كلها من توابع الملك. إنما وقع الذم للملك على صفة وحال دون حال أخرى، ولم يذمه لذاته، ولا طلب تركه، كما ذم الشهوة والغضب من المكلفين، وليس مراده تركهما بالكلية لدعاية الضرورة إليها، وإنما المراد تصريفهما على مقتضى الحق، وقد كان لداود وسليمان - صلوات اللَّه وسلامه عليهما - الملك الذي لم يكن لغيرهما، وهما من أنبياء اللَّه -تعالى- وأكرم الخلق عنده. ثم نقول لهم: إن هذا الفرار عن الملك بعدم وجوب هذا النصب لا يغنيكم شيئًا؛ لأنكم موافقون على وجوب إقامة أحكام الشريعة، وذلك لا يحصل إلا بالعصبية والشوكة، والعصبية مقتضية بطبعها للملك، فيحصل الملك وإن لم ينصب إمام، وهو عين ما فررتم" (¬2).Rصحة الإجماع في وجوب نصب الإمام. [3/ 3] الإمامة من أسباب إقامة المصالح الدينية والدنيوية • المراد بالمسألة: الإمامة: القيادة والقدوة (¬3) الإقامة: التهذيب، وأقمت الشيء وقومته فقام واستقام، أي: اعتدل واستوى وزال عوجه (¬4) المصالح: ¬
المنافع، واحدتها: مصلحة وهي المنفعة، والإصلاح: إزالة الفساد عن الشيء فكان نافعًا ومناسبًا ومفردها مصلحة (¬1). مفهوم المصالح في الاصطلاح: المصالح: وهي: المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق. فالمصلحة: كل ما فيه جلب منفعة أو دفع مضرة (¬2). فإذا أسلمت الأمة قيادتها لكبير فيها، واجتمعت الكلمة على رأيه، وخضعت الآراء لحكمه، كان ذلك سببًا في إقامة المصالح الدينية والدنيوية التي اشتملت عليها الأصول الخمسة (¬3). وقد أجمع علماء الأمة على أن ذلك من أهم مقاصد الإمامة. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) قال: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع، وإن شذ عنهم الأصم" (¬4). ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع المسلمون على الاستخلاف فيمن يقيم لهم أمر دينهم ودنياهم" (¬5). ملا على القاري (1014 هـ) قال: "الإجماع على أن نصب الإمام واجب؛ لأن كثيرًا من الواجبات الشرعية يتوقف عليه، كتنفيذ أحكام المسلمين، وإقامة حدودهم، ¬
وسد ثغورهم، وتجهيز جيوشهم، وأخذ صدقاتهم، وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق، وإقامة الجمعة والأعياد، وتزويج الصغير والصغيرة اللذين لا أولياء لهما، وقسمة الغنائم، ونحو ذلك من الأمور التي لا يتولاها آحاد الأمة" (¬1). الشوكاني (1250 هـ) قال: "إجماع المسلمين أجمعين منذ قبض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى هذه الغاية، فما هو مرتبط بالسلطان من مصالح الدين والدنيا، ولو لم يكن منها إلا جمعهم على جهاد عدوهم، وتأمين سبلهم، وإنصاف مظلومهم من ظالمه، وأمرهم بما أمرهم اللَّه به، ونهيهم عما نهاهم اللَّه عنه، ونشر السنن، وإماتة البدع، وإقامة حدود اللَّه، فمشروعية نصب السلطان هي من هذه الحيثية" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3) والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة وجوب نصب الإمام من الكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول؛ فنصبه مؤذّ لاستقامة البلاد والعباد، دينًا ودنيا. ¬
وقد نقلنا أدلة وجوب نصب الإمام من الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، والرد على من شذ عنه فيما سلف آنفًا (¬1). وفيما يلي مستند الإجماع من المعقول: 1 - لأن الإمام هو القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا (¬2). 2 - ولأن اللَّه -تعالى- قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. قال ابن رشد: "المعنى في هذا أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الناس مخافة السلطان، أكثر من الذين ينتهون عنها لأمر اللَّه، ففي الإمام صلاح الدين والدنيا" (¬3). ولقول اللَّه -تعالى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} (¬4)، لأن قوله: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} فيه إشارة إلى إعمال السيف عند الإباء بعد إقامة الحجة (¬5). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أخبر أنه أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط، وذكر أنه أنزل الحديد الذي به يُنصر هذا الحق، فالكتاب يهدى والسيف ينصر، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا. ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد، كما قال من قال من السلف: صنفان إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء، والعلماء" (¬6). 3 - ولأن أكثر الواجبات تتوقف عليه كالجمعة والأعياد (¬7). ¬
قال ابن تيمية: "ولأن اللَّه -تعالى- أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد، ونصر المظلوم، إقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة" (¬1). 4 - ولأنه لا بد للمسلمين من حاكم؛ لئلا تذهب حقوق الناس (¬2). قال الماوردي: "ثم لِمَا في السلطان من حراسة الدين والدنيا، والذب عنهما، ودفع الأهواء منه، وحراسة التبديل فيه، وزجر من شذ عنه بارتداد، أو بغى فيه بعناد، أو سعى فيه بفساد، وهذه أمور إن لم تنحسم عن الدين بسلطان قوي ورعاية وافية أسرع فيه تبديل ذوي الأهواء، وتحريف ذوي الآراء، فليس في بن زال سلطانه إلا بُدِّلت أحكامه، وطُمست أعلامه، وكان لكل زعيم فيه بدعة، ولكل عصر فيه وهاية أثر، كما أن السلطان إن لم يكن على دين تجتمع به القلوب حتى يرى أهله الطاعة فيه فرضًا، والتناصر عليه حتمًا، لم يكن للسلطان لبث ولا لأيامه صفو، وكان سلطان قهر، ومفسدة دهر، ومن هذين الوجهين وجب إقامة إمام يكون سلطان الوقت وزعيم الأمة؛ ليكون الدين محروسًا بسلطانه، والسلطان جاريًا على سنن الدين وأحكامه" (¬3). 5 - ولأنه لو تُرك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع، ولا يردعهم عن الباطل راح لهلكوا، ولاستحوذ أهل الفساد على العباد (¬4)، وكما يقول القرافي: "لأن عدمها -أي: عدم الإمامة- يفضي إلى الهرج والتظالم، وذلك يجب السعي في إزالته، ولا طريق في مجرى العادة إلا الإمامة" (¬5). ¬
[4/ 4] الإمامة إنما تجب عن طريق الشرع وليس العقل
Rصحة الإجماع على أن الإمامة من أسباب إقامة المصالح الدينية والدنيوية. [4/ 4] الإمامة إنما تجب عن طريق الشرع وليس العقل • المراد بالمسألة: أن وجوب نصب الإمام مأخوذ من الشرع، لا من العقل. • من نقل الإجماع: الشهرستاني (¬1) (548 هـ) قال: "وجوب الإمامة سمعًا؛ لاتفاق الأمة بأسرهم من الصدر الأول إلى زماننا أن الأرض لا يجوز أن تخلو عن إمام قائم بالأمر" (¬2) النووي (676 هـ) قال: "أجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة، ووجوبه بالشرع، لا بالعقل" (¬3). نقله عنه ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬4) والعيني (855 هـ) (¬5)، والشوكاني (1250 هـ) (¬6) والعظيم آبادي (بعد 1310 هـ) (¬7)، والمباركفوري (¬8) (1353 هـ) (¬9) ابن خلدون (808 هـ) قال: "إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين" (¬10). ¬
• من وافق على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة وجوب نصب الإمام من الكتاب، والسنة، وقد نقلناها فيما سلف آنفًا (¬6). • من خالف الإجماع: وهم فريقان: الأول: من يوجب الإمامة على الناس عقلًا: وهم معتزلة بغداد (¬7)، والجاحظ (¬8) من معتزلة البصرة (¬9). وقالوا: إن مدرك وجوبه العقل، وأن الإجماع الذي وقع إنما هو قضاء بحكم العقل فيه (¬10). ¬
وقالوا أيضًا: إن أصل دفع المضرة واجب بحكم العقل قطعًا، فكذلك المضرة المظنونة يجب دفعها عقلًا؛ وذلك لأن الجزئيات المظنونة المندرجة تحت أصل قطعي الحكم، يجب إدراجها في ذلك الحكم قطعًا (¬1). ونوقش: بأن مبنى أدلة أهل السنة هي الشرع، ومنه وجوب دفع الضرر، قال -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬2)، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" (¬3). وأن العقل لا يُوجب ولا يحظر ولا يُقبِّح ولا يُحسِّن، وإذا كان كذلك ثبت أنها واجبة من جهة الشرع، لا من جهة العقل (¬4). قال أبو يعلى: "إن العقل لا يُعلم به فرض الشيء ولا إباحته، ولا تحليل شيء ولا تحريمه" (¬5). وقالوا بأن وجوب الإمامة بالعقل لضرورة الاجتماع للبشر واستحالة حياتهم ووجودهم منفردين، ومن ضرورة الاجتماع التنازع لازدحام الأغراض، فما لم يكن الحاكم الوازع أفضى ذلك إلى الهرج المؤذن بهلاك البشر وانقطاعهم، مع أن حفظ النوع من مقاصد الشرع الضرورية، وهذا المعنى بعينه هو الذي لحظه الحكماء في وجوب النبوات في البشر (¬6). ونوقش: بأن إحدى مقدماته أن الوازع إنما يكون بشرع من اللَّه تسلم له ¬
الكافة تسليم إيمان واعتقاد وهو غير مسلم؛ لأن الوازع قد يكون بسطوة الملك وقهر أهل الشوكة ولو لم يكن شرع، كما في أمم المجوس وغيرهم ممن ليس له كتاب أو لم تبلغه الدعوة، أو نقول: يكفي في رفع التنازع معرفة كل واحد بتحريم الظلم عليه بحكم العقل، فادعاؤهم أن ارتفاع التنازع إنما يكون بوجود الشرع هناك، ونصب الإمام هنا غير صحيح، بل كما يكون بنصب الإمام يكون بوجود الرؤساء أهل الشوكة أو بامتناع الناس عن التنازع والتظالم، فلا ينهض دليلهم العقلي المبني على هذه المقدمة؛ فدل على أن مدرك وجوبه إنما هو بالشرع وهو الإجماع (¬1). قال الماوردي (¬2): "بل وجبت -أي: الإمامة- بالشرع دون العقل؛ لأن الإمام يقوم بأمور شرعية قد كان مجوزًا في العقل أن لا يرد التعبد بها، فلم يكن العقل موجبًا لها، وإنما أوجب العقل أن يمنع كل واحد نفسه من العقلاء عن التظالم والتقاطع، ويأخذ بمقتضى العدل في التناصف والتواصل، فيتدبر بعقله لا بعقل غيره، ولكن جاء الشرع بتفويض الأمور إلى وليه في الدين، قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬3)، ففرض علينا طاعة أولي الأمر فينا، وهم الأئمة المتأمرون علينا. وروى هشام بن عروة عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سَيَلِيَكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ، فَيَلِيَكُمُ البَرُّ بِبِرِّهِ، وَيَلِيَكُمُ الفَاجِرُ بِفِجُورِهِ، فَاسمَعُوا لَهُم وَأَطِيعُوا في كُلِّ مَا وَافَقَ الحَقَّ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاؤوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ" (¬4) ". ¬
الثاني: من يوجب الإمامة عقلًا على اللَّه -سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا-: وهم الشيعة الرافضة (¬1)، وقالوا: "الإمامة لطف، واللطف واجب على اللَّه تعالى" (¬2). واللطف الواجب: "هو ما يقرب العبد إلى طاعة اللَّه تعالى، ويبعده عن معصيته بغير إلجاء ولا إكراه ولا إجبار" (¬3). ونوقش: بأن هذا عين الجهل وسوء الأدب مع اللَّه -عز وجل-، قال -تعالى-: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (¬4)، واللَّه -عز وجل- {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} (¬5). ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، قال-تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} (¬6). ونوقش: بأنه إذا قلتم إن الإمام لطف وهو غائب عنكم، فأين اللطف الحاصل مع غيبته؟ ! وإذا لم يكن لطفه حاصلًا مع الغيبة، وجاز التكليف، بطل أن يكون الإمام لطفًا في الدين (¬7). ويكفيك أن مطلوبهم بالإمامة أن يكون لهم رئيس معصوم يكون لطفًا في مصالح دينهم ودنياهم، وليس في الطوائف أبعد عن مصلحة اللطف والإمامة منهم، فإنهم يحتالون على مجهول ومعدوم، لا يُرى له عين ولا أثر، ولا يُسمع ¬
[5/ 5] الإمامة فرض
له حس ولا خبر، فلم يحصل لهم من الأمر المقصود بإمامته شيء، وأي من فرض إمامًا نافعًا في بعض مصالح الدين والدنيا كان خيرًا ممن لا ينتفع به في شيء من مصالح الإمامة (¬1).Rصحة الإجماع في أن الإمامة تجب شرعًا. [5/ 5] الإمامة فرض (¬2) • المراد بالمسألة: أن الإمامة فرض كفاية كالجهاد وطلب العلم، إذا قام بها من هو أهل لها سقط فرضها عن كافة الناس، وإن لم يقم بها أحد أثم من الناس فريقان: أحدهما: أهل الحل والعقد حتى يختاروا للأمة إمامًا يقوم بأمرهم، والثاني: أهل الإمامة حتى ينتصب للإمامة أحدهم، ولا إثم ولا حرج على من عدا هذين الفريقين من سائر الأمة في تأخير إقامة الإمام، فإن لم يكن من يصلح إلا واحدًا تعين عليه ولزمه طلبها إن لم يبتدئوه (¬3). وقد أجمع علماء الأمة على أن الإمامة فرض كفاية على هذا التفصيل. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفقوا أن الإمامة فرض، وأنه لا بد من إمام" (¬4) الكاساني (587 هـ) قال: "نصب الإمام الأعظم فرض بلا خلاف بين أهل الحق" (¬5). ¬
الدمشقي (¬1) (780 هـ) قال: "اتفق الأئمة على أن الإمامة فرض، وأنه لابد للمسلمين من إمام" (¬2). الرملي الكبير (¬3) (957 هـ) قال: "قوله: (وهي فرض كفاية) -أي الخلافة- للإجماع" (¬4). الحجاوي (¬5) (960 هـ) قال: "نصب الإمام الأعظم فرض كفاية، ويثبت بإجماع المسلمين عليه" (¬6). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، والظاهرية (¬11). ¬
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬1). • وجه الدلالة: أن طاعتهم فرع وجودهم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (¬2). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-: "لا يَحِلُّ لِثَلاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلاةٍ من الْأًرْضِ إلا أَمَّرُوا عليهم أَحَدَهُمْ" (¬3). ومثله حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا خَرَجَ ثَلَاثَة في سَفَرٍ فَلْيُوَمِّرُوا أَحَدَهُمْ" (¬4). وحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا كان ثَلَاثَة في سَفَرٍ فَلْيُوَمِّرُوا أَحَدَهُمْ" (¬5). • وجه الدلالة: أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع؛ لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أوجب -صلى اللَّه عليه وسلم- تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع" (¬6). الدليل الثاني: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" (¬7). أي: بيعة الإمام. • وجه الدلالة: أن البيعة واجبة في عنق المسلم، والبيعة لا تكون إلا لإمام، ¬
[6/ 6] فضل الولايات
وبيعته فرع وجوده، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (¬1).Rصحة الإجماع في أن الإمامة فرض كفاية. [6/ 6] فضل الولايات • المراد بالمسألة: الولايات لغة: جمع ولاية، الواو واللام والياء: أصل صحيح يدل على قرب، ومن ذلك: الولي: القرب، يُقال: تباعد بعد ولي، أي: قرب، وجلس مما يليني، أي: يقاربني. ومن الباب المولى: المُعْتِق والمُعْتَق، والصاحب، والحليف، وابن العم، والناصر، والجار؛ كل هؤلاء من الولي وهو القرب، وكل من ولي أمر آخر فهو وليه، والوَلاء ولاء المُعْتِق، والمُوالاة ضد المعاداة. ويُقال: وَالَى بينهما وِلَاءً بالكسر، أي: تابع، وفَعَلَ هذه الأشياء على الولاء، أي: متتابعة، وتَوَالَى عليهم شهران: تتابع، واسْتَوْلَى على الأمد، أي: بلغ الغاية. والوِلاية بالكسر: السلطان، والوَلاية بالفتح والكسر: النصرة. وقيل: الوَلَايَةُ با لفتح: المصدر، وبالكسر: الاسم (¬2). الولايات اصطلاحًا: تنفيذ القول على الغير، شاء الغير أو أبي (¬3). والولايات بهذا المعنى لها فضل وأجر عظيم على غيرها باتفاق، متى كانت في أهلها، وأعمالها صادرة في محلها. • من نقل الإجماع: عز الدين بن عبد السلام (¬4) (660 هـ) قال: "وعلى ¬
الجملة، فالعادل من الأئمة والولاة والحكام أعظم أجرًا من جميع الأنام، بإجماع أهل الإسلام" (¬1). النووي (676 هـ) قال: "من كان أهلًا للولاية وعدل فيها، فله فضل عظيم. . . وإجماع المسلمين منعقد عليه" (¬2). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من السنة: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ. . . " (¬8). • وجه الدلالة: أن الثواب العظيم في ذلك اليوم العظيم لعمل عظيم. قال النووي: " (الإمام العادل)، قال القاضي: هو كل من إليه نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاة والحكام، وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه" (¬9). 2 - حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِين، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا" (¬10). ¬
• وجه الدلالة: أن الإمام العادل: هو الذي يتبع أمر اللَّه بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، وقدَّمه في الذكر لعموم النفع به (¬1). قال النووي: "هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلده من خلافة، أو إمارة، أو قضاء، أو حسبة. . . " (¬2).Rصحة الإجماع على فضل الولايات. ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في شروط الإمامة
الفصل الثاني مسائل الإجماع في شروط الإمامة [7/ 7] يكون الإمام بالغًا • المراد بالمسألة: الاتفاق على اشتراط أن يكون الإمام بالغًا، ولا تجوز إمامة الصبي. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة امرأة، ولا إمامة صبي لم يبلغ، إلا الرافضة، فإنها تجيز إمامة الصغير الذي لم يبلغ، والحمل في بطن أمه، وهذا خطأ؛ لأن من لم يبلغ فهو غير مخاطب، والإمام مخاطب بإقامة الدين" (¬1) القرطبي (671 هـ) قال: "أن يكون -الإمام- بالغًا عاقلًا، ولا خلاف في ذلك" (¬2) الإيجي (756 هـ) قال: "يجب أن يكون -الإمام-. . . بالغًا لقصور عقل الصبي. . . فهذه الصفات شروط بالإجماع" (¬3) الآمدى (631 هـ) قال: "شروط الإمام المتفق عليها ثمانية: . . . الخامس: أن يكون بالغًا" (¬4) نقله الوشتاني الأبي المالكي (827 هـ) (¬5) الحموي (1056 هـ) (¬6) الدمشقي (بعده 78 هـ) قال: "اتفق الأئمة على أن الإمامة فرض. . . وأن الإمامة لا تجوز لامرأة، ولا كافر، ولا صبي لم يبلغ" (¬7) الخطيب الشربيني (977 هـ) قال "لا تصح إمامة صبي ومجنون بإجماعٍ" (¬8) نقله الشرواني (1301 هـ)، والعبادي (992 هـ) (¬9) الشنقيطي (1393 هـ) ¬
قال: "لا تجوز إمامة الصبي إجماعًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من السنة والمعقول: • أولًا: السنة: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبرَ، وَعَنِ المَجْنُون حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ" (¬7). • وجه الدلالة: رفع التكليف عن الصبي حتى يبلغ الحلم. 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَعَوَّذُوا بِاللَّه مِنْ رَأْسِ السَّبْعِينَ، وَمِنْ إمارَةِ الصِّبْيانِ" (¬8). ¬
[8/ 8] أن يكون الإمام عاقلا
• وجه الدلالة: التعوذ من إمارة الصبيان لشرها. قال المناوي: "الباروخ (¬1) على اليافوخ (¬2) أهون من ولاية بعض الفروخ" (¬3). • ثانيًا: المعقول: أن الصبي لا ولاية له على نفسه، فكيف تكون له الولاية على غيره؟ والولاية المتعدية فرع الولاية القائمة (¬4) ولأنه يمنع المقصود الذي هو إقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحماية المسلمين (¬5).Rصحة الإجماع على اشتراط أن يكون الإمام بالغًا، ولا تجوز إمامة الصبي. [8/ 8] أن يكون الإمام عاقلًا • المراد بالمسألة: العقل لغة: الحجر والنهى، ضد الحمق، والجمع: عقول، والعاقل: الجامع لأمره ورأيه، مأخوذ من عقلت البعير إذا جمعت قوائمه. وقيل: العقل: الحابس عن ذميم القول والفعل، والعاقل: الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، أُخِذَ من قولهم: قد اعتقل لسانه، إذا حُبِس ومُنِع الكلام. وقيل: العقل: نقيض الجهل، وعقل يعقل عقلًا: إذا عرف ما كان يجهله قبل، أو انزجر عما كان يفعله (¬6). والعقل في الاصطلاح: صفة يميز بها بين الحسن والقبيح، وهذا يزيله ¬
الإغماء ونحوه، وقيل: هو غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات، أي: الحواس، وهذا لا يزيله إلا الجنون (¬1). قال المرداوي (¬2): "أما زوال العقل فضربان: أحدهما: ما كان عارضًا مرجو الزوال كالإغماء، فهذا لا يمنع من انعقاد الإمامة ولا يخرج منها؛ لأنه مرض قليل اللبس سريع الزوال. والضرب الثاني: ما كان لازمًا لا يُرجى زواله، كالجنون والخبل، فهو على ضربين: أحدهما: أن يكون مطبقًا دائمًا لا يتخلله إفاقة، فهذا يمنع من عقد الإمامة واستدامتها، فإذا طرأ هذا بطلت به الإمامة بعد تحققه والقطع به. والثَّاني: أن يتخلله إفاقة يعود بها إلى حال السلامة، فيُنظر فيه، فإن كان زمان الخبل أكثر من زمان الإفاقة، فهو كالمستديم يمنع من عقد الإمامة واستدامتها، ويخرج بحدوثه منها، وإن كان زمان الإفاقة أكثر من زمان الخبل منع من عقد الإمامة (¬3). وقد أجمع علماء الأمة على اشتراط العقل في الإمام، فلا تنعقد الإمامة لمجنون بداية، ولا تستدام لمن طرأ عليه ثمة جنون، وبالأحرى تبطل بالجنون المطبق، وهو الذي لا تتخلله فترات إفاقة. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) قال: "وهو -أي: العقل- مجمع على اعتباره" (¬4) ابن حزم (456 هـ) قال: "واتفقوا أن الإمامة لا تجوز لامرأة ولا لكافر ولا لصبي لم يبلغ، وأنه لا يجوز أن يُعقد لمجنون" (¬5) الآمدي (631 هـ) ¬
قال: "شروط الإمامة المتفق عليها: . . . الرابع: أن يكون عاقلًا" (¬1) القرطبي (671 هـ) قال: "أن يكون -الإمام- بالغًا عاقلًا، ولا خلاف في ذلك" (¬2) الإيجي (756 هـ) قال: "يجب أن يكون -الإمام- عدلًا لئلا يجور، عاقلًا ليصلح للتصرفات. . . فهذه الصفات شروط بالإجماع" (¬3) الدمشقي (بعد 785 هـ) قال: "اتفق الأئمة على أن الإمامة فرض. . . . . وأن الإمامة لا تجوز لامرأة، ولا كافر، ولا صبي لم يبلغ، ولا مجنون" (¬4) الخطيب الشربيني (977 هـ) قال: "لا تصح إمامة صبي ومجنون بإجماع" (¬5). نقله عنه العبادي (¬6) (994 هـ)، والشرواني (¬7) (1301 هـ) (¬8). الشنقيطي (1393 هـ) قال: "أن يكون عاقلًا، فلا تجوز إمامة المجنون ولا المعتوه، وهذا لا نزاع فيه" (¬9). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه-تعالى-: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (¬6). قال أبو بكر ابن العربي: "السفيه: المتناهي في ضعف العقل وفساده، كالمجنون والمحجور عليه" (¬7). وقول اللَّه -تعالى-: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} (¬8). والمراد بالسفيه في هذه الآية: "كل جاهل بموضع خطأ ما يُمل وصوابه، من بالغي الرجال الذين لا يُولَّى عليهم"، قاله الطبري (¬9). قال الشافعي: "أثبت الولاية على السفيه والضعيف والذي لا يستطيع أن يُمل هو، وأمر وليه بالإملاء عليه؛ لأنه أقامه فيما لا غَنَاء به عنه من ماله مقامه" (¬10). ¬
[9/ 9] أن يكون الإمام ذكرا
• وجه الدلالة: أن اللَّه -جل وعلا- لم يجعل لضعيف العقل ولاية على نفسه، فإن لم يل أمر نفسه فأمر غيره أولى، فبالجنون تنسلب الولايات واعتبار الأقوال (¬1). • ثانيًا: السنة: حديث عائشة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ المَجْنُون حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ" (¬2). • وجه الدلالة: أن العقل مناط التكليف؛ لأن التكليف مقتضاه الطاعة والامتثال، ولا يمكن ذلك إلا بقصد الامتثال، وشرط القصد: العلم بالمقصود والفهم للتكليف، ولا يتصوران في حق المجنون (¬3).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [9/ 9] أن يكون الإمام ذكرًا • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن يكون الإمام ذكرًا، وأن الإمامة لا تجوز لامرأة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "واتفقوا أن الإمامة لا تجوز لامرأة" (¬4) وقال: "وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة امرأة" (¬5) أبو بكر ابن العربى (543 هـ) قال: "رُوي في الصحيح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال حين ¬
بلغه أن كسرى لما مات ولَّى قومُه بنته: "لَنْ يَفْلُحُ قَوْمٌ وَلَّوا أَمْرَهُم امْرَأَةً" (¬1)، وهذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه" (¬2). نقله القرطبى (671 هـ) (¬3) البغوي (510 هـ) قال: "اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إمامًا" (¬4) الآمدى (631 هـ) قال: "شروط الإمام المتفق عليها ثمانية: . . . السادس: أن يكون ذكرًا" (¬5) نقله الوشتاني الأبي المالكي (¬6) (827 هـ) (¬7). القرطبى (671 هـ) قال: "أجمعوا على أن المرأة لا يجوز أن تكون إمامًا" (¬8) الإيجي (756 هـ) قال: "يجب أن يكون -الإمام-. . . ذكرًا؛ إذ النساء ناقصات عقل ودين. . . فهذه الصفات شروط بالإجماع" (¬9) الدمشقي (بعد 785 هـ) قال: "اتفق الأئمة على أن الإمامة فرض. . . . وأن الإمامة لا تجوز لامرأة" (¬10) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "ويجب كونه ذكرًا حرًّا مكلفًا إجماعًا" (¬11) الشنقيطي (1393 هـ) قال: "الثاني من شروط الإمام الأعظم: ¬
كونه ذكرًا، ولا خلاف في ذلك بين العلماء" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). مستند الإجماع؛ يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: من الكتاب: قال اللَّه -تعالى-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (¬7). قال ابن كثير: "ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم" (¬8). وقال القرطبي: "لأن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء" (¬9). • وجه الدلالة: أن الرجل قيم على المرأة، فهو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومقومها إذا اعوجت (¬10). • ثانيًا: من السنة: الدليل الأول: حديث أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- قال: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا ¬
أَمْرَهُمْ امْرَأَةً" (¬1) قال ابن الجوزي (¬2): "في الحديث دليل على أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء ولا عقد النكاح" (¬3). • وجه الدلالة: أن الإمام يحضره الرجال، ويُحتاج فيه إلى كمال رأي وتمام عقل وفطنة، والمرأة لا تحضر محافل الرجال، وهي ناقصة عقل، قليلة رأي وفطنة، وقد نبه اللَّه -سبحانه وتعالى- على ذلك بقوله: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (¬4)، فأشار -سبحانه- إلى كثير نسيانها وغلطها (¬5). الدليل لثاني: حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ للنساء: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ"، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "ألَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ "، قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: "فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ "، قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: "فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا" (¬6). ¬
[10/ 10] أن يكون الإمام حرا
• وجه الدلالة: قال أبو العباس القرطبي (¬1): "العقل الذي نُقِصَهُ النساء: هو التثبُّت في الأمور، والتحقيق فيها، والبلوغ فيها إلى غاية الكمال، وهُنَّ في ذلك غالبًا بخلافِ الرجال. . . والدِّين هنا يرادُ به: العباداتُ، وليس نقصانُ ذلك في حقِّهنَّ ذمًّا لهنَّ، وإنَّمَا ذكر النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك مِنْ أحوالهنَّ على معنى التعجيبِ من الرجال، حيثُ يغلبهم مَنْ نقَصَ عن درجتهم، ولم يبلُغْ كمالهم" (¬2).Rصحة الإجماع على أن يكون الإمام ذكرًا، وأن الإمامة لا تجوز لامرأة. [10/ 10] أن يكون الإمام حرًّا • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن الإمام الأعظم لا بُدَّ أن يكون حرًّا، ولا يجوز أن تكون الإمامة في العبد. • من نقل الإجماع: ابن بطال (449 هـ) عن المهلب (¬3) (435 هـ) أنه قال "إنما أجمعت الأمة على أنه لا يجوز أن تكون الإمامة في العبد" (¬4) نقله ابن حجر ¬
(852 هـ) (¬1) الشوكاني (1250 هـ) (¬2) أبو العباس القرطبي (656 هـ) قال: "فإنه قد اتُّفِقَ على أن الإمام الأعظم، لا بُدَّ أن يكون حرًّا" (¬3) الإيجي (756 هـ) قال: "يجب أن يكون -الإمام-. . . حرًّا؛ لئلا يشغله خدمة السيد ولئلا يُحتقر فيُعصى، فهذه الصفات شروط بالإجماع" (¬4) الآمدى (631 هـ) قال: "شروط الإمام المتفق عليها ثمانية: . . . السابع: أن يكون حرًّا" (¬5) نقله الوشتاني الأبي المالكي (827 هـ) (¬6). أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "ويجب كونه ذكرًا حرًّا مكلفا إجماعًا" (¬7) الشنقيطي (1393 هـ) قال: "الثالث من شروط الإمام الأعظم: كونه حرًّا، فلا يجوز أن يكون عبدًا، ولا خلاف في هذا بين العلماء" (¬8). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12). ¬
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قال اللَّه -تعالى-: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ} (¬1). قال أبو بكر الجصاص: "أخبر أن مثل ما يعبدون مثل العبيد المماليك الذين لا يملكون شيئًا ولا يستطيعون أن يملكوا، تأكيدًا لنفي أملاكهم، ولو كان المراد عبدًا بعينه، وكان ذلك العبد ممن يجوز أن يملك، ما كان بينه وبين الحر فرق، وكان تخصيصه العبد بالذكر لغوًا، فثبت أن المعنى فيه نفي ملك العبيد رأسًا" (¬2). وقال ابن العربي: "قال علماؤنا: إن الحياة والآدمية علة الملك، فهو آدمي حي، فجاز أن يملك كالحر، وإنما طرأ عليه الرق عقوبة، فصار للسيد عليه حق الحجر، وذمته خالية عن ذلك، فإذا أذن له سيده وفك الحجر عنه رجع إلى أصله في المالكية بعلة الحياة والآدمية، وبقاء ذمته خالية عن ذلك كله". • وجه الدلالة: إذا كان العبد لا ولاية له على نفسه؛ لأن ما يملكه ملك لسيده، فكيف يكون له ولاية على غيره؟ ! • ثانيًا: السنة: حديث جابر بن عبد اللَّه-رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ" (¬3). قال أبو بكر الجصاص: "اتفق الفقهاء أنه لا يجوز له أن يتزوج إلا بإذن المولى، وأن المولى أملك بالعقد عليه منه بنفسه؛ لأن المولى لو زوجه وهو كاره لجاز عليه، ولو تزوج هو بغير إذن المولى لم يجز نكاحه" (¬4). ¬
وقال الزركشي (¬1): "ولأن في ذلك تفويتًا لمنفعة السيد الواجبة له؛ لانشغاله بحقوق الزوجية، وأنه لا يجوز، وقد حكى ابن المنذر هذا إجماعًا" (¬2). • وجه الدلالة: إذا سُلب العبد ولايته على نفسه في اختيار زوجه، فلأن يُسلب الولاية على غيره أولى وأعظم. • من خالف الإجماع: أولًا: الخوارج؛ إذ جوزوا أن يكون الإمام عبدًا (¬3)، ولا اعتبار لشذوذهم. ثانيًا: ذهب ابن حزم (¬4) والشوكاني (¬5) إلى جواز إمامة العبد، واستدلالا بأحاديث صحيحة فيها الأمر بطاعة السلطان ولو كان عبدًا حبشيًّا، ومنها: 1 - حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشي كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ" (¬6). 2 - حديث أم الحصين -رضي اللَّه عنه- أنها سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب في حجة الوداع ويقول: "وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّه، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا" (¬7). ونوقش: بأن ذلك محمول على غير الإمامة العظمى أو محمول على الحث في بذل الطاعة للإمام (¬8). ¬
قال الخطابي (¬1): "قد يُضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يصح منه الوجود، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ مَفْحَصَ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ له بَيْتًا في الجَنَّةِ" (¬2)، وقدر مفحص قطاة لا يكون مسجدًا لشخص آدمي" (¬3). وقال الشنقيطي: "فالجواب من أوجه: الأول: أنه قد يُضرب المثل بما لا يقع في الوجود، فإطلاق العبد الحبشي لأجل المبالغة في الأمر بالطاعة، وإن كان لا يُتصور شرعًا أن يلي ذلك. الوجه الثاني: أن المراد باستعمال العبد الحبشي أن يكون مؤمرًا من جهة الإمام الأعظم على بعض البلاد -وهو أظهرها- فليس هو الإمام الأعظم. الوجه الثالث: أن يكون أُطلق عليه اسم العبد نظرًا لاتصافه بذلك سابقًا، مع أنه وقت التولية حرٌّ، ونظيره إطلاق اليتم على البالغ باعتبار اتصافه به سابقًا في قول اللَّه -تعالى-: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} (¬4). وهذا كله فيما يكون بطريق الاختيار، أما لو تغلب عبدٌ حقيقة بالقوة فإن طاعته تجب؛ إخمادًا للفتنة، وصونًا للدماء، ما لم يأمر بمعصية" (¬5). ¬
[11/ 11] أن يكون الإمام مجتهدا
Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [11/ 11] أن يكون الإمام مجتهدًا • المراد بالمسألة: الاجتهاد في اللغة: أصل "الاجتهاد" في اللغة من مادة (ج هـ د)، ومنه الجهد بفتح الجيم وضمها: الطاقة، والجهد بالفتح: المشقة. يُقال: جَهَدَ دابته وأجْهَدَهَا، إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها، وجَهَدَ الرجل في كذا أي جدَّ فيه وبالغ، وجاهَدَ في سبيل اللَّه مُجَاهَدَةً وجِهَادًا، والاجْتِهادُ والتَّجَاهُدُ: بذل الوسع والمَجْهودِ، والجِهاد: المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب أَو اللسان أَو ما أَطاق من شيء. فالاجْتِهادُ: افْتِعَال من الجُهْد، وهو: بَذْل الوسْع في طَلَب الأمر (¬1). الاجتهاد في الاصطلاح: عرَّف عددٌ من أهل الاصطلاح الاجتهاد بأنه: بذل المجتهد وسعه في الطلب بالآلات التي تشترط فيه (¬2). فالاجتهاد عندهم استنباط واستخراج للمفقود، واتخاذ موقف إيجابي تجاه ما يطرأ من مسائل جديدة، وليس ترديدًا للموجود، وبه يستحق العالم لقب الفقيه. وقد اتفق العلماء على أن الإمام الأعظم يجب أن يكون عالِمًا مجتهدًا فى الأحكام الشّرعية، بحيث يستقل بالفتوى فى النوازل، وإثبات أحكام الوقائع نصًّا واستنباطًا؛ لأنّ من أكبر مقاصد الإمامة: فصل الخصومات، ودفع المخاصمات، ولن يتمّ ذلك دون هذا الشّرط. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "وأما جماعة أهل السنة وأئمتهم فقالوا: هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلًا عالِمًا. . . " (¬3) أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "فالشرط أن يكون الإمام مجتهدًا، بالغًا ¬
مبلغ المجتهدين، مستجمعًا صفات المفتين، ولم يُؤثر في اشتراط ذلك خلاف" (¬1) الآمدى (631 هـ) قال: "شروط الإمام المتفق عليها ثمانية: الأول: أن يكون مجتهدًا فى الأحكام الشّرعية" (¬2) - نقله الوشتاني الأبي المالكي (827 هـ) (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: "أن يكون -الإمام- ممن يصلح أن يكون قاضيًا من قضاة المسلمين، مجتهدًا لا يحتاج إلى غيره في الاستفتاء في الحوادث، وهذا متفق عليه" (¬4) الشاطبي (¬5) (790 هـ) قال: "إن العلماء نقلوا الاتفاق على أن الإمامة الكبرى لا تنعقد إلا لمن نال رتبة الاجتهاد والفتوى في علوم الشرع" (¬6) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "يجب كونه مجتهدًا إجماعًا" (¬7). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والآثار، والمعقول: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} (¬2). قال ابن كثير: "أي: أتم علمًا وقامة منكم، ومن هاهنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم، وشكل حسن، وقوة شديدة في بدنه ونفسه" (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه -جل وعلا- اختار لهم طالوت ملكًا، واختيار اللَّه هو الحجة القاطعة، ثم بين لهم وجهي الاصطفاء: الأول: أن اللَّه زاده بسطة في العلم، الذي هو ملاك الإنسان، ورأس الفضائل، وأعظم وجوه الترجيح. الثاني: وزاده بسطة في الجسم، الذي يظهر به الأثر في الحروب ونحوها (¬4). • ثانيًا الآثار: ما روي عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "لما قُبض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نظرنا في أمرنا، فوجدنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد قدم أبا بكر في الصلاة، فرضينا لدنيانا من رضي رسول اللَّه -رضي اللَّه عنه- لديننا، فقدمنا أبا بكر" (¬5). • وجه الدلالة: قال الغزالي: "قال بعض السلف: ليس بعد الأنبياء أفضل من العلماء، ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين؛ لأن هؤلاء قاموا بين يدي اللَّه -عز وجل- وبين خلقه، هذا بالنبوة، وهذا بالعلم، وهذا بعماد الدين وهو الصلاة. وبهذه الحجة احتج الصحابة في تقديم أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه وعنهم- للخلافة" (¬6). ¬
• ثالثًا: المعقول: قال أبو المعالي الجويني: "إن أمور معظم الدين تتعلق بالأئمة، فأما ما يختص بالولاة وذوي الأمر فلا شك في ارتباطه بالإمام، وأما ما عداه من أحكام الشرع فقد يتعلق به من جهة انتدابه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو لم يكن الإمام مستقلًّا بعلم الشريعة لاحتاج إلى مراجعة العلماء في تفاصيل الوقائع، وذلك يشتت رأيه، ويخرجه عن رتبة الاستقلال. ولو قيل: إنه يُراجع المفتي مراجعة آحاد الناس المفتين. لكان ذلك محالًا، فإن الوقائع التي تُرفع إلى الإمام في الخطوب الجسام، والأمور العظام، لا تتناهى كثرة؛ إذ هو شرف العالمين، ومطمح أعين المسلمين، وقد لا يجد عند رفع واقعة إليه أعلم علماء القطر والناحية، فيتردد ويتبلد، ويبطل أثره في منصب الاستقلال، ولو جاز ذلك لساغ أن لا يكون الإمام ذا كفاية واستقلال، ثم يراجع الكفاءة، ويستشير ذوي الأحلام والدهاة، وهذا لا قائل به. فإذا كانت الإمامة زعامة الدين والدنيا، ووجب استقلاله بنفسه في تدبير الأمور الدنيوية، فكذلك يجب استقلاله بنفسه في الأمور الدينية، فإن أمور الدنيا على مراسم الشريعة تجري، فهي المتتبع والإمام في جميع مجال الأحكام، فالكفاية المرعية معناها الاستقلال ببداية الأصوب شرعًا في الأمور المنوطة بالإمام. فإن قيل: كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا وقعت واقعة، وألمت به ملمة، اشتوروا ولم يأنفوا من المراجعة والمرادة، فأشعر ذلك من عادتهم بأن استقلال الإمام ليس شرطًا في الإمامة. قلنا: الخبر المشار إليه، والإمام المتفق عليه، ومن هو البحر الذي لا ينزف لا يبعد منه أن يستشير في آحاد الوقائع، ويستمد من نتائج القرائح، ويبحث في محادثة أطراف الكلام عن مآخذ الأحكام؟ ! كيف وقد ندب اللَّه رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الاستشارة فقال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (¬1)، ولا منافاة بين بلوغ المرتبة العليا في العلوم، وبين التناظر ¬
والتشاور في المعضلات. ونحن نرى الإمام المستجمع خلال الكمال البالغ مبلغ الاستقلال، أن لا يغفل الاستضاءة في الإيالة وأحكام الشرع بعقول الرجال، فإن صاحب الاستبداد لا يأمن الحيدة من سنن السداد، ومن وفق الاستمداد من علوم العلماء كان حريًّا بالاستداد ولزوم طريق الاقتصاد، وسر الإمامة استتباع الآراء وجمعها على رأي صائب، ومن ضرورة ذلك استقلال الإمام. ثم هو محثوث على استقاء مزايا القرائح، وتلقى الفوائد والزوائد منها، فإن في كل عقل ميزة، ولكن اختلاف الآراء مفسدة لإمضاء الأمور، فإذا بحث عن الآراء إمام مجتهد، وعرضها على علمه الغزير، ونقد بالسبر والفكر الأصوب من وجوه الرأي، كان جالبًا إلى المسلمين ثمرات العقول، ودافعًا عنهم غائلة التباين والاختلاف، فكأن المسلمين يتحدون بنظر الإمام، وحسن تقديره وفحصه ونقره. ولا بد على كل حال من كون الإمام متبوعًا غير تابع، ولو لم يكن مجتهدًا في دين اللَّه للزمه تقليد العلماء، واتباعهم، وارتقاب أمرهم ونهيهم وإثباتهم ونفيهم، وهذا يناقض منصب الإمامة، ومرتبة الزعامة" (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهبت طائفة من المعتزلة إلى عدم اشتراط كون الإمام عالِمًا مجتهدًا، وقالوا: "الإمامة من مصالح الدين، ليس يحتاج إليها لمعرفة اللَّه -تعالى- وتوحيده، فإن ذلك حاصل بالعقل، لكنها يحتاج إليها لإقامة الحدود، والقضاء بين المتحاكمين، وولاية اليتامى والأيامى، وحفظ البيضة، وإعلاء الكلمة، ونصب القتال مع أعداء الدين، وحتى يكون للمسلمين جماعة، ولا يكون الأمر فوضى بين العامة، فلا يُشترط فيها أن يكون الإمام أفضل الأمة علمًا. . . " (¬2). قال الشهرستاني: "ومالت جماعة من أهل السنة إلى ذلك، حتى جوزوا أن ¬
[12/ 12] أن يكون الإمام بصيرا بأمور الحرب
يكون الإمام غير مجتهد، ولا خبير بمواقع الاجتهاد، ولكن يجب أن يكون معه من يكون من أهل الاجتهاد، فيراجعه في الأحكام، ويستفتي منه في الحلال والحرام" (¬1). واعتبر ابن حزم (¬2) هذا الشرط من الشروط المستحبة لا الواجبة، وإلى هذا القول ذهب أكثر الحنفية (¬3). وقال الغزالي: "وليست رتبة الاجتهاد مما لابد منه في الإمامة ضرورة، بل الورع الداعي إلى مراجعة أهل العلم فيه كاف، فإذا كان المقصود ترتيب الإمامة على وفق الشرع، فأي فرق بين أن يعرف حكم الشرع بنظره، أو يعرفه باتباع أفضل أهل زمانه؟ ! ! " (¬4). • واستدلوا بما يلي (¬5): 1 - تعذر حصول هذا الشرط مع بقية الشروط في شخص واحد، خصوصًا في هذه الأزمان، حيث ضعف الوازع الديني عند الناس، وضعفت هممهم عن طلب العلم وبلوغ مرتبة الاجتهاد فيه. 2 - أنه طالما كان المقصود من تصريف الأمور أن يكون على وفق ما يقضي به الشرع الإسلامي، فإنه من الممكن حصول ذلك بالاستعانة بالعلماء المجتهدين، واستفتائهم في كل أمر يحتاج فيه إليهم.Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [12/ 12] أن يكون الإمام بصيرًا بأمور الحرب • المراد بالمسألة: البصيرة لغة: البصر العين إلا أنه مذكر، وقيل: البصر حاسة الرؤية. يُقال: فلان نظر ببصره فرأى، ورأى ببصيرته فاهتدى. والبصيرة ¬
-أيضًا-: الحجة، والبصر نفاذ في القلب، وبصر القلب: نظره وخاطره، والبصيرة: عقيدة القلب. وقيل: البصيرة الفطنة (¬1). البصيرة اصطلاحًا: العلم بالشيء، وهي من المعاني القلبية (¬2). وقيل: البصيرة: نور القلب، وهو ما به يستبصر ويتأمل، أي: قوة القلب المدركة، وقيل: البصيرة: فقه القلب في حل إشكال مسائل الخلاف، فيما لا يتعلق العلم به تعلق القطع، وحقيقتها نور يقذف في القلب يستدل به العقل الخالط عشواء على سبيل الإصابة (¬3). وقد اتفق العلماء على أن الإمام الأعظم يجب أن يكون ذا خبرة ورأي حصيف، بصيرًا بأمور الحرب، وتدبير الجيوش، وسد الثغور، وحماية البيضة. • من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) قال: "أن يكون -الإمام- ذا خبرة ورأي حصيف بأمر الحرب، وتدبير الجيوش، وسد الثغور، وحماية البيضة. . . الدليل على هذا كله: إجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم؛ لأنه لا خلاف بينهم أنه لابد من أن يكون ذلك كله مجتمعًا فيه" (¬4) نقله الشنقيطي (1393 هـ) (¬5) الآمدى (631 هـ) قال: "شروط الإمام المتفق عليها ثمانية: الثاني: أن يكون بصيرًا بأمور الحرب، وترتيب الجيوش، وحفظ الثغور" (¬6) نقله الوشتاني الأبي المالكي (827 هـ) (¬7). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل لذلك بحديث أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي. ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرَ إنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا" (¬3). • وجه الدلالة: قال النووى: "هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية" (¬4). فيجب أن يكون الإمام قادرًا على سياسة الرعية، وتدبير مصالحهم الدينية والدنيوية؛ لأن الحوادث التي تحدث في الدولة تُرفع إليه، فيتسنى له البت فيها، ولن تتبين له المصلحة إلا إذا كان على قدر من الحكمة والرأي والتدبير، فحقيقة الإمامة: خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به (¬5). قال الجويني: "وسر الإمامة استتباع الآراء وجمعها على رأي صائب، ومن ضرورة ذلك استقلال الإمام. . . ولا بد على كل حال من كون الإمام متبوعًا غير تابع" (¬6). • المخالفون للإجماع: خالف عدد من العلماء الإجماع، ولم يروا هذا الشرط معتبرًا، وذهبوا إلى أن الإمام له أن يستشير في ذلك أصحاب الرأي والمشورة، وذلك لتعذر حصول هذا الشرط مع بقية الشروط في شخص واحد (¬7). ¬
[13/ 13] أن يكون الإمام عدلا
Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [13/ 13] أن يكون الإمام عدلًا • المراد بالمسألة: العدل لغة: القصد والتوسط في الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط، وقيل: ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو ضد الجور، عدل الحاكم في الحكم يعدل عدلًا، وهو عادل من قوم عدول، وعدل عليه في القضية فهو عادل، وبسط الوالي عدله ومعدلته (¬1). والعدل من الناس: المرضي قوله وحكمه. وتُسمى التسوية بين الأشياء: عدلًا؛ لأن التسوية ضرب من ضروب العدل. والعَدَالَةُ: صفة توجب مراعاتها الاحتراز عما يخلّ بالمروءة عادة ظاهرًا، فالمرة الواحدة من صغائر الهفوات وتحريف الكلام لا تخل بالمروءة ظاهرًا؛ لاحتمال الغلط والنسيان والتأويل، بخلاف ما إذا عُرف منه ذلك وتكرر، فيكون الظاهر الإخلال، وُيعتبر عرف كلّ شخص، وما يعتاده من لبسه، وتعاطيه للبيع والشراء، وحمل الأمتعة، وغير ذلك، فإذا فعل ما لا يليق به لغير ضرورة قدح وإلا فلا (¬2). العدل في الاصطلاح: عند الرجوع إلى استعمالات العلماء لكلمة العدل، لا نجدهم، قد ابتعدوا كثيرًا عن المعنى اللغوي وهو: التوسط بين الإفراط والتفريط. فالعدل في الحكم: المساواة، أو هو الذي لا يميل به الهوى؛ فيجور في الحكم. قال القرافي عن العدل: "المجتنب للكبائر، المتقي للصغائر، ذو مروة وتمييز، وليست العدالة أن يمحض الطاعة حتى لا تشوبها معصية لتعذره، لكن من كانت الطاعة أكثر حاله، وهو مجتنب الكبائر يحافظ على ترك الصغائر، يستعمل المروءة التي تليق بمثله في دينه ودنياه" (¬3). وبهذا المعنى الاصطلاحي اتفق علماء الأمة على أنه لا بد أن يكون الإمام عدلًا. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "وأما جماعة أهل السنة ¬
وأئمتهم فقالوا: هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلًا عالِمًا عدلًا. . . " (¬1) الآمدى (631 هـ) قال: "شروط الإمام المتفق عليها ثمانية: . . . الرابع: أن يكون عاقلًا مسلمًا عدلًا" (¬2) نقله الوشتاني الأبي المالكي (827 هـ) (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: "الحادي عشر: أن يكون -الإمام- عدلًا؛ لأنه لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق" (¬4) ابن تيمية (728 هـ) قال: "الأئمة متفقون على أنه لا بد في المتولي الخلافة أن يكون عدلًا أهلًا للشهادة" (¬5) الإيجي (756 هـ) قال: "يجب أن يكون -الإمام- عدلًا. . . فهذه الصفات شروط بالإجماع" (¬6) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "الثالث: (العدالة) بإجماع السلف" (¬7). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، والظاهرية (¬11). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة، والمعقول: أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ ¬
إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)} (¬1). قال الطبري: "هذا خبر من اللَّه جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إمامًا يقتدي به أهل الخير" (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه -جل وعلا- أراد أن الظالم لا يكون إمامًا (¬3). قال الشوكاني: "استدل بهذه الآية جماعة من أهل العلم على أن الإمام لا بد أن يكون من أهل العدل والعمل بالشرع كما ورد" (¬4). قال الجصاص: "فثبت بدلالة هذه الآية بطلان إمامة الفاسق، وأنه لا يكون خليفة، وأن من نصب نفسه في هذا المنصب وهو فاسق لم يلزم الناس اتباعه ولا طاعته" (¬5). • ثانيًا: السنة: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ. . . " الحديث (¬6) قال القاضي عياض: "هو كل من إليه نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاة والحكام، وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه" (¬7). ومثله: حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ على مَنَابِرَ من نُورٍ عن يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وما وَلُوا" (¬8). قال النووي: "هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلده من خلافة، أو إمارة، أو قضاء، أو حسبة. . . " (¬9). ¬
• وجه الدلالة: أن الفضل العظيم والثواب الجزيل رُتب على أمر عظيم، وهو: عدل الإمام، مما يدل على اشتراط العدالة في الإمام. • ثالثًا: المعقول: 1 - قد ثبت أن الإمام إنما يُقام لإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في أمورهم، إلى غير ذلك، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض بها، فلو جوزنا أن يكون فاسقًا أدى إلى إبطال ما أُقيم لأجله (¬1). 2 - أن من لا عدالة له لا يؤمن على نفسه فضلًا عن أن يؤمن على عباد اللَّه، ويوثق به في تدبير دينهم ودنياهم، ومعلوم أن وازع الدين وعزيمة الورع لا تتم أمور الدين والدنيا إلا بها، ومن لم يكن كذلك خبط في الضلالة، وخلط في الجهالة، واتبع شهوات نفسه، وآثرها على مراضي اللَّه ومراضي عباده؛ لأنه مع عدم تلبسه بالعدالة وخلوه من صفات الورع لا يبالي بزواجر الكتاب والسنة، ولا يبالي أيضًا بالناس؛ لأنه قد صار متوليًّا عليهم، نافذ الأمر والنهي فيهم (¬2). 3 - قال الجويني: "والأب الفاسق على فرط حدبه وإشفاقه على ولده لا يعتمد في مال ولده، فكيف يؤتمن في الإمامة العظمى فاسق لا يتقي اللَّه، ومن لم يقاوم عقله هواه ونفسه الأمارة بالسوء، ولم ينهض رأيه بسياسة نفسه؟ فأنى يصلح خطة الإسلام؟ " (¬3). • من خالف الإجماع: الحنفية، وقالوا: يكره تقليد الفاسق، ويُعزل به، إلا لفتنة (¬4) واستدلوا على ذلك: بأنه قد ثبت أن الصحابة صلّوا خلف أئمة الجور ¬
من بني أمية، ورضوا بتقلدهم رئاسة الدولة (¬1). كما في الأثر عن عبد الكريم البكاء (¬2)، قال: "أدركت عشرة من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كلهم يصلون خلف أئمة الجور" (¬3). ونوقش: بأن ذلك في حال التغلب لا في حال الاختيار (¬4). وقسّم الماوردي الفسق المانع لعقد الإمامة واستدامتها على ضربين، فقال: "فأما الجرح في عدالته -وهو الفسق- فهو على ضربين: أحدهما: ما تابع فيه الشهوة، والثاني: ما تعلق فيه بشبهة. فأما الأول منهما فمتعلق بأفعال الجوارح، وهو: ارتكابه للمحظورات، وإقدامه على المنكرات تحكيمًا للشهوة وانقيادًا للهوى، فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها، فإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها، فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى الإمامة إلا بعقد جديد. وقال بعض المتكلمين: يعود إلى الإمامة بعوده إلى العدالة، من غير أن يُستأنف له عقد ولا بيعة؛ لعموم ولايته، ولحوق المشقة في استئناف بيعته. وأما الثاني منهما فمتعلق بالاعتقاد المتأول بشبهة تعترض فيتأول لها خلاف الحق، فقد اختلف العلماء فيها، فذهب فريق منهم إلى أنها تمنع من انعقاد ¬
[14/ 14] أن يكون الإمام قويا
الإمامة ومن استدامتها، ويخرج بحدوثه منها؛ لأنه لما استوى حكم الكفر بتأويل وغير تأويل وجب أن يستوي حال الفسق بتأويل وغير تأويل، وقال كثير من علماء البصرة: إنه لا يمنع من انعقاد الإمامة، ولا يخرج به منها، كما لا يمنع من ولاية القضاء وجواز الشهادة" (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [14/ 14] أن يكون الإمام قويًا • المراد بالمسألة: القوة لغة: نقيض الضعف، والجمع: قوى، ويكون ذلك في البدن والعقل (¬2). القوة اصطلاحًا: لا يختلف المعنى الاصطلاحي للقوة عن المعنى اللغوي، فقيل: هي شدة البأس، والقدرة على القيام بصعاب الأمور (¬3). وقد اتفق العلماء على أن الإمام يجب يكون له من قوة البأس، وشدة المراس، قدر ما لا يهوله إقامة الحدود، وضرب الرقاب، وإنصاف المظلوم من الظالم. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "وأما جماعة أهل السنة وأئمتهم فقالوا: هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلًا عالِمًا عدلًا محسنًا قويًّا على القيام كما يلزمه في الإمامة" (¬4). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬5). الآمدى (631 هـ) قال: "شروط الإمام المتفق عليها ثمانية: الثالث: أن يكون له من قوة البأس، وعظم المراس، ما لا تهوله إقامة الحدود، وضرب الرقاب، وإنصاف المظلومين من الظّالمين، من غير فظاظة" (¬6) نقله الوشتاني الأبي المالكي ¬
(827 هـ) (¬1) الحموي (¬2) (1056 هـ) (¬3) القرطبي (671 هـ) قال: "الثالث: أن يكون -الإمام- ذا خبرة ورأي حصيف بأمر الحرب، وتدبير الجيوش، وسد الثغور، وحماية البيضة، وردع الأمة، والانتقام من الظالم، والأخذ للمظلوم. . . الدليل على هذا كله: إجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم؛ لأنه لا خلاف بينهم أنه لا بد من أن يكون ذلك كله مجتمعًا فيه" (¬4) نقله الشنقيطي (1393 هـ) (¬5) النووى (676 هـ) قال: ". . . هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لاسيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية. . . وإجماع المسلمين منعقد عليه" (¬6) الشوكاني (1250 هـ) قال: "ولا نزاع في أن الدخول في الولاية لمن يضعف عنها لا يحل" (¬7). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، ¬
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بالكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: 1 - قول اللَّه -تعالى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} (¬3). قال ابن تيمية: "أخبر أنه أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط، وذكر أنه أنزل الحديد الذي به يُنصر هذا الحق، فالكتاب يهدى والسيف ينصر، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا. ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد، كما قال من قال من السلف: صنفان إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء، والعلماء" (¬4). • وجه الدلالة: في الآية إشارة إلى إعمال السيف بعد إقامة الحجة، فإن لم تنفع الكتب تعينت الكتائب، "وما يزع اللَّه بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن" (¬5). 2 - قول اللَّه -تعالى-: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} (¬6). • وجه الدلالة: أن السفيه والضعيف ومن لا يقدر على شيء لا بد له من ولي، ¬
ومن لا بد له من ولي لا يجوز أن يكون وليًّا للمسلمين (¬1). 3 - قول اللَّه -تعالى-: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)} (¬2). • وجه الدلالة: قال قتادة (¬3): "ونبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد علم أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب اللَّه وحدود اللَّه ولفرائض اللَّه ولإقامة كتاب اللَّه، وأن السلطان عزة من اللَّه جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، وأكل شديدهم ضعيفهم" (¬4). وقال ابن كثير: "لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه" (¬5). • ثانيًا: السنة: حديث أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي. ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرَ إنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَة، إلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا" (¬6). • وجه الدلالة: قال النووى: "هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية" (¬7).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
[15/ 15] أن لا يكون الإمام بخيلا ولا كذابا ولا جبانا
[15/ 15] أن لا يكون الإمام بخيلًا ولا كذابًا ولا جبانًا • المراد بالمسألة: الاتفاق على أنه لا يجوز أن يكون الإمام بخيلًا أو كذابًا أو جبانًا. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "الخليفة على المسلمين لا يجوز أن يكون كذابًا ولا بخيلًا ولا جبانًا، وقد أجمع العلماء أن الإمام يجب أن لا يكون فيه هذه الخلال السوء" (¬1). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من السنة: 1 - حديث جُبَيْر بْنُ مُطْعِم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذهِ الْعِضَاهِ (¬8) نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا ¬
[16/ 16] لا يشترط أن يكون الإمام معصوما
وَلَا جَبَانًا" (¬1). • وجه الدلالة: قال ابن حجر: "فيه ذم الخصال المذكورة، وهي: البخل، والكذب، والجبن، وأن إمام المسلمين لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها" (¬2). ولأن الولاية لا تصلح إلا بالمناصحة، فإذا كان بخيلًا لم يناصحه أحد. . . وإذا كان كذابًا لم يوثق بوعده ولا بوعيده، فلم يرج خيره، ولم يخف شره، ولا بهاء لسلطانٍ لا يُرهب. . . وإذا كان جبانًا اجترأ عليه عدوه، وضاعت ثغوره (¬3). 2 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: سمعت رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "شَرُّ ما في رَجُلٍ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ" (¬4). • وجه الدلالة: أن ذم هذه الصفات يوجب عدم تولية من يتصف بها؛ لأن الإمامة متضمنة حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الجنف والحيف، ولا يقدم على ذلك بخيلٌ ولا جبانٌ.Rصحة الإجماع على عدم جواز كون الإمام بخيلًا أو كذابًا أو جبانًا. [16/ 16] لا يشترط أن يكون الإمام معصومًا • المراد بالمسألة: العصمة لغة: وردت لعدة معانٍ، منها: العصمة: المنع، وعصمة اللَّه عبده أن يعصمه مما يوبقه، عصمه يعصمه عصمًا: منعه ووقاه، ¬
وفي التنزيل: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} -أي: يمنعني من الماء- {قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} (¬1)، أي: لا معصوم إلا المرحوم (¬2). والعصمة: الحفظ، يُقال: عصمه اللَّه من المكروه: وقاه وحفظه، واعتصمتُ باللَّه لجأُتُ إليه (¬3). والعصمة: القلادة، والجَمع الأعْصام، والمِعْصم: موضع السِّوار من السَّاعد (¬4). وأصل العصمة: الحبل، وكل ما أمسك شيئًا فقد عصمه (¬5). والعصمة: السبب؛ قال الطبري: "ولذلك قيل للحبل: عصام، وللسَّبب الذي يتسبَّب به الرجل إلى حاجته: عصام" (¬6). وخلاصة القول: أن هذه المعاني كلّها للعِصْمة ترجع إلى المعنى الأول الذي هو المنْع، فالحفظ منع للشَّيء من الوقوع في المكْروه أو المحظور، والقلادة تَمنع من سقوط الخرز منها، والحبْل يمنع من السُّقوط والتردِّي، والسَّبب يمنع صاحبه عمَّا يكره. العصمة اصطلاحًا: هي حفظ اللَّه لعبده من الوقوع في الذُّنوب والمعاصي، وارتكاب المنكرات والمحرَّمات. وقيل: هي ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها، وبعبارة أخرى: قوة من اللَّه -تعالى- في عبده تحمله على فعل الخير وتزجره عن الشر، مع بقاء الاختيار؛ تحقيقًا للابتلاء والامتحان. فالعصمة لا تزيل المحنة والتكليف (¬7). عصمة الأنبياء: هي ملكة تمنع عن الفجور، وتحصل بالعلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات، وتتأكد بتتابع الوحي إليهم بالأوامر الداعية إلى ¬
ما ينبغي، والنواهي الزاجرة عما لا ينبغي (¬1). قال ابن حجر: "وعصمة الأنبِياء -عليْهِم الصَّلاة والسَّلام-: حِفْظُهم من النقائص، وتَخصيصهم بالكمالات النفيسة، والنصرة والثَّبات في الأمور، وإنْزال السَّكينة. والفرق بينهم وبين غيرهم: أن العِصْمة في حقِّهم بطريق الوجوب، وفي حقِّ غيرهم بطريق الجواز" (¬2). وقال قوم: هي خاصية تكون في نفس الشخص أو في بدنه يمتنع بسببها صدور الذنب عنه. ويكذب هذا القول: أنه لو كان صدور الذنب ممتنعًا لما استحق المدح بتركه؛ إذ لا مدح ولا ثواب بترك ما هو ممتنع، لأنه ليس مقدورًا داخلًا تحت الاختيار. وأيضًا فالإجماع منعقد على أن الأنبياء مكلفون بترك الذنوب مثابون به، ولو كان الذنب ممتنعًا عنهم لما كان الأمر كذلك "إذ لا تكليف بترك الممتنع ولا ثواب عليه (¬3). وبهذا المعنى الاصطلاحي للعصمة اتفق علماء الأمة على أنه لا يُشترط أن يكون الإمام معصومًا. • من نقل الإجماع: أبو بكر الباقلاني (¬4) (403 هـ) قال: "ويدل على هذا -أي: عدم اشتراط عصمة الإمام- اعتراف الخلفاء الراشدين بأنهم غير ¬
معصومين، وترك إنكار الأمة أو واحد منهم تولى الأمر، مع اعترافهم بنفي العصمة عنهم" (¬1) الآمدي (631 هـ) قال: "الأمة من السلف أجمعت على صحة إمامة أبي بكر، وعمر، وعثمان، مع إجماعهم على أن العصمة لم تكن واجبة لهم" (¬2). نقله الوشتاني الأبي المالكي (827 هـ) (¬3) ابن تيمية (728 هـ) قال: "اتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصومًا فى كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- " (¬4) الإيجي (756 هـ) قال: "أن يكون -الإمام- معصومًا شرطها الإمامية والإسماعيلية، ويبطله أن أبا بكر لا تجب عصمته اتفاقًا" (¬5) زكريا الأنصاري (¬6) (926 هـ) قال: "ولا يشترط كونه. . . ولا معصومًا باتفاق من يعتد به" (¬7). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، والظاهرية (¬12). ¬
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة. • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬1). • وجه الدلالة: لم يأمر اللَّه -جل وعلا- بالرد عند التنازع إلا إلى اللَّه والرسول، ولو كان للناس معصوم غير الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لأمرهم بالرد إليه؛ فدل القرآن أن لا معصوم إلا الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). الدليل الثاني: قال اللَّه -تعالى-: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} (¬3)، وقال اللَّه -تعالى-: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (¬4). • وجه الدلالة: دل القرآن -في غير موضع- على أن من أطاع الرسول كان من أهل السعادة، ولم يشترط في ذلك طاعة معصوم آخر، ومن عصى الرسول كان من أهل الوعيد وإن قُدِّر أنه أطاع من ظن أنه معصوم، فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الذي فرَّق اللَّه به بين أهل الجنة وأهل النار، وبين الأبرار والفجار، وبين الحق والباطل، وبين الغي والرشاد، والهدى والضلال، وجعله القسيم الذي قسَّم اللَّه به عباده إلى شقي وسعيد، فمن اتبعه فهو السعيد، ومن خالفه فهو الشقي، وليست هذه المرتبة لغيره، فهو المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى (¬5). • ثانيًا: السنة: حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّمَا ¬
الطَّاعَةُ في المَعْرُوفِ" (¬1)، وفي رواية: "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّه" (¬2)، ومثله حديث عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا طَاعَة لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخالق" (¬3)، وحديثا أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّه فَلَا تُطِيعُوه" (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه -سبحانه وتعالى- لم يأمر بطاعة الأئمة مطلقًا، بل أمر بطاعتهم في طاعة اللَّه دون معصيته، وهذا يُبيّن أن الأئمة الذين أمر بطاعتهم في طاعة اللَّه ليسوا معصومين (¬5). • من خالف الإجماع: الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، فقد بالغوا في تقديس أئمتهم وقربوهم من مرتبة الرسل بإظهار المعجزة على أيديهم، والعصمة من الذنوب، وزعموا أن كل الأئمة معصومون عن الخطأ والنسيان، وعن اقتراف الكبائر والصغائر، وفرّقوا بين الرسل والأئمة في أن الرسل يوحى إليهم دون الأئمة. قال المجلسي: "اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة عليهم السّلام من الذّنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلًا، لا عمدًا ولا نسيانًا، ولا لخطأ في التّأويل، ولا للإسهاء من اللَّه سبحانه" (¬6). فأثبت للأئمة العصمة من جميع الأوجه المتصورة، من المعصية كلها الصغيرة والكبيرة، ومن الخطأ، ومن السهو والنسيان. ¬
[17/ 17] أن يكون الإمام قرشيا
فلا يُعتد بخلاف الشيعة الإمامية، وكيف يُعتد بخلافهم ولم يستقم لهم ثمة دليل واحد فيما زعموه؟ ! ! ! Rصحة الإجماع على أنه لا يشترط أن يكون الإمام معصومًا. [17/ 17] أن يكون الإمام قرشيًا • المراد بالمسألة: أن الإمامة العظمى مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد إجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم. • من نقل الإجماع: أبو منصور البغدادي (429 هـ) قال: "وحاصل الخبر وإجماع الصحابة دليلين على أن الخلافة لا تصلح لغير قريش، ولا اعتبار بخلاف من خالف الإجماع بعد حصوله" (¬1). ابن بطال (449 هـ) قال: "ومما يدل على كون الإمام قرشيًّا اتفاق الأمة في المصدر الأول وبعده من الأعصار على اعتبار ذلك في صفة الإمام قبل حدوث الخلاف في ذلك، فثبت أن الحق في اجتماعها وإبطال قول من خالفها" (¬2) الماوردي (450 هـ) قال في شروط الإمام: "أن يكون من قريش؛ لورود النص فيه، وانعقاد الإجماع عليه" (¬3) أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "فالشرط أن يكون الإمام قرشيًّا، ولم يخالف في اشتراط النسب غير ضرار بن عمرو (¬4)، وليس ممن يُعتبر خلافه ووفاقه" (¬5) القاضي عياض (544 هـ) قال: "الخلافة لقريش، وهو مذهب كافة المسلمين وجماعتهم" (¬6)، نقله النووي ¬
(676 هـ) (¬1) والعراقي (¬2) (806 هـ) (¬3) وابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬4) والشوكاني (1250 هـ) (¬5) الشهرستاني (548 هـ) قال: "الأمة أجمعت على أنها -أي: الإمامة- لا تصلح لغير قريش" (¬6) ابن قدامة (620 هـ) قال: "أجمع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على قتال مانعي الزكاة بعد الخلاف، وعلى أن الأئمة من قريش" (¬7) الآمدي (631 هـ) قال: "وأجمعوا على اشتراط القرشية، ولم يوجد له نكير، فصار إجماعًا مقطوعًا به" (¬8). نقله الوشتاني الأبي المالكي (827 هـ) (¬9) أبو العباس القرطبي (656 هـ) قال: "استقر أمر الخلافة والملك في قريش شرعًا ووجودًا. . . ولم يخالف فيه أحدٌ، وهو إجماع السَّلف والخلف" (¬10) التفتازاني (¬11) (793 هـ) قال: "واتفقت الأمة على اشتراط كونه -أي: الإمام- قرشيًّا" (¬12) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "لنا إجماع ¬
الصحابة على اعتبار النسب؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" (¬1) (¬2). ابن أمير الحاج (879 هـ) قال: "احتجاج أهل الإجماع على أن من شرط الإمام أن يكون قرشيًّا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من السنة: 1 - حديث معاوية -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ في قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ" (¬9). 2 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا يَزَالُ الأَمْرُ في قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ" (¬10). ¬
3 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ في هَذَا الشَّأْن، مُسْلِمُهُمْ تبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تبَعٌ لِكَافِرِهِمْ" (¬1). 4 - حديث أبي بكر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قُرَيْشٌ وُلاةُ هَذَا الأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ" (¬2). 5 - حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" (¬3). • وجه الدلالة: قال النووي: "هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرَّض بخلاف من غيرهم فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة" (¬4). • من خالف الإجماع: الخوارج (¬5)، وجمهور المعتزلة (¬6)، وبعض المرجئة، وقالوا: إن الإمامة جائزة في كل من قام بالكتاب والسنة قرشيًّا كان أو عربيًّا أو ¬
ابن عبد (¬1). وذهب ضرار بن عمرو الغطفاني إلى أن الإمامة تصلح في غير قريش حتى إذا اجتمع قرشي ونبطي قدمنا النبطي؛ إذ هو أقل عددا وأضعف وسيلة فيمكننا خلعه إذا خالف الشريعة (¬2). واستدلوا على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (¬3). • وجه الدلالة: أن معيار الأفضلية عند اللَّه بالتقوى لا بالنسب، فمن كان أتقى كان أكرم على اللَّه، فكان أولى بالإمامة (¬4). • ثانيًا: السنة: 1 - حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشي كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ" (¬5). 2 - حديث أم الحصين -رضي اللَّه عنه- أنها سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطب في حجة الوداع ويقول: "وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَاب اللَّه، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا" (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه قد أمر بطاعة رسوله فمن عصاه فقد عصى أمر اللَّه، وأن الرسول صلى اللَّه عليه وسلم قد أمر بطاعة الأمير، فمن عصاه فقد عصى اللَّه ورسوله. ولا خلاف في وجوب طاعة الأمراء فيما لا يخالف أمر اللَّه وما لم يأمر بمعصية (¬7). ¬
ونوقش: بأن ذلك محمول على غير الإمامة العظمى أو محمول على الحث في بذل الطاعة للإمام (¬1). قال الخطابي: "قد يُضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يصح منه الوجود، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسجِدًا وَلَوْ مَفْحَصَ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ له بَيْتًا في الجَنَّةِ" (¬2)، وقدر مفحص قطاة لا يكون مسجدًا لشخص آدمي" (¬3). وقال الشنقيطي: "فالجواب من أوجه: الأول: أنه قد يُضرب المثل بما لا يقع في الوجود، فإطلاق العبد الحبشي لأجل المبالغة في الأمر بالطاعة، وإن كان لا يُتصور شرعًا أن يلي ذلك. الوجه الثاني: أن المراد باستعمال العبد الحبشي أن يكون مؤمرًا من جهة الإمام الأعظم على بعض البلاد -وهو أظهرها- فليس هو الإمام الأعظم. الوجه الثالث: أن يكون أُطلق عليه اسم العبد نظرًا لاتصافه بذلك سابقًا، مع أنه وقت التولية حرٌّ، ونظيره إطلاق اليتم على البالغ باعتبار اتصافه به سابقًا في قول اللَّه -تعالى-: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} (¬4). وهذا كله فيما يكون بطريق الاختيار، أما لو تغلب عبدٌ حقيقة بالقوة فإن طاعته تجب؛ إخمادًا للفتنة، وصونًا للدماء، ما لم يأمر بمعصية" (¬5). 3 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يَخْرُجَ رَجُلٌ من قَحْطَان يَسُوقُ الناس بِعَصَاهُ" (¬6). ¬
4 - حديث ذي مِخْمَرٍ الحبشي -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كَانَ هَذَا الأمْرُ في حِمْيَرَ، فَنَزَعَهُ اللَّه- عَزَّ وَجَلَّ- منهم، فَجَعَلَهُ في قُرَيْشٍ، وسَيَعُودُ إِلَيْهِمْ" (¬1).Rصحة الإجماع على أن الإمامة العظمى مختصة بقريش. ¬
الفصل الثالث مسائل الإجماع في تسمية الإمام وكيفية اختياره
الفصل الثالث مسائل الإجماع في تسمية الإمام وكيفية اختياره [18/ 18] تسمية أبي بكر خليفة رسول اللَّه بعد وفاته -صلى اللَّه عليه وسلم- • المراد بالمسألة: اتفاق علماء الأمة على تسمية أبي بكر -رضي اللَّه عنه- خليفة رسول اللَّه، بعد وفاته -صلى اللَّه عليه وسلم-. • من نقل الإجماع: ابن أبي عاصم (¬1) (287 هـ) قال: "واتفق المسلمون على بيعته، وعلموا أن الصلاح فيها، فسموه: خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وخاطبوه بها" (¬2) أبو الحسن الأشعري (324 هـ) قال: "وقد أجمع هؤلاء الذين أثنى اللَّه عليهم ومدحهم على إمامة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- وسموه: خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬3) ابن حزم (456 هـ) قال: "إجماع الأمة حينئذ جميعًا على أن سموه خليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولو كانوا أرادوا ذلك أنه خليفة على الصلاة؛ لكان أبو بكر مستحقًا لهذا الاسم في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والأمة كلها مجمعة على أنه لم يستحق أبو بكر هذا الاسم في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنه إنما استحقه بعد موت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ ولي خلافته على الحقيقة" (¬4) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "وأجمعوا أن أبا بكر كان يكتب: من خليفة رسول اللَّه، في ¬
كتبه كلها" (¬1). ابن تيمية (728 هـ) قال: "اتفق هؤلاء الذين شهد اللَّه لهم بالصدق وجميع إخوانهم من الأنصار -رضي اللَّه عنهم- على أن سموه خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬2)، نقله الذهبي (¬3) (748 هـ) (¬4) الحافظ العراقي (806 هـ) قال: "رئيت الصحابة يوم مات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقضوا شيئًا من أمر دفنه وتجهيزه حتى أحكموا أمر البيعة، ونصبوا أبا بكر، وكانوا يسمونه خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- " (¬5) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: "إطباق الناس على تسمية أبي بكر خليفة رسول اللَّه" (¬6) العيني (855 هـ) قال: "أجمع المؤرخون وغيرهم على أنه يلقب خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حاشا ابن خالويه" (¬7) ابن حجر الهيتمي (¬8) (973 هـ) قال: "من شهد له اللَّه -سبحانه وتعالى- بالصدق لا يكذب، فلزم أن ما أطبقوا عليه من قولهم لأبي بكر: يا خليفة رسول اللَّه، صادقون فيه" (¬9). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما ورد من آثار عن الصحابة والتابعين رضي اللَّه عنهم: 1 - سُئل أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة (¬6): لم كان أبو بكر يكتب: من أبي بكر خليفة رسول اللَّه، ثم كان عمر يكتب بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر، مَنْ أول من كتب أمير المؤمنين؟ . . . " إلى آخر الأثر (¬7). 2 - كتب أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- إلى خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- وهو باليمامة: "من عبد اللَّه أبي بكر خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى خالد بن الوليد والذين معه من ¬
المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان. . . " (¬1). 3 - روي عن معاوية بن قرة (¬2) أنه قال: "ما كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يشكُّون أن أبا بكر خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما كانوا يسمونه إلا: خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما كانوا يجتمعون على خطأ أو ضلالة، وما كانوا يكتبون إلا: إلى أبي بكر خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما كان يكتب إلا: من أبي بكر خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فما زالوا كذلك حتى توفي" (¬3). 4 - روي عن سعيد بن المسيب (¬4) أن عمر بن الخطاب لَمَّا وليَّ الخلافة خطب الناس على منبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: ". . . ثم قمت ذلك المقام مع أبي بكر خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعده" (¬5). ¬
[19/ 19] أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أول من سمي أمير المؤمنين
• وجه الدلالة: أن أبا بكر رضى اللَّه عنه كان يُسمي نفسه في رسائله إلى الأمراء وغيرهم: خليفة رسول اللَّه، وهو ما اتفق عليه المسلمون في مناداته وكتاباتهم له.Rصحة الإجماع على تسمية أبي بكر -رضي اللَّه عنه- خليفة رسول اللَّه، بعد وفاته -صلى اللَّه عليه وسلم-. [19/ 19] أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أول من سمي أمير المؤمنين • المراد بالمسألة: اتفق علماء الأمة على أن أول من سُمِّي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: "أول من سُمِّي أمير المؤمنين: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم، وأما ما توهمه بعض الجهلة في مسيلمة (¬1) فخطأ صريح وجهل قبيح مخالف لإجماع العلماء، وكتبهم متظاهرة على نقل الاتفاق على أن أول من سُمِّي أمير المؤمنين: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-" (¬2) ابن خلدون (808 هـ) قال: "واتفق أن دعا بعض الصحابة عمر -رضي اللَّه عنه-: يا أمير المؤمنين، فاستحسنه الناس واستصوبوه ودعوه به. . . وذهب لقبًا له في الناس، وتوارثه الخلفاء من بعده" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، ¬
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما ورد من آثار عن الصحابة والتابعين رضي اللَّه عنهم: 1 - روي عن أبي بكر بن أبي حثمة عن جدته الشفاء (¬3) أن عاملين قدما من العراق إلى المدينة، فوجدا عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-، فقالا له: يا عمرو استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر، فوثب عمرو فدخل على عمر -رضي اللَّه عنهما- فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟ ! لتخرجن مما قلت، قال: نعم، قدم لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم فقالا لي: استأذن لنا على أمير المؤمنين، فقلت: أنتما واللَّه أصبتما اسمه، وإنه الأمير ونحن المؤمنون، فجرى الكتاب من ذلك اليوم (¬4). 2 - لما كان عام الرمادة وأجدبت الأرض، كتب عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- إلى عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- "من عبد اللَّه عمر أمير المؤمنين إلى العاص بن العاص: لعمري ما تنالي إذا سمنت ومن قبلك أن أعجف أنا ومن قبلي، ويا غوثاه" (¬5). 3 - جاء في وصية عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: "بِسْم اللَّه الرحمن الرَّحِيم، هذا ¬
[20/ 20] تحري الأفضل للإمامة
ما أَوْصَى بِهِ عبد اللَّه عُمَرُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ إن حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ: إن ثَمْغًا (¬1)، وَصِرْمَةَ ابنِ الْأَكْوَعِ (¬2)، وَالْعَبْدَ الذي فيه، وَالْمِائَةَ سَهْمٍ التي بِخَيْبَرَ، وَرَقِيقَهُ الذي فيه، وَالْمِائَةَ التي أَطْعَمَهُ مُحَمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- بِالْوَادِي، تَلِيهِ حَفْصَةُ ما عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْيِ من أَهْلِهَا. . . " (¬3). • وجه الدلالة: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- سمى نفسه في وصيته وفي رسائله إلى الأمراء وغيرهم: أمير المؤمنين، وهو ما اتفق عليه المسلمون في مناداته وكتاباتهم له.Rصحة الإجماع على أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أول من سُمي أمير المؤمنين. [20/ 20] تحري الأفضل للإمامة • المراد بالمسألة: الأفضل لغة: من الفضل وهو ضد النقص، والفضيلة: الدرجة الرفيعة، والتفاضل بين القوم: أن يكون بعضهم أفضل من بعض، ورجل فاضل: ذو فضل، ورجل مفضول: قد فضله غيره (¬4) الأفضل اصطلاحًا: هو الأصلح. قال أبو المعالي الجويني: فلو فرضنا مستجمعًا للشرائط، بالغًا في الورع الغاية القصوى، وقدرنا آخر أكفأ منه، وأهدى إلى طرق السياسة والرياسة، وإن لم يكن في الورع مثله، فالأكفأ أولى بالتقديم. ولو كان أحدهما أفقه، والثاني أعرف بتجنيد الجنود، وعقد الأولوية والبنود، وجر العساكر والمناقب، وترتيب المراتب والمناصب، فلينظر ذو الرأي إلى حكم الوقت، فإن كان إكناف خطة الإسلام إلى الاستقامة، ¬
والممالك منتفضة عن ذوي العرامة، ولكن ثارت بدع وأهواء، واضطربت مذاهب ومطالب وآراء، والحاجة ماسة إلى من يسوس الأمور الدينية أمس، فالأعلم أولى. وإن تصورت الأمور على الضد مما ذكرناه، ومست الحاجة إلى شهامة وصرامة، وبطَّاش يحمل الناس على الطاعة ولا يحاش، فالأشهم أولى بأن يُقدَّم" (¬1). وقد اتفق علماء الأمة على وجوب تحري الأصلح للقيام على الخلق بما يستصلحهم. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع العلماء أن الإمام يجب. . . أن يكون أفضل أهل وقته حالًا، وأجملهم خصالًا، إن قدر على ذلك" (¬2)، نقله ابن القطان (628 هـ) (¬3) القرطبي (671 هـ) قال: "لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق، ويجب أن يكون من أفضلهم في العلم" (¬4) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "إجماع الصحابة على تحرى الأفضل" (¬5) ابن عابدين (1252 هـ): "أما الخلافة وهي الإمامة الكبرى، فلا يجوز أن يتركوا الأفضل، وعليه إجماع الأمة" (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، ¬
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} (¬3). قال ابن كثير: "أي: أتم علمًا وقامة منكم، ومن هاهنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم، وشكل حسن، وقوة شديدة في بدنه ونفسه" (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه -جل وعلا- اختار لهم طالوت ملكًا، واختيار اللَّه هو الحجة القاطعة، ثم بين لهم وجهي الاصطفاء: الأول: أن اللَّه زاده بسطة في العلم، الذي هو ملاك الإنسان، ورأس الفضائل، وأعظم وجوه الترجيح. الثاني: وزاده بسطة في الجسم، الذي يظهر به الأثر في الحروب ونحوها. فكان قويًّا في دينه وبدنه، وذلك هو المعتبر (¬5). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)} (¬6). • وجه الدلالة: قال ابن تيمية: "الولاية لها ركنان: القوة والأمانة. . . فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها، فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة، والآخر أعظم قوة، قُدِّم أنفعهما لتلك الولاية، وأقلهما ضررًا فيها" (¬7). • ثانيًا: السنة: حديث عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬
[21/ 21] جواز عقد الإمامة للمفضول مع وجود الفاضل للمصلحة
"لَا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيهِمْ أبو بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ" (¬1). قال ملا علي القاري: "فإذا ثبت هذا فقد ثبت استحقاق الخلافة، ولا ينبغي أن يُجعل المفضول خليفة مع وجود الفاضل" (¬2). • وجه الدلالة: فيه دليل على فضله في الدين على جميع الصحابة، فكان تقديمه في الخلافة أيضًا أولى وأفضل (¬3).Rصحة الإجماع على وجوب تحري الأفضل للإمامة. [21/ 21] جواز عقد الإمامة للمفضول مع وجود الفاضل للمصلحة • المراد بالمسألة: انعقد إجماع الأمة من لدن صحابة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومن سار على هديهم من علماء الأمة على جواز عقد الإمامة للمفضول مع وجود الفاضل تحقيقا لمصلحة المسلمين. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "صح بما ذكرنا إجماع جميع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على جواز إمامة المفضول، ثم عبدهم عمر -رضي اللَّه عنه- ¬
إلى ستة رجال، ولا بد أن لبعضهم على بعض فضلًا، وقد أجمع أهل الإسلام حينئذٍ على أنه إن بويع أحدهم فهو الإمام الواجبة طاعته، وفي هذا إطباق منهم على جواز إمامة المفضول" (¬1) الجويني (478 هـ) قال: "إذا كانت الحاجة في مقتضى الإيالة تقتضي تقديم المفضول قُدِّم لا محالة؛ إذ الغرض من نصب الإمام استصلاح الأمة، فإذا كان في تقديم الفاضل اختباطها وفسادها، وفي تقديم المفضول ارتباطها وسدادها، تعين إيثار ما فيه صلاح الخليقة باتفاق أهل الحقيقة" (¬2) القرطبي (671 هـ) قال: "علم عمر رضى اللَّه عنه وسائر الأمة وقت الشورى بأن الستة فيهم فاضل ومفضول، وقد أجاز العقد لكل واحد منهم إذا أدى المصلحة إلى ذلك، واجتمعت كلمتهم عليه من غير إنكار أحد عليهم" (¬3) النووي (676 هـ) قال: "وفي جواز تولية المفضول خلاف مذكور في أدب القضاء فإن لم تتفق الكلمة إلا عليه جازت توليته بلا خلاف لتندفع الفتنة، ولو نشأ من هو أفضل من المفضول لم يعدل إلى الناشئ بلا خلاف" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من السنة وبعض الآثار عن الصحابة رضي اللَّه عنهم: ¬
• أولًا: السنة: الدليل الأول: حديث عبد اللَّه بن عُمَرَ -رضي اللَّه عنهما- قال: بَعَثَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْثًا، وَأَمَّرَ عليهم أُسَامَةَ بن زَيْدٍ، فَطَعَنِ بَعْضُ الناس في إِمَارَتِهِ، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن تَطْعُنُوا في إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُون في إِمَارَةِ أبيه من قَبْلُ، وَايْمُ اللَّه إن كان لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ" (¬1). • وجه الدلالة: قال النووي: "فيه جواز إمارة العتيق، وجواز تقديمه على العرب، وجواز تولية الصغير على الكبار، فقد كان أسامة صغيرًا جدًّا، توفي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ابن ثمان عشرة سنة وقيل: عشرين، وجواز تولية المفضول على الفاضل للمصلحة" (¬2). الدليل الثاني: حديث عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: ما بَعَثَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زَيْدَ بن حَارِثَةَ في جَيْشٍ قَطُّ إلا أَمَّرَهُ عليهم، وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَهُ لَاسْتَخْلَفَهُ" (¬3). • وجه الدلالة: أن حارثة -رضي اللَّه عنه- كان من موالي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي ذلك "جواز إمارة المولى، وجواز تولية المفضول على الفاضل للمصلحة" (¬4). • ثانيًا: الآثار: لما طُعن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، وعلم الصحابة أنه ميِّتٌ، "قَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ. قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوْ الرَّهْطِ، الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ" (¬5). • وجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- جعل الخلافة بين ستة من العشرة المبشرين ¬
بالجنة، منهم: عثمان وعلي -رضي اللَّه تعالى عنهما- وهما أفضل أهل زمانهما بعد عمر، فلو تعين الأفضل لعين عمر أفضلهما، فدل عدم تعيينه على جواز تعيين المفضول مع وجود الفاضل. قال ابن حجر: "والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يُراعي الأفضل في الدين فقط، بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة، مع اجتناب ما يخالف الشرع فيها، فلأجل هذا استخلف معاوية، والمغيرة بن شعبة، وعمرو ابن العاص، مع وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر الدين والعلم، كأبي الدرداء في الشام، وابن مسعود في الكوفة" (¬1). • من خالف الإجماع: أبو يعلى (¬2)، وطوائف من الأشاعرة (¬3)، ومن المعتزلة: كالنظام (¬4)، والجاحظ (¬5)، والخوارج (¬6)، وجميع الرافضة والشيعة (¬7). ¬
واستدلوا بأدلة من السنة، والآثار: • أولًا: السنة: 1 - حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عَشَرَةِ أَنْفُسٍ عَلِمَ أَنَّ فِي الْعَشَرَةِ أَفْضَلَ مِمَّنِ اسْتَعْمَلَ، فَقَدْ غَشَّ اللَّه وَرَسُولَهُ، وَغَشَّ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ" (¬1). 2 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ تَوَلَّى منِ أُمَرَاءِ المُسْلِمِينَ شيئًا فَاسْتَعْمَلَ عليهم رَجُلًا، وهو يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ من هو أَوْلَى بِذلِكَ وَأَعْلَمُ منه بِكِتَابِ اللَّه وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَقَدْ خَانَ اللَّه وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ المُؤْمِنِينَ" (¬2). • وجه الدلالة: أن من عدل عن الفاضل إلى المفضول فقد خان اللَّه ورسوله وجميع المسلمين، ولا خير في فعل هذه صفته. ونوقش: بأن الحديثين ضعيفان، فإن صحَّا فمحل ذلك ما إذا لم يقتض الحال والوقت خلافه، وإلا أنيط بالمصلحة، وعلى ذلك يُنزَّل تأمير المصطفى ¬
[22/ 22] أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينص على خليفته
-صلى اللَّه عليه وسلم- لعمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- على قوم فيهم أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما (¬1). • ثانيًا: الآثار: 1 - روي عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "لِيَعْلَمْ مَنْ وَلِيَ هَذَا الأَمْرَ مِنْ بَعْدِي أَنْ سَيُرِيدُهُ عَنْهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، إِنِّي لَأُقَاتِلُ النَّاسَ عَنْ نَفْسِي قِتَالًا، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ أَقْوَى عَلَيْهِ مِنِّي لَكُنْتُ أُقَدَّمُ فَتُضرَبُ عُنُقِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلِيَهِ" (¬2). 2 - وقال -رضي اللَّه عنه-: "إِنِّي لَأَتَحَرَّجُ أَنْ أَسْتَعْمِلَ الرَّجُلَ وَأَنَا أَجِدُ أَقْوَى مِنْهُ" (¬3). • وجه الدلالة: وجوب اختيار الأفضل للإمامة. ونوقش: بأنه حجة لأصحاب القول الآخر، ألا ترى أنه دعا إلى الأصلح للإمامة؟ قال ابن حجر: "والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يُراعي الأفضل في الدين فقط، بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة، مع اجتناب ما يخالف الشرع فيها، فلأجل هذا استخلف معاوية، والمغيرة بن شعبة، وعمرو ابن العاص، مع وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر الدين والعلم، كأبي الدرداء في الشام، وابن مسعود في الكوفة" (¬4).Rعدم صحة الإجماع، لوجود الخلاف. [22/ 22] أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينص على خليفته • المراد بالمسألة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينص على خليفته من بعده، لا على أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، ولا على غيره. • من نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) قال: "وأجمعوا على عقد البيعة ¬
لأبي بكر بآرائهم، ولم يدَّعِ أحد منهم نصًّا على أبي بكر ولا غيره، ولو كان هناك نص لما خفي عليهم، وهو معظم أمر دينهم، ودنياهم" (¬1) القاضي عياض (544 هـ) قال: "النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينص على خلافة أبى بكر، ولا على علي، ولا على العباس، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وأن عقد ولاية أبى بكر -رضي اللَّه عنه- بالاختيار والإجماع لا بالنص" (¬2). أبو العباس القرطبي (656 هـ) قال: "لم ينص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على خليفة، لا على أبي بكر، ولا على غيره، وهذا هو مذهب جماعة من أهل السنة، والصحابة، ومن بعدهم. . . وكل من ذكر له خلاف في هذه المسألة لا يُعتد بخلافه. . . والمسألة إجماعية قطعية" (¬3) نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬4) النووي (676 هـ) قال: "النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينص على خليفة، وهو إجماع أهل السنة وغيرهم" (¬5)، نقله الحافظ العراقي (806 هـ) (¬6) والمباركفوري (1353 هـ) (¬7). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11). ¬
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما ثبت من آثار عن الصحابة رضي اللَّه عنهم: 1 - قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في وصف مبايعة المسلمين لأبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- في سقيفة بني ساعدة: ". . . إِنَّا وَاللَّه مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ، فَيَكُونُ فَسَادٌ" (¬1). 2 - وقال -رضي اللَّه عنه- في خطبته حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْم تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثَانِيَ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى المُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ"، قال أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: "وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ" (¬2). • وجه الدلالة: قال أبو العباس القرطبي: "اختلفوا في ذلك يوم السَّقيفة، وقال كل واحد منهم ما عنده في ذلك من النظر، ولم ينقل منهم أحدٌ نصًّا على رجل بعينه، ولو كان عندهم نصٌّ لاستحال السكوت عليه في مثل ذلك الوقت العظيم، والخطب المهم الجسيم، والحاجة الفادحة، مع عدم التقية والتواطُؤ من ذلك الجمع على الكتمان" (¬3). ونوقش: بعدم مبايعة علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام -رضي اللَّه عنهما- لأبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-. وأجيب بما يلي: 1 - روي عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: ". . . فلما قعد أبو بكر على المنبر، نظر في وجوه القوم، فلم ير عليًّا، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وختنه، أردت أن تشق عصا ¬
المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبايعه، ثم لم ير الزبير بن العوام، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فبايعاه" (¬1). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "وفيه فائدة جليلة: وهي مبايعة علي بن أبي طالب، إما في أول يوم، أو في اليوم الثاني من الوفاة، وهذا حق، فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه، وخرج معه إلى ذي القصة لما خرج الصديق شاهرًا سيفه يريد قتال أهل الردة" (¬2). 2 - ثبت في الصحيح عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: ". . . فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ صَلَاةَ الظُّهْرِ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ، وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِي وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ بالذي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الذي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِى بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارًا للذي فَضَّلَهُ اللَّه بِهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لنَا في الأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا بِهِ، فَوَجَدْنَا في أَنْفُسِنَا. فَسُرَّ بذَلِكَ المُسْلِمُونَ وَقَالُوا أَصبْتَ. فَكَانَ المُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الأَمْرَ المَعْرُوفَ" (¬3). ¬
• وجه الدلالة: ولو كان عندهم نصٌّ لاستحال السكوت عليه في مثل ذلك الوقت العظيم، والخطب المهم الجسيم، والحاجة الفادحة، مع عدم التقية -والتواطُؤ من ذلك الجمع على الكتمان (¬1). 3 - ثبت في الصحيح أن عائشة -رضي اللَّه عنها- "سُئلت: من كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُسْتَخْلِفًا لو اسْتَخْلَفَهُ؟ قالت: أبو بَكْرٍ، فَقِيلَ لها: ثُمَّ من بَعْدَ أبي بَكْرٍ؟ قالت: عُمَرُ، ثُمَّ قِيلَ لها: من بَعْدَ عُمَرَ؟ قالت: أبو عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ. ثُمَّ انْتَهَتْ إلى هذا" (¬2). • وجه الدلالة: قال النووي: "فيه دلالة لأهل السنة أن خلافة أبي بكر ليست بنص من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على خلافته صريحًا، بل أجمعت الصحابة على عقد الخلافة له وتقديمه لفضيلته، ولو كان هناك نص عليه أو على غيره لم تقع المنازعة من الأنصار وغيرهم أولًا، ولذكر حافظ النص ما معه، ولرجعوا إليه، لكن تنازعوا أولًا، ولم يكن هناك نص، ثم اتفقوا على أبي بكر واستقر الأمر" (¬3). • من خالف الإجماع: وبصدد النص على أبي بكر -رضي اللَّه عنه- فهما قسمان: الأول: من قال بالنص الخفي والإشارة على أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، وبه قال الحسن البصري (¬4)، وجماعة من أهل الحديث (¬5)، وهو رواية عن الإمام أحمد (¬6). ¬
واستدلوا بأدلة، منها: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: لما مَرِضَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَأُذِّنَ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: "إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- منْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنْ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ (¬1). • وجه الدلالة: قال ابن حجر: "وإن كان في التنصيص على إمامة أبي بكر فى مرضه إشارة إلى أنه أحق بالخلافة، فهو بطريق الاستنباط لا النص" (¬2). 2 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصبٌ رَأْسَهُ بخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمِّ قَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ مِن النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافةَ، وَلَوْ كنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ" (¬3). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "وهذا قاله في آخر حياته -صلى اللَّه عليه وسلم-، علمًا منه أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- سيلي الأمر بعده، ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيرًا للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين، فأمر بسد الأبواب الشارعة إلى ¬
المسجد إلا بابه -رضي اللَّه عنه-" (¬1). الثاني: من قال بالنص الجلي على خلافة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-، وهو قول جماعة من أهل الحديث (¬2)، وبه قال ابن حزم (¬3)، وابن حجر الهيتمي (¬4). واستدلوا -فوق الأدلة المتقدمة- بأدلة أخرى، منها: 1 - حديث جبير بن مطعم -رضي اللَّه عنه- قال: أَتَتْ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- امْرَأَةٌ، فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ -كَأَنَّهَا تُرِيدُ المَوْتَ- قَالَ: "إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ" (¬5). 2 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في مرضه الذي توفي فيه: "لَقَدْ هَمَمْتُ -أَوْ أَرَدْتُ- أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ، فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبِى اللَّه وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّه وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ" (¬6). وفي رواية: قالت -رضي اللَّه عنها-: قَالَ لي رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مَرَضِهِ: "ادْعِي لي أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كتَابًا، فإني أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى. وَيَأْبَى اللَّه وَالمُؤْمِنونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ" (¬7). ¬
قال ابن حزم: "وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر" (¬1). وقال ابن تيمية: "التحقيق أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دلَّ المسلمين على استخلاف أبي بكر، وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله، وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك حامد له، وعزم على أن يكتب بذلك عهدًا، ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه، فترك الكتاب اكتفاء بذلك. . . فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبينه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيانًا قاطعًا للعذر، ولكن لما دلَّهم دلالات متعددة على أن أبا بكر هو المتعين، وفهموا ذلك، حصل المقصود" (¬2). وبصدد النص على غير أبي بكر -رضي اللَّه عنه-: قال ابن الراوندي (¬3): نص على العباس -رضي اللَّه عنه- (¬4). وقالت الشيعة والرافضة: نص على علي -رضي اللَّه عنه- (¬5). ونوقش ذلك: بأن هذه دعاوى باطلة، وجسارة على الافتراء، ووقاحة في مكابرة الحس؛ لأن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أجمعوا على اختيار أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، وعلى تنفيذ عهده إلى عمر -رضي اللَّه عنه-، وعلى تنفيذ عهد عمر بالشورى، ولم ¬
[23/ 23] تعيين الإمام يكون بالبيعة
يخالف في شيء من هذا أحد، ولم يدَّعِ علي ولا العباس ولا أبو بكر وصية في وقت من الأوقات، وقد اتفق علي والعباس على جميع هذا من غير ضرورة مانعة من ذكر وصية لو كانت، فمن زعم أنه كان لأحد منهم وصية فقد نسب الأمة إلى اجتماعها على الخطأ واستمرارها عليه، وكيف يحل لأحد من أهل القبلة أن ينسب الصحابة إلى المواطأة على الباطل في كل هذه الأحوال، ولو كان شيء لنُقِل، فإنه من الأمور المهمة (¬1). قال النووي: "أما ما تدعيه الشيعة من النص على علي والوصية إليه فباطل لا أصل له باتفاق المسلمين، والاتفاق على بطلان دعواهم من زمن علي، وأول من كذبهم علي -رضي اللَّه عنه- بقوله: "ما عندنا إلا ما في هذه الصحيفة. . . " (¬2) الحديث، ولو كان عنده نص لذكره، ولم يُنقل أنه ذكره في يوم من الأيام، ولا أن أحدًا ذكره له، واللَّه أعلم" (¬3).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [23/ 23] تعيين الإمام يكون بالبيعة • المراد بالمسألة: البيعة لغة: من البيع، وهي: الصفقة من صفقات البيع، يُقال: بايعه مبايعة وبياعًا: عارضه بالبيع، فهي: معاهدة ومعاقدة، كل من طرفيها باع ما عنده لصاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره (¬4). البيعة اصطلاحًا: هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، وصارت البيعة تقترن بالمصافحة بالأيدي، هذا مدلولها حيثما ورد ¬
هذا اللفظ، ومنه: بيعة الرضوان يوم الحديبية، وبيعة الخلفاء (¬1). وقد اتفق علماء الأمة على أن تعيين الإمام باختيار أهل الحل والعقد، ثم مبايعته من قبلهم، ومن قبل الأمة. • من نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) قال: "وأجمعوا على عقد البيعة لأبي بكر -رضي اللَّه عنه- " (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: "فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته" (¬3) النووي (676 هـ) قال: "وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل، والعقد لإنسان إذا لم يستخلف الخليفة" (¬4)، نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬5)، والعيني (855 هـ) (¬6)، والشوكاني (1250 هـ) (¬7) والعظيم آبادي (بعد 1310 هـ) (¬8)، والمباركفوري (1353 هـ) (¬9) الحافظ العراقي (806 هـ) قال: "انعقد الإجماع على أن الخليفة يجوز له الاستخلاف وتركه، وعلى انعقاد الخلافة، بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل، والعقد لإنسان إذا لم يستخلفه الخليفة" (¬10). الإيجي (756 هـ) قال: "وتثبت -الإمامة-أيضًا ببيعة أهل الحل والعقد، عند أهل السنة والجماعة، والمعتزلة، والصالحية من الزيدية، خلافًا للشيعة، أي: لأكثرهم، فإنهم قالوا: لا طريق إلا النص" (¬11). ¬
من وافق على الإجماع؛ الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما ثبت من آثار عن الصحابة رضي اللَّه عنهم: 1 - قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في وصف مبايعة المسلمين لأبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- في سقيفة بني ساعدة: ". . . إِنَّا وَاللَّه مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ، فَيَكُونُ فَسَادٌ" (¬6). 2 - وقال -رضي اللَّه عنه- في خطبته حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْم تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثَانِيَ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى المُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ"، قال أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- "وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ" (¬7). 3 - روي عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: ". . . فلما قعد أبو بكر على المنبر، نظر في وجوه القوم، فلم ير عليًّا، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وختنه، أردت أن تشق عصا ¬
[24/ 24] لا يشترط مبايعة كل الناس للإمام
المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبايعه، ثم لم ير الزبير بن العوام، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبايعاه" (¬1). • وجه الدلالة: انعقاد الخلافة لأبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- بالبيعة. • من خالف الإجماع: قال ابن الراوندي: نص على العباس -رضي اللَّه عنه-، وقالت الشيعة والرافضة: نص على علي -رضي اللَّه عنه- (¬2). ونوقش ذلك: بأن هذه دعاوى باطلة، وجسارة على الافتراء، ووقاحة في مكابرة الحس؛ لأن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أجمعوا على اختيار أبي بكر -رضي اللَّه عنه- (¬3).Rصحة الإجماع أن تعيين الإمام يكون بالبيعة. [24/ 24] لا يشترط مبايعة كل الناس للإمام • المراد بالمسألة: أنه لا يُشترط في تعيين الإمام أن يبايعه كل الناس. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "صح إجماعهم على أن الإمامة تنعقد بواحد" (¬4) النووي (676 هـ) قال: "أما البيعة، فقد اتفق العلماء على أنه لا يُشترط لصحتها مبايعة كل الناس، ولا كل أهل الحل والعقد" (¬5) الإيجي (756 هـ) قال: "الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف؛ لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك، كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان، ولم يشترطوا اجتماع من في المدينة، فضلًا عن إجماع الأمة، هذا ولم ينكر عليهم أحد، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا ¬
هذا" (¬1). الشوكاني (1250 هـ) قال: "ليس من شرط ثبوت الإمامة أن يبايعه كل من يصلح للمبايعة، ولا من شرط الطاعة على الرجل أن يكون من جملة المبايعين، فإن هذا الاشتراط في الأمرين مردود بإجماع المسلمين، أولهم وآخرهم، سابقهم ولاحقهم" (¬2). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما ثبت من آثار عن الصحابة رضي اللَّه عنهم: 1 - قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في وصف مبايعة المسلمين لأبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- في سقيفة بني ساعدة: ". . . فقلت: ابْسُطْ يَدَكَ يا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَتْهُ الْأَنْصَارُ. . . وَإِنَّا واللَّه مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ، فَيَكُونُ فَسَادٌ" (¬8). 2 - وقال -رضي اللَّه عنه- في خطبته حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْم تُوُفِّيَ ¬
النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثَانِيَ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى المُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ"، قال أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: "وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ" (¬1). • وجه الدلالة: أن بيعة أبي بكر -رضي اللَّه عنه- انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثم تابعهم الناس فيها، وهم: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وأسيد بن حضير، وبشر بن سعد، وسالم مولى أبي حذيفة، رضي اللَّه عنهم (¬2). 3 - جعل عمر -رضي اللَّه عنه- الخلافة بين ستة من العشرة المبشرين بالجنة، فقال لهم عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه-: "لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ على هذا الْأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إن شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ". فَجَعَلُوا ذلك إلى عبد الرحمن. . . فَأَرْسَلَ إلى من كان حَاضِرًا من المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إلى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مع عُمَرَ، فلما اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عبد الرحمن، ثُمَّ قال: "أَمَّا بَعْدُ يا عَلِيُّ، إني قد نَظَرْتُ في أَمْرِ الناس، فلم أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فلا تَجْعَلَنَّ على نَفْسِكَ سَبِيلًا"، فقال -لعثمان رضى اللَّه عنه-: "أُبَايِعُكَ على سُنَّةِ اللَّه وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ من بَعْدِهِ"، فَبَايَعَهُ عبد الرحمن، وَبَايَعَهُ الناس المُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالمُسْلِمُونَ (¬3). • وجه الدلالة: أن أولئك الخمسة -رضي اللَّه عنهم- قد تبرؤوا من الاختيار، وجعلوه إلى واحد منهم يختار لهم وللمسلمين من رآه أهلًا للإمامة، وهو عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه-، وما أنكر ذلك أحد من الصحابة الحاضرين، ولا الغائبين إذ بلغهم ذلك (¬4).Rصحة الإجماع على أنه لا يُشترط مبايعة كل الناس للإمام. ¬
[25/ 25] لا يشترط إجماع كل أهل الحل والعقد على بيعة الإمام
[25/ 25] لا يشترط إجماع كل أهل الحل والعقد على بيعة الإمام • المراد بالمسألة: أنه لا يشترط اتفاق أهل الحل والعقد كلهم على بيعة الإمام. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "صح إجماعهم على أن الإمامة تنعقد بواحد" (¬1) النووي (676 هـ) قال: "أما البيعة، فقد اتفق العلماء على أنه لا يُشترط لصحتها مبايعة كل الناس، ولا كل أهل الحل والعقد" (¬2) الإيجي (756 هـ) قال: "الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف؛ لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك، كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان، ولم يشترطوا اجتماع من في المدينة، فضلًا عن إجماع الأمة، هذا ولم ينكر عليهم أحد، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا" (¬3). الشوكاني (1250 هـ) قال: "ليس من شرط ثبوت الإمامة أن يبايعه كل من يصلح للمبايعة، ولا من شرط الطاعة على الرجل أن يكون من جملة المبايعين، فإن هذا الاشتراط في الأمرين مردود بإجماع المسلمين، أولهم وآخرهم، سابقهم ولاحقهم" (¬4). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، وخلاف الأصح عند الشافعية (¬7)، ورواية عن أحمد (¬8)، والظاهرية (¬9). ¬
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما ثبت من آثار عن الصحابة رضي اللَّه عنهم: 1 - قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في وصف مبايعة المسلمين لأبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- في سقيفة بني ساعدة: ". . . فقلت: ابْسُطْ يَدَكَ يا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَتْهُ الْأَنْصَارُ وَنَزَوْنَا (¬1) عَلَى سَعْدِ بْن عُبَادَةَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ (¬2). فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ (¬3). قَالَ عُمَرُ: وَإِنَّا واللَّه مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ، فَيَكُونُ فَسَادٌ" (¬4). 2 - وقال -رضي اللَّه عنه- في خطبته حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْم تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثانِيَ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى المُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ"، قال أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: "وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ" (¬5). • وجه الدلالة: عدم إجماع أهل الحل والعقد على اختيار أبي بكر -رضي اللَّه عنه- كسعد بن عبادة، وإن تم الإجماع على بيعته نهاية. 3 - جعل عمر -رضي اللَّه عنه- الخلافة بين ستة من العشرة المبشرين بالجنة، فقال لهم عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه-: "لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ على هذا الْأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إن شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ". فَجَعَلُوا ذلك إلى عبد الرحمن. . . فَأَرْسَلَ إلى من كان ¬
حَاضِرًا من المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إلى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مع عُمَرَ، فلما اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عبد الرحمن، ثُمَّ قال: "أَمَّا بَعْدُ يا عَلِيُّ، إني قد نَظَرْتُ في أَمْرِ الناس، فلم أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فلا تَجْعَلَنَّ على نَفْسِكَ سَبِيلًا"، فقال -لعثمان -رضي اللَّه عنه-: "أُبَايِعُكَ على سُنَّةِ اللَّه وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ من بَعْدِهِ"، فَبَايَعَهُ عبد الرحمن، وَبَايَعَهُ الناس المُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالمُسْلِمُونَ (¬1). • وجه الدلالة: أن أولئك الخمسة -رضي اللَّه عنهم- قد تبرؤوا من الاختيار، وجعلوه إلى واحد منهم يختار لهم وللمسلمين من رآه أهلًا للإمامة، وهو عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه-، وما أنكر ذلك أحد من الصحابة الحاضرين، ولا الغائبين إذ بلغهم ذلك (¬2). • من خالف الإجماع: الطائفة الأولى: الأصم من المعتزلة (¬3)، ورواية عن الإمام أحمد (¬4)، قالوا بإجماع الأمة كلها على من اختير من قبل أهل الحل والعقد. ونوقش: بأنه لا يلتفت إلى إجماع الدهماء، فإن ذلك لا يصح؛ لأن طبقة الدهماء لابد أن تكون مقلدة لفئة منها تؤثر عليها بالدعاية والضجيج، فلا تستطيع أن تحكم في أناة وتعقل لتختار الإمام العادل، ومن ثم فإن أهل الحل والعقد -وهم الطليعة الواعية، والفئة المستنيرة من أهل الاجتهاد من الأمة- هم الجديرون باختيار الإمام؛ لأنهم سيحملون وزره إذا لم يتحروا في اختياره الصواب، وسيكونون شركاءه في مآثمه ومظالمه (¬5). ¬
الطائفة الثانية: اشترطت إجماع أهل الحل والعقد، كالقاضي أبي يعلى (¬1)، وابن خلدون (¬2). ونوقش: 1 - بأنه تكليف ما لا يُطاق، وما ليس في الوسع، وما هو أعظم الحرج، واللَّه -تعالى- يقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬3)، ويقول -جل وعلا-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬4) (¬5). 2 - وبما حدث في سقيفة بني ساعدة؛ إذ لم يك إلا بعض أهل الحل والعقد الذين بايعوا أبا بكر -رضي اللَّه عنه-. 3 - وأن قياس ذلك على الإجماع لا محل له، ألا ترى أنه قياس مع الفارق؟ الطائفة الثالثة: استلزمت عددًا محددًا لأهل الحل والعقد، وإن اختلفوا فيه (¬6): 1 - فمن قائل بالأربعين؛ لأن عقد الإمامة فوق عقد الجمعة، ولا تنعقد بأقل من أربعين. 2 - ومن قائل بخمسة؛ لأن عمر -رضي اللَّه عنه- قد جعلها شورى في ستة، وهو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة، كما قال الماوردي. 3 - وقائل بأربعة؛ قياسًا على أكثر نصاب الشهود. 4 - وقول بثلاثة؛ لأنهم جماعة لا تجوز مخالفتهم. ¬
5 - وقول باثنين؛ لأن الاثنين أقلّ الجمع، وليكونا حاكمًا وشاهدين، كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين، وعزاه الماوردي لعلماء الكوفة. 6 - ومن قائل بواحد؛ لأن العباس قال لعلي -رضي اللَّه عنهما-: "امدد يدك أبايعك، فيقول الناس: عم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بايع ابن عمه، فلا يختلف عليك اثنان" (¬1). ولأن عمر لما بايع أبا بكر -رضي اللَّه عنهما- تبعه الصحابة على ذلك ووافقوه، ولأنه حُكْمٌ، وحكم واحد نافذ، وبه قال أبو الحسن الأشعري (¬2)، والإيجي (¬3)، والغزالي (¬4)، وإمام الحرمين (¬5)، شريطة -عند الأخيرين- أن يكون ذا شوكة، وإلا فلا، والقرطبي (¬6)، وعند جمهور الشافعية (¬7)، أنها تنعقد بمن تيسر حضوره وقت المبايعة من العلماء، والرؤساء، وسائر وجوه الناس، المتصفين بصفات الشهود، ولو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفى؛ لأن الأمر إذا لم يكن صادرًا عن رأي من له تقدم في الوضع وقول مقبول، لم تؤمن إثارة فتنة. ونوقشت هذه الأقوال: 1 - بأنه لا يجوز قياس عدد أهل الحل والعقد على عدد من تصح بهم الجمعة، أو الشهود، أو النكاح، أو غيرها؛ لأنه قياس مع الفارق، وليس قول أي طائفة منها أولى من القول الآخر، ثم كيف يُترك مصير الأمة لواحد أو اثنين ¬
أو مجموعة صغيرة بعد تغير العصور وفساد الناس؟ (¬1) 2 - أما الاستناد لبيعة أبي بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما- فمردود بأنها تمت بمبايعة كبار المهاجرين والأنصار، ولو قُدِّر أن عمر وطائفة معه بايعوا أبا بكر، وامتنع الصحابة عن البيعة، لم يصر إمامًا بذلك، وإنما صار إمامًا بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة (¬2). 3 - وكذلك في بيعة عثمان -رضي اللَّه عنه-، لم يصر إمامًا باختيار بعضهم -أي بعض الستة- بل بمبايعة الناس له، وجميع المسلمين بايعوا عثمان، لم يتخلف عن بيعته أحد (¬3). 4 - أما الاستناد على صحة بيعة الواحد بمبادرة عمر في بيعة أبي بكر، ومتابعة الصحابة له، فغير صحيح، ألا ترى أن أحدًا لا تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر؟ فهم بالأحرى موافقون على فعل عمر، وإلا أليس عمر القائل: "من بَايَعَ رَجُلًا من غَيْرِ مَشُورَةٍ من المُسْلِمِينَ، فَلَا يُتَابَعَ هُو وَلا الَّذِي تَابَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا" (¬4)؟ وكونه هو السابق إلى البيعة، فلا بد في كل بيعة من سابق (¬5). 5 - أما الزعم بأن العباس قال لعلي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنهما- بعد موت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "امدد يدك أبايعك"، فهي من التُّرَّهات التي لا دليل عليها، ولم تصح. وفي الجملة: فإن القول بعقدها بواحد من النوادر التي لا حكم لها. والراجح من هذه الأقوال واللَّه أعلم هو قول الطائفة الثالثة والذي استلزم التقييد بعدد محدد من أهل الحل والعقد، أمَّا تحديد العدد فيجب أن يصار فيه إلى ما تقتضيه ضرورة كل عصر ومصر.Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. ¬
[26/ 26] إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-
[26/ 26] إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- • المراد بالمسألة: الاتفاق على خلافة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-. • من نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) قال: "اختلفوا بعد وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أمر الإمامة، فقالت الأنصار: (منا أمير ومنكم أمير)، ثم أجمعوا على بيعة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-، فانحسم ذلك الخلاف، وصح الإجماع" (¬1) القاضي عياض (544 هـ) قال: "عقد ولاية أبى بكر -رضي اللَّه عنه- بالاختيار والإجماع" (¬2) ابن قدامة (620 هـ) قال: "فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته" (¬3) القرطبي (671 هـ) قال: "الإجماع قد انعقد على إمامة أبي بكر" (¬4)، نقله الشنقيطي (1393 هـ) (¬5) النووي (676 هـ) قال: "الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أجمعوا على اختيار أبي بكر" (¬6)، نقله الحافظ العراقي (806 هـ) (¬7) وملا علي القاري (1014 هـ) (¬8) والمباركفوري (1353 هـ) (¬9) ابن كثير (774 هـ) قال: "بايعه في المسجد جماعة من الصحابة، ووقعت شبهة لبعض الأنصار، وقام في أذهان بعضهم جواز استخلاف خليفة من الأنصار، وتوسط بعضهم بين أن يكون أمير من المهاجرين وأمير من الأنصار، حتى بين لهم الصديق أن الخلافة لا تكون إلا في قريش، فرجعوا إليه وأجمعوا عليه" (¬10) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: "إطباق الصحابة على متابعة أبي بكر -رضي اللَّه عنه- " (¬11) ابن حجر ¬
الهيتمي (973 هـ) قال: "إجماعهم على خلافته قاض بإجماعهم على أنه أهل لها" (¬1) البهوتي (1051 هـ) قال: "ويثبت نصب الإمام بإجماع المسلمين عليه، كإمامة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- " (¬2). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من السنة، والآثار الواردة عن الصحابة رضي اللَّه عنهم: • أولًا: السنة: الدليل الأول: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: لما مَرِضَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَأُذِّنَ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: "إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنْ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ (¬8). • وجه الدلالة: فيه إشارة إلى أنه أحق بالخلافة (¬9). ¬
الدليل الثانى: حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبٌ رَأسَهُ بخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ" (¬1). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "وهذا قاله في آخر حياته -صلى اللَّه عليه وسلم-، علمًا منه أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- سيلي الأمر بعده، ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيرًا للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين، فأمر بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا بابه -رضي اللَّه عنه-" (¬2). الدليل الثالث: حديث جبير بن مطعم -رضي اللَّه عنه- قال: أَتَتْ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- امْرَأَةٌ، فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ -كَأَنَّهَا تُرِيدُ المَوْتَ- قَالَ: "إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ" (¬3). الدليل الرابع: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في مرضه الذي توفي فيه: "لَقَدْ هَمَمْتُ -أَوْ أَرَدْتُ- أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ، فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّه وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّه وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ" (¬4) وفي رواية: قالت -رضي اللَّه عنها-: قَالَ لي رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مَرَضِهِ: "ادْعِي لي أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كتَابًا، فإني أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى. وَيَأْبَى اللَّه وَالمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ" (¬5). قال ابن تيمية: "النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دلَّ المسلمين على استخلاف أبي بكر، وأرشدهم ¬
إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله، وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك حامد له، وعزم على أن يكتب بذلك عهدًا، ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه، فترك الكتاب اكتفاء بذلك" (¬1). • ثانيًا: الآثار: الدليل الأول: روي عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: ". . . فلما قعد أبو بكر على المنبر، نظر في وجوه القوم، فلم ير عليًّا، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وختنه، أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبايعه، ثم لم ير الزبير بن العوام، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبايعاه" (¬2). • وجه الدلالة: إجماع الصحابة على اختيار أبي بكر -رضي اللَّه عنه- خليفة للمسلمين. الدليل الثاني: ثبت في الصحيح عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: ". . . فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ صَلَاةَ الظُّهْرِ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ، وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ بالذي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الذي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِى بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارًا للذي فَضَّلَهُ اللَّه بِهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا في الأَمْرِ نَصيبًا فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا بِهِ، فَوَجَدْنَا في أَنْفُسِنَا. فَسُرَّ بِذَلِكَ المُسْلِمُونَ وَقَالُوا أَصَبْتَ. فَكَانَ المُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الأَمْرَ المَعْرُوفَ" (¬3). • وجه الدلالة: قال النووي: "في هذا الحديث بيان صحة خلافة أبي بكر، وانعقاد الإجماع عليها" (¬4). • من خالف الإجماع: زعم ابن الراوندي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نص على العباس ¬
[27/ 27] جعل الإمامة بالشورى بين الجماعة
-رضي اللَّه عنه- (¬1)، وزعمت الشيعة والرافضة أنه نص على علي -رضي اللَّه عنه-، وادعوا أنه كان إمامًا زمن خلافة أبي بكر -رضي اللَّه عنه- (¬2). ونوقش ذلك: بأن هذه دعاوى باطلة، وجسارة على الافتراء، ووقاحة في مكابرة الحس؛ لأن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أجمعوا على اختيار أبي بكر -رضي اللَّه عنه- (¬3). قال النووي: "أما ما تدعيه الشيعة من النص على علي والوصية إليه فباطل لا أصل له باتفاق المسلمين، والاتفاق على بطلان دعواهم من زمن علي، وأول من كذبهم علي -رضي اللَّه عنه- بقوله: "ما عندنا إلا ما في هذه الصحيفة. . . " (¬4) الحديث، ولو كان عنده نص لذكره، ولم يُنقل أنه ذكره في يوم من الأيام، ولا أن أحدًا ذكره له، واللَّه أعلم" (¬5).Rصحة الإجماع على خلافة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-. [27/ 27] جعل الإمامة بالشورى بين الجماعة • المراد بالمسألة: الشورى لغة: فُعْلَى من: شار يشور شورًا، إذا عرض الأمر على الخيرة حتى يعلم المراد منه. فالشين والواو والراء أصلان مطردان: الأول: إبداء شيء وإظهاره وعرضه، ومنه قولهم: شرت الدابة شورًا، إذا عرضتها، وشاورت فلانًا في أمري: عرضته عليه. والثاني: أخذ شيء، ومنه قولهم: شرت العسل أشوره، إذا استخرجته واجتنيته، وشاورت فلانًا في أمري، أخذت رأيه (¬6). الشورى اصطلاحًا: هي الاجتماع على الأمر؛ ليستشير كل واحد منهم ¬
صاحبه، ويستخرج ما عنده (¬1) وقد اتفقت الأمة على أن اختيار الإمام يكون بالشورى بين الجماعة جائز. • من نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) قال: "لو كان هناك نص على رجل بعينه لما أجمعت الصحابة على جواز الشورى؛ لأن الشورى لا تجوز فيما يكون فيه نص من الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . والشورى إنما هي الإجماع على الرأي، وتولية من يرون ذلك له" (¬2) القاضي عياض (544 هـ) قال: "وإجماع الصحابة على الاختيار بعد موت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعلى تنفيذ عهد أبي بكر لعمر، وتنفيذ شورى عمر في الستة" (¬3) النووي (676 هـ) قال: "أجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة كما فعل عمر بالستة" (¬4)، نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬5) والعيني (855 هـ) (¬6) الشوكاني (1250 هـ) (¬7). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، والظاهرية (¬12). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة، والآثار: ¬
• أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (¬1). وقول اللَّه -تعالى-: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن العربي: "مدح اللَّه المشاور في الأمور، ومدح القوم الذين يمتثلون ذلك، وقد كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يشاور أصحابه في الأمور المتعلقة بمصالح الحروب، وذلك في الآثار كثير، ولم يشاورهم في الأحكام؛ لأنها منزلة من عند اللَّه على جميع الأقسام: من الفرض، والندب، والمكروه، والمباح، والحرام. فأما الصحابة بعد استئثار اللَّه به علينا فكانوا يتشاورون في الأحكام، ويستنبطونها من الكتاب والسنة، وإن أول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة" (¬3). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَو كُنْتُ مُسْتَخْلِفًا أَحَدًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ لَاسْتَخْلَفْتُ ابن أُمِّ عَبْدٍ" (¬4). • وجه الدلالة: فيه إشارة إلى أن اختيار الخليفة يلزمه مشورة. الدليل الثاني: حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "اسْتَشَارَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَخْرَجَهُ إلى بَدْرٍ، فَأَشَارَ عليه أبو بَكْرٍ، ثُمَّ اسْتَشَارَ عُمَرَ، فَأَشارَ عليه عُمَرُ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فقال بَعْضُ الأَنْصَارِ: إِيَّاكُمْ يُرِيدُ نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. . . " (¬5). • وجه الدلالة: حرص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على مشاورة أهل المشورة في الأمور العظام ¬
التي يتعلق بها مصير الأمة، وليس شيء أعظم من اختيار الخليفة، فلو تُرك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع، ولا يردعهم عن الباطل رادع، لهلكوا، ولاستحوذ أهل الفساد على العباد (¬1). • ثانيًا: الآثار: الدليل الأول: 1 - قول عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: "من بَايَعَ رَجُلًا من غَيْرِ مَشُورَةٍ من المُسْلِمِينَ، فَلَا يُتَابَعَ هُو وَلا الَّذِي تَابَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا" (¬2). 2 - ولما جعل عمر -رضي اللَّه عنه- الخلافة بين ستة من العشرة المبشرين بالجنة قال لهم: "فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَلْيُصَل لَكُمْ صُهَيْبٌ ثَلاثَ لَيَالٍ، ثُمَّ أَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ، فَمَنْ تَأَمَّرَ مِنْكُمْ عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ" (¬3). • وجه الدلالة: أوجب عمر -رضي اللَّه عنه- على أهل الحل والعقد التزام المشورة في اختيار الخليفة، وشدد على من يخالفها، وأمر بضرب عنقه، وفي ذلك دلالة على وجوبها. الدليل الثاني: قال المسور بن مخرمة -رضي اللَّه عنه-: "إِنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا، فقال لهم عبد الرحمن: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ على هذا الْأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إن شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ، فَجَعَلُوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما وَلَّوْا عَبْدَ الرحمن أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عنى عبد الرحمن، حتى ما أَرَى أَحَدًا مِنَ الناس يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ، ولا يَطَأُ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ على عبد الرحمن يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي، حتى إذا كانت اللَّيْلَةُ التي أَصْبَحْنَا منها فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ"، قال الْمِسْوَرُ: "طَرَقَنِي عبد الرحمن بَعْدَ هَجْع من اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حتى اسْتَيْقَظْتُ، فقال: أَرَاكَ نَائِمًا! فَوَاللَّه ما اكْتَحَلتُ هذه الثَّلاثِ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ ¬
فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا، فَدَعَوْتُهُمَا له، فَشَاوَرَهُمَا، ثُمَّ دَعَانِي فقال: ادْعُ لي عَلِيًّا، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى إبْهَارِ اللَّيْلُ، ثُمَّ قام عَلِيٌّ من عِنْدِهِ وهو على طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَن يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ قال: ادْعُ لي عُثْمَانَ، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا المُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ، وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَأَرْسَلَ إلى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إلى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مع عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عبد الرحمن، ثُمَّ قال: أَمَّا بَعْدُ، يا عَلِيُّ، إني قد نَظَرْتُ في أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فلا تَجْعَلَنَّ على نَفْسِكَ سَبِيلًا، فقال: أُبَايِعُكَ على سُنَّةِ اللَّه وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْن من بَعْد، فَبَايَعَهُ عبد الرحمن، وَبَايَعَهُ الناس؛ المُهَاجِرُونَ، وَالْأَنْصَارُ، وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ، وَالْمُسْلِمُونَ" (¬1). • وجه الدلالة: فيه اجتماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على بيعة عثمان -رضي اللَّه عنه- من بعد مشورة. الدليل الثالث: جمع أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- الناس في مرضه الذي قُبض فيه وقال لهم: "أمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم عليكم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي". فقاموا في ذلك، وحلُّوا عنه، فلم تستقم لهم، فقالوا: ارأ لنا يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: "فلعلكم تختلفون؟ " قالوا: لا، قال: "فعليكم عهد اللَّه على الرضا؟ " قالوا: نعم. قال: "فأمهلوني انظر للَّه ودينه ولعباده"، فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنهما- فقال: "أشر علي برجل، واللَّه إنك عندي لها لأهل وموضع". فقال: عمر. فقال: "اكتب". فكتب حتى انتهى إلى الاسم، فغُشي عليه، ثم أفاق فقال: "اكتب عمر" (¬2). • وجه الدلالة: مشاورة أبي بكر رضى اللَّه عنه لكبار الصحابة قبل ثبوت عهده إلى عمر -رضي اللَّه عنه-. ¬
[28/ 28] إجبار أهل البيعة إذا كان لا يصلح للإمامة إلا شخص واحد
Rصحة الإجماع على أن اختيار الإمام يكون بالشورى بين الجماعة. [28/ 28] إجبار أهل البيعة إذا كان لا يصلح للإمامة إلا شخص واحد • المراد بالمسألة: إذا كان لا يصلح للإمامة إلا شخص واحد، فإنه يُجبر على البيعة. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: "يشترط لانعقاد الإمامة: أن يجيب المبايع، فإن امتنع لم تنعقد إمامته، ولم يجبر عليها. قلت: إلا أن لا يكون من يصلح إلا واحد، فيجبر بلا خوف" (¬1) نقله القلقشندي (¬2) (821 هـ) وقال: "فيجبر بلا خلاف" (¬3) • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
[29/ 29] طرق انعقاد الإمامة
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما يلي: 1 - لأنه إذا لم يصلح له غيره تعين هو؛ لإقامة هذه العبادة، فصار فرض عين عليه، فلو امتنع من القبول يأثم، كما في سائر فروض الأعيان (¬1). 2 - صيانة لحقوق المسلمين ودفعًا لظلم الظالمين (¬2). • من خالف الإجماع: الماوردي، قال: "فلا يجبر على الإمامة؛ لأنها عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار، وعدل عنه إلى من سواه من مستحقيها" (¬3).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [29/ 29] طرق انعقاد الإمامة • المراد بالمسألة: لا يكفي الشخص بمجرد صلوحه للإمامة وجمعه لشرائطها أن يصير إمامًا، بل لابد من ولوج إحدى الطرق المقررة لانعقاد الإمامة. • من نقل الإجماع: القاضي عياض (544 هـ) قال: "إجماع الصحابة على الاختيار بعد موت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعلى تنفيذ عهد أبي بكر لعمر، وتنفيذ شورى عمر في الستة" (¬4) ابن قدامة (620 هـ) قال: "من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامته ووجبت معونته؛ لما ذكرنا من الحديث والإجماع، وفي معناه من ثبتت إمامته بعهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو بعهد إمام قبله إليه، فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته، وعمر ثبتت إمامته بعهد أبي بكر إليه، وأجمع الصحابة على قبوله" (¬5) النووي (676 هـ) قال: "أجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لإنسان إذا لم يستخلف الخليفة، وأجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين ¬
جماعة" (¬1)، نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬2) والشوكاني (1250 هـ) (¬3) الإيجي (756 هـ) قال: "فيما تثبت به الإمامة: فإن الشخص بمجرد صلوحه للإمامة وجمعه لشرائطها لا يصير إماما، بل لا بد في ذلك من أمر آخر، وأنها تثبت بالنص من الرسول، ومن الإمام السابق بالإجماع، وتثبت أيضا ببيعة أهل الحل والعقد عند أهل السنة والجماعة، والمعتزلة، والصالحية من الزيدية، خلافًا للشيعة -أي: لأكثرهم- فإنهم قالوا: لا طريق إلا النص" (¬4). ويتضح مما سبق من نقول أن الإمامة تنعقد بالطرق الآتية: 1 - استخلاف خليفة كما فعل نص النبي إشارة على أبي بكر وأبو بكر رضي اللَّه عنه على عمر أو كما وصى عمر على جماعة. 2 - إجماع أهل الحل والعقد أو بيعة جماعة من العلماء أو أهل الرأي والتدبير. 3 - أن يغلب عليها ذو شوكة ولو كان غير أهل لها كأن كان فاسقًا أو جاهلًا فتنعقد حينها للمصلحة. • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). ¬
[30/ 30] تنفيذ عهد الإمام إذا أوصى بالإمامة إلى من يصلح لها
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بالآثار الدالة على اتفاق المصدر الأول، فمن بعدهم على اتباع الطرق المقررة لانعقاد الإمامة، فقد أجمعوا على الاختيار بعد موت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتابعوا أبا بكر -رضي اللَّه عنه- في استخلافه لعمر -رضي اللَّه عنه-، وبايعوا عثمان -رضي اللَّه عنه- بعد تنفيذ شورى عمر -رضي اللَّه عنه- في الستة. وقد ذكرنا آنفًا الآثار الدالة على ذلك.Rصحة الإجماع على أنه لا يكفي الشخص بمجرد صلوحه للإمامة وجمعه لشرائطها أن يصير إمامًا، بل لابد من ولوج إحدى الطرق المقررة لانعقاد الإمامة. [30/ 30] تنفيذ عهد الإمام إذا أوصى بالإمامة إلى من يصلح لها • المراد بالمسألة: العهد لغة: الميثاق، فكل ما بين العباد من مواثيق فهو عهد، ومنه قيل: ولي العهد؛ لأنه ولي الميثاق الذي يؤخذ على من بايع الخليفة (¬1). العهد اصطلاحًا: أن يستخلف الإمام آخر بعده في الخلافة، ويعهد بها إليه (¬2). وقد اتفق العلماء على تنفيذ عهد الإمام إذا أوصى بالإمامة إلى من يصلح لها. • من نقل الإجماع: أبو منصور البغدادي (429 هـ) قال: "إذا أوصى بها الإمام إلى من يصلح لها وجبت على الأمة إنفاذ وصيته، كما أوصى بها أبو بكر إلى عمر، وأجمعت الصحابة على متابعته، فيها" (¬3). الماوردي (450 هـ) قال: "وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله، فهو مما انعقد الإجماع على جوازه، ووقع الاتفاق على صحته" (¬4) أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "أصل تولية العهد ثابت قطعًا، مستند إلى إجماع حملة الشريعة" (¬5). القاضي عياض (544 هـ) قال: ¬
"إجماع الصحابة. . . على تنفيذ عهد أبى بكر لعمر" (¬1) ابن قدامة (620 هـ) قال: "من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامته ووجبت معونته؛ لما ذكرنا من الحديث والإجماع، وفي معناه من ثبتت إمامته بعهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو بعهد إمام قبله إليه، فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته، وعمر ثبتت إمامته بعهد أبي بكر إليه، وأجمع الصحابة على قبوله" (¬2) الإيجي (756 هـ) قال: "تثبت -الإمامة- بالنص من الرسول، ومن الإمام السابق بالإجماع" (¬3) النووي (676 هـ). قال: "أجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف" (¬4)، نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬5) والشوكاني (1250 هـ) (¬6) ابن خلدون (808 هـ) حيث قال بشأن ولاية العهد: "وقد عرف ذلك من الشرع بإجماع الأمة على جوازه وانعقاده" (¬7) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: "إطباق الصحابة على متابعة أبي بكر، ثم على طاعته في مبايعة عمر" (¬8). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12)، والظاهرية (¬13). ¬
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من السنة، والآثار: • أولًا: السنة: حديث العرباض بن سارية -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ المَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بها، وَعَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ" (¬1). ومثله حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ" (¬2). • وجه الدلالة: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بلزوم سنته، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، ومن سنتهم -رضي اللَّه عنه- استخلاف من يصلح للإمامة، كما فعل أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- بعهده لعمر -رضي اللَّه عنه-. • ثانيًا الآثار: جمع أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه الناس في مرضه الذي قُبض فيه وقال لهم: "أمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم عليكم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي". فقاموا في ذلك، وحلُّوا عنه، فلم تستقم لهم، فقالوا: ارأ لنا يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: "فلعلكم تختلفون؟ " قالوا: لا، قال: "فعليكم عهد اللَّه على الرضا؟ " قالوا: نعم. قال: "فأمهلوني أنظر للَّه ودينه ولعباده"، فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنهما- فقال: "أشر علي برجل، واللَّه إنك عندي لها لأهل وموضع". فقال: عمر. فقال: "اكتب". فكتب حتى انتهى إلى الاسم، فغُشي عليه، ثم أفاق فقال: "اكتب عمر" (¬3). ¬
[31/ 31] رضاء الصحابة بخلافة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم
• وجه الدلالة: إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على خلافة عمر -رضي اللَّه عنه- بعد ثبوت عهد أبي بكر -رضي اللَّه عنه- إليه، وهو أحد الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم.Rصحة الإجماع على تنفيذ عهد الإمام إذا أوصى بالإمامة إلى من يصلح لها. [31/ 31] رضاء الصحابة بخلافة الخلفاء الأربعة رضي اللَّه عنهم • المراد بالمسألة: الاتفاق على خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي اللَّه عنهم. • من نقل الإجماع: أبو الحسن الأشعري (320 هـ) قال: "جملة ما عليه أهل الحديث والسنة: الإقرار باللَّه، وملائكته، وكتبه، ورسله. . . ويقدمون أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليًّا -رضوان اللَّه عليهم- ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬1) أبو المظفر الإسفراييني (¬2) (471 هـ) قال: "أجمعوا على خلافة الخلفاء الأربعة بعد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬3) جمال الدين الغزنوي (¬4) (593 هـ) قال: "الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ¬
أجمعوا على خلافة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- استدلالًا بتفويض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، واتفقوا عليه، وبثبوت خلافته تثبت خلافة عمر -رضي اللَّه عنه-؛ لأنه هو الذي ولاه واستخلفه، وهكذا انعقد الإجماع، ثم بعد وفاة عمر -رضي اللَّه عنه- اجتمعت الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على خلافة عثمان -رضي اللَّه عنه-، وهؤلاء الثلاثة كانوا قريشيين، ثم بعد وفاة عثمان -رضي اللَّه عنه- اجتمعت الصحابة على علي بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه، وهو قريشي" (¬1) ابن تيمية (728 هـ) قال: "أهل السنة يثبتون خلافة الخلفاء كلهم، ويستدلون على صحة خلافتهم بالنصوص الدالة عليها، ويقولون: إنها انعقدت بمبايعة أهل الشوكة لهم، وعلي بايعه أهل الشوكة، وإن كانوا لم يجتمعوا عليه كما اجتمعوا على من قبله" (¬2) الذهبي (748 هـ) قال: "أجمعوا على خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، إجماعًا لم يتهيأ مثله لعلي، فإنه استشهد وأهل الشام لم يبايعوه قط. . . وبالجملة خلافة علي حق، وهو إمام راشد، وإن تأخر عن بيعته طائفة كبيرة، فإنما الاعتبار بجمهور أهل الحل والعقد" (¬3) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: "إن الناس اجتمعوا على أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي" (¬4)، نقله المباركلفوري (1353 هـ) (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، ¬
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما ثبت من آثار في بيعة الصحابة للخلفاء الأربعة رضي اللَّه عنهم: • أولًا: البيعة لأبي بكر الصديق رضى اللَّه عنه: 1 - قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في وصف مبايعة المسلمين لأبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- في سقيفة بني ساعدة: ". . . إِنَّا وَاللَّه مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ، فَيَكُونُ فَسَادٌ" (¬3). 2 - وقال -رضي اللَّه عنه- في خطبته حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْم تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ صاحِبُ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثَانِيَ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى المُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ"، قال أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: "وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ" (¬4). 3 - روي عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: ". . . فلما قعد أبو بكر على المنبر، نظر في وجوه القوم، فلم ير عليًّا، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وختنه، أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبايعه، ثم لم ير الزبير بن العوام، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبايعاه" (¬5). ¬
• ثانيًا: عهد أبي بكر لعمر -رضي اللَّه عنهما- وبيعة الناس له: 4 - جمع أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه الناس في مرضه الذي قُبض فيه وقال لهم: "أمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم عليكم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي". فقاموا في ذلك، وحلُّوا عنه، فلم تستقم لهم، فقالوا: ارأ لنا يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: "فلعلكم تختلفون؟ " قالوا: لا، قال: "فعليكم عهد اللَّه على الرضا؟ " قالوا: نعم. قال: "فأمهلوني انظر للَّه ودينه ولعباده"، فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنهما- فقال: "أشر علي برجل، واللَّه إنك عندي لها لأهل وموضع". فقال: عمر. فقال: "اكتب". فكتب حتى انتهى إلى الاسم، فغُشي عليه، ثم أفاق فقال: "اكتب عمر" (¬1). • ثالثًا: تنفيذ شورى عمر رضى اللَّه عنه والبيعة لعثمان -رضي اللَّه عنه-: 5 - قال المسور بن مخرمة رضى اللَّه عنه: "إِنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا، فقال لهم عبد الرحمن: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ على هذا الْأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إن شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ، فَجَعَلُوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما وَلَّوْا عَبْدَ الرحمن أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ على عبد الرحمن، حتى ما أَرَى أَحَدًا مِنَ الناس يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ، ولا يَطَأُ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ على عبد الرحمن يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي، حتى إذا كانت اللَّيْلَةُ التي أَصبَحْنَا منها فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ"، قال الْمِسْوَرُ: "طَرَقَنِي عبد الرحمن بَعْدَ هَجْعٍ من اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حتى اسْتَيْقَظْتُ، فقال: أَرَاكَ نَائِمًا! فَوَالله ما اكْتَحَلْتُ هذه الثَّلاثِ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا، فَدَعَوْتُهُمَا له، فَشَاوَرَهُمَا، ثُمَّ دَعَانِي فقال: ادْعُ لي عَلِيًّا، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى إبْهَارِ اللَّيْلُ، ثُمَّ قام عَلِيٌّ من عِنْدِهِ وهو على طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَن يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ قال: ادْعُ لي عُثْمَانَ، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا المُؤَذِّنُ بِالصبْحِ، فَلَمَّا صَلَى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ، وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَأَرْسَلَ إلى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إلى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مع عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا ¬
[32/ 32] للإمام الحق في الاستخلاف أو عدم الاستخلاف
تَشَهَّدَ عبد الرحمن، ثُمَّ قال: أَمَّا بَعْدُ، يا عَلِيُّ، إني قد نَظَرْتُ في أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فلا تَجْعَلَنَّ على نَفْسِكَ سَبِيلًا، فقال: أُبَايِعُكَ على سُنَّةِ اللَّه وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْن من بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عبد الرحمن، وَبَايَعَهُ الناس؛ المُهَاجِرُونَ، وَالْأَنْصَارُ، وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ، وَالمُسْلِمُونَ" (¬1). • رابعًا: البيعة لعلي -رضي اللَّه عنه-: اختلفت الروايات في وقت بيعة الناس لعلي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، فقيل: إنه بويع بعد أربعة أيام من قتل عثمان رضى اللَّه عنه، وقيل: بعد خمسة، وقيل بعد ثلاثة، وقيل: بويع يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة، وقيل: بويع عقيب قتل عثمان، وأصح الروايات: أنه امتنع عن البيعة إلى أن دُفن عثمان، ثم بويع على منبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ظاهرًا (¬2). قال ابن حجر العسقلاني: "وكانت بيعة علي بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، فبايعه المهاجرون، والأنصار، وكل من حضر، وكتب بيعته إلى الآفاق، فأذعنوا كلهم، إلا معاوية في أهل الشام، فكان بينهم بعد ما كان" (¬3).Rصحة الإجماع على خلافة الخلفاء الراشدين. [32/ 32] للإمام الحق في الاستخلاف أو عدم الاستخلاف • المراد بالمسألة: الاستخلاف لغة: الخاء واللام والفاء أصول ثلاثة: أحدها: التغير، ومنه: قولهم: خلف فوه، إذا تغير وأخلف. والثاني: ضد قدام، ومنه: جلست خلف فلان أي بعده. والثالث: أن يجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه، كقول اللَّه -تعالى-: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} (¬4). والخلافة سميت كذلك؛ لأن الثاني يجيء بعد الأول قائمًا مقامه، ويُقال: خلفت فلانًا ¬
أخلفه تخليفًا واستخلفته أنا: جعلته خليفتي، واستخلفه: جعله خليفة. والخليفة: الذي يُستخلف ممن قبله (¬1). الاستخلاف اصطلاحًا: أن يعقد الإمام في حياته لآخر الخلافة بعده (¬2). وقد أجمع العلماء على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف، ويجوز له تركه، فإن تركه فقد اقتدى بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا، وإلا فقد اقتدى بأبي بكر -رضي اللَّه عنه- (¬3). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفقوا أن للإمام أن يستخلف قَبْل أم لا" (¬4)، نقله ابن القطان (628 هـ) (¬5) أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "اعتقد كافة علماء الدين تولية العهد مسلكًا في إثبات الإمامة، في حق المعهود إليه المولى، ولم ينف أحد أصلها" (¬6) القاضي عياض (544 هـ) قال: "الاستخلاف غير لازم؛ إذ لم يفعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وانعقاد الخلافة بالتقديم والعقد من المتولي، كفعل أبي بكر لعمر، أو بعقد أهل الحل والعقد والاختيار، كفعل الصحابة بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا مما أجمع عليه المسلمون" (¬7). ابن قدامة (620 هـ) قال: "من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامته ووجبت معونته؛ لِما ذكرنا من الحديث والإجماع، وفي معناه من ثبتت إمامته بعهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو بعهد إمام قبله إليه، فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته، وعمر ثبتت إمامته بعهد أبي بكر إليه، وأجمع الصحابة على قبوله" (¬8) النووي (676 هـ) قال: "أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت ¬
وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف، ويجوز له تركه" (¬1)، نقله العظيم آبادي (بعد 1310 هـ) (¬2)، والمباركفوري (1353 هـ) (¬3) الحافظ العراقي (806 هـ) قال: "انعقد الإجماع على أن الخليفة يجوز له الاستخلاف وتركه، وعلى انعقاد الخلافة" (¬4) الخطيب الشربيني (977 هـ) قال: "تنعقد -الإمامة- باستخلاف الإمام شخص عينه في حياته؛ ليكون خليفته بعده. . . وانعقد الإجماع على جوازه" (¬5) الرملي (1004 هـ) قال: "باستخلاف الإمام واحد بعده. . . وانعقد الإجماع على الاعتداد بذلك" (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، والظاهرية (¬11). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من السنة، والآثار: • أولًا: السنة: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في مرضه ¬
الذي توفي فيه: "لَقَدْ هَمَمْتُ -أَوْ أَرَدْتُ- أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ، فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّه وَبَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّه وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ" (¬1) وفي رواية: قالت -رضي اللَّه عنها-: قَالَ لي رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مَرَضِهِ: "ادْعِي لي أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فإني أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَبَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى. وَيَأْبَى اللَّه وَالمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ" (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن تيمية: "النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دلَّ المسلمين على استخلاف أبي بكر، وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله، وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك حامد له، وعزم على أن يكتب بذلك عهدًا، ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه، فترك الكتاب اكتفاء بذلك" (¬3). • ثانيًا: الآثار: 1 - جمع أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- الناس في مرضه الذي قُبض فيه وقال لهم: "أمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم عليكم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي". فقاموا في ذلك، وحلُّوا عنه، فلم تستقم لهم، فقالوا: ارأ لنا يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: "فلعلكم تختلفون؟ " قالوا: لا، قال: "فعليكم عهد اللَّه على الرضا؟ " قالوا: نعم. قال: "فأمهلوني أنظر للَّه ودينه ولعباده"، فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنهما- فقال: "أشر علي برجل، واللَّه إنك عندي لها لأهل وموضع". فقال: عمر. فقال: "اكتب". فكتب حتى انتهى إلى الاسم، فغُشي عليه، ثم أفاق فقال: "اكتب عمر" (¬4). 2 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قِيلَ لِعُمَرَ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: "إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي: أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ ¬
[33/ 33] يتولى الإمامة من ساد الناس ثلاثة أيام إثر موت إمام لم يستخلف
مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي: رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬1). • وجه الدلالة: فيهما دلالة على جواز الاستخلاف اقتداءً بفعل الصديق -رضي اللَّه عنه-، أو تركه اقتداءً بفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.Rصحة الإجماع على أن الخليفة يجوز له الاستخلاف، ويجوز له تركه. [33/ 33] يتولى الإمامة من ساد الناس ثلاثة أيام إثر موت إمام لم يستخلف • المراد بالمسألة: اتفقوا على جواز أن يتولى الإمامة من ساد الناس ثلاثة أيام إثر موت الإمام ولم يستخلف. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفقوا أن الإمام إذا مات ولم يستخلف، إن ساد الناس إمامًا مدة ثلاثة أيام إثر موت الإمام جائز" (¬2) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من السنة، والمعقول: • أولًا: السنة: 1 - حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضى اللَّه عنه قَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ ¬
فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا، ويُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: "إِلَّا أَنْ تَرَوْا كفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّه فِيهِ بُرْهَانٌ" (¬1). 2 - حديث حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نَعَمْ"، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّة لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَاي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَان إِنْسٍ"، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ" (¬2). • وجه الدلالة: فيهما دلالة على السمع والطاعة وترك الخروج على الأئمة؛ لئلا يشق عصا المسلمين، وألا يتسبب إلى سفك الدماء وهتك الحريم، إلا أن يكفر الإمام، ويُظهر خلاف دعوة الإسلام، فلا طاعة له، ويسري هذا على من ساد الناس ثلاثة أيام إمامًا. • ثانيًا: المعقول: قال الغزالي: "لو تعذر وجود الورع والعلم فيمن يتصدى للإمامة، وكان في صرفه إثارة فتنة لا تطاق، حكمنا بانعقاد إمامته؛ لأننا بين أن نحرِّك فتنة بالاستبدال، فما يلقى المسلمون منه من الضرر يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط التي أثبتت المزية المصلحة، فلا يُهدم أصل المصلحة شغفًا بمزاياها، كالذي يبني قصرًا ويهدم مصرًا، وبين أن نحكم بخلو البلاد من الإمام، وبفساد الأقضية، وذلك محال، ونحن نقضي بنفوذ قضاء أهل البغي في بلادهم؛ لمسيس حاجتهم، فكيف لا نقضي بصحة الإمامة عند الحاجة والضرورة؟ " (¬3). ¬
[34/ 34] الإمامة لا تكون موروثة
• من خالف الإجماع: وجه لبعض الشافعية (¬1)، وقالوا: إنه يشترط لصحة إمامة المتغلب توفر شروط الإمامة فيه، على أن يكون زمن ذلك بعد موت الإمام المبايع له، وقبل نصب إمام جديد بالبيعة، أو أن يستولي على حي متغلب مثله، أما إذا استولى على الأمر وقهر إمامًا مولى بالبيعة أو بالعهد، فلا تثبت إمامته، ويبقى الإمام المقهور على إمامته شرعًا. والزيدية (¬2)، ومناط استدلالهم: أنه تسلط على رقاب البلاد والعباد غلبة وقهرًا، فكيف تسبغ عليه الشرعية بالطاعة، والجهاد معه، ونحو ذلك؟ ونوقش: بأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي الدهماء، وتبييت الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض (¬3).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [34/ 34] الإمامة لا تكون موروثة • المراد بالمسألة: اتفاق أهل العلم على أن الإمامة لا تكون موروثة. • من نقل الإجماع: أبو منصور البغدادي (429 هـ) قال: "كل من قال بها -أي بإمامة أبي بكر رضي اللَّه عنه- قال: إن الإمامة لا تكون موروثة" (¬4) ابن حزم (456 هـ) قال: "لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنه لا يجوز التوارث فيها، ولا في أنها لا تجوز لمن لم يبلغ، حاشا الروافض، فإنهم أجازوا كلا الأمرين" (¬5) أحمد بن يحيى المرتضى: "وَقَوْلُ الْعَبَّاسِيَّةِ إنَّهَا -أي: الإمامة- مَوْرُوثَةٌ مَرْدُود بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا" (¬6). الخلاف في كون الإمامة موروثة: واختلفوا في جواز عهد الخليفة لأحد ¬
أقاربه على ثلاثة أقوال: القول الأول: صحة العهد من الأب أو الابن (¬1). أدلة القول الأول: 1 - أن الخليفة أمير الأمة، ونافذ الأمر لهم وعليهم، ومن ثم تتغلب صفته هذه على كونه والدًا أو ولد، وعليه فهو الأقدر على التعرف على المصلحة العامة للمسلمين، دون أن يؤدي ذلك إلى التهمة أو الشك في أمانته (¬2). 2 - أن الإمامة تخرج من الحقوق المتعلقة بالأمة، وتصبح من الحقوق الخالصة للخليفة يستقل فيها بنظره (¬3). وكما قال ابن خلدون: "فهو وليهم والأمين عليهم، ينظر لهم ذلك في حياته، ويتبع ذلك أن ينظر لهم بعد مماته، ويقيم لهم من يتولى أمورهم كما كان هو يتولاها، ويثقون بنظره لهم في ذلك كما وثقوا به فيما قبل، وقد عُرِف ذلك من الشرع بإجماع الأمة على جوازه وانعقاده. . . ولا يُتهم الإمام في هذا الأمر، وإن عهد إلى أبيه أو ابنه؛ لأنه مأمون على النظر لهم في حياته، فأولى أن لا يحتمل فيها تبعة بعد مماته" (¬4). ويناقش ذلك بما يلي: 1 - أن الإمامة ليست من الحقوق الخالصة للخليفة يتصرف فيها كيف شاء، كالوصية بماله، وإنما هي أمر يتعلق بالمسلمين جميعهم (¬5). 2 - أن القول بنفي التهمة حال إيثار الخليفة الابن أو الأب لا يقبله عقل أو منطق، أو حتى بحكم الطبيعة البشرية. 3 - أن تنفيذ هذا الرأي إنما يعني وأد الشورى في مقتل، ناهيك عن مخالفته ¬
مبدأي المساواة والعدالة بين البشر، تلكم الأصول المستقرة في الإسلام. 4 - ولا يقال: إن فعل معاوية -رضي اللَّه عنه- وغيره حجة في هذا الباب، وإلا فكيف بفعل صديق الأمة، وفاروقها، فهل فعلاه؟ ! ! (¬1). القول الثاني: عدم جواز العهد لوالد أو ولد إلا بموافقة أهل الحل والعقد (¬2) ومفاد هذا القول أن عهد الخليفة لا يعد كافيًا لصحة الاستخلاف، وإنما مرد الأمر لأهل الحل والعقد؛ إذ هي من خالص حقوق الأمة، فإن رأوا المستخلَف صالحًا فبها ونعمت، وإلا فلا، فالعهد ليس إلا تزكية تجري مجرى الشهادة، فكما لا تجوز الشهادة لوالدٍ أو ولد للتهمة، فبالأحرى في الإمامة (¬3). واستدلوا بأدلة، منها: • أولًا؛ القرآن الكريم: قول اللَّه -تعالى-: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)} (¬4). • وجه الدلالة: أنكر اللَّه -تعالى- عليهم ما أنكروه من التمليك عليهم من ليس من أهل النبوة ولا الملك، وبين أن ذلك مستحق بالعلم والقوة لا بالنسب، ودل ذلك أيضًا على أنه لا حظ للنسب مع العلم وفضائل النفس، وأنها مقدمة عليه؛ لأن اللَّه أخبر أنه اختاره عليهم لعلمه وقوته، وإن كانوا أشرف منه نسبًا، وذكره للجسم هاهنا عبارة عن فضل قوته؛ لأن في العادة من كان أعظم جسمًا ¬
فهو أكثر قوة، ولم يرد بذلك عظم الجسم بلا قوة؛ لأن ذلك لا حظ له في القتال، بل هو وبال على صاحبه إذا لم يكن ذا قوة فاضلة" (¬1). • ثانيًا: فعل وإجماع الصحابة على أنه لابد من ولوج إحدى الطرق المقررة لانعقاد الإمامة، والتي ليس منها التوريث بحال. وقد ذكرنا آنفًا من نقل الإجماع على ذلك، ومستند الإجماع (¬2). وقد كان الخلفاء الراشدون -رضي اللَّه عنهم- بعيدين كل البعد عن مواطن الشبهة، فلم يعهد أبو بكر -رضي اللَّه عنه- لابنه، ولم يعهد عمر لابنه عبد اللَّه، وكان من فضلاء الصحابة، وقد اقترح ذلك على عمر بعض الصحابة -رضوان اللَّه تعالى عليهم- فقال: يا أمير المؤمنين أين أنت من عبد اللَّه بن عمر؟ فقال: "قاتلك اللَّه، واللَّه ما أردت بها اللَّه، أستخلف رجلًا لم يحسن يطلق امرأته؟ ! " (¬3)، مع أنه جعله من أهل الشورى، إلا أنه نصَّ على أنه لا يتولى الخلافة، زيادة في الورع والبعد عن الشبهة. وكذلك عثمان -رضي اللَّه عنه- لم يعهد إلى أحد من أقاربه، مع أن كثيرًا من المؤرخين يتهمونه بحبِّه لهم رضوان اللَّه تعالى عليه. وكذلك علي -رضي اللَّه عنه- لم يعهد إلى الحسن، وقد طُلِبَ منه ذلك عند وفاته، فقال له الناس: يا أمير المؤمنين، إن فقدناك -ولا نفقدك- فنبايع الحسن؟ قال: "ما آمركم، ولا أنهاكم، أنتم أبصر" (¬4). وفي رواية: قالوا له: استخلف علينا، قال: "ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬5). وذلك مبالغة منه ¬
[35/ 35] جواز تعيين الإمام المتغلب
-رضي اللَّه عنه- في التبري. • ثالثًا: المعقول: أن فى توريث الخلافة مظنة التهمة والشبهات والإيثار والمحاباة (¬1). القول الثالث: جواز تولية الأب دون الابن (¬2) واستدلوا على ذلك بأن الجبلة البشرية تقضي بمحاباة الولد دون الوالد، فهي للولد مظنة الشبهة والإيثار والمحاباة خلافًا للوالد (¬3). القول الرابع: جواز ترشيح أقاربه خلا الابن أو الأب، ومنهم من قيدها بموافقة أهل الحل والعقد، ومنهم من عدّها من الحقوق الخالصة للخليفة (¬4).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [35/ 35] جواز تعيين الإمام المتغلب • المراد بالمسألة: الإجماع على أن من قهر الناس متغلبًا، فهو ذو سلطان مطاع إذا أمر بطاعة اللَّه. • من نقل الإجماع: ابن بطال (449 هـ) قال: "الفقهاء مجمعون على أن طاعة المتغلب واجبة، ما أقام على الجمعات والأعياد والجهاد، وأنصف المظلوم فى الأغلب، فإن طاعته خير من الخروج عليه". نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬5) والشوكاني (1250 هـ) (¬6). ¬
أبو اليسر البزدوي (¬1) (493 هـ) قال: "قال عامة أهل السنة والجماعة إن واحدًا لو غلب الناس وقعد إمامًا بالغلبة، وله شوكة وقوة، يصير إمامًا، وتنفذ أحكامه وقضاياه، وعند القدرية والخوارج والمعتزلة لا يكون إمامًا، والصحيح ما قاله أهل السنة والجماعة؛ لِمَا بيَّنا أن عامة بني مروان لم يعقد لهم أهل الرأي والتدبير والفقه لهم عقد الإمامة، وإنما جعلوا أنفسهم أئمة بالقهر، وإجماع العلماء أنهم صاروا أئمة، فلأنهم لو لم يصيروا أئمة أدى إلى الفساد ووقوع الفتن" (¬2). محمد بن عبد الوهاب (¬3) (1206 هـ) قال: "الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلَّب على بلد أو بلدان، له حكم الإمام في جميع الأشياء" (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من السنة والآثار والمعقول: • أولًا: السنة: 1 - حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا، وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: "إِلَّا أَنْ تَرَوْا كفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّه فِيهِ بُرْهَانٌ" (¬6). 2 - حديث حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ فيّ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَاي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَان إِنْسٍ"، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ" (¬7). ¬
• وجه الدلالة: فيهما دلالة على السمع والطاعة وترك الخروج على الأئمة؛ لئلا يشق عصا المسلمين، وألا يتسبب إلى سفك الدماء وهتك الحريم، إلا أن يكفر الإمام، ويُظهر خلاف دعوة الإسلام، فلا طاعة له، ويسري هذا على من ساد الناس ثلاثة أيام إمامًا. • ثانيًا: الآثار: 1 - قول ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: "لا أقاتل في فتنة، وأصلى وراء من غلب" (¬1). 2 - ثبت أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- صلّوا خلف أئمة الجور من بني أمية، ورضوا بتقلدهم رئاسة الدولة (¬2)، وروي عن عبد الكريم البكاء أنه قال: "أدركت عشرة من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كلهم يصلون خلف أئمة الجور" (¬3). قال الشوكاني: "ثبت إجماع أهل العصر الأول من بقية الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعًا فعليًّا، ولا يبعد أن يكون قوليًّا، على الصلاة خلف الجائرين؛ لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس، فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير، وكانت الدولة إذا ذاك لبني أمية، وحالهم وحال أمرائهم لا يخفى" (¬4). • ثالثًا: المعقول: للضرورة وخوف الفتنة (¬5)، وتقديمًا لأخف المفسدتين (¬6)، ولينتظم شمل المسلمين (¬7). ¬
قال النووي: "وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه: ما يترتب على ذلك من الفتن، وإراقة الدماء، وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه" (¬1). وقال الغزالي: "لو تعذر وجود الورع والعلم فيمن يتصدى للإمامة، وكان في صرفه إثارة فتنة لا تطاق، حكمنا بانعقاد إمامته؛ لأننا بين أن نحرِّك فتنة بالاستبدال، فما يلقى المسلمون منه من الضرر يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط التي أثبتت المزية المصلحة، فلا يُهدم أصل المصلحة شغفًا بمزاياها، كالذي يبني قصرًا ويهدم مصرًا، وبين أن نحكم بخلو البلاد من الإمام، وبفساد الأقضية، وذلك محال، ونحن نقضي بنفوذ قضاء أهل البغي في بلادهم؛ لمسيس حاجتهم، فكيف لا نقضي بصحة الإمامة عند الحاجة والضرورة؟ " (¬2). • من خالف الإجماع: الخوارج، والمعتزلة (¬3) ووجه عند الشافعية إن لم يكن جامعًا لشرائط الخلافة بأن كان فاسقًا أو جاهلًا (¬4).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. ¬
الفصل الرابع مسائل الإجماع فيمن لا تصح إمامته
الفصل الرابع مسائل الإجماع فيمن لا تصح إمامته [36/ 36] لا يجوز وجود أكثر من خليفة للمسلمين في مكان واحد • المراد بالمسألة: الاتفاق على أنه لا يجوز وجود أكثر من خليفة للمسلمين في مكان واحد. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) قال: "وما أجمع المسلمون عليه من أن يكون الخليفة واحدًا" (¬1)، نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2) ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفقوا أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان ولا متفرقان، ولا في مكانين ولا في مكان واحد" (¬3)، نقله ابن القطان (628 هـ) (¬4) أبو اليسر البزودي (493 هـ) قال: "والكرامية قالوا: لا بأس أن تعقد الإمامة لاثنين ولأكثر، فهم يعتبرون بالقضاء أنه يجوز عقد القضاء لأناس، ولكن عامة أهل السنة والجماعة قالوا: إن هذا خلاف إجماع الصحابة، وخلاف إجماع الأمة، فإنهم أجمعوا على خليفة واحد" (¬5). أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "عقد الإمامة لشخصين في صقع واحد متضايق الخطط والمخالف غير جائز، وقد حصل الإجماع عليه" (¬6) النووي (676 هـ) قال: "اتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد، سواء اتسعت دار الإسلام أم لا" (¬7) الإيجي (756 هـ) قال: "قال ¬
الجارودية من الزيدية: الإمامة شورى في أولاد الحسن والحسين، فكل فاطمي خرج بالسيف داعيًا إلى الحق، وكان عالِمًا شجاعًا، فهو إمام؛ فلذلك جوزوا تعدد الأئمة، وهو خلاف الإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} (¬7). وقول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (¬8). • وجه الدلالة: قال ابن حزم: "حرم اللَّه -عز وجل- التفرق والتنازع، وإذا كان إمامان فقد حصل التفرق المحرم، فوجد التنازع، ووقعت المعصية للَّه تعالى" (¬9). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِذَا بُويعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا" (¬10). ¬
• وجه الدلالة: قال النووي: "فيه أنه لا يجوز عقدها لخليفتين" (¬1). الدليل الثاني: حديث عرفجة -رضي اللَّه عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ" (¬2). • وجه الدلالة: قال الأمير الصنعاني: "من خرج على إمام قد اجتمعت عليه كلمة المسلمين -والمراد أهل قطر كما قلناه- فإنه قد استحق القتل؛ لإدخاله الضرر على العباد" (¬3). الدليل الثالث: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُر"، قالوا: فما تَأْمُرُنَا؟ قال: "فُوا بِبَيْعَةِ الأوَّلِ فَالأوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ" (¬4). • وجه الدلالة: قال النووي: "ومعنى هذا الحديث: إذا بويع لخليفة بعد خليفة، فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها، ويحرم عليه طلبها، وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أو جاهلين، وسواء كانا في بلدين أو بلد" (¬5). الدليل الرابع: حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إن اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جاء آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ" (¬6). ¬
[37/ 37] لا يجوز وجود إمامين للمسلمين في مكانين
• وجه الدلالة: وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، وتحريم الخروج عن طاعته، ونقض بيعته لآخر.Rصحة الإجماع على أنه لا يجوز وجود أكثر من خليفة للمسلمين في مكان واحد. [37/ 37] لا يجوز وجود إمامين للمسلمين في مكانين • المراد بالمسألة: الاتفاق على أنه لا يجوز وجود إمامين للمسلمين في مكانين. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفقوا أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان ولا متفرقان، ولا في مكانين ولا في مكان واحد" (¬1)، نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2) أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "إذا تيسر نصب إمام واحد يطبق خطة الإسلام، ويشمل الخليقة على تفاوت مراتبها في مشارق الأرض ومغاربها أثره؛ تعين نصبه، ولم يسع والحالة هذه نصب إمامين، وهذا متفق عليه لا يلقى فيه خلاف" (¬3). النووي (676 هـ) قال: "اتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد، سواء اتسعت دار الإسلام أم لا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، وبعض المالكية (¬6)، والأصح من الوجهين عند الشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، ¬
والظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة، ذكرناها آنفًا في مسألة عدم جواز وجود إمامين للمسلمين في مكان واحد (¬2). • من خالف الإجماع: وجه عند الشافعية (¬3) وأبو الحسن الأشعري (¬4)، وبعض المالكية (¬5)، وقالوا: تصح بيعتهما جميعًا؛ لأنه قد تدعو الحاجة إلى ذلك، وعلى ذلك كانت الخلافة الأموية بالأندلس، والخلافة الفاطمية ببلاد المغرب والديار المصرية، مع قيام الخلافة العباسية بالعراق، وانسحابها على سائر الأقطار والبلدان (¬6). قال الجويني: "والذي تباينت فيه المذاهب: أن الحالة إذا كانت بحيث لا ينبسط رأي إمام واحد على الممالك، وذلك يتصور بأسباب لا يغمض منها اتساع الخطة، وانسحاب الإسلام على أقطار متباينة، وجزائر في لجج متقاذفة، وقد يقع قوم من الناس نبذة من الدنيا لا ينتهي إليهم نظر الإمام، وقد يتولج خط من ديار الكفر بين خطة الإسلام، وينقطع بسبب ذلك نظر الإمام عن الذين وراءه من المسلمين، فإذا اتفق ما ذكرناه فقد صار صائرون عند ذلك إلى تجويز نصب إمام في القطر الذي لا يبلغه أثر نظر الإمام" (¬7). وأجاز تعدد الأئمة مطلقًا بعض الكرامية، والزيدية، وقالت الرافضة: لا يجوز أن يكون إمامان ناطقان في وقت واحد، بل يصح أن يكون أحدهما: صامت، والآخر ناطق، كما كان الحسين بن علي -بزعمهم- صامتًا في وقت ¬
الحسن -رضي اللَّه عنهما- ثم نطق بعد موته (¬1). واستدلوا بما يلي: 1 - قول الأنصار يوم السقيفة: "منا أمير، ومنكم أمير" (¬2). ونوقش: بأن قول الأنصار -رضي اللَّه عنهم- لم يكن صوابًا، بل كان خطأ، واستقر الرأي نهاية على خلافه رجوعًا للحق، وتطبيقًا للأحاديث التي توجب القرشية (¬3). 2 - أمر علي والحسن مع معاوية رضي اللَّه عنهم (¬4) ونوقش: بما قاله ابن حزم: "وأما أمر علي والحسن ومعاوية فقد صح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أنذر بخارجة تخرج من طائفتين من أمة يقتلها أولى الطائفتين بالحق، فكان قاتل تلك الطائفة علي -رضي اللَّه عنه-، فهو صاحب الحق بلا شك، وكذلك أنذر -عليه السلام- بأن عمَّارًا تقتله الفئة الباغية، فصح أن عليًّا هو صاحب الحق، وكان علي السابق إلى الإمامة، فصح بعد أنه صاحبها، وأن من نازعه فيها فمخطئ، فمعاوية -رضي اللَّه عنه- مخطئ مأجور مرة لأنه مجتهد، ولا حجة في خطأ المخطئ، فبطل قول هذه الطائفة. . . وأما علي ومعاوية -رضي اللَّه عنهما- فما سلَّم قط أحدهما للآخر، بل كل واحد منهما يزعم أنه المحق، وكذلك كان الحسن -رضي اللَّه عنه-، إلى أن أسلم الأمر إلى معاوية" (¬5). 3 - أن ذلك يؤدي إلى كون كل واحد منهما أقوم بما لديه، وأضبط لما يليه، وبأنه لما جاز بعث نبيين في عصر واحد، ولم يؤد ذلك إلى إبطال النبوة، كانت الإمامة أولى (¬6). ¬
[38/ 38] لا تقصر الخلافة على بني هاشم
ونوقش: بأن ذلك يرده قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا"، ولأن نصب خليفتين يؤدي إلى الشقاق وحدوث الفتن (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [38/ 38] لا تقصر الخلافة على بني هاشم • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن الخلافة في جميع أفخاذ قريش، ولا تُقْصر على بني هاشم. • من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) قال في شروط الإمام: "ولا أن يكون من بني هاشم فقط دون غيرهم من قريش، فإن الإجماع فد انعقد على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان، وليسوا من بني هاشم" (¬2) الدمشقي (بعد 785 هـ) قال: "اتفق الأئمة على أن الإمامة فرض. . . وعلى أن الأئمة من قريش، وأنها جائزة في جميع أفخاذ قريش" (¬3) ابن حجر الهيتمي (973 هـ) قال في شروط الإمام: ". . . قرشيًّا؛ لخبر: "الأئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" (¬4) إسناده جيد، لا هاشميًّا اتفاقًا" (¬5) الحموي (1056 هـ) قال: "قال الروافض: يجب الاقتصار على بني هاشم، وعينوا عليًّا وأولاده، وهذا القول باطل بإجماع الصحابة على خلافة أبي بكر وعمر وعثمان" (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالأحاديث الدالة على القرشية في الإمامة، والتي وردت عامة تشمل بني هاشم وغيرهم، ومنها: 1 - حديث معاوية -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ في قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ" (¬4). 2 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا يَزَالُ الأَمْرُ في قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَان" (¬5). 3 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ في هَذَا الشَّأْن، مُسْلِمُهُمْ تبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ" (¬6). 4 - حديث أبي بكر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قُرَيْشٌ وُلاةُ هَذَا الأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ" (¬7). 5 - حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" (¬8). ونوقش ذلك: بما قاله الجويني: "ذكر بعض الأئمة أن هذا الحديث في حكم المستفيض المقطوع بثبوته من حيث إن الأمة تلقته بالقبول، وهذا مسلك ¬
لا أوثره، فإن نقلة هذا الحديث معدودون لا يبلغون مبلغ عدد التواتر، والذي يوضح الحق في ذلك: أنَّا لا نجد في أنفسنا ثلج الصدور واليقين المثبوت بصدد هذا من فلق في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما لا نجد ذلك في سائر أخبار الآحاد، فإذًا لا يقتضي هذا الحديث العلم باشتراط النسب في الإمامة" (¬1). وأجيب عنه: بما قال ابن حزم: "هذه رواية جاءت مجيء التواتر، ورواها أنس بن مالك، وعبد اللَّه ابن عمر بن الخطاب، ومعاوية، وروى جابر بن عبد اللَّه، وجابر بن سمرة، وعبادة بن الصامت معناها" (¬2). قال ابن حجر: "وقد جمعت طرقه عن نحو أربعين صحابيًّا لَمَّا بلغني أن بعض فضلاء العصر ذكر أنه لم يرو إلا عن أبي بكر الصديق" (¬3). • وجه الدلالة: قال النووي: "هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرَّض بخلاف من غيرهم فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة" (¬4). ونوقش: بأن هذه الأحاديث إنما هي على سبيل الإخبار، لا الأمر (¬5). وأجيب عن ذلك: بما قاله ابن المنير (¬6): "وجه الدلالة من الحديث -يقصد ¬
حديث: "لَا يَزَالُ الأمْرُ في قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ"- ليس من جهة تخصيص قريش بالذكر، فإنه يكون مفهوم اللقب لا حجة فيه عند المحققين، وإنما الحجة وقوع المبتدأ معرفًا بلام الجنسية؛ لأن المبتدأ بالحقيقة هاهنا هو الأمر الواقع صفة لهذا، وهذا لا يوصف إلا بالجنس، فمقتضاه حصر جنس الأمر في قريش، فيصير كأنه قال: لا أمر إلا في قريش، وهو كقوله: "الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ" (¬1)، والحديث وإن كان بلفظ الخبر فهو بمعنى الأمر، كأنه قال: ائتمروا بقريش خاصة، وقوله: "مَا بَقِىَ مِنْهُمُ اثْنَانِ" ليس المراد به حقيقة العدد، وإنما المراد به انتفاء أن يكون الأمر في غير قريش، وهذا الحكم مستمر إلى يوم القيامة ما بقي من الناس اثنان" (¬2). • من خالف الإجماع: وهم فئتان (¬3): • أولًا: الراوندية (¬4)؛ إذ حصروا الإمامة في العباس بن عبد المطلب وولده حتى انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور، واستدلوا بأن العباس كان عصب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ووارثه، فإذا كان ذلك كذلك فقد ورث مكانه. ونوقش: بأن هذا ليس بشيء، لأن ميراث العباس -رضي اللَّه عنه- لو وجب له لكان ¬
ذلك في المال خاصة، وأما المرتبة فما جاء قط في الديانات أنها تورث، فبطل هذا التمويه جملة، ولو جاز أن تورث المراتب لكان من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكانًا ما، إذا مات وجب أن يرث تلك الولاية عاصبه ووارثه، وهذا ما لا يقولونه، فكيف وقد صح بإجماع جميع أهل القبلة حاشا الروافض أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا نُورَثُ، ما تَرَكنَا صَدَقَةٌ" (¬1)؟ وأيضًا لم يكن العباس محيطًا بميراث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما كان يكون له ثلاثة أثمانه فقط. وأما ميراث المكانة: فقد كان العباس -رضي اللَّه عنه- حيًّا قائمًا إذ مات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فما ادعى العباس لنفسه قط في ذلك حقًّا، لا حينئذ، ولا بعد ذلك، وجاءت الشورى فما ذُكِر فيها، ولا أنكر هو ولا غيره تَرْكَ ذِكْرِه فيها؛ فصح أنه رأي محدث فاسد لا وجه له للاشتغال به، والخلفاء من ولده والأفاضل منهم من غير الخلفاء لا يرون لأنفسهم بهذه الدعوة؛ ترفعًا عن سقوطها ووهيها (¬2). • ثانيًا: الشيعة: وهؤلاء قصروها في علي -رضي اللَّه عنه- وولده من بعده، وإن اختلفوا بعد ذلك، فزعمت الزيدية منهم أنها لا تكون إلا في ولد علي -رضي اللَّه عنه-، في حين ادعت الرافضة الإمامية أنها في واحد مخصوص من أولاد علي -رضي اللَّه عنه-، وهو: محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر المنتظر (¬3). قال ابن حزم: "وعمدة هذه الطوائف كلها في الاحتجاج بأحاديث موضوعة مكذوبة، لا يعجز عن توليد مثلها من لا دين له ولا حياء، ولا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم لا يصدقونا، ولا معنى لاحتجاجهم علينا بروياتهم فنحن ¬
[39/ 39] لا تجوز إمامة مولى قريش، ولا حليفهم، ولا ابن أخت قريش
لا نصدقها، وإنما يجب أن يحتج الخصوم بعضهم على بعض بما يصدقه الذي تُقام عليه الحجة به، سواء صدقه المحتج أو لم يصدقه؛ لأن من صدَّق بشيء ملزمه القول به، أو بما يوجبه العلم الضروري، فيصير الخصم يومئذ مكابرًا منقطعًا أن ثبت على ما كان عليه" (¬1).Rصحة الإجماع على أن الخلافة في جميع أفخاذ قريش، ولا تُقْصَر على بني هاشم، ولا يعتد بمن خالف من الفرق الأخرى. [39/ 39] لا تجوز إمامة مولى قريش، ولا حليفهم، ولا ابن أخت قريش • المراد بالمسألة: الاتفاق على أنه لا تجوز إمامة مولى قريش، ولا حليفهم، ولا ابن أخت قريش. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "صح إجماع أهل الحق على أن الخلافة لا يستحقها مولى قريش، ولا حليفهم، ولا ابن أخت القوم، وإن كان منهم" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل لذلك بالأحاديث الدالة على القرشية في ¬
الإمامة، ومنها: 1 - حديث معاوية -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ في قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَد إِلَّا كبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ" (¬1). 2 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا يَزَالُ الأمْرُ في قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ" (¬2). 3 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "النَّاسُ تَبَع لِقُرَيْشٍ في هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكافِرُهُمْ تبَعٌ لِكَافِرِهِمْ" (¬3). 4 - حديث أبي بكر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قُرَيْشٌ وُلاةُ هَذَا الأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ" (¬4). 5 - حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الأئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" (¬5). • وجه الدلالة: قال النووي: "هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرَّض بخلاف من غيرهم فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة" (¬6). قال ابن حزم: "فإن قال قائل: إن قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" (¬7)، يدخل في ذلك الحليف والمولى وابن الأخت؛ لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَوْلَى القَوْمِ مِنْهُمْ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَابْنُ أُخْتِ ¬
[40/ 40] لا يجوز تولية الكافر الإمامة
القَوْمِ مِنْهُمْ" (¬1). فالجواب -وباللَّه تعالى التوفيق-: أن الإجماع قد تيقن وصح على أن حكم الحليف والمولى وابن الأخت كحكم من ليس له حليف ولا مولى ولا ابن أخت، فمن أجاز الإمامة في غير هؤلاء جوزها في هؤلاء، ومن منعها من غير قريش منعها من الحليف والمولى وابن الأخت، فإذا صح البرهان بألا يكون إلا في قريش، لا فيمن ليسس قرشيًّا، صح بالإجماع أن حليف قريش ومولاهم وابن أختهم كحكم من ليسس قرشيًّا" (¬2).Rصحة الإجماع على أنه لا تجوز إمامة مولى قريش، ولا حليفهم، ولا ابن أخت قريش. [40/ 40] لا يجوز تولية الكافر الإمامة • المراد بالمسألة: اتفقوا على أنه لا تولى الإمامة لكافر. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "وَاتَّفَقُوا أَن الإمامة لَا تجوز لامْرَأَة وَلَا لكَافِر" (¬3) القاضي عياض (544 هـ) قال: "لا خلاف بين المسلمين أنه لا تنعقد الإمامة للكافر" (¬4)، نقله النووي (676 هـ) (¬5) الدمشقي (بعد 785 هـ) قال: "اتفق الأئمة على أن الإمامة فرض. . . وأن الإمامة لا تجوز لامرأة ولا لكافر" (¬6) ملا علي القاري (1014 هـ) قال: "أجمعوا على أن الإمامة لا تنعقد لكافر" (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: استدلوا بأدلة من الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (¬6). • وجه الدلالة: أنه بكفر الإمام جعل أعظم سبيل على المؤمنين (¬7). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬8). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "ينهى اللَّه -تعالى- عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يعني: مصاحبتهم، ومصادقتهم، ومناصحتهم، وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم" (¬9). ولا قيام للإمامة بغير ذلك. ¬
• ثانيًا السنة: 1 - حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا، ويُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: "إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّه فِيهِ بُرْهَانٌ" (¬1). 2 - حديث عَوْفِ بن مَالِكٍ -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عليهم، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ"، قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّه، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فقال: "لَا، ما أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ" (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن بطال: "فدل هذا كله على ترك الخروج على الأئمة، وألا يُشق عصا المسلمين، وألا يتسبب إلى سفك الدماء وهتك الحريم، إلا أن يكفر الإمام، ويظهر خلاف دعوة الإسلام" (¬3).Rصحة الإجماع على أن الإمامة لا تُولى لكافر. ¬
الفصل الخامس مسائل الإجماع فيما يجب للإمام على رعيته
الفصل الخامس مسائل الإجماع فيما يجب للإمام على رعيته [41/ 41] وجوب طاعة الإمام وخدمته في كل أمر وتحرم إذا أمر بمعصية • المراد بالمسألة: الاتفاق على وجوب طاعة الإمام وخدمته في كل ما أمر، وتحرم طاعته وخدمته فيما يأمر به إذا كان معصية. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أن الإمام الْوَاجِب إمامته، فإن طَاعَته فِي كل مَا أَمر مَا لم يكن مَعْصيّة فرض، والقتال دونه فرض، وخدمته فِيمَا أَمر بِهِ وَاجِبَة" (¬1)، نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع العلماء على أن من أمر بمنكر لا تلزم طاعته" (¬3) القاضي عياض (544 هـ) قال: "لا خلاف في وجوب طاعة الأمراء فيما لا يخالف أمر اللَّه، ما لم يأمر بمعصية" (¬4) نقله النووي (676 هـ) (¬5)، والعيني (855 هـ) (¬6) ابن القطان (628 هـ) قال: "أجمعوا على أن السمع والطاعة واجبة لأئمة المسلمين" (¬7) ابن تيمية (728 هـ) قال: "على أن أطيع اللَّه ورسوله، وأطيع أولي الأمر إذا أمروني بطاعة اللَّه، فإذا أمروني بمعصية اللَّه فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، هكذا دل عليه الكتاب والسنة، واتفق عليه أئمة المسلمين" (¬8) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "يجب امتثال أوامر الإمام فيما يقوى به أمره، كالحقوق والشعار، إجماعًا، لا فيما يخص نفسه" (¬9) ¬
الشنقيطي (1393 هـ) قال: "أجمع جميع المسلمين على أنه لا طاعة لإمام ولا غيره في معصية اللَّه تعالى" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬7). روى ابن جرير الطبري أقوال السلف في المقصود بأولي الأمر في هذه الآية، ثم قال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: هم الأمراء والولاة؛ لصحة الأخبار عن رسول اللَّه بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعة وللمسلمين مصلحة" (¬8). وقال ابن كثير: "هذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال -تعالى-: {أَطِيعُوا اللَّهَ} أي: اتبعوا كتابه، {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أي: خذوا بسنته، {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} أي: فيما أمروكم به من طاعة اللَّه لا في معصية اللَّه" (¬9). ¬
• وجه الدلالة: وجوب طاعة أولي الأمر ما أطاعوا اللَّه. • ثانيًا: السنة: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعْ الأمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي" (¬1). 2 - حديث أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ" (¬2). 3 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ" (¬3). 4 - حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: بَعَثَ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا، فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- فِرَارًا مِنَ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا! فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ: "لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ في المَعْرُوفِ" (¬4). 5 - حديث حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نَعَمْ"، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَاي، ¬
[42/ 42] أحكام من ولاه الإمام نافذة
وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ"، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ" (¬1). • وجه الدلالة: وجوب طاعة أولي الأمر ما أطاعوا اللَّه ولم يأمروا بمعصية.Rصحة الإجماع على وجوب طاعة الإمام وخدمته في كل ما أمر، وتحرم طاعته وخدمته فيما يأمر به إذا كان معصية. [42/ 42] أحكام من ولاه الإمام نافذة • المراد بالمسألة: اتفقوا أن أحكام من ولاه الإمام نافذة كأحكام الإمام. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أن الإمام الْوَاجِب إمامته. . . وأحكامه وأحكام من ولَّى نافذة" (¬2)، نقله ابن القطان (628 هـ) (¬3). السيد البكري (¬4) (1302 هـ) قال: "أجمعت الأمة -كما قاله الأذرعي (¬5) - على تنفيذ أحكام الخلفاء الظلمة، وأحكام من ولوه" (¬6). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما يلي: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعْ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي" (¬4). 2 - حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: بَعَثَ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا، فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- فِرَارًا مِنَ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا! فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ: "لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ في المَعْرُوفِ" (¬5). • وجه الدلالة: لَمَّا كان الإمام منصوبًا لنوعين من المصالح: اللذين بهما انتظام الملة والمدن، وإنما بُعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأجلهما، والإمام نائبه ومنفذ أمره، كانت طاعته طاعة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعصيته معصية رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أن يأمر بالمعصية، فحينئذ ظهر أن طاعته ليست بطاعة اللَّه، وأنه ليس نائب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6).Rصحة الإجماع على أن أحكام من ولاه الإمام نافذة كأحكام الإمام. ¬
[43/ 43] أحكام من عزله الإمام غير نافذة
[43/ 43] أحكام من عزله الإمام غير نافذة • المراد بالمسألة: العزل لغة: الإبعاد والتنحية، يُقال: عزله عن الأمر أو العمل، أي: أبعده عنه ونحاه (¬1) العزل اصطلاحًا: لا يختلف الفحوى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، فعزل الإمام لوالٍ أو قاضٍ يعني: إبعاده وتنحيته عن ولايته (¬2). وقد اتفقوا على انتفاء نفوذ حكم من عزله الإمام، على أنه إذا حكم في أشياء قبل بلوغه العزل فإن أحكامه تنفذ؛ لضرورة الناس، وصيرورة مصالحها. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أن الإمام الْوَاجِب إمامته. . . وعزله من عزل نَافِذ" (¬3)، نقله ابن القطان (628 هـ) (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
[44/ 44] مناصحة الإمام إذا كان ممن يسمع النصيحة
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - أنه بعزله انتهت ولايته، ومبدأ ولايته كان بتعيين الإمام له، فإن عزله لم تعد له ثمة ولاية. 2 - ولأنه نائب عن الإمام يخرج من ذلك بكل ما يُخرج الوكيل (¬3).Rصحة الإجماع على أن أحكام من عزله الإمام غير نافذة. [44/ 44] مناصحة الإمام إذا كان ممن يسمع النصيحة • المراد بالمسألة: المناصحة لغة: من النصح وهو نقيض الغش، يُقال: نصحت له نصيحتي نصوحًا: أي أخلصت له، والاسم: النصيحة (¬4). والنصيحة: كلمة يُعبر بها عن جملة، هي: إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يُعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها (¬5). المناصحة اصطلاحًا: إخلاص القول والعمل من الغش. قال القرطبي: "النصح لأئمة المسلمين: ترك الخروج عليهم، وإرشادهم إلى الحق، وتنبيههم فيما أغفلوه من أمور المسلمين، ولزوم طاعتهم، والقيام بواجب حقهم" (¬6). وقد اتفق العلماء على وجوب النصح لأئمة المسلمين، حالة كونهم ممن يقبلون النصيحة. ¬
• من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "وأما مناصحة ولاة الأمر فلم يختلف العلماء في وجوبها، إذا كان السلطان يسمعها ويقبلها" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} (¬7). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "المقصود من هذه الآية: أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه" (¬8)، الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬9). • وجه الدلالة: في الآية مدحٌ لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير، وتواطؤوا على المنكر، زال عنهم المدح، ولحقهم الذم، وكان ذلك سببًا لهلاكهم (¬10). ¬
[45/ 45] يجوز لإمام قبول الهدايا
• ثانيًا السنة: الدليل الأول: حديث تميم الداري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: "للَّهِ، وَلكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" (¬1). قال ابن حجر: "والنصيحة لأئمة المسلمين: إعانتهم على ما حملوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسد خلتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن" (¬2). • وجه الدلالة: في هذا الحديث أن من الدين النصح لأئمة المسلمين، وهذا أوجب ما يكون، فكل من واكلهم وجالسهم، وكل من أمكنه نصح السلطان لزمه ذلك، إذا رجا أن يسمع منه (¬3). الدليل الثاني: حديث جرير بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" (¬4). • وجه الدلالة: جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النصيحة للمسلمين شرطًا في الذي يبايع عليه، كالصلاة والزكاة (¬5).Rصحة الإجماع على وجوب النصح لأئمة المسلمين متى كانوا يقبلون النصيحة. [45/ 45] يجوز لإمام قبول الهدايا • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أن الإمام له أن يقبل الهدية أو يردها. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) قال: "روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: ¬
"إنَّا نَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَنُكَافِئُ عَلَيْهَا" (¬1)، وأجمع المسلمون على إباحتها" (¬2) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "وقبوله -أي: النبي -رضي اللَّه عنه- الهدية من المسلمين والكفار أشهر وأعرف عند العلماء من أن يحتاج إلى شاهد على ذلك ما هنا، إلا أن ذلك لا يجوز لغير النبي -عليه السلام- إذا كان قبولها على جهة الاستبداد بها دون رعيته؛ لأنه إنما أقبل ذلك إليه من أجل أنه أمير رعيته، وليس النبي -عليه السلام- في ذلك كغيره؛ لأنه مخصوص بما أفاء اللَّه عليه من غير قتال من أموال الكفار، من ما جلوا عنه بالرعب، من غير إيجاف بخيل ولا ركاب، يكون له دون سائر الناس، ومن بعده من الأئمة حكمه في ذلك خلاف حكمه، لا يكون له خاصة دون سائر المسلمين، بإجماع من العلماء" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من السنة: 1 - حديث الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ -رضي اللَّه عنه- أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا في وَجْهِهِ قَالَ: "أَمَا إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ" (¬7). 2 - حديث عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ ويُثِيبُ عليها" (¬8). ¬
3 - حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "أُهْدِيَ لِلنَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا. . . " (¬1). 4 - حديث أنس -رضي اللَّه عنه- قال: "إِنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬2). • وجه الدلالة: يؤخذ من هذه الأحاديث جواز قبول الإمام للهدايا، ولو من مشرك، إلا تكون مقابل إبطال حق، أو إحقاق باطل. ونوقش: 1 - بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذم هدايا العمال، كما سيأتي في أدلة المخالفين. 2 - وأن قبول الهدية من خواص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو معصوم مما يُتقى على غيره منها (¬3). • من خالف الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، ¬
[46/ 46] تحريم الخروج على الإمام العادل
والظاهرية (¬1) واستدلوا على ذلك بأدلة من السنة، والآثار: • أولًا: السنة: حديث أَبى حُمَيْدٍ السَّاعِدِي -رضي اللَّه عنه- قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ، عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِىَ لِي، فَقَالَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ (¬2)، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ (¬3)، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ (¬4) (¬5). • وجه الدلالة: حرمة الإهداء للعمال، فكيف برئيسهم؛ فتعليل النبي -كما ذكر ابن عابدين- دليل على تحريم الهدية التي سببها الولاية (¬6). • ثانيًا: الآثار: قول عمر بن عبد العزيز -رحمه اللَّه-: "إن الهدية كانت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هدية، وهي لنا رشوة" (¬7).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [46/ 46] تحريم الخروج على الإمام العادل • المراد بالمسألة: اتفقت الأمة على حرمة الخروج عن طاعة الإمام العادل. • من نقل الإجماع: القاضي عياض (544 هـ) قال: "لا يجوز الخروج على الإمام العدل باتفاق" (¬8). ابن تيمية (728 هـ) قال: "وهذا خلاف ما تواترت به السنن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم من نهيه عن قتل ولاة الأمور وقتالهم كما تقدم بيانه، ثم الأمة متفقة على خلاف هذا، فإنها لم تقتل كل من تولى ¬
أمرها، ولا استحلت ذلك" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬7). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "هذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال -تعالى-: {أَطِيعُوا اللَّهَ} أي: اتبعوا كتابه، {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أي: خذوا بسنته، {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} أي: فيما أمروكم به من طاعة اللَّه لا في معصية اللَّه" (¬8). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} (¬9). • وجه الدلالة: قال ابن جرير الطبري: "لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده اللَّه الجنة بوفائه بالبيعة، فلم يضر بنكثه غير نفسه، ولم ينكث إلا عليها" (¬10). ¬
• ثانيًا: السنة: 1 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ" (¬1). 2 - حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا، وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: "إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّه فِيهِ بُرْهَانٌ" (¬2). 3 - حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: بَعَثَ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا، فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- فِرَارًا مِنَ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا! فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ: "لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ في المَعْرُوفِ" (¬3). • وجه الدلالة: قال ابن حجر العسقلاني: "ومقتضاه: أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل" (¬4). 4 - حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إن اسْتَطَاعَ، فإنْ جاء آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ" (¬5). ¬
[47/ 47] تحريم الخروج على الإمام الفاسق
• وجه الدلالة: وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، وتحريم الخروج عن طاعته.Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [47/ 47] تحريم الخروج على الإمام الفاسق • المراد بالمسألة: اتفقت الأمة على حرمة الخروج عن طاعة ولي الأمر، والصبر على جوره وفسقه؛ توقيًا للفتن وإراقة الدماء، إلا إن دعا إلى كفر، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: "وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين" (¬1) نقله زكريا الأنصاري (926 هـ) (¬2)، وعبد الحميد الشرواني (1301 هـ) (¬3) ملا علي القاري (1014 هـ) قال: "وخروج جماعة من السلف على الجورة كان قبل استقرار الإجماع على حرمة الخروج على الجائر" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). ¬
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬1). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "هذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال -تعالى-: {أَطِيعُوا اللَّهَ} أي: اتبعوا كتابه، {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أي: خذوا بسنته، {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} أي: فيما أمروكم به من طاعة اللَّه لا في معصية اللَّه" (¬2). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} (¬3). • وجه الدلالة: قال ابن جرير الطبري: "فإنما ينقض بيعته؛ لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده اللَّه الجنة بوفائه بالبيعة، فلم يضر بنكثه غير نفسه، ولم ينكث إلا عليها" (¬4). • ثانيًا: السنة: 1 - حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ من رضي وَتَابَعَ"، قالوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قال: "لَا، ما صَلَّوْا" (¬5). • وجه الدلالة: فيه عدم جواز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق، ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام (¬6). 2 - حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ ¬
بَعْدِي أَثَرَةً (¬1) وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا"، قالوا: فما تَأْمُرُنَا يا رَسُولَ اللَّه؟ قال: "أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّه حَقَّكُمْ" (¬2). 3 - حديث حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَاي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَان إِنْسٍ"، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ" (¬3). • وجه الدلالة: يستدل من هذه الأحاديث على وجوب طاعة أولي الأمر ما أطاعوا اللَّه ولم يأمروا بمعصية. 4 - حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا، ويُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: "إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّه فِيهِ بُرْهَانٌ" (¬4). • وجه الدلالة: قال ابن حجر العسقلاني: "ومقتضاه: أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل" (¬5). • من خالف الإجماع: اختلف العلماء في مسألة الخروج على الإمام الفاسق، فقال البعض بعزله مطلقًا، وقال آخرون بالتفصيل: ¬
أولًا: القائلون بالعزل مطلقًا: الحنفية إن أمنوا وقوع الفتن (¬1)، والشافعي في القديم (¬2)، وإليه ذهب بعض أصحابه (¬3)، وهو قول بعض الحنابلة (¬4)، والظاهرية إن استمر على فسقه بعد نصحه (¬5)، والزيدية (¬6)، والمعتزلة (¬7)، والخوارج (¬8). وذهب الجصاص إلى أنه مذهب أبي حنيفة، وقال: "لا فرق عند أبى حنيفة بين القاضي وبين الخليفة في أن شرط كل واحد منهما العدالة، وأن الفاسق لا يكون خليفة، ولا يكون حاكمًا، كما لا تقبل شهادته ولا خبره. . . وكيف يكون خليفة وروايته غير مقبولة وأحكامه غير نافذة؟ ! . . . " (¬9). ونُقل عن الإمام مالك القول به (¬10). ونُقل عن الإمام أحمد أنه قال: "من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامة، وإن قدرتم على خلعه فافعلوا" (¬11). وقال ابن حزم: "إن سلَّ السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك" (¬12). ¬
• واستدلوا بأدلة من الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: 1 - قول اللَّه -تعالى-: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (¬1). • وجه الدلالة: أراد أن الظالم لا يكون إمامًا (¬2). قال الجصاص: "فثبت بدلالة هذه الآية بطلان إمامة الفاسق، وأنه لا يكون خليفة، وأن من نصب نفسه في هذا المنصب وهو فاسق لم يلزم الناس اتباعه ولا طاعته" (¬3). ونوقش: بانتفاء النص على الخروج على الأئمة، وإن كان ثمة نهي لتولية الفاسق ابتداءً. 2 - قول اللَّه -تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬4). • وجه الدلالة: الأمر بقتال الفئة الباغية، والتي معها الإمام الجائر؛ إذ يجب على المسلمين نصرتها وقتاله وإن لم يكن كفر كفرًا بواحًا. 3 - قول اللَّه -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬5). • وجه الدلالة: أن السكوت على الإمام الفاسق، وعدم الخروج عليه، هو عين التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه، وإنكاره بالخروج ونحوه من التعاون على البر والتقوى. 4 - قول اللَّه -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ¬
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (¬1). 5 - قول اللَّه -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} (¬2). • وجه الدلالة: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ألا ترى أن فسق وجور الحاكم منكر عظيم؟ • ثانيًا: السنة: 1 - حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" (¬3). 2 - أخرج مسلم في صحيحه عن طَارِقِ بن شهَابٍ أنه قال: أَوَّلُ من بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يوم الْعِيدِ قبل الصَّلَاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إليه رَجُلٌ فقال: الصَّلَاةُ قبل الْخُطْبَةِ، فقال: قد تُرِكَما هنالك، فقال أبو سَعِيدٍ الخدري -رضي اللَّه عنه-: أَمَّا هذا فَقَدْ قَضى ما عليه، سمعت رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَان" (¬4). • وجه الدلالة: في الحديثين أمر إيجاب لتغيير المنكر باليد لمن قدر على ذلك عند أئمة الجور (¬5). ¬
[48/ 48] معاقبة الخارج عن طاعة الإمام
ونوقش: بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال، وقد نص على ذلك الإمام أحمد، فقال: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح. فحينئذٍ جهاد الأمراء باليد: بأن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات، مثل: أن يريق خمورهم، أو يكسر آلات اللهو التي لهم، أو نحو ذلك، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك، وكل ذلك جائز، وليس هو من باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه، فإن هذا أكثر ما يُخشى منه أن يقتله الأمراء وحده، وأما الخروج عليهم بالسيف فيُخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [48/ 48] معاقبة الخارج عن طاعة الإمام • المراد بالمسألة: من سعى في إثارة الفتن، وترك طاعة الإمام، بالتهييج، أو الخروج للقتال ونحو ذلك، يُعاقب اتفاقًا. • من نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) قال: "لم يختلف أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في وجوب قتال الفئة الباغية بالسيف، إذا لم يردعها غيره" (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: "وَاتَّفَقُوا أن الإمام إذا كَانَ من ولد على وكان عدلا وَلم تتقدم بيعَته بيعَة أُخْرَى لإنسان حَيّ وَقَامَ عَلَيْهِ من هُوَ دونه أن قتال الآخر وَاجِب" (¬3). وقال: "ورجعوا إلى الاتفاق على قتال أهل الردة، بعد اختلاف عظيم كان منهم، ولكن الخلاف في هذا من أفحش الخطأ" (¬4) القاضي عياض (544 هـ) قال: "أجمع العلماء على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي، متى خرجوا على الإمام، وخالفوا رأى الجماعة، وشقوا العصا، وجب قتالهم بعد إنذارهم والاعتذار إليهم" (¬5). نقله النووي ¬
(676 هـ) (¬1) وابن مفلح (763) (¬2) والعراقي (806 هـ) (¬3) ابن قدامة (620 هـ) قال: "أجمعت الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على قتال البغاة" (¬4) الشوكاني (1250 هـ) قال: "واعلم أن قتال البغاة جائز إجماعًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬11). • وجه الدلالة: قال القرطبي: "في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية، المعلوم بغيها على الإمام، أو على أحد من المسلمين" (¬12). • ثانيًا: السنة: 1 - حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إن اسْتَطَاعَ، ¬
[49/ 49] حرمة نقض بيعة الإمام
فَإِنْ جاء آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ" (¬1). 2 - حديث عرفجة -رضي اللَّه عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ"، وفي رواية: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هذه الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْف كَائِنًا من كان" (¬2). • وجه الدلالة: قال النووي: "فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام، أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك، ويُنهى عن ذلك، فإن لم ينته قوتل، وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتل كان هدرًا" (¬3). 3 - حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُون مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬4). • وجه الدلالة: قال النووي: "هذا تصريح بوجوب قتال الخوارج والبغاة، وهو إجماع العلماء" (¬5).Rصحة الإجماع في معاقبة الخارج على الإمام. [49/ 49] حرمة نقض بيعة الإمام • المراد بالمسألة: يحرم نقض بيعة الإمام اتفاقًا، إلا لموجب شرعي يقتضي انتقاضها، كنحو ردة الإمام. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) قال -عقب روايته لحديث أَبِى هُرَيْرَةَ ¬
-رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا، فَإِنْ أَعْطَاهُ وَفَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ" (¬1) -: "وعلى ذلك الأمر بلا اختلاف". • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} (¬7). قال ابن جرير الطبري: "فإنما ينقض بيعته؛ لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده اللَّه الجنة بوفائه بالبيعة، فلم يضر بنكثه غير نفسه، ولم ينكث إلا عليها" (¬8). • وجه الدلالة: حرمة نقض البيعة بعد إقامتها. • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا، فَإِنْ أَعْطَاهُ وَفَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ" (¬9). ¬
• وجه الدلالة: الوعيد الشديد على نكث البيعة من أجل الدنيا، فدل على عظم جرمه. الدليل الثاني: "مَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إن اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جاء آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ" (¬1). • وجه الدلالة: وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة وعدم نقضها. الدليل الثالث: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" (¬2). أي: بيعة الإمام. • وجه الدلالة: وجوب عقد البيعة للإمام وعدم نقضها. الدليل الرابع: حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ أَعْطَى بَيْعَتَهُ ثُمَّ نَكَثَهَا، لَقِيَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَتْ مَعَهُ يَمِينُهُ" (¬3). • وجه الدلالة: فداحة فعل من نكث البيعة. وفي نكث البيعة والخروج على الإمام تفرقة للكلمة، وفي الوفاء بها تحصين للفروج والأموال، وحقن للدماء (¬4).Rصحة الإجماع على حرمة نقض بيعة الإمام. ¬
الفصل السادس مسائل الإجماع في حكم عزل الإمام ومبطلات الإمامة
الفصل السادس مسائل الإجماع في حكم عزل الإمام ومبطلات الإمامة [50/ 50] لا يجوز عزل الإمام بغير عذر • المراد بالمسألة: لا يجوز لأهل الحل والعقد خلع الإمام ما دام لم يأت بما يستحق عزله. • من نقل الإجماع: أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "من انعقدت له الإمامة بعقد واحد فقد لزمت، ولا يجوز خلعه من غير حدث وتغير أمر، وهذا مجمع عليه" (¬1)، نقله القرطبي (671 هـ) (¬2) المرداوي (885 هـ) قال: "وهل لهم عزله إن كان بسؤاله؟ فحكمه حكم من عزل نفسه، وإن كان بغير سؤاله لم يجز بغير خلاف" (¬3) الحجاوي (960 هـ) قال: "ولهم عزله إن سأل العزل، لقول الصديق: (أقيلوني أقيلوني)، وإلا حرم إجماعًا" (¬4) البهوتي (1051 هـ) قال: "وإن لم يسأل العزل حرم عزله إجماعًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما يلي: 1 - لأنا لو جوزنا ذلك لأدى إلى الفساد؛ لأن الآدمي ذو بدرات، فلا بد من ¬
[51/ 51] ليس للإمام أن يعزل نفسه بعد انعقاد إمامته بغير عذر
تغير الأحوال في كل وقت، فيعزلون واحدًا، ويولون آخر، وفي كثرة العزل والتولية زوال الهيبة، وفوات الغرض من انتظام الأمر (¬1). 2 - ولأنه الحافظ الأمين، فخلعه بغير ذنب جنته يداه مخالفة لهدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2).Rصحة الإجماع على أنه لا يجوز عزل الإمام بغير عذر. [51/ 51] ليس للإمام أن يعزل نفسه بعد انعقاد إمامته بغير عذر • المراد بالمسألة: إذا عزل الإمام نفسه بعد انعقاد إمامته بغير عذر، لم ينعزل إجماعًا. • من نقل الإجماع: أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْعَزِلَ بَعْدَ انْعِقَادِ إمَامَتِهِ إجْمَاعًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والأصح عند الشافعية (¬6)، وهو وجه عند الحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما يلي: 1 - لأن الحق في ذلك للمسلمين، لا له (¬8). 2 - ولأنه تقلد حقوق المسلمين فليس له التخلي عنها (¬9). • من خالف الإجماع: 1 - الشافعية في وجه: وقالوا: ينعزل لو عزل الإمام نفسه من غير عذر من ¬
عجز أو طلب تخفيف (¬1). واستدلوا: بأن إلزامه الاستمرار قد يضر به في آخرته ودنياه (¬2). 2 - الشافعية في وجه: وفرّقوا حال لم يول غيره، أو ولى من هو دونه، فلا ينعزل، وإن ولى مثله أو أفضل منه ففى الانعزال وجهان (¬3). 3 - الحنابلة في وجه (¬4). واستدلوا بأدلة من السنة، والآثار، والمعقول: • أولًا: السنة: حديث أَبِي بَكْرَةَ -رضي اللَّه عنه- قال: أَخْرَجَ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذَاتَ يَوْم الْحَسَنَ، فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّه أَنْ يُصلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ" (¬5). • وجه الدلالة: قال العيني: "ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة، وقد بايعه على الموت أربعون ألفًا، فصالحه رعاية لمصلحة دينه ومصلحة الأمة، وكفى به شرفًا وفضلًا" (¬6). ونوقش: بأنه في غير محل النزاع، ألا ترى أن ما فعله الحسن -رضي اللَّه عنه- لموجب المصلحة العامة؟ • ثانيًا: الآثار: روي أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- قام بعدما بويع له، وبايع له علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- وأصحابه، قام ثلاثًا يقول: "أيها الناس، قد أقلتكم بيعتكم، هل من كاره؟ "، فيقوم علي -رضي اللَّه عنه- في أوائل الناس فيقول: "لا واللَّه، لا نقيلك، ولا نستقيلك أبدًا، قدمك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تصلي ¬
[52/ 52] إذا طرأ على الإمام الكفر انعزل
بالناس، فمن ذا يؤخرك؟ " (¬1). قال القرطبي: "فلو لم يكن له أن يفعل ذلك لأنكرت الصحابة ذلك عليه، ولقالت له: ليس لك أن تقول هذا، وليس لك أن تفعله، فلما أقرته الصحابة على ذلك عُلِم أن للإمام أن يفعل ذلك" (¬2). ونوقش: بأنه ضعيف، وفي متنه نكارة (¬3)، وعلى فرض صحته فهو يدل على الزهد في الولاية، والورع فيها، وخوف اللَّه أن لا يقوم بحقوقها (¬4). • ثالثًا: المعقول: 1 - أن الإمام ناظر للغيب، فيجب أن يكون حكمه حكم الحاكم، والوكيل إذا عزل نفسه، فإن الإمام هو وكيل الأمة ونائب عنها، ولما اتفق على أن الوكيل والحاكم وجميع من ناب عن غيره في شيء له أن يعزل نفسه، وكذلك الإمام يجب أن يكون مثله (¬5). 2 - ولأن تصرفه على الناس بطريق الوكالة لهم، فهو وكيل المسلمين، فله عزل نفسه" (¬6).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [52/ 52] إذا طرأ على الإمام الكفر انعزل • المراد بالمسألة: أجمعوا على عزل الإمام إذا طرأ عليه الكفر. • من نقل الإجماع: القاضي عياض (544 هـ) قال: "لا خلاف بين المسلمين ¬
أنه لا تنعقد الإمامة للكافر، ولا تستديم له إذا طرأ عليه" (¬1)، نقله النووي (676 هـ) (¬2) وعبد الحميد الشرواني (1301 هـ) (¬3) ابن حجر (852 هـ) قال: "ينعزل -الإمام- بالكفر إجماعًا" (¬4) ملا علي القاري (1014 هـ) قال: "أجمعوا على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، ولو طرأ عليه الكفر انعزل" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: استدلوا بأدلة من الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (¬11). • وجه الدلالة: أنه بكفر الإمام جعل أعظم سبيل على المؤمنين (¬12). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ ¬
[53/ 53] لا ينعزل الإمام بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق
الْمُؤْمِنِينَ} (¬1). • وجه الدلالة: ينهى اللَّه -تعالى- عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين (¬2). • ثانيًا السنة: حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا، ويُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: "إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّه فِيهِ بُرْهَانٌ" (¬3). • وجه الدلالة: أنه بكفر الإمام تنخرم وظيفته الأساسية، ويبطل مقصودها من حراسة الدين وسياسة الدنيا؛ فوجب عزله.Rصحة الإجماع؛ لعدم وجود المخالف. [53/ 53] لا ينعزل الإمام بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق • المراد بالمسألة: اختلف أهل العلم فيما إذا انعقدت الإمامة لعدل ثم طرأ عليه فسق، فمن قائل باستدامة العقد ما لم يصل به الفسق إلى ترك الصلاة أو الكفر، ومن قائل بأنه يستحق العزل وتنتقض بيعته، وفصل آخرون في قول ثالث. بَيْدَ أنه من المستقر عليه أنه ليس كل من استحق العزل يُعزل، وإنما مدار الأمر على فقه السياسة الشرعية، والمصالح المبتغاة من ذلك، وعظيم الأضرار التي ستنجم بالبلاد والعباد فيما لو فشلت محاولة عزله، وبالأحرى فإن كانت ثمة فتنة أكبر لم يجز عزله، ألا ترى أنه لا يجوز إنكار المنكر بمنكر أعظم منه؟ أما إذا أمنت الفتنة، وقدر على عزله بوسيلة لا تؤدي إلى فتنة، فحالئذ يتولى أهل الحل والعقد القيام بعزله، أليسوا هم الذين دشنوا معه عقد الإمامة؟ فهم الذين يملكون نقضه. ¬
• من نقل الإجماع: أبو اليسر البزدوي (493 هـ) قال: "وجه قول أهل السنة والجماعة -في أن الإمام إذا جار أو فسق لا ينعزل- إجماع الأمة؛ فإنهم رأوا الفساق أئمة" (¬1) النووي (676 هـ) قال: "أجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق"، وقال -أيضًا-: "قال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل بالفسق، والظلم، وتعطيل الحقوق" (¬2)، نقله المباركفوري (1353 هـ) (¬3) ملا علي القاري (1014 هـ) قال: "أجمع أهل السنة على أن السلطان لا يُعزل بالفسق؛ لتهييج الفتن في عزله، وإراقة الدماء، وتفريق ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي (¬7)، ومذهب الحنابلة (¬8)، والظاهرية -إن كف وآب إلى الحق- (¬9). ونُسب إلى الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة التي حدثت بين علي ومعاوية رضي اللَّه عنهما، وهم: سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، رضي اللَّه عنهم وأرضاهم (¬10). وهو قول الحسن البصري (¬11)، ومذهب عامة أهل الحديث. ¬
قال أبو يعلى: "ذكر شيخنا أبو عبد اللَّه في كتابه عن أصحابنا أنه لا ينخلع بذلك، أي: بفسق الأفعال، كأخذ الأموال وضرب الأبشار، ولا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه وتخويفه، وترك طاعته في شئ مما يدعو إليه من معاصي اللَّه تعالى" (¬1). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة، والآثار: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن تيمية: "والفاسق إذا أمر بما هو طاعة للَّه لم تحرم طاعة اللَّه، ولا يسقط وجوبها لأجل أمر ذلك الفاسق بها، كما أنه إذا تكلم بحق لم يجز تكذيبه، ولا يسقط وجوب اتباع الحق لكونه قد قاله فاسق، فأهل السنة لا يطيعون ولاة الأمور مطلقًا إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . فأمر بطاعة اللَّه مطلقًا، وأمر بطاعة الرسول؛ لأنه لا يأمر إلا بطاعة اللَّه، ومن يطع الرسول فقد أطاع اللَّه، وجعل طاعة أولي الأمر داخلة في ذلك" (¬3). • ثانيًا: السنة: 1 - حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ من رضي وَتَابَعَ"، قالوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قال: "لَا، ما صَلَّوْا" (¬4). • وجه الدلالة: أن ظلم الأمراء أو فسقهم لا يقتضي عزلهم والخروج عليهم، ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام (¬5). ¬
• ثانيًا: السنة: 1 - حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُوْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" (¬1). 2 - أخرج مسلم في صحيحه عن طَارِقِ بن شِهَاب أنه قال: أَوَّلُ من بَدَأَ بِالْخُطبَةِ يوم الْعِيدِ قبل الصَّلَاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إليه رَجُلٌ فقال: الصلَاةُ قبل الْخُطْبَةِ، فقال: قد تُرِكَ ما هنالك، فقال أبو سَعِيدٍ الخدري -رضي اللَّه عنه-: أَمَّا هذا فَقَدْ قَضَى ما عليه، سمعت رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" (¬2). • وجه الدلالة: في الحديثين أمر إيجاب لتغيير المنكر باليد لمن قدر على ذلك عند أئمة الجور (¬3). ونوقش: بأن التغيير باليد لا يستلزم عزلهم وقتالهم، بل يكفي أن يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك (¬4). ثانيًا: من فصّل من جهة فحوى الفسق: قسّم الماوردي الفسق المانع لعقد الإمامة واستدامتها على ضربين، فقال: "فأما الجرح في عدالته -وهو الفسق- فهو على ضربين: أحدهما: ما تابع فيه الشهوة، والثاني: ما تعلق فيه بشبهة. فأما الأول منهما فمتعلق بأفعال الجوارح، وهو: ارتكابه للمحظورات، ¬
2 - حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً (¬1) وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا"، قالوا: فما تَأْمُرُنَا يا رَسُولَ اللَّه؟ قال: "أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّه حَقَّكُمْ" (¬2). • وجه الدلالة: فيه الأمر بألا ننزع يدًا من طاعة، ولا أن ننابذهم، بل نسأل اللَّه الذي لنا، ونقوم بالحق الذي علينا، وفيه استعمال الحكمة في الأمور التي قد تقتضي الإثارة، فإنه لا شك أن استئثار الولاة بالمال دون الرعية يوجب أن تثور الرعية وتطالب بحقها، ولكن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بالصبر على هذا، وأن نقوم بما يجب، وأن نسأل اللَّه الذي لنا" (¬3). 3 - حديث حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نَعَمْ"، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَاي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَان إِنْسٍ"، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ" (¬4). • وجه الدلالة: فيه الأمر بألا ننزع يدًا من طاعة، ولا أن ننابذهم، ما لم يأمروا بمعصية. ونوقش: بأن أخذ مال مسلم أو ذمي بغير حق، وضرب ظهره بغير حق، إثم وعدوان وحرام، فالمُسَلِّم ماله للأخذ ظلمًا، وظهره للضرب ظلمًا، وهو يقدر على الامتناع من ذلك بأي وجه أمكنه، معاون لظالمه على الإثم والعدوان، وهذا حرام بنص القرآن (¬5). ¬
ونوقش: بأن ذلك في حال التغلب لا في حال الاختيار (¬1). • من خالف الإجماع: أولًا: القائلون بالعزل مطلقًا: الحنفية إن أمنوا وقوع الفتن (¬2)، والشافعي في القديم (¬3)، وإليه ذهب بعض أصحابه (¬4)، وهو قول بعض الحنابلة (¬5)، والظاهرية إن استمر على فسقه بعد نصحه (¬6)، والزيدية (¬7)، والمعتزلة (¬8)، والخوارج (¬9). وذهب الجصاص إلى أنه مذهب أبي حنيفة، وقال: "لا فرق عند أبى حنيفة بين القاضي وبين الخليفة في أن شرط كل واحد منهما العدالة، وأن الفاسق لا يكون خليفة، ولا يكون حاكمًا، كما لا تقبل شهادته ولا خبره. . . وكيف يكون خليفة وروايته غير مقبولة وأحكامه غير نافذة؟ ! . . . " (¬10). ونقل عن الإمام مالك القول به (¬11). ونُقل عن الإمام أحمد أنه قال: "من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامة، وإن قدرتم على خلعه فافعلوا" (¬12). ¬
وقال ابن حزم: "إن سلَّ السيوف في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك" (¬1). واستدلوا بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: 1 - قول اللَّه -تعالى-: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (¬2). • وجه الدلالة: أراد أن الظالم لا يكون إمامًا (¬3). قال الجصاص: "فثبت بدلالة هذه الآية بطلان إمامة الفاسق" (¬4). 2 - قول اللَّه -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬5). • وجه الدلالة: أن السكوت على الإمام الفاسق، وعدم الخروج عليه، هو عين التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه، وإنكاره بعزله والخروج ونحوه من التعاون على البر والتقوى. 3 - قول اللَّه -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (¬6). 4 - قول اللَّه -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} (¬7). • وجه الدلالة: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفسق وجور الحاكم منكر عظيم. ¬
• ثانيًا: السنة: 1 - حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُوْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" (¬1). 2 - أخرج مسلم في صحيحه عن طَارِقِ بن شِهَاب أنه قال: أَوَّلُ من بَدَأَ بِالْخُطبَةِ يوم الْعِيدِ قبل الصَّلَاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إليه رَجُلٌ فقال: الصلَاةُ قبل الْخُطْبَةِ، فقال: قد تُرِكَ ما هنالك، فقال أبو سَعِيدٍ الخدري -رضي اللَّه عنه-: أَمَّا هذا فَقَدْ قَضَى ما عليه، سمعت رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" (¬2). • وجه الدلالة: في الحديثين أمر إيجاب لتغيير المنكر باليد لمن قدر على ذلك عند أئمة الجور (¬3). ونوقش: بأن التغيير باليد لا يستلزم عزلهم وقتالهم، بل يكفي أن يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك (¬4). ثانيًا: من فصّل من جهة فحوى الفسق: قسّم الماوردي الفسق المانع لعقد الإمامة واستدامتها على ضربين، فقال: "فأما الجرح في عدالته -وهو الفسق- فهو على ضربين: أحدهما: ما تابع فيه الشهوة، والثاني: ما تعلق فيه بشبهة. فأما الأول منهما فمتعلق بأفعال الجوارح، وهو: ارتكابه للمحظورات، ¬
[54/ 54] تبطل الإمامة بالإقعاد الميؤوس والجذام والعمى الميؤوس
وإقدامه على المنكرات تحكيمًا للشهوة وانقيادًا للهوى، فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها، فإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها، فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى الإمامة إلا بعقد جديد. وقال بعض المتكلمين: يعود إلى الإمامة بعوده إلى العدالة، من غير أن يُستأنف له عقد ولا بيعة؛ لعموم ولايته، ولحوق المشقة في استئناف بيعته. وأما الثاني منهما فمتعلق بالاعتقاد المتأول بشبهة تعترض فيتأول لها خلاف الحق، فقد اختلف العلماء فيها، فذهب فريق منهم إلى أنها تمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها، ويخرج بحدوثه منها؛ لأنه لما استوى حكم الكفر بتأويل وغير تأويل وجب أن يستوي حال الفسق بتأويل وغير تأويل، وقال كثير من علماء البصرة: إنه لا يمنع من انعقاد الإمامة، ولا يخرج به منها، كما لا يمنع من ولاية القضاء وجواز الشهادة" (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [54/ 54] تبطل الإمامة بالإقعاد الميؤوس والجذام والعمى الميؤوس • المراد بالمسألة: اشترط أهل العلم سلامة الأعضاء مما يعوق استيفاء الحركة للنهوض بمهام الإمامة الكبرى اتفاقًا، فلا تصح إمامة مقطوع الرجلين بدايةً؛ إذ يحول ذلك بينه وبين أداء مهامه لو ولي الإمامة، ويمنع استدامتها فيما لو طرأ عليه بعدئذ، وكذلك لو طرأ عليه علة تتآكل منها الأعضاء وتتساقط، أو حل به عمى ميؤوس. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "وأما جماعة أهل السنة وأئمتهم فقالوا: هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلًا، عالِمًا، عدلًا، محسنًا، قويًّا على القيام كما يلزمه في الإمامة" (¬2). ولا يكون قويًّا على القيام بمهام الإمامة وقد ألم به إقعاد ميؤوس، أو اعتراه الجذام، أو حل به عمى ميؤوس. أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "وَتَبْطُلُ إمَامَتُهُ بِالْجُنُونِ ¬
الْمُطْبِقِ، وَالْعَمَى الميؤوس، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، إجْمَاعًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: واستدلوا بالكتاب، والمعقول: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} (¬6). قال ابن كثير: "ينبغي أن يكون الملك ذا علم، وشكل حسن، وقوة شديدة في بدنه ونفسه" (¬7). • وجه الدلالة: أنه بدأ بالعلم، ثم ذكر ما يدل على القوة وسلامة الأعضاء، فسلامة الأعضاء من شرط اصطفائه للملك (¬8). • ثانيًا: المعقول: 1 - أن المقصود بالولاية العامة هو تدبير أمور الناس على العموم ¬
[55/ 55] تبطل الإمامة بالجنون الذي لا يرجى زواله
والخصوص، وإجراء الأمور مجاريها، ووضعها مواضعها على وجه التمام (¬1)، ويحول دون ذلك الإقعاد والعمى والجذام. 2 - ولأن ذلك يؤثر في تمام عمله وقيامه بما جعل إليه (¬2). 3 - ويمنع استيفاء الحركة للنهوض بمهام الإمامة. 4 - ويعود بالضرر على حقوق ومصالح الأمة، والضرر ممنوع. • من خالف الإجماع: خالف ابن حزم الظاهري الإجماع وأجاز إمامة من في خلقه عيب، وقال: "ولا يضر الإمام أن يكون في خلقه عيب، كالأعمى، والأصم، والأجدع، والأجذم، والذي لا يدان له ولا رجلان، ومن بلغ الهرم، ما دام يعقل، ولو أنه ابن مائة عام، ومن يعرض له الصرع ثم يفيق، ومن بويع أثر بلوغه الحلم وهو مستوف لشروط الإمامة، فكل هؤلاء إمامتهم جائزة؛ إذ لم يمنع منها نص قرآن، ولا سنة، ولا إجماع، ولا نظر، ولا دليل أصلًا، بل قال -تعالى-: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} (¬3) " (¬4).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [55/ 55] تبطل الإمامة بالجنون الذي لا يُرجى زواله • المراد بالمسألة: أجمع علماء الأمة على اشتراط العقل في الإمام، فلا تُستدام لمن طرأ عليه جنون لا يُرجى زواله. • من نقل الإجماع: الجويني (478 هـ) قال: "الجنون المطبق الذي لا يُرجى زواله يتضمن الانخلاع بالإجماع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (¬5). قال أبو بكر ابن العربي: "السفيه: المتناهي في ضعف العقل وفساده، كالمجنون والمحجور عليه" (¬6). وقول اللَّه -تعالى-: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} (¬7). والمراد بالسفيه في هذه الآية: "كل جاهل بموضع خطأ ما يُمل وصوابه، من بالغي الرجال الذين لا يُولَّى عليهم"، قاله الطبري (¬8). قال الشافعي: "أثبت الولاية على السفيه والضعيف والذي لا يستطيع أن يُمل هو، وأمر وليه بالإملاء عليه؛ لأنه أقامه فيما لا غَنَاء به عنه من ماله مقامه" (¬9). • وجه الدلالة: أن اللَّه -جل وعلا- لم يجعل لضعيف العقل ولاية على نفسه، فإن لم يل أمر نفسه فأمر غيره أولى، فبالجنون تنسلب الولايات واعتبار الأقوال (¬10). • ثانيًا: السنة: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رُفِعَ ¬
[56/ 56] يعزل الإمام نفسه إذا لم يقدر على القيام بأعباء الإمامة
الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ" (¬1). • وجه الدلالة: أن العقل مناط التكليف؛ لأن التكليف مقتضاه الطاعة والامتثال، ولا يمكن ذلك إلا بقصد الامتثال، وشرط القصد: العلم بالمقصود والفهم للتكليف، ولا يتصورا في حق المجنون (¬2).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [56/ 56] يعزل الإمام نفسه إذا لم يقدر على القيام بأعباء الإمامة • المراد بالمسألة: قد يرى الإمام عجزه عن القيام بمهام الإمامة؛ لهرم، أو مرض، أو لدرء فتنة ونحوها، فانه يجب عليه أن يعزل نفسه؛ حرصًا على مصلحة المسلمين. • من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) قال: "لما اتُّفق على أن الوكيل والحاكم وجميع من ناب عن غيره في شيء له أن يعزل نفسه، كذلك الإمام يجب أن يكون مثله" (¬3) الشنقيطي (1393 هـ) قال: "إن كان عزله لنفسه لموجب يقتضي ذلك، كإخماد فتنة كانت ستشتعل لو لم يعزل نفسه، أو لعلمه من نفسه العجز عن القيام بأعباء الخلافة، فلا نزاع في جواز عزل نفسه؛ ولذا أجمع جميع المسلمين على الثناء على سبط رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الحسن بن علي -رضي اللَّه عنهما- بعزل نفسه، وتسليمه الأمر إلى معاوية -رضي اللَّه عنه-، بعد أن بايعه أهل العراق؛ حقنًا لدماء المسلمين" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من السنة، والآثار، والمعقول: • أولًا: السنة: حديث أَبِي بَكْرَةَ -رضي اللَّه عنه- قال: أَخْرَجَ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمِ الْحَسَنَ، فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّه أَنْ يُصلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ" (¬2). • وجه الدلالة: قال العيني: "ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة، وقد بايعه على الموت أربعون ألفًا، فصالحه رعاية لمصلحة دينه ومصلحة الأمة، وكفى به شرفًا وفضلًا" (¬3). ونوقش: بأنه في غير محل النزاع، ألا ترى أن ما فعله الحسن -رضي اللَّه عنه- لموجب المصلحة العامة؟ • ثانيًا: الآثار: روي أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- قام بعدما بويع له، وبايع له علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- وأصحابه، قام ثلاثًا يقول: "أيها الناس، قد أقلتكم بيعتكم، هل من كاره؟ "، فيقوم علي -رضي اللَّه عنه- في أوائل الناس فيقول: "لا واللَّه، لا نقيلك، ولا نستقيلك أبدًا، قدمك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تصلي بالناس، فمن ذا يؤخرك؟ " (¬4). قال القرطبي: "فلو لم يكن له أن يفعل ذلك لأنكرت الصحابة ذلك عليه، ولقالت له: ليس لك أن تقول هذا، وليس لك أن تفعله، فلما أقرته الصحابة على ذلك عُلِم أن للإمام أن يفعل ذلك" (¬5). ونوقش: بأنه ضعيف، وفي متنه نكارة (¬6)، وعلى فرض صحته فهو يدل على الزهد في الولاية، والورع فيها، وخوف اللَّه ألا يقوم بحقوقها (¬7). ¬
[57/ 57] يجب على المسلمين اختيار إمام إذا مات إمامهم
• ثالثًا: المعقول: 1 - أن العزل إذا تحقق وجب زوال ولايته؛ لفوات المقصود منها (¬1). 2 - ولأنه كما لم تلزم الإجابة إلى المبايعة، لا يلزمه الثبات (¬2). • من خالف الإجماع: الشافعية في وجه (¬3). قال القلشقندي: "أما إذا عزل نفسه لغير عجز ولا ضعف، بل آثر الترك؛ طلبًا للتخفيف، حتى لا تكثر أشغاله في الدنيا، ويتسع حسابه في الآخرة، ففيه لأصحابنا الشافعية وجهان في التتمة: أحدهما: الانعزال؛ لأنه كما لم تلزم الإجابة إلى المبايعة لا يلزمه الثبات، والثاني: لا ينعزل؛ لأن الصديق -رضي اللَّه عنه- قال: (أقيلوني)، ولو كان عزل نفسه مؤثرًا لَمَا طلب الإقالة" (¬4). واستدلوا كذلك بما يلي: 1 - لأنه لا يحق له أن يعزل نفسه إلا بموجب قرار من انعقدت إمامته من قبلهم، ألا وهم أهل الحل والعقد، أليسوا نواب الأمة جمعاء؟ (¬5). 2 - ولأنه تقلد حقوق المسلمين فليس له التخلي عنها (¬6).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [57/ 57] يجب على المسلمين اختيار إمام إذا مات إمامهم • المراد بالمسألة: اتفاق الأمة جمعاء على وجوب تولية إمام لو مات إمامهم. • من نقل الإجماع: الخطابي (388 هـ) قال: "رُئيت الصحابة يوم مات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقضوا شيئًا من أمر دفنه وتجهيزه حتى أحكموا أمر البيعة، ونصبوا أبا بكر إمامًا وخليفة" (¬7). نقله عنه الحافظ العراقي ¬
(806 هـ) (¬1) القاضي عياض (544 هـ) قال: "لابد من إقامة خليفة، وهذا مما أجمع المسلمون عليه بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سائر الأعصار خلافًا للأصم" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-: "لا يَحِلُّ لِثَلاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلاةٍ من الْأَرْضِ إلا أَمَّرُوا عليهم أَحَدَهُمْ" (¬8). 2 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ" (¬9). 3 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا كان ثَلَاثَةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ" (¬10). • وجه الدلالة: أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع؛ لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أوجب -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع" (¬1).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
الفصل السابع مسائل الإجماع في واجبات الإمام
الفصل السابع مسائل الإجماع في واجبات الإمام [58/ 58] من واجبات الإمام حفظ الدين • المراد بالمسألة: إذا أسلمت الأمة مقادتها لكبير فيها، واجتمعت الكلمة على رأيه، وخضعت الآراء لحكمه، كان ذلك سببًا في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وقد أجمع علماء الأمة على أن ذلك من أهم واجبات الإمام. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) قال: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع" (¬1) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع المسلمون على الاستخلاف فيمن يقيم لهم أمر دينهم ودنياهم" (¬2). ملا علي القاري (1014 هـ) قال: "الإجماع على أن نصب الإمام واجب؛ لأن كثيرًا من الواجبات الشرعية يتوقف عليه، كتنفيذ أحكام المسلمين، وإقامة حدودهم، وسد ثغورهم، وتجهيز جيوشهم، وأخذ صدقاتهم، وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق، وإقامة الجمعة والأعياد، وتزويج الصغير والصغيرة اللذين لا أولياء لهما، وقسمة الغنائم، ونحو ذلك من الأمور التي لا يتولاها آحاد الأمة" (¬3). الشوكاني (1250 هـ) قال: "إجماع المسلمين أجمعين منذ قبض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى هذه الغاية، فما هو مرتبط بالسلطان من مصالح الدين والدنيا، ولو لم يكن منها إلا جمعهم على جهاد عدوهم، وتأمين سبلهم، وإنصاف مظلومهم من ظالمه، وأمرهم بما أمرهم اللَّه به، ونهيهم عما نهاهم اللَّه عنه، ونشر السنن، وإماتة البدع، وإقامة حدود اللَّه، فمشروعية نصب السلطان هي من هذه الحيثية" (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة وجوب نصب الإمام من الكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول، فنصبه مؤدٍّ لحفظ الدين واستقامة الدنيا. وقد نقلنا أدلة وجوب نصب الإمام من الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، والرد على من شذ عنه فيما سلف آنفًا (¬6). وفيما يلي مستند الإجماع من المعقول: 1 - لأن الإمام هو القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا (¬7). 2 - ولأن اللَّه -تعالى- قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. قال ابن رشد: "المعنى في هذا أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الناس مخافة السلطان، أكثر من الذين ينتهون عنها لأمر اللَّه، ففي الإمام صلاح الدين والدنيا" (¬8). ولقول اللَّه -تعالى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} (¬9)؛ لأن قوله: {وَأَنْزَلْنَا ¬
الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} فيه إشارة إلى إعمال السيف عند الإباء بعد إقامة الحجة (¬1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أخبر أنه أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط، وذكر أنه أنزل الحديد الذي به يُنصر هذا الحق، فالكتاب يهدى والسيف ينصر، وكفى بربك هاديًا ونصيرًا. ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد، كما قال من قال من السلف: صنفان إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء، والعلماء" (¬2). 3 - ولأن أكثر الواجبات تتوقف عليه كالجمعة والأعياد (¬3). قال ابن تيمية: "ولأن اللَّه -تعالى- أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد، والعدل، وإقامة الحج والجمع والأعياد، ونصر المظلوم، وإقامة الحدود، لا تتم إلا بالقوة والإمارة" (¬4). وقال الماوردي: "ثم لِمَا في السلطان من حراسة الدين والدنيا، والذب عنهما، ودفع الأهواء منه، وحراسة التبديل فيه، وزجر من شذ عنه بارتداد، أو بغى فيه بعناد، أو سعى فيه بفساد، وهذه أمور إن لم تنحسم عن الدين بسلطان قوي ورعاية وافية أسرع فيه تبديل ذوي الأهواء، وتحريف ذوي الآراء، فليس دين زال سلطانه إلا بُدِّلت أحكامه، وطُمست أعلامه، وكان لكل زعيم فيه بدعة، ولكل عصر فيه وهاية أثر، كما أن السلطان إن لم يكن على دين تجتمع به القلوب حتى يرى أهله الطاعة فيه فرضًا، والتناصر عليه حتمًا، لم يكن للسلطان لبث ولا لأيامه صفو، وكان سلطان قهر، ومفسدة دهر، ومن هذين الوجهين وجب إقامة إمام يكون سلطان الوقت وزعيم الأمة؛ ليكون الدين ¬
[59/ 59] قتال الطوائف الممتنعة عن شرائع الدين
محروسًا بسلطانه، والسلطان جاريًا على سنن الدين وأحكامه" (¬1). 5 - ولأنه لو تُرك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع، ولا يردعهم عن الباطل رادع لهلكوا، ولاستحوذ أهل الفساد على العباد (¬2)، وكما يقول القرافي: "لأن عدمها -أي: عدم الإمامة- يفضي إلى الهرج والتظالم، وذلك يجب السعي في إزالته، ولا طريق في مجرى العادة إلا الإمامة" (¬3).Rصحة الإجماع على أن من آكد واجبات الإمام حفظ الدين. [59/ 59] قتال الطوائف الممتنعة عن شرائع الدين • المراد بالمسألة: الاتفاق على قتال الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "اتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على قتالهم، حتى يؤدوا حق اللَّه في الزكاة، كما يلزمهم ذلك في الصلاة" (¬4) القاضي عياض (544 هـ) قال: "أجمع المسلمون على قتل الممتنع عن أداء الصلاة والزكاة مكذبًا بهما" (¬5) ابن قدامة (620 هـ) قال: "أجمع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على قتال مانعي الزكاة" (¬6) ابن تيمية (728 هـ) قال: "أيما طائفة انتسبت إلى الإسلام، وامتنعت عن بعض شرائعه الظاهرة المتواترة، فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين" (¬7). وقال أيضًا: "أجمع علماء المسلمين على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها، حتى يكون الدين كله للَّه" (¬8) نقله ابن مفلح (763) (¬9) والمرداوي ¬
(885 هـ) (¬1) والبهوتي (1051 هـ) (¬2) ومحمد بن عبد الوهاب (1206 هـ) (¬3) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: "اتفق الصحابة على قتال من جحد الزكاة" (¬4) العيني (855 هـ) قال: "أجمع العلماء على أن من نصب الحرب في منع فريضة، أو منع حقًّا يجب عليه لآدمي وجب قتاله" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة، والآثار: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (¬11). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "فمن كان مقيمًا على الربا لا ينزع عنه، كان حقًّا على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع، وإلا ضرب عنقه" (¬12). ¬
[60/ 60] قتال الخوارج وأشباههم إذا فارقوا جماعة المسلمين
• ثانيًا: السنة: حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬1). • وجه الدلالة: قال ابن تيمية: "فإذا كان الذين يقومون الليل، ويصومون النهار، ويقرؤون القرآن، أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتالهم؛ لأنهم فارقوا السنة والجماعة، فكيف بالطوائف الذين لا يلتزمون شرائع الإسلام؟ " (¬2). ثالثًا: الآثار: قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: "واللَّه لَأُقَاتِلَنَّ من فَرَّقَ بين الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فإن الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللَّه لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ على مَنْعِهَا". قال عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: "فَوَالله ما هو إلا أَنْ رأيت أَنْ قد شَرَحَ اللَّه صَدْرَ أبي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ" (¬3).Rصحة الإجماع على قتال الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام. [60/ 60] قتال الخوارج وأشباههم إذا فارقوا جماعة المسلمين • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي، متى خالفوا رأي الجماعة، وشقوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف، أن قتالهم واجب بعد إنذارهم والاعتذار إليهم. • من نقل الإجماع: ابن بطال (449 هـ) قال: "قال المهلب (¬4) (435 هـ) ¬
وغيره: أجمع العلماء أن الخوارج إذا خرجوا على الإمام العدل، وشقوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف، أن قتالهم واجب، وأن دماءهم هدر" (¬1) القاضي عياض (544 هـ) قال: "أجمع العلماء على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي، متى خالفوا رأي الجماعة، وشقوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف، أن قتالهم واجب بعد إنذارهم والاعتذار إليهم" (¬2) نقله النووي (676 هـ) (¬3) ابن قدامة (620 هـ) قال: "أجمعت الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على قتال البغاة، فإن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- قاتل مانعي الزكاة، وعلي -رضي اللَّه عنه- قاتل أهل الجمل وصفين وأهل النهروان" (¬4) ابن القطان (628 هـ) قال: "أجمعوا على أن قتال الخارجين حلال، إذا سفكوا الدماء، وأباحوا الحرم" (¬5) ابن تيمية (728 هـ) قال: "اتفق الصحابة وعلماء المسلمين على قتال الخوارج" (¬6) الدمشقي (بعد 785 هـ) قال: "اتفق الأئمة على أن الإمامة فرض، وأنه لابد للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين. . . وأنه لو خرج على إمام المسلمين أو عن طاعته طائفة ذات شوكة، وكان لهم تأويل مشتبه ومطاع فيهم، فإنه يُباح قتالهم، حتى يفيئوا إلى أمر اللَّه، فإذا فاءوا كف عنهم" (¬7) البهوتي (1051 هـ) قال: "أجمع الصحابة على قتالهم، فإن أبا بكر قاتل مانعي الزكاة، وعليًّا قاتل أهل الجمل وأهل صفين" (¬8) الشوكاني (1250 هـ) قال: "اعلم أن قتال البغاة ¬
جائز إجماعًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والآثار. • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬7). • وجه الدلالة: قال القرطبي: "في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية، المعلوم بغيها على الإمام، أو على أحد من المسلمين" (¬8). • ثانيًا: السنة: 1 - حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إن اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جاء آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ" (¬9). 2 - حديث عرفجة -رضي اللَّه عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، ¬
[61/ 61] أن الحج يقيمه الإمام أو نائبه
فَاقْتُلُوهُ"، وفي رواية: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هذه الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا من كان" (¬1). • وجه الدلالة: قال النووي: "فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام، أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك، ويُنهى عن ذلك، فإن لم ينته قوتل، وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتل" (¬2). 3 - حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَان قَوْمٌ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬3). • وجه الدلالة: قال النووي: "هذا تصريح بوجوب قتال الخوارج والبغاة، وهو إجماع العلماء" (¬4).Rصحة الإجماع على قتال الخوارج وأشباههم إذا فارقوا جماعة المسلمين. [61/ 61] أن الحج يقيمه الإمام أو نائبه • المراد بالمسألة: اتفقوا على أن إقامة الحج إلى الخلفاء، ومن جعلوا ذلك إليه وأمروه عليه. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "ولا خلاف بين العلماء أن الحج يقيمه السلطان للناس، ويستخلف عليه من يقيمه لهم على شرائعه وسننه، فيصلون خلفه برًّا كان أو فاجرًا أو مبتدعًا، ما لم تخرجه بدعته عن الإسلام" (¬5) ¬
ابن رشد الحفيد (¬1) (595 هـ) قال: "ولا خلاف بينهم أن إقامة الحج هي للسلطان الأعظم، أو لمن يقيمه السلطان الأعظم لذلك، وأنه يُصلى وراءه برًّا كان السلطان أو فاجرًا أو مبتدعًا" (¬2) ابن القطان (628 هـ) قال: "أجمعوا أن يُغزى معهم -أي: مع الأئمة- العدو، ويحج معهم البيت" (¬3) ابن تيمية (728 هـ) قال: "ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- باطنًا وظاهرًا. . . ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء، أبرارًا كانوا أو فجارًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). • مستند الإجماع: يُستدل على ذلك بما رُوي عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهم- قال: "كَتَبَ عبد المَلِكِ إلى الْحَجَّاجِ أَنْ لَا يُخَالِفَ ابن عُمَرَ في الْحَجِّ، فَجَاءَ ابن عُمَرَ -رضي اللَّه عنه- وأنا معه يوم عَرَفَةَ حين زَالَتْ الشَّمْسُ، فَصَاحَ عِنْدَ ¬
[62/ 62] إذن الإمام بإقامة الجمعة
سُرَادِقِ الْحَجَّاجِ، فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصفَرَةٌ، فقال: ما لك يا أَبَا عبد الرحمن؟ فقال: الرَّوَاحَ إن كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، قال: هذه السَّاعَةَ؟ قال: نعم، قال: فَأَنْظِرْنِي حتى أُفِيضَ على رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجُ، فَنَزَلَ حتى خَرَجَ الْحَجَّاجُ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أبي، فقلت: إن كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلى عبد اللَّه، فلما رَأَى ذلك عبد اللَّه قال: صَدَقَ" (¬1). • وجه الدلالة: قال ابن حجر العسقلاني: "فيه أن إقامة الحج إلى الخلفاء" (¬2). كما يُستدل بأن إقامة الحج من شعائر الإسلام، المنوط بالإمام الحفاظ عليه؛ لأنه القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا (¬3).Rصحة الإجماع على أن إقامة الحج إلى الخلفاء، ومن جعلوا ذلك إليه وأمروه عليه. [62/ 62] إذن الإمام بإقامة الجمعة • المراد بالمسألة: الاتفاق على إذن الإمام بإقامة الجمعة. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطحاوي (¬4) (321 هـ) -بعد أن ذكر ما رُوي عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان"- قال: "ولا نعلم عن أحد من الصحابة خلافه" (¬5) نقله أبو بكر ¬
الجصاص (370 هـ) (¬1) وابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬2) والأمير الصنعاني (1182 هـ) (¬3) والشوكاني (1250 هـ) (¬4) والمباركفوري (1353 هـ) (¬5) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "لا يختلف العلماء أن الذي يقيم الجمعة السلطان، وأن ذلك سنة مسنونة" (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، وفي قول للإمام أحمد (¬8). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من السنة، والآثار، والمعقول: • أولًا: السنة: حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ الجُمُعَةَ، فِي مَقَامِي هَذَا، فِي يَوْمِي هَذَا، فِي شَهْرِي هَذَا، مِنْ عَامِي هَذَا، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ تَرَكهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدِي، وَلَهُ إِمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ، اسْتِخْفَافًا بِهَا، أَوْ جُحُودًا لَهَا، فَلَا جَمَعَ اللَّه لَهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَلَا زَكاةَ لَهُ، وَلَا حَجَّ لَهُ، وَلَا صَوْمَ لَهُ، وَلَا بِرَّ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ، فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ" (¬9). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الإمام شرطًا لإلحاق الوعيد بتارك الجمعة (¬10). ¬
ونوقش: بأن الحديث ضعيف. وأجيب: بما قاله العيني: "هذا روي من طرق كثيرة ووجوه مختلفة، فحصل له بذلك قوة، فلا يمنع من الاحتجاج به" (¬1). • ثانيًا: الآثار: 1 - رُوي عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان" (¬2). 2 - وقال عبد اللَّه بن محيريز (¬3): "الحدود، والفيء، والزكاة، والجمعة إلى السلطان" (¬4). • ثالثًا: المعقول: 1 - لأنه لو لم يشترط السلطان لأدى إلى الفتنة؛ لأن هذه صلاة تؤدى بجمع عظيم، والتقدم على جميع أهل المصر يُعد من باب الشرف، وأسباب العلو والرفعة، فيتسارع إلى ذلك كل من جُبل على علو الهمة والميل إلى الرئاسة، فيقع بينهم التجاذب والتنازع، وذلك يؤدي إلى التقاتل والتقالي، ففوض ذلك إلى الوالي؛ ليقوم به، أو ينصب من رآه أهلًا له، فيمتنع غيره من الناس عن المنازعة، لما يرى من طاعة الوالي، أو خوفًا من عقوبته (¬5). 2 - ولأنه لو لم يفوض إلى السلطان لا يخلو إما أن تؤدي كل طائفة حضرت ¬
الجامع، فيؤدي إلى تفويت فائدة الجمعة، وهي: اجتماع الناس لإحراز الفضيلة على الكمال، وإما أن لا تؤدى إلا مرة واحدة، فكانت الجمعة للأولين، وتفوت عن الباقين، فاقتضت الحكمة أن تكون إقامتها متوجهة إلى السلطان؛ ليقيمها بنفسه، أو بنائبه، عند حضور عامة أهل البلدة، مع مراعاة الوقت المستحب (¬1). • من خالف الإجماع: المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والصحيح من مذهب الحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). واستدلوا على ذلك بما يلي: 1 - أن عليًّا -رضي اللَّه عنه- صلى الجمعة بالناس وعثمان -رضي اللَّه عنه- محصور، فلم ينكره أحد، وصوب ذلك عثمان -رضي اللَّه عنهم- وأمر بالصلاة معهم (¬6). 2 - أنه قيل لعثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ. فَقَالَ: "الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ" (¬7). قال ابن قدافة: "وما ذكروه إجماعًا لا يصح، فإن الناس يقيمون الجمعات في القرى من غير استئذان أحد، ثم لو صح أنه لم يقع إلا ذلك لكان إجماعًا على جواز ما وقع، لا على تحريم غيره، كالحج يتولاه الأئمة وليس بشرط فيه" (¬8).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. ¬
[63/ 63] لا يقيم الإمام الجمعة بعرفات
[63/ 63] لا يقيم الإمام الجمعة بعرفات • المراد بالمسألة: الاتفاق على أنه لا يقيم الإمام الجمعة في عرفات. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) قال: "أجمعوا أنه لا تجوز الجمعة بعرفات، وإن أقامها أمير العراق، أو الخليفة نفسه" (¬1) فخر الدين الزيلعي (¬2) (743 هـ) قال: "إن اتفق يوم عرفة يوم الجمعة لا يُصلي فيها الجمعة اتفاقًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - أن المصر من شرائط الجمعة، وعرفات ليس في حكم المصر؛ إذ ليس لها أبنية، إنما هي فضاء، وليست من فناء مكة؛ لأنها من الحل (¬8). 2 - ولأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يصل الجمعة بعرفة في حجة الوداع. ¬
[64/ 64] قيام الإمام على الأعياد
3 - لأن من شرطها أن يصليها مستوطنون، والحاضرون كلهم ليسوا مقيمين هناك، والجمعة تسقط بالسفر القصير بالاتفاق (¬1). • من خالف الإجماع: الظاهرية: فإن وافق الإمام يوم عرفة يوم جمعة: جهر، وهي صلاة جمعة؛ ولأن النص لم يأت بالنهي عن ذلك (¬2).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [64/ 64] قيام الإمام على الأعياد • المراد بالمسألة: الاتفاق على قيام الإمام على الأعياد. • من نقل الإجماع: ابن القطان (628 هـ) قال: "أجمعوا أن يُغزى معهم -أي: مع الأئمة- العدو، ويحج معهم البيت، وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها، وتصلى معهم الجمع والأعياد" (¬3) ابن تيمية (728 هـ) قال: "ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- باطنًا وظاهرًا. . . ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء، أبرارًا كانوا أو فجارًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: يمكن أن يستدل على ذلك بأن إقامة الأعياد من شعائر ¬
[65/ 65] جواز جباية الإمام للزكاة
الإسلام، المنوط بالإمام الحفاظ عليه، لأنه القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا (¬1).Rصحة الإجماع على قيام الإمام على الأعياد. [65/ 65] جواز جباية الإمام للزكاة • المراد بالمسألة: للإمام جباية الزكاة اتفاقًا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: "أجمعوا على أن الزكاة كانت تدفع لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولرسله، وعماله، وإلى من أمر بدفعها إليه" (¬2)، نقله ابن القطان (628 هـ) (¬3) أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) -بعد أن ذكر ما رُوي عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان"- قال: "ولا نعلم عن أحد من الصحابة خلافه" (¬4) نقله أبو بكر الجصاص (370 هـ) (¬5) وابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬6) والأمير الصنعاني (1182 هـ) (¬7) والشوكاني (1250 هـ) (¬8) والمباركفوري (1353 هـ) (¬9) ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا على أَن الإمام الْعدْل الْقرشِي إليه قبض الزَّكَاة" (¬10) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "لا خلاف بين العلماء أن للإمام المطالبة بالزكاة، وأن من أقر بوجوبها عليه أو قامت عليه بها بينة، كان للإمام أخذها منه" (¬11)، نقله ¬
ابن القطان (628 هـ) (¬1) ابن قدامة (620 هـ) قال: "للإمام ولاية في أخذها، ولذلك يأخذها من الممتنع اتفاقًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والآثار: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} (¬8). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "أمر اللَّه -تعالى- رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن يأخُذَ من أموالهم صدقَة يطهرهم ويزكيهم بها، وهذا عام" (¬9). ونوقش: بأن هذا خطاب للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا يلتحق غيره فيه به. وأجيب عن ذلك: بما قاله ابن العربي: "هذا كلام جاهل بالقرآن، غافل عن مأخذ الشريعة، متلاعب بالدين، متهافت في النظر؛ فإن الخطاب في القرآن لم يرد بابًا واحدًا، ولكن اختلفت موارده على وجوه، منها في غرضنا هذه ثلاثة: الأول: خطاب توجه إلى جميع الأمة، كقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (¬10)، وكقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (¬11) ¬
ونحوه. الثاني: خطاب خص به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، كقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (¬1)، وكقوله في آية الأحزاب: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2)، فهذان مما أفرد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهما، ولا يشركه فيهما أحد، لفظًا ومعنى؛ لما وقع القول به كذلك. الثالث: خطاب خص به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قولًا، ويشركه فيه جميع الأمة معنى وفعلًا، كقوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (¬3)، وكقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)} (¬4)، وكقوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (¬5). فكل من دلكت عليه الشمس مخاطب بالصلاة، وكذلك كل من قرأ القرآن مخاطب بالاستعاذة، وكذلك كل من خاف يقيم الصلاة بتلك الصفة، ومن هذا القبيل قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- الآمر بهما، والداعي إليها، وهم المعطون لها" (¬6). • ثانيًا: السنة: حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لِمُعَاذِ بن جَبَلٍ -رضي اللَّه عنه- حين بَعَثَهُ إلى الْيَمَنِ: ". . . فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قد فَرَضِ عليهم صَدَقَةً، تُؤْخَذُ من أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ على فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لك بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ" (¬7). • وجه الدلالة: قال ابن حجر: "قوله: "تُؤْخَذُ من أَغْنِيَائِهِمْ" استُدِل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها، إما بنفسه، وإما بنائبه، فمن امتنع منها أُخذت منه قهرًا" (¬8). ¬
[66/ 66] لا يعزل الولاة بموت الإمام
• ثالثًا: الآثار: قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: "واللَّه لَأُقَاتِلَنَّ من فَرَّقَ بين الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فإن الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللَّه لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ على مَنْعِهَا". قال عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: "فَوَالله ما هو إلا أَنْ رأيت أَنْ قد شَرَحَ اللَّه صَدْرَ أبي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ" (¬1). • وجه الدلالة: أن للإمام جباية الزكاة من الرعية، ومقاتلتهم على منعها.Rصحة الإجماع أن للإمام جباية الزكاة. [66/ 66] لا يعزل الولاة بموت الإمام • المراد بالمسألة: الاتفاق على أنه لا تنعزل الولاة بموت الخليفة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "إنه إن مات، فالولاة كلهم نافذة أحكامهم حتى يعزلهم الإمام الوالي؛ وذلك لقول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} (¬2)، والمال قد انتقل بموت الموكل إلى ورثته، فلا يجوز في مالهم حكم من لم يوكلوه، وليس كذلك الإمام؛ لأن المسلمين لا بد لهم ممن يقوم بأمرهم، وقد قتل أمراء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم ورضي عنهم- بمؤتة كلهم، فتولى الأمر خالد بن الوليد من غير أن يؤمره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى رجع بالمسلمين، وصوب -عليه السلام- ذلك، وقد مات -عليه السلام- وولاته باليمن، ومكة، والبحرين، وغيرها، فنفذت أحكامهم قبل أن يبلغهم موته -عليه السلام- ولم يختلف في ذلك أحد من الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، ¬
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالسنة، والمعقول: • أولًا: السنة: 1 - حديث أَنَسٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَعَى زَيْدًا، وَجَعْفَرًا، وابن رَوَاحَةَ، لِلنَّاسِ قبل أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فقال: "أَخَذَ الرَّايَةَ زيدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابن رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، حتى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ من سُيُوفِ اللَّه، حتى فَتَحَ اللَّه عليهم" (¬3). • وجه الدلالة: أنه قد قتل أمراء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمؤتة كلهم، فتولى الأمر خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- من غير أن يؤمره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى رجع بالمسلمين، وصوب -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك (¬4). 2 - أنه قد مات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وولاته باليمن، ومكة، والبحرين، وغيرها، فنفذت أحكامهم قبل أن يبلغهم موته -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يختلف في ذلك أحد من الصحابة رضي اللَّه عنهم (¬5). • ثانيًا: المعقول: 1 - لأن المسلمين لا بد لهم ممن يقوم بأمرهم (¬6). 2 - ولأنه نائب الخليفة، والأمير نائب المسلمين، وهم باقون (¬7).Rصحة الإجماع على أنه لا يعزل الولاة بموت الإمام. ¬
[67/ 67] لا يعزل القضاة بموت الإمام
[67/ 67] لا يعزل القضاة بموت الإمام • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن القاضي لا ينعزل بموت الإمام الذي ولاه القضاء. • من نقل الإجماع: أبو القاسم الرحبي السمناني (¬1) (499 هـ) قال: "اعلم أن أصحابنا قالوا: إذا مات الخليفة أو خلع، وله قضاة قد ولاهم، فإنهم على ما كانوا عليه، نافذة أحكامهم، ماضية قضاياهم؛ لأن القضاة قوام المسلمين وأعوان الدين، وهو عقد ماض على المسلمين، فلا يبطل بموت من عقده، كما أن الإمامة لا تبطل بموت أهل الحل والعقد، فحكم القاضي في الولاية حكم أهل الحل والعقد، وكما لا تبطل ولاية الإمام بموت من ولاه، فكذلك لا تبطل ولاية القاضي إذا مات من ولاه، وكذلك قاضي القضاة إذا مات لا تبطل ولاية قضاته بموته، كما لا تبطل ولايته بموت الخليفة الذي ولاه، ولا أعرف خلافًا في هذا بين العلماء" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، ¬
[68/ 68] يشترط حضور الإمام اللعان أو من يقوم مقامه
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - أن الإمام يعقد القضاء والإمارة للمسلمين، فلم يبطل ما عقده لغيره، كما لو مات الولي في النكاح لم يبطل النكاح (¬3). 2 - أن القاضي لو انعزل بموت الإمام لدخل الضرر على المسلمين؛ لأنه يفضي إلى عزل القضاة في جميع بلاد المسلمين، وتتعطل الأحكام (¬4).Rصحة الإجماع على أنه لا يعزل القضاة بموت الإمام. [68/ 68] يشترط حضور الإمام اللعان أو من يقوم مقامه • المراد بالمسألة: الاتفاق على أنه يشترط حضور الإمام أو من يقوم مقامه اللعان. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "وفيه أن الملاعنة لا تكون إلا عند السلطان، وأنها ليست كالطلاق الذي للرجل أن يوقعه حيث شاء، وهذا إجماع من العلماء" (¬5). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬6). وقال ابن عبد البر -أيضًا-: "ولا يختلفون أن من استخلفه الإمام على الأحكام من قاض وسائر الحكام أنه يقوم في اللعان إذا تحاكموا إليه فيه مقام الإمام" (¬7) نقله القرافي (684 هـ) (¬8). القاضي عياض (544 هـ) قال: "سنة التلاعن ألا يكون مكتومًا، ويكون مشهورًا في حضرة الناس، وأن سنته أن يكون بحضرة الإمام، أو من ¬
[69/ 69] صحة عقد النكاح والطلاق دون حضور الإمام
يستنيبه الإمام لذلك من الحكام، وهذا إجماع أنه لا يكون إلا بسلطان" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بحديث سَهْلِ بن سَعْدٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ رَجُلًا أتى رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رَسُولَ اللَّه، أَرَأَيْتَ رَجُلًا رَأَى مع امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمَا ما ذُكِرَ في الْقُرْآنِ من التَّلَاعُنِ، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد قضى فِيكَ وفي امْرَأَتِكَ"، قال: فَتَلَاعَنَا وأنا شَاهِدٌ عِنْدَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- " (¬7). • وجه الدلالة: قال ابن حجر العسقلاني: "استُدل به على أن اللعان يكون عند الحاكم وبأمره، فلو تراضيا بمن يلاعن بينهما، فلاعن، لم يصح؛ لأن في اللعان من التغليظ ما يقتضي أن يختص به الحكام" (¬8).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [69/ 69] صحة عقد النكاح والطلاق دون حضور الإمام • المراد بالمسألة: الاتفاق على صحة عقد النكاح، وإيقاع الطلاق، دون حضور الإمام. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمعوا أن النكاح والطلاق ¬
[70/ 70] صحة الخلع دون حضور الإمام
يجوز دون السلطان" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأن النكاح عقد معاوضة، فلم يفتقر إلى السلطان كالبيع (¬7). وأن الطلاق مبناه على الإرادة المنفردة للمطلق.Rصحة الإجماع على صحة عقد النكاح وإيقاع الطلاق دون حضور الإمام. [70/ 70] صحة الخلع دون حضور الإمام • المراد بالمسألة: الاتفاق على صحة الخلع دون حضور الإمام. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: "أجمعوا أن الخلع يجوز دون السلطان" (¬8). أبو بكر الجصاص (370 هـ) قال: "ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في جوازه -أي: الخلع- دون السلطان" (¬9) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع الجمهور أن الخلع جائز عند غير السلطان" (¬10). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالآثار، والمعقول: • أولًا: الآثار: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- رُفِعت إليه امرأة اختلعت من زوجها بألف درهم، فأجاز ذلك (¬6) وهو قول عثمان، وعلي، وابن عمر، وطاووس (¬7)، وشريح (¬8)، والزهري (¬9)، وجمهور العلماء (¬10). ¬
[71/ 71] عدم جواز الشفاعة في حد إذا بلغ الإمام
• ثانيًا: المعقول: 1 - لأنه معاوضة، فلم يفتقر إلى السلطان، كالبيع والنكاح (¬1). 2 - ولأنه قطع عقد بالتراضي أشبه الإقالة (¬2). • من خالف الإجماع: قال الحسن، وابن سيرين (¬3)، وقتادة: لا يجوز إلا عند السلطان (¬4).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [71/ 71] عدم جواز الشفاعة في حد إذا بلغ الإمام • المراد بالمسألة: الاتفاق على عدم جواز الشفاعة في حد إذا بلغ الإمام. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "الشفاعة في ذوي الحدود حسنة جائزة -وإن كانت الحدود فيها واجبة- إذا لم تبلغ السلطان، وهذا كله لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء" (¬5) نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬6) والأمير الصنعاني (1182 هـ) (¬7) والشوكاني (1250 هـ) (¬8) والعظيم آبادي (بعد 1310 هـ) (¬9). ابن قدامة (620 هـ) قال: "أجمعوا على أنه إذا بلغ -أي: الحد- الإمام لم تجز الشفاعة فيه" (¬10) النووي (676 هـ) قال: "أجمع العلماء ¬
على تحريم الشفاعة في الحد بعد بلوغه إلى الإمام" (¬1)، نقله الزركشي (794 هـ) (¬2) وملا علي القاري (1014 هـ) (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالسنة، والمعقول: • أولًا: السنة: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ التي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فيها رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عليه إلا أُسَامَةُ بن زَيْدٍ حِبُّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَتَشْفَعُ في حَدٍّ من حُدُودِ اللَّه؟ ! "، ثُمَّ قام فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قال: "إنما أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذا سَرَقَ فيم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عليه الحَدَّ، وايم اللَّه، لو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" (¬9). ¬
[72/ 72] يجوز للإمام كتابة آية من القرآن للكفار
• وجه الدلالة: فيه النهي عن الشفاعة في الحدود، ولكن ذلك بعد بلوغه إلى الإمام (¬1). 2 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّه، فَقَدْ ضَادَّ اللَّه" (¬2). • وجه الدلالة: قال المناوي: "وهذا وعيد شديد على الشفاعة في الحدود، أي: إذا وصلت إلى الإمام وثبتت" (¬3). • ثانيًا: المعقول: 1 - لأن في الشفاعة إسقاط حق وجب للَّه تعالى (¬4).Rصحة الإجماع على عدم جواز الشفاعة في حد إذا بلغ الإمام. [72/ 72] يجوز للإمام كتابة آية من القرآن للكفار • المراد بالمسألة: الاتفاق على أنه يجوز للإمام كتابة آية من القرآن للكفار. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: "اتفق العلماء على أنه يجوز أن يكتب إليهم -أي: إلى الكفار- كتاب فيه آية أو آيات" (¬5). نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬6) ابن حجر الهيتمي (973 هـ) قال: "قال أئمتنا: ولا يحرم بالاتفاق كتابة نحو آيتين ضمن مكاتبتهم" (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بكتاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى هرقل: "بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّه وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فإني أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّه أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ، وَ {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (¬6) " (¬7). قال النووي: "فيه من الفوائد: . . . أنه يجوز أن يسافر إلى أرض العدو بالآية والآيتين ونحوهما، وأن يُبعث بذلك إلى الكفار، وإنما نهى عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو، أي: بكله، أو بجملة منه، وذلك أيضًا محمول على ما إذا خيف وقوعه في أيدي الكفار" (¬8).Rصحة الإجماع على أنه يجوز للإمام كتابة آية من القرآن للكفار. ¬
[73/ 73] يجوز أن يجعل الإمام شيئا من ماله للسابق في الخيل.
[73/ 73] يجوز أن يجعل الإمام شيئًا من ماله للسابق في الخيل. • المراد بالمسألة: اتفقوا على أنه يجوز للإمام أن يجعل شيئًا من ماله للسابق في الخيل. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "لا أعلم خلافًا في إباحة أن يجعل السلطان أو الرجل شيئًا من ماله للسابق في الخيل خاصة" (¬1) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2) ابن رشد الجد (520 هـ) قال: "أن يخرج الإمام الجعل فيجعله لمن سبق من المتسابقين، فهو مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم أجمعين" (¬3) القاضي عياض (544 هـ) قال: "فأما المتفق على جوازه: فأن يخرج الوالي سبقًا يجعله للسابق من المتسابقين، ولا فرس له في الحلبة، فمن سبق له" (¬4). الحافظ العراقي (806 هـ) قال: "أجمع العلماء على جواز المسابقة بغير عوض، وأجمعوا على جوازها أيضًا بعوض، لكن بشرط أن يكون العوض من غير المتسابقين، إما الإمام، أو أحد الرعية" (¬5) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: "اتفقوا على جوازها بعوض، بشرط أن يكون من غير المتسابقين كالإمام، حيث لا يكون له معهم فرس" (¬6) نقله الشوكاني (1250 هـ) (¬7) والمباركفوري (1353 هـ) (¬8). الأمير الصنعاني (1182 هـ) قال: "فإن كان الجعل من غير المتسابقين كالإمام يجعله للسابق، حل ذلك بلا خلاف" (¬9). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا سَبَقَ إلا في خُفٍّ، أو في حَافِرٍ، أو نَصْلٍ" (¬6). • وجه الدلالة: قال الصنعاني: "والحديث دليل على جواز السباق على جعل، فإن كان الجعل من غير المتسابقين كالإمام يجعله للسابق، حل ذلك بلا خلاف، وإن كان من أحد المتسابقين لم يحل؛ لأنه من القمار" (¬7). ولأن ذلك من باب التحريض على الاستعداد لأسباب الجهاد، خصوصًا من السلطان، فكانت ملحقة بأسباب الجهاد (¬8).Rصحة الإجماع على أنه يجوز للإمام أن يجعل شيئًا من ماله للسابق في الخيل. ¬
[74/ 74] إذا عضل الولي في نكاح موليته ممن هو كفء زوجها السلطان
[74/ 74] إذا عضل الولي في نكاح موليته ممن هو كفء زوجها السلطان • المراد بالمسألة: العضل في اللغة: التضييق، وعَضلَ: حال بينه وبين مراده (¬1). والعَضْلُ في النكاح: الحبس والمنع، يُقال: عضل المرأة عن الزوج حبسها، وقال الرجل أيِّمَهُ يعْضُلها ويعْضِلها عضلًا وعَضَلَهَا: منعها الزوج ظلمًا (¬2). وقد اتفقوا على أنه إذا عضل الولي في نكاح موليته ممن هو كفء، فإنها ترفع أمرها للإمام، فيزوجها. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: "أجمعوا أن للسلطان أن يزوج المرأة إذا أرادت النكاح، ودعت إلى كفء، وامتنع الولي أن يزوجها" (¬3). ابن بطال (449 هـ) قال: "أجمعوا أن السلطان يزوج المرأة إذا أرادت النكاح، ودعت إلى كفء، وامتنع الولي من أن يزوجها" (¬4) نقله العيني (855 هـ) (¬5) ابن رشد الحفيد (595 هـ) قال: "اتفقوا على أنه ليس للولي أن يعضل وليته إذا دعت إلى كفء، وبصداق مثلها، وأنها ترفع أمرها إلى السلطان فيزوجها" (¬6) ابن تيمية (728 هـ) قال: "وإذا رضيت رجلًا، وكان كفؤًا لها، وجب على وليها كالأخ ثم العم أن يزوجها به، فإن عضلها وامتنع من تزويجها زوجها الولي الأبعد منه أو الحاكم بغير إذنه، باتفاق العلماء" (¬7). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، ¬
والشافعية (¬1)، ورواية عن الإمام أحمد (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بحديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْن مَوَالِيهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ -ثَلَاثًا- وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَاِنْ اشْتَجَرُوا، فَاِنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ" (¬4). • وجه الدلالة: قال ملا علي القاري: "قوله: "فَإِنْ اشْتَجَرُوا" أي: الأولياء اختلفوا وتنازعوا اختلافًا للعضل، كانوا كالمعدومين "فَإِنَّ السُّلْطَانَ وَليُّ مَنْ لَا وَليَّ لَهُ"؛ لأن الولي إذا امتنع من التزويج فكأنه لا ولي لها، فيكون السلطان وليها، وإلا فلا ولاية للسلطان مع وجود الولي" (¬5). ولأن ذلك حق علي الولي امتنع من أدائه، فقام الحاكم مقامه، كما لو كان عليه دين وامتنع من قضائه (¬6). ولأن الولي منهي عن العضل، والنهي عن الشيء أمر بضده، فإذا امتنع فقد أضر بها، والإمام نُصِب لدفع الضرر، فتنتقل الولاية إليه (¬7). ¬
[75/ 75] تقديم الإمام على أقارب الميت في الصلاة عليه
Rصحة الإجماع على أنه إذا عضل الولي في نكاح موليته ممن هو كفء زوجها السلطان. [75/ 75] تقديم الإمام على أقارب الميت في الصلاة عليه • المراد بالمسألة: الاتفاق على تقديم الإمام على أقارب الميت في الصلاة عليه. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: "قال علي -رضي اللَّه عنه-: (الإمام أحق من صلى على جنازة) (¬1)، وعن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- نحو ذلك، وهذا اشتهر فلم يُنكر، فكان إجماعًا" (¬2) نقله عبد الرحمن ابن قدامة (¬3) (682 هـ) (¬4) وعبد الرحمن بن القاسم (1392 هـ) (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، ¬
والمالكية (¬1)، والمذهب القديم عند الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالسنة، والآثار، والمعقول: • أولًا: السنة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلى على الجنائز مع حضور أقاربها، والخلفاء بعده، ولم يُنقل إلينا أنهم استأذنوا أولياء الميت في التقدم عليها (¬4). • ثانيًا: الآثار: لما مات الحسن قدم الحسين -رضي اللَّه عنهما- سعيد بن العاص، وقال له: "تقدم، فلولا السنة ما قدمتك" (¬5)، وسعيد يومئذ أمير المدينة. • وجه الدلالة: قال ابن المنذر: "ليس في هذا الباب أعلى من هذا؛ لأن شهادة الحسن شهدها عوام الناس من الصحابة والمهاجرين والأنصار" (¬6). • ثانيًا: المعقول: 1 - لأنها صلاة شرعت فيها الجماعة؛ فكان الإمام أحق بالإمامة فيها كسائر الصلوات (¬7). ¬
2 - ولأن في التقدم عليه استخفافًا به (¬1). • من خالف الإجماع: أبو يوسف (¬2)، والجديد عند الشافعية، وهو الأظهر (¬3)، والظاهرية (¬4)، فيُقدَّم ولي الميت على السلطان. واستدلوا بما يلي: 1 - قول اللَّه -تعالى-: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (¬5). • وجه الدلالة: تقديم أولوا الأرحام على غيرهم. ونوقش: بأن الآية نزلت في الميراث، ناسخة للإرث بالحلف والإخاء اللذين كانوا يتوارثون بهما، إلى توريث جميع القرابات. 2 - أن هذا أمر مبني على الولاية، والقريب في مثل هذا مقدم على السلطان، كما في النكاح وغيره من التصرفات (¬6). ونوقش: بأن هذا من الأمور العامة، فيكون متعلقًا بالسلطان، كإقامة الجمعة والعيدين، بخلاف النكاح فإنه من الأمور الخاصة، وضرره ونفعه يتصل بالولي لا بالسلطان، فكان إثبات الولاية للقريب أنفع للمولى عليه، وتلك ولاية نظر ثبتت حقًّا للمولى عليه قبل الولي، بخلاف ما نحن فيه (¬7). 3 - أن هذه الصلاة شرعت للدعاء والشفاعة للميت، ودعاء القريب أرجى؛ لأنه يبالغ في إخلاص الدعاء وإحضار القلب، بسبب زيادة شفقته، وتوجد منه ¬
[76/ 76] أن يتخير الإمام الولاة بكل أفق ويتفقد أحوالهم وأمورهم
زيادة رقة وتضرع، فكان أقرب إلى الإجابة (¬1). ونوقش: بأن تقدم الغير لا يفوت دعاء القريب وشفاعته (¬2).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [76/ 76] أن يتخير الإمام الولاة بكل أفق ويتفقد أحوالهم وأمورهم • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن للإمام أن يتخير الولاة بكل أفق، ويتفقد أحوالهم وأمورهم. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "لم يختلفوا أن السنة في الإمامة أن يكون الإمام واحدًا في أقطار الإسلام، ويكون أمراؤه في كل أفق، يتخيرهم ويتفقد أمورهم" (¬3) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالسنة، والمعقول: • أولًا: السنة: هديه -صلى اللَّه عليه وسلم-والخلفاء من بعده- في تقليد الولاة على البلاد والأمصار؛ لاستقامة البلاد والعباد. ¬
[77/ 77] ليس على الإمام أن يشخص الناس لأخذ صدقات أموالهم
• ثانيًا: المعقول: 1 - لتعذر مباشرته لجميع الأمور؛ لئلا يشتغل عن التدبير بأعظم من ذلك (¬1). 2 - ولأن منزلة العمال من الوالي، بمنزلة السلاح من المقاتل، والرجال والآلات للصناع لا يسد بعضها مسد بعض، فمنهم للرأي والمشورة، ومباشرة الحرب، وجمع المال، والحجابة، والدعاء والعلم والفتيا، لا يقوم للملك ملك، ما لم تجتمع هذه الطبقات (¬2). 3 - ولأنهم يقومون مقام الإمام في حراسة الدين وسياسة الدنيا في أمصارهم. 4 - ولتكون الأعمال بالكفاءة مضبوطة والأموال بالأمناء محفوظة (¬3).Rصحة الإجماع على أن للإمام أن يتخير العمال بكل أفق، ويتفقد أحوالهم وأمورهم. [77/ 77] ليس على الإمام أن يشخص الناس لأخذ صدقات أموالهم • المراد بالمسألة: يشخص: يذهب، والشخوص: السير من بلد إلى بلد (¬4). وقد اتفقوا على أن الإمام ليس عليه أن يشخص الناس ليأخذ صدقات أموالهم، وإنما يوجه عماله إليهم. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: "أجمعوا على أن الزكاة كانت تدفع لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولرسله وعماله، وإلى من أمر بدفعها إليه" (¬5). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬6). ونقل ابن القطان (628 هـ) حكاية صاحب الإيجاز (¬7) ¬
للإجماع حيث قال: "والعلماء متفقون في أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن يشخص الناس ليأخذ صدقات أموالهم، وأنه كان يوجه عماله إليهم، وعلى هذا جرت سنة أئمة المسلمين إلى غايتنا هذه" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} (¬7). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "أمر اللَّه -تعالى- رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن يأخُذَ من أموالهم صدقَة يطهرهم ويزكيهم بها، وهذا عام" (¬8). ونوقش: بأن هذا خطاب للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا يلتحق غيره فيه به. وأجيب عن ذلك: بما قاله ابن العربي: "هذا كلام جاهل بالقرآن، غافل عن مأخذ الشريعة، متلاعب بالدين، متهافت في النظر؛ فإن الخطاب في القرآن لم يرد بابًا واحدًا، ولكن اختلفت موارده على وجوه، منها في غرضنا هذه ثلاثة: الأول: خطاب توجه إلى جميع الأمة، كقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (¬9)، وكقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ ¬
الصِّيَامُ} (¬1) ونحوه. الثاني: خطاب خص به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (¬2)، وكقوله في آية الأحزاب: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬3)، فهذان مما أفرد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهما، ولا يشركه فيهما أحد، لفظًا ومعنى؛ لما وقع القول به كذلك. الثالث: خطاب خص به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قولًا، ويشركه فيه جميع الأمة معنى وفعلًا، كقوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (¬4)، وكقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)} (¬5)، وكقوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (¬6). فكل من دلكت عليه الشمس مخاطب بالصلاة، وكذلك كل من قرأ القرآن مخاطب بالاستعاذة، وكذلك كل من خاف يقيم الصلاة بتلك الصفة، ومن هذا القبيل قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- الآمر بها، والداعي إليها، وهم المعطون لها" (¬7). • ثانيًا: السنة: حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لِمُعَاذِ بن جَبَلٍ -رضي اللَّه عنه- حين بَعَثَهُ إلى الْيَمَنِ: ". . . فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قد فَرَضَ عليهم صَدَقَةً، تُؤْخَذُ من أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ على فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لك بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ" (¬8). • وجه الدلالة: قال ابن حجر: "قوله: "تُؤْخَذُ من أَغْنِيَائِهِمْ" استُدِل به على أن ¬
[78/ 78] لا يصح عقد الذمة إلا من الإمام أو نائبه
الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها، إما بنفسه، وإما بنائبه" (¬1).Rصحة الإجماع على أن الإمام لا يشخص الناس لأخذ صدقات أموالهم. [78/ 78] لا يصح عقد الذمة إلا من الإمام أو نائبه • المراد بالمسألة: الذمة لغة: العهد والكفالة، وجمعها: ذمام. فلان له ذمة: أي حق، وأصل الذمة من الذم، وهو نقيض المدح، ومعناه: اللوم على الإساءة. وسُمي العهد: ذمة؛ لأن الإنسان يُذم على إضاعته منه. وهذه طريقة للعرب مستعملة، وذلك كقولهم: فلان حامي الذمار، أي يحمي الشيء الذي يغضب. وسُمي أهل الذمة ذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم، وسمي المعاهد ذِمِّيًّا نسبة إلى الذمة بمعنى العهد (¬2). عقد الذمة اصطلاحًا: إقرار الإمام أو نائبه بعض الكفار على كفره، على أن يبذلوا الجزية، ويلتزموا أحكام الملة (¬3). وقد اتفقوا على أن عقد الذمة لا يصح إلا من الإمام أو نائبه. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: "لا يصح عقد الذمة والهدنة إلا من الإمام أو نائبه، وبهذا قال الشافعي، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، ومذهب الحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: ¬
[79/ 79] يجب على الإمام دفع الظلم عن أهل الذمة
1 - أن ذلك يتعلق بنظر الإمام وما يراه من المصلحة (¬1). 2 - ولأن عقد الذمة عقد مؤبد، فلم يجز أن يفتات به على الإمام (¬2). • من خالف الإجماع: قول عند الحنابلة: أنه يجوز عقد الذمة من كل مسلم (¬3)، ووافقه في الأخير الحنفية (¬4). واستدلوا (¬5): 1 - بأن عقد الذمة خلف عن الإسلام، فهو بمنزلة الدعوة إليه. 2 - ولأنه مقابل الجزية، فتتحقق فيه المصلحة. 3 - ولأنه مفروض عند طلبهم له، وفي انعقاده إسقاط الفرض عن الإمام وعامة المسلمين، فيجوز لكل مسلم.Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [79/ 79] يجب على الإمام دفع الظلم عن أهل الذمة • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن الإمام يجب عليه دفع الظلم عن أهل الذمة. • من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) قال: "أجمعوا على أنه يجب على الإمام أن يدفع عنهم من أرادهم بظلم، وأراد حربهم من الأعداء" (¬6). ابن حزم (456 هـ) ¬
[80/ 80] لا يمنع الإمام أهل الذمة من شرب الخمر واكل الخنازير سرا
قال: "اتَّفَقُوا أَن دم الذِّمِّيّ الَّذِي لم ينْقض شَيْئا من ذمَّته حرَامٌ" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالسنة، والمعقول: • أولًا: السنة: حديث عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ آبَائِهِمْ، أن رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (¬6). • وجه الدلالة: النهي عن ظلم المعاهد، أو انتقاصه، أو تكليفه فوق طاقته، أو أخذ شيء منه بغير طيب نفس. • ثانيًا: المعقول: لأن بذل الجزية من قبلهم في مقابل حمايتهم.Rصحة الإجماع على أن الإمام يجب عليه دفع الظلم عن أهل الذمة. [80/ 80] لا يمنع الإمام أهل الذمة من شرب الخمر واكل الخنازير سرًا • المراد بالمسألة: الاتفاق على أنه ليس للإمام منع أهل الذمة من شرب الخمر، وأكل لحوم الخنازير سرًّا، ويمنعهم من ذلك إن فعلوه علنًا. ¬
• من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) قال: "أجمعوا على أنه ليس للإمام منع أهل الذمة من شرب الخمر وأكل لحوم الخنازير" (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَنه إن أعْطى كل من ذكرنَا عَن نَفسه وَحدهَا، فَقِيرًا كَانَ أَو غَنِيًا، أَو معتقًا، أَو حرًّا، أَرْبَعَة مَثَاقِيل ذَهَبًا فِي انْقِضاء كل عَام قمري، بعد أَن يكون صرف كل دِينَار اثْنَي عشر درهما كَيْلًا فَصَاعِدًا، على أَن يلتزموا على أنفسهم أَن لا يحدثوا شَيْئًا فِي مَوَاضِع كنائسهم وسكناهم. . . وَلَا يظهروا خمرًا وَلَا شربهَا وَلَا نِكَاح ذَات محرم فان سكن مُسلمُونَ بَينهم هدموا كنائسهم وبيعهم" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأن في إظهار شرب الخمر، وأكل لحوم الخنازير، فشوًا للمنكرات، ومخالفة للشرع، وإعلاء لشعائر الكفر، وفتنة لعموم المسلمين، فلا يمكنون من ذلك في أمصار المسلمين، بخلاف ما لو أسرُّوا بذلك (¬7).Rصحة الإجماع على أنه ليس للإمام منع أهل الذمة من شرب الخمر، وأكل لحوم الخنازير سرًّا، ويمنعهم من ذلك إن فعلوه علنًا. ¬
[81/ 81] يأمر الإمام أهل الذمة بالتفرقة بين لباسهم ولباس المسلمين
[81/ 81] يأمر الإمام أهل الذمة بالتفرقة بين لباسهم ولباس المسلمين • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن الإمام يأمر أهل الذمة بالتفرقة بين لباسهم ولباس المسلمين. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَنه إن أعْطى كل من ذكرنَا عَن نَفسه وَحدهَا، فَقِيرا كَانَ أَو غَنِيًا، أَو معتقًا، أَو حرًّا، أَرْبَعَة مَثَاقِيل ذَهَبًا فِي انْقِضَاء كل عَام قمري، بعد أَن يكون صرف كل دِينَار اثْنَي عشر درهما كَيْلًا فَصَاعِدًا، على أَن يلتزموا على أنفسهم أَن لا يحدثوا شَيْئًا فِي مَوَاضِع كنائسهم وسكناهم. . . وَأَن يوقروا المُسلمين، وَأَن يقومُوا لَهُم فِي الْمجَالِس، وَأَن لَا يتشبهوا بهم فِي شَيْءٍ من لباسهم، لَا قلنسوة، وَلَا عِمَامَة، وَلَا نَعْلَيْنِ، وَلَا فرق شعر" (¬1) الكاساني (587 هـ) قال: "والأصل فيه ما روي أن عمر بن عبد العزيز -رحمه اللَّه- مر على رجال ركوب ذوي هيئة، فظنهم مسلمين، فسلم عليهم، فقال له رجل من أصحابه: أصلحك اللَّه، تدري من هؤلاء؟ فقال: من هم؟ فقال: هؤلاء نصارى بني تغلب، فلما أتى منزله أمر أن يُنادى في الناس: أن لا يبقى نصراني إلا عقد ناصيته، وركب الإكاف، ولم ينقل أنه أنكر عليه أحد، فيكون كالإجماع" (¬2) ابن القطان (628 هـ) قال: "أجمع أهل العلم على أن الإمام واجب عليه أن يأخذ على أهل الذمة بالتفرقة بين لباسهم ولباس المسلمين" (¬3) ابن الهمام (681 هـ) قال: "ولا يلبسوا طيالسة كطيالسة المسلمين ولا أردية كأرديتهم هكذا أمروا واتفقت الصحابة على ذلك" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[82/ 82] على الإمام أن يأمر أهل الذمة ألا يظهروا شيئا من المناكير
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالآثار، والمعقول: • أولًا: الآثار: روي أن عمر بن عبد العزيز -رحمه اللَّه- مر على رجال ركوب ذوي هيئة، فظنهم مسلمين، فسلم عليهم، فقال له رجل من أصحابه: أصلحك اللَّه، تدري من هؤلاء؟ فقال: من هم؟ فقال: هؤلاء نصارى بني تغلب، فلما أتى منزله أمر أن يُنادى في الناس: أن لا يبقى نصراني إلا عقد ناصيته، وركب الإكاف، ولم ينقل أنه أنكر عليه أحد، فيكون كالإجماع (¬3). • ثانيًا: المعقول: 1 - لأن السلام من شعائر الإسلام، فيحتاج المسلمون إلى إظهار هذه الشعائر عند الالتقاء، ولا يمكنهم ذلك إلا بتمييز أهل الذمة بالعلامة (¬4). 2 - ولأن في إظهار هذه العلامات إظهار آثار الذلة عليهم، وفيه صيانة عقائد ضعفة المسلمين عن التغيير (¬5).Rصحة الإجماع على أن الإمام يأمر أهل الذمة بالتفرقة بين لباسهم ولباس المسلمين. [82/ 82] على الإمام أن يأمر أهل الذمة ألا يظهروا شيئا من المناكير • المراد بالمسألة: اتفقوا على أنه يجب على الإمام أن يأمر أهل الذمة ألا يظهروا شيئًا من منكراتهم. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَنه إن أعْطى كل من ¬
ذكرنَا عَن نَفسه وَحدهَا، فَقِيرًا كَانَ أَو غَنِيًا، أَو معتقًا، أَو حرًّا، أَرْبَعَة مَثَاقِيل ذَهَبًا فِي انْقِضَاء كل عَام قمري، بعد أَن يكون صرف كل دِينَار اثْنَي عشر درهما كَيْلًا فَصَاعِدًا، على أَن يلتزموا على أنفسهم أَن لا يحدثوا شَيْئًا فِي مَوَاضِع كنائسهم وسكناهم. . . وَلَا يظهروا فِي طَرِيق الْمُسلمين نَجَاسَة، وَلَا يضْربُوا النواقيس إلا ضربًا خَفِيفًا، وَلَا يرفعوا أَصْوَاتهم بالقراءات لشَيْء من كتبهمْ بِحَضْرَة المُسلمين وَلَا مَعَ موتاهم، وَلَا يخرجُوا شعانين وَلَا صليبًا ظَاهرًا، وَلَا يظهروا النيرَان فِي شَيْءٍ من طرق المُسلمين" (¬1) ابن القطان (628 هـ) قال: "أجمعوا أنه يجب عليه -أي: على الإمام- أن يأخذ عليهم -أي: على أهل الذمة- ألا يظهروا شيئًا من المناكير؛ من ضرب الناقوس" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأن في إظهارهم للمنكرات فشوًا لها، ومخالفة للشرع، وإعلاء لشعائر الكفر، وفتنة لعموم المسلمين، فلا يمكنون من ذلك في أمصار المسلمين (¬7).Rصحة الإجماع على أنه يجب على الإمام أن يأمر أهل الذمة ألا يظهروا شيئًا من منكراتهم. ¬
[83/ 83] يجبر الإمام أهل الذمة ببيع عبدهم إذا أسلم
[83/ 83] يجبر الإمام أهل الذمة ببيع عبدهم إذا أسلم • المراد بالمسألة: اتفقوا على أن الإمام يجبر أهل الذمة ببيع عبدهم إذا أسلم. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: "أجمعوا على أن رقيق أهل الذمة إن أسلموا، أن بيعهم يجب عليهم" (¬1). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمعوا أنه إذا أسلم عبد الكافر، فبيع عليه، أن ثمنه يُدفع إليه، فدل على أنه على ملكه بيع، وعلى ملكه ثبت العتق له، إلا أن ملكه غير مستقر لوجوب بيعه عليه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والمعقول: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬8). وقول اللَّه -تعالى-: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (¬9). • وجه الدلالة: أن لا ولاية للكافر على المسلم، وفي بقاء رقيق أهل الذمة تحتهم رغم إسلامه ولاية عليه. ¬
[84/ 84] وجوب الجهاد مع الإمام
• ثانيًا: المعقول: أن في بقاء العبد وقد أسلم تحت الكافر فتنة له.Rصحة الإجماع على أن الإمام يجبر أهل الذمة ببيع عبدهم إذا أسلم. [84/ 84] وجوب الجهاد مع الإمام • المراد بالمسألة: الاتفاق على وجوب الجهاد مع الإمام. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَن الْجِهَاد مَعَ الأئمة فضل عَظِيم" (¬1) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2). ابن القطان (628 هـ) قال: "أجمعوا أن يُغزى معهم -أي: مع الأئمة- العدو" (¬3) ابن تيمية (728 هـ) قال: "ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- باطنًا وظاهرًا. . . ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء، أبرارًا كانوا أو فجارًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من السنة والمعقول: • أولًا: السنة: 1 - حديث عروة البارقي -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الخَيْلُ مَعْقُودٌ في ¬
نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الأَجْرُ والمَغْنَمُ" (¬1). • وجه الدلالة: أنه ذكر بقاء الخير في نواصيها إلى يوم القيامة، وفسره بالأجر والمغنم، ولم يقيد ذلك بما إذا كان الإمام عادلًا، فدل على أنه لا فرق في حصول هذا الفضل بين أن يكون الغزو مع أئمة العدل أو أئمة الجور (¬2). 2 - حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّه إلى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ، لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ، ولا عَدْلُ عَادِلٍ" (¬3). 3 - حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مع كل أَمِيرٍ، بَرًّا كان أو فَاجِرًا" (¬4). • وجه الدلالة: أن جهاد العدو لا يسقط سواء أكان الإمام عادلًا أم ظالمًا. • ثانيًا: المعقول: 1 - لأنه صاحب الولاية العامة، والأمين على حراسة الدين وسياسة الدنيا. 2 - ولأنه الأعرف والأكثر دراية وخبرة فيما يخص الجهاد.Rصحة الإجماع على وجوب الجهاد مع الإمام. ¬
[85/ 85] وجوب القتال دون الإمام
[85/ 85] وجوب القتال دون الإمام • المراد بالمسألة: اتفقوا على وجوب القتال دون الإمام. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أن الإمام الْوَاجِب إمامته فإن طَاعَته فِي كل مَا أَمر، مَا لم يكن مَعْصِيّة فرض، والقتال دونه فرض" (¬1). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من السنة: 1 - حديث عرفجة -رضي اللَّه عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ" (¬7). 2 - حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إن استَطَاعَ، فَإِنْ جاء آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ" (¬8). • وجه الدلالة: وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، وقتال من نازعه أمر الخلافة. قال النووي: "فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه، فإن دعت المقاتلة إلى ¬
[86/ 86] لا يصح عقد الهدنة إلا من الإمام أو نائبه
قتله جاز قتله، ولا ضمان فيه؛ لأنه ظالم متعد" (¬1).Rصحة الإجماع على وجوب القتال دون الإمام. [86/ 86] لا يصح عقد الهدنة إلا من الإمام أو نائبه • المراد بالمسألة: الهدنة لغة: المصالحة بعد الحرب، وهادنه: صالحه، وأصل الهدنة السكون بعد الهيج، ويُقال للصلح بعد القتال، والموادعة بين المسلمين والكفار، وبين كل متحاربين: هدنة (¬2). الهدنة اصطلاحًا: أن يعقد الإمام لأهل الحرب عقدًا على ترك القتال مدة بعوض وبغير عوض، وتسمى: مهادنة وموادعة معاهدة (¬3) وقد اتفقوا على أن عقد الهدنة لا يصح إلا من الإمام أو نائبه. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ). قال: "ولا يصح عقد الذمة والهدنة إلا من الإمام أو نائبه، وبهذا قال الشافعي، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬4). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والمعقول: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)} (¬9). ¬
[87/ 87] للإمام الحق في إعطاء الأمان
• وجه الدلالة: قال ابن كثير: " {وَإِنْ جَنَحُوا} أي: مالوا {لِلسَّلْمِ} أي: المسالمة والمصالحة والمهادنة، {فَاجْنَحْ لَهَا} أي: فمل إليها، واقبل منهم ذلك؛ ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تسع سنين؛ أجابهم إلى ذلك، مع ما اشترطوا من الشروط الأخر" (¬1). • ثانيًا: السنة: حديث الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَم -رضي اللَّه عنهما- أَنَّهُمُ اصْطَلَحُوا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهِنَّ النَّاسُ (¬2). • وجه الدلالة: مشروعية المهادنة من قبل إمام المسلمين. • ثالثًا: المعقول: لأنه قد يكون بالمسلمين ضعف، فيهادنهم حتى يقوى المسلمون، ولا يجوز ذلك إلا للنظر للمسلمين، إما أن يكون بهم ضعف عن قتالهم، وإما أن يطمع في إسلامهم بهدنتهم، أو في أدائهم الجزية والتزامهم أحكام الملة، أو غير ذلك من المصالح (¬3).Rصحة الإجماع على أن عقد الهدنة لا يصح إلا من الإمام أو نائبه. [87/ 87] للإمام الحق في إعطاء الأمان • المراد بالمسألة: أن للإمام الحق في إعطاء الأمان. • من نقل الإجماع: ابن رشد الحفيد (595 هـ) قال: "اتفقوا على جواز تأمين الإمام" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[88/ 88] إذا أعطى الإمام أحدا الأمان فتجسس فإنه ينقض أمانه
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والمعقول: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} (¬3). • وجه الدلالة: قال القرطبي: " {اسْتَجَارَكَ} أي: سأل جوارك، أي: أمانك وذمامك، فأعطه إياه؛ ليسمع القرآن، أي: يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه، فإن قبل أمرًا فحسن، وإن أبى فرده إلى مأمنه، وهذا ما لا خلاف فيه" (¬4). • ثانيًا: السنة: حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بها أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ" (¬5). • وجه الدلالة: جواز إعطاء الأمان من أدنى المسلمين، فكيف بأعلاهم؟ • ثالثًا: المعقول: أنه لو جعل لأفناء الناس ولآحادهم أن يعقدوا لعامة الكفار كلما شاؤوا صار ذلك ذريعة إلى إبطال الجهاد وذلك غير جائز (¬6).Rصحة الإجماع على أن الإمام له الحق في إعطاء الأمان. [88/ 88] إذا أعطى الإمام أحدًا الأمان فتجسس فإنه ينقض أمانه • المراد بالمسألة: الاتفاق على أنه إذا أعطى الإمام أحدًا الأمان فتجسس، فإنه ينقض أمانه. ¬
• من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: "وأما الجاسوس المعاهد والذمي، فقال مالك والأوزاعي: يصير ناقضًا للعهد، فإن رأى استرقاقه أرقه، ويجوز قتله، وقال جماهير العلماء: لا ينتقض عهده بذلك، قال أصحابنا: إلا أن يكون قد شرط عليه انتقاض العهد بذلك، فينتقض اتفاقًا" (¬1) نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬2)، والشوكاني (1250 هـ) (¬3)، والعظيم آبادي (بعد 1310 هـ) (¬4). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬5)، ووجه عند الشافعية (¬6)، ومذهب الحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: واستدلوا بأن ذلك مقتضى عقد الجزية، وبتجسسه قد أتى ما ينقضه (¬8). • من خالف الإجماع: الحنفية (¬9)، والأصح عند الشافعية إن شرط انتقاض العهد بها (¬10)، ورواية عن الإمام أحمد أنه لا ينتقض (¬11).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. ¬
[89/ 89] يستحب للإمام أن يوصي الجيش بتقوى الله
[89/ 89] يستحب للإمام أن يوصي الجيش بتقوى اللَّه • المراد بالمسألة: الاتفاق على أنه يستحب للإمام أن يوصي الجيش بتقوى اللَّه. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: "وفى هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها، وهى: تحريم الغدر، وتحريم الغلول، وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا، وكراهة المثلة، واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه بتقوى اللَّه تعالى" (¬1). نقله الزرقاني (¬2) (1122 هـ) (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالسنة، والمعقول: • أولًا: السنة: حديث بُرَيْدَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّه، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ المُسْلِمِينَ خَيْرًا. . . " (¬8). • وجه الدلالة: مشروعية الوصية بتقوى اللَّه -تعالى- من قبل الإمام لجيشه. ¬
[90/ 90] إذا صالح الإمام ملك قرية دخل في الصلح كل أهلها
قال ابن القيم: "وفي هذا الحديث أنواع من الفقه، منها: وصية الإمام لنوابه وأمرائه وولاته بتقوى اللَّه، والإحسان إلى الرعية، فبهذين الأصلين يُحفظ على الأمير منصبه، وتقر عينه به، ويأمن فيه من النكبات والغير، ومتى ترك هذين الأمرين أو أحدهما فلا بد أن يسلبه اللَّه عزه، ويجعله عبرة للناس، فما سُلبت النعم إلا بترك تقوى اللَّه، والإساءة إلى الناس" (¬1).Rصحة الإجماع على أنه يستحب أن يوصي الإمام الجيش بتقوى اللَّه. [90/ 90] إذا صالح الإمام ملك قرية دخل في الصلح كل أهلها • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن الإمام إذا صالح ملك قرية، فإنه يدخل في الصلح كل أهلها. • من نقل الإجماع: ابن بطال (449 هـ) قال: "والعلماء مجمعون على أن الإمام إذا صالح ملك القرية، أنه يدخل في ذلك الصلح بقيتهم" (¬2). نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬3) والحطاب الرعينى (¬4) (954 هـ) (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، ¬
[91/ 91] يعاقب الإمام أو من يقوم مقامه من يتستر على المجرمين
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بحديث أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِي -رضي اللَّه عنه- قَالَ: "غَزَوْنَا مَعَ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- تَبُوكَ، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ" (¬3). • وجه الدلالة: قال العيني: "قبول هديته مؤذن بموادعته، وكتابته ببحرهم مؤذن بدخولهم في الموادعة؛ لأن موادعة الملك موادعة لرعيته؛ لأن قوتهم به، ومصالحهم إليه، فلا معنى لانفراده دونهم، وانفرادهم دونه، عند الإطلاق" (¬4).Rصحة الإجماع على أن الإمام إذا صالح ملك قرية، فإنه يدخل في الصلح كل أهلها. [91/ 91] يعاقب الإمام أو من يقوم مقامه من يتستر على المجرمين • المراد بالمسألة: الاتفاق على معاقبة الإمام لكل من يتستر على المجرمين. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) قال: "فأما هذا فإنما يعاقب على ذنب نفسه، وهو أن يكون قد علم مكان الظالم الذي يُطلب حضوره لاستيفاء الحق، أو يعلم مكان المال الذي قد تعلق به حقوق المستحقين، فيمتنع من الإعانة والنصرة الواجبة عليه في الكتاب والسنة والإجماع، إما محاباة، أو حمية لذلك الظالم، كما قد يفعل أهل العصبية بعضهم ببعض، وإما معاداة أو بغضًا للمظلوم. . . وعلى كل تقدير فهذا الضرب يستحق العقوبة باتفاق العلماء" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والمعقول: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬4). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "يأمر -تعالى- عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المآثم والمحارم" (¬5). • ثانيًا: السنة: حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المَدِينَةُ حَرَمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فيها حَدَثًا، أو آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (¬6). • وجه الدلالة: قال ابن حجر: "إن من آوى أهل المعاصي أنه يشاركهم في الإثم" (¬7). • ثالثًا: المعقول: 1 - لأن المتستر على المجرم امتنع من حق واجب عليه لا تدخله النيابة (¬8). 2 - ولأن من لم يسلك هذه السبل عطل الحدود، وضيع الحقوق، وأكل ¬
[92/ 92] إذن الإمام بالمبارزة
القوي الضعيف (¬1). 3 - ولأن المتستر على المجرم شريكه في الجرم، وقد لعنه اللَّه ورسوله (¬2). 4 - ولأنه إن كان مطلوبًا بحق فإنه يجب عليه الإعلام به والدلالة عليه، ولا يجوز كتمانه، فإن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، وذلك واجب، بخلاف ما لو كان النفس أو المال مطلوبًا بباطل، فإنه لا يحل الإعلام به؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، بل يجب الدفع عنه (¬3).Rصحة الإجماع على معاقبة الإمام لكل من يتستر على المجرمين. [92/ 92] إذن الإمام بالمبارزة • المراد بالمسألة: المبارزة لغة: من البروز وهو الظهور، والبارز: الظاهر، وبرز: ظهر بعد خفاء، ويُقال: برز له، إذا انفرد عن جماعته لينازله، وتبارز الفارسان: إذا انفرد كل واحد منهما عن جماعته إلى صاحبه (¬4). المبارزة اصطلاحًا: أن يخرج الرجل من المسلمين إلى الرجل من الكافرين بين الصفين؛ ليقاتل كل واحد منهما صاحبه (¬5). وقد اتفقوا على وجوب إذن الإمام للمبارزة حال الحرب. • من نقل الإجماع: الخطابي (288 هـ) قال: "إباحة المبارزة في جهاد الكفار، ولا أعلم اختلافًا في جوازها إذا أذن الإمام فيها" (¬6) ابن المنذر (319 هـ) قال: "أجمعوا على أن للمرء أن يبارز، ويدعو إلى البراز بإذن الإمام، ¬
وانفرد الحسن: فكان يكرهه، ولا يعرف البراز" (¬1) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2) العيني (855 هـ) (¬3) والحطاب الرعيني (954 هـ) (¬4) البغوي (510 هـ) قال: "إباحة المبارزة في جهاد الكفار، ولم يختلفوا في جوازها إذا أذن الإمام" (¬5). نقله العظيم آبادي (بعد 1310 هـ) (¬6) وملا علي القاري (1014 هـ) (¬7). القاضي عياض (544 هـ) قال: "وجواز المبارزة، ولا خلاف بين العلماء في جوازها بإذن الإمام، إلا الحسن فإنه شذ ومنعها" (¬8) ابن قدامة (620 هـ) قال: "لم يزل أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يبارزون في عصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبعده، ولم ينكره منكر، فكان ذلك إجماعا" (¬9) النووي (676 هـ) قال: "اتفقوا على جواز التغرير بالنفس في الجهاد في المبارزة ونحوها" (¬10). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬11)، والمالكية (¬12)، والشافعية (¬13)، والحنابلة (¬14). ¬
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} (¬1). قال العيني: "قال المهلب: هذه الآية أصل أن لا يبرح أحد من السلطان إذا جمع الناس لأمر من أمور المسلمين يحتاج فيه إلى اجتماعهم إلا بإذنه، فإن رأى أن يأذن له أذن، وإلَّا لم يأذن له" (¬2). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} (¬3). • وجه الدلالة: قال ابن العربي: "وأما الخروج من الصف، فلا يكون إلا لحاجة تعرض للإنسان، أو في رسالة يرسلها الإمام، ومنفعة تظهر في المقام، كفرصةٍ تنتهز ولا خلاف فيها، أو يتظاهر على التبرز للمبارزة" (¬4). الدليل الثالث: قول اللَّه -تعالى-: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} (¬5). • وجه الدلالة: قال أبو ذر -رضي اللَّه عنه-: "نَزَلَتْ في حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَعُتْبَةَ وَصَاحِبَيْهِ، يوم بَرَزُوا في يَوْمِ بَدْرٍ" (¬6). • ثانيًا: السنة: حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا عُبَيْدَةَ بْنَ الحَارِثِ"، فَأَقْبَلَ حَمْزَةُ إِلَى عُتْبَةَ، وَأَقْبَلْتُ إِلَى شَيْبَةَ، وَاخْتُلِفَ بَيْنَ عُبَيْد والْوَلِيدِ ضَرْبَتَانِ، فَأَثْخَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، ¬
[93/ 93] أمر المحارب إلى السلطان إذا ظفر به قبل التوبة
ثُمَّ مِلْنَا عَلَى الْوَلِيدِ فَقَتَلْنَاهُ، وَاحْتَمَلْنَا عُبَيْدَة" (¬1). • وجه الدلالة: إذن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمبارزة لحمزة، وعلي، وعبيدة رضي اللَّه عنهم. وذلك لأن الأمير أعرف بحال الناس، وحال العدو، ومكامنهم، ومواضعهم، وقربهم، وبعدهم، فإذا خرج خارج بغير إذنه لم يأمن أن يصادف كمينا للعدو فيأخذوه، أو طليعة لهم، أو يرحل الأمير بالمسلمين ويتركه فيهلك، وإذا كان بإذن الأمير لم يأذن لهم إلا إلى مكان آمن، وربما يبعث معهم من الجيش من يحرسهم ويطلع لهم. ولأن الإمام أعلم بفرسانه وفرسان العدو، ومتى برز الإنسان إلى من لا يطيقه كان معرضًا نفسه للهلاك، فيكسر قلوب المسلمين، فينبغي أن يفوض ذلك إلى الإمام؛ ليختار للمبارزة من يرضاه لها، فيكون أقرب إلى الظفر، وجبر قلوب المسلمين، وكسر قلوب المشركين (¬2).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [93/ 93] أمر المحارب إلى السلطان إذا ظفر به قبل التوبة • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن أمر المحارب إلى السلطان إذا ظفر به قبل التوبة، فإن قتل معصومًا فليس لأولياء المقتول العفو. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قالوا: "أجمعوا أن أمر المحارب إلى السلطان، وإن قتل المحارب أخا امرئ أو أباه في حالة المحاربة أن عفو طالب الدم لا يجوز في حالة المحاربة" (¬3). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬4) القرطبي (671 هـ) قال: "أجمع أهل العلم على أن السلطان ولي من حارب، فإن قتل محارب أخا امرئ أو أباه في حال المحاربة، فليس إلى طالب الدم من ¬
أمر المحارب شيء، ولا يجوز عفو ولي الدم، والقائم بذلك الإمام" (¬1). الشنقيطي (1393 هـ) قال: "إجماع العلماء على أن عفو ولي المقتول في الحرابة لغو لا أثر له، وعلى الحاكم قتل المحارب القاتل" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه-تعالى-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬8). • وجه الدلالة: قال الطبري: "أنزل اللَّه هذه الآية على نبيه معرفة حكمه على من حارب اللَّه ورسوله، وسعى في الأرض فسادًا، بعد الذي كان من فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالعرنيين ما فعل" (¬9). وقال ابن كثير: "هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات" (¬10). ¬
[94/ 94] هدم الإمام لكنائس العنوة
• ثانيًا: السنة: حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "قَدِمَ على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَفَرٌ من عُكْلٍ، فَأَسْلَمُوا، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا من أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَفَعَلُوا، فَصَحُّوا، فَارْتَدُّوا، وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، فَبَعَثَ في آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، ثم لم يَحْسِمْهُمْ حتى مَاتُوا" (¬1). • وجه الدلالة: قال النووي: "هذا الحديث أصل في عقوبة المحاربين، وهو موافق لقول اللَّه -تعالى-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (¬2).Rصحة الإجماع على أن أمر المحارب إلى السلطان إذا ظفر به قبل التوبة. [94/ 94] هدم الإمام لكنائس العنوة • المراد بالمسألة: الكنائس في بلاد المسلمين على أنواع ثلاثة (¬3): 1 - ما مصره المسلمون كالكوفة والبصرة: لا يجوز فيه إحداث كنيسة اتفاقًا؛ لأن هذا البلد ملك للمسلمين، فلا يجوز أن يبنوا فيه مجامع للكفر، وما وجد في هذه البلاد من الكنائس، فهذه كانت في قرى أهل الذمة فأقرت على ما كانت عليه. 2 - ما فتحه المسلمون صلحًا: يجوز إحداث الكنائس عند جمهور الفقهاء، ¬
إذا تم الصلح على أن الأرض لهم والخراج لنا، فإن كانت الدار لنا ويؤدون الجزية فَثَمّ عدم الإحداث، إلا إذا شرطوا ذلك، وإن وقع الصلح مطلقًا لا يجوز الإحداث عند جمهور الفقهاء. 3 - ما فتحه المسلمون عنوة: لا يجوز فيه إحداث شيء بإجماع أهل العلم؛ لأنه صار ملكًا للمسلمين. وقد اتفق العلماء على جواز هدم الإمام لكنائس العنوة، إذا لم يكن فيه ضرر على المسلمين. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَنه إن أعْطى كل من ذكرنَا عَن نَفسه وَحدهَا فَقِيرًا كَانَ أَو غَنِيًّا أَو معتقًا أَو حرًّا أَرْبَعَة مَثَاقِيل ذَهَبًا فِي انْقِضَاء كل عَام قمري، بعد أَن يكون صرف كل دِينَار اثْنَي عشر درهمًا كَيْلا فَصاعِدًا، على أَن يلتزموا على أنفسهم أَن لا يحدثوا شَيْئا فِي مَوَاضِع كنائسهم وسكناهم ولا غيرها. . . فإن سكن مُسلمُونَ بَينهم هدموا كنائسهم وبيعهم" (¬1) ابن تيمية (728 هـ) قال: "فإن علماء المسلمين من أهل المذاهب الأربعة. . . ومن قبلهم من الصحابة والتابعين -رضي اللَّه عنهم أجمعين- متفقون على أن الإمام لو هدم كل كنيسة بأرض العنوة؛ كأرض مصر، والسواد بالعراق، وبر الشام، ونحو ذلك، مجتهدًا في ذلك، ومتبعًا في ذلك لمن يرى ذلك، لم يكن ذلك ظلمًا منه؛ بل تجب طاعته في ذلك ومساعدته في ذلك ممن يرى ذلك" (¬2). وقال أيضًا: "وقد أخذ المسلمون منهم كنائس كثيرة من أرض العنوة، بعد أن أقروا عليها في خلافة عمر بن عبد العزيز وغيره من الخلفاء، وليس في المسلمين من أنكر ذلك، فعُلِم أن هدم كنائس العنوة جائز، إذا لم يكن فيه ضرر على المسلمين" (¬3). نقله ابن مفلح (763) (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: تهدم في قول لمحمد بن الحسن في الكنائس القديمة في الأمصار التي أحدثها المسلمون عند الحنفية (¬1)، وذهب بعض المالكية إلى أنه لا يجوز الإحداث مطلقًا، ولا يترك لهم كنيسة (¬2)، وتهدم عند الشافعية لو عُلم إحداث شيء للتعبد في الكنائس القديمة في المدن التي أحدثها المسلمون (¬3)، سواء أكان في الكنائس القديمة فيما فتح عنوة، أم فيما فتح صلحًا؛ لأن إطلاق اللفظ يقتضي ضرورة جميع البلد لنا. وتهدم الكنائس التي في البلاد التي مصرها المسلمون وأحدثت بعد تمصير المسلمين لها عند الحنابلة، وفي وجه عندهم فيما فتح عنوة؛ لأنها بلاد مملوكة للمسلمين، فلم يجز أن تكون فيها بيعة، كالبلاد التي اختطها المسلمون (¬4). وقال ابن حزم الظاهري: إن سكن مُسلمُونَ بَينهم هدموا كنائسهم وبيعهم (¬5). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} (¬6). • وجه الدلالة: قال ابن تيمية: "فكان ولاة الأمور الذين يهدمون كنائسهم ويقيمون أمر اللَّه فيهم كعمر بن عبد العزيز، وهارون الرشيد، ونحوهما، مؤيدين منصورين، وكان الذين هم بخلاف ذلك مغلوبين مقهورين" (¬7). ¬
• ثانيًا: السنة: حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا تَكُونُ قِبْلَتَانِ في بَلَدٍ وَاحِدٍ" (¬1). • وجه الدلالة: نهى المؤمن عن الإقامة بأرض الكفر، ونهى الحكام عن أن يمكنوا أهل الذمة من إظهار شعار الكفر في بلاد المسلمين (¬2). • من خالف الإجماع: الحنفية فقالوا: لا تُهدم الكنائس القديمة في السواد والقرى في المدن التي أحدثها المسلمون، والقول الآخر لمحمد بن الحسن في الأمصار، ألا ترى أنها توالت عليها أئمة وأزمان وهي باقية لم يأمر إمام بهدمها؟ فكان متوارثًا من عهد الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم. وكذا لا تُهدم المعابد القديمة فيما فُتح عنوة، ولكن تبقى بأيديهم مساكن، ويمنعون من الاجتماع فيها للتقرب، أما المعابد القديمة فيما فتح صلحًا إذا وقع الصلح مطلقًا فلا يتعرض للقديمة منها؛ لحاجتهم إليها في عبادتهم على المفهوم من كلامهم (¬3) والمالكية: أن ما اختطه المسلمون فسكنوه معهم، فيترك لأهل الذمة الكنائس القديمة، ولا يجب هدم ما فتح عنوة، ولا يتعرض للقديمة فيما فتح صلحًا إذا وقع الصلح مطلقًا على ما يُفهم من كلام المالكية (¬4) والشافعية: لا ينقض ما جهل أصله في البلاد التي أحدثها المسلمون؛ لاحتمال أنها كانت قرية أو برية فاتصل بها عمران، وكذا ما علم إحداث شيء منها بعد بنائها إن بني لنزول المارة، ولعموم الناس، وكذلك إذا كان لأهل الذمة فقط، ولا تهدم في قول للشافعية في مقابل الأصح في الكنائس القديمة فيما فتح عنوة، أو فيما فتح صلحا لحاجتهم إليها في عبادتهم إذا وقع الصلح مطلقًا (¬5) والحنابلة: لا يُهدم ما كان موجودًا بفلاة من الأرض، ثم مصَّر المسلمون حولها المصر في ¬
[95/ 95] تحريم فرض الإمام المغارم والمكوس على وجه غير شرعي
المدن التي أحدثها المسلمون، ولا يُهدم في وجه عندهم فيما فتح عنوة. . . أما فيما فتح صلحًا فلا يُهدم على المذهب إذا وقع الصلح مطلقًا (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [95/ 95] تحريم فرض الإمام المغارم والمكوس على وجه غير شرعي • المراد بالمسألة: المغارم: جمع مغرم، مأخوذ من الغُرم: وهو ما يلزم أداؤه تكلفًا لا في مقابلة عوض (¬2) والمكوس: جمع مكس، وأصل المكس في اللغة: النقص والظلم. ويأتي المكس بمعنى الجباية والضريبة التي يأخذها الماكس، ويُقال له: العشار؛ لأنه يأخذ العشور في كثير من البلاد، وقد كان معروفًا منتشرًا عند العرب، ويُعرف أحيانًا بالإتاوة، وكان يؤخذ قسرًا عند البيع والشراء في الأسواق في الجاهلية (¬3). وما ورد من ذم العشار فهو محمول على من يأخذ أموال الناس ظلمًا، كما يفعله الظلمة اليوم (¬4). والمكوس المذمومة والمنهي عنها هي غير نصف العشر الذي فرضه عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- على تجارة أهل الذمة، وكذلك هي غير العشر الذي ضربه على أموال أهل الحرب بمحضر من الصحابة -رضوان اللَّه عليهم- ولم ينكره عليه أحد منهم (¬5). قال النووي: "أمر كان يعده الفقهاء من الإقطاع، ويعده المختصون في زماننا هذا باسم الترخيص، وهو إذن السلطان، فإذا أراد أحد التجار أن يشغل الطريق أمامه استأذن الحاكم، فمنحه رخصة يتحدد فيها المساحة المأذون في شغلها؛ نظير مكوس يؤديها، توقف على تعبيد الطرق، وتنظيفها، وإنارة ¬
الشوارع، وصيانتها من الروائح الكريهة والمزابل المؤذية، وهى من الأمور التي تُناط باجتهاد السلطان، وبصره بالأمور، ونظره في صلاح رعيته" (¬1). مما تقدم يتضح أن للمكس معنى مذمومًا، وآخر غير ذلك يُصرف للصالح العام، وقد أجمع أهل العلم على تحريم أخذ أموال الناس بغير حق شرعي، فاستباحة أموال الناس بالمكوس لا يبيحها شرع، ولا يسوغها اجتهاد، ولا هي من سياسات العدل، وقلما تكون إلا في البلاد الجائرة (¬2). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَن المراصد (¬3) المَوْضُوعَة للمغارم على الطّرق، وعند أَبْوَاب المدن، ومَا يُؤْخَذ في الأسواق من المكوس على السّلع المجلوبة من المَارَّة والتجار، ظلم عَظِيم، وَحرَام، وَفسق" (¬4). نقله ابن تيمية (728 هـ) (¬5) ابن تيمية (728 هـ) قال: "فصارت الأموال في هذا الزمان وما قبله ثلاثة أنواع: نوع يستحق الإمام قبضه بالكتاب والسنة والإجماع كما ذكرناه، ونوع يحرم أخذه بالإجماع، كالجبايات التي تؤخذ من أهل القرية لبيت المال؛ لأجل قتيل قُتل بينهم وإن كان له وارث، أو على حد ارتكبه، وتسقط عنه العقوبة بذلك، وكالمكوس التي لا يسوغ وضعها اتفاقًا" (¬6) التقي الحصني (¬7) (829 هـ) ¬
قال: "وكذا من استحل المكوس ونحو ذلك، مما هو حرام بالإجماع" (¬1) الرحيباني (¬2) (1243 هـ) قال: "يحرم تعشير أموال المسلمين -أي أخذ عشرها- والكُلَف -أي الضرائب- التي ضربها الملوك على الناس بغير طريق شرعي إجماعًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا ¬
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله -تعالى-: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} (¬1). • وجه الدلالة: قال القرطبي: "كانوا عشارين متقبلين، ومثلهم اليوم هؤلاء المكاسون الذين يأخذون من الناس ما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر، فضمنوا ما لا يجوز ضمان أصله؛ من الزكاة والمواريث والملاهي، والمترتبون في الطرق، إلى غير ذلك مما قد كثير في الوجود، وعُمِل به في سائر البلاد، وهو من أعظم الذنوب وأكبرها وأفحشها، فإنه غصب، وظلم، وعسف على الناس، وإذاعة للمنكر، وعمل به، ودوام عليه، وإقرار له" (¬2). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث بريدة بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال -في شأن الغامدية التي زنت فأمر برجمها-: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بيده لقد تَابَتْ تَوْبَةً لو تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ له" (¬3). • وجه الدلالة: قال النووي: "فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات؛ وذلك لكثرة مطالبات الناس له، وظلاماتهم عنده، وتكرر ذلك منه، وانتهاكه للناس، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها" (¬4). الدليل الثاني: حديث عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ" (¬5). • وجه الدلالة: قال الذهبي: "وما ذاك إلا لأنه يتقلد مظالم العباد، ومن أين للمكاس يوم القيامة أن يؤدي للناس ما أخذ منهم؟ ! إنما يأخذون من حسناته، ¬
[96/ 96] اختصاص الصفي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-
إن كان له حسنات" (¬1). الدليل الثالث: حديث عُثْمَانَ بن أبي الْعَاص الثَّقَفِيِّ أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كان لِدَاوُدَ نبي اللَّه -عليه السَّلَامُ- مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ يُوقِظُ فيها أَهْلَهُ، فيقول: يا آلَ دَاوُدَ، قُومُوا فَصَلُّوا، فإن هذه سَاعَةٌ يَسْتجِيبُ اللَّه فيها الدُّعَاءَ، إلا لِسَاحِرٍ أو عَشَّارٍ" (¬2). • وجه الدلالة: استثنى من جميع خلق اللَّه الساحر والعشار، تشديدًا عليهم وتغليظًا، وأنهم كالآيسين من رحمة اللَّه العامة للخلائق (¬3). قال المناوي: "وهذا وعيد شديد يفيد أن المكس من أكبر الكبائر وأفجر الفجور" (¬4).Rصحة الإجماع على حرمة المكوس، بمعنى أخذ أموال الناس بدون وجه شرعي. [96/ 96] اختصاص الصفي بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- • المراد بالمسألة: الصفي لغة: الخالص، وصفوة كل شيء خالصه، واصطفاه: اختاره (¬5). الصفي اصطلاحًا: هو شيء يختاره الإمام من المغنم قبل القسمة، كالجارية، والعبد، والثوب، والسيف، ونحوه (¬6). وقد اتفقوا أن سهم الصفي ليس لأحد بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. • من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) قال: "قد أجمعوا أن سهم الصفي ¬
ليس لأحد بعد رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن حكم رسول اللَّه في ذلك خلاف حكم الإمام من بعده" (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع العلماء على أن الصفي ليس لأحد بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أن أبا ثور حُكي عنه ما يخالف هذا الإجماع" (¬2) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬3) ابن عطية الأندلسي (¬4) (541) قال: "ولا صفي لأحد بعده بإجماع إلا ما قال أبو ثور من أن الصفي باق للإمام وهو قول معدود في شواذ الأقوال" (¬5). نقله أبو حيان الأندلسي (¬6) (745 هـ) قال: "أجمع المسلمون على أنه إذا نزل بالمسلمين حاجة وضرورة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها" (¬7) ابن رشد الحفيد (595 هـ) قال: "أجمعوا على أن الصفي ليس لأحد من بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أبا ثور فإنه قال: يجري مجرى سهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬8) ابن قدامة (620 هـ) قال: "قال أحمد: الصفي إنما كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصة لم يبق بعده، ولا نعلم مخالفًا لهذا. . . . وأما انقطاعه بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فثابت ¬
بإجماع الأمة -قبل أبي ثور وبعده- عليه" (¬1) ابن مفلح (763) قال: "كان له -عليه السلام- من المغنم الصفي. . . وانقطع ذلك بموته بغير خلاف نعلمه، إلا أبا ثور، فإنه زعم أنه باق للأئمة بعده" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من السنة، والمعقول: • أولًا: السنة: 1 - حديث عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: "كانت لِرَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثَلَاثُ صَفَايَا: بَنُو النَّضِيرِ، وَخَيْبَرُ، وَفَدَكُ" (¬7). 2 - حديث عَنْ عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- قَالَتْ: "كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنَ الصَّفِيِّ" (¬8). ¬
3 - حديث ابْن عَبَّاسٍ -رضي اللَّه عنهما-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الفَقَارِ (¬1) يَوْمَ بَدْرٍ" (¬2). • وجه الدلالة: قال ملا علي القاري: "أي: اصطفاه وجعله صفيّ المغنم، الذي لا يحل لأحد دونه" (¬3). ونوقش: بأن الغنائم التي كانت له يومئذٍ خاصة، فنُسخ الحكم بالتخميس. وَأَمَّا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بن أَخْطَبَ فهي من خيبر، ولم يقسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للغانمين منها إلا البعض، فكان حكمها حكم ذلك البعض الذي لم يقسم، على أنه قد روي أنها وقعت في سهم دحية الكلبي -رضي اللَّه عنه-، فاشتراها منه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بسبعة أرؤس (¬4). • ثانيًا: المعقول: 1 - أن أبا بكر وعمر وعثمان -رضي اللَّه عنهم- ومن بعدهم لم يأخذوه، ولا ذكره أحد منهم، ولا يجمعون على ترك سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5). • من خالف الإجماع: أبو ثور (¬6) فإنه قال: إن كان الصفي ثابتًا للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فللإمام أن يأخذه على ¬
[97/ 97] قضاء الإمام بين الناس
نحو ما كان يأخذه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويجعله مجعل سهم النبي من خمس الخمس (¬1). ونوقش: بأنه جمع بين الشك فيه في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومخالفة الإجماع في إبقائه بعد موته (¬2). وقد أنكر قوم (¬3) كون الصفي للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. واحتجوا بحديث عَمْرو بْنِ عَبَسَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى بَعِيرٍ مِنَ المَغْنَم، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ الْبَعِيرِ، ثُمَّ قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثَّلُ هَذَا إِلَّا الخُمُسُ، وَالخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ" (¬4). • وجه الدلالة: قال أبو عبيد: "إن الخمس مفوض إلى الإمام، ينفل منه إن شاء" (¬5). وهو مردود بما صح من أدلة ثبوت الصفي للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتي أوردناها آنفًا.Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [97/ 97] قضاء الإمام بين الناس • المراد بالمسألة: اتفقوا على جواز قضاء الإمام بين الناس. • من نقل الإجماع: ابن رشد الحفيد (595 هـ) قال: "ولا خلاف في جواز حكم الإمام الأعظم" (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
[98/ 98] تعيين الإمام للقاضي
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بالسنة، والآثار: • أولًا: السنة: فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- كما ثبت في السنة، ومن ذلك ما ثبت عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي اللَّه عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، بِقَوْلِهِ: فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا" (¬4). • ثانيًا: الآثار: قضاء الخلفاء الراشدين بأنفسهم بين الناس (¬5).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [98/ 98] تعيين الإمام للقاضي • المراد بالمسألة: اتفقوا على أن تعيين القضاة على الإمام. • من نقل الإجماع: ابن رشد الحفيد (595 هـ) قال: "وتوليته للقاضي شرط في صحة قضائه، لا خلاف أعرف فيه" (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، والظاهرية (¬11). ¬
[99/ 99] جواز عطية الإمام للقاضي
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما يلي (¬1): 1 - أن الإمام صاحب الولاية العامة في البلاد، فمنه التولية والعزل. 2 - أن الإمام أقضى القضاة فله تولية الأدنى.Rصحة الإجماع على تعيين الإمام للقاضي. [99/ 99] جواز عطية الإمام للقاضي • المراد بالمسألة: أن عطية الإمام للقاضي جائزة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَن الإمام إذا أعْطى الْحَاكِم مَالًا من وَجه طيب، دون أَن يسْأَله إياه، فإنه لَهُ حَلَال، وَسَوَاء رتبه لَهُ كل شهر، أَو كل وَقت مَحْدُود، أَو قِطْعَة عَنهُ" (¬2). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬3) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: "قال أبو علي الكرابيسي (¬4): لا بأس للقاضي أن يأخذ الرزق على القضاء عند أهل العلم قاطبة من الصحابة ومن بعدهم، وهو قول فقهاء الأمصار، لا أعلم بينهم اختلافًا" (¬5). نقله العيني (855 هـ) (¬6) الأمير الصنعاني (1182 هـ) قال: "قالت طائفة: أخذ الرزق على القضاء إن كانت جهة الأخذ من الحلال، كان جائزًا إجماعًا، ومن تركه فإنما تركه تورعًا" (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالآثار، والمعقول: • أولًا: الآثار: روي أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- استعمل زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- على القضاء، وفرض له رزقًا (¬6). • ثانيًا: المعقول: لكون القاضي يشغله القضاء والحكم عن القيام بمصالحه (¬7). • من خالف الإجماع: كره طائفة من السلف -كابن مسعود والحسن (¬8) - عطية الإمام للقاضي؛ لما يلي: 1 - أن القضاء في الأصل محمول على الاحتساب؛ لقول اللَّه -تعالى- لنبيه: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} (¬9)، فأرادوا أن يجري الأمر فيه على الأصل الذي وضعه اللَّه لنبيه، فهو قربة يختص فاعله أن يكون في أهل القربة، فأشبه الصلاة (¬10). 2 - ولئلا يدخل فيه من لا يستحقه، فيتحيل على أموال الناس (¬11). ¬
[100/ 100] قيام الإمام على الحدود
3 - ولأنه لا يعمله الإنسان عن غيره، وإنما يقع عن نفسه، فأشبه الصلاة (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [100/ 100] قيام الإمام على الحدود • المراد بالمسألة: لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض، وإنما ذلك للسلطان (¬2). • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) -بعد أن ذكر ما رُوي عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان"- قال: "ولا نعلم عن أحد من الصحابة خلافه" (¬3) نقله أبو بكر الجصاص (370 هـ) (¬4) وابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬5) والأمير الصنعاني (1182 هـ) (¬6) والشوكاني (1250 هـ) (¬7) والمباركفوري (1353 هـ) (¬8) ابن بطال (449 هـ) قال: "اتفق أئمة الفتوى أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض، وإنما ذلك للسلطان، أو من نصبه السلطان لذلك" (¬9) نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬10). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬11)، والمالكية (¬12)، ¬
[101/ 101] غنيمة الإمام لأموال البغاة
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالسنة، والمعقول: • أولًا: السنة: هديه -صلى اللَّه عليه وسلم- في إقامة الحدود، وكذا الخلفاء الراشدين، ومن بعدهم. • ثانيًا: الآثار: 1 - رُوي عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان" (¬4). 2 - وقال عبد اللَّه بن محيريز: "الحدود، والفيء، والزكاة، والجمعة إلى السلطان" (¬5). • ثالثًا: المعقول: 1 - أن اللَّه جعل السلطان لقبض أيدي الناس (¬6). 2 - لو تولاها غير الإمام لوقع من النزاع ما لا يحصى إذ لا يرضى أحد بإقامة الحد عليه (¬7).Rصحة الإجماع على قيام الإمام على الحدود. [101/ 101] غنيمة الإمام لأموال البغاة • المراد بالمسألة: الاتفاق على عدم حل تملك أموال البغاة طالما كانوا في الحرب. ¬
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَنه لَا يحل تملك شَىْء من أَمْوَالهم مَا داموا فِي الْحَرْب، مَا عدا السِّلَاح والكراع، فإنهم اخْتلفُوا فِي الِانْتِفَاع بسلاحهم وخيلهم مُدَّة حربهم (¬1)، وَفِي قسمتهَا وتخميسها أَيْضًا أَيجوزُ ذَلِك أم لَا إذا ظفر بهم" (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: "فأما غنيمة أموالهم وسبي ذريتهم، فلا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافًا" (¬3) الشوكاني (1250 هـ) قال: "قال في البحر: ولا يجوز سبيهم ولا اغتنام ما لم يجلبوا به إجماعًا؛ لبقائهم على الملة" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والآثار: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬10). ¬
• وجه الدلالة: أمر بقتال الفئة الباغية، حتى ترجع إلى أمر اللَّه، وتسمع للحق وتطيع (¬1). • ثانيًا: السنة: حديث ابْنِ عُمَرَ -رضي اللَّه عَنْهُمَا- أن رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لِعَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه-: "يَا ابْنَ مَسْعُودٍ، أَتَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّه فِيمَنْ بَغَى مِنْ هَذِهِ الُآمَّةِ؟ " قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّ حُكْمَ اللَّه فِيهِمْ: أَنْ لَا يُتْبَعَ مُدْبِرَهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ" (¬2). • وجه الدلالة: أن قتالهم لدفعهم وردهم إلى الحق، لا لكفرهم، فلا يُستباح منهم إلا ما حصل ضرورة الدفع، كالصائل، وقاطع الطريق، وبقي حكم المال والذرية على أصل العصمة (¬3). قال النووي: "وهذا كله ما لم يكفروا ببدعتهم، فإن كانت بدعة مما يكفرون به جرت عليهم أحكام المرتدين، وأما البغاة الذين لا يكفرون، فيرثون ويورثون، ودمهم في حال القتال هدر، وكذا أموالهم التي تتلف في القتال" (¬4). • ثالثًا: الآثار: عن أبي أمامة -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "شهدت صفين، فكانوا لا يجهزون على جريح، ولا يطلبون موليًّا، ولا يسلبون قتيلًا" (¬5).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
[102/ 102] قتل الإمام لأسير البغاة
[102/ 102] قتل الإمام لأسير البغاة • المراد بالمسألة: لا يُقتل أسير البغاة؛ لاندفاع شره بالأسر والحبس. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "فإن قالوا: قد كان قتله -بلا خلاف- مباحًا قبل الإسار، فهو على ذلك بعد الإسار حتى يمنع منه نص، أو إجماع. قلنا لهم: هذا باطل، وما حل قتله قط قبل الإسار مطلقًا، لكن حل قتله. ما دام باغيًا مدافعًا، فإذا لم يكن باغيًا مدافعًا حرم قتله، وهو إذا أسر فليس حينئذٍ باغيًا، ولا مدافعًا، فدمه حرام" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية قالوا بالخيار إن كانت لهم فئة ينحازون إليها (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والآثار: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬7). • وجه الدلالة: أمر بقتال الفئة الباغية، حتى ترجع إلى أمر اللَّه، وتسمع للحق وتطيع (¬8). • ثانيًا: السنة: حديث ابْنِ عُمَرَ -رضي اللَّه عَنْهُمَا- أن رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لِعَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه-: "يَا ابْنَ مَسْعُودٍ، أَتَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّه فِيمَنْ بَغَى مِنْ ¬
[103/ 103] حكم سبي ذرية البغاة
هَذِهِ الُآمَّةِ؟ " قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّ حُكْمَ اللَّه فِيهِمْ: أَنْ لَا يُتْبَعَ مُدْبِرَهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ" (¬1). • وجه الدلالة: أن قتالهم لدفعهم وردهم إلى الحق، لا لكفرهم، فلا يُستباح منهم إلا ما حصل ضرورة الدفع، كالصائل، وقاطع الطريق، وبقي حكم المال والذرية على أصل العصمة (¬2). قال النووي: "وهذا كله ما لم يكفروا ببدعتهم، فإن كانت بدعة مما يكفرون به جرت عليهم أحكام المرتدين، وأما البغاة الذين لا يكفرون، فيرثون ويورثون، ودمهم في حال القتال هدر، وكذا أموالهم التي تتلف في القتال" (¬3). • ثالثًا: الآثار: عن أبي أمامة -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "شهدت صفين، فكانوا لا يجهزون على جريح، ولا يطلبون موليًّا، ولا يسلبون قتيلًا" (¬4).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [103/ 103] حكم سبي ذرية البغاة • المراد بالمسألة: يحرم سبي ذرية البغاة (¬5). • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: "فأما غنيمة أموالهم وسبي ذريتهم، فلا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافًا" (¬6). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والآثار: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬5). • وجه الدلالة: أمر بقتال الفئة الباغية، حتى ترجع إلى أمر اللَّه، وتسمع للحق وتطيع (¬6). • ثانيًا: السنة: حديث ابْنِ عُمَرَ -رضي اللَّه عَنْهُمَا- أن رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لِعَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه-: "يَا ابْنَ مَسْعُودٍ، أَتَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّه فِيمَنْ بَغَى مِنْ هَذِهِ الُآمَّةِ؟ " قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّ حُكْمَ اللَّه فِيهِمْ: أَنْ لَا يُتْبَعَ مُدْبِرَهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ" (¬7). • وجه الدلالة: أن قتالهم لدفعهم وردهم إلى الحق، لا لكفرهم، فلا يُستباح منهم إلا ما حصل ضرورة الدفع، كالصائل، وقاطع الطريق، وبقي حكم المال والذرية على أصل العصمة (¬8). قال النووي: "وهذا كله ما لم يكفروا ببدعتهم، فإن كانت بدعة مما يكفرون به جرت عليهم أحكام المرتدين، وأما البغاة الذين لا يكفرون، فيرثون ¬
[104/ 104] التعزير موكول إلى الإمام
ويورثون، ودمهم في حال القتال هدر، وكذا أموالهم التي تتلف في القتال" (¬1). • ثالثًا: الآثار: عن أبي أمامة -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "شهدت صفين، فكانوا لا يجهزون على جريح، ولا يطلبون موليًّا، ولا يسلبون قتيلًا" (¬2).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [104/ 104] التعزير موكول إلى الإمام • المراد بالمسألة: التعزير لغة: مصدر عزَّرَ من العزْر، وهو الرَّدُّ والمنع، ويُقال: عزَّر أخاه بمعنى: نصره؛ لأنّه منع عدوَّه من أن يؤذيه، ويُقال: عزَّرته بمعنى: وقَّرته، وأيضًا: أدَّبته، فهو من أسماء الأضداد. وسُمِّيت العقوبة تعزيرًا؛ لأن من شأنها أن تدفع الجاني وتردَّه عن ارتكاب الجرائم، أو العودة إليها (¬3) التعزير اصطلاحًا: هو عقوبة غير مقدّرة شرعًا، تجب حقًّا للَّه، أو لآدمي، في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة غالبًا (¬4). وقد اتفق العلماء على أن التعزير موكول إلى الإمام، فله أن يقوم على التعزير، أو يأذن به لمن يقوم مقامه، وله أن يخففه أو يشدده. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: "أجمعوا على أن للإمام أن يعزر في بعض الأشياء" (¬5) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬6) أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) قال: "والتعزير لم يختلفوا في أنه موكول إلى اجتهاد الإمام، فيخفف تارة، ويشدد أخرى" (¬7). نقله ابن بطال (449 هـ) (¬8) العيني (855 هـ) (¬9) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: "الإجماع على أن التعزير موكول إلى رأي ¬
الإمام، فيما يرجع إلى التشديد والتخفيف" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: واستدلوا بالسنة، والآثار: • أولًا: السنة: فقد عزر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بما يناسب حال الواقعة ومَنْ ارتكبها. قال ابن فرحون: "فقد عزر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهجر، وذلك في عقد الثلاثة الذين ذكرهم اللَّه -تعالى- في القرآن الكريم، فهجروا خمسين يومًا لا يكلمهم أحد، وقضيتهم مشهورة في الصحاح، وعزر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالنفي، فأمر بإخراج المخنثين من المدينة ونفيهم" (¬7). وعدّد أمثلة أخرى، فقال: "ومنها: ما فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- بالعُرنيين. أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- للمرأة التي لعنت ناقتها أن تخلي سبيلها. إباحته -صلى اللَّه عليه وسلم- سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده. أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- بكسر دنان الخمر، وشق ظروفها. أمره لعبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- بتحريق الثوبين المعصفرين. أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم خيبر بكسر القدور التي طُبخ فيها لحم الحمر الأهلية، ثم استأذنوه في غسلها، فأذن لهم، فدل على جواز الأمرين؛ لأن العقوبة بالكسر لم تكن واجبة. هدمه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمسجد الضرار. أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- بتحريق متاع الذي غل من الغنيمة. إضعاف الغرم على سارق مالا قطع فيه من الثمر والكثر. إضعاف الغرم على كاتم الضالة. أخذه شطر مانع الزكاة غرامة من غرامات الرب تبارك وتعالى. أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- لابس خاتم الذهب بطرحه، فلم يعرض له أحد. أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- بقطع نخيل اليهود إغاظة لهم" (¬8). ¬
• ثانيًا: الآثار: وقد وردت آثار عديدة تفيد تفاوت التعزير شدة وتخفيفًا بحسب ظروف الواقعة وحال مرتكبها، ومنها: أن أمَةً أعجمية زَنَتْ، وهي لا تفقه، فاستشار عمر عثمان رضي اللَّه عنهما، فَقَالَ: أُرَاهَا تَسْتَهِلُّ بِهِ كَأَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ، وَلَيْسَ الْحَدُّ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ. فَقَالَ عمر -رضي اللَّه عنه-: "صَدَقْتَ، والذي نفسي بِيَدِهِ مَا الْحَدُّ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ"، فَجَلَدَهَا عُمَرُ -رضي اللَّه عنه- مِائَةً، وَغَرَّبَهَا عَامًا (¬1). • وجه الدلالة: تعزير عمر -رضي اللَّه عنه- بمائة؛ لأنه كان عليها علم الأشياء المحرمة، وتغريبها زيادة في العقوبة، كما غرب في الخمر (¬2). وقد ذكر ابن فرحون طرفًا منها، فقال: "ومنها: أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- استشار الصحابة في رجل يُنكح كما تنكح المرأة، فأشاروا بحرقه في النار، فكتب أبو بكر -رضي اللَّه عنه- بذلك إلى خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه-، ثم حرقهم عبد اللَّه بن الزبير في خلافته. ومنها: أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- حرَّق جماعة من أهل الردة. ومنها: تحريق عمر -رضي اللَّه عنه- المكان الذي يُباع فيه الخمر. ومنها: تحريق عمر -رضي اللَّه عنه- قصر سعد بن أبي وقاص، لما احتجب فيه عن الرعية، وصار يحكم في داره. ومنها: مصادرة عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- عماله بأخذ شطر أموالهم، فقسمها بينهم وبين المسلمين. ومنها: أنه -رضي اللَّه عنه- ضرب الذي زور على نقش خاتمه، وأخذ شيئًا من بيت المال مائة، ثم ضرب في اليوم الثاني مائة، ثم ضربه في اليوم الثالث مائة. ومنها: أن عمر -رضي اللَّه عنه- لما وجد مع السائل من الطعام فوق كفايته وهو يسأل أخذ ما معه، وأطعمه إبل الصدقة. ومنها: أنه -رضي اللَّه عنه- أراق اللبن المغشوش (¬3).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
[105/ 105] لا يزيد الإمام في التعزير على عشر جلدات
[105/ 105] لا يزيد الإمام في التعزير على عشر جلدات • المراد بالمسألة: اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز للإمام أن يزيد على عشر جلدات في التعزير. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفقوا أن التعزير يجب فيه من جلدة إلى عشرة" (¬1) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: "وبالإجماع على أن التعزير موكول إلى رأي الإمام، فيما يرجع إلى التشديد والتخفيف، لا من حيث العدد" (¬2). • الموافقون على الإجماع: أشهب (¬3) من المالكية (¬4)، وبعض الشافعية (¬5)، وهو رواية عن الإمام أحمد (¬6)، ومذهب الظاهرية (¬7)، والشوكاني (¬8). • مستند الإجماع: واستدلوا بحديث أَبِي بُرْدَةَ -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ¬
"لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّه" (¬1). • وجه الدلالة: أنه لا يجوز لأحد أن يجلد في غير حد أكثر من عشر جلدات (¬2). ونوقش: بأن الحديث مطعون فيه، قال الشوكاني: "تكلم في إسناده ابن المنذر والأصيلي من جهة الاختلاف فيه" (¬3). وأجيب: بأن الحديث متفق عليه. قال القسطلاني (¬4): "اتفق الشيخان على تصحيحه، وهما العمدة في التصحيح" (¬5). ونوقش: بأن الحديث منسوخ، دل على نسخه إجماع الصحابة (¬6). قال النووي: "وأجاب أصحابنا عن الحديث بأنه منسوخ، واستدلوا بأن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- جاوزوا عشرة أسواط" (¬7). وأجيب: بأنه قال به بعض التابعين، وهو قول الليث بن سعد، أحد فقهاء الأمصار (¬8). ونوقش: بأن الحديث مقصور على الجلد دون الضرب، شرط ألا يجاوز ¬
أدنى الحدود (¬1). ويرده: الرواية الواردة بلفظ الضرب (¬2). ونوقش: بالإجماع على أن التعزير يخالف الحدود، وحديث الباب يقتضي تحديده بالعشر فما دونها، فيصير مثل الحد (¬3). وأجيب: بأن الحد لا يُزاد فيه ولا يُنقص، بخلاف التعزير هنا، فاختلفا (¬4). ونوقش: بالإجماع على أن التعزير موكول إلى رأي الإمام فيما يرجع إلى التشديد والتخفيف، لا من حيث العدد (¬5). وأجيب: بأن التخفيف والتشديد مُسلَّم، لكن مع مراعاة العدد المذكور (¬6). ونوقش: بأن التعزير شرع للردع، ففي الناس من يردعه الكلام، ومنهم من لا يردعه الضرب الشديد، فلذلك كان تعزير كل أحد بحسبه (¬7). وأجيب: بأن الردع لا يُراعى في الأفراد، بدليل أن من الناس من لا يردعه الحد، ومع ذلك لا يُجمع عندهم بين الحد والتعزير، فلو نُظر إلى كل فرد لقيل بالزيادة على الحد، أو الجمع بين الحد والتعزير (¬8). ونوقش: بأن هذا الحكم خاص بزمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه كان يكفي الجاني منهم القدر اليسير من العقوبة (¬9). وأجيب: بأن هذا التأويل ضعيف (¬10). ¬
ونوقش: بأن تأويل "حدود اللَّه" في الحديث ليس بمعناها الاصطلاحي المعروف، وإنما: حقوق اللَّه عمومًا، والمراد: أوامره ونواهيه، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم (¬1). وأجيب: بأن تأويل (حدود اللَّه) في الحديث بحقوق اللَّه خروج عن الظاهر؛ وأنه إذا فسر حدود اللَّه في الحديث بحقوق اللَّه لم يبق لنا شيء يختص المنع به (¬2). • من خالف الإجماع: مذهب الحنفية (¬3)، والمشهور من مذهب المالكية (¬4)، ومذهب الشافعية (¬5)، وهو رواية عن الإمام أحمد (¬6)، وهو مذهب الزيدية (¬7)، وقالوا: يزاد على العشرة، واختلفوا في قدر الزيادة (¬8). واستدلوا بما يلي: 1 - حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: "جَلَدَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أبو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ" (¬9). ¬
[106/ 106] إجراء القصاص بين الولاة والرعية
• وجه الدلالة: زيادة الصحابة -رضي اللَّه عنهم- عن العشرة، وعمل الصحابة بخلاف حديث الباب يقتضي نسخه (¬1). 2 - بالإجماع على أن التعزير يخالف الحدود، وحديث الباب يقتضي تحديده بالعشر فما دونها، فيصير مثل الحد (¬2). ونوقش (¬3): أ- بأن الحد لا يُزاد فيه ولا ينقص، بخلاف التعزير هنا، فاختلفا. ب- وبالإجماع على أن التعزير موكول إلى رأي الإمام فيما يرجع إلى التشديد التخفيف، لا من حيث العدد. ج- وأن التخفيف والتشديد مسلم، لكن مع مراعاة العدد المذكور. د- وأن التعزير شرع للردع، ففي الناس من يردعه الكلام، ومنهم من لا يردعه الضرب الشديد، فلذلك كان تعزير كل أحد بحسبه. هـ- وأن الردع لا يُراعى في الأفراد، بدليل أن من الناس من لا يردعه الحد، ومع ذلك لا يُجمع عندهم بين الحد والتعزير، فلو نُظر إلى كل فرد لقيل بالزيادة على الحد، أو الجمع بين الحد والتعزير.Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [106/ 106] إجراء القصاص بين الولاة والرعية • المراد بالمسألة: الاتفاق على جريان القصاص بين الولاة والرعية. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) قال: "لم أعلم مخالفًا في أن القصاص بين الحرِّين المسلمين في النفس، وما دونها من الجراح التي يُستطاع فيها القصاص" (¬4) ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَن الْقصاص بَين الحرَّين العاقلين الْبَالِغين على الصّفة الَّتِي قدمنَا لم يكن الْجَانِي أَبَا المَجْنِي عَلَيْهِ أَو جده من قِبَل ¬
أمه أَو أَبِيه" (¬1) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2) ابن قدامة (620 هـ) قال: "يجري القصاص بين الولاة والعمال وبين رعيتهم؛ لعموم الآيات والأخبار، ولأن المؤمنين تتكافأ دماؤهم، ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬3) القرطبي (671 هـ) قال: "أجمع العلماء على أن على السلطان أن يقتص من نفسه إن تعدى على أحد من رعيته؛ إذ هو واحد منهم، وإنما له مزية النظر لهم كالوصي والوكيل، وذلك لا يمنع القصاص، وليس بينهم وبين العامة فرق في أحكام اللَّه عز وجل" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والآثار، والمعقول: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} (¬10). • وجه الدلالة: أن الآية عامة؛ فتشمل الراعي والرعية. • ثانيًا: السنة: حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أن رسول اللَّه ¬
[107/ 107] اختيار الإمام رجلا لكي يقيم الحدود
-صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ" (¬1). • وجه الدلالة: قال الخطابي: "معناه: أن أحرار المسلمين دماؤهم متكافئة في وجوب القصاص، والقود لبعضهم من بعض، لا يفضل منهم شريف على وضيع، فإذا كان المقتول وضيعًا وجب القصاص على قاتله، إن كان شريفًا لم يسقط القود عنه شرفه، وإن كان القتيل شريفًا لم يقتص له إلا من قاتله حسب" (¬2). • ثالثًا: الآثار: قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه- لرجل شكا إليه عاملًا أنه قطع يده ظلمًا: "لئن كنت صادقًا لأقيدنك منه" (¬3). رابعًا: المعقول: لأن المؤمنين تتكافأ دماؤهم، وهذان حران مسلمان ليس بينهما إيلاد، فيجري القصاص بينهما كسائر الرعية (¬4).Rصحة الإجماع، لعدم المخالف. [107/ 107] اختيار الإمام رجلًا لكي يقيم الحدود • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن الإمام يختار رجلًا لكي يقيم الحدود. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: "أجمعوا أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- كان يختار للحدود رجلًا" (¬5). ¬
[108/ 108] لا يجوز للإمام أن يعطل الحدود أو العفو فيها
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما روي عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه كان يختار للحدود رجلًا (¬5). • وجه الدلالة: أن الإمام صاحب الولاية العامة، وله أن يفوض غيره في بعض المهام.Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [108/ 108] لا يجوز للإمام أن يعطل الحدود أو العفو فيها • المراد بالمسألة: أنه لا يجوز للإمام تعطيل الحدود، أو العفو عمن استحق حدًّا. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "لا أعلم بين أهل العلم اختلافا في الحدود إذا بلغت إلى السلطان لم يكن فيها عفو لا له ولا لغيره" (¬6). وقال أيضًا: "لأن السلطان لا يحل له أن يعطل حدًّا من الحدود التي للَّه -عز وجل- إقامتها عليه إذا بلغته، كما ليس له أن يتجسس عليها إذا استترت عنه، وبأن الشفاعة في ذوي الحدود حسنة جائزة وإن كانت الحدود فيها واجبة إذا لم تبلغ السلطان، وهذا كله لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء" (¬7) نقله ابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬8)، والزرقاني (1122 هـ) (¬9)، والعظيم آبادي ¬
(بعد 1310 هـ) (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالسنة، والمعقول: • أولًا: السنة: 1 - حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ التي سَرَقَتْ، فَقَالَوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّه؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّه؟ "، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَال: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّه، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" (¬7). 2 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّه فَقَدْ ضَادَّ اللَّه" (¬8). • وجه الدلالة: قال المناوي: "هذا وعيد شديد على الشفاعة في الحدود، أي: إذا وصلت إلى الإمام وثبتت" (¬9). ¬
[109/ 109] لا يجوز للإمام أن يضرب حدا في المسجد
3 - حديث عبد اللَّه بن عَمْرِو بن الْعَاصِ -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "تَعَافُّوا الحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فما بَلَغَنِي من حَدٍّ فَقَدْ وجَبَ" (¬1). • وجه الدلالة: فيه أن الإمام لا يجوز له العفو عن حدود اللَّه إذا رُفِع الأمر إليه (¬2). • ثانيًا: المعقول: لأن في تعطيل الحدود إسقاط حق وجب للَّه تعالى (¬3).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [109/ 109] لا يجوز للإمام أن يضرب حدًا في المسجد • المراد بالمسألة: الاتفاق على عدم جواز إقامة الحدود في المساجد. • من نقل الإجماع: الجوهري (¬4) (350 هـ) قال: "أجمع الفقهاء أنه لا ينبغي للحاكم أن يضرب أحدًا في المسجد، إلا ابن أبي ليلى -رضي اللَّه عنه-، فإنه أباحه وفعله" (¬5) ابن الهمام (861 هـ) قال: "لا يُقام حد في مسجد بإجماع الفقهاء" (¬6). نقله ملا علي القاري (1014 هـ) (¬7). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالسنة، والمعقول: • أولًا: السنة: حديث حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي اللَّه عنه- قَال: "نَهَى رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يُسْتَقَادَ في المَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الأَشْعَارُ، وَأَنْ تُقَامَ فِيهِ الْحُدُودُ" (¬3). • وجه الدلالة: أنه نص في عدم إقامة الحدود في المساجد. • ثانيًا: المعقول: 1 - لأنه لا يؤمن خروج الدم من المجلود، وينبغي أن يكون أولى بالمنع ممن كره إدخال الميت المسجد للصلاة عليه خشية أن يخرج منه شيء (¬4). 2 - ولأن المساجد بنيت لإقامة الصلوات وذكر اللَّه، لا للحدود. • من خالف الإجماع: ابن أبي ليلى وابن حزم وغيرهما. قال ابن حزم: "وممن قال بإقامة الحدود بالجلد في المساجد: ابن أبي ليلى، وغيره، وبه نأخذ" (¬5). وقال -أيضًا -: "فلو كان إقامة الحدود بالجلد في المساجد حرامًا لفصّل لنا ذلك مبينًا في القرآن على لسان رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬6). ¬
[110/ 110] لا يجوز تجسس الإمام على الحدود إذا سترت عنه
Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [110/ 110] لا يجوز تجسس الإمام على الحدود إذا سُترت عنه • المراد بالمسألة: اتفقوا على أنه لا يجوز للإمام أن يتجسس على الحدود إذا سُترت عنه. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "ليس له أن يتجسس عليها إذا استترت عنه. . . وهذا كله لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} (¬6). • وجه الدلالة: قال القرطبي: "معنى الآية: خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين، أي: لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره اللَّه" (¬7). ¬
• ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَامَ بَعْدَ أَنْ رَجَمَ الأَسْلَمِي، فَقَالَ: "اجْتَنِبُوا هَذ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللَّه عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّه، وَلْيُتُبْ إِلَى اللَّه، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لْنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كتَابَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ" (¬1). • وجه الدلالة: الأمر بالستر وعدم إقامة الحد ما دام لم يبد صفحته للإمام. الدليل الثاني: حديث أبي أمامة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّ الْأَمِيرَ إذا ابْتَغَى الرِّيبَةَ في الناس أَفْسَدَهُمْ" (¬2). وحديث معاوية -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إِنَّكَ إن اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ الناس أَفْسَدْتَهُمْ، أو كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ" (¬3). • وجه الدلالة: قال المناوي: "لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة، أو لحصول تهمة لا أصل لها، أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم، وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يُراد إزالتها، والحاصل: أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن، والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم" (¬4). ولأن وسائل إثبات الحدود ليس من بينها التجسس على الحدود إذا سُترت عنه.Rصحة الإجماع، لعدم المخالف. ¬
[111/ 111] لا يحكم الإمام بالهوى
[111/ 111] لا يحكم الإمام بالهوى • المراد بالمسألة: الاتفاق على ألا يحكم الإمام بالهوى. • من نقل الإجماع: القرافي (684 هـ) قال: "أما اتباع الهوى في الحكم والفتيا فحرام إجماعًا" (¬1). نقله ابن فرحون (799 هـ) (¬2) والحطاب الرعيني (954 هـ) (¬3)، ومحمد عليش (¬4) (1299 هـ) (¬5) الطوفي (¬6) (716 هـ) قال: "وأما أن اتباع الهوى باطل، فظاهر متفق عليه" (¬7). ¬
[112/ 112] لا يجوز لإمام الأخذ بالقول المرجوح
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والآثار: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (¬6). • ثانيًا: الآثار: روي عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "إنَّمَا أَخَافُ عَلَيْكُمَ اثْنَتَيْنِ: طُولَ الأَمَلِ، وَاتِّبَاعَ الْهَوَى، فَإِنَّ طُولَ الأَمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ، وَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً، وَإِنَّ الآخِرَةَ مُقْبِلَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ، وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ، وَلَا عَمَلَ" (¬7). • وجه الدلالة: انتفاء تحقق مصالح الدنيا والآخرة مع اتباع الهوى.Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [112/ 112] لا يجوز لإمام الأخذ بالقول المرجوح • المراد بالمسألة: المرجوح لغة: اسم مفعول من رجح الشيء يَرْجَحُ، ¬
وَيرْجُحُ، وَيرْجِحُ، رجوحًا، ورجحانًا، والراجح: الوازن، ورجَّح الشيء بيده رزَّنه ونظر ما ثقَّله، وأرجح الميزان أي أثقله حتى مال (¬1) المرجوح اصطلاحًا: ما كان دليله أضعف من مقابله (¬2). وقد اتفق العلماء على أن الإمام ليس له أن يدع العمل بالقول الراجح ويعمل بالمرجوح. • من نقل الإجماع: الفخر الرازي (¬3) (606 هـ) قال: "فإن كان أحدهما راجحًا على الآخر وجب العمل بالراجح؛ لأن الأمة مجمعة على أنه لا يجوز العمل بالأضعف عند وجود الأقوى، فيكون مخالفه مخطئًا" (¬4) أبو العباس القرطبي (656 هـ) قال: "إعمال المرجوح وإسقاط الرَّاجح، هو فاسد بالإجماع" (¬5) ابن الصلاح (¬6) (643 هـ) قال: "اعلم أن من يكتفي بأن يكون في فتياه أو علمه موافقًا لقول أو وجه في المسألة، ويعمل بما يشاء من الأقوال أو الوجوه، من غير نظر في الترجيح ولا تقيد به، فقد جهل، وخرق الإجماع" (¬7). نقله ابن ¬
فرحون (799 هـ) (¬1) والمرداوي (885 هـ) (¬2) والحطاب الرعيني (954 هـ) (¬3) ومحمد عليش (1299 هـ) (¬4) القرافي (684 هـ) قال: "أما الحكم أو الفتيا بما هو مرجوح فخلاف الإجماع" (¬5) ابن نجيم (970 هـ) قال: "الحكم والفتيا بالقول المرجوح جهل، وخرق للإجماع" (¬6) نقله ابن عابدين (1252 هـ) (¬7) الشوكاني (1250 هـ) قال: "من نظر في أحوال الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم وجدهم متفقين على العمل بالراجح وترك المرجوح" (¬8). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والمعقول: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)} (¬13). • وجه الدلالة: أن الآية دليل على اتّباع القول الراجح؛ لأنه أحسنَ من المرجوح. ¬
• ثانيًا: المعقول: 1 - لأن ترجيح المرجوح على الراجح باطل بضرورة العقل (¬1)، ألا ترى أننا لو لم نعمل بالراجح للزم العمل بالمرجوح؟ ولا شك أن ترجيح المرجوح على الراجح ممتنع عقلًا، فلم يبق إلا العمل بالراجح (¬2). 2 - ولأن العقلاء يوجبون العمل بالراجح بعقولهم في الحوادث، والأصل تنزيل الأمور الشرعية على وزان الأمور العرفية لكونه أسرع إلى الانقياد (¬3). 3 - ولأنه إذا اجتمع الراجح والمرجوح، فإما أن يجب العمل بهما وهو محال، أو يجب تركهما وهو محال، أو يجب ترجيح المرجوح على الراجح وهو باطل بضرورة العقل، أو ترجيح الراجح على المرجوح، وهو المطلوب إثباته (¬4). • من خالف الإجماع: وخالف أبو بكر الباقلاني وغيره في جواز العمل بالمرجح المظنون. وقال: إنما أقبل الترجيح بالمقطوع به. كتقديم النص على القياس، لا بالأوصاف، ولا الأحوال، ولا كثرة الأدلة ونحوها، فلا يجب العمل به، فإن الأصل امتناع العمل بالظن (¬5). واستدلوا بما يلي: 1 - قول اللَّه -تعالى-: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} (¬6). • وجه الدلالة: أنه -عز وجلّ- قد أطلق القول بالاعتبار، والعمل بالمرجوح نوع اعتبار (¬7). ونوقش: بأن مقتضى الآية وجوب النظر -وهو القياس- وليس فيها ما ينافي ¬
[113/ 113] الإمام ولي من لا ولي له
القول بوجوب العمل بالراجح، فإيجاب العمل بأحد الدليلين لا ينافي إيجاب غيره (¬1)، ثم إن ما ذكرتموه دليل ظني، وما ذكرناه قطعي، والظني لا يعارض القطعي (¬2). 2 - ولأن المقرر في الشرع الحكم بالظاهر، والحكم بالمرجوح حكم بالظاهر (¬3). ونوقش: بأن الظاهر هو ما ترجح أحد طرفيه على الآخر، والمرجوح مع الراجح ليس كذلك (¬4). 3 - ولأن الأمارات الظنية لا تزيد على البينات، والترجيح غير معتبر في البينات، حتى لم ترجح شهادة الأربعة على شهادة الاثنين، فكذا في الأمارات (¬5). ونوقش: بأن القول بأن الترجيح غير معتبر في البينات، محل خلاف. ثم إنه قياس مع الفارق، فامتناع اعتبار الزيادة في البينات بكثرة العدد؛ لأن ذلك يؤدي إلى عدم ضبط الأمور؛ لحرص كل خصم أن يأتي بشهود أكثر من خصمه، وذلك بخلاف الأدلة المتعارضة، فكلما زاد ما يقوي دليلًا تقوى رجحانه (¬6).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [113/ 113] الإمام ولي من لا ولي له • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن الإمام ولي من لا ولي له. • من نقل الإجماع: ابن بطال (449 هـ) قال: "أجمع العلماء على أن السلطان ¬
ولى من لا ولى له" (¬1) ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أن من لَا ولي لَهَا فإن السُّلْطَان الَّذِي تجب طَاعَته ولي لَهَا" (¬2) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬3) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمعوا أن السلطان ولي من لا ولي له" (¬4). نقله القاضي عياض (544 هـ) (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، الشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالسنة، والمعقول: • أولًا: السنة: حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِي مَنْ لَا وَلِي لَهُ" (¬11) ومثله حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا نِكَاحَ إلا بِوَلي، وَالسُّلْطَانُ وَلي مَنْ لَا وَلِي لَهُ" (¬12). • وجه الدلالة: في الحديث تصريح بأن السلطان ولي من لا ولي له. ¬
[114/ 114] من مات ولم يوص على ولده القصر وجب على الإمام أن يعين لهم وصيا
• ثانيًا: المعقول: لأن للسلطان ولاية عامة، بدليل أنه يلي المال ويحفظ الضوال، فكانت له الولاية في النكاح كالأب (¬1).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [114/ 114] من مات ولم يوص على ولده القصر وجب على الإمام أن يعين لهم وصيا • المراد بالمسألة: الوصية لغة: الواو والصاد والحرف المعتل: أصل يدل على وصل شيء بشيء، ووصيت الشيء: وصلته، والوصية: ما أوصيت به، وسميت وصية لاتصالها بأمر الميت (¬2) الوصية اصطلاحًا: هي تمليك مضاف إلى ما بعد الموت (¬3). وقد اتفق العلماء على أن من مات ولم يوص على ولده القصر، وجب على الإمام أو من يقوم مقامه أن يعين لهم وصيًّا. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَن من مَاتَ وَلم يوص على وَلَده الَّذين لم يبلغُوا أَو المجانين فَفرض على الْحَاكِم أَن يقدم من ينظر لَهُم من أهل الصّفة الَّتِي قدمنَا" (¬4) ونقله ابن القطان (628 هـ) (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بحديث حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- ¬
[115/ 115] عدم جواز اعتراض الإمام على الوصي العدل
أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلي مَنْ لَا وَلِي لَهُ" (¬1) ومثله حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا نِكَاحَ إلا بِوَلي، وَالسُّلْطَانُ وَلي مَنْ لَا وَلِي لَهُ" (¬2). • وجه الدلالة: أن الولي إذا عضل، ولم يكن في درجته غيره، كان التزويج إلى السلطان، لا إلى من هو أبعد من الأولياء (¬3). ولأن للسلطان ولاية عامة، بدليل أنه يلي المال ويحفظ الضوال (¬4).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [115/ 115] عدم جواز اعتراض الإمام على الوصي العدل • المراد بالمسألة: الاتفاق على عدم جواز اعتراض الإمام على الوصي العدل. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَن للأب الْعَاقِل الَّذِي لَيْسَ مَحْجُورًا أَن يُوصي على وَلَده ولبنيه الصغيرين، الَّذين لم يبلغُوا وَالَّذين بلغُوا مطبقين، رجلًا من الْمُسلمين الأحرار الْعُدُول الأقوياء على النّظر، وَاتَّفَقُوا أَن الْوَصِيّ إذا كَانَ كَمَا ذكرنَا فَلَيْسَ للْحَاكِم الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ، وَلَا إزالته، وَلَا الِاشْتِرَاك مَعَه" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، ¬
[116/ 116] إذ خالف الوصي واجبات الوصاية وجب على الإمام عزله
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: ويمكن أن يستدل على ذلك بأنه متى كان الوصي عدلًا أضحى أمينًا ثقة، فأنّى للحاكم أن يعترض عليه ما دام لم يأت بما يخرم ذلك؟ Rصحة الإجماع على عدم جواز اعتراض الإمام على الوصي العدل. [116/ 116] إذ خالف الوصي واجبات الوصاية وجب على الإمام عزله • المراد بالمسألة: ينعزل الوصي من قبل الإمام أو من يقوم مقامه متى خالف واجبات الوصاية. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَن للأب الْعَاقِل الَّذِي لَيْسَ مَحْجُورا أَن يُوصي على وَلَده ولبنيه الصغيرين الَّذين لم يبلغُوا وَالَّذين بلغُوا مطبقين رجلا من الْمُسلمين الأحرار الْعُدُول الأقوياء على النّظر، وَاتَّفَقُوا أَن الْوَصِيّ إذا كَانَ كَمَا ذكرنَا فَلَيْسَ للْحَاكِم الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ وَلَا إزالته وَلَا الِاشْتِرَاك مَعَه" (¬4) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "عَلَى الْحَاكِمِ عَزْلُ الْخَائِنِ -يقصد: الوصي- لَا غَيْرِهِ، وَلَا يَنْقُضُ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ إنْ وَافَقَ الْحَقَّ، بَلْ يَنْقُضُ لِفِسْقِهِ وَخِيَانَتِهِ، فَإِنْ خَالَفَ عَزَلَهُ وَضَمَّنَهُ اتَفَاقًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، وقول ¬
[117/ 117] من أصيب في عقله ولم يكن له ولي وجب على الإمام إحراز ماله
عند الحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - لأنه خرج من حيز الأمانة بالتفريط، فزالت ولايته بانتفاء شرطها، كالحاكم إذا فسق (¬3). 2 - ولأن للإمام أو من يقوم مقامه ولاية النظر في ذلك وحفظ الحقوق. • من خالف الإجماع: قول عند الحنابلة، فلا يُعزل، بل تزول أمانته، ويضمن كالوكيل (¬4).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [117/ 117] من أصيب في عقله ولم يكن له ولي وجب على الإمام إحراز ماله • المراد بالمسألة: اتفقوا على أن من أصيب في عقله ولم يكن له ولي وجب على الإمام أن يعين ناظرًا له. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَن من لَا يعقل الْبَتَّةَ وَهُوَ مطبق معتوه أَو عرض لَهُ ذَلِك بعد عقله فَوَاجِب أَن يقدم من ينظر لَهُ" (¬5) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، ¬
والحنابلة (¬1) والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالآتي: 1 - أن الوصية عقد جائز كالوكالة، فيكون لبقائه حكم الإنشاء كالوكالة، فتعتبر أهلية العقد إلى وقت الموت، كما تعتبر أهلية الأمر في باب الوكالة (¬3). 2 - عدم الأهلية لتحصيل مصالح هذه الولاية، وكل مسلوب الأهلية في ولاية لا تنعقد له (¬4). 3 - لأن المجنون والطفل ليسا من أهل التصرف في أموالهما، فلا يليان على غيرهما (¬5). 4 - ولأن للإمام أو من يقوم مقامه ولاية ذلك، وحفظ الحقوق.Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
الفصل الثامن مسائل الإجماع في الشورى
الفصل الثامن مسائل الإجماع في الشورى [118/ 118] مشروعية الشورى • المراد بالمسألة: اتفقت الأمة على أن الشورى من قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام؛ تنفيذًا لما أمر اللَّه -تعالى- به رسوله الكريم، واقتداءً بسنته -صلى اللَّه عليه وسلم-. • من نقل الإجماع: ابن عطية الأندلسي (541 هـ) قال: "الشورى من قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه" (¬1). نقله القرطبي (671 هـ) (¬2) وأبو حيان الأندلسي (745 هـ) (¬3)، والحطاب الرعيني (954 هـ) (¬4) والشوكاني (1250 هـ) (¬5)، ومحمد عليش (1299 هـ) (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، والظاهرية (¬11). ¬
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (¬1). • وجه الدلالة: قال الطبري: "أمر نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه ومكايد حربه، تألفا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة التي يؤمن عليه معها فتنة الشيطان، وتعريفًا منه أمته ما في الأمور التي تحزبهم من بعده ومطلبها؛ ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم كما كانوا يرونه في حياته -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعله" (¬2). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (¬3). • وجه الدلالة: قال ابن العربي: "مدح اللَّه المشاور في الأمور، ومدح القوم الذين يمتثلون ذلك" (¬4). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "اسْتَشَارَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَخْرَجَهُ إلى بَدْرٍ، فَأَشَارَ عليه أبو بَكْرٍ، ثُمَّ اسْتَشَارَ عُمَرَ، فَأَشَارَ عليه عُمَرُ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فقال بَعْضُ الأَنْصَارِ: إِيَّاكُمْ يُرِيدُ نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. . . " (¬5). • وجه الدلالة: حرص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على مشاورة أهل المشورة في الأمور التي يتعلق بها مصير الأمة. الدليل الثاني: حديث عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: لَمَّا ذُكِرَ من شَأْنِي الذي ذُكِرَ وما عَلِمْتُ بِهِ، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فِيَّ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عليه بِمَا هو أَهْلُهُ، ثُمَّ قال: "أَمَّا بَعْدُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ في أُنَاسٍ أَبَنُوا ¬
[119/ 119] لم يستشر النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمة فيما نزل فيه وحي
أَهْلِي (¬1)، وَايْمُ اللَّه! ما عَلِمْتُ على أَهْلِي من سُوءٍ" (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن حجر: "والحاصل: أنه استشارهم فيما يفعل بمن قذف عائشة" (¬3).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [119/ 119] لم يستشر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأمة فيما نزل فيه وحي • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يستشر أصحابه فيما نزل فيه وحي. • من نقل الإجماع: الفخر الرازي (606 هـ) قال: "اتفقوا على أن كل ما نزل فيه وحي من عند اللَّه لم يجز للرسول أن يشاور فيه الأمة؛ لأنه إذا جاء النص بطل الرأي والقياس" (¬4) ابن عادل الدمشقي (بعد سنة 880 هـ) قال: "اتفقوا على أن كلَّ ما نزل فيه وحي من عند اللَّه لم يجز للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يشاورَ الأمةَ فيه؛ لأن النصَّ إذا جاء بطل الرأي والقياس" (¬5) الخازن (¬6) (741 هـ) قال: "اتفق العلماء على أن كل ما نزل فيه وحي من اللَّه -تعالى- لم يجز لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يشاور فيه الأمة، وإنما أُمر أن يشاور فيما سوى ذلك؛ من أمر الدنيا، ¬
ومصالح الحرب، ونحو ذلك" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) والظاهرية (¬6). ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (¬7). • وجه الدلالة: قال ابن العربي: "قال علماؤنا: المراد به الاستشارة في الحرب، ولا شك في ذلك؛ لأن الأحكام لم يكن لهم فيها رأي بقول، وإنما هي بوحي مطلق من اللَّه عز وجل، أو باجتهاد من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على من يجوز له الاجتهاد" (¬8). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "اسْتَشَارَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَخْرَجَهُ إلى بَدْرٍ، فَأَشَارَ عليه أبو بَكْرٍ، ثُمَّ اسْتَشَارَ عُمَرَ، فَأَشَارَ عليه عُمَرُ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فقال بَعْضُ الأَنْصَارِ: إِيَّاكُمْ يُرِيدُ نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. . . " (¬9). ¬
[120/ 120] يجب على الإمام استشارة أهل العلم فيما لا يعلم فيه نص أو إجماع
• وجه الدلالة: مشاورة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه فيما لم ينزل فيه وحي. الدليل الثاني: حديث عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: لَمَّا ذُكِرَ من شَأْنِي الذي ذُكِرَ وما عَلِمْتُ بِهِ، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فِيَّ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عليه بِمَا هو أَهْلُهُ، ثُمَّ قال: "أَمَّا بَعْدُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ في أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي (¬1)، وَايْمُ اللَّه! ما عَلِمْتُ على أَهْلِي من سُوءٍ" (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن حجر: "والحاصل: أنه استشارهم فيما يفعل بمن قذف عائشة، فأشار عليه سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير بأنهم واقفون عند أمره، موافقون له فيما يقول ويفعل، ووقع النزاع في ذلك بين السعدين، فلما نزل عليه الوحي ببراءتها أقام حد القذف على من وقع منه" (¬3).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [120/ 120] يجب على الإمام استشارة أهل العلم فيما لا يُعلم فيه نص أو إجماع • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على وجوب استشارة الإمام لأهل العلم فيما لا يُعلم فيه نص من كتاب أو سنة، أو إجماع. • من نقل الإجماع: ابن عطية الأندلسي (541 هـ) قال: "الشورى من قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه" (¬4). نقله القرطبي (671 هـ) (¬5) وأبو حيان الأندلسي (745 هـ) (¬6)، والحطاب الرعيني (954 هـ) (¬7) والشوكاني (1250 هـ) (¬8)، ومحمد عليش (1299 هـ) (¬9). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، وبعض الشافعية (¬3). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة والآثار: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (¬4). • وجه الدلالة: هذا أمر ظاهره الوجوب، ولا قرينة تصرفه عن ذلك، فدل على أنه واجب في حق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهو في حق من هو دونه أولى (¬5). • ثانيًا: السنة: 1 - حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "اسْتَشَارَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَخْرَجَهُ إلى بَدْرٍ، فَأَشَارَ عليه أبو بَكْرٍ، ثُمَّ اسْتَشَارَ عُمَرَ، فَأَشَارَ عليه عُمَرُ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فقال بَعْضُ الأَنْصَارِ: إِيَّاكُمْ يُرِيدُ نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. . . " (¬6). 2 - حديث عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: لَمَّا ذُكِرَ من شَأْنِي الذي ذُكِرَ وما عَلِمْتُ بِهِ، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فِيَّ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عليه بِمَا هو أَهْلُهُ، ثُمَّ قال: "أَمَّاْ بَعْدُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ في أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي (¬7)، وَايْمُ اللَّه! ما عَلِمْتُ على أَهْلِي من سُوءٍ" (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-الذي لا ينطق عن الهوى- كان شديد الحرص ¬
على مشاورة أصحابه في كثير من الأمور، فإذا كان كذلك فإن المشورة في حق من بعده ألزم وأوجب. • ثالثًا: الآثار: استشار أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- الصحابة فيمن يكون خليفته من بعده، فأرسل إلى عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنهما- فقال له: "أشر علي برجل، واللَّه إنك عندي لها لأهل وموضع". فقال: عمر. فقال: "اكتب". فكتب حتى انتهى إلى الاسم، فغُشي عليه، ثم أفاق فقال: "اكتب عمر" (¬1). • وجه الدلالة: مشاورة أبي بكر -رضي اللَّه عنه- لكبار الصحابة قبل ثبوت عهده إلى عمر -رضي اللَّه عنه-. • من خالف الإجماع: ذهب بعض الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، إلى أن الشورى من السنن المؤكدة، التي دل عليها الكتاب والسنة، ولكنها لا تصل إلى حد الوجوب. قال ابن قدامة: "روي أن عمر كان يكون عنده جماعة من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، منهم: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، إذا نزل به الأمر شاورهم فيه، ولا مخالف في استحباب ذلك" (¬4). وقال ابن حجر العسقلاني: "وعد كثير من الشافعية المشاورة في الخصائص، واختلفوا في وجوبها، فنقل البيهقي في المعرفة الاستحباب عن النص، وبه جزم أبو نصر القشيري في تفسيره، وهو المرجح" (¬5). ولعل هذا هو ما ذهب إليه الماوردي وأبو يعلى، حيث ذكرا الشورى من ¬
وظائف أمير الحرب اللازمة له (¬1)، ولم يذكراها في واجبات الأئمة، كما أن الفقهاء عند مناقشتهم لها لم يناقشوها على أساس أنها من وظائف الإمام، بل ناقشوها بالنسبة للقاضي (¬2). واستدلوا بما يلي: 1 - ليس هناك دليل يدل على الوجوب إلا الأمر في قول اللَّه -تعالى-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (¬3)، ولكن هذا الأمر للندب لا للوجوب. قال الحسن البصري: "قد علم أنه ليس به إليهم حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده" (¬4). 2 - أن الأمر في هذه الآية خاصّ بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال الشوكاني: "والاستدلال بالآية على الوجوب إنما يتمُّ بعد تسليم أنها غير خاصة برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو بعد تسليم أن الخطاب الخاص به يعمّ الأمة أو الأئمة، وذلك مختلف فيه عند أهل الأصول" (¬5). فالمقصود: إن كان هناك وجوب فهو خاص بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقياس الأئمة على النبي قياس مع الفارق. 3 - كما استدلوا بحديث مُعَاذِ بن جَبَلٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إلى الْيَمَنِ قال: "كَيْفَ تَقْضِي إذا عَرَضَ لك قَضَاءٌ"، قال: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّه، قال: "فَإِنْ لم تجِدْ في كتَابِ اللَّه؟ "، قال: فَبِسُنَّةِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "فَإِنْ لم تَجِدْ في سُنَّةِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا في كِتَابِ اللَّه؟ "، قال: أَجْتَهِدُ رَأْيِي ولا آلُو، فَضَرَبَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صَدْرَهُ وقال: "الحَمْدُ للَّه الذي وَفَّقَ رَسولَ ¬
[121/ 121] جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة
رسول اللَّه لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّه" (¬1). قال العظيم أبادي: "وقد جوز النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للحاكم أن يجتهد رأيه، وجعل له على خطئه في اجتهاد الرأي أجرًا واحدًا إذا كان قصده معرفة الحق واتباعه، وقد كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يجتهدون في النوازل، ويقيسون بعض الأحكام على بعض، ويعتبرون النظير بنظيره" (¬2). 4 - وأما كون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يشاور أصحابه، فهذا لا يدل على وجوبها، بل على مشروعيتها، وأنها من فضائل الأعمال ومستحباتها.Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود المخالف. [121/ 121] جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة • المراد بالمسألة: اتفق العلماء على أنه يجوز للخليفة أن يجعل الأمر شورى بين جماعة. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: "أجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة كما فعل عمر بالستة" (¬3)، نقله ابن حجر العسقلاني ¬
(852 هـ) (¬1) والعيني (855 هـ) (¬2) الشوكاني (1250 هـ) (¬3). • من وافق على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (¬9). • وجه الدلالة: قال ابن جرير الطبري: "أمر نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه ومكايد حربه، تألفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة التي يؤمن عليه معها فتنة الشيطان، وتعريفًا منه أمته ما في الأمور التي تحزبهم من بعده ومطلبها؛ ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم كما كانوا يرونه في حياته -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعله" (¬10). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (¬11). • وجه الدلالة: قال ابن العربي: "مدح اللَّه المشاور في الأمور، ومدح القوم ¬
الذين يمتثلون ذلك" (¬1). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "اسْتَشَارَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَخْرَجَهُ إلى بَدْرٍ، فَأَشَارَ عليه أبو بَكْرٍ، ثُمَّ اسْتَشَارَ عُمَرَ، فَأَشَارَ عليه عُمَرُ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فقال بَعْضُ الأَنْصَارِ: إِيَّاكُمْ يُرِيدُ نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. . . " (¬2). • وجه الدلالة: حرص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على مشاورة أهل المشورة في الأمور التي يتعلق بها مصير الأمة. الدليل الثاني: حديث عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: لَمَّا ذُكِرَ من شَأْنِي الذي ذُكِرَ وما عَلِمْتُ بِهِ، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فِيَّ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عليه بِمَا هو أَهْلُهُ، ثُمَّ قال: "أَمَّا بَعْدُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ في أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي (¬3)، وَايْمُ اللَّه! ما عَلِمْتُ على أَهْلِي من سُوءٍ" (¬4). • وجه الدلالة: قال ابن حجر: "والحاصل: أنه استشارهم فيما يفعل بمن قذف عائشة" (¬5). • ثالثًا: الآثار: الدليل الأول: جمع أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- الناس في مرضه الذي قُبض فيه وقال لهم: "أمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم عليكم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي". فقاموا في ذلك، وحلُّوا عنه، فلم تستقم لهم، فقالوا: ارأ لنا يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: "فلعلكم تختلفون؟ " قالوا: لا، قال: "فعليكم عهد اللَّه على الرضا؟ " قالوا: نعم. قال: "فأمهلوني أنظر للَّه ودينه ولعباده"، فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنهما- فقال: "أشر علي برجل، واللَّه إنك عندي لها لأهل وموضع". فقال: عمر. فقال: "اكتب". فكتب حتى انتهى إلى الاسم، فغُشي عليه، ثم أفاق فقال: ¬
[122/ 122] يجوز للإمام أن يخالف أهل الشورى في مسائل الاجتهاد
"اكتب عمر" (¬1). • وجه الدلالة: مشاورة أبي بكر -رضي اللَّه عنه- لكبار الصحابة قبل ثبوت عهده إلى عمر -رضي اللَّه عنه-. الدليل الثاني: لما جعل عمر -رضي اللَّه عنه- الخلافة بين ستة من العشرة المبشرين بالجنة قال لهم: "فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَلْيُصل لَكُمْ صُهَيْبٌ ثَلاثَ لَيَالٍ، ثُمَّ أَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ، فَمَنْ تَأَمَّرَ مِنْكُمْ عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ" (¬2). • وجه الدلالة: أوجب عمر -رضي اللَّه عنه- على أهل الحل والعقد التزام المشورة في اختيار الخليفة، وشدد على من يخالفها، وأمر بضرب عنقه، وفي ذلك دلالة على وجوبها.Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [122/ 122] يجوز للإمام أن يخالف أهل الشورى في مسائل الاجتهاد • المراد بالمسألة: إذا اجتهد الإمام في أمر من مسائل الاجتهاد، ورأى أهل الحل والعقد خلاف رأيه، ولا يقطعون بصواب اجتهادهم وبطلان اجتهاده، فإن لهم أن يراجعوه في ذلك، ويشيروا عليه بما يرون أنه الأفضل، فإن رجع إلى رأيهم فبها ونعمت، وإن أصر على اجتهاده فله ذلك؛ لأن هذا من حقوق ولايته، وعليهم أن يطيعوه فيه. • من نقل الإجماع: ابن أبي العز الحنفي (¬3) (792 هـ) قال: "دلت نصوص ¬
الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة أن ولي الأمر، وإمام الصلاة، والحاكم، وأمير الحرب، وعامل الصدقة، يُطاع في مواضع الاجتهاد، وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد، بل عليهم طاعته في ذلك، وترك رأيهم لرأيه" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (¬7). • وجه الدلالة: قال ابن الجوزي: "ومعنى الكلام: فماذا عزمت على فعل شيء فتوكل على اللَّه لا على المشاورة" (¬8). وقال أبو بكر الجصاص: "كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يجتهد رأيه معهم، ويعمل بما يغلب في رأيه فيما لا نص فيه" (¬9). • ثانيًا: السنة: شَاوَرَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَصْحَابَهُ يوم أُحُدٍ في المُقَامِ وَالْخُرُوجِ، فَرَأَوْا له الْخُرُوجَ، فلما لَبِسَ لأمَتَهُ وَعَزَمَ قالوا: أَقِمْ، فلم يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْعَزْمِ، وقال: ¬
"لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لَأُمَتَهُ فَيَضَعُهَا حتى يَحْكُمَ اللَّه" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عزم على الخروج، ولم يرجع إلى ما أشاروا عليه به بعد العزم.Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
الباب الثاني مسائل الإجماع في الحسبة
الباب الثاني مسائل الإجماع في الحسبة وفيه تمهيد وأربعة فصول: التمهيد: مفهوم الحسبة وأهميتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع في حكم الحسبة. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في مواطن الحسبة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في شروط الحسبة. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في شهادة المحتسب.
التمهيد: مفهوم الحسبة وأهميتها
التمهيد: مفهوم الحسبة وأهميتها المبحث الأول: تعريف الحسبة لغة واصطلاحًا: وفيه مطلبان: المطلب الأول: الحسبة في اللغة (¬1) الحسبة: بكسر الحاء وتسكين السين، اسم من الاحتساب، كالعدة من الاعتداد. والاحتساب مأخوذ من الحسب، وهو على معان عدة منها: 1 - العدد والحساب: يُقال: حسبت الشيء أحسبه حسابًا وحسبانًا، إذا عددته، ومنه قول اللَّه -تعالى-: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} (¬2)، وقوله -تعالى-: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} (¬3). وبهذا المعنى يكون الإنسان محتسبًا إذا كان يعد ما يدخره من حسنات عند اللَّه تعالى، ومن ذلك قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من قام رَمَضانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ" (¬4)، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ" (¬5). ونحو هذه الأحاديث التي يدل معناها على أن احتساب الأجر هو العد طلبًا للثواب. أمّا الاعتداد فيما يحل بالإنسان من مكروه، فيكون بالصبر والتسليم لأمر اللَّه تعالى، كما قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ للَّه ما أَخَذَ، وَلَهُ ما أَعْطَى، وَكلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ" (¬6). ¬
المطلب الثاني: الحسبة في الاصطلاح
2 - الكفاية: فيُقال: أحتسبُ بكذا، أي: أكتفي به، ومنه قول اللَّه -تعالى-: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (¬1). وقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لابن مسعود -رضي اللَّه عنه- حين قرأ عليه القرآن: "حَسْبُكَ الْآنَ" (¬2). 3 - الإنكار: فيُقال: أحتسبُ عليه، أي: أنكر عليه قبيح عمله، وتسمية الإنكار بالاحتساب "من قبيل تسمية المسبب بالسبب؛ لأن الإنكار على الغير سبب بإزالته، وهو الاحتساب؛ لأن المعروف إذا تُرك فالأمر بإزالة تركه أمر بالمعروف، والمنكر إذا فُعل فالأمر بإزالته هو النهي عن المنكر" (¬3). 4 - التدبير: فيُقال: فلان حسن الحسبة في الأمر، أي: حسن التدبير له والنظر فيه وفق القوانين والأنظمة، والمحتسب يقوم بتدبير خاص، وهو تدبير تطبيق الشرع الإسلامي، وهو أحسن وجوه التدبير (¬4). 5 - ومن المجاز يُقال: خرج يحتسب الأخبار، أي: يتعرفها، واحتسبت ما عند فلان، أي: اختبرته وسيرته. فتبين مما سبق أن الحسبة تأتي على معانٍ: العد والحساب، أو طلب الأجر والثواب من اللَّه، أو الاكتفاء، أو الإنكار، أو التدبير في الأمور والنظر في مآلاتها، أو الاختبار والسبر. المطلب الثاني: الحسبة في الاصطلاح: اختلف مفهوم الحسبة في الاصطلاح تبعًا لمدلولاتها اللغوية، فقد عرَّفها جمهور الفقهاء بأنها: أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله (¬5). ¬
وعرفها ابن خلدون: بأنها وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (¬1). وعرفها ابن تيمية من خلال تعريفه للمحتسب، حيث وضع معيارًا عامًا يميز بين اختصاصاته واختصاصات الولاة والقضاة، فقال: "أما المحتسب فله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما ليس من اختصاص الولاة، والقضاة، وأهل الديوان، ونحوهم، وكثير من الأمور الدينية هو مشترك بين ولاة الأمور، فمن أدى فيه الواجب وجبت طاعته فيه، فعلى المحتسب أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها، ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس، وأما القتل فإلى غيره" (¬2). وسار على نهجه تلميذه ابن القيم، حيث قال: "الحكم بين الناس في النوع الذي لا يتوقف على الدعوى هو المعروف بولاية الحسبة، وقاعدته وأصله: هو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر" (¬3). وعرفها الغزالي بقوله: "الحسبة عبارة شاملة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وقريب من هذا ما ذكره السنامي (¬4) بقوله: "الحسبة في الشريعة: أمر عام تتناول كل مشروع يُفعل للَّه تعالى، كالأذان، والإقامة، وأداء الشهادة مع كثرة تعدادها، ولهذا قيل: القضاء باب من أبواب الحسبة، وقيل: القضاء جزء من أجزاء الاحتساب" (¬5). ¬
يتبين مما سبق أن المعنى الاصطلاحي للحسبة لا يقتصر على تغيير المنكر الظاهر فحسب، وإنما يشمل كل ما يُفعل ويُراد به ابتغاء مرضاة اللَّه تعالى، كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدقة، والأذان، والإقامة، وأداء الشهادة، والجهاد في سبيل اللَّه، وجميع أنواع البر. ويدل لذلك قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّه -عز وجل- يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ في صَنْعَتِهِ الخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنْبِلَهُ" (¬1). وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَنْفَقَ على ابْنَتَيْنِ أو أُخْتَيْنِ أو ذواتي قَرَابَةٍ، يَحْتَسِبُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا، حتى يُغْنِيَهُمَا اللَّه من فَضْلِهِ عز وجل أو يكيفهما، كَانَتَا له سِتْرًا مِنَ النَّارِ" (¬2). فدلت هذه النصوص وغيرها على سعة مفهوم الحسبة، وعدم اقتصارها على نوع معين من الأحكام. • خلاصة القول: أن الحسبة تمثل الرقابة التطبيقية العامة على قيم المجتمع الإسلامي، باعتبارها وظيفة دينية خلقية، وقاعدتها وأصلها: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، الذي بعث اللَّه به رسله، وأنزل به كتبه، ووصف به هذه الأمة لأجله على سائر الأمم (¬3). قال -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬4). قال أبو هريرة -رضي اللَّه عنه-: "خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تَأْتُونَ بِهِمْ في السَّلَاسِلِ في أَعْنَاقِهِمْ، حتى يَدْخُلُوا في الْإِسْلَامِ" (¬5). ¬
المبحث الثاني مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المبحث الثاني مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: المعروف في اللغة: يُطلق المعروف على كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه، فهو اسم جامع لكل ما عُرِف من طاعة اللَّه، والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه، من المحسنات والمقبحات، وهو من الصفات الغالبة، أي: أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه. والمعروف: النصفة وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم من الناس (¬1). ومنه: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في صفة قلوب أهل الأهواء: "أَسْوَدَ مُرْبَادًّا، كالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هَوَاهُ" (¬2). المطلب الثاني: المعروف في الاصطلاح: قال ابن جرير: "أصل المعروف: كل ما كان معروفًا، ففعله جميل مستحسن غير مستقبح في أهل الإيمان باللَّه، وإنما سميت طاعة اللَّه معروفًا، لأنه مما يعرفه أهل الإيمان ولا يستنكرون فعله" (¬3). قال غيره: "يشمل كل معروف حسنه شرعًا وعقلًا، من حقوق اللَّه، وحقوق الآدميين" (¬4). فالعقول السليمة تستحسنه ولا تنكره. ولا شك أن هذا مقتصر على ما كان للعقل فيه مجال لإدراك حسنه وحكمة مشروعيته، أما الأمور التعبدية المحضة، التي ليس للعقول مجال لإدراك حسنها، والتوصل إلى حكمة مشروعيتها، فليس داخلًا هنا في استحسان ¬
المطلب الثالث: المنكر في اللغة
العقل، وإنما ذلك موكل للنقل فقط، وعلى العقل الإيمان والتسليم، وعلى الجوارح الانقياد. • خلاصة القول: أن المعروف اسم جامع لكل ما عُرف من طاعة اللَّه ورسوله، والإحسان إلى عباده، بكل ما جاء الأمر به، والحث عليه، في الكتاب والسنة. فيدخل في ذلك كل ما أمر اللَّه به ورسوله، من توحيد اللَّه والإخلاص له، والمحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة، وإيتاء الزكاة، والصيام، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والعشرة الزوجية، والإحسان إلى الجيران، المحتاجين، واليتامى، والمساكين، وكافة المسلمين، ونحو ذلك من واجبات الدين ومكملاته التي يجمعها مسمى الإيمان والعمل الصالح. فهو اسم يحيط بالدين كله أصوله وفروعه، عقائده وأحكامه، سننه وآدابه (¬1). المطلب الثالث: المنكر في اللغة: القبيح، وهو ضد المعروف، وكل ما قبَّحهُ الشرع وحرَّمه وكرهه فهو منكر، ونَكَرَهُ ينكره نكرًا فهو منكور، واستنكره فهو مستنكر، والجمع: مناكير (¬2). ومنه قول اللَّه -تعالى-: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} (¬3)، أي: إنكاري، وقد نكره فتنكر، أي: غيره فتغير إلى مجهول، والنكير والإنكار: تغيير المنكر (¬4). المطلب الرابع: المنكر في الاصطلاح: قال ابن جرير: "أصل المنكر: ما أنكره اللَّه، ورأوه قبيحًا فعله، ولذلك سُمِّيت معصية اللَّه: منكرًا؛ لأن أهل الإيمان باللَّه يستنكرون فعلها، ويستعظمون ركوبها" (¬5). ¬
فالمنكر: هو كل اعتقاد، أو قول، أو عمل، أنكره اللَّه ورسوله، كالشرك باللَّه، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، والتهاون بالفرائض، ومخالفة السنن المأمور بها، وظلم العباد، وانتهاك الحرمات كالقتل، والسرقة، والزنا، وشرب الخمور، وتعاطي المخدرات، وإيذاء المسلمين، وتعاطي أسباب ذلك، ودواعيه ووسائله وذرائعه التي تؤدي إليه (¬1). ¬
المبحث الثالث الحسبة وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المبحث الثالث الحسبة وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلاحظ مما سبق التطابق بين مصطلح الحسبة، وبين قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر إلهي عام ورد في كل الشرائع السماوية، وبه جاء المرسلون. قال اللَّه -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)} (¬1). قال القرطبي: "دلت هذه الآية على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان واجبا في الأمم المتقدمة وهو فائدة الرسالة وخلافة النبوة" (¬2). وقال ابن تيمية: "الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، الذي أنزل اللَّه به كتبه، وأرسل به رسله من الدين" (¬3). فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصطلح قرآني يعبر عن مهمة الرسل، ووظيفة الأنبياء، وعلى أثر الأنبياء يُقتدى فيهما؛ لبيان نهج الإسلام وشريعته. وأحق ما يُبدأ به في البيان: الأمر والنهي؛ لأن معظم الابتلاء بهما، وعبر معرفتهما يتم معرفة الأحكام، ويتميز الحلال والحرام (¬4). ومن هنا يمكن القول: إن العلاقة بين هذا المبدأ والحسبة علاقة عموم وخصوص، فالحسبة قد تكون قائمة ولا وجود للمنكر، أما النهي عن المنكر فلا يكون إلا على إثر منكر واقع أو متوقع. فالحسبة تشمل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعد أدلة وجوبه أدلة للحسبة، فهو أصل شرعي له تطبيقاته المختلفة، وبه يتأكد دور الأمة ¬
كمرشد، ودور الجماعة الإسلامية كحارس، ودور الفرد المسلم باعتباره مسؤولًا مسئولية فردية أمام اللَّه عن القيام بواجبه الديني، والخلقي، والاجتماعي؛ ليصبح جهاز رقابة له فاعلية خاصة. وكذلك الحسبة تبرز أهمية المسؤولية الفردية، ومكانتها في تطبيق قواعد الشرع الإسلامي، ولا تقتصر على تغيير المنكر الظاهر فحسب، وإنما تشمل كل ما يُفعل وُيراد به وجه اللَّه تعالى، وهذا يبدو جليًّا في قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ للَّه ما أَخَذَ، وَلَهُ ما أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ" (¬1)، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَنْفَقَ على ابْنَتَيْنِ أو أختَيْنِ أو ذواتي قَرَابَةٍ، يَحْتَسِبُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا، حتى يُغْنِيَهُمَا اللَّه من فَضْلِهِ -عز وجل- أو يكيفهما، كَانتَا له سِتْرًا مِنَ النَّارِ" (¬2). ومن هذه الإشارات النبوية يتبين أن مفهوم الحسبة في شموليته يحيط بجميع أعمال البر، وهذا من المدلولات اللغوية للحسبة أيضًا. أمّا باعتبار الخصوصية التنظيمية، فالحسبة تمثل أحد التطبيقات الإسلامية الخاصة لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يشمل جميع الولايات، كما يقول ابن تيمية: "إذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمرٌ ونهيٌ، فالأمر الذي بعث اللَّه به رسوله هو الأمر بالمعروف، والنهي الذي بعثه به هو النهي عن المنكر، وهذا نعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والمؤمنين، كما قال -تعالى-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (¬3). . . وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى مثل نيابة السلطة، والصغرى مثل ولاية الشرطة وولاية الحكم، أو ولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية وولاية الحسبة" (¬4). ومن هنا تأتي العلاقة بين الحسبة والنظم الإسلامية الأخرى، كالقضاء، وديوان المظالم، وغيرهما. ¬
المبحث الرابع أهمية الحسبة
المبحث الرابع أهمية الحسبة يهدف الإسلام إلى خلق مجتمع آمن مستقر، تسوده المحبة، ويجتمع أفراده في التعاون على البر والتقوى؛ حتى يتمكن الجميع من القيام بواجب الخلافة في الأرض، وتحقيق الغاية الأساسية من خلق الإنسان، وهي: عبادة اللَّه تعالى، كما قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (¬1). ولأن الناس محتاجون دائمًا إلى نظام يسيرون على هديه، وسلطة تحرص على تحقيق هذا النظام في حياة الناس، لزم أن يكون هناك من يذكر الناس بذلك ويتابع التزامهم به، ومن هنا جاءت أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالحسبة في الإسلام لها أهمية عظيمة، ومنزلة كريمة؛ لما لها من أهمية كبيرة في حياة الفرد والمجتمع، ولذلك أوجبها اللَّه على كل فرد من الأمة كل بحسبه. فالحسبة بمثابة صمام الأمان داخل المجتمع المسلم، وهي بمفهومها. الشمولي العام لا غنى لأمة من الأمم عنها، أو مجتمع يريد أن يقيم منهج اللَّه في الأرض، من خلال الأمر بالفضيلة، ومحاربة الرذيلة، فلم تكن خيرية أمة الإسلام إلا على أساس العمل على إقامة هذا النظام الربَّاني الحكيم، بحيث تدور هذه الخيرية وجودًا وعدمًا مع تطبيقه والقيام به بين أفرادها. قال اللَّه -جل وعلا-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬2). ونظام الحسبة نظام إسلامي أصيل، وهو الوجه العملي التطبيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الشريان الذي تسري من خلاله الأخوة الإسلامية والمودة والتراحم والترابط الذي يجب إن يتم بين الأمة أفرادًا وجماعات. ¬
فكيف يمكن أن نتصور مجتمعًا من المجتمعات الإنسانية ضاع فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتشر فيه فعل المنكرات؟ ! فإنه مجتمع لا يمكن أن تنتظم الحياة فيه، ويأمن فيه الإنسان على ضروراته الخمس التي عليها مدار حياته وسعادته، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل. وإذا ساد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين قوم صلحت أحوالهم، وتحقق لهم الفلاح في الدنيا والآخرة (¬1). فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، والمهم الذي ابتعث اللَّه له النبيين أجمعين، لو طُوي بساطه، وأُهمل علمه وعمله؛ لفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، وخربت البلاد وهلك العباد، قال اللَّه -تعالى-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} (¬2). فنعوذ باللَّه أن يندرس من هذا القطب عمله وعلمه، وأن ينمحي بالكلية حقيقته ورسمه، وأن تستولي على القلوب مداهنة الخلق، وتنمحي عنها مراقبة الخالق، وأن يسترسل الناس في اتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم، وأن يعز على بساط الأرض مؤمن صادق، لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، فلا معاذ إلا به، ولا ملجأ إلا إليه (¬3). وهذا هو الواقع الذي يُشاهد في الأماكن التي لا يُؤمر فيها بالمعروف، ولا يُنهى فيها عن المنكر، فبهما تتم المحافظة على عقائد المسلمين من الانحراف، وعباداتهم من الابتداع، ودنياهم من الفساد، وبهما تتم المحافظة على الآداب العامة، والمعاملات التجارية، والأمن والسلامة في المجتمعات. ¬
أولا: فضائل القيام بها
وفيما يلي نذكر شيئًا مما يوضح أهمية الحسبة من الكتاب والسنة: أولًا: فضائل القيام بها: 1 - القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومهامه العظام، التي بُشر بها في الكتب السابقة، قال اللَّه -تعالى-: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} (¬1). 2 - وهو كذلك من صفات عباد اللَّه المؤمنين التي مدحهم بها، والتى تميزهم عن المنافقين، قال اللَّه -تعالى-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (¬2). وقال عن المنافقين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} (¬3). قال القرطبي: "فجعل اللَّه -تعالى- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقًا بين المؤمنين والمنافقين، فدلَّ على أن أخص أوصاف المؤمن: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورأسها: الدعاء إلى الإسلام والقتال عليه" (¬4). 3 - كما ذكر سبحانه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات الصالحين، الذين يطمع كل مسلم أن يكون منهم، فقال -عز وجل-: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)} (¬5). قال الغزالي: "فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان باللَّه واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (¬6). ¬
ثانيا: خطورة ترك الاحتساب
4 - إن قيام هذه الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو سبب وصفها بالخيرية في قول اللَّه -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬1). 5 - وهو سبب للنصر والتمكين، وواجب من واجبات من مكَّنه اللَّه في الأرض، قال اللَّه -تعالى-: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} (¬2). فإن الجزاء من جنس العمل (¬3). ثانيًا: خطورة ترك الاحتساب: إن ترك الاحتساب سبب للعذاب، فالأمة التي لا يقوم أفرادها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تصبح أمةً تعمّها المعاصي والمنكرات، وتتفشى فيها الأمراض الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، فتكون أمة لا تستحق البقاء، ويدل لذلك قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ على أَنْ يُغَيِّرُوا، ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا، إلا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّه منه بِعِقَابٍ" (¬4). فتبرك الاحتساب موقع في العذاب والهلاك، وعدم استجابة الدعاء، وهذه سنة اللَّه في الخلق، فأيّ أمة تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فسيأتيها العذاب والهلاك، قال -سبحانه-: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)} (¬5). ¬
قال الطبري: "لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا يسيرًا، فإنهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض، فنجاهم اللَّه من عذابه حين أخذ من كان مقيمًا على الكفر باللَّه عذابه" (¬1). ولما قالت زينَبُ بِنْتُ جَحْشٍ -رضي اللَّه عنها-: يا رَسُولَ اللَّه، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ ! قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم، إذا كثُرَ الخَبَثُ" (¬2). قال ابن حجر العسقلاني: "فيكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي" (¬3). وتارك الاحتساب ملعون على لسان أنبياء اللَّه ورسله عليهم الصلاة والسلام، يدل لذلك قول اللَّه -تعالى-: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} (¬4). قال الجصاص: "قيل: إن فائدة لعنهم على لسان الأنبياء: إعلامهم الأياس من المغفرة مع الإقامة على الكفر والمعاصي؛ لأن دعاء الأنبياء - عليهم السلام - باللعن والعقوبة مستجاب" (¬5). وهذا يدل على أن من ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واستغنى عن هذه الوسيلة العظيمة من وسائل الدعوة إلى اللَّه سبحانه؛ استحق أن يكون ملعونًا مطرودًا من رحمة اللَّه. قال الغزالي: "وهذا غاية التشديد؛ إذ علل استحقاقهم للعنة بتركهم النهي عن المنكر" (¬6). ¬
الفصل الأول مسائل الإجماع في الحسبة
الفصل الأول مسائل الإجماع في الحسبة [123/ 123] وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر • المراد بالمسألة: اتفاق الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. • من نقل الإجماع: أبو الحسن الأشعري (324 هـ) قال: "أجمعوا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (¬1) ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بلا خلاف من أحد منهم" (¬2) أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بالإجماع" (¬3) نقله عنه أبو عبد اللَّه المواق (897 هـ) (¬4) ابن القطان (628 هـ) قال: "أجمع المسلمون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب" (¬5) النووي (676 هـ) قال: "تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة" (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، ¬
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: استدلوا على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} (¬3). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "المقصود من هذه الآية: أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه" (¬4). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬5). • وجه الدلالة: في الآية مدحٌ لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير، وتواطؤوا على المنكر، زال عنهم المدح، ولحقهم الذم، وكان ذلك سببًا لهلاكهم (¬6). الدليل الثالث: قول اللَّه -تعالى-: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} (¬7). • وجه الدلالة: ذم اللَّه -جل وعلا- بني إسرائيل لتركهم النهي، وكذا من بعدهم يُذم إذا فعل فعلهم (¬8). • ثانيًا السنة: حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ¬
رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَان" (¬1). • وجه الدلالة: قال النووي: "أما قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَلْيُغَيِّرْهُ" فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة" (¬2). • من خالف الإجماع: خالف الرافضة قول الإجماع في هذه المسألة، وزعموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موقوفان على ظهور الإمام (¬3). واستدلوا بقول اللَّه -تعالى-: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (¬4). وقالوا: إن ظاهر الآية يدل على ترك الأمر بالمعروف. وأجيب عن ذلك: بما روي عن أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "يا أَيُّهَا الناس إِنَّكُمْ تقرؤون هذه الْآيَةَ وَتَضَعُونَهَا على غَيْرِ موضعها: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وإنَّا سَمِعْنَا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إِنَّ الناس إذا رَأوْا الظَّالِمَ فلم يَأْخُذُوا على يَدَيْهِ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّه بِعِقَابٍ"، وإنَي سمعت رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ما من قَوْم يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ على أَنْ يُغَيِّرُوا، ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا، إلا يُوشِكُ انْ يَعُمَّهُمْ اللَّه منه بِعِقَابٍ" (¬5). قال أبو المعالي الجويني: "ولا يكترث بقول من قال من الروافض: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موقوفان على ظهور الإمام. فقد أجمع المسلمون قبل أن ينبغ هؤلاء على التواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوبيخ تاركيه مع الاقتدار عليه" (¬6). ¬
[124/ 124] كون الأمر بالمعروف فرض كفاية
Rصحة الإجماع على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. [124/ 124] كون الأمر بالمعروف فرض كفاية • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن الأمر بالمعروف فرض على الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية بإجماع الأمة" (¬1) ابن تيمية (728 هـ) قال: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الكفاية باتفاق المسلمين" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: استدلوا على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} (¬7). • وجه الدلالة: قال القرطبي: "و (من) في قوله: (منكم) للتبعيض، ومعناه: أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء، وليس كل الناس علماء" (¬8). ونوقش: بأنها ليست للتبعيض، وإنما هي لبيان الجنس، والمعنى: لتكونوا ¬
كلكم كذلك (¬1). وأجيب: بأن اللَّه -تعالى- قد عينهم بقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} (¬2)، وليس كل الناس مكنوا (¬3). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه عز وجل تعبد من كل فرقة طائفة بالتفقه والإنذار لقومهم (¬5). • ثانيًا السنة: حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَان" (¬6). • وجه الدلالة: قال النووي: "إنما يأمر وينهى من كان عالمًا بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها، فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد، لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء، ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه" (¬7). ¬
[125/ 125] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور
• من خالف الإجماع: ذهب ابن حزم (¬1)، وابن مفلح (¬2)، وابن كثير (¬3)، والشوكاني (¬4)، إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على كل مسلم. واستدلوا بأن (من) في قوله -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} صلة ليست للتبعيض (¬5). وأما حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- فقد أجاب عنه ابن حزم بقوله: "والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على كل مسلم، إن قدر بيده فبيده، وإن لم يقدر بلسانه فبقلبه ولابد، وذلك أضعف الإيمان، فإن لم يفعل فلا إيمان له" (¬6). كما خالف الرافضة الإجماع، وزعموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موقوفان على ظهور الإمام. واستدلوا بقول اللَّه -تعالى-: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (¬7). وقالوا: إن ظاهر الآية يدل على ترك الأمر بالمعروف. وقد أجيب عن ذلك في مسألة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (¬8).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود المخالف. [125/ 125] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. ¬
• من نقل الإجماع: أبو المظفر السمعاني (¬1) (489 هـ) قال: "لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى الفعل" (¬2) الغزالي (505 هـ) قال: "لا خلاف أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة" (¬3) الفخر الرازي (606 هـ) قال: "اتفقوا على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة" (¬4) ابن قدامة (620 هـ) قال: "لا خلاف في أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة" (¬5) القرافي (684 هـ) قال: "قال العلماء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إجماعًا على الفور" (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، والظاهرية (¬11). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)} (¬12). ¬
• وجه الدلالة: قوله: {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي: يبادرون إليها، فينتهزون الفرصة فيها، ويفعلونها في أول وقت إمكانها، وذلك من شدة رغبتهم في الخير، ومعرفتهم بفوائده وحسن عوائده (¬1). • ثانيًا: السنة: 1 - حديث عبد اللَّه بن عَمْرٍو -رضي اللَّه عنهما- قال: تَخَلَّفَ عَنَّا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وقد أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ على أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: "وَيْلٌ لِلأعْقَابِ من النَّارِ"، مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا (¬2). 2 - حديث ابن عَبَّاسٍ -رضي اللَّه عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رَأَى خَاتَمًا من ذَهَب في يَدِ رَجُل، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ، وقال: "يَعْمِدُ أحدكم إلى جَمْرَةٍ من نَارٍ فَيَجْعَلُهَا في يَدِهِ! " (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بادر إلى إنكار المنكر، ولم يؤخر البيان عن وقت الحاجة إليه. حديث ابن عَبَّاسٍ -رضي اللَّه عنهما- أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّه بن الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ (¬4) من وَرَائِهِ، فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ، فلما انْصَرَفَ أَقْبَلَ إلى ابن عَبَّاسٍ فقال: مالك وَرَاسِي؟ ! فقال: إني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنما مَثَلُ هذا مَثَلُ الذي يُصَلِّي وهو مَكْتُوفٌ" (¬5). • وجه الدلالة: قال النووي: "فيه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن ¬
[126/ 126] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين متى رجي القبول
ذلك لا يؤخر؛ إذ لم يؤخره ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- حتى يفرغ من الصلاة، وأن المكروه يُنكر كما يُنكر المُحَرَّمُ، وأن من رأى منكرًا وأمكنه تغييره بيده غيره بها" (¬1).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [126/ 126] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين متى رجي القبول • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين متى رُجي القبول، أو رُجي رد المظالم. • من نقل الإجماع: ابن عطية الأندلسي (542 هـ) قال: "وجملة ما عليه أهل العلم في هذا: أن الأمر بالمعروف متعين، متى رُجي القبول، أو رُجي رد المظالم، ولو بعُنف، ما لم يخف الآمِرُ ضررًا يلحقه في خاصته، أو فتنة يدخلها على المسلمين، إما بشق عصا، وإما بضرر يلحق طائفة من الناس، فإذا خيف هذا فعليكم أنفسكم، حُكمٌ واجب أن يوقف عنده" (¬2) نقله الثعالبي (¬3) (876 هـ) (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: 1 - قول اللَّه -تعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬2)، أي: ما أطقتم وبلغ إليه جهدكم (¬3). 2 - {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬4)، أي: لا يكلف أحدًا فوق طاقته (¬5). • وجه الدلالة: أن التكاليف مع القدرة، فيتعين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متى رُجي القبول، أو رُجي رد المظالم، ما لم يخف الآمِرُ ضررًا يلحقه في خاصته، أو فتنة يدخلها على المسلمين. • ثانيًا: السنة: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ" (¬6). • وجه الدلالة: قال النووي: "هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويدخل فيها ما لا يُحصى من الأحكام، كالصلاة بأنواعها فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات أو ¬
[127/ 127] تغيير المنكر فرض عين على المحتسب وعلى من قدر عليه
فطرة جماعة من تلزمه نفقتهم أو نحو ذلك، وأمكنه البعض فعل الممكن" (¬1). • من خالف الإجماع: ذهب بعض الشافعية (¬2)، وهو مذهب الحنابلة (¬3) إلى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل حال، وإن علم عدم امتثاله، وأنه ليس عليه القبول. واستدلوا بعموم الأدلة التي توجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (¬4)؛ إذ لم تخصص بحال دون حال.Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [127/ 127] تغيير المنكر فرض عين على المحتسب وعلى من قدر عليه • المراد بالمسألة: اتفق العلماء على أن تغيير المنكر فرض عين على من قدر عليه، وأولى الناس بالقدرة هم الحكام، ومن ولوه أمر الحسبة. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه" (¬5) نقله القرطبي (671 هـ) (¬6)، وابن القطان (628 هـ) (¬7) ابن عطية الأندلسي (542 هـ) قال: "والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه" (¬8) نقله القرطبي (671 هـ) (¬9)، والثعالبي (876 هـ) (¬10) القرافي (684 هـ) قال: "قال العلماء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إجماعًا على الفور، فمن أمكنه أن يأمر بمعروف وجب عليه" (¬11) ابن ¬
تيمية (728 هـ) قال: "والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، وكل واحد من الأمة مخاطب بقدر قدرته، وهو من أعظم العبادات" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} (¬7). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "المقصود من هذه الآية: أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه" (¬8). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬9). • وجه الدلالة: في الآية مدحٌ لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير، وتواطؤوا على المنكر، زال عنهم المدح، ولحقهم الذم، وكان ذلك سببًا لهلاكهم (¬10). ¬
الدليل الثالث: قول اللَّه -تعالى-: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} (¬1). • وجه الدلالة: ذم اللَّه -جل وعلا- بني إسرائيل لتركهم النهي، وكذا من بعدهم يُذم إذا فعل فعلهم (¬2). • ثانيًا السنة: الدليل الأول: حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَان" (¬3). • وجه الدلالة: قال النووي: "أما قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَلْيُغَيّرْهُ" فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة" (¬4). الدليل الثاني: حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" (¬5). • وجه الدلالة: قال ابن رجب الحنبلي: "معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد، فمن لم يعرفه هلك، وأما الإنكار باللسان واليد فإنما يجب بحسب الطاقة" (¬6). وأولى الناس بالطاقة والقدرة هم الحكام، ومن ولوه ¬
[128/ 128] سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان إذا خاف الآمر على نفسه
أمر الحسبة.Rصحة الإجماع على أن تغيير المنكر فرض عين على المحتسب وعلى من قدر عليه. [128/ 128] سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان إذا خاف الآمر على نفسه • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أنه إذا خاف المرء على نفسه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه ينكر بقلبه، ويسقط عنه الإنكار باليد واللسان، شريطة أن لا يخالط ذا المنكر. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، وأنه إذا لم يلحقه في تغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره بيده، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه، ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكره بقلبه فقد أدى ما عليه، إذا لم يستطع سوى ذلك" (¬1) نقله القرطبي (671 هـ) (¬2)، وابن القطان (628 هـ) (¬3) ابن عطية الأندلسي (542 هـ) قال: "والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه، ونهى بمعروف، وأمن الضرر عليه وعلى المسلمين، فإن تعذر على أحد النهي لشيء من هذه الوجوه ففرض عليه الإنكار بقلبه، وأن لا يخالط ذا المنكر" (¬4) نقله القرطبي (671 هـ) (¬5)، والثعالبي (876 هـ) (¬6) ابن العربي (543 هـ) قال: "وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا خاف منه المرء على نفسه سقط فرضه بغير خلاف" (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: 1 - قول اللَّه -تعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬6)، أي: ما أطقتم وبلغ إليه جهدكم (¬7). 2 - {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬8)، أي: لا يكلف أحدًا فوق طاقته (¬9). • وجه الدلالة: أن التكاليف مع القدرة، فلا يتعين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان، إذا خاف الآمِرُ ضررًا يلحقه في خاصته، أو فتنة يدخلها على المسلمين، ولا يمنعه ذلك من الإنكار بقلبه. • ثانيًا: السنة: 1 - حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ ¬
[129/ 129] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يختص بأصحاب السلطة
جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" (¬1). 2 - أخرج مسلم في صحيحه عن طَارِقِ بن شِهَابٍ أنه قال: أَوَّلُ من بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يوم الْعِيدِ قبل الصَّلَاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إليه رَجُلٌ فقال: الصَّلَاةُ قبل الْخُطْبَةِ، فقال: قد تُرِكَما هنالك، فقال أبو سَعِيدٍ الخدري -رضي اللَّه عنه-: أَمَّا هذا فَقَدْ قَضَى ما عليه، سمعت رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" (¬2). • وجه الدلالة: إذا لم يستطع التغيير باليد وإزالته بالفعل؛ لكون فاعله أقوى منه، فليغيره بالقول، وتلاوة ما أنزل اللَّه من الوعيد عليه، وذكر الوعظ والتخويف والنصيحة، فإن لم يستطع فلا يرضى به، وينكر في باطنه على متعاطيه، فيكون تغييرًا معنويًّا؛ إذ ليس في وسعه إلا هذا القدر من التغيير (¬3). 3 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ" (¬4). • وجه الدلالة: قال النووي: "هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويدخل فيها ما لا يُحصى من الأحكام، كالصلاة بأنواعها فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات أو فطرة جماعة من تلزمه نفقتهم أو نحو ذلك، وأمكنه البعض فعل الممكن" (¬5).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [129/ 129] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يختص بأصحاب السلطة • المراد بالمسألة: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يختص بأصحاب ¬
الولايات، بل ذلك جائز لآحاد المسلمين، متى كان قادرًا على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "لا يختص الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بأصحاب الولايات، بل ذلك جائز لآحاد المسلمين، والدليل عليه الإجماع أيضًا، فإن غير الولاة من المسلمين في الصدر الأول، والعصر الذي يليه، كانوا يأمرون الولاة بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، مع تقرير المسلمين إياهم" (¬1) نقله النووي (676 هـ) (¬2) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه" (¬3) نقله القرطبي (671 هـ) (¬4)، وابن القطان (628 هـ) (¬5) ابن عطية الأندلسي (542 هـ) قال: "والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه" (¬6) نقله القرطبي (671 هـ) (¬7)، والثعالبي (876 هـ) (¬8) ابن تيمية (728 هـ) قال: "والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، وكل واحد من الأمة مخاطب بقدر قدرته، وهو من أعظم العبادات" (¬9). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬10)، والمالكية (¬11)، والشافعية (¬12)، ¬
[130/ 130] مراحل إنكار المنكر
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكتاب، والسنة، وقد تقدم ذكرها آنفًا (¬3).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [130/ 130] مراحل إنكار المنكر • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أن المنكر يجب تغييره باليد على كل من قدر عليه، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، وأنه إذا لم يلحقه في تغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره بيده، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه، ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكره بقلبه فقد أدى ما عليه، إذا لم يستطع سوى ذلك" (¬4) نقله القرطبي (671 هـ) (¬5)، وابن القطان (628 هـ) (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، والظاهرية (¬11). ¬
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: 1 - قول اللَّه -تعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬1)، أي: ما أطقتم وبلغ إليه جهدكم (¬2). 2 - {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬3)، أي: لا يكلف أحدًا فوق طاقته (¬4). • وجه الدلالة: أن التكاليف مع القدرة، فيتعين على القادر تغيير المنكر بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع، فحينئذٍ ينكر بقلبه. • ثانيًا: السنة: 1 - حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" (¬5). 2 - أخرج مسلم في صحيحه عن طَارِقِ بن شِهَابٍ أنه قال: أَوَّلُ من بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يوم الْعِيدِ قبل الصَّلَاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إليه رَجُلٌ فقال: الصَّلَاةُ قبل الْخُطْبَةِ، فقال: قد تُرِكَ ما هنالك، فقال أبو سَعِيدٍ الخدري -رضي اللَّه عنه-: أَمَّا هذا فَقَدْ قَضَى ما عليه، سمعت رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" (¬6). ¬
[131/ 131] وجوب إنكار المنكر بالقلب
• وجه الدلالة: إذا لم يستطع التغيير باليد وإزالته بالفعل؛ لكون فاعله أقوى منه، فليغيره بالقول، وتلاوة ما أنزل اللَّه من الوعيد عليه، وذكر الوعظ والتخويف والنصيحة، فإن لم يستطع فلا يرضى به، وينكر في باطنه على متعاطيه، فيكون تغييرًا معنويًّا؛ إذ ليس في وسعه إلا هذا القدر من التغيير (¬1). 3 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ" (¬2). • وجه الدلالة: قال النووي: "هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويدخل فيها ما لا يُحصى من الأحكام، كالصلاة بأنواعها فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات أو فطرة جماعة من تلزمه نفقتهم أو نحو ذلك، وأمكنه البعض فعل الممكن" (¬3). • من خالف الإجماع: ذهب بعض العلماء (¬4)، وهو قول للحنفية (¬5)، إلى القول بأن تغيير المنكر باليد إنما هو على الأمراء، وباللسان على العلماء، وبالقلب على الضعفاء، يعني: عوام الناس. واحتجوا بأن التغيير باليد يعتمد القدرة، وأنه لا قدرة لغير الأمراء والحكام، وحملوا تغيير المنكر في الأحاديث على ذلك. ونوقش ذلك: بعموم الأدلة الخاصة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [131/ 131] وجوب إنكار المنكر بالقلب • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أن من تعذر عليه إنكار المنكر بيده أو ¬
لسانه، فإنه يجب عليه الإنكار بقلبه. • من نقل الإجماع: أبو الحسن الأشعري (324 هـ) قال: "أجمعوا على وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، عليهم بأيديهم، وبألسنتهم، إن استطاعوا ذلك، وإلا فبقلوبهم" (¬1). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2) ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفقوا في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقلوب" (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، وأنه إذا لم يلحقه في تغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره بيده، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه، ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكره بقلبه فقد أدى ما عليه، إذا لم يستطع سوى ذلك" (¬4) نقله القرطبي (671 هـ) (¬5)، وابن القطان (628 هـ) (¬6) ابن عطية الأندلسي (542 هـ) قال: "والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه، ونهى بمعروف، وأمن الضرر عليه وعلى المسلمين، فإن تعذر على أحد النهي لشيء من هذه الوجوه ففرض عليه الإنكار بقلبه، وأن لا يخالط ذا المنكر" (¬7) نقله القرطبي (671 هـ) (¬8)، والثعالبي (876 هـ) (¬9). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬10)، والمالكية (¬11)، والشافعية (¬12)، ¬
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} (¬3). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "أي: إنكم إذا جلستم معهم وأقررتموهم على ذلك، فقد ساويتموهم فيما هم فيه، وقوله: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (¬4)، أي: إذا تجنبوهم فلم يجلسوا معهم في ذلك، فقد برؤا من عدتهم، وتخلصوا من إثمهم" (¬5). • ثانيًا: السنة: 1 - حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّه فيِ أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُون بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَان حَبَّةُ خَرْدَلٍ" (¬6). 2 - حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" (¬7). • وجه الدلالة: إذا لم يستطع التغيير باليد وإزالته بالفعل؛ لكون فاعله أقوى ¬
[132/ 132] تغيير المنكر بالسيف
منه، فليغيره بالقول، وتلاوة ما أنزل اللَّه من الوعيد عليه، وذكر الوعظ والتخويف والنصيحة، فإن لم يستطع فلا يرضى به، وينكر في باطنه على متعاطيه، فيكون تغييرًا معنويًّا؛ إذ ليس في وسعه إلا هذا القدر من التغيير (¬1).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [132/ 132] تغيير المنكر بالسيف • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أن تغيير المنكر بالسيف لا يجب إلا في اللصوص وقطاع الطريق. • من نقل الإجماع: أبو الحسن الأشعري (324 هـ) قال: "أجمعوا على وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، عليهم بأيديهم، وبألسنتهم، إن استطاعوا ذلك، وإلا فبقلوبهم، وأنه لا يجب عليهم بالسيف، إلا في اللصوص والقطاع بعد مناشدتهم" (¬2) ابن القطان (628 هـ) قال: "أجمعوا على وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بأيديهم، وبألسنتهم، إن استطاعوا ذلك، وإلا فبقلوبهم، وأنه لا يجب ذلك عليهم بالسيف، إلا في اللصوص وقطاع الطريق بعد مناشدتهم" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: استدلوا بحديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ ¬
حَبَةُ خَرْدَلٍ" (¬1). وحديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَان" (¬2). • وجه الدلالة: أن التغيير باليد لا يستلزم القتال، وقد نص على ذلك الإمام أحمد، فقال: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح. فحينئذٍ جهاد الأمراء باليد: بأن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات، مثل: أن يريق خمورهم، أو يكسر آلات اللهو التي لهم، أو نحو ذلك، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك، وكل ذلك جائز، وليس هو من باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه، فإن هذا أكثر ما يُخشى منه أن يقتله الأمراء وحده، وأما الخروج عليهم بالسيف فيُخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين (¬3). • من خالف الإجماع: قال ابن حزم: "وذهبت طوائف من أهل السنة، وجميع المعتزلة، وجميع الخوارج، والزيدية، إلى أن سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك، قالوا: فإذا كان أهل الحق في عصابة يمكنهم الدفع، ولا ييأسون من الظفر، ففرض عليهم ذلك، وإن كانوا في عدد لا يرجون لقلتهم وضعفهم بظفر، كانوا في سعة من ترك التغيير باليد. وهذا قول علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، وكل من معه من الصحابة، وقول أم المؤمنين عائشة -رضي اللَّه عنها- وطلحة، والزبير، وكل من كان معهم من الصحابة، وقول معاوية، وعمرو، والنعمان بن بشير، وغيرهم ممن معهم من الصحابة رضي اللَّه عنهم أجمعين". إلى أن قال: "وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء، كأبي حنيفة، ومالك، ¬
والشافعي، وأصحابهم، فإن كل من ذكرنا من قديم وحديث إما ناطق بذلك في فتواه، وإما الفاعل لذلك بسل سيفه في إنكار ما رآه منكرًا" (¬1). واستدلوا: بقول اللَّه -تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬2). • وجه الدلالة: قال القرطبي: "فالمنكر إذا أمكنت إزالته باللسان للناهي فليفعله، وإن لم يمكنه إلا بالعقوبة أو بالقتل فليفعل، فإن زال بدون القتل لم يجز القتل" (¬3).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود المخالف. ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في مواطن الحسبة
الفصل الثاني مسائل الإجماع في مواطن الحسبة [133/ 133] لا إنكار فيما يسوغ فيه الاجتهاد ما لم يخالف نصًا من كتاب أو سنة أو إجماع • المراد بالمسألة: اتفقوا أنه لا إنكار فيما يسوغ فيه الاجتهاد، إلا أن يخالف المجتهد نصًّا ثابتًا صحيحًا من الكتاب أو السنة أو إجماع، فحينئذٍ يجب على المحتسب الإنكار عليه. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: "لم يزل الخلاف في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم -رضي اللَّه عنهم أجمعين - ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره، وكذلك قالوا: ليس للمفتى ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصًّا أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا" (¬1) ابن تيمية (728 هـ) قال: "وقولهم: (مسائل الخلاف لا إنكار فيها) ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل. أمّا الأول: فإذا كان القول يخالف سنَّةً أو إجماعًا قديمًا وجب إنكاره وفاقًا، وإن لم يكن كذلك فإنه يُنكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول: المصيب واحد. وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل: فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضًا بحسب درجات الإنكار. . . وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا" (¬2) نقله ابن القيم (751 هـ) (¬3)، وابن مفلح (763) (¬4) محمد بن عبد الوهاب (1206 هـ) قال -في رده على من قال: لا إنكار في مسائل الخلاف-: "إن أراد القائل مسائل الخلاف كلها، فهذا باطل يخالف إجماع الأمة، فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من ¬
خالف وأخطأ كائنًا من كان، ولو كان أعلم الناس وأتقاهم، وإذا كان اللَّه بعث محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهدى ودين الحق، وأمرنا باتباعه وترك ما خالفه، فمن تمام ذلك أن من خالفه من العلماء مخطئ يُنبه على خطئه، وينكر عليه. وإن أُريد بمسائل الاجتهاد مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب، فهذا كلام صحيح، لا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء؛ لكونه مخالفًا لمذهبه، أو لعادة الناس" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (¬6). • وجه الدلالة: قال أبو بكر الجصاص: "اقتضى ذلك نهي الإنسان عن أن يقول في أحكام اللَّه ما لا علم له به على جهة الظن والحسبان، وأن لا يقول في الناس من السوء ما لا يعلم صحته، ودل على أنه إذا أخبر عن غير علم فهو آثم في خبره، كذبًا كان خبره أو صدقًا؛ لأنه قائل بغير علم، وقد نهاه اللَّه عن ذلك" (¬7). • ثانيًا: السنة: حديث مُعَاذِ بن جَبَلٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إلى الْيَمَنِ قال: "كَيْفَ تَقْضِي إذا عَرَضَ لك قَضَاءٌ؟ "، قال: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّه، قال: "فَإنْ لم تَجِدْ في كتَابِ اللَّه؟ "، قال: فَبِسُنَّةِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: ¬
"فَإِنْ لم تجِدْ في سُنَّةِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا في كتَابِ اللَّه؟ "، قال: أَجْتَهِدُ رَأْيِي ولا آلُو، فَضَرَبَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صَدْرَهُ وقال: "الحَمْدُ للَّه الذي وَفَّقَ رَسُولَ رسول اللَّه لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّه" (¬1). • وجه الدلالة: فيه دليل جواز اجتهاد الرأى والعمل بالقياس فيما لا نص فيه (¬2). كما يُستدل على ذلك بعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكتاب، والسنة، وقد تقدم ذكرها آنفًا (¬3). • من خالف الإجماع: قال السعد التفتازاني: "ليس لمجتهد أن يتعرض بالردع والزجر على مجتهد آخر في موضع الخلاف؛ إذ كل مجتهد مصيب في الفروع عندنا، ومن قال: إن المصيب واحد، فهو غير متعين عنده، وذكر في محيط الحنفية أن للحنفي أن يحتسب على الشافعي في أكل الضبع، ومتروك التسمية عمدًا، وللشافعي أن يحتسب على الحنفي في شرب المثلث، والنكاح بلا ولي" (¬4). وقال ابن رجب الحنبلي: "والمنكر الذي يجب إنكاره ما كان مجمعًا عليه، فأما المختلف فيه، فمن أصحابنا من قال: لا يجب إنكاره على من فعله مجتهدًا أو مقلدًا لمجتهد تقليدًا سائغًا، واستثنى القاضي في الأحكام السلطانية (¬5) ما ضعف فيه الخلاف، وإن كان ذريعة إلى محظور متفق عليه، كربا النقد، فالخلاف فيه ضعيف، وهو ذريعة إلى ربا النساء المتفق على تحريمه، وكنكاح المتعة، فإنه ذريعة إلى الزنا" (¬6).Rعدم صحة الإجماع، لوجود الخلاف. ¬
[134/ 134] لا ضمان على المحتسب المعين إذا كسر المنكر
[134/ 134] لا ضمان على المحتسب المعين إذا كسر المنكر • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أن المحتسب المعين إذا كسر المنكر فإنه لا يضمن. • من نقل الإجماع: السنامي (734 هـ) قال: "المنصوب للحسبة لا يضمن بإتلاف المعازف عند أبي حنيفة، والمتطوع يضمن عنده، والحيلة أن لا يضمن المتطوع أيضًا أن يستوهبه من المالك، فإن وهبه يكسره، ولا يضمن إجماعًا" (¬1) ابن نجيم (970 هـ) قال: "الضمان على من أتلفها، فعنده يضمن، وعندهما لا، كذا في البدائع، ولكن الفتوى في الضمان على قولهما -كما سيأتي في الغصب- ومحله: ما إذا كسرها غير القاضي والمحتسب، أما هما فلا ضمان اتفاقًا" (¬2) ابن عابدين (1252 هـ) قال: "هذا الاختلاف في الضمان دون إباحة إتلاف المعازف، وفيما يصلح لعمل آخر، وإلا لم يضمن شيئًا اتفاقا، وفيما إذا فعل بلا إذن الإمام، وإلا لم يضمن اتفاقًا، وفي غير عود المغني وخابية الخمار، وإلا لم يضمن اتفاقًا؛ لأنه إن لم يكسرها عاد لفعله القبيح" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والآثار، والمعقول: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} (¬8). ¬
• وجه الدلالة: أن موسى -عليه السلام- أتلف العجل المتخذ من ذهب (¬1). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث عَبْدِ اللَّه بن عَمْرِو بن الْعَاص -رضي اللَّه عنهما- قال: رَأَى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فقال: "أأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟ "، قلت: أَغْسِلُهُمَا؟ قال: "بَلْ أَحْرِقْهُمَا" (¬2). • وجه الدلالة: أمره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بحرقهما، تغليظًا في زجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل (¬3). الدليل الثاني: حديث عبد اللَّه بن مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه- قال: دَخَلَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَكَّةَ، وَحَوْل الْكَعْبَةِ ثلاثمائة وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ في يَدِهِ، وَجَعَلَ يقول: "جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ" (¬4). • وجه الدلالة: قال العيني: "قال الطبري: في حديث ابن مسعود جواز كسر آلات الباطل، وما لا يصلح إلَّاَ في المعصية، حتى تزول هيئتها، وينتفع برضاضها. وقال ابن بطال: آلات اللهو، كالطنابير، والعيدان، والصلبان، والأنصاب تكسر حتى تغير عن هيئتها إلى خلافها، ويُقال: وكل ما لا معنى لها إلا التَّلَهي بها عن ذكر اللَّه تعالى، والشغل بها عما يحبه اللَّه إلى ما يسخطه، يجب أن يُغير عن هيئته المكروهة إلى خلافها من الهيئات التي يزول معها المعنى المكروه، وذلك أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كسر الأصنام والجوهر الذي فيها، ولا شك أنه يصلح إذا غير عن الهيئة المكروهة، وينتفع به بعد الكسر، وقد روي عن جماعة من السلف كسر آلات الملاهي" (¬5). كما يستدل على ذلك بعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ¬
[135/ 135] الاحتساب على الوالدين بلطف ولين ورفق
الكتاب، والسنة، وقد تقدم ذكرها آنفًا (¬1).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [135/ 135] الاحتساب على الوالدين بلطف ولين ورفق • المراد بالمسألة: أجمع الفقهاء على وجوب الاحتساب بوجه عام، ويدخل الوالدان في هذا العموم؛ لأن الأمر والنهي لمنفعة المأمور والمنهي، والأب والأم أحق أن يوصل الولد إليهما المنفعة، ولكن يحتسب الولد عليهما بالتعريف، والنهي بالوعظ والنصح والتخويف باللَّه تعالى، ولكن كل هذا بلطف ولين ورفق. • من نقل الإجماع: الغزالي (505 هـ) قال: "ورد في حق الأب على الخصوص ما يوجب الاستثناء من العموم؛ إذ لا خلاف. في أن الجلاد ليس له أن يقتل أباه في الزنا حدًّا، ولا له أن يباشر إقامة الحد عليه، بل لا يباشر قتل أبيه الكافر، بل لو قطع يده لم يلزمه قصاص، ولم يكن له أن يؤذيه في مقابلته، وقد ورد في ذلك أخبار، وثبت بعضها بالإجماع، فإذا لم يجز له إيذاؤه بعقوبة هي حق على جناية سابقة، فلا يجوز له إيذاؤه بعقوبة هي منع عن جناية مستقبلة متوقعة، بل أولى" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: استدلوا على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: ¬
[136/ 136] زجر الصبي إذا رئي قاصدا المنكر
• أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (¬1). وقول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "أي: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم هملًا فتأكلهم النار يوم القيامة" (¬3). • ثانيًا: السنة: حديث جرير بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على إِقَامِ الصَّلَاةِ، وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" (¬4). • وجه الدلالة: جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النصيحة للمسلمين شرطًا في الذي يبايع عليه، كالصلاة والزكاة (¬5). ومما لا شك فيه أن الأبوين أحق الناس وأولاهم بهذا النصح، ومن النصح لهما أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر. كما يستدل على ذلك بعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكتاب، والسنة، وقد تقدم ذكرها آنفًا (¬6).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [136/ 136] زجر الصبي إذا رئي قاصدًا المنكر • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أن الصبي يزجر إذا رئي قاصدا لمنكر. • من نقل الإجماع: ابن القطان (628 هـ) قال: "اتفق الجميع على أن الصبي يزجر إذا رئي قاصدًا فعل ما لا يجب، كما يُزجر البالغ إذا قصد لذلك" (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (¬5). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "أي: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم هملًا فتأكلهم النار يوم القيامة" (¬6). • ثانيًا: السنة: حديث عُمَرَ بن أبي سلَمَةَ -رضي اللَّه عنه- قال: كنت غُلَامًا في حَجْرِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصحْفَةِ، فقال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّه، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"، فما زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ (¬7). • وجه الدلالة: الحديث واضح الدلالة في تأديب الصبي وزجره عن فعل ما لا يجب. كما يستدل على ذلك بعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكتاب، والسنة، وقد تقدم ذكرها آنفًا (¬8).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
الفصل الثالث مسائل الإجماع في شروط المحتسب
الفصل الثالث مسائل الإجماع في شروط المحتسب [137/ 137] اشتراط الإسلام في المحتسب • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على اشتراط الإسلام في المحتسب؛ لأن القيام بالأمر والنهي يصير نصرة للدين، فلا يقوم به من هو جاحد لأصل الدين، والأمر والنهي سلطنة واحتكام، ولن يجعل اللَّه للكافرين على المؤمنين سبيلًا (¬1). • من نقل الإجماع: أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "لا يختص الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بأصحاب الولايات، بل ذلك جائز لآحاد المسلمين، والدليل عليه الإجماع أيضًا" (¬2) نقله النووي (676 هـ) (¬3) أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "اتفق المسلمون قاطبة على أن لآحاد المسلمين، وأفراد المستقلين بأنفسهم من المؤمنين، أن يأمروا بوجوه المعروف، ويسعوا في إغاثة كل ملهوف، ويشمروا في إنقاذ المشرفين على المهالك والمناوي والحتوف" (¬4) ابن تيمية (728 هـ) قال: "والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، وكل واحد من الأمة مخاطب بقدر قدرته، وهو من أعظم العبادات" (¬5) ابن النحاس (¬6) (813 هـ) قال: "يشترط في ¬
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الإسلام، والتكليف، والاستطاعة، وهذه الشروط متفق عليها" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} (¬7). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "المقصود من هذه الآية: أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه" (¬8). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬9). • وجه الدلالة: في الآية مدحٌ لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير، وتواطؤوا على المنكر، زال عنهم المدح، ولحقهم الذم، وكان ذلك سببًا لهلاكهم (¬10). ¬
الدليل الثالث: قول اللَّه -تعالى-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (¬1). • وجه الدلالة: قال القرطبي: "فدل على أن أخص أوصاف المؤمن: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (¬2). الدليل الرابع: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (¬3). • وجه الدلالة: قال ابن العربي: "أن اللَّه سبحانه لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلًا بالشرع، فإن وجد ذلك فبخلاف الشرع" (¬4). فلا يجب شرعًا تولي غير المسلم الحسبة على المسلمين. • ثانيًا السنة: الدليل الأول: حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" (¬5). • وجه الدلالة: قال النووي: "إنما يأمر وينهى من كان عالمًا بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها، فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد، لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء، ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه" (¬6). الدليل الثاني: حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، ¬
[138/ 138] اشتراط التكليف في المحتسب
وَيقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِن، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" (¬1). • وجه الدلالة: قال ابن رجب الحنبلي: "معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد، فمن لم يعرفه هلك" (¬2). • المخالفون للإجماع: ذهب قليل من العلماء إلى القول بأنه يجوز للكافر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقالوا: إن نهي الكافر عن المنكر ليس من الحكم في شيء، وليس فيه سلطة، وزعم بعضهم أن ذلك مفرع على عدم مخاطبة الكافر بالفروع (¬3). وأجيب: بأنا إنما منعناه منه؛ لأن فعله لذلك منزل منزلة استهزائه بالدين (¬4). ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصرة لدين الإسلام، فكيف يكون من أهله من هو جاحد لأصل الدين وعدو له؟ ! (¬5) Rصحة الإجماع، ولا يُعتد بالمخالف لمعارضته الأدلة الصريحة الصحيحة. [138/ 138] اشتراط التكليف في المحتسب • المراد بالمسألة: المكلف لغة: كلف بالشيء كلفًا وكلفة، فهو كلف ومكلف: لهج به، والمتكلف: الوقاع فيما لا يعنيه، والكلفة: ما تكلفت من أمر في نائبة أو حق، ويقال: كلفت بهذا الأمر، أي: أولعت به وأحببته. والكلف: الولوع بالشيء مع شغل قلب ومشقة، وكلفه تكليفًا: أي أمره بما يشق عليه، وتكلفت الشيء: تجشمته على مشقة وعلى خلاف عادتك، وكلفته: ¬
إذا تحملته، والمكلف: المتحمل للأمر (¬1). المكلف اصطلاحًا: هو المسلم البالغ العاقل، ولو أنثى، أو عبدًا (¬2). أي: الذي تعلقت به الأوامر والنواهي (¬3). وقد أجمع المسلمون على أن القائم على الحسبة يجب أن يكون مكلفًا؛ لأن غير المكلف لا يلزمه أمر، فلا وجوب عليه، أما إمكان الفعل وجوازه فلا يستدعي إلا العقل؛ لأن الصبي المراهق للبلوغ المميز -وإن لم يكن مكلفًا- فله إنكار المنكر، وله أن يريق الخمر ويكسر الملاهى، وإذا فعل ذلك نال به ثوابًا، ولم يكن لأحد منعه من حيث إنه ليس بمكلف (¬4). • من نقل الإجماع: ابن النحاس (813 هـ) قال: "يشترط في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الإسلام، والتكليف، والاستطاعة، وهذه الشروط متفق عليها" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بالكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ ¬
لَكُمْ قِيَامًا} (¬1). قال أبو بكر ابن العربي: "السفيه: المتناهي في ضعف العقل وفساده، كالمجنون والمحجور عليه" (¬2). وقول اللَّه -تعالى-: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} (¬3). والمراد بالسفيه في هذه الآية: "كل جاهل بموضع خطأ ما يُمل وصوابه، من بالغي الرجال الذين لا يُولَّى عليهم"، قاله الطبري (¬4). قال الشافعي: "أثبت الولاية على السفيه والضعيف والذي لا يستطيع أن يُمل هو، وأمر وليه بالإملاء عليه؛ لأنه أقامه فيما لا غَنَاء به عنه من ماله مقامه" (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه -جل وعلا- لم يجعل لضعيف العقل ولاية على نفسه، فإن لم يل أمر نفسه فأمر غيره أولى، فبالجنون تنسلب الولايات واعتبار الأقوال (¬6). • ثانيًا: السنة: حديث عائشة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ" (¬7). • وجه الدلالة: أن العقل مناط التكليف؛ لأن التكليف مقتضاه الطاعة والامتثال، ولا يمكن ذلك إلا بقصد الامتثال، وشرط القصد: العلم بالمقصود والفهم للتكليف، ولا يتصوران في حق المجنون (¬8). كما يستدل على ذلك بعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ¬
[139/ 139] اشتراط الاستطاعة في الحسبة
الكتاب، والسنة، وقد تقدم ذكرها آنفًا (¬1).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [139/ 139] اشتراط الاستطاعة في الحسبة • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على اشتراط الاستطاعة والقدرة على تغيير المنكر لمن يقوم على أمر الحسبة. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، وأنه إذا لم يلحقه في تغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره بيده، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه، ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكره بقلبه فقد أدى ما عليه، إذا لم يستطع سوى ذلك" (¬2) نقله القرطبي (671 هـ) (¬3)، وابن القطان (628 هـ) (¬4) ابن عطية الأندلسي (542 هـ) قال: "والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه" (¬5) نقله القرطبي (671 هـ) (¬6)، والثعالبي (876 هـ) (¬7) ابن تيمية (728 هـ) قال: "والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، وكل واحد من الأمة مخاطب بقدر قدرته، وهو من أعظم العبادات" (¬8) ابن النحاس (813 هـ) قال: "يشترط في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الإسلام، والتكليف، والاستطاعة، وهذه الشروط متفق عليها" (¬9). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: 1 - قول اللَّه -تعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬6)، أي: ما أطقتم وبلغ إليه جهدكم (¬7). 2 - {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬8)، أي: لا يكلف أحدًا فوق طاقته (¬9). • وجه الدلالة: أن التكاليف مع القدرة، فيتعين على القادر تغيير المنكر بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع، فحينئذٍ ينكر بقلبه. • ثانيًا: السنة: 1 - حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما من نَبِي بَعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ ¬
[140/ 140] اشتراط العلم في المحتسب
جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" (¬1). 2 - أخرج مسلم في صحيحه عن طَارِقِ بن شِهَاب أنه قال: أَوَّلُ من بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يوم الْعِيدِ قبل الصَّلَاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إليه رَجُل فقال: الصَّلَاةُ قبل الْخُطْبَةِ، فقال: قد تُرِكَ ما هنا لك، فقال أبو سَعِيدٍ الخدري -رضي اللَّه عنه-: أَمَّا هذا فَقَدْ قَضَى ما عليه، سمعت رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فَإنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" (¬2). • وجه الدلالة: إذا لم يستطع التغيير باليد وإزالته بالفعل؛ لكون فاعله أقوى منه، فليغيره بالقول، وتلاوة ما أنزل اللَّه من الوعيد عليه، وذكر الوعظ والتخويف والنصيحة، فإن لم يستطع فلا يرضى به، وينكر في باطنه على متعاطيه، فيكون تغييرًا معنويًّا؛ إذ ليس في وسعه إلا هذا القدر من التغيير (¬3). 3 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ" (¬4). • وجه الدلالة: قال النووي: "هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويدخل فيها ما لا يُحصى من الأحكام، كالصلاة بأنواعها فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات أو فطرة جماعة من تلزمه نفقتهم أو نحو ذلك، وأمكنه البعض فعل الممكن" (¬5).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [140/ 140] اشتراط العلم في المحتسب • المراد بالمسألة: يُشترط في الآمر بالمعروف أن يكون له علم يعلم به أن ¬
ما يأمر به معروف، وأن ما ينهى عنه منكر؛ لأنه إن كان جاهلًا بذلك فقد يأمر بما ليس بمعروف، وينهى عما ليس بمنكر. ولكن الناس متفاوتون فيما عندهم من العلم باللَّه وبدين اللَّه، وكلما كان الإنسان أعلم، كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقه ألزم، ولا يُتصور أن مسلمًا ليس عنده من العلم باللَّه وبدين اللَّه ولو الشيء اليسير، فكلٌّ يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقه واجبًا على قدر ما عنده من العلم، وهذا ما أجمع المسلمون عليه. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) قال: "إذا كان القول يخالف سنَّةً أو إجماعًا قديمًا، وجب إنكاره وفاقًا" (¬1) نقله ابن القيم (751 هـ) (¬2)، وابن مفلح (763) (¬3). فإذا اقتحم الجهال الدعوة، وترأسوا فيها، وأخذوا بالأمر والنهي دون علم في ذلك كله، فإنهم يفسدون في هذه الحال أكثر مما يصلحون. وأنى للجاهل أن يميز بين الموافق والمخالف للسنة؟ ! • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، المالكية (¬5)، الشافعية (¬6)، الحنابلة (¬7)، الظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بالكتاب والسنة: • أولا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو ¬
[141/ 141] عدم اشتراط العصمة في المحتسب
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (¬1). • وجه الدلالة: قال الشنقيطي: "فدل على أن الداعي إلى اللَّه لا بد أن يكون على بصيرة، وهي الدليل الواضح الذي لا لبس في الحق معه" (¬2). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (¬3). • وجه الدلالة: قال أبو بكر الجصاص: "اقتضى ذلك نهي الإنسان عن أن يقول في أحكام اللَّه ما لا علم له به على جهة الظن والحسبان، وأن لا يقول في الناس من السوء ما لا يعلم صحته، ودل على أنه إذا أخبر عن غير علم فهو آثم في خبره، كذبًا كان خبره أو صدقًا، لأنه قائل بغير علم، وقد نهاه اللَّه عن ذلك" (¬4). • ثانيًا: السنة: حديث عَمْرِو بن الْعَاصِ -رضي اللَّه عنه- أن رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللَّه لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ من الناس، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حتى إذا لم يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ الناس رؤوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" (¬5). • وجه الدلالة: قال ابن حجر العسقلاني: "وفي هذا الحديث: الحث على حفظ العلم، والتحذير من ترئيس الجهلة، وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية، وذم من يقدم عليها بغير علم" (¬6).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [141/ 141] عدم اشتراط العصمة في المحتسب • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أنه لا يُشترط فيمن يقوم على أمر ¬
الحسبة أن يكون معصومًا. • من نقل الإجماع: الغزالي (505 هـ) قال: "هل يُشترط في الاحتساب أن يكون متعاطيه معصومًا عن المعاصي كلها؟ فإن شرط ذلك فهو خرق للإجماع، ثم حسم لباب الاحتساب؛ إذ لا عصمة للصحابة فضلًا عمن دونهم" (¬1). ابن تيمية (728 هـ) قال: "اتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصومًا في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب، والسنة. • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬8). • وجه الدلالة: لم يأمر اللَّه -جل وعلا- بالرد عند التنازع إلا إلى اللَّه والرسول، ولو كان للناس معصوم غير الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لأمرهم بالرد إليه؛ فدل القرآن أن لا معصوم إلا الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬9). ¬
الدليل الثاني: قال اللَّه -تعالى-: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} (¬1)، وقال -تعالى-: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (¬2). • وجه الدلالة: دل القرآن -في غير موضع- على أن من أطاع الرسول كان من أهل السعادة، ولم يشترط في ذلك طاعة معصوم آخر، ومن عصى الرسول كان من أهل الوعيد وإن قُدِّر أنه أطاع من ظن أنه معصوم، فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الذي فرَّق اللَّه به بين أهل الجنة وأهل النار، وبين الأبرار والفجار، وبين الحق والباطل، وبين الغي والرشاد، والهدى والضلال، وجعله القسيم الذي قسَّم اللَّه به عباده إلى شقي وسعيد، فمن اتبعه فهو السعيد، ومن خالفه فهو الشقي، وليست هذه المرتبة لغيره، فهو المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى (¬3). • ثانيًا: السنة: حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّمَا الطَّاعَة في المَعْرُوفِ" (¬4)، وفي رواية: "لَا طَاعَةَ في مَعْصِيَةِ اللَّه" (¬5)، ومثله حديث عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا طَاعَة لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخالق" (¬6)، وحديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّه فَلَا تُطِيعُوه" (¬7). • وجه الدلالة: أن اللَّه -سبحانه وتعالى- لم يأمر بطاعة مطلقة، بل اشترط فيها أن تكون في غير معصيته، وهذا يُبيّن أن لا معصوم من المخلوقين إلا من عصم اللَّه من الأنبياء والمرسلين (¬8).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
[142/ 142] عدم اشتراط العدالة في المحتسب
[142/ 142] عدم اشتراط العدالة في المحتسب • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على عدم اشتراط العدالة فيمن يقوم على أمر الحسبة. • من نقل الإجماع: الغزالي: ت: (505) "إجماع المسلمين من السلف والخلف على جواز الحسبة من كل مسلم مع عدم اشتراط العصمة والقائل بأن المحتسب يجب أن يكون معصومًا عن المعاصي كلها خارق للإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، المالكية (¬3)، الشافعية (¬4)، الحنابلة (¬5)، الظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأن العدالة محصورة في القليل من الخلق، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عام في جميع الناس (¬7). كما يُستدل بعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكتاب، والسنة، وقد تقدم ذكرها آنفًا (¬8). • المخالفون للإجماع: ذهبت المعتزلة إلى اعتبار العدالة في المحتسب، وقالوا: ليس للفاسق أن يحتسب (¬9). واستدلوا: بالنكير الوارد على من يأمر بما لا يفعله، مثل: قول اللَّه -تعالى-: ¬
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)} (¬1). وقول اللَّه -تعالى-: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} (¬2). وأجيب عن ذلك: بما قاله القرطبي: "هذا استدلال سَاقِطٌ؛ لأن الذم هاهنا إنما وقع على ارتكاب ما نهى عنه لا عن نهيه عن المنكر، ولا شك أن النهي عن المنكر ممن يأتيه أقبح ممن لا يأتيه" (¬3). كما استدلوا بحديث أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يوم الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى في النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ في النَّارِ، فَيَدُورُ كما يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عليه، فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ! ما شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كنْتَ تَأْمُرُنَا بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عن المُنْكَرِ؟ قال: كنت آمُرُكُمْ بِالمَعْرُوفِ ولا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عن المُنْكَرِ وَآتِيهِ" (¬4). وربما استدلوا -أيضًا- من طريق القياس بأن هداية الغير فرع للاهتداء، وكذلك تقويم الغير فرع للاستقامة، والإصلاح زكاة عن نصاب الصلاح، فمن ليس بصالح في نفسه فكيف يصلح غيره؟ ! ومتى يستقيم الظل والعود أعوج؟ ! وأجيب عن ذلك كله: بما قاله الغزالي: "كل ما ذكروه خيالات، وإنما الحق أن للفاسق أن يحتسب، وبرهانه هو: أن نقول: هل يشترط في الاحتساب أن يكون متعاطيه معصومًا عن المعاصي كلها؟ فإن شرط ذلك فهو خرق للإجماع، ثم حسم لباب الاحتساب؛ إذ لا عصمة للصحابة فضلًا عمن دونهم، والأنبياء - عليهم السلام- قد اختُلف في عصمتهم عن الخطايا" (¬5).Rصحة الإجماع، ولا يُعتد بخلاف المبتدعة. ¬
الباب الثالث مسائل الإجماع في تصرفات الإمام في موارد بيت مال المسلمين
الباب الثالث مسائل الإجماع في تصرفات الإمام في موارد بيت مال المسلمين وفيه تمهيد وأربعة فصول التمهيد: ويتضمن التعريف ببيت المال، الخراج، الفيء، الغنيمة، إحياء الموات. الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب الخراج. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في الفيء والغنيمة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في إحياء الموات. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أخذ الإمام للزكاة.
التمهيد موارد ومصارف بيت مال المسلمين
التمهيد موارد ومصارف بيت مال المسلمين المبحث الأول: التعريف بالمال المطلب الأول: المال في اللغة: مأخوذ من مادة (مَوَلَ)، وهو: ما ملكته من جميع الأشياء (¬1). قال ابن الأثير: المالُ في الأصل: ما يُملك من الذهب والفضة، ثم أُطلق على كل ما يُقتنى ويُملك من الأعيان، وأكثر ما يُطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم، ومَالَ الرجل وتمَوَّل: إذا صار ذا مالٍ، وقد موله غيره ويُقال: رجل مال: أي كثير المال، كأنه قد جعل نفسه مالًا، وحقيقته: ذو مال (¬2). ومنه قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا آتاكَ اللَّه مِنْه مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافٍ، فَخُذْهُ وَتَمَوَّلْهُ" (¬3)، أي: اجعله لك مالًا. وقيل: "المال: كل ما يملكه الفرد، أو تملكه الجماعة، من متاع، أو عروض تجارة، أو عقار، أو نقود، أو حيوان، وجمعه أموال. وقد أطلق في الجاهلية على الإبل" (¬4). المطلب الثاني: المال في الاصطلاح: اختلفت تعريفات الفقهاء للمال تبعًا لاختلافهم في مالية المنافع، وعدم ماليتها. فذهب السرخسي من الحنفية إلى أن المال: اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به، ولكن باعتبار صفة التمول والإحراز (¬5). فقصر المال على المتمول والمحرز، إلا أن ثمة أموالًا غير متمولة ولا محرزة. وقال ابن عابدين: "والمال أعم من المتمول؛ لأن المال ما يمكن ادخاره ¬
ولو غير مباح، كالخمر، والمتقوم ما يمكن ادخاره مع الإباحة، فالخمر مال لا متقوم" (¬1). وعرّف المال بقوله: "المال: ما يميل إليه الطبع، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة" (¬2). ولكن طباع الناس تختلف في ميلها وتتناقض، فلا تصلح أن تكون أساسًا ومقياسًا لتمييز المال من غير المال، كما أن من المال أنواعًا لا يمكن ادخارها، كالخضروات والثمار الطازجة، مع أنها أموال في نظر عامة الناس. وقال الزرقا (¬3) -وهو من الحنفية المتأخرين-: "المال عند فقهاء الحنفية يقتصر على الموجودات المادية ذات قيمة مادية بين الناس" (¬4). فقصر المال على الأعيان، وبذلك خرجت المنافع والحقوق المحضة، مما عدوه ملكًا لا مالًا، كما خرجت الأعيان التي لا قيمة لها بين الناس، كحبة القمح والجيفة ونحوها. وجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يرون المنافع أموالًا، وعليه فإن المال عند الجمهور تتسع دائرته لتشمل ما يُعرف في هذا العصر بالحقوق المعنوية، وفيما يلي بعض تعريفات الجمهور للمال: قال ابن عبد البر: "المعروف من كلام العرب أن كل ما تمول وتملك فهو مال" (¬5). ¬
وقال الشاطبي: "أعني بالمال: ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره" (¬1). وقال الشافعي: "لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة يُباع بها، وتكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها وإن قلّت، وما لا يطرحه الناس من أموالهم، مثل الفلس وما أشبه ذلك" (¬2). ويبدو أنه تعريف يراعي أعراف الناس في اعتبارهم للقيمة، وهذا باب واسع يدخل فيه الأعيان والمنافع والحقوق، فكل هذه لها قيمة في نظر الناس. وقال المرداوي وغيره: "هو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة" (¬3). فاعتبر المنفعة أساسًا في تحديد ما يعاوض عليه بين الناس، فما لا منفعة فيه لا يكون فيه ربحٌ ولا كسب. ومن مجمل تعريفات الجمهور السابقة للمال استخلص بعض الباحثين تعريفًا للمال بأنه: "ما كان له قيمة مادية بين الناس، وجاز شرعًا الانتفاع به حال السعة والاختيار" (¬4). وهذا التعريف متين وقوي، إلا ما قد يرد عليه في قوله: "قيمة مادية"، فإنه قد يُفهم منها إرادة الأعيان دون المنافع، ودون الأمور المعنوية، فكان عليه إطلاق القيمة دون تقييدها بالمادية (¬5). ¬
المبحث الثاني التعريف ببيت مال المسلمين
المبحث الثاني التعريف ببيت مال المسلمين المطلب الأول: بيت المال في اللغة: أصل البيت: مأوى الإنسان بالليل؛ لأنه يُقال: بات: أقام بالليل، كما يقال: ظل بالنهار، ثم قد يقال للمسكن: بيت من غير اعتبار الليل فيه، وجمعه: أبيات وبيوت، لكن البيوت بالمسكن أخص، والأبيات بالشعر (¬1). وبيت المال: هو المكان المعد لحفظ المال، خاصًّا كان أو عامًّا. المطلب الثاني: بيت المال في الاصطلاح: أطلق بيت مال المسلمين -في صدر الإسلام- على المبنى والمكان الذي تُجْمع وتُحفظ فيه الأموال العامة للدولة الإسلامية، ثم تطور مصطلح "بيت المال" في العصور الإسلامية اللاحقة، حتى صار يُطلق على الجهة التي تملك المال العام للمسلمين من النقود والعروض والأراضي، وغيرها. قال الماوردى: "كل مال استحقه المسلمون، ولم يتعين مالكه منهم، فهو من حقوق بيت المال، فإذا قُبض صار بالقبض مضافًا إلى حقوق بيت المال، سواء أُدخل إلى حرزه، أو لم يدخل؛ لأن بيت المال عبارة عن الجهة لا عن المكان، وكل حق وجب صرفه في مصالح المسلمين فهو حق على بيت المال، فإذا صرف في جهته صار مضافًا إلى الخراج من بيت المال، سواء خرج من حرزه، أو لم يخرج؛ لأن ما صار إلى عمال المسلمين، أو خرج من أيديهم، فحكم بيت المال جار عليه في دخله إليه وخرجه" (¬2). ولم يكن بيت المال موجودًا في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأول من اتخذ بيت مال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، وذلك بسبب الفتوحات العظيمة التي تمت في عهده، والخيرات التي تدفقت على الدولة الإسلامية. ¬
فقد روى ابن سعد في طبقاته أن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- قَدِم على عمر -رضي اللَّه عنه- من البحرين، قال أبو هريرة: فلقيته في صلاة العشاء الآخرة، فسلمت عليه، فسألني عن الناس، ثم قال لي: ماذا جئت به؟ قلت: جئت بخمسمائة ألف درهم، قال: هل تدري ما تقول؟ ! قلت: جئت بخمسمائة ألف درهم، قال: ماذا تقول؟ قال: قلت مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف، حتى عددت خمسًا، قال: إنك ناعس، فارجع إلى أهلك فنم، فإذا أصبحت فأتني. قال أبو هريرة: فغدوت إليه، فقال: ماذا جئت به؟ قلت: جئت بخمسمائة ألف درهم، قال عمر: أطيب؟ قلت: نعم، لا أعلم إلا ذلك، فقال للناس: إنه قد قدم علينا مال كثير، فإن شئتم أن نعد لكم عددًا، وإن شئتم أن نكيله لكم كيلًا، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون ديوانًا يعطون الناس عليه، قال: فدون الديوان، وفرض للمهاجرين الأولين في خمسة آلاف خمسة آلاف، وللأنصار في أربعة آلاف أربعة آلاف، ولأزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في اثني عشر ألفًا" (¬1). ونشأ من يومها ديوان بيت المال، ثم تطور عبر الأزمان إلى أن أصبح له شخصية اعتبارية، ويُعامل معاملة الشخص الطبيعي من خلال ممثليه، فله ذمة مالية مستقلة، بحيث تثبت له الحقوق وعليه، ومنه ترفع الدعوى وعليه، ويمثله إمام المسلمين، أو من يعهد إليه. ¬
المبحث الثالث موارد ومصارف بيت المال
المبحث الثالث موارد ومصارف بيت المال وفيه مطلبان: المطلب الأول: موارد بيت المال: تنقسم موارد بيت المال في الدولة الإسلامية إلى عدة موارد ومصادر تحت القاعدة الأصولية العامة: "إن الأصل في الأموال التحريم، ما لم يتحقق السبب المبيح" (¬1). وهي القاعدة المستفادة من قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا. . . " (¬2). وموارد بيت المال كثيرة، أجملها الماوردي بقوله: "كل مال استحقه المسلمون، ولم يتعين مالكه منهم، فهو من حقوق بيت المال" (¬3). وفيما يلي تفصيل هذه الموارد: أولًا: الفيء: هو كل مال أُخذ من المشركين عفوًا من غير قتال، ولا إيجاف خيل، ولا ركاب (¬4). ويشمل أنواعًا كثيرة، منها: الجزية، والخراج، والعشور، وغيرها. قال ابن قدامة: "الفيء: وهو ما أخذ من مال مشرك لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، كالذي تركوه فزعًا من المسلمين وهربوا، والجزية، وعشر أموال أهل دار الحرب إذا دخلوا إلينا تجارًا، ونصف عشر تجارات أهل الذمة، وخراج الأرضين، ومال من مات من المشركين ولا وارث له" (¬5). ¬
ثانيا: سهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الغنيمة
ويلحق بالفيء: ما صولح عليه الحربيون من مالٍ يؤدونه إلى المسلمين، ومال المرتد إذا قُتل أو مات، ومال الزنديق إذا قُتل أو مات، فلا يروث مالهما، بل هو فيء -وللأحناف في مال المرتد تفصيل- ومال الذمى إذا مات ولا وارث له، وما فضل عن وارثه، فهو فيء كذلك (¬1). قال القاضي أبو يوسف: "وقد سأل بلال وأصحابه عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قسمة ما أفاء اللَّه عليهم من العراق والشام، وقالوا: اقسم الأرضين بين الذين افتتحوها، كما تقسم غنيمة العسكر. فأبى عمر ذلك عليهم، وتلا عليهم هذه الآيات -آيات الفيء في سورة الحشر- وقَالَ: "قد أشرك اللَّه الذين يأتون من بعدكم في هذا الفيء، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء، ولئن بقيتُ ليبلغن الراعيَ بصنعاء نصيبُه من هذا الفيء ودمه في وجهه" (¬2). فجعل عمر -رضي اللَّه عنه- على هذه الأرض مقدارًا معينًا من المال يُدفع كل عام، وهو ما عرف بالخراج. والأرض الخراجية تنقسم إلى نوعين (¬3): 1 - التي فتحت عنوة، وبقي عليها أهلها دون أن يدخلوا في الإسلام، يفلحونها لحاجة الدولة لخبراتهم، على أن يدفعوا خراجها، وينتفعوا بالباقي مقابل عملهم في الأرض. 2 - التي فتحت صلحًا، واتفق المسلمون مع أهلها على أداء خراجها، مقابل أن تبقى في أيديهم يتوارثونها، طالما يدفعون خراجها، وليس لأحد أن ينزعها منهم. ثانيًا: سهم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- من الغنيمة: وذلك بعد وفاته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو المذكور في ¬
ثالثا: خمس الخارج من الأرض من المعادن
قول اللَّه -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (¬1). ثالثًا: خمس الخارج من الأرض من المعادن: من الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، وغيرها، وقيل: مثلها: المستخرج من البحر من لؤلؤ، وعنبر، وسواهما. قال أبو يوسف: "كل ما أصيب في المعادن، من الذهب، والفضة، والنحاس، والحديد، والرصاص، فإن في ذلك الخمس -في أرض العرب كان أو في أرض العجم- وخمسه الذي يوضع فيه مواضع الصدقات. وفيما يستخرج من البحر من حلية وعنبر، فالخمس يوضع في مواضع الغنائم، عَلَى ما قَالَ اللَّه -عز وجل- في كتابه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (¬2). رابعًا: الهبات والتبرعات والوصايا: التي تقدم لبيت المال للجهاد، أو لغيره من المصالح العامة (¬3). خامسًا: تركات المسلمين: التي لا وارث لها، أو لها وارث لا يُرد (¬4) عليه، وديات القتلى الذين لا أولياء لهم (¬5). ¬
سادسا: الأموال الضائعة التي لم يعرف أصحابها
سادسًا: الأموال الضائعة التي لم يُعرف أصحابها: من لقطة، أو وديعة، أو رهن، وما يوجد مع اللصوص مما لا طالب له، فكل ذلك يورد إلى بيت المال (¬1). قال القرافي: "الأموال المحرمة من الغصوب وغيرها، إذا علمت أربابها رُدت إليهم، وإلا فهي من أموال بيت المال تُصرف في مصارفه الأولى فالأولى من الأبواب والأشخاص، على ما يقتضيه نظر الصارف من الإمام، أو نوابه، أو من حصل ذلك عنده من المسلمين" (¬2). سابعًا: زكاة الأموال الظاهرة: كالسوائم، والزروع، والثمار، من حقوق بيت المال -عند من يرى ذلك- (¬3). المطلب الثاني: مصارف بيت المال: مما سبق يتبين أن موارد بيت المال متنوعة المصادر، وهي كذلك متنوعة المصارف، إلا أن بعضها عُين له جهة لصرفه فيها، ولا يجوز صرفه في غيرها، ولأجل ذلك احتاج العلماء إلى فصل أموال بيت المال بحسب مصارفها؛ لأجل سهولة التصرف فيها. قال أبو يوسف: "لا ينبغي أن يُجمع مال الخراج إِلَى مال الصدقات والعشور؛ لأن الخراج فيء لجميع المسلمين، والصدقات لمن سمى اللَّه -عز وجل- في كتابه. فإذا اجتمعت الصدقات من الإبل والبقر والغنم، جُمع إِلَى ذلك ما يؤخذ من المسلمين من العشور -عشور الأموال- وما يمر به عَلَى العاشر من متاع وغيره؛ لأن موضع ذلك كله موضع الصدقة. فيُقسم ذلك أجمع لمن سمى اللَّه -تبارك وتعالى- في كتابه. . . " (¬4). وقال الزيلعي: "وعلى الإمام أن يجعل لكل نوع من هذه الأنواع بيتًا يخصه، ولا يخلط بعضه ببعض؛ لأن لكل نوع حكمًا يختص به، فإن لم يكن في ¬
أولا
بعضها شيء فللإمام أن يستقرض عليه من النوع الآخر، ويصرفه إلى أهل ذلك، ثم إذا حصل من ذلك النوع شيء رده في المستقرض منه، إلا أن يكون المصروف من الصدقات أو من خمس الغنيمة على أهل الخراج، وهم فقراء، فإنه لا يرد فيه شيئًا؛ لأنهم مستحقون للصدقات بالفقر، وكذا في غيره إذا صرفه إلى المستحق" (¬1). وفيما يلي بيان أنواع مصارف بيت المال (¬2): أولًا: أرزاق الولاة، والقضاة، وموظفو الدولة، والعمال في المصلحة العامة، ومن هؤلاء: أمير المؤمنين أو الخليفة نفسه. ثانيًا: رواتب الجند والعسكر، ولم يكن هناك في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرتبات معينة للجند؛ لأنه لم يكن هناك جيش نظامي بالمعنى المعروف، وكان الجميع يأخذ من أربعة أخماس الغنائم والخراج، ولما ولي أبو بكر -رضي اللَّه عنه- ساوى بين الناس في الأعطيات، فلما جاء عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قسم العطاء مفضلًا الأسبق فالأسبق. فلما كثر الناس عن حاجة الغزو والجهاد، ولدواعي قيام الحضارة العمرانية، اشتغل كثير من الأمة بغير الجهاد من الصنائع، فلجأت الدولة للجيش النظامي، وأصبح هناك دواوين خاصة بالجند ينالون منها الرواتب" الخاصة بهم على رأس كل سنة. ثالثًا: تجهيز الجيوش، وآلات القتال؛ من سلاح وذخائر وخيل، وما يقوم مقامهما. رابعًا: إقامة المشروعات العامة؛ من جسور، وسدود، وتمهيد الطرق، والمباني العامة، ودور الاستراحة، والمساجد. خامسًا: مصروفات المؤسسات الاجتماعية، مثل: المستشفيات، ¬
سادسا
والسجون، وغير ذلك من مرافق الدولة. سادسًا: توزيع الأرزاق على الفقراء، واليتامى، والأرامل، وكل من لا عائلة له، فالدولة تعوله وتكفله. ويبقى بعد هذه الموارد والمصارف كلها أنه قد تُفاجئ الدولة كارثة، أو مجاعة، أو قحط شديد، أو وباء قاتل، وهنا يكون ندب الأغنياء من المسلمين من غير إكراه للصدقة والعطاء؛ لإنقاذ جمهور المسلمين، كما فعل عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- مع المجاعة في عهد أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- عندما تصدق بأموال طائلة لنجدة المسلمين، وكما فعل عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه-أيام عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، وأمثال ذلك كثير عبر التاريخ الإسلامي مما يضمن استمرارية تدفق الأموال على بيت مال المسلمين دون إكراه أو مصادرة أو إجبار.
الفصل الأول مسائل الإجماع في الخراج
الفصل الأول مسائل الإجماع في الخراج [143/ 143] حكم أخذ الخراج • المراد بالمسألة: الخراج عند الفقهاء نوعان (¬1): الأول: خراج المقاسمة، كربع الخارج، وخمسه، ونحوهما. الثاني: الخراج الموظف، وهو الوظيفة المعينة التي توضع على أرض، كما وضع عمر -رضي اللَّه عنه- على سواد العراق. وقد أطلق الفقهاء على الخراج: جزية الأرض، وأجرة الأرض. قال الماوردي: "أرض الخراج ضربان: خراج يكون جزية، وخراج يكون أجرة. فالخراج الذي يكون جزية: هو ما ضربه الأئمة على أرض أهل العهد مع إقرارها على ملكهم، فهذه الأرض إن زرعها أهل العهد وجب عليهم الخراج دون العشر، وإن أسلموا أو انتقلت عنهم إلى مسلم وجب العشر في زرعها وسقط الخراج، فإن استأجرها منهم مسلم وجب الخراج عليهم؛ لبقاء ملكهم عليها، ووجب العشر على المسلم؛ لملكه للزرع. وأما الخراج الذي يكون أجرة -كأرض السواد التي ضرب عمر -رضي اللَّه عنه- عليها خراجًا جعله إما ثمنًا وإما أجرة على اختلاف الناس فيه- فلا يسقط عن رقاب الأرض بإسلام أهلها، فإن زرعها مسلم هي بيده لزمه الحقان: الخراج عن الرقبة، والعشر عن الزرع" (¬2). كما يُطلق عليه -أيضًا-: الطسق (¬3). ¬
وأول من استعمل هذه اللفظة في الإسلام عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، حيث كتب إلى عثمان بن حنيف -رضي اللَّه عنه-في رجلين من أهل الذمة أسلما- كتابًا جاء فيه: "ارفع الجزية عن رؤوسهما، وخذ الطسق عن أرضيهما" (¬1). وبوب أبو عبيد في "كتاب الأموال" بابًا باسم: "أرض العنوة تقر في يد أهلها، ويوضع عليها الطّسق وهو الخراج" (¬2). الأرض الخراجية: هي الأرض التي صولح عليها أهلها، وكذا الأرض التي جلا عنها أهلها خوفًا وفزعًا من المسلمين، والأرض التي فُتحت عنوةً وتركها الإمام في أيدي أهلها يزرعونها وينتفعون بها بخراج معلوم (¬3). وقد أجمع المسلمون على جواز أخذ الخراج على الأرض الخراجية. • من نقل الإجماع: أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "لما انتشرت الرعية، وكثرت المؤن المعنية، تسبب أمير المؤمنين عمر -رضي اللَّه عنه- إلى توظيف الخراج والإرفاق على أراضي العراق، بإطباق واتفاق" (¬4) ابن حزم (456 هـ) قال: "إن الصحابة أجمعوا على أخذ الخراج" (¬5) ابن قدامة (620 هـ) قال: "وقال الأوزاعي: أجمع رأي عمر وأصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا ظهروا على الشام على إقرار أهل القرى في قراهم على ما كان بأيديهم من أرضهم، يعمرونها، ويؤدون خراجها إلى المسلمين" (¬6). نقله شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬7) البهوتي (1051 هـ) ¬
قال: "ضربه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-. . . ولم ينكره أحد من الصحابة مع شهرته، فكان كالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والآثار: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} إلى قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (¬7). • وجه الدلالة: استدل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- بهذه الآيات على وقف أرض السّواد على جميع المسلمين، وقال: "قد أشرك اللَّه الذين يأتون من بعدكم في هذا الفيء، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء، ولئن بقيتُ ليبلغن الراعيَ بصنعاء نصيبُه من هذا الفيء ودمه في وجهه" (¬8). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّام مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من ¬
حَيْثُ بَدَأْتُمْ" (¬1). • وجه الدلالة: هذا الحديث من أعلام النبوة، لإخباره -صلى اللَّه عليه وسلم- بما سيكون من مُلك المسلمين هذه الأقاليم، ووضعهم الجزية والخراج، ثمّ بطلان ذلك. فقد علم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الصحابة -رضوان اللَّه عليهم- سيضعون الخراج على الأرض، ولم يرشدهم إلى خلاف ذلك، بل قرّره وحكاه لهم (¬2). الدليل الثاني: حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- أنه قال: كَيْفَ أَنْتُمْ إذا لم تَجْتَبُوا دِينَارًا ولا دِرْهَمًا؟ فَقِيلَ له: وَكَيْفَ تَرَى ذلك كَائِنًا يا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قال: إِي وَالَّذِي نَفْسُ أبي هُرَيْرَةَ بيده، عن قَوْلِ الصَّادِق المَصْدُوقِ، قالوا: عَمَّ ذَاكَ؟ قال: "تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللَّه، وَذِمَّةُ رَسُولهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَيَشُدُّ اللَّه عز وجل قُلُوبَ أَهْلِ الذّمَّةِ، فَيَمْنَعُونَ ما في أَيْدِيهِمْ" (¬3). • وجه الدلالة: قال العيني: "قوله: (إذا لم تَجْتَبُوا) يعني: إذا لم تأخذوا من الجزية والخراج" (¬4). • المخالفون للإجماع: اختلف الفقهاء في ضرب الخراج على أرض العنوة، وقالوا: إنما هي غنيمة تُخمَّس وتُقسم على الفاتحين، وهو حكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في خيبر، وذلك أنه جعلها غنيمة فخمسها وقسمها، وبهذا الرأي أشار بلال -رضي اللَّه عنه- على عمر -رضي اللَّه عنه- فى بلاد الشام، وأشار الزبير بن العوام -رضي اللَّه عنه- على عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- في أرض مصر، وبهذا كان يأخذ مالك بن أنس (¬5). قال ابن رشد: "واختلفوا فيما افتتح المسلمون من الأرض عنوة. فقال مالك: لا تُقسم الأرض، وتكون وقفا يُصرف خراجها في مصالح ¬
المسلمين؛ من أرزاق المقاتلة، وبناء القناطر والمساجد، وغير ذلك من سبل الخير، إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة، فإن له أن يقسم الأرض. وقال الشافعي: الأرضون المفتتحة تُقسَّم كما تقسم الغنائم، يعني: خمسة أقسام. وقال أبو حنيفة: الإمام مخير بين أن يُقسِّمها على المسلمين، أو يضرب على أهلها الكفارة فيها الخراج، ويقرها بأيديهم. وسبب اختلافهم ما يُظن من التعارض بين آية سورة الأنفال، وآية سورة الحشر؛ وذلك أن آية الأنفال تقتضي بظاهرها أن كل ما غنم يُخمس، وهو قوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} (¬1). وقوله -تعالى- في آية الحشر: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (¬2)، عطفًا على ذكر الذين أوجب لهم الفيء، يمكن أن يفهم منه أن جميع الناس الحاضرين والآتين شركاء في الفيء، كما روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال -في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} -: ما أرى هذه الآية إلا قد عمت الخلق، حتى الراعي بكداء". أو كلامًا هذا معناه؛ ولذلك لم تُقسم الأرض التي افتتحت في أيامه عنوة من أرض العراق ومصر. فمن رأى أن الآيتين متواردتان على معنى واحد، وأن آية الحشر مخصصة لآية الأنفال، استثنى من ذلك الأرض، ومن رأى أن الآيتين ليستا متواردتين على معنى واحد، بل رأى أن آية الأنفال في الغنيمة، وآية الحشر في الفيء، على ما هو الظاهر من ذلك، قال: تُخمَّس الأرض ولا بد، ولا سيما أنه قد ثبت أنه - عليه الصلاة والسلام - قسَّم خيبر بين الغزاة. قالوا: فالواجب أن تقسم الأرض؛ لعموم الكتاب، وفعله - عليه الصلاة والسلام- الذي يجري مجرى البيان للمجمل فضلًا عن العام. وأما أبو حنيفة فإنما ذهب إلى التخيير بين القسمة، وبين أن يُقَر الكفار فيها ¬
على خراج يؤدونه؛ لأنه زعم أنه قد روي أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى خيبر بالشطر، ثم أرسل ابن رواحة -رضي اللَّه عنه- فقاسمهم. قالوا: فظهر من هذا أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن قسم جميعها، ولكنه قسم طائفة من الأرض، وترك طائفة لم يقسمها، قالوا: فبان بهذا أن الإمام بالخيار بين القسمة، والإقرار بأيديهم، وهو الذي فعل عمر -رضي اللَّه عنه-" (¬1). وزعم البعض أن عمر الفاروق -رضي اللَّه عنه- كانا مخالفًا لفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين وقف أرض السّواد على المسلمين ما تناسلوا، وفرض فيها الخراج. وأجيب عن ذلك: بما قاله أبو عبيد: "وكلا الحكمين فيه قدوة ومتبع من الغنيمة والفيء، إلا أن الذي أختاره من ذلك: يكون النظر فيه إلى الإمام، وذلك أن الوجهين جميعًا داخلان فيه. وليس فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- براد لفعل عمر -رضي اللَّه عنه-، ولكنه اتبع آية من كتاب اللَّه -تبارك وتعالى- فعمل بها، واتبع عمر آية أخرى فعمل بها، وهما آيتان محكمتان فيما ينال المسلمون من أموال المشركين، فيصير غنيمة أو فيئًا. قال اللَّه -تبارك وتعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، فهذه آية الغنيمة، وهي لأهلها دون الناس، وبها عمل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقال اللَّه -تعالى-: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ}. . . إلى قول اللَّه -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (¬2)، فهذه آية الفيء، وبها عمل عمر -رضي اللَّه عنه-، وإياها تأول حين ذكر الأموال وأصنافها، فقال: "فاستوعبت هذه الآية الناس". وإلى هذه الآية ذهب علي ومعاذ -رضي اللَّه عنهما - حين أشارا عليه بما أشارا فيما نرى واللَّه أعلم. ¬
[144/ 144] عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أول من أخذ الخراج
وقد قال بعض الناس: إن عمر -رضي اللَّه عنه- إنما فعل برضى من الذين افتتحوا الأرض، واستطابة لأنفسهم. . . " (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [144/ 144] عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أول من أخذ الخراج • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أول من أخذ الخراج. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) قال: "روي عن عمر أنه لم يقسم أرض السواد ومصر والشام وجعلها مادة للمسلمين ولمن يجيء بعده واحتج بالآية ووافقه الصحابة بعد الخلاف" (¬2) الجصاص (370 هـ) قال: "اتفق الجميع من الصحابة على تصويب عمر -رضي اللَّه عنه- فيما فعله في أرض السواد، بعد خلاف من بعضهم عليه على إسقاط حق الغانمين عن رقابها" (¬3) أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "لما انتشرت الرعية، وكثرت المؤن المعنية، تسبب أمير المؤمنين عمر -رضي اللَّه عنه- إلى توظيف الخراج والإرفاق على أراضي العراق، بإطباق واتفاق" (¬4) المرغناني (593 هـ) قال: "إذا فتح الإمام بلدة عنوة -أي: قهرًا- فهو بالخيار: إن شاء قسمه بين المسلمين، كما فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بخيبر، وإن شاء أقر أهله عليها، ووضع عليهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر -رضي اللَّه عنه- بسواد العراق، بموافقة الصحابة رضي اللَّه عنهم، ولم يجد من خالفه" (¬5). نقله فخر الدين الزيلعي (743 هـ) (¬6)، وابن نجيم (970 هـ) (¬7) ابن قدامة (620 هـ) قال: "وقال الأوزاعي: أجمع رأي عمر ¬
وأصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا ظهروا على الشام على إقرار أهل القرى في قراهم على ما كان بأيديهم من أرضهم، يعمرونها، ويؤدون خراجها إلى المسلمين" (¬1). نقله شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2) ابن رجب الحنبلي (795 هـ) قال: "وأما أرض العنوة، فإن عمر -رضي اللَّه عنه- وضع على السواد الخراج، وهذا متفق عليه" (¬3). أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "والخراج: ما ضُرب على أرض افتتحها الإمام، وتركها في يد أهلها على تأديته، كفعل عمر -رضي اللَّه عنه- عن مشاورة سواد الكوفة ومصر والشام وخراسان، فكان إجماعًا" (¬4) البهوتي (1051 هـ) قال: "ضربه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-. . . ولم ينكره أحد من الصحابة مع شهرته، فكان كالإجماع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: يُستدل على ذلك بما يلي: 1 - ما روي أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وضع على أَهْلِ السَّوَادِ على كل جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ المَاءُ عَامِرًا وَغَامِرًا دِرْهَمًا وَقَفِيزًا من طَعَامٍ، وَعَلَى الْبَسَاتِينِ على كل جَرِيبٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ من طَعَامٍ، وَعَلَى الْكُرُومِ على كل جَرِيبِ أَرْضٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أقفزة من طَعَامٍ، وَعَلَى الرِّطَابِ على كل جَرِيبِ ¬
[145/ 145] الإمام مخير في الأرض المفتوحة عنوة
أَرْضٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةَ أَقْفِزَةِ طَعَامٍ، ولم يَضَعْ على النَّخْلِ شيئًا، وَجَعَلَهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، وَعَلَى رُؤُوسِ الرِّجَالِ على الْغَنِيِّ ثُمَّانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْوَسَطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَي عشرة دِرْهَمًا" (¬1). 2 - قال القاضي أبو يوسف: "قد سأل بلال وأصحابه عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قسمة ما أفاء اللَّه عليهم من العراق والشام، وقالوا: اقسم الأرضين بين الذين افتتحوها، كما تقسم غنيمة العسكر. فأبى عمر ذلك عليهم، وتلا عليهم هذه الآيات -آيات الفيء في سورة الحشر- وقَالَ: "قد أشرك اللَّه الذين يأتون من بعدكم في هذا الفيء، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء، ولئن بقيتُ ليبلغن الراعيَ بصنعاء نصيبُه من هذا الفيء ودمه في وجهه" (¬2). فجعل عمر -رضي اللَّه عنه- على هذه الأرض مقدارًا معينًا من المال يُدفع كل عام.Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [145/ 145] الإمام مخير في الأرض المفتوحة عنوة • المراد بالمسألة: اتفقوا على أن الإمام مخير في الأرض المفتوحة عنوة بين تخميسها وتقسيمها على الفاتحين، أو فرض الخراج عليها. • من نقل الإجماع: المرغناني (593 هـ) قال: "إذا فتح الإمام بلدة عنوة-أي: قهرًا- فهو بالخيار: إن شاء قسمه بين المسلمين، كما فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بخيبر، وإن شاء أقر أهله عليها، ووضع عليهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر -رضي اللَّه عنه- بسواد العراق، بموافقة الصحابة رضي اللَّه عنهم، ولم يجد من خالفه" (¬3). نقله فخر الدين الزيلعي (743 هـ) (¬4)، وابن نجيم (975 هـ) (¬5) ابن تيمية (728 هـ) قال: "اتفق المسلمون في الجملة على أن وضع ¬
الخراج على أرض العنوة جائز، إذا لم يكن فيه ظلم للغانمين" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: يُستدل على ذلك بما يلي: 1 - قول اللَّه -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (¬6). • وجه الدلالة: قال أبو عبيد: "فهذه آية الغنيمة، وهي لأهلها دون الناس، وبها عمل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬7). 2 - قول اللَّه -تعالى-: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} إلى قوله -تعالى- {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (¬8). • وجه الدلالة: قال أبو عبيد: "فهذه آية الفيء، وبها عمك عمر -رضي اللَّه عنه-، وإياها تأول حين ذكر الأموال وأصنافها، فقال: "فاستوعبت هذه الآية الناس". وإلى هذه الآية ذهب علي ومعاذ -رضي اللَّه عنهما- حين أشارا عليه بما أشارا فيما ¬
نرى، واللَّه أعلم" (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض العلماء إلى القول بعدم جواز أخذ الخراج على الأرض التي فُتحت عنوة، وقالوا: إنما هي غنيمة تُخمَّس وتُقسم على الفاتحين، وهو حكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في خبير، وذلك أنه جعلها غنيمة فخمسها وقسمها، وبهذا الرأي أشار بلال -رضي اللَّه عنه- على عمر -رضي اللَّه عنه- في بلاد الشام، وأشار الزبير ابن العوام -رضي اللَّه عنه- على عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- في أرض مصر، وبهذا كان يأخذ مالك بن أنس (¬2). قال ابن رشد: "واختلفوا فيما افتتح المسلمون من الأرض عنوة. فقال مالك: لا تُقسم الأرض، وتكون وقفًا يُصرف خراجها في مصالح المسلمين؛ من أرزاق المقاتلة، وبناء القناطر والمساجد، وغير ذلك من سبل الخير، إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة، فإن له أن يقسم الأرض. وقال الشافعي: الأرضون المفتتحة تُقسَّم كما تقسم الغنائم، يعني: خمسة أقسام. وقال أبو حنيفة: الإمام مخير بين أن يُقسّمها على المسلمين، أو يضرب على أهلها الكفارة فيها الخراج، ويقرها بأيديهم. وسبب اختلافهم ما يُظن من التعارض بين آية سورة الأنفال، وآية سورة الحشر؛ وذلك أن آية الأنفال تقتضي بظاهرها أن كل ما غنم يُخمس، وهو قوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} (¬3). وقوله -تعالى- في آية الحشر: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (¬4)، عطفًا على ذكر الذين أوجب لهم الفيء، يمكن أن يفهم منه أن جميع الناس الحاضرين والآتين شركاء في الفيء، كما روي عن عمر ¬
[146/ 146] الخراج يكون على الأرض دون الدور
-رضي اللَّه عنه- أنه قال- في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (¬1) ما أرى هذه الآية إلا قد عمت الخلق، حتى الراعي بكداء". أو كلامًا هذا معناه؛ ولذلك لم تُقسم الأرض التي افتتحت في أيامه عنوة من أرض العراق ومصر. فمن رأى أن الآيتين متواردتان على معنى واحد، وأن آية الحشر مخصصة لآية الأنفال، استثنى من ذلك الأرض، ومن رأى أن الآيتين ليستا متواردتين على معنى واحد، بل رأى أن آية الأنفال في الغنيمة، وآية الحشر في الفيء، على ما هو الظاهر من ذلك، قال: تُخمَّس الأرض ولا بد، ولا سيما أنه قد ثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- قسَّم خيبر بين الغزاة. قالوا: فالواجب أن تقسم الأرض؛ لعموم الكتاب، وفعله -عليه الصلاة والسلام- الذي يجري مجرى البيان للمجمل فضلًا عن العام. وأما أبو حنيفة فإنما ذهب إلى التخيير بين القسمة، وبين أن يُقَر الكفار فيها على خراج يؤدونه؛ لأنه زعم أنه قد روي أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى خيبر بالشطر، ثم أرسل ابن رواحة -رضي اللَّه عنه- فقاسمهم. قالوا: فظهر من هذا أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن قسم جميعها، ولكنه قسم طائفة من الأرض، وترك طائفة لم يقسمها، قالوا: فبان بهذا أن الإمام بالخيار بين القسمة، والإقرار بأيديهم، وهو الذي فعل عمر -رضي اللَّه عنه-" (¬2).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [146/ 146] الخراج يكون على الأرض دون الدور • المراد بالمسألة: اتفقوا على أن الدور المبنية على الأرض الخراجية ليس عليها خراج. • من نقل الإجماع: فخر الدين الزيلعي (743 هـ) قال: "دار الذمي حرة لا يجب فيها شيء؛ لأن عمر جعل المساكن عفوًا، وعليه إجماع الصحابة، ¬
ولأنها لا تُستنمى، ووجوب الخراج باعتباره" (¬1). نقله ابن نجيم (970 هـ) (¬2) وابن عابدين (1252 هـ) (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، المالكية (¬5)، الشافعية (¬6)، الحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: يُستدل على ذلك بما يلي: 1 - ما روي أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وضع على أَهْلِ السَّوَادِ على كل جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ المَاءُ عَامِرًا وَغَامِرًا دِرْهَمًا وَقَفِيزًا من طَعَام، وَعَلَى الْبَسَاتِينِ على كل جَرِيب عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ من طَعَامٍ، وَعَلَى الْكُرُومِ على كل جَرِيبِ أَرْضٍ عَشًرَةَ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أقفزة من طَعَام، وَعَلَى الرّطَاب على كل جَرِيبِ أَرْضٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةَ أَقْفِزَةِ طَعَامٍ، ولم يَضَع على النَّخْلِ شيئًا، وَجَعَلَهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، وَعَلَى رُؤُوسِ الرِّجَالِ على الْغَنِيِّ ثُمَّانِيَة وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْوَسَطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَيْ عشرة دِرْهَمًا" (¬8). 2 - قال أبو عبيد: "إنما جعل الخراج على الأرضين التي تغل من ذوات الحب والثمار، والتي تصلح للغلة من العامر والغامر، وعطل من ذلك المساكن والدور التي هي منازلهم، فلم يجعل عليها فيها شيئًا" (¬9). • المخالفون للإجماع: نُقل عن الإمام مالك، وابن أبي ذئب (¬10) أنهما قالا ¬
[147/ 147] الخراج على ما صالحونا عليه
-في أرض الخراج بنى مسلم أو ذمي فيها بناءً من حوانيت أو غيرها-: "نرى إلزامه الخراج؛ لأن انتفاعه بالبناء كانتفاعه بالزرع" (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [147/ 147] الخراج على ما صالحونا عليه • المراد بالمسألة: اتفقوا على أن أراضي الكفار التي صالحونا على أن تبقى لهم، ولنا عليها الخراج، يثبت فيها الخراج بحسب ما صالحوا عليه. • من نقل الإجماع: فخر الدين الزيلعي (743 هـ) قال: "والسواد، وما فُتح عنوة وأُقر أهلها عليها، أو فُتح صلحًا، خراجية؛ لأن عمر -رضي اللَّه عنه- حين فتح السواد وضع عليهم الخراج بمحضر من الصحابة رضي اللَّه عنهم، ووضع على مصر حين فتحها عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-، وأجمعت الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على وضع الخراج على الشام" (¬2) ابن رجب الحنبلي (795 هـ) قال: "أما أرض الكفار التي صالحونا على أنها لهم، ولنا عليها الخراج، فيثبت الخراج عليها أيضًا، بحسب ما صالحوا عليه، وهذا كله مجمع عليه في الجملة، لا يُعلم فيه خلاف" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، المالكية (¬5)، الشافعية (¬6)، الحنابلة (¬7). ¬
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَعَلَّكُمْ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا، فَتَظْهَرُونَ عليهم، فيَتَّقُونَكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، فَيُصَالِحُونَكُمْ على صُلْحٍ، فلا تُصِيبُوا منهم شيئًا فَوْقَ ذلك، فإنه لَا يَصْلُحُ لَكُمْ" (¬1). • وجه الدلالة: قال أبو عبيد: "في هذا الحديث أن السنة في أرض الصلح أن لا يُزاد على وظيفتها التي صولحوا، وإن قووا على أكثر من ذلك؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فلا تأخذوا منهم فوق ذلك، فإنه لا يحل لكم"، فجعله حتمًا، ولم يستثن قوتهم على أكثر منه، وهو مفسر في فتيا عمر" (¬2). • من خالف الإجماع: ذهب عدد قليل من العلماء إلى القول بأن الخراج لا يكون على الأرض التي صالح عليها أهلها. ونقلوا عن الإمام أحمد أنه قال: "أرض أهل الذمة التي في الصلح ليس عليها خراج، إنما يُنظر إلى ما أخرجت، يؤخذ منهم العشر مرتين" (¬3). قال الخلال (¬4): "والذي عليه العمل في قول أبي عبد اللَّه: أنه ما كان في أيديهم من صلح أو خراج فهم على ما صولحوا عليه، أو جعل على أرضهم من الخراج" (¬5). ¬
[148/ 148] أرض الخراج لمن بيده يتوارثها قرابته إذا صالحونا على أنها لهم
Rصحة الإجماع؛ لشذوذ الخلاف. [148/ 148] أرض الخراج لمن بيده يتوارثها قرابته إذا صالحونا على أنها لهم • المراد بالمسألة: اتفقوا أن الذمي إذا صالح على أن تكون الأرض له والخراج لنا، فإن مات يتوارثها قرابته من أهل دينه. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "واتفقوا أن من صالح من أهل الذمة عن أرضه صلحًا صحيحًا، أنها له ولعقب عقبه" (¬1) ابن القيم (751 هـ) قال: "وقال بعض المتأخرين من أصحابه: لا يجوز نقل الملك فيها؛ لأنها وقف، فلا يجوز بيعها. وهذا ليس بشيء، فإنها تورث بالاتفاق" (¬2) أبو عبد اللَّه المواق (897 هـ) قال: "لا خلاف أن لهم أرضهم ومالهم، يبيعون ويرثون، وتكون لهم إن أسلموا عليها، ومن مات منهم ولا وارث له من أهل دينه، فأرضه وماله للمسلمين" (¬3) الحطاب الرعيني (954 هـ) قال: "ولا خلاف أنها تكون لهم، وإن أسلموا عليها، وأنهم يرثونها بمنزلة سائر أموالهم، وقرابتهم من أهل دينهم، أو المسلمين إن لم يكن لهم قرابة" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَعَلَّكُمْ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا، فَتَظْهَرُونَ عليهم، فَيَتَّقُونَكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، فَيُصَالِحُونَكُمْ على ¬
[149/ 149] خراج الأرض الخراجية يكون على المالك
صُلْحٍ، فلا تُصِيبُوا منهم شيئًا فَوْقَ ذلك، فإنه لَا يَصْلُحُ لَكُمْ" (¬1). • وجه الدلالة: قال أبو عبيد: "في هذا الحديث أن السنة في أرض الصلح أن لا يُزاد على وظيفتها التي صولحوا" (¬2). فإن صالحونا على أن الأرض لهم والخراج لنا، فليس لنا أن ننزع الأرض من أيديهم. • من خالف الإجماع: ذهب البعض من أصحاب الإمام أحمد إلى القول بأن الأراضي الخراجية لا يجوز نقل الملك فيها؛ لأنها وقف (¬3). وأجيب عن ذلك بما قاله ابن القيم: "وهذا ليس بشيء، فإنها تورث بالاتفاق، والوقف لا يورث، وتُجعل صداقًا بالنص، والوقف لا يجوز فيه ذلك. ومنشأ الشبهة: أنهم ظنوا أن وقفها بمنزلة سائر الأوقاف التي تجري مجرى إعتاق العبد وتحريره للَّه، وهذا غلط، بل معنى وقفها: تركها على حالها، لم يقسمها بين الغانمين، لا أنه أنشأ تحبيسها وتسبيلها على المسلمين" (¬4). وقال -أيضًا-: "وحق المسلمين في الخراج لا يسقط بنقل الملك، فإنها تكون عند المشتري كما كانت عند البائع، كما تكون عند الوارث كما كانت عند مورثه، ولهذا جاز بيع المكاتب، ولم يكن بيعه مسقطًا لسبب حريته بالأداء، فإنه لا ينتقل إلى المشتري كما كان عند البائع" (¬5).Rصحة الإجماع؛ لشذوذ الخلاف. [149/ 149] خراج الأرض الخراجية يكون على المالك • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أن خراج الأرض الخراجية يكون على المالك. ¬
• من نقل الإجماع: أبو القاسم الرافعي (¬1) (623 هـ) قال: "خراج الأرض الخراجية على المالك. . . بلا خلاف" (¬2) الكاساني (587 هـ) قال: "لو كانت الأرض خراجية في الوجوه كلها فخراجها على رب الأرض بالإجماع" (¬3). نقله ابن نجيم (970 هـ) (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: ويُستدل على ذلك بالقياس على الوقف والمساقاة، حيث يكون الأجر على صاحب الوقف وليس على من يزرع فيها، وكذلك في المساقاة، وعليه فإن الخراج وأجرة الأرض الخراجية يكون على المالك وليس على المزارع. كما يُستدل بأن هذه الأرض تكون في رقبة صاحبها، وكذلك كل ما على هذه الأرض من دين أو خراج ونحو ذلك، فإنه يكون على صاحب الأرض (¬9). • المخالفون للإجماع: ذهب البعض إلى القول بأن الخراج في الأرض ¬
[150/ 150] يضرب الخراج على الأرض البيضاء القابلة للزرع
الخراجية يكون على العامل أو المزارع، وليس على أصحاب الأرض الخراجية، وقالوا: هو كالعشر (¬1). وقد حُكي هذا القول عن بعض الحنابلة، ولكنه -كما قال المرداوي- من مفردات المذهب (¬2).Rصحة الإجماع؛ لشذوذ الخلاف. [150/ 150] يضرب الخراج على الأرض البيضاء القابلة للزرع • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أن الأرض البيضاء القابلة للزرع هي التي ضُرِب عليها الخراج. • من نقل الإجماع: ابن رجب الحنبلي (795 هـ) قال: "الأرض البيضاء القابلة للزرع -وهي التي بها ما يسقيها- فهذه ضرب عمر -رضي اللَّه عنه- عليها الخراج، ووافقه الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على ذلك، ولم يُعلم عن أحد إنكاره" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أحد عماله: "آمرك أن تطرز أرضهم -يعني: أهل الكوفة- ولا تحمل خرابًا على عامر، ولا عامرًا على خراب، وانظر الخراب فخذ منه ما أطاق، وأصلحه حتى يعمر، ولا تأخذ من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض. . . " (¬8). ¬
كما يُستدل -أيضًا- بالقياس على النماء في مال الزكاة. قال الميرغناني: "وإن غلب على أرض الخراج الماء، أو انقطع الماء عنها، أو اصطلم الزرع آفة، فلا خراج عليه؛ لأنه فات التمكن من الزراعة، وهو النماء التقديري المعتبر في الخراج، وفيما إذا اصطلم الزرع آفة فات النماء بالتقديري في بعض الحول، وكونه ناميًا في جميع الحول شرط كما في مال الزكاة" (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب قليل من العلماء إلى القول بأن الخراج لا يسقط عن الأرض بأي حال من الأحوال، حتى وإن لم يحدث انتفاع لصاحب الأرض منها (¬2). واستدلوا بالقياس على أن الأرض التي تؤجر وتصيبها آفة، فلا يسقط عنها الأجر، وكذلك أرض الخراج إذا ما أصابها آفة أو غرقت بالماء أو انقطع عنها الماء، فلا يسقط عنها الخراج، وقالوا: "فإن قيل: إذا استأجر أرضًا للزراعة، فاصطلم الزرع آفة لم تسقط الأجرة، فما الفرق بينه وبين الخراج؟ ! (¬3). وأجيب عن ذلك: بأن هذا القياس لا يصح؛ لسببين: أولهما: أن الأجر يكون إلى وقت إصابة الأرض بالآفة ولا يكون مستمرا بعدها. والثاني: أن الخراج إنما يكون على الأرض الصالحة للزراعة، أما الأرض التي لا تصلح للزراعة فلا خراج عليها، وهذا ما دلت عليه الأدلة التي استدل بها الإجماع، وما جاء عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- من أنه إنما ضرب الخراج على الأرض التي تصلح للزراعة (¬4).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود المخالف. ¬
[151/ 151] في كل جريب من الأرض البيضاء قفيز مما يزرع ودرهم
[151/ 151] في كل جريب من الأرض البيضاء قفيز مما يزرع ودرهم • المراد بالمسألة: الجريب لغة: المزرعة، والجربة: كل أرض أصلحت لزرع أو غرس، والجمع جرب، وقيل: الجريب الوادي، وجمعه أجربة، والجريب -أيضًا-: مكيال، وهو أربعة أقفزة (¬1). الجريب اصطلاحًا: مساحة مربعة من الأرض، بين كل جانبين منها ستون ذراعًا هاشميًا، فتكون مساحته: ثلاثة آلاف وستمائة ذراع (¬2). القفيز لغة: مكيال، وهو -أيضًا- مقدار من مساحة الأرض (¬3). القفيز اصطلاحًا: مكيال قدره: ثمانية أرطال بالمكي، ويكون ستة عشر رطلًا بالعراقي (¬4). وقيل: القفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف (¬5). فيكون القفيز: اثني عشر صاعًا (¬6). والقفيز من الأرض عشر الجريب (¬7). وقال الماوردي: "الجريب: عشر قصبات في عشر قصبات، والقفيز: عشر قصبات في قصبة، والعشير: قصبة في قصبة، والقصبة: ستة أذرع، فيكون الجريب: ثلاثة آلاف وستمائة ذراع مكسرة (¬8)، والقفيز: ثلاثمائة وستون ذراعًا مكسرة، وهو عشر الجريب" (¬9). وقد أجمع العلماء على أن مقدار الخراج في كل جريب من الأرض البيضاء التي تصلح للزراعة: قفيز مما يزرع فيها ودرهم. ¬
• من نقل الإجماع: علاء الدين السمرقندي (¬1) (539 هـ) قال: "الخراج نوعان: خراج وظيفة، وخراج مقاسمة، أما الأول: فعلى مراتب، ثبت ذلك بتوظيف عمر -رضي اللَّه عنه- بإجماع الصحابة: في كل جريب أرض بيضاء تصلح للزراعة قفيز مما يزرع فيها، ودرهم" (¬2) الكاساني (587 هـ) قال: "الخراج نوعان: خراج وظيفة، وخراج مقاسمة، أما خراج الوظيفة: فما وظفه عمر -رضي اللَّه عنه-، ففي كل جريب أرض بيضاء تصلح للزراعة قفيز مما يُزرع فيها، ودرهم. . . هكذا وظفه عمر بمحضر من الصحابة، ولم ينكر عليه أحد، ومثله يكون إجماعًا" (¬3) فخر الدين الزيلعي (743 هـ) قال: "وخراج جريب صلُح للزرع: صاع ودرهم، وفي جريب الكرم والنخل المتصل: عشرة دراهم؛ لأنه المنقول عن عمر -رضي اللَّه عنه-. . . بمحضر من الصحابة من غير نكير، فكان إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: يُستدل على ذلك بالسنة والآثار: • أولًا: السنة: حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنَعَتِ الْعِرَاقُ ¬
[152/ 152] جواز إنقاص الخراج عند قلة الريع
دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ" (¬1). • ثانيًا: الآثار: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- جَعَلَ على أَهْلِ السَّوَادِ على كل جَرِيبٍ قَفِيزًا وَدِرْهَمًا (¬2). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض العلماء إلى القول بأن المرجع في الخراج إلى اجتهاد الإمام (¬3). قال ابن قدامة: "يعتبر الخراج بما تحمله الأرض من القليل والكثير، والمرجع فيه إلى اجتهاد الإمام في إحدى الروايات، وهي اختيار الخلال وعامة شيوخنا؛ لأنها أجرة، فلم تتقدر بمقدار لا يختلف كأجرة المساكن. والثانية: يرجع فيه إلى ما فرض عمر -رضي اللَّه عنه-، لا تجوز الزيادة عليه ولا النقصان منه؛ لأن اجتهاد عمر أولى من قول غيره. والثالثة: تجوز الزيادة عليه، ولا يجوز النقصان" (¬4). واستدلوا: بما روي أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وضع على الْجَرِيبِ من الْكَرْمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثُمَّانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَيْنِ" (¬5).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [152/ 152] جواز إنقاص الخراج عند قلة الريع • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أن الأرض إذا كانت لا تطيق قدر الخراج جاز الإنقاص، وأخذ قدر ما تطيق الأرض. • من نقل الإجماع: المرغناني (593 هـ) قال: "النقصان عند قلة الريع جائز ¬
بالإجماع" (¬1) الكاساني (587 هـ) قال: "إن أخرجت أرض الخراج قدر الخراج لا غير يُؤخذ منها نصف الخراج، وإن أخرجت مثلي الخراج فصاعدًا يُؤخذ جميع الخراج الموظف عليها، وإن كانت لا تطيق قدر خراجها الموضوع عليها ينقص وُيؤخذ منها قدر ما تطيق، بلا خلاف" (¬2) شهاب الدين الشلبي (¬3) (1021 هـ) قال: "قال الأتقاني (¬4) (758 هـ) في شرح الطحاوي: أجمعوا على أنها إذا كانت لا تطيق قدر خراجها الموضوع نقص، وأخذ منها قدر ما تطيق، وذلك لأن المعتبر هو الطاقة" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - أن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- وَقَفَ على حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ، وَعُثْمَانَ بن ¬
حُنَيْفٍ، قال: كَيْفَ فَعَلْتُمَا، أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قد حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ ما لَا تُطِيقُ؛ قالا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ له مُطِيقَةٌ، ما فيها كَبِيرُ فَضلٍ، قال: انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ ما لَا تُطِيقُ، قالا: لَا (¬1). • وجه الدلالة: قال الجصاص: "وهذا يدل على أن الاعتبار بمقدار الطاقة" (¬2). وقال المرغناني: "وهذا يدل على جواز النقصان" (¬3). 2 - أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أحد عماله: "آمرك أن تطرز أرضهم -يعني: أهل الكوفة- ولا تحمل خرابًا على عامر، ولا عامرًا على خراب، وانظر الخراب فخذ منه ما أطاق، وأصلحه حتى يعمر، ولا تأخذ من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض. . . " (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض العلماء إلى القول بأنه لا يجوز للإمام النقص على القدر الذي فرض على الأرض وكذلك لا يجوز الزيادة عليه. ونُسب إلى الإمام أحمد أنه قال: "ليس للإمام أن يغيرها على ما أقرها عليه عمر -رضي اللَّه عنه- ". وقال ابن رجب الحنبلي: "ووجه ذلك أن هذا ضربه عمر -رضي اللَّه عنه - بمحضر من الصحابة رضي اللَّه عنهم، وعمل به الخلفاء الراشدون -رضي اللَّه عنهم- بعده، فيصير إجماعًا لا يجوز نقضه ولا تغييره" (¬5). ووجه قول مالك في المدونة هو أن يجتهد الإمام في ذلك ومن حضره إن لم يجد علما يشفيه -أي إن لم يثبت عنده مقدار ما وضع عمر رضي اللَّه عنه- عليها من الخراج، لأنه إنما توقف في مقدار ذلك (¬6). ¬
[153/ 153] لا يزاد على قدر الخراج ولو كانت الأرض تطيق ذلك
بينما رأي الشافعي هو جواز الزيادة دون النقصان (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [153/ 153] لا يزاد على قدر الخراج ولو كانت الأرض تطيق ذلك • المراد بالمسألة: لا يجوز للإمام الزيادة على قدر الخراج الذي وظفه عمر -رضي اللَّه عنه- في سواد العراق، ولو كانت الأرض تطيق ذلك. • من نقل الإجماع: ابن الهمام (681 هـ) قال: "وأجمعوا أنه لا تجوز الزيادة على وظيفة عمر -رضي اللَّه عنه- في الأراضي التي وظف فيها عمر -رضي اللَّه عنه-، أو إمام آخر مثل وظيفة عمر" (¬2) ابن رجب الحنبلي (795 هـ) قال: "ضربه عمر -رضي اللَّه عنه- بمحضر من الصحابة رضي اللَّه عنهم، وعمل به الخلفاء الراشدون رضي اللَّه عنهم بعده، فيصير إجماعًا لا يجوز نقضه ولا تغييره" (¬3) فخر الدين الزيلعي (743 هـ) قال: "لا يجوز الزيادة على ما وظفه عمر -رضي اللَّه عنه- في سواد العراق؛ لأنه خلاف إجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم أجمعين" (¬4) الخيربيتي (¬5) (بعد 843 هـ) قال: "لا يجوز الزيادة على وظيفة عمر -رضي اللَّه عنه-، وعلى ما وظفه إمام آخر في أرض مثل ما وظفه عمر -رضي اللَّه عنه-؛ لِمَا فيه من مخالفة إجماع الصحابة" (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- وَقَفَ على حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ، وَعُثْمَانَ بن حُنَيْفٍ، قال: كَيْفَ فَعَلْتُمَا، أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قد حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ ما لَا تُطِيقُ؟ قالا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ له مُطِيقَةٌ، ما فيها كَبِيرُ فَضْل، قال: انْظُرَا أَنْ يمُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ ما لَا تُطِيقُ، قالا: لَا (¬3). • وجه الدلالة: يدل على جواز النقص عند عدم الإطاقة، وعلى عدم جواز الزيادة (¬4). • المخالفون للإجماع: ذكر بعض العلماء وجود خلاف في أصل المسألة، حكي عن عدد من الأئمة. قال ابن هبيرة: "قال أبو يوسف: لا يجوز للإمام النقصان ولا الزيادة مع الاحتمال. وقال محمد: يجوز للإمام الزيادة والنقصان مع الاحتمال. فأما الزيادة مع عدم الاحتمال، فلا يجوز إجماعًا منهما، والنقصان مع أن الأرض تحمل الوظيفة لا يجوز عندهما جميعًا. فأما الزيادة مع الاحتمال للوظيفة فهي مسألة الخلاف بينهما. وعن الشافعي: أنه يجوز للإمام الزيادة، ولا يجوز له النقصان. فأما أحمد فعنه ثلاث روايات: إحداهن: أنه يجوز للإمام الزيادة على ما ذكرنا إذا احتملت الأرض، والنقصان منه إذا لم تحتمل الأرض. والثانية: يجوز له الزيادة مع الاحتمال، ولا يجوز له النقصان. والثالثة: لا يجوز الزيادة ولا النقصان. ¬
[154/ 154] إن غلب الماء على أرض الخراج أو انقطع عنها سقط الخراج عنها
وأما مالك فهو على أصله من رد ذلك إلى اجتهاد الأئمة على قدر ما تحتمله الأرض، مستعينًا فيه بأهل الخبرة" (¬1). وقال الزيلعي: "وما وظفه إمام آخر في أرض فتحها هو كتوظيف عمر -رضي اللَّه عنه- في العراق؛ لأنه باجتهاد، فلا يُنقض باجتهاد مثله، ولو أراد أن يُوظف ابتداءً على أرض بقدر طاقتها زيادة على ما وظفه عمر، جاز عند محمد؛ لأنه إنشاء حكم باجتهاد، وليس غيه نقض حكم، وعند أبي يوسف لا يجوز، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه اللَّه" (¬2). وأجيب: بأن خراج التوظيف مقدر شرعًا، واتباع الصحابة -رضي اللَّه عنهم أجمعين- فيه واجب؛ لأن المقادير لا تُعرف إلا توقيفًا، والتقدير يمنع الزيادة؛ لأن النقصان يجوز إجماعًا، فتعين من الزيادة؛ لئلا يخلو التقدير عن فائدة.Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [154/ 154] إن غلب الماء على أرض الخراج أو انقطع عنها سقط الخراج عنها • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على سقوط الخراج عن الأرض التي يغلب فيها الماء أو ينقطع عنها. • من نقل الإجماع: البابرتي (¬3) (786 هـ) قال: "وإن غلب على أرض الخراج الماء، أو انقطع عنها، فلا خراج عليها بالاتفاق" (¬4). • الموافقون على الإجماع؛ الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أحد عماله: "آمرك أن تطرز أرضهم -يعني: أهل الكوفة- ولا تحمل خرابًا على عامر، ولا عامرًا على خراب، وانظر الخراب فخذ منه ما أطاق، وأصلحه حتى يعمر، ولا تأخذ من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض. . . " (¬2). كما يُستدل -أيضًا- بالقياس على النماء في مال الزكاة. قال الميرغيناني: "وإن غلب على أرض الخراج الماء، أو انقطع الماء عنها، أو اصطلم الزرع آفة، فلا خراج عليه؛ لأنه فات التمكن من الزراعة، وهو النماء التقديري المعتبر في الخراج، وفيما إذا اصطلم الزرع آفة فات النماء بالتقديري في بعض الحول، وكونه ناميًا في جميع الحول شرط كما في مال الزكاة" (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب قليل من العلماء إلى القول بأن الخراج لا يسقط عن الأرض بأي حال من الأحوال، حتى وإن لم يحدث انتفاع لصاحب الأرض منها (¬4). واستدلوا بالقياس على أن الأرض التي تؤجر وتصيبها آفة، فلا يسقط عنها الأجر، وكذلك أرض الخراج إذا ما أصابها آفة أو غرقت بالماء أو انقطع عنها الماء، فلا يسقط عنها الخراج، وقالوا: "فإن قيل: إذا استأجر أرضا للزراعة، فاصطلم الزرع آفة لم تسقط الأجرة، فما الفرق بينه وبين الخراج؟ ! (¬5). وأجيب عن ذلك: بأن هذا القياس لا يصح؛ لسببين: أولهما: أن الأجر يكون إلى وقت إصابة الأرض بالآفة ولا يكون مستمرا بعدها. ¬
[155/ 155] لا يسقط الخراج بإسلام أهل العنوة
والثاني: أن الخراج إنما يكون على الأرض الصالحة للزراعة، أما الأرض التي لا تصلح للزراعة فلا خراج عليها، وهذا ما دلت عليه الأدلة التي استدل بها الإجماع، وما جاء عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- من أنه إنما ضرب الخراج على الأرض التي تصلح للزراعة (¬1).Rعدم صحة الإجماع، لوجود المخالف. [155/ 155] لا يسقط الخراج بإسلام أهل العنوة • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أنه إذا أسلم الرجل من أهل العنوة وبيده أرض خراجية، فلا يسقط الخراج عنها. • من نقل الإجماع: أبو بكر البلاذري (¬2) (بعد 270 هـ) قال: "قال مالك بن أنس، وابن أبي ذئب: إذا أسلم كافر من أهل العنوة أقرت أرضه في يده، يعمرها ويؤدي الخراج عنها، ولا اختلاف في ذلك" (¬3) قدامة بن جعفر (¬4) (337 هـ) قال: "إذا أسلم الرجل من أهل العنوة أقرت أرضه في يده يعمرها، ويؤدي الخراج عنها، ولا اختلاف في ذلك" (¬5) المهلب (435 هـ) قال: "اتفق العلماء على أن من أسلم من أهل الصلح فهو أحق بأرضه، ومن أسلم من أهل ¬
العنوة فأرضه فيء للمسلمين". نقله ابن حجر (852 هـ) (¬1) والعيني (855 هـ) (¬2)، والزرقاني (1122 هـ) (¬3) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "قال مالك: أما أهل الصلح فإن من أسلم منهم فهو أحق بأرضه وماله، وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة فمن أسلم منهم فإن أرضه وماله للمسلمين؛ لأن أهل العنوة قد غلبوا على بلادهم، وصارت فيئًا للمسلمين. . . وما ذكره مالك -رحمه اللَّه- في هذا الباب عليه جماعة العلماء" (¬4) ابن رجب الحنبلي (795 هـ) قال: "وقد أقر عمر وعلي وغيرهما من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- الدهاقين بعد إسلامهم على أرضهم بخراجها، ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - ما روي أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- فقال: إني قد أسلمت، فضع عن أرضي الخراج. فقال: "لا، إن أرضك أخذت عنوة" (¬11). ¬
[156/ 156] يجتمع العشر والخراج على أرض العنوة إذا أسلم صاحبها وبلغت غلتها النصاب
2 - ما روي أن دهقانة من أهل نهر الملك أسلمت، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: "ادفعوا إليها أرضها، تؤدي عنها الخراج" (¬1). 3 - ما روي أن دهقانًا أسلم، فقام إلى علي -رضي اللَّه عنه-، فقال له علي -رضي اللَّه عنه-: "أما أنت فلا جزية عليك، وأما أرضك فلنا" (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن القيم: "وهذا يدل على أن الإسلام لا يُسقط الخراج المضروب على الأرض، فإن شاء المسلم أن يقيم بها أقام بها، وإن شاء نزل عنها فسلمها إلى ذمي بالخراج، فإذا كانت الأرض خراجية ثم أسلم أقرت في يده بالخراج، وهو إجارة حكمها حكم سائر الإجارات" (¬3).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [156/ 156] يجتمع العشر والخراج على أرض العنوة إذا أسلم صاحبها وبلغت غلتها النصاب • المراد بالمسألة: ما فُتح عنوة، ووقف على المسلمين، وضُرِب عليه خراج معلوم، فإنه يُؤدى الخراج من غلته، ويُنظر في باقيها: فإن كان نصابًا ففيه الزكاة إذا كان لمسلم. وإن لم يبلغ نصابًا، أو بلغ نصابًا ولم يكن لمسلم، فلا زكاة فيه؛ فإن الزكاة لا تجب على غير المسلمين (¬4). فيجتمع العشر مع الخراج في حق من أسلم وبيده أرض خراجية، وقد أجمع المسلمون على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو عبيد القاسم بن سلام (244 هـ) قال: "ولا نعلم أحدًا من الصحابة قال: لا يجتمع عليه العشر والخراج" (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة والآثار: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (¬5). • وجه الدلالة: قال البغوي: "قيل: هذا أمر بإخراج العشور من الثمار والحبوب. واتفق أهل العلم على إيجاب العشر في النخيل والكروم، وفيما يقتات من الحبوب، إن كان مسقيًّا بماء السماء، أو من نهر يجري الماء إليه من غير مؤنة، وإن كان مسقيًّا بساقية أو بنضح ففيه نصف العشر" (¬6). • ثانيًا: السنة: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أو كان عَثَرِيًّا (¬7) الْعُشْرُ، وما سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ" (¬8). • وجه الدلالة: الحديث واضح الدلالة في وجوب العشر على ما يخرج في أراضي المسلمين (¬9). ¬
قال ابن قدامة -في اجتماع الخراج مع العشر-: "هما حقان يجبان لمستحقين يجوز وجوب كل واحد منهما على المسلم، فجاز اجتماعهما، كالكفارة والقيمة في الصيد الحرمي المملوك" (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف الحنفية جمهور العلماء وذهبوا إلى عدم اجتماع الخراج والعشر على المسلم. • واستدلوا بما يلي: 1 - أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- لما فتح السواد وضع على الأرض الخراج، ولم يأخذ العشر من الخارج، وذلك بمشاورة الصحابة وبموافقتهم إياه عليه، فصار ذلك إجماعًا من السلف، وعليه مضى الخلف، ولو جاز اجتماعهما لجمعهما عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- (¬2). ونوقش: بأنه ليس في أرض أهل الذمة صدقة، إنما قال اللَّه -تعالى-: {صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬3)، فأي طهرة للمشركين؟ ! (¬4) قال ابن حزم: "وهذا تمويه بارد؛ لأن عمر -رضي اللَّه عنه- إنما ضرب الخراج على أهل الكفر، ولا زكاة تؤخذ منهم، فإن ادعى أن عمر لم يأخذ الزكاة ممن أسلم من أصحاب أرض الخراج فقد كذب جدًّا، ولا يجد هذا أبدًا، ومن ادعى أن عمر أسقط الزكاة عنهم كمن ادعى أنه أسقط الصلاة عنهم، ولا فرق" (¬5). 2 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-قال: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أو كان عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وما سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ" (¬6). قال الجصاص: "وذلك إخبار بجميع الواجب في كل واحد منهما، فلو وجب الخراج معه لكان ذلك بعض الواجب؛ لأن الخراج قد يكون الثلث أو ¬
الربع، وقد يكون قفيزًا ودرهمًا، وأيضًا فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قدَّر العشر إلى النصف؛ لأجل المؤنة التي لزمت صاحبها، فلو لزم الخراج في الأرض لزم سقوط نصف العشر الباقي؛ للزوم مؤنة الخراج، ولكان يجب أن يختلف حكم ما تغلظ فيه المؤنة، وما تخلف فيه، كما خالف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين ما سقته السماء وبين ما سقي بالناضح لأجل المؤنة" (¬1). 3 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ" (¬2). قال الجصاص: "ومعناه: ستمنع، ولو كان العشر واجبًا لاستحال أن يكون الخراج ممنوعًا منه والعشر غير ممنوع؛ لأن من منع الخراج كان للعشر أمنع، وفي تركه ذكر العشر دلالة على أن لا عشر في أرض الخراج" (¬3). ونوقش: بما قاله ابن حزم: "مثل هذا ليس لإيراده وجه، إلا ليحمد اللَّه -تعالى- من سمعه على خلاصه من عظيم ما ابتلوا به من المجاهرة بالباطل ومعارضة الحق بأغث ما يكون من الكلام، وليت شعري في أي معقول وجدوا أن كل شريعة لم تُذكر في هذا الحديث فهي ساقطة؟ ! وهل يقول هذا من له نصيب من التمييز؟ وهل بين من أسقط الزكاة لأنها لم تُذكر في هذا الخبر فرف وبين من أسقط الصلاة والحج؛ لأنهما لم يُذكرا في هذا الخبر؟ ! وحتى لو صح لهم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قصد بهذا الخبر ذكر ما يجب في هذه الأرضين، ومعاذ اللَّه من أن يصح هذا، فهو الكذب البحت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لِمَا في ذلك إسقاط سائر حقوق اللَّه -تعالى- عن أهلها، وليس في الدنيا حديث انتظم ذكر جميع الشرائع أولها عن آخرها، نعم ولا سورة أيضًا، وإنما قصد -عليه السلام- في هذا الحديث الإنذار بخلاء أيدي المفتتحين لهذه البلاد ¬
[157/ 157] لا يجوز بقاء الأرض المملوكة بلا عشر ولا خراج
من أخذ طعامها ودراهمها ودنانيرها فقط، وقد ظهر ما أنذر به عليه السلام، ومن الباطل الممتنع أن يريد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما زعموا، لأنه لو كان كذلك، وكان أرباب أراضي الشام ومصر والعراق مسلمين، فمن هم المخاطبون بأنهم يعودون كما بدؤوا؟ ! " (¬1). وقال أيضًا: أرأيت إن قال قائل: إن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فيما سقت السماء العشر) دليل على أن لا خراج على شيء من الأرض، لأنه لو كان فيها خراج لذكره في هذا الحديث. فإن قال: قد ذكر الخراج في الحديث الذي قدمنا آنفًا، قيل له: وقد ذكر العشر ونصف العشر في الحديث الذي ذكر آنفًا (¬2). 4 - كما استدلوا بأن العشر والخراج حقان للَّه تعالى، لم يجز اجتماعهما في مال واحد (¬3). ونوقش: بما قاله ابن حزم: "بل تجتمع حقوق للَّه -تعالى- في مال واحد، ولو أنها ألف حق، وما ندري من أين وقع لهم أنه لا يجتمع حقان في مال واحد، وهم يوجبون الخمس في معادن الذهب والفضة والزكاة أيضا. . . ويوجبون أيضًا الخراج في أرض المعدن إن كانت أرض خراج. . . " (¬4).Rعدم صحة الإجماع، لوجود الخلاف. [157/ 157] لا يجوز بقاء الأرض المملوكة بلا عشر ولا خراج • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على تقسيم الأرض إلى خراجية أو عشرية، فلا يجوز خلو الأرض المملوكة من العشر أو الخراج. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) قال: "إذا تركت الأرض المملوكة بلا عشر ولا خراج كان هذا مخالفًا لإجماع المسلمين، ومن أفتى بخلو هذه الأرض عن العشر والخراج يُستتاب، فإن تاب وإلا قتل" (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بما يلي: • أولًا: أدلة وجوب الخراج على الأرض الخراجية، وقد تقدم ذكرها آنفًا (¬5). • ثانيًا: أدلة وجوب العشور على أراضي المسلمين: 1 - قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (¬6). • وجه الدلالة: قال البغوي: "قيل: هذا أمر بإخراج العشور من الثمار والحبوب. واتفق أهل العلم على إيجاب العشر في النخيل والكروم، وفيما يقتات من الحبوب، إن كان مسقيًّا بماء السماء، أو من نهر يجري الماء إليه من غير مؤنة، وإن كان مسقيًّا بساقية أو بنضح ففيه نصف العشر" (¬7). 2 - حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أو كان عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وما سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ" (¬8). • وجه الدلالة: الحديث واضح الدلالة في وجوب العشر على ما يخرج في أراضي المسلمين (¬9).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
[158/ 158] لا خراج على أراضي المسلمين المملوكة لهم قبل أن تفتح
[158/ 158] لا خراج على أراضي المسلمين المملوكة لهم قبل أن تفتح • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أنه لا خراج على المسلم في خالص ملكه الذي لا حق لأحد فيه، ومن ذلك: الأراضي التي أسلم أهلها عليها قبل فتحها، وكذلك الأراضي التي ملكها بعض المسلمين من الكفار ابتداءً، كتلك التي قسمها الإمام بين الغانمين. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: "أجمعوا على أن كل أرض أسلم عليها أهلها قبل أن يقهروا أن أموالهم لهم، وأحكامهم أحكام المسلمين" (¬1)، نقله ابن قدامة (620 هـ) (¬2) ابن رجب الحنبلي (795 هـ) قال: "ما أحياها المسلمون من غير أرض العنوة، أو ما أسلم أهلها عليها ولم يكن ضرب عليهم خراج قبل الإسلام، فهذه لا خراج عليها. وكذلك ما ملكها بعض المسلمين من الكفار ابتداءً؛ كأرض قاتلوا عليها الكفار وقسمها الإمام بين الغانمين، فكل هذه من أراضي المسلمين مملوكة لمن هي في يده، ولا خراج على المسلم في خالص ملكه الذي لا حق لأحد فيه وهذا لا يعلم فيه خلاف" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - حديث الْعَلَاءِ بن الْحَضْرَمِيِّ -رضي اللَّه عنه- قال: بَعَثَنِي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الْبَحْرَيْنِ ¬
أو إلى هَجَرَ، فَكُنْتُ آتِي الْحَائِطَ يَكُونُ بين الْإِخْوَةِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمْ، فآخذ من المُسْلِمِ الْعُشْرَ، وَمِنْ المُشْرِكِ الْخَرَاجَ" (¬1). 2 - ما روي أن حذيفة -رضي اللَّه عنه- كتب إلى عمر -رضي اللَّه عنه-: إني وضعت الخراج، فأسلم رجال قبل أن أضع الخراج على أرضهم وعلى رؤوسهم. فكتب إليه عمر -رضي اللَّه عنه-: "أيما رجل أسلم قبل أن تضع الخراج على أرضه وعلى رأسه، فخذ من أرضه العشر، والغ عن رأسه، ولا تأخذ من مسلم خراجًا، وأيما رجل أسلم بعدما وضعت الخراج على أرضه ورأسه، فخذ من أرضه، فقد أحرزنا أرضه في شركه قبل أن يسلم" (¬2). 3 - قال أبو عبيد القاسم بن سلام: "وجدنا الآثار عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والخلفاء بعده، قد جاءت في افتتاح الأرضين بثلاثة أحكام: أرض أسلم عليها أهلها فهي لهم ملك أيمانهم، وهي أرض عشر لا شيء عليهم فيها غيره. وأرض افتتحت صلحًا على خراج معلوم، فهم على ما صولحوا عليه، لا يلزمهم أكثر منه. وأرض أخذت عنوة، فهي التي اختلف فيها المسلمون، فقال بعضهم: سبيلها سبيل الغنيمة، فتخمس وتقسم، فيكون أربعة أخماسها خططًا بين الذين افتتحوها خاصة، ويكون الخمس الباقي لمن سمى اللَّه تبارك وتعالى. وقال بعضهم: بل حكمها والنظر فيها إلى الأمام، إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمسها ¬
[159/ 159] يجوز أخذ خراج الأرض زيادة على جزية الرؤوس
ويقسمها كما فعل رسول اللَّه بخيبر فذلك له، وإن رأى أن يجعلها فيئًا فلا يخمسها ولا يقسمها ولكن تكون موقوفة على المسلمين عامة ما بقوا كما صنع عمر بالسواد فعل ذلك" (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب قول شاذ إلى أنه لم يرد دليل على عدم أخذ الخراج من الأرض التي هي ملك في أيدي المسلمين (¬2). وأجيب عن ذلك: بأن العدم لا يحتاج إلى أصل؛ لأنه لو أخذ منهم الخراج لنُقل، ولَمَّا لم ينقل دل على عدمه، ولأنه بمنزلة الفيء، فلا يثبت في أراضيهم كما لا يثبت في رقابهم (¬3).Rصحة الإجماع؛ لشذوذ المخالف. [159/ 159] يجوز أخذ خراج الأرض زيادة على جزية الرؤوس • المراد بالمسألة: الجِزْيَةُ لغة: هي المال الذي يَعْقِدُ الكِتابيُّ عليه الذِّمَّة، وهي فِعْلَة من الجزاء كأنَّها جَزَتْ عن قَتْلِه (¬4). أو هي اسم لما يؤخذ من الذمي، مشتقة من الجزاء، كأنها جزاء إسكاننا إياه في دارنا، وعصمتنا دمه وماله وعياله، وقيل: هي مشتقة من جزي يجزى إذا قضى (¬5). الجِزْيَةُ اصطلاحًا: هي موضوعة على رؤوس أهل الذمة، واسمها مشتق من الجزاء، إما جزاء على كفرهم لأخذها منهم صغارًا، وإما جزاء على أماننا لهم لأخذها منهم رفقًا (¬6). وقيل: الجزية والجزاء واحد، وهي ما أُخذ على وجه الصغار، وسُمِّيت جزية؛ لأنها جزاء الإقامة على الكفر ممن كان من أهل القتال، فمتى أسلم سقط عنه بالإسلام المجازاة على الكفر (¬7). ¬
وقد أجمع المسلمون على أنه يجوز للإمام أن يجمع على أهل الذمة خراج الأرض زيادة على جزية الرؤوس. فإذا فُتحت أرضهم عنوة، فقد صارت من دار الإسلام، فيجوز للإمام أن يقرهم فيها على أن يؤدوا خراجها زيادة على جزية رؤوسهم. أما إذا صالحهم على أن تكون أرضهم للمسلمين، فقد صارت بهذا الصلح من دار الإسلام، وصاروا بإقرارهم فيها أهل ذمة، لا يقرون إلا بجزية، ولا يجزئ الخراج المأخوذ من أرضهم عن جزية رؤوسهم؛ لأنه أجرة، حتى يجمع عليهم بين خراج الأرض وجزية الرؤوس (¬1). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "واتفقوا أن أهل الذمة إذا رضوا حين صلحهم الأول بالتزام خراج في الأرضين، أو بعشر، أو بتعشير من تجر منهم في مصره وفي الآفاق، أو بأن يؤخذ منهم شيء معروف زائد على الجزية محدود يحل ملكه، وكان كل ذلك زائدًا على الجزية، أن كل ذلك -إذا رضوه أولًا- لازم لهم ولأعقابهم في الأبد" (¬2) المرغناني (593 هـ) قال: "إذا فتح الإمام بلدة عنوة -أي: قهرًا- فهو بالخيار: إن شاء قسمه بين المسلمين، كما فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بخيبر، وإن شاء أقر أهله عليها، ووضع عليهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر -رضي اللَّه عنه- بسواد العراق، بموافقة الصحابة رضي اللَّه عنهم، ولم يجد من خالفه" (¬3). نقله فخر الدين الزيلعي (743 هـ) (¬4)، وابن نجيم (970 هـ) (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، المالكية (¬7)، الشافعية (¬8)، ¬
الحنابلة (¬1)، الظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويُستدل على ذلك بأن الخراج أجرة عن أرض المسلمين نظير إقرارهم فيها، والجزية عوض عن حقن الدم والإقرار على الكفر (¬3). ولذلك تفرض عليهم الجزية، سواء أقرهم الإمام على الأرض أو خمسها وقسمها على الفاتحين، فإن أقرهم عليها زاد الخراج على الجزية، إلا أن يصالحهم الإمام على أن يؤدوا جزية الرؤوس، وتبقى الأرض في ملكهم، فلهم ما صالحونا عليه. ويدل لذلك قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَعَلَّكُمْ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا، فَتَظْهَرُونَ عليهم، فَيَتَّقُونَكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، فَيُصَالِحُونَكُمْ على صُلْحٍ، فلا تُصِيبُوا منهم شيئًا فَوْقَ ذلك، فإنه لَا يَصْلُحُ لَكُمْ" (¬4). • وجه الدلالة: قال أبو عبيد: "في هذا الحديث أن السنة في أرض الصلح أن لا يُزاد على وظيفتها التي صولحوا" (¬5). • من خالف الإجماع: ذهب عدد قليل من العلماء إلى القول بأن الخراج لا يكون على الأرض التي صالح عليها أهلها. ونقلوا عن الإمام أحمد أنه قال: "أرض أهل الذمة التي في الصلح ليس عليها خراج، إنما يُنظر إلى ما أخرجت، يؤخذ منهم العشر مرتين" (¬6). قال الخلال: "والذي عليه العمل في قول أبي عبد اللَّه: أنه ما كان في أيديهم من صلح أو خراج فهم على ما صولحوا عليه، أو جعل على أرضهم ¬
[160/ 160] يجوز لمن بيده أرض خراجية أن يزارع فيها
من الخراج" (¬1).Rصحة الإجماع؛ لشذوذ الخلاف. [160/ 160] يجوز لمن بيده أرض خراجية أن يزارع فيها • المراد بالمسألة: المزارعة لغة: مفاعلة من الزرع، وهو الحرث والإنبات. يُقال: زَرَعَ الحراث الأرض زَرْعًا: حرثها للزراعة، وزَرَعَ اللَّه الحرث: أنبته وأنماه، والزَّرْعُ: ما استنبت بالبذر. ومنه يُقال: حصدت الزَّرْعَ، أي: النبات، وقال بعضهم: ولا يُسمى زَرْعًا إلا وهو غضّ طريّ، والجمع: زُرُوعٌ (¬2). المزارعة شرعًا: عقد على الزرع ببعض الخارج (¬3). وقيل: تسليم الأرض لرجل ليزرعها ببعض ما يخرج منها، والبذر من المالك. والمخابرة كالمزارعة، لكن البذر من العامل (¬4). وقيل: دفع أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه، بجزء مشاع معلوم منه (¬5). وخلاصة القول: أن المزارعة عقد بين من بيده رقبة الأرض، وآخر يعمل في زراعتها، على أن يكون المحصول مشتركًا بينهما، بالحصص التي يتفقان عليها. وقد أجمع المسلمون على جواز دفع الأرض الخراجية لمن يزرعها ببعض ما يخرج منها. • من نقل الإجماع: موفق الدين ابن قدامة (620 هـ) قال: "يجوز لمن في يده أرض خراجية أن يزارع فيها؛ لأنه بمنزلة المستأجر لها، وللموقوف عليه أن يزارع في الوقف ويساقي على شجره؛ لأنه إما مالك لرقبة ذلك أو بمنزلة المالك، ولا نعلم في هذا خلافًا عند من أجاز المساقاة والمزارعة، واللَّه ¬
أعلم" (¬1). نقله شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بحديث ابن عُمَرَ -رضي اللَّه عنهما-: "أن رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ ما يَخْرُجُ منها من ثَمَرٍ أو زَرْعٍ" (¬8). قال ابن بطال: "العمل جرى بالمزارعة والمساقاة فى أوقاف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأرض خراج المسلمين، ولم يرو عن أبي بكر ولا عمر ولا غيرهما أنهم غيروا حكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فى هذا، فهى سنة ثابتة معمول بها" (¬9). • المخالفون للإجماع: يرى أبو حنيفة -رحمه اللَّه- أن المزارعة باطلة وفاسدة وغير جائزة، وبالتالي لا يرى جوازها في أرض الخراج (¬10). وكذلك لم يجز الشافعي المزارعة، إلا أن تكون تبعًا للمساقاة للحاجة، فلو كان بين النخل بياض صحت المزارعة عليه مع المساقاة على النخل، بشرط اتحاد العامل، وعسر إفراد النخل بالسقي، والبياض بالعمارة، وهي: الزراعة لانتفاع النخل بسقي الأرض وتقليبها. واشترط ألا يفصل العاقدان بين العقدين، ¬
وإنما يؤتى بهما على الاتصال، وألا يقدم المزارعة على المساقاة؛ لأنها تابعة، والتابع لا يُقدم على متبوعه (¬1). ومع هذا قال كثير من فقهاء الشافعية بمشروعية المزارعة استقلالًا، بدليل معاملة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أهل خيبر بشطر ما يخرج منها (¬2). • واستدل المخالفون بما يلي: 1 - حديث جَابِرِ بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عَنِ المُخَابَرَةِ (¬3)، وَالمُحَاقَلَةِ (¬4). . . " (¬5). 2 - أن أجر المزارع -وهو مما تخرجه الأرض- إما معدوم؛ لعدم وجوده عند العقد، أو مجهول؛ لجهالة مقدار ما تخرجه الأرض، وقد لا تخرج شيئًا، ¬
[161/ 161] جواز إجارة الأرض الخراجية مدة معلومة
وكل من الجهالة وانعدام محل العقد مفسد عقد الإجارة (¬1). وأجيب عن ذلك: بأن الجهالة تزول إذا ما تحدد الأجر الذي يأخذه المزارع. كما أن الصحابة -رضوان اللَّه عليهم- قد زارعوا على ما في أيديهم من أراضي، وكذلك في الأراضي الخراجية، وقبل ذلك عامل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع، فكان دليلًا على جواز المزارعة (¬2).Rعدم صحة الإجماع، لوجود الخلاف. [161/ 161] جواز إجارة الأرض الخراجية مدة معلومة • المراد بالمسألة: الإجارة لغة: الإثابة، من أجر يأجر، وهو ما أعطيت من أجر في عمل، والأجر: الثواب (¬3). الإجارة شرعًا: تمليك منفعة رقبة بعوض (¬4). وقد أجمع المسلمون على جواز إجارة الأرض الخراجية مدة معلومة. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: "ويجوز لأهله إجارته بالاتفاق مدة معلومة، ولا تجوز إجارته مؤبدًا على الأصح، بخلاف إجارة عمر -رضي اللَّه عنه- مؤبدًا، فإنها احتملت لمصلحة كلية" (¬5) ابن تيمية (728 هـ) قال: "والأرض الخراجية يؤجرها من عليهم الخراج بالإجماع" (¬6) ابن الملقن (¬7) (804 هـ) قال: ¬
"ويجوز لأهله إجارته بالاتفاق مدة معلومة، ولا يجوز إجارته مؤبدًا على الأصح، بخلاف إجارة عمر -رضي اللَّه عنه- مؤبدًا، فإنها احتملت لمصلحة كلية" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - حديث ابن عُمَرَ -رضي اللَّه عنهما-: "أن رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ ما يَخْرُجُ منها من ثَمَرٍ أو زَرْعٍ" (¬6). 2 - القياس على إجارة المستأجر، وإجارة العبد الذي صولح على خدمته مدة معلومة، وإجارة الموقوف عليه الغلة، وإجارة العبد المأذون (¬7). • المخالفون للإجماع: ذهب عدد قليل من العلماء إلى عدم جواز إجارة الأرض الخراجية، سواء كان لمدة معلومة أم لمدة غير معلومة. قال ابن رجب الحنبلي: "وحكى القاضي، وابن عقيل -أيضًا- رواية أخرى بعدم جواز إجارة أرض العنوة مطلقًا، من غير تفصيل بين المساكن والمزارع، وذكر في كتاب الروايتين أنها اختيار أبي بكر، وجزم بذلك ابن عقيل في فتوته، وأن حكم إجارتها حكم بيعها، فلا ترد الإجارة إلا على البنيان دون المزارع، مع أن في بيع البنيان خلافًا سبق ذكره، وعلل القاضي المنع بأنها أرض عنوة، فلم تجز إجارتها كرباع مكة" (¬8). فاستدل بقياس إجارة أرض العنوة على إجارة أرض مكة؛ لأن كليهما فتح ¬
[162/ 162] أرض العنوة الموقوفة على المسلمين لا تباع ولا تورث
عنوة، وكما لا يجوز إجارة أرض مكة، فكذلك لا يجوز إجارة أرض الخراج المفتوحة عنوة. وأجيب عن ذلك: بأنه لا يصح قياس أرض العنوة على أرض مكة، وإن كانت قد فتحت عنوة؛ لأن مكة لها أحكامها الخاصة التي خصها بها المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يضرب عليها الخراج، كما لم يبح بيعها ولا إجارتها. ويدل لذلك حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "مكة مناخ، لا تباع رباعها، ولا تؤاجر بيوتها" (¬1).Rصحة الإجماع؛ لشذوذ الخلاف. [162/ 162] أرض العنوة الموقوفة على المسلمين لا تباع ولا تورث • المراد بالمسألة: اتفق المسلمون على أن الأرض التي فُتحت عنوة، ولم يخمسها الإمام ويقسمها بين الغانمين، أنها تصير وقفًا على المسلمين، ويقرها بيد أهلها يؤدون الخراج عنها، لا يجوز لهم بيعها، ولا أن يتوارثوها. • من نقل الإجماع: موفق الدين ابن قدامة (620 هـ) قال: "وقال: الأوزاعي: أجمع رأي عمر وأصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا ظهروا على الشام على إقرار أهل القرى في قراهم على ما كان بأيديهم من أرضهم، يعمرونها، ويؤدون خراجها إلى المسلمين، ويرون أنه لا يصلح لأحد من المسلمين شراء ما في أيديهم من الأرض طوعًا ولا كرهًا، وكرهوا ذلك، مما كان من اتفاق عمر وأصحابه في الأرض المحبوسة على آخر هذه الأمة من المسلمين، لا تُباع، ولا تُورث" (¬2). نقله شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3). ¬
من وافق الإجماع: المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - ما روي عن الحسن أن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: "لا تشتروا رقيق أهل الذمة، ولا أراضيهم". فقيل للحسن: ولم؟ قال: لأنهم فيء للمسلمين (¬4). 2 - ما روي أن عتبة بن فرقد اشترى أرضًا على شاطئ الفرات؛ ليتخذ فيها قضبًا، فذكر ذلك لعمر -رضي اللَّه عنه-، فقال: ممن اشتريتها؟ قال: من أربابها، فلما اجتمع المهاجرون والأنصار عند عمر قال: هؤلاء أهلها، فهل اشتريت منهم شيئًا؟ قال: لا، قال: فارددها على من اشتريتها منه، وخذ مالك (¬5). • المخالفون للإجماع: خالف الحنفية الإجماع، وقالوا: إن كل ما فُتح عنوة وأُقر أهله عليه، أو صولحوا -سوى مكة- مملوكة لأهلها الذين أقرت في أيديهم، يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها (¬6). قال فخر الدين الزيلعي: "أرض السواد مملوكة لأهلها عندنا، وقال الشافعي -رحمه اللَّه-: ليست بمملوكة لهم، وإنما هي وقف على المسلمين، وأهلها مستأجرون لها؛ لأن عمر -رضي اللَّه عنه- استطاب قلوب الغانمين، فآجرها. وقال أبو بكر الرازي: هذا غلط لوجوه: أحدها: لأن عمر لم يستطب قلوبهم فيه، بل ناظرهم عليه، وشاور الصحابة على وضع الخراج، وامتنع بلال وأصحابه، فدعا عليهم، وأين الاسترضاء؟ ! ¬
[163/ 163] أرض الخراج التي صولح عليها أهلها يجوز لهم بيعها ورهنها ووقفها
ثانيًا: أن أهل الذمة لم يحضروا الغانمين على تلك الأراضي، فلو كان إجارة لاشترط حضورهم. ثالثها: أنه لم يوجد في ذلك رضا أهل الذمة، ولو كانت إجارة لاشترط رضاهم. ورابعها: أن عقد الإجارة لم يصدر بينهم وبين عمر، ولو كانت إجارة لوجب العقد. وخامسها: أن جهالة الأراضي تمنع صحة الإجارة. وسادسها: أن جهالة المدة تمنع صحتها أيضًا. وسابعها: أن الخراج مؤبد، وتأبيد الإجارة باطل. وثامنها: أن الإجارة لا تسقط بالإسلام، والخراج يسقط عنده. وتاسعها: أن عمر قد أخذ الخراج من النحل ونحوه، ولا يجوز إجارتها. وعاشرها: أن جماعة من الصحابة اشتروها، فكيف يبيعون الأرض المستأجرة، وكيف يجوز لهم شراؤها؟ ! " (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود المخالف. [163/ 163] أرض الخراج التي صولح عليها أهلها يجوز لهم بيعها ورهنها ووقفها • المراد بالمسألة: إذا صالح الإمام أهل الذمة على أن تكون الأرض لهم والخراج لنا، صارت الأرض مملوكة لأهلها الذين أقرت في أيديهم، يجوز لهم التصرف فيها بالبيع والرهن والوقف، وعلى هذا اتفق العلماء. • من نقل الإجماع: أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "إذا ترك الإمام ما افتتحه من الأراضي مع أهلها على خراج، فإن تصرفاتهم فيها من بيع ووقف وهبة، جائزة بالاتفاق" (¬2) أبو عبد اللَّه المواق (897 هـ) قال: "لا خلاف أن ¬
لهم أرضهم ومالهم، يبيعون ويرثون، وتكون لهم إن أسلموا عليها" (¬1) الحطاب الرعيني (954 هـ) قال: "ولا خلاف أنها تكون لهم، وإن أسلموا عليها" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). مستند الإجماعِ: ويستدل على ذلك بقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَعَلَّكُمْ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا، فَتَظْهَرُونَ عليهم، فيَتَّقُونَكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، فَيُصَالِحُونَكُمْ على صُلْحٍ، فلا تُصِيبُوا منهم شيئًا فَوْقَ ذلك، فإنه لَا يَصْلُحُ لَكُمْ" (¬8). • وجه الدلالة: قال أبو عبيد: "في هذا الحديث أن السنة في أرض الصلح أن لا يُزاد على وظيفتها التي صولحوا" (¬9). فإن صالحونا على أن الأرض لهم والخراج لنا، فليس لنا أن ننزع الأرض من أيديهم. • من خالف الإجماع: ذهب البعض من أصحاب الإمام أحمد إلى القول بأن الأراضي الخراجية لا يجوز نقل الملك فيها؛ لأنها وقف، فلا يجوز بيعها (¬10). قال ابن القيم: "ومنشأ الشبهة: أنهم ظنوا أن وقفها بمنزلة سائر الأوقاف التي تجري مجرى إعتاق العبد وتحريره للَّه، وهذا غلط، بل معنى وقفها: تركها على حالها، لم يقسمها بين الغانمين، لا أنه أنشأ تحبيسها وتسبيلها على المسلمين" (¬11). ¬
[164/ 164] يجوز للإمام التصرف في أرض الخراج إذا عجز أهلها عن زرعها
وقال -أيضًا-: "وحق المسلمين في الخراج لا يسقط بنقل الملك، فإنها تكون عند المشتري كما كانت عند البائع" (¬1).Rصحة الإجماع؛ لشذوذ الخلاف. [164/ 164] يجوز للإمام التصرف في أرض الخراج إذا عجز أهلها عن زرعها • المراد بالمسألة: إذا عجز من بيده رقبة الأرض الخراجية عن أداء الخراج فللإمام أن يدفعها إلى غيره مزارعة، ويأخذ الخراج من نصيبه، وإن شاء أجرها وأخذ الخراج من الأجرة، وإن شاء زرعها بنفقة من بيت المال، فإن لم يتمكن من ذلك ولم يجد من يقبل ذلك باعها وأخذ من ثمنها الخراج، وعلى هذا اتفق العلماء. • من نقل الإجماع: ابن مودود الموصلي (683 هـ) (¬2) قال: "ومن عجز عن زرع أرض وعن الخراج تؤجر أرضه، ويؤخذ الخراج من الأجرة، فإن لم يكن من يستأجرها باعها الإمام وأخذ الخراج، ورد عليه الباقي بالإجماع؛ لأن فيه ضررًا خاصًّا لنفع عام، فيجوز" (¬3) البابرتي (786 هـ) قال: "إذا عجز المالك عن الزراعة باعتبار عدم قوته وأسبابه، فللإمام أن يدفعها إلى غيره مزارعة، ويأخذ الخراج من نصيب المالك، ويمسك الباقي له، وإن شاء أجرها وأخذ ذلك من الأجرة، وإن شاء زرعها بنفقة من بيت المال، فإن لم يتمكن، ولم يجد من يقبل ذلك، باعها وأخذ من ثمنها الخراج، وهذا بلا خلاف" (¬4). نقله فخر الدين الزيلعي (743 هـ) (¬5)، ¬
[165/ 165] مكة ليست خراجية
والعيني (855 هـ) (¬1)، وابن نجيم (970 هـ) (¬2) وابن عابدين (1252 هـ) (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي (¬7): 1 - أنه بترك عمارة أرض الخراج على وجه الخراب تصير في حكم الموات، فيتضرر أهل الفيء وغيرهم بتعطيلها. 2 - أن أرض الخراج ملك لأصحاب الفيء، فليس له تعريضها للخراب وتعطيلها عليهم. • المخالفون للإجماع: ذهب البعض إلى أن الأمر ليس على إطلاقه، بل يدفع الإمام للعاجز كفايته من بيت المال، فيعمل فيها قرضًا. نسب العيني وابن نجيم ذلك القول إلى أبي يوسف (¬8)، على أنه قول ثان في المسألة.Rصحة الإجماع؛ لشذوذ الخلاف. [165/ 165] مكة ليست خراجية • المراد بالمسألة: أجمع المسلمون على أن مكة ليست خراجية. • من نقل الإجماع: ابن مفلح (763 هـ) قال: "وفي الانتصار (¬9) -على ¬
الأُولَى-: بلى كسائر أرض العنوة. وهو من المفردات. قال صاحب المحرر (¬1): لا أعلم من أجاز ضرب الخراج عليها سواه" (¬2)، نقله المرداوي (885 هـ) (¬3) ابن رجب الحنبلي (795 هـ) قال: "من أصحابنا من قال: يوضع الخراج على جميع أراضي العنوة، حتى على مزارع مكة إذا قلنا: فتحت عنوة، وهو قول أبي الخطاب (¬4) في كتاب الانتصار، والسامري (¬5)، وغيرهما: وقيل: إن قولهما خلاف الإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: ¬
1 - حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مكة مناخ، لا تباع رباعها، ولا تؤاجر بيوتها" (¬1). قال المناوي: "لأنها غير مختصة بأحد، بل هي موضع لأداء المناسك" (¬2). وقال أبو عبيد: "فإذا كانت مكة هذه سننها، أنها مناخ لمن سبق إليها، وأنها لا تباع رباعها، ولا يطيب كراء بيوتها، وأنها مسجد لجماعة المسلمين، فكيف تكون هذه غنيمة فتقسم بين قوم يحوزونها دون الناس؟ أو تكون فيئًا فتصير أرض خراج؟ " (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب نزر يسير من العلماء إلى القول بأن مكة مثل غيرها من البلاد التي فتحت عنوة، ويجب وضع الخراج على أرضها. واستدلوا بالقياس على سائر البلاد التي فتحت عنوة ووضع عليها الخراج. وأجيب عن ذلك: بأنه قياس في مقابل النص، فلا يصح. قال ابن القيم: "وهذا القول من أقبح الغلط في الإسلام، وهو مردود على قائله، ومكة أجل وأعظم من أن يُضرب على أرضها الجزية، وهي حرم اللَّه وأمنه، ودار نسك الإسلام، وقد أعاذها اللَّه مما هو دون الخراج بكثير، وهذا القول استدراك على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عثمان، والأئمة بعدهم، إلى زمن هذا القائل، وكيف يسوغ ضرب الخراج الذي هو أخو الجزية وشقيقها ورضيع لبنها على خير بقاع اللَّه، وأحبها إلى اللَّه، ودار النسك، ومتعبد الأنبياء، وقرية رسول اللَّه التي أخرجته، وحرم رب العالمين وأمنه، ومحل بيته، وقبلة أهل الأرض" (¬4).Rصحة الإجماع؛ لشذوذ المخالف. ¬
[166/ 166] أراضي الشام خراجية لا يجوز قسمتها
[166/ 166] أراضي الشام خراجية لا يجوز قسمتها • المراد بالمسألة: اتفق المسلمون على أن أراضي الشام خراجية ولكنها لا تقسم بل تضرب عليها الجزية وتترك مادة لمن بعدهم من المسلمين. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) قال: "روي عن عمر أنه لم يقسم أرض السواد ومصر والشام، وجعلها مادة للمسلمين ولمن يجيء بعده، واحتج بالآية ووافقه الصحابة بعد الخلاف" (¬1) المرغناني (593 هـ) قال: "اجتمعت الصحابة على وضع الخراج على الشام" (¬2). نقله فخر الدين الزيلعي (743 هـ) (¬3)، والعيني (855 هـ) (¬4)، وابن نجيم (970 هـ) (¬5) ابن مودود الموصلي (683 هـ) قال: "أجمعت الصحابة على وضع الخراج على الشام" (¬6) موفق الدين ابن قدامة (620 هـ) قال: "قال الأوزاعي: أجمع رأي عمر وأصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا ظهروا على الشام على إقرار أهل القرى في قراهم على ما كان بأيديهم من أرضهم، يعمرونها، ويؤدون خراجها إلى المسلمين" (¬7). نقله شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬8) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "والخراج: ما ضُرب على أرض افتتحها الإمام، وتركها في يد أهلها على تأديته، كفعل عمر -رضي اللَّه عنه- عن مشاورة سواد الكوفة ومصر والشام وخراسان، فكان إجماعًا" (¬9). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬10)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: ويُستدل على ذلك بما يلي: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ" (¬5). • وجه الدلالة: هذا الحديث من أعلام النبوة؛ لإخباره -صلى اللَّه عليه وسلم- بما سيكون من مُلك المسلمين هذه الأقاليم، ووضعهم الجزية والخراج، ثمّ بطلان ذلك (¬6). 2 - قال القاضي أبو يوسف: "قد سأل بلال وأصحابه عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قسمة ما أفاء اللَّه عليهم من العراق والشام، وقالوا: اقسم الأرضين بين الذين افتتحوها، كما تقسم غنيمة العسكر. فأبى عمر ذلك عليهم، وتلا عليهم هذه الآيات -آيات الفيء في سورة الحشر- وقَالَ: "قد أشرك اللَّه الذين يأتون من بعدكم فِي هذا الفيء، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء، ولئن بقيتُ ليبلغن الراعيَ بصنعاء نصيبُه من هذا الفيء ودمه فِي وجهه" (¬7). فجعل عمر -رضي اللَّه عنه- على هذه الأرض مقدارًا معينًا من المال يُدفع كل عام.Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
[167/ 167] أراضي العراق خراجية لا يجوز قسمتها
[167/ 167] أراضي العراق خراجية لا يجوز قسمتها • المراد بالمسألة: اتفق المسلمون على أن أراضي العراق خراجية ولكنها لا تقسم بل تضرب عليها الجزية وتترك مادة لمن بعدهم من المسلمين. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) قال: "روي عن عمر أنه لم يقسم أرض السواد ومصر والشام، وجعلها مادة للمسلمين ولمن يجيء بعده، واحتج بالآية ووافقه الصحابة بعد الخلاف" (¬1) الجصاص (370 هـ) قال: "اتفق الجميع من الصحابة على تصويب عمر -رضي اللَّه عنه- فيما فعله في أرض السواد، بعد خلاف من بعضهم عليه على إسقاط حق الغانمين عن رقابها" (¬2) أبو المعالي الجويني (478 هـ) قال: "لما انتشرت الرعية، وكثرت المؤن المعنية، تسبب أمير المؤمنين عمر -رضي اللَّه عنه- إلى توظيف الخراج والإرفاق على أراضي العراق، بإطباق واتفاق" (¬3) الكاساني (587 هـ) قال: "ولنا إجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم، فإن سيدنا عمر -رضي اللَّه عنه- لَمَّا فتح سواد العراق ترك الأراضي في أيديهم، وضرب على رؤوسهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، بمحضر من الصحابة الكرام -رضي اللَّه عنهم- ولم يُنقل أنه أنكر عليه منكر، فكان ذلك إجماعًا منهم" (¬4) المرغناني (593 هـ) قال: "إذا فتح الإمام بلدة عنوة -أي: قهرًا- فهو بالخيار: إن شاء قسمه بين المسلمين، كما فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بخيبر، وإن شاء أقر أهله عليها، ووضع عليهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر -رضي اللَّه عنه- بسواد العراق، بموافقة الصحابة رضي اللَّه عنهم، ولم يجد من خالفه" (¬5). نقله فخر الدين الزيلعي (743 هـ) (¬6)، وابن نجيم (970 هـ) (¬7) ابن رجب الحنبلي (795 هـ) قال: "وأما أرض العنوة، فإن عمر -رضي اللَّه عنه- وضع على ¬
السواد الخراج، وهذا متفق عليه" (¬1) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "والخراج: ما ضُرب على أرض افتتحها الإمام، وتركها في يد أهلها على تأديته، كفعل عمر -رضي اللَّه عنه- عن مشاورة سواد الكوفة ومصر والشام وخراسان، فكان إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: ويُستدل على ذلك بما يلي: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ" (¬8). • وجه الدلالة: هذا الحديث من أعلام النبوة؛ لإخباره -صلى اللَّه عليه وسلم- بما سيكون من مُلك المسلمين هذه الأقاليم، ووضعهم الجزية والخراج، ثمّ بطلان ذلك (¬9). 2 - قال القاضي أبو يوسف: "قد سأل بلال وأصحابه عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قسمة ما أفاء اللَّه عليهم من العراق والشام، وقالوا: اقسم الأرضين بين الذين افتتحوها، كما تقسم غنيمة العسكر. فأبى عمر ذلك عليهم، وتلا عليهم هذه ¬
[168/ 168] أراضي مصر خراجية لا يجوز قسمتها
الآيات -آيات الفيء في سورة الحشر- وقَالَ: "قد أشرك اللَّه الذين يأتون من بعدكم فِي هذا الفيء، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء، ولئن بقيتُ ليبلغن الراعيَ بصنعاء نصيبُه من هذا الفيء ودمه فِي وجهه" (¬1). فجعل عمر -رضي اللَّه عنه- على هذه الأرض مقدارًا معينًا من المال يُدفع كل عام.Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [168/ 168] أراضي مصر خراجية لا يجوز قسمتها • المراد بالمسألة: اتفق المسلمون على أن أراضي مصر خراجية ولكنها لا تقسم بل تضرب عليها الجزية وتترك مادة لمن بعدهم من المسلمين. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) قال: "روي عن عمر أنه لم يقسم أرض السواد ومصر والشام، وجعلها مادة للمسلمين ولمن يجيء بعده، واحتج بالآية ووافقه الصحابة بعد الخلاف" (¬2) أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) قال: "والخراج: ما ضُرب على أرض افتتحها الإمام، وتركها في يد أهلها على تأديته، كفعل عمر -رضي اللَّه عنه- عن مشاورة سواد الكوفة ومصر والشام وخراسان، فكان إجماعًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). ¬
مستند الإجماع؛ ويُستدل على ذلك بما يلي: 1 - حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ من حَيْثُ بَدَأْتُمْ" (¬1). • وجه الدلالة: هذا الحديث من أعلام النبوة؛ لإخباره -صلى اللَّه عليه وسلم- بما سيكون من مُلك المسلمين هذه الأقاليم، ووضعهم الجزية والخراج، ثمّ بطلان ذلك (¬2). 2 - قال القاضي أبو يوسف: "قد سأل بلال وأصحابه عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قسمة ما أفاء اللَّه عليهم من العراق والشام، وقالوا: اقسم الأرضين بين الذين افتتحوها، كما تقسم غنيمة العسكر. فأبى عمر ذلك عليهم، وتلا عليهم هذه الآيات -آيات الفيء في سورة الحشر- وقَالَ: "قد أشرك اللَّه الذين يأتون من بعدكم فِي هذا الفيء، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء، ولئن بقيتُ ليبلغن الراعيَ بصنعاء نصيبُه من هذا الفيء ودمه فِي وجهه" (¬3). فجعل عمر -رضي اللَّه عنه- على هذه الأرض مقدارًا معينًا من المال يُدفع كل عام.Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في الفيء والغنيمة
الفصل الثاني مسائل الإجماع في الفيء والغنيمة [169/ 169] حكم الغنيمة • المراد بالمسألة: الغنيمة لغة: مفرد غنائم، يُقال: غنم فلان الغنيمة يغنمها، واشتقاقها من الغنم، وأصلها الربح والفضل، والغنيمة والمغنم والغنيم والغُنم: الفيء، يُقال: غنم الشيء غنمًا: فاز به، وغنم الغازي في الحرب: ظفر بمال عدوه (¬1). الغنيمة شرعًا (¬2) اسم للمأخوذ من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة، إما بحقيقة المنعة، أو بدلالتها، وهي إذن الإمام. وقيل: هي اسم للمأخوذ من أهل الحرب الموجف عليها بالخيل والركاب. وقيل: ما أخذ من مال حربي قهرًا بقتال وما ألحق به، كهارب، وهدية الأمير، ونحوهما. وقد اتفق العلماء على تحليل الغنائم لأمة المسلمين خاصة. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطبري (310 هـ) قال: "لا خلاف بين الجميع في أن اللَّه -تعالى ذكره- قد أباح للمؤمنين أموال أهل الشرك من أهل الحرب لهم بالقهر والغلبة" (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) قال: "وأجمعوا أن تحليل الغنائم لهذه الأمة من فضائلها" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[170/ 170] تحديد الغنيمة
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب والسنة: • أولا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} (¬4). • وجه الدلالة: قال الجصاص: "فيه إباحة الغنائم، وقد كانت محظورة قبل ذلك" (¬5). • ثانيًا: السنة: حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ. . . " الحديث (¬6). • وجه الدلالة: قال ابن جماعة: "كانت في شرع من قبلنا لا تحل لأحد، بل تجمع الغنائم في مكان، فتنزل نار من السماء فتأكلها، فخص اللَّه -تعالى- هذه الأمة بحلها لهم؛ تكريمًا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬7).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [170/ 170] تحديد الغنيمة • المراد بالمسألة: اتفق المسلمون على قسمة كل مال مأخوذ من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "واتفقوا أن أموال أهل الحرب كلها مقسومة" (¬8). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب والسنة: أولا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (¬6). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "قوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} توكيد لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط والمخيط" (¬7). • ثانيًا: السنة: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "بَعَثَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَكُنْتُ فيها، فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا أثني عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا، فَرَجَعْنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا" (¬8). • ثالثًا: الآثار: ما روي عن عُمَر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "لَوْلَا آخِرُ المُسْلِمِينَ ما فَتَحْتُ قَرْيَةً إلا قَسَمْتُهَا بين أَهْلِهَا كما قَسَمَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خَيْبَرَ" (¬9). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض فقهاء المالكية إلى القول بأنه لا يلزم ¬
الإمام قسمة الغنائم ولا تخميسها، وله أن يحرم بعض الغانمين. واحتجوا لذلك بما وقع في فتح مكة، وقصة حنين، وقالوا: إنه -صلى اللَّه عليه وسلم- فتح مكة عنوة بعشرة آلاف مقاتل، ومنَّ على أهلها فردها عليهم، ولم يجعلها غنيمة، ولم يقسمها على الجيش، فلو كان قسم الأخماس الأربعة على الجيش واجبًا لفعله -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا فتح مكة. قالوا: وكذلك غنائم هوازن في غزوة حنين، أعطى منها عطايا عظيمة جدًّا، ولم يعط الأنصار منها، مع أنهم من خيار المجاهدين الغازين معه -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . قالوا: لو كان يجب قسم الأخماس الأربعة على الجيش الذي غنمها لما أعطى -صلى اللَّه عليه وسلم- ألفي ناقة من غنائم هوازن لغير الغزاة، ولما أعطى ما ملأ بين جبلين من الغنم لصفوان بن أمية، وفي ذلك اليوم أعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة من الإبل، وكذلك عيينة بن حصن الفزاري (¬1). وقد رد النووي هذا القول بأنه مخالف للإجماع (¬2). ومن أظهر الأجوبة عما وقع في فتح مكة: أن مكة ليست كغيرها من البلاد؛ لأنها حرام بحرمة اللَّه من يوم خلق السموات والأرض إلى يوم القيامة، وإنما أحلت له -صلى اللَّه عليه وسلم- ساعة من نهار، ولم تحل لأحد قبله ولا بعده، وما كان بهذه المثابة فليس كغيره من البلاد التي ليست لها هذه الحرمة العظيمة. وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، وهو أن النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة؛ ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم؛ لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين (¬3). كما اختلف الفقهاء في حكم المغنم من الأراضي، فقال البعض: يخير الإمام بين قسمتها كما يفعل بالذهب والفضة ولا خراج عليها، بل هي أرض عشر مملوكة للغانمين، وبين وقفها للمسلمين بصيغة، وقيل: بغير صيغة، ¬
[171/ 171] حق الإمام في الغنيمة
ويدخل في ذلك تركها للمسلمين بخراج مستمر يؤخذ ممن تقر بيده، وهذا التخيير هو مذهب أبي حنيفة والثوري والإمام أحمد. وأما مالك -رحمه اللَّه- فذهب إلى أنها تصير وقفًا للمسلمين بمجرد الاستيلاء عليها. وأما الشافعي -رحمه اللَّه- فذهب إلى أنها غنيمة يجب قسمتها على المجاهدين بعد إخراج الخمس (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود المخالف. [171/ 171] حق الإمام في الغنيمة • المراد بالمسألة: اتفق المسلمون على أن الغنيمة خمسها للإمام، وأربعة أخماسها للذين غنموها. • من نقل الإجماع: ابن رشد الحفيد (595 هـ) قال: "اتفق المسلمون على أن الغنيمة التي تؤخذ قسرًا من أيدي الروم ما عدا الأرضين، أن خمسها للإمام، وأربعة أخماسها للذين غنموها" (¬2) ابن قدامة (620 هـ) قال: "الغنيمة مخموسة، ولا اختلاف في هذا بين أهل العلم" (¬3) فخر الدين الزيلعي (743 هـ) قال: "يجب على الإمام أن يقسم الغنيمة، ويخرج خمسها؛ لقوله -تعالى-: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (¬4)، ويقسم الأربعة الأخماس على الغانمين؛ للنصوص الواردة فيه، وعليه إجماع المسلمين" (¬5). نقله ابن نجيم (970 هـ) (¬6) محمد بن عبد الوهاب (1206 هـ) قال: "ولا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن الغنيمة مخموسة" (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب والسنة: أولا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (¬6). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "قوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وتوكيد لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط والمخيط" (¬7). • ثانيًا: السنة: 1 - حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لوفد عبد قيس: "هل تَدْرُونَ ما الْإِيمَانُ باللَّه وَحْدَهُ؟ " قالوا: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: "شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللَّه، وَأَنّ مُحَمَّدًا رسول اللَّه، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وِإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَتُعْطُوا الخُمُسَ من المَغْنَمِ" (¬8). 2 - حديث عَمْرو بْنَ عَبَسَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى بَعِيرٍ مِنَ المَغْنَمِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ الْبَعِيرِ، ثُمَّ قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ ¬
[172/ 172] أمر الفيء إلى إمام المسلمين
مِثْلُ هَذَا إِلَّا الخُمُسُ، وَالخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ " (¬1). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "فهذه أحاديث جيدة تدل على تقرير هذا وثبوته، ولهذا جعل ذلك كثيرون من الخصائص له صلوات اللَّه وسلامه عليه، وقال آخرون: إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين، كما يتصرف في مال الفيء" (¬2). • المخالفون للإجماع: من العلماء من قال بسقوط نصيب الإمام من المغنم بوفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لانتهاء العلة -وهي النصرة- بوفاته. وقال بذلك أبو حنيفة، واختاره ابن جرير. وزاد أبو حنيفة: سقوط سهم ذوي القربى والمؤلفة قلوبهم أيضا بوفاته -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لانتهاء علة الاستحقاق، وهي ضعف الإسلام (¬3). واستدلوا بقول اللَّه -تعالى-: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} (¬4). والجواب عن ذلك من وجهين: أحدهما: أنه راجع إلى جميع الخمس، وليس هو دولة بين الأغنياء؛ لأن سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل يستحق بالفقر. والثاني: أن سهم ذي القربى ليس هو دولة بين الأغنياء؛ لأنه يشترك فيه الأغنياء والفقراء، وما كان دولة بين الأغنياء خرج عن أن يكون فيه حق للفقراء (¬5).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [172/ 172] أمر الفيء إلى إمام المسلمين • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أن أموال أهل الحرب التي أفاء بها اللَّه -جل وعلا- على المسلمين بغير خيل ولا ركاب، أمرها إلى الإمام، يقسمها ¬
فيمن سماهم اللَّه -جل شأنه- في آيات الفيء (¬1)، أو يوقفها لجميع المسلمين. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) -بعد أن ذكر ما رُدري عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان"- قال: "ولا نعلم عن أحد من الصحابة خلافه" (¬2) نقله أبو بكر الجصاص (370 هـ) (¬3) وابن حجر العسقلاني (852 هـ) (¬4) والأمير الصنعاني (1182 هـ) (¬5) والشوكاني (1250 هـ) (¬6) والمباركفوري (1353 هـ) (¬7). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والآثار: • أولًا: الكتاب: وقال اللَّه -تعالى-: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ. . .} إلى قول اللَّه -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (¬12). • وجه الدلالة: قال أبو عبيد: "فهذه آية الفيء، وبها عمل عمر -رضي اللَّه عنه-، وإياها ¬
تأول حين ذكر الأموال وأصنافها، فقال: "فاستوعبت هذه الآية الناس". وإلى هذه الآية ذهب علي ومعاذ -رضي اللَّه عنهما- حين أشارا عليه بما أشارا فيما نرى واللَّه أعلم" (¬1). وقال الشوكاني: "فقد ثبت أن ما كان أمره إلي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو إلي الأئمة من بعده" (¬2). • ثانيًا: السنة: حديث عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: "كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وسلم، مِمَّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْل وَلَا رِكَاب، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خَاصَّةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّه" (¬3). • وجه الدلالة: قال ابن دقيق العيد (¬4): "يحتمل وجهين: أحدهما: أن يُراد بذلك أنها كانت لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصة، لا حق فيها لأحد من المسلمين، ويكون إخراج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما يخرجه منها لغير أهله ونفسه تبرعًا منه -صلى اللَّه عليه وسلم-. والثاني: أن يكون ذلك مما يشترك فيه هو وغيره -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويكون ما يخرجه منها لغيره من تعيين المصرف، وإخراج المستحق، وكذلك ما يأخذه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأهله من ¬
باب أخذ النصيب المستحق من المال المشترك في المصرف" (¬1). • ثالثًا: الآثار: 1 - رُوي عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان" (¬2). 2 - وقال عبد اللَّه بن محيريز: "الحدود، والفيء، والزكاة، والجمعة إلى السلطان" (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض العلماء إلى أن الفيء كالغنيمة يجب أن يُخمس ويُقسم، وقال بعضهم: لا يُقسم، بل يوقفه الإمام على جميع المسلمين؛ لأن جميع الناس الحاضرين والآتين شركاء في الفيء. وسبب اختلافهم ما يُظن من التعارض بين آية سورة الأنفال، وآية سورة الحشر؛ وذلك أن آية الأنفال تقتضي بظاهرها أن كل ما غنم يُخمس، وهو قوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ. . .} (¬4) وقوله -تعالى- في آية الحشر: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (¬5)، عطفًا على ذكر الذين أوجب لهم الفيء، يمكن أن يفهم منه أن جميع الناس الحاضرين والآتين شركاء في الفيء، كما روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال- في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} -: ما أرى هذه الآية إلا قد عمت الخلق، حتى الراعي بكداء". أو كلامًا هذا معناه؛ ولذلك لم تُقسم الأرض التي افتتحت في أيامه عنوة من أرض العراق ومصر. فمن رأى أن الآيتين متواردتان على معنى واحد، وأن آية الحشر مخصصة لآية الأنفال، استثنى من ذلك الأرض، ومن رأى أن الآيتين ليستا متواردتين ¬
[173/ 173] يجوز للإمام تنفيل من شاء من الغنيمة
على معنى واحد، بل رأى أن آية الأنفال في الغنيمة، وآية الحشر في الفيء، على ما هو الظاهر من ذلك، قال: تُخمَّس الأرض ولا بد، ولا سيما أنه قد ثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- قسَّم خيبر بين الغزاة. قالوا: فالواجب أن تقسم الأرض؛ لعموم الكتاب، وفعله -عليه الصلاة والسلام- الذي يجري مجرى البيان للمجمل فضلًا عن العام. وأما أبو حنيفة فإنما ذهب إلى التخيير بين القسمة، وبين أن يُقَر الكفار فيها على خراج يؤدونه؛ لأنه زعم أنه قد روي أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى خيبر بالشطر، ثم أرسل ابن رواحة رضي اللَّه عنه فقاسمهم. قالوا: فظهر من هذا أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن قسم جميعها، ولكنه قسم طائفة من الأرض، وترك طائفة لم يقسمها، قالوا: فبان بهذا أن الإمام بالخيار بين القسمة، والإقرار بأيديهم، وهو الذي فعل عمر -رضي اللَّه عنه-" (¬1). قال القاضي أبو يوسف: "وقد سأل بلال وأصحابه عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قسمة ما أفاء اللَّه عليهم من العراق والشام، وقالوا: اقسم الأرضين بين الذين افتتحوها، كما تقسم غنيمة العسكر. فأبى عمر ذلك عليهم، وتلا عليهم هذه الآيات -آيات الفيء في سورة الحشر- وقَالَ: "قد أشرك اللَّه الذين يأتون من بعدكم فِي هذا الفيء، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء، ولئن بقيتُ ليبلغن الراعيَ بصنعاء نصيبُه من هذا الفيء ودمه فِي وجهه" (¬2).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [173/ 173] يجوز للإمام تنفيل من شاء من الغنيمة • المراد بالمسألة: التنفيل لغة: من النفل وهو الغنيمة والهبة، يقال: نفلت فلانًا تنفيلًا، أي: أعطيته نفلًا وغنمًا (¬3). التنفيل اصطلاحًا: أن يخص الإمام بعض الجيش ببعض الغنيمة زيادة على ¬
ما يسهم لهم منها (¬1). وقد أجمع العلماء على جواز تنفيل الإمام من الغنيمة لمن شاء. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "واتفقوا أن التنفيل المذكور ليس بواجب" (¬2). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬3) ابن رشد الحفيد (595 هـ) قال: "وأما تنفيل الإمام من الغنيمة لمن شاء -أعني: أن يزيده على نصيبه- فإن العلماء اتفقوا على جواز ذلك" (¬4) النووي (676 هـ) قال: "وفي رواية: (ونفلنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه إثبات النفل، وهو مجمع عليه" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والمعقول: أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} (¬11). • وجه الدلالة: وقد حرض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه على القتال بالتنفيل (¬12). قال الشوكاني: "فقد ثبت أن ماء كان أمره إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو إلى الأئمة ¬
[174/ 174] التنفيل يكون من الخمس المخصص للإمام
من بعده" (¬1). • ثانيًا: السنة: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "بَعَثَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَكُنْتُ فيها، فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا أثني عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا، فَرَجَعْنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا" (¬2). • وجه الدلالة: قال النووي: "فيه إثبات النفل، وهو مجمع عليه" (¬3). وقال البغوي: "وفيه دليل على أنه يجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش؛ لزيادة غناء وبلاء منهم في الحرب، يحضهم به من بين سائر الجيش؛ لِمَا يصيبهم من المشقة، ويجعلهم أسوة الجماعة في سهمان الغنيمة" (¬4).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [174/ 174] التنفيل يكون من الخمس المخصص للإمام • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أن النفل يكون من الخمس المخصص للإمام. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "واتفقوا أن للإمام أن يعطى من سدس الخمس من رأى إعطاءه صلاحًا للمسلمين" (¬5) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬6) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: "قال سعيد بن المسيب: كان الناس يعطون النفل من الخمس. قلت: وظاهره اتفاق الصحابة على ذلك" (¬7). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والأصح عند ¬
الشافعية (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (¬3). • وجه الدلالة: قال الجصاص: "فجعل بهذه الآية أربعة أخماس الغنيمة للغانمين، والخمس للوجوه المذكورة، ونسخ به ما كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأنفال، إلا ما كان شرطه قبل إحراز الغنمية، نحو أن يقول: من أصاب شيئًا فهو له، ومن قتل قتيلًا فله سلبه" (¬4). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "بَعَثَ النبي سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَكُنْتُ فيها، فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثني عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا، فَرَجَعْنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا" (¬5). • وجه الدلالة: قال الجصاص: "فبين في هذا الحديث سهمان الجيش، وأخبر أن النفل لم يكن من جملة الغنيمة، وإنما كان بعد السهمان، وذلك من الخمس" (¬6). وقال ابن حجر: "أضاف الاثني عشر إلى سهامهم، فكأنه أشار إلى أن ذلك قد تقرر لهم استحقاقه من الأخماس الأربعة الموزعة عليهم، فيبقى للنفل من الخمس" (¬7). ونوقش: بأن ذلك يحمل على أن نفلهم من أربعة أخماس الغنيمة، لا الخمس. ألا ترى أنه لو أعطى جميع الجيش لا يعد ذلك نفلًا، وكان قد قسم ¬
لهم أكثر من أربعة أخماس الغنيمة؟ (¬1) الدليل الثاني: حديث عَمْرو بْنَ عَبَسَةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى بَعِيرٍ مِنَ المَغْنَمِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ جَنْب الْبَعِيرِ، ثُمَّ قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلُ هَذَا إِلَّا الخُمُسُ، وَالخُمُسُ مَرْدُوَدٌ فِيكُمْ" (¬2). • وجه الدلالة: قال الجصاص: "فأخبر -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه لم يكن جائز التصرف إلا في الخمس من الغنائم، وأن الأربعة الأخماس للغانمين، وفي ذلك دليل على أن ما أحرز من الغنيمة فهو لأهلها، لا يجوز التنفيل منه" (¬3). • من خالف الإجماع: اختلف العلماء في النفل هل هو من أصل الغنيمة، أو من الخمس، أو من خمس الخمس، أو مما عدا الخمس، على أقوال: واختلفت الرواية عن الشافعي في ذلك، فروي عنه أنه من أصل الغنيمة، وروي عنه أنه من الخمس، وروي عنه أنه من خمس لخمس، والأصح عند الشافعية أنه من خمس الخمس. وذهب الحنابلة إلى أن النفل من أصل الغنيمة، وإلى ذلك ذهب الهادوية. وقال مالك وطائفة: لا نفل إلا من الخمس. وقال الخطابي: أكثر ما روي من الأخبار يدل على أن النفل من أصل الغنيمة. وقال ابن عبد البر: إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه، فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة، وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش، فذلك من غير الخمس، بشرط أن لا يزيد على الثلث (¬4).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. ¬
[175/ 175] لا يزيد نفل من ساق مغنما عن الربع في البدأة والثلث في الرجعة
[175/ 175] لا يزيد نفل من ساق مغنما عن الربع في البدأة والثلث في الرجعة • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أن لا يزيد نفل من ساق مغنمًا عن ربعه في البدأة، وثلثه في الرجوع. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال؛ "واتفقوا أنه لا ينفل من ساق مغنمًا أكثر من ربعه في الدخول، ولا أكثر من ثلثه في الخروج" (¬1) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بحديث حَبِيبِ بن مَسْلَمَةَ -رضي اللَّه عنه- قال: "شَهِدْتُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نَفَلَ الرُّبُعَ في الْبَدْأَةِ، وَالثُّلُثَ في الرَّجْعَةِ" (¬8). • المخالفون للإجماع: مختصر اختلاف من أي شيء يكون النفل، وفي مقداره، وهل يجوز الوعد به قبل الحرب، على أقوال: فقال الثوري: لا نفل بعد إحراز الغنيمة، إنما النفل أن يقول: من قتل قتيلًا فله سلبه، ومن أصاب شيئًا فهو له. وقال الأوزاعي: في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أسوة حسنة، قد كان ينفل فى البداءة الربع، وفي الرجعة الثلث. ¬
وقال الشافعي: يجوز أن ينفل بعد إحراز الغنيمة على وجه الاجتهاد. وقال الطحاوي: فأما التنفيل في البداءة قبل القتال فمما قد عمل به المسلمون، وما كان منه في القفول فإنه يحتمل أن يكون في الحال التي كانت الغنائم كلها لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بغير خمس كان فيها. كما روي عن ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال يوم بدر: من فعل كذا فله كذا. فلما كانت الغنيمة جاءت الشبان يطلبون نفلهم، فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا تحت الرايات، ولو انهزمتم كنا ردءًا لكم، فأنزل اللَّه -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ. . .} الآية، فقسم بينهم بالسوية. ففي هذا الحديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قسمها بينهم بغير خمس أخرجه منها، وقد كان له أن لا يقسم منها شيئًا، فيحتمل أن يكون حديث ابن مسلمة في الحال التي كانت القسمة فيها لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا حجة فيه. فإن قيل: ذكر في حديث حبيب الربع والثلث بعد الخمس، وذلك بعد الحال التي كانت الغنائم كلها لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قيل له: لا دليل فيه على ما ذكرت؛ لأنه لم يذكر أنه الخمس الذي يستحقه أهل الخمس، وجائز أن يكون ذلك على خمس الغنيمة، لا فرق بينه وبين الثلث والنصف، وقد روي عن ابن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث سرية فيها ابن عمر، فغنموا غنائم كثيرة، فكانت غنائمهم لكل إنسان اثني عشر بعيرًا، ونفل كل إنسان منهم بعيرًا بعيرًا، فذكر السهمان للجيش، وأخبر أن النفل جار من غير نصيب الجيش (¬1). وسبب هذا الاختلاف ما ظنه البعض من تعارض بين الآيتين الواردتين في المغانم، فمن رأى أن قوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}. ناسخًا لقوله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ. . .} قال: لا نفل إلا من الخمس، أو من خمس الخمس. ومن رأى أن الآيتين لا معارضة بينهما، وأنها على التخيير، أعني: أن للإمام أن ينفل من رأس الغنيمة من شاء، وله ألا ينفل ¬
[176/ 176] عدم انفراد السرية المبعوثة مع العسكر شيئا مما غنمته بقتالها دون سائر العسكر
بأن يعطي جميع أرباع الغنيمة للغانمين، قال بجواز النفل من رأس الغنيمة (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [176/ 176] عدم انفراد السرية المبعوثة مع العسكر شيئًا مما غنمته بقتالها دون سائر العسكر • المراد بالمسألة: أن السرية المبعوثة مع العسكر لا تستحق مما غنمته بقتالها شيئًا دون سائر العسكر، إلا أن ينفله الإمام. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَن غَنَائِم السَّرَايَا الْخَارِجَة الْوَاحِد يُضَم بَعْضهَا إلى بعض، ويُقَسم عَلَيْهِم مَعَ جَمِيع أهل ذَلِك الْعَسْكَر" (¬2). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالسنة، والمعقول: • أولًا: السنة: الدليل الأول: حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ" (¬9). • وجه الدلالة: قال الخطابي: "ومعناه: أن يخرج الجيش فينيخوا بقرب دار ¬
العدو، ثم ينفصل منهم سرية فيغنموا، فإنهم يردون ما غنموه على الذين هم ردء لهم، لا ينفردون به، فأما إذا كان خروج السرية من البلد، فإنهم لا يردون على المقيمين في أوطانهم شيئًا" (¬1). الدليل الثاني: حديث عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ -رضي اللَّه عنه- قال: خَرَجْنَا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَشَهِدْتُ معه بَدْرًا، فَالْتَقَى الناس، فَهَزَمَ اللَّه -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْعَدُوَّ، فَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ في آثَارِهِمْ يَهْزِمُونَ وَيَقْتُلُونَ، فَأَكَبَّتْ طَائِفَةٌ على الْعَسْكَرِ يَحْوُونَهُ وَيَجْمَعُونَهُ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَة بِرَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ منه غِرَّةً، حتى إذا كان اللَّيْلُ وَفَاءَ الناس بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ، قال الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ: نَحْنُ حَوَيْنَاهَا وَجَمَعْنَاهَا، فَلَيْس لأَحَدٍ فيها نَصِيبٌ، وقال الَّذِينَ خَرَجُوا في طَلَبِ الْعَدُوِّ: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بها مِنَّا، نَحْنُ نَفَيْنَا عنها الْعَدُوَّ وَهَزَمْنَاهُمْ، وقال الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بها مِنَّا، نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَخِفْنَا أَنْ يُصِيبَ الْعَدُوُّ منه غِرَّةً، وَاشْتَغَلْنَا بِهِ، فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}، فَقَسَمَهَا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على فَوَاقٍ بين المُسْلِمِينَ، قال: وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أَغَارَ في أَرْضِ الْعَدُوِّ نَفَلَ الرُّبُعَ، وإذا أَقْبَلَ رَاجِعًا وَكُلَّ الناس نَفَلَ الثُّلُثَ، وكَانَ يَكْرَهُ الأَنْفَال وَيَقُول: "لِيَرُدَّ قوي المُؤْمِنِينَ على ضَعِيفِهِمْ" (¬2). • وجه الدلالة: قال الخطابي: "أي: لا يُفضل أحد من أقوياء المؤمنين مما أفاء اللَّه عليهم لقوته على ضعيفهم لضعفه، ويستون في ذلك" (¬3). • ثانيًا: المعقول: 1 - لثبوت الحق للجماعة فيه (¬4). ¬
[177/ 177] لا يفضل في القسمة من ساق مغنما قل أو كثر
2 - ولأنه إنما تمكنوا منه بقوة المسلمين، ولأنهم جيش واحد وبعضهم ردء لبعض وإن تفرقوا (¬1).Rصحة الإجماع؛ لعدم وجود مخالف. [177/ 177] لا يفضل في القسمة من ساق مغنما قل أو كثر • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على ألا يُفضل في القسمة من ساق مغنمًا قل أو كثر على من لم يسق شيئًا. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "واتفقوا أنه لا يُفضل في القسمة من ساق مغنمًا قل أو كثر على من لم يسق شيئًا" (¬2) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (¬9). • وجه الدلالة: قال الجصاص: "فجعل بهذه الآية أربعة أخماس الغنيمة للغانمين، والخمس للوجوه المذكورة، ونسخ يه ما كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأنفال، إلا ما كان شرطه قبل إحراز الغنمية، نحو أن يقول: من أصاب شيئًا فهو له، ¬
ومن قتل قتيلًا فله سلبه" (¬1). • ثانيًا: السنة: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "بَعَثَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَكُنْتُ فيها، فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا أثنى عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بعيرًا، فَرَجَعْنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا" (¬2). • وجه الدلالة: قال الجصاص: "فبين في هذا الحديث سهمان الجيش، وأخبر أن النفل لم يكن من جملة الغنيمة، وإنما كان بعد السهمان، وذلك من الخمس" (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض فقهاء المالكية إلى القول بأنه لا يلزم الإمام قسمة الغنائم ولا تخميسها، وله أن يحرم بعض الغانمين. واحتجوا لذلك بما وقع في فتح مكة، وقصة حنين، وقالوا: إنه -صلى اللَّه عليه وسلم- فتح مكة عنوة بعشرة آلاف مقاتل، ومنَّ على أهلها فردها عليهم، ولم يجعلها غنيمة، ولم يقسمها على الجيش، فلو كان قسم الأخماس الأربعة على الجيش واجبًا لفعله -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا فتح مكة. قالوا: وكذلك غنائم هوازن في غزوة حنين، أعطى منها عطايا عظيمة جدًّا، ولم يعط الأنصار منها، مع أنهم من خيار المجاهدين الغازين معه -صلى اللَّه عليه وسلم -. . . قالوا: لو كان يجب قسم الأخماس الأربعة على الجيش الذي غنمها لما أعطى -صلى اللَّه عليه وسلم- ألفي ناقة من غنائم هوازن لغير الغزاة، ولما أعطى ما ملأ بين جبلين من الغنم لصفوان بن أمية، وفي ذلك اليوم أعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة من الإبل، وكذلك عيينة بن حصن الفزاري (¬4). وقد رد النووي هذا القول بأنه مخالف للإجماع (¬5). ¬
ومن أظهر الأجوبة عما وقع في فتح مكة: أن مكة ليست كغيرها من البلاد؛ لأنها حرام بحرمة اللَّه من يوم خلق السموات والأرض إلى يوم القيامة، وإنما أحلت له -صلى اللَّه عليه وسلم- ساعة من نهار، ولم تحل لأحد قبله ولا بعده، وما كان بهذه المثابة فليس كغيره من البلاد التي ليست لها هذه الحرمة العظيمة. وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، وهو أن النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة؛ ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم؛ لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين (¬1). كما اختلف الفقهاء في حكم المغنم من الأراضي، فقال البعض: يخير الإمام بين قسمتها كما يفعل بالذهب والفضة ولا خراج عليها، بل هي أرض عشر مملوكة للغانمين، وبين وقفها للمسلمين بصيغة، وقيل: بغير صيغة، ويدخل في ذلك تركها للمسلمين بخراج مستمر يؤخذ ممن تقر بيده، وهذا التخيير هو مذهب أبي حنيفة والثوري والإمام أحمد. واستدلوا بإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- فإن سيدنا عمر رضي اللَّه عنه لما فتح سواد العراق ترك الأرضي في أيديهم وضرب على رؤوسهم الجزية على أراضيهم الخراج بمحضر من الصحابة الكرام رضي اللَّه عنهم ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر فكان ذلك إجماعًا منهم (¬2). وأما مالك -رحمه اللَّه- فذهب إلى أنها تصير وقفًا للمسلمين بمجرد الاستيلاء عليها. مستدلًا بما روي: "أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص يوم افتتح العراق أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن الناس قد سألوك أن تقسم بينهم مغانمهم وما أفاء اللَّه عليهم، فإذا أتاك كتابي هذا فانظر ما أجلب الناس عليك إلى العسكر من كراع أو مال، فاقسمه بين من حضر من المسلمين واترك الأرضين والأنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين فإنك لو قسمتها بين من حضر لم يكن لمن بقي بعدهم شيء". ¬
[178/ 178] جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب
وأما الشافعي -رحمه اللَّه- فذهب إلى أنها غنيمة يجب قسمتها على المجاهدين بعد إخراج الخمس مستدلًا بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}. فدل ذلك على أن ما سوى الخمس للغانمين كما قال {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} فدل على أن ما سوى الثلث للأب (¬1).Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [178/ 178] جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أنه يجوز لأهل الجهاد إذا دخلوا دار الحرب أن يأكلوا طعامهم، ويعلفوا دوابهم، ما أقاموا في دارهم، ولا يحتسب من سهمهم. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) قال: "قال اللَّه -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ. . .} (¬2) الآية. ظاهره أن يكون الجميع غنيمة، إلا أنهم متفقون على إباحة أكل الأطعمة هناك، وإعلاف الدواب منها، فخص ذلك من الآية، وحكم العموم باق فيما عداها" (¬3) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع العلماء على أن أكل الطعام في دار الحرب مباح، وكذلك العلف، ما داموا في دار الحرب" (¬4) القاضي عياض (544 هـ) قال: "أجمع علماء المسلمين على إجازة كل طعام الحربيين، ما دام المسلمون فى دار الحرب، يأخذون منه قدر حاجتهم" (¬5). نقله النووي (676 هـ) (¬6) وملا علي القاري ¬
(1014 هـ) (¬1)، والعظيم آبادي (بعد 1310 هـ) (¬2) موفق الدين ابن قدامة (620 هـ) قال: "أجمع أهل العلم -إلا من شذ منهم- على أن للغزاة إذا دخلوا أرض الحرب أن يأكلوا مما وجدوا من الطعام، ويعلفوا دوابهم من أعلافهم" (¬3). نقله شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬4) محمد بن عبد الوهاب (1206 هـ) قال: "وأجمعوا -إلا من شذ- أن الغزو إذا دخلوا أرض الحرب أن لهم أن يأكلوا من طعامهم، ويعلفوا دوابهم من علفهم" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب والسنة والمعقول: • أولا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (¬11). • وجه الدلالة: أباح اللَّه -جل وعلا- الأكل من طعامهم. • ثانيًا: السنة: 1 - حديث ابْنِ عُمَرَ -رضي اللَّه عنهما- قَالَ: "كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ" (¬12). ¬
قال ابن قدامة: "فمن أخذ من الطعام شيئًا مما يقتات أو يصلح به القوت من الأدم وغيره أو العلف لدابته فهو أحق به، وسواء كان له ما يستغني به عنه، أو لم يكن له، ويكون أحق بما يأخذه من غيره، فإن فضل منه ما لا حاجة به إليه رده على المسلمين؛ لأنه إنما أبيح له ما يحتاج إليه، وإن أعطاه أحد من أهل الجيش ما يحتاج إليه جاز له أخذه، وصار أحق به من غيره" (¬1). 2 - حديث عبد اللَّه بن مُغَفَّلٍ -رضي اللَّه عنه- قال: "أَصَبْتُ جِرَابًا من شَحْمٍ يوم خَيْبَرَ، فَالْتَزَمْتُهُ، فقلت: لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا من هَذَا شَيْئًا، قال: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُتَبَسِّمًا" (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن العربي: "قال علماؤنا: تبسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دليل على أنه رأى حقًّا من أخذ الجراب، وحقًّا من الاستبداد به دون الناس، ولو كان ذلك لا يجوز لم يتبسم منه، ولا أقره عليه؛ لأنه لا يقر على الباطل إجماعًا" (¬3). • ثالثًا: المعقول: 1 - لأن الحاجة تدعو إلى هذا، وفي المنع منه مضرة بالجيش وبدوابهم، فإنه يعسر عليهم نقل الطعام والعلف من دار الإسلام، ولا يجدون بدار الحرب ما يشترونه، ولو وجدوه لم يجدوا ثمنه. 2 - ولا يمكن قسمة ما يأخذه الواحد منهم، ولو قسم لم يحصل للواحد منهم شيء ينتفع به ولا يدفع به حاجته، فأباح اللَّه -تعالى- لهم ذلك (¬4). • المخالفون للإجماع: شذ ابن شهاب الزهري عن الإجماع ومنع من إباحة الطعام للغزاة ما داموا في أرض الغزو. وسبب ذلك أنه ظن معارضة الآثار التي ¬
جاءت في تحريم الغلول للآثار الواردة في إباحة أكل الطعام (¬1). قال ابن عبد البر: "وقد روي عن الزهري أنه قال: لا يؤخذ الطعام في أرض العدو إلا بإذن الإمام. وهذا لا أصل له؛ لأن الآثار المرفوعة تخالفه، ولم يقل به فيما علمت غيره" (¬2).Rصحة الإجماع؛ لشذوذ المخالف. ¬
الفصل الثالث مسائل الإجماع في إحياء الموات
الفصل الثالث مسائل الإجماع في إحياء الموات [179/ 179] يجوز للإمام إقطاع موات الأرض لمن يملكه بالإحياء • المراد بالمسألة: الموات لغة: ضد الحياة. والمُوات -بضم الميم-: الموت. وبالفتح: ما لا روح فيه. والأرض الموات: هي الأرض التي لا مالك لها، ولا ينتفع بها أحد. وسميت مواتًا؛ لأنها خلت من العمارة، والسكان، من باب تسمية الشيء بالمصدر (¬1). الموات اصطلاحًا: تعددت تعريفات الفقهاء للموات، واختلفت عباراتهم: فذهب الحنفية في تعريفها إلى أنها: ما ليست مملوكة لأحد، ولا هي من مرافق البلد، وكانت خارجة عنها؛ سواء أقربت منه أم بعدت. وهذا قول محمد بن الحسن الشيباني، وعليه الفتوى (¬2). أما أبو يوسف فيرى أن الأرض الموات هي: التي لا ينتفع بها؛ لانقطاع الماء عنها، أو لغلبته عليها، أو لكونها منقطعة عن العمران، وما أشبه ذلك (¬3). وعرفها المالكية بأنها: الأرض التي لا مالك لها، ولا ينتفع بها (¬4). وقالوا أيضًا: هي الأرض التي لا عمارة فيها، ولا يملكها أحد (¬5). وعند الشافعية: هي كل ما لم يكن عامرًا، ولا حريمًا لعامر، قرب من العامر أو بعد (¬6). ¬
وعند الحنابلة: هي كل أرض بائرة، لم يعلم أنها ملكت، أو ملكها من لا عصمة لها (¬1). وقالوا أيضًا: هي الأرض المنفكة عن الاختصاصات، وملك معصوم (¬2). أو: هي الأرض الخراب الدارسة التي لم يجر عليها ملك لأحد، ولم يوجد فيه أثر عمارة (¬3). وبالنظر إلى هذه التعريفات نجد أنها تدور حول معنى واحد، وهو: أن الأرض الموات هي التي لا مالك لها، ولا ينتفع بها. الإحياء لغة: جعل الشيء حيًّا. وإحياء الأرض: مباشرتها بتأثير شيء فيها؛ من إحاطة، أو زرع، أو عمارة، ونحو ذلك، تشبيهًا بإحياء الميت (¬4). الإحياء اصطلاحًا: لا يخرج عن المعنى اللغوي، ولكن الفقهاء ذكروا تعريفات متفاوتة؛ مراعاة لاختلاف الشروط التي يراها كل منهم: فعرف الحنفية إحياء الموات بأنه: التسبب للحياة النامية ببناء أو غرس أو كرب (حراثة) أو سقي (¬5). وعند المالكية: لقب لتعمير بائر الأرض بما يقتضي عدم انصراف المعمر عن انتفاعه بها (¬6). وعند الشافعية: عمارة أرض لا مالك لها (¬7). وعند الحنابلة: تعمير الأرض بالعمارة العرفية لما يريده المالك (¬8). ويظهر من هذه التعريفات أن إحياء الموات: هو بث الحياة في الأرض الميتة ¬
التي لم يسبق تعميرها؛ للانتفاع بها، وإصلاحها بالبناء، أو الغرس، أو الحرث، أو السقي، والاستفادة منها بكل الوسائل التي تعود بالنفع على الإنسان، ضمن شروط معينة، وأعمال مخصوصة عرفًا، تتناسب مع طبيعة الأرض، والغرض المقصود منها. وقد اتفق العلماء على جواز أن يقطع الإمام موات الأرض لمن يملكه بالإحياء. وبيان ذلك: أن الأرض إذا كانت مما لا ينتفع بها بوجه من الوجوه، وكانت خارجة عن العمران، بعيدة عنه، وأقطعها الإمام شخصًا ليقوم بتحويلها من خراب إلى عمار، أو استثمارها باستصلاح ذاتها، فإنه يملكها بإحيائه لها. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "اتفقوا أن من أقطعه الإمام أرضًا لم يعمرها في الإسلام قط لا مسلم ولا ذمي ولا حربي، ولا كانت مما صالح عليها أهل الذمة، ولا كان فيها منتفع لمن يجاورها، ولا كانت في خلال المعمور، ولا بقرب معمور، بحيث إن وقف واقف في أدنى المعمور وصاح بأعلى صوته لم يسمعه من في أدنى ذلك العامر، فعمره الذي أقطعها، أو أحياها بحرث، أو حفر، أو غرس، أو جلب ماء لسقيها، أو بناء بناه، أنها لى ملك موروث عنه، يبيعها إن شاء، ويفعل فيها ما أحب" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). ¬
[180/ 180] الأراضي المملوكة بأسباب الملك لا تملك بالإحياء
• مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - عن حديث عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ" (¬1). 2 - حديث جَابِرِ بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- أن النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ له" (¬2). قال ابن حجر: "فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء، فتصير بذلك ملكه" (¬3).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [180/ 180] الأراضي المملوكة بأسباب الملك لا تملك بالإحياء • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أن الأرض التي يُعرف لها مالك معين غير منقطع، سواء ملكها بشراء أو عطية ونحو ذلك، أنها لا يجوز إحياؤها وتملكها لغير أهلها. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمع العلماء على أن ما عُرِف ملكًا لمالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه وملكه لأحد غير أربابه" (¬4). نقله ابن قدامة (620 هـ) (¬5) والبهوتي (1051 هـ) (¬6) ومحمد بن عبد الوهاب (1206 هـ) (¬7)، والرحيباني (1243 هـ) (¬8). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - حديث عَائِشَةَ -رضى اللَّه عنها- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ" (¬6). • وجه الدلالة: اشترط النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن لا يكون لها مالك؛ حتى يتملكها بالإحياء. قال ابن الجوزي: "أما إحياء الأرض التي لا مالك لها فجائز" (¬7). 2 - حديث سَعِيدِ بن زيْدٍ -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ له، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ" (¬8). قال الشافعي: "وجماع العرق الظالم: كل ما حُفر أو غُرس أو بُني ظلمًا في حق امرئ بغير خروجه منه" (¬9).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
[181/ 181] الأراضي المرفقة لا تملك بالإحياء
[181/ 181] الأراضي المرفقة لا تملك بالإحياء • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أن الأراضي التي تتعلق بمصالح القرية، كفنائها، ومرعى ماشيتها، ومحتطبها، وطرقها، ومسيل مائها، لا تُملك بالإحياء. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ). قال: "ما تعلق بمصالح القرية، كفنائها، ومرعى ماشيتها، ومحتطبها، وطرقها، ومسيل مائها، لا يُملك بالإحياء، ولا نعلم فيه أيضًا خلافًا بين أهل العلم" (¬1). نقله شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - حديث عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ" (¬8). 2 - حديث عمرو بن عوف المزني -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ أَحْيَا مَواتًا مِنَ الأَرْضِ فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ" (¬9). ¬
[182/ 182] لا يجوز لأحد أن يتحجر أرضا بغير إقطاع الإمام
قال الزركشي: "ومفهومه أن من أحيا أرضًا ميتة في حق مسلم لم تكن له، ولأن ذلك من مصالح المملوك فأُعطي حكمه" (¬1).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [182/ 182] لا يجوز لأحد أن يتحجر أرضًا بغير إقطاع الإمام • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن يتحجر أرضًا فلا هو أحياها، ولا تركها لمن يحييها. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "واتفقوا أنه لا يجوز لأحد أن يتحجر أرضًا بغير إقطاع الإمام، فيمنعها ممن يحييها، ولا يحييها هو" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - حديث عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ" (¬8). 2 - ما روي عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "كان الناس يتحجرون على عهد عمر -رضي اللَّه عنه-، فقال: من أحيا أرضًا فهي له" (¬9). ¬
[183/ 183] لا ينتزع الإمام الأرض ممن أحياها ما لم تكن معدنا
3 - ما روي عن عمرو بن شعيب أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقطع أناسًا من مزينة أو جهينة أرضًا فعطلوها، فجاء قوم فأحيوها، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: "لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر لرددتها، ولكن من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ". قال: وقال عمر: "من عطل أرضًا ثلاث سنين لم يعمرها، فجاء غيره فعمرها، فهي له" (¬1). قال ابن حجر: "كأن مراده بالتعطيل أن يتحجرها، ولا يحوطها ببناء ولا غيره" (¬2). 4 - جاء بلال بن الحارث المزني -رضي اللَّه عنه- إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاستقطعه أرضًا، فأقطعها له طويلة عريضة، فلما وُلِّي عمر -رضي اللَّه عنه- قال له: "يا بلال، إنك استقطعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أرضًا طويلة عريضة، فقطعها لك، وإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن يمنع شيئًا يُسأله، وأنت لا تطيق ما في يديك"، فقال: أجل، فقال: "فانظر ما قويت عليه منها فأمسكه، وما لم تطق وما لم تقو عليه فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين"، فقال: لا أفعل واللَّه شيئًا أقطعنيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال عمر: "واللَّه لتفعلن"، فأخذ منه ما عجز عن عمارته، فقسمه بين المسلمين (¬3).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [183/ 183] لا ينتزع الإمام الأرض ممن أحياها ما لم تكن معدنًا • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أن من أحيا أرضًا مواتًا، ليس فيها معدن ظاهر، فإنه يملكها ويحق له التصرف فيها، ولا يجوز للإمام أن ينتزعها منه، ولا أن يقطعها لأحد غيره. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "واتفقوا أن من ملك أرضًا محياة ليست معدنًا، فليس للإمام أن ينتزعها منه ولا أن يقطعها غيره" (¬4) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "لا خلاف بين العلماء أن الإمام لا يجوز له إقطاع ما قد ملك ¬
بإحياء، أو غيره مما يصح به الملك" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بما يلي: 1 - حديث عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أعمر أرضًا لَيْسَتْ لِأحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ" (¬7). 2 - حديث أَبْيَضَ بن حَمَّال -رضي اللَّه عنه-: "أَنَّهُ وَفَدَ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ الذي بِمَأرِبَ، فَقَطَعَهُ له، فلما أَنْ وَلَّى قال رَجُلٌ من المَجْلِسِ: أَتَدْرِي ما قَطَعْتَ له؟ إنما قَطَعْتَ له المَاءَ الْعِدَّ (¬8)! قال: فَانْتَزَعَ منه" (¬9). قال ملا علي القاري: "ومن ذلك عُلِم أن إقطاع المعادن إنما يجوز إذا كانت باطنة لا يُنال منها شيء إلا بتعب ومؤنة، كالملح والنفط والفيروزج والكبريت ونحوها، وما كانت ظاهرة يحصل المقصود منها من غير كد وصنعة لا يجوز إقطاعها، بل الناس فيها شرع، كالكلأ ومياه الأودية، وأن الحاكم إذا حكم ثم ظهر أن الحق في خلافه ينقض حكمه، ويرجع عنه" (¬10).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
[184/ 184] للإمام أن يحمي مكانا لترعى فيه خيل المجاهدين ونعم الجزية وإبل الصدقة وضوال الناس
[184/ 184] للإمام أن يحمي مكانا لترعى فيه خيل المجاهدين ونعم الجزية وإبل الصدقة وضوال الناس • المراد بالمسألة: الحمى لغة: حماه يحميه حماية دفع عنه، وهذا شيء حمى أي محظور لا يُقرب، وأحميت المكان جعلته حمى، وحميت القوم حماية ومحمية، وكل شيء دفعت عنه فقد حميته (¬1). الحمى اصطلاحًا: هو المكان المحمي، وهو خلاف المباح، ومعناه: أن يمنع من الإحياء من ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ، فترعاه مواش مخصوصة، وبمنع غيرها. وأصل الحمى عند العرب: أن الرئيس منهم كان إذا نزل منزلًا مخصبًا استعوى كلبًا على مكان عالٍ، فإلى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب، فلا يرعى فيه غيره، ويرعى هو مع غيره فيما سواه (¬2). وقد أجمع العلماء على أنه يجوز للإمام أن يحمي مكانًا لترعى فيه خيل المجاهدين، ونعم الجزية، وإبل الصدقة، وضوال الناس. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: "وللإمام أن يحمي مكانا لترعى فيه خيل المجاهدين ونعم الجزية وإبل الصدقة وضوال الناس التي يقوم بحفظها لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين ولأن عمر وعثمان رضي اللَّه عنهما حميا واشتهر في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعا" (¬3). نقله شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بحديث ابن عَبَّاسٍ-رضي اللَّه عنهما- أَنَّ الصعْبَ بن جَثَّامَةَ قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا حِمَى إلا للَّه وَلرَسُولِهِ"، وقال: "بَلَغَنَا أَنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حَمَى النَّقِيعَ (¬3)، وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى الشَّرفَ (¬4) وَالرَّبَذَةَ (¬5) " (¬6). قال الشافعي: "للخليفة خاصة دون الولاة أن يحمي على مثل ما حمى عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والذي عرفناه نصًّا ودلالة فيما حمى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه حمى النقيع، والنقيع بلد ليس بالواسع الذي إذا حمى ضاقت البلاد بأهل المواشي حوله، حتى يدخل ذلك الضرر على مواشيهم أو أنفسهم، كانوا يجدون فيما سواه من البلاد سعة لأنفسهم ومواشيهم، وأن ما سواه مما لا يُحمى أوسع منه، وأن النجع يمكنهم فيه، وأنه لو تُرك. فكان أوسع عليهم، لا يقع موقع ضرر بيَّن عليهم؛ لأنه قليل من كثير غير مجاوز القدر، وفيه صلاح لعامة المسلمين، بأن تكون الخيل المعدة لسبيل اللَّه، وما فضل من سهمان أهل الصدقات، وما فضل من النعم التي تؤخذ من أهل الجزية تُرعى فيه، فأما الخيل فقوة لجميع المسلمين، وأما نعم الجزية فقوة لأهل الفيء من المسلمين، ومسلك سبل ¬
الخير أنها لأهل الفيء المحامين المجاهدين، فيعاد بها على أهل سهمان الصدقة، لا يبقى مسلم إلا دخل عليه من هذا صلاح في دينه ونفسه" (¬1).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
الفصل الرابع مسائل الإجماع في أخذ أموال الزكاة
الفصل الرابع مسائل الإجماع في أخذ أموال الزكاة [185/ 185] للإمام المطالبة بالزكاة وأخذها ممن وجبت عليه • المراد بالمسألة: الزكاة لغة: هي النمو، والبركة، وزيادة الخير، يُقال: زكا الزرع إذا نما، وزكت النفقة إذا بورك فيها، وفلان زاك، أي: كثير الخير (¬1). وتُطلق -أيضًا- على التطهير، قال اللَّه -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)} (¬2)، أي: طهرها من الأدناس. وتُطلق -أيضًا- على المدح، قال اللَّه -تعالى-: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} (¬3)، أي: تمدحوها. الزكاة شرعًا: اسم لقدر مخصوص، من مال مخصوص، يجب صرفه لأصناف مخصوصة. وسُميت بذلك لأن المال ينمو ببركة إخراجها، ودعاء الآخذ لها، ولأنها تطهر مخرجها من الإثم، وتمدحه حتى تشهد له بصحة الإيمان (¬4). وقد اتفق العلماء على أن الإمام له أن يطالب الناس بزكاة أموالهم، ويأخذها ممن شهد بوجوبها عليه، أو قامت عليه بينة بذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "لا خلاف بين العلماء أن للإمام المطالبة بالزكاة، وأن من أقر بوجوبها عليه، أو قامت عليه بها بينة، كان للإمام أخذها منه" (¬5). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬6). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬6). وقول اللَّه -تعالى-: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (¬7). وقول اللَّه -تعالى-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (¬8). • وجه الدلالة: هذا أمر يقتضي الوجوب، والإيتاء: الإعطاء (¬9). • ثانيًا: السنة: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَشْهَدُوا أَنِ لَا إِلَهَ إلا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّه، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِك عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ على اللَّه" (¬10). ¬
[186/ 186] ليس على الإمام أن يشخص الناس لأخذ صدقات أموالهم
• وجه الدلالة: يُعلم منه أن من آمن صار معصومًا، وأن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاء من جملة الإيمان (¬1). • ثالثًا: الآثار: قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: "واللَّه لَأُقَاتِلَنَّ من فَرَّقَ بين الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فإن الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللَّه لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ على مَنْعِهَا". قال عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: "فَوَاللَّه ما هو إلا أَنْ رأيت أَنْ قد شَرَحَ اللَّه صَدْرَ أبي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ" (¬2).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [186/ 186] ليس على الإمام أن يشخص الناس لأخذ صدقات أموالهم • المراد بالمسألة: يشخص: يذهب، والشخوص: السير من بلد إلى بلد (¬3). وقد اتفقوا على أن الإمام ليس عليه أن يشخص الناس ليأخذ صدقات أموالهم، وإنما يوجه عماله إليهم. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: "أجمعوا على أن الزكاة كانت تدفع لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولرسله وعماله، وإلى من أمر بدفعها إليه" (¬4). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬5) ونقل ابن القطان (628 هـ) حكاية صاحب الإيجاز (¬6) للإجماع حيث قال: "والعلماء متفقون في أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن يشخص الناس ليأخذ صدقات أموالهم، وأنه كان يوجه عماله إليهم، وعلى هذا جرت سنة أئمة المسلمين إلى غايتنا هذه" (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} (¬6). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "أمر اللَّه -تعالى- رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن يأخُذَ من أموالهم صدقَة يطهرهم ويزكيهم بها، وهذا عام" (¬7). ونوقش: بأن هذا خطاب للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا يلتحق غيره فيه به (¬8). وأجيب عن ذلك: بما قاله ابن العربي: "هذا كلام جاهل بالقرآن، غافل عن مأخذ الشريعة، متلاعب بالدين، متهافت في النظر؛ فإن الخطاب في القرآن لم يرد بابًا واحدًا، ولكن اختلفت موارده على وجوه، منها في غرضنا هذه ثلاثة: الأول: خطاب توجه إلى جميع الأمة، كقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (¬9)، وكقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (¬10) ونحوه. الثاني: خطاب خص به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، كقوله: {فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (¬11)، ¬
[187/ 187] للإمام قبض الزكاة في المواشي
وكقوله في آية الأحزاب: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬1)، فهذان مما أفرد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهما، ولا يشركه فيهما أحد، لفظًا ومعنى؛ لما وقع القول به كذلك. الثالث: خطاب خص به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قولًا، ويشركه فيه جميع الأمة معنى وفعلًا، كقوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (¬2)، وكقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)} (¬3)، وكقوله {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (¬4). فكل من دلكت عليه الشمس مخاطب بالصلاة، وكذلك كل من قرأ القرآن مخاطب بالاستعاذة، وكذلك كل من خاف يقيم الصلاة بتلك الصفة، ومن هذا القبيل قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- الآمر بها، والداعي إليها، وهم المعطون لها" (¬5). • ثانيًا: السنة: حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لِمُعَاذِ بن جَبَل -رضي اللَّه عنه- حين بَعَثَهُ إلى الْيَمَنِ: ". . . فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قد فَرَضَ عليهم صَدَقَةً، تُؤْخَذ من أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ على فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لك بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِم" (¬6). • وجه الدلالة: قال ابن حجر: "قوله: "تُؤْخَذُ من أَغْنِيَائِهِمْ" استُدِل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها، إما بنفسه، وإما بنائبه" (¬7).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [187/ 187] للإمام قبض الزكاة في المواشي • المراد بالمسألة: أجمع العلماء على أن الإمام له أن يقبض الزكاة في المواشي. ¬
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "وَاتَّفَقُوا على أَن الإمام الْعدْل الْقرشِي إليه قبض الزَّكَاة فِي المَوَاشِي" (¬1) نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)} (¬8). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "أمر اللَّه -تعالى- رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن يأخُذَ من أموالهم صدقَة يطهرهم ويزكيهم بها، وهذا عام" (¬9). ونوقش: بأن هذا خطاب للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا يلتحق غيره فيه به (¬10). وأجيب عن ذلك: بما قاله ابن العربي: "هذا كلام جاهل بالقرآن، غافل عن مأخذ الشريعة، متلاعب بالدين، متهافت في النظر؛ فإن الخطاب في القرآن لم يرد بابًا واحدًا، ولكن اختلفت موارده على وجوه، منها في غرضنا هذه ثلاثة: الأول: خطاب توجه إلى جميع الأمة، كقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ¬
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (¬1) وكقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (¬2) ونحوه. الثاني: خطاب خص به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، كقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (¬3)، وكقوله في آية الأحزاب: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬4)، فهذان مما أفرد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بهما، ولا يشركه فيهما أحد، لفظًا ومعنى؛ لما وقع القول به كذلك. الثالث: خطاب خص به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قولًا، ويشركه فيه جميع الأمة معنى وفعلًا، كقوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (¬5)، وكقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)} (¬6)، وكقوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (¬7). فكل من دلكت عليه الشمس مخاطب بالصلاة، وكذلك كل من قرأ القرآن مخاطب بالاستعاذة، وكذلك كل من خاف يقيم الصلاة بتلك الصفة، ومن هذا القبيل قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- الآمر بها، والداعي إليها، وهم المعطون لها" (¬8). • ثانيًا: السنة: حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لِمُعَاذِ بن جَبَل -رضي اللَّه عنه- حين بَعَثَهُ إلى الْيَمَنِ: ". . . فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قد فَرَضَ عليهم صَدَقَةً، تُؤْخَذ من أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ على فُقَرَائِهِمْ، فَإنْ هُمْ أَطَاعُوا لك بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ" (¬9). ¬
[188/ 188] من امتنع عن أداء الزكاة أجبره الإمام على أدائها
• وجه الدلالة: قال ابن حجر: "قوله: "تُؤْخَذُ من أَغْنِيَائِهِمْ" استُدِل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها، إما بنفسه، وإما بنائبه" (¬1).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [188/ 188] من امتنع عن أداء الزكاة أجبره الإمام على أدائها • المراد بالمسألة: من امتنع عن أداء الزكاة مع إقراره بوجوبها عليه، يجب على الإمام أن يأخذها منه، وهذا باتفاق العلماء. • من نقل الإجماع: موفق الدين ابن قدامة (620 هـ) قال: "ولأن للإمام ولاية في أخذها -أي: الزكاة- ولذلك يأخذها من الممتنع اتفاقًا" (¬2). نقله شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3). الموافقون على الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬9). وقول اللَّه -تعالى-: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ ¬
[189/ 189] قتال مانعي الزكاة
حَصَادِهِ} (¬1). وقول اللَّه -تعالى-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} (¬2). • وجه الدلالة: هذا أمر يقتضي الوجوب، والإيتاء: الإعطاء (¬3). • ثانيًا: السنة: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّه، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِك عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ على اللَّه" (¬4). • وجه الدلالة: يُعلم منه أن من آمن صار معصومًا، وأن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاء من جملة الإيمان (¬5). • ثالثًا: الآثار: قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: "واللَّه لَأُقَاتِلَنَّ من فَرَّقَ بين الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فإن الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللَّه لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ على مَنْعِهَا". قال عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: "فَوَالله ما هو إلا أَنْ رأيت أَنْ قد شَرَحَ اللَّه صَدْرَ أبي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ" (¬6).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [189/ 189] قتال مانعي الزكاة • المراد بالمسألة: اتفقت الأمة على قتال الطوائف الممتنعة عن أداء الزكاة. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "اتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على قتالهم، حتى يؤدوا حق اللَّه في الزكاة" (¬7) القاضي عياض (544 هـ) ¬
قال: "أجمع المسلمون على قتل الممتنع عن أداء الصلاة والزكاة مكذبًا بهما" (¬1) ابن قدامة (620 هـ) قال: "أجمع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على قتال مانعي الزكاة" (¬2)، نقله شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3) ابن تيمية (728 هـ) قال: "يجب بإجماع المسلمين قتال كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، مثل: الطائفة الممتنعة عن إقامة الصلوات الخمس، أو عن أداء الزكاة" (¬4) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: "اتفق الصحابة على قتال من جحد الزكاة" (¬5). نقله المباركفوري (1353 هـ) (¬6). • الموافقون على الإجماع: "الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، والظاهرية (¬11). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬12). وقول اللَّه -تعالى-: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ ¬
[190/ 190] قبض الإمام زكاة الغائب والممتنع يجزئ عنه
حَصَادِهِ} (¬1). وقول اللَّه -تعالى-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} (¬2). • وجه الدلالة: هذا أمر يقتضي الوجوب، والإيتاء: الإعطاء (¬3). • ثانيًا: السنة: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّه، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِك عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ على اللَّه" (¬4). • وجه الدلالة: يُعلم منه أن من آمن صار معصومًا، وأن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاء من جملة الإيمان (¬5). • ثالثًا: الآثار: قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: "واللَّه لَأُقَاتِلَنَّ من فَرَّقَ بين الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فإن الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللَّه لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ على مَنْعِهَا". قال عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: "فَوَاللَّه ما هو إلا أَنْ رأيت أَنْ قد شَرَحَ اللَّه صَدْرَ أبي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ" (¬6). • وجه الدلالة: أنهم منعوا حقًّا واجبًا للَّه، وعلى الأئمة القيام بأخذه منهم، واتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على قتالهم حتى يؤدوا حق اللَّه في الزكاة (¬7).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [190/ 190] قبض الإمام زكاة الغائب والممتنع يجزئ عنه • المراد بالمسألة: اتفقت الأمة على أن قبض الإمام زكاة الغائب والممتنع ¬
يجزئ عنه، وليس عليه أن يعيدها ثانية. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "وَاتَّفَقُوا على أَن من قبض الإمام الَّذِي تجب إمامته زَكَاة مَاله وَهُوَ غَائِب لَا يعلم أَو مُمْتَنع، أَن ذَلِك يُجزئ عَنهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يُعِيدهَا ثَانِيَة" (¬1). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالكتاب، والسنة، والمعقول: • أولا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬8). وقول اللَّه -تعالى-: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (¬9). وقول اللَّه -تعالى-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} (¬10). • وجه الدلالة: عموم الآيات الواردة في الزكاة، فتعم من كان حاضرًا، ومن كان غائبًا. ¬
[191/ 191] من قتله الإمام لإنكاره الزكاة فدمه هدر
• ثانيًا: السنة: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّه، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فإذَا فَعَلُوا ذَلِك عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلا بِحَقِّ الإسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ على اللَّه" (¬1). • وجه الدلالة: انتفاء دليل اشتراط حضور المزكي في الحديث، والأحاديث التي توجب أداء الزكاة. • ثالثًا: المعقول: 1 - أن الزكاة قد أديت لتحقق شروطها، وإن كان غائبًا، وبه فقد حصل المقصود. 2 - أنه لا دليل على اشتراط كونه حاضرًا حال قبض الإمام زكاته. 3 - أن القول بعدم الإجزاء يقتضي أدائها مرتين، وهو لا يجوز، فدل على الإجزاء.Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [191/ 191] من قتله الإمام لإنكاره الزكاة فدمه هدر • المراد بالمسألة: الاتفاق على أن من منع الزكاة وقاتل دونها حتى قُتل، فدمه هدر، وتؤخذ من ماله. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: "لا خلاف بين العلماء أن للإمام المطالبة بالزكاة، وأن من أقر بوجوبها عليه، أو قامت عليه بها بينة، كان للإمام أخذها منه، وعلى هذا يجب على من امتنع من أدائها، ونصب الحرب دونها، أن يُقاتِل مع الإمام، فإن أتى القتال على نفسه فدمه هدر، ويؤخذ منه ماله (¬2). نقله ابن القطان (628 هـ) (¬3). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة والآثار: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬6). وقول اللَّه -تعالى-: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (¬7). وقول اللَّه -تعالى-: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} (¬8). • وجه الدلالة: هذا أمر يقتضي الوجوب، والإيتاء: الإعطاء (¬9). • ثانيًا: السنة: حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّه، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فإذَا فَعَلُوا ذَلِك عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ على اللَّه" (¬10). • وجه الدلالة: أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاء من جملة الإيمان (¬11). ¬
[192/ 192] للإمام أن يفرض في أموال المسلمين زيادة عن الزكاة للصالح العام حال الاحتياج إليها.
• ثالثًا: الآثار: قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: "واللَّه لَأُقَاتِلَنَّ من فَرَّقَ بين الصلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فإن الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللَّه لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ على مَنْعِهَا". قال عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: "فَوَاللَّه ما هو إلا أَنْ رأيت أَنْ قد شَرَحَ اللَّه صَدْرَ أبي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ" (¬1). • وجه الدلالة: أنهم منعوا حقًّا واجبًا للَّه، وعلى الأئمة القيام بأخذه منهم، واتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على قتالهم حتى يؤدوا حق اللَّه في الزكاة (¬2).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [192/ 192] للإمام أن يفرض في أموال المسلمين زيادة عن الزكاة للصالح العام حال الاحتياج إليها. • المراد بالمسألة: اتفقت الأمة أن على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات ولا فيء سائر أموال المسلمين بهم، فيُقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة (¬3). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "صح عن أبي عبيدة بن الجراح وثلاثمائة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أن زادهم فني، فأمرهم أبو عبيدة، فجمعوا أزوادهم في مزودين، وجعل يقوتهم إياها على السواء، فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لا مخالف لهم منهم" (¬4) ابن العربي (546 هـ) قال: "إذا وقع أداء الزكاة، ونزلت بعد ذلك حاجة، فإنه يجب صرف المال إليها، باتفاق من العلماء" (¬5) القرطبي (671 هـ) قال: "اتفق العلماء على ¬
أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها، قال مالك -رحمه اللَّه-: يجب على الناس فداء أسراهم، وإن استغرق ذلك أموالهم، وهذا إجماع أيضًا" (¬1) نقله ابن مفلح (763) (¬2) أبو حيان الأندلسي (745 هـ) قال: "أجمع المسلمون على أنه إذا نزل بالمسلمين حاجة وضرورة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها" (¬3) المناوي (1031 هـ) قال: "في المال حق سوى الزكاة كفكاك الأسير، وإطعام المضطر، وسقي الظمآن، وعند منع الماء والملح والنار، وإنقاذ محترف أشرف على الهلاك، ونحو ذلك، قال ابن عبد الحق: قام الإجماع على وجوبها، وإجبار الأغنياء عليها" (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). ¬
• مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} (¬1). • وجه الدلالة: قال الجصاص: "فيها حث على الصدقة، ووعد بالثواب عليها؛ وذلك لأن أكثر ما فيها أنها من البر، وهذا لفظ ينطوي على الفرض والنفل، إلا أن في سياق الآية ونسق التلاوة ما يدل على أنه لم يرد به الزكاة؛ لقوله -تعالى- {أَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}، فلما عطف الزكاة عليها دل على أنه لم يرد الزكاة بالصدقة المذكورة قبلها. ومن الناس من يقول: أراد به حقوقًا واجبة في المال سوى الزكاة، نحو: وجوب صلة الرحم إذا وجده ذا ضر شديد، ويجوز أن يريد من قد أجهده الجوع حتى يُخاف عليه التلف، فيلزمه أن يعطيه ما يسد جوعته" (¬2). قال ابن العربي: "والصحيح عندي أنهما فائدتان: الإيتاء الأول: في وجوهه، فتراه يكون ندبًا وتارة يكون فرضًا. والإيتاء الثاني: هو الزكاة المفروضة" (¬3). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (¬4). • وجه الدلالة: قال العيني: "ومعناه: أن المؤمنين يلزمهم القربة في أموالهم للَّه -تعالى- عند توجه الحاجة إليهم؛ ولهذا قال كثير من العلماء: إن في المال حقًّا سوى الزكاة" (¬5). ¬
• ثانيًا: السنة النبوية: الدليل الأول: حديث فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ -رضي اللَّه عنها- قَالَتْ: سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: "إِنَّ في المَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ". ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ التي في الْبَقَرَةِ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ. . .} الآيَةَ (¬1). • وجه الدلالة: النص على أن في المال حقًا غير الزكاة. قال الجصاص: "وجائز أن يريد بقوله: "في المال حق سوى الزكاة" ما يلزم من صلة الرحم، بالإنفاق على ذوي المحارم الفقراء، ويحكم به الحاكم عليه لوالديه وذوي محارمه، إذا كانوا فقراء عاجزين عن الكسب، وجائز أن يريد به ما يلزمه من طعام الجائع المضطر، وجائز أن يريد به حقًّا مندوبًا إليه لا واجبًا" (¬2). ونوقش: بأن الحديث ضعيف، كما صرح بذلك الترمذي عقب تخريجه، وحكم أنه من قول الشعبي أصح (¬3). الدليل الثاني: حديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي -رضي اللَّه عنه- قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَىَ رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ ¬
لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ". قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ (¬1). • وجه الدلالة: فيه إيجاب إنفاق الفضل من الأموال (¬2). الدليل الثالث: حديث عَلِيِّ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللَّه فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ المُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ، وَلَنْ تُجْهَدَ الْفُقَرَاءُ إِذَا جَاعُوا وَعَرُوا إِلَّا لمَا يَصْنَعُ أغْنِيَاؤُهُمْ، أَلا وَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُحَاسِبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِسَابًا شَدِيدًا، ثم يُعَذِّبَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" (¬3). • وجه الدلالة: أن في مال الأغنياء حقًّا للفقراء عند حاجتهم إليه على سبيل الوجوب؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّه فَرَضَ"؛ فدل ذلك على جواز أن يُفرض على الأغنياء ما يسد حاجة الفقراء عند عدم كفاية الزكاة. الدليل الرابع: حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ -رضي اللَّه عنهما- أَنَّ أَصحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ". وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- بِعَشَرَةٍ (¬4). • وجه الدلالة: قال ابن حجر: "فيه جواز التوظيف في المخمصة، أي: حال الجوع الشديد" (¬5). • من خالف الإجماع: ذهب فريق من أهل العلم إلى أنه لا يجب في المال ¬
حق سوى الزكاة، وبه قال ابن عباس (¬1)، وابن سيرين (¬2)، وقال ابن حجر العسقلاني: "وقد قامت الأدلة عند الشافعية أنه لا يجب في المال حق سوى الزكاة" (¬3)، وهو مذهب الزيدية (¬4). • واستدلوا بأدلة، منها: 1 - حديث أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَالَ: دلني عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَال: "تَعْبُدُ اللَّه لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّى الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ". قَال: والذي نفسي بيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى قَال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا" (¬5). • وجه الدلالة: أنه إذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحا لأنه أتى بما عليه ومن أتى بما عليه فهو مفلح (¬6). 2 - حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ، فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ" (¬7). • وجه الدلالة: قال الجصاص: "فهذه الأخبار يحتج بها من تأول حقًّا معلومًا على الزكاة، وأنه لا حق على صاحب المال غيرها" (¬8). ¬
[193/ 193] للإمام أن ينشئ ديوانا للأموال العامة
3 - ولأن الإسلام احترم الملكية الخاصة، بل وحرَّم التعدي على الأموال كما حرم الدماء والأعراض، ولِمَا سبق من أدلة في ذم المكس ومنع العشور. وقد أجاز مجمع البحوث الإسلامية (¬1) فرض الإمام أموال على الأغنياء قدر ما يكفي حاجات البلاد العامة، بالشرائط التالية: الأول: أن تكون هناك حاجة حقيقية بالدولة إلى المال، ولا يوجد مورد آخر لتحقيق الأهداف وإقامة المصالح، دون إرهاق الناس بالتكاليف. الثاني: أن توزع أعباء الضرائب بالعدل، بحيث لا يُرهق فريق من الرعية لحساب فريق آخر، ولا تُحابى طائفة وتُكلف أخرى. الثالث: أن تُصرف الضريبة في المصالح العامة للأمة. الرابع: موافقة أهل الشوري والرأي في الأمة؛ لأن الأصل في أموال الأفراد الحرمة، والأصل أيضًا براءة الذمة من الأعباء والتكاليف.Rعدم صحة الإجماع؛ لوجود الخلاف. [193/ 193] للإمام أن ينشئ ديوانًا للأموال العامة • المراد بالمسألة: اتفق العلماء على أن الإمام له أن يستحدث ديوانًا يجمع فيه الأموال العامة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "وَاتَّفَقُوا أن للإمام إن رأى أن يجمع الْمُسلمين على ديوَان فَلهُ ذَلِك" (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، ¬
[194/ 194] للإمام تقسيم الأموال العامة في المصالح العامة
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بالآثار: • أولًا: الآثار: تدشين عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أول ديوان في عصره، فسنّ ذلك لمن بعده. قال ابن تيمية: "ولم يكن للأموال المقبوضة والمقسومة ديوان جامع على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر -رضي اللَّه عنه-، بل كان يقسم المال شيئًا فشيئًا، فلما كان في زمن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- كثر المال، واتسعت البلاد، وكثر الناس، فجعل ديوان العطاء للمقاتلة وغيرهم، وديوان الجيش في هذا الزمان مشتمل على أكثره، وذلك الديوان هو أهم دواوين المسلمين، وكان للأمصار دواوين الخراج والفيء وما يقبض من الأموال، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وخلفاؤه يحسابون العمال على الصدقات والفيء وغير ذلك، فصارت الأموال في هذا الزمان وما قبله ثلاثة أنواع: نوع يستحق الإمام قبضه بالكتاب والسنة والإجماع كما ذكرناه، ونوع يحرم أخذه بالإجماع، كالجنايات التي تؤخذ من أهل القرية لبيت المال لأجل قتيل قتل بينهم وإن كان له وارث، أو على حد ارتكب، وتسقط عنه العقوبة بذلك، وكالمكوس التي لا يسوغ وضعها اتفاقًا، ونوع فيه اجتهاد وتنازع، كمال من له ذو رحم، وليس بذي فرض ولا عصبة، ونحو ذلك" (¬3).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [194/ 194] للإمام تقسيم الأموال العامة في المصالح العامة • المراد بالمسألة: الاتفاق على أنه يجوز للإمام تقسيم الأموال العامة بغية الصالح العام. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: "وَاتَّفَقُوا أنه إن كَانَ هُنَالك مَال ¬
فَاضل لَيْسَ من أموال الصَّدَقَة، وَلَا الْخمس، وَلَا مِمَّا جلا أَهله عَنهُ خوف مضرَّة المُسلمين وَقبل حلولهم بِهِ، لكنه من وَجه آخر لَا يسْتَحقّهُ أحد بِعَيْنِه، وَلَا أهل صفة بِعَينهَا، فَرَأى الإمام قسمته على المُسلمين على مَا يرى من الِاجْتِهَاد لَهُم، غير محاب لقرابة وَلَا لصداقة" (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: ويستدل على ذلك بحديث أَبِى سعِيدٍ الْخُدْرِي -رضي اللَّه عنه- قَالَ: بَعَثَ عَلِىٌّ -رضي اللَّه عنه- وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِى تُرْبَتِهَا (¬7) إِلَى رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِي، وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِي، وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ الْعَامِرِي، ثُمَّ أَحَدُ بَنِى كِلَابٍ، وَزَيْدُ الْخَيْرِ الطَّائِي، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي نَبْهَانَ (¬8). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يتألف قلوب أولئك القوم من الصدقات، ومن غيرها (¬9).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
[195/ 195] يحرم على الولاة أخذ أموال الناس بغير حق
[195/ 195] يحرم على الولاة أخذ أموال الناس بغير حق • المراد بالمسألة: اتفق أهل العلم على حرمة أخذ الولاة لأموال الناس بغير حق. • من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) قال: "أجمع جميع الخاصة والعامة أن اللَّه -عز وجل- حرَّم أخذ مال امرئ مسلم أو معاهد بغير حق، إذا كان المأخوذ منه ماله، غير طيب النفس بأن يؤخذ منه ما أخذ، وأجمعوا جميعًا أن آخذه على السبيل التي وصفنا بفعله آثم، وبأخذه ظالم" (¬1) ابن المنذر (319 هـ) قال: "وقد أجمع أهل العلم أن اللَّه -عز وجل- حرّم أموال المسلمين والمعاهدين بغير حق" (¬2) ابن حزم (456 هـ) قال: "اتَّفَقُوا أَن المراصد (¬3) المَوْضُوعَة للمغارم على الطّرق، وعند أَبْوَابْ المدن، ومَا يُؤْخَذ في الأسواق من المكوس على السّلع المجلوبة من المَارَّة والتجار، ظلم عَظِيم، وَحرَام، وَفسق" (¬4). نقله ابن تيمية (728 هـ) (¬5) ابن عبد البر (463 هـ) قال: "أجمعوا أنه لا يحل ملك مالك، إلا عن طيب نفسه" (¬6) ابن رشد الحفيد (595 هـ) قال: "لا يحل مال أحد إلا بطيب نفس منه، كما قال عليه الصلاة والسلام، وانعقد عليه الإجماع" (¬7) ابن قدامة (620 هـ) قال: "وأجمع المسلمون على تحريم الغصب في الجملة" (¬8) ابن تيمية (728 هـ) قال: "فصارت الأموال في هذا ¬
الزمان وما قبله ثلاثة أنواع: نوع يستحق الإمام قبضه بالكتاب والسنة والإجماع كما ذكرناه، ونوع يحرم أخذه بالإجماع، كالجبايات التي تؤخذ من أهل القرية لبيت المال؛ لأجل قتيل قُتل بينهم وإن كان له وارث، أو على حد ارتكبه، وتسقط عنه العقوبة بذلك، وكالمكوس التي لا يسوغ وضعها اتفاقًا" (¬1) الرحيباني (1243 هـ) قال: "يحرم تعشير أموال المسلمين -أي أخذ عشرها- والكُلَف -أي الضرائب- التي ضربها الملوك على الناس بغير طريق شرعي إجماعًا" (¬2) الشوكاني (1250 هـ) قال: "ولا شك أن من أكل مال مسلم بغير طيب نفسه آكل له بالباطل، ومصرح به في عدة أحاديث. . . ومجمع عليه عند كافة المسلمين" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: الدليل الأول: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} إلى قوله -تعالى-: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} (¬9). ¬
• وجه الدلالة: قال القرطبي: "يأخذون من الناس ما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر، فضمنوا ما لا يجوز ضمان أصله؛ من الزكاة والمواريث والملاهي، والمترتبون في الطرق، إلى غير ذلك مما قد كثر في الوجود، وعُمِل به في سائر البلاد، وهو من أعظم الذنوب وأكبرها وأفحشها، فإنه غصب، وظلم، وعسف على الناس، وإذاعة للمنكر، وعمل به، ودوام عليه، وإقرار له" (¬1). الدليل الثاني: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "ينهى اللَّه -تبارك وتعالى- عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضًا بالباطل، أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية" (¬3). وقال القرطبي: "الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق. فيدخل في هذا: القمار، والخداع، والغصوب، وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه، كمهر البغي، وحلوان الكاهن، وأثمان الخمور والخنازير، وغير ذلك" (¬4). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا. . . " (¬5). • وجه الدلالة: قال النووي: "المراد بهذا كله بيان توكيد غلظ تحريم الأموال والدماء والأعراض، والتحذير من ذلك" (¬6). ¬
[196/ 196] تحريم السرقة من مال الدولة
الدليل الثاني: حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ منه" (¬1). • وجه الدلالة: قال أبو العباس القرطبي: "إنما كان هذا؛ لأن أصل الأملاك بقاؤها على ملك مُلَّاكِها، وتحريمها على غيرهم" (¬2).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. [196/ 196] تحريم السرقة من مال الدولة • المراد بالمسألة: اتفق أهل العلم على حرمة السرقة من أموال الدولة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال -في شأن من سرق من بيت المال أو من الغنيمة-: "وكونه له في بيت المال وفي المغنم نصيب لا يبيح له أخذ نصيبا غيره؛ لأنه حرام عليه بإجماع، لا خلاف فيه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: يستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة: • أولًا: الكتاب: قول اللَّه -تعالى-: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬9). • وجه الدلالة: قال القرطبي: "الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد ¬
-صلى اللَّه عليه وسلم- والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق. فيدخل في هذا: القمار، والخداع، والغصوب، وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه، كمهر البغى، وحلوان الكاهن، وأثمان الخمور والخنازير، وغير ذلك" (¬1). • ثانيًا: السنة: الدليل الأول: حديث أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا. . . " (¬2). • وجه الدلالة: قال النووي: "المراد بهذا كله بيان توكيد غلظ تحريم الأموال والدماء والأعراض، والتحذير من ذلك" (¬3). الدليل الثاني: حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ منه" (¬4). • وجه الدلالة: قال أبو العباس القرطبي: "إنما كان هذا؛ لأن أصل الأملاك بقاؤها على ملك مُلَّاكِها، وتحريمها على غيرهم" (¬5).Rصحة الإجماع؛ لعدم المخالف. ¬
الخاتمة
الخاتمة هذه خاتمة المطاف، ونهاية الاقتطاف، فلله الحمد أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، على جميل صنعه، وبديع معروفه. وقد خرجت من هذا البحث المستفيض في "مسائل الإجماع في الأحكام السلطانية" بالنتائج الآتية: 1 - يُعد الإجماع المصدر الثالث من مصادر التشريع، فقد أجمع العلماء على حجيته، واشترطوا معرفته لبلوغ رتبة الاجتهاد، ولا يحل لمكلف أن يُخالف الإجماع بعد أن علمه، قال اللَّه -تعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} (¬1). 2 - معرفة مسائل الإجماع في أبواب الأحكام السلطانية يساعد على معرفة حقوق وواجبات كل من الإمام والرعية. 3 - كثرة المسائل التي نقل العلماء الإجماع فيها، فقد بلغ إجمالي عدد المسائل محل البحث (208) مسألة، تحقق الإجماع في (151) مسألة، ولم يقف الباحث على صحة الإجماع في بقيتها. 4 - من خلال ما قمت ببحثه من مسائل في هذه الرسالة اطلعت على عدد وفير من كتب الفقه، لاحظت فيها ندرة نصوص الإجماع الواردة عن علماء الصدر الأول من هذه الأمة، ويرجع ذلك -من وجهة نظر الباحث- إلى أن الصحابة -رضوان اللَّه عليهم- كانوا يسعون إلى الإجماع بطريق الشورى، واستخراج آراء الفقهاء الذين عدوا من المجتهدين في ذلك العصر، وذلك بعد أن تنال المسألة قسطًا وافرًا من البحث فى الأدلة السمعية، فإذا عُدِموا هذا الدليل أخذوا بآراء الفقهاء وذوي الرأي. ¬
التوصيات
وليس ذلك كالإجماع الكامل المعروف بين الفقهاء، والذي ينشأ عن جميع آراء الفقهاء والمجتهدين صراحة في المسألة. فلما بعد العهد عن عصر التشريع، دخل التأويل على بعض نصوص الكتاب والسنة، وكثر الخلاف بين الطوائف والمذاهب الإسلامية، فاحتيج للإجماع كدليل متفرع عن الكتاب والسنة وليس ندًّا لهما. 5 - هناك نوع تساهل بين العلماء في إطلاق الإجماع، فمنهم من يعتد بخلاف الواحد والاثنين، ومنهم من لا يعتد بذلك، ومنهم من ينقله ويقصد به قول الجماهير من الفقهاء، ومنهم من يقصد به إجماع المذهب عندهم، وكثير منهم يسوق الإجماع من غير ذكر المستند عليه؛ لكونه حاضرًا في أفهامهم، مما تطلَّب بحثًا مضنيًا ومراجعة حثيثة للوصول إلى ما استند إليه ذلك الإجماع. 6 - أن الحسبة من الأسس التي ينبغي أن تقوم عليه الدولة الإسلامية. 7 - أن الأوضاع الراهنة والأحداث الجارية تدل على وجوب الاحتكام إلى ما أنزل اللَّه -عز وجل- في تنظيم العلاقة بين الراعي والرعية. أما التوصيات: فيوصي الباحث بجمع المسائل التي صح الإجماع عليها في هذه الرسالة إلى مثيلاتها من المسائل التي بحثها الزملاء في المشروع الذي يرعاه قسم الثقافة الإسلامية بكلية التربية بالجامعة، على أن يتم صياغته وترتيبه بما يسمح بطباعته وتداوله بين الطلاب، فوجود مسائل الإجماع في مؤلفات خاصة بها يُعين طلاب العلم والمشتغلين بالفقه الإسلامي على الوقوف على تلك المسائل والاستفادة منها، كما يُسهم فى تضييق دائرة الخلاف بين المسلمين. وفي ختام هذه الرسالة أسألُ اللَّه -عز وجل- للجميع الهداية والتوفيق إلى صِراطه المستقيم، وأن يُرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه. وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فهرس المصادر والمراجع
فهرس المصادر والمراجع أولا: كتب التفسير وعلوم القرآن: 1 - أحكام القرآن، أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، طبعة 1405 هـ. 2 - أحكام القرآن، أبو بكر محمد بن عبد اللَّه بن العربي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الفكر، بيروت. 3 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، دار الفكر، بيروت، طبعة 1415 هـ. 4 - تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم)، إسماعيل بن عمر بن كثير، دار الفكر، بيروت، طبعة 1401 هـ. 5 - تفسير البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي، تحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي محمد معوض، وغيرهم، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ. 6 - تفسير الخازن المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل، علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي الشهير بالخازن، دار الفكر، بيروت، طبعة 1399 هـ. 7 - تفسير الطبري (جامع البيان)، محمد بن جرير الطبري، دار الفكر، بيروت، طبعة 1405 هـ. 8 - تفسير القرآن، عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: مصطفى مسلم محمد، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1410 هـ. 9 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: ابن عثيمين، مؤسسة الرسالة، بيروت، طبعة 1421 هـ. 10 - الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد القرطبي، دار الشعب، القاهرة.
ثانيا: كتب الحديث وعلومه
11 - الجواهر الحسان في تفسير القرآن، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. 12 - زاد المسير في علم التفسير، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة 1404 هـ. 13 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي الشوكاني، دار الفكر، بيروت. 14 - اللباب في علوم الكتاب، عمر بن علي بن عادل الدمشقي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد عوض، وغيرهما، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ. 15 - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية الأندلسي، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1413 هـ. ثانيًا: كتب الحديث وعلومه: 16 - الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار الكتب العربي، بيروت، طبعة 1404 هـ. 17 - إكمال إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم، أبو عبد اللَّه محمد بن خلفة الوشتاني الأبي المالكي، دار الكتب العلمية، بيروت. 18 - إكمال المعلم بفوائد مسلم، أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي، تحقيق: يحيى إسماعيل، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، الطبعة الأولى 1419 هـ. 19 - البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بابن الملقن، تحقيق: مصطفى أبو الغيط، وعبد اللَّه بن سليمان، وياسر بن كمال، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى 1425 هـ. 20 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا، تحقيق: عبد الرحمن عثمان، دار الفكر، بيروت.
21 - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ. 22 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ. 23 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري، تحقيق: مصطفى العلوي، ومحمد البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، طبعة 1387 هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1407 هـ. 24 - تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول اللَّه من الأخبار، أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، تحقيق: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة. 25 - الحطة في ذكر الصحاح الستة، أبو الطيب السيد صديق حسن القنوجي، دار الكتب التعليمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ. 26 - الدراية في تخريج أحاديث الهداية، شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد اللَّه هاشم اليماني، دار المعرفة، بيروت. 27 - السنة، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال، تحقيق: عطية الزهراني، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى 1410 هـ. 28 - السنة، عبد اللَّه بن الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: محمد سعيد القحطاني، دار ابن القيم، الدمام، الطبعة الأولى 1406 هـ. 29 - السنة، عمرو بن أبي عاصم الضحاك الشيباني، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1400 هـ. 30 - سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد أبو عبد اللَّه القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.
31 - سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، تحقيق: محمد محي الدين، دار الفكر، بيروت. 32 - سنن الترمذي (الجامع الصحيح)، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، تحقيق: أحمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 33 - سنن الدارقطني، علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، تحقيق: عبد اللَّه هاشم يماني، دار المعرفة، بيروت، طبعة 1386 هـ. 34 - السنن الكبرى، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، طبعة 1414 هـ. 35 - السنن الكبرى، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، تحقيق: عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ. 36 - شرح السنة، الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، دمشق/ بيروت، الطبعة الثانية 1403 هـ. 37 - شرح صحيح البخارى، أبو الحسن علي بن خلف بن بطال القرطبي، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثانية 1423 هـ. 38 - شرح مشكل الآثار، أحمد بن محمد بن سلامة أبو جعفر الطحاوي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1415 هـ. 39 - شعب الإيمان، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1410 هـ. 40 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1414 هـ.
41 - صحيح ابن خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر السلمي النيسابوري، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، طبعة 1390 هـ. 42 - صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبد اللَّه البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير ابن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة الأولى 1422 هـ. 43 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 44 - صحيح وضعيف سنن أبي داود، ناصر الدين الألباني، برنامج منظومة التحقيقات الحديثية -المجاني- من إنتاج مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية. 45 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني، تحقيق: عبد اللَّه عمر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ. 46 - عون المعبود شرح سنن أبي داود، أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1388 هـ. 47 - فتح الباري شرح صحيح البخاري، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، طبعة 1379 هـ. 48 - كشف المشكل من حديث الصحيحين، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، دار الوطن، الرياض، طبعة 1418 هـ (1/ 325). 49 - اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، جلال الدين السيوطي، تحقيق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ. 50 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الريان للتراث/ دار الكتاب العربي، القاهرة/ بيروت، طبعة 1407 هـ.
51 - مرقاة المفاتيح، ملا علي القاري، تحقيق: جمال عيتاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ. 52 - المجتبى من السنن، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة الثانية 1406 هـ. 53 - المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبد اللَّه أبو عبد اللَّه الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ. 54 - مسند أبي يعلى، أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، الطبعة الأولى 1404 هـ. 55 - المسند، أحمد بن حنبل أبو عبد اللَّه الشيباني، مؤسسة قرطبة، مصر. 56 - مسند عبد بن حميد، عبد بن حميد بن نصر أبو محمد الكسي، تحقيق: صبحي البدري، ومحمود الصعيدي، مكتبة السنة، القاهرة، الطبعة الأولى 1408 هـ. 57 - مصباح الزجاجة، أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني، تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي، دار الكتب العربية، بيروت، الطبعة الثانية 1403 هـ. 58 - المصنف، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1403 هـ. 59 - المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1409 هـ. 60 - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، تحقيق: سعد بن ناصر الشثري، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى 1419 هـ. 61 - معالم السنن، أبو سليمان أحمد بن محمد الخطابي البستي، مطبعة محمد راغب الطباخ، حلب، سوريا، الطبعة الأولى 1351 هـ.
ثالثا: كتب الإجماع
62 - المعتصر من المختصر من مشكل الآثار، يوسف بن موسى بن محمد، أبو المحاسن جمال الدين المَلَطي الحنفي، عالم الكتب، بيروت. 63 - المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض اللَّه، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، طبعة 1415 هـ. 64 - المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة الزهراء، الموصل، الطبعة الثانية 1404 هـ. 65 - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، أبو العبَّاس القرطبيُّ، تحقيق: محيي الدين ديب وآخرين، دار ابن كثير - الكلم الطيب، دمشق - بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ. 66 - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1392 هـ. 67 - الموضوعات، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق: توفيق حمدان، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ. 68 - الموطأ، مالك بن أنس أبو عبد اللَّه الأصبحي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، مصر. 69 - نصب الراية لأحاديث الهداية، عبد اللَّه بن يوسف الزيلعي، تحقيق: محمد يوسف البنوري، دار الحديث، مصر. 70 - نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار الجيل، بيروت، طبعة 1973 م. ثالثًا: كتب الإجماع: 71 - الإجماع، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، دار المسلم للنشر والتوزيع، تحقيق: فؤاد عبد المنعم أحمد، الطبعة الأولى 1425 هـ. 72 - الإجماع، يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1429 هـ.
رابعا: كتب المذهب الحنفي
73 - الإقناع في مسائل الإجماع، أبو الحسن ابن القطان، تحقيق: حسن الصعيدي، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1424 هـ. 74 - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، دار الكتب العلمية، بيروت. 75 - حجية الإجماع وموقف العلماء منه، محمد محمود فرغلي، دار الكتاب الجامعي 1403 هـ. 76 - المسائل الفقهية التي حكى فيها الإمام النووي الإجماع (دراسة أصولية تطبيقية)، علي ابن أحمد العميري الراشدي، دار الهدي النبوي ودار الفضيلة، المنصورة، الطبعة الأولى 1431 هـ. رابعًا: كتب المذهب الحنفي: 77 - الاختيار لتعليل المختار، عبد اللَّه بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، تحقيق: عبد اللطيف محمد عبد الرحمن دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة 1426 هـ. 78 - إيثار الإنصاف في آثار الخلاف، سبط ابن الجوزي، تحقيق: ناصر العلي الناصر الخليفي، دار السلام، القاهرة، الطبعة الأولى 1458 هـ. 79 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين ابن نجيم الحنفي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية. 80 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني، دار الكتاب العربي، بيروت، طبعة 1982 م. 81 - بريقة محمودية، محمد بن محمد بن مصطفى الخادمي، دار إحياء الكتب العربية. 82 - البناية في شرح الهداية، محمود بن أحمد العيني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1411 هـ. 83 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، طبعة 1313 هـ.
84 - تحفة الفقهاء، علاء الدين السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ. 85 - تيسير التحرير، محمد أمين المعروف بأمير بادشاه الحسيني الحنفي، دار الكتب العلمية، بيروت. 86 - الجوهرة النيرة، أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي الزَّبِيدِيّ اليمني الحنفي، المطبعة الخيرية، الطبعة الأولى 1322 هـ. 87 - حاشية الشلبي على تبيين الحقائق، المطبعة الأميرية ببولاق، الطبعة الأولى 1313 هـ. 88 - حاشية الطحطاوي على الدر المختار، أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي، مصر، طبعة 1282 هـ. 89 - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق، مصر، طبعة 1318 هـ. 90 - درر الحكام شرح مجلة الأحكام، علي حيدر، تعريب: فهمي الحسيني، دار الكتب العلمية، بيروت. 91 - الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة، محمد علاء الدين بن علي الحصكفي، دار الفكر، بيروت، طبعة 1386 هـ. 92 - العناية شرح الهداية، محمد بن محمد بن محمود، أكمل الدين أبو عبد اللَّه ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي، دار الفكر، بيروت. 93 - الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة، لأبي حفص عمر الغزنوي الحنفي، تحقيق: محمد زاهد الكوثري، مكتبة الإمام أبي حنيفة، بيروت، الطبعة الثانية 1988 م. 94 - فتح القدير، كمال الدين السيواسي، دار الفكر، بيروت. 95 - المبسوط، شمس الدين السرخسي، تحقيق: خليل محي الدين الميس، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ.
خامسا: كتب المذهب المالكي
96 - مجلة الأحكام العدلية، لجنة مكونة من عدة علماء وفقهاء في الخلافة العثمانية، الناشر: نور محمد، كارخانه تجارتِ كتب، آرام باغ، كراتشي. 97 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكليبولي، تحقيق: خليل عمران المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1419 هـ. 98 - المحيط البرهاني، محمود بن أحمد بن الصدر الشهيد النجاري برهان الدين مازه، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 99 - الهداية شرح بداية المبتدي، أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغناني، المكتبة الإسلامية. خامسًا: كتب المذهب المالكي: 100 - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر النمري القرطبي، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ. 101 - التاج والإكليل لمختصر خليل، محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري أبو عبد اللَّه المواق، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1398 هـ. 102 - التلقين في الفقة المالكي، أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي، تحقيق: أبو أوشى محمد بو خبزة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1425 هـ. 103 - الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة، حسن بن محمد المشاط، تحقيق: عبد الوهاب أبو سلمان، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1411 هـ. 104 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفه الدسوقي، تحقيق: محمد عليش، دار الفكر، بيروت. 105 - حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، علي الصعيدي العدوي المالكي، تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر، بيروت، طبعة 1412 هـ.
سادسا: كتب المذهب الشافعي
106 - شرح القاضي عضد الملة لمختصر المنتهى الأصولي للإمام ابن الحاجب المالكي، المطبعة الكبرى الأميرية، طبعة 1317 هـ. 107 - فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، محمد بن أحمد بن محمد عليش، دار المعرفة، بيروت. 108 - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البر القرطبي، تحقيق: محمد ولد ماديك الموريتاني، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، الطبعة الثانية 1400 هـ. 109 - المدونة الكبرى، مالك بن أنس، تحقيق: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت. 110 - منح الجليل شرح مختصر خليل، محمد عليش، دار الفكر، بيروت، طبعة 1409 هـ. 111 - مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل، محمد بن عبد الرحمن المغربي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1398 هـ. سادسًا: كتب المذهب الشافعي: 112 - أسنى المطالب في شرح روض الطالب، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الشافعي، دار الكتاب الإسلامي. 113 - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، محمد الشربيني الخطيب، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، بيروت، طبعة 1415 هـ. 114 - الأم، محمد بن إدريس الشافعي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1393 هـ. 115 - تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج، عمر بن علي بن أحمد الوادي آشي الأندلسي، تحقيق: عبد اللَّه بن سعاف اللحياني، دار حراء، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1406 هـ. 116 - تحفة المحتاج في شرح المنهاج، أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، مطبعة مصطفى محمد، المكتبة التجارية الكبرى، مصر.
117 - تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج، سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بابن الملقن، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1994 م. 118 - التنبيه في الفقه الشافعي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، عالم الكتب. 119 - حاشيتا القليوبى وعميرة، شهاب الدين أحمد القليوبي، وشهاب الدين أحمد البرلسي الملقب بعميرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثالثة 1375 هـ. 120 - حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، أبو بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي، دار الفكر، بيروت. 121 - حاشية الرملي على أسنى المطالب، أحمد بن حمزة الرملى، دار الكتاب الإسلامي، بيروت. 122 - حاشية قليوبي على شرح جلال الدين المحلى، شهاب الدين أحمد بن سلامة القليوبي، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ. 123 - الحاوي في فقه الشافعي، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1414 هـ. 124 - حواشي الشرواني والعبادي على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، عبد الحميد الشرواني، وأحمد بن قاسم العبادي، مطبعة مصطفى محمد، المكتبة التجارية الكبرى، مصر. 125 - روضة الطالبين، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي عوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1412 هـ.
126 - الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، المطبعة الميمنية. 127 - فتاوى السبكي، عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، دار المعرفة، بيروت. 128 - الفتاوى الفقهية الكبرى، شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي حجر الهيتمي، دار الفكر، بيروت. 129 - فتح العزيز شرح الوجيز، أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي، دار الفكر، بيروت. 130 - الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، تأليف: مصطفى الخن، مصطفى البغا، علي الشربجي، دار القلم، دمشق، الطبعة العاشرة 2000 م. 131 - الفواكه الدواني، أحمد بن سالم النفراوي، تحقيق: رضا فرحات، مكتبة الثقافة الدينية. 132 - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، تقي الدين أبو بكر بن محمد الحسيني الحصني الدمشقي الشافعي، تحقيق: علي عبد الحميد بلطجي، ومحمد وهبي سليمان، دار الخير، دمشق، طبعة 1994 م. 133 - المجموع شرح المهذب، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار الفكر، بيروت. 134 - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الخطيب الشربيني، دار الفكر، بيروت. 135 - المهذب في فقه الإمام الشافعي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، دار الكتب العلمية، بيروت. 136 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شهاب الدين الرملي، دار الفكر، بيروت، طبعة 1404 هـ. 137 - نهاية المطلب في دراية المذهب، للأبي المعالي الجويني، تحقيق: عبد العظيم محمود الديب، دار المنهاج، الطبعة الأولى 1428 هـ.
سابعا: كتب المذهب الحنبلي
138 - الوسيط في المذهب، محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم، محمد محمد تامر، دار السلام، القاهرة، طبعة 1417 هـ. سابعًا: كتب المذهب الحنبلي: 139 - الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، شرف الدين موسى بن أحمد بن موسى أبو النجا الحجاوي، دار المعرفة، بيروت. 140 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، علاء الدين أبو الحسن المرداوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ. 141 - التحبير شرح التحرير، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي، تحقيق: عبدا لرحمن الجبرين، عوض القرني، أحمد سراج، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1421 هـ. 142 - التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية، صالح بن فوزان بن عبد اللَّه الفوزان، مكتبة المعارف، الرياض. 143 - حاشية رد المختار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، طبعة 1421 هـ. 144 - حاشية الروض المربع، عبد الرحمن بن محمد بن القاسم العاصمى النجدى الحنبلى، الطبعة الأولى 1397 هـ. 145 - دليل الطالب لنيل المطالب، مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي، تحقيق: أبو قتيبة الفاريابي، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى 1425 هـ. 146 - شرح الزركشي على مختصر الخرقي، أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الزركشي، تحقيق: عبد المنعم خليل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1423 هـ. 147 - الشرح الكبير، لشمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت.
148 - شرح مختصر الروضة، سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصري، تحقيق: عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1407 هـ. 149 - شرح منتهى الإرادات (دقائق أولي النهى لشرح المنتهى)، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثانية 1996 م. 150 - الفروع لابن مفلح، ومعه تصحيح الفروع للمرداوي، تحقيق: عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1424 هـ. 151 - كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، تحقيق: هلال مصيلحي، دار الفكر، بيروت 1402 هـ. 152 - المبدع في شرح المقنع، إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه بن مفلح الحنبلي أبو إسحاق، دار عالم الكتب، الرياض، طبعة 1423 هـ. 153 - المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لمجد الدين ابن تيمية الحراني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية 1404 هـ. 154 - مختصر الإنصاف والشرح الكبير، محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: عبد لعزيز بن زيد الرومي، محمد بلتاجي، سيد حجاب، مطابع الرياض، الرياض، الطبعة الأولى. 155 - مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط، مكتبة دار البيان، طبعة 1398 هـ. 156 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، لإسحاق بن منصور المروزي، عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1425 هـ. 157 - المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين، للقاضي أبي يعلى، تحقيق: عبد الكريم اللاحم، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1405 هـ. 158 - مطالب أولي النهي في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد السيوطي الريحيباني، المكتب الإسلامي، دمشق، 1961 م.
ثامنا: كتب الأحكام السلطانية
159 - المغني في فقه الإمام أحمد، موفق الدين عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ. ثامنًا: كتب الأحكام السلطانية: 160 - أحكام أهل الذمة، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1423 هـ. 161 - الأحكام السلطانية، القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1421 هـ. 162 - الأحكام السلطانية والولايات الدينية، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1405 هـ. 163 - الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة، عبد اللَّه بن عمر الدميجي، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثانية، 1408 هـ. 164 - الإمامة وقائم الفيامة، مصطفى غالب، مكتبة الهلال، بيروت، طبعة 1981 م. 165 - بدائع السلك في طبائع الملك، محمد بن علي بن محمد الأصبحي الأندلسي، شمس الدين ابن الأزرق، تحقيق: علي سامى النشار، وزارة الإعلام، العراق، الطبعة الأولى. 166 - التعليق على السياسة الشرعية، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، تقديم: سعد العتيبي، مدار الوطن للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1427 هـ. 167 - غياث الأمم في التياث الظلم، إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجويني، تحقيق: مصطفى الحيني، فؤاد عبد المنعم، دار الدعوة، الإسكندرية، الطبعة الأولى 1400 هـ. 168 - المجتمع الإسلامي وأصول الحكم، محمد الصادق عفيفي، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الأولى 1400 هـ.
تاسعا: كتب أخرى
169 - المقدمة الزهرا في إيضاح الإمامة الكبرى، محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز شمس الدين الذهبي، تحقيق: علي رضا، دار الفرقان، القاهرة، الطبعة الأولى 1429 هـ. 170 - نظام الإسلام (الحكم والدولة)، محمد المبارك، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة 1400 هـ. تاسعًا: كتب أخرى: 171 - الإبانة عن أصول الديانة، أبو الحسن الأشعري، تحقيق: فوقية حسين محمود، دار الأنصار، القاهرة، الطبعة الأولى 1397 هـ. 172 - أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم، صديق بن حسن القنوجي، تحقيق: عبد الجبار زكار، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1978 م. 173 - أبكار الأفكار في أصول الدين، سيف الدين الآمدي، تحقيق: أحمد محمد المهدي، مطبعة دار الكتب والآثار القومية، القاهرة، الطبعة الثانية 1424 هـ. 174 - الإبهاج في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول للقاضي البيضاوي، تأليف: علي بن عبد الكافي السبكى، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1403 هـ. 175 - إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين، محمد بن محمد الحسيني الزبيدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 176 - الآثار، يعقوب بن إبراهيم الأنصاري أبو يوسف، تحقيق: أبو الوفا، دار الكتب العلمية، بيروت 1355 هـ. 177 - إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، ابن دقيق العيد، دار الكتب العلمية، بيروت. 178 - الإحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، بتحقيق العلامة عبد الرزاق عفيفي.
179 - إحياء علوم الدين، محمد بن محمد أبو حامد الغزالي، دار المعرفة، بيروت. 180 - أخبار المدينة (تاريخ المدينة المنورة)، أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري، تحقيق: علي محمد دندل، وياسين سعد الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1417 هـ. 181 - اختلاف الأئمة العلماء، أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الشيباني، تحقيق: السيد يوسف أحمد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1423 هـ. 182 - اختلاف الفقهاء، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، (كتاب الجهاد، والجزية، والمحاربين) نشره يوسف شاخت، مكتبة بريل، ليدن، 1933 م. 183 - أخذ المال على القرب، عادل شاهين محمد شاهين، كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الأولى 1425 هـ. 184 - أدب الدنيا والدين، علي بن محمد بن حبيب الماوردي، تحقيق: محمد كريم راجح، دار اقرأ، بيروت، الطبعة الرابعة، 1405 هـ. 185 - أدب المفتي والمستفتي، عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الشهرزوري أبو عمرو ابن الصلاح، موفق عبد اللَّه عبد القادر، مكتبة العلوم والحكم - عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ. 186 - الأدب المفرد، محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثالثة 1409 هـ. 187 - أربع قواعد تدور الأحكام عليها، محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: عبد العزيز الرومي، محمد بلتاجي، سيد حجاب، مطابع الرياض، الرياض، الطبعة الأولى. 188 - الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، أبو المعالي عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجويني، تحقيق: محمد يوسف موسى، وعلي عبد الحميد، مكتبة الخانجي، القاهرة، طبعة 1369 هـ.
189 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني، وبهامشه شرح ابن قاسم العبادي، على شرح الورقات لجلال الدين المحلى، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، الطبعة الأولى. 190 - الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى 1412 هـ. 191 - أصول الدين، أبو منصور عبد القادر بن طاهر التميمي البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1400 هـ. 192 - أصول الدين، أبو اليسر محمد البزدوي، تحقيق: هانز بيتر لنس، ضبطه وعلق عليه: أحمد حجازي السقا، المكتبة الأزهرية للتراث، طبعة 1424 هـ. 193 - أصول الدين، جمال الدين أحمد بن محمد الغزنوي الحنفي، تحقيق: عمر وفيق الداعوق، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ. 194 - أصول السرخسي، محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، دار المعرفة، بيروت. 195 - أصول الفقه، محمد أبو النور زهير، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة. الاعتصام، إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، تقديم: محمد رشيد رضا، المكتبة التجارية الكبرى، مصر الطبعة الأولى 1332 هـ. 197 - الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: أحمد عصام الكاتب، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الأولى 1401 هـ. 198 - الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة السادسة 1405 هـ. 199 - أعلام المكيين من القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر الهجري، عبد اللَّه بن عبد الرحمن المعلمي، مؤسسة الفرقان للتراث، السعودية، الطبعة الأولى 1421 هـ.
200 - إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، بتحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت 1973 م. 201 - الاقتصاد في الاعتقاد، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: موفق فوزي الجبر، دار الحكمة للطباعة والنشر، دمشق، الطبعة الأولى 1415 هـ. 202 - اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، الطبعة الثانية 1369 هـ. 203 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني، تحقيق: محمد جميل غازي، مكتبة المدني، جدة. 204 - أمل الآمل في علماء جبل عامل، محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، مكتبة الأندلس، بغداد. 205 - بحار الأنوار للمجلسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة 1403 هـ. 206 - البحر الزخار الجامع لأقوال علماء الأمصار، أحمد بن يحيى المرتضى، دار الكتاب الإسلامي، بيروت. 207 - البحر الزخار (مسند البزار)، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتيكي البزار، تحقيق: محفوظ الرحمن زين اللَّه، مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم، بيروت/ المدينة، الطبعة الأولى 1409 هـ. 208 - البحر المحيط في أصول الفقه، بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ. 209 - بدائع الفوائد، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، تحقيق: هشام عبد العزيز عطا، وعادل العدوي، وأشرف أحمد، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1416 هـ.
210 - البدء والتاريخ، المطهر بن طاهر المقدسي، مكتبة الثقافة الدينية، بورسعيد، مصر. 211 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي أبو الوليد، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الرابعة 1395 هـ. 212 - البداية والنهاية، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء، مكتبة المعارف، بيروت. 213 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، محمد بن علي الشوكاني، دار المعرفة، بيروت. 214 - البرهان في أصول الفقه، إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجويني، دار الكتب العلمية، بيروت. 215 - بغية الطلب في تاريخ حلب، كمال الدين ابن أبي جرادة، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر، بيروت. 216 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل، المكتبة العصرية، صيدا. 217 - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، تحقيق: محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1408 هـ. 218 - تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، دار الهداية. 219 - تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة ثانية 1399 هـ. 220 - التاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم الصنعاني، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، طبعة 1414 هـ. 221 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز شمس الدين الذهبي، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت الطبعة الأولى 1407 هـ.
222 - التاريخ الأوسط، محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي/ مكتبة دار التراث، حلب/ القاهرة، الطبعة الأولى 1397 هـ. 223 - تاريخ بغداد، أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت. 224 - تاريخ الخلفاء، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى 1371 هـ. 225 - تاريخ الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت. 226 - تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل، أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة اللَّه بن عبد اللَّه الشافعي، تحقيق: محب الدين العمري، دار الفكر، بيروت، طبعة 1995 م. 227 - تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة. 228 - التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، طاهر بن محمد أبو المظفر الإسفراييني، تحقيق: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ. 229 - تذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبد اللَّه بن صالح القصيِّر، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى 1411 هـ. 230 - تذكرة الحفاظ، محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز شمس الدين الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى. 231 - التعريفات، علي بن محمد الجرجاني، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ. 232 - التقرير والتحبير، ابن أمير الحاج الحلبي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ. 233 - تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، محمد بن الطيب الباقلاني، تحقيق: عماد الدين حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية، لبنان، الطبعة الأولى 1407 هـ.
234 - التمهيد في أصول الفقه، محفوظ بن أحمد بن الحسن أبو الخطاب الكلوذاني الحنبلي، تحقيق: مفيد أبو عمشة، دار المدني، الطبعة الأولى 1406 هـ. 235 - تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين، أحمد بن إبراهيم بن النحاس، تحقيق: عماد الدين عباس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ. 236 - تهذيب الأسماء واللغات، محي الدين بن شرف النووي، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1996 م. 237 - تهذيب الكمال، يوسف بن الزكي عبد الرحمن أبو الحجاج المزي، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1400 هـ. 238 - تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 2001 م. 239 - التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبد الرؤوف المناوي، تحقيق: محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الأولى 1410 هـ. 240 - الجواهر المضية في طبقات الحنفية، عبد القادر بن أبي الوفاء القرشي، مير محمد كتب خانه، كراتشي. 241 - حجة اللَّه البالغة، شاه ولي اللَّه بن عبد الرحيم الدهلوي، تحقيق: سيد سابق، دار الكتب الحديثة، مكتبة المثنى، القاهرة/ بغداد. 242 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصفهاني، دار الفكر، بيروت. 243 - حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، لعبد الرزاق البيطار، تحقيق: محمد بهجة البيطار، دار صادر، بيروت، الطبعة الثانية 1413 هـ.
244 - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، محمد أمين بن فضل اللَّه بن محب اللَّه بن محمد المحبي، دار صادر، بيروت. 245 - الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الثانية 1385 هـ. 246 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، تحقيق: محمد عبد المعيد ضان، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد/ الهند، الطبعة الثانية 1392 هـ. 247 - دستور العلماء (جامع العلوم في اصطلاحات الفنون)، القاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري، عرب عباراته الفارسية: حسن هاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ. 248 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي، دار الكتب العلمية، بيروت. 249 - الذخيرة، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب، بيروت، طبعة 1994 م. 250 - الذيل على طبقات الحنابلة، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق: عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى 1425 هـ. 251 - رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، أبو عبد اللَّه الدمشقي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ. 252 - رسالة إلى أهل الثغر، لأبي الحسن الأشعري، تحقيق: عبد اللَّه شاكر المصري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنور، الطبعة الأولى 1409 هـ. 253 - الرسالة، محمد بن إدريس أبو عبد اللَّه الشافعي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، القاهرة 1358 هـ. 254 - روضة القضاة وطريق النجاة، أبو القاسم علي بن محمد الرحبي السمناني، تحقيق: صلاح الدين الناهي، مؤسسة الرسالة/ دار الفرقان، بيروت/ عمان، الطبعة الثانية 1404 هـ.
255 - روضة الناظر وجنة المناظر، عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد، تحقيق: عبد العزيز السعيد، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، الطبعة الثانية 1399 هـ. 256 - زاد المعاد في هدي خير العباد، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، مؤسسة الرسالة، بيروت. 257 - سبل السلام، محمد الأمير الصنعاني، تحقيق: محمد الخولي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الرابعة 1379 هـ. 258 - سلاسل الذهب في أصول الفقه، بدر الدين أبو عبد اللَّه محمد بن بهادر بن عبد اللَّه الزركشي المصري، تحقيق: صفية أحمد خليفة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الأولى 2008 م. 259 - سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز شمس الدين الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط ومحمد العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة التاسعة 1413 هـ. 260 - سيرة الإمام أحمد بن حنبل لأبي الفضل صالح بن أحمد بن حنبل، تحقيق: فؤاد عبد المنعم أحمد، دار الدعوة، الاسكندرية، الطبعة الثانية 1404 هـ. 261 - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار ابن حزم، الطبعة الأولى. 262 - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد مخلوف، دار الفكر للطباعة والنشر. 263 - شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، بهاء الدين عبد اللَّه بن عقيل العقيلي، ومعه منحة الجليل لمحمد محي الدين عبد الحميد، دار اللغات. 264 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، هبة اللَّه بن الحسن بن منصور اللالكائي أبو القاسم، تحقيق: أحمد سعد حمدان، دار طيبة، الرياض، طبعة 1402 هـ.
265 - شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني الشافعي، تحقيق: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1416 هـ. 266 - شرح تنقيح الفصول، محمد بن إدريس القرافي، تحقيق: طه عبد الرؤوف، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1393 هـ. 267 - شرح العقائد النسفية، سعد الدين التفتازاني، تحقيق أحمد حجازي السقا، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، الطبعة الأولى 1407 هـ. 268 - شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة 1391 هـ. 269 - شرح الكوكب المنير (مختصر التحرير)، محمد بن أحمد الفتوحي، تحقيق: محمد الزحيلي، ونزيه حماد، جامعة أم القرى، الطبعة الثانية 1413 هـ. 270 - شرح اللمع في أصول الفقه، جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد اللَّه الشافعي الشيرازي، تحقيق: عبد المجيد التركي، دار الغرب الإسلامي، طبعة 1408 هـ. 271 - شرح المقاصد في علم الكلام، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد اللَّه التفتازاني، دار المعارف النعمانية، باكستان، الطبعة الأولى 1401 هـ. 272 - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبو الفضل، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، الطبعة الأولى 1378 هـ. 273 - الشريعة، أبو بكر محمد بن الحسن الآجري، تحقيق: عبد اللَّه بن عمر الدميجي، دار الوطن، الرياض، الطبعة الثانية 1420 هـ. 274 - شذا العرف في فن الصرف، الشيخ أحمد الحملاوي، المكتبة العلمية الجديدة، بيروت. 275 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبد الحي بن أحمد العكبري الحنبلي، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، ومحمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الأولى 1406 هـ.
276 - صبح الأعشى في صناعة الإنشا، القلقشندي أحمد بن علي بن أحمد الفزاري، تحقيق: عبد القادر زكار، وزارة الثقافة، دمشق، طبعة 1981 م. 277 - الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، تحقيق: عبد الرحمن التركي، وكامل الخراط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1997 م. 278 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، شمس الدين السخاوي، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت. 279 - طبقات الحفاظ، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ. 280 - طبقات الحنابلة، محمد بن أبي يعلى أبو الحسين، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت. 281 - طبقات الشافعية، أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة، تحقيق: الحافظ عبد العليم خان، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ. 282 - طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي، تحقيق: محمود محمد الطناحي، وعبد الفتاح محمد الحلو، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1413 هـ. 283 - طبقات صلحاء اليمن (تاريخ البِريهي)، عبد الوهاب البريهي السكسكي اليمني، تحقيق: عبد اللَّه محمد الحبشي، مكتبة الإرشاد، صنعاء، طبعة 1414 هـ. 284 - طبقات الفقهاء، إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي أبو إسحاق، تحقيق: خليل الميس، دار القلم، بيروت. 285 - الطبقات الكبرى، حمد بن سعد بن منيع أبو عبد اللَّه البصري الزهري، دار صادر، بيروت. 286 - طبقات المفسرين، أحمد بن محمد الداودي، تحقيق: سليمان الخزي، مكتبة العلوم والحكم، الرياض، الطبعة الأولى 1417 هـ.
287 - العثمانية، إبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي، بيروت، طبعة 1374 هـ. 288 - عقائد الإمامية الاثنى عشرية، إبراهيم الموسوي الزنجاني، مؤسسة طباعة وتجليد دار الكتاب، قم، إيران، الطبعة الخامسة 1402 هـ. 289 - علماء نجد خلال ثمانية قرون، عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن صالح البسام، دار العاصمة، طبعة 1419 هـ. 290 - عنوان المجد في تاريخ نجد، عثمان بن عبد اللَّه بن بشر النجدي الحنبلي، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد اللَّه آل الشيخ، دارة الملك عبد العزيز، طبعة 1402 هـ. 291 - العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال. 292 - غاية الوصول في شرح لب الأصول، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الشافعي، دار الكتب العربية الكبرى، مصر. 293 - غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، أحمد بن محمد الحنفي الحموي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ. 294 - الفتن، نعيم بن حماد، تحقيق: سمير أمين الزهيري، مكتبة التوحيد، القاهرة، الطبعة الأولى 1412 هـ. 295 - فتوح البلدان، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، تحقيق: رضوان محمد رضوان، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1403 هـ. 296 - الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، عبد القاهر بن طاهر البغدادي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية 1977 م. 297 - الفصل في الملل والأهواء والنحل، علي بن حزم الظاهري أبو محمد، مكتبة الخانجي، القاهرة. 298 - الفصول في الأصول، أحمد بن علي الرازي الجصاص، تحقيق: عجيل جاسم النشمي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، الطبعة الثانية 1414 هـ.
299 - فضائح الباطنية، محمد بن محمد أبو حامد الغزالي، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، طبعة 1383 هـ. 300 - فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمسلسلات، عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، تحقيق: إحسان عباس، دار العربي الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1402 هـ. 301 - الفوائد البهية في تراجم الحنفية، محمد بن عبد الحي اللكنوي، تحقيق: محمد النعساني، دار المعرفة، بيروت. 302 - القاموس الفقهي لغة واصطلاحا، سعدي أبو جيب، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثانية 1408 هـ. 303 - القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت. 304 - قصر الأمل، أبو بكر عبد اللَّه بن أبي الدنيا، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الثانية 1417 هـ. 305 - قواطع الأدلة في الأصول، أبو المظفر منصور بن عبد الجبار السمعاني، تحقيق: محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1418 هـ. 306 - القواعد، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، طبعة 1999 م. 307 - قواعد الأحكام في مصالح الأنام، عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، تحقيق: محمود بن التلاميذ الشنقيطي، دار المعارف، بيروت. 308 - القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام، علي بن عباس البعلي الحنبلي، تحقيق: محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، طبعة 1375 هـ. 309 - القوانين الفقهية، محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي، تحقيق: محمد أمين الصاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1998 م.
310 - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزودي، علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري، وضع حواشيه: عبد اللَّه محمود محمد عمر، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ. 311 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مصطفى بن عبد اللَّه القسطنطيني، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1413 هـ. 312 - كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي، والشرح للحسين بن يوسف المطهر الحلي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الأولى 1399 هـ. 313 - اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، جمال الدين أبو محمد علي بن أبي يحيى المنبجي، تحقيق: محمد فضل عبد العزيز، دار القلم، سوريا، الطبعة الثانية 1414 هـ. 314 - لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى. 315 - لسان الميزان، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، تحقيق: دائرة المعرف النظامية بالهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثالثة 1456 هـ. 316 - مجموع فتاوى ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية. 317 - المحصول في علم الأصول، محمد بن عمر بن الحسين الرازي، تحقيق: طه جابر فياض العلواني، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، الطبعة الأولى 1400 هـ. 318 - المحلى، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري أبو محمد، دار الفكر، بيروت. 319 - مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي، تحقيق: محمود خاطر، طبعة 1415 هـ.
320 - مختصر ابن الحاجب، جمال الدين بن عمرو بن الحاجب، مطبوع مع شرح بيان المختصر، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى. 321 - مختصر اختلاف العلماء، تصنيف: أحمد بن محمد بن سلامة أبو جعفر الطحاوي، اختصار: أبو بكر الجصاص، تحقيق: عبد اللَّه نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى 1416 هـ. 322 - مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم، اختصار محمد بن الموصلي، بتحقيق: الحسن بن عبد الرحمن العلوي، مكتبة أضواء السلف، الرياض، الطبعة الأولى 1425 هـ. 323 - مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، بدر الدين البعلي، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار ابن القيم، الدمام السعودية، طبعة 1406 هـ. 324 - المدخل الفقهي، مصطفى أحمد الزرقا، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1418 هـ. 325 - المسامرة في شرح المسايرة، الكمال ابن أبي شريف، مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الثانية 1347 هـ. 326 - المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمعه ورتبه: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى 1418 هـ. 327 - المستصفى في علم الأصول، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، دار الفكر. 328 - مسلم الثبوت في أصول الفقه، لمحب الدين بن عبد الشكور، مطبوع مع شرحه فواتح الرحموت، المطبعة الأميرية، بولاق، مصر 1324 هـ. 329 - المسودة في أصول الفقه، عبد السلام ابن تيمية، وعبد الحليم بن تيمية، وأحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد، دار المدني، القاهرة. 330 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المكتبة العلمية، بيروت.
331 - المعتمد في أصول الفقه، محمد بن علي بن الطيب البصري أبو الحسين، تحقيق: خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ. 332 - معجم الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز شمس الدين الذهبي، تحقيق: روحية السويفى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1413 هـ. 333 - معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى 1416 هـ. 334 - معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1414 هـ. 335 - معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية 1420 هـ 336 - المعجم الوسيط، إبراهيم مصطفى، وأحمد الزيات، وحامد عبد القادر، ومحمد النجار، تحقيق: مجمع اللغة العربية، دار الدعوة، القاهرة. 337 - المغني في أبواب التوحيد والعدل، أبو الحسن عبد الجبار الأسدي المعتزلي، تحقيق: محمود محمد قاسم، الشركة العربية، مصر، الطبعة الأولى 1380 هـ 338 - مفردات ألفاظ القرآن، الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان داودي، دار القلم، الدار الشامية، الطبعة الثانية 1418 هـ. 339 - مقالات الإسلاميين، أبو الحسن الأشعري، تحقيق: هيلمون ريتر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة. 340 - المقدمات الممهدات، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ. 341 - مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي، دار القلم، بيروت، الطبعة الخامسة 1984 م.
342 - الملكية في الشريعة الإسلامية، عبد السلام داود العبادي، مكتبة الأقصى، عمان، الأردن، الطبعة الأولى. 343 - الملل والنحل، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت الطبعة الثانية 1395 هـ. 344 - المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال، محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز شمس الدين الذهبي، تحقيق: محب الدين الخطيب. 345 - المنثور في القواعد، محمد بن بهادر بن عبد اللَّه الزركشي، تحقيق: تيسير فائق أحمد محمود، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، الطبعة الثانية 1405 هـ. 346 - منهاج السنة النبوية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، دار الكتب العلمية، بيروت. 347 - الموافقات في أصول الفقه، إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، تحقيق: عبد اللَّه دراز، دار المعرفة، بيروت. 348 - المواقف، عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ. 349 - الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية. 350 - الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، إشراف وتخطيط ومراجعة: د. مانع بن حماد الجهني. 351 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز شمس الدين الذهبي، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1995 م. 352 - نزهة الفكر فيما مضى من الحوادث والعبر، أحمد بن محمد الحضراوي، تحقيق: محمد المصري، دار إحياء التراث العربي، 1996 م.
353 - نشر البنود على مراقي السعود، عبد اللَّه بن إبراهيم الشنقيطي، مطبعة الفضالة المحمدية، المغرب، الطبعة الأولى 1900 م. 354 - نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثنى عشرية، أحمد محمود صبحي، دار المعارف، القاهرة 1969 م. 355 - النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين ابن تيمية، إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه بن مفلح الحنبلي، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية 1404 هـ. 356 - نهاية الإقدام في علم الكلام، محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني، مكتبة المثنى، بغداد. 387 - نهاية السول في شرح منهاج الأصول، عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي الشافعي، مطبعة علي صبيح. 358 - نوادر الفقهاء، محمد بن الحسن التميمي الجوهري، تحقيق: محمد فضل المراد، دار القلم - الدار - الشامية، دمشق - بيروت، الطبعة الأولى 1414 هـ. 359 - نيل الابتهاج بتطريز الديباج، أحمد بابا التنبكي، إشراف: عبد الحميد عبد اللَّه الهرامة، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس، الطبعة الأولى 1398 هـ. 360 - الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد، أحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن أبو نصر الكلاباذي، تحقيق: عبد اللَّه الليثي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ. 361 - هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، إسماعيل بن محمد البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ. 362 - الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، بيروت، طبعة 1420 هـ. 363 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة، لبنان.
عاشرا: المراجع الإلكترونية
عاشرًا: المراجع الإلكترونية: 364 - جامع الفقه الإسلامي، شركة حرف لتقنية المعلومات. 365 - الجامع الكبير لكتب التراث الإسلامي والعربي، مركز التراث للبرمجيات. 366 - المكتبة الشاملة، شركة المكتبة الشاملة للبرمجيات.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة حصل بها الباحث على درجة الدكتوراة بتقدير ممتاز من جامعة الملك سعود بالرياض
سلسلة الرسائل الجامعية (73) موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي [6] مسائل الإجماع في أبواب الجهاد
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ المقدمة إن الحمد للَّه، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. • أما بعد: فإن للإجماع مكانته العظيمة في دين الإسلام، ومنزلته العالية من أدلة الأحكام، فهو ثالث الأدلة الشرعية بعد القرآن الكريم والسنة المطهرة، وإن أولى ما صرفت إليه العناية، وجرى المتسابقون في ميدانه إلى أفضل غاية -الفقه في دين اللَّه -عز وجل-، ومنه التعرف على مواضع إجماع أهل العلم في الأحكام الشرعية؛ لأنهم في إجماعهم معصومون من مخالفة الكتاب والسنة؛ إذ الأمة لا تجتمع على ضلال (¬1). لهذا حرص كثيرٌ من الفقهاء على إيراد الإجماع في مصنفاتهم، إلا أن كثيرًا من المسائل بحاجة إلى التحقق من نقل الإجماع عليها، من خلال البحث والدراسة المستفيضة في نصوص الفقهاء ومصنفاتهم، وهذا المشروع المبارك (مشروع الإجماع) تحت إشراف قسم الثقافة الإسلامية جاء لتحقيق هذا الأمر، لذا رغبت أن أنضم إلى إخواني طلاب العلم؛ لكي أضع لبنة فيه، وأُسهم في الوصول لأهدافه ومراميه، ولاسيما أن موضوعي يتعلَّق بذروة سنام الإسلام، وهو الجهاد في سبيل اللَّه، فكان هذا البحث الذي هو بعنوان: (مسائل الإجماع في كتاب الجهاد جمعًا ودراسة). * * * ¬
مشكلة البحث
مشكلة البحث: إن المتأمل في كتب الفقه الإسلامي يجد أن هناك كمًا هائلًا من الإجماعات التي ينقلها العلماء في المذاهب الفقهية المختلفة، بينما يجد لبعضها خرقًا من أقوال بعض العلماء الآخرين. كما أنه يجد في بعض المسائل التي نقل فيها الإجماع أنه قد خالف فيها عالم أو أكثر، فيتساءل: أهذا الإجماع حقيقي أم أنه لم يتحقق أصلًا، وينبني على ذلك تساؤلٌ آخر: أتجوز المخالفة في تلك المسألة أم لا؟ كل هذا وذاك يحتاج إلى دراسة تُبيِّن الحقيقة. ومن ثم كان هذا البحث لجمع مسائل الإجماع التي نقلت في كتاب الجهاد ودراسة كل مسألة على حدة. حدود البحث: • وتتعلَّق بثلاثة جوانب: • الجانب الأول: الجانب الصياغي، وقد اقتصرت فيه على لفظ الإجماع ومشتقاته، كالألفاظ الصريحة للإجماع نحو: أجمع العلماء، إجماعًا، بالإجماع، وألفاظ الاتفاق نحو: اتفق العلماء، اتفاقًا، بالاتفاق، وعبارات نفي الخلاف نحو: لا نعلم فيه خلافًا، بلا خلاف، ونحوها. • الجانب الثاني: الجانب الموضوعي، وذلك في أبواب الجهاد بالنفس (قتال الكفار) وملحقاته، من غنيمة وجزية وعقد ذمة، وقد بلغت المسائل التي تناولتها الدراسة (245) مسألة. • الجانب الثالث: الجانب الزمني، حيث تتبعت ما حكي من إجماعات في كتاب الجهاد من خلال المراجع المعتمدة من اللجنة المختصة بمشروع الإجماع، وهي ثلاثون كتابًا من كتب المذاهب الفقهية الأربعة، والمذهب الظاهري، وكتب أهل الحديث والتفسير، وهي شاملة للقرون الهجرية، ابتداءً من القرن الثاني الهجري، وحتى القرن الرابع عشر.
أولا: الكتب المختصة في نقل الإجماع
• وهي مرتبة على النحو الآتي: أولًا: الكتب المختصة في نقل الإجماع: 1 - "الإجماع" لابن المنذر (318 هـ). 2 - "مراتب الإجماع" لابن حزم (456 هـ). 3 - "الإفصاح إلى معاني الصحاح" لابن هبيرة (560 هـ). 4 - "نقد مراتب الإجماع" لابن تيمية (738 هـ). ثانيًا: كتب المذهب الحنفي: 5 - " بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" للكاساني (587 هـ). 6 - "البناية في شرح الهداية" للعيني (855 هـ). 7 - "فتح القدير" لابن الهمام (861 هـ). 8 - "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" لابن نجيم (970 هـ). ثالثًا: كتب المذهب المالكي: 9 - " الاستذكار" لابن عبد البر (463 هـ). 10 - "عارضة الأحوذي" لابن العربي (546 هـ). 11 - "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (671 هـ). 12 - "الذخيرة" للقرافي (684 هـ). رابعًا: كتب المذهب الشافعى: 13 - " الأم" للشافعي (204 هـ). 14 - "شرح السنة" للبغوي (516 هـ). 15 - "المجموع شرح المهذب" للنووي (ت 676 هـ). 16 - "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" لابن حجر (853 هـ). 17 - "مغني المحتاج" للشربيني (977 هـ).
خامسا: كتب المذهب الحنبلي
خامسًا: كتب المذهب الحنبلي: 18 - " المغني شرح مختصر الخرقي" لابن قدامة (540 هـ). 19 - "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (728 هـ)، جمع عبد الرحمن القاسم. 20 - "جامع الرسائل لابن تيمية"، بجمع وتحقيق محمد رشاد سالم. 21 - "مجموعة الرسائل والمسائل" لابن تيمية، بجمع وتحقيق محمد رشيد رضا. 22 - "مختصر الفتاوى المصرية" لابن تيمية، جمع البعلي. 23 - "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن قيم الجوزية (751 هـ). 24 - "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن القيم. 25 - "حاشية الروض المربع" لعبد الرحمن القاسم (1392 هـ). سادسًا: المذهب الظاهري: 26 - " المحلى بالآثار" لابن حزم (456 هـ). سابعًا: المذاهب الأخرى: 27 - " الجامع" للترمذي (279 هـ). 28 - "جامع البيان في تأويل آي القرآن" لابن جرير الطبري (310 هـ). 29 - "سبل السلام شرح بلوغ المرام" للصنعاني (1182 هـ). 30 - "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار" للشوكاني (1250 هـ). أهمية البحث وأسباب اختياره: تتضح أهمية الموضوع، وأسباب اختياره من خلال النقاط التالية: 1 - أنه يتعلق بذروة سنام الإسلام وهو الجهاد في سبيل اللَّه الذي به يدفع العدوان، وينشر الإسلام، ويسود الأمان، وتصان كرامة الإنسان. 2 - ما تواجهه فريضة الجهاد من هجمات فكرية شرسة، من قبل كفار حاقدين، أو مسلمين منحرفين، وكذلك ما يواجهه الجهاد من تشويهٍ لصورته ممن يُصوِّرون
أهداف البحث
أعمالهم التخريبية من تفجير وتدمير وقتلٍ لأبرياء معصومي الدماء، فيصفونها بأنها أعمال جهادية مشروعة! كل ذلك زادني حرصًا لإبراز موقف الإسلام في أحكام الجهاد، سعيًا لدحض الشبه الزائفة التي تشكك في عدل الإسلام مع غير المسلمين، واحترامه للدماء والأموال المعصومة، وكشفًا لزيف ادعاءات المخربين ممن يعيثون في الأرض فسادًا. 3 - أن معرفة مسائل الإجماع في باب الجهاد يقي المسلم من الانزلاق وراء الأفكار الهدَّامة، والفرق المنحرفة في هذا الباب؛ حيث تتبين له وجوه الجهاد المشروع من غيره. 4 - أُفُول راية الجهاد وغيابه عن أذهان كثير من المسلمين اليوم زادني إصرارًا على الإسهام في إحياء هذه الفريضة. 5 - منزلة الإجماع الرفيعة؛ حيث إنه يُعد مصدرًا من مصادر التشريع، أجمع العلماء على حجيته، واشترطوا معرفته لبلوغ رتبة الاجتهاد، ولا يحل لمكلف أن يُخالف الإجماع بعد أن علمه. 6 - أن الناقلين للإجماع في الجهاد متفاوتون، فمنهم من يتساهل في حكايته، ومنهم من ينقله ويقصد به قول الجماهير من الفقهاء، ومنهم من يقصد به إجماع المذهب؛ لذا فإن التحقق من الإجماع العام من خلافه، ودراسة مسائل الإجماع له أهمية بالغة. 7 - أن جمع مسائل الإجماع في الجهاد في مصنفات مفردة يُعين طلاب العلم، والمشتغلين بالفقه الإسلامي على وجه الخصوص لعظم الحاجة إليها, كما يسهم في تضييق دائرة الخلاف بين المسلمين، وتأليفهم حول ما أُجمع عليه. أهداف البحث: تهدف هذه الرسالة إلى جملة من الأهداف منها: 1 - جمع المسائل التي نُقل فيها الإجماع في أبواب الجهاد وملحقاته. 2 - بيان مسائل الإجماع، ومعرفة من حكاه من العلماء، أو نقله. 3 - بيان أوجه الاتفاق، أو الخلاف إن وجد.
أسئلة البحث
4 - ذكر مستند الإجماع من كتابٍ أو سنةٍ أو غيرهما من الأدلة. 5 - التأكُّد من دقة نقل الإجماع من خلال البحث عن سلامته من المخالف. 6 - إظهار النتيجة في تحقق الإجماع من عدمه. أسئلة البحث: من خلال هدا البحث يمكن الإجابة -بمشيئة اللَّه- عن الأسئلة الآتية: 1 - ما المسائل التي نُقل فيها الإجماع في أبواب الجهاد وملحقاته؟ 2 - من قال بالإجماع في تلك المسائل من العلماء؟ ومن نقل ذلك الإجماع؟ 3 - ما مستند الإجماع في مسائل الدراسة؟ 4 - هل حكى أحدٌ من العلماء خلافًا في تلك المسائل؟ وما الراجح في ذلك؟ 5 - ما مدى سلامة الإجماع من النقض بالخلاف المعتبر؟ 6 - إلى أي قول يذهب المجتهد عند وقوع اختلاف بين من يدَّعي وقوع الإجماع، وبين من ينفيه؟ منهج البحث: استلزم موضوع البحث سلوك منهجين، وهما: أولًا: المنهج الاستقرائي: وذلك بجمع المسائل الفقهية التي حُكي فيها الإجماع، ودراستها وتمحيصها. ثانيًا: المنهج الاستنتاجي: وذلك باستنتاج وترتيب المخرجات من المنهج الأول وصولًا إلى الحكم الصحيح على الإجماعات. إجراءات البحث: 1 - قمت بحصر المسائل التي حُكي فيها الإجماع في كتاب الجهاد وملحقاته، من خلال الكتب المعتمدة في المشروع. 2 - سرت في ترتيب المسائل على الأبواب الفقهية، حسب الترتيب الذي سار عليه متأخروالحنابلة، كالبهوتي في "الروض المربع"، وذلك قدر الاستطاعة.
3 - وضعت عنوانًا مناسبًا وشاملًا لكل مسألة نقل فيها الإجماع. 4 - ثم أتبعت ذلك ببيان صورة المسألة التي وقع عليها الإجماع، مع الشرح والتمثيل إن لم تكن ظاهرة؛ منعًا من دخول غيرها من المسائل التي قد تشبهها، تحت عبارة (المراد بالمسألة). 5 - ذكرت أول من نقل الإجماع ثم الذي يليه، حسب الترتيب الزمني للعلماء. 6 - ذكرت النص المنقول فيه الإجماع بعينه، وعند التكرار اكتفيت بذكر أوضح النصوص، وأحلت للبقية في الحاشية موثقة. 7 - ذكرت من وافق حكاية الإجماع، من خلال الكتب المعتمدة في المذاهب الفقهية. 8 - ذكرت مستند الإجماع من النصوص الشرعية إن علم، فإن لم يعلم بحثت عنه بطرق الاستنباط الأخرى. 9 - إذا لم يوجد من خلال البحث خلاف في المسألة، فإني أوضح سلامة الإجماع من الخلاف، وقوته من حيث كثرة القائلين به، ومن ثم أحكم بصحته متأسيًا بمن نقله من أهل العلم. 10 - إذا ظهر لي من خلال البحث أن في المسألة خلافًا، فإني أذكر الخلاف تحت عبارة: (الخلاف في المسألة)، فأذكر المخالف، وأتحقق من حكاية الخلاف، وأعزوه إلى الكتب المعتمدة فأذكر الأقوال، ومن قال بها، وأبرز ما استدلوا به باختصار، ومن غير ترجيح في الغالب؛ إذ الغاية الوصول إلى سلامة الإجماع أو نفيه. 11 - إذا كان الخلاف في المسألة شاذًّا، حكمت عليه بالشذوذ، وإن كان الخلاف صحيحًا، وليس بشاذ، حكمت بنقض الإجماع، وعدم تحققه. 12 - قمت بترقيم مسائل الإجماع من خلال البحث، وذلك بوضع رقمين، يشير الأول منهما إلى الرقم العام التسلسلي لمسائل الرسالة، والثاني منهما رقم خاص يشير إلى رقم المسألة ضمن فصول الرسالة. 13 - قمت بعزو الآيات الكريمة، وتخريج الأحاديث والآثار من مصادرها الأصلية، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما، اكتفيت بهما؛ لتلقي الأمة لهما بالقبول، وإن كان الحديث في غيرهما، فإني أُخرِّجه من كتب مصادره الأصلية، مع
خطة البحث
بيان درجته باختصار، معتمدًا على أقوال المحدثين المتقدمين منهم، والمتأخرين. 14 - قمت بترجمة الأعلام غير المشهورين في الحاشية، وشرح الغريب والمصطلحات الواردة في صلب البحث، والتعريف بالأماكن والبلدان. 15 - قمت بعمل الفهارس العلمية المتنوعة في آخر البحث. خطة البحث: يحتوي هذا البحث على مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة. المقدمة: وتتضمن أهمية موضوع البحث، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة، وهدفه، وأسئلته، ومنهجه، وإجراءات الدراسة، وحدوده، وخطة البحث. التمهيد: وعرَّفت فيه الإجماع، وبيَّنت حجيته ومنزلته في التشريع. الباب الأول: مسائل الإجماع في أحكام الجهاد، والغنائم، والأسري. • وفيه تمهيد، وأربعة فصول: • تمهيد: مكانة الجهاد، وأدلة مشروعيته. • الفصل الأول: مسائل الإجماع في حكم الجهاد. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في أحكام الجهاد. • الفصل الثالث: مسائل الإجماع في أحكام الغنائم. • الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أحكام الأسرى. الباب الثاني: مسائل الإجماع في أحكام الجزية والفيء والأمان والهدنة. • وفيه أربعة فصول: • الفصل الأول: مسائل الإجماع في أحكام الجزية. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في أحكام الفيء. • الفصل الثالث: مسائل الإجماع في أحكام الأمان.
الصعوبات التي واجهتني
• الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أحكام الهدنة. الباب الثالث: مسائل الإجماع في أحكام الحربيين، وأهل الكتاب، وعقد الذمة. • وفيه ثلاثة فصول: • الفصل الأول: مسائل الإجماع في أحكام الحربيين. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في أحكام أهل الكتاب. • الفصل الثالث: مسائل الإجماع في أحكام أهل الذمة. الخاتمة: وتتضمن النتائج والتوصيات التي توصَّلت إليها من الدراسة. الفهارس: فهرس المصادر والمراجع. فهرس الموضوعات. الصعوبات التي واجهتني: درج الباحثون في الرسائل العلمية على ذكر ما عساه أن يكون عذرًا لما يحصل من نقص أو تقصير في رسائلهم، ولقد واجهت أثناء إعداد هذه الرسالة بعض الصعوبات يمكن إجمالها في النقاط الآتية: أولًا: طول البحث وتشغُب مسائله، حيث كانت مهمة جمع المسائل التي حُكي فيها الإجماع أو الاتفاق أو نفي الخلاف ابتداءً مهمة شاقة، مع إتمام ذلك ببيان المراد بالمسألة وصورتها، واستظهار أدلتها، ولقد كنت أبقى في المسألة الإجماعية أيامًا، وقد لا يطمئن قلبي للبت في شأنها فأرجئها وأبحث في غيرها لعلي أن أجدها في طريقي أو في غير مظنتها. ثانيًا: صعوبة العثور على الموافقين للإجماع وأدلتهم، حيث إن هذا الأمر يستلزم البحث والنظر في مجموعة كبيرة من الكتب، وقد لا أجد ضالتي في الكتب المعتمدة في المشروع، وهي ثلاثون كتابًا، فأبحث في مظانها في كتب أهل العلم
الأخرى، وقد تمضي أيامٌ دون أن أصل إلى الشيء المطلوب في البحث، ثم يمُن اللَّه بكرمه فأظفر به. ثالثًا: بعض المسائل لا أجد فيها نصًّا واضحًا للفقهاء، أو لفقهاء مذهب معيَّن، سواء كان بالموافقة أم المخالفة، مما يجعلني أجتهد في فهم معاني كلامهم، ومحاولة القياس عليه، ومثل هذا لا يخفى قدر الجهد المبذول فيه على الممارس له. ومع هذه الصعاب فإني لم آل جُهدًا في معالجة مسائل البحث وحل مشكلاته ما استطعت إلى ذلك سبيلًا. ومع كل هذا فهو بطبيعته عمل بشري لا يخلو من نقص أو خلل، فما كان فيه من صواب فمن اللَّه وحده سبحانه، وما كان فيه من نقص أو خطأ فمِنِّي ومن الشيطان، وأرجو من اللَّه الجواد الكريم ألَّا يفوتني الأجر في الحالتين. * * *
شكر وتقدير
شكر وتقدير أشكر اللَّه -عز وجل- الذي أكرمني بنعمه، وغمرني ببحر جوده وكرمه، فله الحمد على ما وفَّق، وله الشكر على ما حقَّق. ثم أشكر والدايَ الكريمين على ما بذلا في إعدادي وإمدادي، سائلًا اللَّه جل ثناؤه، أن يتغمَّد الميْت منهما برحمته، وأن يُقر عين الحيِّ بطاعته. وهذا أوان تقديم الشكر الجزيل لأستاذي الكريم المشرف على هذه الرسالة، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ محمد بن سعد المقرن، الذي كان لتوجيهاته المباركة أطيب الأثر في توجيه سير البحث إلى تمامه وخروجه في هذه الصورة المباركة، مع تواضعه الجم وحسن تعامله، فجزاه اللَّه عني خير الجزاء، وأخلف عليه بخير في نفسه وأهله وماله وولده. كما أتقدم بشكري العظيم لجميع أساتذتي الفضلاء، وأخص منهم فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد اللَّه بن إبراهيم الناصر، على نصائحه وتوجيهاته أثناء إعداد خطة هذه الرسالة، وإلى أعضاء لجنة مناقشة الرسالة لتفضلهم بقبول مناقشتها، سائلًا اللَّه أن يجزل لهم الأجر، ويُعظم لهم الثواب. • وبعد: فلا أزعم أنّي أتيت بما لم تأت به الأوائل، ولا أدّعي الكمال، بل أقول: هذه رسالة من يعترف بقلّة علمه، وأنه لازال في بداية طريق العلم، وهو بأمسِّ الحاجة إلى النصح والتوجيه والتسديد، وحسبي أنّي اجتهدت في جمع المادّة والتأليف بينها {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)} [هود: 88]. فما كان في رسالتي من صواب فاللَّه وحده المحمود عليه، وله المن والفضل، والثناء الحسن، وما كان فيها من خطأ فمن نفسي والشيطان، واللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- منه بَرَاء. راجيًا من اللَّه تعالى أن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم، ويقيني عثرات القلم واللسان، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى اللَّه وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واستنّ بسنّته إلى يوم الدين. والحمد للَّه رب العالمين.
الباب الأول مسائل الإجماع في أحكام الجهاد, والغنائم, والأسرى
الباب الأول مسائل الإجماع في أحكام الجهاد, والغنائم, والأسرى • وفيه تمهيد، وأربعة فصول: تمهيد: تعريف الجهاد، وأنواعه، وأدلة مشروعيته. • الفصل الأول: مسائل الإجماع في حكم الجهاد، وفضله، وعلى من يجب. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في أحكام الجهاد. • الفصل الثالث: مسائل الإجماع في أحكام الغنائم. • الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أحكام الأسرى
تمهيد
تمهيد • ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تعريف الجهاد، وبيان أنواعه. وفيه مطلبان: • المطلب الأول: تعريف الجهاد. • المطلب الثانى: بيان أنواعه. • المبحث الثانى: مشروعية الجهاد في سبيل اللَّه. • المبحث الثالث: حكمة مشروعية الجهاد في سبيل اللَّه.
المبحث الأول: تعريف الجهاد, وبيان أنواعه
المبحث الأول: تعريف الجهاد, وبيان أنواعه المطلب الأول: تعريف الجهاد أولًا: تعريفه في اللغة: الجهاد: مصدر جَاهَدَ جِهادًا ومُجاهَدةً، قاتل العدو وجاهد في سبيل اللَّه. والجَهْد -بفتح الجيم-: المشقة والمبالغة في العمل. يقال: أجْهَدَ دابته إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها. والجُهد -بضم الجيم-: الوسع والطاقة (¬1). ففي الجهاد مشقة، وتعب ومبالغة في بذل الوسع في قتال الكفار أو غيرهم، فهو عام يشمل الأقوال والأفعال. ثانيًا: تعريفه في اصطلاح الفقهاء: عرفه الحنفية بأنه: بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل اللَّه -عز وجل- بالنفس، والمال، واللسان، أو غير ذلك، أو المبالغة في ذلك (¬2). وعرفه المالكية بأنه: قتال مسلم كافرًا غير ذي عهد، لإعلاء كلمة اللَّه تعالى، أو حضوره له، أو دخوله أرضه (¬3). وعرفه الشافعية بأنه: قتال الكفار في سبيل اللَّه لإعلاء كلمته ونصر دينه (¬4). وعرفه الحنابلة بأنه: قتال الكفار خاصة، بخلاف المسلمين من البغاة وقطاع الطريق (¬5). • ونخلص من هذه التعريفات إلى أن الجهاد يأتي بمعنيين: الأول: معنى عام يشمل قتال الكفار بالنفس والمال واللسان، وغير ذلك كما عرفه به الحنفية استنادًا على المعنى اللغوي للجهاد، وما جاء في بعض النصوص الشرعية من إطلاق الجهاد على ¬
المطلب الثاني: أنواع الجهاد
غير قتال الكفار بالنفس كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة اللَّه" (¬1)، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" (¬2). • الثاني: معنى خاص وهو: قتال الكفار بالنفس وهذا ما عرفه به الجمهور، وهذا المعنى للجهاد هو المراد عند الإطلاق ولا ينصرف إلى غير قتال الكفار بالنفس إلا بقرينة. جاء في "المقدمات الممهدات": (فكل من أتعب نفسه في ذات اللَّه فقد جاهد في سبيله، إلا أن الجهاد في سبيل اللَّه إذا أطلق فلا يقع إلا على مجاهدة الكفار بالسيف حتى يدخلوا في الإسلام، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (¬3). وهذا المعنى الخاص هو الذي يدور عليه بحثنا إن شاء اللَّه. المطلب الثاني: أنواع الجهاد • من خلال تعريف الجهاد في اللغة وعند الفقهاء اتضح أن الجهاد بالمعنى العام يشمل عدة أنواع حصرها بعض العلماء في أربعة أنواع (¬4): النوع الأول: جهاد النفس: وهو: أن يجاهد النفس على تعلم أمور الدين، وعلى العمل بما تعلم، ثم الدعوة إليه وتعليمه، والصبر على مشاق الدعوة (¬5). عن فضالة بن عبيد -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع: "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة اللَّه، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب" (¬6). ¬
النوع الثاني: جهاد الشيطان
النوع الثاني: جهاد الشيطان: وهو: مجاهدة الشيطان على دفع ما يأتي به من شبهات، وذلك باليقين، ودفع ما يزينه من الشهوات، وذلك بالصبر عن الشهوات (¬1). قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنًا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة: 24]. فأخبر اللَّه تعالى أن إمامة الدين إنما تُنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات، والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات (¬2). النوع الثالث: جهاد البغاة، وأرباب الظلم والبدع، والمنكرات: ويكون ذلك باليد إذا قدر، فإن عجز فباللسان، فإن عجز جاهد بقلبه. عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" (¬3). النوع الرابع: جهاد الكفار والمنافقين: ويكون بالسيف وبالمال، وباللسان، وبالقلب، وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان (¬4). قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]. وقال تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41]. وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" (¬5). وهذا البحث قاصرٌ على جهاد الكفار بالنفس بقسميه (الدفع والطلب) وما يلحق ذلك من الأحكام، فخرجت الأنواع الأخرى للجهاد من إطار البحث. ¬
المبحث الثاني: مشروعية الجهاد في سبيل الله
المبحث الثاني: مشروعية الجهاد في سبيل اللَّه • الجهاد بالنفس في سبيل اللَّه مشروع بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة: أولًا: من الكتاب: الآيات الدالة على مشروعية الجهاد من القرآن الكريم كثيرة منها: 1 - قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]. 2 - قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216]. 3 - قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)} [التوبة: 41]. ثانيًا: من السنة: • أ - السنة القولية: جاءت أحاديث كثيرة تدل على مشروعية الجهاد في سبيل اللَّه منها: 1 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم وألسنتكم" (¬1). • ووجه الدلالة: حيث أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه بالجهاد في سبيل اللَّه بالنفس، والمال، واللسان، وهو أمر للأمة إلى أن تقوم الساعة. 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه به، مات على شعبة من النفاق (¬2) " (¬3). • ووجه الدلالة: أن في الحديث تحذير ووعيد شديد لمن ترك الجهاد، أو تهاون ¬
ثالثا: إجماع الأمة
فيه، أو غفل عنه، وأن من مات ولم يحدث نفسه بالجهاد في سبيل اللَّه، ولم ينفق على الجهاد في سبيل اللَّه، مات على شعبة من النفاق. • ب- السنة الفعلية: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالجهاد في سبيل اللَّه، وقتال الكفار حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، فجاهد بنفسه الكريمة وقاد الغزوات في سبيل اللَّه، (¬1) وباشر القتال حتى شج (¬2) وجهه الكريم -صلى اللَّه عليه وسلم- وكسرت رباعيته، ففي غزوة أحد (¬3) أبلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بلاءً حسنًا. يصف سهل بن سعد -رضي اللَّه عنه- ما حصل للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيقول: (جرح وجه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة (¬4) على رأسه. .) (¬5). ثالثًا: إجماع الأمة: أجمعت الأمة على مشروعية الجهاد بالنفس في سبيل اللَّه، وقد نقل الإجماع غير واحد من العلماء، كما سيأتي تقريره بإذن اللَّه تعالى. وقد جاهد الصحابة -رضي اللَّه عنه- بعد وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وجهزوا الجيوش، وفتحوا الأمصار، واستقرت سيرة الخلفاء الراشدين أن تكون لهم في كل سنة أربع غزوات في الصيف والشتاء والربيع والخريف (¬6). وتابعهم من جاء بعدهم فرفعوا رايات الجهاد، ولا يزال الجهاد ماضيًا بإذن اللَّه إلى قيام الساعة. ¬
المبحث الثالث: حكمة مشروعية الجهاد في سبيل الله
المبحث الثالث: حكمة مشروعية الجهاد في سبيل اللَّه شرع اللَّه الجهاد في سبيله اللَّه لأهداف نبيلة، وغايات سامية يختلف بها عن غيره من الحروب التي تنشب لعداوات عرقية، أو أغراض مادية، أو أهداف توسعية، كما هو حال الحروب الكافرة البشعة في كل زمان ومكان. • ومن أهداف الجهاد في سبيل اللَّه ما يأتي: 1 - الهدف الأعظم والأسمى للجهاد في سبيل اللَّه هو: إعلاء كلمة اللَّه، ورفع رايته، ونشر دعوته في أنحاء الأرض. فلم يشرع الجهاد لحب الغلبة، أو التسلُّط، أو العدوان. وفي هذا يقول اللَّه تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} [النساء: 76]، ويقول سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193]. • المراد بالفتنة في الآيات: الشرك والكفر، ويكون الدين للَّه بإخلاص التوحيد فلا يعبد من دونه أحد، وتضمحل عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، فإن انتهوا عن الشرك والكفر الذي تقاتلونهم عليه إما بالإسلام، أو الجزية فدعوا الاعتداء عليهم وقتالهم (¬1). وعن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذِّكْر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل اللَّه؟ قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه" (¬2). 2 - رد أي عدوان على المسلمين، من قبل أعدائهم الكافرين. يقول اللَّه تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)} [التوبة: 13، 14]. 3 - رفع الظلم عن المستضعفين، وإحقاق الحق ونصرة أهله. ¬
يقول المولى جلَّ وعز: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)} [النساء: 75]. يقول الشيخ ابن سعدي رحمهُ اللَّه: (فمن أهم مسائل الجهاد في هذه الأوقات: عقد المعاهدات، وتوثيق المودة والصداقة بين الحكومات الإسلامية، مع احتفاظ كل حكومة بشخصيتها، وحقوقها الدولية وإدارتها داخلًا وخارجًا، والتكامل بينها والتضامن، وأن يكونوا يدًا واحدة على عن تعدى عليهم، أو على شيء من حقوقهم) (¬1). إلى غير ذلك من الحكم النبيلة، والمقاصد السامية التي استوجبت أن يكون الجهاد في سبيل اللَّه ذروة سنام الإسلام. * * * ¬
الفصل الأول مسائل الإجماع في حكم الجهاد، وفضله، وعلى من يجب
الفصل الأول مسائل الإجماع في حكم الجهاد، وفضله، وعلى من يجب [1/ 1] حظر الجهاد قبل الهجرة: • تعريف الهجرة: الهجرة لغة: اسمٌ مِنْ هَاجَرَ مُهَاجَرةً. وهي: التَّرْكُ والمُفَارَقَةُ (¬1). وفي الاصطلاح: الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام (¬2). والمراد بالهجرة هنا: الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة النبوية. • المراد بالمسألة: ذكر العلماء أن تشريع الجهاد مر بمراحل متدرجة، فالمرحلة الأولى ما كان قبل الهجرة حيث لم يكن هناك أمر بجهاد قتالي دفعًا أو طلبًا. ولذلك نقل الإجماع على أن حكم الجهاد قبل الهجرة كان محرمًا. • وممن نقل الإجماع: أبو بكر الجصاص (370 هـ) حيث يقول: (لم تختلف الأمة أن القتال كان محظورًا قبل الهجرة) (¬3). والقرطبي (671 هـ)، حيث يقول: (ولا خلاف في أن القتال كان محظورًا قبل الهجرة) (¬4). والشوكاني (1250 هـ)، حيث يقول: (لا خلاف بين أهل العلم أن القتال كان ممنوعا قبل الهجرة) (¬5). • الموافقون للإجماع: ووافق على ذلك الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). ¬
يقول شيخ الإسلام: (وهذا من العلم العام بين أهل المعرفة بسيرة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يخفى على أحد منهم أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان قبل الهجرة وبعيدها ممنوعًا عن الابتداء بالقتل والقتال) (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)} [الحجر: 94]، وقوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت الآيتان أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يؤمر في مكة قبل الهجرة إلى المدينة بقتال الكفار، وإنما كان مأمورًا مدة إقامته بمكة بالصفح والإعراض عن المشركين (¬2). 2 - وقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} [الحج: 39]. • ووجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه وتعالى صرَّح بالإذن بالقتال، بمعنى: أباحه وأجازه؛ (لأن هذا هو معنى الإذن الشرعي) (¬3)، فدلَّ ذلك أنه كان قبل ذلك غير مأذون فيه، وغير مباح، وهذا معنى التحريم (¬4). قال ابن العربي: (فلما عتت قريش على اللَّه، وردوا أمره وكرامته، وكذبوا نبيه، وعذبوا من آمن به وعبده ووحده، وصدق نبيه، واعتصم بدينه، أذن اللَّه لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم؛ فكانت أول آية أنزلت في إذنه له بالحرب وإحلاله له الدماء: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} (¬5). 3 - ما ورد في سبب نزول قول اللَّه تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ} [النساء: 77]. فقد نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منهم عبد الرحمن بن عوف، والمقداد بن الأسود، وقدامة بن مظعون، وسعد بن أبي وقاص كانوا يلقون من المشركين أذىً كثيرًا ويقولون: يا رسول اللَّه، ائذن لنا في قتال هؤلاء، فيقول لهم: ¬
[2/ 2] ابتداء مشروعية الجهاد بعد الهجرة
"كفوا أيديكم عنهم فإني لم أومر بقتالهم"، فلما هاجر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة، وأمرهم اللَّه تعالى بقتال المشركين كرهه بعضهم وشق عليهم، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية (¬1). 4 - عن ابن عباس: أن عبد الرحمن بن عوف، وأصحابًا له أتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: يا رسول اللَّه، كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة! . فقال: "إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا"، فلما حوله اللَّه إلى المدينة أمر بالقتال فكفوا، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} (¬2). • وجه الدلالة: حيث قابل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- طلب الإذن في منازلة كفار مكة بالقتال قبل الهجرة بالرفض حيث قال: "كفوا أيديكم فإني لم أومر بقتالهم"، وقال: "إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا"، وهذا يدل على أنه كان محظورًا عليهم حينذاك.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [2/ 2] ابتداء مشروعية الجهاد بعد الهجرة: • المراد بالمسألة: هذه هي المرحلة الثانية من مراحل تشريع الجهاد وهي إباحة القتال في سبيل اللَّه دون أن يفرض (¬3). فهذه المرحلة لك أن تقاتل الأعداء، ولك ألَّا تقاتلهم ولا شيء عليك، وهي مرحلة إعداد وتهيئة للمرحلة التالية لها. ولهذا نقل اتفاق أهل العلم أن أول ما شُرع الجهاد كان بعد هجرة المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة النبوية. • وممن نقل الإجماع: الحافظ ابن حجر العسقلاني (852) هـ حيث يقول: (فأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقًا) (¬4). • الموافقون للإجماع: وهو قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وغير ¬
واحد من السلف (¬1) وصرَّح به الشافعية (¬2)، وعامة أهل التفسير (¬3). • مستند الإجماع: استدلوا بمجموعة من الأدلة منها ما يلي: 1 - قوله -عز وجل-: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} [الحج: 39، 40]. • وجه الدلالة: أن هذه الآية أول ما نزل في مشروعية الجهاد، وقوله: {أُخْرِجُوا} صريح في أنه نزل في شان الهجرة. فدل ذلك أن الجهاد إنما شُرع بعد الهجرة. 2 - عَنِ ابن عباس قال: "لما أخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من مكة قال أبو بكر: "أخرجوا نبيهم إنا للَّه وإنا إليه راجعون ليهلكن"، فنزلت: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} قال أبو بكر: "فَعُرِفَ أنه سَيَكُونُ قِتَال" قال ابن عباس: "هي أَوَّلُ آيَةٍ نزَلت في القتال" (¬4). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الأثر أن الإذن بالجهاد وقتال الكفار كان بعد الهجرة؛ لنزول الآية التي تبيح مقاتلة الكفار بعد خروج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مهاجرًا من مكة إلى المدينة. 3 - وعن الزهري قال: أول آية نزلت في القتال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} الآية بعد مقدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة (¬5). يقول السيوطي -بعد أن ساق جملة من الآثار التي تؤيد هذا المعنى-: (هذه الآثار كلها متضافرة على أن ذلك كان في السنة الأولى من الهجرة) (¬6). قال الحافظ ابن كثير: (وإنما شرع اللَّه تعالى الجهاد في الوقت الأليق به؛ لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددًا، فلو أمر المسلمين، وهم أقل من العشر بقتال الباقين لشق عليهم. . . فلما استقروا بالمدينة، ووافاهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واجتمعوا ¬
[3/ 3] حكم دفع الكفار إذا هاجموا بلاد المسلمين: (جهاد الدفع)
عليه، وقاموابنصره وصارت لهم دار إسلام ومعقلًا يلجؤون إليه- شرع اللَّه جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك، فقال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} [الحج: 39، 40] (¬1). • المخالفون للإجماع: لم أجد من خالف في ذلك سوى ما نُسب إلى الضحاك بن مزاحم، ولكن لا يصح عنه، قال ابن جرير: (وهذا قول ذُكر عن الضحاك بن مزاحم من وجه غير ثبت) (¬2). وقد ذكر ابن القيم رحمه اللَّه أن هناك طائفة قالت: إن الإذن بالجهاد كان بمكة وغلَّط هذا القول وردَّه من وجوه منها: أ - أنه لم يكن لهم شوكة في مكة يتمكنون بها من القتال. ب- أن سياق آية الإذن بالجهاد يدل على أن الإذن كان بعد الهجرة قال تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} [الحج: 40] (¬3).Rأن الإجماع متحقق، وما ذكر من خلاف بعض العلماء لا يثبت عنهم، واللَّه أعلم. [3/ 3] حكم دفع الكفار إذا هاجموا بلاد المسلمين: (جهاد الدفع): • المراد بالمسألة: هذه هي المرحلة الثالثة من مراحل تشريع الجهاد وهي: الأمر بقتال من قاتل المسلمين من الكفار والكف عمن كف عن قتالهم (¬4) ويمكن أن تسمى مرحلة جهاد الدفع (¬5). ¬
فإذا دهم الكفار بلاد المسلمين فإن جهادهم ودفعهم حينئِذٍ فرض عين على أهل الوجوب من تلك البلاد، كلٌّ على قدر طاقته لإجماع المسلمين (¬1). • وممن نقل الإجماع: أبو بكر الجصاص (370 هـ) حيث يقول: (ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور (¬2) من العدو ولم تكن فيهم مقاومة لهم فخافوا على بلادهم، وأنفسهم، وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة؛ إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم) (¬3). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة الإسلام (¬4) وقراهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين) (¬5). وإمام الحرمين (478 هـ) حيث يقول: (فأما إذا وطئ الكفار ديار الإسلام فقد اتفق حملة الشريعة قاطبة على أنه يتعين على المسلمين أن يخفوا ويطيروا إلى مدافعتهم زَرَافاتٍ) (¬6). والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعقر (¬7) فإذا وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافًا ¬
وثقالًا، شبانًا وشيوخًا، كل على قدر طاقته. . . . حتى يظهر دين اللَّه وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة (¬1) ويخزى العدو ولا خلاف في ذلك) (¬2). وابن عطية (541 هـ) حيث يقول: (الذي استقر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فرض كفاية فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذٍ فرض عين) (¬3). وحكى الاتفاق أيضًا ابن القطان الفاسي (628 هـ) (¬4). وشيخ الإسلام (728 هـ) حيث يقول: (وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعًا) (¬5). وقال -رحمهُ اللَّه-أيضًا: (. . . فأما إن هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعًا) (¬6). والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد، أو حضر العدو بلده تعيَّن عليه بلا نزاع) (¬7). • الموافقون للإجماع: وافق الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، والظاهرية (¬12) على تعيُّن الجهاد في هذه الحالة. • مستند الإجماع: دلَّ على هذا الحكم أدلة كثيرة منها ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190]. 2 - وقوله سبحانه: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: 75]. ¬
[4/ 4] تعين الجهاد عند التقاء الصفوف
فقد دلّت هاتان الآيتان على أن قتال من قاتل المسلمين، وحماية المستضعفين، ونصرة المظلومين واجبٌ شرعي حتى ينكفئ المعتدون ويُنْتَصَرَ للمظلومين. 3 - وقوله -عز وجل-: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41]. 4 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" (¬1). فهذه النصوص ظاهرة الدلالة في الأمر بالجهاد، ولا شك أن الأمر بالجهاد في حالة هجوم الأعداء على بلاد المسلمين يدخل دخولًا أوليًا في مدلولها.Rالإجماع متحقق حيث لم أجد من خالف في ذلك من أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم. [4/ 4] تعيُّن الجهاد عند التقاء الصفوف: • المراد بالمسألة: أن من الحالات التي يتعيّن فيها الجهاد: إذا تقابل الصفّان، والتقى الزحفان ولم يزد عدد الكفار على مثلي عدد المسلمين، ولم يخافوا الهلاك تعين عليهم فرض الجهاد (¬2). فيحرم في حق من شهده الانصراف، ويصبح الجهاد متعينًا عليه. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الوزير ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أنه إذا التقى الزحفان وجب على المسلمين الحاضرين الثبات وحرم عليهم الانصراف والفرار (¬3) إذ قد تعين عليهم، إلا أن يكون متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة أو يكون الواحد مع ثلاثة أو المائة مع ثلثمائة فإنه أبيح لهم الفرار، ولهم الثبات لا سيما مع غلبة ظنهم بالظهور) (¬4). المرداوي (885 هـ) حيث يقول: (ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد، أو ¬
حضر العدو بلده تعيَّن عليه بلا نزاع) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على تعيُّن الجهاد على من حضر الصف المذاهب الفقهية ومنها مذهب الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) ووافق على ذلك الظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)} [الأنفال: 15]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45]. • وجه الدلالة من الآيتين الكريمتين: حيث أمر تعالى عباده المؤمنين بالثبات عند قتال الأعداء والصبر على جلادهم إذا التحم الجيشان، ونهى عن الانصراف والفرار، فهذا نص في وجوب الجهاد ووجوب القتال على من قابل العدو ولقيه وصار فرض عين عليه (¬7). 2 - وعن عبد اللَّه بن أبي أوفى، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: "يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا اللَّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف". ثم قام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: "اللهم، مُنزل الكتاب، ومُجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم" (¬8). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الأمر الصريح بالصبر عند لقاء العدو على وجوب الجهاد عند التقاء الصفوف والنهي عن الانصراف من القتال حينئِذٍ. 3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول اللَّه وما هن؟ قال: "الشرك باللَّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات ¬
[5/ 5] تعين الجهاد إذا استنفر الإمام
الغافلات" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عدَّ التولي يوم الزحف من الكبائر، وفيه دليل صريح لمذهب العلماء على تعيُّن الجهاد على من كان حاضرًا إذا التقت الصفوف والتحمت الجيوش.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [5/ 5] تعيُّن الجهاد إذا استنفر الإمام: تعريف الاستنفار: • الاستنفار: السين، والتاء: للطلب، والنفير: طلب الخروج للنجدة والنصرة والإعانة (¬2). • والمراد هنا: طلب الخروج الخاص وهو الخروج للجهاد في سبيل اللَّه -عز وجل-. • والمراد بالمسألة: أن يطلب ولي الأمر من المسلمين الخروج للجهاد، كأن يستنفر الإمام أهل بلد أو قرية أو أناسًا بأعيانهم إلى الجهاد فيجب عليهم أن يخرجوا، ويتعين على كل من أطاق القتال منهم أن يخرج فيصير الجهاد في هذه الأحوال فرض عين، يأثَم الإنسانُ بتركه، وقد نقل إجماع العلماء على ذلك. • من نقل الإجماع: المرداوي (885 هـ) حيث يقول: (ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد، أو حضر العدو بلده تعيَّين عليه بلا نزاع، وكذا لو استنفره من له استنفاره بلا نزاع) (¬3). • الموافقون للإجماع: ذهب إلى تعيُّن الجهاد على من استنفره الإمام أصحاب المذاهب الفقهية ومنها: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، ¬
[6/ 6] جهاد الطلب فرض كفاية
والظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} [التوبة: 38]. • وجه الدلالة من الآية الكريمة: حيث اقتضى ظاهر الآية وجوب النفير على من يُستنفر (¬2). 2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الفتح: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونيةٌ وإذا استنفرتم فانفروا" (¬3). أي: إذا طلبكم الإمام إلى الغزو فاخرجوا إليه وجوبًا، وهذا دليل على أن الجهاد يتعيَّن على من عيَّنه الإمام (¬4). 3 - أن الخروج في هذه الحالة يجب لطاعة الإمام وطاعته واجبة، نقول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]. قال القرطبي: (والاستنفار يبعد أن يكون موجبًا شيئًا لم يجب من قبل، إلا أن الإمام إذا عين قومًا وندبهم إلى الجهاد، لم يكن لهم أن يتثاقلوا عند التعيين، ويصير بتعيينه فرضًا على من عينه لا لمكان الجهاد، ولكن لطاعة الإمام واللَّه أعلم) (¬5).Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف في ذلك، واللَّه أعلم. [6/ 6] جهاد الطلب فرض كفاية: • المراد بالمسألة: هذه هي المرحلة الأخيرة من مراحل تشريع الجهاد وهو جهاد الطلب. • والمراد به: ابتداء قتال الكفار بديارهم عند القدرة عليهم حتى يكونوا مسلمين أو مسالمين. ونُقِلَ الإجماع على أن جهاد الطلب فرض كفاية إذا قام به من به كفاية سقط الإثم عن الباقين (¬6). ¬
• وممن نقل الإجماع: التميمي (350 هـ) حيث يقول: (وأجمع الفقهاء أن الجهاد فرضْ على الناس إلا من كفي مؤنة العدو منهم أباح لمن سواه التخلُّف ما كان على كفايته، إلا عبيد اللَّه بن الحسن فإنه قال: هو تطوع) (¬1). والجصاص (370 هـ) حيث يقول: (ولا نعلم خلافًا بين الفقهاء يحظر قتال من اعتزل قتالنا من المشركين. .) (¬2). والقاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف بين الأمة في وجوبه) (¬3). وابن عطية (541 هـ) حيث يقول: (والذي استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فرض كفاية) (¬4). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (فأما حكم هذه الوظيفة فأجمع العلماء على أنها فرض على الكفاية لا فرض عين إلا عبيد اللَّه بن الحسن (¬5)، فإنه قال: إنها تطوع) (¬6). والرازي (606 هـ) حيث يقول: (والإجماع اليوم منعقد على أنه من فروض الكفايات، إلا أن يدخل المشركون ديار المسلمين فإنه يتعين الجهاد حينئذٍ على الكل، واللَّه أعلم) (¬7). وابن القطان الفاسي (628 هـ) حيث يقول: (وأجمع المسلمون جميعًا على أن اللَّه فرض الجهاد على الكافة إذا قام به البعض سقط عن البعض) (¬8). والزيلعي (743 هـ) حيث يقول: (قال -رحمه اللَّه-: (الجهاد فرض كفاية ابتداء) يعني يجب علينا أن نبدأهم بالقتال وإن لم يقاتلونا لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}. . وعليه إجماع الأمة) (¬9). ¬
• الموافقون على الإجماع: هو قول جمهور أهل العلم كما قال ابن قدامة (620): (والجهاد من فروض الكفايات في قول عامة أهل العلم، وحكي عن سعيد بن المسيب أنه من فروض الأعيان) (¬1). وهو مذهب الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وإليه ذهب الظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: أما دليل فرضية الجهاد، فأدلة كثيرة منها ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216]. 2 - وقوله سبحانه: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41]. • وجه الدلالة: أن هاتين الآيتين قطعِيَّتَا الدلالة على وجوب القتال؛ لأن الأولى واردة بصيغة (كتب)، والثانية بصيغة الأمر وهما صريحتان في الوجوب على الراجح عند علماء الأصول (¬7). لكن هذه النصوص وردت بإزائها نصوص أخرى خصصت عمومها، ودلَّت على أن الوجوب ليس عينيًّا، وإنما فرض كفاية، ومن ذلك قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95]. • وجه الدلالة من الآية: أن اللَّه تعالى وعد القاعدين عن الجهاد الحسنى، ولو كان الجهاد فرض عين لاستحق القاعد العقاب لا الثواب (¬8). • الخلاف في المسألة: وخالف في ذلك بعض العلماء على قولين: القول الأول: أن ¬
[7/ 7] يبتدأ في جهاد الكفار قتال الأقرب فالأقرب منهم مما يلي بلاد المسلمين
الجهاد فرض عين على كل مسلم إلى يوم القيامة. وورد ذلك عن: أبي أيوب الأنصاري، وأبي طلحة، والمقداد بن الأسود -رضي اللَّه عنهم-. وممن قال به: سعيد بن المسيب (¬1). واستدلوا بالنصوص الصريحة في الأمر بالقتال نحو قوله -سبحانه وتعالى-: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، وسبق أن قدَّمنا بأن هذه الآية وأشباهها من العام المخصوص، ومما يدل على ذلك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يخرج قط للغزو إلا وترك بعض الناس (¬2). • القول الثاني: أن الجهاد تطوع وليس بفرض، والأمر به جاء للندب، ولا يجب قتال الكفار إلا دفعًا. وورد ذلك عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-. وممن قال به: عطاء، وعبيد اللَّه بن الحسن، والثوري (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق لوجود المخالف المعتبر في المسألة، فما ورد عن الصحابة، والتابعين الأجلاء من خلاف لهذا القول يكفي في خرق الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. [7/ 7] يُبتدأ في جهاد الكفار قتال الأقرب فالأقرب منهم مما يلي بلاد المسلمين: • المراد بالمسألة: أنه ينبغي للإمام إذا عزم على قتال المشركين في ديارهم، وقد تكافأت أحوال هؤلاء الأعداء (¬4) أن يبدأ بقتال الأقرب، فالأقرب من بلاد الإسلام. ونقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: الوزير ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أنه يجب على أهل كل ثغر أن يقاتلوا من يليهم من الكفار، فإن عجزوا ساعدهم من يلبهم ويكون ذلك على الأقرب فالأقرب، ممن يلي ذلك الثغر) (¬1). والدمشقي (751 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أنه يجب على أهل كل ثغر أن يقاتلوا من يليهم من الكفار، فإن عجزوا ساعدهم من يليهم الأقرب، فالأقرب) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع على عدة أدلة منها: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123]. • وجه الدلالة: حيث دلت الآية الكريمة أن الفرض على أهل كل ناحية من بلاد المسلمين قتال من وليهم من الأعداء دون الأبعد (¬7). 2 - ولأنه عليه الصلاة والسلام حارب قومه، ثم انتقل منهم إلى غزو سائر العرب ثم انتقل منهم إلى غزو الشام والصحابة -رضي اللَّه عنهم- لما فرغوا من أمر الشام دخلوا العراق (¬8). 3 - أن الابتداء بالغزو من المواضع القريبة أولى لوجوه منها: • الأول: أن مقابلة الكل دفعة واحدة متعذرة، ولما تساوى الكل في وجوب القتال لما فيهم من الكفر والمحاربة وامتنع الجمع، وجب الترجيح، والقرب مرجح ظاهر كما في الدعوة، وكما في سائر المهمات، ألا ترى أن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الابتداء بالحاضر أولى من الذهاب إلى البلاد البعيدة لهذا المهم، فوجب الابتداء بالأقرب. • والثاني: أن الابتداء بالأقرب أولى لأن النفقات فيه أقل، والحاجة إلى الدواب والآلات والأدوات أقل. • الثالث: أن الفرقة المجاهدة إذا تجاوزوا من الأقرب إلى الأبعد فقد عرضوا ¬
[8/ 8] مرتبة الجهاد بين التطوعات
الذراري للفتنة. • الرابع: أن المجاورين لدار الإسلام إما أن يكونوا أقوياء أو ضعفاء، فإن كانوا أقوياء كان تعرضهم لدار الإسلام أشد وأكثر من تعرض الكفار المتباعدين، والشر الأقوى الأكثر أولى بالدفع، وإن كانوا ضعفاء كان استيلاء المسلمين عليهم أسهل، وحصول عز الإسلام لسبب انكسارهم أقرب وأيسر، فكان الابتداء بهم أولى. • الخامس: أن وقوف الإنسان على حال من يقرب منه أسهل من وقوفه على حال من يبعد منه، وإذا كان كذلك كان اقتدار المسلمين على مقاتلة الأقربين أسهل لعلمهم بكيفية أحوالهم، وبمقادير أسلحتهم وعدد عساكرهم. • السادس: أن دار الإسلام واسعة، فإذا اشتغل أهل كل بلد بقتال من يقرب منهم من الكفار كانت المؤنة أسهل، وحصول المقصود أيسر. • السابع: أنه إذا اجتمع واجبان وكان أحدهما أيسر حصولًا وجب تقديمه، والقرب سبب السهولة، فوجب الابتداء بالأقرب (¬1).Rصحة الإجماع في المسألة، لعدم الاطلاع على المخالف فيها، واللَّه تعالى أعلم. [8/ 8] مرتبة الجهاد بين التطوعات: • المراد بالمسألة: بيان مرتبة تطوع الجهاد والذي لا يصل لحد الوجوب كالمشاركة في الجهاد بعد حصول الكفاية بالمجاهدين، فما هي منزلة هذا النوع من التطوع بالجهاد بين سائر الأعمال التطوعية، وقد نُقل الإجماع على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد (¬2). • من نقل الإجماع: لم أجد من نقل الإجماع على ذلك سوى شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (اتفق العلماء -فيما أعلم- على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد) (¬3)، وقال أيضًا: (والأمر بالجهاد وذكر فضائله في الكتاب والسنة أكثر من ¬
أن يحصر، ولهذا كان أفضل ما تطوع به الإنسان، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة ومن الصلاة التطوع والصوم) (¬1). • الموافقون على الإجماع: هو المذهب عند الحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: ما دلَّت عليه النصوص الصحيحة الكثيرة ومنها: 1 - عن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان باللَّه ورسوله". قيل: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل اللَّه". قيل: ثم أي؟ قال: "حج مبرور" (¬3). 2 - وعن أبي ذر -رضي اللَّه عنه-: أنه سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل؟ قال: "الإيمان باللَّه والجهاد في سبيله" (¬4). 3 - وعن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أفضل الناس مؤمن آخذٌ بعنان فرسه في سبيل اللَّه، ثم رجل معتزل في شِعْبٍ من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره" (¬5). قال ابن رجب: (فهذا نص في أن المجاهد أفضل من المتخلي لنوافل العبادات من الصلاة والذكر وغير ذلك) (¬6). 4 - ولأن الجهاد بذل المهجة والمال، ونفعه يعم المسلمين كلهم صغيرهم وكبيرهم وقويهم وضعيفهم وذكرهم وأنثاهم، وغيره لا يساويه في نفعه وخطره، فلا يساويه في فضله (¬7). • الخلاف في المسألة: اختلف الفقهاء في أي التطوعات أفضل على أقوال منها: • القول الأول: أفضل التطوعات الصلاة؛ لأنها أعظم القربات؛ ولجمعها أنواعًا من العبادات. وهو المذهب عند الشافعية (¬8). • واستدلوا بما يأتي: 1 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على ¬
الوضوء إلا مؤمن" (¬1). 2 - ولأنها تجمع من القرب ما لا تجمع غيرها من الطهارة، واستقبال القبلة، والقراءة، وذكر اللَّه -عز وجل-، والصلاة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويمنع فيها من كل ما يمنع منه في سائر العبادات، وتزيد عليها بالامتناع من الكلام، والمشي، وسائر الأفعال (¬2). • القول الثانى: طلب العلم أفضل أعمال البر والطاعات. وبه قال بعض علماء الحنفية، (¬3) والمالكية (¬4). • واستدلوا بما يأتي: 1 - عن أبى هريرة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "ما عُبِدَ اللَّه بشيءٍ أفضل من فقهٍ فى دين، ولفقيهٌ أشدُّ على الشيطان من ألف عابدٍ، ولكل شيءٍ عمادٌ، وعمادُ هذا الدين الفقهُ" (¬5). 2 - ولأن طلب العلم والفقه إذا صحت النية أفضل من جميع أعمال البر؛ لأنه أعم نفعًا (¬6). • القول الثالث: اتباع الجنائز أفضل التطوعات. وبه قال مجاهد، وغيره (¬7). واستدلوا بما روي أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أفضل ما يعمل المرء في يومه شهود جنازة" (¬8). • القول الرابع: أن أفضل الطاعات على قدر المصالح الناشئة عنها، فكلما عظمت المصلحة وتعدَّى نفعها كانت هي الأفضل. وبه قال الغزالي، واختاره عز الدين بن ¬
[9/ 9] وجوب السفر للجهاد عند تعينه
عبد السلام (¬1). • ومحل الخلاف كما أشار إليه النووي بقوله: (اعلم أنه ليس المراد بقولهم: الصلاة أفضل من الصوم أن صلاة ركعتين أفضل من صيام أيام أو يوم؛ فإن الصوم أفضل من ركعتين بلا شك؛ وإنما معناه أن من لم يمكنه الجمع بين الاستكثار من الصلاة والصوم وأراد أن يستكثر من أحدهما أو يكون غالب عمله منسوبًا إلي الإكثار منه ويقتصر من الآخر على المتأكد منه، فهذا محل الخلاف والتفضيل، والصحيح تفضيل الصلاة، واللَّه أعلم) (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود الخلاف المعتبر بين الفقهاء، واللَّه تعالى أعلم. [9/ 9] وجوب السفر للجهاد عند تعينه: • المراد بالمسألة: بيان أن السفر للجهاد يكون واجبًا على المسلم القادر إذا تعيَّن عليه الجهاد في سبيل اللَّه. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • وممن نقل الإجماع: ولم أجد مَنْ نقل الإجماع على ذلك سوى الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: (وأجابوا -يعني جمهور العلماء-) ثانيًا: بالإجماع على جواز شد الرحال للتجارة، وسائر مطالب الدنيا، وعلى وجوبه إلى عرفة للوقوف وعلى منى للمناسك التي فيها وإلى مزدلفة وإلى الجهاد والهجرة من دار الكفر) (¬3). وقد أورد الشوكاني كلامه السالف في معرض جواب جمهور العلماء على الجويني والقاضي عياض في قولهم بحرمة شد الرحال لغير المساجد الثلاثة بأن القصر فيه إضافي باعتبار المساجد لا حقيقي. • الموافقون للإجماع: لم أجد من نصَّ على وجوب السفر للجهاد سوى الشوكاني. • مستند الإجماع: يمكن أن يُستدل لوجوب السفر للجهاد بما يأتي: 1 - الأحاديث التي تأمر بالسفر نحو قوله عليه الصلاة والسلام: "سافروا تصحوا واغزوا تستغنوا" (¬4). ¬
[10/ 10] تفضيل الرباط في ثغور المسلمين على المجاورة في المساجد الثلاثة
• وجه الدلالة: 1 - حيث حمل العلماء المراد بالسفر في هذه الأحاديث سفر الجهاد ونحوه من كل سفر واجب (¬1). 2 - وبما تقرر في كتب الأصول أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ فوسائل المأمورات مأمور بها، ووسائل المنهيات منهي عنها (¬2)، فإذا كان المقصد هنا وهو الجهاد واجبًا إما وجوبًا كفائيًّا أو عينيًّا، فكذلك يكون حكم السفر له؛ لأنه وسيلة لتحقيقه. قال القرافي (684 هـ): (فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج. . ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120]، فأثابهم اللَّه على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم؛ بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين، فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة) (¬3).Rصحة الإجماع في حال تعتن الجهاد، حيث لم أقف على من خالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [10/ 10] تفضيل الرباط في ثغور المسلمين على المجاورة في المساجد الثلاثة: • المراد بالمسألة: بيان أن المقام في ثغور المسلمين، والرباط بها، أفضل من المجاورة (¬4) في المساجد الثلاثة، وهي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • وممن نقل الإجماع: شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (بل المقام في ثغور المسلمين كالثغور الشامية، والمصرية أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة، ¬
وما أعلم في هذا نزاعًا بين أهل العلم)، (¬1) وقال أيضًا: (المرابطة في ثغور المسلمين -وهو المقام فيها بنية الجهاد- أفضل من المجاورة في الحرمين، باتفاق أئمة المسلمين؛ أهل المذاهب الأربعة، وغيرهم) (¬2). ونقل الإجماع عنه كذلك المرداوي (885 هـ) في "الإنصاف" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4) وهو المذهب عند الحنابلة (¬5) ونقل عن المالكية (¬6). • مستند الإجماع: واستندوا على بعض الأحاديث والآثار منها: 1 - عن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "رباط يوم في سبيل اللَّه خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل" (¬7). 2 - وعن أبي أُمامة الباهلي قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لأن أحرس ثلاث ليالٍ مرابطًا من وراء بيضة المسلمين أحب إلي من أن تصيبني ليلة القدر في أحد المسجدين: المدينة أو بيت المقدس" (¬8). 3 - وقال أبو هريرة: "رباط ليلة في جانب البحر من وراء عورة المسلمين، أحب إلي من أن أوافق ليلة القدر في أحد المسجدين: مسجد الكعبة أو مسجد رسول اللَّه في المدينة" (¬9). 4 - أن المرابطة من جنس الجهاد، والمجاورة من جنس الحج، وجنس الجهاد ¬
[11/ 11] جواز الجهاد مع السلطان المتغلب
أفضل من جنس الحج (¬1).Rصحة الإجماع؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [11/ 11] جواز الجهاد مع السلطان المتغلِّب: • المراد بالمسألة: بيان مشروعية الجهاد مع الإمام الذي تنعقد إمامته بطريق الغلبة، والقهر وتستقر له الأمور. وذلك لصحة إمامته، ونفوذ أحكامه. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • وممن نقل الإجماع: ابن بطال (449 هـ) حيث يقول: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه)، كما نقل عنه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (¬2). والشيخ محمد بن عبد الوهاب (1206 هـ) حيث يقول: (الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان؛ له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا؛ لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحدًا من العلماء ذكر أن شيئًا من الأحكام لا يصلح إلا بالإمام الأعظم) (¬3). والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن (1293 هـ) حيث يقول: (وأهل العلم مع هذه الحوادث متفقون على طاعة من تغلب عليهم في المعروف يرون نفوذ أحكامه، وصحة إمامته لا يختلف في ذلك اثنان) (¬4). • الموافقون للإجماع: اتفق أهل السنة والجماعة فقهاء المذاهب من الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9) على ذلك، ولم يخالف إلا ¬
الخوارج (¬1)، والمعتزلة (¬2). قال الشافعي: (كل من غلب على الخلافة بالسيف حتى يُسمّى خليفة، ويُجمِع النّاس عليه فهو خليفة) (¬3). يقول الإمام أحمد -إمام أهل السنة-: (أصول السنّة عندنا: التمسّك بما كان عليه أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والاقتداء بهم. . .، والسمع، والطاعة للأئمة البَرّ، والفاجر؛ ومن وَلي الخلافة، فاجتمع الناس عليه، ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة) (¬4). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فمتى صار قادرًا على سياستهم، بطاعتهم، أو بقهره، فهو ذو سلطان مطاع إذا أمر بطاعة اللَّه) (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه-: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من رأى من أميره شيئًا يكرهه، فليصبر عليه؛ فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية" (¬6). • وجه الدلالة: دلَّ الحديث على وجوب طاعة الإمام، والصبر على ذلك، ومن الطاعة الجهاد معه. 2 - وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الجهاد ماضٍ منذ بعثنى اللَّه إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل" (¬7). ¬
[12/ 12] الجهاد مع القائد البر أو الفاجر
• وجه الدلالة: حيث يستلزم الحديث ألا يمتنع المسلمون عن الجهاد في حالة وجود السلطان المتولي عن طريق الغلبة والقهر، وإلا لتعطَّل أن يكون الجهاد ماضيًا إلى يوم القيامة، وتعطيل النص الشرعي لا يجوز. 3 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الجهاد واجب مع كل أمير برًّا كان أو فاجرًا" (¬1). • وجه الدلالة: أن عبارة (كل أمير) جاءت عامة غير مخصصة بكون الأمير تولَّى بطريق البيعة (¬2)، أو الاستخلاف (¬3)، أو الغلبة والقهر، فمن خصه بشيء فعليه بالدليل.Rصحة الإجماع على مشروعية الجهاد مع السلطان المتغلب، وخلاف من خالف من طوائف أهل الضلال لا عبرة به ولا يخرم ما استقر عليه إجماع أهل السنة والجماعة، واللَّه تعالى أعلم. [12/ 12] الجهاد مع القائد البر أو الفاجر (¬4): • المراد بالمسألة: بيان أن الجهاد مشروع مع كل إمام برًّا كان أم فاجرًا. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • وممن نقل الإجماع: إسماعيل المزني (264 هـ) حيث يقول: (والجهاد مع كل إمام عدل، أو جائر، والحج. . هذه مقالات، وأفعال اجتمع عليه الماضون الأولون من ¬
أئمة الهدى) (¬1). وابن بطة العكبري (387 هـ) حيث يقول: (وقد أجمعت العلماء من أهل الفقه، والعلم، والنساك، والعباد، والزهاد من أول هذه الأمة إلى وقتنا هذا: أن صلاة الجمعة، والعيدين، ومنى، وعرفات، والغزو، والحج، والهدي مع كل أمير برًّ، أو فاجر) (¬2). وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث قال بعد أن أورد النصوص في هذه المسألة: (إلى غير ذلك من النصوص التي اتفق أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف على العمل بها في جهاد من يستحق الجهاد مع الأمراء أبرارهم وفجارهم؛ بخلاف الرافضة (¬3) والخوارج الخارجين عن السنة والجماعة) (¬4). والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (ويغزو مع كل برٍّ وفاجرٍ بلا نزاع) (¬5). وابن قاسم (1393 هـ) حيث يقول: (ويجب النفير مع كل أمير برًّا كان، أو فاجرًا بلا نزاع، بشرط أن يحفظ المسلمين) (¬6). • الموافقون للإجماع: اتفقت مذاهب أهل السنة والجماعة من الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، والظاهرية (¬11) على مشروعية الجهاد مع كل إمام برًا كان أم فاجرًا. • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الجهاد واجب مع كل أمير برًّا كان، أو فاجرًا" (¬12). ¬
• وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث صراحةً على مشروعية الجهاد ولو كان الإمام فاجرًا. 2 - وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال: لا إله إلا اللَّه لا يكفره بذنب ولا يخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني اللَّه عز وجل إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار" (¬1). 3 - وعن عروة البارقي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم" (¬2). استدل الإمام البخاري وسبقه الإمام أحمد بهذا الحديث على أن الجهاد ماض مع الإمام البر والفاجر، ووجه ذلك (لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر بقاء الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة، وفسره (بالأجر والمغنم)، المغنم المقترن بالأجر إنما يكون من الخيل بالجهاد، ولم يقيد ذلك بما إذا كان الإمام عادلًا، فدل على أن لا فرق في حصول هذا الفضل بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل، أو الجائر) (¬3). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- من حديث طويل، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" (¬4). 5 - ولأن ترك الجهاد مع القائد الفاجر يؤدي إلى ترك الجهاد فيظهر الكفار على المسلمين، وفي هذا ضرر عظيم على الإسلام والمسلمين، فيخرج مع القائد الفاجر ارتكابًا لأخف الضررين (¬5). وقد حكى الإمام عبد الملك بن حبيب مفاسد ترك الغزو مع أئمة الجور فقال: ¬
[13/ 13] شروط من يجب عليه الجهاد
"سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس بالجهاد مع الولاة، وإن لم يضعوا الخُمس موضعه، وإن لم يُوفوا بعهد إن عاهدوا، ولو عملوا ما عملوا، ولو جاز للناس ترك الغزو معهم بسوء حالهم لاستذل الإسلام، وتخيفت أطرافه، واستبيح حريمه، ولعلا الشرك وأهله" (¬1).Rصحة الإجماع، وعليه فإن الإمام ما دام مجاهدًا للكفار، وللمشركين، فيجب أن يكون المؤمنون معه مطيعين مجاهدين في سبيل اللَّه سواء كان الإمام برًا أم فاجرًا. [13/ 13] شروط من يجب عليه الجهاد: • المراد بالمسألة: بيان أن الجهاد إنما يجب على الرجال الأحرار البالغين الأصحاء، الذين يجدون ما يغزون به، ونقل الإجماع على ذلك. • وممن نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة الإسلام وقراهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين، واتفقوا أن لا جهاد فرضًا على امرأة، ولا على من لم يبلغ، ولا على مريض لا يستطيع، ولا على فقير لا يقدر على زاد) (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأما على من يجب؟ فهم الرجال الأحرار البالغون الذين يجدون بما يغزون، الأصحاء إلا المرضى وإلا الزمنى، وذلك لا خلاف فيه) (¬3). فقد تضمَّن هذان النصان الإجماع على أن الجهاد إنما يجب على من توفَّرت فيه الأوصاف التالية: 1 - الذكورة، فلا يجب الجهاد على النساء. 2 - الحرية، فلا يجب الجهاد على العبيد. 3 - التكليف، فلا يجب الجهاد على غير المكلف (¬4). 4 - القدرة المالية على مؤنة الجهاد. فلا يجب على الفقير الذي لا يجد. ¬
[14/ 14] عدم وجوب الجهاد على النساء
5 - السلامة من الضرر، فلا يجب على العاجز ولا المريض. وتفصيل هذه المسائل وتحقيق الإجماع فيها في المسائل الآتية. [14/ 14] عدم وجوب الجهاد على النساء: • المراد بالمسألة: بيان أن من شروط وجوب الجهاد على الإنسان أن يكون ذكرًا، فلا يجب الجهاد على النساء، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • وممن نقل الإجماع على ذلك: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أنه لا جهاد فرضًا على امرأة) (¬1). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأما على من يجب؟ فهم الرجال الأحرار البالغون الذين يجدون بما يغزون، الأصحاء إلا المرضى وإلا الزمنى، وذلك لا خلاف فيه) (¬2). وابن القطان الفاسي (628 هـ) حيث يقول: (والجميع أجمعوا على أن النساء، والأصاغر، والعبيد غير داخلين في خطاب اللَّه تعالى بقوله: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41] (¬3)، وقال أيضًا: (واتفقوا أنه لا جهاد فرض على امرأة) (¬4). والمرداوي (882 هـ) حيث يقول: (فلا يجب -يعني الجهاد- على أنثى بلا نزاع) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: 1 - استدل الإمام الشافعي على عدم وجوب الجهاد على النساء، يقول اللَّه تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65]. • وجه الدلالة: أن الخطاب في قوله سبحانه: {الْمُؤْمِنِينَ} يدل على أنه أراد به الذكور دون الإناث (¬10). ¬
[15/ 15] الغزو بالنساء لأجل مداواة المرضى وإسعاف الجرحى
2 - وعن عائشة أم المؤمنين -رضي اللَّه عنها- قالت: استأذنت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجهاد فقال: "جهادكن الحج" (¬1). قال ابن حجر: (وقال ابن بطال: دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء ولكن ليس في قوله: "جهادكن الحج" أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد، وإنما لم يكن عليهن واجبًا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال) (¬2). 3 - عن أم زياد الأشجعية "أنها خرجت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة خيبر، سادسة ست نسوة، فبلغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعث إلينا، فجئنا فرأينا منه الغضب فقال: "مع من خرجتن؟ ! فقلنا: يا رسول اللَّه خرجنا نغزل الشعر ونعين به في سبيل اللَّه، ومعنا دواء للجرحى ونناول السهام ونسقي السويق. فقال: "قمن" حتى إذا فتح اللَّه خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال. فقلت لها: يا جدة ما كان ذلك؟ قالت: تمرًّا" (¬3). 4 - عن رباح بن الربيع قال: "غزونا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فمررنا على امرأة مقتولة قد اجتمع عليها الناس فأفرجوا له، فقال: "ما كانت هذه لتقاتل فيمن يقاتل" (¬4). 5 - وللافتتان بهن، مع أنهن لسن من أهل القتال، لاستيلاء الخوف والجبن عليهن، ولأنه لا يؤمن ظفر العدو بهن، فيحلون منهن ما حرم اللَّه تعالى (¬5).Rأن الإجماع متحقق لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [15/ 15] الغزو بالنساء لأجل مداواة المرضى وإسعاف الجرحى: • المراد بالمسألة: بيان أن الغزو بالنساء لأجل مداواة المرضى، وإسعاف الجرحى جائز، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• وممن نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: (وفي هذا الغزو بالنساء وهو مجمع عليه) (¬1). ابن النحاس (814 هـ) حيث يقول: (اتفقوا على أنه لا يسافر بالنساء إلى أرض العدو إلا أن يكون في جيش عظيم يؤمن عليهم) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عن الرُّبَيِّع بنت معوذ -رضي اللَّه عنهما- قالت: "كنا نغزو مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فنسقي القوم ونخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة" (¬7). 2 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- "أن أم سليم -رضي اللَّه عنها- اتخذت يوم حنين خنجرًا، فكان معها، فرآها أبو طلحة فقال: يا رسول اللَّه، هذه أم سليم معها خنجر، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما هذا الخنجر؟ " قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه، فجعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يضحك. . . " (¬8). 3 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يغزو بأم سليم، ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى" (¬9). 4 - عن أم عطية الأنصارية -رضي اللَّه عنها- قالت: "غزوت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى" (¬10). 5 - وسئل ابن عباس -رضي اللَّه عنها-: هل كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يغزو بالنساء؟ فقال: "نعم، كان يغزو بهن فيداوين الجرحى. . " (¬11). ¬
وجه الدلالة من تلك النصوص على جواز الغزو بالنساء: أن خروج النساء في الغزو كان أمرًا مشتهرًا في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم ينكره -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يرد عن أحد من أصحابه إنكاره، مما يدل على جواز ذلك. • الخلاف في المسألة: لم أجد من خالف في هذه المسألة إلا الحسن البصري -رحمه اللَّه -، فإنه كان يكره أن تخرج النساء إلى شيء من هذه الفروج (¬1) -يعني الثغور- لكن لم أجد من وافق الحسن على رأيه هذا، بل هو مخالف للإجماع الذي حكاه النووي، وللنصوص الصريحة الصحيحة التي ذكرتها في مستند الإجماع. ولعل رأي الحسن -رحمه اللَّه- يُحمل على خروجهن مع السرية الصغيرة؛ فإنه يكره خشية سبيهن واسترقاقهن.Rالذي يظهر -واللَّه أعلم- هو صحة الإجماع الذي حكاه النووي على جواز الغزو بالنساء، وأما الخلاف الوارد في ذلك فهو خلاف ضعيف لا تعضده النصوص الشرعية، ولا يمكن أن ينخرم الإجماع بمثل هذا الخلاف. إلا أن جواز الغزو بالنساء ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بقيود وضوابط يذكرها الفقهاء، وهي على سبيل الإجمال: 1 - أن يكون خروجهن في الجيش الذي له قوة ومنعة، أما خروجهن في السرية الصغيرة فيكره خشية سبيهن وتعريضهن للضياع (¬2). 2 - أن يكون معها محرم إذا كان الغزو مسافة سفر، لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" (¬3). وإن كان دون مسافة السفر فلا بأس أن تخرج بدون محرم، ولكن لا بد من إذن زوجها إن كانت ذات زوج، إلا إذا كان النفير عامًّا، وكان في خروجها قوة للمسلمين فلا بأس أن تخرج بدون إذن، لأجل الضرورة (¬4). 3 - أن تكون وظيفتها في الغزو سقي المجاهدين ومداواة المرضى والجرحى، فلا تباشر القتال لضعفها وخورها، ولأنها سورة ولا يؤمن أن ينكشف شيء منها في حال ¬
[16/ 16] عدم وجوب الجهاد على العبيد
تشاغلها بالقتال؛ ولأن في قتالها نوع شبهة للمسلمين، فإن المشركين يقولون: انتهى ضعف حالهم إلى أن احتاجوا إلى الاستعانة بالنساء في القتال، إلا أنه في حال الضرورة وفي جهاد الدفع يجوز لها أن تباشر القتال، وبهذا يجمع بين النصوص الواردة في ذلك. 4 - أن الخروج بالنساء إلى الغزو خاص بالعجائز، فلا يخرج بالشابات إلا في حال الضرورة خشية الفتنة (¬1). [16/ 16] عدم وجوب الجهاد على العبيد: • المراد بالمسألة: بيان أنه لا يجب الجهاد على العبد؛ لكونه فاقدًا شرطًا من شروط وجوب الجهاد وهو الحرية، وقد نقل الإجماع على ذلك. • وممن نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة الإسلام، وقراهم، وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين) (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأما على من يجب؟ فهم الرجال الأحرار البالغون الذين يجدون بما يغزون، الأصحاء إلا المرضى وإلا الزمنى، وذلك لا خلاف فيه) (¬3)، وقال أيضًا: (وأما كون هذه الفريضة تختص بالأحرار فلا أعلم فيه خلافًا) (¬4). وابن القطان الفاسي (628 هـ) حيث يقول: (والجميع أجمعوا على أن النساء، والأصاغر، والعبيد غير داخلين فى خطاب اللَّه تعالى بقوله: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على حكم المسألة الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: -سبحانه وتعالى- {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41]. ¬
[17/ 17] لا يجب الجهاد على الصغير الذي لم يبلغ
• وجه الدلالة: أن العبد لا مال له، ولا نفس يملكها، فلم يشمله الخطاب، فلا يجب عليه الجهاد (¬1). 2 - عن جابر قال: "جاء عبد، فبايع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بعنيه"، فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدًا بعد حتى يسأله أعبد هو؟ " (¬2). • وجه الدلالة: ظاهر الحديث تحريم بيعة العبد على الهجرة لتعلُّق حق سيده به، فكذلك البيعة على الجهاد؛ لأن البيعة على الجهاد تقتضي سفر العبد عن سيده، وفوات مصالح السيد. 3 - عن الحارث بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كان في بعض مغازيه، فمر بأناس من مزينة، فأتبعه عبد لامرأة منهم، فلما كان في بعض الطريق سلم عليه، فقال: "فلان؟ " قال: نعم قال: "ما شأنك؟ " قال: أجاهد معك قال: "أذنت لك سيدتك؟ " قال: لا، قال: "ارجع إليها فأخبرها، فإن مثلك مثل عبد لا يصلي إن مت قبل أن ترجع إليها، واقرأ عليها السلام" فرجع إليها فأخبرها الخبر، فقالت: آلله هو أمر أن تقرأ علي السلام؟ قال: نعم، قالت: ارجع فجاهد معه" (¬3). 4 - ولأن الجهاد عبادة تتعلق بقطع مسافة، فلم تجب على العبد، كالحج (¬4).Rأن الإجماع متحقق، حيث لم أجد من خالف في حكم هذه المسألة. [17/ 17] لا يجب الجهاد على الصغير الذي لم يبلغ: • المراد بالمسألة: بيان أنه لا يجب الجهاد على الصغير الذي لم يبلغ، لأن البلوغ شرط من شروط وجوبه بإجماع الفقهاء. • وممن نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن لا جهاد فرضا على امرأة، ولا على من لم يبلغ، ولا على مريض لا يستطيع، ولا على فقير لا يقدر على ¬
زاد) (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأما على من يجب؟ فهم الرجال الأحرار البالغون الذين يجدون بما يغزون، الأصحاء إلا المرضى وإلا الزمنى، وذلك لا خلاف فيه) (¬2). وابن القطان الفاسي (628 هـ) حيث يقول: (والجميع أجمعوا على أن النساء، والأصاغر، والعبيد غير داخلين في خطاب اللَّه تعالى بقوله: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41]) (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ} [التوبة: 91]، فقد قيل: إن الضعفاء هم الصبيان لضعف أبدانهم (¬8). 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "عُرِضْتُ عَلَى النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَم يُجِزْني، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ اَلْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي" (¬9). وفي لفظ بزيادة: "عرضت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الخندق فلم يجزني ولم يرني بلغت" (¬10). • وجه الدلالة: أن عدم إجازة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لابن عمر في الجهاد، وهو في سن الرابعة عشرة، وحينها لم يبلغ دليل على عدم وجوب الجهاد على غير البالغين. 3 - أن البلوغ شرط من شروط التكليف بالأحكام الشرعية، ومنها الجهاد فغير البالغ لا يجب عليه؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة -وذكر منهم- وعن الصبي حتى ¬
[18/ 18] الجهاد على الفقير الذي لا يقدر على الزاد
يحتلم" (¬1). 4 - أن الصغير في الغالب ضعيف البنية، فقد لا يحتمل مشاق الجهاد، وقد يكون عبءًا على غيره، فلا يجب عليه الجهاد (¬2). 5 - ولأن الجهاد عبادة بدنية فلم تجب على الصغير، كالصوم والصلاة (¬3).Rأن الإجماع متحقق لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [18/ 18] الجهاد على الفقير الذي لا يقدر على الزاد: • المراد بالمسألة: بيان أنه لا يجب الجهاد على الفقير الذي لا يملك مؤنة الجهاد، من الزاد وآلة الحرب، والراحلة إذا كانت المسافة تقصر فيها الصلاة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • وممن نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن لا جهاد فرضًا على امرأة، ولا على من لم يبلغ، ولا على مريض لا يستطيع، ولا على فقير لا يقدر على زاد) (¬4). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأما على من يجب؟ فهم الرجال الأحرار البالغون الذين يجدون بما يغزون، الأصحاء إلا المرضى وإلا الزمنى، وذلك لا خلاف فيه) (¬5). • الموافقون على الإجماع: وقال بذلك الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ} [التوبة: 91]، وقوله سبحانه: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ¬
[19/ 19] الجهاد على المريض الذي لا يستطيعه
الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)} [التوبة: 92]. • وجه الدلالة من الآيتين: أن الآية الأولى دلَّت على نفي الحرج على من لم يجد النفقة، وهي تشمل الزاد ونفقة عائلته مدة غيبته، وسلاحه الذي يقاتل به. والآية الأخرى نفت الحرج عن من لم يجد المركوب، فدلَّ ذلك على اعتبار الراحلة (¬1). 2 - ولأن تكليف الفقير العاجز عن مؤنة الجهاد بالجهاد فيه حرج ومشقةٌ عليه، فكل من عجز عن شيء سقط عنه، واللَّه تعالى يقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] (¬2).Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود الخلاف في المسألة. واللَّه تعالى أعلم. [19/ 19] الجهاد على المريض الذي لا يستطيعه: • المراد بالمسألة: بيان أنه يشترط لوجوب الجهاد (السلامة من الضرر)، وهي السلامة من العمى، والعرج، والمرض، وغيرها من الأمراض والعاهات، فإن هؤلاء المرضى لا يجب عليهم الجهاد، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • وممن نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن لا جهاد فرضًا على امرأة، ولا على من لم يبلغ، ولا على مريض لا يستطيع، ولا على فقير لا يقدر على زاد) (¬3). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأما على من يجب؟ فهم الرجال الأحرار البالغون الذين يجدون بما يغزون، الأصحاء إلا المرضى وإلا الزمنى، وذلك لا خلاف فيه) (¬4). • الموافقون على الإجماع: اتفقت المذاهب من الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8) على اعتبار السلامة من الضرر من شروط الجهاد. • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ¬
[20/ 20] إذن الأبوين المسلمين في الغزو إذا لم يتعين
وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17، والنور 61]. 2 - ولقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91]. • وجه الدلالة من الآيتين الكريمتين: حيث بيَّن اللَّه تعالى الأعذار التي لا حَرَج على من قعد فيها عن القتال، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه، وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجِلَاد في الجهاد، ومنه العمى، والعَرَج، ونحوهما، وما هو عارض بسبب مرض عَنَ له في بدنه، شغله عن الخروج في سبيل اللَّه، فليس على هؤلاء حَرَج إذا قعدوا (¬1). 3 - أن المقصود من الجهاد القتال والأعمى ممن لا يقاتل، والأعرج لا يتمكَّن منه، والمريض إذا كان مرضه شديدًا فإنه لا يقدر عليه. فتكليفهم بالجهاد حرج ومشقة واللَّه تعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] (¬2).Rأن الإجماع متحقق لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [20/ 20] إذن الأبوين المسلمين في الغزو إذا لم يتعين: • المراد بالمسألة: بيان أن المسلم إذا أراد الخروج للجهاد فإنه يجب عليه الحصول على إذن من والديه كليهما، فإن حجبا عنه الإذن أو أحدهما حَرُم عليه الجهاد، ما لم يكن فرض عين عليه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن من له أبوان يضيعان بخروجه، أن فرض الجهاد ساقط عنه) (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (لا خلاف علمته أن الرجل لا يجوز له الغزو ووالداه كارهان، أو أحدهما؛ لأن الخلاف لهما في أداء الفرائض عقوق، وهو من الكبائر ومن الغزو ما قلت) (¬4). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وعامة الفقهاء متفقون على أن من شرط هذه الفريضة إذن الأبوين فيها، إلا أن تكون عليه فرض عين، مثل أن لا يكون هنالك من ¬
يقوم بالفرض إلا بقيام الجميع به) (¬1). وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أن من لم يتعيَّن عليه الجهاد، فإنه لا يخرج إلا بإذن أبويه إذا كانا حيين مسلمين) (¬2). والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أن من لم يتعين عليه الجهاد لا يخرج إلا بإذن أبويه إن كانا مسلمين) (¬3). وابن النحاس (814 هـ) حيث يقول: (وأجمع العلماء على أن الغزو لا يجوز إلا بإذن الأبوين المسلمين) (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). • مستند الإجماع: 1 - عن عبد اللَّه بن عمرو قال: "جاء رجل (¬10) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستأذنه في الجهاد فقال: "أحيٌ والدك؟ " قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد" (¬11). 2 - وعن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-: "أن رجلا هاجر إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من اليمن، فقال: "هل لك أحد باليمين؟ " قال: أبواي، قال: أذنا لك؟ " قال: لا، قال: "ارجع إليهما، فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما" (¬12). ¬
[21/ 21] وجوب أخذ المدين الإذن من الغريم في الخروج للجهاد
• ووجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر الابن ببر أبويه واستئذانهما للجهاد، فإن لم يأذنا فإنه لا يخرج للجهاد، وهذا نص في اشتراط إذن الوالدين. 3 - عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: "سألت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أي العمل أحب إلى اللَّه؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قال: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين". قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل اللَّه". قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني" (¬1). • وجه الاستدلال: أن في الحديث تقديم بر الوالدين على الجهاد، ويحتمل أن ذلك التقديم لتوقف الجهاد على بر الوالدين؛ إذ من بر الوالدين استئذانهما في الجهاد (¬2). 4 - أن الجهاد في هذه الحالة فرض كفاية؛ لأنه لم يتعين على الابن، وبر الوالدين فرض عين فكان مقدمًا على فرض الكفاية (¬3). • الخلاف في المسألة: حكي قول في مذهب الحنابلة أن فرض الكفاية لا يجب فيه الاستئذان كفرض العين (¬4). ولم يُذكر على هذا القول دليل، مما يدل على ضعفه وشذوذه. قال ابن قدامة: (مسألة قال: وإذا كان أبواه مسلمين لم يجاهد تطوعًا إلا بإذنهما روي نحو هذا عن عمر، وعثمان، وبه قال مالك، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وسائر أهل العلم) (¬5).Rأن الإجماع متحقق، وما حُكي من خلاف في مذهب الحنابلة فهو شاذ، واللَّه تعالى أعلم. [21/ 21] وجوب أخذ المدين الإذن من الغريم في الخروج للجهاد: • المراد بالمسألة: بيان أنه ليس للمدين الموسر الذي حل عليه الدين أن يخرج ¬
للجهاد بغير إذن الدائن حتى يقضي الدين، أو يترك وفاءه، أو يقيم كفيلًا. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • وممن نقل الاتفاق: الدمشقي (780 هـ)، حيث يقول: (واتفقوا أن من لم يتعين عليه الجهاد لا يخرج إلا بإذن أبويه إن كانا مسلمين، وأن من عليه دين لا يخرج إلا بإذن غريمه) (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق الفقهاء من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) على ذلك. • مستند الإجماع: 1 - عن أبي قتادة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر فضل الجهاد، فقام رجل فقال: "يا رسول اللَّه أرأيت إن قتلت في سبيل اللَّه تكفر عني خطاياي؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم إن قتلت في سبيل اللَّه وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، إلا الدين، فإن جبريل -عليه السلام- قال لي ذلك" (¬6). • وجه الدلالة من الحديث: أن الدين من حقوق الآدميين، والجهاد والشهادة في سبيل اللَّه لا يكفره فدل على وجوب قضائه قبل الخروج للجهاد أو استئذان صاحب الحق (¬7). 2 - ولأن أداء الدين فرض متعين عليه والجهاد فرض على الكفاية، وفروض الأعيان مقدمة (¬8). 3 - ولأن الجهاد تقصد منه الشهادة التي تفوت بها النفس، فيفوت الحق بفواتها (¬9).Rصحة الإجماع على وجوب أخذ المدين الإذن من دائنه للخروج للجهاد، حيث لم أطلع على من خالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في أحكام الجهاد
الفصل الثاني مسائل الإجماع في أحكام الجهاد [22/ 1] جواز الاستعانة بالمنافق في جهاد الكفار: • التعريف بالمنافق: النفاق في اللغة: ضرب من التمويه والستر والتغطية، وحقيقته: إظهار شيء وإبطان ضده. مشتق من النافقاء إحدى جِحَرَةِ اليربوع، يكتمها ويظهر غيرها، فإذا طلب من واحد هرب إلى الآخر وخرج منه، وهكذا يفعل المنافق، يدخل في الإسلام ثم يخرج منه من غير الوجه الذي دخل فيه (¬1). والنفاق شرعًا: هو إظهار الإيمان وستر الكفر (¬2). فالمنافق هو: من أظهر الإيمان وأبطن الكفر. وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على جواز الاستعانة بالمنافق في جهاد الكفار. • من نقل الإجماع: الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: (ويجوز الاستعانة بالمنافق إجماعًا لاستعانته -صلى اللَّه عليه وسلم- بعبد اللَّه بن أبي وأصحابه) (¬3). والشوكاني (1255 هـ) حيث يقول: (قال في "البحر" (¬4): وتجوز الاستعانة بالمنافق إجماعًا؛ لاستعانته صلى اللَّه عليه وآله وسلم بابن أبي وأصحابه) (¬5). • الموافقون للإجماع: لم أقف على أحد من أهل العلم أجاز الاستعانة بالمنافقين في قتال الكفار مطلقًا سوى الصنعاني والشوكاني -رحمهما اللَّه- غير أن بعض الحنابلة في قول مُضعَّفٍ في المذهب استثنوا من تحريم الاستعانة بهم حال الضرورة (¬6). • مستند الإجماع: استند القائلون بجواز الاستعانة بالمنافقين في قتال الكفار بما يأتي: 1 - بأن المنافقين كانوا يخرجون مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في المغازي، كما خرج عبد اللَّه ¬
ابن أبي مع المسلمين في غزوة بني المصطلق (¬1)، وخرج بعضهم مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك (¬2)، فدلَّ ذلك على جواز الاستعانة بهم في قتال الكفار. 2 - ويمكن أن يُستدل لهم أيضًا بأن المنافقين في الدنيا تجري عليهم أحكام أهل الإسلام في الظاهر (¬3)، ما دام كفرهم مخفيًّا غير معلن، وكانوا يظهرون الإسلام، لأن كفرهم مظنون غير معلوم، ويبعثون يوم القيامة على نياتهم. فلا يمنعون من الصلاة في مساجد المسلمين، وكذا في الخروج للجهاد في سبيل اللَّه. • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك الشافعية (¬4) والحنابلة (¬5)، وذكروا أنه يلزم الإمام إذا أراد الغزو أن يتفقد الجيش، ويتعاهد الخيل والرجال؛ فيمنع كل من فيه ضرر على جيش المسلمين كالمُخذّل (¬6) والمرجف (¬7) ومن عُرف بنفاق، ويردهم عن الخروج في الجيش. واستدلوا على المنع من الاستعانة بالمنافقين بما يأتي: 1 - قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)} [التوبة: 46، 47]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت الآية الكريمة أن اللَّه لما علم ما في خروج المنافقين للجهاد من فساد بالتخويف والإرجاف للمؤمنين ثبَّطهم عنه؛ إذ كان خروجهم حينئِذٍ معصية وفساد واللَّه لا يحب الفساد. فدلَّ ذلك على التحذير والمنع من الاستعانة بهم في الجهاد (¬8). ¬
[23/ 2] الإنفاق على الغزاة من الزكاة
2 - وقوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: 83]. • وجه الدلالة: حيث نصت الآية الكريمة على منع المنافقين من الخروج مع جيش المسلمين. 3 - أن في خروج المنافقين مع المجاهدين مفاسد ظاهرة، وأضرارًا واضحة فيلزم منعهم؛ صيانة للمسلمين من شرهم، فهم في الحقيقة مع الكفار عيون وأعوانٌ لهم، يكشفون لهم عورات المسلمين وأسرارهم، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر. وقاعدة الشرع المتينة تؤكد بأن (الضرر يزال) (¬1). والجواب عما استدل به من قال بجواز الاستعانة بالمنافقين: وهو قولهم: (إن عبد اللَّه بن أبي بن سلول كان يخرج في الغزوات مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو رأس المنافقين مع ظهور التخذيل وغيره منه). فالجواب عليه من وجهين: أولًا: إذا ثبت ذلك فلأن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كانوا أقوياء في الدين لا يبالون بالتخذيل ونحوه، بخلاف من جاء بعدهم. ثانيًا: أو أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يطلع بالوحي على أفعاله فلا يتضرر بكيده (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق في جواز الاستعانة بالمنافقين، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [23/ 2] الإنفاق على الغزاة من الزكاة: • المراد بالمسألة: بيان أنه يجوز للمجاهدين في سبيل اللَّه الأخذ من الزكاة المفروضة ما يكفيهم لجهادهم، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: قوله تعالى: {وفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، قال مالك: سبل اللَّه كثيرة، ولكني لا أعلم خلافًا في أن المراد بسيل اللَّه هاهنا الغزو من جملة سبيل اللَّه) (¬3). ¬
ويقول ابن قدامة (620 هـ) عند (مسألة: "وسهم في سبيل اللَّه. . .): (هذا الصنف السابع من أهل الزكاة، ولا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم، ولا خلاف في أنَّهم الغزاة في سبيل اللَّه) (¬1). وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (فأما الجهاد فهو أعظم سبيل اللَّه بالنص والإجماع) (¬2). والمرداوي (882 هـ) حيث يقول: ("قوله: السابع: في سبيل اللَّه، وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم" فلهم الأخذ منها بلا نزاع) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة: 60]. • وجه الدلالة: حيث حصر اللَّه سبحانه الصدقات في هذه الأصناف الثمانية ولا تجزئ في غيرها ومن هذه المصارف {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} والمراد به الغزو (¬9). جاء في جامع البيان: في سبيل اللَّه يعني في النفقة في نصرة دين اللَّه بقتال أعدائه، وذلك هو غزو الكفار (¬10). 2 - ولأن سبيل اللَّه إذا أطلق في عرف الشرع يراد به الغزو (¬11). ¬
[24/ 3] الغزاة الذين لهم راتب من ديوان الجند لا يعطون من الزكاة
قال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)} [التوبة: 41]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} [الصف: 4]. وعن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فَمنْ في سبيل اللَّه؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه" (¬1). • وجه الدلالة: فهذه النصوص الشرعية تدل بوضوح على أن (سبيل اللَّه) في آية الصدقات هو محاربة أعداء اللَّه، ونصرة دينه بالجهاد في سبيله.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [24/ 3] الغزاة الذين لهم راتب من ديوان الجند (¬2) لا يعطون من الزكاة: • المراد بالمسألة: قسَّم العلماء المجاهدين إلى نوعين: مرتزقة، ومتطوعة. فأما المرتزقة فهم الذين فرغوا أنفسهم للجهاد فلم يتشاغلوا إلا به، وثبتوا في الديوان فصاروا جيشًا للمسلمين ومقاتلة للمشركين فهؤلاء لا حق لهم في الزكاة. وأما المتطوعة فهم أرباب المعائش والصنائع والأعراب الذين يتطوعون بالجهاد إن شاءوا ويقعدون عنه إن أحبوا، ولم يثبتوا في الديوان، ولا جعل لهم رزق فهؤلاء هم الذين يعطون من الزكاة من سهم (سبيل اللَّه) (¬3)، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: (قال المصنف والأصحاب رحمهم اللَّه تعالى: وأما الغزاة المرتبون في ديوان السلطان ولهم فيه حق فلا يعطون من الزكاة بسبب الغزو بلا خلاف) (¬4). ¬
• الموافقون للإجماع: وافق: الشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) على اشتراط أن يكون المجاهدون الذين يأخذون الزكاة من المتطوعين غير المرتبين في الديوان، أما المرتزقة فلا حظ لهم فيها. • مستند الإجماع: قالوا: لأن المجاهدين الذين لهم ديوان (المرتزقة) يعطون من مال المسلمين رزق راتب على جهادهم، فلا حاجة أن نعطيهم من الزكاة؛ لأنهم مستغنون بما يعطون من بيت المال عن الزكاة (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك الحنفية والمالكية فلم يشترطوا أن يكون المجاهدون الذين يأخذون الزكاة من المتطوعين غير المرتبين في الديوان. فمذهب الحنفية (¬4) أنه لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيرًا منقطعًا به، ولم يشترطوا كونه من المتطوعة. • وحجتهم: أن الأصناف الثمانية كلهم إنما يعطون من الزكاة بشرط الفقر فيما عدا العامل عليها (¬5)؛ لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن اللَّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" (¬6). وظاهر كلام المالكية (¬7) عدم اشتراط التطوع لأخذ المجاهد من الزكاة، بل متى تلبس بالجهاد بالشروع فيه أو السفر له فإنه يدفع له من الزكاة قدر كفايته، وإن كان غنيًّا. سواء كان له راتب من الديوان أو متطوع. • وحجتهم: عموم قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} فيعطى هؤلاء الغزاة ما يعينهم على الغزو ولو كانوا أغنياء، ولو كانوا من أهل الديوان؛ لأنهم ينطبق عليهم وصف (في ¬
[25/ 4] جميع أهل الكفر يحاربهم المسلمون
سبيل اللَّه) (¬1). R 1 - عدم تحقق الإجماع في اشتراط أن يكون المجاهد الذي تُدفع له الزكاة من المتطوعة. 2 - يُحمل نقل الإمام النووي عدم الخلاف في المسألة، أنه أراد داخل المذهب الشافعي فإنهم متفقون على اشتراط ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [25/ 4] جميع أهل الكفر يحاربهم المسلمون: • المراد بالمسألة: بيان أن الذين يحاربهم المسلمون هم جميع أهل الكفر وهم من سوى المسلمين، من أهل الكتاب وغيرهم، من العرب أو المعجم. وقد نقل الإجماع على ذلك. • وممن نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن قتال أهل الكفر بعد دعائهم إلى الإسلام أو الجزية جائز إذا امتنعوا من كليهما) (¬2). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (فأما الذين يحاربون فاتفقوا على أنهم جميع المشركين لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] (¬3). وابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد، ومقصوده هو أن يكون الدين كله للَّه، وأن تكون كلمة اللَّه هي العليا، فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين) (¬4). والشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: (أقول: أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكفر وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل فهو معلوم من الضرورة الدينية، ولأجله بعث اللَّه رسله وأنزل كتبه، وما زال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منذ بعثه اللَّه سبحانه إلى أن قبضه إليه جاعلًا هذا الأمر من أعظم مقاصده ومن أهم شؤونه، وأدلة الكتاب والسنة في هذا لا يتسع لها المقام ولا لبعضها، وما ورد في مواعدتهم أو في تركهم إذا تركوا المقاتلة، فذلك منسوخ باتفاق المسلمين بما ورد من إيجاب المقاتلة لهم على كل حال ¬
من ظهور القدرة عليهم والتمكن من حربهم وقصدهم إلى ديارهم) (¬1). • الموافقون للإجماع: اتفقت كلمة الفقهاء من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6) أن جميع الكفار مشروع ابتداء قتالهم، ولو لم يصدر منهم اعتداء على المسلمين؛ وذلك لإدخالهم تحت حكم الإسلام. • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)} [التوبة: 36]. 2 - وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)} [التوبة: 123]. • ووجه الدلالة من الآيتين: أن فيهما أمرًا بقتال الكفار وليس فيهما استثناء أحد منهم بل جاء الأمر مؤكدًا بكلمة "كافة" في الآية الأولى، فدل على أن المحاربين هم من سوى المسلمين، أي كل الكفار. 3 - ما رواه ابن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على اللَّه" (¬7). ووجه الدلالة من الحديث: أن اللَّه تعالى أمر نبيه محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، ويلتزموا أحكام الإسلام. واللام في كلمة (الناس) للجنس فيدخل في هذا: المشركون وأهل الكتاب الملتزمون للجزية إن لم يسلموا. ولكن خرج أهل الكتاب من هذا العموم بدليل آخر هو آية التوبة {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]، ويدل عليه رواية "أمرت أن أقاتل المشركين" (¬8) فدل على أن المحاربين هم المشركون ¬
[26/ 5] الغزو غير المشروع: (الغزو ظلما)
الذين امتنعوا من التوحيد (¬1).Rتحقق الإجماع على أن المحاربين هم جميع المشركين، أي من سوى المسلمين إلى أن يسلموا أو يعطوا الجزية، على خلاف بين الفقهاء ممن يقبل وممن لا يقبل. [26/ 5] الغزو غير المشروع: (الغزو ظلمًا): • المراد بالمسألة: حينما شرع اللَّه الجهاد في سبيله فإنّه تعالى -أرحمُ الراحمين- وهو -سبحانه وتعالى- أحكمُ الحاكمين، فلا يتوهم متوهم أن تحقيق هذه الشعيرةِ يؤولُ إلى ظلم الكافرين وسفك دمائهم بوجه غير مشروع، بل إن الالتزامَ بهذه الشعيرة وسائر شعائرِ الإسلام سببٌ في ظهورِ الإسلام وقبوله، كما وقعَ في القرون المفضلة، لذا نُقل الإجماع بأنه لا يحل أن تُغزى بلدة من البلاد ظلمًا. 1 - ومن صور الغزو غير المشروع: أن يُبادر في غزو بلدة من البلاد الكافرة لم يبلغها الإسلام قبل دعوتهم إليه. 2 - أن تُغزى البلاد التي بينهم عهود مع المسلمين على ترك القتال قبل النبذ إليهم. • من نقل الإجماع: ابن حزم حيث (456 هـ) يقول: (فلا يحل بلا خلاف أن تغزى بلد من البلاد ظلمًا) (¬2). • مستند الإجماع: 1 - الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تنهى عن الظلم وتأمر بالعدل. نحو قوله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]، وقوله سبحانه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]. وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الظلم ظلمات يوم القيامة" (¬3). ويقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "واتق دعوة المظلوم، فإنه ¬
[27/ 6] تحديد الأشهر الحرم
ليس بينها وبين اللَّه حجاب" (¬1). • وجه الدلالة من هذه النصوص: حيث دلت على التحذير من عاقبة الظلم، ووباله، وأن دعوة المظلوم لا ترد وإن كانت من كافر، ومعنى ذلك أن اللَّه تعالى لا يرضى ظلم الكافر كما لا يرضى ظلم المؤمن (¬2). وقد نصَّ الفقهاء على ضرورة التوقي من ظلامة الكافر ما أمكن لأن ظلامته أشد من ظلامة المسلم فقالوا: (وَلَوْ غَصَبَ من الذِّمَّيِّ مُسْلِمٌ أو سَرَقَ منه يُعَاقَبُ الْمُسْلِمُ يوم الْقِيَامَةِ. وَمُخَاصَمَةُ الذِّمَّيِّ يوم الْقِيَامَةِ أَشَدُّ، فَظِلَامَةُ الْكَافِرِ أَشَدُّ من ظِلَامَةِ الْمُسْلِمِ، لِأَنَّ الْكَافِرَ من أَهْلِ النَّارِ أَبَدًا وَيَقَعُ له التَّخْفِيفُ في النَّارِ بِالظِّلَامَاتِ التى له قِبَلَ الناس فَلَا يُرْجَى منه أَنْ يَتْرُكَهَا، وَالْمُسْلِمُ يُرْجَى منه الْعَفْوُ وإذا خَاصَمَ الْكَافِرُ لَا وَجْهَ أَنْ يُعْطَى ثَوَابَ طَاعَةِ الْمُؤْمِنِ وَلَا وَجْهَ أَنْ يُوضَعَ على الْمُؤْمِنِ وَبَالُ كُفْرِهِ فَتَعَيَّنَ الْعُقُوبَةُ) (¬3).Rأن الإجماع متحقق على تحريم الغزو ظلمًا، ولم يُخالف فيما علمت على ذلك أحد، واللَّه أعلم. [27/ 6] تحديد الأشهر الحرم: • المراد بالمسألة: بيان أنه قد جاء تحديد الأشهر الحرم بأربعة أشهر، ثلاثة سرد (متتابعة)، وواحد فرد، وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: (والأشهر الحرم هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب هذه الأربعة هي الأشهر الحرم بإجماع العلماء من أصحاب الفنون) (¬4). وعبد الغني النابلسي (1143 هـ) حيث يقول: (وقد أجمع المسلمون على أن الأشهر الحرم هي الأربعة المذكورة في هذا الحديث) (¬5). ¬
[28/ 7] جواز القتال في الأشهر الحرم إذا بدأ العدو
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر (¬5) الذي بين جمادى وشعبان" (¬6).Rأن الإجماع متحقق أن الأشهر الحرم هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [28/ 7] جواز القتال في الأشهر الحرم إذا بدأ العدو: • المراد بالمسألة: إذا ابتدأ المشركون قتال المسلمين في الأشهر الحرم، فإن للمسلمين أن يقاتلوهم فيدافعوا عن أنفسهم وعن حياض الإسلام، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن القيم (751 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف في جواز القتال في الشهر الحرام إذا بدأ العدو إنما الخلاف أن يقاتل فيه ابتداء) (¬7). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت الآية الكريمة أن من استحل دم المسلمين في الشهر الحرام فإنهم يستحلون دمه فيه، فدلَّ ذلك على أنه ليس للمسلمين أن ينتهكوا هذه الحرمات على سبيل الابتداء بل على سبيل القصاص (¬2). 2 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: "لم يكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يغزو في الشهر الحرام إلا أن يُغْزَى، أو يغزو (¬3) فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ" (¬4). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث صراحة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُقاتل في الشهر الحرام في حالة الدفاع، ورد العدوان. 3 - "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج إلى هوازن فى شوال، فلما كسرهم، لجؤوا إلى الطائف، فعمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الطائف فحاصرهم أربعين يومًا، وانصرف ولم يفتحها" (¬5). فثبت أنه حاصَرَ في الشهر الحرام (في شهر ذي القعدة). حيث إنه من تتمة قتال هوازن وأحلافها، فإنهم الذين بدؤوا القتال للمسلمين. 4 - وللقاعدة الفقهية: (يُغتفر في الدوام ما لا يُغتفر في الابتداء) (¬6).Rأن الإجماع متحقق على أن الكفار إذا ابتدؤوا القتال في الأشهر الحرم واستحلوها فإن للمسلمين قتالهم فيها، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[29/ 8] قتال الكفار في مكة إذا بدؤوا به
[29/ 8] قتال الكفار في مكة إذا بدؤوا به: • المراد بالمسألة: أن الكفار إذا قاتلوا المسلمين في حرم مكة، أو غلبوا عليه فإنه يجب على المسلمين قتالهم فيه حتى يدفعوهم عنه ويخرجوهم منه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: (أجمعوا أن المشركين لو غلبوا على مكة، فمنعوا المسلمين منها، حلال للمسلمين قتالهم، وشهر السلاح بها وسفك الدماء، وأن حكم من بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك في إباحتها، في حكم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬1). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن مكة -أعزها اللَّه وحرسها- لو غلب عليها الكفار، أو المحاربون، أو البغاة، فمنعوا فيها من إظهار الحق -أن فرضًا على الأمة غزوهم لا غزو مكة، فإن انقادوا، أو خرجوا فذلك، وإن لم يمتنعوا ولا خرجوا: أنهم يخرجون منها، فإن هم امتنعوا وقاتلوا، فلا خلاف في أنهم يقاتلون فيها وعند الكعبة) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 191]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نهى المؤمنين عن القتال في الحرم إلا إذا قاتلهم عدوهم فيه، وعليه فيجوز أن يقاتلوا في الحرم إذا بدأهم عدوهم فيدفعوه دفعًا.Rأن الإجماع متحقق على جواز قتال الكفار في حرم مكة إذا كان ¬
[30/ 9] حمل المصحف إلى أرض العدو في السرية الصغيرة المخوف عليه
دفعًا (¬1)، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [30/ 9] حمل المصحف إلى أرض العدو في السرية الصغيرة المخوف عليه: • المراد بالمسألة: بيان أنه إذا خيف على المصحف من الأعداء فإنه لا يجوز الدخول والسفر به إلى دار الكفرة المحاربين، كأن يغزو المجاهدون بالمصحف إلى أرض العدو في السرية الصغيرة ونحوها فلا يجوز، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: التيمي (حدود 350 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أنه لا يُسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو إلا أبا حنيفة فإنه أباح ذلك، وزعم أهل المعرفة بقوله أنه أراد ذلك في العساكر العظام التي لا خوف عليها، فأما السرايا وما أشبهها فلا يبيح لهم حمله مخافة أن يناله العدو منهم) (¬2). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وأجمع الفقهاء أن لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، واختلفوا في جواز ذلك في العسكر المأمون الكبير) (¬3). وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (واتفق الفقهاء أنه لا يُسافر بالقرآن إلى أرض العدو في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، واختلفوا في جواز السَّفر به في العسكر الكبير المأمون عليه) (¬4). والنووي (676 هـ) حيث يقول: (اتفقوا على أنه لا يجوز المُسَافرة بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه في أيديهم) (¬5). والأنصاري في "شرح الروض" (926 هـ) حيث يقول: (وَاتَفَقُوا على أَنْ يحْرُمَ السَّفَرُ بِهِ إلَى أَرْضِ الْكُفَارِ إذَا خِيفَ وُقُوعُهُ في أَيْدِيهمْ) (¬6) وابن حجر الهيتمي (973 هـ) حيث يقول: (الذي صرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ ¬
السَّفَرُ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْكُفْرِ سَوَاءٌ كان أَهْلُها ذِمِّيِّينَ أَمْ حَرْبيِّينَ) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، الظاهرية (¬6). مسند الإجماع: 1 - عن عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تسافروا بالقرآن، فإني لا آمن أن يناله العدو" (¬7). • وجه الدلالة: أن قوله: "فإني لا آمن أن يناله العدو"، أن ذلك مما يمكن توقعه بشكل كبير في العسكر الصغير، فمنع منه. 2 - ولأن في إخراجه في العسكر الصغير تعريض له للضياع والاستخفاف؛ فإن الكفار قد يستخفون بالمصاحف مغايظةً للمسلمين، فيمنع في ذلك سدًّا للذريعة (¬8). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة بعض الفقهاء إلى قولين آخرين، وهما: القول الأول: يرى بعض فقهاء الشافعية أن الحكم في المنع من السفر بالمصحف إلى أرض العدو دائرٌ على علة أن يُخاف على المصحف، فإذا لم يُخف عليه، فلا مانع ولو كان الجيش صغيرًا (¬9). • وحجتهم: أن هذه العلة المذكورة في الحديث هي من كلام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته، فإن أمنت هذه العلة، بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين عليهم فلا كراهة، ولا منع منه حينئذ؛ لعدم العلة. القول الثاني: ويرى أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن القمي من فقهاء الحنفية أن ¬
[31/ 10] استحباب توصية وتوجيه الجيش قبل الحرب
النهي عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو محمولٌ على الزمن الأول (¬1). وحجتهم: أن الزمن الأول حين كانت المصاحف قليلةٌ نُهي عن السفر بها مخافة أن يفوت شيء من القرآن في دار الكفر، فيتأثر المسلمون بفواته. فأما في زماننا فقد كثرت المصاحف، وكثر الحافظون للقرآن عن ظهر قلب، فلا بأس بحمل المصاحف إلى أرض العدو؛ لأنه لا يُخاف فوت شيء من القرآن وإن وقع بعض المصاحف في أيديهم.Rأن الإجماع غير متحقق في النهي عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو بالسرية الصغيرة ونحوها، للخلاف المعتبر من بعض الشافعية، والحنفية، واللَّه تعالى أعلم. [31/ 10] استحباب توصية وتوجيه الجيش قبل الحرب: • المراد بالمسألة: بيان أنه يستحب للإمام أن يوصي أمير السرية والجند قبل القتال بعدد من الوصايا التي لا غنى لهم عنها، كالوصية بتقوى اللَّه وطاعته، والاحتياط والتيقظ، ويحذرهم الشتات والفرقة والإهمال والغفلة، ويأخذ على الجند أن يسمعوا ويطيعوا أميرهم، ولا يختلفوا عليه وينصحوا له، إلى غير ذلك من الآداب التي يحتاجون إلى معرفتها مما يلزم ويحل أو يحرم من أمر القتل والأسر والمغنم ونحو ذلك، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: (وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها، وهي تحريم الغدر، وتحريم الغلول، وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا، وكراهة المثلة، واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه بتقوى اللَّه تعالى، والرفق بأتباعهم، وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم، وما يجب عليهم، وما يحل لهم، وما يحرم عليهم. وما يكره وما يستحب) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، ¬
والحنابلة (¬1)، والصنعاني (¬2). • مستند الإجماع: 1 - عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى اللَّه ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: "اغزوا باسم اللَّه في سبيل اللَّه، قاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خلال- فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. . . " (¬3). • وجه الدلالة: أن فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لذلك دليل على استحباب بذل الوصية لأمراء الجيش وأمرهم بتقوى اللَّه، وأمر الناس بطاعتهم حتى لا يختلف أمرهم (¬4). 2 - أن توصية أمراء الجيوش سنة مضى عليه الخلفاء الراشدون، وأئمة الإسلام من السلف الصالح حيث حفظ لنا التاريخ جملة من تاك الوصايا نورد منها ما يلي: 1 - أن أبا بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- أوصى يزيد بن أبي سفيان -رضي اللَّه عنه- حين وجهه إلى الشام، فقال: "يا يزيد! سر على بركة اللَّه، فإذا دخلت بلاد العدو؛ فكن بعيدًا من الحملة؛ فإني لا آمن عليك الجولة، واستظهر في الزاد، وسر بالأدلاء، ولا تقاتل بمجروح؛ فإن بعضه ليس معه، واحترس من البيات. . واقبل من الناس علانيتهم، وكلهم إلى اللَّه عز وجل في سرائرهم، ولا تجسسن عسكرك فتفضحه، ولا تهملنه فتفسده. وأستودعك اللَّه الذي لا تضيع ودائعه" (¬5). ب- وكتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنهما- ومَن معه من الأجناد: "أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى اللَّه على كل حال؛ فإن تقوى اللَّه أفضلُ العدَّة على العدوّ، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمُرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراسًا من المعاصي منكم من عدوّكم، فإن ذنوب الجيش أخوفُ عليهم من عدوّهم، وإنما يُنصَرُ المسلمون بمعصية عدوّهم للَّه، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ¬
[31/ 10] ما يجب قبل الحرب (دعوة أهل الكتاب قبل القتال وتخييرهم)
لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عُدَّتنا كعدّتهم، فإذا استَوَينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة. ." (¬1). ج - وأوصى عبد الملك بن مروان أميرًا سيَّره إلى أرض الروم فقال: "أنت تاجر اللَّه لعباده، فكن كالمضارب الكيِّس الذي إن وجد ربحًا تجر، وإلا تحفظ برأس المال، ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة، وكن من احتيالك على عدوك أشد حذرًا من احتيال عدوك عليك" (¬2). ألا ما أروع هذه الوصايا التي تبرز بوضوح الأهداف السامية، والمثل العليا، التي كانت تحملها الجيوش الإسلامية، وهي تفتح القلوب قبل البلدان، وإنها لمصدر فخر واعتزاز للأمة الإسلامية سطرت آداب الحرب وأخلاقيات القتال بمداد من ذهب. 3 - وأن توجيه الوصية للجيش وأميره أجمع لكلمتهم ورأيهم، وتوحيد صفهم، مما يُبشر بالظفر والنصر بإذن اللَّه.Rأن الإجماع متحقق على استحباب توصية الأمير والجيش قبل القتال، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [31/ 10] ما يجب قبل الحرب (دعوة أهل الكتاب قبل القتال وتخييرهم): • المراد بالمسألة: بيان أن مَنْ عُلِمَ، وتُحقِّق أنه لم تبلغه دعوة الإسلام، ولا عَلِمَ ماذا يراد منه بالقتال، فإنه يجبُ أن يُدعَى إلى الإسلام أو الجزية قبل إعلان القتال عليه، فإن امتنع قوتل حينئذٍ، إلا أنه في حالة معالجة الكفار للمسلمين بالقتال وهجومهم عليهم، فإنهم يقاتلون في هذه الحالة من غير دعوة؛ لضرورة الدفاع عن الأنفس والأعراض، (¬3) وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطبري (310 هـ) حيث يقول: (أجمعت الحجة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقاتل أعداءه من أهل الشرك إلا بعد إظهار الدعوة وإقامة الحجة، وأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأمر أمراء سراياه بدعوة من لم تبلغه الدعوة) (¬4). ¬
وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن قتال أهل الكفر بعد دعائهم إلى الإسلام أو الجزية إذا امتنعوا من كليهما جائز) (¬1). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (شرط الحرب بلوغ الدعوة باتفاق، فلا يجوز حربهم حتى تبلغهم الدعوة وذلك شيء مجمع عليه من المسلمين) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] • وجه الدلالة: حيث تضمَّن ظاهرُ الآية الكريمة الأمْرَ بالدعاء إلى الإسلام قبل القتال. 2 - عن بريدة -رضي اللَّه عنه- قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أمرَّ أميرًا على جيش، أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى اللَّه ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: ". . . وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا، فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن باللَّه وقاتلهم. . " (¬7). 3 - عن سهلٍ قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم خيبر: "لأُعطينَّ الراية غدًا رجلًا يفتح اللَّه على يديه، يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله"، فبات الناس ليلتهم: أيهم يُعطى، فغدوا، كُلُّهم يرجوه، فقال: "أين عليٌّ؟ "، فقيل: يشتكي عَيْنَيْهِ، فبصق في عينيه، ودعا له؛ فبرأ، كَأَنْ لم يكن به وَجَعٌ، فأعطاه، فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: "انْفُذْ على رِسْلِكَ حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب ¬
عليهم، فواللَّه لأَنْ يَهْدِيَ اللَّه بك رجلًا خيرٌ لك من أن تكون لك حُمْرُ النَّعمَ" (¬1). • وجه الدلالة من الحديثين: أنه بدأ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالأمر بدعوتهم إلى الإسلام قبل قتالهم، والأمر يقتضي الوجوب، فدل على وجوب دعوتهم أولا إذا لم تبلغهم الدعوة. 4 - وقال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "ما قاتل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قومًا حتى دعاهم إلى الإسلام" (¬2). 5 - إعلامهم بالدعوة إلى الإسلام قبل القتال ماذا يقاتلون عليه؛ فربما ظنوا أن من يقاتلهم لصوص يريدون أموالهم وسبي ذراريهم، فإذا علموا أنهم يقاتلون على الدعوة إلى الدين، ربما أجابوا وانقادوا للحق من غير قتال (¬3). • الخلاف في المسألة: ذكر الشوكاني، والصنعاني أن دعوة الكفار قبل القتال لا تجب مطلقًا، ذكراه على أنه قول، ولم يعزياه لأحد (¬4). وقال النووي عنه: "إنه باطل" (¬5). وقد نسب ابن الملقِّن هذا القول إلى ابن شاهين (385 هـ) حيث قال: (ادعى ابن شاهين في "ناسخه ومنسوخه" نسخ حديث ابن عباس: "ما قاتل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قومًا حتى دعاهم" بحديث ابن عمر هذا (¬6)، قال: والناسخ هو قول نافع: "إنما كان ذلك في أول الإسلام" وهذا عجيب منه، وقد تعقبه عليه ابن الجوزي الحافظ في كتابه ¬
[32/ 11] جواز حصار العدو وتجويعه
"الإعلام" في الفن المذكور، فقال: ليس هذا قول من يعرف الناسخ والمنسوخ بأنه -عليه السلام- لم يقاتل قومًا إلا بعد أن دعاهم؛ لأنه لما شاعت الدعوة افتتح اتساعها ومرورها على أسماعهم مرارًا، فلما أصروا على الكفر صارت الإغارة عليهم على غرتهم من غير تحديد دعوة حينئذٍ) (¬1). وتبع ابن شاهين في القول بنسخ الأحاديث الآمرة بالدعوة قبل القتال الحازمي (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق في وجوب الدعوة قبل القتال لمن لم تبلغهم الدعوة، لوجود الخلاف، منه ما حكاه النووي والشوكاني والصنعاني من القول بعدم وجوب الدعوة مطلقًا، ، وكذا ما ذهب إليه ابن شاهين والحازمي من النسخ، فكلا القولين يقدح في انعقاد الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. [32/ 11] جواز حصار العدو وتجويعه: • تعريف الحصار: الحصار في اللغة: مصدر حاصر، ومثله المحاصرة، أي: التضييق على الشخص والإحاطة به، والحصير في اللغة: المحبس. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8]، أي: محبسًا (¬3). • وفي الاصطلاح: التضييق على العدو، والإحاطة به في بلد، أو قلعة، أو حصن، أو غيرها، ومنع الخروج والدخول حتى يستسلم (¬4). ويعد الحصار أسلوبًا من أساليب القتال قديمًا وحديثًا، يلجأ له في حالة تحصُّن العدو في قلاعهم أو حصونهم أو مدنهم، والغاية من فرضه إرغام العدو على الإسلام أو الاستسلام. • المراد بالمسألة: بيان أنه يجوز للإمام أو نائبه محاصرة الكفار في بلادهم، وفي الحصون والقلاع، وتشديد الأمر عليهم بالمنع من الدخول والخروج، والمنع من الماء والطعام للضغط عليهم حتى يستسلموا، وينقادوا لحكم الإسلام ما لم يكن معهم مسلمون، وقد نُقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن حصار حصون المشركين، وقطع المير (¬1) عنها، وإن كان فيها أطفالهم ونساؤهم واجب، ما لم يكن هنالك أسرى مسلمون) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]. • وجه الدلالة: أن قوله تعالى: {وَاحْصُرُوهُمْ} قال ابن عباس: يريد إن تحصنوا فاحصروهم (¬7)، فهذا دليل واضح على مشروعية حصار الكفار وما يتضمن ذلك من منعهم من الخروج والدخول، وقطع الإمدادات عنهم. 2 - وعن أنس بن مالك قال: "افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينًا. . ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة" (¬8). 3 - وعن عائشة -رضي اللَّه عنها- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حاصر بني قريظة خمسًا وعشرين ليلة، فلما اشتد عليهم البلاء قيل لهم: انزلوا على حكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ" (¬9). 4 - وعن ميمون بن مهران قال: "حاصر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أهل خيبر، ما بين عشرين ¬
[33/ 12] جواز دك حصون العدو، وإتلاف أموالهم المستخدمة حال القتال
ليلة إلى ثلاثين ليلة" (¬1). • وجه الدلالة: حيث دلَّت السنة الفعلية لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على مشروعية الحصار كأسلوب من أساليب القتال بالضغط على الأعداء. 5 - و"قطع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الماء عن أهل حصن من حصون النطاة (¬2) بخيبر حين أخبر أن لهم ذيولًا (¬3) تحت الأرض يشربون منها عادية فقطعها عنهم حتى عطشوا فخرجوا" (¬4). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث على جواز منع الطعام والشراب عن الأعداء في الحروب، مما يُعجِّل بهزيمتهم واستسلامهم. 6 - ولأن الحصار نوع من أنواع الخطط الحربية الناجحة قديمًا وحديثًا لدفع العدو على الخضوع والاستسلام بخاصة إذا لم يكن لدى العدو ما يكفيهم من مؤن لمدة طويلة.Rأن الإجماع متحقق على جواز حصار الكفار المحاربين في بلادهم وحصونهم، وقطع الغذاء عنهم، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [33/ 12] جواز دك حصون العدو، وإتلاف أموالهم المستخدمة حال القتال: • المراد بالمسألة: حينما لا يُتَوصَّلُ إلى العدو إلا بإتلاف ما يحتمون به من الأبنية، والحصون، والمزارع، أو ما يباشرون عليه القتال فعلًا من الأسلحة، أو الأدوات التي يحاربون عليها في العادة مما يُعد مصدر قوة لهم، كالمنجنيق، والخيل، والأفيال سابقًا، أو المدافع والطائرات والآليات المستخدمة حديثًا في القتال، فإنه يجوز إتلافه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595) حيث يقول: (واتفق عوام الفقهاء على جواز ¬
رمي الحصون بالمجانيق (¬1) سواء كان فيها نساء وذرية أو لم يكن) (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (ما تدعو الحاجة إلى إتلافه كالذي يقرب من حصونهم، ويمنع من قتالهم، أو يسترون به من المسلمين، أو يحتاج إلى قطعه لتوسعة طريق، أو تمكن من قتال، أو سد بثق (¬3)، أو إصلاح طريق، أو ستارة منجنيق، أو غيره، أو يكونون يفعلون ذلك بنا، فيفعل بهم ذلك، لينتهوا، فهذا يجوز، بغير خلاف نعلمه) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120]. • وجه الدلالة: حيث إن في دك حصون الكفار وأبنيتهم، وإتلاف أسلحتهم، وما يحتمون به إغاظة لهم، ونحن مأمورون بفعل كل ما من شأنه إيغال قلوبهم، وكسر شوكتهم. 2 - قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ ¬
فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]. • وجه الدلالة: أن بني النضير لما غزاهم الرسول لنقضهم العهد حينما أرادوا قتله أخذوا يخربون بيوتهم بهدمها، وكذلك فعل المؤمنون، فدلَّ على جواز هدم بيوت وحصون العدو التي يحتمون بها للظفر بهم (¬1). 3 - وعن مكحول الدمشقي -رحمه اللَّه-: (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نصب المنجنيق على أهل الطائف) (¬2). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث على جواز نصب المنجنيق على الأعداء حال القتال، وهو من أمضى أسلحة الإتلاف للحصون وما يحتمي به الأعداء من الأسلحة، وما يُعد قوة لهم. 5 - وعن جرير: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ" وكان بيتًا في خثعم يسمى كعبة اليمانية. قال: فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، قال: وكنت لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري، وقال: "اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًا". فانطلق إليها فكسرها وحرقها، ثم بعث إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخبره، فقال رسول جرير: والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجوف أو أجرب. قال: فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات" (¬3). • وجه الدلالة: أن في تأييد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لتكسير وهدم ذي الخَلَصَة دليلًا على مشروعية هدم وإتلاف حصون وأموال الكفرة. 5 - أن دكَّ حصونِ الأعداء وإتلافَ أموالِهم التي يستخدمونها حالَ القتالِ فيه إغاظةٌ وكبتٌ لهم، وكسرٌ لشوكتهم، وتفريقٌ لجمعهم، ورعبٌ لهم، فيكون مشروعًا، حيث لا يوجد ما ينهى عن ذلك شرعًا. ¬
[34/ 13] إتلاف شجر العدو وزرعه إذا دعت الحاجة إلى إتلافه
Rأن الإجماع متحقق على جواز دك حصون العدو، وإتلاف أموالهم المستخدمة حال القتال، وما يُعد قوة لهم، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [34/ 13] إتلاف شجر العدو وزرعه إذا دعت الحاجة إلى إتلافه: • المراد بالمسألة: بيان جواز إحراق وإتلاف زروع الكفار، وقطع شجرهم، إذا دعت الحاجة إلى إتلافه، كأن يحتمون ويستترون به، أو إذا لم نقدر على الظفر بهم إلا بذلك. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (الشجر والزرع ينقسم ثلاثة أقسام، أحدها: ما تدعو الحاجة إلى إتلافه كالذي يقرب من حصونهم، ويمنع من قتالهم، أو يسترون به من المسلمين، أو يحتاج إلى قطعه لتوسعة طريق، أو تمكن من قتال، أو سد بثق، أو إصلاح طريق، أو ستارة منجنيق، أو غيره، أو يكونون يفعلون ذلك بنا، فيفعل بهم ذلك، لينتهوا، فهذا يجوز، بغير خلاف نعلمه) (¬1). وشيخ الإسلام (728 هـ) حيث يقول: (ولهذا اتفق العلماء على جواز إتلاف الشجر والزروع الذي للكفار إذا فعلوابنا مثل ذلك، أو لم يقدر عليهم إلا به) (¬2) وقال أيضًا: (كما أبحنا إتلاف البناء والغراس لأهل الحرب مثل ما يفعلون بنا، بغير خلاف) (¬3). وابن التركماني (750 هـ) حيث يقول: (مع أن قطع الشجر يجوز عند الحاجة بالاتفاق) (¬4). والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (اعلم أن الزرع والشجر ينقسم ثلاثة أقسام. أحدها: ما تدعو الحاجة إلى إتلافه لغرض ما، فهذا يجوز قطعه وحرقه، قال المصنف والشارح: بغير خلاف نعلمه) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، ¬
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120]. • وجه الدلالة: أن المجاهدين في سبيل اللَّه لا يطؤون أرض الكفار ولا ينالون منهم نيلًا بإتلاف مال أو قتل نفس، إلا كتب لهم بذلك عمل صالح قد ارتضاه اللَّه لهم (¬3). وإذا كان الأمر كذلك جاز فعل ما فيه غيظ للكفار، ونيل منهم وعمل صالح يثابون عليه. 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- (أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حرق نخل بني النضير، وقطع وهي البويرة (¬4)، فأنزل اللَّه تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)} [الحشر: 5]. قال النووي: (وفي هذا الحديث دليل على جواز قطع شجر الكفار وإحراقه) (¬5). 3 - أنه لما زادت جرأة ثقيف، وامتناعها عن الاستسلام في غزوة الطائف، عند ذلك أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقطع أعنابهم ونخيلهم وتحريقها إغاظة لهم، فسارع المسلمون إلى ذلك وقطعوا قطعًا ذريعًا، حتى نادى الثقفيون: يا محمد، لم تقطع أموالنا؟ إما أن تأخذها إن ظهرت علينا، وإما أن تدعها للَّه وللرحم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإني أدعها للَّه وللرحم" (¬6). • وجه الدلالة: أنه لو لم يكن حرق زروع الكفار، ونخيلهم جائزًا ما فعله -صلى اللَّه عليه وسلم-. 4 - ولأن ذلك من باب القتال، لما فيه من كبت العدو وقهرهم وغيظهم (¬7). ¬
[35/ 14] إتلاف حيوان العدو الذي يتقوون به في قتال المسلمين حال الحرب
5 - ولأنه لما جاز قتل النفوس -وهي أعظم حرمة من هذه الأشجار- لكسر شوكتهم، فما دونه من قطع الأشجار من باب أولى (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف الأوزاعي وأبو ثور والليث، فقالوا بكراهية التقطيع والتخريب للأشجار. قال ابن حجر: (وقد ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو، وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور، واحتجوا بوصية أبي بكر لجيوشه أن لا يفعلوا شيئا من ذلك) (¬2) (¬3).Rأن الإجماع متحقق على مشروعية أعمال الإتلاف والتخريب لأشجار الأعداء وزروعهم إذا دعت الحاجة لذلك، ولم يكن طريق للظفر بهم إلا بذلك، وأما القول بالكراهية فإنه لا يقدح في الإجماع، لأن كراهة التنزيه لا تنافي الإباحة كما قرر ذلك العلماء (¬4)، واللَّه تعالى أعلم. [35/ 14] إتلاف حيوان العدو الذي يتقوون به في قتال المسلمين حال الحرب: • المراد بالمسألة: في حال الحرب يجوز قتل المشركين بأي طريقة ممكنة (¬5) خلاف الحال إذا قدر عليهم أسرًا أو غلبة، ومن ذلك أنه يجوز قتل دوابهم التي يقاتلون عليها حال الحرب كالخيل ونحوها دون التي تؤكل كالماشية ونحوها؛ إذ به يتوصل إلى هزيمتهم بل وإلى قتلهم، وقد نقل الإجماع على جواز قتل ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وأما حال الحرب فيجوز فيها قتل المشركين كيف أمكن بخلاف حالهم إذا قدر عليهم، ولهذا جاز قتل النساء والصبيان في البَيَات (¬1) وفي المطمورة (¬2)، وإذا لم يتعمد قتلهم منفردين، بخلاف حالة القدرة عليهم، وقتل بهائمهم يتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم. . وليس في هذا خلاف) (¬3). وابن مفلح (793 هـ) حيث يقول: (أما عقر دوابهم لغير الأكل، فلا يخلو إما أن يكون في الحرب، أو في غيرها، فإن كان في الأول، فلا خلاف في جوازه) (¬4). والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (يجوز قتل ما قاتلوا عليه في تلك الحال وجزم به المصنف والشارح وقالا: لأنه يتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم، وقالا: ليس في هذا خلاف وهو كما قال) (¬5). • الموافقون للإجماع: اتفقت المذاهب الفقهية من الحنفية (¬6) والمالكية (¬7) والشافعية (¬8) والحنابلة (¬9) والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - جاء في حديث عوف بن مالك -رضي اللَّه عنه- في قصة المددي (¬11) مع ¬
[36/ 15] حكم تحريق العدو إذا قدر عليه
خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- وفيه: فلم يزل المددي يحتال لذلك الرومي حتى مر به فاستقفاه فضرب عرقوب (¬1) فرسه بالسيف، ثم وقع فأتْبَعَهُ ضربًا بالسيف حتى قتله (¬2). 2 - ما روي أن حنظلة بن أبي عامر -رضي اللَّه عنه-: "عقر فرس أبي سفيان يوم أحد فرمت به فخلصه ابن شعوب ولم ينكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فعل حنظلة" (¬3). ووجه دلالتهما: أنهما قتلا دواب العدو في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم ينكر. فدلَّ على جواز فعل ذلك. 3 - لأن قتل بهائمهم يتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم، والوسائل لها أحكام الغايات (¬4).Rأن الإجماع متحقق على جواز إتلاف حيوان العدو الذي يتقوون به في قتال المسلمين حال الحرب، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [36/ 15] حكم تحريق العدو إذا قدر عليه: • المراد بالمسألة: إذا قاتل المسلمون الكفار فقدروا عليهم إما أسرًا أو غلبة، بحيث ظهر أن الأعداء مغلوبون وأن الفتح بادٍ أو قريب، أو قدروا عليهم بغير ذلك من الأسلحة، فلا يجوز لهم حينئِذٍ تحريق أعيان الكفار بالنار، إذا لم يفعلوا هم ذلك بالمسلمين، وقد نُقل الإجماع على ذلك. أما إذا لم يقدروا عليهم إلا بالنار فيجوز في قول أكثر أهل العلم (¬5). • من نقل الإجماع: ابن قدامة -رحمه اللَّه- (620 هـ) حيث يقول: (أما العدو إذا قدر عليه، فلا يجوز تحريقه بالنار، بغير خلاف نعلمه، وقد كان أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- يأمر ¬
بتحريق أهل الردة بالنار، وفعل ذلك خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- بأمره. فأما اليوم فلا أعلم فيه بين الناس مخالفًا) (¬1). وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (فأما المقدور عليه منهم فلا أعلم في ذلك خلافًا، وأنه لا يجوز تحريق أعيان العدو إذا أمكن قتلهم بغير ذلك، ولم يكونوا هم حرقوا أحدًا من المسلمين) (¬2). وأبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (ومتى قدر على العدو لم يجز تحريقه بالنار بغير خلاف نعلمه وقد كان أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- يأمر بتحريق أهل الردة بالنار وفعله خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- بأمره. فأما اليوم فلا نعلم فيه خلافًا بين الناس) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على النهي عن تحريق الأعداء المقدور عليهم الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بعث فقال: "إن وجدتم فلانًا وفلانًا فاحرقوهما بالنار" ثم قال حين أردنا الخروج: "إني أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا، وإن النار لا يعذب بها إلا اللَّه، فإن وجدتموهما فاقتلوهما" (¬8) وجاء في حديث حمزة الأسلمي -رضي اللَّه عنه- نحوه وفيه: "إن أخذتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا ربها" (¬9). ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره بالإحراق ثم نهاه عنه معلِّلًا ذلك بالتأدب مع اللَّه رب النار وخالقها، وكان نهيه في حالة وجدوه وقدروا عليه. 2 - وعن شداد بن أوسٍ قال: ثنتان حفظتهما عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إن اللَّه ¬
كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليُحِدَّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته" (¬1). 3 - وعن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَعَفُّ الناسِ قِتلةً: أهلُ الإيمان" (¬2). • وجه الدلالة: أن من الإحسان والعفة في القتل ترك تحريق العدو بالنار إن أمكن القدرة عليهم، والظفر بهم بغيرها من الأسلحة. وقالوا: وأما ما كان في شأن العُرَنيين، فقصاص أو منسوخ، على خلافٍ في ذلك. قال البخاري -بعد ذكر قصتهم-: قال أبو قلابة: قتلوا، وسرقوا، وحاربوا اللَّه ورسوله، وسعوا في الأرض فسادًا (¬3). وعن أنس قال: إنما سَمَلَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعينَ أولئك؛ لأنهم سملوا أعين الرِّعاءِ (¬4). • الخلاف في المسألة: ألمح ابن قدامة وأبو الفرج في كلامهم السابق إلى الخلاف حين ذكرا فعل أبي بكر وخالد -رضي اللَّه عنهما-. وأشار ابن رشد إلى الخلاف في المسألة وسببه حين قال: (واختلفوا في تحريقهم بالنار، فكره قوم تحريقهم بالنار ورميهم بها وهو قول عمر. ويروى عن مالك، وأجاز ذلك سفيان الثوري، وقال بعضهم: إن ابتدأ العدو بذلك جاز وإلا فلا. والسبب في اختلافهم معارضة العموم للخصوص. أما العموم فقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ ¬
[37/ 16] مسألة التترس: (حكم رمي العدو المتترسين بالمسلمين حال الضرورة)
وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] ولم يستثن قتلًا من قتل. وأما الخصوص فما ثبت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في رجل: "إن قدرتم عليه فاقتلوه ولا تحرقوه بالنار، فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار" (¬1). وقال الشوكاني: (وقد اختلف السلف في التحريق، فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقًا، سواء كان في سبب كفر أو في حال مقاتلة أو في قصاص، وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما. قال المهلب: ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع) (¬2). وحجة من أجاز تحريق العدو: فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابة -رضي اللَّه عنهم-. فقد سَمَل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعين العرنيين بالحديد (¬3)، وحرَّق أبو بكر -رضي اللَّه عنه- بالنار في حضرة الصحابة، وحرَّق خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- أناسًا من أهل الردة، وكذلك حرَّق علي -رضي اللَّه عنه- (¬4).Rأن الإجماع غير متحقق على النهي عن تحريق الكفار في حال القدرة عليهم، لوقوع الخلاف في عهد الصحابة -رضي اللَّه عنه-، واللَّه تعالى أعلم. [37/ 16] مسألة التترس: (حكم رمي العدو المتترسين بالمسلمين حال الضرورة): • تعريف التترُس: التترس في اللغة: مصدر للفعل تترَّس، ، والتُّرس: سلاح معروف. يُقال: تَتَرَّسَ بالشيء: جعله كالتُّرس وتستَّر وتوفَّى به (¬5). • والتترس في اصطلاح الفقهاء لا يخرج عن معناه في اللغة، ومن الألفاظ ذات الصلة بالتترس، والتي تلتقي معه في المعنى (التحصُّن) و (الاختلاط بغير المقاتلين). ويطلق على هذه المعاني اليوم: الاحتماء بالمدنيين في الحرب واتخاذهم دروعًا بشرية (¬6). • المراد بالمسألة: قد يلجأ الأعداء حين التحام الحرب مع المسلمين إلى التترس والتحصُّن بمن عندهم من أسرى المسلمين، فإذا خيف على المسلمين الضرر إذا لم ¬
يُقاتلوا، أو اضطروا لذلك (¬1)، فإنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم. • وذلك بشرط: أن يتحاشَوا رمي الترس ما أمكنهم، وأن يقصدوا برميهم إصابة الكفار وقتلهم دون الأتراس من المسلمين، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) حيث يقول: (قد يجوز قتل الترس، ولا يكون فيه اختلاف إن شاء اللَّه، وذلك إذا كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية. فمعنى كونها ضرورية: أنها لا يحصل الوصول إلى الكفار إلا بقتل الترس. ومعنى أنها كلية: أنها قاطعة لكل الأمة، حتى يحصل من قتل الترس مصلحة كل المسلمين، فإن لم يفعل قتل الكفار الترس واستولوا على كل الأمة. ومعنى كونها قطعية: أن تلك المصلحة حاصلة من قتل الترس قطعًا. قال علماؤنا: وهذه المصلحة بهذه القيود لا ينبغي أن يختلف في اعتبارها" (¬2). وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين، وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا، فإنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، ¬
[38/ 17] حكم المثلة بالكفار حال المقاتلة، إذا لم يقدر عليهم إلا بذلك
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: 1 - الضرورة إلى قتالهم ورميهم؛ لأن في ترك قتالهم ورميهم ضررًا على المسلمين، فقتلهم ورميهم استدفاعًا لأكثر الضررين بأقلهما، إذ لو لم يُفعل ذلك لأدّى إلى قتل جميع المسلمين أو أكثرهم، وهذا ضرر عام قطعي كلي، فيُتفادى برمي العدو ولو أفضى إلى قتل بعض المسلمين -المتترس بهم- الذي هو ضرر خاص جزئي. ومن القواعد المقررة: (يُتحمَّل الضرر الخاص لدفع ضرر عام) وقاعدة: (إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما) (¬2). 2 - ولأن ترك قتالهم ورميهم تعطيل للجهاد وإدبار عن العدو وهو مقبل على المسلمين وقد يستولي على الأمة، وهذا لا يجوز (¬3).Rأن الإجماع متحقق على جواز رمي العدو المتترسين بمن عندهم من الأسرى المسلمين، أو نسائهم أو صبيانهم، وذلك حال الضرورة أو الخوف على المسلمين، وإن أدَّى إلى قتل المتترس بهم، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [38/ 17] حكم المثلة بالكفار حال المقاتلة، إذا لم يُقدر عليهم إلا بذلك: • تعريف المثلة: المثلة في اللغة: بضم الميم وسكون المثلثة على وزن غُرْفة، تقول: مثَّلتُ بالقتيل إذا جدعت أنفه وأذنه أو مذاكيره أو شيئًا من أطرافه، وظهرت آثار فعلك عليه تنكيلًا (¬4). • وفي الاصطلاح: هي النكال بالقطع والتشويه في حال القتال أو بعد الظفر أو، القدرة على الكفار (¬5). • والمراد بالمسألة: إذا وقع التمثل بالجندي الكافر المحارب حال القتال والمدافعة ¬
[39/ 18] تحريم المثلة بالكفار بعد القدرة عليهم
معه، كمبارز ضربه فقطع أذنه، ثم ضربه ففقأ عينه ونحو ذلك؛ فهذا لا بأس به إن لم يقدر عليه إلا بذلك كأن يكون مقاتلًا ومدافعًا، لأنه أسلوب من أساليب الحرب، وهو أَبْلَغُ في كبت الأعداء ووهنهم، وأضرُّ بهم. وقد نُقل الإجماع على جواز ذلك (¬1). • من نقل الإجماع: ابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (يختصُّ النهيُ عن المثلة بالمقدور عليه؛ ألا ترى أن قَطْعَ الأيدي والأرجلِ وغيرِ ذلك من المُثلة، وهو جائز باتفاقٍ في حال المقاتلة، إذا لم يتمكن منه إلا بذلك؟ ) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك نصا الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والمفهوم من كلام الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: لأنه أسلوب من أساليب الحرب، وهو أَبْلَغُ في كبت الأعداء ووهنهم، وأضرُّ بهم (¬7).Rأن الإجماع متحقق على جواز المثلة حال القتال والمدافعة للعدو الكافر إذا لم يُقدر عليه إلا بذلك، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [39/ 18] تحريم المثلة بالكفار بعد القدرة عليهم: • المراد بالمسألة: في حالة ما بعد القتال أو الانتصار على الأعداء؛ كأن يقعوا في الأسر، أو يُقدر على الجندي الكافر بغير تمثيل. ففي هذه الحالة إذا كانت المُثْلة لغير حاجة ولغير المعاملة بالمثل (¬8) فإنه ينبغي اجتنابها؛ لأنها منهي عنها، وقد نُقل الإجماع على اجتنابها في هذه الحالة. ¬
• من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال عقب حديث بريدة في تحريم الغلول والغدر والمثلة: (أجمع العلماء على القول بهذا الحديث ولم يختلفوا في شيء منه فلا يجوز عندهم الغلول ولا الغدر ولا المثلة. . . وكذلك المثلة لا تحل بإجماع، والمثلة المعروفة نحو قطع الأنف والأذن وفقء العين وشبه ذلك من تغيير خلق اللَّه عبثًا) (¬1). وأبو العباس القرطبي (656 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف في تحريم الغلول والغدر وفي كراهة المثلة) (¬2). والنووي (676 هـ) حيث يقول: (وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها، وهي تحريم الغدر وتحريم الغلول وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا وكراهة المثلة) (¬3). والصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: (في الحديث مسائل: الأولى: دل على أنه إذا بعث الأمير من يغزو أوصاه بتقوى اللَّه وبمن يصحبه من المجاهدين خيرًا، ثم يخبره بتحريم الغلول من الغنيمة وتحريم الغدر وتحريم المثلة وتحريم قتل صبيان المشركين وهذه محرمات بالإجماع) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - عن سمرة بن جندب -رضي اللَّه عنه- قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة" (¬9). 2 - وعن بريدة -رضي اللَّه عنه- قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى اللَّه ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: "اغزوا باسم اللَّه ¬
[40/ 19] كراهية حمل رؤوس الأعداء
في سبيل اللَّه، قاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغلوا ولا تندروا ولا تمثلوا. . " (¬1). • وجه الدلالة من الحديثين: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن المثلة، والنهي يقتضي التحريم. 3 - وعن شداد بن أوسٍ قال: ثنتان حفظتهما عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إن اللَّه كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليُحِدَّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته" (¬2). 4 - وعن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَعَفُّ الناسِ قِتلةً: أهلُ الإيمان" (¬3). • وجه الدلالة: أن من الإحسان والعفة في القتل ترك التمثيل بجثث القتلى والأسرى، ولا سيما بعد القدرة عليهم والظفر بهم. 5 - أن المثلة فيه تغيير لخلق اللَّه فتحرم (¬4).Rأن الإجماع متحقق على النهي عن المثلة بالأعداء بعد القدرة عليهم، لعدم الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [40/ 19] كراهية حمل رؤوس الأعداء: • المراد بالمسألة: أن مما يتصل بالتمثيل، وهو نوع منها: قطع رؤوس الكفار الذين قتلوا في الحرب مع المسلمين وحملها إلى الولاة، ونقلها من بلد إلى بلد آخر، وقد نُقل الإجماع على كراهية ذلك، إذا وقع لغير حاجة أو مصلحة (¬5)، أو لغير المعاملة بالمثل (¬6). ¬
• من نقل الإجماع: العمراني (558 هـ) حيث يقول: (أما نقل رؤوس مَنْ قُتِلَ من الكفار إلى بلاد الإسلام، فليست منصوصة لنا، ولكن أجمع أهل العلم على أنه مكروه) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن عقبة بن عامر، أنه قدم على أبي بكر الصديق -صلى اللَّه عليه وسلم- برأس يَنَاق البطريق فأنكر ذلك، فقال: يا خليفة رسول اللَّه فإنهم يفعلون ذلك بنا، قال: (فاستنان بفارس والروم؟ لا تحمل إليَّ رأس، فإنما يكفي الكتاب والخبر) (¬6). • وجه الدلالة: حيث نهى عن ذلك الخليفة الراشد الصديق -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبين أن هذا من فعل أهل الجاهلية، وقد نُهينا عن التشبه بهم. 2 - وعن الزهري قال: لم يحمل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رأس قط، ولا يوم بدر، وحمل إلى أبي بكر رأس فأنكره، وأول من حملت إليه الرؤوس عبد اللَّه بن الزبير (¬7). • وجه الدلالة: أن قطع وحمل الرؤوس ليس معهودًا في زمن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا خلفائه الراشدين، وما وقع في زمن ابن الزبير يُحمل على ما إذا حصل لمصلحة.Rأن الإجماع متحقق على كراهية قطع وحمل رؤوس من قتل من الكفار إذا كان لغير حاجة أو لغير المعاملة بالمثل، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[41/ 20] جواز الرمي بالمنجنيق
[41/ 20] جواز الرمي بالمنجنيق: • تعريف المنجنيق: المنجنيق تجمع على مَجَانق ومَجَانيق ومَنْجَنِيقَات، وهي آلة حرب تقذف الحجارة على الحصون فتهدمها، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أول من رمى به في الإسلام (¬1). • المراد بالمسألة: بيان أن رمي الأعداء من الكفار بالمنجنيق ونحوه (¬2) جائز، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (واتفق عوام الفقهاء على جواز رمي الحصون بالمجانيق سواء كان فيها نساء وذرية أو لم يكن) (¬3). وابن فرحون (799 هـ) حيث يقول: (لم يختلف في رمي مراكبهم بالمنجنيق وكذلك حصونهم) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - عن مكحول الدمشقي رحمه اللَّه: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نصب المنجنيق على أهل الطائف" (¬9). 2 - ولأن القتال به معتاد فأشبه السهام (¬10). ¬
[42/ 21] جواز القتل بالسلاح
Rأن الإجماع متحقق على جواز رمي حصون الأعداء وسفنهم بالمنجنيق، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [42/ 21] جواز القتل بالسلاح: • تعريف السلاح: السِّلاحُ: اسم جامع لآلة الحرب. ويجمع على أسلحة (¬1). وكان في القديم محصور في بعض الأنواع من السيوف والأقواس والرماح ونحوها، وأما في زمننا فقد تنوعت، وتطورت حتى إن الناس تركوا استعمال الآلات الحربية القديمة لعدم تناسبها مع قوة ودقة الآلات الحديثة. • المراد بالمسألة: بيان أن رمي الأعداء بالنبل، والحجارة، وضربهم بالسيوف، وطعنهم بالرماح، وكل ما يوهن قوتهم جائز، ونقل الإجماع على ذلك. قال الشوكاني: (قد أمر اللَّه بقتل المشركين، ولم يعيّن لنا الصّفة التي يكون عليها، ولا أخذ علينا أن لا نفعل إلا كذا دون كذا، فلا مانع من قتلهم، بكل سبب للقتل من رمي، أو طعن، أو تحريق، أو هدم، أو دفع عن شاهق، ونحو ذلك) (¬2). • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (واتفق المسلمون على جواز قتلهم بالسلاح) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}. ¬
[43/ 22] جواز استعارة المجاهد آلات الحرب
• وجه الدلالة: حيث دلت الآية الكريمة عل وجوب إعداد القوة والعتاد والسلاح وكافة آلات الحرب استعدادًا لقتال الأعداء وإرهابهم بذلك، ولا ندَّخر وسعًا في ذلك. 2 - قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر في هاتين الآيتين الكريمتين بقتال المشركين أمرًا مطلقًا، ولم يقيده بآلة خاصة من آلات القتال، فدل هذا على مشروعية القتال بكافة أنواع الأسلحة. 3 - وعن صفوان بن عسال قال: "بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فى سرية فقال: "سيروا باسم اللَّه وفى سبيل اللَّه، قاتلوا من كفر باللَّه، ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا ولبدًا" (¬1). • وجه الدلالة: أن الحديث عام في الأمر بالقتال، فيشمل كافة الأسلحة القتالية دون تخصيص لنوع بعينه. 4 - أن المقصود كبت العدو، وكسر شوكتهم، فكيفما حصل وبأي سلاح فهو المقصود.Rأن الإجماع متحقق على جواز قتال الأعداء بالسلاح، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [43/ 22] جواز استعارة المجاهد آلات الحرب: • تعريف الاستعارة: الاستعارة لغة: مأخوذة من قولهم: اعْتَوَروا الشيء وتَعَورُوهُ وتَعَاوَرُوهُ: تَدَاوَلُوهُ بينهم، واستعارَهُ الشيءَ واستعارَهُ مِنْهُ: طَلَبَ أنْ يُعِيرَه إياه (¬2). • وفي الاصطلاح: إباحة نفع عين بغير عوض من المستعير أو غيره (¬3). • المراد بالمسألة: بيان جواز استعارة المجاهد آلات الحرب منْ السلاح والعتاد التي ¬
يمكن استخدامها دون هلاك عينها. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن عارية السلاح ليقاتل به أو الدواب لركوبها جائزة، وكذلك كل شيء يستعمل في أغراضه ولا يُعدَم شخصه ولا يُغيَّر. . .) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن صفوان بن أمية -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- "إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعًا" قلت: يا رسول اللَّه أعارية مضمونة، أم عارية مؤداة؟ قال: "بل عارية مؤداة" (¬6). 2 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: "كان فزع (¬7) بالمدينة، فاستعار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرسًا من أبي طلحة، يقال له: المندوب (¬8) فركبه، فلما رجع قال: "ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحار (¬9) " (¬10). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استعار من صفوان وأبي طلحة شيئًا من آلات الحرب وهما الدروع والفرس، فدل ذلك على جواز استعارة المجاهد للسلاح والعتاد للجهاد ¬
[44/ 23] جواز وسم الحيوان بغير النار ليحبس في المغازي
في سبيل اللَّه.Rأن الإجماع متحقق على جواز استعارة المجاهد للسلاح والعتاد للجهاد في سبيل اللَّه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [44/ 23] جواز وسم الحيوان بغير النار ليحبس في المغازي: • تعريف الوسم: الوسم في اللغة: أَثرُ الكَيّ والجمع وُسومٌ، يقال: وَسَمَه يَسِمُه وَسْمًا ووسمة في العلامة. فيقال: فلان مَوْسُومٌ بالخير وعليه سِمَة الخير: أي علامته، وتوسمت فيه كذا أي رأيت فيه علامته (¬1). • والوَسْم في الاصطلاح: لا يخرج عن المعنى اللغوي، وهو الكي للعلامة. ويستعمله أصحاب الحيوانات لتمييز حيواناتهم عن غيرها. • المراد بالمسألة: بيان أن وسم البهائم والحيوانات المحبوسة لتُصرف في الصدقات والمغازي جائز لتتميز عن غيرها، وليردها واجدها إن شردت أو ضلت، وليعرفها المتصدق فلا يتملكها بعد إخراجها (¬2)، وقد نُقل الإجماع على جواز الوسم في غير الوجه بغير النار. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن وَسْمَ الحيوان المحبوس ليصرف في الصدقات والمغازي بغير النار جائز) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، بل قال كلٌّ من الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7) باستحباب وسم نعم الزكاة، والحيوانات المحبوسة للجهاد كالخيل، والحمير، والفيلة ونحوها بغير الوجه. ¬
[45/ 24] حكم قتل الرسل (المبعوثين الدبلوماسيين)
• مستند الإجماع: 1 - عن أنس بن مالك قال: "غدوت إلى رسول اللَّه -عليه الصلاة والسلام- بعبد اللَّه بن أبي طلحة ليحنكه فوافيته في يده المِيسَم (¬1) يسم إبل الصدقة" (¬2). 2 - وعن ابن عباس قال: كان العباس يسير مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على بعير وسمه في وجهه بالنار، فقال: "ما هذا الميسم يا عباس؟ ! " قال: مِيسَم كنا نسمه في الجاهلية، فقال: "لا تَسِمُوا بالحريق" يعني في الوجه" (¬3). 3 - وعن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر: إن في الظهر ناقة عمياء، فقال: "أمن نعم الصدقة، أو من نعم الجزية؟ " قال أسلم: من نعم الجزية، وقال: إن عليها مِيسَم الجزية (¬4). • وجه الدلالة: حيث دل هذان الحديثان والأثر على مشروعية وسم الحيوانات في الزكاة والجهاد.Rأن الإجماع متحقق على جواز وسم الحيوانات المحبوسة للزكاة والجهاد بغير النار، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [45/ 24] حكم قتل الرسل (المبعوثين الدبلوماسيين) (¬5): • تعريف الرسل: الرسل في اللغة: جمع رسول وهو من بُعث برسالة تتضمن خطابًا إلى الغير (¬6). والرسول في باب الجهاد: هو المبعوث من أهل الحرب والموادعة إلى ديار الإسلام لتبليغ أمور خاصة من فداء أو هدنة أو تحالف أو للقيام بمباحثات مع الدولة ¬
المرسل إليها (¬1). • والمراد بالمسألة: بيان أن الحماية والرعاية للرسل والموفدين والدبلوماسيين، وصيانة شخصيتهم من أي أذى ثابتة لهم، حتى لو اختلفت وجهات النظر في المفاوضة معهم، وتكلم المبعوث الموفد القادم إلى أرض الدولة الإسلامية بكلام لا يتفق مع احترام عقائد المسلمين، أو فشل المبعوثين السياسيين في القيام بمهمتهم، فيظل لهم حق التمتع بالحماية والحصانة حتى يعودوا إلى بلادهم التي يأمنون فيها. وقد نقل الإجماع على تحريم قتلهم. • من نقل الإجماع: أبو العباس المنصوري (في حدود 350 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن الرسول لا يجوز قتله)، نقله عنه ابن القطان الفاسي (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن نعيم بن مسعود بن الأشجعي -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول -حين قرأ كتاب مسيلمة- للرسل: "ما تقولان أنتما؟ " قالا: نقول كما قال، قال: "أما واللَّه لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما" (¬8). • وجه الدلالة: حيث دل الحديث على تحريم قتل رسل الأعداء ولو تكلموا بكلمة الكفر في حضرة إمام المسلمين. 2 - وعن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: "مضتِ السنةُ ألا تقتل الرسل" (¬9). ¬
[46/ 25] تحريم قتل نساء العدو وصبيانهم إذا لم يقاتلوا
• وجه الدلالة: أن فيه التصريح بأن شان الرسل لا يقتلون في الإسلام، وعليه مضت سنة سيد الأنام -صلى اللَّه عليه وسلم- مهما صدر منهم. 3 - وعن سعيد بن جبير قال: "جاء رجل من المشركين إلى علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- فقال: يا خليفة المسلمين، إن أراد الرجل منا أن يأتي بحاجة قتل، فقال علي -رضي اللَّه عنه-: لا، لأن اللَّه تبارك وتعالى يقول: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] " (¬1). • وجه الدلالة: حيث استدل الصحابي الجليل خليفة المسلمين علي -رضي اللَّه عنه- بعدم جواز قتل المشرك القادم في حاجة إلى دار الإسلام بتلك الآية، ومن الحاجات التي يقدم إليها المشركون لدار الإسلام تبليغ الرسائل. 4 - أنه يجب الوفاء بالعهد للكفار كما يجب للمسلمين، والرسالة التي يحملها الرسول إلى المسلمين تقتضي جوابًا يصل على يد الرسول، فكان ذلك بمنزلة عقد العهد (¬2). 5 - أن الحاجة تدعو إلى ذلك؛ فإننا لو قتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا، فتفوت مصلحة المراسلة والسفارة بين الطرفين. ومن المعلوم أن الرسل هم مفاتيح العلاقات بين الدول، وهم وسائطها في حل الخلافات، فضلًا عن أن قتلهم ضرب من ضروب الغدر، فوجب صيانتهم وتجنب قتلهم.Rأن الإجماع متحقق على تحريم قتل رسل الأعداء، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [46/ 25] تحريم قتل نساء العدو وصبيانهم إذا لم يقاتلوا: • المراد بالمسألة: بيان أنه لا يجوز قتل نساء العدو وصبيانهم إذا لم يقاتلوا، وقد حكي إجماع العلماء على ذلك. • وممن نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) حيث قال: (لا خلاف أن قتل النساء والذراري محظور) (¬3). ¬
وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أنه لا يحل قتل صبيانهم ولا نسائهم الذين لا يقاتلون) (¬1). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وأجمع العلماء على القول بذلك، ولا يجوز عندهم قتل نساء الحربيين، ولا أطفالهم، لأنهم ليسوا ممن يقاتل في الأغلب) (¬2). وقال أيضًا عقب حديث بريدة في تحريم الغلول والغدر والمثلة: (أجمع العلماء على القول بهذا الحديث ولم يختلفوا في شيء منه فلا يجوز عندهم الغلول ولا الغدر ولا المثلة ولا قتل الأطفال في دار الحرب) (¬3). والقاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: (أجمع العلماء على الأخذ بهذا الحديث في ترك قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا) (¬4). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وكذلك لا خلاف بينهم في أنه لا يجوز قتل صبيانهم ولا قتل نسائهم، ما لم تقاتل المرأة والصبي. . .) (¬5). والنووي (676 هـ) حيث يقول: (أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث (¬6) وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا) (¬7). وابن دقيق العيد (704 هـ) حيث يقول: (هذا (¬8) حكم مشهور متفق عليه فيمن لا يقاتل. . .) (¬9). وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (ولا تقتل نساؤهم إلا أن يقاتلن بقول أو عمل باتفاق العلماء) (¬10). وابن جماعة الكناني (733 هـ) حيث يقول: (والأصح: أن الراهب والشيخ الضعيف والأعمى والمزمن، يقتلون أيضًا بكل حال، وقيل: إن لم يكن لهم رأي في الحرب، ولم يقاتلوا، أما إذا قاتلوا أو كان لهم رأي في الحرب قتلوا بلا خلاف) (¬11). ¬
والحطاب (954 هـ) حيث يقول: (وأما النساء فإن كففن أذاهن عن المسلمين ولَزَمْنَ قَعْرَ بيوتهن فلا خلاف (¬1) في تحريم قتلهن) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا: 1 - قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} [البقرة: 190]. • وجه الدلالة: حيث قال بعض السلف: ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان وأشباههم، لأنهم لا مقاتلة منهم في العادة فلا يقاتلون (¬7). 2 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنهى -صلى اللَّه عليه وسلم- عن قتل النساء والصبيان" (¬8). • وجه الدلالة: أن الحديث نص صريح على النهي عن قتل النساء والصبيان، لكونهم يعتزلون الحرب، ولا يقاتلون في الغالب. 3 - أن النساء والصبيان ليسوا في العادة ممن يقاتلون فلا يقتلون، وليس من غرض الشارع قصد إتلاف النفوس، وإنما غرضه إصلاح العالم، وذلك يحصل بقتل المقاتلين، أما من لا يقاتلون فلا نفع بقتلهم، ولا ضرر باستبقائهم، بل استبقاؤهم فيه نفع راجح. 4 - أن النساء والصبيان غنيمة للمسلمين ينتفع بهم رقيقًا وخدمًا وفداءً، فلا ينبغي ¬
قتلهم إذا اعتزلوا القتال (¬1). • الخلاف في المسألة: أورد الحازمي (584 هـ) قولًا بجو از قتل النساء والصبيان، ولم يعزه لأحد (¬2). قال الحافظ ابن حجر: (وحكى الحازمي قولًا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب (¬3)، وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي، وهو غريب) (¬4).Rأن الإجماع متحقق على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، لعدم المخالف المعتبر. وأما ما حكاه الحازمي فلا يقدح في الإجماع لأمور: 1 - أنه قولٌ لا يُعرف قائله. 2 - أن الأئمة: الجصاص، وابن حزم، وابن عبد البر قد حكوا الإجماع، وهم متقدمون على الإمام الحازمي، فالقول الذي نقله الحازمي مردود، لأنه محجوج بالإجماع المنعقد قبله، وحكاه ابن رشد، وابن هبيرة، وهما في عصر الحازمي. 3 - أن حديث الصعب محمول على حال البيات وهو مستثنى من عدم جواز قتلهم كما سيأتي بيانه فيما يأتي. • ذكر الفقهاء حالات يجوز فيها قتل النساء والصبيان، وإن لم يقاتلوا، ومن ذلك: 1 - أنه يجوز قتل النساء والصبيان في البيات (¬5)، لكن من غير تعمد وتقصد لهم، وهذا قول جمهور العلماء (¬6)، بل قال الإمام أحمد رحمه اللَّه: (لا نعلم أحدًا كره بيات ¬
[47/ 26] حصول البلوغ بالاحتلام
العدو" (¬1). 2 - إذا تترسوا في الحرب بنسائهم وأطفالهم فيتوقى قتلهم، فإن لم يوصل إلى قتلهم إلا بقتل النساء والأطفال جاز قتلهم على قول جمهور العلماء. 3 - إذا كانت المرأة ملكة، أو الصبي ملكًا، جاز قتلهما، ولو لم يباشرا القتال على مذهب الحنفية، وذلك لعظم ضررهم، ولتفريق جمعهم، وكسر شوكتهم (¬2). أما إذا باشر النساء والصبيان القتال، جاز قتلهم، وهو قول الجمهور، بل حكى غير واحد من العلماء الإجماع على هذا (¬3)؛ وذلك لأن العلة التي منعت من قتلهم هي عدم قتالهم، فإذا وجد منهم القتال وجدت علة إباحة قتلهم لأن الحاجة داعية إلى دفع مضرتهم (¬4). وكذلك يجوز قتلهم إذا كانوا يلتقطون لهم السهام أو يحرضونهم على القتال أو كان لهم رأي في الحرب؛ لأن ذلك بمعنى المقاتلة (¬5). [47/ 26] حصول البلوغ بالاحتلام: • المراد بالمسألة: يذكر الفقهاء هذه المسألة في معرض حديثهم عن عدم جواز قتل صبيان العدو الذين لم يبلغوا في حال لم يشاركوا في القتال، فمن احتلم من ذكر أو أنثى، فإنه يحكم ببلوغه فتلزمه الفرائض والأحكام وتجرى عليه الحدود. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن من احتلم فرأى الماء من الرجال والنساء أو حاضت من النساء بعد أن تتجاوز خمسة عشر ويستكمل في قدهما (¬6) ستة أشبار وهما عاقلان فقد لزمتهما الأحكام، وجرت عليهم -إن كانا ¬
مسلمين- الحدود، ولزمتهما الفرائض، وإنه بلوغ صحيح) (¬1). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (والبلوغ يحصل بأحد أسباب ثلاثة، أحدها: الاحتلام وهو خروج المني من ذكر الذكر أو قبل الأنثى في يقظة أو منام، وهذا لا خلاف فيه) (¬2). وأبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (والبلوغ يحصل بثلاثة أشياء: الاحتلام وهو خروج المني من ذكر الرجل أو قبل المرأة في يقظة أو منام ولا خلاف فيه) (¬3). وابن حجر (852 هـ) حيث يقول: (وقد أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام وهو إنزال الماء الدافق سواء كان بجماع أو غيره، سواء كان في اليقظة أو المنام) (¬4). • الموافقون للإجماع: اتفق أصحاب المذاهب الفقهية على حصول البلوغ بالاحتلام وإنزال المني من الحنفية (¬5) والمالكية (¬6) والشافعية (¬7) والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قال اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} [النور: 58]، وقال جل ذكره: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59]. • ووجه الدلالة في الآيتين: حيث جعل الشارع الحلم وهو الاحتلام دلالة على وجوب الأحكام (¬9) في عدم جواز رؤية الأجنبية ووجوب الاستئذان. 2 - عن معاذ: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين بعثه إلى اليمن قال: "خذ من كل حالم دينارا" (¬10). ¬
[48/ 27] حصول البلوغ بإنبات الشعر حول القبل
• ووجه الدلالة: كسابقه حيث رتب لزوم الجزية على الاحتلام، والجزية لا تلزم إلا البالغ. 3 - عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: حفظت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يُتم بعد احتلام" (¬1). • ووجه الدلالة: أن الاحتلام يرفع معنى اليتم في الطفل، وهو لا يرتفع إِلا بالبلوغ.Rأن الإجماع متحقق على حصول البلوغ بالاحتلام، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [48/ 27] حصول البلوغ بإنبات الشعر حول القبل: • المراد بالمسألة: يذكر الفقهاء هذه المسألة أيضًا في معرض ذكرهم لعدم جواز قتل صبيان العدو الذين لم يبلغوا، في حال عدم مشاركتهم في القتال. فإذا نبت الشعر الخشن حول الذكر أو قبل الأنثى فإنه يحكم ببلوغه، فتلزمه الفرائض والأحكام وتجري عليه الحدود، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (625 هـ) حيث يقول: (الثاني: إنبات الشعر الخشن حول القبل وهو علامة على البلوغ. . ولم يظهر خلاف هذا فكان إجماعًا) (¬2). وأبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (والثاني نبات الشعر الخشن حول القبل وهو علامة البلوغ ولم يظهر خلافه فكان إجماعًا) (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قال عطية القرظي -رضي اللَّه عنه-: "كنت في سبي قريظة فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل فكنت فيمن لم ينبت" (¬4). ¬
2 - وقال كثير بن السائب رحمه اللَّه: "حدثني أبناء قريظة أنهم عرضوا على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمن كان منهم محتلمًا أو نبتت عانته (¬1) قتل، ومن لا ترك" (¬2). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابة اعتبروا الإنبات علامة على البلوغ فجعلوها مفرقة بين البالغ المقاتل والصغير الذي لا يقاتل مثله في العادة. 2 - وروى أسلم مولى عمر -رضي اللَّه عنه-: "أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- كان يكتب إلى أمراء الأجناد ألا تضربوا الجزية على النساء والصبيان، ولا تضربوها إلا على من جرت عليه المواسي (¬3) " (¬4). • الخلاف في المسألة: واختلف الفقهاء إلى قولين آخرين وهما: • القول الأول: أن الإنبات لا يُعتبر به في إثبات البلوغ، إذا لم يُعرف سن المرء ولا احتلامه. وهو مذهب الحنفية (¬5)، وبعض المالكية (¬6) ورواية عن أحمد (¬7). • القول الثاني: أن الإنبات علامة للبلوغ في ذراري المشركين فقط. وهو الأصح في مذهب الشافعية (¬8).Rأن الإجماع غير متحقق، لوجود المخالف، وإن كانت الأدلة تدل على اعتبار الإنبات علامة للبلوغ (¬9). قال الإمام الترمذي: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أنهم يرون الإنبات بلوغًا إن لم يعرف احتلامه ولا سنه وهو قول أحمد وإسحق) (¬10). ¬
[49/ 28] تحريم قتل الشيوخ من الأعداء
[49/ 28] تحريم قتل الشيوخ من الأعداء: • تعريف الشيوخ: الشيوخ: جمع شيخ، وهو الرجل الذي استبانت فيه السن، وظهر عليه الشيب، ويقع -غالبًا- لمن بلغ الخمسين إلى آخر عمره، فإذا كبر الشيخ وضعف قيل له: هَرِم، وشيخ ضعيف، وشيخ فانٍ، لا بقية فيه للقتال ولا للتدبير ولا للتحريض (¬1). ويطلق عليهم اليوم (المسنون). • المراد بالمسألة: بيان أن المسنين والشيوخ الضعفاء الذين لا معونة لهم على شيء من أمر الحرب، من قتال ولا رأي ولا تدبير، فإنهم لا يجوز قتلهم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: التميمي صاحب "النوادر" (في حدود 350 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أنه لا يجوز قتل شيخ فانٍ من العدو) (¬2). والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (إن كان شيخًا كبيرًا هرمًا لا يطيق القتال، ولا ينتفع به في رأي ولا مدافعة فإنه لا يقتل، لقول أبي بكر ليزيد، ولا مخالف له فثبت أنه إجماع) (¬3). • الموافقون للإجماع: هو مذهب الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية في قول (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} [البقرة: 190]. • وجه الدلالة: أن الآية الكريمة تأمر بقتل المقاتلين، وتنهى عن الاعتداء على غيرهم، والشيوخ ممن لا يقاتلون في العادة، فلا يجوز قتلهم. 2 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا بعث جيشًا قال: "انطلقوا ¬
باسم اللَّه، لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلًا صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، ان اللَّه يحب المحسنين" (¬1). 3 - وعن راشد بن سعد قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن قتل النساء والذرية والشيخ الكبير الذي لا حراك به" (¬2). 4 - عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه: "نهى أن يقتل شيخ كبير، أو يعقر شجر إلا شجر يضر بهم" (¬3). 5 - وعن عبيد اللَّه بن عمر قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمرائه أن لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تقتلوا صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا" (¬4). 6 - أن أبا بكر بعث جيوشًا إلى الشام، فخرج يتبع يزيد بن أبي سفيان فقال: "إني أوصيك بعشر: لا تقتلن صبيًّا ولا امرأة ولا كبيرًا هرمًا، ولا تقطعن شجرًا مثمرًا، ولا تخربن عامرًا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرًا إلا لمأكله، ولا تغرقن نخلا ولا تحرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن" (¬5). • وجه الدلالة من الأحاديث السابقة والآثار: أنها تنهى صراحة عن قتل الشيوخ الكبار. • الخلاف في المسألة: وخالف بعض أهل العلم فقالوا بجواز قتل الشيوخ من المشركين. وممن قال بذلك: الشافعية في الأصح من مذهبهم (¬6)، والظاهرية (¬7). وممن قال بذلك ابن المنذر حيث يقول: (لا أعرف حجة في ترك قتل الشيوخ يستثنى بها من عموم قوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، ولأنه كافر لا نفع في حياته ¬
[50/ 29] جواز قتل من شارك في القتال من النساء، والصبيان، والمسنين
فيقتل كالشاب) (¬1). واستدلوا أيضًا بما روي عن سمرة بن جندب قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقتلوا شيوخ المشركين، واستبقوا شرخهم (¬2) " (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [50/ 29] جواز قتل من شارك في القتال من النساء، والصبيان، والمسنِّين: • المراد بالمسألة: جاء الشرع بالنهي عن قتل النساء والصبيان والشيوخ، وكل من لا يقاتل في العادة، لكنهم إذا شاركوا في القتال، فإنهم يقتلون ولا كرامة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (ولم يختلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ أنه مباح قتله، ومن قدر على القتال من الصبيان وقاتل قتل) (¬4) وقال: (وأجمعوا أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قتل دريد بن الصمة يوم حنين؛ لأنه كان ذا رأي ومكيدة في الحرب، فمن كان هكذا من الشيوخ قتل من الجميع) (¬5). وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أن النساء منهم ما لم يقاتلن فإنهن لا يقتلن إلا أن يكن ذوات رأي فيقتلن) (¬6). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (لا خلاف بينهم في أنه لا يجوز قتل صبيانهم ولا قتل نسائهم ما لم تقاتل المرأة والصبي، فإذا قاتلت يستبيح دمها) (¬7). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (ومن قاتل من هؤلاء -أي الصبيان أو المشايخ أو الرهبان في المعركة- قتلوا. . . لا نعلم فيه خلافًا) (¬8). والنووي (676 هـ) حيث يقول: (أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم ¬
قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا) (¬1). وأبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (فصل: ومن قاتل من ذكرنا جميعهم جاز قتله لا نعلم فيه خلافًا) (¬2). وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (ولا تقتل نساؤهم إلا أن يقاتلن بقول أو عمل باتفاق العلماء) (¬3). وابن جماعة الكناني (733 هـ) حيث يقول: (والأصح: أن الراهب والشيخ الضعيف والأعمى والمزمن، يقتلون أيضًا بكل حال، وقيل: إن لم يكن لهم رأي في الحرب، ولم يقاتلوا لم يقتلوا، أما إذا قاتلوا أو كان لهم رأي في الحرب قتلوا بلا خلاف) (¬4). والحطاب (954 هـ) حيث يقول: (فإن قاتلن وباشرن السلاح فلا خلاف في جواز قتلهن في حين القتل في المسايفة) (¬5). وابن عابدين (1307 هـ) حيث يقول: (وكذا المرأة إذا قاتلت. . ولا خلاف في هذا لأحد) (¬6). وابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: (فإن شاركوا -أي الصبي والمرأة والراهب والشيخ- العدو في الرأي قتلوا اتفاقًا) (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بامرأة مقتولة يوم الخندق فقال: "من قتل هذه؟ " قال رجل: أنا يا رسول اللَّه قال: "ولما نازعتني قائمًا سيفي". قال: فسكت (¬8). وعن عكرمة نحوه ولكن ذكر يوم حنين (¬9). • ووجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما عرف بمشاركتها سكت إقرارًا منه بجواز قتلها. قال الشوكاني: (ولهذا لم ينكر -صلى اللَّه عليه وسلم- على قاتل المرأة التي أرادت قتله) (¬10). ¬
2 - وقُتِلَ دريد بن الصمة وهو شيخ لا قتال فيه يوم حنين، وكانوا أخرجوه معهم يتيمنون به (¬1)، ويستعينون به فلم ينكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قتله (¬2). • ووجه الدلالة: إقرار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قتل الشيخ الكبير حينما شارك في القتال ولو برأيه. 3 - قال عكرمة: لما حاصر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أهل الطائف أشرفت امرأة فكشفت عن قبلها، فقالت: ها دونكم فارموا، فرماها رجل من المسلمين فما أخطأ ذلك منها (¬3). • ووجه الدلالة: أن تحديها للمسلمين وكشفها لعورتها للضغط على المسلمين واستفزازهم نوع من المشاركة في الحرب لذا جاز قتلها. 4 - "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر يوم قريظة بقتل امرأة طرحت الرحا (¬4) على خلاد بن سويد -رضي اللَّه عنه- فقتلته" (¬5). . وروي أنه "أمر يوم حنين بقتل قينتين -أي جاريتين- كانتا تعينا ابن خطل في هجاء الرسول" (¬6). ودلالته ظاهرة. 5 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقف على امرأة مقتولة فقال: "ما بالها قتلت، وهي لا تقاتل" (¬7). • وجه الدلالة: حيث علل النهي عن قتلها بأنها لا تقاتل، فإن قاتلت زالت العلة فجاز قتلها.Rأن الإجماع متحقق على جواز قتل من شارك في القتال ولو كان شيخًا ¬
[51/ 30] جواز اقتحام المهالك في الحرب، إذا كان فيه نكاية للعدو، أو مصلحة للمسلمين
كبيرًا أو امرأة أو صبيًّا، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم (¬1). [51/ 30] جواز اقتحام المهالك في الحرب، إذا كان فيه نكاية للعدو، أو مصلحة للمسلمين: • المراد بالمسألة: هو قيام المجاهد باقتحام صفوف العدو، أو الدخول إلى مواقعه، والمفاداة بنفسه لتحقيق نكاية بعدو أو مصلحة للمسلمين. والذي يميز هذه الصورة عن غيرها من أعمال الجهاد هو وجود قدر زائد من المخاطرة، بحيث يغلب على الظن أن المجاهد سيُقتل بسببها، نظرًا لعدم تكافؤ القوى في الظاهر، لكن هذا ليس على سبيل القطع؛ إذ احتمال نجاته قائم بنسبة ما، وقد نُقل الإجماع على جواز هذه الصورة. • من نقل الإجماع: الغزالي (435 هـ) حيث يقول: (لا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار فيقاتل وإن علم أنه سيقتل. . . ولكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار، كالأعمى يطرح نفسه على الصف أو العاجز، فذلك حرام، وداخل تحت عموم آية التهلكة، وإنما جاز له الإقدام إذا علم أنه لا يقتَلُ حتى يَقْتُلَ، أو علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جرأته، واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالاة، وحبهم للشهادة في سبيل اللَّه، فتكسر بذلك شوكتهم) (¬2). وابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (والرجل ينهزم أصحابه، فيقاتل وحده، أو هو وطائفة معه العدو، وفي ذلك نكاية في العدو، ولكن يظنون أنهم يمتلون، فهذا كله جائز عند عامة علماء الإسلام من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، وليس في ذلك إلا خلاف شاذ. وأما الأئمة المتبوعون كالشافعي وأحمد وغيرهما؛ فقد نصوا على جواز ذلك، وكذلك هو مذهب أبي حنيفة ومالك وغيرهما) (¬3). وابن حجر العسقلاني نقلًا عن المهلَّب قوله: (وقد أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد) (¬4). ¬
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)} [البقرة: 207]. جاء في سبب نزول الآية: عن سعيد بن المسيب قال: "أقبل صهيب مهاجرًا نحو النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته، ثم قال يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلًا، وايم اللَّه لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي فيه شيء ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي. قالوا: نعم. فلما قدم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ربح البيع، ربح البيع. ونزلت الآية" (¬5). 2 - وعن أسلم أبي عمران قال: كنا بمدينة الروم فأخرجوا لنا صفًا عظيمًا من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثله، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة ابن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان اللَّه يلقي بيده إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري -رضي اللَّه عنه- فقال: "أيها الناس: إنكم لتؤولون هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز اللَّه الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرًّا دون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أموالنا قد ضاعت وإن اللَّه قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل اللَّه تعالى على نبيه يرد علينا ما قلنا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو"، فما زال أبو أيوب شاخصًا حتى دفن بأرض الروم (¬6). ¬
3 - وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أُفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهِقوه قال: "من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة؟ " فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ثم رهِقوه أيضًا، فقال: "من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة؟ " فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لصاحبه: "ما أنصفْنا أصحابَنا" (¬1). • وجه الاستدلال: دل الحديث على أن قيام الرجل الواحد من الصحابة لرد الجماعة من المشركين يعد من قبيل الاقتحام المظنون فيه الهلاك، بدليل أن الأنصار السبعة قضوا نحبهم الواحد بعد الآخر، وكان فعلهم هذا بأمره -صلى اللَّه عليه وسلم-، مع تنويهه -صلى اللَّه عليه وسلم- بفضله والثواب المترتب عليه. 4 - حادثة البراء بن مالك -رضي اللَّه عنه- في حرب المرتدين من أهل اليمامة، عن محمد ابن سيرين: "أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين، فجلس البراء بن مالك -رضي اللَّه عنه- على ترس فقال: ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم، فرفعوه برماحهم فألقوه من وراء الحائط، فأدركوه قد قتل منهم عشرة" (¬2). • وجه الاستدلال: في فعل البراء دليل على جواز حمل الواحد على جماعة من الأعداء، وأنه لا يكون ملقيًا نفسه في التهلكة، لأنه يسعى في إعزاز الدين، ويتعرض للشهادة (¬3). • الخلاف في المسألة: وخالف بعض العلماء في هذه المسألة على قولين آخرين: • القول الأول: ذهب بعض المالكية إلى جواز اقتحام المجاهد صف الكفار وحده، طلبًا للشهادة، ولو لم يكن في فعله نكاية بالعدو (¬4). • وحجتهم: عموم حادثة أبي أيوب في القسطنطينية المتقدمة، ولأن التغرير بالنفوس جائز في الجهاد إذا قصد به الشهادة. • القول الثاني: عدم جواز اقتحام المجاهد صف الكفار وحده مطلقًا، ولو كان في ¬
[52/ 31] تحريم المبارزة لطلب السمعة
فعله نكاية بالعدو، وهذا القول مقابل الأظهر عند المالكية (¬1). وحجتهم: عموم قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].Rأن الإجماع غير متحقق على جواز اقتحام المهالك في الحرب إذا كان فيه نكاية للعدو أو مصلحة للمسلمين، لوجود الخلاف المعتبر بين أهل العلم. وإن لم يتحقق الإجماع فهو قول جماهير أهل العلم والراجح فيما يظهر -واللَّه أعلم- بالشروط التالية: 1 - الإخلاص للَّه تعالى: بحيث يقصد المجاهد بعمله نصرة دين اللَّه، وإعلاء كلمته. 2 - قصد النكاية بالعدو. 3 - ألَّا يترتب على هذا العمل مفسدة أكبر من مصلحته. 4 - اشتراط الإذن العام من الأمير للقيام بهذه الأعمال (¬2). [52/ 31] تحريم المبارزة لطلب السمعة: • تعريف المبارزة: المبارز لغة: مشتقة من برز الرجل يبرز بروزًا: خرج. وأبرزه غيره. والبِرازُ: المبارزة في الحرب (¬3). • والمبارزة هي: أن يبرز رجل بين الصفين قبل التحام الحرب يدعو للقتال، فيخرج له من العدو من يقابله، فأيهما غلب سر أصحابه وقواهم وكسر قلوب أعدائه (¬4). • تعريف السمعة: السمعة لغة: مشتقة من الإسماع والمراد بها: الذكر. يقال: فعله رياء وسمعة، أي: ليراه الناس ويسمعوه فيحصل على الصيت والذكر (¬5). • المراد بالمسألة: بيان أن من الأمور المحرمة والتي تبطل الأعمال أن يكون باعث المجاهد بجهاده وقتاله وبرازه لأعداء اللَّه السمعة والرياء، ومن صور السمعة في ¬
المبارزة: 1 - أن يذكر للناس ما خاضه من براز ومقارعة للأعداء فيما مضى، ليمدحوه أو يعظم في نفوسهم. 2 - أن يبادر إلى البراز لقصد أن يمدحه الناس، فيقال: شجاع وجريء. وقد نُقل إجماع العلماء على تحريم ذلك. • من نقل الإجماع: ابن جزي الغرناطي (741 هـ) حيث يقول: (لا تجوز المبارزة للسمعة إجماعًا) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك جميع الفقهاء من: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. • معنى الآية: من كان يرجو ثواب اللَّه فلا يعبد معه غيره، ولا يعمل عملًا فيه رياء وسمعة، ولا يكتسب الدنيا بعمل الآخرة (¬6). 2 - وعن جندب قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّه بِهِ وَمَنْ يُرَائي يُرَائِي اللَّه بِهِ" (¬7)، وعن عبد اللَّه بن عمرو، ويحدث ابن عمر أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من سمع الناس بعمله سمع اللَّه به سامع خلقه وحقره وصغره" قال فذرفت عينا ابن عمر (¬8). • وجه الدلالة: في الحديثين وعيد شديد لمن أراد بعمله الصالح السمعة والرياء بأن اللَّهَ يُسَمّع به ويُظْهر إلى الناس غَرَضه وأن عَمَله لم يكُن خالصًا، فتحصل له الفضيحة والخزي -عياذًا باللَّه تعالى. 1 - وعن أبي هريرة، قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن أول الناس يقضى يوم ¬
[53/ 32] جواز المبارزة في الحرب
القيامة عليه: رجل استشهد، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه، فالقي في النار. . . " (¬1). • وجه الدلالة: دلَّ الحديث أنه إن كان الباعث على الجهاد الرياء والسمعة أو المباهاة فصاحبه متعرض لمقت اللَّه وعقابه. 4 - وعن أبي أمامة الباهلي قال: "جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا شيء له"، فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا شيء له"، ثم قال: "إن اللَّه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا له، وابتغي به وجهه" (¬2). • وجه الدلالة: دلَّ الحديث أن من شرط الجهاد وفرضه وصحة كونه عملًا للَّه، وجهادًا في سبيل اللَّه، أن يقصد به وجه اللَّه -تعالى- وإعلاء كلمته، فيجب أن يجاهد الرجل غضبًا في اللَّه، وانتصارًا لدينه، وصونًا لحرماته.Rأن الإجماع متحقق على تحريم طلب السمعة من المبارزة وغيرها من الأعمال القتالية في الجهاد في سبيل اللَّه، ولم يخالف في ذلك أحد، واللَّه تعالى أعلم. [53/ 32] جواز المبارزة في الحرب: • المراد بالمسألة: بيان جواز المبارزة في الحرب إذا كانت بإذن الإمام، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أن للمرء أن يبارز، ويدعو للبراز بإذن الإمام، وانفرد الحسن فكان يكرهه ولا يعرف البراز) (¬3). والقاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: ". . . وجواز المبارزة، ولا خلاف بين ¬
العلماء في جوازها بإذن الإمام، إلا الحسن فإنه شذَّ ومنعها" (¬1). وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (ولم يزل أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يبارزون في عصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبعده، ولم ينكره منكر، فكان ذلك إجماعًا) (¬2). والخطابي (388 هـ) حيث يقول: (فيه من الفقه -أي: الحديث- إباحة المبارزة في جهاد الكفار، ولا أعلم اختلافًا في جوازها إذا أذن الإمام فيها) (¬3). • الموافقون للإجماع: اتفقت المذاهب الفقهية من الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7) على جواز المبارزة بإذن الإمام. • مستند الإجماع: 1 - واستدلوا على ذلك بفعل النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أحدٍ، فقد "دعا أبي ابن خلفٍ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى البراز فبرز إليه فقتله" (¬8). 2 - عن عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه- "أن ابني عفراء (¬9) -رضي اللَّه عنهما- خرجا إلى البراز -أي المبارزة- فلم ينكر عليهما النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬10). قال ابن مفلح (793 هـ): (يجوز بإذنه لمبارزة الشباب الأنصاريين يوم بدر لما طلبها عتبة بغير إذن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم ينكر ذلك) (¬11). 3 - كان أبو ذر -رضي اللَّه عنه- يقسم أن قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]. نزلت في الذين تبارزوا يوم بدر، وهم حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث -رضي اللَّه عنهم-، بارزوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وكان ذلك بإذن ¬
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 4 - و"بارز علي -رضي اللَّه عنه- مرحبًا أحد سادة يهود وشجعانهم يوم خيبر" (¬2). وجاء في رواية أخرى أن الذي بارزه هو عم سلمة بن الأكوع -رضي اللَّه عنهما-، وجاء في أخرى أنه محمد بن مسلمة -رضي اللَّه عنه- (¬3). 5 - و"بارز علي -رضي اللَّه عنه- عمرو بن عبد وُد أحد شجعان قريش في غزوة الخندق فقتله" (¬4). 6 - قال أبو قتادة -رضي اللَّه عنه-: "بارزت رجلًا يوم حنين فقتلته" (¬5)، وجاء نحوه عن سلمة ابن الأكوع -رضي اللَّه عنه- (¬6). ودلالة الأحاديث السابقة في: إقرار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهم وعدم الإنكار عليهم. 7 - و"بارز البراء بن مالك -رضي اللَّه عنه- مرزبان الزأرة (¬7) فقتله وأخذ سلبه"، وكان ذلك بحضور الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وعلمهم، ولم ينكر عليه أحد، وقد كان على الجيش خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- (¬8). • الخلاف في المسألة: اتفق الفقهاء على مشروعية المبارزة في الجملة، واختلفوا في اشتراط إذن الإمام للمبارزة على أقوال: القول الأول: أنه شرط، وهو مذهب الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأحد قولي المالكية (¬9). ¬
[54/ 33] عدم جواز تأخير الصلاة لأجل القتال
• القول الثاني: أنه ليس بشرط، لكن يكره. وهو مذهب الشافعية وبعض المالكية (¬1). • القول الثالث: تجوز المبارزة بلا إذن ما لم ينه الإمام. وهو مذهب الحنفية (¬2). 1 - Rأن الإجماع متحقق على جواز المبارزة في الجملة، وكون الحسن كرهها لأنه لم يعرفها لا يخرم الإجماع من وجهين: 1 - أنه لم يعرفها، وغيره قد عرفها، والذي يعلم حجة على الذي لا يعلم. ب- أن إجماع الصحابة منعقد قبل خلاف الحسن، قال ابن المنذر: (ولم يزل أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يبارزون في عصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبعده، ولم ينكر ذلك منكر، فكان ذلك إجماعًا) (¬3). 2 - أن الإجماع غير متحقق على اشتراط إذن الإمام في المبارزة، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه أعلم. [54/ 33] عدم جواز تأخير الصلاة لأجل القتال: • المراد بالمسألة: بيان أنه إذا دارت رحى المعركة، واستمر القتال، ثم حضر وقت الصلاة، فإن للمقاتلين أن يستمروا في القتال، ولا يلزمهم ترك القتال لأجل الصلاة، بل يجب أن يصلوا حسب حالهم، ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول -في معرض إيضاحه أن الحركة الكثيرة في صلاة الخوف معفوٌّ عنها: (ولأنه لا يخلو عند الحاجة إلى العمل الكثير من أجل ثلاثة أمور: إما تأخير الصلاة عن وقتها ولا خلاف بيننا في تحريمه، أو ترك القتال وفيه هلاكه، وقد قال اللَّه تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. وأجمع المسلمون على أنه لا يلزمه هذا، أو متابعة العمل للمتنازع فيه وهو جائز بالإجماع، فتعين فعله وصحة الصلاة معه) (¬4). ¬
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. • وجه الدلالة: أن في ترك القتال -والقتال قائم مع الأعداء تعريض- للنفس للهلاك، وعليه فإن المسلم يصلي حسب حاله ولو إيماءً، ولا يخرج الصلاة عن وقتها، وهو مع ذلك متحفز للقتال. 2 - ما رواه عبد اللَّه بن أنيس -رضي اللَّه عنه- قال: "بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى خالد بن سفيان الهذلي، وكان نحو عرنة وعرفات، فقال: "اذهب فاقتله"، قال: فرأيته وحضرَتْ صلاة العصر، فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما إن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماء نحوه، فلما دنوت منه قال: من أنت؟ قلت: رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذاك، قال: إني لفي ذاك، فمشيت معه ساعة حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد" (¬5) (¬6). • وجه الدلالة: حيث أقر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عبد اللَّه بن أنيس حين صلى صلاة الخوف وهو طالب للعدو، ولم يؤخر الصلاة، ولم يأمره بترك الطلب والتشاغل بالصلاة. 3 - ولأنه مكلف تصح طهارته فلم يجز له إخلاء وقت الصلاة عن فعلها، كالمريض (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف بعض الفقهاء فقالوا: يجوز تأخير الصلاة عن وقتها في حالة التحام القتال، والاشتغال بالضرب والطعن والكر والفر، حتى ينكشف القتال. قال بهذا الحنفية (¬8) وبعض المالكية (¬9) وهو قول عند الشافعية (¬10) رواية عند ¬
[55/ 34] مشروعية صلاة الخوف في الحرب
الحنابلة (¬1). واستدلوا بما رواه جابر -رضي اللَّه عنه-: "أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول اللَّه، ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب، قال -صلى اللَّه عليه وسلم- "وأنا واللَّه ما صليتها بعد" قال: فنزل إلى بطحان (¬2) فتوضأ وصلى العصر بعدما غابت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب" (¬3). • وجه الدلالة من الحديث: أنها لو جازت الصلاة مع القتال لما أخرها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4).Rأن الإجماع غير متحقق على عدم جواز تأخير الصلاة لأجل القتال، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [55/ 34] مشروعية صلاة الخوف في الحرب: • تعريف صلاة الخوف: صلاة الخوف هي: الصّلاة المكتوبة يحضر وقتها، والمسلمون في مقاتلة العدوِّ، أو في حراستهم (¬5). • المراد بالمسألة: بيان أن للمسلم حال الحرب، حينما لا يتمكن من أداء الصلاة على الوجه التام، أن يصلي الصلاة وفق الصفة الواردة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في مثل هذا الموطن، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو العباس المنصوري (نحو 350 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن للمرء أن يقصر إذا خاف من العدو) نقله عنه ابن القطان الفاسي (¬6). والتميمي (350 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن من خاف من عسكر العدو أن يصلي صلاة الخوف، وإن اختلفوا في كيفية صلاته لذلك، إلا أبا يوسف فإنه قال في إحدى روايتين عنه: لا يجوز أن يصلي صلاة الخوف بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬7). ¬
وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على تأثير الخوف في كيفية الصلاة وصفتها دون ركعاتها بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] (¬1). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وأيضا فإن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أجمعوا على صلاة الخوف) (¬2). والموصلي (683 هـ) حيث يقول: (أن الصحابة صلوها بطبرستان وهم متوافرون من غير نكير من أحد منهم فكان إجماعا) (¬3). والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن صلاة الخوف ثابتة الحكم بعد موت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وحكي عن المزني أنه قال: هي منسوخة) (¬4). وابن مفلح (884 هـ) حيث يقول: (وأجمع الصحابة على فعلها) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] • ووجه الدلالة من الآية: أن صلاة الخوف ثابتة في حق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما ثبت في حقه ثبت في حق أمته ما لم يقم دليل على اختصاصه به (¬11). 2 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاها بأصحابه، فعن سهل بن أبي -رضي اللَّه عنه-: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى بأصحابه في الخوف فصفهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة ثم قام فلم ¬
يزل قائمًا حتى صلى الذين خلفهم ركعة، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم، فصلى بهم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلم" (¬1). 3 - وقال -صلى اللَّه عليه وسلم- "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬2). • وجه الدلالة: أن هذا عام في صلاة الخوف وغيرها، وقد أمر بالصلاة فلزم أتباعه. 4 - إجماع الصحابة على فعلها بعد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3)، وقد نقل إجماع الصحابة غير واحد من العلماء. قال في "المبدع": (وأجمع الصحابة على فعلها) (¬4)، وقال في "الاختيار": (إن الصحابة صلوها بعد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم ينكر أحد عليهم فكان إجماعًا) (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة أبو يوسف في إحدى الروايتين عنه، وحُكي عن المزني صاحب الشافعي فقالوا: لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بإمام واحد، وإنما تصلى بعده بإمامين، يصلي واحد منهما بطائفة ركعتين، ثم يصلي الآخر بطائفة أخرى وهي الحارسة ركعتين أيضا، وتحرس التي قد صلت (¬6). فذهب أبو يوسف إلى أن صلاة الخوف مختصة بزمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، واحتج بأمرين: 1 - بدليل الخطاب المفهوم من قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} ومفهوم الخطاب أنه إذا لم يكن فيهم، فالخكم غير هذا الحكم. 2 - وبأن التغيير الذي يحدث في هذه الصلاة ينجبر بفعلها مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لينال كل فريق منهم فضيلة الصلاة خلفه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد ارتفع هذا المعنى بعده (¬7). وذهب المزني إلى القول بأن صلاة الخوف كانت مشروعة ثم نسخت. ¬
[56/ 35] قصر ركعات صلاة الخوف
واحتج بأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد فاتته صلوات يوم الخندق، ولو كانت صلاة الخوف جائزة لفعلها، ولم يُفوِّت الصلاة (¬1).Rصحة الإجماع وتحققه، وخلاف أبي يوسف والمزني لا يقدح فيه؛ لأنه خلاف شاذ (¬2)، وقع بعد انعقاد إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، قال الموصلي الحنفي في "الاختيار": (وجوابه أن الصحابة صلوها بطبرستان (¬3) وهم متوافرون من غير نكير من أحد منهم فكان إجماعًا) (¬4)، واللَّه تعالى أعلم. [56/ 35] قصر ركعات صلاة الخوف: • المراد بالمسألة: بيان أن عدد ركعات صلاة الخوف لا ينتقص بسبب الخوف، فيصلي الإمام بهم ركعتين، إن كانوا مسافرين وأرادوا قصر الصلاة، أو كانت الصلاة من ذوات ركعتين، كصلاة الفجر، أو الجمعة، ويصلي بهم ثلاثا أو أربعا إن كانت الصلاة من ذوات الثلاث أو الأربع وكانوا مقيمين، أو مسافرين أرادوا الإتمام، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو الحكم البلوطي (355 هـ) حيث يقول: (والعلماء مجتمعون أن من صلى صلاة الخوف ركعتين أنه قد أدى فرضه)، نقله عنه ابن القطان الفاسي (¬5). وابن القصار (398 هـ) حيث يقول: (وأعداد الركعات: أربع في الحضر، وركعتان في السفر للإمام والمأمومين، وهو مذهب جميع الفقهاء والصحابة -رضي اللَّه عنهم-)، نقله عنه ابن القطان الفاسي (¬6). والوزير ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أن صلاة الخوف في الحضر أربع ركعات غير مقصورة، وفي السفر ركعتان إذا كانت رباعية، وغير الرباعية على عددها لا يختلف حكمها حضرًا ولا سفرًا ولا خوفًا) (¬7). ¬
[57/ 36] مشروعية الدعاء على الكفار
والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أنها في الحضر أربع ركعات وفي السفر ركعتان) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك جمهور الفقهاء من: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال البغوي: (وذهب أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم إلى أن الخوف لا ينقص من العدد شيئا) (¬6). • مستند الإجماع: أن العبادة مبناها التوقُّف على الدليل، ولم يرد في الشرع ما يدل على قصر الصلاة في الخوف؛ فلذا لا يجوز قصر الصلاة إلا فيما ورد وهو السفر. • الخلاف في المسألة: ذهب ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- إلى أن صلاة الخوف ركعة لكل طائفة، وركعتان للإمام. وبه قال: جابر بن عبد اللَّه، وأبو هريرة، وأبو موسى الأشعري -رضي اللَّه عنهم-، والحسن البصري، وطاوس ومجاهد والضحاك وقتادة وإسحاق بن راهويه، وقيده بعضهم بكثرة الخوف (¬7)، وهو مذهب الظاهرية (¬8). واستدلوا بما ورد عن ابن عباس قال: "فرض اللَّه الصلاة على لسان نبيكم -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحضر أربعًا وفى السفر ركعتين وفى الخوف ركعة" (¬9).Rأن الإجماع غير متحقق على عدم القصر لمجرد الخوف؛ لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [57/ 36] مشروعية الدعاء على الكفار: • المراد بالمسألة: بيان أن الدعاء على الكفار مشروع، وعند لقاء العدو الحاجة ماسة إلى الدعاء واستنصار اللَّه على الأعداء، وقد نُقل الإجماع على ذلك. ¬
[58/ 37] جواز لبس الحرير للرجال للضرورة عند القتال
• من نقل الإجماع: القاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف في الدعاء على الكفرة" (¬1). وأبو العباس القرطبي (656 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف في جواز لعن الكفرة والدعاء عليهم)، نقله عنه الحافظ العراقي (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كان إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت: "اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف" (¬7). 2 - وعن عبد اللَّه بن مسعود قال: حبس المشركون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ اللَّه أجوافهم وقبورهم نارًا". أو قال: "حشا اللَّه أجوافهم وقبورهم نارًا" (¬8).Rأن الإجماع متحقق على مشروعية الدعاء على الكفار؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [58/ 37] جواز لبس الحرير للرجال للضرورة عند القتال: • المراد بالمسألة: بيان حكم لبس الحرير عند القتال للضرورة، بألَّا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح والوقاية، نُقل الإجماع على جواز اللبس للضرورة. ¬
• من نقل الإجماع: شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (لباس الحرير عند القتال للضرورة فيجوز باتفاق المسلمين وذلك بألَّا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح والوقاية) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: عدد من السلف (¬2) وهو قول المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وأبي يوسف من الحنفية (¬6). قال ابن الماجشون: (وقد أجازه غير واحدٍ من الصحابة والتابعين، قال: وإنما أُجيزَ لما فيه من المباهاة والإرهاب على العدو؛ لما يقي عند القتال من النَّبل وغيره من السلاح) (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن أنس، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رخَّصَ لعبد الرحمن بن عوف، والزبير -رضي اللَّه عنهما-، في قميص من حريرٍ من حكَّةٍ كانت بهما (¬8)، وفي رواية (¬9): فأرخص لهما في الحرير، فرأيته عليهما في غزاة. • وجه الدلالة: حيث قاسوا لبس الحرير في الحرب على الرُّخصةِ في حديث أنس في لبسه للحكة، بِعلَّةِ أنه يَدْفَعُ من ضرر الغزو، إما بالإرهاب، وإما بكونه من السِّلاح مما هو أشدُّ من ضرر الحكَّة (¬10). ¬
[59/ 37] قتيل المعركة من المسلمين شهيد
2 - قياسهم موطنَ الحرب للضرورة إلى المباهاة والإرهاب. 3 - ولأن فيه قوةً، ودفعًا للسهام ونحوها، كما قال عطاء في الديباج (¬1): (إنه في الحرب سلاح) (¬2). • الخلاف في المسألة: وذهب بعفن أهل العلم إلى عدم جواز لبس الحرير في الحرب وغيره. ومِمَّن منع من ذلك: عمر بن الخطاب (¬3)، ورُوي مثله عن عكرمة، وابن سيرين (¬4)، وهو مذهب الحنفية (¬5)، والمشهور عن مالك (¬6). وتمسكوا بعموم الحديث الوارد في تحريم الحرير على الرجال، وهو ما جاء عن أبي موسى الأشعري أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "حُرِّم لباسُ الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأُحِل لإناثهم" (¬7).Rأن الإجماع غير متحقق على جواز لبس الحرير للرجال في الحرب، لوجود الخلاف المعتبر بين العلماء، واللَّه تعالى أعلم. [59/ 37] قتيل المعركة من المسلمين شهيد: • تعريف الشهيد: الشهيد في اللغة: فَعِيل بمعنى مَفْعُول، سُمِّي به؛ لأنه مشهود له بالجنة بالنص، أو لأن الملائكة يشهدون موته إكرامًا له، أو بمعنى: فاعل؛ لأنه حي عند اللَّه تعالى حاضر، وجمعه: شهداء وأشهاد (¬8). ¬
• والشهيد في اصطلاح الفقهاء: من مات بسبب القتال مع الكفار وقت قيام القتال (¬1). • المراد بالمسألة: أن من وجد من المسلمين مقتولًا في أرض المعركة مع الكفار سواء قتله الكفار، أو قتله المسلمون خطأً، أو وطأته الدواب فإنه يُعد شهيدًا في الأحكام الدنيوية، فتجري عليه أحكام الشهيد فلا يُغسَّل، ولا يُكفن ولا يُصلَّى عليه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الغزالي (505 هـ) حيث يقول: (والشهيد من مات بسبب القتال مع الكفار في وقت قيام القتال. . ولا خلاف أن من أصابه في القتال سلاح مسلم، أو وطأته دواب المسلمين فمات، فهو شهيد) (¬2). والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أن الشهيد وهو من مات في قتال الكفار لا يُغسَّل) (¬3). والشوكاني (1255 هـ) حيث يقول: (فعند الشافعي أن المراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار، وخرج بقوله: (في المعركة) من جرح في المعركة وعاش بعد ذلك حياة مستقرة، وخرج بحرب الكفار من مات في قتال المسلمين كأهل البغي، وخرج بجميع ذلك من يسمى شهيدًا بسبب غير السبب المذكور، ولا خلاف أن من جمع هذه القيود شهيد) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). ¬
[60/ 39] شهيد المعركة لا يغسل
• مستند الإجماع: عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما تعدون الشهيد فيكم؟ " قالوا: يا رسول اللَّه، من قتل فى سبيل اللَّه فهو شهيد. قال: "إن شهداء أمتي إذا لقليل". قالوا: فمن هم يا رسول اللَّه؟ قال: "من قتل فى سبيل اللَّه فهو شهيد، ومن مات فى سبيل اللَّه فهو شهيد" (¬1). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث صراحةً على أن من قتل من المجاهدين في سبيل اللَّه فهو شهيد.Rأن الإجماع متحقق على أن المقتول من المسلمين في المعركة مع الكفار شهيد تجري عليه أحكام الشهداء في الدنيا، ويرجى له ثوابهم ومنازلهم في الآخرة، ولم يُخالف في هذا أحد فيما أعلم. [60/ 39] شهيد المعركة لا يُغسَّل: • المراد بالمسألة: بيان أن المسلم الذي يقتله المشركون في أرض المعركة لا يُغسَّل، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: البغوي (510 هـ) حيث يقول: (اتفق العلماء على أن الشهيد المقتول في معركة الكفار لا يغسل) (¬2). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وقد أجمعوا -إلا من شذ عنهم- بأن قتيل الكفار في المعترك إذا مات من وقته قبل أن يأكل ويشرب أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، فكان مستثنى من السنة المجتمع عليها بالسنة المجتمع عليها، ومن عداهم فحكمه الغسل والصلاة) (¬3)، وقال أيضًا: (ولا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول سعيد بن المسيب والحسن البصري في غسل الشهداء إلا عبيد اللَّه بن الحسن العنبري، وليس ما قالوه من ذلك بشيء) (¬4). والوزير ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أن الشهيد المقتول في المعركة لا يغسل) (¬5). ¬
وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (والشهيد إذا مات في موضعه لم يغسل ولم يصل عليه -يعني: إذا مات في المعترك فإنه لا يغسل- رواية واحدة، وهو قول أكثر أهل العلم، ولا نعلم فيه خلافًا إلا عن الحسن وسعيد بن المسيب قالا: يغسل؛ ما مات ميت إلا جنبًا، والاقتداء بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه في ترك غسلهم أولى) (¬1). والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أن الشهيد -وهو من مات في قتال الكفار- لا يُغسَّل) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية" (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يجمع بين الرجلين من قتلى أُحد في ثوب واحد ثم يقول: "أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟ "، فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال: "أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة"، وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصلَّ عليهم" (¬8). 2 - عن الزهري أن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- حدثهم: "أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم، ولم يصلَّ عليهم" (¬9). • وجه الدلالة: أن الحديثين صحيحان صريحان في أن شهداء أحد لم يغسلوا، ولا سيما أن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- كان حاضر المعركة، فهو يخبر بما رأى، وهكذا سائر الشهداء في ميدان المعركة مع العدو لا يغسلون. ¬
[61/ 40] شهيد العركة يكفن في ثيابه
• الخلاف في المسألة: ذهب الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وعبيد اللَّه بن الحسن العنبري إلى أنه يغسل (¬1). • وعللوا لقولهم بما يلي: 1 - أن الغسل سنة الموتى من بني آدم. 2 - أن غسل الميت تطهير له؛ فإن كل ميت يجنب، فلا بد من تغسيله حتى تجوز الصلاة عليه بعد غسله (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق على أن شهيد المعركة لا يُغسَّل؛ لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [61/ 40] شهيد العركة يُكفَّن في ثيابه: • المراد بالمسألة: بيان أن شهيد المعركة مع الكفار يُكفَّن في ثيابه التي قتل فيها، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (أما دفنه بثيابه فلا نعلم فيه خلافًا، وهو ثابت بقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ادفنوهم بثيابهم") (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: "رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات، فأدرج في ثيابه كما هو، قال: ونحن مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬9). 2 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد ¬
[62/ 41] شهيد المعركة لا يصلى عليه
والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم" (¬1). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديثان على مشروعية تكفين الشهداء بثيابهم ودفنهم فيها.Rأن الإجماع متحقق على مشروعية تكفين شهداء المعارك بثيابهم التي قتلوا وهم يرتدونها؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم (¬2). [62/ 41] شهيد المعركة لا يُصلَّى عليه: • المراد بالمسألة: بيان أن المجاهد إذا قتل في المعركة مع الكفار لا يُصلَّى عليه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وقد أجمعوا -إلا من شذ عنهم- بأن قتيل الكفار في المعترك إذا مات من وقته قبل أن يأكل ويشرب أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، فكان مستثنى من السنة المجتمع عليها بالسنة المجتمع عليها، ومن عداهم فحكمه الغسل والصلاة) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: المالكية (¬4)، والشافعية على الصحيح (¬5)، والحنابلة على أصح الروايات (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: "أيهم كثر أخذًا للقرآن؟ " فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال: "أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة"، وأمر بدفنهم في ¬
[63/ 42] تضمن القتلى من شهداء المسلمين من الكفار إذا أسلموا
دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم" (¬1). 2 - ولأنه لا يغسل مع إمكان غسله فلم يصل عليه كسائر من لم يغسل (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك: الحنفية (¬3)، وقول عند الشافعية (¬4)، ورواية عند الحنابلة (¬5). وقالوا: أنه يصلى عليه. واستدلوا بما يأتي: 1 - عن عقبة: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج يومًا فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر" (¬6). 2 - وعن ابن عباس: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى على قتلى أحد" (¬7).Rأن الإجماع غير متحقق على أن الشهيد في المعركة لا يُصلَّى عليه؛ لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [63/ 42] تضمن القتلى من شهداء المسلمين من الكفار إذا أسلموا: • المراد بالمسألة: بيان أن الكافر الحربي إذا قتل مسلمًا، ثم أسلم بعد ذلك، فإنه لا يُقتل ولا يُقتص منه، ولا ضمان عليه، لما أصاب من دماء قبل إسلامه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن بطال (449 هـ) حيث يقول: (قال أبو ثور: ولا أعلم خلافًا بين العلماء فى مشركين لو ظهر عليهم وقد قتلوا وأخذوا الأموال، فلما صاروا في أيدي المسلمين وهم على حالهم تلك أسلموا قبل أن يحكم عليهم بشيء أنهم لا يحل قتلهم) (¬8). والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (أما الكافر الحربي فلا خلاف في إسقاط ما فعله ¬
في حال كفره في دار الحرب) (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (¬6) [الأنفال: 38]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت الآية الكريمة أن الكافر إذا أسلم، يغفر له ما ارتكبه وأجرمه قبل الإِسلام. 2 - ولما تواتر من فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابة من بعده من عدم القصاص ممن أسلم؛ كوحشي قاتل حمزة (¬7). 3 - ولأن الكافر الحربي حال كفره غير ملتزم لأحكام الإِسلام، فلا يجب عليه القصاص، وإن كان مهدر الدم لكفره، وعلى ذلك فلو قتل حربي مسلمًا لم يقتل به قصاصًا، ويقتل لإهدار دمه، فإذا أسلم سقط القتل والقصاص. أما القتل فلإسلامه، وأما القصاص فلكونه لم يكن ملتزمًا أحكام الإِسلام حال قتله للمسلم. • الخلاف في المسألة: يرى بعض فقهاء الشافعية كأبي إسحاق الإسفراييني ويُعزى إلى المزني: أن الحربي إذا أسلم يلزمه ضمان النفوس والأموال. وعللوا قولهم: لأن الكافر مخاطب بفروع الشريعة (¬8).Rأن الإجماع غير متحقق على أن الكافر إذا أسلم لا يضمن ما قتل قبل ¬
[64/ 43] من أتى حدا من الغزاة: لا يقام عليه الحد في الغزو
إسلامه؛ لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [64/ 43] من أتى حدًّا من الغزاة: لا يُقام عليه الحد في الغزو: • المراد بالمسألة: إذا وقع المسلم المقاتل في ما يوجب حدًّا من الحدود أو القصاص، وهو في أرض الحرب، أو هم قد قاربوا العدو، فإنه لا يقام عليه الحد أو القصاص حتى يرجع إلى بلاد الإِسلام. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وجملته أن من أتى حدًّا من الغزاة أو ما يوجب قصاصًا في أرض الحرب لم يقم عليه حتى يقفل فيقام عليه حده. . . ولأنه إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-. . . وهذا اتفاق لم يظهر خلافه) (¬1). ونقله مقرًّا له ابن القيم (751 هـ) في "إعلام الموقعين" وقال: (بل لو ادعى أنه إجماع الصحابة كان أصوب) (¬2)، وابن مفلح (884 هـ) في "المبدع" وقال: (وهو إجماع الصحابة) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: إسحاق بن راهويه وفقهاء الحنابلة والأوزاعي في حد القطع (¬4). • مستند الإجماع: حديث بسر بن أرطاة، وفيه يقول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقطع الأيدي في الغزو". وفي لفظ آخر: "لا تقطع الأيدي في السفر" (¬5). • وجه الدلالة: أن الحديث ظاهر الدلالة في النهي عن إقامة حد القطع في الغزو، ويقاس عليه غيره من الحدود، كما فهم ذلك ابن القيم رحمه اللَّه فقال: (إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن تقطع الأيدي في الغزو؛ لئلا يكون ذريعة إلى إلحاق المحدود بالكفار، ولهذا لا تقام الحدود في الغزو كما تقدم) (¬6). 2 - بما روى عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه كتب إلى مسألة: "ألَّا يجلدَنَّ أميرَ جيشٍ ¬
أو سريةٍ ولا رجلًا من المسلمين حدًّا، وهو غازٍ، حتى يقطع الدرب قافلا؛ لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار" (¬1). وجه الدلالة من هذا الأثر على تأخير الحد حتى الرجوع إلى دار الإِسلام ظاهرة؛ لنهيه -رضي اللَّه عنه- عن إقامة الحد على الغزاة إلا إذا قطع الدرب راجعًا إلى دار الإِسلام، مبينًا -رضي اللَّه عنه- علة التأخير بقوله: لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار. 3 - وبما روى علقمة أنه قال: (كنا في جيش في أرض الروم ومعنا حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- وعلينا الوليد بن عقبة، فشرب الخمر فأردنا أن نحده، فقال حذيفة: أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعون فيكم) (¬2). 4 - روي أنه أُتي سعد بن أبي وقاص بأبي محجن يوم القادسية، وقد شرب الخمر فأمر به إلى القيد، ولم يضربه الحد (¬3). 5 - وقالوا: لا يقام الحد في دار الحرب خشية أن يلحق المحدود بدار الكفر، ويحمله الغضب على الدخول في الكفر (¬4). • الخلاف في المسألة: وفي المسألة قولان آخران أشار إليهما ابن هبيرة في قوله: (واختلفوا هل تثبت الحدود في دار الحرب على من وجدت منه أسبابها؟ . . . ثم اختلف موجبو الحد على من أتى سببه في دار الحرب في استيفائه. فقال مالك والشافعي: يستوفى في دار الحرب، وقال أحمد: لا يستوفى في دار الحرب حتى يرجع إلى دار الإِسلام. وقال أبو حنيفة: إن كان في دار الحرب إمام مع جيش من المسلمين أقام عليهم الحدود في عسكره قبل القفول، فإن كان أمير سريه لم يقم الحدود. .) (¬5). واستدل من قال باستيفاء الحدود في دار الحرب: بعموم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على وجوب إقامة الحدود على مرتكبيها من غير فرق بين مكان وزمان، ومن غير فرق بين دار إسلام وحرب (¬6). ¬
[65/ 44] إقامة الحدود في الثغور
واستدل الأحناف القائلين بأن الحدود لا تقام في دار الحرب إلا في حال وجود خليفة المسلمين دون أمير السرية ونحوه، وإلا سقط الحد بمجرد رجوعه لبلاد المسلمين. استدلوا: بالأحاديث التي سبقت ومنها: "لا تقام الحدود في الغزو" (¬1). ووجه استدلالهم: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن إقامة الحدود في دار الحرب، ولم يرد -صلى اللَّه عليه وسلم- حقيقة عدم الإقامة حسًّا؛ لأن كل واحد يعرف أنه لا يمكن إقامة الحد في دار الحرب لانقطاع ولاية الإمام عنها، فكان المراد بعدم الإقامة عدم وجوب الحد (¬2). ومما يجدر التنبه إليه: أن فقهاء الحنفية رحمهم اللَّه لا يعنون بقولهم هذا: أن المحظور قد أصبح حلالًا، كلا، بل الكلام منصبٌ فقط على توقيع العقوبة عليه أو عدم توقيعها. فهم يقولون: لا يؤخذ بذلك قضاءً؛ لانعدام الولاية على مكان ارتكاب الجريمة (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق؛ لوجود الخلاف المعتبر بين أصحاب المذاهب الفقهية، واللَّه تعالى أعلم. [65/ 44] إقامة الحدود في الثغور: • تعريف الثغور: الثغور: جمع ثغر، والثغر الموضع الذي يكون حدًا فاصلًا بين بلاد المسلمين والكفار، وهو موضع المخافة من أَطراف البلاد (¬4). • المراد بالمسألة: إذا وقع مسلم في موجب حد من الحدود، وهو في أحد ثغور المسلمين، فإنه يقام عليه الحد، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وتقام الحدود في الثغور، بغير خلاف نعلمه) (¬5). وحكاه بنحوه ابن مفلح (884 هـ) في المبدع (¬6). ¬
[66/ 45] تحريم الفرار من المعركة
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: "أن عمر كتب إلى أبي عبيدة -رضي اللَّه عنهما-: أن يجلد من شرب الخمر ثمانين، وهو بالشام، وهي من الثغور، بإزاء العدو" (¬5). • وجه الدلالة: أن هذا الأثر من الخليفة الراشد الفاروق دليل صريح على وجوب إقامة الحدود في الثغور. ولأن الثغور من بلاد الإِسلام، والحاجة داعية إلى زجر مرتكب موجب الحد من أهلها، كالحاجة إلى زجر غيرهم من أهل بقية بلاد الإِسلام.Rأن الإجماع متحقق على وجوب إقامة الحدود في الثغور؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [66/ 45] تحريم الفرار من المعركة: • المراد بالمسألة: إذا التقى جيش المسلمين مع جيش الكافرين، وكان الكفار مثلي المسلمين فأقل فإنه لا يجوز الفرار منهم، ولا التولي عنهم، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن الطائفة من المسلمين، أو الجيش منهم، إذا لقوا عدوًّا مثلهم أو أكثر منهم، وكان المسلمون مستعلين على المشركين: أن حرام عليهم أن يولوا عنهم) (¬6). وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أنه إذا التقى الزحفان وجب على المسلمين الحاضرين الثبات وحرم عليهم الانصراف والفرار إذ قد تعين عليهم، إلا أن يكون مُتَحرِّفا لقتال أو متحيزًا إلى فئة، أو يكون الواحد مع ثلاثة أو المائة مع ثلثمائة؛ فإنه أبيح لهم الفرار، ولهم الثبات لا سيما مع غلبة ظنهم بالظهور) (¬7)، وبمثل ألفاظه ¬
حكاه الدمشقي في "رحمة الأمة" (¬1). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأما معرفة العدد الذين لا يجوز الفرار عنهم فهم الضِّعْف وذلك مجمع عليه) (¬2). وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (فاتفق أهل العلم، ومن يعتد برأيهم، على أن الثبوت إذا كان المشركون ضعف المسلمين فأقل: واجب، والفرار عنهم حرام، أو معصية، وكبيرة من جملة الكبائر) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)} [الأنفال: 15]، وقوله جل ذكره: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت الأولى على تحريم الفرار من الزحف، ثم قيَّدت الآية الثانية هذا التحريم إذا لم يكن العدو أكثر من الضِّعْف، أما إذا كان أكثر من الضعف فيجوز (¬6). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول اللَّه، وما هن؟ قال -فذكر منهن- "والتولي يوم الزحف" (¬7). • وجه الدلالة: أن الحديث صريح في أن التولي والفرار عند التقاء الزحف كبيرة من كبائر الذنوب. 3 - ومن الأثر ما جاء عن ابن عباس أنه قال: "إن فر رجل من رجلين فقد فر، وإن فر من ثلاثة فلم يفر" (¬8). قال الجصاص: (يعني بقوله "فقد فر" الفرار من الزحف المراد بالآية) (¬9). ¬
• الخلاف في المسألة: وخالف بعض الفقهاء على أقوال منها: • القول الأول: ويروى عن الحسن والضحاك ومقاتل أن تحريم الفرار خاص لأهل بدر دون غيرهم. واحتجوا بقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16]، فظنوا: أن ذلك إشارة إلى يوم بدر. ويرى جماهير أهل العلم أن ذلك إشارة إلى يوم الزحف (¬1). • القول الثاني: ذهب الظاهرية إلى تحريم الفرار مطلقًا وإن أكثر الكفار. قال ابن حزم: (لا يحل للمسلم الفرار أمام المشركين، وإن كثروا، إلا أن ينوي التحيز إلى جماعة من المسلمين، إن رجا إدراك تلك الجماعة، قبل أن يلحقه الكفار، أو ينوي بانحرافه الكر لقتالهم، وإلا فهو عاص للَّه عز وجل) (¬2). واستند: إلى عموم آية النهي عن التولي عند الزحف، وإطلاق الوعيد كذلك على من ولَّى عمومًا، من أي عدد كان. • القول الثالث: ذهب الحنفية وبعض المالكية إلى أن العبرة بقدرة المسلمين على مقاومة العدو، فإن كانت القدرة متوفرة لم يجز لهم الفرار، ولا الانحياز مهما بلغ عدد المسلمين من القلة، وعدد الكفار من الكثرة. وإن بلغ المسلمون اثني عشر ألفًا لم يجز لهم الفرار مهما بلغ عدد الكفرة (¬3). • ومما استندوا إليه ما يأتي: 1 - أن العبرة بالضعف الجائز الفرار منهم القوة لا العدد. 2 - ما ورد عن ابن عباس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" (¬4). R 1 - أن الإجماع متحقق على أن الثبوت إذا كان المشركون ضعف المسلمين فأقل: واجب، والفرار عنهم حرام، أو معصية، وكبيرة من جملة الكبائر. وأما خلاف الحسن والضحاك فجوابه من وجهين: ¬
[67/ 46] إذا علم المسلمون أو غلب عليهم أنهم مقتولون وأنهم لا تأثير لهم في نكاية العدو، فلهم أن يفروا
أنه خلاف شاذ لا يقدح في الإجماع، كما نص على ذلك ابن العربي (¬1). أن الرواية عن الحسن والضحاك لا تفيد عدم وجوب الثبات في غير بدر، وإنما تفيد أن الفرار في غير بدر ليس من الكبائر (¬2)، وهذا يعني أنه حرام فقط، وما دام كذلك فيجب الثبات في غير بدر ويحرم الفرار فيلتقي مع رأي الجمهور فلا يقدح في الإجماع. 2 - أن الإجماع غير متحقق على تحديد الضعف بالعدد، حيث خالف الحنفية والمالكية وقالوا: العبرة بالقوة لا بالعدد، وأما ابن حزم: فيرى وجوب الثبات مهما كان العدد وإن زاد عدد المشركين على الضِّعْف، إلا أن ينوي بالفرار التحيز إلى فئة، أو الكرة إلى القتال. [67/ 46] إذا علم المسلمون أو غلب عليهم أنهم مقتولون وأنهم لا تأثير لهم في نكاية العدو، فلهم أن يفروا: • المراد بالمسألة: في حالة كون الكفار أكثر من ضعف المسلمين، وعلم المسلمون أو غلب على ظنهم أنهم هالكون، أو لا نكاية لهم في العدو، ولا مصلحة للمسلمين، فقد نقل في المسألة إجماعان: أحدهما: التخيير في الفرار وأنه لا يلزم، والآخر: يوجب الفرار. • من نقل الإجماع: العمراني (558 هـ) حيث يقول: (ومن تعيَّن عليه الجهاد وغلب على ظنه أنه إن لم يفر هلك، فلا خلاف أنه لا يلزمه الفرار؛ لأن التغرير بالنفس جائز في الجهاد) (¬3). وابن جزي (741 هـ) حيث يقول: (وإن علم المسلمون أنهم مقتولون فالانصراف أولى، وإن علموا مع ذلك أنهم لا تأثير لهم في نكاية العدو وجب الفرار، وقال أبو المعالي: لا خلاف في ذلك) (¬4). • أ - الموافقون للإجماع: الموافقون على التخيير بين الفرار أو الثبات: الحنفية (¬5)، ¬
[68/ 47] جواز خداع الكفار في الحرب والتمويه عليهم
وبعض المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • ب- الموافقون على وجوب الفرار: المالكية (¬4)، ووجه للشافعية (¬5). • مستند الإجماع: مستند القائلين بالتخيير بين الثبات والفرار: أن التغرير بالنفس وتعريضها للهلاك الجهاد طلبًا للفوز بالشهادة جائز. مستند القائلين بوجوب الفرار: أن فيه تغريرًا بالنفس لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. • الخلاف في المسألة: للإمام ابن حزم رأي بوجوب الثبات وأنه لا يحل لمسلم أن يفر عن مشرك ولا مشركين ولو أكثر عددهم، إلا أن ينوي التحيُّز إلى جماعة من المسلمين إن رجا البلوغ إليهم، أو أن ينوي الكر إلى القتال. فإن لم ينو إلا الفرار فهو فاسق ما لم يتب. مستندًا إلى عموم آية النهي عن التولي عند الزحف، وإطلاق الوعيد كذلك على من تولى عمومًا، من أي عدد كان (¬6).Rأن الإجماع غير متحقق لا على وجوب الفرار ولا على التخيير فيه، فيما لو علم المسلمون أو غلب على ظنهم أنهم مقتولون وأنهم لا تأثير لهم في نكاية العدو؛ لوجود الخلاف المعتبر الذي يخرق كلا الإجماعين، بالإضافة إلى وجود رأي قوي لابن حزم يوجب الثبات، ويحرم الفرار. واللَّه تعالى أعلم. [68/ 47] جواز خداع الكفار في الحرب والتمويه عليهم: • تعريف الخداع: الخداع مأخوذ من الخَدْعُ وهو: إظهار خلاف ما تُخْفيه (¬7). وقد ذكر الفقهاء أمثلة وصورًا للخداع في الحرب منها: ¬
أن يكلم من يبارزه بشيء وليس الأمر كما قال، ولكنه يضمر خلاف ما يظهر له. كما فعل علي -رضي اللَّه عنه- يوم الخندق حين بارزه عمرو بن ود، قال: أليس قد ضمنت لي ألَّا تستعين علي بغيرك؟ فمن هؤلاء الذين دعوتهم؟ فالتفت كالمستبعد لذلك، فضرب على ساقيه ضربة قطع رجليه (¬1). • والمراد بالمسألة: بيان أن خداع الكفار في الحرب جائز (¬2)، وكيف أمكن الخداع فلا بأس به، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي حيث (676 هـ) يقول: (واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب، وكيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل) (¬3). ولم أجد من حكى الإجماع في هذه المسألة غير النووي، إلا أن هناك جمعًا من العلماء نقلوا إجماع النووي في هذه المسألة دون أن يتعقبوه فكأنهم موافقون له، ومن هؤلاء: العراقي في كتابه "طرح التثريب" (¬4). وابن حجر في كتابه "فتح الباري" (¬5)، والشوكاني في كتابه "نيل الأوطار" (¬6). • مستند الإجماع: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الحرب خُدْعة (¬7) " (¬8). • وجه الدلالة: أن فيه دليلًا على أنه لا بأس للمجاهد أن يخادع قرنه في حالة القتال، وأن ذلك لا يكون غدرًا منه (¬9). ¬
[69/ 48] تحريم الغدر
قال أبو العباس القرطبي (656 هـ) رحمه اللَّه: (فأما إذا قلنا: لم يكن للعدو عهد فينبغي أن يُتحيل على العدو بكل حيلة وتدار عليهم كل خديعة) (¬1). 2 - عن كعب مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد غزوة ورى (¬2) بغيرها" (¬3). • وجه الدلالة: أن التورية جائزة في الحرب، وهي من الخديعة، فيدل هذا على جواز خداع الكفار في الحرب. إلا أن جواز خداع الكفار في الحرب مشروط بألا يكون فيه نقض عهد أو أمان، فإن كان فيه شيء من ذلك فهو محرم (¬4)، ومستند هذا: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وقوله جل وعلا: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4]، وقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا جمع اللَّه الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان" (¬5). • وجه الدلالة من النصوص السابقة: أن خداع الكفار إذا كان فيه نقض عهد أو أمان، فهو غدر وخيانة، وذلك محرم في الشريعة الإِسلامية.Rأن الإجماع متحقق على جواز خداع الكفار في الحرب ما لم يكن فيه نقض عهد أو أمان؛ فإنه يحرم، حيث لم أجد من خالف في هذه المسألة، وكذلك فإن هذا الإجماع له مستند قوي من النصوص الشرعية. واللَّه تعالى أعلم. [69/ 48] تحريم الغدر: • تعريف الغدر: الغدر لغة: نقض العهد وترك الوفاء به (¬6). ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي. ¬
• المراد بالمسألة: بيان أن من الغدر المحرم تأمين الحربي ثم قتله، أو أخذ العهد مع أهل الحرب على ترك القتال ثم إذا أمنوا، ووجد منهم غفلة نال منهم، وليس هذا من خداع الحرب بل هو من الغدر، وقد نُقل الإجماع على تحريمه. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال عقب حديث بريدة في تحريم الغلول والغدر والمثلة: (أجمع العلماء على القول بهذا الحديث ولم يختلفوا في شيء منه، فلا يجوز عندهم الغلول ولا الغدر ولا المثلة ولا قتل الأطفال في دار الحرب. والغدر أن يؤمن الحربي ثم يقتل وهذا لا يحل بإجماع) (¬1). وابن العربي (543 هـ) حيث يقول: (الغدر حرام في كل ملة لم تختلف فيه شريعة) (¬2). والقاضي عياض (656 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف في تحريم الغلول، والغدر، وكراهية المثلة) (¬3). وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (وأجمع المسلمون على وجوب الوفاء بعقد الأمان، وتحريم الخيانة فيه) (¬4). والنووي (676 هـ) حيث يقول -عند حديث "إذا أمَّر أميرًا على جيش": (وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها وهي تحريم الغدر. .) (¬5). والصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: (وتحريم الغدر والنكث مجمع عليه) (¬6)، وقال أيضًا: (وتحريم الغدر وتحريم المثلة وتحريم قتل صبيان المشركين وهذه محرمات بالإجماع) (¬7). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11). ¬
[70/ 49] جواز صبغ المجاهد شعره بالسواد
• مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت على وجوب الوفاء بالعهود عمومًا، وعليه فمن أعطى العهد بالأمان وترك الحرب، ثم حارب أو قاتل فإنه ناقض للعهد، متعرض للوعيد. 2 - عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا جمع اللَّه الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء (¬1)، فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان" (¬2). • وجه الدلالة: أنه صريح في النهي عن الغدر والخيانة، فمن أعطى الأمان ثم قتل فقد غدر.Rأن الإجماع متحقق على تحريم الغدر والخيانة في العهد؛ حيث لم يخالف في ذلك أحد، واللَّه تعالى أعلم. [70/ 49] جواز صبغ المجاهد شعره بالسواد: • المراد بالمسألة: بيان الرخصة في صبغ المجاهد لشعره بالسواد؛ لما فيه من إرهاب العدو، وإظهار المجاهد بقوة الشباب، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: برهان الدين المرغيناني (616 هـ) حيث يقول كما نقل عنه ابن عابدين: (قال في الذخيرة أما الخضاب بالسواد للغزو ليكون أهيب في عين العدو فهو محمود بالاتفاق) (¬3). ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: (ولهذا اختار النووي أن الصبغ بالسواد يكره كراهية تحريم. . . ويستثني من ذلك المجاهد اتفاقًا) (¬4). ¬
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬1)، والمالكية بل هو عندهم مندوب إليه في الجهاد (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن صهيب الخير قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد أرغب لنسائكم فيكم، وأهيب لكم في صدور عدوكم" (¬5). 2 - وعن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، "أنه كان يأمر بالخضاب بالسواد، ويقول: هو تسكين للزوجة وأهيب للعدو" (¬6). 3 - ولما فيه من إدخال الرهبة في نفوس الأعداء بإظهار الشباب وما ينطوي عليه من مظهر القوة (¬7). • الخلاف في المسألة: ذكر القاضي أبي يعلى في "الأحكام السلطانية" أن من العلماء من يمنع من الخضاب بالسواد في الجهاد وفي غير الجهاد (¬8). وحجتهم: عموم النهي عن الصبغ بالسواد، يشمل المجاهد وغيره، فعن جابر بن عبد اللَّه قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السَّواد" (¬9).Rأن الإجماع غير متحقق على جواز الصبغ بالسواد للمجاهد؛ لخلاف بعض فقهاء الحنابلة في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في أحكام الغنائم
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في أحكام الغنائم [71/ 1] الغنيمة المذكورة في القرآن الكريم هي ما كان مأخوذًا بطريق القهر: • تعريف الغنيمة: الغنيمة في اللغة: واحدة الغنائم مأخوذة من الغنم، وهو الفوز بالشيء من غير مشقة أو جهد (¬1). والغنيمة اصطلاحًا: هي ما أخذ المسلمون من أموال أهل الحرب عنوة، والحرب قائمة، بطريق القهر والغلبة (¬2). • المراد بالمسألة: بيان أن مفهوم الغنيمة التي ذكرها اللَّه في كتابه، وأوضح قسمتها، وحدد المستحقين لها هو: ما أخذ من الكفار بطريق الغلبة والقهر، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) حيث يقول: (واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: {غَنِمْتُمْ} من شيء: مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر) (¬3). والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (اتفق الأئمة على أن ما حصل في أيدي المسلمين من مال الكفار بإيجاف الخيل والركاب فهو غنيمة عينه وعروضه) (¬4). والسيوطي (880 هـ) حيث يقول: (اتفق الأئمة على أن ما حصل في أيدي المسلمين من مال الكفار بإيجاف الخيل والركاب فهو غنيمة عينه وعروضه) (¬5). • الموافقون للإجماع: قال به: سفيان الثوري وعطاء بن السائب (¬6)، وأصحاب ¬
[72/ 2] أن قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} [الأنفال: 41] نزل بعد قوله سبحانه: {قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1]
المذاهب الأربعة (¬1). • مستند الإجماع: عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من قتل قتيلًا فله كذا ومن أسر أسيرًا فله كذا وكذا"، وكانوا قتلوا سبعين وأسروا سبعين فجاء أبو اليسر ابن عمرو بأسيرين فقال: يا رسول اللَّه، إنك وعدتنا من قتل قتيلا فله كذا وقد جئت بأسيرين، فقام سعد فقال: يا رسول اللَّه، إنا لم يمنعنا زيادة في الأجر ولا جبن عن العدو، ولكنا قمنا هذا المقام خشية أن يعطف المشركون؛ فإنك إن تعطِ هؤلاء لا يبقَ لأصحابك شيء. قال: وجعل هؤلاء يقولون وهؤلاء يقولون، فنزلت {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)} [الأنفال: 1] فسلموا الغنيمة لرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم نزلت {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الآية (¬2). • وجه الدلالة: أن هذه الآية نزلت في الأموال التي ظفر بها المسلمون من المشركين يوم بدر، وإنما كان ذلك بطريق القهر والغلبة، كما لا يخفى.Rأن الإجماع متحقق على أن الغنيمة هي ما أخذ بطريق الغلبة من أهل الحرب؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [72/ 2] أن قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] نزل بعد قوله سبحانه: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]: • المراد بالمسألة: بيان أن الغنائم كانت في بدء الإِسلام لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصنع بها ما يشاء، كما قال تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ثم نسخ ذلك بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (لم يختلفوا أن قوله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} نزلت بعد قوله: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}) (¬3). ¬
ونقل القرطبي (671 هـ) إجماع ابن عبد البر السابق مقرًّا له حيث قال: (ومما يدل على صحة هذا. .) (¬1). • الموافقون للإجماع: هو قول ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، والشعبي، والسدي (¬2)، وعليه يجيء مذهب أكثر الفقهاء؛ لأن جمهورهم يقول: لا يجوز للإمام أن ينفل أحدًا من الغنمية شيئًا إلا من سهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن أربعة الأخماس قد صارت لمن شهد الحرب من الجيش. وهو قول جمهور المفسرين ومنهم ابن المنذر والقاضي عياض وابن العربي كما قال القرطبي (¬3). • مستند الإجماع: ما ورد في سبب نزول الآية: فعن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من قتل قتيلًا فله كذا ومن أسر أسيرًا فله كذا"، وكانوا قتلوا سبعين وأسروا سبعين، فجاء أبو اليسر بن عمرو بأسيرين فقال: يا رسول اللَّه، إنك وعدتنا من قتل قتيلًا فله كذا وقد جئت بأسيرين، فقام سعد فقال: يا رسول اللَّه، إنا لم يمنعنا زيادة في الأجر ولا جبن عن العدو، ولكنا قمنا هذا المقام خشية أن يعطف المشركون، فإنك إن تعطِ هؤلاء لا يبقَ لأصحابك شيء، قال: وجعل هؤلاء يقولون وهؤلاء يقولون فنزلت {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)} [الأنفال: 1]، فسلموا الغنيمة لرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم نزلت {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الآية (¬4). • وجه الدلالة: أن هذا الأثر صريح في أن نزول {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} جاء متأخرًا بعد نزول {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} حيث رتب ذلك بـ (ثم) والتي تفيد الترتيب، وهذا معنى النسخ. • الخلاف في المسألة: وقد قيل: إن الآية محكمة غير منسوخة، وأن الغنيمة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وليست مقسومة بين الغانمين وحكاه المازري عن كثير من المالكية. ¬
[73/ 3] نزول قوله تعالى: {يسألونك عن الأنفال} في تشاجر أهل بدر في غنائمهم
واحتجوا بفتح مكة وقصة حنين حيث لم تقسم الغنائم بين الغانمين وقد وقعا بعد بدر. قال أبو عبيد: افتتح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة عنوة، ومنَّ على أهلها فردها عليهم ولم يقسمها ولم يجعلها عليهم فيئًا. ورأى بعض الناس أن هذا جائز للأئمة بعده (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق على أن قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} نسخ بقوله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ}، لوجود الخلاف المعتبر. واللَّه تعالى أعلم. [73/ 3] نزول قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} في تشاجر أهل بدر في غنائمهم: • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وأجمع العلماء على أن قول اللَّه {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} نزلت في حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر) (¬2). ونقل القرطبي (671 هـ) إجماع ابن عبد البر السابق وقال: (ومما يدل على صحة هذا. .) (¬3). • الموافقون للإجماع: قال بذلك: ابن عباس، وعبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه-، وعكرمة (¬4). • مستند الإجماع: عن أبي أمامة قال: سألت عبادة عن الأنفال، فقال: فينا أصحاب بدر نزلت، حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه اللَّه من أيدينا، وجعله إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقسمه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين المسلمين (¬5). • الخلاف في المسألة: جكى المفسرون الخلاف في سبب نزول هذه الآية ومن هذه الأقوال ما يأتي: • القول الأول: نزلت هذه الآية لأن بعض أصحاب رسول اللَّه سأله من المغنم شيئًا قبل قسمتها فلم يعطه إياه، إذ كان شركًا بين الجيش، فجعل اللَّه جميع ذلك لرسول اللَّه. ¬
[74/ 4] هل النفل هو الغنيمة؟
وممن يروى عنه هذا القول: سعد بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، وأسيد بن مالك -رضي اللَّه عنهم- (¬1). • القول الثاني: نزلت لأن أصحاب رسول اللَّه سألوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدر فأعلمهم اللَّه أن ذلك للَّه ولرسوله دونهم ليس لهم فيه شيء. وممن يروى عنه هذا القول: ابن مسعود وأصحابه -رضي اللَّه عنهم- (¬2). وبعد أن ساق ابن جرير الخلاف السابق قال: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن اللَّه تعالى أخبر في هذه الآية عن قوم سألوا رسول اللَّه الأنفال أن يعطيهموها، فأخبرهم اللَّه أنها للَّه وأنه جعلها لرسوله. لماذا كان ذلك معناه جاز أن يكون نزولها كان من أجل اختلاف أصحاب رسول اللَّه فيها، وجائز أن يكون من أجل مسألة من سأله السيف الذي ذكرنا عن سعد أنه سأله إياه، وجائز أن يكون من أجل مسألة من مسألة قسم ذلك بين الجيش) (¬3). وبهذا يظهر أن الخلاف في ذلك هو من قبيل اختلاف التنوع المعروف في كتب التفسير، إذ إن مؤدى جميع الأقوال أن مكان وزمان النزول يوم بدر.Rأن الإجماع متحقق في نزول الآية حين معركة بدر، لعدم الخلاف المعتبر، وما ورد من أقوال فهو من قبيل اختلاف التنوع في تحديد السبب بعينه الذي نزلت من أجله الآية الكريمة، وهو لا يغير من الحكم الشرعي شيئًا. واللَّه أعلم. [74/ 4] هل النفل هو الغنيمة؟ • تعريف النفل: • النفل في اللغة: هو الغنيمة، ومنه قول الشاعر: إن تقوى ربنا خير نفل ... وبإذن اللَّه ريثي والعجل أي: خير غنيمة، ويقال: نفل الإِمام الجند إذا جعل لهم ما غنموا، وجماع معنى النفل ما كان زيادة على الأصل (¬4). • والنفل اصطلاحًا يطلق على أمرين: الأول: بمعنى الغنائم فقد سمى اللَّه عز وجل ¬
الغنائم التي أوجف عليها المسلمون بخيلهم وركابهم أنفالًا. قال اللَّه عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]. وسميت الغنائم أنفالاً؛ لأنها كانت حرامًا على من كان قبلنا، كانت تنزل نار فتحرقها، فأحلها اللَّه تعالى لهذه الأمة تفضلًا منه؛ ولذلك سماها أنفالاً؛ لأن أصل النافلة والنفل ما تطوع به المُعطي مما لا يجب عليه. والثاني: زيادة مال على سهم الغنيمة يشترطه الإِمام أو أمير الجيش لمن يقوم بما فيه نكاية زائدة على العدو. وكل ذلك من فضل اللَّه عز وجل فلذلك سميت أنفالًا (¬1). • المراد بالمسألة: بيان أن الأنفال بالمعنى الاصطلاحي الأول وهو الغنائم، هو المقصود في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (النفل الغنيمة والأنفال الغنائم، هذا ما لا خلاف فيه عند العلماء ولا أهل اللغة) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: علماء اللغة وعلى رأسهم الخليل وابن الأثير وغيرهما (¬3). • مستند الإجماع: أنه قول ترجمان القرآن ابن عباس؛ وهو قول غير واحد من التابعين أنها الغنائم. قال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: ({الْأَنْفَالِ} المغانم) (¬4). • الخلاف في المسألة: وقد نازع بعض أهل العلم في ذلك فقالوا: إن الأنفال في الآية ليست هي الغنائم، على قولين: • القول الأول: أن الأنفال شيء يزاده بعض الجيش على سهمه، وأن للإمام أن ينفل من شاء من الغنيمة إذا كان في ذلك مصلحة، وممن روي عنه هذ القول -أيضًا: ابن ¬
[75/ 5] تحديد وعاء الغنيمة في الأموال المنقولة التي يجوز بيعها
عباس، ورجحه ابن جرير والسرخسي (¬1). • وحجتهم: أن التنفيل في اللغة: الزيادة. قالوا: فهذا هو الذي يسمى نفلًا على الحقيقة؛ لأنها زيادات يزادها الرجل فوق سهمه من الغنيمة، ويتأيد هذا القول بحديث عبد اللَّه بن عمر: • "أن رسول اللَّه-صلى اللَّه عليه وسلم- بعث سرية فيها عبد اللَّه بن عمر قِبَلَ نجد، فغنموا إبلًا كثيرة، فكان سهمانهم اثني عشر بعيرًا -أو: أحد عشر بعيرًا- ونفلوا بعيرًا بعيرًا" (¬2). • ووجه الدلالة: أنه ذكر فيه التنفيل زيادة على القسم، فكان النفل شيئًا زائدًا على السهم من جملة الغنيمة. والقول الثاني: أن الأنفال هي الخمس خاصة؛ كان المهاجرون سألوا لمن هو؟ فأنزل اللَّه عز وجل في ذلك: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] وروي هذا القول عن مجاهد (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق على أن معنى الأنفال هو الغنائم في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] لوجود الخلاف المعتبر بين العلماء، واللَّه تعالى أعلم. [75/ 5] تحديد وعاء الغنيمة في الأموال المنقولة التي يجوز بيعها: • المراد بالمسألة: بيان أن الغنيمة تشمل جميع ما غنمه المسلمون من أموال أهل الحرب المنقولة التي يجوز بيعها، كالفضة والذهب والسلاح والآلة والعروض ¬
والأمتعة والخيل والسبي وغير ذلك، سوى الأرضين (¬1)، والأسلاب، وما يأخذه المجاهدون من طعامهم أو علف دوابهم، وقد نقل الإجماع على قسمة الأموال المنقولة بين الغانمين. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطبري (310 هـ) حيث يقول: (أجمعوا أن ما كان جائزًا بيعه، فجائز قسمه في المغانم) (¬2). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن أموال أهل الحرب كلها مقسومة، واختلفوا في أموال الرهبان والأرضين) (¬3). وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (اتفقوا على أن ما حصل في أيديهم من الغنيمة من جميع الأموال عينها وعروضها سوى الأراضي فإنه يؤخذ منه الخمس) (¬4). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (من صار منهم رقيقًا بضرب الرق عليه، أو فودي بمال فهو كسائر الغنيمة يخمس، ثم يقسم أربعة أخماسه بين الغانمين لا نعلم في هذا خلافًا) (¬5). وأبو العباس القرطبي (656 هـ) حيث يقول: (ولم يختلف العلماء أن أربعة أخماس الغنيمة تقسم بين الغانمين، وأعني بالغنيمة ما عدا الأرضين فإن فيها خلافًا يذكر إن شاء اللَّه. .) (¬6). والنووي (676 هـ) حيث يقول: (وفي هذه الأحاديث دليل لمذهب الشافعي وموافقيه أن الأرض التي تفتح عنوة تقسم بين الغانمين الذين افتتحوها، كما تقسم بينهم الغنيمة المنقولة بالإجماع) (¬7). ¬
وابن جماعة (733 هـ) حيث يقول: (إذا كسر جيش المسلمين جيش الكفار، أو فتح المسلمون بلدًا، أو حصنا عنوة، فذلك البلد وكل ما فيه من الأموال غنيمة مخمسة بلا خلاف، وكذلك كل ما أصابوه من أموالهم في المصاف، أو أخذوه بغلبة ومَنَعَةٍ في غير مصاف، غنيمة مخمسة مقسومة يجب تخميسها وقسمتها بلا خلاف) (¬1). والسيوطي (880 هـ) حيث يقول: (اتفق الأئمة على أن ما حصل في أيدي المسلمين من مال الكفار بإيجاف الخيل والركاب فهو غنيمة عينه وعروضه) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عموم قوله عز وجل {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41]، وقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69]. • وجه الدلالة: أن قوله سبحانه في الآية الأولى: {مِنْ شَيْءٍ}: نكرة في سياق الشرط فتعم جميع ما يغنمه المسلمون من أموال أهل الحرب. وكذا قوله تعالى في الآية الثانية: {مِمَّا غَنِمْتُمْ} فإن (ما) اسم موصول يفيد العموم. فكان عموم الآيتين يقتضي تخميس كل شيء استولي عليه من الكفار، وقسم سائره في الغانمين؛ إلا أن يخص شيئًا من ذلك دليل فيوقف عنده. 2 - وبعموم حديث جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي"، وذكر منها: "وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي" (¬8). 3 - "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قسم فداء أسرى بدر بين الغانمين" (¬9). • وجه الدلالة: أن الرقيق ومال الفداء مال غنمه المسلمون فأشبه باقي مال الغنيمة ¬
[76/ 6] المال المغنوم إذا كان ملكا لأحد من المسلمين قبل ذلك: فإنه يرد إلى صاحبه إذا عرف
مثل الخيل والسلاح ونحوها (¬1).Rأن الإجماع متحقق على أن جميع أموال أهل الحرب المنقولة مغنومة، إلا ما استثناه الشرع كالأسلاب ونحوها, لعدم المخالف المعتبر، واللَّه أعلم. [76/ 6] المال المغنوم إذا كان ملكًا لأحد من المسلمين قبل ذلك: فإنه يرد إلى صاحبه إذا عرف: • المراد بالمسألة: إذا غلب الكفار على شيء من أموال المسلمين، ثم غنمه المسلمون في جملة أموال الكفار، فإن عُلِم صاحبُهُ قبل القسمة رد له بلا شيء، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (إذا أخذ الكفار أموال المسلمين، ثم قهرهم المسلمون، فأخذوها منهم، فإن علم صاحبها قبل قسمها ردت إليه بغير شيء في قول عامة أهل العلم) (¬2). وشيخ الإِسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (وإذا كان المغنوم مالًا قد كان للمسلمين قبل ذلك من عقار، أو منقول وعرف صاحبه قبل القسمة، فإنه يرد إليه بإجماع المسلمين) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}. ¬
• وجه الدلالة: حيث دلت الآية الكريمة أن كل مال أخذ من مالكه على غير وجه الشرع، فإنه باطل ويجب أن يرد إلى صاحبه، ولا فرق بين أخذ الكفار له أو المسلمين. 2 - وعن عمران بن حصين قال: أسرت امرأة من الأنصار، وأصيبت العضباء، فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق، فأتت الإبل، فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه، حتى تنتهي إلى العضباء، فلم ترغ -قال: وهي ناقة منوقة- (¬1) فقعدت في عجزها، ثم زجرتها، فانطلقت، ونذروا بها فطلبوها، فأعجزتهم، قال: ونذرت للَّه: إن نجاها اللَّه عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس، فقالوا: العضباء: ناقة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إنها نذرت إن نجاها اللَّه عليها لتنحرنها، فأتوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكروا ذلك له، فقال: "سبحان اللَّه! بئس ما جزتها! نذرت للَّه إن نجاها اللَّه عليها لتنحرنها؟ ! ، لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك" (¬2). • وجه الدلالة: في هذا دليل على أن أهل الحرب لا يملكون علينا بالغلبة، ولو ملكوها لكانت المرأة قد ملكتها كسائر أموالهم، وكان يصح نذرها (¬3). 3 - وعن ابن عمر قال: "ذهب فرس له، فأخذه العدو، فظهر عليهم المسلمون، فرد عليه في زمان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبق عبد له، فلحق بالروم، فظهر عليه المسلمون، فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬4). 4 - وعن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "ما أصاب المشركون من مال المسلمين، ¬
[77/ 7] جواز إتلاف الغنيمة إن عجز عن حملها
ثم أصابه المسلمون بعد، فإن أصابه صاحبه قبل أن تجري عليه سهام المسلمين؛ فهو أحق به، وإن جرت عليه سهام المسلمين؛ فلا سبيل إليه إلا بالقيمة" (¬1). • الخلاف في المسألة: وخالف في ذلك الزهريّ وحكي عن عمرو بن دينار: إن ما حازه العدو من ذلك فقد ملكوه، فإذا استولى عليه المسلمون؛ كان غنيمة لمن استولى عليه، كسائر أموالهم، ولا حق في ذلك لصاحبه بحال (¬2).Rأن الإجماع متحقق على أن من وجد ماله الذي غلب عليه الكفار ثم غنمه المسلمون أنه لمالكه قبل أن تقسم الغنيمة، وخلاف الزهري وعمرو بن دينار شاذ، لمخالفته ظواهر نصوص الكتاب والسنة، واللَّه تعالى أعلم. [77/ 7] جواز إتلاف الغنيمة إن عجز عن حملها: • المراد بالمسألة: بيان أن المسلمين إذا عجزوا عن حمل شيء من متاع الكفار أو متاع المسلمين إلى بلاد الإِسلام جاز لهم إتلافه بالحرق -في غير الحيوان- وغيره؛ ليحصل للعدو النكاية وعدم الانتفاع به، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن المسلمين إن لحقهم أهل الكفر وبأيدي المسلمين من غنائمهم ما لا يقدرون على تخليصه أن لهم حرق الأثاث غير الحيوان) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120]. ¬
[78/ 8] ملكية الغنيمة تستقر بالقسمة الصحيحة
• وجه الدلالة: مما لا شك فيه أن إحراق أموال الكفار التي عجز المسلمون عن حملها إلى بلاد الإِسلام إغاظة لهم، ونحن مأمورون بفعل كل ما من شأنه إيغال قلوبهم، وكسر شوكتهم. 2 - قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ (2)} [الحشر: 2]. • وجه الدلالة: حيث وصف اللَّه تخريب اليهود بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين وصفًا يدل على رضاه جل وعلا عنه، فدل ذلك على جواز إتلاف أموال الكفار التي لم يمكن المسلمون الانتفاع بها. 3 - أن إتلاف أموال الأعداء فيه إغاظةٌ وكبتٌ لهم، وكسر لشوكتهم، فيكون مشروعًا، حيث لا يوجد ما ينهى عن ذلك شرعًا. 4 - وليحصل للعدو النكاية وعدم الانتفاع بهذه الأموال وحتى لا يَتَقَوُّون بها على قتال المسلمين (¬1). 5 - ولأنه لما جاز قتل النفوس -وهي أعظم حرمة من هذه الأموال المغنومة- لكسر شوكتهم، فما دونه من الإتلاف من باب أولى (¬2).Rأن الإجماع متحقق على جواز دك حصون العدو، وإتلاف أموالهم المستخدمة حال القتال، وما يعد قوة لهم، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [78/ 8] ملكية الغنيمة تستقر بالقسمة الصحيحة: • المراد بالمسألة: بيان ما تستقر به الغنيمة ملكًا للغانمين، فقد نقل الإجماع أن الغنائم لا يستقر ملك الغانمين لها إلا بعد القسمة الصحيحة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن الغنيمة تملك بالقسمة الصحيحة) (¬3). ¬
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2). • مستند الإجماع: عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في أسارى بدر: "لو كان المطعم بن عدي حيًا، ثم كلمني في هؤلاء النتنى (¬3) لتركتهم له" (¬4). • وجه الدلالة: حيث دل الحديث أن الغنائم لا يستقر ملك الغانمين عليها إلا بعد القسمة، ولو كان يستقر ملكهم بالأخذ لاستأذن -صلى اللَّه عليه وسلم- الغانمين، فلما لم يفعل دل أن ملكهم لم يستقر بعد. • الخلاف في المسألة: يرى الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6) أن الغنائم لا تملك إلا بالأخذ والاستيلاء. وحجتهم: أن الغنيمة مال مباح فتملك بالاستيلاء كسائر المباحات فتفيد الملك، كالاستيلاء على الحشيش والحطب، ولا شك أن المستولى عليه مال مباح, لأنه مال كافر محارب وهو مباح.Rأن الإجماع غير متحقق على أن الغنيمة تملك بالقسمة الصحيحة, لوجود الخلاف المعتبر بين أصحاب المذاهب المتبعة، واللَّه تعالى أعلم. هذا ويترتب على الخلاف في هذه المسألة عدة مسائل، منها: إذا مات أحد الغانمين بعد الاستيلاء وقبل القسمة. لا يورث نصيبه عند الحنفية والمالكية، ويورث على القول الثاني. أن المدد إذا لحق الجيش فأحرزوا الغنائم وحملوها مع الجيش إلى بلاد الإِسلام ¬
[79/ 9] جواز التصرف بالغنيمة قبل القبض، وبعد تعين الملك
فإنهم يشاركونهم عند الحنفية والمالكية، ولا يشاركونهم على القول الثاني. إذا أتلف أحد الغانمين شيئًا من الغنيمة، لا يضمن عند الحنفية والمالكية، ويضمن على القول الثاني (¬1). [79/ 9] جواز التصرف بالغنيمة قبل القبض، وبعد تعيُّن الملك: • المراد بالمسألة: بيان أن المجاهد إذا استقرت ملكيته لنصيبه من الغنيمة، وتعين ملكه فيه، فإن له التصرف به بالهبة أو البيع أو بغيره، ولو لم يقبضه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وأما ما ملك بإرث، أو وصية، أو غنيمة، وتعين ملكه فيه، فإنه يجوز له التصرف فيه بالبيع وغيره قبل قبضه؛ لأنه غير مضمون بعقد معاوضة، فهو كالمبيع المقبوض، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، ولا أعلم عن غيرهم خلافهم) (¬2). ابن رجب الحنبلي (795 هـ) حيث يقول: (فأما الملك بغير عقد كالميراث، والغنيمة، والاستحقاق من أموال الوقف أو الفيء للمتناولين منه كالمرتزقة في ديوان الجند، وأهل الوقف المستحقين له، فإذا ثبت لهم الملك وتعين مقداره، جاز لهم التصرف فيه قبل القبض بغير خلاف) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك في الجملة: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - ما روي أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شدد في الغلول في الغنيمة في بعض الغزوات، فقام عليه الصلاة والسلام إلى سنام بعير، وأخذ منه وبرة، ثم قال: "أما إني لا يحل لي من غنيمتكم ولو بمثل هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود ¬
[80/ 10] الموضع الذي تجب فيه قسمة الغنائم
فيكم، ردوا الخيط والمخيط، فإن الغلول عار وشنار على صاحبه إلى يوم القيامة"، فجاء أعرابي بكبة من شعر فقال: أخذتها لأصلح بها بردعة بعيري (¬1) يا رسول اللَّه. فقال: "أما نصيبي فهو لك" (¬2). 2 - لأن حق الغانمين مستقر في الغنيمة ولا علاقة لأحد معهم، ويد من هو في يده بمنزلة يد المودع ونحوه الأمناء. 3 - ويجوز التصرف بالغنيمة قبل قبضها للرفق بالجند، ولأن يد السلطان في الحفظ يد المفرز له.Rأن الإجماع متحقق على جواز التصرف بالغنيمة قبل القبض إذا استقر ملك الغانم لنصيبه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [80/ 10] الموضع الذي تجب فيه قسمة الغنائم: • قسمة الغنائم نوعان: قسمة حمل ونقل فهي: إن عزت الدواب، ولم يجد الإِمام حمولة يفرق الغنائم على الغزاة فيحمل كل رجل على قدر نصيبه إلى دار الإِسلام، ثم يستردها منهم فيقسمها قسمة ملك، وهذه القسمة جائزة بلا خلاف لأنها من باب الأمانات فلا نبحثها هنا. قسمة الملك وهي موضع النظر في هذه المسألة. • والمراد بالمسألة: إذا غنم المسلمون غنائم بدار الحرب، فإنه ينبغي تعجيل قسمتها متى أمكنهم ذلك، فلو تمكنوا من قسمته بدار الحرب جاز ذلك، وإن لم يتمكنوا إلا بالرجوع إلى دار الإِسلام فإنه يجب تعجيل قسمتها. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أنهم إذا صاروا بالغنائم بأرض الإِسلام فقد وجبت قسمتها) (¬3). ¬
وابن جماعة (733 هـ) حيث يقول: (والإجماع على وجوب ذلك (أي: قسمة الغنيمة) عند إمكانه، ولا يقسم ذلك مع قيام القتال ودوامه، كي لا يشتغل الناس به على القتال، وليتحقق الظفر بالعدو، واستقرار الملك في الغنائم، فإذا انقضى القتال وانجلى القتال قسمت) (¬1). والدمشقي (870 هـ) حيث يقول: (لكن الإِمام لو قسمها (أي: الغنائم) في دار الحرب نفذت القسمة بالاتفاق) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أنه ينبغي تعجيل القسمة متى أمكن؛ لأن مطل ذي الحق لحقه ظلم (¬7). 2 - وما ثبت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قسم غنائم حنين بالجعرانة (¬8). قال ابن عبد البر: (وفيه جواز قسمة الغنائم في دار الحرب لأن الجعرانة كانت يومئذ من دار الحرب) (¬9). 3 - ما روى أبو إسحاق الفزاري قال: قلت للأوزاعي: هل قسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا من الغنائم بالمدينة؟ قال: لا أعلمه، إنما كان الناس يتبعون غنائمهم ويقسمونها في أرض عدوهم، ولم يقفل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن غزاة قط أصاب فيها غنيمة إلا خمسه وقسمه من قبل أن يقفل، من ذلك غزوة بني المصطلق وهوازن وخيبر (¬10). 4 - ولأن كل دار صحت القسمة فيها جازت، كدار الإِسلام. ¬
[81/ 11] قسمة الغنيمة بأعيانها
5 - ولأن قسمتها بدار الحرب أنكى للأعداء، وأطيب لقلوب المجاهدين، وأحفظ للغنيمة، وأرفق بهم في التصرف لبلادهم (¬1). • الخلاف في المسألة: وخالف الحنفية فقالوا بعدم جواز قسمة الغنائم بدار الحرب، وإن قسمت أساء قاسمها، ونفذت قسمته (¬2). ما عدا محمد بن الحسن فقال: تكره القسمة، والأفضل أن تقسم بدار الإِسلام (¬3). • واستدلوا بما يأتي: 1 - أن الملك للغانمين لا يثبت قبل الإحراز بدار الإِسلام. 2 - حديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب (¬4). • وجه الدلالة: أن القسمة بمعنى البيع وهو لا يجوز في دار الحرب، فكذلك القسمة. 3 - ولإمكان كرة العدو، فلم يتم الاستيلاء وهو إثبات اليد الحافظة للغنيمة، فلا تقسم إلا في مكان يأمنون فيه ويكون الاستنقاذ فيه ظاهر وهو دار الإِسلام. 4 - أما مستندهم في نفاذ القسمة في دار الحرب إذا اجتهد في ذلك الإمام، فلأنها مسألة اجتهادية، فإذا حكم الإِمام فيها بما يوافق قول بعض المجتهدين، نفذ حكمه (¬5). R 1 - أن الإجماع غير متحقق في جواز قسمة الغنائم بدار الحرب إذا أمكن ذلك، لخلاف الحنفية المعتبر. 2 - أن الإجماع متحقق على نفاذ القسمة إن حصلت بدار الحرب لاجتهاد الإِمام الموافق قول أحد المجتهدين، لعدم المخالف المعتبر في ذلك. [81/ 11] قسمة الغنيمة بأعيانها: • المراد بالمسألة: بيان أن الغنائم تقسم أعيانها على الغانمين، ولا تباع، فإن كانت ¬
أجناسًا مختلفة، قوم كل شيء منها على حدته، ثم عدلت بالقيمة. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (وتقسم الغنائم كما هي بالقيمة ولا تباع، لأنه لم يأت نص ببيعها. . . فصح أنه عليه السلام إنما قسم أعيان الغنيمة. . . وبهذا جاءت الآثار في حنين وبدر وغيرهما كقول علي. . . وكذلك بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول ابن عمر. . . وهو قول سعيد بن المسيب- وغيره. . . وجابر بن عبد اللَّه. . . ولا نعرف لهم مخالفًا من الصحابة أصلًا) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: سعيد بن المسيب (¬2)، ورواية لمالك (¬3). • مستند الإجماع: أنه كذلك روي في قسم الغنائم في مغازي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعلى ذلك جرى فعل الصحابة. 1 - فقد ثبت عن رافع بن خديج قال: "كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذي الحليفة، فأصاب الناسَ جوعٌ فأصابوا إبلًا وغنمًا. قال: وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أخريات القوم، فعجلوا فذبحوا ونصبوا القدور، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقدور فأكفئت، ثم قسم، فعدل عشرة من الغنم ببعير" (¬4). 2 - وقال سعيد بن المسيب: "كان الناس في الغزو إذا اقتسموا غنائمهم يعدلون البعير بعشر شياه" (¬5). 3 - وعن أبي سعيد الخدري قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شراء المغانم حتى تقسم" (¬6). ¬
• وجه الدلالة: حيث دل الحديث على أنه لا بد من قسمة أعيان المغانم على الغزاة، بدليل أنه لا يجوز لأحدهم بيع حصته من الغنيمة حتى تقسم ويستلمها. قال ابن القاسم (¬1): "ليس على هذا العمل، لكن تقسم الإبل على حدة، والغنم على حدة بالقيمة، وكذلك سائر العروض، يقسم كل جنس على حدته بالقيمة، ولا يقسم شيء منها بالسهم، ولا يجعل جزء من جنس بجزء من غيره، ذلك مكروه؛ لأنه لا يدري أين يقع سهمه"، فرأى ذلك من باب الغرر. • الخلاف في المسألة: في المسألة ثلاثة أقوال جميعها مروية عن الإِمام مالك (¬2). فبالإضافة إلى القول المحكي الإجماع عليه هناك قولان آخران: • القول الأول: أنها تباع، وتقسم الأثمان. • وحجتهم: ووجه من ذهب إلى بيع الغنائم، وقسم أثمانها، هو فيما أرى -واللَّه أعلم- فرارًا من تعذر العدل في قسم الأعيان؛ لاختلافها، وما يتقى من عدم التعادل فيها. • القول الثاني: أن ذلك مصروف إلى نظر الإِمام، فما رأى من ذلك أنه أفضل لأهل الجيش؛ فعله (¬3). • وحجتهم: أن ذلك إنما يكون للإمام؛ لأن له تقدير الأفضل للجيش، فوكل أمر ذلك إليه. فإن رأى الإِمام قسم الأعيان ممكنًا التعادل فيه، وغير متخوف الغرر؛ لإمكان ذلك في الغنيمة الحاضرة: قسم الأعيان، وإن خشي ذلك في قسم الأعيان، لاختلافها وتشتت أموال الغنيمة، باعها وقسم الأثمان. وهذا نظر سديد، ورأي رشيد، واللَّه أعلم.Rأن الإجماع غير متحقق على أن الغنائم تقسم عينًا ولا تباع، لوجود الخلاف المعتبر، والذي يظهر أنه راجع إلى نظر الإِمام وتقديره، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
[82/ 12] كيفية قسمة الغنيمة (تخميس الغنيمة، وجعل أربعة أخماسها للغانمين)
[82/ 12] كيفية قسمة الغنيمة (تخميس الغنيمة، وجعل أربعة أخماسها للغانمين): • تعريف القسمة: • القسمة هي: جعل النصيب الشائع معينًا (¬1). • المراد بالمسألة: أن الإِمام إذا أراد تقسيم الغنيمة فإنه يقوم بتخميس الغنيمة فيخرج الخمس لأربابها الذين قال اللَّه فيهم: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41]. ثم يوزع أربعة الأخماس على الغانمين. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وفي قول اللَّه عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}، دليل على أن أربعة أخماس الغنائم لأهلها الغانمين لها، والموجفين عليها الخيل والركاب والرجل؛ لأن اللَّه عز وجل لما أضاف الغنيمة بقوله: {غَنِمْتُمْ} وأخبر أن الخمس خارج عنهم لمن سمى في الآية؛ علم العلماء استدلالًا ونظرًا صحيحًا أن أربعة الأخماس المسكوت عنها لهم مقسومة بينهم وهذا ما لاخلاف فيه) (¬2). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (واتفق المسلمون على أن الغنيمة التي تؤخذ قسرًا من أيدي الروم ما عدا الأرضين أن خمسها للإمام وأربعة أخماسها للذين غنموها) (¬3). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (الغنيمة مخموسة ولا اختلاف في هذا بين أهل العلم بحمد اللَّه وقد نطق به الكتاب العزيز) (¬4)، وقال أيضًا: (أجمع أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين) (¬5). والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (وكذا أربعة الأخماس للغانمين إجماعًا على ما ذكره ابن المنذر وابن عبد البر والداودي والمازري أيضًا والقاضي عياض وابن العربي والأخبار بهذا المعنى متظاهرة) (¬6). وابن نجيم (970 هـ) حيث يقول: (يجب على الإِمام تقسيم الغنيمة ويخرج خمسها، ¬
وأربعة أخماسها للغانمين وعليه إجماع المسلمين) (¬1). وابن النحاس الدمشقي (814 هـ) حيث يقول: (اتفقوا على أن من حضر الواقعة بنية الجهاد وهو ذكر حر بالغ مسلم صحيح، استحق السهم سواء قاتل أو لم يقاتل) (¬2). ونقله: الحافظ ابن القطان عن القاضي أبي الحكم البلوطي، وحكاه الزيلعي، ومحمد بن عبد الوهاب، وصديق خان القنوجي (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41]. • وجه الدلالة: حيث يفهم منه أن أربعة أخماسها للغانمين لأنه سبحانه أضافها إليهم، ثم أخذ منها سهمًا لغيرهم فبقي سائرها لهم كقوله تعالى: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] (¬9). 2 - وقال عمر -رضي اللَّه عنه-: "الغنيمة لمن شهد الوقعة" (¬10).Rأن الإجماع متحقق على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[83/ 13] من له سهم في الغنيمة
[83/ 13] من له سهم في الغنيمة: • المراد بالمسألة: بيان أن المجاهد يستحق الغنيمة متى توفرت فيه ثلاثة أمور: • الأول: أن يكون المجاهد حين شهد المعركة ذكرًا حرًّا بالغًا مسلمًا. • الثاني: أن يكون المجاهد قد حضر المعركة بالفعل سواء قاتل أو لم يقاتل (¬1). • الثالث: أن يكون المجاهد قد حضر المعركة قاصدًا القتال. فمن توفرت فيه هذه الشروط فإنه يستحق أن يسهم له من الغنيمة. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو الحكم البلوطي (355 هـ) حيث يقول: (بإجماع العلماء أن أربعة الأخماس لمن شهد الوقعة من الرجال البالغين منهم) كما نقله عنه ابن القطان (¬2). والوزير ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أن أربعة أخماس الغنيمة يقسم على من شهد الوقعة إذا كان من أهل القتال) (¬3). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأما من له السهم من الغنيمة فإنهم اتفقوا على الذكران الأحرار البالغين) (¬4). وابن جزي الغرناطي (741 هـ) حيث يقول: (المسألة الثانية فيمن يقسم له؛ أما المسلم الحر الذكر البالغ فيسهم اتفاقًا. . .) (¬5). وابن النحاس الدمشقي (814 هـ) حيث يقول: (اتفقوا على أن من حضر الواقعة بنية الجهاد وهو ذكر حر بالغ مسلم صحيح، استحق السهم، سواء قاتل أو لم يقاتل) (¬6). ¬
والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (قوله: "وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال قاتل أو لم يقاتل" وهذا بلا نزاع بالجملة) (¬1). وابن المواق (897 هـ) حيث يقول: (لا خلاف أن من كملت فيه ست صفات استحق الغنيمة وهي: الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والذكورية والصحة) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: المستند في سهم الذكران الأحرار: هو ما كتبه ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما، لما سئل عن العبد والمرأة يحضران المغنم هل يقسم لهما؟ وعن قتل الولدان وعن اليتيم متى ينقطع عنه اليتم؟ وعن ذوي القربى من هم؟ فكتب: "إنك كتبت تسألني عن المرأة والعبد يحضران المغنم هل يقسم لهما شيء؟ وإنه ليس لهما شيء إلا أن يحذيا. . " (¬8). • ووجه الدلالة من الأثر: أن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما أخبر أن المرأة والعبد لا يسهم لهما وإنما يرضخ لهما، فدل على أن ضدهما وهم الرجال الأحرار لهم السهم من الغنيمة. • أما المستند في سهم البالغين: فحديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: "لما عرض على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فاستصغره، وعرض يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه" (¬9). • ووجه الدلالة من الحديث: أن الصبي ليس من أهل القتال، والغنيمة هي لأهل القتال، فدل على أن البالغين وهم أهل القتال لهم السهم من الغنيمة. ¬
[84/ 14] استحقاق السرايا الخارجة من الجيش الواحد من الغنيمة
• أما المستند في سهم المسلمين: فعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "استعان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيهود بني قينقاع، فرضخ لهم، ولم يسهم لهم" (¬1). • أما المستند فيمن حضر قاصدًا المعركة قاتل أو لم يقاتل: 1 - فعن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول اللَّه، الرجل يكون حامية القوم يكون سهمه وسهم غيره سواء؟ قال: "ثكلتك أمك ابن أم سعد، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ " (¬2). 2 - وأثر عمر أنه قال: "الغنيمة لمن شهد الوقعة" (¬3). 3 - ولأنه ليس كل الجيش يقاتل؛ لأن ذلك خلاف مصلحة الحرب؛ لأنه يحتاج إلى أن يكون بعضهم في الردء، وبعضهم يحفظون السواد، على حسب ما يحتاج إليه في الحرب. 4 - ومما يدل على اشتراط (قصد القتال) لاستحقاق الغنيمة، أن اللَّه -تعالى- أضاف الغنيمة إلى من غنمها، وملكها لهم بذلك دون من سواهم، فكان الحق في ذلك لمن عمل فغنم، دون من لم يتصف بذلك كالتاجر والأجير يشتغلان بالكسب والاحتراف فقط، فهذا لا خلاف ولا إشكال أنه لا حق له.Rأن الإجماع متحقق على أن من توفرت فيه تلك الشروط استحق من الغنيمة، لعدم المخالف المعتبر في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [84/ 14] استحقاق السرايا الخارجة من الجيش الواحد من الغنيمة: • المراد بالمسألة: بيان أن الجيش الخارج إلى بلاد العدو، والذي انفردت منه سرية أو سرايا لمصلحة ما، أن ما غنمت تلك السرية أو السرايا الخارجة من جملة الجيش، فهي والجيش سواء في القسم، فيجمع جميع ما غنموه، ثم يقسم بينهم جميعًا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن غنائم ¬
السرايا الخارجة من العسكر الواحد يضم بعضها إلى بعض ويقسم عليهم مع جميع أهل ذلك العسكر) (¬1) وقال أيضًا: (واتفقوا أن الجيش الواحد إذا كانوا بأعداد كثيرة وكان لكل طائفة منهم أمير، إذا كانوا مضمومين في جيش واحد أنهم كلهم شركاء فيما غنموا أو غنمت سراياهم) (¬2). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (لا يختلف العلماء أن السرية إذا أخرجت من العسكر فغنمت، أن أهل العسكر شركاؤهم فيها) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). وهو قول كثير من أهل العلم، قال ابن المنذر: (واختلفوا فيما تصيب السرايا، فقال كثير من أهل العلم: إذا خرج الإِمام أو القائد إلى بلاد العدو، فأقام بمكان وبعث سرية، أو سرايا في وجوه شتى، فأصابت السرايا مغنمًا أن ما أصابت بينها وبين العسكر، وكذلك لو أصاب العسكر شيئًا، شركهم من خرج في السرية لأن كل فريق منهم ردء لصاحبه، أو لأصحابه، ففي قول مالك، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي: ترد السرايا على العسكر، والعسكر على السرايا) (¬8). • مستند الإجماع: 1 - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المؤمنون تكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم (¬9) " (¬10). • وجه الدلالة: حيث دل الحديث على أن الإِمام أو أمير الجيش إذا بعث سرية وهو ¬
خارج إلى بلاد العدو، فإن غنموا شيئًا كان بينهم وبين الجيش عامة، لأنهم ردء لهم وفئة. وهذا معنى قوله: (ومتسريهم على قاعدهم) أي: بشرط كونه في الجيش (¬1). 2 - وعن ابن عمر قال: "بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في جيش قبل نجد، وانبعثت سرية من الجيش، فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرًا، اثني عشر بعيرًا، ونفل أهل السرية بعيرًا بعيرًا، فكانت سهمانهم ثلاثة عشر، ثلاثة عشر" (¬2). • وجه الدلالة: أن الحديث صريح في اشتراك الجيش مع السرية، مع أن من باشر الغنيمة هم أصحاب السرية، ثم إنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كافأهم نظير بلائهم بزيادة بعير علاوة على سهامهم عن سائر أفراد الجيش. 3 - ولأن كل فريق ردء لصاحبه، يلجأ إليه إذا حزبه أمر فيشترك كل فريق مع ما يغنمه صاحبه. • الخلاف في المسألة: وخالف بعض أهل العلم جمهور الفقهاء على قولين آخرين: • القول الأول: ذهب الحسن البصري إلى التفصيل فقال: إذا خرجت السرية بإذن الأمير، فما أصابوا من شيء خمَّسه الإِمام، وما بقي فهو لتلك السرية. وإذا خرجوا بغير إذنه خمَّسه الإمام، وكان ما بقي بين الجيش كلهم (¬3). • القول الثاني: وذهب إبراهيم النخعي إلى أن ذلك راجع إلى الإِمام فهو بالخيار: إن شاء خمَّسه، وإن شاء نفلهم كلهم (¬4). ولم أقف على ما استندوا إليه، فلعله اجتهاد منهما -رحمهما اللَّه.Rأن الإجماع غير متحقق على أن السرايا الخارجة من الجيش الواحد تشترك معه في الغنيمة، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
[84/ 14] السرية الخارجة من المدينة أو من القرية التي هي مسكنهم: لا يشاركهم أهل تلك المدينة أو القرية.
[84/ 14] السرية الخارجة من المدينة أو من القرية التي هي مسكنهم: لا يشاركهم أهل تلك المدينة أو القرية. • المراد بالمسألة: إذا خرجت سرية من حصن، أو قرية ونحوها إلى عدو أتاهم أو مر بهم، فغنمت السرية منهم، فإن أهل ذلك الحصين أو تلك القرية التي خرجت منها تلك السرية لا يشاركونهم فيما غنموا. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن العسكر والسرية الخارجين من المدينة أو من الحصن أو القرية أو البرج (¬1) أو الرباط لذي هو مسكنهم لا يشاركهم أهل ذلك الحصن أو المدينة أو القرية أو البرج أو الرباط في شيء مما غنموا، وسواء منهم كان المغيرون أو من غيرهم) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]. • وجه الدلالة: حيث دلت الآية الكريمة أن الغنيمة من حق الغانمين، بدليل خطاب اللَّه لهم بقوله: {غَنِمْتُمْ} فالغنيمة لهم دون غيرهم ممن لم يحضر الوقعة من أهل المدينة أو الحصين التي يسكنون فيها. 2 - عن طارق بن شهاب: أن عمر كتب إلى عمار "أن الغنيمة لمن شهد الوقعة" (¬7). 3 - ولأن أهل المدينة والقرية لم يحصل منهم سبب استحقاق الغنيمة، وهو دخول ¬
[85/ 15] عدم اشتراك الجيشين مختلفي الأمراء في غنيمة الآخر
دار الحرب لقصد القتال (¬1). • الخلاف في المسألة: يرى بعض الفقهاء كالأوزاعي وبعض المالكية (¬2) التفصيل في المسألة: إن كانت السرية الغانمة لم يقدروا على أن يغنموا إلا لمكان جملة المسلمين بالموضع، ولولا ذلك ما قدروا عليهم بانفرادهم، فالغنيمة لجميعهم كالسرية مع الجيش. وإن كان مثلهم لا يحتاجون في أمرهم والإقدام على أعدائهم إلى تقوية من في الحصن، كان ذلك لهم خاصة بعد الخمس، ولا يشركهم أهل الحصين أو القرية.Rبعد تأمل المسألة يمكن أن نتوصل للنتيجة التالية: إن لم يكن لأهل تلك المدينة أو الحصين أي دور في التقوية لتلك السرية، وإرهاب العدو، فإن الإجماع متحقق على عدم استحقاقهم لشيء من الغنيمة. أما إن كان له دور واضح في ظفر السرية وتقوية جانبهم، فإن الإجماع لم يتحقق على عدم استحقاقهم، لوجود من قال باستحقاقهم الشركة في الغنيمة مع تلك السرية، واللَّه تعالى أعلم. [85/ 15] عدم اشتراك الجيشين مختلفي الأمراء في غنيمة الآخر: • المراد بالمسألة: إذا بعث الإمام من بلاد الإسلام عدة سرايا أو جيوش إلى أماكن متباعدة ومتفرقة، وأمَّر على كل طائفة منها أميرًا، فأوغلت في بلاد الكفار، فإن ما غنمت كل سرية اختصت به، ولم تشركها باقي السرايا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن جيشين مختلفي الأمراء غير مضمومين لا يشتركان فيما غنما) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، ¬
[86/ 16] المساواة بين المجاهدين في الغنيمة
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]. • وجه الدلالة: حيث دلت الآية الكريمة أن الغنيمة من حق من باشرها، أو ساهم فيها، فيصدق ذلك على كل طائفة على حدة. 2 - أن كل سرية مستقلة ومنفردة عن الأخرى، وغير مرتبطة بها في عون أو غوث أو نجدة، فاستقلت بالغنيمة، أشبه ما لو خرجت وحدها.Rأن الإجماع متحقق على عدم استحقاق اشتراك الجيشين مختلفي الأمراء في غنيمة الجيش الآخر، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [86/ 16] المساواة بين المجاهدين في الغنيمة: • معنى التسوية في القسمة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (والعدل في القسمة: أن يقسم للراجل سهم وللفارس ذي الفرس العربي ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، هكذا قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عام خيبر. .) (¬2). • المراد بالمسألة: إذا منَّ اللَّه على المسلمين فظفروا وغنموا من الكفار، فإن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة بين من حضر الوقعة بالسوية، لا يجوز تفضيل بعض الغانمين على بعض في القسمة، إلا أن ينفل بعضهم نفلًا، وأما غير ذلك فلا. وعليه لا يفصّل شجاع على جبان، ولا من قاتل على من لم يقاتل، ولا من ساق مغنمًا على من لم يسق، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أنه لا يفضل في قسمة الغنيمة شجاع على جبان ولا من أبلى على من لم يبل، ولا من قاتل على من لم يقاتل. واختلفوا أيضًا أيفضلون في النظر والرضخ (¬3) أم لا؟ ) (¬4)، وقال أيضًا مؤكدًا ¬
[87/ 17] مقدار سهم الفارس
مبدأ المساواة بينهم: (واتفقوا أنه لا يفضل في القسمة من ساق مغنمًا قل أو أكثر على من لم يسق شيئًا واختلفوا في تنفيله) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]. • وجه الدلالة: حيث اقتضت الآية الكريمة أن يكون أربعة أخماس الغنيمة للغانمين؛ وذلك يوجب التسوية بينهم ما لم يرد نص بالتفضيل. 2 - ولأنهم اشتركوا في سبب استحقاق الغنيمة على سبيل التسوية، فيجب التسوية بينهم كسائر الشركاء.Rأن الإجماع متحقق على وجوب التسوية بين الغانمين وألَّا يفضل بعضهم على بعض في القسم، ولم يخالف في ذلك أحد فيما أعلم. [87/ 17] مقدار سهم الفارس (¬6): • المراد بالمسألة: إذا غزا الرجل على فرس، فإنه يفضل في سهمه على الراجل، فيستحق من الغنيمة حال قسمتها ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه الذي غزا عليه. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الأوزاعي (157 هـ) حيث يقول: (أسهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للفرس سهمين، ولصاحبه سهمًا، وأخذ بذلك المسلمون بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى اليوم، لا يختلفون فيه) أسنده عنه الطبري (¬7). ¬
والطبري (310 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن الفارس يفصّل في الغنيمة على الراجل) (¬1). وابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أن للفرس سهمين وللراجل سهمًا وانفرد النعمان فقال: يسهم للفارس سهم) (¬2). والماوردي (450 هـ) حيث يقول: (لا اختلاف أن الفارس يفضل في الغنيمة على الراجل) (¬3). وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (أكثر أهل العلم على أن الغنيمة تقسم للفارس منها ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه. . . وهذا يدل على ثبوت سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا، وأنه أجمع عليه فلا يعول على ما خالفه) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: المالكية (¬5) والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8)، والثوري، وبه قال الأوزاعي، والليث، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وقاله صاحبا أبي حنيفة: أبو يوسف، ومحمد (¬9). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا" (¬10). قال ابن حجر رحمه اللَّه: فيصير للفارس ثلاثة أسهم (¬11). 2 - أن إعطاء الفارس ثلاثة أسهم عمل جرى عليه الصحابة -رضي اللَّه عنهم- بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال الترمذي: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم. . . ¬
[88/ 18] مقدار سهم الراجل
قالوا: للفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، وللراجل سهم) (¬1). 3 - ومن النظر: لأن الفارس أكثر مؤنة من الراجل فوجب أن يزاد له في السهام (¬2). • الخلاف في المسألة: يرى أبو حنيفة أن الفارس يعطى سهمًا وفرسه سهمًا فيكون للفارس سهمان (¬3). واستدل بحديث مجمع بن جارية الأنصاري "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قسم خيبر على أهل الحديبية (¬4) ثمانية عشر سهمًا، وكان الجيش ألفًا وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهمًا" (¬5). ونوقش هذا بأنه يحتمل أنه أعطى الفارس سهمين لفرسه، وأعطى الراجل سهمًا أي صاحب الفرس فيكون للفارس ثلاثة أسهم (¬6). ثم حديث ابن عمر أصح منه (¬7) قال ابن حزم: مجمع مجهول وأبوه كذلك (¬8).Rأن الإجماع متحقق على أن الفارس يفضل على الراجل، لعدم الخلاف في ذلك. وغير متحقق في إعطاء الفارس ثلاثة أسهم لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [88/ 18] مقدار سهم الراجل (¬9): • المراد بالمسألة: إذا غزا المقاتل راجلًا، فإنه يستحق من الغنيمة حال قسمتها سهمًا ¬
[89/ 19] سهم من غزا على غير الخيل
واحدًا لا غير. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أن للفرس سهمين وللراجل سهمًا) (¬1). وابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن راكب البغل والحمار والراجل متساوون في القتال، وأنه لا يزاد واحد منهم في القسمة على سهم واحد) (¬2). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (لا خلاف في أن للراجل سهمًا) (¬3). وحكاه أيضًا: ابن هبيرة (560 هـ) (¬4)، والمرداوي (885 هـ) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - ما سبق من الأدلة في مسألة سهم الفارس وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى الراجل سهمًا واحدًا (¬11). 2 - ولأن الراجل يحتاج إلى أقل مما يحتاج إليه الفارس فيكون سهمه أقل (¬12).Rأن الإجماع متحقق على أن للراجل سهمًا واحدًا، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [89/ 19] سهم من غزا على غير الخيل: • المراد بالمسألة: إذا غزا المقاتل راكبًا على فرس، فالراجح أنه يستحق ثلاثة ¬
أسهم، أما إذا غزا على ما عداهما من البغال والحمير والفيلة ونحوها، فإنه لا يسهم لهذه الدابة شيء وإنما يعتبر له سهم الراجل، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أن من غزا على بغل، أو حمار، أو بعير، أن له سهم راجل) (¬1). وابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن راكب البغل والحمار والراجل متساوون في القتال وأنه لا يزاد واحد منهم في القسمة على سهم واحد) (¬2). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (فصل: وما عدا الخيل والإبل من البغال والحمير والفيلة وغيرها, لا يسهم لها بغير خلاف، وإن عظم غناؤها وقامت مقام الخيل) (¬3). وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (ولم يختلف المسلمون أن راكب البغل والحمار كالراجل، لا يسهم لواحد منهم إلا سهم واحد، ولا اعتبار بما ركب) (¬4). والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (لا يسهم للبغال، ولا للحمير، بلا نزاع) (¬5). والشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: (والإسهام للدواب خاص بالأفراس دون غيرها من الحيوانات، قال في "البحر": مسألة ولا يسهم لغير الخيل من البهائم إجماعًا؛ إذ لا إرهاب في غيرها) (¬6). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والمذهب عند الحنابلة (¬10)، والظاهرية (¬11). ¬
• مستند الإجماع: 1 - لأنه لم ينقل عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أسهم لغير الخيل، وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيرًا, ولم تخل غزاة من غزواته من الإبل بل هي غالب دوابهم، وكذا أصحابه من بعده، فلم يعلم أنهم أسهموا لغير الخيل، ولو أسهم لها لنقل. 2 - ولأن غير الخيل لا يلحق بها في التأثير في الحرب، ولا يصلح للكر، والفر، اللذين تحصل بهما النصرة فلم يلحق بها في الإسهام. 3 - ولأنها مما لا تجوز المسابقة عليه بعوض، فلا يسهم لها كالبقر (¬1). • الخلاف في المسألة: اتفق الفقهاء على عدم الإسهام لسائر البهائم ما عدا الإبل؛ فقد وقع الخلاف في الإسهام لها. ويمكن أن نفصل القول في الإسهام لها فيما يأتي: • أولًا: اتفق الفقهاء بأنه لا يسهم للإبل كالفرس ثلاثة أسهم. قال ابن حزم (456 هـ): (واتفقوا أن راكب الجمل لا يسهم له ثلاثة أسهم) (¬2). وقال ابن المناصف (620 هـ): (اتفقوا أنه لا يسهم لراكب الجمل ثلاثة أسهم) (¬3). • ثانيًا: اختلف الفقهاء هل يسهم للإبل سهم واحد على قولين: • القول الأول: لا يسهم للإبل مطلقًا كسائر الدواب سوى الخيل، وهو مذهب جماهير أهل العلم، وقد حكي الإجماع عليه كما في النقول السابقة. • القول الثاني: أنه يسهم للبعير وصاحبه سهمان. سهم للبعير، وسهم لصاحبه، وهو رواية للحنابلة وحكي عن الحسن (¬4). • واحتجوا بما يأتي: 1 - قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]. 2 - أنه حيوان يجوز عقد المسابقة عليه، فجاز أن يسهم له من الغنيمة كالفرس، قالوا: ولا يلزم عليه البغل والحمار؛ لأنه لا تجوز المسابقة عليه. R 1 - أن الإجماع متحقق على أن ما عدا الخيل والإبل من الدواب لا ¬
[90/ 20] سهم الفرس إذا ماتت أو باعها بعد أن قاتل عليها الفارس حتى حيزت الغنائم
يسهم له؛ لعدم المخالف في ذلك. 3 - أن الإجماع غير متحقق على أن الابل لا يسهم لها؛ لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [90/ 20] سهم الفرس إذا ماتت أو باعها بعد أن قاتل عليها الفارس حتى حيزت الغنائم: • المراد بالمسألة: إذا غزا المجاهد على فرس، فمن اللَّه عليه فظفر وغنم، وبعد أن حيزت الغنائم مات فرسه الذي قاتل عليه، أو باعه، فإنه مع ذلك يستحق سهم فارس، وقد نقل الاجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن من قاتل على فرسه حتى أحرزت الغنيمة، ثم ماتت دابته، أو نفق فرسه، أن له سهم فارس) (¬1). وابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (أجمع أهل العلم على أن من قاتل على دابته حتى يغنم الناس، ويحوزوا المغانم، ثم تموت الدابة أن صاحبها مستحق لسهم فارس) (¬2). والسرخسي (483 هـ) حيث يقول: (وبالإجماع لا معتبر ببقاء الفرس إلى حال تمام الاستحقاق؛ لأنه لو نفق فرسه بعد القتال قبل إحراز الغنيمة بدار الإسلام استحق سهم الفرسان، فكان المعتبر حال انعقاد السبب ابتداء) (¬3). وابن عابدين (1252 هـ) حيث يقول: (ولو باعه بعد الفراغ من القتال، لم يسقط سهم الفارس بالاتفاق) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). ¬
[91/ 21] من استأجر فرسا ليغزو عليه، فالسهم للمستأجر
• مستند الإجماع: 1 - لأن الغنيمة لمن شهد الوقعة، وقد شهد الوقعة وهو فارس، ولأن سبب الاستحقاق الأخذ، وعند الأخذ هو فارس. 2 - ولأن معنى إرهاب العدو وقهره قد حصل به.Rأن الإجماع متحقق على أن الفارس إذا ماتت فرسه، أو باعها بعد أن قاتل عليها حتى حيزت الغنائم، أنه يسهم له سهم فارس، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [91/ 21] من استأجر فرسًا ليغزو عليه، فالسهم للمستأجر: • المراد بالمسألة: إذا استأجر المقاتل فرسًا قاصدًا الغزو عليها، فإن سهمي الفرس من استحقاق المستأجر المقاتل، وليست للمؤجِّر. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (ومن استأجر فرسًا ليغزو عليه فغزا عليه فسهم الفرس له، لا نعلم فيه خلافًا) (¬1). وأبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (فإن استأجر فرسًا للغزو، فغزا عليه فسهم الفرس له، لا نعلم فيه خلافًا) (¬2). والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (فسهم الفرس المستأجرة للمستأجر بلا نزاع) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - لعموم حديث: "للفارس ثلاثة أسهم" (¬8) حيث يصدق على ¬
[92/ 22] عدم الاستحقاق في الغنيمة لمن جاء بعد انقضاء القتال، وبعد إخراج الغنيمة من دار الحرب
مستأجر الفرس ليركبه أنه فارس، فيأخذ حكم المالك، ولا فرق. 2 - لأنه مستحق لنفعه استحقاقًا لازمًا فكان سهمه له كمالكه (¬1). 3 - ولأنه تصرف في قتال العدو تصرف الفارس بوجه صحيح على وفق الشرع، فوجب له سهمه.Rأن الإجماع متحقق على أن من استأجر فرسًا ليغزو عليه، أن سهمي الفرس من استحقاق المستأجر المقاتل، وليست للمؤجر، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [92/ 22] عدم الاستحقاق في الغنيمة لمن جاء بعد انقضاء القتال، وبعد إخراج الغنيمة من دار الحرب: • المراد بالمسألة: أن من لحق بجيش المسلمين بعد انقضاء القتال، وبعد إخراج الغنيمة وإحرازها من دار الحرب إلى بلاد الإسلام، أنه لا حق له في الغنيمة لفوات سبب الاستحقاق، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن من جاء بعد انقضاء القتال بثلاثة أيام كاملة (¬2)، وبعد إخراج الغنيمة والجيش من دار الحرب أنه لا يسهم له) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، . . . . ¬
[93/ 23] استحقاق النبي -صلى الله عليه وسلم- للخمس في حياته غاب عن القسمة أو حضرها
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41]. • وجه الدلالة: حيث جعل اللَّه الغنيمة من حق المجاهدين ممن قاتل بالفعل، أو كان حاضرًا، وهو من أهل القتال, لأن النصر يحصل بمجموع الطائفتين، فمن حضر بعد انقضاء القتال وحيازة الغنيمة لا تتوفر فيه هذه الصفات. 2 - وهذا ما جرى عليه الصحابة -رضي اللَّه عنهم-؛ فقد روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "الغنيمة لمن شهد الوقعة" (¬3). • وجه الدلالة: أن هؤلاء لم يحضروا الوقعة (الحرب)، ولم يحصل منهم قتال ولا معاونة عليه، فلا يستحقون شيئًا من الغنيمة. 3 - لأن حضور القتال ولو لم يقاتل، وحيازة الغنائم، بكل واحد منها يتم الملك، فينقطع حق المشاركة لمن فاته الأمران.Rأن الإجماع متحقق على أن من جاء بعد انقضاء القتال، وبعد إخراج الغنيمة من دار الحرب إلى بلاد الإسلام، لا يستحق سهمًا من الغنيمة، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [93/ 23] استحقاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للخمس في حياته غاب عن القسمة أو حضرها: • المراد بالمسألة: بيان أن من جملة ما خص اللَّه تعالى نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الخصائص في حياته (¬4): أن له خمس الخمس (¬5) من المغنم، سواء حضر القسمة، أو غاب عنها، وقد ¬
نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف عندهم في وجوب الخمس له غاب عن القسمة أو حضرها) (¬1). وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (اتفق أهل العلم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان مما خصه اللَّه -تعالى- به: خمس الخمس من المغنم) (¬2). وابن كثير (774 هـ) حيث يقول: (وكذلك كان له خمس خمس الغنيمة وأربعة أخماس الفيء كما هو مذهبنا لا خلاف في ذلك) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: فقهاء المالكية (¬4) والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6) ومن ألَّف من العلماء في الخصائص النبوية كابن الملقن (¬7) والسيوطي (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41]. • وجه الدلالة: أنه صريح الدلالة على تمليك اللَّه تعالى نبيه ومصطفاه -صلى اللَّه عليه وسلم- خمس الخمس من المغنم، وجاء هذا التمليك مطلقًا، سواء حضر الوقعة أم غاب عنها. 2 - عن عمرو بن عبسة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلَّا الخمس والخمس مردود فيكم" (¬9). • وجه الدلالة: أن الحديث صريح الدلالة في إباحة اللَّه لرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- الخمس من الغنائم. ثم إنه -صلى اللَّه عليه وسلم- رد ذلك لنفع ومصالح المسلمين من شراء السلاح وعدة القتال وغير ذلك، وهذا صنيع الغني الشاكر (¬10). ¬
[94/ 24] مصرف سهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من الغنيمة لم يسقط بعد موته
Rأن الإجماع متحقق على استحقاق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لخمس الخمس من المغانم في حياته، سواء غاب عن القسمة أم حضرها, لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [94/ 24] مصرف سهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الغنيمة لم يسقط بعد موته: • المراد بالمسألة: بيان أن سهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من خمس الغنيمة لم يسقط بعد موته، وأن الإِمام يضعه منه في المقاتلين (أهل الديوان)، وإعداد الْكُرَاعِ (الخيل والسلاح)، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (وأما مصرفه بعد موته فقد اتفق العلماء على أن يصرف منه أرزاق الجند المقاتلين الذين يقاتلون الكفار، فإن تقويتهم تذل الكفار) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق عل ذلك: المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن عمرو بن عبسة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس والخمس مردود فيكم" (¬5). • وجه الدلالة: حيث أخبر -صلى اللَّه عليه وسلم- أن سهمه مردود على الجماعة، وأولى من يرد عليه من تسبب فيه وهم المجاهدون في سبيل اللَّه. 2 - وروي عن الحسن بن محمد ابن الحنفية أنه قال: "اختلفوا في هذين السهمين -يعني سهم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وسهم ذي القربى- فأجمع رأيهم على أن يجعلوهما في الخيل والعدة في سبيل اللَّه، فكانا في خلافة أبي بكر وعمر في الخيل والعدة في سبيل اللَّه" (¬6). 3 - أنه لما كان هذا السهم في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له؛ لأن الرعب منه، والفزع منه، ¬
[95/ 25] وضع الإمام ثلاثة أخماس الخمس في اليتامى والمساكين وابن السبيل
وجب أن يكون بعده لمن الرعب منه، والفزع منه، والفزع إنما يكون بأهل الديوان. • الخلاف في المسألة: وللفقهاء في سهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد موته قولان آخران: • القول الأول: ذهب الحنفية إلى أنه سقط بموته ويرد على أنصباء الباقين من أهل الخمس لأنهم شركاؤه (¬1). • القول الثاني: وقال بعضهم: إن سهمه عليه الصلاة والسلام للخليفة بعده (¬2). واحتجوا بأن أبا بكر روى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (إذا أطعم اللَّه نبيًّا طعمة ثم قبضه، فهي للذي يقوم بها من بعده) (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق على أن مصرف سهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الغنيمة لم يسقط بعد موته، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [95/ 25] وضع الإمام ثلاثة أخماس الخمس في اليتامى والمساكين وابن السبيل: * تعريف اليتامى، والمساكين، وابن السبيل: اليتامى: جمع يتيم وهو مأخوذ من اليتم وهو: فقد الصبي أباه قبل البلوغ (¬4). والمساكين: وهم جمع المسكين وهو الذي لا شيء له. وقيل: هو الذي له بعض الشيء (¬5). وابن السبيل: هو الغريب المنقطع يدفع إليه قدر كفايته وإن كان غنيًّا ببلده (¬6). • المراد بالمسألة: إذا تقرر أن خمس الغنيمة للإمام وأربعة أخماسها للذين غنموها، فإن خمس الإمام مقسوم إلى عدة أسهم، وإن اختلف الفقهاء في تحديدها من بين قائل: هي ستة، أو قائل: هي خمسة، أو قائل: هي ثلاثة، إلا أن الجميع متفقون أن ثلاثة الأخماس منها موضوعة في اليتامى والمساكين وابن السبيل، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
[96/ 26] بنو العباس، وبنو أبي طالب من ذوي القربى مدة حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-
• من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أنه إن وضع ثلاثة أخماس الخمس في اليتامى والمساكين وابن السبيل فقد أصاب) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]. • وجه الدلالة: حيث نص اللَّه تعالى أن لليتامى، والمساكين، وابن السبيل حقًّا في الخمس من الغنيمة. فمتى أعطاهم الإمام فهو ممتثل لنص القرآن الكريم.Rأن الإجماع متحقق على مشروعية وضع الإمام ثلاثة أخماس الخمس في اليتامى والمساكين وابن السبيل، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [96/ 26] بنو العباس، وبنو أبي طالب من ذوي القربى مدة حياة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: • المراد بالمسألة: إن مما اتفق عليه أهل العلم استحقاق قرابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لخمس خمس الغنيمة في حياته عليه الصلاة والسلام، ولكنهم اختلفوا في تحديد هؤلاء القرابة. ما بين مضيق لهم في بني هاشم خاصة، وما بين موسع لتشمل قريشًا كلها. وعليه فإن بني العباس، وبني أبي طالب داخلين في سهم قرابته في قولهم جميعًا، لكونهما فصيلين (¬7) من بني هاشم، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (إلا أنهم اتفقوا أن بني العباس وبني أبي طالب من ذوي القربى مدة حياة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلنا: يا رسول اللَّه، أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد" (¬7). • وجه الدلالة: أن جبيرًا وعثمان -رضي اللَّه عنهما- اعترضا على أن بني المطلب يعطون وهم لا يعطون وهم بمنزلة واحدة، ولم ينكرا على إعطاء بني هاشم، فهذا دليل على أن بني هاشم لا نزاع فيهم، وقد كان رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يعطيهم، ومن بني هاشم: بنو العباس، وبنو أبي طالب، كما سبق بيانه.Rأن الإجماع متحقق على أن بني العباس، وبني أبي طالب من ذوي القربى مدة حياة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- الذين كانوا يعطون من خمس الخمس من الغنيمة، لعدم المخالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[97/ 27] سقوط الصفي من الغنيمة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-
[97/ 27] سقوط الصفي من الغنيمة بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: • تعريف الصفي: "الصفي": هو كل شيء يصطفيه رئيس الجيش من رأس الغنيمة لنفسه قبل القسمة من فرس، أو جارية، أو عبد، أو سيف، أو ما شاء، على حسب حال الغنيمة (¬1). • المراد بالمسألة: أن ما كان يصطفيه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الغنيمة قبل القسمة خاص به، قد سقط بموته، فليس لأحد بعده. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الإمام الشافعي (204 هـ) حيث يقول: (قال الشافعي: الأمر الذي لم يختلف فيه أحد من أهل العلم عندنا علمته ولم نزل نحفظ من قولهم أنه ليس لأحد ما كان لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من صفي الغنيمة) نقله عنه الإمام البيهقي (¬2). والطحاوي (321 هـ) حيث يقول: (قد أجمعوا أن سهم الصفي ليس لأحد بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن حكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك خلاف حكم الإمام من بعده) (¬3). والجصاص (370 هـ) حيث يقول: (ولم يختلف الفقهاء أن الصفي قد سقط بموته -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬4). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وأجمع العلماء على أن الصفي ليس لأحد بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أن أبا ثور حكي عنه ما يخالف هذا الإجماع) (¬5). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أن الصفي ليس لأحد من بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أبا ثور فإنه قال: يجري مجرى سهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬6). وابن عطية (541 هـ) حيث يقول: (وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مخصوصًا من الغنيمة بثلاثة أشياء، كان له خمس الخمس، وكان له سهم في سائر أربعة الأخماس، وكان له صفي يأخذه قبل القسمة دابة أو سيف أو جارية، ولا صفي لأحد بعده بإجماع، إلا ما قال أبو ثور من أن الصفي باق للإمام، وهو قول معدود في شواذ الأقوال) (¬7). ¬
ونقله أَيضًا: ابن قدامة، وابن مفلح الحنبلي، وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، والبهوتي، ومحمد بن عبد الوهاب، ومحمد عليش (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: ما ثبت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يختار من الغنيمة شيئًا منها؛ فعن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "كانت صفية من الصفي" (¬6). • ووجه الدلالة: إخبار عائشة بأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصطفي من الغنيمة، ولم يثبت عن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم اصطفاء شيءٍ من الغنيمة، فدل على اختصاصه -صلى اللَّه عليه وسلم- به؛ إذ لا يعقل تواطؤهم على ترك السنة (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك أبو ثور، وقال: للإمام أن يأخذه على نحو ما كان يأخذه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقد أشار ابن قدامة إلى قول أبي ثور وما تمسك به بقوله: (قال أحمد: الصفي إنما كان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصة لم يبق بعده، ولا نعلم مخالفًا لهذا إلا أبا ثور؛ فإنه قال: إن كان الصفي ثابتًا للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فللإمام أن يأخذه على نحو ما كان يأخذه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويجعله مجعل سهم النبي من خمس الخمس، فجمع بين الشك فيه في حياة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومخالفة الإجماع في إبقائه بعد موته. قال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا سبق أبا ثور إلى هذا القول) (¬8). ¬
[98/ 28] تحديد الغلول في الغنيمة
Rأن الإجماع متحقق على أن الصفي ليس لأحد من بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وخلاف أبي ثور شاذ مردود بإجماع من قبله ومن بعده، ثم لم أجد من قال بقول أبي ثور إلا الشوكاني في "نيل الأوطار" ورجح هو ثبوته للإمام (¬1). فكل هؤلاء محجوج بإجماع المسلمين من قبلهم ومن بعدهم. واللَّه تعالى أعلم. [98/ 28] تحديد الغلول في الغنيمة: • تعريف الغلول: • الغلول لغة: بضم المعجمة والسلام مصدر غَلَّ يَغُلُّ: وهو الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة. يقال: غَلَّ في المغنم يَغُلّ غُلُو لا فهو غَالٌّ. وكل من خان في شيء خفية فقد غل. وسميت غلولًا لأن الأيدي فيها مغلولة: أي ممنوعة مجعول فيها غل وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه (¬2). • والغلول في الاصطلاح: أخذ ما لم يبح الانتفاع به من الغنيمة قبل حوزها (¬3). وقوله: (ما لم يبح) احتراز مما أبيح فيها للضرورة فإنه ليس بغلول كالطعام ولا يحتاج إلى إذن الإمام. • المراد بالمسألة: بيان حقيقة الغلول وأن من أخذ من أهل الجيش أو السرية من المسلمين -أسيرًا كان أو غيره- شيئًا له ثمن أو بال، مما كان يملكه أهل الحرب -قل أو كثر مما عدا الطعام- فإن انفرد بملكه ولم يلقه في الغنائم، فإنه قد غل. وقد نقل الإجماع على ذلك (¬4). • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن من أخذ ¬
من أهل العسكر أو السوقة (¬1) من المسلمين شيئًا، قد تملكه أهل الحرب ليس طعامًا، سواء قل أو كثر، السلطان كان أو غيره، أنه قد غل إذا انفرد بملكه، ولم يلقه في الغنائم) (¬2). وابن جماعة الكناني (790 هـ) حيث يقول: (الغلول في الغنيمة: حرام باتفاق، وهو: أن يخفي عن الإمام أو نائبه شيئًا من الغنيمة، وإن قل، أو يخون في شيء منها) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قام في الناس -منصرفه من حنين- فقال: "أدوا الخائط والمخيط؛ فإن الغلول عار، ونار، وشنار على أهله يوم القيامة" (¬8). • وجه الدلالة: أن هذا نص في الخائط والمخيط -وهو الخيط والابرة- أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأدائه، وجعل له حكم الغلول المتوعد عليه بالنار، فكيف بما فوقه، لا شك أنه أولى بالحكم، وأولى بالاجتناب. 2 - عن رويفع بن ثابت الأنصاري، أن النبي-صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فلا يركب دابة من فيء المسلمين، حتى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فلا يلبس ثوبًا من فيء المسلمين، حتى إذا أخلقه رده فيه" (¬9). ¬
[99/ 29] تحريم الغلول في الغنيمة
• وجه الدلالة: أن الانتفاع بشيء من الغنيمة قبل القسمة بوجه غير مشروع، ثم رده أن ذلك محرم، وهو من الغلول، فإذا كان ذلك على سبيل الانتفاع فما كان على سبيل الأخذ والاستئثار به دون المسلمين أولى وأحرى.Rأن الإجماع متحقق على من أخذ شيئًا له ثمن أو بال، مما كان يملكه أهل الحرب -قل أو كثر مما عدا الطعام- فإن انفرد بملكه ولم يلقه في الغنائم، فإنه قد غل سلطان أو غيره؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [99/ 29] تحريم الغلول في الغنيمة: • المراد بالمسألة: بيان أن حكم الغلول حرام، بل كبيرة من كبائر الذنوب قليله وكثيره. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: (وأجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول، وأنه من الكبائر) (¬1). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (أجمع العلماء على القول بهذا الحديث، ولم يختلفوا في شيء منه، فلا يجوز عندهم الغلول ولا الغدر ولا المثلة. . . وهذا لا يحل بإجماع) (¬2). وابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن الغلول حرام) (¬3). والقاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: (وفي الحديث تعظيم أمر الغلول والعقوبة عليه، ولا خلاف أنه من الكبائر) (¬4). • الموافقون للإجماع: وقال بذلك الحنفية (¬5) والمالكية (¬6) والشافعية (¬7) والحنابلة (¬8) والظاهرية (¬9). ¬
[100/ 30] هل الحيوان يدخل في متاع الغال المأمور بتحريقه؟
• مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه عز وجل: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161]. قال ابن جرير الطبري رحمه اللَّه: (يعني بذلك تعالى ذكره: ومن يخن من غنائم المسلمين شيئًا، وفيئهم، وغير ذلك، يأت به يوم القيامة في المحشر) (¬1). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "قام فينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر الغلول فعظمه، وعظم أمره، قال: "لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، يقول: يا رسول اللَّه أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا؛ قد أبلغتك، وعلى رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول اللَّه أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا؟ قد أبلغتك، وعلى رقبته صامت فيقول: يا رسول اللَّه أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا؟ قد أبلغتك، أو على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول اللَّه أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا؟ قد أبلغتك" (¬2). 3 - عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- قال: "كان على ثقل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل يقال له كركرة، فمات، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هو في النار". فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلها" (¬3). • وجه الدلالة من النصوص السابقة: أن تعظيم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأمر الغلول، وترتب هذه العقوبة العظيمة عليه دليل على تغليظ الغلول، وأنه من الكبائر.Rأن الإجماع متحقق على تحريم الغلول، وأنه من الكبائر، ولم يخالف في ذلك أحد، واللَّه تعالى أعلم. [100/ 30] هل الحيوان يدخل في متاع الغال المأمور بتحريقه؟ • المراد بالمسألة: الغلول محرم بل هو كبيرة من كبائر الذنوب، فإن غل أحد الغانمين شيئًا. فقد قيل: إنه يحرق متاعه -على خلاف قوي في المسألة (¬4) - إلا أن يكون في ¬
[101/ 31] حكم الغال التائب قبل قسمة الغنائم
متاعه مصحف أو حيوان فإنه لا يحرق، وقد نقل الإجماع على ذلك: • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وأما المصحف. . . والحيوان لا يحرق. . . وهذا لا خلاف فيه) (¬1). وأبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (ولا يحرق المصحف لحرمته. . . وكذلك الحيوان لا يحرق. . . وهذا لا خلاف فيه) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك جميع من قال بتحريق متاع الغال وهم: الحنابلة (¬3) حيث إن تحريق متاع الغال من مفردات المذهب، والحسن البصري (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن صالح بن محمد بن زائدة قال: دخلت مع مسلمة أرض الروم فأتي برجل قد غل، فسأل سالمًا عنه، فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي-صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه". قال: فوجدنا في متاعه مصحفًا، فسأل سالمًا عنه، فقال: بعه وتصدق بثمنه (¬5). 2 - أن المصحف لا يحرق لقداسته وحرمته، والحيوان لحرمته في نفسه، ولكون التحريق تعذيب بالنار، وهو منهي عنه. 3 - ولأنه لا يدخل في اسم المتاع المأمور بتحريقه.Rأن الإجماع متحقق على عدم جواز تحريق مصحف وحيوان الغال، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [101/ 31] حكم الغال التائب قبل قسمة الغنائم: • المراد بالمسألة: إذا غل أحد المقاتلين شيئًا مما غنمه المسلمون -قل أو كثر- ثم ¬
تاب وندم قبل تقسيم الغنائم، فإنه يجب على الغال رد ما أخذه قبل أن يقتسموا ويتفرق الجيش، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن على الغال رد ما غل إلى صاحب المقسم إذا وجد السبيل إليه، ولم يفترق الناس) (¬1). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وأجمع العلماء على أن على الغال أن يرد ما غل إلى صاحب المقسم إن وجد السبيل إلى ذلك. . .) (¬2). والقاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: (وأجمع العلماء على أن على الغال رد ما أغل وأخذ في المقاسم ما لم يفترق الناس) (¬3). وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (إذا تاب الغال قبل القسمة، رد ما أخذه في المقسم بغير خلاف) (¬4). وأبو العباس القرطبي (656 هـ) حيث يقول: (وأجمع العلماء على أن على الغال أن يرد الغلول إلى المقاسم قبل أن يتفرق الناس) (¬5). والقرطبي (671 هـ) حيث يقول (أجمع العلماء على أن على الغال أن يرد جميع ما غل إلى صاحب المقاسم قبل أن يتفرق الناس إن وجد السبيل إلى ذلك) (¬6). والنووي (676 هـ) حيث يقول: (وأجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول، وأنه من الكبائر، وأجمعوا على أن عليه رد ما غله. . .) (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة قال: "خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم خيبر، فلم نغنم ذهبًا ولا فضة، إلا الأموال والثياب والمتاع، فأهدى رجل من بني الضبيب يقال له رفاعة بن زيد لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غلامًا يقال له مدعم، فوجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى وادي القرى، حتى إذا كان بوادي القرى، بينما مدعم يحط رحلًا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذا ¬
[102/ 32] الغال التائب بعد قسمة الغنائم، عليه أن يؤدي خمس ما غل للإمام
سهم عائر فقتله، فقال الناس هنيئا له الجنة. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا". فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال "شراك من نار أو شراكان من نار" (¬1). 2 - وعن عبد اللَّه بن عمرو قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أصاب غنيمة أمر بلالًا فنادى في الناس، فيجيئون بغنائمهم، فيخمسه، ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر. فقال: يا رسول اللَّه، هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة، فقال: "أسمعت بلالًا ينادي ثلاثًا؟ ". قال: نعم. قال: فما منعك أن تجيء به؟ ، فاعتذر إليه. فقال: "كن أنت تجيء به يوم القيامة، فلن أقبله عنك" (¬2). • وجه الدلالة من الحديثين: أن فيهما دلالة على وجوب رد ما غله، وكان ذلك قبل القسمة. 3 - أن من شروط قبول التوبة رد الحقوق إلى أهلها (¬3). 4 - أن ما أخذه الغال حق تعين رده إلى أهله، ولم يتعذر ذلك، فوجب رده إلى صاحب المقاسم قياسًا على المسروق.Rأن الإجماع متحقق على أنه يجب على الغال رد ما أخذه إلى صاحب المقسم قبل أبي يتفرق الناس؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [102/ 32] الغال التائب بعد قسمة الغنائم، عليه أن يؤدي خمس ما غلَّ للإمام: • المراد بالمسألة: إذا غَلَّ أحد أفراد الجيش شيئًا مما غنمه المسلمون، ثم تاب وندم بعد القسمة، وتفرق الناس، فإنه يؤدي خمس ما غل للإمام ليصرف في مصارفه ويتصدق بالباقي، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (فان تاب بعد القسمة فمقتضى المذهب أن يؤدي خمسه إلى الإمام ويتصدق بالباقي. . . ولنا قول من ذكرنا من الصحابة ومن بعدهم ولم نعرف لهم مخالفًا في عصرهم فيكون إجماعًا) (¬1). • الموافقون للإجماع: وهذا قول ابن مسعود ومعاوية -رضي اللَّه عنهما-، وهو قول مالك (¬2) وأَحمد (¬3) والأوزاعي والزهري (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن حوشب بن سيف قال: غزا الناس الروم، وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فغل رجل مائة دينار، فلما قسمت الغنيمة، وتفرق الناس، ندم، فأتى عبد الرحمن، فقال: قد غللت مائة دينار، فاقبضها. قال: قد تفرق الناس, فلن أقبضها منك حتى توافي اللَّه بها يوم القيامة. فأتى معاوية، فذكر ذلك له، فقال له مثل ذلك. فخرج وهو يبكي، فمر بعبد اللَّه بن الشاعر السكسكي، فقال: ما يبكيك؟ فأخبره، فقال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، أمطيعي أنت يا عبد اللَّه؟ قال: نعم. قال: فانطلق إلى معاوية فقل له: خذ مني خمسك، فأعطه عشرين دينارًا، وانظر إلى الثمانين الباقية، فتصدق بها عن ذلك الجيش، فإن اللَّه تعالى يعلم أسماءهم ومكانهم، وإن اللَّه يقبل التوبة عن عبادة. فقال معاوية: "أحسن واللَّه, لأن أكن أنا أفتيته بهذا أحب إلى من أن يكون لي مثل كل شيء امتلكت" (¬5). 2 - ولأن تركه تضييع له، وتعطيل لمنفعته التي خلق لها, ولا يتخفف به شيء من إثم الغال، وفي الصدقة نفع لمن يصل إليه من المساكين، وما يحصل من أجر الصدقة يصل إلى صاحبه، فيذهب به الإثم عن الغال، فيكون أولى (¬6). • الخلاف في المسألة: وللفقهاء في حكم الغال إذا تاب بعد القسمة وتفرق الجيش، قولان آخران: • القول الأول: أنه مخير بين ردها إلى الإمام -وهو أولى وأحسن- وبين إبقائه ¬
[103/ 33] عدم قطع الغال من الغنيمة قبل حيازتها، إذا كان له فيها حق
معه حتى يأتي مستحقه، وإذا انقطع طمعه في ذلك تصدق به بشرط الضمان إذا حضر المستحق. وهذا قول الحنفية (¬1). • القول الثاني: أنه يرد كل ما أخذه إلى الإمام كالأموال الضائعة؛ لأنه ليس له أن يتصرف بمال غيره، وهذا قول الشافعي (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق على أن الغال التائب بعد قسمة الغنائم يرد خمس ما غل إلى الإمام ويتصدق بالباقي، لوجود الخلاف المعتبر بين الفقهاء في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [103/ 33] عدم قطع الغال من الغنيمة قبل حيازتها، إذا كان له فيها حق: • المراد بالمسألة: إذا استبان أمر من غل نصابًا من الغنيمة قبل قسمتها وتوزيعها على الغانمين، وكان له حق (سهم) فيها، فإنه لا يقام عليه حد قطع السارق، ولا يعفيه ذلك من التعزير، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قاسم (1392 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أنه لا يقطع، إذا كان له فيها سهم) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، وبعض المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- "أن عبدًا من رقيق الخمس سرق من الخمس، فرفع ذلك إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يقطعه وقال: "مال اللَّه سرق بعضه بعضًا" (¬8). ¬
• وجه الدلالة: هذا الحديث يفيد أن سرقة العبد من مال الغنيمة لا تقطع فيها اليد؛ لأنه سرقة غير تامة لشبهة الملك فيها. 2 - عن القاسم بن عبد الرحمن قال: إن رجلًا سرق من بيت المال فكتب فيه سعد ابن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب، فكتب عمر إليه: "أن لا قطع عليه؛ لأن له فيه نصيبًا" (¬1). 3 - وأن علي بن أبي طالب أتى برجل قد سرق من الخمس مغفرًا، فلم يقطعه علي، وقال: "أن له فيه نصيبًا" (¬2). • وجه الدلالة: أن عدم القطع للغال قبل الحيازة قول صحابيين لا يعرف لهما مخالف من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-. 4 - ولأنه شريك في مشاع خان فيه، فسقط عنه القطع لموجب أسقطه، وهو شبهة الملك غير التام. • الخلاف في المسألة: يرى بعض المالكية (¬3)، والظاهرية، وأبو ثور (¬4) أنه يقطع كالسارق، واستدلوا بما يأتي: 1 - عموم قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]. • وجه الدلالة: أن الآية عامة لم تخص سارق من سارق، ولا سرقة دون سرقة. 2 - أنه سرق مالًا من حرز لا شبهة له في عينه كغير المغنم. ويمكن أن يقال: قياس غير المغنم على المغنم قياس مع الفارق؛ إذ المغنم له نصيب فيه بخلاف غيره.Rأن الإجماع غير متحقق على أن من غل من غنيمة له فيها حق أنه لا يقطع؛ لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[104/ 34] جواز التنفيل في الحرب
[104/ 34] جواز التنفيل في الحرب: • تعريف التنفيل: • التنفيل في اللغة: من النفَل بفتح الفاء. وهو الغنيمة: يقال: نفله أعطاه النفل، ونفله بالتخفيف نفلًا وأنفله إياه، ونفل الإمام الجند إذا جعل لهم ما غنموا، ونفل فلان على فلان فضله على غيره. • قال أهل اللغة: جماع معنى النفل والنافلة ما كان زيادة على الأصل (¬1). * والنفل في الاصطلاح: زيادة مال على سهم الغنيمة يشترطه الإمام أو أمير الجيش لمن يقوم بما فيه نكاية زائدة على العدو (¬2). • المراد بالمسألة: إذا رأى الإمام أو نائبه كأمير الجيش أو السرية مصلحة للمسلمين في عمل ما، أو رأي ما، فله أن ينفل ببذل جعل لمن يقدمه مثل: الدلالة على طريق، أو ماء، أو قلعة، أو حصن ونحوها، وكان بعد إصابة الغنائم (¬3). وقد نقل الإجماع على جواز ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أن للإمام أن يعطي من سدس الخمس من رأى إعطاءه صلاحًا للمسلمين) (¬4) وقال: (واتفقوا أن التنفيل المذكور ليس بواجب) (¬5). والسرخسي (483 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف أن التنفيل جائز قبل الإصابة، للتحريض على القتال) (¬6). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (اتفق العلماء على جواز تنفيل الإمام من ¬
الغنيمة) (¬1). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (فصل: ويجوز للإمام أو نائبه أن يبذلا جعلًا لمن يدله على مصلحة المسلمين، مثل طريق سهل أو ماء في مفازة أو قلعة يفتحها أو مال يأخذه أو عدو يغير عليه أو ثغرة يدخل منها, لا نعلم فيه خلافًا) (¬2). وأبو الفرج بن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (لا نعلم خلافًا في أنه يجوز للإمام ونائبه أن يبذل جعلًا لمن يدله على ما فيه مصلحة للمسلمين) (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72]. • وجه الدلالة: حيث إن هذه الآية الكريمة دليل على جواز بذل الجعل في الجملة، والتنفيل بمعناه. عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سرية (¬9) قبل نجد، فكنت فيها، فبلغت سهامنا اثني عشر بعيرًا ونفلنا بعيرًا بعيرًا فرجعنا بثلاثة عشر بعيرًا" (¬10). وعنه -رضي اللَّه عنه- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم سوى قسم عامة الجيش" (¬11). ¬
[105/ 35] مصدر التنفيل
أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبا بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- أستأجرا يوم الهجرة من يدلهما على الطريق وهو كافر (¬1). • وجه الدلالة: حيث استأجر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصاحبه -رضي اللَّه عنه- دليلًا يدلهما، وبذلا له أجرة الدلالة وهو كافر، فيجوز بذل الجعل للمسلم الذي يبلي بلاءً حسنًا في الجهاد من باب أولى. • الخلاف في المسألة: خالف عمرو بن شعيب، فخصَّ النفل بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دون من بعده، ولم يذكر له مستندًا فيما ذهب إليه (¬2). قال ابن حجر: (وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته) (¬3).Rأن الإجماع متحقق على جواز التنفيل، ولا عبرة بخلاف عمرو بن شعيب في تخصيص جوازه بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعدم الدليل، ومثل ذلك لا يقدح في سلامة الإجماع، واللَّه تعالى أعلم (¬4). [105/ 35] مصدر التنفيل: • المراد بالمسألة: بيان أن الزيادة والتنفيل الذي يعطاه من أبلى من المسلمين بلاء حسنًا إنما يكون ذلك من الخمس، وتبقى أربعة الأخماس موفورة للجيش، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حجر العسقلاني (852 هـ) حيث يقول: (وروى مالك أيضًا عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب قال: كان الناس يعطون النفل من الخمس. قلت (يعني ابن حجر): وظاهره اتفاق الصحابة على ذلك) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية إذا أحرزت الغنائم (¬6)، وهو قول ¬
المالكية (¬1)، والصحيح عند الشافعية (¬2). • مستند الإجماع: واستدلوا بما جاء عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سرية قبل نجد، فكنت فيها، فبلغت سهامنا اثني عشر بعيرًا ونفلنا بعيرًا بعيرًا فرجعنا بثلاثة عشر بعيرًا" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى كل منهم سهمه من الغنيمة ثم نفلهم من الخمس بعيرًا بعيرًا. • الخلاف في المسألة: اختلف الفقهاء رحمهم اللَّه تعالى في مصدر التنفيل على ثلاثة أقوال، أحدها: محل الإجماع المنقول سابقًا، والقولين الآخرين هما: • القول الأول: أن النفل من أربعة أخماس الغنيمة: وبهذا قال الحنفية قبل إحراز الغنائم (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6). قال ابن قدامة: (وهو قول أنس بن مالك وفقهاء الشام منهم: رجاء بن حيوة وعبادة ابن نسي وعدي بن عدي ومكحول والقاسم بن عبد الرحمن ويزيد بن أبي مالك ويحيى ابن جابر والأوزاعي، وبه قال إسحاق وأبو عبيد. وقال أبو عبيد: والناس اليوم على هذا) (¬7). واستدلوا بحديث عبادة وحبيب بن سلمة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نفل الربع والثلث بعد لخمس" (¬8). ¬
[106/ 36] حد التنفيل
• ووجه الدلالة: أن الربع والثلث لا يتصور إخراجها من الخمس (¬1)، فلزم أن يكون النفل من أربعة أخماس الغنيمة. • القول الثاني: أن النفل من أصل الغنيمة قبل أن تخمس. وبه قال: النخعي وأبو ثور (¬2). ولم يذكر له دليل.Rأن الإجماع غير متحقق على أن التنفيل يكون من الخمس؛ للخلاف المعتبر في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [106/ 36] حد التنفيل: • المراد بالمسألة: بيان أن المقدار الذي يمكن أن ينفله الإمام لمن أبلى في القتال، أو ظهر له نفع للمسلمين مقدر بألَّا يتجاوز الثلث مما ساقه من المغنم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أنه لا ينفل من ساق مغنما أكثر من ربعه في الدخول، ولا أكثر من ثلثه في الخروج) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: واستدلوا بما يأتي: 1 - عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان ينفل في البدأة (¬8) الربع، وفي القفول (¬9) الثلث" (¬10). ¬
[107/ 37] استعمال ثياب العدو وسلاحه ودوابه
2 - وعن حبيب بن مسلمة الفهري -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينفل الربع بعد الخمس، والثلث بعد الخمس إذا قفل" (¬1). • وجه الدلالة: أن نفل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- انتهى إلى الثلث فينبغي ألَّا يتجاوزه (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك الشافعية فقالوا: لا حد للتنفيل (¬3). ووجه هذا القول: ما روى ابن عمر أنه نفل نصف السدس (¬4)، وهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يجاوزه الإمام، ولكن راجع إلى اجتهاد الإمام، فله أن ينفل ما يراه مناسبًا ويجعله بقدر العمل وخطره.Rأن الإجماع غير متحقق على أنه لا يتجاوز بالنفل الثلث؛ للخلاف المعتبر. واللَّه أعلم. [107/ 37] استعمال ثياب العدو وسلاحه ودوابه: • المراد بالمسألة: أن استعمال المجاهد لثياب الأعداء وأخذه سلاحهم من الغنيمة قبل القسمة إذا احتاج إليه في قتال العدو ثم رده بعد القتال، جائز ولا بأس به. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: (ويجوز أن يركب دوابهم ويلبس ثيابهم ويستعمل سلاحهم في حال الحرب بالإجماع، ولا يفتقر إلى إذن الإمام. وشرط الأوزاعي إذنه وخالف الباقين) (¬5). وابن حجر: (852 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على جواز ركوب دوابهم ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم في حال الحرب، ورد ذلك بعد انقضاء الحرب) (¬6)، ونقله عنه ¬
الشوكاني أيضًا (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة في السلاح دون الثياب (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: "انتهيت إلى أبي جهل فوقع سيفه من يده فأخذته فضربته به حتى برد" (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينكر على ابن مسعود استخدام سلاح العدو في القتال، فدل ذلك على جواز استخدام سلاح العدو في القتال عند الحاجة. 2 - ولأن الحاجة إلى السلاح أعظم من الحاجة إلى الطعام، وضرر استعماله أقل من ضرر الأكل من الغنيمة لعدم زوال عين السلاح بالاستعمال (¬7). وبهذا يتقرر جواز أخذ السلاح من الغنيمة لقتال العدو عند الحاجة إلى ذلك فإن لم تكن هناك حاجة. فلا يجوز أخذه. • الخلاف في المسألة: يرى الحنابلة عدم جواز الانتفاع من الغنيمة بركوب دابة منها, ولا لبس ثوب من ثيابها (¬8). ويوافقون الجمهور في جواز استعمال سلاح الأعداء حال قتالهم عند الحاجة، كما سبق بيانه. • واستدلوا بما يأتي: عن رويفع بن ثابت قال: لا أقول لكم إلا ما سمعت من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول يوم خيبر: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يركب دابة من ¬
[108/ 38] استهلاك طعام العدو وعلفه في دار الحرب بغير إذن الإمام
فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يلبس ثوبًا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه" (¬1). ولأن الغنيمة مشتركة بين الغانمين وأهل الخمس فلم يجز لواحد الاختصاص بمنفعته كغيره من الأموال المشتركة. فإن دعت الحاجة إلى القتال بسلاحهم فلا بأس (¬2). ويمنع الركوب على دوابهم لأنها تتعرض للعطب غالبًا، خلاف السلاح (¬3).Rأن الإجماع متحقق على جواز استعمال سلاح الأعداء حال الحرب عند الحاجة؛ لعدم المخالف المعتبر في ذلك. وغير متحقق بالنسبة لثيابهم ودوابهم؛ لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [108/ 38] استهلاك طعام العدو وعلفه في دار الحرب بغير إذن الإمام: • المراد بالمسألة: إذا دخل الغزاة المسلمون دار الحرب جاز لهم أن يأكلوا ما يحتاجون إليه من الطعام وما يكون له حكم الطعام: من أعلاف الدواب، وما أشبه ذلك، ولو بغير إذن الإمام. وذلك بشرطين: أحدهما: الاقتصار بذلك على دار الحرب. • والثاني: أخذ قدر الحاجة هناك دون ما زاد. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن للغزاة أن يأكلوا طعام العدو وأن يعلفوا دوابهم أعلافهم) (¬4). وابن المنذر (318) حيث يقول: (أجمع عوام أهل العلم -إلَّا من شذ عنهم- على أن للقوم إذا دخلوا دار الحرب غزاة أن يأكلوا طعام العدو، وأن يعلفوا دوابهم من أعلافهم) (¬5). وأبو جعفر الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: (قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الآية. ظاهره: أن يكون الجميع غنيمة، إلا أنهم متفقون على إباحة ¬
أكل الأطعمة هناك، وإعلاف الدواب منها، فخص ذلك من الآية، وحكم العموم باق فيما عداها)، نقله عنه الجصاص (370 هـ) (¬1). والخطابي (388 هـ) حيث يقول: (لا أعلم خلافًا بين الفقهاء في أن الطعام لا يخمس في جملة ما يخمس من الغنيمة، وإن لواجده أكله ما دام الطعام في حد القلة وعلى قدر الحاجة وما دام صاحبه مقيمًا في دار الحرب) (¬2). والقاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: (أجمع العلماء على جواز أكل طعام الحربيين ما دام المسلمون في دار الحرب، فيأكلون منه قدر حاجاتهم، ويجوز بإذن الإمام وبغير إذنه، ولم يشترط أحد من العلماء استئذانه). نقله عنه النووي (676 هـ) (¬3). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (أجمع جمهور علماء المسلمين على إباحة أكل الطعام إذا كان للحربيين، ما دام المسلمون في أرض الحرب، يأخذون منه قدر حاجتهم) (¬4). وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (أجمع أهل العلم إلا من شذ منهم على أن للغزاة إذا دخلوا أرض الحرب أن يأكلوا مما وجدوا من الطعام ويعلفوا دوابهم من أعلافهم) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10)، وهو قول الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد (¬11): ¬
أنه لا بأس أن يؤكل الطعام والعلف في دار الحرب بغير إذن الإمام. • مستند الإجماع: عن ابن عمر قال: "كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب، فنأكله ولا نرفعه" (¬1). وعن عبد اللَّه بن مغفل، قال: "أصبت جرابًا من شحم يوم خيبر، قال: فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا قال: فالتفت فإذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متبسمًا" (¬2). عن محمد بن أبي مجالد، عن عبد اللَّه بن أبي أوفى، قال: قلت: هل كنتم تخمسون -يعني: الطعام- في عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -؟ فقال: "أصبنا طعامًا يوم خيبر، فكان الرجل يجيء ويأخذ منه مقدار ما يكفيه، ثم ينصرف" (¬3). • وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: حيث أقرهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أكلهم وانتفاعهم بما وجدوه في أرض الحرب، وعدم استئذانهم في ذلك. وعن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم خيبر: "كلوا واعلفوا ولا تحملوا" (¬4). • وجه الدلالة: فيه التصريح بالرخصة في الأكل وأعلاف الدواب، بشرط عدم الحمل، بمعنى أن الانتفاع محصور ما داموا بدار الحرب. ولأن الحاجة تدعو إلى هذا، وفي المنع منه مضرة بالجيش وبدوابهم، فإنه يعسر عليهم نقل الطعام والعلف من دار الإسلام، ولا يجدون بدار الحرب ما يشترونه، ولو وجدوه لم يجدوا ثمنه، ولا يمكن قسمة ما يأخذه الواحد منهم، ولو قسم لم يحصل ¬
[109/ 39] رد ما فضل وكان كثيرا من المال والطعام إلى الغنيمة
للواحد منهم شيء ينتفع به ولا يدفع به حاجته، فأباح اللَّه تعالى لهم ذلك (¬1). ولأن الحاجة تبيح مال المعصوم، فمال الكافر أولى (¬2). • الخلاف في المسألة: كان ابن شهاب لا يرى ذلك إلا بإذن الإمام (¬3)، وكذا ابن سيرين (¬4). قال ابن عبد البر: (لا أعلم أحدًا قاله غيره) (¬5). وقد صرح ابن حجر العسقلاني أن المسألة خلافية بقوله: (وهي مسألة خلاف، والجمهور على جواز أخذ الغانمين من القوت وما يصلح به وكل طعام يعتاد أكله عمومًا وكذلك علف الدواب، سواء كان قبل القسمة أو بعدها بإذن الإمام وبغير إذنه) (¬6). وذكر ابن رشد سبب الاختلاف في المسألة فقال: (والسبب في اختلافهم معارضة الآثار التي جاءت في تحريم الغلول للآثار الواردة في إباحة أكل الطعام. . . فمن خصص أحاديث تحريم الغلول بهذه أجاز أكل الطعام للغزاة، ومن رجح أحاديث تحريم الغلول على هذا لم يجز ذلك) (¬7).Rأن الإجماع غير متحقق على جواز أكل الطعام ونحوه من أعلاف الدواب؛ للخلاف المعتبر من الإمام الزهري. واللَّه تعالى أعلم. [109/ 39] رد ما فضل وكان كثيرًا من المال والطعام إلى الغنيمة: • المراد بالمسألة: إذا دخل المسلمون دار الحرب جاز لهم أن يأكلوا من الطعام وأن يعلفوا دوابهم بما يحتاجون إليه، فإذا أخذوا معهم منه شيئًا فأدخلوه بلاد الإسلام فإن كان كثيرًا فإنهم يردونه في الغنيمة. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (اتفقوا أن من أخذ من أهل العسكر أو السوقة من المسلمين شيئًا قد تملكه أهل الحرب -ليس طعامًا سواء قل أو ¬
كثر- السلطان كان أو غيره أنه قد غل إذا انفرد بملكه ولم يلقه في الغنائم) (¬1). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (مسألة: قال ومن فضل معه من الطعام، فأدخله البلد طرحه في مقسم تلك الغزاة في إحدى الروايتين) قال ابن قدامة: والأخرى: مباح له أكله إذا كان يسيرًا، أما الكثير فيجب رده بغير خلاف نعلمه) (¬2). وأبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (أما الكثير فيجب رده بغير خلاف علمناه) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ردوا الخيط والمخيط" (¬9). 2 - ما روي أن صاحب جيش الشام كتب إلى عمر -رضي اللَّه عنه-: "إنا أصبنا أرضًا كثيرة الطعام والعلف وكرهت أن أتقدم في شيء من ذلك، وكتب إليه عمر: "دع الناس يعلفون ويأكلون، فمن باع منهم شيئًا بذهب أو فضة، ففيه خمس اللَّه وسهام المسلمين" (¬10). 3 - قال عبد اللَّه بن أبي أوفى -رضي اللَّه عنه-: "أصبنا طعامًا يوم خيبر، فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف" (¬11). 4 - لأن الأصل تحريمه لكونه مشتركًا بين الغانمين كسائر المال، وإنما أبيح منه ما دعت الحاجة إليه، فما زاد فيبقى على أصل التحريم.Rأن الإجماع متحقق على وجوب رد ما فضل وكان كثيرًا من المال والطعام إلى الغنيمة ليقسم على الغزاة المستحقين له، ولم يخالف في ذلك أحد، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[110/ 40] استحقاق المجاهد لسلب من قتله، إذا شرط له الإمام ذلك
[110/ 40] استحقاق المجاهد لسلب من قتله، إذا شرط له الإمام ذلك: • تعريف السلب: • السلب في اللغة: مأخوذ من سَلَبَهُ الشيءَ يَسْلُبه سَلْبًا وسَلَبًا، وكل شيء على الإنسان من اللباس فهو سَلَب (¬1). • وفي الاصطلاح: وهو ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه مما يكون عليه ومعه من سلاح وثياب ودابة وغيرها (¬2). • المراد بالمسألة: إذا حث الإمام أو قائد جيش المسلمين المجاهدين في بداية الغزو على الاستبسال في القتال، وشرط لهم أن من قتل قتيلًا فله سلبه (¬3)، فإن القاتل يستحق هذا السلب دون غيره، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (الفصل الأول: أن القاتل يستحق السلب في الجملة، ولا نعلم فيه خلافًا) (¬4). والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (لم يختلف العلماء أن قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} ليس على عمومه، وأنه يدخله الخصوص، فمما خصصوه بإجماع أن قالوا: سلب المقتول لقاتله إذا نادى به الإمام، وكذلك الرقاب -أعني: الأسارى- الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، ¬
[111/ 41] عدم استحاق السلب لمن قتل صغيرا، أو شيخا هرما، أو أجهز على جريح مثخن
والحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: عن أبي قتادة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه" (¬3). • وجه الدلالة: دل الحديث صراحة على أن القاتل له الحق في سلب المقتول، ما دام له بينة على قتله، ولا سيما إذا انضم إلى ذلك شرط الإمام تحفيزًا لهم وتشجيعًا.Rأن الإجماع متحقق على استحقاق المجاهد سلب من قتله إذا شرط له الإمام ذلك؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [111/ 41] عدم استحاق السلب لمن قتل صغيرًا، أو شيخًا هرمًا، أو أجهز على جريح مثخن: • المراد بالمسألة: بيان أن المقتول الذي يأخذ قاتله سلبه، يشترط أن يكون من المقاتلين الذين يجوز قتلهم شرعًا، أما إذا قتل امرأة، أو صبيًّا، أو شيخًا فانيًا، أو مجنونًا، أو راهبًا منعزلًا في صومعته، أو نحوهم ممن ورد النهي عن قتلهم، فلا يستحق قاتله السلب ما لم يشترك في القتال. فإن اشترك أحد من هؤلاء في القتال استحق قاتله سلبه؛ لجواز قتله حينئذ. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (إجماع العلماء على أن لا سلب لمن قتل طفلًا, أو شيخًا هرمًا، أو أجهز على جريح) (¬4). وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (فأما إن قتل امرأة، أو صبيًّا، أو شيخًا فانيًا، أو ضعيفًا مهينًا ونحوهم، ممن لا يقاتل، لم يستحق سلبه، لا نعلم فيه خلافًا، وإن كان أحد هؤلاء يقاتل استحق قاتله سلبه؛ لأنه يجوز قتله) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، . . . . ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قالوا: إن السلب مخصص بمن أبيح قتله من الكفار، فلا يدخل في ذلك المرأة ولا الغلام إذا لم يقاتلا، والرهبان ونحوهم على مذهب من رأى النهي فيهم أيضًا، فأما إذا قاتل الغلام والمرأة، أو غيرهم ممن يلحقه بهم ملحق في النهي عن القتل؛ فقد استبيح قتله بالشرع، وخرج أن يكون ممن استثني من العموم، فوجب أن يكون الحكم في السلب لقاتلهم. 2 - أن تسويغ تمليك القاتل سلب المقتول وتخصيصه به دون الجيش: إنما هو لمكان العناء والجرأة في قتله، فحينئذ لا يدخل فيه هؤلاء الأصناف لضعفهم، وقلة المؤنة في قتلهم، فلا يكون السلب لقاتلهم على هذا الوجه (¬4).Rأن الإجماع متحقق على عدم استحاق السلب لمن قتل صغيرًا، أو امرأة ونحوهم ممن ليسوا بأهل للقتال، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في الأسرى والسبي، وعدد مسائله (18) مسألة
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في الأسرى والسبي، وعدد مسائله (18) مسألة تمهيد: في تعريف الأسرى والسبي: • أولًا: تعريف الأسرى: • الأسرى لغة: جمع أسير. والأسير: مأخوذ من الإسار، وهو القيد؛ لأنهم كانوا يشدونه بالقيد، فسمي كل أخيذ أسيرًا وإن لم يشد به. وكل محبوس في قيد أو سجن أسير (¬1). • وفي الاصطلاح: الرجال المقاتلون من الكفار، إذا ظفر المسلمون بهم أحياء (¬2). • ثانيًا: تعريف السبي: • السبي لغة: يقال سَبَى العدوَّ وغيرَه سَبْيًا وسِباءً إذا أَسَرَه، فالسبى أخذ الناس عبيدًا وإماءً (¬3). • والسبي في الاصطلاح: لا يكاد يخرج عن التعريف اللغوي. وقد ذكر بعض العلماء التفريق بين السبايا والأسرى؛ فالسَّبْيُ يطلق على النساء والصبيان خاصَّة الذين ظفر بهم المسلمون أحياء، ولا يقال ذلك للرجال؛ وإنما يُقال لهم: أسارى (¬4). [112/ 1] جواز الأسر: • المراد بالمسألة: بيان أنه يجوز أسر كفار أهل الحرب وهم: جميع من يقع في يد المسلمين من الأعداء من الرجال المقاتلة، والنساء، والذراري في الجملة، وقد نُقل ¬
الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (أجمع أهل العلم على جواز النكاية بالأسر في جميع الكفار عامًّا في الرجال والنساء والذرية، وعلى اختلاف أحوالهم ممن فيه أهلية القتال، أو به عجز عن ذلك؛ كالمرضى والزمنى وغيرهم، إلَّا خلافًا في الرهبان المنقطعين في الصوامع والديارات، وحيث ينفردون، فلا يكون منهم أذى بتدبير ولا غيره) (¬1) • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) والظاهرية في أهل الكتاب خاصة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمد: 4]. • وجه الدلالة: حيث أباح اللَّه تعالى بهذه الآية أسر الكفار إذا أثخناهم بالجراح وغيره، فدَّل ذلك على مشروعية الأسر (¬7). 2 - قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ} [التوبة: 5]. • وجه الدلالة: أن قوله: {وَخُذُوهُمْ} يعني الأسر. فدلَّ على جواز الإسار في الكفار (¬8). 3 - أن في أخذ الأسرى مصالح متعددة منها: كسر شوكة العدو، ودفع شره، وإبعاده عن ساحة القتال، والمنع من فاعليته وأذاه، وليمكن افتكاك أسرى المسلمين بهم (¬9). ¬
[113/ 2] جواز قتل الأسرى من الرجال
• الخلاف في المسألة: يرى الظاهرية أن الأسر لا يجري إلا على كفار أهل الكتاب خاصة، أما غيرهم فحكمهم الإسلام أو السيف (¬1). واحتجوا بعموم قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، ولم يخص اللَّه من ذلك أحدًا إلَّا أهل الكتاب بشرط إعطاء الجزية بقوله سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]. R 1 - أن الإجماع منعقد على مشروعية وجواز الأسر لأهل الكتاب من أهل الحرب، لعدم المخالف المعتبر. 2 - أن الإجماع غير متحقق على مشروعية الأسر للكفار سوى أهل الكتاب لخلاف الظاهرية في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [113/ 2] جواز قتل الأسرى من الرجال: • المراد بالمسألة: أن لإمام المسلمين الحق في قتل الأسرى من الكفار، إذا رأى في ذلك مصلحة، كأن يعلم أن في قتله وهنًا لقومه وتحطيمًا لمعنوياتهم، أو لشدة خطورته. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث يقول: (لا خلاف في جواز قتل أسرى العدو) (¬2). والجصاص (370 هـ) حيث يقول: (اتفق فقهاء الأمصار على جواز قتل الأسير، لا نعلم بينهم خلافًا فيه، وقد تواترت الأخبار عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في قتله الأسير) (¬3). والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (وكذلك الرقاب -أعنى الأسارى- الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف) (¬4). والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (اتفقوا على أن الإمام غير في الأسرى بين القتل ¬
والاسترقاق) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - لعموم قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} الآية [البقرة: 194]. فعموم هذه الآيات وأشباهها يقتضي القتل في كل مشرك سواء قبل الإسار وبعده. 2 - ولأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قتل جماعة من الأسرى يوم بدر منهم عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث وغيرهما (¬7). • الخلاف في المسألة: يرى الضَّحَّاك وجوب استحياء الأسرى، والمَنْعَ من قتلهم (¬8)، وروي عن ابن عمر وعطاء، والحسن كراهة قتلهم (¬9). ودليلهم قوله -تعالى-: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4]. • وجه الدلالة: حيث أمرنا بالقتال إلى غاية الأسر ثُم جعل الحكم بعد ذلك المن أو الفداء، ورأوا أن هذه الآية ناسخةً لعموم قوله -تعالى-: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] (¬10). ومن العجب أن الحسن بن محمد التيمي حكى إجماع الصحابة أن الإمام إذا ظفر ¬
بالحربيين استرقوا ولم يقتلوا، وأن الخلاف إنما جاء بعدهم (¬1). وعامة أهل العلم على جواز قتل الأسرى إن رأى الإمام مصلحة في ذلك. يقول الإمام الترمذي (279 هـ): (وَالْعَمَلُ على هذا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ من أَصْحَابِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وَغَيْرِهِمْ أَنَ لِلإمَامِ أَنْ يَمُنَ على من شَاءَ من الْأُسَارَى وَيَقْتُلَ من شَاءَ منهم وَيَفْدِي من شَاءَ، وَاخْتَارَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْقَتْلَ على الْفِدَاءِ, وقال الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنِي أَنَّ هذه الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} نَسَخَتْهَا {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}) (¬2). ومما يجدر التنبيه له في هذا المقام أن السلف قد يطلقون على تقييد المطلق، وتخصيص العام (نسخًا)، فإن سورة التوبة من آخر ما أُنزل، فكيف نَسَخَهُ ما نزل قبله، والمُخَصَّص قد يتقدم، وقد يتأخَّر، بخلاف النسخ؛ لا يصحّ تقدم الناسخ بحال، فتُحملُ الآية عندهم على قتل غير الأسرى (¬3).Rأن الإجماع متحقق على أن لإمام المسلمين قتل أسرى الكفار إن رأى مصلحة في ذلك، لعدم المخالف المعتبر، وأما خلاف من خالف فيمكن أن نجيب عنه بما يأتي: أن خلاف الضحاك في أن آية الفداء هي الناسخة، هو قول شاذ (¬4). كما اضطرب النقل عن الضحاك، فقد نُقل عنه أَيضًا أن آية التوبة هي الناسخة (¬5). وأما خلاف ابن عمرو الحسن وعطاء فإنهم كرهوا القتل ولم يمنعوا منه، والكراهة لا تنافي الجواز والمشروعية. كما قيل أن ابن عمر إنما كره قتل الرجل لأنه كان مشدود اليدين، لا لأنه تحرَّز عن قتله بعدما أُسر (¬6). ¬
[114/ 3] المنع من قتل من كان صغيرا أو امرأة من السبي إذا لم يقاتل
أن الروايات عن ابن عمرو من نُقل عنهم الكراهية متضاربة، فكما نُقل عنهم الكراهة كما سبق، نُقل عنهم تخيير الإمام بين قتل الأسرى واسترقاقهم والمن عليهم (¬1). وعليه فالإجماع متحقق، واللَّه تعالى أعلم. [114/ 3] المنع من قتل من كان صغيرًا أو امرأة من السبي إذا لم يُقاتل: • المراد بالمسألة: بيان أنه إذا وقع في أيدي المسلمين سبايا من أهل الحرب من النساء والصبيان، فإن لا يجوز قتلهم، ما لم يشتركوا في قتال المسلمين؛ لأنه لا يجوز قتلهم أثناء القتال فلا يجوز قتلهم بعد السبي. وقد فصلنا القول في المسألة بذكر الناقلين للإجماع، ومن وافقهم، ومستندهم، والنتيجة التي توصلنا إليها في ذلك، عند كلامنا على مسألة: (حكم قتل نساء العدو وصبيانهم إذا لم يقاتلوا) مما يغنينا عن التكرار بذكرها في هذا الموضع، فلتراجع هناك. [115/ 4] لا يجوز إجبار الأسير البالغ إذا كان كتابيًّا على مفارقة دينه: • المراد بالمسألة: بيان أن من صار من كفار أهل الكتاب -وهو بالغ- مأسورًا في يد المسلمين، فإنهم يُسمح لهم بالبقاء على دينهم، ولا يُجبرون على الدخول في الإسلام، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن من أسر بالغًا منهم، فإنه لا يجبر على مفارقة دينه -أعني إن كان كتابيًّا) (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). ¬
[116/ 5] استرقاق الأسير
• مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 265]. • وجه الدلالة: حيث قيل: أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا على الإسلام (¬1). وقال ابن كثير في تفسيره: (أي: لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بيِّن وضِحٌ جلي دلائله وبراهينه، لا تحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه اللَّه للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته، دخل فيه على بينة، ومن أعمى اللَّه قلبه وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهًا مقسورًا) (¬2). 2 - ومما له دلالة ظاهرة ما جاء عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في موقفه من مولاه النصراني "أُسَّق" حيث كان يعرض عليه الإسلام فيأبى، فلم يكرهه عليه والإسلام في أوج قوته عن أُسَّق قال: كنت مملوكًا لعمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وكان يقول لي: أسلم، فإنك إن أسلمت استعنت بك على أمانة المسلمين، فإنه لا ينبغي لي أن أستعين على أمانتهم من ليس منهم، قال: فأبيت فقال: لا إكراه في الدين. قال: فلما حضرته الوفاة أعتقني، وقال: اذهب حيث شئت (¬3). 3 - أن الإكراه على الدخول في الدين لو كان جائزًا، لما كانت الجزية مشروعة إذا لم يقبل الكفار الدخول في الإسلام.Rأن الإجماع متحقق على أنه لا يجوز إجبار الأسير البالغ إذا كان كتابيًا على مفارقة دينه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [116/ 5] استرقاق الأسير: • تعريف الاسترقاق: • الاسترقاق لغة: الإدخال في الرق، والرق: كون الآدمي مملوكًا مستعبدًا (¬4). ¬
• وفي الاصطلاح: الرق: عجز حكمي شُرع في الأصل جزاء عن الكفر (¬1). • المراد بالمسألة: إذا ظهر المسلمون على الحربيين؛ فإن الإمام مخيَّرٌ بعد أسرهم أن يحكم عليهم بالرق، فيكونون مملوكين بأيدي المسلمين، وقد نُقل الإجماع على جواز ذلك في الجملة. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (فأما النكاية التي هي الاستبعاد، فهي جائزة بطريق الإجماع في جميع أنواع المشركين، أعني ذكرانهم وإناثهم وشيوخهم وصبيانهم وكبارهم إلَّا الرهبان، فإن قومًا رأوا أن يتركوا دون أن يتعرض إليهم لا بقتل ولا استعباد) (¬2). والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (وكذلك الرقاب أعني الأسارى الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4) في غير ذكور مشركي العرب، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة في غير من لا يقر على الجزية من عبدة الأوثان ومن يحرم قتلهم غير النساء والصبيان (¬7)، والظاهرية في غير الحربي من العرب (¬8). • مستند الإجماع: 1 - الآيات القرآنية الكريمة التي أباحت ملك اليمين الذي يعني ملكية الرقيق، وهذا يقتضي مشروعية الاسترقاق، كقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]. 2 - والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة تعز عن الحصر، وقد عقد علماء الحديث أبوابًا عن الاسترقاق ومعاملة الرقيق وتحريرهم، ومن هذه الأحاديث قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن إخوانكم خولكم جعلهم اللَّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما ¬
يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم" (¬1). 3 - عن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- أنه قال لعامل كسرى: "فأمرنا نبينا رسول ربنا -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نقاتلكم حتى تعبدوا اللَّه وحده، أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي منا ملك رقابكم" (¬2). • وجه الدلالة: أن قوله: (ملك رقابكم) الظاهر منه هو استرقاق من لم يُقتل من أهل الحرب في القتال الذين يقعون في أسر المسلمين وقبضتهم (¬3). 4 - ومما يدل على جواز الاسترقاق والاستعباد للأسرى إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على ذلك، قال ابن رشد القرطبي (595 هـ): (وأجمعت الصحابة بعده على استعباد أهل الكتاب ذكرانهم وإناثهم) (¬4). • الخلاف في المسألة: يرى الحسن، وعطاء، وسعيد بن جبير أن حكم الأسير دائرٌ بين المن والفداء فقط (¬5). وحجتهم: قوله تعالى: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4]. • وجه الدلالة: حيث حصرت الآية الكريمة حكم الأسارى بين المن والفداء، والاسترقاق خارج عن هذين الأمرين.Rأن الإجماع متحقق على مشروعية استرقاق الأسرى في الجملة إن رأى الإمام المصلحة في ذلك، لعدم الخلاف المعتبر، وأما خلاف الحسن، وعطاء، وسعيد بن جبير فحادث بعد إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، فلا يقدح في صحة الإجماع. أن الإجماع متحقق على جواز الاسترقاق للنساء والصبيان والمقاتلين من أهل ¬
[117/ 6] إجراء الرق على من كان قرشيا
الكتاب لعدم الخلاف المعتبر. أن الإجماع غير متحقق على جواز أسر الرجال الذين لا يقرون بالجزية كمشركي العرب وعبدة الأوثان، ولا من يحرم قتلهم غير النساء والصبيان كالشيخ والزمن والراهب؛ للخلاف بين المذاهب الفقهية في جواز استرقاق هذه الأصناف، واللَّه تعالى أعلم. [117/ 6] إجراء الرق على من كان قرشيًا: • المراد بالمسألة: إذا ظهر المسلمون على أهل الحرب فأسروهم، فإن من كان منهم من قريش فإنه لا يجوز عليه الرق بحال. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو العباس المنصوري (نحو 350 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن قريشًا لا يجوز عليها الرق) نقله عنه ابن القطان في "الإقناع" (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية حيث يرون أن كل العرب لا يجري عليهم الرق ومنهم قريش (¬2)، وابن وهب من المالكية (¬3)، والشافعية في القديم (¬4)، والداودي، وأبو عبيد (¬5). • مستند الإجماع: وعللوا ذلك: أنه إكرام لهم عن الذلة، لمكانهم من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فهم قومه المختارون لحمل رسالته، فلا يجري عليهم رق. وعلل الحنفية بقولهم بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نشأ بين أظهرهم، والقرآن نزل بلغتهم، فالمعجزة في حقهم أظهر، فكان كفرهم -والحالة هذه- أغلظ من كفر العجم (¬6). • الخلاف في المسألة: ذهب المالكية (¬7)، والشافعية في الجديد، وبعض الحنابلة ¬
[118/ 7] إسلام الأسير يسقط عنه القتل
جواز استرقاقهم (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق على أن القرشي الكافر لا يسترق؛ لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [118/ 7] إسلام الأسير يُسقط عنه القتل: • المراد بالمسألة: أن الأسير من الكفار إذا أسلم بعد أسره، فإنه يسقط عنه حكم القتل خاصة، فيُعصم دمه، ويحرم قتله، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: (ولو أسلم الأسير زال القتل اتفاقًا) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: مجاهد (¬3) وهو المذهب عند الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: عن عمران بن حصين قال: "كانت ثقيف حلفاء لبنى عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأسر أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في الوثاق، قال: يا محمد. فأتاه فقال: "ما شأنك؟ ". فقال: بم أخذتني، وبم أخذت سابقة الحاج (¬8)؟ فقال إعظامًا لذلك: "أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف". ثم انصرف عنه فناداه فقال: يا محمد، يا محمد. وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رحيمًا رقيقًا فرجع إليه، فقال "ما شأنك؟ ". قال: إني مسلم. قال: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح". ثم انصرف ¬
[119/ 8] بقاء من أسلم بعد أن ملك على الرق
فناداه، فقال: يا محمد، يا محمد. وفادى به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجلين" (¬1). قال النووي: (معناه: لو قلت كلمة الإسلام قبل الأسر حين كنت مالك أمرك أفلحت كل الفلاح؛ لأنه لا يجوز أسيرك لو أسلمت قبل الأسر، فكنت فزت بالإِسلام وبالسلامة من الأسر، ومن اغتنام مالك، وأما إذا أسلمت بعد الأسر فيسقط الخيار في قتلك، ويبقى الخيار بين الاسترقاق والمن والفداء) (¬2). ولأنه سقط القتل بإسلامه لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوه؛ عصموا مني دماءهم وأموالهم، وحسابهم على اللَّه عز وجل" (¬3). ولأن الغرض من قتلهم دفع شرهم، وقد اندفع شرهم بالإسلام (¬4).Rأن الإجماع متحقق على أن الأسير إذا أسلم سقط قتله وحرم دمه، لعدم المخالف المعتبر. واللَّه تعالى أعلم. [119/ 8] بقاء من أسلم بعد أن مُلِك على الرق: • المراد بالمسألة: بيان أن من مُلِك واستُرِق من الكفار، ثم بدا له أن يسلم، فأسلم، أن إسلامه لا يُزيل الرق عنه، فرقُّه باقٍ لمالكه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. * الناقلون للإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن من أسلم منهم بعد أن ملك، فإن الرق باقٍ عليه) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). ¬
[120/ 9] الحكم بإسلام الطفل المسبي منفردا عن أبويه
• مستند الإجماع: 1 - عن عمران بن حصين قال: "كانت ثقيف حلفاء لبني عقيلٍ، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأسر أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في الوثاق، قال: يا محمد. فأتاه فقال: "ما شائك؟ ". فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقة الحاج؟ فقال: إعظامًا لذلك "أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف". ثم انصرف عنه، فناداه فقال: يا محمد، يا محمد. وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رحيمًا رقيقًا فرجع إليه، فقال: "ما شأنك؟ ". قال: إني مسلم. قال: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح". ثم انصرف فناداه، فقال: يا محمد، يا محمد. وفادى به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجلين" (¬1). قال الشافعي: (وهكذا من أسر من المشركين فأسلم حقن له إسلامه دمه، ولم يخرجه إسلامه من الرق) (¬2). 2 - ولأنه سقط القتل بإسلامه، فبقي باقي الخصال من (الاسترقاق، والمن. .) على ما كانت عليه. 3 - ولأن الرق أثر الكفر؛ لأن الكفار لما استنكفوا عن عبادة اللَّه تعالى جعلهم عبيد عبيدة -سبحانه- فثبوت بقاء الرق باعتبار أثر الكفر، لا باعتبار أنه مسلم (¬3).Rأن الإجماع متحقق على أن مجرد إسلام الرقيق لا يُزيل الرق عنه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [120/ 9] الحكم بإسلام الطفل المسبي منفردًا عن أبويه: • المراد بالمسألة: إذا سبي من لم يبلغ الحلم من أولاد الكفار الحربيين، ذكرًا كان أم أنثى فإنه يصير رقيقًا بالسبي، فإذا كان قد سبي وحده منفرذا عن أبويه كليهما، فإنه يُعد مسلمًا تبعًا لسابيه. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وجملته أنه إذا سبي من لم يبلغ من أولاد الكفار صار رقيقًا، ولا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها أن يسبى منفردًا ¬
عن أبويه فهذا يصير مسلمًا إجماعًا) (¬1). وأبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (أن يسبى منفردًا عن أبويه فيصير مسلمًا بالإجماع) (¬2)، ونقله المرداوي (855 هـ) في "الإنصاف" (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة في المذهب (¬7)، والظاهرية (¬8). قال ابن القيم (751 هـ): (فإذا سبي الطفل منفردًا عن أبويه حكم بإسلامه؛ لأنه صار تحت ولايته وانقطعت ولاية الأبوين عنه، هذا مذهب الأئمة الأربعة) (¬9). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء" (¬10) (¬11). • وجه الدلالة: دلَّ الحديث أن الدين يثبت للطفل بطريق التبع، وقد انقطعت تبعيته لأبويه، لانقطاعهما عنه، أو أحدهما، وإخراجه من دارهما إلى دار الإسلام. فصار ¬
[121/ 10] جواز توزيع الأسرى من أهل الكتاب بعد استرقاقهم على الغانمين
تابعًا لسابيه المسلم في دينه (¬1). ولأن للسابي له عليه ولاية، وليس معه من هو أقرب إليه منه، فيتبعه كالأب، وكأن السابي لما أبطل. حريته قَلَبه قلبًا كلِّيًا، فعدم عما كان، وافتتح له وجود تحت يد السابي وولاية، فأشبه تولده بين الأبوين المسلمين (¬2). أن تبعيته في الدين لسابيه المسلم أصلح له، فتعيَّن المصير إليه. لأن السابي وليه فهو أولى به، فقام في دينه مقام أبويه كما قام في الولاية والكفالة (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك الحنابلة في رواية (¬4): قال المرداوي (885 هـ): (إذَا سُبي الطِّفْلُ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُسْلِمٌ. قال الْمُصَنِّفُ وَالشَّارحُ وَغَيْرُهُمَا: بِالإِجْمَاعِ هذا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ كَافِرٌ) (¬5). وحجتهم: 1 - بالقياس على ما لو سُبِيَ مع والديه فإنه يُحكم بكفره، فكذا لو سبي منفردًا عنهما. 2 - ولأن يد السابي يد ملك، فلا توجب إسلامه، كيد المشترى.Rأن الإجماع غير متحقق على أن الطفل إذا سبي منفردًا عن أبويه حكم بإسلامه، لخلاف الحنابلة في رواية عنهم، واللَّه تعالى أعلم. [121/ 10] جواز توزيع الأسرى من أهل الكتاب بعد استرقاقهم على الغانمين: • المراد بالمسألة: إذا وقع المحاربون من أهل الكتاب في أسر المسلمين، فإن الإمام مخيَّرٌ فيهم بين الاسترقاق أو المن أو الفداء أو القتل -على خلاف في التفاصيل- فإن اختار استرقاقهم، فإنهم يكونون داخلين في أصل الغنيمة، ويجوز توزيعهم حينئِذٍ على الغانمين، وقد نُقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن للأمام أن يقسم الكتابيين من الأسرى ويُخمِّسهم) (¬1). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (من صار منهم رقيقًا بضرب الرق عليه، أو فودي بمال فهو كسائر الغنيمة يُخمَّس، ثم يقسم أربعة أخماسه بين الغانمين لا نعلم في هذا خلافًا) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عموم قوله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 41]، وقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69]. • وجه الدلالة: أن قوله سبحانه في الآية الأولى: {مِنْ شَيْءٍ} نكرة في سياق الشرط فتعم جميع ما يغنمه المسلمون من أموال أهل الحرب. وكذا قوله تعالى في الآية الثانية: {مِمَّا غَنِمْتُمْ} فإن (ما) اسم موصول يفيد العموم. فكان عموم الآيتين يقتضي تخميس كل شيء استُولي عليه من الكفار، وقسم سائره في الغانمين، ويدخل في ذلك من ضُرب عليه الرق؛ لأنهم مالٌ من الأموال. 2 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قسم فداء أسرى بدر بين الغانمين (¬8). • وجه الدلالة: أن الرقيق مال غنمه المسلمون فاشبه باقي مال الغنيمة مثل الخيل والسلاح ونحوه، فتجوز قسمته بين الغانمين (¬9). ¬
[122/ 11] لا يجوز التفريق بين المسبية وطفلها
Rأن الإجماع متحقق على جواز توزيع الأسرى من أهل الكتاب بعد استرقاقهم على الغانمين، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [122/ 11] لا يجوز التفريق بين المسبية وطفلها: • المراد بالمسألة: إذا أسر المسلمون امرأة وولدها الطفل، فلا يجوز أن يفرق بينهما، بأن تباع الأم أو توهب لشخص وطفلها لشخص آخر. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) حيث يقول: (أجمع أهل العلم على أن التفريق بين المسبية وطفلها الذي لم يبلغ سبع سنين غير جائز) (¬1). وابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أن التفرقة بين الولد وأمه، وهو صغير لم يستغن عنها، ولم يبلغ سبع سنين، أن بيعه غير جائز) (¬2). والبلوطي (355 هـ) حيث يقول: (وأجمع المؤمنون على المنع من التفريق بين المرأة وولدها حتى يثغر) (¬3) (¬4). وابن قدامة (621 هـ) حيث يقول: (أجمع أهل العلم أن التفريق بين الأم وولدها الطفل غير جائز) (¬5). وأبو الفرج ابن قدامه (682 هـ) حيث يقول: (أجمع أهل العلم على أن التفريق بين الأم وولدها الطفل غير جائز) (¬6). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10). ¬
[123/ 12] حل وطء المسبية من أهل الكتاب
• مستند الإجماع: 1 - عن أبي أيوب الأنصاري -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من فرق بين والدة وولدها، فرق اللَّه بينه وبين أحبته يوم القيامة" (¬1). 2 - وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يفرق بين الوالدة وولدها"، فقيل إلى متى؟ قال: "حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية" (¬2). • وجه الدلالة: أن الحديثين نصٌ في المنع من التفريق بين الوالدة وولدها. 3 - ولدفع الضرر الواقع على الوالدة والطفل معًا حال التفريق، والقاعدة الشرعية تنص على أن (لا ضرر ولا ضرار) و (الضرر يزال) (¬3).Rأن الإجماع متحقق على أنه لا يجوز التقريق بين المسبية وابنها الطفل في القسمة، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [123/ 12] حل وطء المسبية من أهل الكتاب: • المراد بالمسألة: إذا سبى المسلمون نساء أهل الكفر وكن غير متزوجات، أو مات أزواجهن، ثم أسلمن، فإنهن حلال لمن ملكهن من المسلمين يعد الاستبراء. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على وطء إماء أهل الكتاب بملك اليمين، وانفرد الحسن البصري فقال: لا يجوز) (¬4). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (ولإجماعهم على أن السبي يحل المسبية غير متزوجة) (¬5). وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (اتفق أهل العلم فيما ملكه المسلمون من سبايا الكفار فأسلمن، أن وطء من أسلم منهن ولم يكن لها زوج، أو كان فقتل، حلال لسيدها ¬
[124/ 13] وجوب استبراء المسبية التي يقصد وطؤها
بملك اليمين، من أي أصناف الكفر كانت؛ كتابية أو وثنية إذا هي أسلمت واستُبْرِئَت) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) ولم يشترطوا إسلامهن، والظاهرية، واشترطوا إسلامهن (¬6). • مستند الإجماع: 1 - لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} [المؤمنون: 5، 6]. • وجه الدلالة: حيث نصت الآية على إباحة المملوكة لسيدها، ويدخل في ذلك غير ذات الزوج المسلمة دخولًا أوليًّا. 2 - ولأنه يحل له أن ينكحها، فيحل له أن يتسرَّى بها من باب أولى كالمسلمة (¬7). • الخلاف في المسألة: يرى الحسن البصري كراهة وطء الأمة الكتابية لمن ملكها (¬8). • وحجته: لأن الأمة الكتابية يحرم نكاحها، فحرم التسري بها كالمجوسية.Rأن الإجماع غير متحقق على حل المسبية إذا لم تكن ذات زوج، أو مات زوجها، إذا أسلمت؛ لخلاف الحسن البصري -رضي اللَّه عنه-، واللَّه تعالى أعلم. [124/ 13] وجوب استبراء المسبية التي يقصد وطؤها: • تعريف الاستبراء: • الاستبراء في اللغة: مأخوذ من (برأ) وأضيفت إليه السين والتاء ليدل على البحث عن الشيء والكشف عنه، والوقوف على حقيقته (¬9). • وفي الاصطلاح: الكشف عن حال الرحم ليعلم إن كانت بريئة من الحمل (¬10)، ¬
وذلك بالحيض أو ما يقوم مقامه عند عدمه من الشهور والأيام (¬1). • المراد بالمسألة: إذا سبيت المرأة من أهل الحرب انفسخ نكاحها من زوجها الحربي إن كانت ذات زوج، وإذا انتقلت ملكيتها إلى مسلم بالقسمة أو بالشراء، فإنها يحل له وطؤها بملك اليمين بشرط استبرائها قبل ذلك، وقد نُقل الإجماع على وجوب الاستبراء. • من نقل الإجماع: أبو الحسن بن المغلِّس (324 هـ) حيث يقول: (واتفق الجميع على وجوب الاستبراء، والمراد منه البراءة من الحمل) (¬2). وأبو الحسن التميمي (350 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن المسبية من أهل الحرب لا عدة عليها، وعليها حيضة الاستبراء، إلَّا الحسن بن صالح؛ فإنه قال: عليها عدة الإماء حيضتان) (¬3). والبلوطي (355 هـ) حيث يقول: (وأجمع العلماء أن المسبية التي زوجها مقيم بدار الحرب أن السباء قد فسخ نكاحها، وأن لمالكها أن يطأها بعد أن يستبرئها بحيضة) نقله عنه ابن القطان في "الإقناع" (¬4). والجصاص (370 هـ) حيث يقول: (فهذه الأخبار تمنع من استحدث ملكًا في جارية أن يطأها حتى يستبرئها إن كانت حائلًا، وحتى تضع حملها إن كانت حاملًا، وليس بين فقهاء الأمصار خلاف في وجوب استبراء المسبية على ما ذكرنا) (¬5). والقرطبي (671 هـ) حيث يقول في المرأة إذا كان لها زوج في دار الحرب: (وكافة العلماء رأوا استبراءها واستبراء التي لا زوج لها واحدًا في أن الجميع بحيضة واحدة) (¬6). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك في الجملة: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10). ¬
[125/ 14] فسخ نكاح المسبية إذا سبيت وحدها دون زوجها
• مستند الإجماع: 1 - عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في سبي أوطاس (¬1): "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة -قال يحيى: أو تستبري بحيضة" (¬2). • وجه الدلالة: حيث إنه دالٌ على حكم المسألة بالمطابقة. 2 - أن الاستبراء إنما شرع لبراءة الرحم وصيانة عن اختلاط الأنساب.Rأن الإجماع متحقق على وجوب استبراء المسبية التي يقصد وطؤها، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [125/ 14] فسخ نكاح المسبية إذا سبيت وحدها دون زوجها: • المراد بالمسألة: إذا سبى المسلمون المرأة المتزوجة من أهل الحرب دون زوجها، فإنه ينفسخ النكاح بينهما، وتكون حلًّا لسيدها دونه، وذلك بعد الاستبراء. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: البلوطي (355 هـ) حيث يقول: (وأجمع العلماء أن المسبية التي زوجها مقيم بدار الحرب أن السباء قد فسخ نكاحها، وأن لمالكها أن يطأها بعد أن يستبرئها بحيضة) نقله عنه ابن القطان في "الإقناع" (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (الحال الثاني: أن تسبى المرأة وحدها، فينفسخ النكاح، بلا خلاف علمناه) (¬4). وأبو الفرج (682 هـ) حيث يقول: (أن تسبى المرأة وحدها، فينفسخ النكاح بلا خلاف علمنا) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، . . . . . . ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]. والمقصود بالمحصنات هنا: المتزوجات، كما قال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "إلَّا ذوات الأزواج من المسبيات" (¬4). 2 - وعن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: "أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج من قومهن، فذكروا ذلك للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنزلت {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} " (¬5). • ووجه الدلالة منهما: أن اللَّه استثنى ذوات الأزواج من المسبيات من محرمات النساء، والمستثنى من الحظر إباحة، فهي إذًا تعد حلالا. 3 - وعنه -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "نهى عام أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة"، وفي رواية: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرئ" (¬6). • ووجه الدلالة: أن تحريمه -صلى اللَّه عليه وسلم- الوطء حال الحمل يدل على الحل بعد الوضع. وإنما جعل الحمل عارضًا، متى ما زال حلت، وحيث جعل الاستبراء كان دليلًا على الحل وانفساخ النكاح الأول. • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك ابن حزم الظاهري فقال لا تحل للسيد حتى تسلم، فإذا أسلمت انفسخ نكاحها وحل لسيدها وطؤها بعد الاستبراء. وعلل ما ذهب إليه بقوله: (فإن أسلمت انفسخ نكاحها حين تسلم لما قدمنا، وأما ¬
[126/ 15] فداء الأسير المسلم
بقاء الزوجية فلأن نكاح أهل الشرك صحيح قد أقرهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليه، ولم يأت نص بأن سباءهما، أو سباء أحدهما يفسخ نكاحهما) (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق على أن سبي الزوجة وحدها يوجب الفرقة بينها وبين زوجها، ويحلها لسيدها، للخلاف المعتبر من ابن حزم، واللَّه تعالى أعلم. [126/ 15] فداء الأسير المسلم: • المراد بالمسألة: إذا وقع المسلم أسيرًا في أيدي الأعداء فإنه يجب على المسلمين استنقاذه من الأسر، ولو بدفع فداءٍ نظير إطلاق سراحه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن لإمام المسلمين أن يفدي. أسرى المسلمين من العدو بالعروض من النبات، وغيره غير السلاح والكراع) (¬2) وقال: (وأجمعوا أن للأسير المسلم أن يفدي نفسه من العدو) (¬3). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أنه إن لم يقدر على فك المسلم المأسور إلَّا بمال يُعطاه أهل الحرب، أن إعطاءهم ذلك المال حتى يفك ذلك الأسير واجب) (¬4). وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (بل ذلك واجبٌ على الإمام (يعنى فداء الأسرى المسلمين) إن هو عَجَزَ عن استنقاذهم بالقتال؛ لأنَّ افتداء المسلمين واجب بالكتاب والسُّنَّة والإجماع) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). ¬
[127/ 16] دفع بدل الفداء، إذا كان بإذن الأسير
• مستند الإجماع: 1 - قال تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ} -يعني: افتداء الأسارى هو مما كتبه اللَّه تعالى- {وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 85] يعني: قتالهم وإخراجهم. 2 - وعن أبي موسى قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فُكُّوا العاني -يعني: الأسير- وأطعموا الجائع، وعودوا المريض" (¬1). • وجه الدلالة: أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فُكُّوا العاني" أمر وهو للوجوب، ويتجه لكل المسلمين (¬2). وسئل مالك: أواجبٌ على المسلمين افتداء من أُسِرَ منهم؟ قال: نعم؛ أليس واجبًا عليهم أن يقاتلوا حتى يستنقذوهم؟ فقيل: بلى. قال: فكيف لا يفتدونهم بأموالهم؟ ! قيل: أراد مالكٌ قول اللَّه -تعالى-: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: 75]، نزل في قتال أهل مكة لاستنقاذ من فيها من المستضعفين. قال مالك: وإن لم يقدروا على فدائهم إلا بكلِّ ما يملكون، فذلك عليهم (¬3).Rأن الإجماع متحقق على وجوب استنقاذ الأسر المسلمين ولو بالفداء؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [127/ 16] دفع بدل الفداء، إذا كان بإذن الأسير: • المراد بالمسألة: إذا أسر الكفار الحربيون مسلمًا، فاشترى مسلمٌ هذا الأسير، وخلَّصه من أيدي العدو، وكان هذا الشراء بإذن الأسرى، فإنه يلزم الأسير المُشتَرى أن يؤدي إلى المشتري ما دفعه في تخليصه. وقد نُقل الإجماع على ذلك. وصورته: أن يقول الأسير: افتدني من أهل الحرب، أو اشترني منهم (¬4). ¬
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أن الرجل إذا اشترى أسيرًا من أسرى المسلمين بأمره بمال معلوم ودفع المال بأمره، أن له أن يرجع بذلك عليه) (¬1). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وإجماعهم على أنه لو أمره بالفداء رجع عليه دون جماعة المسلمين) (¬2). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وإذا اشترى المسلم أسيرًا من أيدي العدو) ثم قال: (لا يخلو هذا من حالتين، أحدهما: أن يشتريه بإذنه فهذا يلزمه أن يؤدي إلى المشتري ما أداه فيه بغير خلاف نعلمه) (¬3). وابن جزي (741 هـ) حيث يقول: (من فدى أسيرًا بامره رجع عليه بالفدية اتفاقًا) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قال الشعبي: أغار أهل ماه (¬10) وأهل جلولاء (¬11) على العرب، فأصابوا سبايا العرب، فكتب السائب بن الأقرع إلى عمر -رضي اللَّه عنه- في سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعهم، قد اشتراه التجار من أهل ماه، فكتب عمر -رضي اللَّه عنه-: ¬
[128/ 17] هرب الأسير المسلم، وإضراره بآسريه إذا لم يؤمنوه
"أيما رجل أصاب رقيقه ومتاعه بعينه فهو أحق به من غيره، وإن أصابه في أيدي التجار بعد ما اقتسم فلا سبيل إليه، وأيما حر اشتراه التجار فإنه يرد إليهم رؤوس أموالهم، فإن الحر لا يباع ولا يشترى" (¬1). • ووجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- بيَّن أن رؤوس أموال مشتري الأسرى ترد إليهم. 2 - لأنه إذا أذن فيه كان نائبه في شراء نفسه، فكان الثمن على الآمر، كالوكيل.Rأن الإجماع متحقق على أن الأسير المسلم إذا أذن أو أمر بدفع الفداء عنه، فإنه يرده إلى من اشتراه؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [128/ 17] هرب الأسير المسلم، وإضراره بآسريه إذا لم يؤمنوه: • المراد بالمسألة: إذا وقع المجاهد المسلم في الأسر، فقد يتصوَّر خلاصه بلجوئه للفرار، وقد يسبق هذه المحاولة أو يصحبها محاولة الإضرار بآسريه، من قتل لرجالهم، أو أخذٍ لأموالهم ونسائهم وذراريهم. وقد نُقل الإجماع على أن للأسير المسلم إن قدر على التخلُّص منهم والهرب بأي وسيلة، ولو أدى الأمر إلى قتل بعض الأعداء، أو كسر القيود والأغلال، أو أخذ بعض الأموال، ما لم يأخذوا عليه الأمان طائعًا ألَّا يخونهم (¬2). • من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن للأسير من المسلمين إذا كان في أيدي العدو، وقدر أن يتخلَّص منهم بقتلهم وأخذ ذراريهم أن له أن يفعل ذلك، ويتخلَّص منهم. وكذلك إن كان في قيده فله أن يكسر قيده ويهرب منهم، وإن قدر أن يأخذ من أموالهم ونسائهم وذراريهم ويقتل من رجالهم ففعل فحلال له ذلك جائز) (¬3). ¬
[129/ 18] زوجة الأسير المسلم لا تنكح حتى تتبين وفاته
والنووي (676 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أنه لو أكرهوه فحلف لا يهرب لا يمين عليه لأنه مكره) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - ما ثبت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أقر أبا بصير على فراره من أيدي المشركين، وقتله لبعضهم رغم أن شروط صلح الحديبية كانت تُقرِّر تسليم الفارين من مكة وإعادتهم إلى المشركين، ورغم أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد ردة قبل ذلك إليهم حين جاء إليهم مسلمًا (¬7). 2 - ولأن قتله لهم من باب الدفع، فجاز ذلك، قياسًا عل دفع الصائل.Rأن الإجماع متحقق على جواز هرب الأسير المسلم وإضراره بآسريه إذا لم يؤمنوه، أو يأخذوا عليه عهدًا، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [129/ 18] زوجة الأسير المسلم لا تُنكح حتى تتبيَّن وفاته: • المراد بالمسألة: بيان حكم بقاء نكاح زوجة الأسير المسلم في يد الأعداء، وأن رابطة النكاح لا تزال بينهما لم تنقطع، وعليه فإنها لا تنكح حتى تعلم بيقين وفاته. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن زوجة الأسير لا تُنكح حتى تعلم يقين وفاته ما دام على الإسلام) (¬8). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أن زوجة الأسير لا تنكح حتى ¬
تعلم يقين وفاته وهذا قول النخعي والزهري ويحيى الأنصاري ومكحول والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور وإسحاق وأصحاب الرأي) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان" (¬6). • وجه الدلالة: أن الحديث -إن صح- فهو نصٌّ في المسألة. 2 - ولأن ملكه لعصمة زوجته ثابت، وغيبوبته لا توجب الفرقة والموت محتمل، فلا يزول الثابت باليقين بالاحتمال (¬7). هذا وقد فرَّق أهل العلم بين المفقود (¬8) وبين الأسير المسلم في يد الأعداء. جاء في"المدونة الكبرى" قوله: (قلت: أرأيت الأسير يفقد في أرض العدو أهو بمنزلة المفقود في قول مالك؟ قال: لا، والأسير لا تتزوج امرأته إلَّا أن ينعى أو يموت. قال: فقيل لمالك: وإن لم يعرفوا موضعه، ولا موقفه بعد ما أسر؟ قال: ليس هو بمنزلة المفقود، ولا تتزوج امرأته حتى يعلم موته، أو يُنعى. قلت: ولم قال مالك في الأسير: إذا لم يعرفوا أين هو إنه ليس بمنزلة المفقود؟ قال: . لأنه في أرض العدو وقد غُرِفَ أنه قد أسر، ولا يستطيع الوالي أن يستخبر عنه في أرض العدو، فليس هو ¬
بمنزلة من فقد في أرض الإسلام) (¬1).Rأن الإجماع متحقق على أن زوجة الأسير المسلم لا تُنكح حتى تتبيَّن وفاته، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الباب الثاني: مسائل الإجماع في أحكام الجزية والفيء والأمان والهدنة
الباب الثاني: مسائل الإجماع في أحكام الجزية والفيء والأمان والهدنة وفيه تمهيد، وأربعة فصول: • تمهيد: تعريف الجزية، وأنواعها. • الفصل الأول: مسائل الإجماع في أحكام الجزية. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في أحكام الفيء. • الفصل الثالث: مسائل الإجماع في أحكام الأمان. • الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أحكام الهدنة. * * *
الفصل الأول مسائل الإجماع في الجزية، وعدد مسائله (22) مسألة
الفصل الأول مسائل الإجماع في الجزية، وعدد مسائله (22) مسألة تمهيد: تعريف الجزية، وأنواعها: • أولًا: تعريف الجزية: • الجزية في اللغة: مشتقة من الْمُجَازَاةِ، لِكَفِّنَا عَنْهُمْ. وَقِيلَ: من الْجَزَاءِ، بِمَعْنَى الْقَضَاءِ يُقَال: جَزَيْت دَيْنِي، أَيْ: قَضَيْته، وَجَمْعُهَا جِزًى كَقَرْيَةٍ وَقُرًى. والجزية اسم هيئة لأنها تدل على هيئة أخذ المال من الكافر كائها جزاء على إسكاننا إيّاه في دارنا، أو جزاء بقائه على كفره وعصمتنا دمه وماله وعياله (¬1). وتُطْلَقُ الْجِزْيَةُ على الْعَقْدِ وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ (¬2). • وفي الاصطلاح: عرَّفها الحنفية بأنّها: (اسم لما يؤخذ من أهل الذِّمَّة وسميت بذلك لأنها تجزئ من القتل) (¬3). وعرَّفها المالكية بأنها: (ما يؤخذ من أهل الكفر جزاء على تأمينهم وحقن في مائهم مع إقرارهم على كفرهم عنوة أو صلحًا) (¬4). وعرّفها الشافعيّة بأنّها: (المال المأخوذ بالتّراضي لإسكاننا إيّاهم في ديارنا، أو لحقن دمائهم وذراريهم وأموالهم، أو لكفّنا عن قتالهم) (¬5). وعرَّفها الحنابلة بأنّها: (ما يؤخذ من الكفار على إقامتهم تحت أيدي ¬
[130/ 1] مشروعية الجزية
المسلمين) (¬1). • ثانيًا: أنواع الجزية: الجزية -باعتبار المحل الذي تجب فيه- نوعان: جزية رؤوس، وجزية أموال: جزية الرؤوس: وهي ما يُفرض على أشخاص أهل الذمة. وهي على ضربين: • الضرب الأول: الجزية العنوية: وهي المأخوذة من الكفار الذين فتحت بلادهم قهرًا وغلبة. لِأَمْنِهمِ بِاسْتِقْرَارِهمِ تَحْتَ حُكْمِ الإسلام وَصَوْنِهِم. • الضرب الثاني: الجزية الصلحية: وَهِيَ الْمَأْخُوذَةُ مِمَّنْ مَنَعُوا أنفسهم وَحَفِظُوهَا برضاهم وَطَلَبوا الإقامة بِبَلَدِهِم، فَتُقْبَلُ منهم وَلَوْ بَعُدَتْ أماكنهم؛ لأنهم صَالَحُونَا على الْبَقَاءِ فيها (¬2). 2 - جزية الأموال (العشور): وهي ما يُفرض على الأموال التجارية لأهل الذمة إذا اتجروا بها في بلاد المسلمين، كالعشر ونصف العشر (¬3). قال ابن تيمية: (العشور التي تؤخذ من الذمي تدخل في أحكام الجزية) (¬4). [130/ 1] مشروعية الجزية: • المراد بالمسألة: أنه إذا فتح المسلمون ديار الكفار، فإن الكفار يُخيرون بين الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتل، فإن اختاروا دفع الجزية كان ذلك بمثابة الخضوع العام للنظام الاسلامي ويتركون على كفرهم، وقد نُقل الإجماع على جواز أخذ الجزية من الكفار في الجملة. ¬
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وأجمع المسلمون على جواز أخذ الجزية في الجملة) (¬1) وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول (والجزية ركن من أركان الفيء، والفيء حلال للأغنياء بإجماع من العلماء) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]. • وجه الدلالة: حيث نصَّت الآية الكريمة على أن الغاية التي ينبغي عندها وقف القتال ضد الكفار هي إعطاؤهم الجزية، وأن يلتزموا بالصغار (¬8). 2 - عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أمَّر أميرًا على جيش، أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى اللَّه، ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: "إذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خلال-، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. . . فإن هم أبوا فسلهم الجزبة، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن باللَّه وقاتلهم. . " (¬9). ¬
• وجه الدلالة: أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإن هم أبوا فسلهم الجزية" يدل على مشروعيَّة الجزية وإقرارها. 3 - وجاء أن المغيرة بن شعبة قال لعامل كسرى بين يدي معركة "نهاوند" في بلاد فارس ما نصه: "فأمرنا نبينا رسول ربنا -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نقاتلكم حتى تعبدوا اللَّه، أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي منا ملك رقابكم" (¬1). • وجه الدلالة: حيث ينص الحديث على الأمر بقتال الكفار حتى يُسلموا، أو يؤدوا الجزية، فدلَّ ذلك على مشروعية أخذ الجزية. 4 - وفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقد أخذ الجزية من مجوس هجر (¬2) (¬3)، ومن نصارى نجران (¬4) (¬5)، وصالح أُكيدر دومة الجندل على الجزية (¬6).Rأن الإجماع متحقق على مشروعية الجزية في الجملة، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. قال الحافظ ابن حجر: (قال العلماء: الحكمة في وضع الجزية أن الذل الذي يلحقهم يحملهم على الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الاطلاع على محاسن الإسلام) (¬7). ¬
[131/ 2] الجزية لقاء الهدنة
[131/ 2] الجزية لقاء الهدنة: • تعريف الهدنة: • الهدنة في اللغة: السكون: مأخوذ من هدن الأمر، أو الشخص يهدن هدونًا. سكن بعد الهيج، ويقال: هادنه مهادنة: صالحه (¬1). • وفي الاصطلاح: هي عقد يقيمه الإمام أو نائبه مع الحربيين مدة محددة من الزمن بعوض أو بغير عوض (¬2). • المراد بالمسألة: إذا عقد الإمام مع دار الحرب عقدًا لمدة زمنية محدودة على أن يكون العوض من الكفار، فإن ذلك جائز وهو من جنس الجزية (¬3)، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن إعطاء المهادنة على إعطاء الجزية بالشروط التي قدمنا جائزة) (¬4). المرداوي (885 هـ) حيث يقول: (قوله: (وإن سألوا الموادعة بمال أو غيره: جاز، إن كانت المصلحة فيه). . . تنبيه: قوله: "بمال وغيره" أما المال: فلا نزاع فيه) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - ما جاء عن ابن إسحاق أنه قال: "فلما انتهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
إلى تبوك أتاه يُحنَّة بن رؤبة صاحب أيلة (¬1)، فصالح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأعطاه الجزية" (¬2). • وجه الدلالة: حيث دلَّ هذا الحديث أن المهادنة التي كانت بين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين يُحنَّة ملك (أيلة)، كانت على أساس دفع جزية معينة، وهذا يدل على مشروعية أخذ الجزية لقاء الهدنة. 2 - أن الهدنة إذا جازت على غير مال، فعلى مال وهو أكثر نفعًا أولى (¬3). 3 - أن في ذلك مصلحة للمسلمين (¬4). 4 - أن أخذ الجزية منهم في هذه الحالة نوع من الجهاد؛ لما فيه من كسر شوكتهم، وإضعاف مادتهم (¬5). • الخلاف في المسألة: يرى بعض العلماء أنه وإن جاز أخذ العوض من الكفار مقابل المصالحة والهدنة معهم فإن هذا العوض لا يُعَدّ جزية. يقول ابن رشد: (وقوم لم يجيزوها -أي: الهدنة- إلَّا لمكان الضرورة الداعية لأهل الإسلام من فتنة أو غير ذلك، إما بشيء يأخذونه منهم لا على حكم الجزية إذ كانت الجزية إنما شرطها أن تؤخذ منهم وهم بحيث تنفذ عليهم أحكام المسلمين) (¬6). ويقول ابن المناصف: (فأمَّا مصالحة من صولح من العدو على مالٍ يُؤذونه، وإقرارهم هناك على حالِ مملكتهم ومنعتهم؛ فليس هذا من باب الجزية في شيء، وهي مهادنة، ولا تجوز إلَّا لضرورة) (¬7). ولمناقشة هذا الرأي يمكن القول: أن ما يعطيه الكفار لقاء الهدنة وإن كان لا يسمى جزية فإن له حكم الجزية، ولذا قال العلماء: والمال الذي هودنوا عليه مثل ¬
[132/ 3] مقدار الجزية العنوية
الجزية (¬1)، لأن الكل يدخل في الفيء وهو كل ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب كالعشور والجزية وما هربوا عنه (¬2). أنه لا مشاحة في الاصطلاح، فإن الجزية لفظ مشترك، فإذا اصطلح كثير من الفقهاء وضع لفظ (الجزية) على البدل الذي يؤديه أهل الذمة وهم من عاهدوا المسلمين على أن يجري عليهم حكم الإسلام إذ هم مقيمون في بلاد الإسلام، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن ما يؤديه أهل الهدنة الذين صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم ولا تجري عليهم أحكام الإسلام كما تجري على أهل الذمة. أن ذلك لا يدخل في حكم الجزية؛ إذ الكل أهل عهد يجب الكف عنهم ما داموا مقيمين عليه ولم ينقضوه (¬3).Rأن الإجماع متحقق على جواز أخذ الجزية لقاء الهدنة، لعدم وجود المخالف المعتبر. وأما خلاف بعض أهل العلم في تسمية ذلك (جزية) فإنه خلاف لفظي لا يخرم الإجماع؛ إذ الكل يُعد فيئًا للمسلمين، واللَّه تعالى أعلم. [132/ 3] مقدار الجزية العنوية: • المراد بالمسألة: بيان أن المقدار المالي الذي يقبل ويجزئ عمَّن أدَّاه في (الجزية العنوية) ثابتٌ ومقدَّرٌ في الشرع، وأن أربعة دنانير من الذهب، أو قيمتها من الفضة قدر يجزئ في الجزية في انقضاء كل عام قمري. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو الحسن بن المُغلِّس (324 هـ) حيث يقول: (والجزية المأخوذة: هي ما أخذه عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- من أهل الذمة، أربعة دنانير، أو قيمتها من الورق. واتفق الفقهاء على إيقاع اسم الجزية على هذا المقدار، واختلفوا في إيقاعه على ما دونه) نقله عنه ابن القطان الفاسي (¬4). والجصاص (370 هـ) حيث يقول: (وذكر يحيى بن آدم أن الجزية على مقدار ¬
الاحتمال بغير توقيت وهو خلاف الإجماع) (¬1). وابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أنه إن أعطى كل من ذكرنا عن نفسه وحدها فقيرًا كان أو غنيًّا أو معتقًا أو حرًّا أربعة مثاقيل ذهبًا في انقضاء كل عام قمري بعد أن يكون صرف كل دينار اثني عشر درهمًا كيلًا فصاعدًا على أن يلتزموا على أنفسهم. . . (ما ذكره من شروط الذمة). . . فقد حرمت دماء كل من وفى بذلك وماله وأهله وظلمه) (¬2). وشيخي زاده الحنفي (1078 هـ) حيث يقول: (توضع الجزية على الظاهر الغنى في السنة ثمانية وأربعون درهمًا، يؤخذ منه في كل شهر أربعة دراهم، وعلى المتوسط في الغنى نصفها أي أربعة وعشرون درهمًا، يؤخذ منه في كل شهر درهمان، وعلى الفقير القادر على الكسب ربعها أي: اثنا عشر درهمًا، يؤخذ منه في كل شهر درهم، نقل ذلك عن عمر وعثمان وعلي رضي اللَّه تعالى عنهم، والصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم متوافرون لم ينكر عليهم أحد منهم، فصار إجماعًا) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة في رواية (¬7)، والظاهرية (¬8) أن للجزية مقدارًا محدَّدًا بالشرع، وأن من بذل من أهل الجزية أربعة دنانير من الذهب أو قيمتها من الفضة أجزأت عنه، وإن اختلفوا في إيقاع الجزية فيما دون ذلك (¬9). ¬
• مستند الإجماع: استند جمهور الفقهاء القائلين بالتقدير بالشرع على عدد من الأحاديث والآثار التي تضمنت تقديرًا في الجزية ومنها: عن معاذ -رضي اللَّه عنه-: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما وجَّهه إلى اليمن، أمَره أنْ يأخذ من كل حالمٍ -يعني: محتلمٍ- دينارًا، أو عَدله من المَعَافِر -ثيابٌ تكون باليمن" (¬1). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث أن للجزية مقدارًا مؤقتًا شرعًا لا ينقص عنه، وهو الدينار. قول الشافعية، أو ما يُقابله من الأموال الأخرى. كما استندوا على ما ورد عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- من ضرائب مختلفة ومنها ما يأتي: عن عمر بن الخطاب "أنه ضَرَبَ الجزية على أهل الذَّهب أربعة دنانير، وعلى أهل الوَرِق أربعين درهمًا، مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام" (¬2). وعنه -رضي اللَّه عنه-: "أنه بعث عثمان بن حنيف بوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين، وأربعة وعشرين، واثني عشر" (¬3). ¬
• وجه الدلالة: حيث دلَّت هذه النصوص الأثرية على التوقيت في مقدار الجزية، وما روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- لا يحتمل أن يكون رأيًا؛ لأن المقدرات سبيل معرفتها التوقيف والسماع، وقد بلغ أعلى توقيت منها أربعة دنانير من الذهب أو ما يُعادلها من الفضة، فمن أدَّى هذا القدر من الجزية قبل منه في قول سائر من قال بتوقيت مقدار الجزية (¬1). • الخلاف في المسألة: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "نقد مراتب الإجماع" -بعد ما نقل كلام ابن حزم السابق مبينًا أن المسألة مختلف فيها لا مجمعٌ عليها-: (قلت: للعلماء في الجزية هل هي مقدَّرةٌ بالشرع أو باجتهاد الإمام أن يزيد على أربعة دنانير؟ وهذه إحدى الروايتين عن أحمد، هي مذهب عطاء والثوري ومحمد بن الحسن وأبي عبيد وغيرهم) (¬2). قد خالف في هذه المسألة بعض العلماء فقالوا: إن الجزية ليس لها مقدارٌ مؤقت شرعًا، بل إن مرجعها إلى الإمام، فله أن يزيد وينقص على قدر ما يراه، وهو قول عطاء ابن أبي رباح، والثوري، وأبي عبيد، ويحيى بن آدم، وقول لمالك (¬3)، والصحيح في مذهب الحنابلة (¬4)، قال الخلال: وهو الذي عليه العمل (¬5)، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية (¬6). واستدلوا لذلك بما يأتي: بقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. فلفظ الجزية في الآية مطلق غير مقيد بقليل أو كثير، فينبغي أن يبقى على إطلاقه، غير أن الإمام لما كان ولي أمر المسلمين جاز له أن يعقد مع أهل الذمة عقدًا على الجزية بما يحقق مصلحة ¬
المسلمين لأن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة (¬1). ولأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر معاذًا أن يأخذ من كل حالم دينارًا (¬2)، وصالح أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صفر والباقي في رجب (¬3). و"جعل عمر بن الخطاب الجزية على ثلاث طبقات: على الغني ثمانية وأربعين درهمًا، وعلى المتوسط أربعة وعشرين درهما، وعلى الفقير اثني عشر درهمًا" (¬4). فهذا الاختلاف يدل على أنها إلى رأي الإمام، لولا ذلك لكانت على قدر واحد في جميع هذه المواضع ولم يجز أن تختلف (¬5). ويؤيد ذلك ما روي عن أبي نجيح. قلت لمجاهد: "ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال: جعل ذلك من أجل اليسار" (¬6). ولأن المال المأخوذ على الأمان ضربان: هدنة وجزية، فلما كان المأخوذ هدنة إلى اجتهاد الحاكم، فكذلك المأخوذ جزية، ولأن الجزية عوض، فلم تتقدر بمقدار واحد في جميع المواضع كالأجرة (¬7). وقال أبو عبيد: "وهذا عندنا مذهب الجزية والخراج، إنما هما على قدر الطاقة من أهل الذمة، بلا حَمْلٍ عليهم، ولا إضرارٍ بفيء المسلمين، ليس فيه حَدٌّ مؤقت" (¬8).Rأن الإجماع غير متحقق في مقدر الجزية، لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[133/ 4] أخذ الجزية من أهل الكتاب
[133/ 4] أخذ الجزية من أهل الكتاب: • تعريف أهل الكتاب: أهل الكتاب: هم من يعتقد دينًا سماويًّا، أي: منزلًا بكتاب؛ كاليهود والنصارى. فاليهود كتابهم التوراة، والنصارى كتابهم الإنجيل، وهم الذين توجَّه إليهم الخطاب في القرآن الكريم بقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} (¬1). • والمراد بالمسألة: أن الجزية يُشرع أخذها وتقبل من أهل الكتاب، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: عبد القاهر البغدادي (429 هـ) حيث يقول: (وأجمع فقهاء الإسلام على استباحة ذبائح اليهود والسامرة والنصارى، وعلى جواز نكاح نسائهم وعلى جواز قبول الجزية منهم) (¬2). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على وجوب أخذ الجزية من اليهود والنصارى، ممن كان منهم من الأعاجم (¬3) الذين دان أجدادهم بدين من الدينين قبل مبعث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يكن معتقًا ولا بَدَّلَ ذلك الدين بغيره) (¬4). والبغوي (516 هـ)، وابن عادل الدمشقي الحنبلي (بعد 880 هـ) حيث يقولان: ¬
(اتَّفَقَتِ الأمةُ على جواز أخذ الجزية من أهل الكتاب، وهم اليهودُ والنصارى إذا لم يكونوا عربًا) (¬1). وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أن الجزية تضرب على أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى. وكذلك على ضرب الجزية على المجوس) (¬2). والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (اتفق الأئمة على أن الجزية تضرب على أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، وعلى المجوس، فلا تؤخذ من عبدة الأوثان مطلقًا) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على أخذ الجزية من أهل الكتاب في الجملة: الحنفية، (¬4) والمالكية، (¬5) والشافعية، (¬6) والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]. • وجه الدلالة: حيث أمر اللَّه تعالى بقتال أهل الكتاب، ولم يجعل لذلك غاية إلا أن يسلموا، أو يؤدوا الجزية. 2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "صالح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صفر، والنصف في رجب، يؤدونها إلى المسلمين. . " (¬9). • وجه الدلالة: أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ الجزية من أهل نجران، وكانوا من النصارى. قال الزهري: (أول من أعطى الجزية أهل نجران، وكانوا نصارى) (¬10). ¬
2 - عن معاذ -رضي اللَّه عنه- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما وجَّهه إلى اليمن، أمَره أنْ يأخذ من كل حالمٍ -يعني: محتلمٍ- دينارًا، أو عَدله من المعافر -ثيابٌ تكون باليمن" (¬1). • وجه الدلالة: فيه دلالة أن الجزية تعقد لليهود والنصارى؛ لأن أهل اليمن كان فيهم أتباع لهاتين الديانتين (¬2). • الخلاف في المسألة: ذهب الحسن البصري وأبو يوسف من الحنفية إلى أن العرب من أهل الكتاب لا تؤخذ منهم الجزية، وإنما الأعاجم منهم (¬3). وخصَّصوا عموم الآية، ناظرين إلى شرف العرب، وكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منهم، ومستدلين لرأيهم: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لقريش: "إني أريد منهم كلمة واحدة، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم العجم الجزية" (¬4). قال ابن القيم رادًّا على هذا القول: (ولم يفرق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا خلفاؤه في الجزية بين العرب والعجم، بل أخذها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من نصارى العرب، وأخذها من مجوس هجر، وكانوا عربًا، فإن العرب أمة ليس لها في الأصل كتاب، وكانت كل طائفة منهم تدين من جاورها من الأمم، فكانت عرب البحرين مجوسًا لمجاورتها فارس، وتنوخ وبهرة وبنو تغلب نصارى (¬5) لمجاورتهم للروم، وكانت قبائل من اليمن يهود لمجاورتهم ليهود اليمن، فأجرى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحكام الجزية، ولم يعتبر آباءهم، ولا متى دخلوا في دين أهل الكتاب) (¬6). ¬
[134/ 5] أخذ الجزية من المجوس
R 1 - أن الإجماع متحقق على أخذ الجزية من أعاجم أهل الكتاب، لعدم المخالف في ذلك. 2 - أن الإجماع غير متحقق على أخذ الجزية من العرب من أهل الكتاب، لخلاف أبي يوسف، وإن كان رأيه مرجوح لضعف دليله. 3 - دقَّة الإمام ابن حزم، والبغوي، وابن عادل الحنبلي في حكاية الإجماع، حيث قيدوا أخذ الجزية بأعاجم أهل الكتاب، بخلاف غيرهم ممن أطلق أهل الكتاب، ولم يُقيدهم. [134/ 5] أخذ الجزية من المجوس: • تعريف المجوس: المجوس هم: الذين أثبتوا أصلين للعالم هما: (إله النور) خالق الخير واسمه: يزدان. و (إله الظلمة) خالق الشَّر، واسمه: أهرمن. والمجوس يعظمون النيران والأنوار. وانقسموا إلى مذاهب كثيرة منها: الثنوية، والزرادشتية، والمركونية، والمزدكية، والتناسخية (¬1). • المراد بالمسألة: أن الجزية يُشرع أخذها وتقبل من المجوس، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) حيث يقول: (أخذ الجزية من المجوس جائز بالإجماع) (¬2). ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمع عوام أهل العلم من أهل الحجاز، والعراق، والشام، ومصر، على أخذ الجزية من المجوس) (¬3)، وقال: (فالجزية يجب أخذها من المجوس للأخبار التي جاءت في ذلك، ولأني لا أعلم في ذلك اختلافًا) (¬4). والجصاص (370 هـ) حيث يقول: (ولم يختلفوا في جواز إقرار المجوس ¬
بالجزية) (¬1)، ويقول: (ولا نعلم خلافًا بين الفقهاء في جواز أخذ الجزية من المجوس) (¬2). والماوردي (450 هـ) حيث يقول: (وقد أخذ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر وعمر منهم الجزية، وانتشار هذا مع عدم المخالف فيه إجماع منعقد، ولأن الاتفاق على جواز أخذ الجزية منهم) (¬3). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (فلا خلاف بين العلماء أن المجوس تؤخذ منهم الجزية) (¬4) وقال: (ولا خلاف بين علماء المسلمين أن الجزية تؤخذ من المجوس) (¬5). وابن رشد (520 هـ) حيث يقول: (فأما الذين تؤخذ الجزية منهم باتفاق فأهل الكتاب والمجوس والعجم) (¬6). وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (وكذلك اتفقوا على ضرب الجزية على المجوس) (¬7). وابن رشد (الحفيد) (595 هـ) حيث يقول: (فإن العلماء مجمعون على أنه يجوز أخذها من أهل الكتاب العجم ومن المجوس) (¬8)، وقال: (وكذلك اتفق عامة الفقهاء على أخذها من المجوس) (¬9). والرازي (606 هـ) حيث يقول: (المسألة الرابعة: اتفقوا على أن المجوس قد سن بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم. . .) (¬10). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وجملته أن الكفار ثلاثة أقسام. . . وقسم لهم شبهة كتاب وهم المجوس، فحكمهم حكم أهل الكتاب في قبول الجزية منهم وإقرارهم بها؛ لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" ولا نعلم بين أهل العلم خلافًا في هذين القسمين) (¬11). ¬
وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (فإن المجوس يقرون بالجزية باتفاق المسلمين) (¬1). وابن القيم (751 هـ) حيث يقول: (فأجمع الفقهاء على أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن المجوس) (¬2). والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (اتفق الأئمة على أن الجزية تضرب على أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى وعلى المجوس، فلا تؤخذ من عبدة الأوثان مطلقًا) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - ما ثبت "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ الجزية من مجوس هجر" (¬9). 2 - أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم، فقال عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه-: أشهد لقد سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" (¬10). • وجه الدلالة: أن هذين الحديثين صريحا الدلالة على مشروعية أخذ الجزية من المجوس. 3 - أن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- قال لعامل كسرى بين يدي معركة "نهاوند" في بلاد ¬
فارس ما نصه: "فأمرنا نبينا، رسول ربنا -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نقاتلكم حتى تعبدوا اللَّه وحده، أو تؤدوا الجزية" (¬1). • وجه الدلالة: أن طلب المغيرة -رضي اللَّه عنه- من الفرس وهم مجوس -أداء الجزية دليل على مشروعية أخذها من المجوس. 4 - عن أبي موسى الأشعري عن حذيفة بن اليمان قال: "لولا أني رأيت أصحابي أخذوا الجزية من المجوس ما أخذتها" (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في ذلك بعض أهل العلم على قولين: • القول الأول: أن الجزية لا تقبل إلا من اليهود والنصارى فقط (¬3). وحكي عن عبد الملك بن حبيب. ولم يُذكر له دليلًا، اللهم إلا أن يكون استمساكًا بظاهر القرآن في أخذ الجزية من أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى فقط في قول أكثر أهل العلم. لكن يمكن أن يُجاب عن ذلك بما قال أبو عبيد: (فالجزية مأخوذة من أهل الكتاب بالتنزيل، ومن المجوس بالسنة) (¬4). • القول الثاني: أن الجزية تؤخذ من مجوس العجم دون العرب (¬5). وهو قول يُنسب إلى بعض الحنفية بناءً على تفريقهم بين أعاجم أهل الكتاب والعرب منهم. R 1 - أن الإجماع متحقق على أخذ الجزية من المجوس العجم، وأما خلاف عبد الملك ابن حبيب فلا يخرم الإجماع؛ لأنه رأي شاذ محجوج بالسنة الصحيحة الصريحة. ¬
[135/ 6] عدم أخذ الجزية من مشركي العرب
2 - وأما المجوس العرب فالإجماع غير متحقق على مشروعية أخذ الجزية منهم، كما مضى في أهل الكتاب، واللَّه تعالى أعلم. [135/ 6] عدم أخذ الجزية من مشركي العرب: • المراد بالمسألة: أن الجزية لا تُعقد للمشركين من العرب، ولكن يدعون إلى الإسلام، فإن أسلموا وإلا قوتلوا، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن جرير الطَّبريُّ (310 هـ) حيث يقول: (أجمعوا على أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبي أخذ الجزية من عبدة الأوثان من العرب، ولم يقبل منهم إِلَّا الإسلام أو السَّيف) (¬1). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (لم يختلف مسلمان في أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقبل من الوثنيين من العرب إلا الإسلام أو السيف إلى أن مات -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهو إكراه في الدين) (¬2). والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (اتفق الأئمة على أن الجزية تضرب على أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، وعلى المجوس، فلا تؤخذ من عبدة الأوثان مطلقًا) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، وقول عند المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وأبو ثور، وداود، وجماعة من أهل العلم سواهم (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. فهذا عموم خُص منه أهل الكتاب بالذمة، بقوله سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا ¬
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]، فهذه الآية تقضي بجواز أخذ الجزية من أهل الكتاب خاصة، وأما ما عداهم من الكفار فيبقى على العموم (¬1). 2 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلَّا اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. . . " الحديث (¬2). • وجه الدلالة: أن الحديث عام في قتال جميع الكفار، وعدم قبول الجزية منهم، ولم يُخصَّص من هذا العموم إلا أهل الكتاب والمجوس، فمن عداهم من الكفار يبقى على العموم، فلا تقبل الجزية من عبدة الأوثان سواء أكانوا عربًا أم عجمًا. ولأن المشركين من عبدة الأوثان لم يكن عندهم سابقة من التوحيد والنبوة وشريعة فلا حرمة لمعتقدهم. 3 - ولأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأخذ الجزية من مشركي العرب (¬3). 4 - وما روي عن الزهري: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا من كان منهم من العرب" (¬4). 5 - واستدلوا من المعقول: بأن كفرهم قد تغلظ؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نشأ بين أظهرهم، والقرآن نزل بلغتهم، فالمعجزة في حقهم أظهر، لأنهم كانوا أعرف بمعانيه ووجوه الفصاحة فيه. وكل من تغلظ كفره لا يقبل منه إلا الإسلام، أو السيف لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] أي: تقاتلونهم إلى أن يسلموا. • الخلاف في المسألة: وذهب مالك في قول: وهو الراجح عند المالكية (¬5) - ¬
والأوزاعي (¬1) إلى أن الجزية تقبل من جميع الكفار، ومنهم المشركون وعبدة الأوثان، سواء أكانوا من العرب، أم من العجم، وسواء أكانوا قرشيين أم غير قرشيين. وصححه ابن العربي، وإليه ذهب ابن القيم، والشوكاني، والصنعاني (¬2). • واستدلوا لذلك بما يلي: 1 - بحديث بريدة قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصة نفسه بتقوى اللَّه. . . وقال: "اغزوا بايم اللَّه، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم" (¬3). وذكر من هذه الخصال الجزية؛ فقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عدوك من المشركين"، قال القاضي عياض: (فيه حجة لمالك وأصحابه في أخذ الجزية من كل كافر، عربيا كان أو غيره، كتابيا أو غيره) (¬4). 2 - واستدلوا لقبول الجزية من عبدة الأوثان بالقياس على المجوس، بجامع أن كلًّا منهما ليس له كتاب منزَّل (¬5). بل إن كفر المجوس أغلظ من عبادة الأصنام، فكيف يجعل المجوس الذين دينهم أقبح الأديان أحسن حالًا من مشركي العرب، فتُقبل منهم الجزية دون مشركي العرب (¬6). ونقل عن مالك أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا مشركي قريش.Rأن الإجماع غير متحقق على عدم أخذ الجزية من مشركي العرب، لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[136/ 7] لا جزية على المرتد
[136/ 7] لا جزية على المرتد: • تعريف المرتد: المرتد: هو المكلف الذي يرجع عن الإسلام طوعًا إما بتصريح بالكفر، أو بلفظ يقتضيه، أو بفعل يتضمنه (¬1). • المراد بالمسألة: أن المرتد عن الإسلام -والعياذ باللَّه- لا يمر على كفره بالجزية، بخلاف غيره من الكفار (¬2)، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (وبرهان ذلك: إجماعكم معنا على أن المرتد لا يقر على ردته، بخلاف المشرك الكتابي الذي يقر على كفره إذا أدى الجزية صاغرًا وتذمم، وأنه لا يقبل من المرتد جزية أصلًا)، ثم حكى أن قومًا ادعوا الإجماع على عدم قبول الجزية من المرتد حيث يقول: "فإن ادعوا أن المرتد لا تقبل منه جزية، ولا تؤكل ذبيحته، ولا يسترق إجماعًا) (¬3). والماوردي (450 هـ) حيث يقول: (أما المرتدون إذا كانوا في دار الإسلام ولم يلحقوا بدار الحرب فلا خلاف نعرفه في أنه لا يجوز سبيهم ولا استرقاقهم، تغليبًا لما تقدم من حرمة إسلامهم ولا يجوز أن تؤكل ذبائحهم، ولا ينكحوا تغليبًا لحكم شركهم، ولا تقبل جزيتهم، ولا يهادنوا) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). ¬
• مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16]. • وجه الدلالة: حيث ذهب بعض أهل العلم أن المراد بهم أهل الردة من بني حنيفة وغيرهم الذين قاتلهم أبو بكر الصديق، فقد جعل اللَّه حكمهم القتل أو الإسلام ولم يذكر الجزية. فدل أن الجزية لا تقبل من المرتد (¬1). 2 - وعن عكرمة قال: أتي علي -رضي اللَّه عنه- بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم، لنهي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "لا تعذبوا بعذاب اللَّه"، ولقتلتهم لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من بدل دينه فاقتلوه" (¬2). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث أن حكم المرتد هو القتل، فلا يقر بالجزية، ولا يقبل منه سوى الإسلام أو السيف. 3 - ولأن قبول الجزية موضوع للإقرار على الكفر، والمرتد لا يقر على كفره (¬3). • الخلاف في المسألة: أشار ابن حزم أن من السلف من قال بأخذ الجزية من المرتدين، حيث قال: (فَقَدْ صَحَّ عن بَعْضِ السَّلَفِ أَخْذُ الْجِزْيَةِ منهم) (¬4). والذي وقفت عليه من أقوال السلف في المسألة قول عمر بن عبد العزيز: وهو التفريق بين المرتد الذي عرف شرائع الإسلام ثم ارتد بعد ذلك: فهذا لا يقر ويقتل على ردته، وبين المرتد الذي لم يعرف شرائع الإسلام وهذا يُقر ولكن تُغلَّظ عليه الجزية. فقد كتب عروة إلى عمر بن عبد العزيز في رجل أسلم ثم ارتد، فكتب إليه عمر: أن سله عن شرائع الإسلام، فإن كان قد عرفها فاعرض عليه الإسلام، فإن أبي فاضرب عنقه، وإن كان لم يعرفها فغلظ الجزية ودعه (¬5). ¬
[137/ 8] صفة من يكلف بالجزية
والجواب عن هذه الرواية التي تدل على ترك المرتدين بعد فرض الجزية عليهم: بأنها خاصة في قوم أسلموا ثم ما لبثوا أن ارتدوا وقد جهلوا أحكام الشَّرْع، بدليل قوله: (وإن كان لم يعرفها)، ولذلك لم يطبق عليهم حكم الرِّدَّة، لفقدان شرط العلم. فهو مقصورٌ على حالة لا تتوافر فيها شروط إقامة الحد على جريمة الرِّدَّة.Rأن الإجماع متحقق على عدم الجزية من المرتد؛ لعدم وجود المخالف المعتبر. وأما ما روي من خلاف عن عمر بن عبد العزيز، فلا حجة في الاستدلال به على خلاف الإجماع، لأنه متأول بأن المرتد إذا لم ينطبق عليه شروط الرِّدَّة، أو أركانها، كأن يكون جاهلًا أو متأوَّلًا، أو كلاهما، فإنه يمكن حينئذ تعزيره، بالجزية وتغليظها عليه واللَّه أعلم. [137/ 8] صفة من يُكلَّف بالجزية: • المراد بالمسألة: بيان أوصاف من تجب عليهم الجزية وهذه الأوصاف هي: الذكورة، والعقل، والبلوغ، والحرية، وقد نقل الإجماع على وجوب توفر هذه الأوصاف فيمن تجب عليهم الجزية. • من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على ألَّا تؤخذ من صبي ولا من امرأة جزية، وأجمعوا على أن لا جزية على العبيد) (¬1). وأبو العباس المنصوري (نحو 350 هـ) حيث يقول: (وأجمع المسلمون أن الجزية لا تجب على النساء، ولا على الصبيان، ولا على العبيد) نقله عنه ابن القطان (¬2). وأبو بكر الجصاص (370 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف أن المرأة لا تؤخذ منها الجزية إلا أن يقع الصلح عليه) (¬3). وقال: (وأيضا لو كانوا عبيدًا لم يجز أن تؤخذ الجزية من رقابهم؛ لأنه لا خلاف أن العبيد لا جزية عليهم) (¬4). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على وجوب أخذ الجزية من اليهود والنصارى، ممن كان منهم من الأعاجم الذين دان أجدادهم بدين من الدينين قبل مبعث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يكن معتقًا، ولا بدل ذلك الدين بغيره، ولا شيخًا كبيرًا ولا ¬
مجنونًا ولا زمنًا ولا غير بالغ ولا امرأة ولا راهبًا ولا عربيًّا ولا ممن تجر في أول السنة وكان غنيًّا) (¬1). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (فهذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم فيه أن الجزية إنما تضرب على البالغين من الرجال دون النساء والصبيان) (¬2). وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أن الجزية لا تضرب على نساء أهل الكتاب ولا على صبيانهم حتى يبلغوا، ولا على عبيدهم ولا على مجنون ولا ضرير ولا شيخ فان ولا على أهل صوامع) (¬3). ونقله عنه الدمشقي مقرًّا له في"رحمة الأمة" (¬4). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (فإنهم اتفقوا على أنها -[الجزية]- إنما تجب بثلاثة أوصاف: الذكورية والبلوغ والحرية، وإنها لا تجب على النساء ولا على الصبيان إذا كانت إنما هي عوض من القتل، والقتل إنما هو متوجه بالأمر نحو الرجال البالغين إذ قد نهي عن قتل النساء والصبيان، وكذلك أجمعوا أنها لا تجب على العبيد) (¬5). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (قال: (ولا جزية على صبي، ولا زائل العقل، ولا امرأة، لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في هذا) (¬6)، وقال: (مسألة: قال: ولا على سيد عبد عن عبده، إذا كان السيد مسلمًا لا خلاف في هذا نعلمه) (¬7). والقرطبي (671 هـ): حيث يقول: (وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين، وهم الذين يقاتلون، دون النساء والذرية والعبيد والمجانين والغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني) (¬8). والأمير الصنعاني (852 هـ) في "سبل السلام" (¬9) نقلًا عن الإمام ابن رشد. فقد تضمَّنت هذه النصوص الإجماع على أن الجزية إنما تجب على من توفَّرت فيه الأوصاف التالية: الذكورة، فلا تجب الجزية على النساء. العقل والبلوغ، فلا تجب على المجنون، ولا الصبي. ¬
[138/ 9] عدم وجوب الجزية على النساء
الحرية، فلا تجب الجزية على العبيد. القدرة على أدائها، فلا تجب على الفقير. السلامة من الكبر، والعمى، والزمانة. أن يكون مخالطًا، فلا تجب على أهل الصوامع. وتفصيل هذه المسائل وتحقيق الإجماع فيها في المسائل الآتية: [138/ 9] عدم وجوب الجزية على النساء: • المراد بالمسألة: بيان أن الجزية لا تجب على المرأة، وإنما تؤخذ من الرجال، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: الإمام ابن المنذر (318 هـ)، وأبو العباس المنصوري (نحو 350 هـ)، وأبو بكر الجصاص (370 هـ)، وابن حزم (456 هـ)، وابن عبد البر (463 هـ)، وابن هبيرة (560 هـ)، وابن رشد (595 هـ)، وابن قدامة (620 هـ)، والقرطبي (671 هـ)، والأمير الصنعاني (852 هـ). • الموافقون للإجماع: وافق الجمهور من: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وأبي ثور (¬5)، وغيرهم (¬6) على أنَّ الجزية لا تفرض على النساء والصبيان، ولا على العبيد، إلَّا على الرجال الأحرار البالغين، روي ذلك عن مالكٍ، وأبي حنيفة، والشافعي، وأبي ثور، وغيرهم. قال أبو بكر بن المنذر: (لا أحفظ عن غيرهم خلاف قولهم) (¬7). • مستند الإجماع: 1 - لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ¬
الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]. • وجه الدلالة: من وجهين: حيث أوجب اللَّه تعالى الجزية على من هو أهل للقتال، لأن المقاتلة مفاعلة من القتال، فتستدعى أهلية القتال من الجانبين، والمرأة ليست من أهل القتال فلا تجب عليها الجزية. أن الجزية إنما تؤخذ من الرجال المقاتلين، لأن اللَّه تعالى يقول: {قَاتِلُوا الَّذِينَ}، ويقول: {حَتَّى يُعْطُواْ} وهذا أسلوب يقضي بأن المراد به الرجال (¬1). 2 - أن النبي -رضي اللَّه عنه- لما وجه معاذ -رضي اللَّه عنه- إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم -يَعني محتلمًا دينارًا (¬2). • وجه الدلالة: أن في قوله: (من كل حالم) دليل على أن الجزية إنما تجب على الذكران دون الإناث، لأن الحالم عبارة عن الرجل فلا وجوب لها على النساء (¬3). 3 - وعن أسلم مولى عمر، أن عمر -رضي اللَّه عنه- كتب إلى أمراء الأجناد: أن يقاتلوا في سبيل اللَّه، ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم، ولا يقتلوا النساء، ولا الصبيان، ولا يقتلوا إلا من جَرَتْ عليه المواسي. . .، وزاد أبو عبيد في روايته: وكتب إلى أمراء الأجناد: أن يضربوا الجزية، ولا يضربوها على النساء والصبيان، ولا يضربوها إلا على من جَرَتْ عليه المواسي. قال أبو عبيد: يعني: من أَنْبَتَ (¬4). قال أبو عبيد: (وهذا الحديث هو الأصل فيمن تجب عليه الجزية، ومن لا تجب عليه، ألا تراه إنما جعلها على المذكور المذكورين دون الإناث والأطفال، وأسقطها عمن لا يستحق القتل، وهم الذرية) (¬5). 4 - ولأن المرأة محقونة الدم، فتبذل لها الذمة بلا جزية، لأنها تابعة كالصبي. ¬
[139/ 10] لا تجب الجزية على المجنون المطبق، والصبي
• الخلاف في المسألة: خالف أبو محمد بن حزم فقال: الرجال والنساء، في كلِّ ذلك سواء، فأوجب الجزية على المرأة (¬1). • واستدلَّ على ما ذهب إليه بما يأتي: بعموم قول اللَّه تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. وعن مسروق قال: "بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- معاذ بن جبل إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم وحالمة من أهل الذمة دينارًا أو قيمته من المعافر" (¬2). • وجه الدلالة: حيث أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- معاذًا بأخذ الجزية من المذكور والإناث على حدٍّ سواء. 3 - أن المرأة كالرجل مطالبة بالإسلام، فتجب عليها الجزية كالرجل.Rأن الإجماع غير متحقق على أن الجزية لا تجب على النساء، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [139/ 10] لا تجب الجزية على المجنون المطبق، والصبي: • المراد بالمسألة: بيان أن من شروط وجوب الجزية العقل والبلوغ، وعليه فلا تؤخذ من المجنون المطبق (¬3) حتى يفيق، ولا من الصبي حتى يبلغ، وقد نقل الإجماع على ¬
ذلك. • من نقل الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: الإمام ابن المنذر (318 هـ)، وأبو العباس المنصوري (نحو 350 هـ)، وأبو بكر الجصاص (370 هـ)، وابن حزم (456 هـ)، وابن عبد البر (463 هـ)، وابن هبيرة (560 هـ)، وابن رشد (595 هـ)، وابن قدامة (620 هـ)، والقرطبي (671 هـ)، والأمير الصنعاني (852 هـ). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وأبو ثور (¬5)، وغيرهم (¬6). على أنَّ الجزية لا تفرض على المجانين والصبيان. • مستند الإجماع: 1 - لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]. وجه الدلالة حيث أوجب اللَّه تعالى الجزية على من هو أهل للقتال، لأن المقاتلة مفاعلة من القتال فتستدعي أهلية المقاتلين من بلوغ وعقل، فلا تجب الجزية على من ليس من أهل القتال كالصبي والمجنون، إذ لا يُتصوَّر القتال منهما (¬7). 2 - أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشد معاذًا لما بعثه إلى اليمن أن يأخذ الجزية من كل حالم -أي محتلم- دينارًا (¬8). • وجه الدلالة: أن مفهوم قوله: (حالم) وهو: الذي بلغ الحلم، يدل على المنع ¬
[140/ 11] لا تجب الجزية على الرقيق
في الصبي، (¬1) ومن طريق الأولى المجنون. 3 - وعن أسلم مولى عمر: "أن عمر -رضي اللَّه عنه- كتب إلى أمراء الأجناد: أن يقاتلوا في سبيل اللَّه، ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم، ولا يقتلوا النساء، ولا الصبيان، ولا يقتلوا إلا من جَرَتْ عليه المواسي. . . "، وزاد أبو عبيد في روايته: "وكتب إلى أمراء الأجناد: أن يضربوا الجزية، ولا يضربوها على النساء والصبيان، ولا يضربوها إلا على من جَرَتْ عليه المواسي". قال أبو عبيد: يعني: من أَنْبَتَ (¬2). 4 - ولأن الصبي والمجنون محقونا الدم، ومال من الأموال بدليل ملكهما بنفس الأسر كما تقدم، فلم يجب عليهما شيء بالسكنى (أي: بعقد الذمة)، كسائر الأموال (¬3).Rأن الإجماع متحقق على أنه لا جزية على الصبي ولا على المجنون المطبق، لأنهما غير مكلفين، ولم يخالف في ذلك أحد فيما أعلم، واللَّه تعالى أعلم. [140/ 11] لا تجب الجزية على الرقيق: • المراد بالمسألة: بيان أن من شروط وجوب الجزية الحرية، فلا تؤخذ من العبد، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: الإمام ابن المنذر (318 هـ)، وأبو العباس المنصوري (نحو 350 هـ)، وأبو بكر الجصاص (370 هـ)، وابن حزم (456 هـ)، وابن عبد البر (463 هـ)، وابن هبيرة (560 هـ)، وابن رشد (595 هـ)، وابن قدامة (620 هـ)، والقرطبي (671 هـ)، والأمير الصنعاني (852 هـ). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
[141/ 12] الجزية على الفقير
• مستند الإجماع: 1 - لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قال: {حَتَّى يُعْطُوا} ولا يقال لمن لا يملك حتى يعطي (¬1). 2 - ولما رُوي عن عمر أنه قال: "لا جزية على مملوك" (¬2). 3 - ولأن العبد ليس من أهل ملك الط ل، بل هو بنفسه مال، فلا تجب عليه الجزية (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف أبو محمد بن حزم فقال: الحر والعبد في كلِّ ذلك سواء، فأوجب الجزية على العبد (¬4) • واستدلَّ على ما ذهب اليه بما يأتي: 1 - بعموم قول اللَّه -تعالى-: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. 2 - أن العبد مطالب بالإسلام، فتجب عليه الجزية كالحر.Rأن الإجماع غير متحقق على أن الجزية لا تجب على الرقيق، لخلاف الظاهرية في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [141/ 12] الجزية على الفقير: • المراد بالمسألة: بيان أن من شروط وجوب الجزية القدرة على أدائها، وعليه فالفقير العاجز عن الكسب، أو الذي لم يجد كسبًا، لا تؤخذ منه الجزية، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: ابن حزم (456 هـ). ¬
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك في الجملة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية في وجه لهم (¬3) اختاره ابن المنذر (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: جعل أهل الجزية طبقات، وجعل أدناهم الفقير المعتمل (¬6). فدلَّ على أنها لا تجب على غير المعتمل. 2 - أن قواعد الشريعة كلها تقتضي ألا تجب على عاجز كالزكاة والدية والكفارة والخراج، لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، فلا واجب مع عجز. 3 - وقالوا: إذا لم يجب خراج الأرض في أرض لا نبات لها، لم يجب خراج الرقاب، في رقبة لا كسب لها أيضًا (¬7). • الخلاف في المسألة: يرى أبو ثور، وبعض الشافعية في أحد الوجهين في مذهبهم أن الجزية تجب على الفقير، ولا تسقط عنه. وعليه: فتكون دينًا في ذمته يُطالب بها إن أيسر. وقيل: بل يُخرج من بلاد الإسلام، ولا سبيل إلى إقامته في دار الإسلام بغير جزية (¬8). • وحجتهم: 1 - لعموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خذ من كل حالم دينارًا" (¬9). 2 - ولأنها تجب على سبيل العوض، فاستوى فيه المعتمل وغير المعتمل كالثمن والأجرة. 3 - ولأن المعتمل وغير المعتمل يستويان في القتل بالكفر فكلٌّ منهما غير محقون الدم، فاستويا في الجزية فعلى هذا يُنظر إلى الميسرة، فإذا أيسر طولب بجزية ما ¬
[142/ 13] لا تجب الجزية على الشيخ الفاني
مضى.Rأن الإجماع غير متحقق على أن الجزية لا تجب على الفقير؛ لوجود المخالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [142/ 13] لا تجب الجزية على الشيخ الفاني: • المراد بالمسألة: بيان أن الشيخ الفاني الذي بلغ به الكبر مبلغًا عظيمًا، وأصبح عاجزًا عن القتال، لا تؤخذ منه الجزية، لأنها لا تجب عليه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: ابن حزم (456 هـ)، وابن هبيرة (560 هـ)، والقرطبي (671 هـ). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية في قول (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: لأنه ليس من أهل القتال، فلا تجب عليه الجزية. • الخلاف في المسألة: يرى الشافعي -في أحد قوليه-: أن عليه الجزية، بناءً على جواز قتله، والزَّمِنِ، والأعمى، ومن في معناهم، فوجبت الجزية بدلًا عن القتل (¬5).Rأن الإجماع غير متحقق على أن الجزية لا تجب على الشيخ الفاني ما دام عاجزا عن القتال، لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [143/ 14] أهل الصوامع غير المخالطين لا جزية عليهم: • المراد بالمسألة: عُبَّاد النصارى ورهبانهم المنقطعون في صوامعهم غير المخالطين للناس، إذا لم تكن لهم علاقة بالحرب، وليس لهم عملٌ، ولا رأيٌ، ولا تدبيرٌ، ولا ¬
مشورة في أعمال القتال، فهؤلاء نُقل الإجماع بأنه لا جزية عليهم ما داموا على تلك الحال. • من نقل الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: ابن حزم (456 هـ)، وابن هبيرة (560 هـ). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: 1 - لأنهم ليسوا من أهل القتال في العادة؛ لأنهم حبسوا أنفسهم في الصوامع، فأشبهوا من لا يقدر على القتال، كالنساء والصبيان. 2 - ولأنهم لا كسب لهم، فأشبهوا الفقير غير المعتمل. • الخلاف في المسألة: ويرى الشافعية في القول الراجح في المذهب (¬4)، واحتمال (¬5) عند الحنابلة (¬6) أن الجزية واجبة عليهم. • واحتجوا بما يأتي: 1 - بعموم قول اللَّه تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. والراهب كافرٌ صحيحٌ قادرٌ على أداء الجزية. فتجب عليه. 2 - وعن عمر بن عبد العزيز، أنه فرض على رهبان أهل الديارات (¬7)، على كل راهب دينارين (¬8). 3 - أن الجزية عوض عن سكنى دار الإسلام، والراهب كغيره في الانتفاع بالدار، ¬
[144/ 15] لا تجب الجزية على الزمنى وأصحاب العاهات
فلا تسقط عنه الجزية.Rأن الإجماع غير متحقق على أن الجزية غير واجبة على أهل الصوامع غير المخالطين، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. وأما إذا كانوا من المخالطين، أو ممن لهم أعمال وتجارات، فإنهم كسائر أهل الكتاب، تؤخذ عليهم الجزية بالإجماع، كما أوضحنا ذلك في مسألة: (أخذ الجزية من أهل الكتاب). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (من له تجارة منهم أو زراعة وهو مخالطهم أو معاونهم على دينهم، كمن يدعو إليه من راهب وغيره، تلزمه الجزية، وحكمه حكمهم، بلا نزاع) (¬1). [144/ 15] لا تجب الجزية على الزمنى وأصحاب العاهات: • تعريف الزمنى، وأصحاب العاهات: الزمنى: جمع زَمِنٍ، يقال: رجل زَمِنٌ أَي مُبْتَلًى بَيِّنُ الزَّمانة، والزَّمانة العاهة (¬2). أصحاب العاهات: جمع عاهة وهي الآفة التي تصيب الإنسان وغيره وتلازمه (¬3). والمراد بهم: أصحاب الأمراض والآفات المزمنة، التي لا يُرجى برؤها كالشلل، والعمى ونحوها. • المراد بالمسألة: بيان أن من شروط وجوب الجزية على الذمي أن يكون صحيحًا سالمًا من العاهات المزمنة، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: ابن حزم (456 هـ)، وابن هبيرة (560 هـ) في الضرير. • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والشافعية في قول (¬5)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: 1 - عموم قول اللَّه -تعالى-: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت الآية الكريمة أن الجزية تؤخذ ممن كان منهم من أهل القتال، ولذلك لا تؤخذ الجزية ممن لم يكن من أهل القتال: كالأعمى والزمن والمشلول، سواء أكان موسرا، أم غير موسر، كالنساء والصبيان. 2 - ولأن الجزية تؤخذ ممن أبيح قتله من الحربيين، وهؤلاء لا يقتلون. • الخلاف في المسألة: وفي المسألة قولان آخران: • القول الأول: ذهب المالكية (¬2)، وأبو يوسف من الحنفية (¬3) إلى أن الجزية تؤخذ من الزمنى والعميان وأصحاب العاهات إذا كان لهم مال. • واحتجوا بما يأتي: 1 - بأن هؤلاء المصابين بالعاهات المزمنة أهل للقتال إذ إنهم يقتلون إذا كانوا ذوي رأي في الحرب والقتال، فتجب عليهم الجزية، كما تجب على غيرهم. 2 - ولأن الجزية تجب على الفقير المعتمل، ووجود المال عند هؤلاء المصابين أكثر من القدرة على العمل، فتجب عليهم الجزية إذا كانوا موسرين، ولا تجب عليهم إذا كانوا معسرين. 3 - أن هذا ما كان عليه عمل الصحابة -رضي اللَّه عنهم- فقد جاء في كتاب الصلح بين خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- وأهل الحيرة: (وجعلت لهم أيُّما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيًّا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام. .) (¬4). • القول الثاني: وذهب أبو ثور والمذهب عند الشافعية إلى أن الجزية تؤخذ من ¬
[145/ 16] أولاد أهل الجزية يجري عليهم الحكم الذي عقده أجدادهم، ولا يحتاجون إلى تجديده
المصابين بالعاهات المزمنة، ولو لم يكونوا موسرين (¬1). 1 - واستدلوا لذلك بعموم قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. فهو يشمل الزمنى والعميان وأصحاب العاهات. 2 - ولأنها كأجرة الدار، فاستوى فيها أصحاب الأعذار، وغيرهم.Rأن الإجماع غير متحقق على أن الجزية لا تجب على الزمنى وأصحاب العاهات، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. • [145/ 16] أولاد أهل الجزية يجري عليهم الحكم الذي عقده أجدادهم، ولا يحتاجون إلى تجديده: • المراد بالمسألة: بيان أن عقد الجزية قد يجري في بعض الأحيان عن طريق التبع، فإن الأولاد الصغار يدخلون في عقد الجزية تبعًا لآبائهم، ولذلك لا يحتاجون إلى تجديده بعد بلوغهم، فهم أهله بالعقد الأول الذي عقده آباؤهم، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن أولاد أهل الجزية ومن تناسل منهم، فإن الحكم الذي عقده أجدادهم، وإن بعدوا جارٍ عليهم لا يحتاج إلى تجديده مع من حدث منهم) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية في وجه (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أنه لم يأت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا عن أحد من خلفائه كلهم في جميع الأعصار، تجديد العقد لكل من بلغ بعقد جديد، ولا يهمل الأئمة مثل هذا الأمر لو كان مشروعًا. ¬
[146/ 17] الجزية تجب مرة واحدة في العام
2 - ولأنهم دخلوا في العقد تبعًا مع آبائهم كما كانوا يدخلون في عقد الهدنة تبعًا. 3 - ولأنه عقد مع الكفار، فلم يحتج إلى استئنافه لهؤلاء، كعقد المؤمنين. • الخلاف في المسألة: يرى الشافعية في وجه هو الأصح: تخيير أولاد أهل الجزية البالغين بين التزام العقد وبين أن يرد إلى مأمنه، فإن اختار الذمة عقدت له، وإن اختار اللحاق بمأمنه أجيب إليه (¬1). ولم يذكروا لهم دليلًا فيما ذهبوا إليه.Rأن الإجماع غير متحقق على أن أولاد أهل الجزية يجري عليهم الحكم الذي عقده أجدادهم، ولا يحتاجون إلى تجديده، لوجود الخلاف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [146/ 17] الجزية تجب مرة واحدة في العام: • المراد بالمسألة: بيان أن المال المعقود عليه في عقد الجزية، يجب تحصيله من الذميين مرة واحدة كل عام، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الحافظ ابن حجر العسقلاني (852 هـ) حيث يقول: (ولا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقًا) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أن الجهاد أقل ما يُفعل مرة واحدة، والجزية بدلٌ عن النصرة في الجهاد، فلها حكم مُبدلها. 2 - وقياسًا على زكاة المال في حق المسلم، وخراج الأرض على الذمي فإنهما لا يجبان إلا مرة في الحول.Rأن الإجماع متحقق على أن الجزية تجب مرة واحدة في العام، لعدم ¬
[147/ 18] يجب أداء الجزية آخر الحول
المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [147/ 18] يجب أداء الجزية آخر الحول: • المراد بالمسألة: بيان أن وقت وجوب أداء الجزية هو آخر الحول، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن رشد الحفيد (595 هـ) حيث يقول: (فإنهم اتفقوا على أنها لا تجب إلا بعد الحول. . . وإنهم اتفقوا على أنه لا تجب عليه قبل انقضاء الحول، لأن الحول شرط في وجوبها فإذا وجد الرافع لها وهو الإسلام قبل تقرر الوجوب -أعني قبل وجود شرط الوجوب- لم تجب) (¬1). وابن القيم (751 هـ) حيث يقول: (وهذه كانت سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيهم أنهم إذا التزموا له بذل الجزية كف عنهم بمجرد التزامهم، ولهذا يحرم قتالهم إذا التزموها قبل إعطائهم إياها اتفاقًا) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. • وجه الدلالة: أن المراد بالآية التزام إعطاء الجزية، دون نفس الإعطاء، فالغاية: هي قبولهم ذمتنا، وعبَّر فيها بالجزية لما فيها من معنى العوض، بدليل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثم ادعهم إلى الجزية، فإن هم أجابوك، فاقبل منهم، وكُفَّ عنهم. ." (¬6)، فأمره بالكف اقترن بقبولهم الجزية لا بدفعهم إياها. 2 - وقياسًا على الزكاة في مال المسلم، فإنها تجب في آخر الحول. • الخلاف في المسألة: يرى الحنفية أن أخذ الجزية يجب في أول الحول الذي تُعقد فيها الذمة للذمي (¬7). ¬
[148/ 19] تصرف الجزية من غير تخميس في مصالح المسلمين
• وحجتهم: 1 - استدلوا بقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. • وجه الدلالة: أن اللَّه أمر بقتال الكفار، وجعل الغاية: التي نكف عنهم بمقتضاها هو الدفع المنجز للجزية مقرونًا بعقد الذمة. 2 - ولأن الجزية تجب عوضًا لحقن الدم، وعصمة النفس في المستقبل، فلا تؤخر إلى آخر السنة، فوجب أن يتقرر العوض قياسًا على سائر المعوضات.Rأن الإجماع غير متحقق على أن الجزية يجب أداؤها في آخر الحول؛ لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [148/ 19] تُصرف الجزية من غير تخميس في مصالح المسلمين: • المراد بالمسألة: بيان أن الجزية التي تؤخذ من أهل الذمة تُصرف في مصالح المسلمين كالفيء يصرف جميعه -ولا يُخمَّس- في مصالح المسلمين العامة ومرافق الدولة الهامة: كأرزاق المجاهدين وذراريهم وسد الثغور، وبناء الجسور، والمساجد والقناطر، وإصلاح الأنهار التي لا مالك لها، ورواتب الموظفين من القضاة والمدرسين والعلماء والمفتين والعمال وغير ذلك، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأما المسألة السادسة وهي: في ماذا تصرف الجزية؟ فإنهم اتفقوا على أنها مشتركة لمصالح المسلمين، من غير تحديد، كالحال في الفيء) (¬1). وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (ولم يختلفوا: أن حكم ما يؤخذ منهم على ذلك بمثابة حكم الجزية، لا حكم الصدقة، ويوضع في مال الفيء) (¬2). وابن رجب الحنبلي (795 هـ) حيث يقول: (وحكى طائفة من أصحابنا -منهم أبو الخطاب- الإجماع على أن الجزية لا تُخمَّس) (¬3). ¬
• الموافقون للإجماع: وافق: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7]. قال معمر: "بلغنا أن هذه الآية نزلت في الجزية، والخراج" (¬6). 2 - عن أنس: "أُتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمال من البحرين، فقال: "انثروه في المسجد"، فكان أكثر مال أتي به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الصلاة ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدًا إلا أعطاه، إذ جاءه العباس، فقال: يا رسول اللَّه، أعطني، إني فاديت نفسي، وفاديت عقيلًا، قال: "خذ"، فحثا في ثوبه، ثم ذهب ويُقِلُّهُ فلم يستطع، فقال: اؤْمُرْ بعضهم يرفعه إلي، قال: "لا"، قال: فارفعه أنت علي، قال: "لا"، فنثر منه، ثم ذهب يُقِلُّهُ فلم يرفعه، فقال: اؤْمُرْ بعضهم يرفعه علي، قال: "لا"، قال فارفعه أنت علي قال: "لا"، فنثر ثم احتمله على كاهله، ثم انطلق فما زال يتبعه بصره حتى خفي علينا، عجبا من حرصه، فما قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وثَمَّ منها درهم" (¬7). • وجه الدلالة: أن مال البحرين من مال الجزية، وقد صرفه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الناس حسب ما تقتضيه المصلحة، وسدًّا لحاجاتهم. 3 - ولأنه مال وصل إلى المسلمين بغير قتال، فيكون لبيت مالهم معدًّا لمصالحهم، وذلك في مثل: (أرزاق المقاتلة وذراريهم، وسد الثغور. .) أما سد ¬
[149/ 20] سقوط الجزية بالإسلام قبل انقضاء الحول
الثغور وبناء القناطر والجسور فمصلحة عامة؛ وأما أرزاق من ذكر فلأنهم يعملون للمسلمين فيجب كفايتهم عليهم، والمقاتلة يقاتلون لنصرة الإسلام والمسلمين، وإعزاز كلمة الدين، ولتكون كلمة اللَّه هي العليا، فيجب على الإمام والمسلمين كفايتهم، وكفاية: ذريتهم، إذ لو لم يكفوا لاشتغلوا بالاكتساب للكفاية (¬1). 4 - أما عدم تخميس الجزية فمستنده: أن عمر -رضي اللَّه عنه- لما قرأ هذه الآية: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7]، قال: "استوعبت هذه الآية المسلمين عامة، فليس أحد إلا له فيها حق، ثم قال: ولئن عشت ليأتين الراعي -وهو بسَرْوِ حمير (¬2) - نصيبه منها، لم يعرق فيها جبينه" (¬3). • الخلاف في المسألة: يرى الشّافعيّة في الجديد (¬4)، والخرقيّ من الحنابلة (¬5) أن الجزية تصرف في مصالح المسلمين إلا أنها تُخمَّس ويُصرف خمسه إلى من يصرف إليه خمس الغنيمة. واحتجوا، بالقياس على الفيء بجامع أن كلًّا من المالين حصل للمسلمين من غير قتال. R 1 - أن الإجماع متحقق على أن الجزية تُصرف لمصالح المسلمين، لعدم المخالف في ذلك. 2 - أن الإجماع غير متحقق على أن الجزية تُخمَّس، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [149/ 20] سقوط الجزية بالإسلام قبل انقضاء الحول: • المراد بالمسألة: بيان أن من وجبت عليه الجزية إذا أسلم قبل انتهاء الحول، ولم تستوف منه، فإنها تسقط عنه، ولا يُلزم بها، ولا تُؤخذ منه بعد إسلامه. وقد نقل ¬
الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث يقول: (وَالْعَمَلُ على هذا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إذا أَسْلَمَ وُضِعَتْ عنه جِزْيَةُ رَقَبَتِهِ) (¬1). وابن المنذر (380 هـ) حيث يقول: (وأجمع أهل العلم على أن لا جزية على المسلمين) (¬2). وابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن كل جزية ساقطة من المستأمن إذا أسلم، وان لم يكن كافرا فلا جزية عليه) (¬3). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن الذمي إذا أسلم فلا جزية عليه فيما يستقبل) (¬4). وابن رشد الحفيد (595 هـ) حيث يقول: (إنهم اتفقوا على أنها لا تجب إلا بعد الحول وأنه تسقط عنه إذا أسلم قبل انقضاء الحول) (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية في قول (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت الآية الكريمة أن الكافر إذا أسلم يغفر له ما قد مضى من دمٍ أو مالٍ أو أي شيء (¬10). 2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تصلح قبلتان في أرض واحدة، وليس على مسلم جزية" (¬11). ¬
[150/ 21] جواز أخذ العشر على تجار أهل الذمة زيادة على الجزية إذا شرط عليهم
• وجه الدلالة: أن الحديث نص صريح في سقوط الجزية عن المسلم. 3 - لأن الحول شرط في وجوبها فإذا وجد الرافع لها وهو الإسلام قبل تقرر الوجوب -قبل وجود شرط الوجوب- لم تجب كالزكاة. 4 - ولأن الجزية وجبت بطريق العقوبة، لا بطريق الديون، وعقوبات الكفر تسقط بالإسلام كالقتل، وبهذا فارق سائر الديون. 5 - ولأنها وجبت وسيلة إلى الإسلام فلا تبقى بعد الإسلام. 6 - ولأن الجزية صغار، فلا تؤخذ منه، كما لو أسلم قبل الحول. • الخلاف في المسألة: ويرى الشافعية في الأصح وأبو ثور أن الجزية لا تسقط بالإسلام، بل تؤخذ منه بعد إسلامه (¬1). • وحجتهم: أن الجزية حق ثبت في الذمة، ووجبت عوضًا عن حقن الدم والسكنى في دار الإسلام، وقد استوفى المعوض، فتقرر العوض وهو الجزية، كالخراج وسائر الديون.Rأن الإجماع غير متحقق على أن الجزية تسقط بالإسلام قبل انقضاء الحول، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [150/ 21] جواز أخذ العُشر على تجار أهل الذمة زيادة على الجزية إذا شُرط عليهم: • تعريف العشر: • العشر هو: ما يُفرض على الكفار في أموالهم المعدَّة للتجارة، إذا انتقلوا بها من بلد إلى بلد في دار الإسلام، وسميت بذلك لكون المأخوذ عُشرًا أو مضافًا إلى العشر، كنصف العشر وربعه (¬2). ¬
• المراد بالمسألة: أن أخذ العشر من تجارة غير المسلمين عند دخولهم بها إلى دار الإسلام، إذا كان ذلك شرطًا عليهم جائز، ويصبح واجبًا عليهم ما لم تكن بالناس حاجة أو ضرورة لتلك التجارة، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن أهل الذمة إذا رضوا حين صلحهم الأول بالتزام خراج في الأرضين أو بعشر، أو بتعشير من تجر منهم في مصره وفي الآفاق، أو بأن يؤخذ منهم شيء معروف زائد على الجزية محدود يحل ملكه، وكان كل ذلك زائدا على الجزية أن كل ذلك إذا رضوه أولا، لازم لهم ولأعقابهم في الأبد) (¬1). والسرخسي (483 هـ) حيث يقول (اعلم أنا اتبعنا الأثر في هذا فقلنا: يأخذ العاشر من المسلم الذي مر عليه ربع العشر، ومن الذمي نصف العشر، ومن الحربي العشر، لأن عمر -رضي اللَّه تعالى عنه- هكذا أمر عاشره بأخذ العشر، وكان ذلك بمشهد من المهاجرين والأنصار، ولم ينكر عليه أحد فحل محل الإجماع) (¬2). وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (ومن يجز من أهل الذمة إلى غير بلده، أخذ منه نصف العشر في السنة، اشتهر هذا عن عمر -رضي اللَّه عنه- وصحت الرواية عنه به. . . وهذا كان بالعراق، واشتهرت هذه القصص ولم تنكر، فكانت إجماعًا، وعمل به الخلفاء بعده) (¬3). وقال أيضًا: (وإذا دخل إلينا منهم تاجر حربي بأمان أخذ منه العشر. . . وأن عمر أخذ منهم العشر، واشتهر ذلك فيما بين الصحابة، وعمل به الخلفاء الراشدون بعده والأئمة بعده في كل عصر من غير نكير، فأي إجماع يكون أقوى من هذا) (¬4). والشوكاني (1255 هـ) حيث يقول -بعد أن أورد الآثار في ضرب العشور عن عمر -رضي اللَّه عنه- (وَفِعْلُ عُمَرَ وَإِنْ لم يَكُنْ حُجَّةً، لَكِنَّهُ قد عَمَلَ الناس بِهِ قَاطِبَةً، فَهُوَ إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ) (¬5) ¬
• الموافقون للإجماع: وافق: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن عَطَاء بن السائبِ عن حرْب بن عبيد اللَّه عن جدِّه أبي أُمِّهِ عن أبيه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما العشور على اليهود والنصارى وليس على أهل الإسلام عشور" (¬6). • وجه الدلالة: أن الحديث يدل على أنه لا يؤخذ من المسلم مال سوى الزكاة، ويؤخذ من اليهود والنصارى عشر التجارات وهو حَقٌّ لِلْمسْلِمِينَ وَاجِبٌ عليهم كَالْجِزْيَةِ الْوَاجِبَةِ لهم عليهم (¬7). 2 - عن أبي مجلز لاحق بن حميد قال: "قيل لعمر -رضي اللَّه عنه-: كيف نأخذ من تجار الحرب إذا قدموا علينا، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: كيف يأخذون منكم إذا أتيتم بلادهم؟ قالوا: العشر، قال: فكذلك خذوا منهم" (¬8). 3 - وعن السائب بن يزيد أنه قال: "كنت غلامًا عاملًا مع عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب، فكنَّا نأخذ من النَّبط (¬9) ¬
[151/ 22] جواز أخذ مقدار أو شيء معروف ومحدد، كالخراج، والعشور، وما صولحوا عليه قدرا زائدا على الجزية
العُشْرَ" (¬1). 4 - وعن عبد الرحمن بن معقل قال: "سألت زياد بن حدير: من كنتم تعشرون؟ قال: ما كنا نعشر مسلمًا ولا معاهدًا قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار الحرب كما كانوا يعشروننا إذا أتيناهم" (¬2). 5 - ومن المعقول: فالتاجر الذي ينتقل بتجارته من بلد إلى آخر يحتاج إلى الأمان، والحماية: من اللصوص وقطاع الطرق، والدولة الإسلامية تتكفل بتأمين ذلك عبر طرقها وممراتها التجارية، فالعشر الذي يؤخذ من التاجر هو في مقابل تلك الحماية، والانتفاع بالمرافق العامة للدولة الإسلامية (¬3).Rأن الإجماع متحقق على جواز أخذ العشر من تجار غير المسلمين إذا دخلوا بلاد الإسلام، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [151/ 22] جواز أخذ مقدار أو شيء معروف ومحدد، كالخراج، والعشور (¬4)، وما صولحوا عليه قدرًا زائدًا على الجزية: • تعريف الخراج: • الخراج لغة: يُطلق على الكراء والغلة، وعلى الإتاوة تؤخذ من الأموال (¬5). • وفي الاصطلاح: هو ما يوضع على الأرض غير العشرية من حقوق تؤدى عنها إلى بيت المال (¬6). ويتفق الخراج مع الجزية: في أنهما يجبان على أهل الذمة، ويصرفان في مصارف الفيء. ومن الفروق بينهما: أن الجزية توضع على الرؤوس، أما الخراج فيوضع على ¬
الأرض، والجزية تسقط بالإسلام، أما الخراج فلا يسقط بالإسلام، ويبقى مع الإسلام والكفر (¬1). • المراد بالمسألة: بيان أن الجزية واجبة على الذمي، وأن حكمها حكم الديون، واجب في ذمته، لأجل حقن دمه، وبدلًا عن حمايته ونصرته، ولهذا لا مانع من أن يجتمع مع الجزية خراج على أرضه التي يزرعها، أو عشر ما اتجر به في بلاد المسلمين، وكذلك ما اشتُرِط عليهم ورضوا به كضيافة من مر بهم من المسلمين، وقد نُقل الإجماع على جواز اجتماع تلك الواجبات المالية مع الجزية على الذمي. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن أهل الذمة إذا رضوا حين صلحهم الأول بالتزام خراج في الأرضين أو بعشر، أو بتعشير من تجر منهم في مصره وفي الآفاق، أو بأن يؤخذ منهم شيء معروف زائد على الجزية محدود يحل ملكه، وكان كل ذلك زائدًا على الجزية أن كل ذلك إذا رضوه أولا، لازم لهم ولأعقابهم في الأبد) (¬2). والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (ويجوز أن يشترط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين بلا نزاع) (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "منعت العراق درهمها وقفيزها (¬8)، ومنعت الشام مديها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم" قالها ثلاثا، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه" (¬9). ¬
• وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث على أن وجوب الجزية لا ينفي وجوب الخراج والعشر على أهل الذمة؛ لأنه جمع بين القفزان والنقد، والعشر يؤخذ بالقفزان، والخراج من النقد (¬1). 2 - وعن الأحنف بن قيس: "أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- كان يشترط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة، وأن يصلحوا قناطر، وإن قتل بينهم قتيل فعليهم ديته، وقال غيره عن هشام، وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته" (¬2). • وجه الدلالة: حيث دلَّ على جواز اشتراط الضيافة على أهل الذمة، وهي قدر زائد على الجزية لا تلزمهم إلا بالشرط. 3 - أنه لا مانع من اجتماع عدد من الواجبات المالية على أهل الذمة إضافة إلى الجزية، إذا اقتضى ذلك ما يوجب المصلحة، وكان ذلك برضاهم، ولا سيما إذا كان يُحقق لهم في مقابل ذلك منافع متنوعة، فالخراج أجرة عن أرض ذات منفعة، والجزية عوض عن حقن الدم والإقرار على الكفر والحماية: والسكنى في بلاد المسلمين، والعشر عوض عن انتفاع التاجر الذمي بمرافق الدولة كطرق المواصلات، وتوفير الحماية: له أثناء التنقل من بلد إلى بلد، مما يُهيِّئ له أسباب الربح.Rأن الإجماع متحقق على جواز أخذ مقدار أو شيء معروف ومحدد، كالخراج، والعشور، وما صولحوا زائدًا على الجزية، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في الفيء
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في الفيء تمهيد: في تعريف الفيء: • الفيء في اللغة: مأخوذ من فاء يَفِيء، إذا رجع، كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم. ومنه قيل للظِّل الذي يكون بعد الزوال: فيء؛ لأنه يرجع من جانب الغرْب إلى جانب الشرق (¬1). • وفي الاصطلاح: هو المال الحاصل للمسلمين من أموال الكفار بغير قتال (¬2). ومما يدخل في الفيء: مال الجزية، والخراج، وعشور تجارة أهل الحرب والذمة، ومال المرتد، وما يتركه الكفار فزعًا أو اختيارًا، ومال الذمي إذا هلك ولم يكن له وارث خاص. [152/ 1] الإمام هو من يتولَّى جباية الفيء، وتفريقه حسب المصلحة: • المراد بالمسألة: بيان أن من يتولى جباية الفيء وتحصيله ممن هم أهله هو الإمام، أو من يقوم مقامه، وذلك يُعد ضمن واجباته ومسؤولياته الجسام في استيفاء الحقوق المالية للدولة، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) كما نقله عنه ابن حجر حيث قال: (كان أبو عبد اللَّه رجل من الصحابة يقول: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان". قال الطحاوي: لا نعلم له مخالفًا من الصحابة) (¬3). والجصاص (370 هـ) حيث يقول: (وقال عبد اللَّه بن محيريز: "الحدود والفيء والجمعة والزكاة إلى السلطان". . . والسلف قد روي عنهم ذلك ولا نعلم عن أحد من الصحابة خلافه) (¬4). وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): (أما ما يأخذه ولاة المسلمين من العشر، وزكاة ¬
الماشية والتجارة وغير ذلك، فإنه يسقط ذلك عن صاحبه، إذا كان الإمام عادلًا يصرفه في مصارفه الشرعية باتفاق العلماء) (¬1). وابن رجب الحنبلي (795 هـ) حيث يقول: (للإمام ولاية المطالبة بالخراج، كجزية الرؤوس، وقد كان عمر وعثمان وعلي ومن بعده يبعثون عمالهم على جباية الخراج، وهذا متفق عليه) (¬2). • الموافقون للإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: أن هذا هو ما جرت عليه سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وخلفائه الراشدين، وولاة المسلمين من بعدهم، أنهم كانوا يتولون جباية الفيء وقسمته، ومما يدل على ذلك ما يأتي: عن الحكم قال: "كتب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى معاذ بن جبل وهو باليمن: أن يأخذ من كل حالم أو حالمة دينارًا، أو قيمته، ولا يفتن يهودي عن يهوديته" (¬7). أن بلالًا قال لعمر بن الخطاب: "إن عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج فقال: لا تأخذوا منهم، ولكن ولوهم بيعها، وخذوا أنتم من الثمن" (¬8). • وجه الدلالة من الحديث والأثر: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وخلفاءه من بعده كانوا يقومون على جباية الفيء، ولم يتركوا ذلك لآحاد الرعية. وعن مسلم بن يسار، عن أبي عبد اللَّه رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال مسلم: كان ابن عمر يأمرنا أن نأخذ عنه، قال: هو عالم فخذوا عنه، فسمعته يقول: "الزكاة والحدود والفيء والجمعة إلى السلطان ثم قال: أرأيتم لو أخذتم لصوصًا، أكان لكم ¬
[153/ 2] من أسلم من أهل العنوة فأرضه فيء للمسلمين
أن تقطعوا بعضهم وتدعوا بعضهم؟ قال: قلنا: لا، قال: أفرأيتم لو رفعتموهم إليهم، فقطعوا بعضهم وتركوا بعضهم، أكان عليكم منهم شيء؟ قال: قلنا: لا، أما نحن فقد قضينا ما علينا، قال: فهكذا تجري الأمور" (¬1). وعن عبد اللَّه بن محيريز قال: "الحدود والفيء والجمعة والزكاة إلى السلطان" (¬2). وقال الحسن البصري: "أربع من أمر الإسلام إلى السلطان: الحكم والفيء والجهاد والجمعة" (¬3). ولأن الفيء يُصرف في المصالح العامة، ويحتاج إلى اجتهاد، ويتعلق بها جميع المسلمين، والإمام هو النائب لهم، والمجتهد في تعيين مصالحهم (¬4).Rأن الإجماع متحقق على أن الإمام هو من يتولَّى جباية الفيء، وتفريقه حسب المصلحة؛ لعدم المخالف المعتبر في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [153/ 2] من أسلم من أهل العنوة فأرضه فيء (¬5) للمسلمين: • المراد بالمسألة: بيان أن أرض الكفار التي يستولي عليها المسلمون بالقوة والقهر، وينقاد أهلها عنوة، ثم يُسلم أهلها عليها، أن أرضهم تكون فيئًا للمسلمين لا تقسم، بل تكون وقفًا في مصالح المسلمين، على حكم الفيء، لا يستأثر أحد بملك أعيانها، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حجر العسقلاني (852 هـ) حيث يقول: (وقال المهلب. . . فاتفق العلماء على أن من أسلم من أهل الصلح فهو أحق بأرضه، ومن أسلم من أهل العنوة فأرضه فيء للمسلمين) (¬6). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: المالكية في المشهور (¬7)، ورواية ¬
للحنابلة (¬1). وقال به من السلف: الحسن البصري، وعطاء بن السائب، وشريك النخعي، وغيرهم (¬2). • مستند الإجماع: وحجتهم: فعل عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- بأرض مصر، والشام، والعراق، إذ إنه لم يقسم الأراضي بل وقفها على مصالح المسلمين، ولم ينكر عليه أحدٌ من الصحابة، إلا نفرٌ يسير (¬3). قال مالك: (بلغني أن بلالًا وأصحابه سألوا عمر في قسم الأرض المأخوذة عنوة، فأبى ذلك عليهم، وكان بلال من أشد الناس عليه كلامًا، فزعم من حضر ذلك أن عمر دعا عليهم فقال: "اللهم اكفنيهم" فلم يأت الحول وواحد منهم حي، ولم ينكر أحد من الصحابة عليه ذلك، وتلاه عثمان وعلي على مثل ذلك، وقد غنم عليه الصلاة والسلام غنائم وأراضي فلم ينقل أنه قسم منها إلا خيبر، وهذا إجماع من السلف) (¬4). • الخلاف في المسألة: وللفقهاء في هذه المسألة قولان آخران عدا القول المحكي عليه الإجماع: • القول الأول: ذهب الشافعية (¬5)، والظاهرية (¬6)، وأبو ثور وغيرهم (¬7) إلى تقسيم الأرض المفتوحة عنوة بين الغانمين، كسائر ما ظهر عليه الإمام من قليل أموال المشركين أو كثيره، وحكم اللَّه عز وجل في الغنيمة أن تخمس. • وحجتهم: 1 - عموم قوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]. • وجه الدلالة: أن هذا نصٌّ عامٌّ فيدخل في ذلك جميع ما غنموا من الأرض أو غيرها. 2 - وما ثبت أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قسم خيبر على الغانمين (¬8). ¬
[154/ 3] جواز إعطاء المجاهدين وذراريهم من مال الفيء
• القول الثاني: وذهب الحنفية (¬1)، والحنابلة في المشهور عنهم (¬2) إلى أن الإمام مُخيَّرٌ في هذه الأرض يفعل ما يراه الأصلح من قسمتها بين الغانمين، أو بين إقرار أهلها عليها وضرب الخراج على أراضيهم. وحجتهم: أن قسمها في المغانم ثابت من فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بخيبر، ووقفها فيئًا لمصالح المسلمين ثابت من فعل عمر -رضي اللَّه عنه- بأرض السواد (¬3). فالإمام مخيَّرٌ بينهما.Rأن الإجماع غير متحقق على أن من أسلم من أهل العنوة فأرضه فيء للمسلمين، لوجود الخلاف المعتبر بين أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم. [154/ 3] جواز إعطاء المجاهدين وذراريهم من مال الفيء: • المراد بالمسألة: بيان أن من المصارف المشروعة للفيء الإنفاق منها على المجاهدين، ومن يعولونهم من الذرية والنساء، نظير تفرُّغهم للجهاد، والانشغال به عن التكسُّب وطلب الرزق، وقد نُقل الإجماع على جواز إعطائهم من مال الفيء. • من نقل الإجماع: ابن حجر العسقلاني (852 هـ) حيث يقول: (لما رأى الإجماع على أن أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وغير ذلك من مال الفيء) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). قال الشافعي: (ينبغي للإمام أن يحصي جميع من في البلدان من المقاتلة: وهم من قد احتلم واستكمل خمس عشرة سنة من الرجال، ويحصي الذرية: وهم من دون المحتلم، ودون البالغ خمس عشرة، والنساء: صغيرتهن وكبيرتهن، ويعرف قدر نفقاتهم، وما يحتاجون إليه في مؤناتهم بقدر معاش مثلهم في بلدانهم، ثم يعطي ¬
[155/ 4] لا يمنع أهل الأهواء نصيبهم من الفيء
المقاتلة في كل عام عطاءهم، والذرية والنساء ما يكفيهم لسنتهم في كسوتهم ونفقاتهم طعامًا أو قيمته دراهم أو دنانير، ويعطي المنفوس شيئًا، ثم يزاد كلما كبر على قدر مؤنته، وهذا مستو أنهم يعطون الكفاية، ويختلف في مبلغ العطاء باختلاف أسعار البلدان وحال الناس فيها، فإن المؤنة في بعض البلدان أثقل منها في بعض) (¬1). • مستند الإجماع: 1 - لأن جيش المسلمين أهم المصالح، لكونهم يحفظون المسلمين فيعطون كفاياتهم. 2 - ولأن فيه تطييب قلوب المجاهدين، فإنهم متى علموا أن عيالهم وذراريهم يكفون المؤنة بعد سفرهم للجهاد، أقبلوا على الجهاد، وإذا علموا خلاف ذلك، أقبلوا على الكسب، وآثروه على الجهاد، مخافة الضيعة على عيالهم (¬2).Rأن الإجماع متحقق على جواز إعطاء المجاهدين وذراريهم من مال الفيء، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [155/ 4] لا يُمنع أهل الأهواء نصيبهم من الفيء: • تعريف أهل الأهواء: • الأهواء لغة: جمع هوى: وهو محبة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه (¬3). • وهو في الاصطلاح: ميل النفس إلى خلاف ما يقتضيه الشرع (¬4). وأهل الأهواء من المسلمين هم: من زاغ عن الطريقة المثلى من أهل القبلة. ويسمون أهل البدع والضلال (¬5). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والبدعة التي يُعدُّ بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة؛ كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة) (¬6). • المراد بالمسألة: بيان أن أهل الأهواء والبدع إذا شاركوا عموم المسلمين في قتال الكفار، فإنهم لا يُمنعون نصيبهم من الفيء، وقد نُقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: أبو الحكم البلوطي (355 هـ) حيث يقول: (وأهل الأهواء لا يمنعون نصيبهم من الفيء إذا حضروا الحرب بإجماع) نقله عنه ابن القطان في "الإقناع" (¬1). • الموافقون للإجماع: لم أقف على من وافق البلوطي صراحة، إلا الشافعي (¬2)، ولعل بعض الفقهاء لم يصرحوا بذلك لكون الفيء من حق جميع المسلمين. ويدخل في ذلك أهل الأهواء ما دامت بدعهم وأهواؤهم لم تُخرجهم عن دائرة الإسلام. • مستند الإجماع: يمكن أن يكون مستند هذا الإجماع: ما جاء عن علي -رضي اللَّه عنه-: أنه كان قائمًا على المنبر بالكوفة يخطب فقال الخوارج من ناحية المسجد: لا حكم إلا للَّه، فقطع خطبته وقال: "كلمة حق يراد بها باطل، أما إن لهم عندنا ثلاثًا: ألَّا نمنعهم حقهم من الفيء ما كانت أيديهم مع أيدينا، ولا نمنعهم مساجد اللَّه أن يذكروا فيها اسمه، ولا نقاتلهم حتى يقاتلونا" (¬3). • وجه الدلالة: حيث دلَّ هذا الأثر أن الخوارج لا يُمنعون نصيبهم من الفيء، وكذلك الحكم في غيرهم من أهل الأهواء. • الخلاف في المسألة: لم أجد من خالف في ذلك، سوى أن كثيرًا من أهل السلف نصوا بأن الرافضة (¬4) لا حظَّ لهم في الفيء، ومن ذلك: قال مالك بن أنس: "من تَنَقَّصَ أحدًا من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو كان في قلبه عليهم غِلٌّ، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم تلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10] فمن تنقصهم أو كان في قلبه عليهم غِل، فليس له في الفيء ¬
[156/ 5] لا حق للعبيد في الفيء
حق" (¬1). والحجة على أن من سب أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس له في الفيء حقٌّ: أن اللَّه قد قسم الفيءَ على ثلاثة أصناف، فقال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8]، وقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الحشر: 9]، وقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]. قال ابن كثير: (وما أحسن ما استنبط الإمام مالك رحمه اللَّه من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح اللَّه به) (¬2).Rأن الإجماع متحقق على ألَّا يُمنع أهل الأهواء نصيبهم من الفيء، ما داموا في حكم الإسلام، سوى الرافضة؛ فقد قال كثير من السلف بأنه لا حق لهم فيه، واللَّه تعالى أعلم. [156/ 5] لا حق للعبيد في الفيء: • المراد بالمسألة: بيان أن الأرقاء كغيرهم ممن ليسوا من أهل القتال، ليس لهم سهم من فيء المسلمين، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث يقول: (ولم يختلف أحد لقيناه في أن ليس للمماليك في العطاء حق ولا للأعراب الذين هم أهل الصدقة) نقله عنه الخطابي (¬3). وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (لا نعلم خلافًا بين أهل العلم اليوم في أن العبيد لا حق لهم في الفيء) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: 1 - ما جاء عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "ما من أحد من المسلمين إلا له في هذا المال نصيب إلا العبيد فليس لهم فيه شيء" (¬2). 2 - أن الفيء اختص بالمقاتلة، لأنه كان لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حياته لحصول النصرة، فلما مات صارت بالجند ومن يحتاج إليه المسلمون، والعبيد ليسوا من المقاتلة (¬3). • الخلاف في المسألة: وخالف في ذلك الظاهرية فذهبوا أنه يُسهم له كالحر (¬4). • وحجة قائلين هذا القول: 1 - "أن أبا بكر الصديق كان يُعطي الأحرار والعبيد من الفيء، وكان عمر يقرض للسيد وللعبد" (¬5). 2 - ولأن خطاب الشرع بالأمر والنهي، والإثبات والنفي، وسائر أسباب التكليف لا يخص حرًّا من عبد، ولا ذكرا من أنثى، إلا ما خرج من ذلك بدليل. ولا دليل لخروج العبد من القسم في الفيء.Rأن الإجماع غير متحقق على أنه لا حق للعبيد من الفيء، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في الأمان
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في الأمان تمهيد: في تعريف الأمان، والفرق بينه وبين عقد الذمة، والهدنة • تعريف الأمان: • الأمان لغة: مشتق من الأمن، والأمن ضد الخوف، وهو الاطمئنان. يقال: أَمَّنَه وآمَنَه، وآمن فلان العدو أي أعطاه الأمان. والعدو مُؤَمَّن، واستأمن الحربي استجار ودخل دار الإسلام مستأمنًا (¬1). • وفي الاصطلاح: رفع استباحة دم الحربي، ورقه، وماله، حين قتاله، أو العزم عليه، مع استقراره تحت حكم الإسلام مدة ما (¬2). وعرف بأنه: عقد يفيد ترك القتل والقتال مع الحربيين (¬3). والمستأمن: من له أمان بعقد جزية، أو هدنة، أو أمان (¬4). الفرق بين الأمان وبين عقد الذمة، والهدنة: يوضح الخطيب الشربيني (977 هـ) الفرق بين عقد الأمان، والهدنة، والذمة فيقول: (والعقود التي تفيدهم الأمن ثلاثة: أمان وجزية وهدنة. لأنه إن تعلق بمحصور (أي: عدد محدود) فالأمان، أو بغير محصور فإن كان إلى غاية (أي: كان مؤقتًا بمدة معينة ينتهي عندها) فالهدنة، وإلا فالجزية (أي: عقد ذمة) وهما (أي: الهدنة، والجزية) مختصان بالإمام بخلاف الأمان) (¬5). [157/ 1] للإمام وللرجل الحر البالغ العاقل حق منح الأمان: • المراد بالمسألة: لبيان المراد بالمسألة لابد من التفريق بين نوعين من الأمان، ¬
وهما: الأمان العام، والأمان الخاص، ونوضحهما فيما يأتي: أقسام الأمان: ينقسم الأمان إلى قسمين: • الأول: أمان عام: وهو ما يعطَى لناحية أو بلدة أو قلعة، وهذا باتفاق الفقهاء لا يصح إلا من الإمام أو نائبه، لأنه من المصالح العامة التي تحتاج إلى نظر وتمحيص وهذا لا يتأتى إلا من الإمام أو نائبه. وهذا كعقد المهادنة أو الذمة، فلا نبحثه في هذا الموضع. • الثاني: أمان خاص: وهو ما يعطَى لقافلة، أو لحصن صغير او لفرد من الأفراد، يطلبون الأمان لدخول دار الإسلام لأمر يقضونه ثم ينصرفون بانقضائه دون أن يكونوا ملتزمين بأحكام الإسلام أو الذمة، فهذا أيضًا نُقل فيه اتفاق الفقهاء على جواز منحه من الإمام أو نائبه ومن آحاد المسلمين بالشروط المعتبرة، وهو موضع النظر والتمحيص في هذه المسألة. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (أجمع أهل العلم أن أمان والي الجيش، أو الرجل الحر الذي يقاتل جائز على جميعهم) (¬1). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن الحر البالغ العاقل الذي ليس سكران إذا أمن أهل الكتاب الحربيين على أداء الجزية على الشروط التي قدمنا، أو على الجلاء، أو أمن سائر أهل الكفر على الجلاء بأنفسهم وعيالهم وذراريهم، وترك بلادهم، واللحاق بأرض حرب، لا بأرض ذمة، ولا بأرض إسلام، أن ذلك لازم لأمير المؤمنين ولجميع المسلمين، حيث كانوا) (¬2). وعلاء الدين السمرقندي (539 هـ) حيث يقول: (أمان الواحد الحر، أو العبد المقاتل، أو المرأة، صحيح بلا خلاف) (¬3). وابن العربي (543 هـ) حيث يقول: (فأما الأمير فلا خلاف في أن إجارته جائزة؛ لأنه مقدم للنظر والمصلحة، نائب عن الجميع في جلب المنافع ودفع المضار) (¬4). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على جواز تأمين الإمام) (¬5). ¬
وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (اتفق أهل العلم على أن الحُرَّ البالغ العاقل إذا أمَّنَ، صحَّ تأمينه) (¬1). والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف بين كافة العلماء أن أمان السلطان جائز) (¬2). وأبو عبد اللَّه المغربي (954 هـ) حيث يقول: (إذ لا خلاف في جوازه (التأمين) للإمام ابتداءً) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على جواز تأمين الإمام وتأمين الواحد من المسلمين بالشروط المعتبرة فيه أصحاب المذاهب الأربعة: من الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بإعطاء الأمان لمن يريد سماع الشريعة، والإمام هو أعرف الناس من غيره فدل على جواز تأمينه. 2 - عن عليٍّ قال: ما كتبنا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا القرآن، وما في هذه الصَّحيفة، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المدينة حرامٌ، ما بين عائِرٍ إلى ثور (¬8)، فمن أحدثَ حَدثًا، أو آوى مُحدثًا؛ فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبلُ منه عدلٌ ولا صَرف، وذمَّة المسلمين واحدة؛ يسعى بها أدناهم، فمن أخْفرَ مُسلمًا، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، ولا يُقبل منه صرفٌ ولا عدل" (¬9). • وجه الدلالة: أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم" عام في ¬
جميع المسلمين، دون تفريق بين أمير أو مأمور. 3 - وعن ابن عباسٍ قال: حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب، أنها أجارت رجلًا من المشركين يوم الفتح، فأراد علي قتله، فأتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكرت ذلك له، قال: "قد أجرْنَا من أجَرْتِ، وأمَّنَّا من أمَّنتِ" (¬1). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث أن أمان آحاد المسلمين جائز، ومنهم المرأة، فأمان الإمام جائز بطريق الأولى. • الخلاف في المسألة: يرى ابن الماجشون من المالكية: أن الأمان المؤقت لأهل الحرب لا يجوز إلا من الإمام أو نائبه، فإن أمَّن أحدٌ من الرعية أحدًا من الكفار، فالأمان لا يجوز ابتداءً إلا بعد عرضه على الإمام، فإن شاء أمضاه، أو رده (¬2). واحتجوا بقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6]. • وجه الدلالة: أن الآية تدل على مشروعية الأمان، ثم الخطاب فيها موجَّه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بوصفه إمام المسلمين، فدلَّ ذلك على قصر الأمان على الإمام، فلا يجوز الافتئات عليه. قال ابن تيمية في "نقد مراتب الإجماع": (ظاهر مذهب الشافعي أنه لا يصح عقد الذمة إلا من الإمام أو نائبه، وهذا هو المشهور عند أصحاب أحمد، وفيه وجه في المذهبين أنها تصح من كل مسلم كما ذكره ابن حزم) (¬3). وبعد النظر والتأمل في مذهبي الشافعية، والحنابلة تبيَّن أن المتقرر عندهم هو جواز أمان آحاد المسلمين بشرط وجود المصلحة، واستحب الحنابلة إذن الإمام فيه. قال في "المجموع": (ويجوز للمسلم أن يؤمن من الكفار آحادًا لا يتعطل بأمانهم الجهاد في ناحية كالواحد والعشرة والمائة وأهل القلعة) (¬4). قال في "الفروع": (وأنه يستحب استحبابًا ألَّا يجار على الأمير إلا بإذنه) (¬5). ¬
[158/ 2] صحة أمان المرأة للعدو
R 1 - أن الإجماع متحقق على جواز إعطاء الإمام الأمان، لعدم المخالف في ذلك. 2 - أن الإجماع متحقق على جواز إعطاء آحاد الرعية الأمان، إذا كان بإذن الإمام. 3 - أن الإجماع غير متحقق على جواز إعطاء آحاد الرعية الأمان إذا لم يأذن به الإمام، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [158/ 2] صحة أمان المرأة للعدو: • المراد بالمسألة: أن أمان المرأة المسلمة الحرة صحيح كالرجل، فإذا أعطت امرأة مسلمة لبعض الكفار أو أحدهم أمانًا، بألَّا يقتله أو يعرض له أحد من المسلمين، صح أمانها، وحرم أن يخفر أمانها أحد من المسلمين، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الترمذي (276 هـ) حيث يقول: (والعمل على هذا عند أهل العلم، أجازوا أمان المرأة) (¬1). وابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن أمان المرأة جائز، وانفرد الماجشون فقال: لا يجوز) (¬2). وعلاء الدين السمرقندي (539 هـ) حيث يقول: (أمان الواحد الحر أو العبد المقاتل أو المرأة صحيح بلا خلاف) (¬3). وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (وبالمرأة، فإن أمانها يصح في قولهم جميعًا) (¬4). ونقله أيضًا: ابن مفلح (763 هـ) (¬5)، والقنوجي (1307 هـ) (¬6)، وابن القاسم (1392 هـ) (¬7). • الموافقون للإجماع: وافق على أن أمان المرأة الحرة جائزٌ كالرجل: الحنفية (¬8)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والثوري، والأوزاعي، وأبو ثور، وإسحاق، وداود، وغيرهم (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]. • وجه الدلالة: فهاتان الآيتان عامتان في الأمر بالوفاء والنهي عن الخيانة مطلقًا، ويدخل فيها المرأة كما يدخل فيها الرجل ولا فرق. 2 - عن عليٍّ قال: ما كتبنا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا القرآن، وما في هذه الصَّحيفة، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المدينة حرامٌ، ما بين عائِرٍ إلى ثور، فمن أحدثَ حَدثًا، أو آوى مُحدثًا؛ فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبلُ منه عدلٌ ولا صَرف، وذمَّة المسلمين واحدة؛ يسعى بها أدناهم، فمن أخْفرَ مُسلمًا، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، ولا يُقبل منه صرفٌ ولا عدل" (¬5). • وجه الدلالة: أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم" عام في جميع المسلمين، دون تفريق بين ذكر وأنثى. 3 - وعن ابن عباسٍ قال: حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب، أنها أجارت رجلًا من المشركين يوم الفتح، فأراد علي قتله، فأتت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكرت ذلك له، قال: "قد أجرْنَا من أجَرْتِ، وأمَّنَّا من أمَّنتِ" (¬6). 4 - وعن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "إن كانت المرأة لَتُجير على المؤمنين فيجوزُ" (¬7). 5 - وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن المرأة لتأخذ للقوم"، يعني: تجير على المسلمين (¬8). ¬
6 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: لما أسر أبو العاص زوج زينب بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت زينب: إني قد أجرت أبا العاص، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد أجرنا من أجارت زينب، إنه يجير على المسلمين أدناهم" (¬1). • وجه الدلالة من النصوص السابقة: أنها صريحة الدلالة في ثبوت أمان المرأة وصحته. • الخلاف في المسألة: يرى بعض العلماء أن أمان المرأة موقوفٌ على إجازة الإمام، رُوي عن خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص ما يدلُّ على ذلك (¬2). وبه قال من أصحاب مالك: سحنون، وعبد الملك بن الماجشون (¬3). ومستندهم في المنع من تأمين المرأة مما وقفت عليه ما يأتي: 1 - يحتمل أن يكون لأنها ليست من أهل القتال، فلم يكن لها تصرف في الأمان. 2 - وأجابوا عن حديث أم هانئ من وجهين: الأول: قالوا: لو كان تأمينها جائزًا على كل حالٍ دون إذن الإمام؛ ما أراد عليٌّ قتل من أمَّنتْهُ، وهو قد حرُم بتأمينها دمُه. • والثاني: قالوا: ولو كان تأمينها جائزًا لقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجواب عن ذلك قولًا مُسْتقلًّا يعمُّ أمانَ النساء، وإنما جاوبها على الخصوص في ذلك، إنما قال: "قد أجَرنا من أجرتِ، وأمَّنَّا من أمنتِ"، فهو دليل على أن أمان المرأة موقوفٌ على إجازة الإمام أو ردِّه (¬4).Rأن الإجماع متحقق، وأما خلاف ابن الماجشون وسحنون فشاذ (¬5)، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[159/ 3] لا يصح أمان المجنون للعدو
[159/ 3] لا يصح أمان المجنون للعدو: • المراد بالمسألة: بيان أن المجنون لا يصح أمانه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث يقول: (ومنها البلوغ وسلامة العقل عن الآفة عند عامة العلماء) (¬1). وابن حجر (852 هـ) حيث يقول: (وأما المجنون فلا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر) (¬2). والعيني (855 هـ) حيث يقول: (والمجنون كذلك لا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: لأن العقل شرط أهلية التصرف، ولأن كلامه غير معتبر فلا يثبت به حكم (¬8).Rأن الإجماع متحقق على عدم صحة أمان المجنون، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [160/ 4] لا يصح أمان الصبي للعدو: • المراد بالمسألة: بيان أن أمان الصبي غير المميز لا يصح، ولا يثبت له حكم، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن أمان الصبي غير ¬
[161/ 5] صحة أمان العبد للعدو
جائز) (¬1)، وقال: (وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن أمان الصبي غير جائز) (¬2). • الموافقون للإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: لأنه غير مخاطب بأفعاله، وأقوالُه غير معتبرة (¬7).Rأن الإجماع متحقق في عدم صحة أمان الصبي غير المميز، لعدم وجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [161/ 5] صحة أمان العبد للعدو: • المراد بالمسألة: بيان أن العبد المأذون له في القتال يصح أمانه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: (اتفقوا أن العبد إذا قاتل يجوز أمانه) نقله عنه الرازي في "مختصر اختلاف الفقهاء" (¬8). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وعن عمر من طرق أنه أجاز أمان العبد ولا خلاف في ذلك بين السلف إلا ما خرج مخرج الشذوذ) (¬9). وعلاء الدين السمرقندي (539 هـ) حيث يقول: (أمان الواحد الحر أو العبد المقاتل أو المرأة صحيح بلا خلاف) (¬10). وعلاء الدين الكاساني (587 هـ) حيث يقول: (فَيَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ في الْقِتَالِ بِالْإِجْمَاعِ) (¬11). ¬
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والثوري، والأوزاعي، والليث، وإسحاق، وأبو ثور، وداود؛ فقالوا بجواز تأمينه كالحرِّ (¬4). • مستند الإجماع: 1 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل" (¬5). • وجه الدلالة: أن قوله: "يسعى بها أدناهم" عام يشمل العبد والحر، وليس في شيء من الأخبار: قاتل أو لم يقاتل (¬6). 2 - وروى فضيل بن يزيد الرقاشي قال: جهز عمر بن الخطاب جيشًا، فكنت فيه، فحضرنا موضعا، فرأينا أنا سنفتحها اليوم، وجعلنا نقبل ونروح، فبقي عبد منا فراطنهم وراطنوه، فكتب لهم الأمان في صحيفة وشدها على سهم ورمى بها إليهم، فأخذوها وخرجوا، فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب فقال: "العبد المسلم رجل من المسلمين ذمته ذمتهم" (¬7). 3 - ولأنه مسلم مكلف فصح أمانه كالحر (¬8)، وما ذكروه من التهمة يبطل بما إذا أذن له في القتال فإنه يصح أمانه، وبالمرأة فإن أمانها يصح في قولهم جميعًا، قالت عائشة: -إن كانت المرأة لتجير على المسلمين فيجوز- وعن أم هانئ أنها قالت: يا رسول اللَّه، إني أجرت أحمائي وأغلقت عليهم، وإن ابن أمي أراد قتلهم. فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، إنما يجير على المسلمين أدناهم". وأجارت زينب بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا العاص بن الربيع فأمضاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬
[162/ 6] لا يصح أمان المكره
• الخلاف في المسألة: يرى أبو حنيفة: أن أمان العبد غير جائز، إلا أن يكون العبد فيمن يقاتل، وهو قول أبي يوسف، وخالفهما محمد بن الحسن، فقال بقول الجماعة (¬1)، ويُحْكَى مثل قول أبي حنيفة عن سحنون من أصحاب مالك (¬2). • ودليل الحنفية: أن الأمان من القتال، والعبد المحجور عليه لا يملك القتال، فكذلك لا يملك الأمان (¬3). أنه محجورٌ عليه، فلم يَجُزْ تأمينه، كالطِّفل، والذي لا يَعقل، فإذا أذن له فقاتل ارتفع المانع فجاز (¬4). ولأنه مجلوب من دار الكفر، فلا يؤمن أن ينظر لهم في تقديم مصلحتهم (¬5).Rأن الإجماع متحقق في العبد المأذون له في القتال، فيصح أمانه أن الإجماع غير متحقق في العبد غير المأذون له في القتال. [162/ 6] لا يصح أمان المكره: • المراد بالمسألة: بيان أن من شرط صحة الأمان أن يكون عاقده مختارًا غير مكره عليه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. مثال أمان المكره: الأسير من المسلمين في دار الحرب، إذا أمن أهل الحرب مكرهًا فلا يصح أمانه على غيره من المسلمين؛ لأنه مقهورٌ تحت أيديهم. • من نقل الإجماع: المرداوي (: 885 هـ) حيث يقول: (وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ الْمُكْرَهِ بِلَا نِزَاعٍ) (¬6). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، . . . . . ¬
[163/ 7] لا يصح أمان الذمي
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: 1 - لأنه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح كالإقرار (¬3). 2 - ولأن أمان المكره إنما يقع ليتخلص به، لا بصفة النظر للمسلمين، فلا يلزمون به (¬4).Rأن الإجماع متحقق على عدم صحة أمان المكره، لعدم وجود المخالف المعتبر. [163/ 7] لا يصح أمان الذمي: • المراد بالمسألة: أن الذِّميَّ إذا كان مع المسلمين، فأراد أن يجير مشركًا ويؤمنه؛ فأمانه باطلٌ ولا حكم له، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن أمان الذمي لا يجوز) (¬5). ابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (وأما قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذمَّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة اللَّه" (¬6)، فهو كالنصّ أن ذلك لا مدخل فيه لكافر، وأيضًا فهو مما لا خلاف فيه) (¬7). علاء الدين السمرقندي (539 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أنه لا يجوز أمان التاجر في دار الحرب ولا الأسير فيها ولا أمان المسلم الذي لم يهاجر إلينا ولا أمان الذمي المقاتل معهم لأنهم متهمون في ذلك) (¬8). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، ¬
[164/ 8] صفة الأمان
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت الآية الكريمة أنه ليس للكافرين ولاية على المسلمين، والأمان من باب الولاية، إذ به ينفذ كلام المؤمنين على غيرهم شاؤوا أم أبوا (¬2). 2 - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم" (¬3). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث أن التأمين الذي يلزم المسلمين الوفاء به هو ما عقدوه، أو عقده واحدٌ منهم. وعليه لا يصح أمان الذمي. 3 - ومن جهة النظر أنه كافر، غير مأمونٍ في الدِّين، ولا ناصحٍ لجماعة المسلمين، فلم يلزمهم تأمينه، كالحربي. 4 - أن الأمان فيه معنى النصرة، والكافر ليس من أهل نصرة الدين (¬4). • الخلاف في المسألة: قال ابن المنذر: (وقد رُوينا عن الأوزاعي أنه قال: "إن كان غزا مع المسلمين، فإن شاء الإمام أجاره، وإن شاء ردَّه إلى مأمنه") (¬5). ولم يذكر له دليلًا، وعلى كل حال فإن المجير في هذه الحال هو الإمام، فدلَّ ذلك أن أمان الذمي لا يصح استقلالًا.Rأن الإجماع متحقق لعدم وجود المخالف المعتبر، وما ذكر من خلاف للأوزاعي لا يقدح في الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. [164/ 8] صفة الأمان: • المراد بالمسألة: بيان أن الأمان ينعقد بكل لفظ مفيد للغرض صريحًا، كقوله: أجرتك، أو لا تخف، وكناية كقوله: أنت على ما تحب، أو كن كيف شئت، ومثله الكتابة، والرسالة، والإشارة المفهمة (¬6)، لذا فإنه بأي صفة قيل الأمان وفهم منه ¬
المراد ثبت الأمان، وحرم على المسلمين خفره، سواء بالكلمات التي ورد بها الشرع، مثل: أمنتك وأجرتك أو غيرها مما هي في معناها. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف علمته بين العلماء في أن من أمن حربيًّا بأي كلام لهم به الأمان فقد تم له الأمان) (¬1). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (صفة الأمان فالذي ورد به الشرع لفظتان: أجرتك وأمنتك. . . وفي معنى ذلك إذا قال: لا تخف، لا تذهل، لا تخش، لا خوف عليك، لا بأس عليك. . . وهذا كله لا نعلم فيه خلافًا) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - فدليل انعقاد الأمان باللفظ الصريح قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6]، 2 - وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لأم هانئ: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" (¬7)، 3 - وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن" (¬8). • وجه الدلالة: حيث جاء الأمان بلفظه الصريح وهو: أجرنا، وآمن. 4 - وعن أبي وائلٍ قال: كتب إليَّ عمر بن الخطاب فقال: "وإذا لقي الرجلُ الرجلَ فقال: مَتَّرْسْ؛ فقد أمَّنه، وإذا قال: لا تخف؛ فقد أمَّنه، وإذا قال: لا تذهل، فقد أمَّنه، إن اللَّه يعلم الألسنة" (¬9). • وجه الدلالة: فيه دليل أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- اعتبروا كل لفظ دلَّ على معنى الأمان سواء كان عربيًّا أو أعجميًّا مما هو في لغة العدو. ¬
[165/ 9] جواز إعطاء الأمان لمعرفة الإسلام، أو لمن يريد سماع كلام الله
ودليل انعقاد الأمان بالإشارة المفهمة ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: "واللَّه لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى السماء إلى مشرك، فنزل إليه على ذلك، فقتله؛ لقتلته به" (¬1). 5 - ولأن الكفار في الغالب لا يفهمون كلام المسلمين، والمسلمون لا يفهمون كلامهم، فدعت الحاجة إلى التكليم بالإشارة (¬2). ولأن المراد الإشعار بالتأمين بكل شيء يحصل به الشعور (¬3). 6 - ودليل انعقاد الأمان بالكتابة، لأن الكتاب أحد البيانين (¬4)، وقد عمل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما ثبت عنه من مكاتبة ملوك الكفر يدعوهم إلى الإسلام.Rأن الإجماع متحقق على انعقاد الأمان بأي لفظ أو إشارة مفهومة تدل عليه، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [165/ 9] جواز إعطاء الأمان لمعرفة الإسلام، أو لمن يريد سماع كلام اللَّه: • المراد بالمسألة: إذا طلب الكافر الحربي الأمان من المسلمين، لغرض معرفة الإسلام وشرائعه وأحكامه، أو لأن يسمع كلام اللَّه تعالى، وجب أن يُعطى الأمان لذلك، فإن أسلم وإلا وجب رده إلى مأمنه الذي جاء منه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (ومن طلب الأمان ليسمع كلام اللَّه ويعرف شرائع الإسلام وجب أن يعطاه، ثم يرد إلى مأمنه لا نعلم في هذا ¬
خلافا) (¬1). والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} أي من الذين أمرتك بقتالهم. {اسْتَجَارَكَ} أي سأل جوارك، أي أمانك وذمامك، فأعطه إياه ليسمع القرآن، أي: يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه. فإن قبل أمرًا فحسن، وإن أبى فرده إلى مأمنه. وهذا ما لا خلاف فيه. واللَّه اعلم) (¬2). وابن مفلح (793 هـ) حيث يقول: (إذا طلب الكافر الأمان ليسمع كلام اللَّه ويعرف شرائع الإسلام لزم إجابته، ثم يرد إلى مأمنه بغير خلاف نعلمه للنص، قال الأوزاعي: هي إلى يوم القيامة) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). وبه قال قتادة ومكحول والأوزاعي وكتب عمر بن عبد العزيز بذلك إلى الناس (¬8). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)} [التوبة: 6]. • وجه الدلالة: أن الآية نص في وجوب إعطاء الأمان لمن يريد سماع الشريعة، ومعرفة الإسلام، ووجوب إبلاغه مأمنه بعد السماع. وعللَّ اللَّه ذلك بقوله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ}. 2 - وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعطي الأمان لمن جاءه مسترشدًا (¬9).Rأن الإجماع متحقق في وجوب إعطاء الأمان لمن طلبه ليسمع كلام اللَّه، ويعرف شرائع الإسلام، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[166/ 10] أثر الأمان بالنسبة للمسلمين
[166/ 10] أثر الأمان بالنسبة للمسلمين: • المراد بالمسألة: بيان أن الأمان إذا وقع للحربيين من الإمام، أو من غيره بشروطه وجب على المسلمين جميعًا الوفاء به، فيحرم قتل المستأمن أو أسره أو استرقاقه، وكذا الالتزام بسائر الأمور المتفق عليها في عقد الأمان ويحرم عليهم نقضه، قبل انتهاء مدته. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وأجمع أهل العلم على أن الذمي -إذا أقام على ما عوهد عليه-، والمستأمن لا يجوز نقض عهده، ولا إكراهه على ما لم يلتزمه) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91]، وقال -تعالى-: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]. 2 - عن عليٍّ قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذمَّة المسلمين واحدة؛ يسعى بها أدناهم، فمن أخْفرَ مُسلمًا، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، ولا يُقبل منه صرفٌ ولا عدل" (¬6). • ووجه الدلالة من النصوص السابقة واضح في وجوب الوفاء بعقد الأمان، وتحريم نقضه قبل انتهاء مدته.Rأن الإجماع متحقق على وجوب الوفاء بعقد الأمان والتزام ما تضمَّن من شروط، وتحريم نقضه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [167/ 11] عصمة دم المستأمن وماله: • المراد بالمسألة: بيان أن المستأمنين بعقد الأمان يثبت لهم حق العصمة على ¬
نفوسهم، وأموالهم، فيحرم الاعتداء عليهم، ويجب حمايتهم والدفاع عنهم، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (والغدر أن يؤمن ثم يقتل، وهذا حرام بإجماع، والغدر والقتل سواء قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن"، وقال عليه الصلاة والسلام: "يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه هذه غدرة فلان" (¬1) وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (والقتل إنما يجوز إذا لم يكن يوجد بعد تأمين، وهذا ما لا خلاف فيه بين المسلمين) (¬2). والزركشي (772 هـ) حيث يقول: (يصح إعطاء الأمان للكفار في الجملة بالإجماع، فيحرم قتلهم ومالهم) (¬3). وابن رجب (795 هـ) حيث يقول: (ومنها لو أعطينا الأمان لواحد من أهل حصن أو أسلم واحد منهم ثم تداعوه حرم قتلهم بلا خلاف) (¬4). والحطاب (954 هـ) حيث يقول: (بل لا يجوز لمن أمنه قتله اتفاقًا) (¬5). والشوكاني (1255 هـ) حيث يقول: (المعاهد هو الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار الإسلام بأمان، فيحرم على المسلمين قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه) (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى ¬
يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)} [التوبة: 6]، وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91]، وقال تعالى: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]، وقوله سبحانه: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)} [الأنفال: 58]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت الآيات الكريمة على وجوب الوفاء بالمواثيق والعهود على سبيل العموم، مع المسلمين أو غيرهم، وتحريم الخيانة فيها، وأن على الإمام أو من يقوم مقامه المحافظة على المستأمن في ماله ونفسه حتى يبلغه مأمنه. 2 - وعن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لكل غادرٍ لواء يوم القيامة، يُرفع له بقدر غدرته، ألا ولا غادِرَ أعظمُ غدرًا من أمير عامّةٍ" (¬1). 3 - وعن عبد اللَّه بن عمرو، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قتلَ مُعاهدًا لم يرحْ رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عامًا" (¬2). 4 - وعن أبي بكرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من قتل مُعاهدًا في غير كُنهه (¬3)، حرَّم اللَّه عليه الجنة" (¬4). ¬
[168/ 12] إذا اشتبه من أعطي الأمان بغيره، ولم يبين، حرم قتل الجميع
• وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: حيث تضمنت التحذير الأكيد، والوعيد الشديد لمن اعتدى على معاهد، وهو من تربطه بالمسلمين عهود ومواثيق، وأن من الأنفس المعصومة في الإسلام أنفس المعاهدين ومنهم المستأمنون (¬1). 5 - ولأن دور الأمان هو وقف القتال، وحقن دماء وأموال من منحوا ذلك الأمان، حتى تكتمل مهمتهم، ويبلغوا مأمنهم، وهو أمر واضح؛ إذ لا معنى للأمان إذا كان المؤمَّن لا يأمن على نفسه وماله (¬2). قال ابن القيم رحمه اللَّه: (أحكام المستأمن والحربي مختلفة، لأن المستأمن يحرم قتله وتضمن نفسه، ويقطع بسرقة ماله، والحربي بخلافه) (¬3).Rأن الإجماع متحقق على عصمة المستأمن في ماله ونفسه، حيث لم يخالف في ذلك أحد من العلماء، واللَّه تعالى أعلم. [168/ 12] إذا اشتبه من أُعطي الأمان بغيره، ولم يبيَّن، حرم قتل الجميع: • المراد بالمسألة: إن حصر المسلمون حصنًا للكفار، فناداهم واحد من هذا الحصن: آمنوني وأفتح لكم الحصن، فلما فتح الحصن، ادَّعى أكثر من واحد أو كل واحد من أهل الحصن أنه هو الذي طلب الأمان، وفتح الحصن، ولم يتبيَّن من هو، فإنه لا يجوز قتل أحدهم لوجود الاشتباه فيما بينهم. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (أن المسلمين إذا حصروا حصنًا، فناداهم رجل: آمنوني أفتح لكم الحصن، جاز أن يعطوه أمانًا. . . فإن أشكل الذي أعطي الأمان، وادعاه كل واحد من أهل الحصن، فإن عرف صاحب الأمان عمل على ذلك، وإن لم يعرف لم يجز قتل واحد منهم. . . وبهذا قال الشافعي ولا أعلم فيه خلافًا (¬4). والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (ومن أعطى أمانًا ليفتح حصنًا ففتحه واشتبه علينا فيهم حرم قتلهم بلا نزاع) (¬5). ¬
[169/ 13] نقض الأمان بعودة الحربي المستأمن إلى دار الحرب
• الموافقون للإجماع: هو مقتضى مذهب الشافعية (¬1)، والمذهب عند الحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: لأن كل واحد منهم يحتمل صدقه، وقد اشتبه المباح بالمحرم فيما لا ضرورة إليه، فحرم الكل، كما لو اشتبهت ميتة بمذكاة، أو أخته بأجنبيات، أو اشتبه زان محصن برجال معصومين. ومن "القواعد الفقهية" التي تؤيد هذا الإجماع: " إذا اجتمع الحرام والحلال غُلِّبَ الحرام" (¬3). "إذَا اشْتبهَ الْمُبَاحُ بالْمحظور، فِيمَا لا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، لَمْ يَجُزِ التَّحَرِّي" (¬4).Rأن الإجماع متحقق على أنه إذا اشتبه من أُعطي الأمان بغيره، ولم يبيَّن، حرم قتل الجميع، لعدم المخالف فيما أعلم، واللَّه تعالى أعلم. [169/ 13] نقض الأمان بعودة الحربي المستأمن إلى دار الحرب: • المراد بالمسألة: أن المستأمن ينتقض أمانه إذا رجع إلى بلاده، ومحل إقامته الدائمة وهي دار الكفر، وتُرفع عنه عصمة دمه وماله، ونقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: (لا خلاف أن الحربي المستأمن إذا لحق بدار الحرب عاد إلى حكم الحرب، وبطل الأمان)، نقله عنه الرازي في "مختصر اختلاف العلماء" (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). ¬
[170/ 14] نقض الأمان بالتجسس
• مستند الإجماع: أن عودة الحربي المؤمَّن إلى بلاده بنية الإقامة فيها دليلٌ على رغبته في فسخ الأمان، فتزول عنه العصمة بذلك، ولا تعود إليه إلا بالدخول في الإسلام، أو بعقد أمانٍ جديد.Rأن الإجماع متحقق على أن الأمان ينتقض بعودة الحربي المستأمن إلى دار الحرب، لعدم المخالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [170/ 14] نقض الأمان بالتجسس: • تعريف التجسس: • التجسس لغة: الجيم والسين أصلٌ واحد، وهو: تعرُّف الشيء بمسٍّ لطيف، والتجسس: السؤال عن العورات، والتفتيش عن بواطن الأمور (¬1). • وفي الاصطلاح: الجاسوس: هو الذي يطلع على عورات المسلمين وينقل أخبارهم للعدو (¬2). • المراد بالمسألة: بيان أن المستأمن لو دخل دار الإسلام بأمان لمدة محدَّدة، وكان قد شُرط عليه عدم القيام بالتجسس على عورات المسلمين أو الدلالة عليها بالمكاتبة، أو غيرها، فإنه ينتقض عهده، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الحافظ ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: (قال النووي: "فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق، وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي: ينتقض عهده بذلك، وعند الشافعية خلاف" (¬3). أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا) (¬4). ونقله مقرًّا له الشوكاني (1255 هـ) (¬5)، والعظيم آبادي (1329 هـ) (¬6). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، . . . . . ¬
[171/ 15] ثبوت أمان الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأهل مكة
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: وحجتهم بأن قالوا: إن المعلَّق على شرط يكون معدومًا قبل وجود الشرط، وقد عُلِّق أمان المستأمن بشرط ألَّا يكون عينًا، فإذا ظهر أنه عين، فإنه يعود حربيًّا لا أمان له فيُقتل، وينتقض أمانه، وحكمه للإمام، وهو كالأسير الحربي. وإذا نقض العهد فإنه لا يستحق تبليغه مأمنه؛ لأنه نقض عهده، وفعل ما فيه ضرر على المسلمين، وهو أشبه ما لو قاتلهم.Rأن الإجماع متحقق على أن تجسس المستأمن الذي شُرط عليه ألَّا يتجسس فتجسس أنه ينقض أمانه، لعدم المخالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [171/ 15] ثبوت أمان الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لأهل مكة: • المراد بالمسألة: بيان أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- حين منَّ اللَّه عليه بفتح مكة، عرض الأمان على أهلها، بأن من دخل داره، أو المسجد، أو دار أبي سفيان، أو ألقى السلاح فهو آمن، وقد نُقل الإجماع على ثبوت ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (ولم تختلف الآثار ولا اختلف العلماء في أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمن أهل مكة، كل من دخل داره، أو المسجد، أو دار أبي سفيان، أو ألقى السلاح) (¬3) ونقله عنه ابن القطان (628 هـ) (¬4). وأبو العباس القرطبي (656 هـ) حيث يقول: (والكل متفقون على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما دخلها أمَّن أهلها. .) (¬5). وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (فأسلم أبو سفيان وأمنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن". . . وهذا الذي ذكرناه مجمع عليه بين أهل العلم، مذكور في عامة الكتب المصنفة في هذا الشأن) (¬6). ¬
[172/ 16] لم يكن في فتح مكة شيء من حكم البلاد المفتوحة عنوة
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وعامة أهل السير والمغازي (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة أنه ذكر فتح مكة، وفيه: فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول اللَّه أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن" (¬5). 2 - وعن ابن عباس قال: "لما نزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مر الظهران، قال العباس: قلت واللَّه لئن دخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش، فجلست على بغلة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت لعلي: أجد ذا حاجة يأتي أهل مكة، فيخبرهم بمكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليخرجوا إليه فيستأمنوه، فأني لأسير إذ سمعت كلام أبا سفيان، وبديل بن ورقاء، فقلت: يا أبا حنظلة فعرف صوتي، فقال: أبو الفضل؟ قلت: نعم، قال: مالك فداك أبي وأمي، قلت: هذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والناس، قال: فما الحيلة؟ قال: فركب خلفي، ورجع صاحبه، فلما أصبح غدوت به على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأسلم، قلت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئا، قال: "نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن"، قال: فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد" (¬6).Rأن الإجماع متحقق على ثبوت أمان الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لأهل مكة، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [172/ 16] لم يكن في فتح مكة شيءٌ من حكم البلاد المفتوحة عنوة: • المراد بالمسألة: بيان أن فتح مكة وإن وقع الخلاف في فتحها، أكان عنوة، أم صلحًا؟ إلا أن الإجماع قد نُقل على أنه لم يكن في ذلك الفتح شيء من حكم البلاد ¬
المفتوحة عنوة، من قسمة الغنائم، ومن سبي النساء والذرية، وغير ذلك مما هو موجود في حكم البلاد المفتوحة عنوة. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وقد أجمعوا على أنها لم يجز فيها من حكم العنوة، ولم يقتل فيها إلا من استثناه عليه السلام، وأمر بقتله، ولم يَسب فيها ذرية ولا عيالًا ولا مالًا، وإن أهلها بقوا إذ أسلموا على ما كان بأيديهم، من دار وعقار، وليس هذا حكم العنوة بإجماع) (¬1). والماوردي (450 هـ) حيث يقول: (واختلف الناس في دخوله -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة عام الفتح هل دخلها عنوة أو صلحًا؟ مع إجماعهم إلى أنه لم يغنم منها مالًا ولم يسب فيها ذرية) (¬2). والقرطبي (656 هـ) في "المفهم" حيث يقول: (وفي هذا الحديث لمالك نصٌّ على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخلها (مكة) عنوة وقهرًا، وهو الذي صار إليه جمهور العلماء والفقهاء، مالك وغيره، ما عدا الشافعي فإنه قال: فتحت صلحًا، والكل متفقون على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما دخلها أمن أهلها، ولم يغنمهم، وترك لهم أموالهم وذراريهم وأراضيهم، ولم يجر عليهم حكم الغنيمة، ولا حكم الفيء، فكان ذلك أمرًا خاصًّا بمكة لشرفها وحرمتها، ولا يساويها في ذلك غيرها) (¬3). وابن حجر (852 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف مع ذلك أنه لم يُجْرَ فيها قسم غنيمة ولا سبي من أهلها ممن باشر القتال أحد، وهو مما يؤيد قول من قال: لم يكن فتحها عنوة) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: عن وهب بن منبه قال: "سألت جابرًا: هل غنموا يوم الفتح شيئًا؟ قال: لا" (¬9). ¬
قال ابن تيمية: (وفي الجملة: من تدبر الآثار المنقولة علم بالاضطرار أن مكة فتحت عنوة، ومع هذا فالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقسم أرضها، كما لم يسترق رجالها، ففتح خيبر عنوة وقسمها، وفتح مكة عنوة ولم يقسمها) (¬1).Rأن الإجماع متحقق على أنه لم يكن في فتح مكة شيءٌ من حكم البلاد المفتوحة عنوة، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في الهدنة
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في الهدنة • تعريف الهدنة: • الهدنة في اللغة: السكون: مأخوذ من هدن الأمر، أو الشخص يهدن هدونا. سكن بعد الهيج، ويقال: هادنه مهادنة: صالحه (¬1). • وفي الاصطلاح: عقد إمام أو نائبه على ترك القتال مع غير المسلمين مدة معلومة بعوض أو بغير عوض (¬2). وتسمى موادعة، ومعاهدة، ومسالمة ومصالحة (¬3). [173/ 1] حكم مصالحة أهل الحرب: • المراد بالمسألة: أن مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة جائز إذا كان فيها مصلحة للمسلمين من حيث الجملة، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو الحسن بن المغلس (324 هـ) حيث يقول: (واتفق الجميع أن الصلح لا يجوز إلا في صلاح المسلمين) نقله عنه ابن القطان (¬4). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن إعطاء المهادنة على إعطاء الجزية بالشروط التي قدمنا جائزة) (¬5)، وقال: (واتفقوا أن الوفاء بالعهود التي نص القرآن على جوازها ووجوبها وذكرت فيه بصفاتها وأسمائها وذكرت في السنة كذلك وأجمعت الأمة على وجوبها أو جوازها فإن الوفاء بها فرض، وإعطاؤها جائز) (¬6). وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث قال: (ويتنوع (الصلح) أنواعًا: صلح بين المسلمين وأهل الحرب، وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين إذا ¬
خيف الشقاق بينهما. . . وأجمعت الأئمة على جواز الصلح في هذه الأنواع التي ذكرناها) (¬1). وزكريا الأنصاري (926 هـ) حيث يقول: (والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية [التوبة: 1]، وقوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} الآية [الأنفال: 61]، ومهادنته -صلى اللَّه عليه وسلم- قريشا عام الحديبية) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)} [التوبة: 1 - 2]، وقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4]. • وجه الدلالة من الآيات: دلَّت الآيات الكريمات على جواز عقد الهدنة مع المشركين، لأن اللَّه سبحانه وتعالى قد برئ من المشركين، إلا المعاهدين منهم الذين عقدوا الهدنة مع المسلمين، فثبتوا على عهدهم فيجب إتمام العهد إليهم بشرط الوفاء بشروط العهد من قبلهم، فلا يعاونون أحدًا على المسلمين (¬7). 2 - وقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت على أن الكفار إذا مالوا إلى الهدنة، فينبغي للمسلمين قبولها والميل لها (¬8). ¬
[174/ 2] من تشمله المصالحة
3 - ومن السنة المطهرة حيث دلَّت وقائع وأحداث السيرة النبوية مباشرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك ومنها ما يأتي: ب- حديث صلح الحديبية، حيث ثبت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عقد الصلح بينه وبين المشركين يوم الحديبية، على وضع الحرب بينه وبينهم، وكتب لهم بذلك كتابًا، كتبه علي بن أبي طالب (¬1). 4 - ومصالحته وموادعته -صلى اللَّه عليه وسلم- ليهود المدينة، فعندما استقر -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة كتب كتابًا بين المسلمين واليهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم واشترط لهم (¬2).Rأن الإجماع متحقق في كون الهدنة مع الكفار جائزة إذا حققت مصلحة للمسلمين، لعدم المخالف المعتبر في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [174/ 2] من تشمله المصالحة: • المراد بالمسألة: أن الصلح إذا وقع بين إمام المسلمين، وملك من ملوك الكفار، فإن من تحت ولاية هذا الحاكم الكافر، يدخلون في هذا الصلح، فلا يجوز أن يُعتدى عليهم، بل يجب أن يُوفَّى لهم عهدهم كذلك، لأنهم من رعيته. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن بطال (449 هـ) حيث يقول: (العلماء مجمعون على أن الإمام إذا صالح ملك القرية أنه يدخل في ذلك الصلح بقيتهم) (¬3) ونقله عنه ابن حجر (¬4)، وأبو عبد اللَّه المغربي (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، . . . . . ¬
[175/ 3] الإمام هو من يعقد الهدنة مع أهل الحرب
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وقوله تعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4] وقوله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7]. • وجه الدلالة: حيث جاءت ألفاظ الأمر بالوفاء بالهدنة والمعاهدة بصيغة الجمع (أوفوا، فاتموا، استقاموا)، مع أن عقد الهدنة قد يتم من رجلين يمثلان كلا الطرفين، فدلَّ ذلك على دخول من تحت أيديهم من الرعية في الوفاء ببنود هذه الهدنة. 2 - يمكن أن يقال: أن الإمام والرئيس باعتباره ممثلًا للجماعة التي يرأسها، ومعبرًا عن إرادتها، وناظرًا لمصلحتها فإن ما يعقده من مهادنات يسري حكمها على من تحت يده من الرعية.Rأن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [175/ 3] الإمام هو من يعقد الهدنة مع أهل الحرب: المراد بالمسألة: أن عقد الهدنة من اختصاص الإمام أو من يقيمه الإمام مقامه، فإن تولى أحد الأفراد عقد الهدنة بدون تفويض من الإمام بطل العقد، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (ولا يصح عقد الذمة والهدنة إلا من الإمام أو نائبه، وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه خلافًا) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: جمهور الفقهاء من الحنفية (¬4)، المالكية (¬5)، والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: أن عقد الهدنة متعلق بمصلحة عامة بالمسلمين والتي لا يقررها ¬
إلا الإمام (¬1). لو جاز أن يعقد الهدنة آحاد الرعية، لكان ذلك افتياتًا على الإمام وتعديًا على سلطانه، وقد يؤدي إلى تعطُّل الجهاد فلا يؤمن أن يهادن الرجل أهل إقليم والمصلحة في قتالهم (¬2). • الخلاف في المسألة: يرى بعض الحنفية (¬3)، وسحنون من المالكية (وقيده في حال الضرورة) (¬4): أنه لا يقتصر حق إبرام عقد الهدنة على الإمام أو من ينيبه، فيجوز عندهم أن يعقد الموادعة فريق من المسلمين من غير إذن الإمام إن كانت هناك مصلحة للمسلمين. وللإمام أن ينهي الهدنة عند عدم تحقق المصلحة. • وحجتهم أنهم قالوا: أن المعوَّل عليه وجود المصلحة، وقد وجدت، فجاز ذلك. أن الموادعة أمان، وأمان الواحد كأمان الجماعة (¬5).Rأن الإجماع متحقق، وما ذكر من خلاف بعض الأحناف وسحنون من المالكية لا يقدح في ثبوت الإجماع وصحته لما يأتي: 1 - ما ذكر من خلاف بعض الأحناف، فالذي يظهر من مذهبهم أنه لو وقع مثل هذه الهدنة فعقد واحد من الرعية بدون إذن الإمام فإنها تصح على أنها أمان، ثم ينظر فيها الإمام فإن رأى فيها مصلحة أمضاها فتقع هدنة وإلا أبطلها، وعندئِذٍ ينتفي الضرر. يقول محمد بن الحسن الشيباني (198 هـ): (ولو أن مسلمًا وادع أهل الحرب سنة على ألف دينار جازت موادعته، ولم يحل للمسلمين أن يغزوهم، وإن قتلوا واحدًا منهم غرموا ديته؛ لأن أمان الواحد من المسلمين بمنزلة أمان جماعتهم. وإن لم يعلم الإمام بذلك حتى مضت سنة أمضى موادعته وأخذ المال فجعله في بيت المال؛ لأن منفعة المسلمين متعينة في إمضاء الموادعة بعد مضي المدة. . . وإن علم بموادعته قبل مضي السنة، فإنه ينظر في ذلك فإن كانت المصلحة في إمضاء تلك الموادعة أمضاها وأخذ المال فجعله في بيت المال؛ لأن له أن ينشئ الموادعة بهذه الصفة إذا رأى المصلحة فيها، فلأن يمضيها كان أولى. وإن رأى المصلحة في إبطالها رد المال إليهم ¬
[176/ 4] الغموض في تحديد مدة عقد الهدنة
ثم نبذ إليهم وقاتلهم؛ لأن أمان المسلم كان صحيحًا والتحرز عن الغدر واجب) (¬1). 2 - وأما سحنون فإنه نص على جوازها مع الكراهة من السرايا، وذلك في حال الضرورة (¬2). وهو خلاف المعتمد من المالكية وعليه فخلافه شاذ، واللَّه تعالى أعلم. [176/ 4] الغموض في تحديد مدة عقد الهدنة: • المراد بالمسألة: إذا تضمن عقد الهدنة أمرًا يحيل العقد إلى الغموض فإن ذلك لا يجوز. ومثاله: أن يقع العقد مطلقًا بلا تحديد مدة، أو أن يشترط أن للطرفين أو لأحدهما نقض الهدنة متى ما أراد، فإنه لا يجوز. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وقد وافقوا (أي القاضي والشافعي) الجماعة في أنه لو شرط في عقد الهدنة أني أقركم ما أقركم اللَّه لم يصح، فكيف يصح منهم الاحتجاج به مع إجماعهم مع غيرهم على أنه لا يجوز اشتراطه) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6) (¬7). • مستند الإجماع: لأن الإطلاق يقتضي التأبيد، وذلك يُفضي إلى ترك الجهاد بالكلية وهو غير جائز (¬8). • الخلاف في المسألة: وذهب الحنفية وبعض المالكية ورواية لأحمد ورواية المزني عن الشافعي (¬9) إلى أن عقد الموادعة يصح أن يكون مطلقا عن المدة إذا كان في ذلك ¬
[177/ 5] الهدنة المؤبدة
الصلح مصلحة للمسلمين فلا بأس به، ولكن لا ينهض إليهم المسلمون ولا يحاربونهم حتى ينبذوا إليهم (أي يعلمهم بنقض عهدهم) على سواء، ليستووا في العلم بنقض العهد. وانتصر لهذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (¬1). واستدلوا بما يأتي: 1 - لقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61]. • وجه الدلالة: أن الآية مطلقة لكن تم تقييدها برؤية مصلحة للمسلمين في ذلك بآية أخرى وهي قوله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد: 35]. 2 - قال ابن القيم: (وعامة عهود النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع المشركين كانت كذلك مطلقة غير مؤقتة جائزة غير لازمة منها عهده مع أهل خيبر) (¬2). 3 - ولأن مدة الموادعة تدور مع المصلحة، وهي قد تزيد وتنقص (¬3).Rأن الإجماع غير متحقق على عدم جواز الإطلاق في تحديد مدة الهدنة لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [177/ 5] الهدنة المؤبدة: المهادنة قد تكون مؤقتة بمدة محددة معينة، وقد تكون مؤبدة غير مؤقتة، وقد تكرن مطلقة عن التوقيت والتأبيد. • المراد بالمسألة: بيان أن مهادنة الكفار من أهل الحرب على الأبد باطلة إذا كان بالمسلمين قوة على حربهم. وقد نُقل الاجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث يقول: (أجمعوا أن موادعة أهل الشرك من عبدة الأوثان، ومصالحة أهل الكتاب على أن أحكام المسلمين عليهم ¬
[178/ 6] الهدنة على عدم حرب العدو وإن حاربوا المسلمن باطل
غير جائز إلى الأبد، باطلة إذا كان بالمسلمين قوة على حربهم) (¬1). ابن القيم (751 هـ) حيث يقول: (وأصحاب هذا القول (أي المانعين من الإطلاق في تحديد مدة الهدنة) كأنهم ظنوا أنها إذا كانت مطلقة تكون لازمة مؤبدة كالذمة، فلا تجوز بالاتفاق) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: لأن التأبيد يفضي إلى ترك الجهاد بالكلية وهو ممتنع، فيمنع ما يؤدي إليه (¬7). ولأن مصلحة العدو في تأبيد عقد الهدنة أعظم حالة قوة المسلمين، حيث يمكنه أن يتحصَّن، ويكثر من آلات الحرب والعدة فيصعب على المسلمين تحصيل المراد (¬8).Rأن الإجماع متحقق على أن عقد الهدنة لا يصح مؤبدًا، بل لا بد من مدة سواء كانت مؤقتة أو مطلقة، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [178/ 6] الهدنة على عدم حرب العدو وإن حاربوا المسلمن باطل: • المراد بالمسألة: بيان أن من شروط صحة الهدنة انتفاء الضرر عن المسلمين، ووجود المصلحة من عقدها، فإذا لم يتحقق ذلك فإنها لا تصح، كما لو أُعطي العدو الهدنة على أن يُحاربوا المسلمين، ولا يحاربهم المسلمون، فإنها باطلة، لا تنفذ. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أنه إن أمنهم على أن يحاربوا المسلمين، ولا يحاربهم المسلمون أن ذلك باطل لا ينفذ) (¬9). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار" (¬5). • وجه الدلالة: دلّ الحديث أنه لا يجوز الإقدام على ما فيه ضرر على النفس ولا على الغير، وهذه الهدنة بلا شك فيها ضررٌ، وإجحاف بالمسلمين، فلا يجوز الإقدام عليها. 2 - ولما فيها من الإهانة، والاستذلال للمسلمين، وهذا منافٍ لما ينبغي أن يكون عليه المسلم من العزة والقوة. فلا تجوز إجابة مثل هذه الهدنة.Rأن الإجماع متحقق على أن الهدنة على عدم حرب العدو وإن حاربوا المسلمين باطل، لا ينفذ، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الباب الثالث: مسائل الإجماع في أحكام الحربيين وأهل الكتاب، وأهل الذمة
الباب الثالث: مسائل الإجماع في أحكام الحربيين وأهل الكتاب، وأهل الذمة وفيه تمهيد، وثلاثة فصول: • تمهيد: في تعريف الحربيين، وأنواع الكفار. • الفصل الأول: مسائل الإجماع في أحكام الحربيين. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في أحكام أهل الكتاب. • الفصل الثالث: مسائل الإجماع في أحكام أهل الذمة.
الفصل الأول: مسائل الإجماع في أحكام الحربيين
الفصل الأول: مسائل الإجماع في أحكام الحربيين تمهيد: في تعريف الحربيين، وأنواع الكفار: • أولًا: تعريف الحربيين: • الحربيون لغة: جمع حربي، والحربي نسبة إلى دار الحرب، والحرب ضد السلم (¬1). ودار الحرب هي: البلاد التي يغلب فيها حكم الكفار، وبينها وبين المسلمين حرب (¬2). سواء كانت الحرب قائمة فعلًا، أو مُجمَّدة مع توقُّع الاعتداء على المسلمين. وهو ما يُطلق عليه. حديثًا: حالة وقف إطلاق النار (¬3). فالحربي: هو أصلًا من ينتمي لدولة في حالة حرب مع الدولة الإسلامية، وهو أيضًا: من كان معصومًا بأمان أو عهد، فانتهى أمانة أو نقض عهده (¬4). • ثانيًا: أنواع الكفار: لا بد من التفريق بين أنواع الكفار؛ فإنهم على أربعة أقسام: ذميون، ومعاهدون، ومستأمنون، وحربيون. • فالذميون: هم من أقام بدار الإسلام إقامة دائمة بأمان مؤبّد. • والمعاهدون: هم أهل البلد من أهل الحرب المتعاقد معهم على ترك القتال مدّةً معلومة. وأهل الحرب: هم أهل بلاد الكفر التي لم يجرِ بينهم وبين المسلمين عهد. وأما المستأمن: فهو الحربي الذي يدخل دار الإسلام بأمانٍ مؤقت لأمرٍ يقتضيه (¬5). ¬
[179/ 1] الحربي ليس له حكم المحارب
[179/ 1] الحربي ليس له حكم المحارب: • تعريف المحارب: • المحارب في اللغة: لفظ مشتق من الحرابة مصدر حَرِبَ، وحَرَبَه يَحْرُبه: إذا أخذ ماله، والمحارب: الغاصب الناهب (¬1). • ويبين ابن عبد البر رحمه اللَّه تعريفه الاصطلاحي بقوله: (كل من قطع السبل وأخافها، وسعى في الأرض فسادًا بأخذ المال، واستباحة الدماء، وهتك ما حرم اللَّه هتكه من المحارم، فهو محارب) (¬2). • المراد بالمسألة: بيان أن من قاتل من أجل أخذ المال، أو إخافة السبيل، بأي نوع كان من أنواع القتال، فهو محارب قاطع، كما أن من قاتل المسلمين من الكفار بأي نوع كان من أنواع القتال فهو حربي (¬3). وأن الحربي والمحارب لا يستويان في الحكم، فالحربي يُقاتَل حتى يسلم، أو يُعطي الجزية إن كان ممن تقبل منه، وأما المحارب فإنه إن تاب قبل القدرة عليه، فإن العقوبة تسقط عنه فيما بينه وبين اللَّه، ثم ينظر بعد في حقوق من تضرر منه من الآدميين، كما أن حكم الحربي في القتال هو القتل، وإن وقع أسيرًا خُيِّر فيه الإمام بين أمور وهي: القتل، والاسترقاق، والمن (إطلاق سراح الأسير بلا مقابل)، والفداء (تبادل الأسرى أو أخذ المال فدية عنهم)، وفرض الجزية على الرجال القادرين منهم. وأما المحارب فحكمه أن يقتل، أو يصلب، أو تقطع منه الأيدي والأرجل من خلاف، أو ينفى من الأرض، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (وإنما حكم الحربيين القتل في اللقاء كيف أمكن حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ومن كان منهم كتابيًّا في قولنا وقول طوائف من الناس. أو من كان منهم من أي دين كان ما لم يكن عربيًّا في قول غيرنا. أو يؤسر فيكون حكمه ضرب العنق فقط بلا خلاف، . . . أو يسترق، أو يطلق إلى أرضه. . . أو يفادى به. . . أو نطلقهم أحرارا ذمة، . . . فهذه أحكام الحربيين بنص القرآن، والسنن الثابتة، والإجماع المتيقن، ولا خلاف في أنه ¬
ليس الصلب، ولا قطع الأيدي والأرجل، ولا النفي، من أحكامهم.) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أمْرُ الشارع في القرآن الكريم بقتال المشركين في كثير من الآيات، دون ذكر هذه العقوبة الخاصة بالمحاربين من (القتل، والصلب. .)، مما يدل على أنها لا تشمل الحربيين، ومن شواهد ذلك قول اللَّه تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، وقوله سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]، وغيرها من الآيات التي أمرت بقتال المشركين أمرًا مطلقًا، دون ذكر هذه العقوبة. 2 - قول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة: 33] ثم قال سبحانه: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34]. • وجه الدلالة: أن في الآية دليل واضح أن الحكم الذي ذكره اللَّه في المحاربين يجري في المسلمين والمعاهدين دون المشركين؛ إذ لو كان حكمًا في أهل الحرب من المشركين لوجب أن لا يسقط إسلامهم عنهم إذا أسلموا أو تابوا بعد قدرتنا عليهم ما للمسلمين عليهم من حقوق، وقد أجمع المسلمون أن إسلام المشرك يضع عنه ما كان فعله قبل إسلامه من إتلاف للأموال والدماء. بخلاف المحارب فإنه تلزمه تلك الحقوق، فدلَّ ذلك أن الحكم في الآية لا يشمل أهل الحرب من المشركين (¬7).Rأن الإجماع متحقق على أن الحربي ليس له حكم المحارب في إيقاع العقوبة الخاصة بالحرابة عليه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[180/ 2] ملك صبيان أهل الحرب ونسائهم
[180/ 2] ملك صبيان أهل الحرب ونسائهم: • المراد بالمسألة: بيان أنه إذا وقع الكفار المحاربون في أسر المسلمين، فإن نساءهم وصبيانهم مما أباح اللَّه تملكه للمسلمين بعد استرقاقهم، فيمتلك المجاهدون الإماء والعبيد كما يمتلكون الغنائم بعد قسمتها، ويجوز لمن تملَّك أمَةً أو عبدًا أن يبيعهما، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن ملك صبيان أهل الحرب، ما لم يكن من ولدهم باي وجه كان مرتدًّا، ومسلم ومسلمة، وإن بعدت تلك الولادة، ملك حلال، وكذلك قسمتهم، وكذلك القول في نسائهم) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استرق نساء بني قريظة وذراريهم. وذلك حينما رد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ، فقال سعد: "فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذوية والنساء، وتقسم أموالهم"، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد حكمت فيهم بحكم اللَّه عز وجل" (¬6). 2 - وكذلك ما ثبت من سنته -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه سبى نساء هوازن، وهم عرب وقسمهم بين الغانمين فصاروا رقيقًا لهم (¬7).Rأن الإجماع متحقق على جواز ملك صبيان أهل الحرب ونسائهم بعد ضرب الرق عليهم، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
[181/ 3] جواز أخذ العشر من التاجر الحربي
[181/ 3] جواز أخذ العشر من التاجر الحربي: القول في هذه المسألة، من حيث بيان المراد منها، ومن نقل الإجماع عليها، والموافقون على ذلك، ومستند الإجماع، وسائر محاور المسألة -هو نفس القول في المسألة السابقة: (جواز أخذ العشر على تجار أهل الذمة زيادة على الجزية إذا شُرط عليهم). فتفاديًا للتكرار، نُحيل القارئ الكريم للنظر إليها في ذلك الموضع (¬1). مع التذكير بالنتيجة التي توصلنا إليها وهي: أن الإجماع متحقق على جواز أخذ العشر من تجار غير المسلمين إذا دخلوا بلاد الإسلام، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [182/ 4] جواز قتل الجاسوس (¬2) الحربي: • المراد بالمسألة: أن الكافر الحربي إذا دخل بلاد المسلمين بلا أمان أو عهد، ثم حصل منه تجسس، فإنه يجوز قتله، وقد نُقل الإجماع على ذلك (¬3). • الناقلون للإجماع: القاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: (وفيه قتل الجاسوس من الحربيين، ولا خلاف في ذلك) (¬4). وأبو العباس القرطبي (656 هـ) في كتابه "المفهم"، حيث يقول: (وفيه قتل الجاسوس، ولا خلاف في ذلك، إذا لم يكن معاهدًا أو مسلمًا) (¬5). والنووي (676 هـ) حيث يقول: (وفيه (¬6) قتل الجاسوس الكافر الحربي، وهو كذلك بإجماع المسلمين) (¬7). ¬
[183/ 5] الجاسوس المسلم يعزر، ولا يقتل
والعيني (855 هـ) حيث يقول: (وفيه: قتل الجاسوس الحربي، وعليه الإجماع) (¬1)، ونقله الحافظ ابن حجر (852 هـ) (¬2)، والشوكاني (1250 هـ) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن سلمة بن الأكوع -رضي اللَّه عنه- قال: "أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عينٌ (¬8) من المشركين -وهو في سفر- فجلس عند أصحابه يتحدث، ثم انفتل، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اطلبوه واقتلوه، فقتلته"، فقال: "من قتل الرجل؟ " فقالوا: ابن الأكوع، فقال: "له سلبه أجمع" (¬9). • وجه الدلالة: أنه نص صحيح صريح في قتل الجاسوس الحربي الكافر. 2 - أن في قتله مصلحة عظيمة للمسلمين، بل لا يندفع شره إلا بقتله؛ وذلك لعظم إفساده وإطلاعه على عورات المسلمين، ولا سيما أنه كافر حربي مهدر الدم، فكيف إذا أنضاف إلى ذلك التجسس (¬10).Rأن الإجماع متحقق على قتل الجاسوس الكافر الحربي، حيث لم أقف على من خالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [183/ 5] الجاسوس المسلم يُعزَّر، ولا يقتل: • المراد بالمسألة: إذا تجسَّس أحد المسلمين لصالح الأعداء؛ طمعًا، أو لأي سبب ¬
عارض، فإن تجسسه لا يُخرجه عن الإسلام، ولا يُباح من أجله قتله، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • الناقلون للإجماع: أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: (لم يختلفوا أن المسلم لو فعل ذلك -أي التجسس- لم يُبح دمه)، نقله عنه أبو بكر الجصاص (370 هـ) (¬1)، والحافظ ابن حجر (852 هـ) مقرًّا له (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على أن الجاسوس المسلم يُعزَّر ولا يُقتل: الحنفية (¬3)، وبعض المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وظاهر مذهب الحنابلة (¬6)، والأوزاعي، وابن القيم (¬7). • مستند الإجماع: عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: "بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا والزبير والمقداد ابن الأسود قال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ (¬8)، فإن بها ظعينة (¬9) ومعها كتاب، فخذوه منها". فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها (¬10)، فأتينا به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا حاطب، ما هذا؟ ". قال: يا رسول اللَّه، لا تعجل علي، إني كنت امرأً ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة، يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، ¬
أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرًا، ولا ارتدادًا، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد صدقكم". قال عمر: يا رسول اللَّه دعني أضرب عنق هذا المنافق. قال: "إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل اللَّه أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم، فقد كفرت لكم؟ " (¬1). • وجه الدلالة: لو أن عمل حاطب يستوجب القتل كفرًا أو حدًّا لما تركه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وانتماؤه إلى أهل بدر لا يمنع ذلك، لذا فإن المسلم إذا تجسَّس للكفار على المسلمين، كأن يكتب بعورات المسلمين، وأقر بذلك، فإنه لا يُقتل. لكن أمره إلى الإمام يُعزِّره بما يرى أنه يردعه. • الخلاف في المسألة: وخالف في ذلك بعض العلماء على قولين: • القول الأول: يرى المالكية في المذهب عندهم (¬2)، وبعض الحنابلة (¬3): أن المسلم إذا صار عينًا للأعداء، فإنه يمتل. • وحجتهم: حديث حاطب المتقدم، حيث لم يقتله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لكونه من أهل بدر، لا لكونه مسلمًا فقط. والجاسوس بإضراره بالمسلمين، وسعيه بالفساد في الأرض، أضر من المحاربين (¬4). • القول الثاني: ذهب ابن الماجشون من المالكية (¬5): إلى أنه يُقتل في حالة تكرار التجسس، واتخاذه عادة. • وحجتهم: أن المرء لا يكون جاسوسًا بالفعل إلا إذا تكرر منه التجسس، واتخذه عادةً له، ولهذا يؤاخذ حاطب -رضي اللَّه عنه-، لفعله مرة واحدة ولم يتكرر منه، ولهذا لم يقتله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.Rأن الإجماع غير متحقق على أن الجاسوس المسلم يُعزَّر، ولا يقتل، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[184/ 6] لا يقام الحد على الحربي بعد أن أصبح من أهل الذمة، وكان قد اقترف ذلك وهو حربي
[184/ 6] لا يُقام الحد على الحربي بعد أن أصبح من أهل الذمة، وكان قد اقترف ذلك وهو حربي: • المراد بالمسألة: إذا ارتكب الحربي ما يوجب حدًّا، وهو في دار الحرب، من شرب خمر، أو سرقة، أو قذف، وغيرها، ثم دخل إلى بلاد الإسلام بأمان مؤبَّد (عقد ذمة)، فإنه لا يُقام عليه الحد، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن الحربي لا يقام عليه بعد ذمته أو إسلامه حد زنا كان منه قبل ذلك ولا قتل مسلم أو غيره ولا قذف ولا خمر ولا سرقة ولا يغرم ما أتلف من مال المسلم أو غيره) (¬1). والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (أما الكافر الحربي فلا خلاف في إسقاط ما فعله في حال كفره في دار الحرب، وأما إن دخل إلينا بأمان فقذف مسلمًا فإنه يحد وإن سرق قطع وكذلك الذمي إذا قذف) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: لأن الكفر يمنع وجوب الحد ابتداء، لكونه غير ملتزم لأحكام الإسلام حال كونه حربيًّا.Rأن الإجماع متحقق على أنه لا يُقام الحد على الحربي إذا ارتكب ما يوجبه، بعد أن أصبح من أهل الذمة، وكان قد اقترف ذلك وهو حربي؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
[185/ 7] لا يقام القصاص على الحربي، فيما جناه قبل دخوله دار الإسلام
[185/ 7] لا يُقام القصاص على الحربي، فيما جناه قبل دخوله دار الإسلام: • تعريف القصاص: • القصاص لغة: تتبع الأثر (¬1). • وفي الاصطلاح: هو أن يفعل بالجاني مثل ما فعل (¬2). • المراد بالمسألة: أن الحربي بعد أن يدخل دار الإسلام بأمان، أو يصبح من أهل الذمة، أو يدخل في الإسلام، وكان قد جَنَى جناية، أو قتل أحدًا، وهو حربي، وفي دار الحرب، فإنه لا يقتص منه، ولا تؤخذ منه دية، سواء وقعت الجناية، أو القتل، على مسلم، أم على غيره. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وفي إجماع المسلمين أن إسلام المشرك الحربي يضع عنه بعد قدرة المسلمين عليه ما كان واضعه عنه إسلامه قبل القدرة عليه) (¬3). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (وقد صح النص والإجماع بإسقاطه، وهو ما أصابه أهل الكفر ما داموا في دار الحرب قبل أن يتذمموا أو يسلموا فقط، فهذا خارج بفعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كل من أسلم منهم، فلم يؤاخذهم بشيء مما سلف لهم، من قتل أو زنى أو قذف أو شرب خمر أو سرقة، وصح الإجماع بذلك) (¬4). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وقد أجمع علماء المسلمين على أن الكفار إذا انتهوا وتابوا من كفرهم غفر لهم كل ما سلف، وسقط عنهم كل ما كان لزمهم في حال الكفر من حقوق اللَّه عز وجل وحقوق المسلمين، قبل أن يقدروا عليهم وبعد أن يقدروا عليهم ويصيروا في أيدي المسلمين، فلا يحل قتلهم بإجماع المسلمين ولا يؤخذ بشيء نحوه في مال أو دم) (¬5). وابن القيم (751 هـ) حيث يقول: (فتبين بهذا أن الكفار المحاربين إذا استولوا على أموال المسلمين، ثم أسلموا، كانت لهم ولم ترد إلى المسلمين؛ لأنها أخذت في اللَّه وأجورهم فيها على اللَّه لما أتلفه الكفار من دمائهم وأموالهم، فالشهداء لا يضمنون، ¬
[186/ 8] لا يقتل المسلم بالحربي
ولو أسلم قاتل الشهيد، لم يجب عليه دية، ولا كفارة بالسنة المتواترة، واتفاق المسلمين) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} [الأنفال: 38]. • ووجه الدلالة من الآية: أن اللَّه تعالى وعبد الكفار إن تابوا وآمنوا بالمغفرة، فدل ذلك على سقوط ما فعلوا في حال كفرهم سواء حقوق اللَّه، أو حقوق الآدميين، في الدماء وغيرها. 2 - أنه قد أسلم جماعة على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد عرف من قتلوه: مثل: وحشي بن حرب قاتل حمزة، ومثل قاتل النعمان بن قوقل وغيرهما، فلم يطلب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدًا بشيء؛ عملًا بقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ} (¬6). 3 - اتفاق الصحابة على هذا الحكم، ويدل عليه: أنه لما عزم الصديق -رضي اللَّه عنه- على تضمين المحاربين من أهل الردة ديات المسلمين وأموالهم. فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: تلك دماء أصيبت في سبيل اللَّه، وأجورهم على اللَّه، ولا دية لشهيد. فاتفق الصحابة على ما قال عمر (¬7).Rأن الإجماع متحقق على سقوط القصاص فيما جناه الكافر الحربي من دماء المسلمين حال كفره، إذا أسلم بعد ذلك، أو دخل دار الإسلام بعقد أمان، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [186/ 8] لا يقتل المسلم بالحربي: • المراد بالمسألة: إذا قتل المسلم كافرًا حربيًّا، سواءٌ كان في دار الحرب، أو كان ¬
الحربي مستأمنًا في دار الإسلام، فإن المسلم لا يُقاد بالحربي. ومن صوره المعاصرة: لو قتل مسلم يهوديًّا أظهر العداوة للإسلام، فلا يجوز أن يقاد به؛ لأن الدماء غير متكافئة، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث نُقل عنه أنه قال: (لا خلاف أنه لا يقتل بالحربي المستأمن)، نقله عنه الجصاص (370 هـ) في "مختصر اختلاف العلماء" (¬1). التميمي (350 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أنه لا يُقتل مؤمنٌ بحربي مستأمن، إلا أبا يوسف فإنه قال: يُقتل به) (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (واحتجوا في ذلك بإجماعهم على أنه لا يقتل مسلم بالحربي الذي أمن) (¬3). ابن مفلح (793 هـ) حيث يقول: "فلا يجب القصاص بقتل حربي" لا نعلم فيه خلافًا (¬4) الشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: (قوله: "وأن لا يقتل مسلم بكافر" دليل على أن المسلم لا يقاد بالكافر أما الكافر الحربي فذلك إجماع) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - لأن الحربي لا عصمة لدمه لمناوأته الإسلام وأهله. بل قد أمر الشرع المطهر بقتله، قال اللَّه تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29]، وقال عز وجل: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. 2 - عن أبي جحيفة قال: سألت عليًّا -رضي اللَّه عنه-: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟ فقال: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهمًا يعطى رجل في كتابه وما في الصحيفة". قلت: وما في الصحيفة؟ قال: "العقل، وفكاك الأسير، ¬
[187/ 9] لا يقتل الذمي بالحربي
وأن لا يقتل مسلم بكافر" (¬1). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث أن المسلم لا يُقتل بالكافر قصاصًا. 3 - ولأن من شروط وجوب القصاص على القاتل كونه معصوم الدم. والحربي مباح الدم (¬2). • الخلاف في المسألة: يرى أبو يوسف أن المسلم يُقاد بالحربي المستأمن خاصة في دار الإسلام. • وحجته: أن المستأمن كالذمي له عصمة مؤقتة ما دام في أرض الإسلام (¬3). R 1 - أن الإجماع متحقق على أن المسلم لا يُقاد بالحربي، ما دام في دار الحرب، لعدم المخالف المعتبر. 2 - أن الإجماع غير متحقق على أن المسلم لا يُقاد بالحربي المستأمن، لخلاف أبي يوسف من الحنفية، واللَّه تعالى أعلم. [187/ 9] لا يقتل الذمي بالحربي: • المراد بالمسألة: بيان أن الذمي لو قتل حربيًّا في دار الحرب، فإنه لا يُقتل به، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (ولا يقتل ذمي بحربي، لا نعلم فيه خلافًا؛ لأنه مباح الدم على الإطلاق) (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: لأن الحربي مباح الدم ولا عصمة له، فلا يُقتص من قاتله، كما ¬
[188/ 10] الكفار الحربيون غير ضامنين ما أتلفوه من أموال المسلمين
تقرر بالأدلة في المسألة السابقة.Rأن الإجماع متحقق على أن الذمي لا يُقتل بالحربي، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [188/ 10] الكفار الحربيون غير ضامنين ما أتلفوه من أموال المسلمين: • تعريف الضمان والإتلاف: • أولًا: تعريف الضمان. • الضمان لغة: الكفالة والغرامة (¬1). • وفي الاصطلاح: التزام حق ثابت في ذمة الغير، أو إحضار من هو عليه، أو التزام عين مضمونة (¬2). • ثانيًا: تعريف الإتلاف: • الإتلاف لغة: جعل الشيء تالفًا، أي هالكًا (¬3). • وفي الاصطلاح: خروج الشيء من أن يكون منتفعًا به المنفعة المطلوبة منه عادة بفعل آدمي (¬4). • المراد بالمسألة: أن الكافر الحربي بعد أن يدخل دار الإسلام بأمان، أو يُصبح من أهل الذمة، أو يدخل في الإسلام، وكان قد أتلف مال مسلم، فإنه لا يلزمه ضمان ذلك المتلف، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • الناقلون للإجماع: ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وفي إجماع المسلمين أن إسلام المشرك الحربي يضع عنه بعد قدرة المسلمين عليه ما كان واضعه عنه إسلامه قبل القدرة عليه. . .) (¬5). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (وقد صح النص والإجماع بإسقاطه، وهو ما ¬
أصابه أهل الكفر ما داموا في دار الحرب قبل أن يتذمموا أو يسلموا فقط، فهذا خارج بفعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كل من أسلم منهم، فلم يؤاخذهم بشيء مما سلف لهم، من قتل أو زنى أو قذف أو شرب خمر أو سرقة، وصح الإجماع بذلك) (¬1)، وقال أيضًا: (واتفقوا أن الحربي لا يقام عليه بعد ذمته أو إسلامه حد زنا. . . ولا يغرم ما أتلف من مال المسلم أو غيره) (¬2). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وقد أجمع علماء المسلمين على أن الكفار إذا انتهوا وتابوا من كفرهم غفر لهم كل ما سلف، وسقط عنهم كل ما كان لزمهم في حال الكفر من حقوق اللَّه عز وجل وحقوق المسلمين، قبل أن يقدروا عليهم وبعد أن يقدروا عليهم ويصيروا في أيدي المسلمين، فلا يحل قتلهم بإجماع المسلمين ولا يؤخذ بشيء نحوه في مال أو دم) (¬3). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وقد أجمعوا على أن الكفار غير ضامنين لأموال المسلمين) (¬4). وابن قدامه (620 هـ) حيث يقول: (فصل: ولا أعلم خلافًا في أن الكافر الحربي إذا أسلم، أو دخل إلينا بأمان، بعد أن استولى على مال مسلم فأتلفه، أنه لا يلزمه ضمانه) (¬5). والقرافي (684 هـ) حيث يقول: (ولهم أموال وديار تحت أيدي الكفار، ولانعقاد الإجماع على عدم الضمان في الاستهلاك) (¬6). وابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (وهذا يرجع إلى أن كل ما قبضه الكفار من الأموال قبضًا يعتقدون جوازه، فإنه يستقر لهم بالإسلام كالعقود الفاسدة والأنكحة والمواريث وغيرها، ولهذا لا يضمنون ما أتلفوه على المسلمين بالإجماع. . .) (¬7). ونقله جمعٌ غيرهم (¬8). ¬
[189/ 11] ثبوت نسب الحربي بالإقرار
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} [الأنفال: 38]. • ووجه الدلالة من الآية: أن اللَّه تعالى وعبد الكفار إن تابوا وآمنوا بالمغفرة، فدل ذلك على سقوط ما فعلوا في حال كفرهم سواء حقوق اللَّه أو حقوق الآدميين. 2 - أن هذا ما جرت عليه السنة النبوية، يقول ابن القيم: (وكان المشركون يعمدون إلى من هاجر من المسلمين ولحق بالمدينة، فيستولون على داره وعقاره، فمضت السنة أن الكفار المحاربين إذا أسلموا لم يضمنوا ما أتلفوه على المسلمين من نفس، أو مال) (¬6). 3 - اتفاف الصحابة على هذا الحكم، ويدل عليه: أنه لما عزم الصديق -رضي اللَّه عنه- على تضمين المحاربين من أهل الردة ديات المسلمين وأموالهم. فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: تلك دماء أصيبت في سبيل اللَّه، وأجورهم على اللَّه، ولا دية لشهيد. فاتفق الصحابة على ما قال عمر (¬7). فإذا كانوا لا يضمنون ما أزهقوه من دماء المسلمين، فلا يضمنون ما أتلفوه من أموالهم من باب أولى.Rأن الإجماع متحقق على سقوط الضمان فيما أتلفه الكافر الحربي أو استهلكه من أموال المسلمين حال كفره، إذا أسلم بعد ذلك، أو دخل دار الإسلام بعقد أمان، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [189/ 11] ثبوت نسب الحربي بالإقرار: • المراد بالمسألة: بيان أن أهل الحرب إذا دخلوا إلى دار الإسلام، وأقر بعضهم ¬
[190/ 12] صحة ما اقتسمه أهل الحرب
بنسب بعض، من غير إنكار، أو تكذيب، فإن نسبهم يثبت بذلك الإقرار، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وجملته أن أهل الحرب إذا دخلوا إلينا مسلمين، أو غير مسلمين، فأقر بعضهم بنسب بعض، ثبت نسبهم كما يثبت نسب أهل دار الإسلام من المسلمين وأهل الذمة بإقرارهم، . . . ولا نعلم في هذا خلافًا) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - لأنه إقرار لا ضرر على أحد فيه، فقبل، كإقرارهم بالحقوق المالية. 2 - ولأن الإقرار بالنسب أحد أسباب ثبوته، والشارع يتشوَّف للحوق بالنسب، والكافر كالمسلم في سبب النسب.Rأن الإجماع متحقق على أن نسب الحربي يثبت بالإقرار عليه، لعدم المخالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [190/ 12] صحة ما اقتسمه أهل الحرب: • المراد بالمسألة: بيان أن ما حصل من قسمة بين أهل الحرب في دارهم، من مواريث، أو نصيب في شركة من عقابى أو غيره، ثم دخلوا دار الإسلام، وهم مسلمون، أو مستأمنون، أو بعقد ذمة، فإنا نقر تلك القسمة على ما هي عليه، ولا نتعرَّض لها بتغيير، أو رد، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن ما اقتسمه الحربيون قبل أن يسلموا، فإنه لا يرد) (¬6). ¬
وابن تيمية (728 هـ) حيث يقول بعد أن أورد حديث: "كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ: فِي الجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ": (وهذا أيضًا يوافق ما دل عليه كتاب اللَّه، ولا نعلم فيه خلافًا؛ فإن الحربي لو عقد عقدًا فاسدًا من ربا، أو بيع خمر، أو خنزير، أو نحو ذلك، ثم اسلم بعد قبض العوض، لم يحرم ما بيده، ولم يجب عليه رده) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عباس قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ، وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الإِسْلاَمُ فَإِنَّهُ عَلَى قَسْمِ الِإسْلاَمِ" (¬6). 2 - وعن عبد اللَّه بن عمر أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما كان من ميراث قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهليَّة، وما كان من ميراث أدركه الإسلام، فهو على قسمة الإسلام" (¬7). قال الخطابي: (فيه بيان أن أحكام الأموال والأسباب والأنكحة التي كانت في الجاهلية ماضية على ما وقع الحكم منهم فيها في أيام الجاهلية، لا يرد منها شيء في الإسلام، وأن ما حدث من هذه الأحكام في الإسلام، فإنه يستأنف فيه حكم الإسلام) (¬8). 3 - وعن ابن أبي نجيح قال: "لما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة، نظر إلى تلك الرباع، فما أدرك منها قد اقتسم على أمر الجاهلية تركه لم يحركه، وما وجده لم يقسم، قسمه على قسمة الإسلام" (¬9). 4 - وأن هذا ما كان عليه عمل الصحابة حيث كانوا يجرون قسم الجاهلية على ما ¬
[191/ 13] الحربي إذا استولى على الحر المسلم أو الذمي لم يملكه، ولا يزيل عنه الحرية
هي عليه: فعن يزيد بن قتادة: أن إنسانًا من أهله مات وهو على غير دين الإسلام، قال: فورثته ابنته دوني وكانت على دينه، ثم إن جدي أسلم وشهد مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حنينًا، فتوفي وترك نخلًا، فأسلمت، وخاصمتني في الميراث إلى عثمان بن عفان، فحدث عبد اللَّه بن الأرقم: أن عمر قضى أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فإنه نصيبه، فقضى له عثمان فذهبت بالأولى، وشاركتني في الآخرة (¬1). • ووجه الدلالة: أن قضاء الصحابة ماضٍ على إقرار قسم الجاهلية، وعدم تغييره، حيث لم يتعرضوا لنصيب البنت حينما ورثت في المرة الأولى دون أخيها من أبيها المشرك. 5 - ولأن الكفر لا تفترق أحكامه فيمن أسلم منهم: أنه يقر على نكاحه، ويلحقه ولده، فكذلك يقر على ما حصل له من القسمة، وإن كانت تخالف قسمة الإسلام (¬2).Rأن الإجماع متحقق على صحة ما اقتسمه أهل الحرب، وعدم تحريكه وتركه على ما هو عليه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [191/ 13] الحربي إذا استولى على الحر المسلم أو الذمي لم يملكه، ولا يُزيل عنه الحرية: • المراد بالمسألة: إن من النتائج الحتمية للحروب وقوع الأسر على بعض الأفراد، فإذا استولى الكفار الحربيون على حر -مسلم أو ذمي- فإنهم لا يملكونه، فهو حرٌّ على حاله، وكان في ذمَّة المسلمين، يلزمهم العمل على خلاصه، وإذا استخلصه المسلمون، عاد حرًّا على أصله، ولا ينتقض عقد الذمة من الذمي، بل يرجع إلى ذمته، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • الناقلون للإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن من أسره أهل الحرب من كبار أهل الذمة وصغارهم ونسائهم، أن ذمتهم لا تنتقض بذلك، ما لم يلحق مختارًا، وأنه إن ظفر المسلمون بالمأسورين المذكورين، من أنهم لا يسترقون) (¬3). والكاساني (587 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف في أنهم أيضًا إذا استولوا على رقاب المسلمين، ومدبريهم، وأمهات أولادهم، ومكاتبيهم، أنهم لا يملكونهم، وإن ¬
أحرزوهم بالدار) (¬1). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (فصل: وأن استولوا على أهل ذمتنا فسبوهم، وأخذوا أموالهم، ثم قدر عليهم، وجب ردهم إلى ذمتهم، ولم يجز استرقاقهم في قول عامة أهل العلم منهم: الشعبي، ومالك، والليث، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، ولا نعلم لهم مخالفًا) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قال الشعبي: أغار أهل ماه، وأهل جولاء على العرب، فأصابوا سبايا العرب، فكتب السائب بن الأقرع إلى عمر -رضي اللَّه عنه- في سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعهم، قد اشتراه التجار من أهل ماه، فكتب عمر -رضي اللَّه عنه-: "أيما رجل أصاب رقيقه ومتاعه بعينه فهو أحق به من غيره، وإن أصابه في أيدي التجار بعد ما أقتسم فلا سبيل إليه، وأيما حر اشتراه التجار فإنه يرد إليهم رؤوس أموالهم، فإن الحر لا يباع ولا يشترى" (¬8). • ووجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- بيَّن أن الحر لا تزول عنه حريته بالأسر، أو الاسترقاق. 2 - وقال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في وصيته للخليفة بعده: "وأوصيه بأهل ذمة المسلمين خيرًا، أن يوفي لهم بعهدهم، ويخاطر من ورائهم" (¬9). 3 - وقال علي -رضي اللَّه عنه-: "إنما بذلوا الجزية؛ لتكون دمائهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا" (¬10). ¬
[192/ 14] تحريم بيع السلاح لأهل الحرب
• وجه الدلالة: أن هذا دال على ثبوت حكم الحرية لأهل الذمة، كما هو ثابت للمسلمين. 4 - ولأن الحر لا يضمن بالقيمة، ولا تثبت عليه اليد بحال.Rأن الإجماع متحقق على أن استرقاق الحربي للحر المسلم أو الذمي لا يزيل حريتهما، ولا يثبت به الرق عليهما؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [192/ 14] تحريم بيع السلاح لأهل الحرب: • المراد بالمسألة: أن أهل الحرب إذا دخلوا بلاد المسلمين بعقد أمان، أو دخل إليهم أحد من المسلمين، فأرادوا أن يبتاعوا من المسلمين شيئًا من السلاح، وآلة الحرب، فإنه يحرم على المسلمين بيعه لهم، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • الناقلون للإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: (وأما بيع السلاح لأهل الحرب، فحرام بالإجماع) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. • ووجه الدلالة: أن في الآية نهى عن معاونة الغير على المعصية، وبيع السلاح للعدو من أعظم الإعانة على المعصية؛ لأنهم يتقوون به على المسلمين والاعتداء عليهم (¬7). 2 - ما روي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نهى عن بيع السلاح من أهل الحرب، وحمله إليهم" (¬8). ¬
[193/ 15] لا يجوز رهن السلاح لأهل الحرب
3 - عن عمران بن الحصين -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع السلاح في الفتنة" (¬1). • ووجه الدلالة: أن في الحديث نهيًا عن بيع السلاح للمسلم في حال الفتنة بينهم حتى لا يقتل بعضهم بعضًا، فإذا كان البيع على العدو ليقتل به المسلم كانت الحرمة في ذلك أعظم وأشد. 4 - ولأن في بيع السلاح على العدو معونة لهم على قتل المسلمين وإضعاف الدين (¬2).Rأن الإجماع متحقق على تحريم بيع السلاح لأهل الحرب، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [193/ 15] لا يجوز رهن السلاح لأهل الحرب: • تعريف الرهن: • الرهن لغة: الدوام والثبوت (¬3). • وفي الاصطلاح: توثيق دين بعين، يمكن أخذه، أو بعضه منها، أو من ثمنها (¬4). • المراد بالمسألة: بيان أن المسلم إذا استدان من أهل الحرب دينًا، أو فك أسيرًا، وطلبوا منه الرهن، فإنه لا يجوز أن يرهنهم السلاح. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن التين (611 هـ) حيث يقول: (وإنما يؤخذ جواز رهن السلاح من الحديث الذي قبله، قال: وإنما يجوز بيعه ورهنه عند من تكون له ذمة أو عهد باتفاق) كما نقله عنه الحافظ في "فتح الباري" (¬5). الشوكاني (1255 هـ) حيث يقول: (وجواز رهن السلاح عند أهل الذمة لا عند أهل ¬
[194/ 16] يحرم بيع رقيق المسلمين لأهل الحرب
الحرب بالاتفاق) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الشافعية (¬2)، ومقتضى مذهب الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: 1 - لأن مقصود الرهن استيفاء الدين من ثمنه، وما لا يجوز بيعه، لا يمكن ذلك فيه. 2 - ولأن الفقهاء اتفقوا على عدم جواز بيع السلاح للحربي فكذلك رهنه؛ لأن ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه (¬5). 3 - ولأن الكافر الحربي غير مأمون، فقد يستخدم هذا السلاح في قتال المسلمين. • الخلاف في المسألة: يرى بعض فقهاء الشافعية، والحنابلة جواز رهن السلاح للحربي، وإن كان لا يجوز بيعه له ابتداءً (¬6). ورأوا أن ذلك مستثنى من قاعدة: "ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا فلا".Rأن الإجماع غير متحقق على أنه لا يجوز رهن السلاح لأهل الحرب؛ لوجود الخلاف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [194/ 16] يحرم بيع رقيق المسلمين لأهل الحرب: • المراد بالمسألة: إذا أراد المسلمون بيع رقيقهم سواء كانوا مسلمين أو كفارا، فإنه لا يجوز لهم بيعهم على الكفار، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • الناقلون للإجماع: ابن قدامه (620 هـ) حيث يقول: (ولم يجوِّز أحد بيع شيء من رقيق المسلمين لكافر سواء كان الرقيق مسلمًا أو كافرًا. . . ولنا قول عمر، ولم ينكر فيكون إجماعًا) (¬7)، ¬
ونقله أبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) (¬1). والنووي (676 هـ) حيث يقول: (وأما إذا اشترى الكافر عبدًا مسلمًا من مسلم أو غيره، فهذا البيع حرام بلا خلاف) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: المالكية (¬3) في بيع العبد المسلم، والصغير من الكفار، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - لما فيه من إذلال للمسلم، وعلو للكافر عليه، واللَّه يقول: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]. 2 - ما جاء في كتاب عبد الرحمن بن غنم رحمه اللَّه لعمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، في أمان أهل الجزيرة ما بين دجلة والفرات وفيه: فكتب لهم عمر -رضي اللَّه عنه-: "أن امض لهم ما سألوه، وألحق فيه حرفين -أي شرطين- اشترط عليهم مع ما اشترطوا على أنفسهم: أن لا يشتروا من سبايانا شيئًا، ومن ضرب مسلمًا عمدًا فقد خلع عهده" (¬6). 3 - "أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- كتب ينهى عنه أمراء الأمصار" (¬7). 4 - ولأن فيه تفويتًا للإسلام الذي هو الأقرب، فإنه إذا بقي رقيقًا للمسلمين فإن الظاهر إسلامه، فيفوت ذلك ببيعه لكافر. • الخلاف في المسألة: للفقهاء في جواز شراء الكافر لرقيق المسلم -مسلمًا أو ذميًّا- قولان آخران: • القول الأول: يرى الحنفية صحة البيع ولكن يجبر على إزالة ملكه. • وحجتهم: لأنه يملك المسلم بالإرث، ويبقى ملكه عليه إذا أسلم في يده، فصح أن يشتريه كالمسلم (¬8). ¬
[195/ 17] جواز هبة المسلم للحربي
• القول الثاني: التفصيل: إن اشترى الكافر بالغًا على دينه لم يمنع من شرائه إذا كان يسكن به في بلد المسلمين، ولا يباع لمن يخرج به عن بلاد الإسلام لما يخشى من إطلاعه أهل الحرب على عورة المسلمين. وإن كان العبد صغيرًا على دينه يعي الكتاب وغيره، منع من شرائه لما يرجى من إسلامه سرعة إجابته إذا دعي إلى الإسلام؛ لكونه لم يرسخ في نفسه الكفر بخلاف الكبير (¬1).Rأن الإجماع غير متحقق على تحريم بيع رقيق المسلمين لأهل الحرب؛ لوجود الخلاف بين الفقهاء في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [195/ 17] جواز هبة المسلم للحربي: • تعريف الهبة: • الهبة لغة: مصدر وهب يهب، وهي عبارة عن إيصال الشيء إلى الغير بما ينفعه (¬2). • وفي الاصطلاح: تمليك المال بلا عوض (¬3). • المراد بالمسألة: بيان أن للمسلم أن يبذل الهدايا للمحاربين من الكفار ليتألفهم بذلك، وليرغبهم في الإسلام، أو لمصلحة معتبرة، وقد نُقل الإجماع على جواز هبة المسلم للحربي. • الناقلون للإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (ثم قد حصل الإجماع على جواز الهبة، والوصية في معناها) (¬4). وأبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (ثم قد حصل الإجماع على صحة الهبة للحربي) (¬5). ¬
[196/ 18] إسلام الحربي يحقن دمه، ويعصم ماله، ونفسه من الرق
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية، (¬1) المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "رأى عمر حلة على رجل تباع، فقال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ابتع هذه الحلة تلبسها يوم الجمعة، وإذا جاءك الوفد، فقال: "إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة"، فأتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منها بحلل، فأرسل إلى عمر منها بحلة، فقال عمر: كيف ألبسها، وقد قلت فيها ما قلت؟ قال: "إني لم أَكْسُكَهَا لتلبسها، تبيعها، أو تكسوها"، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم" (¬6). 2 - وعن أسماء بنت أبي بكر، قالت: "أتتني أمي وهي راغبة -تعني الإسلام- فسألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: يا رسول اللَّه، أتتني أمي وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: نعم" (¬7). • وجه الدلالة: أن هذين الحديثين فيهما دلالة واضحة على جواز صلة أهل الحرب وبرهم.Rأن الإجماع متحقق على جواز هبة المسلم للحربي؛ لعدم المخالف المعتبر، إلا أن بعض العلماء قيدوا جواز الهبة للحربي بعدة ضوابط منها: ألا يترتب على الإهداء إلى الكفار مفسدة ظاهرة كاستكبار الكفار واستعلائهم، أو تكون مبالغ فيها؛ لورود النهي عن التبذير. ألا تكون هذه الهدية في يوم عيد من أعيادهم، أي لأجل العيد، لأن في ذلك إقرارًا لهم ومشاركة في الاحتفال بعيدهم الباطل (¬8). [196/ 18] إسلام الحربي يحقن دمه، ويعصم ماله، ونفسه من الرق: • المراد بالمسألة: بيان أن الكافر الحربي إذا خرج لجيش المسلمين وأعلن دخوله في ¬
[197/ 19] إسلام الحربي لا يشمل أولاده الكبار
الإسلام، فإن إسلامه يعصم له دمه، ويحرز له جميع أمواله، وصار إسلامه أيضًا عاصمًا له من الاسترقاق، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن الحربي الذي يسلم في أرض الحرب، ويخرج إلينا، مختارًا، قبل أن يؤسر، أنه لا يحل قتله، ولا أن يسترق) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - لأنه أصبح بالفعل جزءًا من المسلمين، فلا يجوز التعرُّض له بسوء، كما لا يجوز التعرُّض لأي مسلم من المسلمين؛ عملًا بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه" (¬6). 2 - وعن صخر بن العيلة البجلي قال: فر قوم من بني سليم عن أرضهم، فأخذتها، فأسلموا، وخاصموني إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فردها عليهم وقال: "إذا أسلم الرجل، فهو أحق بأرضه ومالِهِ" (¬7). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث أن من أسلم من الحربيين أن مالهم لهم، لا يغنمه المسلمون.Rأن الإجماع متحقق على أن الكافر الحربي إذا أسلم، فإن إسلامه يعصم دمه وماله، ونفسه من الرق؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [197/ 19] إسلام الحربي لا يشمل أولاده الكبار: • المراد بالمسألة: بيان أن أولاد الكافر الحربي البالغين لا يتبعون آباءهم، فإسلام ¬
الآباء لا يعصم الأبناء البالغين؛ لأنهم لا يتبعون آباءهم، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: المروزي (294 هـ) حيث يقول: (أن أهل العلم بأجمعهم، قد اتفقوا على أن حكم الأطفال في الدنيا حكم آبائهم، ما لم يبلغوا فإذا بلغوا فحكمهم حكم أنفسهم)، نقله عنه ابن عبد البر في "التمهيد" (¬1). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن ولده الكبار المختارين لدين الكفر على دين الإسلام، فإنهم كسائر المشركين، ولا فرق) (¬2). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (أجمع العلماء فيما علمت قديمًا وحديثًا على أن أحكام الأطفال في الدنيا كأحكام آبائهم، ما لم يبلغوا، فإذا بلغوا فحكمهم حكم أنفسهم) (¬3). وشيخ الإسلام (728 هـ) حيث يقول: (فإذا بلغ وتكلم بالإسلام أو بالكفر، كان حكمه معتبرًا بنفسه، باتفاق المسلمين، فلو كان أبواه يهودًا أو نصارى فأسلم كان من المسلمين، باتفاق المسلمين، ولو كانوا مسلمين فكفر كان كافرًا باتفاق المسلمين) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: أن الشارع ربط التكليف بالواجبات والمحرمات ولزوم آثار الأحكام في الجملة، بشرط البلوغ، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة، نذكر منها ما يناسب بحثنا في مسألتنا هذه: منها قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لمعاذ لما أرسله إلى اليمن: "خذ من كل حالم دينارًا أو عدله معافريًّا" (¬9) فجعل الاحتلام موجبًا للجزية. ومنها ما حصل يوم قريظة، من أن من اشتبهوا في بلوغه من الأسرى، كان إذا أنبت ¬
[198/ 20] لزوم الإسلام على من أسلم أبواه جميعا، وهو صغير لم يبلغ
قتل، فإن لم يكن أنبت لم يقتل (¬1). فجعل الإنبات علامة لجواز قتل الأسير. فهذه الأدلة وأمثالها تدل على أن الشارع ربط التكليف، ولزوم الأحكام عامة بشرط البلوغ، فمن اعتبر بالغًا بأي علامة من علامات البلوغ فهو رجل تام أو امرأة تامة، مكلف -إن كان عاقلًا- كغيره من الرجال والنساء، يلزمه ما يلزمهم. وتنتهي ولاية الأب على الغلام إذا بلغ وعقل واستغنى برأيه. وعليه فإن إسلام الأب لا يشمل أبنائه البالغين لانتهاء ولايته عليهم.Rأن الإجماع متحقق على أن إسلام الحربي لا يشمل أولاده الكبار؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [198/ 20] لزوم الإسلام على من أسلم أبواه جميعًا، وهو صغير لم يبلغ: • المراد بالمسألة: بيان أن الطفل تبعٌ لأبويه في الأحكام الدنيوية، ولهذا فإن أطفال أهل الحرب غير البالغين يلزمهم الإسلام، إن أسلم أبويهم جميعًا. ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أن حكم الطفل حكم أبويه إن كانا مسلمين، فحكمه حكم أهل الإسلام، وإن كانا مشركين، فحكمه حكم الشرك، يرثهم ويرثونه، ويحكم في ديته إن قتل، حكم دية أبويه) (¬2). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن من أسلم أبواه جميعًا، وهو صغير لم يبلغ، أنه يلزمه الإسلام) (¬3). وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (لكن الصغير حكمه في أحكام الدنيا حكم أبويه؛ لكونه لا يستقل بنفسه، فإذا بلغ وتكلم بالإسلام أو بالكفر، كان حكمه معتبرًا بنفسه باتفاق المسلمين) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت الآية الكريمة أن اللَّه تعالى يلحق الأولاد الصِّغار وإن لم يبلغوا الإيمان، بأحكام الآباء المؤمنين (¬2). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء" (¬3) (¬4). • وجه الدلالة: حيث ألحق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الطفل بأبويه في الحكم في الدنيا، فكأنه قال لهم: حكم الطفل في الدنيا حكم أبويه فاعرفوا ذلك بالأبوين، فمن كان صغيرًا بين أبوين كافرين ألحق بحكمهما، ومن كان صغيرًا بين أبوين مسلمين ألحق بحكمهما (¬5). 3 - أنه لما كان الطفل غير مستقل بنفسه، لم يكن له بد من ولى يقوم بمصالحه ويكون تابعًا له، وأحق من نصب لذلك الأبوان، فهو تابعٌ لهما، فإن أسلما لزمه أن يتبعهما (¬6).Rأن الإجماع متحقق على أن الطفل الذي لم يبلغ، أنه تابع لأبويه في أحكام الدنيا، فإذا أسلما فإنه يلزمه الإسلام؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[199/ 21] ما استولى عليه أهل الحرب من أموال المسلمين ثم أسلموا، فهو لهم
[199/ 21] ما استولى عليه أهل الحرب من أموال المسلمين ثم أسلموا، فهو لهم: • المراد بالمسألة: إذا أسلم أهل الحرب، ومتاع المسلمين الذي أحرزوه في أيديهم، فهو لهم، ولا حق للمالك القديم فيه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: شيخ الإسلام (728 هـ) حيث يقول: (وأما ما استولي عليه أهل الحرب من أموال المسلمين ثم أسلموا، فإنه لهم بسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واتفاق السلف، وجماهير الأئمة، وهو منصوص أحمد، وظاهر مذهبه) (¬1). وابن عرفة (803 هـ) حيث يقول: (ما أسلم عليه حربي إن كان متموَّلا، فله اتفاقًا)، نقله عنه ابن المواق في "التاج والإكليل" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - ولأن للكافر شبهة ملك فيما حازه لقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8]. • وجه الدلالة: حيث سمى اللَّه المهاجرين فقراء بعد هجرتهم، مع إضافة الأموال إليهم، والفقير من لا يملك شيئًا، فلو لم يملك الفقراء أموالهم بالاستيلاء لما سماهم فقراء، فدلَّ على أن الكفار قد ملكوا أموالهم التي هاجروا عنها. 2 - وعن عروة بن الزبير -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أسلم على شيء فهو له" (¬6). • ووجه الدلالة واضح في أن ما أسلم الحربي وهو في يده فهو له، ولا يُسأل عن سببه. 3 - وعن أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنهما- أنه قال يوم الفتح: يا رسول اللَّه، أتنزل في دارك ¬
[200/ 22] إسلام رقيق الحربي لا يزيل الرق عنه، ويسعى لتخليصه منه.
بمكة؟ قال: "وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور" (¬1)، وكان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دار بمكة ورثها من خديجة -رضي اللَّه عنها-، فاستولى عليه عقيل وكان مشركًا (¬2). • الخلاف في المسألة: يرى الشافعية وأحمد في رواية، والظاهرية: أن الحربي لا يملك مال المسلم بحال، ومتى ظهر المسلم على ماله، فإنه يأخذه، وهو أحق به (¬3). وحجتهم: 1 - عن أنس بن مالك: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه" (¬4). 2 - ولأن المسلم إذا استولى على مال مسلم آخر لا يصير ملكًا له، فكذلك الحربي إذا أسلم من باب أولى. 3 - ولأن عصمة مال المسلم باقية، كعصمة نفسه، فاستيلاؤهم على أموال المسلمين محظور، ولا ينتهض سببًا للملك.Rأن الإجماع غير متحقق على أن ما استولى عليه أهل الحرب من أموال المسلمين ثم أسلموا فهو لهم؛ لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [200/ 22] إسلام رقيق الحربي لا يزيل الرق عنه، ويسعى لتخليصه منه. • المراد بالمسألة: بيان أن من مُلِك واستُرِق من الكفار، ثم بدا له أن يسلم، فأسلم، أن إسلامه لا يُزيل الرق عنه، فرقُّه باقٍ لمالكه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • الناقلون للإجماع: الجصاص (370 هـ) حيث يقول: (وقد اتفقوا أيضًا على أن عبد الحربي المستأمن لو أسلم، منع من رده إلى دار الحرب، وأجبره على بيعه) (¬5). ¬
ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن من أسلم منهم بعد أن ملك، فإن الرق باقٍ عليه) (¬1). والنووي (676 هـ) حيث يقول: (يتصور ملك الكافر عبدًا مسلمًا وجارية مسلمة في صور منها: أن يسلم عبده أو أمته فلا يزول ملكه بنفس الإسلام بلا خلاف، لكن يؤمر بإزالة الملك) (¬2)، وقال أيضًا: (إذا كان في يد الكافر عبد كافر فأسلم، لم يزل ملكه عنه بلا خلاف، ولكن لا يقر في يده، بل يؤمر بإزالة ملكه عنه ببيع أو هبة أو عتق أو غيرها) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن عمران بن حصين قال: "كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأسر أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا من بني عقيل، واْصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في الوثاق قال: يا محمد، فأتاه فقال: "ما شأنك؟ ". فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقة الحاج؟ (¬8) فقال إعظامًا لذلك: "أخدتك بجريرة حلفائك ثقيف". ثم انصرف عنه، فناداه فقال: يا محمد يا محمد. وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رحيمًا رقيقًا فرجع إليه فقال: "ما شأنك؟ ". قال: إني مسلم. قال: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" (¬9). قال الشافعي: (وهكذا من أسر من المشركين فأسلم حقن له إسلامه دمه، ولم يخرجه إسلامه من الرق) (¬10) ¬
[201/ 23] وجوب الهجرة من مكة قبل الفتح
2 - ولأنه سقط القتل بإسلامه فبقي باقي الخصال من (الاسترقاق، والمن. . .) على ما كانت عليه. 3 - ولأن الرق أثر الكفر؛ لأن الكفار لما استنكفوا عن عبادة اللَّه تعالى، جعلهم عبيد عبيده سبحانه، فثبوت بقاء الرق باعتبار أثر الكفر، لا باعتبار أنه مسلم (¬1).Rأن الإجماع متحقق على أن مجرد إسلام الرقيق لا يُزيل الرق عنه؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [201/ 23] وجوب الهجرة من مكة قبل الفتح: • تعريف الهجرة: • الهجرة لغة: اسم من هاجر مهاجرة. وهي: الترك والمفارقة (¬2). • وفي الاصطلاح: الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام (¬3). • المراد بالمسألة: بيان أن الهجرة إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل فتح مكة على من أسلم من أهلها كانت واجبة، افترض اللَّه عليهم فيها البقاء مع رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث استقر، والتحول معه حيث تحول؛ لنصرته ومؤازرته وصحبته، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: (ولم يختلف في وجوبها على أهل مكة قبل الفتح) (¬4). والنووي (676 هـ) حيث يقول: (مع الاتفاق على وجوب الهجرة عليهم قبل الفتح) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك علماء الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). ¬
[202/ 24] وجوب الهجرة من دار الكفر للعاجز عن إظهار دينه
• مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72]. • وجه الدلالة: حيث قطع اللَّه الولاية بين من هاجر من المسلمين، وبين من لم يهاجر، فدلَّ ذلك على تأكد وجوبها (¬1). 2 - وقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97]. • وجه الدلالة: حيث وبَّخ اللَّه من كان قادرًا على الهجرة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل الفتح ولم يهاجر، فدلَّ على أن الهجرة كانت واجبة حينذاك.Rأن الإجماع متحقق على وجوب الهجرة من مكة قبل الفتح، لعدم المخالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [202/ 24] وجوب الهجرة من دار الكفر للعاجز عن إظهار دينه: • المراد بالمسألة: بيان أن المسلمين المقيمين في ديار الكفار إذا عجزوا عن إظهار دينهم، فإن الهجرة تجب عليهم إلى دار الإسلام، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • الناقلون للإجماع: أبو الوليد ابن رشد (520 هـ) حيث يقول: "واجب بإجماع المسلمين على من أسلم بدار الكفر أن لا يقيم بها، حيث تجري عليه أحكام المشركين، وأن يهاجر ويلحق بدار المسلمين حيث تجري عليه أحكامهم) (¬2). والوزير بن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا فيما أعلم على وجوب الهجرة عن ديار الكفر لمن قدر على ذلك) (¬3). وابن كثير (774 هـ) حيث يقول: (هذه الآية الكريمة (¬4) عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنًا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه، مرتكب حرامًا بالإجماع، وبنص هذه الآية) (¬5). ¬
والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه في دار الحرب بلا نزاع في الجملة) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، الحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)} [النساء: 97]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت الآية الكريمة دلالة واضحة على وجوب الهجرة على المسلمين المستضعفين العاجزين عن إظهار دينهم، في بلد لا سلطان للإسلام فيها (¬6). 2 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث سريةً إلى خثعم (¬7) فاعتصم ناسٌ بالسجود، فأسرع فيهم القَتلَ، وبلغَ ذلك النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر لهم بنصف العقل (¬8)، وقال: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين". قالوا: يا رسول اللَّه ولِمَ؟ قال: "لا تتراءى ناراهما" (¬9) (¬10). ¬
[203/ 25] تحريم ترك دار الهجرة
• وجه الدلالة: حيث دل الحديث على تحريم الإقامة في ديار الكفار؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد برأ من المقيم فيها، والبراءة لا تكون إلا على فعل محرم.Rأن الإجماع متحقق على وجوب الهجرة من دار الكفر للعاجز عن إظهار دينه؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [203/ 25] تحريم ترك دار الهجرة: • المراد بالمسألة: بيان أن من هاجر من مكة إلى المدينة قبل الفتح، لا يجوز له أن يترك دار هجرته، ويعود إلى وطنه الأول الذي هاجر منه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القاضي عياض (544 هـ) حيث يقول: (أجمعت الأمة على تحريم ترك المهاجر هجرته، ورجوعه إلى وطنه، وأن ارتداد المهاجر من الكبائر) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: علماء الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عن سلمة بن الأكوع: أنه دخل على الحجاج، فقال: يابن الأكوع ارتددت على عقبيك، تعربت؟ قال: لا، "ولكن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أذن لي في البدو" (¬6). • وجه الدلالة: أن الحجاج لما أنكر على سلمة خروجه من دار هجرته، اعتذر سلمة بأنه إنما هو بإذن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 2 - عن العلاء بن الحضرمي (¬7) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا" (¬8). ¬
• وجه الدلالة: دلَّ الحديث أن الإقامة بمكة كانت حرامًا على من هاجر منها قبل الفتح، لكن أبيح لمن قصدها منهم بحج أو عمرة، أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام، لا يزيد عليها (¬1).Rأن الإجماع متحقق على أن من هاجر من مكة قبل الفتح لا يجوز له العودة إليها، والإقامة فيها، إلا في الحج أو العمرة، ولا يُرخَّص له بالإقامة بعد قضاء نسكه بأكثر من ثلاثة أيام، ولم أطلع على من خالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في أحكام أهل الكتاب
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في أحكام أهل الكتاب [204/ 1] اليهود والنصارى من أهل الكتاب: • المراد بالمسألة: أن اليهود وهم: كل من وإن بالتوراة وانتسب إلى شريعة موسى عليه السلام، والنصارى وهم: كل من دان بالإنجيل وانتسب إلى شريعة عيسى عليه السلام، ومن دان بذلك من طوائفهم المتفرقة. فجميع أولئك يُعدون من أهل الكتاب، ويُطلق على الواحد منهم (كتابي)، وقد نُقل الإجماع على ذلك (¬1). • من نقل الإجماع: ابن حجر العسقلاني (852 هـ) حيث يقول: (فأما اليهود والنصارى فهم المراد بأهل الكتاب بالاتفاق) (¬2)، ونقله عنه الشوكاني في نيل الأوطار (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - لقوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156]. • وجه الدلالة: إن المقصود بالطائفتين هم اليهود والنصارى، والمراد بالكتاب: ¬
[205/ 2] تسمية أهل الكتاب كفارا، ومن عداهم كفار ومشركين
التوراة والإنجيل (بإجماع من أهل التأويل) (¬1). 2 - وقوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)} [آل عمران: 65]. 3 - وقال سبحانه: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [المائدة: 68]. • وجه الدلالة من الآيتين: حيث دلت الآيتان على أن أهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى (¬2).Rأن الإجماع متحقق على أن اليهود والنصارى هم أهل الكتاب؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [205/ 2] تسمية أهل الكتاب كفارًا، ومن عداهم كفار ومشركين: • المراد بالمسألة: يسمى أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى كفارًا، ومن عداهم من الطوائف والملل كفار ومشركين، وقد نُقل الإجماع على ذلك. واختلف في: هل تصح تسمية أهل الكتاب بالمشركين؟ (¬3). وليس ذا بمحل بحثنا. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارًا. . . واتفقوا أن من عداهم من أهل الحرب يسمون مشركين) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). ¬
[206/ 3] إبقاء معابد أهل الكتاب القديمة الموجودة في البلاد التي فتحت عنوة
• مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)} [البينة: 1]. • وجه الدلالة: حيث دلَّت الآية الكريمة أن (الذين كفروا) جنس تحته نوعان: أهل الكتاب، والمشركون (¬1). فأهل الكتاب يسمون كفار، وغيرهم مشركون وكفار. 2 - قوله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 105]. • وجه الدلالة من الآية: حيث سمى اللَّه أهل الكتاب كفارًا، ومن سواهم من ليسوا بأهل الكتاب مشركين. مع ما عندهم من (الشرك) لَكِونْ هذا الِاسْمُ في مُتَعَارَفِ الناس يُطْلَقُ على الْمُشْرِكِينَ من غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ (¬2).Rأن الإجماع متحقق على جواز تسمية أهل الكتاب كفار، ومن سواهم مشركين وكفار؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [206/ 3] إبقاء معابد أهل الكتاب القديمة الموجودة في البلاد التي فتحت عنوة: • المراد بالمسألة: أن المعابد القديمة التي وجدت في البلاد المفتوحة عنوة بالسيف والقوة يجوز تبقيتها فلا تهدم، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (القسم الثاني ما فتحه المسلمون عنوة. . . وما كان فيه من ذلك (أي: كنائس ومعابد قائمة) ففيه وجهان: أحدهما: يجب هدمه وتحرم تبقيته. . . والثاني: يجوز (أي تبقيته). . . لأن الإجماع قد حصل على ذلك فإنها موجودة في بلاد المسلمين من غير نكير) (¬3). ويقابل جواز الإبقاء جواز الهدم، لهذا يقول ابن تيمية (728 هـ): (ولا نزاع في جواز هدم ما كان بأرض العنوة إذا فتحت) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الشافعية في وجه (¬5)، ورواية لأحمد (¬6)، ¬
وأبو عبيد القاسم بن سلام (¬1)، وأيده شيخ الإسلام، بن تيمية وابن القيم (¬2). • مستند الإجماع: الإجماع على بقائها فإنها موجودة في بلاد المسلمين من غير نكير، مما يدل على تقرر الحكم عندهم على هذا. وعن عكرمة قال: قيل لابن عباس: أللعجم أن يحدثوا في أمصار المسلمين بناء أو بيعة؟ فقال: "أيما مصر مصرته العجم يفتحه اللَّه على العرب ونزلوا -يعني على حكمهم- فللعجم ما في عهدهم، وللعجم على العرب أن يوفوا بعهدهم ولا يكلفوهم فوق طاقتهم" (¬3). ولأن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- فتحوا كثيرًا من البلاد عنوة فلم يهدموا شيئًا من الكنائس، ويشهد لصحة هذا وجود الكنائس والبيع في البلاد التي فتحت عنوة ومعلوم أنها ما أحدثت فيلزم أن تكون موجودة فأبقيت (¬4). وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله: "أن لا يهدموا بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار" (¬5). • الخلاف في المسألة: هنالك قولان آخران في حكم بقاء المعابد القديمة وهما: • القول الأول: أنها يجب أن تهدم. وهو قول بعض المالكية (¬6)، وقول الشافعي (¬7)، ورواية لأحمد وهي الأصح (¬8). ومما احتجوا به ما يأتي: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تكون قبلتان في بلد واحد" (¬9). • وجه الدلالة: أن بقاء تلك المعابد في بلاد المسلمين يخالف هذا الحديث الناهي ¬
[207/ 4] حكم إحداث كنائس جديدة
عن بقاء دينين وقبلتين في أمصار المسلمين. 2 - أن البلاد قد ملكها المسلمون بالاستيلاء والقوة، فلا يمكن أن يقر فيها أمكنة ومعابد وشعارات الكفر (¬1). • القول الثاني: أنها لا تهدم. وهو قول الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، ورواية لأحمد (¬4). واستدلوا بما استدل به القائلون بجواز إبقاء المعابد، حيث حملوا ما استدل به المجيزون على عدم جواز هدمها نحو قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: (فللعجم ما في عهدهم) حملوه على وجوب الإبقاء وعدم جواز الهدم (¬5).Rأن الإجماع غير متحقق على جواز إبقاء المعابد القديمة لأهل الكتاب؛ للخلاف المعتبر في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [207/ 4] حكم إحداث كنائس جديدة: • المراد بالمسألة: أن الكنائس التي تحدث في البلاد بعد ما مصَّرها المسلمون سواء ما افتتحه المسلمون وأسلم أهلها كالمدينة والطائف، أو اختطها المسلمون ثم نزلوها كالكوفة والبصرة، فهذه يجب هدمها، ولا يجوز إحداثها. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ)، حيث يقول: (واتفقوا. . . على أن يلتزموا على أنفسهم أن لا يحدثوا شيئًا في مواضع كنائسهم، وسكناهم، ولا غيرها، ولا بيعة، ولا ديرًا، ولا قلاية، ولا صومعة، ولا يجددوا ما خرب منها، ولا ¬
يحيوا ما دثر) (¬1). والطرطوشي المالكي (520 هـ) حيث يقول: (وأما الكنائس فإن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أمر بهدم كل كنيسة لم تكن قبل الإسلام، ومنع أن تحدث كنيسة. . . وهذا مذهب علماء المسلمين أجمعين) (¬2) وابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (وقد اتفق المسلمون على أن ما بناه المسلمون من المدائن لم يكن لأهل الذمة أن يحدثوا فيها كنيسة) (¬3). وابن القيم (751 هـ) حيث يقول: (فإن قيل: فما حكم هذه الكنائس التي في البلاد التي مصرها المسلمون؟ قيل: هي على نوعين: أحدهما: أن تحدث الكنائس بعد تمصير المسلمين لمصر فهذه تزال اتفاقًا) (¬4)، ونقله الدمشقي في "رحمة الأمة" (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تكون قبلتان في بلد واحد" (¬10). • وجه الدلالة: أن إحداث تلك المعابد مخالفة صريحة لهذا الحديث الذي ينهى عن بقاء دينين وقبلتين في أمصار المسلمين. 2 - ما ورد عن السلف من قولهم وفعلهم بهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين، ومنها ما يأتي: أ - كتب عمر بن عبد العزيز إلى عروة بن محمد: "أن يهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين، قال: فشهدت عروة بن محمد ركب حتى وقف عليها ثم دعاني فشهدت ¬
[208/ 5] الوقف على معابد أهل الكتاب
على كتاب عمر وهدم عروة إياها فهدمها" (¬1). ب - وعن الحسن قال: "من السنة أن تهدم الكنائس التي بالأمصار القديمة والحديثة" (¬2). فتبين مما سبق يتضح أن طريقة السلف كان هدم المعابد التي يحدثها الكفار في بلاد المسلمين.Rأن الإجماع متحقق على المنع من إحداث المعابد الجديدة ولزوم هدمها في بلاد المسلمين؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [208/ 5] الوقف على معابد أهل الكتاب: • تعريف الوقف: الوقف لغة: الحبس (¬3). • وفي الاصطلاح: حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة (¬4). • المراد بالمسألة: إذا أوقف المسلم بيتًا أو أرضًا تكون هي أو ريعها للمعبد من معابد الكفار أيًّا كان، فإنه لا يجوز هذا الوقف. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (والوقف على قناديل البيعة، وفرشها، ومن يخدمها، ويعمرها، كالوقف عليها؛ لأنه يراد لتعظيمها، وسواء كان الواقف مسلمًا، أو ذميًّا. قال أحمد في نصارى وقفوا على البيعة ضياعًا كثيرة، وماتوا، ولهم أبناء نصارى، فأسلموا، والضياع بيد النصارى: فلهم أخذها، وللمسلمين عونهم، حتى يستخرجوها من أيديهم، وهذا مذهب الشافعي، ولا نعلم فيه خلافًا) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، ¬
[209/ 6] الوقف على كتب التوراة والإنجيل
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. • وجه الدلالة: أن الوقف على المعبد فيه إعانة على المعصية، واللَّه عز وجل نهى عن ذلك، بل إنه إعانة على أعظم المعاصي وهو الشرك باللَّه سبحانه وتعالى. 2 - أن الوقف عليها يُفضي إلى تعظيمها، وقد نُهينا عن ذلك؛ لأن التعظيم يؤدي إلى العبادة، واللَّه تعالى يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} [الجن: 18].Rأن الإجماع متحقق على عدم جواز الوقف على معابد الكفار؛ لعدم المخالف المعتبر (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. [209/ 6] الوقف على كتب التوراة والإنجيل: • المراد بالمسألة: أن المسلم لا يجوز أن يوقف شيئًا لصالح كتب الكفار المحرَّفة كالتوراة والإنجيل كإعادة طبعها ونشرها وما يتعلق بذلك، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (ولا -يصح الوقف- على معصية كبيت النار والبيع والكنائس وكتب التوراة والإنجيل. . . وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافًا) (¬3). والموافقون للإجماع ومستندهم ونتيجة الإجماع هو نفس ما سبق في الكلام على مسألة: (الوقف على معابد الكفار). [210/ 7] اعتناق الكتابي دينًا غير الإسلام: • المراد بالمسألة: إذا انتقل الكتابي بعد عقد الجزية عليه إلى دين غير أهل الكتاب، ¬
[211/ 8] حكم دين ابن الكتابي الذي لم يبلغ في الدنيا (إذا لم يسب، وكان مع أبويه، ولم يسلما، أو يسلم أحدهما، ولم يملكهم مسلم)
كأهل الأوثان مثلًا، فإنه لا يقر على الذِّين الذي انتقل إليه، بخلاف إذا انتقل إلى دينٍ كتابي آخر؛ كاليهودي ينتقل للنصرانية، أو بالعكس، فإنه يُقر بالجزية. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (أن الكتابي إذا انتقل إلى غير دين أهل الكتاب لم يقر عليه، لا نعلم في هذا خلافًا) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الشافعية في الأظهر (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: 1 - لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]. • وجه الدلالة: أن الكتابي المنتقل لدين غير أهل الكتاب، قد أحدث دينًا باطلًا بعد اعترافه ببطلانه، فلا يقر عليه، ولا تقبل منه الجزية. 2 - أنَّ الكتابي إذا عقدت له الجزية، ثم انتقل لدين غير أهل الكتاب، يكون بذلك ناقض للعهد، وذلك لخروجه عن العهد الذي انعقد له، إلا أن يسلم. بخلاف إذا انتقل إلى دين كتابي، فإنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب؛ لتساويهما في التَّقرير بالجزية. 3 - لأن الوثنية ونحوها لا يقر أهلها عليها، فالمنتقل إليها أولى (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية، (¬5) والمالكية (¬6) إلى أنّه إذا انتقل واحد من أهل الكتاب من دينه إلى دين آخر غير الإسلام، فإنّه يُقر على الجزية. وحجتهم أنهم قالوا: أنَّ الكفر كلَّه ملَّة واحدة.Rأن الإجماع غير متحقق، على أن الكتابي إذا انتقل لدين غير أهل الكتاب أنه لا يُقر على ذلك، لوجود الخلاف المعتبر للحنفية والمالكية، واللَّه أعلم. [211/ 8] حكم دين ابن الكتابي الذي لم يبلغ في الدنيا (إذا لم يُسب، وكان مع أبويه، ولم يسلما، أو يسلم أحدهما، ولم يملكهم مسلم): • المراد بالمسألة: أن الطفل الكتابي تبعٌ لأبويه في الأحكام الدنيوية، فلذلك الطفل ¬
النصراني يعتبر من النصارى، والطفل اليهودي يعتبر من اليهود ما دام أبواه موجودين ولم يُسلما، ولم يملكهم أحد من المسلمين، فتجري عليهم أحكام دين آبائهم. ونُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: المروزي (294 هـ) حيث يقول: (أن أهل العلم بأجمعهم قد اتفقوا على أن حكم الأطفال في الدنيا حكم آبائهم ما لم يبلغوا، فإذا بلغوا فحكمهم حكم أنفسهم)، نقله عنه ابن عبد البر في التمهيد (¬1). وابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أن حكم الطفل حكم أبويه، إن كانا مسلمين فحكمه حكم أهل الإسلام، وإن كانا مشركين فحكمه حكم الشرك، يرثهم ويرثونه، ويحكم في ديته إن قتل حكم دية أبويه) (¬2). وابن بطال (449 هـ) حيث يقول: (أجمع العلماء في الطفل الحربي يسبى ومعه أبواه، أن إسلام الأب إسلام له، واختلفوا إذا أسلمت الأم) (¬3). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (أجمع العلماء فيما علمت قديمًا وحديثًا على أن أحكام الأطفال في الدنيا، كأحكام آبائهم ما لم يبلغوا، فإذا بلغوا فحكمهم حكم أنفسهم، هذا في أطفال المسلمين، وأطفال أهل الذمة) (¬4). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على أنه إذا كانوا (أي: أطفال الكفار) مع آبائهم ولم يملكهم مسلم، ولا أسلم أحد أبويهم، أن حكمهم حكم آبائهم) (¬5). وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (لكن الصغير حكمه في أحكام الدنيا حكم أبويه؛ لكونه لا يستقل بنفسه، فإذا بلغ وتكلم بالإسلام، أو بالكفر، كان حكمه معتبرًا بنفسه، باتفاق المسلمين) (¬6). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، ¬
[212/ 9] نكاح المسلم بالمرأة الكتابية إذا لم تكن في دار الحرب
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء" (¬2) • وجه الدلالة: حيث ألحق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الطفل بأبويه في الحكم في الدنيا، فكأنه قال لهم: حكم الطفل في الدنيا حكم أبويه فاعرفوا ذلك بالأبوين، فمن كان صغيرًا بين أبوين كافرين ألحق بحكمهما، ومن كان صغيرًا بين أبوين مسلمين ألحق بحكمهما (¬3). 2 - عن الصعب بن جثامة -رضي اللَّه عنه- قال: مرَّ بي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالأبواء أو بودَّان (¬4)، وسئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم؟ قال: هم منهم (¬5). • وجه الدلالة: أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هم منهم) أي في الحكم تلك الحالة (¬6)، فدلَّ ذلك على تبعية الأطفال لآبائهم في أحكام الدنيا.Rأن الإجماع متحقق على أن الطفل الذي لم يبلغ، ولم يُسب، ولم يُسلم والداه، أنه تابع لأبويه في أحكام الدنيا لعدم المخالف المعتبر، واللَّه أعلم. [212/ 9] نكاح المسلم بالمرأة الكتابية إذا لم تكن في دار الحرب: • المراد بالمسألة: بيان أن للمسلم أن يتزوج بالمرأة الكتابية إذا لم تكن في دار أهل الحرب، وقد نُقل الإجماع على جواز ذلك. • من نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) حيث يقول: (ولا نعلم عن أحد من الصحابة والتابعين تحريم نكاحهن (أي: الكتابيات). . . ولو كان ذلك محرمًا عند ¬
الصحابة لظهر منهم نكير أو خلاف وفي ذلك دليل على اتفاقهم على جوازه) (¬1) وقال أيضًا: (إباحة نكاح الحرائر منهن (أي: الكتابيات) إذا كن ذميات، فهذا لا خلاف بين السلف وفقهاء الأمصار فيه، إلا شيئًا يروى عن ابن عمر أنه كرهه) (¬2). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وقد تزوج عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة الكلبية نصرانية، وتزوج طلحة بن عبيد اللَّه يهودية، وتزوج حذيفة يهودية، وعنده حرتان مسلمتان عربيتان، ولا أعلم خلافًا في نكاح الكتابيات الحرائر بعد ما ذكرنا، إذا لم تكن من نساء أهل الحرب) (¬3). وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (ليس بين أهل العلم بحمد اللَّه اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب) (¬4). وشيخ الإسلام (728 هـ) حيث يقول: (ومن المعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم -أي: أهل الكتاب- ثبت بالكتاب والسنة والإجماع) (¬5). والزركشي (772 هـ) حيث يقول: (مع أن جواز نكاح حرائر أهل الكتاب إجماع، أو كالإجماع) (¬6) • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، والظاهرية (¬11). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]. • وجه الدلالة: حيث نص اللَّه سبحانه وتعالى صراحة على حل نكاح نساء أهل الكتاب (¬12). ¬
2 - أنه قد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين إباحة نكاح الكتابيات ومن ذلك: أن عثمان تزوج نائلة بنت الفرافصة الكلبية وهي نصرانية على نسائه (¬1). وذكر أن طلحة بن عبيد اللَّه تزوج يهودية من أهل الشام (¬2). وروي عن حذيفة أيضًا أنه تزوج يهودية وكتب إليه عمر أن خل سبيلها، فكتب إليه حذيفة: أحرام هي؟ فكتب إليه عمر: لا ولكن أخاف أن تواقعوا المومسات (¬3). وروي عن جماعة من التابعين إباحة تزويج الكتابيات منهم الحسن وإبراهيم والشعبي (¬4). • الخلاف في المسألة: أُثر عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه حرَّم نكاح المسلم بالكتابية؛ فقد ثبت في "الصحيح" عن نافع عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، كان إذا سئل عن نكاح النصرانية أو اليهودية، قال: إن اللَّه تعالى حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئًا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد اللَّه تعالى) (¬5). • وحجته -رضي اللَّه عنه-: أنه حمل قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، على كل كافرة. ولأن الأصل في الأبضاع الحرمة، فلما تعارض دليل الإباحة مع دليل الحرمة تساقطا، فوجب بقاء حكم الأصل (¬6). وقد حمل بعض أهل العلم قول ابن عمر على الكراهة، وأنه كان متوقِّفًا في ذلك (¬7). وقال ابن عبد البر: (وهذا قول شذ فيه ابن عمر عن جماعة الصحابة -رضوان اللَّه عليهم- وخالف ظاهر قول اللَّه عز وجل: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ ¬
[213/ 10] المساواة بين الزوجة المسلمة والكتابية بالقسم
لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] ولم يلتفت أحد من علماء الأمصار -قديمًا وحديثًا- إلى قوله ذلك لأن إحدى الآيتين ليست بأولى بالاستعمال من الأخرى ولا سبيل إلى نسخ إحداهما بالأخرى ما كان إلى استعمالهما سبيل؛ فآية سورة البقرة عند العلماء في الوثنيات والمجوسيات وآية المائدة في الكتابيات) (¬1).Rأن الإجماع متحقق على إباحة نكاح المسلم بالكتابية إذا لم تكن في دار الحرب، وما ورد من خلاف لابن عمر فهو محتمل للكراهة، أو للتوقف، فلا يخرق الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. [213/ 10] المساواة بين الزوجة المسلمة والكتابية بالقسم: • تعريف القسم: القَسْم -بفتح القاف وسكون السين- لغة: الفرز والتفريق، يقال: قسمت الشيء قَسْمًا: فرزته أجزاء، والقِسْم -بكسر القاف وسكون السين- الاسم، ثم أطلق على الحصة والنصيب، والقَسَم -بفتح القاف والسين- اليمين (¬2). • وفي الاصطلاح: قسمة الزوج بيتوتته بالتسوية بين النساء (¬3). أو: هو توزيع الزمان على زوجاته إن كن ثنتين فأكثر (¬4). • المراد بالمسألة: إذا كان للرجل المسلم أكثر من زوجة وكانت إحداهن كتابية، فإنه يجب أن يسوي ويعدل بين جميع زوجاته المسلمة منهن والكتابية في القسم ولا يُفضل إحداهن على الأخرى، وقد نُقل الاجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (أجمع كل من يُحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، ¬
[214/ 11] حل ذبائح أهل الكتاب
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء بوم القيامة وشقه مائل" (¬2). • وجه الدلالة: حيث دلَّ عموم الحديث على وجوب العدل بين الزوجات ولم يُفرق بين مسلمة وغير مسلمة. ولأن الزوجتان يستويان في سبب وجوب القسم وهو النكاح، فيستويان في القسم من غير تفريق بينهن.Rأن الإجماع متحقق في وجوب التسوية في القسم بين الزوجة المسلمة والكتابية، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [214/ 11] حل ذبائح أهل الكتاب: • المراد بالمسألة: بيان أن ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى حل للمسلمين الأكل منها إذا ذكروا اسم اللَّه عليها وذكيت ذكاة شرعية (¬3)، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن ذبائح أهل الكتاب لنا حلال، إذا ذكروا اسم اللَّه عليها) (¬4). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (وقد أجمعوا في ذبيحة الكتابي أنها تؤكل، وإن لم يسم اللَّه عليها، إذا لم يسم عليها غير اللَّه) (¬5). ¬
وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (أجمعوا على أن ذبائح أهل الكتاب العقلاء مباحة، معتد بها) (¬1). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (فأما أهل الكتاب، فالعلماء مجمعون على جواز ذبائحهم؛ لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}، ومختلفون في التفصيل. فاتفقوا على أنهم إذا لم يكونوا من نصارى بني تغلب، ولا مرتدين، وذبحوا لأنفسهم، وعلى أنهم سموا اللَّه تعالى على ذبيحتهم، وكانت الذبيحة مما لم تحرم عليهم في التوراة، ولا حرموها على أنفسهم، أنه يجوز منها ما عدا الشحم) (¬2). وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (وأجمع أهل العلم على إباحة ذبائح أهل الكتاب) (¬3). وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (ومن المعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم (أي أهل الكتاب) ثبت بالكتاب والسنة والإجماع) (¬4). وابن القيم (751 هـ) حيث يقول: (وتفردت الشيعة دون الأمة بتحريم ذبائحهم. . . وهذا القول مخالف للكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فلا يلتفت إليه) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية واستثنوا ذبائح نصارى العرب (¬8)، والمذهب عند الحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ} [المائدة: 5]. • وجه الدلالة: حيث أحل اللَّه تعالى طعام أهل الكتاب وهو ذبائحهم فدل على جواز ذبائحهم. ¬
قال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم (¬1). وكذلك قال مجاهد وقتادة وروي معناه عن ابن مسعود (¬2). 2 - وعن أنس: "أن امرأة يهودية أتت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألها عن ذلك فقالت: أردت لأقتلك. قال: "ما كان اللَّه ليسلطك على ذاك" (¬3). • وجه الدلالة: أن أكل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من شاة اليهودية دليلٌ واضح على حل ذبائح أهل الكتاب. • الخلاف في المسألة: استثنى الشافعية، وأحمد في رواية (¬4) من حل ذبائح أهل الكتاب، ذبائح نصارى العرب، فقالوا: لا تؤكل. واحتجوا بما يأتي: روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "ما نصارى العرب بأهل كتاب، وما تحل لنا ذبائحهم، وما أنا بتاركهم حتى يسلموا، أو أضرب أعناقهم" (¬5). ويقول عَلِيٌّ -رضي اللَّه عنه-: "لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب، فإنهم لم يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر" (¬6). وقد ناقش الجمهور احتجاج الشافعي بأثر عمر وعلي -رضي اللَّه عنهما-: بأن أثر علي هو حجة على الشافعي لا له؛ لأنه خاص ببعض العرب وهم بني تغلب مصرح فيه بأنهم ليسوا نصارى فهم كسائر المشركين. وأما أثر عمر -رضي اللَّه عنه- فروي من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وقد ضعفه الجمهور، وصرح بعضهم بكذبه، وممن طعن فيه مالك وأحمد. فلا يصح الاحتجاج ¬
[215/ 12] جواز تذكية الكتابي
بهذا الأثر (¬1). R 1 - أن الإجماع متحقق على حل ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى في الجملة، لعدم المخالف المعتبر. 2 - أن الإجماع لم يتحقق في حل ذبائح نصارى العرب فقط؛ حيث خالف في ذلك الشافعية ورواية للحنابلة، واللَّه تعالى أعلم. [215/ 12] جواز تذكية الكتابي: • تعريف التذكية: • التذكية لغة: مصدر ذكى، والاسم (الذكاة) وهي الذبح، والنحر (¬2). • وفي الاصطلاح: السبب الموصل لحل أكل الحيوان البري اختيارًا (¬3). • المراد بالمسألة: أن الكتابي يهوديًّا كان أو نصرانيًّا إذا ذكَّى ما يحل للمسلمين أكله من الحيوان تذكية شرعية، فإنه تذكيته صحيحة، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (أن كل من أمكنه الذبح من المسلمين، وأهل الكتاب، إذا ذبح حل أكل ذبيحته، رجلًا كان، أو امرأة، بالغًا أو صبيًّا، حرًّا كان أو عبدًا، لا نعلم في هذا خلافًا) (¬4). والكلام في باقي تفاصيل المسألة: من الموافقين للإجماع، ومستنده، والخلاف فيها، والنتيجة، هو نفس الكلام في المسألة السابقة: (حل ذبائح أهل الكتاب) فلتراجع. [216/ 13] إرث الكتابي من أهل ملته: • تعريف الإرث: • الإرث لغة: الأصل، والأمر القديم توارثه الآخر عن الأول، والبقية من كل شيء (¬5). ¬
• وفي الاصطلاح: حق قابل للتجزؤ يثبت لمستحقه بعد موت من كان له ذلك لقرابة بينهما أو نحوها (¬1). • المراد بالمسألة: بيان أن أصحاب الملة الواحدة من أهل الكتاب يرث بعضهم بعضًا، فاليهودي يرث اليهودي، والنصراني يرث النصراني (¬2)، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن النصراني يرث النصراني، وأن المجوسي يرث المجوسي، وأن اليهودي يرث اليهودي) (¬3). وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (فأما الكفار فيتوارثون، إذا كان دينهم واحدًا، لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافًا) (¬4). وابن القيم (751 هـ) حيث يقول: (واتفق المسلمون على أن أهل الدين الواحد يتوارثون، يرث اليهودي اليهودي، والنصراني النصراني) (¬5). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أكَّد الولاية للكفار بعضهم على بعض، فدل ذلك على ثبوت التوارث بينهم؛ لأن في الإرث معنى الولاية؛ لأنه يخلف المورث في ماله ملكًا ويدًا وتصرفًا، ومع اختلاف الدين لا تثبت الولاية لأحدهما على الآخر (¬11). ¬
[217/ 14] شهود أعياد الكفار، وتهنئتهم بها
2 - عن أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنهما-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" (¬1) • وجه الدلالة: أن مفهوم الحديث يدل على أن الكفار بعضهم يرث بعضا (¬2). 3 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يتوارث أهل ملَّتين شتَّى" (¬3). • وجه الدلالة من الحديث: أنه دليل على أن أهل الملة الواحدة يرث بعضهم بعضًا.Rأن الإجماع متحقق على أن أهل الكتاب يرث بعضهم بعضًا، إذا كانوا على ملة واحدة، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [217/ 14] شهود أعياد الكفار، وتهنئتهم بها: • المراد بالمسألة: لو كان هناك عيد من أعياد غير المسلمين كالنيروز (¬4) -مثلًا- فإنه يحرم على المسلم مشاركتهم في عيدهم، أو تهنئتهم به، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (ونص الامام أحمد على أنه لا يجوز شهود أعياد اليهود والنصارى، واحتج بقول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72]. وهو قول مالك وغيره، لم أعلم أنه اختلف فيه) (¬5). وابن القيم (751 هـ) حيث يقول: (لا يجوز للمسلمين ممالأة المشركين في شعائرهم، وكما أنهم لا يجوز لهم إظهاره، فلا يجوز للمسلمين ممالأتهم عليه، ولا مساعدتهم، ولا الحضور معهم، باتفاق أهل العلم الذين هم أهله) (¬6)، وقال أيضًا: ¬
(وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة بهم، فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم، وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - ما تأوَّله غير واحد من التابعين وغيرهم في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72]. قال أبو العالية، وطاوس، وابن سيرين، والضحاك، والربيع بن أنس، وغيرهم: "هو أعياد المشركين" (¬6). 2 - الأدلة التي تنهى عن التشبه بالكفار عمومًا ومنها: ما جاء عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم" (¬7). • وجه الدلالة: أن أعياد الكفار من أخص ما نهينا عن التشبه بالكفار فيه، لأنها من أخص الخصائص التي تميز الأمم (¬8). 3 - أن مشاركة الكفار أعيادهم وتهنئتهم بها هو في الحقيقة موافقة لهم في شعائرهم، والتي تؤدي إلى موافقتهم في الكفر والعياذ باللَّه (¬9). 4 - ما ورد من شروط عمر -رضي اللَّه عنه- وقد تلقتها الأمة بالقبول، وكان منها أن أهل الذمة لا يظهرون أعيادهم في دار الاسلام، حيث ورد فيه "وأن لا نخرج شعانين، ولا باعوثًا" (¬10). ¬
[218/ 15] حكم توبة الكتابي إذا سب النبي -صلى الله عليه وسلم- سرا فيما بينه وبين الله
• وجه الدلالة: إذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها، فكيف يسوغ المشاركة لهم فيها. أو تهنئتهم بها. 5 - وعن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: "لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم" (¬1) Rأن الإجماع متحقق على تحريم مشاركة الكفار في أعيادهم، أو تهنئتهم بها، لعدم المخالف المعتبر في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [218/ 15] حكم توبة الكتابي إذا سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سرًّا فيما بينه وبين اللَّه: • المراد بالمسألة: بيان أن الكتابي وغيره من الكفار إذا أسلم وتاب وقد كان يسب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سرًّا بينه وبين قومه، ولم يظهره، ولم يطلع المسلمون على ذلك، أن توبته مقبولة فيما بينه وبين اللَّه، وتنفعه يوم القيامة، وقد نُقل الإجماع على ذلك، أما ما يتعلق في حكم الدنيا من سقوط القتل عنه أو لا؟ فليس محل بحثنا، وفيه خلاف معروف في كتب أهل العلم (¬2). • من نقل الإجماع: ابن الصلاح (643 هـ) حيث يقول: (وأجمعت الأمة على أن اللَّه لم يجعل فيما خلق ذنبًا لا توبة منه أصلًا) (¬3). وأبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (ولأن من زعم أن للَّه ولدًا، فقد سب اللَّه تعالى، بدليل قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إخبارًا عن ربه تعالى أنه قال: "شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، أما شتمه إياي، فزعم أن لي ولدًا" (¬4)، وتوبته مقبولة بغير خلاف، ¬
وإذا قبلت توبة من سب اللَّه تعالى، فمن سب نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- أولى أن تقبل توبته) (¬1). وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (واليهود والنصارى الذين يسبون نبينا سرًّا بينهم إذا تابوا وأسلموا، قبل ذلك منهم، باتفاق المسلمين) (¬2)، وحكاه ابن مفلح في "المبدع" (¬3). والزركشي (772 هـ) حيث يقول: (والخلاف في قبول توبتهم في الظاهر من أحكام الدنيا، من ترك قتلهم، وثبوت أحكام الإسلام في حقهم، وأما قبول اللَّه في الباطن، وغفرانه لمن تاب وأقلع باطنًا وظاهرًا فلا اختلاف فيه) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - أن كل من تاب تاب اللَّه عليه كما قال اللَّه تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53]. • وجه الدلالة: حيث ذكر اللَّه في هذه الآية أنه يغفر للتائب الذنوب جميعًا وأطلق وعمم، فيدخل في ذلك الشرك فما دونه. 2 - قوله تعالى في حق الكفار: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وقوله تعالى في حق المنافقين: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 146]. 3 - وأن الإسلام يجب ما قبله كقذف اليهود لمريم وابنها، وقولهم في الأنبياء والرسل، لقوله عليه الصلاة والسلام: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن ¬
الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ " (¬1).Rأن الإجماع متحقق على قبول توبة الساب للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما بينه وبين اللَّه، لعدم اطلاعي على المخالف، أما سقوط القتل بتوبته فمختلف فيه، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في أحكام أهل الذمة
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في أحكام أهل الذمة • تمهيد: في تعريف عقد الذمة، والفرق بينه وبين عقد الأمان والهدنة: • أولًا: تعريف عقد الذمة: • الذمة لغة: لها عدة معان متقاربة منها: العهد، والأمان، والضمان، والكفالة، والحق (¬1). • وعقد الذمة في الاصطلاح: عرفه الحنفية بأنه: عقد ينتهي به القتال، يلتزم به الذمي أحكام الإسلام، فيما يرجع إلى المعاملات، والرضا بالمقام في دار الإسلام (¬2). وعرفه المالكية والشافعية: هو التزام تقرير غير المسلمين في ديارنا وحمايتهم، والذب عنهم، ببذل الجزية، والاستسلام من جهتهم (¬3). وعرفه الحنابلة: إقرار بعض الكفار على كفره، بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الملة (¬4). • ثانيًا: الفرق بين عقد الذمة، وعقد الأمان والهدنة: يوضح ابن القيم في كتابه "أحكام الذمة" ذلكم الفرق بقوله: (الكفار إما أهل حرب وإما أهل عهد. وأهل العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة، وأهل أمان. وقد عقد الفقهاء لكل صنف بابًا، فقالوا: باب الهدنة، باب الأمان، باب عقد الذمة. ولفظ "الذمة والعهد" يتناول هؤلاء كلهم في الأصل، وكذلك لفظ "الصلح". إلى أن قال: ولكن صار في اصطلاح كثير من الفقهاء "أهل الذمة" عبارة عمن يؤدي الجزية، وهؤلاء لهم ذمة مؤبدة، وهؤلاء قد عاهدوا المسلمين على أن يجري عليهم حكم اللَّه ورسوله، إذ هم مقيمون في الدار التي يجري فيها حكم اللَّه ورسوله؛ بخلاف أهل الهدنة؛ فإنهم ¬
[219/ 1] يتولى عقد الذمة الإمام أو نائبه
صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم، سواء كان الصلح على مال أو غير مال، لا تجري عليهم أحكام الإسلام كما تجري على أهل الذمة، لكن عليهم الكف عن محاربة المسلمين، وهؤلاء يسمون أهل العهد وأهل الصلح وأهل الهدنة. وأما المستأمن: فهو الذي يَقْدَمْ بلاد المسلمين من غير استيطان لها، وهؤلاء أربعة أقسام: رُسُل، وتجار، ومستجيرون حتى يُعرض عليهم الإسلام والقرآن؛ فإن شاءوا دخلوا فيه، وإن شاءوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها. وحكم هؤلاء ألا يهاجروا، ولا يُقتلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يُعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به، ولم يعرض له قبل وصوله إليه، فإذا وصل مأمنه عاد حربيًّا كما كان) (¬1). [219/ 1] يتولَّى عقد الذمة الإمام أو نائبه: • المراد بالمسألة: أن عقد الذمة مع غير المسلم من اختصاص الإمام، أو من يقيمه الإمام مقامه، وليس لآحاد الرعية، فإن تولى أحد الأفراد عقد الذمة بدون تفويض من الإمام، لم يصح العقد، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • الناقلون للإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (ولا يصح عقد الذمة والهدنة، إلا من الإمام أو نائبه، وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه خلافًا) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: جمهور الفقهاء من الحنفية (¬3)، المالكية (¬4)، والشافعية (¬5) والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - لما كان هذا العقد من الأمور العظام، ويتعلَّق بمصلحة عامة للمسلمين، اختص بمن له النظر العام، وهو الإمام، أو من يقوم مقامه. 2 - ولأنه عقدٌ مؤبد، وللتأبيد خطورته وآثاره على الأمة الإسلامية، لذا فإنه يحتاج أن يكون العاقد حسن التصرف ذا تقدير للمصلحة العامة للمسلمين، فلا يجوز لآحاد ¬
[220/ 2] وجوب إجابة أهل الحرب إذا طلبوا عقد الذمة لهم
الرعية أن يستبدوا به، أو يفتئتوا على الإمام بعقده. • الخلاف في المسألة: يرى بعض الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2) أن الإمام لا يختص بعقد الذمة. • وحجتهم: أن المراد بعقد الذمة هو مراعاة مصلحة المسلمين، فإن تحقَّق هذا الشرط في العاقد كان عقده جائزًا؛ لأن العبرة ليست بذات العاقد، ولكن بما يُحقِّقه من مصلحة.Rأن الإجماع غير متحقق على أن عقد الذمة يختص بالإمام أو من يقوم مقامه، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [220/ 2] وجوب إجابة أهل الحرب إذا طلبوا عقد الذمة لهم: • المراد بالمسألة: إذا طلب قوم من أهل الحرب ممن تقبل منهم الجزية أن يصيروا ذمة للمسلمين، فإنه يجب على الإمام أن يجيبهم إلى ذلك، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وأجمع الكل على أن من حلَّ قبول الجزية منه، إذا أعطى جزيته، وسأل أن يعطى الذمة على ذلك، وهو ممتنع غير مقهور، أنه ليس للإمام أن يمتنع من أخذ ذلك منه، ومن تصييره على ذلك من أهل الذمة) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، المالكية (¬5)، والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ ¬
الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]. • وجه الدلالة: حيث دلّت أن الكفار متى بذلوا الجزية لزم قبولها، وحرم قتالهم. 2 - حديث سليمان بن بريدة عن أبيه، وفيه: "فاسألهم الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم" (¬1). • وجه الدلالة: أن في الحديث أمرٌ صريح بقبول الجزية، وعقد الذمة لهم عند رضاهم بذلك. 3 - أن عقد الذمة ينتهي به القتال كالإسلام، فكما أنهم لو طلبوا عرض الإسلام عليهم وجب إجابتهم إلى ذلك. فكذلك إذا طلبوا عقد الذمة. • الخلاف في المسألة: ذهب بعض فقهاء الشافعية في وجه عندهم: على أنه لا تجب إجابتهم، إلا إذا رأى الإمام فيها مصلحة، قياسًا على الهدنة. ووصف النووي هذا القول: بأنه شاذ متروك (¬2).Rأن الإجماع متحقق على وجوب إجابة أهل الحرب إذا طلبوا عقد الذمة لهم. متى توفرت فيهم شروط عقدها وانتفت فيهم الموانع، وأما خلاف بعض الشافعية فهو من قبيل الشذوذ الفقهي كما نص على ذلك إمام الشافعية في عصره النووي، واللَّه تعالى أعلم. هذا وقد نص بعض الفقهاء على حالات تطرأ يُقدِّرها الإمام، تدعو المصلحة إلى عدم قبول عقد الذمة لهم، ومنها: إن طلب بعض أهل الحرب عقد الذمة لهم، فقال قومهم، وكانت لهم قوة ومنعة: إن فعلتم قاتلناكم، أو قتلنا أسراكم. فإن لم يكن بالمسلمين قوة، أو خافوا على أسراهم، فلا بأس بأن لا يقبلوا عقد الذمة لهم (¬3). عند العجز عن حمايتهم، وتوفير الأمن لهم، فحينئِذٍ لا ينبغي للمسلمين أن يجيبوهم إلى عقد الذمة لهم (¬4). ¬
[221/ 3] مضمون عقد الذمة
[221/ 3] مضمون عقد الذمة: • المراد بالمسألة: أن عقد الذمة يتضمن أن يُعطى أهل الذمة الأمان المؤبد على أن يلتزموا بدفع الجزية، وجريان أحكام الشريعة عليهم، وإلزامهم بالشروط العمرية، وذلك مقابل إقامتهم في دار الإسلام مع أمنهم على أنفسهم وأموالهم: فالمراد: أن عقد الذمة تتعلَّق به التزامات مالية، والتزامات غير مالية. فالالتزامات المالية: تشمل: الجزية، والخراج، والعشور. والالتزامات غير المالية: تشمل جريان أحكام الشريعة عليهم وخضوعهم لها، وإلزامهم بما ورد في الشروط العمرية. قد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أنه إن أعطى كل من ذكرنا عن نفسه وحدها، فقيرًا كان أو غنيًا، أو معتقًا أو حرًّا، أربعة مثاقيل ذهبًا، في انقضاء كل عام قمري، بعد أن يكون صرف كل دينار اثني عشر درهمًا كيلًا فصاعدًا، (¬1) على أن يلتزموا على أنفسهم أن لا يحدثوا شيئًا في مواضع كنائسهم، وسكناهم ولا غيرها، ولا بيعة، ولاديرًا، ولا قلاية (¬2)، ولا صومعة، ولا يجددوا ما خرب منها، ولا يحيوا ما دثر، وأن لا يمنعوا من مر بهم من المسلمين النزول في كنائسهم من ليل أو نهار، وأن يوسعوا أبوابها للمارة، وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين للثالث، وأن لا يؤووا جاسوسًا، ولا يكتموا غشًّا للمسلمين، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يمنعوا من أراد الدخول في الإسلام من أهلهم، وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم في المجالس، وأن لا يتشبهوا بهم في شيء من لباسهم، لا قلنسوة، ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا يتكلموا بكلامهم، ولا يكتبوا بكتابهم، ولا يركبوا على السروج، ولا يتقلدوا شيئًا من السلاح، ولا يحملوه مع أنفسهم، ولا يتخذوه، ولا ينقشوا في حوانيتهم بالعربية، ولا يبيعوا الخمور، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم، وأن لا يظهروا الصليب على كنائسهم، ولا في شيء من طرق المسلمين، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يظهروا في طريق المسلمين نجاسة، ولا يضربوا النواقيس إلا ضربًا خفيفًا، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءات لشيء ¬
من كتبهم بحضرة المسلمين، ولا مع موتاهم ولا يخرجوا شعانين، ولا صليبًا ظاهرًا، ولا يظهروا النيران في شيء من طرق المسلمين، ولا يتخذوا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين، وأن يرشدوا المسلمين، ولا يطلقوا عدوهم عليهم، ولا يضربوا مسلمًا، ولا يسبوه، ولا يستخدموا به، ولا يهينوه، ولا يسمعوا المسلمين شيئًا من شركهم، ولا من سب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا غيره من الأنبياء عليهم السلام، ولا يظهروا خمرًا، ولا شربها، ولا نكاح ذات محرم، فإن سكن مسلمون بينهم، هدموا كنائسهم وبيعهم، فإذا فعلوا كل ما ذكرنا، ولم يبدلوا ذلك الدين الذي صولحوا عليه بين الإسلام، فقد حرمت دماء كل من وفى بذلك، وماله، وأهله، وظلمه) (¬1). وابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (وهذه الشروط (يعني الشروط العمرية) أشهر شيء في كتب العلم والفقه، وهى مجمع عليها في الجملة بين العلماء من الأئمة المتبوعين وأصحابهم وسائر الأئمة) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. وقال الشافعي رحمه اللَّه: "الصغار هو: جريان أحكام الإسلام عليهم" (¬7). 2 - أما ما ورد من الشروط العمرية التي نقلها ابن حزم في حكايته للإجماع، فقد تلقاها العلماء بالقبول، قال ابن القيم: "وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها" (¬8). ¬
[222/ 4] لزوم عقد الذمة
3 - أن هذه الشروط، التي وضعها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على أهل الذمة، هي من سنة الخلفاء الراشدين التي أُمرنا باتباعها، لقوله عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ" (¬1).Rأن الإجماع متحقق على أن عقد الذمة يتضمن التزام أهل الذمة ببذل الجزية، والتزام أحكام الشريعة في المعاملات، والتزامهم بما ورد في الشروط العمرية، فالإجماع ثابت؛ لعدم اطلاعي على المخالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [222/ 4] لزوم عقد الذمة: • تعريف العقد اللازم: العقد اللازم عند الفقهاء هو: ما لا يملك أحد المتعاقدين فسخه إلا برضا الطرف الآخر، كعقد البيع (¬2). • المراد بالمسألة: بيان أن صفة عقد الذمة: أنه عقد لازمٌ في حق المسلمين، لا يملكون نقضه بحال من الأحوال، متى ما أقام الذمي على ما عوهد عليه، ولم يرتكب ما يوجب نقض عهده. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وأجمع أهل العلم على أن الذمي، إذا أقام على ما عوهد عليه، والمستأمن لا يجوز نقض عهده، ولا إكراهه على ما لم يلتزمه) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، المالكية (¬5)، والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - النصوص التي تأمر بالوفاء بالعقود والعهود، ومنها قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. ¬
[223/ 5] شمول عقد الذمة
2 - ولأن عقد الذمة بدل وخلف عن الإسلام في أحكام الدنيا. من حيث عصمة النفس والمال، فلم يملك المسلمون نقضه ما أقام الذميون على ما عوهدوا عليه.Rأن الإجماع متحقق على أن عقد الذمة عقد لازم بالنسبة للمسلمين لا يملكون نقضه ما دام أن الذميين مقيمون على ما عاهدوا عليه، ولم يخالف في ذلك أحد فيما علمت، واللَّه تعالى أعلم. [223/ 5] شمول عقد الذمة: • المراد بالمسألة: بيان أن عقد الذمة يشمل أولاد أهل الذمة، ومن تناسل منهم عن طريق التبع، وتجري عليهم أحكامه، ولا يحتاج إلى تجديده مع من حدث معهم، فهم أهله بالعقد الأول الذي عقده آبائهم. وقد نُقل الإجماع في ذلك. والقول في هذه المسألة مِنْ حيث مَنْ نقل الإجماع، والموافقون عليه، ومستندهم، والخلاف في المسألة، والنتيجة، كالقول في المسألة السابقة في الفصل الخاص بالجزية وهي مسألة: (أولاد أهل الجزية يجري عليهم الحكم الذي عقده أجدادهم، ولا يحتاجون إلى تجديده).Rأن الإجماع غير متحقق على أن أولاد أهل الجزية يجري عليهم الحكم الذي عقده أجدادهم ولا يحتاجون إلى تجديده؛ لوجود الخلاف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [224/ 6] عقد الذمة يرتب للذمي الحق في عصمة دمه وماله وأهله، والدفاع عنه، وتحريم ظلمه: • المراد بالمسألة: بيان أن أهل الذمة إذا التزموا ما وجب عليهم بعقد الذمة فلهم من المسلمين: الوفاءُ بالأمان، والحمايةُ ممن أرادهم بِعُدوان، ولهم بذلك على المسلمين عهدُ اللَّه وذمَّتُه؛ لا تَحِلُّ دماؤهم، ولا أموالهم، ولا بغي أو ظلم عليهم في وجه من الوجوه، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وقد أجمعوا على أنه يجب على الإمام أن يدفع عنهم من أرادهم بظلم، وأراد حربهم من الأعداء) (¬1). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا -وذكر إذا بذل أهل الذمة الجزية، والتزموا بالشروط العمرية المذكورة سابقًا- فإذا فعلوا كل ما ذكرنا، ولم يبدلوا ذلك الدين الذي صولحوا عليه بين الإسلام، فقد حرمت دماء كل من وفَّى بذلك، وماله وأهله وظلمه) (¬2). والقرافي (684 هـ) حيث يقول: (والذي إجماع الأمة عليه، أن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك، صونًا لمن هو في ذمة اللَّه تعالى، وذمة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإن تسليمه دون ذلك، إهمال لعقد الذمة، ومنها: أن من اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء، أو غيبة في عرض أحدهم، أو نوع من أنواع الأذية، أو أعان على ذلك، فقد ضيع ذمة اللَّه تعالى وذمة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذمة دين الإسلام، تعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يؤدي إلى أحد الأمرين: أحدهما: ما يدل ظاهره على مودات القلوب، وثانيهما: ما يدل ظاهره على تعظيم شعائر الكفر) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - لما كان من أهم ما يتمتع به الذمي بعقد الذمة في ظل الإسلام هو الحماية التامة في النفس والمال والأهل، كان الوفاء بذلك من أعظم ¬
[225/ 7] لأهل الذمة الحرية في البقاء على دينهم
الحقوق لهم تجاه المسلمين، ولقد أمر اللَّه في مواطن كثيرة بالوفاء بالعهود، وأداء الأمانات، ومنها قول اللَّه تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحل: 91]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء: 58]. 2 - عن صفوان بن سُليم، أخبرَ عن عِدَّةٍ من أبناء أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، عن آبائهم دِنْيَةً (¬1)، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصهُ، أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة" (¬2). 3 - وعن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه قال في وصيته عند موته: "أوصي الخليفة من بعدي بكذا وكذا، وأوصيه بذمة اللَّه عز وجل، وذمة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- خيرًا: أن يُقاتل من ورائهم، وأن لا يُكلَّفُوا فوق طاقتهم" (¬3).Rأن الإجماع متحقق على أن عقد الذمة يرتب للذمي الحق في عصمة دمه وماله وأهله، والدفاع عنه، وتحريم ظلمه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه أعلم. [225/ 7] لأهل الذمة الحرية في البقاء على دينهم: • المراد بالمسألة: أن مما يتصل بحقوق أهل الذمة، هو حريتهم العقدية، وممارسة شعائر دينهم بلا مجاهرة، وعدم إكراههم في الدخول في الإسلام، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وأجمع أهل العلم، لا خلاف بينهم ولا تنازع، على أن أهل الذمة من اليهود والنصارى، إن سألوا الإقرار على ¬
[226/ 8] إذا أتلف المسلم خمر الذمي، ضمن قيمتها
دينهم، فإن الإمام يُقرهم على دينهم) (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]. وقال ابن كثير في تفسيره: (أي: لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بيِّنٌ واضح جلي، دلائله وبراهينه لا تحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه اللَّه للإسلام، وشرح صدره ونور بصيرته، دخل فيه على بينة، ومن أعمى اللَّه قلبه، وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهًا مقسورًا) (¬7). 2 - أن الإكراه على الدخول في الدين لو كان جائزًا، لما كانت الجزية مشروعة إذا لم يقبل الكفار الدخول في الإسلام.Rأن الإجماع متحقق على أن لأهل الذمة الحرية في ما يعتقدون ولا يجوز إجبارهم على مفارقة دينهم، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [226/ 8] إذا أتلف المسلم خمر الذمي، ضمن قيمتها: • تعريف الضمان: الضمان في اصطلاح الفقهاء: هو الالتزام بتعويض مالي عن ضرر الغير. ويستعمل أيضًا: بمعنى تحمُّل تبعة الهلاك (¬8). • المراد بالمسألة: لما كان الذميون لا يُمنعون من شرب ما ستروه في بيوتهم ولم يظهروه من الخمر. فإن المسلم إذا اعتدى عليها فأراقها والحالة هذه، فإنه يضمن قيمتها، وقد نُقل الإجماع على ذلك. ¬
[227/ 9] مشروعية أخذ الجزية من الذمي
• من نقل الإجماع: الجصاص (370 هـ) حيث يقول: (ولا نعلم خلافًا بين الفقهاء فيمن استهلك لذمي خمرًا أن عليه قيمتها) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3). • مستتد الإجماع: قالوا من المعقول: لأن الخمر لهم كالخل لنا، ونحن أمرنا أن نتركهم وما يتدينون، والسيف موضوع، فتعذر الإلزام، إلا أنه يجب قيمة الخمر، وإن كان مثليًّا؛ لأن المسلم ممنوع من تمليكه وتملكه. • الخلاف في المسألة: يرى الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6): أن من أهرق خمر الذمي وإن كان عاصيًا، إلا أنه لا ضمان عليه. وحجتهم: لأنها نجسة، فلا ضمان على مهريقها، ولأن الخمر محرمٌ في ديننا فلا قيمة له.Rأن الإجماع غير متحقق على أن المسلم إذا أتلف خمر الذمي ضمن قيمتها. لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [227/ 9] مشروعية أخذ الجزية من الذمي: • المراد بالمسألة: أنه إذا فتح المسلمون ديار الكفار، فإن الكفار يُخيرون بين الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتل، فإن اختاروا دفع الجزية، كانوا أهل ذمة للمسلمين، كان ذلك بمثابة الخضوع العام للنظام الإسلامي ويتركون على كفرهم، وقد نُقل الإجماع على جواز أخذ الجزية من الكفار في الجملة. والقول في هذه المسألة بجميع فقراتها من حيث من نقل الإجماع، والموافقون عليه، ومستند الإجماع، والنتيجة، هو نفس القول في المسألة السابقة في فصل الجزية في مسألة: (مشروعية الجزية)، فنحيل القارئ الكريم النظر فيها في ذلكم الموطن. ¬
[228/ 10] أخذ الخراج من الذمي
ونُذكِّر بالنتيجة، فنقول: إن الإجماع متحقق على مشروعية أخذ الجزية من أهل الذمة في الجملة، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [228/ 10] أخذ الخراج من الذمي: سبق بحث هذه المسألة سابقًا في فصل الجزية عند مسألة: (جواز أخذ مقدار أو شيء معروف ومحدد، كالخراج، والعشور، وما صولحوا عليه قدرًا زائدًا على الجزية). وقد توصلنا إلى النتيجة التالية: أن الإجماع متحقق على جواز أخذ مقدار أو شيء معروف ومحدد، كالخراج، والعشور، وما صولحوا زائدًا على الجزية، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [229/ 11] إسلام الذمي قبل انتهاء الحول يسقط عنه الجزية: سبق بحث هذه المسألة سابقًا في فصل الجزية عند مسألة: (سقوط الجزية بالإسلام قبل انقضاء الحول)، فتفاديًا للإطالة، والتكرار نحيل القارئ الكريم إليها، وقد توصلنا إلى النتيجة التالية: أن الإجماع غير متحقق على أن الجزية تسقط بالإسلام قبل انقضاء الحول، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [230/ 12] من أسلم من أهل الذمة أو صالح على أرضه صلحًا صحيحًا، فهي له، ولعقبه: • المراد بالمسألة: بيان أن حكم الأرضين، إذا أسلم عليه أهل الذمة، أو صالحوا عليها أهل الإسلام بأن يؤدوا عليها جزءًا معلومًا، أن ملكيتها لأهلها ثابتة لهم، ولمن يأتي بعدهم ممن تناسلوا منهم، فلهم حرية بيعها والتصرف فيها وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: (لا خلاف أن أرض الصلح مملوكة لأهلها)، كما نقله عنه الجصاص (¬1). وقدامة بن جعفر (337 هـ) حيث يقول: (واجتمع الكل على إطلاق شراء أرض ¬
الصلح؛ لأنهم إنما صالحوا قبل القدرة عليهم والغلبة لهم فأرضوهم ملك في أيديهم) (¬1). وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن من صالح من أهل الذمة عن أرضه صلحًا صحيحًا، أنها له ولعقب عقبه، أسلم أو لم يسلم، ما لم يظهر فيها معدن) (¬2)، وقال أيضًا: (واتفقوا أن من أسلم على أرض له، ليس فيها معدن، ولا ظهر فيها معدن، أنها له ولعقبه) (¬3). وابن رجب (795 هـ) حيث يقول: (ما أسلم أهلها عليها ولم يكن ضرب عليهم خراج قبل الإسلام، فهذه لا خراج عليها. . . فكل هذه من أراضي المسلمين مملوكة لمن هي في يده. . . وهذا لا يعلم فيه خلاف) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: 1 - عن ابن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على اللَّه" (¬9). • وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث أن الكفار إذا أسلموا، فقد عصموا دماءهم وأموالهم، ومن ذلك أرضوهم التي يملكونها، فإذا أسلموا ردت أحكامهم إلى أحكام المسلمين (¬10). 2 - وعن رجل من جهينة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لعلكم تقاتلون قومًا فتظهرون ¬
[231/ 13] أخذ ما يجب في الركاز من الذمي إذا وجده في دار الإسلام
عليهم، فيتَّقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم، فتصالحوهم على صلح، فلا تصيبوا منهم فوق ذلك، فإنه لا يصلح لكم" (¬1). 3 - أن الكفار إذا صولحوا على البقاء على أرضهم، على أن يؤدوا شيئًا معلومًا، فإن ذلك يُعد إقرارًا بثبوت ملكهم عليها.Rأن الإجماع متحقق على من أسلم من أهل الذمة أو صالح على أرضه صلحًا صحيحًا، فهي له، ولعقبه؛ لعدم اطلاعي على المخالف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [231/ 13] أخذ ما يجب في الركاز من الذمي إذا وجده في دار الإسلام: • تعريف الركاز: • الركاز لغة: مشتق من ركز يركز: إذا خفي، والمراد به: ما كان من دفين أهل الجاهلية (¬2). • وفي الاصطلاح: اسم لما يكون تحت الأرض خِلْقَة، أو بدفن العباد (¬3). • المراد بالمسألة: أن الذمي إذا وجد شيئًا من دفن الجاهلية من معدن، في دار الإسلام، أنه يجب عليه فيه إخراج الخمس، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على الذمي في الركاز يجده الخمس) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عموم الحديث المروي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه ¬
[232/ 14] جواز أخذ العشر من التاجر الذمي
قال: "وفي الركاز الخمس" (¬1). • وجه الدلالة: فإنه يدل بعمومه على وجوب الخمس في كل ركاز يوجد، وبمفهومه على أن باقية لواجده من كان. 2 - ولأنه مال كافر مظهور عليه، فكان فيه الخمس على من وجده، وباقيه لواجده، كالغنيمة. • الخلاف في المسألة: ويرى الشافعية إلى أنه لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة، ويمنع الذمي من أخذ المعدن والركاز بدار الإسلام، كما يمنع من الإحياء بها؛ لأن الدار للمسلمين وهو دخيل فيها (¬2).Rأن الإجماع غير متحقق على أخذ ما يجب في الركاز من الذمي، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [232/ 14] جواز أخذ العشر من التاجر الذمي: سبق بحث هذه المسألة سابقًا في فصل الجزية عند مسألة: (جواز أخذ العشر على تجار أهل الذمة زيادة على الجزية إذا شُرط عليهم). وقد توصلنا إلى النتيجة التالية: أن الإجماع متحقق على جواز أخذ العشر من تجار غير المسلمين إذا دخلوا بلاد الإسلام، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [233/ 15] جواز تقاضي الذميين أمام الحاكم المسلم: • تعريف القضاء: • القضاء لغة: يرِد بمعنى الحكم، والجمع (أقضية) ويرد القضاء بمعانٍ أخرى كالفراغ والأداء والإنهاء (¬3). وأما في اصطلاح الفقهاء فهو: الإخبار بحكم شرعي على وجه الإلزام (¬4). ¬
• المراد بالمسألة: بيان أنه إذا كان طرفي الدعوى ذميين، ورضيا برفع الدعوى إلى الحاكم المسلم، فللحاكم المسلم أن يحكم بينهم فيما عرض عليه من نزاع بحكم دين الإسلام، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أنه إن حكم بين الذميين الراضيين بحكمه، مع رضا حكام أهل دين ذينك الذميين، أن ذلك له وأنه يحكم بما أوجبه دين الإسلام) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - الآيات الصريحة التي تدل على مشروعية الحكم بينهم، مثل قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]. وقوله سبحانه وتعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49]. 2 - وعن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: إن اليهود جاؤوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ ". فقالوا: نفضحهم ويجلدون، قال عبد اللَّه بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد اللَّه بن سلام: ارفع يدك فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، قالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجما، فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة (¬7). ¬
[234/ 16] تطبيق حد السرقة على الذمي
• وجه الدلالة: حيث حكم بينهم عليه الصلاة والسلام بحكم الإسلام، فدلَّ ذلك أن للحاكم أن يقضي بينهم بشريعة اللَّه فقط، دون غيرها من الشرائع والملل. إذا ترافع إليه أهل الذمة برضاهم واختيارهم.Rأن الإجماع متحقق على جواز تقاضي الذميين أمام الحاكم المسلم، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [234/ 16] تطبيق حد السرقة على الذمي: • تعريف السرقة: • السرقة لغة: مصدر من سَرَق الشيء يسْرِقه سَرَقًا وسَرِقًا، وهي أخذ المال على وجه التخفي (¬1). • وفي الاصطلاح: أخذ مكلف خفية، قدر عشرة دراهم مضروبة محرزة، بمكان أو حافظ، بلا شبهة (¬2). • المراد بالمسألة: بيان أن الذمي إذا ارتكب جريمة السرقة، وكان المسروق منه مسلمًا أو ذميًّا، وتوافرت شروط الجريمة، وجب الحد على الذمي، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (ولم يختلفوا أن الذمي يقطع في السرقة) (¬3). وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأما السارق الذي يجب عليه حد السرقة فإنهم اتفقوا على أن من شرطه أن يكون مكلفًا وسواء أكان حرًّا أو عبدًا ذكرًا أو أنثى أو مسلمًا أو ذميًّا) (¬4). وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (فصل: ويقطع المسلم بسرقة مال المسلم والذمي، ويقطع الذمي بسرقة مالهما، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفًا) (¬5). ¬
[235/ 17] تطبيق حد القذف على الذمي
وأبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (أما قطع المسلم بالسرقة من مال الذمي، وقطع الذمي بالسرقة من مال مسلم، فلا نعلم فيه خلافًا) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: 1 - عموم القرآن الكريم حيث لم يخص مسلم عن غيره في حد السرقة، حيث يقول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} [المائدة: 38]. 2 - ولأن الذمي بعقد الذمة التزم أحكام الإسلام، فيُقام عليه حد السرقة، كما يُقام على المسلم.Rأن الإجماع متحقق على تطبيق حد القطع للسارق إن كان من أهل الذمة، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [235/ 17] تطبيق حد القذف على الذمي: • تعريف القذف: • القذف في اللغة: الرمي بالحجارة، والرمي بالفاحشة، والقذيفة القبيحة وهي الشتم (¬7). • وفي الاصطلاح: رمي مخصوص، وهو الرمي بالزنا صريحًا (¬8). • المراد بالمسألة: إذا قذف الذمي مسلمًا، أو مسلمة، وتوافرت شروط الجريمة، وجب على الذمي حد القذف؛ لأن إسلام القاذف ليس بشرط في وجوب الحد على القاذف، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) حيث يقول: (أما الكافر الحربي فلا خلاف في إسقاط ما فعله في حال كفره في دار الحرب، وأما إن دخل إلينا بأمان فقذف مسلمًا ¬
[236/ 18] ثبوت الشفعة للذمي والمسلم على الذمي
فإنه يحد، وإن سرق قطع، وكذلك الذمي إذا قذف) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} [النور: 4]، فعموم الآية الكريمة يشمل المسلم، والذمي. • الخلاف في المسألة: يرى ابن حزم من الظاهرية أن عقوبة القاذف الذمي إذا قذف مسلمًا هي القتل، إلا إذا أسلم فيمتنع القتل، ويجب عليه الحد (¬6). وعلل ذلك بانتقاض ذمته؛ لأن الذمي بقذف المسلم يخرج عن الصغار، فتزول عنه الذمة، فيكون كالحربي، فيجوز قتله (¬7).Rأن الإجماع غير متحقق على أن عقوبة الذمي إذا قذف مسلمًا الحد وهو ثمانون جلدة، لخلاف ابن حزم حيث يرى أن عقوبته القتل، وإن كان قوله مرجوحًا، إلا أن المسألة لم ينعقد عليها الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. [236/ 18] ثبوت الشفعة للذمي والمسلم على الذمي: • تعريف الشفعة: • الشفعة في اللغة: من شفع يشفع شفعًا، والشفع خلاف الوتر، ويُطلق على: الضم والزيادة (¬8). • وفي الاصطلاح: استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه من يد من انتقلت إليه، إن كان مثله أو دونه، بعوض مالي، بثمنه الذي استقر عليه العقد (¬9). • المراد بالمسألة: إذا اشترك ذميان في دار غير مقسومة، فباع أحدهما نصيبه، ¬
[237/ 19] النهي عن سوم المسلم أو الذمي على سوم الذمي
فلشريكه الذمي حق المطالبة بالشفعة، وكذا لو كانت الشفعة لمسلم على ذمي، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • الناقلون للإجماع: الماوردي (450 هـ) حيث يقول: (لا خلاف بين الفقهاء أن الشفعة تجب للمسلم على الذمي. .، وتجب للذمي على الذمي) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وتثبت الشفعة للذمي على الذمي. .، ولا نعلم في هذا خلافًا) (¬2). ابن مفلح (793 هـ) يقول: (وتثبت للذمي على الذمي. .، ولا نعلم في هذا خلافًا) (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: 1 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من كان له شريك في ربعة أو نخل، فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن رضي أخد، وأن كره ترك" (¬9). • وجه الدلالة: أن لفظ الشريك عام يشمل كل شريك، مسلمًا كان أو غير مسلم، فيدخل فيه الذمي والمسلم مع الذمي. 2 - أن الذمي مع الذمي تساويا في الدين والحرمة، فثبت لأحدهما على الآخر، كالمسلم على المسلم.Rأن الإجماع متحقق على ثبوت الشفعة للذمي والمسلم على الذمي، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [237/ 19] النهي عن سوم المسلم أو الذمي على سوم الذمي: وصورته: أن يعرض رجل ذمي على المشتري سلعته بثمن، فيركن إليه المشتري، ¬
ثم يأتي بائع آخر (مسلم أو ذمي) فيقول: عندي مثلها بأقل من هذا الثمن. • المراد بالمسألة: أن المسلم أو الذمي لا يجوز لهما أن يسوما على سوم الذمي، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) حيث يقول: (قال الأوزعي: لا بأس بدخول المسلم على الذمي في سومه، ولا نعلم أحدًا قال بذلك غير الأوزاعي. . .، واتفقوا على كراهة سوم الذمي على الذمي) (¬1). وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (أجمع العلماء على كراهة سوم الذمي على سوم المسلم وعلى وسوم الذمي إذا تحاكموا إلينا) (¬2). العيني (855) حيث يقول: (وقام الإجماع على كراهة سوم الذمي على مثله) (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: أن لهم عهدًا وذمة، ومن العهد ألا يرزووا في أبدانهم ولا في أموالهم، ولا في أولادهم، ومن الرزء السوم عليهم (¬8). • الخلاف في المسألة: يرى الحنابلة، والأوزاعي أنه يجوز سوم المسلم دون الذمي على سوم الذمي (¬9). • واحتجوا بما يلي: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن التلقي. . . وأن يستام الرجل على سوم أخيه" (¬10). • وجه الدلالة: أن هذه الألفاظ صريحة في قصر النهي على المسلم خاصة. ويفهم منه عدم دخول الذمي في الحكم. 2 - أن الذمي ليس كالمسلم، فحرمته ليست كحرمته، ولذا لم تجب إجابة دعوته ¬
[238/ 20] صحة عتق الذمي لرقيقه
للوليمة، فلا يصح أن يلحق في الحكم به. R 1 - أن الإجماع متحقق في النهي عن سوم الذمي على سوم الذمى إذا تحاكموا إلينا، لعدم المخالف فيه. 2 - أن الإجماع غير متحقق في النهي عن سوم المسلم على سوم الذمي، وذلك لوجود الخلاف المعتبر فيه، واللَّه تعالى أعلم. [238/ 20] صحة عتق الذمي لرقيقه: • المراد بالمسألة: بيان أن الذمي إذا أعتق رقيقه، فإنه يصح عتقه، ويتحرر العبد من الرق، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (ويصح العتق من كل من يجوز تصرفه في المال، وهو البالغ العاقل الرشيد، سواء كان مسلمًا، أو ذميًّا، أو حربيًّا. ولا نعلم في هذا خلافًا) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، الحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: لأنه مكلف غير محجور عليه، ويصح تصرفه في ماله، فجاز عتقه كالمسلم.Rأن الاجماع متحقق على صحة عتق الذمي لرقيقه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [239/ 21] يُجبر أهل الذمة على إزالة ملكهم لرقيقهم إذا أسلموا: • المراد بالمسألة: إذا ملك أهل الذمة رقيقًا كافرًا، ثم أسلم هذا الرقيق، فإنهم يُجبرون على إزالة ملكهم له ببيع أو هبة أو عتق أو غيره. وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (310 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن رقيق أهل الذمة إذا أسلموا، بيعوا عليهم) (¬6). ¬
[240/ 22] حرية الذمى بالتنقل والسكن في أرض الإسلام، والدخول في أي البلاد حاشا جزيرة العرب
وأبو العباس المنصوري (نحو 350 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن رقيق أهل الذمة إذا أسلموا أن بيعهم يجب عليهم، ويأخذهم الإمام بذلك) نقله عنه ابن القطان في "الإقناع" (¬1). أبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (وإن أسلم عبد الذمي أجبر على إزالة ملكه عنه؛ لأنه لا يجوز استدامة الملك للكافر على المسلم إجماعًا) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، الحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - لقول اللَّه تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]. 2 - ولصيانة المسلم عن الإذلال والامتهان.Rأن الإجماع متحقق على أن الذمي يُجبر على إزالة ملكه لرقيقه إذا أسلم؛ لعدم المخالف المعتبر فيما أعلم. [240/ 22] حرية الذمى بالتنقل والسكن في أرض الإسلام، والدخول في أي البلاد حاشا جزيرة العرب (¬7): • المراد بالمسألة: أن الذمي يجوز له التنقُّل والسكن والدخول في أي بلاد المسلمين شاء، سواء لقضاء حوائجه، أو إدارة تجاراته، أو لمصلحة المسلمين، ويمنعون من الاستيطان في جزيرة العرب، ومنها الحجاز، والمسجد الحرام، وقد نُقل الإجماع ¬
على ذلك. • الناقلون للإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن لأهل الذمة المشي في أرض الإسلام، والدخول حيث أحبوا من البلاد، حاشا الحرم بمكة، فإنهم اختلفوا أيدخلونه أم لا؟ ) (¬1)، وقال أيضًا: (واتفقوا على أن لهم سكنى أيِّ بلد شاؤوا من بلاد الإسلام على الشروط التي قدمنا (أي الشروط العمرية)، حاشا جزيرة العرب) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: 1 - أن سكن أهل الذمة في بلاد المسلمين، وكراءهم دورهم فيه نفعٌ للمسلمين، وفي مخالطتهم لهم وقوفٌ على حسن تعامل المسلمين، وجلال وكمال شريعتهم، فلعلهم بذلك يسلمون، فيتحقق الهدف الأسمى من تشريع عقد الذمة (¬7). 2 - أن القاعدة المقررة أنه "تجري على الذمي أحكام المسلمين، إلا ما يستثنى من ذلك" (¬8)، فكما أن للمسلمين السكن والتنقل في أي بلاد المسلمين شاؤوا، فكذلك الذمي له نفس الحكم، ما عدا السكنى في جزيرة العرب، فقد ثبت الاستثناء من ذلك، كما سيتقرر في الأدلة التالية. 3 - أما منعهم من الاستيطان في جزيرة العرب ومنها الحجاز ومنعهم من دخول مكة فالحجة عليه ما يأتي: أ- أما منعهم من دخول المسجد الحرام فلقوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]. • وجه الدلالة: أن الآية نص صريح في تحريم دخول المشركين المسجد الحرام؛ ¬
[241/ 23] جواز تعامل أهل الذمة فيما بينهم، وفيما بينهم وبين المسلمين
لأنهم نجسٌ دينًا. ب- وأما منعهم من الاستيطان في جزيرة العرب، فلما رواه ابن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" (¬1)، وعن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلمًا" (¬2). • وجه الدلالة: أن هذه النصوص واضحة على وجوب إخراج الكفار من جزيرة العرب، وعدم إقامتهم فيها.Rأن الإجماع متحقق على حرية الذمي بالتنقل والسكن في أرض الإسلام، والدخول في أي البلاد حاشا جزيرة العرب؛ لعدم المخالف. ومن الجدير بالذكر: أن الفقهاء نصوا على أن أهل الذمة لا يُمنعون من الاجتياز والمرور بجزيرة العرب وهم مسافرون، ولكن لا يُقيمون بها فوق ثلاثة أيام (¬3). ويدل لذلك: ما جاء أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: "ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاثة أيام يتسوقون بها، ويقضون حوائجهم، ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال" (¬4). [241/ 23] جواز تعامل أهل الذمة فيما بينهم، وفيما بينهم وبين المسلمين: • المراد بالمسألة: بيان أن الأصل المقرر في عموم التعامل مع أهل الذمة هو الجواز مطلقًا، ويستثنى من ذلك ما كان الحرام في ذات المتعامل فيه، كالعوض المحرم، مثل: الخمر، ولحم الخنزير، والميتة، أو كالمنفعة غير المباحة مثل: الفوائد الربوية، وكذلك يحرم التعامل في الوسائل التي يستعينون بها في إقامة دينهم، ¬
وأعيادهم ونحو ذلك، مما ثبت النهي عنه، أما ما عدا ذلك فقد نُقل الإجماع على جواز التعامل معهم فيه. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن مبايعة أهل الذمة فيما بينهم، وفيما بينهم وبيننا، ما لم يكن رقيقهم، أو عقارهم، أو ما جرت عليه سهام المسلمين من السبي، إذا وقع على حكم ما يحل ويحرم في دين الإسلام علينا، فإنه جائز) (¬1). والنووي (676 هـ) حيث يقول: (وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذِّمَّة، وغيرهم من الكفَّار إذا لم يتحقق تحريم ما معه) (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: ما ثبت وقوعه من معاملة الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم واْصحابه بعد هجرته إلى المدينة، حيث عامل هو وأصحابه اليهود من أهل المدينة، وكانت معاملة الصحابة لهم أيضًا بمرأى منه ومسمع، ولم ينقل على كثرة معاملاتهم التجارية والمالية، وطول مدتها، أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم منع منها، بل أحاديث كثيرة ثبت فيها تعامل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأصحابه مع يهود المدينة بالبيع، والشراء، والقرض، والرهن، وغير ذلك من المعاملات المالية والتجارية المباحة في ملتنا، ومما يدل على ذلك: ما صح عن عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي اللَّه عنهما- قال: "كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم جاء رجل مشرك، مشعان (¬7) طويل، بغنم يسوقها، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بيعا أم عطية؟ " أو قال: "هبة". قال: لا، بل بيع، فاشترى منه شاة" (¬8). • وجه الدلالة: دلَّ الحديث على جواز التعامل مع أهل الشرك بالبيع والشراء، ¬
[242/ 24] جواز بيع السلاح ورهنه للذمي
فأهل الذمة من باب أولى، ولهذا لم يشترط الفقهاء في العاقد أن يكون مسلمًا، بل أن يكون جائز التصرف (¬1).Rأن الإجماع متحقق على جواز تعامل أهل الذمة فيما بينهم، وفيما بينهم وبين المسلمين؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [242/ 24] جواز بيع السلاح ورهنه للذمي: • المراد بالمسألة: بيان أن التعامل بالبيع والشراء والرهن بالسلاح مع أهل الذمة مباح، ما داموا مأمونين الجانب، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: (وإنما يجوز بيعه ورهنه عند من تكون له ذمة، أو عهد باتفاق) (¬2). والشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: (وجواز رهن السلاح عند أهل الذمة لا عند أهل الحرب بالاتفاق) (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - لعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]. • وجه الدلالة: أن الآية دالة بعمومها على جواز التعامل مع أهل الذمة وغيرهم بالبيع، فلا يحرم من ذلك شيء إلا ما دلَّ عليه دليل صحيح. فإذا جاز بيع السلاح لأهل الذمة بمقتضى عموم الآية الكريمة، فكذلك الرهن؛ لأن ما جاز بيعه جاز رهنه (¬8). 2 - عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه ¬
درعه" (¬1). • وجه الدلالة: أن الدرع من الأسلحة الدفاعية، فرهن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له لليهودي دليل على جواز رهن السلاح لأهل الذمة. 3 - وعن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من لكعب بن الأشرف؟ فإنه آذى اللَّه ورسوله". فقال محمد بن مسلمة: أنا، فأتاه، فقال: "أردنا أن تسلفنا وسقًا (¬2) أو وسقين" فقال: ارهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم، قالوا: كيف نرهن أبناءنا فَيُسَبُّ أحدهم، فيقال: رهن بوسق أو وسقين؟ هذا عار علينا، ولكنا نرهنك الَّلأْمة (¬3)، فوعده أن يأتيه، فقتلوه ثم أتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبروه" (¬4). • وجه الدلالة: أن رهن السلاح كان معتادًا عندهم لأهل العهد، ولو لم يكن كذلك لما عرضوا عليه رهن السلاح، ولو لم تجر العادة برهنه لاستراب منهم، وفاتهم ما أرادوا من قتله (¬5). 4 - ولأن القاعدة في التعامل مع أهل الذمة أنه "تجري على الذمي أحكام المسلمين، إلا ما يستثنى من ذلك" (¬6)، فكما يجوز بيع السلاح ورهنه للمسلم، فيجوز ذلك لأهل الذمة؛ لأنهم في أيدي المسلمين، وتحت قهرهم وسلطانهم (¬7).Rأن الإجماع متحقق على جواز بيع السلاح ورهنه للذمي، ما داموا مأمونين الجانب؛ لعدم اطلاعي على المخالف، ولأن الفقهاء إنما نصوا على المنع من ذلك مع الكافر الحربي، ولأهل الفتنة، ولمن عُلم أنه سيقتل به مسلمًا، فما عدا هذه الحالات فالأمر باقٍ على الإباحة، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[243/ 25] مطالبة الذمي بضمان ما أتلفه
[243/ 25] مطالبة الذمي بضمان ما أتلفه: • المراد بالمسألة: إذا تعدَّى الذمي على مسلم، أو ذمي في بلاد الإسلام، فأتلف أموالهم، فإنه يلزمه ضمان ما أتلفه، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: (إنما لا يطالب المتلف الحربي، وأما الذمي فيطالب بالإجماع) (¬1). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: 1 - عموم الحديث المؤكد قاعدة الضمان يشمل المسلم والذمي، وهو ما جاء عن سمرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" (¬6). 2 - ولأن الذمي عَقَدَ الذمة وهو راضٍ بمقتضى عقد الذمة، ومن مقتضى عقد الذمة جريان أحكام الإسلام عليه في المعاملات، فيضمن كالمسلم.Rأن الإجماع متحقق على مطالبة الذمي بضمان ما أتلفه؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم [244/ 26] أسر العدو الذميَّ لا يبطل عقد الذمة: • المراد بالمسألة: إذا استولى الكفار الحربيون على حر ذمي فإنهم لا يملكونه، وإذا استخلصه المسلمون عاد حرًّا على أصله، ولا ينتقض عقد الذمة من الذمي بل يرجع إلى ذمته، وقد نُقل الإجماع على ذلك. وقد سبق البحث في هذه المسألة، وتفاديًا للتكرار نحيل القارئ الكريم النظر إليها ¬
[245/ 27] نقض الذمة بالتجسس
في الفصل الخاص بأحكام الحربي عند مسألة: (الحربي إذا استولى على الحر المسلم أو الذمي لم يملكه، ولا يُزيل عنه الحرية). وكانت النتيجة التي توصَّل إليها الباحث: أن الإجماع متحقق على أن استرقاق الحربي للحر الذمي لا يزيل حريته، ولا يثبت به الرق عليه، ولا ينقض عقد الذمة؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم. [245/ 27] نقض الذمة بالتجسس: • المراد بالمسألة: بيان أن الذمي المقيم إقامة دائمة في دار الإسلام، وكان قد شُرط عليه عدم القيام بالتجسس على عورات المسلمين، أو الدلالة عليها بالمكاتبة أو غيرها، فإنه ينتقض عهده، وقد نُقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الحافظ ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: (قال النووي: "فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي: ينتقض عهده بذلك، وعند الشافعية خلاف" (¬1). أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقضن اتفاقًا) (¬2)، ونقله مقرًّا له الشوكاني (1255 هـ) (¬3)، والعظيم آبادي (1329 هـ) (¬4). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: 1 - عن فرات بن حيان: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بقتله، وكان عينًا لأبي سفيان، وكان حليفًا لرجل من الأنصار، فمر بحلقة من الأنصار، فقال: إني مسلم، فقال رجل من الأنصار: يا رسول اللَّه، إنه يقول: إني مسلم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن منكم رجالًا نكلهم إلى إيمانهم، منهم فرات بن حيان" (¬8). ¬
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بقتل هذا الجاسوس، ولكنه لما أسلم، وأقلع عن عمله المشين، فدلَّ ذلك أن حكم الجاسوس الذمي هو القتل. 2 - أن عقد الذمة إذا اشترط فيه أن لا يتجسس الذمي، ولا ينقل عورات المسلمين، ثم خالف الذمي ذلك الشرط، كان غير ملتزم بالعقد فيبطل، والحكم المعلَّق بالشرط لا يوجد إلا بوجود الشرط، وعليه فإن العقد في هذه الحال انتقض، فعاد حربيًّا، وأمر عقابه إلى إمام المسلمين. • الخلاف في المسألة: يرى الحنفية أن تجسس الذمى لا ينقض عهده سواء شُرط عليه، أو لم يُشرط عليه (¬1). واحتجوا بما سبق في قصة حاطب -رضي اللَّه عنه-، فلم يكن لا بتجسسه لحساب المشركين، وهو مسلم ناقض لإيمانه، فكذلك الذمي لا يكون بتجسسه ناقض لأمانه.Rأن الإجماع غير متحقق عدى أن تجسس الذمي الذي شُرط عديه أن لا يتجسس فتجسس أنه ينقض عهده؛ لثبوت الخلاف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬
الخاتمة
الخاتمة الحمد للَّه على إعانته وتوفيقه، وبعد هذه الدراسة، فإنه يحسن أن أُجمل أبرز ما خلصتُ إليه من نتائج في النقاط الآتية: بلغت المسائل التي حُكي الإجماع عليها في هذه الدراسة [245] مسألة، صح الإجماع في [171] مسألة، بينما كانت [74] مسألة هي محل الاعتراض، ومن هذه الإحصائية تتبيَّن قوة الإجماعات التي يحكيها العلماء. أن الإجماع من الأدلة الشرعية التي لا شك في حجيتها، ولا يجوز مخالفته، وهو في المرتبة الثالثة بعد القرآن والسنة، ولا بد من معرفته لكي لا يخرج المسلم عن سبيل المؤمنين، ولتوحيد الصف والآراء التي تنتج عنها وحدة العمل. أن أبواب الإجماع من أهم الأبواب المشتركة بين الفقه والأصول، وعلى طلاب العلم العناية بها وضبط مواقعها. أن العلماء الذين يحكون الإجماع ثلاثة أقسام: • الأول: من يحكي الإجماع بدون أن ينقل عمن سبقه، وأغلبهم من أهل الاستقراء التام مثل الإمام الشافعي والترمذي والطبري وأبي عبد اللَّه المروزي وابن المنذر وابن حزم وابن رشد وابن تيمية. • الثاني: من يحكي الإجماع نقلًا عن غيره وأحيانًا باستقرائه، فجمعوا بين الطريقين، ومن هؤلاء الحافظ ابن عبد البر، والإمام ابن قدامة والإمام القرطبي والإمام النووي، وأكثرهم من أصحاب التفاسير وشروح الحديث. • الثالث: من يحكى الإجماع نقلًا عن غيره، ومن هؤلاء الحافظ ابن القطان وأئمة المتأخرين من أرباب المذاهب الإسلامية المباركة. أن أدق من نقل الإجماع -حسب اطلاعي- هو الإمام ابن حزم الأندلسي الظاهري
التوصيات
في كتابه "مراتب الاجماع"، وإذا أُضيف إليه تعقيبات الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية أصبح الكتاب أدق المصادر في نقل الإجماع على الأحكام. ويا حبذا لو درس هذا الكتاب، وأدعو اللَّه تعالى أن يوفق من الأمة من يقوم بشرحه. أن تطبيق الجهاد على وجهه الصحيح، والتزام ما أمر اللَّه به من آدابه ومعاملاته هو من أهم وسائل الدعوة إلى اللَّه. أن الجهاد في سبيل اللَّه بدءًا من هدفه، والوسائل المشروعة لتحقيقه، وأحكامه الكثيرة كالأمان والهدنة والجزية وأحكام الأسرى والسبي والغنائم كلها مندرجة تحت الأصل العظيم الذي هو إحقاق الحق، وتقوية أهله ونصرتهم، وإزهاق الباطل، وتقليل أهله وإضعافهم؛ ليعم الاهتداء بهذا الدين. • أما التوصيات: فبعد اكتمال هذا المشروع المبارك بمشيئة اللَّه أقترح جمع المسائل التي صح الإجماع عليها في مؤلف مستقل يستعين به طلاب الفقه الإسلامي في ضبط مواطن الاتفاق، وهي كثيرة بحمد اللَّه، وهو مما يقوي الملكة الفقهية، ويعين الطالب في تمييز الراجح من المرجوح من الأقوال. هذا ما تيسَّر جمعه وتقييده في هذا الموضوع، بعد أن أمضيت وقتًا طويلًا في كتابته، وبذلت جهدًا كبيرًا في جمعه وتتبعه، طفت في رحلة ممتعة وشاقة بين كتب أهل العلم باحثًا عن كل لبنة تُسهم في بناء هذا المشروع المبارك (مشروع الإجماع) حتى استوى على هذا الشكل الذي أسأل اللَّه أن ينفع به ويتقبَّله، وأن يغفر ما يقع من الجهل والزلل والخطأ والنسيان، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. * * *
فهرس المصادر والمراجع
فهرس المصادر والمراجع (¬1) إتحاف ذوي البصائر شرح روضة الناظر، تأليف: عبد الكريم النملة. الناشر: دار العاصمة: الرياض، 1417 هـ. الآثار، لأبي يوسف (128 هـ)، يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، الناشر: دار الكتب العلمية، 1350 هـ. آثار الحرب في الفقه الإسلامي، تأليف: د. وهبة الزحيلي، الناشر: دار الفكر بدمشق، الطبعة الثالثة 1401 هـ. الإجماع لابن المنذر (318 هـ) أبي بكر محمد بن إبراهيم، الناشر: دار طيبة الرياض، الطبعة الأولى 1402 هـ. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: للإمام العلامة الحافظ تقي الدين أبي الفتح الشهير بابن دقيق العيد (702 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. أحكام الأسرى والسبايا في الحروب الإسلامية، تأليف: د. عبد اللطيف عامر، الناشرة دار الكتب الإسلامية، 1406 هـ. أحكام الخراج في الفقه الإسلامي، تأليف: د. محمد عثمان شبير، دار الأرقم، الكويت، 1406 هـ. أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام، د. عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1402 هـ. "الأحكام السلطانية"، تأليف: القاضي أبي يعلى، محمد بن الحسين ابن الفراء (المتوفى: 458 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1421 هـ. "الأحكام السلطانية" في الولايات الدينية: تأليف أبي الحسن علي بن محمد الماوردي (450 هـ). الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. إحكام الفصول في الأصول، تأليف: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (471 هـ)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1407 هـ. ¬
أحكام القرآن لابن العربي (543 هـ) أبو بكر محمد بن عبد اللَّه، مطبعة عيسى الحلبي، 1394 هـ. أحكام القرآن للجصاص (370 هـ)، أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، دار الكتب العلمية، بيروت. الطبعة الأولى 1415 هـ. أحكام القرآن للشافعي جمعه الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي النيسابوري (458 هـ)، دار إحياء العلوم، بيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ. أحكام القرآن: تأليف الإمام أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص (370 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى (1415 هـ). أحكام القرآن للكيا الهراسي (504 هـ) علي بن محمد، دار الكتب الحديثة، 1974 م. أحكام المجاهد بالنفس في سبيل اللَّه عز وجل في الفقه الإسلامي، تأليف: مرعي بن عبد اللَّه بن مرعي الجبيهي الشهري، الناشر: مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1432 هـ. أحكام أهل الذمة: لابن قيم الجوزية (751 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى 1415 هـ. أحكام أهل الملل من الجامع لمسائل الإمام أحمد، تأليف: أبو بكر أحمد بن محمد الخلال، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1414 هـ. الإحكام في أصول الأحكام، تأليف: العلامة علي بن محمد الآمدي. تعليق: الشيخ عبد الرزاق عفيفي. الناشر: المكتب الإسلامي. الطبعة الثانية 1402 هـ. إحياء علوم الدين لأحمد بن محمد الغزالي أبو حامد، الناشر: دار المعرفة، بيروت. "اختلاف الفقهاء"، تأليف: أبو جعفر الطبري (310 هـ)، تحقيق: يوسف شاخت، لندن، 1933 م. "الاختيار لتعليل المختار" تأليف: عبد اللَّه بن محمود الموصلي الحنفي. الناشر: دار المعرفة - بيروت - لبنان.
الاختيارات الفقهية اختارها علي بن محمد بن عباس البعلي، اسم المؤلف: أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، دار النشر: مكتبة الرياض الحديثة، الطبعة الأولى، 1418 هـ. "الآداب الشرعية" والمنح المرعية، تأليف: الامام أبي عبد اللَّه محمد بن مفلح المقدسي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1417 هـ، الطبعة: الثانية. إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، تأليف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني، الناشر: دار الفكر، بيروت، 1412 هـ، الطبعة الأولى. "إرواء الغليل" في تخريج أحاديث منار السبيل، تأليف: محمد ناصر الدين الألباني. الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1405 هـ. أسباب نزول القرآن، تأليف: الإمام أبي الحسن علي بن أحمد النيسابوري، الناشر: دار المعرفة، بيروت. "الاستخراج لأحكام الخراج". تأليف: عبد إلرحمن بن رجب الحنبلي (795 هـ)، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1409 هـ. الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر النمري القرطبي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة. الأولى، 2000 م. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تأليف: يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البر، الناشر: دار الجيل - بيروت - 1412، الطبعة: الأولى. أسد الغابة في معرفة الصحابة: لعز الدين بن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري (630 هـ) الناشر: د ار الفكر، بيروت، طبعة 1409 هـ. "أسنى المطالب" في شرح روض الطالب، تأليف: زكريا الأنصاري، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى 1422 هـ. أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك، تأليف: عبد الرحمن ابن محمد بن عسكر المالكي البغدادي، الناشر: دار الفكر، الطبعة الأولى، 2000 م. الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، تأليف: الشيخ
زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم (970 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: 1400 هـ. "الأشباه والنظائر" في قواعد وفروع فقه الشافعية: للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان: الطبعة الأولى 1403 هـ. الإشراف على مذاهب العلماء، تأليف: أبي بكر محمد بن المنذر (318 هـ)، الناشر: مكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة، الطبعة الأولى، 1425 هـ. الإصابة في تمييز الصحابة: للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1415 هـ. أصول اعتقاد أهل السنة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين من بعدهم، تأليف: الإمام الحافظ أبي القاسم هبة اللَّه بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي، دار طيبة، الطبعة الرابعة، 1416 هـ. أصول البزدوي المسمى كنز الوصول إلى معرفة الأصول، تأليف: علي بن محمد البزدوي الحنفيى، الناشر: مطبعة جاويد بريس - كراتشي. أصول السنة، تأليف: أبي عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الناشر: دار المنار الخرج، الطبعة الأولى، 1411 هـ. أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام محمد بن الحسن، تأليف: عثمان جمعة ضميرية، الناشر: دار المعالي، الأردن، الطبعة الأولى، 1419 هـ. أصول الفقه الإسلا مي، تأليف: وهبة الزحيلي، الناشر: دار الفكر المعاصر للطباعة والنشر والتوزيع، 1998 م. الأصول من علم الأصول، تأليف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (1421 هـ)، الناشر: دار ابن الجوزي، الطبعة: طبعة عام 1426 هـ. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، تأليف: محمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1415 هـ، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات.
إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين، تأليف: أبي بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت. الاعتبار في "الناسخ والمنسوخ"، تأليف: أبو بكر محمد الحازمي، (584 هـ) الناشر: دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الطبعة: الثانية، 1359 هـ الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، تأليف: خير الدين الزركلي. الناشر: دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية عشر، 1997 م. إعلام الموقعين عن رب العالمين: لابن قيم الجوزية (751 هـ) ي، الناشر: دار الحديث - القاهرة الطبعة الأولى 1414 هـ. الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية، تأليف: سامي بن خالد الحمود [بحث ماجستير في الفقه وأصوله من قسم الثقافة الإسلامية بكلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض] الإفصاح في معاني الصحاح، تأليف: الوزير أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الشيباني، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1423 هـ، الطبعة: الأولى. "الإقناع في مسائل الإجماع"، تأليف: الحافظ أبي الحسين علي بن القطان الفاسي، الناشر، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1424 هـ. "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم"، تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض. "الإقناع" في مسائل الإجماع"، تأليف: أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر (318 هـ)، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض. الطبعة الثالثة 1418 هـ. "الإقناع" في حل ألفاظ أبي شجاع، تأليف: محمد الشربيني الخطيب، دار النشر: دار الفكر، بيروت، 1415 هـ. إكمال المعلم "شرح صحيح مسلم"، تأليف: العلامة القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي (544 هـ)، الناشر: دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى، 1419 هـ.
الأم، تأليف: محمد بن إدريس الشافعي (204 هـ) الناشر: دار المعرفة، بيروت. الأمان وأحكامه في الشريعة الإسلامية، تأليف: السيد حسن صقر زايد، رسالة دكتوراه بكلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر، بالقاهرة، 1980 م. الأموال، تأليف: أبو عبيد القاسم بن سلام، الناشر: دار الفكر، بيروت، 1408 هـ. الأموال لابن زنجويه، تأليف: أبو أحمد حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبد اللَّه الخرساني المعروف بابن زنجويه (المتوفى: 251 هـ)، بدون معلومات نشر. "الإنجاد في أبواب الجهاد"، تأليف: أبي عبد اللَّه محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ الأزدي القرطبي المعروف بابن المناصف، الناشر: دار الإمام مالك ومؤسسة الريان، الطبعة الأولى، 2005 م. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تأليف: علاء الدين أبي الحسن المرداوي (885 هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي. بيروت، الطبعة الثانية. "أنيس الفقهاء" في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، تأليف: قاسم بن عبد اللَّه بن أمير علي القونوي، الناشر: دار الوفاء، جدة، 1406 هـ، الطبعة: الأولى. أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية، تأليف: د. علي نفيع العلياني، الناشر: دار طيبة، الرياض، 1405 هـ. أوجز المسالك إلى موطأ مالك، تأليف: محمد زكريا الكاندهلوي، الناشر: المكتبة الإمدادية، مكة، 1404 هـ. الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف: لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري. الناشر: دار طيبة للنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1413 هـ. الإيمان الأوسط، تأليف: شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، الناشر: دار طيبة للنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1422 هـ. "البحر الرائق" شرح كنز الدقائق: للإمام العلامة الشيخ محمد بن حسين بن علي الطوري القادري الحنفي. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1418 هـ.
البحر المحيط في أصول الفقه، تأليف: بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد اللَّه الزركشي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1421 هـ، الطبعة: الأولى. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: تأليف: الإمام علاء الدين أبي بكر الكاساني الحنفي ت (587 هـ). الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت. الطبعة الأولى 1417 هـ. بداية المبتدي في فقه الامام أبي حنيفة، تأليف: برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني، الناشر: مكتبة ومطبعة محمد علي صبح، القاهرة. "بداية المجتهد" ونهاية المقتصد: تأليف الامام أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (595 هـ) الناشر: دار القلم - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1408 هـ. البداية والنهاية للإمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل ابن كثير (774 هـ). الناشر: دار المعرفة، بيروت. الطبعة الثانية، 1417 هـ. البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، تأليف: العلامة محمد بن علي الشوكاني، الناشر: دار المعرفة، بيروت. "البدر المنير" في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير، تأليف: ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي الشافعي المصري (المتوفى: 804 هـ)، الناشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1425 هـ. بلغة السالك بلغة السالك لأقرب المسالك على مذهب الامام مالك: تأليف الشيخ أحمد بن محمد الصاوي المالكي. على الشرح الصغير: للقطب الشهير أحمد بن محمد الدردير. الناشر: دار المعرفة، بيروت، طبعة 1409 هـ. بلوغ المرام من أدلة الأحكام، تأليف: الحافظ ابن حجر العسقلاني (852 هـ). الناشر: مكتبة السوادي، جدة. الطبعة الأولى 1413 هـ. "البناية" في شرح الهداية: لأبي محمد محمود بن أحمد العيني. الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1411 هـ. "البهجة في شرح التحفة"، تأليف: أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1418 هـ.
البيان في مذهب الإمام الشافعي، تأليف: يحي العمراني الشافعي (558 هـ)، الناشر: دار المنهاج، بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ. البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، تأليف: أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (450 هـ)، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1408 هـ. تاج العروس تاج العروس من جواهر القاموس، تأليف: محمد الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى الزَّبيدي، الناشر: دار الهداية. التاج والإكليل لمختصر خليل: لأبي عبد اللَّه محمد بن يوسف المواق (897 هـ) بهامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للخطاب. الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1416 هـ. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408 هـ. تاريخ بغداد، تأليف: الحافظ أحمد بن علي الخطيب البغدادي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت. تاريخ الطبري: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (310 هـ)، الناشر: دار المعارف. الطبعة الرابعة. تاريخ قضاة الاندلس (المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا)، تأليف: أبو الحسق بن عبد اللَّه بن الحسن النباهي المالقي الأندلسي، الناشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت، الطبعة: الخامسة، 1403 هـ. تأويل مختلف الحديث، تأليف: عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة أبو محمد الدينوري، الناشر: دار الجيل، بيروت، 1393 هـ. تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام: تأليف: الإمام برهان الدين بن فرحون المالكي. اعتنى به الشيخ جمال مرعشلي. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت لبنان. الطبعة الأولى 1416 هـ. التبيان في آداب حملة القرآن، تأليف: أبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي، دار النشر: الوكالة العامة للتوزيع، دمشق، الطبعة: الأولى. 1403 هـ.
"تبيين الحقائق" شرح كنز الدقائق: للعلامة فخر الدين عثمان الزيلعي الحنفي. الناشر: دار الكتاب الإسلامي. الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى ببولاق مصر المحمية 1314 هـ. تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، تأليف: محمد بن إبراهيم بن حماعة، الناشر: دار الثقافة بتفويض من رئاسة المحاكم الشرعية بقطر، الدوحة، الطبعة: الثالثة 1408 هـ. "تحرير ألفاظ التنبيه"، تأليف: يحيى بن شرف بن مري النووي أبو زكريا، الناشر: دار القلم، دمشق، الطبعة: الأولى، 1408 هـ. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: للإمام أبي العلا محمد عبد الرحمن المباركفوري (1353 هـ)، الناشر: دار الفكر، بيروت، 1415 هـ. تحفة الفقهاء: لعلاء الدين السمرقندي (539 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. الطبعة الثانية 1414 هـ. "تحفة المحتاج" لشرح المنهاج، تأليف: أحمد بن حجر الهيتمي (974 هـ)، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 315 هـ. تذكرة الحفاظ، تأليف: أبي عبد اللَّه شمس الدين محمد الذهبي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك، تأليف: المؤلف: عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين، الناشر: دار ابن الجوزي، الدمام، 1415 هـ. التشريع الجنائي في الإسلام مقارنًا بالقانون الوضعي، تأليف: عبد القادر عودة (المتوفى: 1373 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية. "التعريفات" للجرجاني علي بن محمد بن علي (816 هـ)، الناشر: دار الريان للتراث. التعريف بالأنساب والتنويه بذوي الأحساب، تأليف: أحمد بن محمد بن إبراهيم الأشعري القرطبي الحنفي (المتوفى: 550 هـ)، بدون معلومات نشر. تفسير البحر المحيط لأبي حيان، محمد بن يوسف الأندلسي (654 هـ)، الناشر:
مكتبة النصر الحديثة. تفسير القرآن العظيم: للإمام الحافظ عماد الدين، أبو الفداء إسماعيل بن كثير (774 هـ) الناشر: دار عالم الكتب - الرياض. الطبعة الخامسة 1416 هـ - 1996 م. التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، تأليف: فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى 1421 هـ. تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، تأليف: نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1416 هـ. تقريب التقريب، تأليف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، الناشر: دار الرشيد. تقريب التهذيب، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار النشر: دار الرشيد - سوريا - 1406 هـ، الطبعة الأولى. التقرير والتحرير في علم الأصول، تأليف: ابن أمير الحاج، الناشر: دار الفكر، بيروت، 1417 هـ. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: لابن حجر العسقلاني (852 هـ) الناشر: دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ. التلقين في الفقه المالكي: للقاضي أبو محمد عبد الوهاب البغدادي المالكي، الناشر: المكتبة التجارية، مصطفى أحمد الباز، مكة المكرمة. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: تأليف الإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر، الناشر: مكتبة الأوس - المدينة المنورة. التنبيه في الفقه الشافعي، تأليف: إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز أبادي الشيرازي أبو إسحاق. الناشر: عالم الكتب، بيروت، 1403 هـ، الطبعة الأولى. "تنقيح التحقيق" في أحاديث التعليق، تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي (744 هـ)، الناشر: أضواء السلف، الرياض، الطبعة لأولى، 1428 هـ. تهذيب الأسماء واللغات للإمام: أبي زكريا محيي الدين ابن شرف النووي (676 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.
تهذيب التهذيب: للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ) الناشر: دار الفكر. الطبعة الأولى 1404 هـ. تهذيب المدونة، تأليف: أبو سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني، بدون معلومات نشر. توضيح الأحكام من بلوغ المرام: تأليف: عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام. الناشر: مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة - مكة المكرمة. الطبعة الثانية 1414 هـ. الثقات، تأليف: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، الناشر: دار الفكر الطبعة: الأولى، 1395 هـ. ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، تأليف: أبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي، الناشر: دار المعارف، القاهرة. جامع الأمهات، تأليف: جمال الدين بن الحاجب المالكي، الناشر: اليمامة. "جامع البيان" في تاويل القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (310) هـ الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1412 هـ - 1992 م. جامع الرسائل والمسائل لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، الناشر: محمد رشاد سالم في مصر. الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد اللَّه محمد بن أحمد القرطبي (671 هـ). الناشر: دار الكتاب العربي. الطبعة الأولى 1418 هـ. جمهرة اللغة، تأليف: أبي بكر محمد بن الخسن بن دريد (321 هـ)، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى، 1988 م. جهاد الأعداء ووجوب التعاون بين المسلمين: تأليف: الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (1376 هـ) الناشر: دار ابن القيم - الدمام. طبعة 1411 هـ. الجهاد في الاسلام كيف تفهمه؟ وكيف نمارسه؟ الدكتور: محمد سعيد رمضان البوطي الناشر: دار الفكر المعاصر، بيروت. الطبعة الأولى، 1414 هـ. الجهاد في الإسلام بين الطلب والدفاع: صالح اللحيدان. الناشر: دار الصميعي - الرياض. الطبعة الخامسة 1418 هـ.
الجهاد والقتال في السياسة الشرعية الجهاد والقتال في السياسة الشرعية: د. محمد خير هيكل. الناشر: دار البيارق - بيروت - لبنان. الطبعة الثانية 1417 هـ. جواهر الإكليل شرح مختصر خليل، تأليف: صالح بن عبد السميع الأبي الأزهري، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، 1900 م. "جواهر العقود"، تأليف: شمس الدين الأسيوطي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. الجواهر المضية في طبقات الحنفية: لمحيي الدين أبي محمد عبد القادر بن محمد (775 هـ). الناشر: مؤسسة الرسالة. الطبعة الثانية 1413 هـ. الجوهر النقي في الرد على البيهقي، تأليف: علاء الدين علي بن عثمان، الشهير بابن التركماني (المتوفى: 750 هـ). الطبعة الهندية مع السنن الكبرى سنة 1352 هـ. "الجوهرة النيرة"، تأليف: أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني الزَّبِيدِيّ (855 هـ)، بدون معلومات نشر. حاشية ابن القيم على سنن أبي داود، تأليف: أبو عبد اللَّه شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1415 هـ. حاشية الخرشي: للإمام محمد بن عبد اللَّه الخرشي المالكي (1101 هـ) على مختصر سيدي خليل: للإمام خليل بن إسحاق المالكي ت (767 هـ) وفي الهامش حاشية العدوي على الخرشي. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1417 هـ. حاشية الدسوقي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: للعلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقي وبهامشه تقريرات العلامة المحقق: محمد عليش. الناشر: دار الفكر- بيروت - لبنان. "حاشية الروض المربع" شرح زاد المستقنع: جمع: عبد الرحمن بن محمد قاسم العاصمي النجدي الحنبلي (1392 هـ). حاشية الرملي، تأليف: شمس الدين بن أحمد بن حمزة، الناشر: مطبعة المشهد الحسيني.
حاشية الشرقاوي على التحرير، تأليف: عبد اللَّه بن حجازي الشرقاوي، الناشر: المطبعة العامرة، 1290 هـ. حاشية الصاوي على الشرح الصغير، تأليف: أحمد بن محمد الصاوي، الناشر: دار المعارف، القاهرة، 1375 هـ. حاشية العدوى: للشيخ علي بن أحمد العدوي، على الخرشي بهامش حاشية الخرشي. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1417 هـ. حاشية العطار على جمع الجوامع، تأليف: حسن العطار، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 هـ. حاشية رد المختار على "الدر المختار" = رد المحتار. حاشية قليوبي وعميرة: شهاب الدين أحمد بن أحمد القليوبي (1069 هـ) وشهاب الدين أحمد عميرة (957 هـ) على كنز الراغبين: للإمام جلال الدين محمد المحلى ت (864 هـ) شرح منهاج الطالبين: للإمام يحيى بن شرف النووي. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1417 هـ. الحاوي الكبير الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي -رضي اللَّه عنه- وهو شرح مختصر المزني: تصنيف أبي الحسن علي بن محمد حبيب الماوردي، الناشر: دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان. الطبعة الأولى: 1414 هـ. الحاوي للفتاوي في الفقه وعلوم التفسير والحديث والأصول والنحو والإعراب وسائر الفنون، تأليف: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى 1421 هـ. حجة اللَّه البالغة، تأليف: الإمام أحمد المعروف بشاه ولي اللَّه ابن عبد الرحيم الدهلوي، الناشر: دار الكتب الحديثة، القاهرة. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، تأليف: أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصبهاني، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة: الرابعة، 1405 هـ. الخراج: للقاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم، صاحب الإمام أبي حنيفة (183 هـ) الناشر: دار المعرفة - بيروت - لبنان.
الخراج، تأليف: يحيى بن آدم القرشي، الناشر: المكتبة العلمية، لاهور، 1974 م، الطبعة: الأولى. "الخراج وصناعة الكتابة"، تأليف: قدامة بن جعفر، الناشر: دار الرشيد، العراق، الطبعة: الأولى. الخصائص الكبرى، تأليف: أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن أبي بكر السيوطي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 هـ. "الدر المختار" شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة، تأليف: محمد علاء الدين بن علي الحصكفي (1088 هـ)، الناشر: دار الفكر، بيروت، 1386 هـ. در المنتقى شرح الملتقى، تأليف: الحصكفي، بهامش مجمع الأنهر، دار الطباعة، القاهرة، 1328 هـ. الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي. تأليف: يوسف بن حسن بن عبد الهادي، ابن المبرد، الناشر، دار المجتمع، جدة، الطبعة الأولى، 1411 هـ. الدرر السنية في الكتب النجدية، تأليف: علماء نجد الأعلام من عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى عصرنا هذا، الطبعة: السادسة، 1417 هـ. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تأليف: الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر أباد، الطبعة: الثانية. 1392 هـ. "دستور العلماء" أو جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، تأليف: القاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1421 هـ. الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية. المؤلف: د. محمد بن ناصر الشثري، الناشر: دار الحبيب، الرياض. دلائل النبوة، تأليف: الإمام البيهقي (458 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1408 هـ. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تأليف: إبراهيم بن علي بن
محمد بن فرحون اليعمري المالكي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. الذخيرة: لشهاب الدين بن أحمد بن إدريس القرافي (684 هـ)، الناشر: دار الإسلام - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1994 م. ذيل طبقات الحنابلة: للشيخ الامام زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن رجب (795 هـ) الناشر: دار المعرفة - بيروت. رؤوس المسائل: للعلامة جار اللَّه أبي القاسم الز مخشري (538 هـ). الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1407 هـ. رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: لأبي عبد اللَّه محمد بن عبد الرحمن العثماني الدمشقي (780 هـ)، شركة مصطفى البابي الحلبي، بمصر، الطبعة الثانية 1386 هـ. رد المحتار رد المحتار على "الدر المختار" شرح تنوير الأبصار: لمحمد أمين الشهير بابن عابدين، مع تكملة ابن عابدين لنجل المؤلف، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1415 هـ. الرسالة، تأليف: الامام الحجة محمد بن إدريس الشافعي، الناشر: دار الكتب العلمية. رسالة التوحيد، تأليف: محمد عبده، الناشر: مطابع دار الكتاب العربي، 1966 م. رفع الإصر عن قضاة مصر، تأليف: شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الأولى 1418 هـ. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تأليف: العلامة أبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت. "روضة الطالبين" وعمدة المفتين: للإمام محي الدين بن شرف النووي. الناشر: المكتب الاسلامي. الطبعة الثالثة 1412 هـ. الروضة الندية شرح الدرر البهية، تأليف: أبو الطيب محمد صديق خان القِنَّوجي (1307 هـ) الناشر: دار المعرفة.
"زاد المسير" في علم التفسيرة للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (597 هـ) الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت - لبنان. الطبعة الرابعة 1407 هـ. زاد المعاد في هدي خير العباد: للإمام شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (751 هـ). الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت. الطبعة الثلاثون 1417 هـ. "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي"، تأليف: محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري الهروي أبو منصور، الناشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، الطبعة: الأولى، 1399 هـ. الزهد، تأليف: عبد اللَّه بن المبارك بن واضح المرزوي أبو عبد اللَّه، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام: للشيخ الإمام محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني (1182 هـ). الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. الطبعة التاسعة 1417 هـ. سراج الملوك، تأليف: أبو بكر محمد بن محمد ابن الوليد الفهري الطرطوشي المالكي (520 هـ)، بدون معلومات نشر. سلسلة الأحاديث الصحيحة محمد ناصر الدين الألباني (1420 هـ) الناشر: مكتبة المعارف - الرياض. طبعة 1415 - 1995 م. السلسلة الأحاديث الضعيفة محمد ناصر الدين الألباني (1420 هـ) الناشر: مكتبة المعارف - الرياض. طبعة 1415 - 1995 م. سنن ابن ماجه بشرح الإمام أبي الحسن السندي (1138 هـ) وبحاشيته تعليقات مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة: للإمام البوصيري (840 هـ)، الناشر: دار المعرفة - بيروت، الطبعة الأولى 1416 هـ. سنن أبي داود: للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث (275 هـ)، الناشر: المكتبة العصرية، بيروت. سنن الدارقطني: تأليف: الإمام الحافظ علي بن عمر، الدارقطني (385 هـ). الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1417 هـ
سنن الدارمي: للإمام أبي عبد اللَّه بن بهرام الدارمي (255 هـ) الناشر: دار الفكر - بيروت. سنن النسائي للإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (303 هـ)، الناشر: دار المعرفة - بيروت. الطبعة الثالثة 1414 هـ. سنن سعيد بن منصور: للإمام سعيد بن منصور بن شعبة الخرساني المكي (227 هـ). الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. سنن الترمذي، الجامع الصحيح، تأليف: محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت. السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي، تأليف: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، الناشر: مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد، الطبعة: الأولى، 1344 هـ. السياسة الشرعية السياسة الشرعية: تأليف: شيخ الاسلام تقي الدين أحمد بن تيمية (728 هـ) من منشورات الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الطبعة الأولى 1412 هـ. سير أعلام النبلاء: للإمام شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (748 هـ) الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان. الطبعة الحادية عشرة 1417 هـ. السير الكبير، تأليف: محمد بن الحسن الشيبانى (189 هـ)، الناشر: شركة الإعلانات الشرقية، 1971 م. السيرة النبوية لابن هاشم. الناشر: المكتبة العلمية - بيروت - لبنان. السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: لمحمد بن علي الشوكاني، (1173 هـ). الناشر: لجنة إحياء التراث الإسلامي بوزارة الأوقاف المصرية، القاهرة 1415 هـ. شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، تأليف: محمد بن محمد مخلوف، الناشر: دار الفكر، بيروت. شذرات الذهب في أخبار من ذهب: للمؤرخ الفقيه أبي الفلاح عبد الحي بن العماد
الحنبلي (1089 هـ) الناشر: دار الفكر. شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه. تأليف: سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1416 هـ. شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك: تأليف: محمد بن عبد الباقي الزرقاني المصري الأزهري المالكى (1122 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1411 هـ. شرح الزركشي على مختصر الخرقي، تأليف: شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الزركشي المصري الحنبلي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى 1423 هـ. شرح السنة للإمام الحسين بن مسعود البغوي (516 هـ). الناشر: المكتب الإسلامي- بيروت - لبنان. الطبعة الثانية 1403 هـ. شرح السنة معتقد إسماعيل بن يحيى المزني، تأليف: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية، السعودية، الطبعة: الأولى، 1415 هـ. شرح كتاب السير الكبير: للإمام محمد بن حسن الشيباني ت (189 هـ) إملاء الإمام محمد بن أحمد السرخسى (490 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1417 هـ. الشرح الصغير: لأحمد بن محمد الدردير مع شرحه (بلغة السالك): للإمام الصاوي المالكي. الناشر: دار المعرفة - بيروت - لبنان. طبعة 1409 هـ. شرح العضد لمختصر المنتهى مع حاشية التفتازاني، الناشر: مكتبة "الكليات" الأزهرية، 1393 هـ. شرح "القواعد الفقهية"، تأليف: أحمد بن الشيخ محمد الزرقا، الناشر: دار القلم، دمشق، الطبعة: الثانية، 1409 هـ. الشرح الكبير تأليف الشيخ شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي. الناشر: دار الفكر. الشرح الكبير للرافعي فتح العزيز بشرح الوجيز، تأليف: عبد الكريم بن محمد
الرافعي القزويني (623 هـ). شرح الكوكب المنير: تأليف: العلامة محمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار (972 هـ). الناشر: مكتبة العبيكان، الرياض. الطبعة 1413 هـ. شرح المحلي على منهاج الطالبين، تأليف: جلال الدين المحلي، الناشر: شركة ومطبعة أحمد نبهان، الطبعة الرابعة، 1394 هـ. الشرح الممتع على زاد المستقنع: شرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين. الناشر: مؤسسة آسام للنشر - الرياض. الطبعة الرابعة 1416 هـ. شرح النووي على صحيح مسلم، تأليف: أبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1392 هـ. "شرح حدود ابن عرفة"، تأليف: محمد بن قاسم الأنصاري، أبو عبد اللَّه، الرصاع (894 هـ). بدون معلومات نشر. شرح صحيح البخاري، تأليف: أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثانية، 1423 هـ. "شرح فتح القدير"، تأليف: كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة: الثانية. شرح مختصر الخرقي - شرح الزركشي على مختصر الخرقي. شرح مختصر الروضة: تأليف: نجم الدين أبي الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي (716 هـ)، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى: 1407 هـ. "شرح مشكل الآثار"، تأليف: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: الأولى، 1408 هـ. شرح معاني الآثار، تأليف: أبو جعفر الطحاوي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1399 هـ. شرح منتهى الإرادات المسمى (دقائق أولى النهى لشرح المنتهى) تأليف: الشيخ منصور بن يونس البهوتي (1051 هـ) الناشر: عالم الكتب - بيروت - الطبعة الأولى 1414 هـ.
الشرح والإبانة عن أصول الديانة، تأليف: ابن بطة العكبري، الناشر: المكتبة الفيصلية، مكة. "شعب الإيمان"، تأليف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى 1410 هـ. الصارم المسلوك على شاتم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: تأليف: شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (728 هـ). الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1416 هـ. الصحاح، تأليف: إسماعيل بن حماد الجوهري، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، 1990 م. صحيح البخاري، تأليف: محمد بن إسماعيل أبو عبد اللَّه البخاري الجعفي، الناشر: دار ابن كثير، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1407 هـ. صحيح الترمذي تأليف: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة: الأولى، 1423 هـ. "صحيح الجامع" الصغير وزيادته (الفتح الكبير) تأليف: محمد ناصر الدين الألباني. الناشر: المكتب الاسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1408 هـ. صحيح سنن ابن ماجه تأليف: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة: الأولى، 1423 هـ. صحيح سنن أبي داود = صحيح الترمذي. صحيح سنن النسائي = صحيح الترمذي. صحيح مسلم، تأليف: مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت. الضعفاء الكبير، تأليف: أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلى (322 هـ)، الناشر: دار المكتبة العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1404 هـ. ضعيف الجامع، تأليف: محمد ناصر الدين الألباني. الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1408 هـ.
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، تأليف: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، الناشر: منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت. الطبقات الكبرى في البدريين من المهاجرين والأنصار، تأليف: ابن سعد. الناشر: دار الفكر، بيروت. طبعة 1405 هـ. طبقات الحنابلة: للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى. الناشر: دار المعرفة - بيروت. طبقات الشافعية، تأليف: أبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة: الأولى، 1407 هـ. طبقات الشافعية الكبرى، تأليف: تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1413 هـ. طبقات الفقهاء، تأليف: إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي أبو إسحاق، الناشر: دار القلم، بيروت. "طرح التثريب" في شرح التقريب، تأليف: زين الدين عبد الرحيم بن الحسيني العراقي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 2000 م. "طلبة الطلبة" في الاصطلاحات الفقهية، تأليف: الإمام نجم الدين أبي حفص عمر بن محمد النسفي (537 هـ). الناشر: دار النفائس، بيروت. الطبعة الأولى 1416 هـ. "عارضة الأحوذي" بشرح صحيح الترمذي: للإمام أبي بكر محمد عبد اللَّه المعروف بابن العربي المالكي (543 هـ) وضع حواشيه: الشيخ جمال مرغشلي. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1418 هـ. العدة في أصول الفقه أصول الفقه و"القواعد الفقهية"، تأليف: القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء (المتوفى: 458 هـ)، الطبعة: الثانية 1410 هـ. العذب الفائض شرح عمدة الفارض، تأليف: إبراهيم بن عبد اللَّه بن إبراهيم الفرضي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، تأليف: عبد اللَّه بن نجم ابن شلش (616 هـ)،
الناشر: دار الغرب الاسلامي، بيروت، 1415 هـ. العقد الفريد، تأليف: أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1420 هـ. العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، تأليف: عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1403 هـ. علماء نجد خلال ستة قرون، تأليف: عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام، الناشر: دار العاصمة، الرياض، 1419 هـ. "عمدة القاري" شرح صحيح البخاري، تأليف: بدر الدين محمود بن أحمد العيني، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت. العناية على "الهداية" بهامش "فتح القدير" لابن الهمام: للإمام كمال الدين محمد ابن محمود البابرتي (786 هـ) الناشر: إحياء التراث العربي، بيروت. "عيون المعبود" شرح سنن أبي داود: للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي. . . الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير: تأليف أبي الفتح محمد بن محمد اليعمري (734 هـ) الناشر: دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الأولى 1413 هـ. غاية السول في خصائص الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، تأليف: عمر بن علي الأنصاري الشهير بابن الملقن، الناشر: دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1414 هـ. غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، تأليف: محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الثانية 1423 هـ. "الغرة المنيفة" في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة، تأليف: عمر بن إسحق ابن أحمد الهندي الغزنوي، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، 1406 هـ. غياث الأمم والتياث الظلم، تأليف: عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجويني أبو المعالي، الناشر: دار الدعوة، الاسكندرية، الطبعة الأولى، 1979 م. فتاوى ابن الصلاح، تأليف: عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح. الفتاوى الكبرى الفقهية، تأليف: ابن حجر الهيتمي، الناشر: دار الفكر الفتاوى
المصرية. الفتاوي الهندية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان: تأليف: العلامة الهمام مولانا الشيخ نظام، وجماعة من علماء الهند الأعلام، وبهامشه فتاوى قاضيخان والفتاوى البزارية. الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الرابعة 1406 هـ. فتاوى محمد رشيد رضا، جمع صلاح الدين المنجد، الناشر: دار الكتاب الجديد، 1971 م. "فتح الباري" شرح صحيح البخاري: للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الثانية 1418 هـ. "فتح الباري" في شرح صحيح البخاري، تأليف: زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن شهاب الدين البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب، الناشر: دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة: الثانية، 1422 هـ. "فتح القدير" الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: تأليف محمد بن علي الشوكاني (1250 هـ) الناشز: دار الفكر - بيروت. طبعة 1403 هـ. "فتح القدير" للعاجز الفقير: للشيخ الإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد ابن الهمام. الناشر دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان. الفتح المبين في حل رموز ومصطلحان الفقهاء والأصوليين. تأليف: محمد ابراهيم الحفناوى، معلومات النشر: غير متوفرة. فتح المغيث شرح ألفية الحديث، تأليف: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، الناشر: دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة: الأولى، 1403 هـ. فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب، تأليف: زكريا بن محمد الأنصاري أبو يحيي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ. الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، تأليف: عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبو منصور، الناشر: دار الآفاق الجديدة، بيروت الطبعة الثانية، 1977 م.
الفروسية، تأليف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد اللَّه، الناشر؛ دار لأندلس، حائل، الطبعة: الأولى، 1414 هـ. الفروع ومعه تصحيح الفروع لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي، تأليف: محمد ابن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد اللَّه، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي (المتوفى: 763 هـ) الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1424 هـ. الفروق، تأليف: أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى بيروت، 1418 هـ. الفصول في الأصول، تأليف: أحمد بن علي الرازي الجصاص، الناشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، الطبعة: الأولى، 1405 هـ. الفصول في سيرة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، تأليف: الإمام أبى الفداء إسماعيل بن كثير، الناشر: دار عالم الكتب، القاهرة. الفقه الإسلامي وأدلته: د. وهبة الزحيلي. الناشر: دار الفكر - دمشق - سوريا. الطبعة الثالثة 1409 هـ. فقه الإمام أبي ثور، تأليف: سعدي حسين علي جبر، الناشر: دار الفرقان، الأردن، 1404 هـ. فقه الإمام الأوزاعي، تأليف: عبد اللَّه الجبوري، الناشر: مطبعة الإرشاد، بغداد، 1397 هـ. فقه السيرة، تأليف: محمد الغزالي، الناشر: دار القلم، دمشق، الطبعة: السابعة، 1998 م. الفوائد البهية في تراجم الحنفية، تأليف: محمد عبد الحي اللكنوي، مكتبة المصطفى، القاهرة، 1977 م. فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، تأليف: عبد العلي اللكنوي، الناشر: دار صادر، بيروت، 1322 هـ. الفواكه الدواني على رسالة أبن أبي زيد القيرواني: تأليف: العلامة الشيخ أحمد ابن غنيم بن سالم بن مهنا الأزهري المالكي (1126 هـ). الناشر دار الكتب العلمية -
بيروت - لبنان الطبعة الأولى 1418 هـ. فيض القدير شرح الجامع الصغير، تأليف: عبد الرؤوف المناوي، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة: الأولى، 1356 هـ. قاعدة في الانغماس في العدو وهل يباح، تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، الناشر: أضواء السلف، الرياض، 1422 هـ. القاموس المحيط: تأليف: محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (817 هـ) الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت. الطبعة السادسة 1419 هـ. قانون السلام في الإسلام، تأليف: محمد طلعت الغنيمي، الناشر: منشأة المعارف، الإسكندرية، 1988 م. قضايا فقهية في العلاقات الدولية حال الحرب: د. حسن أبو غدة. الناشر: مكتبة العبيكان، الرياض. الطبعة الأولى 1420 هـ. قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان، تأليف: أبي العباس أحمد بن علي القلقشندي. بدون معلومات نشر. القواعد في الفقه الإسلامي: للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي. الناشر: دار الجيل - بيروت - لبنان. الطبعة الثانية 1408 هـ. القوانين الفقهية: لمحمد بن أحمد بن جزي (741 هـ) الناشر: دار الفكر، بيروت. "الكافي في فقه الإمام أحمد" بن حنبل: تأليف شيخ الاسلام أبي محمد موفق الدين عبد اللَّه بن قدامة المقدسي (620 هـ) الناشر: المكتبة التجارية، مصطفى أحمد الباز، مكة المكرمة. الكافي في فقه أهل المدينة المالكي: تأليف: أبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي (463 هـ). الناشر: مكتبة الرياض الحديثة - الرياض. الطبعة الثالثة 1406 هـ. كتاب التوحيد: تأليف د. صالح بن فوزان الفوزان. سلسلة كتاب فرع جمعية البر - بشمال الرياض. الكشاف عن حقائق التنزيل، تأليف: أبي القاسم الزمخشري، الناشر، دار المعرفة، بيروت.
كشاف اصطلاح الفنون، تأليف: محمد بن علي التهانوني، الناشر: المؤسسة المصرية العامة للكتاب، 1382 هـ. كشاف القناع عن متن "الإقناع": للشيخ العلامة منصور بن يونس البهوتي الناشر: عالم الكتب، بيروت. الطبعة الأولى 1417 هـ. "كشف الأسرار" عن أصول فخر الإسلام البزدوي، تأليف: علاء الدين عبد العزيز ابن أحمد البخاري، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1418 هـ. كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، تأليف: إسماعيل بن محمد العجلوني، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: الرابعة، 1405 هـ. كفاية الأخبار في حل غاية الاختصار، تأليف: الإمام العلامة تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني. الناشر: دار الخير - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1412 هـ. كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني، تأليف: أبي الحسن المالكي، الناشر: دار الفكر، بيروت، 1412 هـ. "الكليات" معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تأليف: أبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1419 هـ. اللباب في تهذيب الأنساب، تأليف: علي بن محمد بن الأثير، الناشر: دار صادر، بيروت، 1400 هـ. اللباب في شرح الكتاب: تأليف: الشيخ عبد الغني الغنيمي الدمشقي الميداني الحنفي. الناشر: مكتبة الرياض الحديثة. اللباب في علوم الكتاب، تأليف: أبو حفص عمر بن علي ابن عادل الدمشقي الحنبلي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 هـ. لسان العرب: للإمام أبي الفضل جمال الدين محمد ابن منظور. الناشر: دار صادر - بيروت. مآثر الإنافة في معالم الخلافة، تأليف: أحمد بن عبد اللَّه القلقشندي، الناشر: مطبعة حكومة الكويت، الكويت، الطبعة: الثانية، 1985 م.
المبدع في شرح المقنع، لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي (884 هـ) الناشر: المكتب الإسلامي للطباعة والنشر. بيروت. الطبعة الأولى 1402 هـ. المبسوط لشمس الدين السرخسي. الناشر: دار المعرفة، بيروت، طبعة 1409 هـ. المجالسة وجواهر العلم، تأليف: أبو بكر أحمد بن مروان بن محمد الدينوري القاضي المالكي، الناشر: دار ابن حزم، بيروت الطبعة: الأولى، 1423 هـ. المجتمع النبوي في عهد النبوة، تأليف: أكرم ضياء العمري، الناشر: المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 1403 هـ. مجلة البحوث لهيئة كبار العلماء بالسعودية، العدد الثالث، نشر دار الإفتاء. مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، تأليف: عبد الرحمن بن محمد المدعو بشيخي زاده، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1419 هـ. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807 هـ) بتحرير الحافظين الجليلين: العراقي وابن حجر. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. طبعة 1408 هـ. المجموع شرح المهذب للشيرازي: للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي. حققه وأكمله: محمد نجيب المطيعي. الناشر: دار إحياء التراث العربي. مجموع الفتاوى مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (728 هـ) جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد العاصمي النجدي الحنبلي. الناشر: دار عالم الكتب - الرياض. طبعة 1412 هـ. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة: تأليف الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز (1425 هـ) جمع وإشراف: د. محمد بن سعد الشويعر. الطبعة الثانية 1416 هـ. مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، تأليف: علماء الدعوة النجدية، الناشر: مطبعة المنار، مصر، 1346 هـ. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تأليف: أبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 هـ.
المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد: تأليف الشيخ مجد الدين أبي البركات (652 هـ)، ومعه النكت والفوائد السنية: تأليف شمس الدين بن مفلح الحنبلي (763 هـ) الناشر: مكتبة المعارف - الرياض. الطبعة الثانية 1404 هـ. المحلى بالآثار: للإمام الجليل المحدث الفقيه الأصولي أبو محمد علي بن أحمد ابن سعيد بن حزم الأندلسي تحقيق: الدكتور: عبد الغفار سليمان البندري. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. المحيط البرهاني في الفقه النعماني، تأليف: محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن مازة البخاري أبو المعالي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1424 هـ. مختار الصحاح، تأليف: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، الناشر: مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1415 هـ. "مختصر اختلاف العلماء": تصنيف أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي. اختصار أبي بكر أحمد ابن علي الجصاص (370 هـ) دراسة وتحقيق: د. عبد اللَّه نذير أحمد. الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت - لبنان. الطبعة الثانية 1417 هـ. مختصر الإنصاف والشرح الكبير، تأليف: محمد بن عبد الوهاب، الناشر: مطابع الرياض، الرياض، الطبعة: الأولى. مختصر المزني، الناشر: دار المعرفة، بيروت، الطبعة: الثانية، 1393 هـ. المدونة الكبرى: لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس، رواية الإمام سحنون بن سعيد الناشر: دار صادر. طبعت بمطبعة السعادة بجوار محافظة مصر سنة 1323 هـ. مذكرة في أصول الفقه على روضة الناظر للعلامة ابن قدامة، تأليف: الشيخ محمد الأمين بن المختار الشنقيطي، الناشر: مكتبه العلوم والحكم، الرياض، 2001 م. "مراتب الإجماع" في العبادات والمعاملات والاعتقادات: للحافظ أبي محمد علي ابن أحمد بن سعيد بن حزم (456 هـ) ويليه نقد "مراتب الإجماع": لابن تيمية. الناشر: دار ابن حزم، بيروت. الطبعة الأولى 1419 هـ. مرقاة المفاتيح شرح "مشكاة المصابيح"، تأليف: علي بن سلطان محمد القاري، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1422 هـ.
مسائل الإمام احمد رواية حرب الكرماني، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض. مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية للمروزي، الناشر: مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة: الثانية، 2001 م. مسألة في المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة شرفها اللَّه تعالى لابن تيمية أحمد بن عبد الحليم، الناشر: أضواء السلف، الرياض، الطبعة الأولى، 1424 هـ. المستدرك على الصحيحين للإمام الحافظ أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الحاكم النيسابوري مع تضمينات الإمام الذهبي في التلخيص والميزان والعراقي في أماليه والمناوي في فيض القدير. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1411 هـ. المستصفى في علم الأصول، تأليف: محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1413 هـ. المستوعب في فقه الإمام أحمد، تأليف: محمد بن عبد اللَّه السامري، الناشر: مكتبة الأسدي، 1424 هـ. المسند للإمام أحمد بن حنبل، الناشر: دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى 1416 هـ. مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق ومثير الغرام إلى دار السلام في الجهاد وفضائله، تأليف: أبي زكريا أحمد بن إبراهيم المشهور بابن النحاس (814 هـ) الناشر: دار البشائر الإسلامية، بيروت. الطبعة الثانية 1417 هـ. مشارق الأنوار على صحاح الآثار، تأليف: القاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي المالكي، الناشر: المكتبة العتيقة ودار التراث. مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار: للإمام الحافظ أبي حاتم محمد بن حبان البستي (354 هـ) الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت. الطبعة الأولى 1408 هـ. "مشكاة المصابيح"، تأليف: محمد بن عبد اللَّه الخطيب التبريزي، الناشر: المكتب الاسلامي، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1985 م.
"المصباح المنير" في غريب الشرح الكبير للرافعي: تأليف العلامة أحمد بن محمد ابن علي المقري الفيومي (770 هـ) الناشر: دار الفكر. مصنف ابن أبي شيبة المصنف في الأحاديث والآثار: للحافظ عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة (235 هـ) الناشر: دار الفكر - بيروت. الطبعة 1414 هـ. "مصنف عبد الرزاق" للحافظ الكبير أبي بكر عبد الرزاق الصنعاني (211 هـ) الناشر: من منشورات المجلس العلمي. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، تأليف: مصطفى السيوطي الرحيباني، الناشر: المكتب الإسلامي، دمشق، 1961 م. "المطلع" على أبواب المقنع: تأليف أبي عبد اللَّه شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي (709 هـ) ومعه معجم ألفاظ الفقه الحنبلي. الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة 1401 هـ. معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، تأليف: محمَّد بنْ حسَيْن بن حَسنْ الجيزاني، الناشر: دار ابن الجوزي، الرياض، الطبعة الخامسة، 1427 هـ. معالم السنن شرح سنن أبي داود: تأليف: الإمام أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي (388 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. طبعة 1416 هـ. معجم البلدان: للإمام شهاب الدين أبي عبد اللَّه ياقوت الحموي (626 هـ). الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. المعجم الكبير، تأليف: أبي القسم سليمان بن أحمد الطبراني (360 هـ)، الناشر: وزارة الأوقاف، بغداد، 1398 هـ. معجم المؤلفين: لعمر رضا كحالة. الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى 1414 هـ. "معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء"، تأليف: نزيه حماد، الناشر: المعهد العالمي للفكر الإسلامي بأمريكا، 1414 هـ. "معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية"، تأليف: محمود بن عبد الرحمن بن عبد المنعم، الناشر: دار الفضيلة، القاهرة.
معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: تأليف الوزير أبي عبيد عبد اللَّه البكري الأندلسي (487 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. الطبعة الأولى 1418 هـ. المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس: تأليف القاضي عبد الوهاب البغدادي (422 هـ). الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة. المعيار المعرب عن فتاوى علماء أفريقيا والمغرب، تأليف: أحمد بن يحيي الونشريسي (914 هـ)، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1404 هـ. المغازي للواقدي، محمد بن عمر بن واقد (207 هـ)، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثالثة، 1404 هـ. المغني شرح مختصر الخرقي: لموفق الدين أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة المقدسي (620 هـ) الناشر: هجر للطباعة والنشر، القاهرة. الطبعة الثانية 1412 هـ. مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج: للشيخ شمس الدين محمد بن محمد الخطيب الشربيني. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. الطبعة الأولى 1415 هـ. مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل: للإمام العلامة جمال الدين يوسف بن الحسن بن عبد الهادي الحنبلي (909 هـ). الناشر: مكتبة طبرية، الرياض. الطبعة الأولى 1416 هـ. المغني عن حمل الأسفار، تأليف: أبي الفضل العراقي، الناشر: مكتبة طبرية، الرياض، الطبعة: الأولى، 1415 هـ. مفاتيح العلوم، تأليف: أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد بن يوسف الكاتب الخوارزمي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت. المفهم فيما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، تأليف: أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي (656 هـ)، الناشر: دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الأولى، 1417 هـ. مقاييس اللغة = معجم مقاييس اللغة، تأليف: أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، الناشر: دار الجيل، بيروت، الطبعة: الثانية، 1420 هـ.
المقدمات الممهدات لبيان ما اقتدته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات: تأليف أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (520 هـ) الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ. المقدمة لابن خلدون عبد الرحمن بن محمد، الناشر: دار القلم، بيروت، الطبعة: الخامسة، 1984 م. المقنع، تأليف: موفق الدين عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة المقدسي، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1400 هـ. "الملكية ونظرية العقد"، تالبف: محمد أبو زهرة، الناشر: دار الفكر العربي، بيروت، 1977 م. الملل والنحل = الفصل في الملل والأهواء والنحل، تأليف: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الطاهري، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة. الملل والنحل للشهرستاني محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر، الناشر: دار المعرفة، بيروت، 1404 هـ. منار السبيل في شرح الدليل: للشيخ إبراهيم بن ضويان. الناشر: مكتبة المعارف، الرياض. الطبعة الثانية 1405 هـ. مناقب الشافعي، تأليف: أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (458 هـ)، الناشر: دار التراث، القاهرة. المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، تأليف: فتحي الدريني، الناشر: الشركة المتحدة للتوزيع. "المنتقى شرح الموطأ"، تأليف: سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1332 هـ. "المنثور في القواعد"، تأليف: محمد بن بهادر بن عبد اللَّه الزركشي، الناشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، الطبعة: الثانية، 1405 هـ. منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل، تأليف: محمد عليش، الناشر: دار
الفكر، بيروت، 1409 هـ. منهاج السنة النبوية، تكيف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، الناشر: مؤسسة قرطبة، الطبعة: الأولى، 1406 هـ. منهاج الطالبين وعمدة المفتين، تأليف: يحيى بن شرف النووي أبو زكريا، الناشر: دار المعرفة، بيروت. المهذب في فقه الإمام الشافعي، تأليف: إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، الناشر: دار الفكر، بيروت. مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: لأبي عبد اللَّه محمد بن محمد الخطاب (954 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1416 هـ. الموسوعة الفقهية: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت. الموطأ للإمام مالك: صححه، ورقمه وخرج أحاديثه، وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي. "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد القاسم بن سلام، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض. نصب الراية لأحاديث الهداية: للإمام جماد الدين أبي محمد عبد اللَّه بن يوسف الزيلعي (762 هـ) الناشر: دار الحديث، القاهرة. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه على مذهب الإمام الشافعي: تأليف: شمس الدين بن أبي العباس الرملي الشهير بالشافعي الصغير (1004 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. طبعة 1414 هـ. النهاية في غريب الحديث والأثر، تأليف: لابن الأثير أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، الناشر: المكتبة العلمية، بيروت، 1399 هـ. نوادر الفقهاء، تأليف: محمد بن الحسن التميمي، الناشر: دار القلم دمشق، الطبعة الأولى، 1414 هـ. النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات، تأليف: أبي محمد عبد اللَّه بن أبي زيد القيرواني، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1999 م.
"نواسخ القرآن"، تأليف: عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى 1405 هـ. نيل الأوطار شرح منتتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار: للشيخ محمد بن علي الشوكاني (1250 هـ) الناشر: دار الحديث - القاهرة. طبعت بالمطبعة الأميرية سنة 1297 هـ. الهداية شرح بداية المبتدي، تأليف: أبي الحسن علي بن أبي بكر المرغيناني (593 هـ)، الناشر: المكتبة الإسلامية. النهاية في غريب الحديث والأثر: تأليف: الإمام مجد الدين أبي السعادات بن الأثير الجزري (606 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. الطبعة الأولى 1418 هـ. الوجيز في فقه الإمام الشافعي، تأليف: أبي حامد محمد بن محمد الغزالي، الناشر: شركة دار الأرقم، بيروت، الطبعة: الأولى، 1418 هـ. الوسيط في المذهب، تأليف: محمد بن محمد بن محمد الغزالي ت (505 هـ) الناشر: دار السلام، القاهرة، الطبعة الأولى 1417 هـ. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان (681 هـ). مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى 1367 هـ. * * *
المقدمة
المقدمة إن الحمد للَّه، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سئيات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فإن اللَّه تعالى أكرم هذه الأمة بخاتمة الشرائع والرسالات، وجعل شريعتها محكمة كاملة، حاضنة للأحكام السماوية كلها، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، فأعلنت حقوق الإنسان، وبينت طريق ممارستها واستعمالها، وأوضحت سبل حمايتها وإثباتها عند الاختلاف، حتى لا تضيع الحقوق، وتفتقد قيمتها. وقد يسر اللَّه لهذه الشريعة علماء أفذاذ خلّفوا للأمة ثروة علمية هائلة، جمعوا فيها أقوال أئمة الإسلام في شتى أنواع العلوم ومنها علم الفقه، وبينوا فيها أحكام المسائل وأدلتها التي استندت إليها، والمتأمل في ما اعتبره الأئمة من الأدلة، يجد أنهم جعلوا القرآن الدليل الأول في الاعتبار، ثم السنة، ثم الإجماع. ومن حرصهم على بيان الإجماع أنهم يذكرون المسألة، ثم يذكرون أدلتها التي استندت إليها، فإن كان دليلها من الإجماع ذكروا ذلك، سواء كان من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أو ممن جاء بعدهم من الأئمة. ولكون مسائل الإجماع كثيرة جدًا، ونقل الإجماع وحكايته يختلف باختلاف الأئمة في بعض المسائل الفقهية، كان لا بد من تحقيق مسائل
حدود البحث
الإجماع في الفقه الإسلامي. ولما كانت مسائل الإجماع كثيرة جدًا، بحيث لا يستطيع باحث أن يجمعها كلها لتكون أطروحته في مرحلة من مراحل التعليم العالي، لذا فقد تبنى هذا المشروع نخبة من طلاب الدراسات العليا قسم الثقافة الإسلامية بكلية التربية بجامعة الملك سعود، وأحببت أن يكون لي شرف الانضمام إليه، فتقدمت بهذا المخطط وعنوانه: (مسائل الإجماع في أبواب القضاء والشهادات والإقرار) - جمعًا ودراسة. حدود البحث: يتحدد البحث في المسائل التي حكي فيها الإجماع أو الاتفاق أو نفي الخلاف والمصطلحات ذات الصلة ومشتقاتها في أبواب القضاء والشهادات والإقرار حسب ترقيب زاد المستقنع وذلك من خلال الكتب المعتمدة في المشروع (¬1) وقد بلغت مسائل الإجماع في هذه الأبواب (ثلاثمائة وواحد وخمسين مسألة). مصطلحات البحث: 1 - القضاء: القضاء المراد بالبحث هنا هو المتعلق بفصل الخصومات وقطع المنازعات، والمبني على تبيين الأحكام الشرعية المنصوص عليها في الكتاب والسنة أو المبنية على اجتهاد القاضي والإلزام بها. وقد عرف الفقهاء القضاء بأنه: تبيين الحكم الشرعي، والإلزام به، وفصل الخصومات، بالأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة، حسمًا للتداعي، وقطعًا للتنازع (¬2). ¬
أهمية الموضوع وأسباب اختياره
2 - الشهادات: الشهادات جمع شهادة، وهي من أهم وسائل إثبات الحقوق والوقائع أمام القضاء، وتعتبر من أعظم الوسائل مكانة وأقدمها استعمالًا. وقد عرفها الفقهاء بأنها: إخبار الشخص بحق للغير على الغير بلفظ أشهد ونحوه (¬1). 3 - الإقرار: وهو سيد الأدلة قديمًا وحديثًا، وهو الفيصل الحاسم في إنهاء النزاع أمام القاضي، لأن المدعى عليه إذا أقر بالحق فإنه ينقطع النزاع ويصبح الحق المدعى به ظاهرًا، ويلتزم المقر بموجب إقراره. وقد عرفه الفقهاء بأنه: إخبار الشخص بحق على نفسه لآخر (¬2). أهمية الموضوع وأسباب اختياره: تبرز أهمية الموضوع من خلال ما يلي: - 1 - إن الإجماع هو المصدر الثالث من مصادر التشريع المتفق عليها، وهذا يدل على أهميته ومكانته في الفقه الإسلامي، مما جعلني أحاول الإسهام في دراسة منهجية علمية تخدم الإجماعات في أبواب القضاء وما يتبعه لا سيما وأنني من المنتسبين له. 2 - أن معرفة مسائل الإجماع وحصرها من أبواب القضاء وما يتبعه مما يعين القضاة ويساعدهم في الحكم على ما يعرض لهم من قضايا. 3 - إن معرفة الإجماع لها أثرها في اجتهاد المجتهد أو فتوى المفتي، وحكم القاضي، لا سيما أن العلماء يشترطون في بلوغ رتبة الاجتهاد ¬
أهداف البحث: تتلخص أهداف البحث فيما يلي
معرفة مواطن الإجماع. 4 - أن مسائل الإجماع التي حكيت في أبواب القضاء وما يتبعها كالشهادات والإقرارات كثيرة وتحتاج إلى دراسة وتحقق من صحتها، لاسيما وأنه لا توجد دراسة وافية لهذه المسائل تكون مرجعًا أصيلًا للباحثين. أهداف البحث: تتلخص أهداف البحث فيما يلي: 1 - جمع مسائل الإجماع الواردة في كتاب القضاء وما يتبعه من أبواب، ثم دراستها دراسة علمية وافية للخروج بنتائج، من أهمها: معرفة صحة انعقاد الاجماع من عدمه في هذه المسائل. 2 - بيان مستند الإجماع في مسائل أبواب البحث، مدى سلامته من المخالفة. 3 - بيان أن الفقه الإسلامي يحوي الكثير من المسائل التي هي محل إجماع أو اتفاق في جميع أبواب الفقه، ومن ذلك أبواب القضاء والشهادات والإقرار. 4 - تكوين حصيلة كلمية مناسبة، وذلك بالإطلاع على هذا العدد الوفير من مسائل الإجماع الواردة في كتب الفقه في شتى المذاهب. 5 - تسهيل وصول الباحثين من المتخصصين وغيرهم إلى مواضع الإجماع في الفقه في أبواب القضاء. أسئلة البحث: سيجيب البحث بإذن اللَّه تعالى على عدة أسئلة منها: 1 - ما مسائل الإجماع التي وقع فيها الاتفاق بين العلماء في أبواب القضاء والشهادات والاقرار؟ 2 - ما هى المسائل التى حكى فيها الإجماع فى الكتب محل البحث
منهج البحث فى الجمع والدراسة للموضوع
وحكاية الإجماع فيها غير صحيحة؟ 3 - ما مستند الإجماع في مسائل البحث وما مدى سلامته من المخالفة؟ 4 - ما جوانب الاتفاق التي وقعت بين الفقهاء في المسائل المتعلقة بأبواب القضاء والشهادات والإقرار؟ 5 - ما الحصيلة التي يكونها البحث عن مسائل الإجماع في كتب الفقهاء؟ 6 - ما الطريقة المناسبة للوصول إلى مواضع الإجماع في كتب العلماء؟ منهج البحث فى الجمع والدراسة للموضوع: سأقوم في دراستي بإتباع منهجين علميين: المنهج الاستقرائي، والمنهج الاستنباطي، وذلك باستقرائي مسائل الإجماع في موضوع البحث وجمعها ثم دراستها واستنباط الإجماع المعتبر من غير المعتبر. إجراءات البحث: أولًا: إجراءات الجمع: 1 - حصر جميع الإجماعات الواردة في المسألة موطن البحث من خلال الرجوع إلى جميع الكتب المعتمدة وما يلحق بها في هذا المشروع، مراعيًا في ذلك الطبعات المعتمدة لهذه الكتب في هذا المشروع، مع بذل الجهد في البحث والتقصي. 2 - أعنون المسألة التي حكي فيها الإجماع بصيغة مناسبة شاملة وأشرح إذا كانت تحتاج إلى شرح وتفصيل وتمييز عن غيرها من المسائل التي قد تشتبه بها. 3 - أذكر أول من ذكر الإجماع أو الاتفاق أو نفى الخلاف، ثم أذكر من نقله بعده مراعيًا الترتيب الزمني في ذلك.
4 - أذكر النص الذي حكي فيه الإجماع بعينه، وعند تكرار ذكر الإجماع لعالم واحد في المسألة الواحدة فإني أكتفي بذكر نص واحد هو أوضحها وأصرحها وأشير إلى بقية النصوص في الهامش بذكر الكتاب والجزء والصفحة. 5 - إذا كان العالم قد حكى عن غيره من أصحاب الكتب المعتمدة في المشروع كان ينقل ابن قدامة الإجماع عن ابن المنذر مثلًا، فإني أكتفي بذكر نص ابن المنذر، ثم أقول: ونقله عنه ابن قدامة. وكذلك إذا كانت صيغة الإجماع التي أتى بها المتأخر موافقة لصيغة الإجماع التي أتى بها من قبله ممن هم أصحاب الكتب المعتمدة في المشروع، مثال ذلك: إذا كانت صيغة الإجماع التي ذكرها ابن حزم موافقة للصيغة التي ذكرها ابن عبد البر أو قريبة منها فإني أذكر بعد ذكر نص الإجماع لابن عبد البر (وذكره بهذا النص ابن حزم). 6 - أذكر الإجماعات حسب الأبواب الفقهية على ترتيب متأخري الحنابلة وحسب ما تراه اللجنة المشكلة للتنسيق في هذا المشروع، وكذلك ترتيب المسائل داخل الأبواب. وإذا كانت المسألة يتناولها أكثر من باب فإني أذكرها في الباب الأول ثم تتم الإحالة عليها في الباب الذي بعده منعًا للتكرار. 7 - إذا لم يذكر علماء المذهب الفقهي صيغة الإجماع في المسألة إلا أنهم يتفقون في حكمها مع من نقل الإجماع فإني أبين ذلك من خلال الرجوع إلى كتابين -على الأقل- من كتبهم المعتبرة. 8 - أذكر مستند الإجماع من النصوص الشرعية إن علم، فإن لم يظهر ذلك فإني أذكره بطرق الاستنباط الأخرى مراعيًا أن تكون الصيغة شاملة ومختصرة.
ثانيا: إجراءات الدراسة
9 - عزو الآيات إلى سورها، وتخريج الأحاديث والآثار مع بيان درجة الحديث، وإذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما فأكتفي بتخريجه منهما أو من أحدهما دون الإشارة إلى من خرجه من غيرهما، أما بالنسبة لترجمة الأعلام غير المشهورين فسيكون في الهامش أو في آخر الرسالة حسب ما تراه اللجنة. ثانيًا: إجراءات الدراسة: 1 - بعد ذكر المسألة التي حكي فيها الإجماع أنظر هل يوجد نقض للإجماع؟ إما بالنص على أن الإجماع منقوض أو حكاية خلاف في هذه المسألة أو نحو ذلك. وأبذل جهدي في التحقق من المسألة التي لم يحك الإجماع فيها إلا عالم أو عالمان مع اشتهار أحدهما بالتساهل في حكاية الإجماع، ويكون ذلك بالرجوع إلى كتب الخلاف والتأكد من عدم وجود خلاف مذهبي في هذه المسألة. 2 - عند سلامة الإجماع أذكر النتيجة مع بيان تحقق الإجماع المحكي في المسألة من عدمه. 3 - إذا وجد خرق للإجماع سواء كان معتبرًا أو غير معتبر فإني أبذل جهدي في التحقق من هذا الخلاف وأذكر الخلاف المحكي في المسألة مع العزو إلى الكتب المعتبرة من الكتب المعتمدة في المشروع أو غيرها من المؤلفات الأخرى بحسب المذاهب الفقهية. وعند ذكر الخلاف في المسألة فإني أذكر الأدلة التي استدل بها المخالف من غير مناقشة وترجيح. وذلك حسب ما يقتضيه بحث المسألة. ثم بعد ذلك أبين ما يترجح لي في المسألة التي خرق فيها الإجماع وأذكر النتيجة مع بيان الأسباب التي جعلتني أعتمدها.
خطة البحث
خطة البحث: تتكون خطة البحث من مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة، وفهارس، وبيانها حسب التالي: المقدمة: وتشتمل على بيان لحدود البحث ومصطلحاته، وأهمية الموضوع وأسباب اختياره، مع الإشارة إلى الدراسات السابقة حوله، بالإضافة إلى بيان أهداف البحث والمنهج المتبع فيه، مع ذكر الإجراءات والطريقة التي سرت عليها بإذن اللَّه. • التمهيد: وفيه تعريف بالإجماع، وحجيته، وأهم أحكامه. الباب الأول مسائل الإجماع في كتاب القضاء وفيه تمهيد، وخمسة فصول: • التمهيد: التعريف بالقضاء. • الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب آداب القاضي. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب طريق الحكم وصفته. • الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب كتاب القاضي إلى القاضي. • الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب القسمة. • الفصل الخامس: مسائل الإجماع في باب الدعاوى والبينات. الباب الثاني مسائل الإجماع في كتاب الشهادات وفيه تمهيد، وفصلان: • التمهيد: التعريف بالشهادة وأهميتها في الإثبات. • الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب موانع الشهادة وعدد الشهود. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب اليمين في الدعوى.
الباب الثالث مسائل الإجماع في كتاب الإقرار وفيه تمهيد، وثلاثة فصول: • التمهيد: التعريف بالإقرار وأهميته في الإثبات. • الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب حجية الإقرار، ومن يصح إقراره. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الاستثناء من المقر به، وتفسير الإقرار. • الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب الإكراه على الإقرار. • الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج التي توصلت إليها في البحث، والتوصيات التى أرى أهميتها. • الفهارس: واختصرت الفهارس هنا إلي فهرس المصادر والمراجع والموضوعات حتي لا يطول الكتاب.
الباب الأول مسائل الإجماع في كتاب القضاء
الباب الأول مسائل الإجماع في كتاب القضاء ويشتمل هذا الباب على أربع فصول على النحو التالي: • الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب فضل وشروط وآداب القاضي. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب طريق الحكم وصفته. • الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب القسمة. • الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب الدعاوى والبينات.
التمهيد
التمهيد ويتضمن التعريف بالقضاء: القضاء لغة: مصدر قضى يقضي قضاء، وهو بمعنى الإحكام والإنفاذ: قال ابن فارس: القاف والضاد والحرف المعتل أصل صحيح يدل على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته، ولذلك سمي القاضي قاضيًا لأنه يُحكِمُ الأحكام ويُنفِّذها (¬1). وقال ابن منظور: أصل معناه: القطع والفصل، يقال: قضى يقضي قضاءً، إذا حكم وفصل، وقضاءُ الشيء: إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه. والقاضي القاطع للأمور المحكم لها (¬2). ومنه قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] أي حكم ربك ألا تعبدوا إلا إياه (¬3). وقوله تعالى: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [الشورى: 14] أي لفصل في الحكم بينهم (¬4). القضاء اصطلاحًا: تعددت عبارات الفقهاء فى تعريف القضاء تبعًا لاختلافهم في شمول النظر لمدلول القضاء وخصوصه. ومن هذه التعريفات: - 1 - تعريف الحنفية للقضاء: هو فصل الخصومات وقطع المنازعات على وجه مخصوص (¬5). ¬
أركان القضاء
2 - تعريف المالكية للقضاء: هو الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام (¬1). 3 - تعريف الشافعية للقضاء: هو إظهار حكم الشرع في الواقعة ممن يجب عليه إمضاؤه فيما يرفع إليه (¬2). 4 - تعريف الحنابلة للقضاء: هو تبيين الحكم الشرعي، والإلزام به، وفصل الخصومات (¬3). وهذه التعريفات متقاربة المعاني وكلها تفيد أن القضاء هو نظر القاضي في خصومة المترافعين وبيان الحكم الشرعي فيها وإلزام الخصوم به. أركان القضاء: الركن في اللغة: الجانب الأقوى من الشيء، وجمعه أركان وأركن. وفي الاصطلاح: ما لا يقوم الشيء إلا به (¬4). وأركان القضاء: هي أسسه التي يقوم عليها، وهي ستة أركان: الركن الأول: القاضي: بكسر الضاد، وجمعه قضاة؛ وهو من نصبه ولي الأمر لبيان الحكم الشرعي، والإلزام به، وفصل الخصومات. ويشترط أن يكون مسلما، عاقلا، ذكرا، حرا، مكلفا، عدلا، عالما، ¬
الركن الثاني: المقضي به
وهذه شروط صحة الولاية، كما يشترط له أن يكون سميعا، متكلما، بصيرا على الصحيح (¬1). الركن الثاني: المقضي به: وهو الحكم الذي يصدر عن القاضي لحسم النزاع، وقطع الخصومة، ويكون مستندة أدلة التشريع، فيشترط أن يكون قاطعا للخصومة منهيا للنزاع، مستندا لأدلة الشرع (¬2). الركن الثالث: المقضي له: وهو المحكوم له بحق طالب به بعد ثبوت استحقاقه لهذا الحق، ويشترط أن يكون المحكوم له ممن تجوز شهادة القاضي له (¬3). الركن الرابع: المقضي فيه: وهو الحق المطالب به، ويشترط أن يكون نظر القاضي قاصرا على الحقوق التي أوكل له النظر فيها، مما يقع فيه التنازع بين الناس ممن يتعلق بمصالح الأحوال الدنيوية، وأما ما يختص بمصالح الآخرة كالعبادات، فلا يدخلها القضاء (¬4). الركن الخامس: المقضي عليه: وهو كل من توجه الحق عليه، وألزم باستيفائه منه؛ سواء كان حاضرًا أم غائبا، واحدا، أم متعددا، ويشترط أن يكون المحكوم عليه ممن تجوز شهادته عليه (¬5). الركن السادس: كيفية القضاء: وهي الطرق التي يسلكها القاضي عند التقاضي سعيا لمعرفة الحق والحكم به، ويشترط أن تكون طرقا شرعية سالمة من الخلل والنقص (¬6). ¬
أهمية القضاء
أهمية القضاء: القضاء رتبة شريفة، ومنزلة رفيعة، فبه بعث الرسل، وبالقيام به قامت السموات والأرض، وهو من أقوى الفرائض بعد الإيمان باللَّه تعالى، وقد قام به اللَّه تعالى، وبعث به رسله عليه السلام، وقام به أئمة العدل بعدهم امتثالًا لأمره تعالى وتوجيهه، كلما في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44]، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} [النساء: 105]. والقضاء عبادة من أشرف العبادات التي يتقرب بها إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وتكون سببا جالبا لمحبته ورضوانه، يقول تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)} [المائدة: 42]. فأي شرف أعلى من محبة اللَّه تعالى وتمام رضوانه. وقد جعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من النعم التي يباح الحسد عليها فقد جاء من حديث عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه اللَّه مالا، فسلطه على هلكته في الحق، وأخر آتاه اللَّه الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها" (¬1)، ففي هذا الحديث ترغيب في ولاية القضاء لمن استجمع شروطه، وقوي على أعمال الحق، ووجد له أعوانًا، لما فيه من الأمر بالمعروف، ونصرة المظلوم، وأداء الحق لمستحقه، وكف يد الظالم والإصلاح بين الناس وكل ذلك من القربات (¬2). كما أن القضاء هو الطريق لإقامة العدل بين الناس ولا يستقيم حالهم إلا به دفعا للظلم وكبحا للشر، لأن الظلم في الطباع فلا بد من حاكم ¬
ينصف المظلوم من الظالم ويسى لإقامة العدل الذي هو قوام الأمر وحيلته الذي أمر اللَّه به في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90]. فبالقضاء تعصم الدماء وتسفح، والأبضاع تحرم وتنكح، والأموال يثبت ملكها ويسلب، والمعاملات يعلم ما يجوز منها ويحرم ويكره ويندب، لذا فإن أمر الناس لا يستقيم بدونه (¬1). وقد جاءت النصوص الشرعية في بيان خطر هذه الولاية، وعظيم شأنها، وأن القيام بها أمر ليس باليسير؛ فقد روى أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين" (¬2). وروى بريده بن الحصيب -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار" (¬3). وروت عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ليأتين على القاضي يوم يود أنه لم يقض بين اثنين في ثمره" (¬4). ¬
وقد جاء إلى جانب ذلك نصوص ترغب في العدل، والقيام به، من ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)} [المائدة: 42]. وقد روى عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فاخطأ، فله أجر" (¬1). وروى عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أن المقسطين عند اللَّه على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل -وكلتا يديه يمين-، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما لوا" (¬2). وبذا يظهر بجلاء أهمية القضاء، وأن أمر الخلق لا يستقيم بدونه؛ لان من طبعهم الشحناء والبغضاء، ولا بد لهم من قاض يفصل بينهم فيما أحدثوه من خلاف وشقاق ولا يتركون نهبا لخصوماتهم وأهوائهم. * * * ¬
الفصل الأول مسائل الإجماع في باب فضل وشروط وآداب القاضي
الفصل الأول مسائل الإجماع في باب فضل وشروط وآداب القاضي [1/ 1]: مشروعية نصب القضاة للحكم بين الناس • المراد بالمسألة: يشرع لولاة الأمر نصب القضاة للحكم (¬1) بين الناس وفصل الخصومات فيما بينهم لإعطاء كل ذي حق حقه. • من نقل الإجماع: ابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث قال: (وأجمع المسلمون على مشروعية نصب القضاة والحكم بين الناس) (¬2). ووافقه شمس الدين ابن قدامة باللفظ والمعنى (¬3). ابن الهمام (861 هـ) حيث ذكر حديث معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثه قاضيًا إلى اليمن. . . الحديث (¬4). ثم قال: (وعليه إجماع ¬
المسلمين) (¬1). شمس الدين الزركشي (794 هـ) حيث ذكر أدلة من الكتاب والسنة على مشروعية نصب القضاة للحكم بين الناس، ثم قال (مع أن هذا -وللَّه الحمد- إجماعًا) (¬2). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث قال: (الأصل فيه -أي تولي القضاء- قبل الإجماع آيات. . . ولأن طباع البشر مجبولة على التظالم (¬3) ومنع الحقوق) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26]. قوله تعالى مخاطبًا نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49]. قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء: 65]. • وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه وتعالى جعل الحكم بين الناس والفصل في الخصومات جزءًا من مهام الرسل عليهم السلام، والأمر للرسل أمر للخلفاء بعدهم (¬5). 1 - ما روي عن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-، أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر" (¬6). ¬
2 - ما روي عن معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه-: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما بعثه إلى اليمن، فقال: كيف تقضي؟ قال: أقضي بكتاب اللَّه. قال: فإن لم يكن في كتاب اللَّه؟ قال فبسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: فإن لم يكن في سنة رسول اللَّه؟ قال: أجتهد رأيي. قال: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الحمد للَّه الذي وفق رسول اللَّه لما يرضي رسول اللَّه" (¬1). 3 - أنه لما كان الظلم من عادة النفوس الإنسانية وجبلتها، كانت الحاجة ماسة لإنصاف المظلوم من الظالم، وإيصال الحق إلى مستحقه، وقطع المنازعات التي هي مادة الفساد وغير ذلك من المصالح والأمور التي فوّض القيام بها إلى الإمام الأعظم، ومعلوم أنه لا يمكنه القيام بما نصب له وذلك لعدم علمه، أو لانشغاله بأمور أخرى، فيحتاج إلى نائب يقوم مقامه في ذلك، وهو القاضي، لأنه مع عدم نصب القضاة يستبد كل برأيه ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على مشروعية نصب القضاة للحكم كل من الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). ¬
[2/ 1]: منصب القضاء فرض من فروض الكفاية
Rصحة ما نقل من الإجماع على مشروعية نصب القضاة للحكم بين الناس وذلك لعدم وجود مخالف. [2/ 1]: منصب القضاء فرض من فروض الكفاية • المراد بالمسألة: أن تولية الإمام للقضاة للحكم بين الناس من فروض الكفايات، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث قال: (القضاء والإمامة فرض كفاية بالإجماع) (¬1). شهاب الدين القرافي (682 هـ) فقد نقل الإجماع على جواز امتناع القاضي عن قبول القضاء إذا وجد غيره فكان فرض كفاية حيث قال: (وله أن يمتنع ويهرب، فلا يجب عليه القبول، وبهذا قال الأئمة، وتعينه بأن لا يكون في تلك الناحية من تصلح للقضاء سواه، فيحرم الامتناع لتعين الفرض عليه) (¬2). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (القضاء فرض كفاية بالإجماع) (¬3). ابن فرحون المالكي (799 هـ) حيث قال: (أما القضاء فهو فرض كفاية، ولا خلاف بين الأئمة في ذلك) (¬4). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن القضاء من فروض الكفاية) (¬5). ابن مفلح الدمشقي (884 هـ) حيث قال: وأجمع المسلمون على نصب القضاة للفصل بين الناس (وهو فرض كفاية) كالإِمامة (¬6). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (وهو فرض كفاية ¬
بالإجماع) (¬1). . زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث قال: (الفتوى والقضاء) أي توليه (فرض كفاية) في حق الصالحين له (كالإمامة) بالإجماع (¬2). سليمان البجيرمي (1221 هـ) نقلًا عن الغزالي حيث قال: (وتولي القضاء فرض كفاية بل هو أفضل فروض الكفايات حتى ذهب الغزالي إلى تفضيله على الجهاد للإجماع مع الاضطرار إليه لأن طباع البشر مجبولة على النظام وقلّ من ينصف من نفسه والإمام الأعظم مشتغل بما هو أهمّ منه فوجب من يقوم به) (¬3). أحمد القليوبي الشافعي (1069 هـ) حيث قال: (القضاء فرض كفاية في حق الصالحين له بالإجماع) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]، قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]، قوله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26]. • وجه الدلالة: إن في تلك الآيات أمرًا بالحكم والقضاء، ولا يمكن حمله على فرض العين لأن أكثر الناس ليسوا أهلًا للحكم، فلا بد من حمله على فرض الكفاية، لأن في القضاء نصرة للحق، وإظهارًا للعدل، ورفعًا للظلم، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر (¬5). 1 - ما روي عن عبد الرحمن بن سمرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا ¬
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ" (¬1). • وجه الدلالة: أن عدم الإكراه على الإمارة وكراهة سؤالها مبني على أنها من فروض الكفايات. 2 - قياس القضاء على الإمامة العظمى، للحاجة إليهما ولأن أمر الناس لا يستقيم بدونهما فكانا من فروض الكفايات. قال الإمام أحمد: "لابد للناس من حاكم، أتذهب حقوق الناس" (¬2). 3 - تولية القضاء من الإمام (فرض كفاية) في حق الصالحين له؛ أما كونه فرضًا فلقوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] ولأن طباع البشر مجبولة على التظالم ومنع الحقوق، وقلّ من ينصف من نفسه؛ ولا يقدر الإمام على فصل الخصومات بنفسه فدعت الحاجة إلى تولية القضاء. وأما كونه على الكفاية فلأنه أمر بمعروف أو نهي عن منكر فإذا كان تولية القضاء فرع على تولية الإمامة فينسحب حكم الإمامة على القضاء فيكون فرض كفاية (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • الخلاف في المسألة: نقل عون الدين ابن هبيرة المخالفة عن الإمام أحمد بن حنبل حيث قال: قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: هو من فروض الكفايات، ويتعين على المجتهد الدخول فيه إذا لم يوجد غيره، وقال أحمد في أظهر روايتيه: ليس هو من فروض الكفايات، ولا يتعين على المجتهد الدخول فيه وإن لم يوجد غيره، والرواية الأخرى كمذهب الباقين (¬4). وهذا الرواية ضعيفة جدا وقد قال المرداوي (وذكر فى الفروع رواية انه ليس فرض كفاية وهو ضعيف جدًا) (¬5) لذا لا يعول على الأخذ بها وقد انصبت هذه الرواية على دليل واحد نورده للاحاطة به دون قصد القدح وذلك على النحو التالي: • أدلة هذا القول: الوعيد والترهيب الوارد في أحاديث تولي القضاء، وهذا يدل على أنه ليس من فروض الكفايات ولا يتعين على المجتهد الدخول فيه وإن لم يوجد غيره (¬6).Rتحقق الإجماع فيما نقل من أن القضاء فرض من فروض الكفاية وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[3/ 1]: عظم فضل القضاء بالعدل.
[3/ 1]: عظم فضل القضاء بالعدل. • المراد بالمسألة: القضاء بالحق فريضة محكمة وسنة متبعة وهو من أقوى الفرائض بعد الإيمان باللَّه تعالى وهو من أشرف العبادات وهذا لأن في القضاء بالحق إظهار العدل وبالعدل قامت السموات والأرض (¬1). ولولا ذلك لفسد العباد وخربت البلاد وانتشر الظلم والفساد (¬2) لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه، وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به، وأداء الحق فيه، وذلك من أبواب القرب (¬3) لذلك فإن الحاكم إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: العز بن عبد السلام (660 هـ) حيث قال: (هل يتساوى أجر الحاكم والمفتي القائمين بوظائف الحكم والفتيا أم لا؟ فالجواب إن أجر الحاكم أعظم لأنه يفتي ويلزم فله أجران. . . . وأجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل الطاعات، وقال في موضع آخر: وعلى الجملة فالعادل من الأئمة والولاة والحكام أعظم أجرًا من جميع الأنام بإجماع أهل الإسلام) (¬4). النووي (676 هـ) حيث قال: (أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، فإن أصاب فله أجران أجر باجتهاده وأجر بإصابته، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده) (¬5). وأورده السيوطي بلفظه ومعناه (¬6). ¬
ابن حجر (974 هـ) حيث قال: (فإذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فحكم، ثم أخطأ فله أجر" وفي رواية صحيحة "فله عشرة أجور": وقد أجمع المسلمون على أن هذا في حاكم عالم مجتهد) (¬1). الرملي (1004 هـ) نقلا عن الغزالي: (بل هو أسْنَى فروض الكفايات حتى ذهب الغزالي إلى تفضيله على الجهاد وذلك للإجماع، مع الاضطرار إليه لأن طباع البشر مجبولة على التظالم، وَقَلَّ من يُنْصِفُ من نفسه، والإمام الأعظم مشتغل بما هو أهم منه فوجب من يقوم به، فإن امتنع الصالحون له أَثِمُوا وَأَجْبَرَ الإمام أحدهم) (¬2). . نقله عنه باللفظ والمعنى سليمان البجيرمي (¬3). الدمياطي البكوي (1300 هـ) حيث قال عند حديثه عن فضل القضاء: (أفضل فروض الكفايات للإجماع مع اضطرار الناس إليه، لأن طباع البشر مجبولة على التظالم) (¬4). • مستند الإجماع: ما روي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة، قيام ليلها، وصيام نهارها، وجور ساعة في حكم أشد وأعظم من معصية ستين سنة" (¬5) 2 - ما روي عن إِدريس الأَوْدِيِّ قال: أَخْرَجَ إِلَيْنَا سعيدُ بنُ أبي بُرْدَةَ كتابًا وقالَ: هَذَا كتابُ عُمَرَ إلى أبي موسى -رضي اللَّه عنهما-: أَمَّا بعدُ، فَإِنَّ القضاءَ ¬
فريضةٌ محكمةٌ وسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، افْهَمْ إذَا أُدْلِيَ إليكَ، فَإِنَّهُ لا يَنْفَعُ كلمةُ حَقَ لا نَفَاذَ لهُ، آسِ بينَ الناسِ في وَجْهِكَ ومَجْلِسِكَ وعَدْلِكَ، حَتَّى لا يَطْمَعَ شريفٌ في حَيْفِكَ، ولا يخافَ ضعيفٌ مِنْ جَوْرِكَ (¬1). 3 - ما رواه البخاري من حديث ابن مسعود عن النبي عليه الصلاة والسلام (لا حَسَدَ إلا في اثْنتينِ: رَجلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فسُلِّطَ على هَلَكَتِهِ في الحقِّ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ الحكمةَ فهُوَ يَقْضي بها ويُعَلِّمُها) (¬2). 4 - ما جاء عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أنه عليه الصلاة والسلام قال: "أَتَدْرُونَ مَنِ السّابِقُونَ إِلَى ظِلِّ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: "الذينَ إِذَا أُعْطُوا الحَقَّ قَبِلُوهُ، وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ كَحُكْمِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ" (¬3). • وجه الدلالة: أن أمر الناس لا يستقيم بدونه، فكان واجبا عليهم، كالجهاد والإمامة. . . ولذلك جعل اللَّه فيه أجرًا مع الخطأ، وأسقط عنه حكم الخطأ، ولأن فيه أمرًا بالمعروف، ونصرة المظلوم، وأداء الحق إلى مستحقه، وردا للظالم عن ظلمه، وإصلاحًا بين الناس، وتخليصًا لبعضهم من بعض، وذلك من أبواب القرب (¬4). ¬
[4/ 1] الحاكم العالم مأجور عند الله على اجتهاده
• الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على عظم فضل القضاء وذلك لعدم وجود المخالف. [4/ 1] الحاكم العالم مأجور عند اللَّه على اجتهاده • المراد بالمسألة: أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب له أجران وإذا اجتهد فأخطأ له أجر ولكن يشترط أن يكون من أهل العلم وإلاجتهاد، أما إن لم يكن كذلك فهو آثم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القاضي عياض (544 هـ) حيث قال: (وإذا اجتهد الحاكم ثم حكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فحكم ثم أخطأ فله أجر، قال أهل العلم: وهو ما لا خلاف فيه، ولا شك أن هذا إنما هو في الحاكم العالم الذي يصح منه الاجتهاد) (¬5). ابن حجر (974 هـ) حيث قال: (فإذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فحكم، ثم أخطأ فله أجر، وقد أجمع المسلمون على أن هذا في حاكم عالم مجتهد، أما غيره فآثم) (¬6). ¬
النووي (676 هـ) حيث قال: (قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، فإن أصاب فله أجران أجر باجتهاده وأجر بإصابته، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده) (¬1). الشربيني (977 هـ) حيث قال: (أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، إن أصاب فله أجران باجتهاده وإصابته، وإن أخطأ فله أجر في اجتهاده في طلب الحق أما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له أن يحكم، وإن حكم فلا أجر له بل هو آثم ولا ينفذ حكمه سواء أوافق الحق أم لا لأن إصابته اتفاقية) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]. • وجه الدلالة: ان الكتاب والسنة عمدة بناء الأحكام ومعرفتهما وما يستلزم للحكم بهما واجب للحكم ومخالفتهما معصية للَّه عز وجل تستوجب رد الحكم (¬3). قول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "القضاة ثلاثة، قاضيانِ في النارِ وقاضٍ في الجنةِ. فأما الذي في الجنةِ فرجلٌ عرفَ الحقَّ وقضَى بهِ، واللذانِ في النارِ رجلٌ عرفَ الحقَّ فجارَ في الحقِّ، ورجلٌ قضى للناسِ على جهلٍ" (¬4) • وجه الدلالة: إن الحاكم إذا أصاب فله أجران باجتهاده وإصابته، وإن أخطأ فله أجر في اجتهاده في طلب الحق أما من ليس بأهل للحكم فلا ¬
[5/ 1]: وجوب تولية القضاة من الإمام أو من ينوب عنه
يحل له أن يحكم، وإن حكم فلا أجر له؛ بل هو آثم ولا ينفذ حكمه سواء أوافق الحق أم لا لأن إصابته اتفاقية. ليست صادرة عن أصل شرعي فهو عاص في جميع أحكامه سواء أوافق الصواب أم لا. وهي مردودة كلها ولا يعذر في شيء من ذلك (¬1) ولأنهم أجمعوا على أنه لا يحل لحاكم ولا لمفت تقليد رجل لا يحكم ولا يفتي إلا بقوله؛ لأن فاقد الاجتهاد إنما يحكم بالتقليد والقاضي مأمور بالحكم بما أنزل اللَّه كما إن المفتي لا يجوز أن يكون عاميا مقلدا فالحاكم أولى (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الحاكم العالم مأجور عند اللَّه على اجتهاده وذلك لعدم وجود المخالف. [5/ 1]: وجوب تولية القضاة من الإمام أو من ينوب (¬7) عنه • المراد بالمسألة: إن القاضي حتى تكون أحكامه نافذة على الخصوم يجب أن يكون قد تم توليته من قبل الخليفة أو الإمام الأعظم لكونه ينوب ¬
عنه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من ولاه الإمام القرشي الواجب طاعته الأحكام، فإن أحكامه -إذا وافق الحق- نافذة، على أنه إذا حكم بما يخالف الإجماع، فإن حكمه مردود) (¬1). وقال في موضع آخر: (واتفقوا على أن من لم يوله سلطان نافذ الأمر بحق أو متغلب ولا حكمه الخصمان، ولا هو قادر على إنفاذ الحكم، أن حكمه غير نافذ، وأن تحليفه ليس تحليفًا) (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (ولا خلاف في جواز حكم الإمام الأعظم وتوليته للقاضي شرط في صحة قضائه، لا خلاف أعرف فيه) (¬3). • مستند الإجماع: لأن القضاء من المصالح العامة كعقد الذمة ولأن الإمام صاحب الأمر والنهي فلا يفتات عليه في ذلك (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، الشافعية (¬7)، الحنابلة (¬8). ¬
[6/ 1] يشترط أن يكون القاضي مسلما
Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب تولية القضاة من الإمام أو من ينوب عنه وذلك لعدم وجود مخالف. [6/ 1] يشترط أن يكون القاضي مسلمًا • المراد بالمسألة: يجب أن يكون القاضي مسلمًا حين يولى القضاء، فلا تولية الكافر ليقضي بين مسلمين او بين مسلم وغيره، ولا بين مسلم وكافر، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث قال: (الذي أحفظ من قول أصحابنا وقياسه أنهم لا ينظرون فيما بين أهل الكتاب ولا يكشفونهم عن شيء من أحكامهم فيما بينهم وأنهم لا يلزمون أنفسهم الحكم بينهم إلا أن يتدارءوا هم والمسلمون فإن فعلوا فلا يجوز أن يحكم لمسلم ولا عليه إلا مسلم فهذا الموضع الذي يلزمون أنفسهم النظر بينهم فيه فإذا نظروا بينهم وبين مسلم حكموا بحكم المسلمين لا خلاف في شيء منه بحال) (¬1). سليمان الباجي (474 هـ) حيث قال: (وأما اعتبار إسلامه -أي القاضي- فلا خلاف بين المسلمين في ذلك) (¬2). ابن فرحون المالكي (799 هـ) حيث قال: (وشروط القضاء التي لا يتم القفماء إلا بها ولا تنعقد الولاية ولا يستدام عقدها إلا معها عشرة: الإسلام والعقل والذكورية والحرية والبلوغ والعدالة والعلم وكونه واحدا وسلامة حاسة السمع والبصر من العمى والصمم وسلامة اللسان من البكم، فالثمانية الأول هي المشترطة في صحة الولاية والثلاثة الأخر ليست بشرط في الصحة، لكن عدمها يوجب العزل، فلا تصح من الكافر اتفاقا) (¬3). ¬
• مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} [النساء: 141]. • وجه الدلالة: أنه ليس هناك سبيل ولا سلطان أعظم من القضاء؛ لأن به إقامة موازين العدل وحسم دواعي النزاع بين المتخاصمين وهذا لا يكون الا بشرع اللَّه -المأمور به- الذى لا يؤتمن عليه الا المسلم وان ادعى الكافر علمه فضلا عن غلبة جهله، وأما جريان العادة بنصب حاكم من أهل الذمة، فقد قال الماوردي: إنما هي رياسة وزعامة لا تقليد حكم وقضاء ولا يلزمهم حكمه بإلزامه بل بالتزامهم، ولا يلزمون بالتحاكم عنده (¬1). 1 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]. • وجه الدلالة: أن الآية أوجبت التبين فى حال الشهادة وخاصة اذا كان الشاهد فاسقا مما يعنى عدم قبول شهادته فيكون عدم قبول شهادة الكافر أولى وكذ عدم جواز قضائه بين المسلمين، فلا تجوز تولية من فيه نَقْصٌ يمنع قبول قوله، ولا يجوز أن يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله ويجب، التَّبْيِينُ عند حكمه (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، ¬
[7/ 1]: اشتراط إسلام القاضي إذا كان أحد الخصوم مسلم
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وابن حزم (¬3).Rصحة ما نُقل من الإجماع على اشتراط كون القاضي مسلمًا وذلك لعدم وجود المخالف. [7/ 1]: اشتراط إسلام القاضي إذا كان أحد الخصوم مسلم • المراد بالمسألة: أنه إذا تقاضى مسلم وغير مسلم فلا يفصل بينهما إلا قاضٍ مسلم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ): (الذي أحفظ من قول أصحابنا وقياسه أنهم لا ينظرون فيما بين أهل الكتاب ولا يكشفونهم عن شيء من أحكامهم فيما بينهم وأنهم لا يلزمون أنفسهم الحكم بينهم إلا أن يتدارءوا هم والمسلمون فإن فعلوا فلا يجوز أن يحكم لمسلم ولا عليه إلا مسلم فهذا الموضع الذي يلزمون أنفسهم النظر بينهم فيه فإذا نظروا بينهم وبين مسلم حكموا بحكم المسلمين لا خلاف في شيء منه بحال) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} [النساء: 141]. • وجه الدلالة: أنه لا سبيل أعظم من القضاء، لأن القصد به فصل ¬
[8/ 1]: لزوم أن يكون القاضي عدلا
الأحكام، والكافر جاهل بها، وأما جريان العادة بنصب حاكم من أهل الذمة، فقال الماوردي والروياني: إنما هي رياسة وزعامة لا تقليد حكم وقضاء ولا يلزمهم حكمه بإلزامه بل بالتزامهم، ولا يلزمون بالتحاكم عنده (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2) والمالكية (¬3) والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم الأندلسي (¬6).Rصحة مانقل من الإجماع على اشتراط إسلام القاضى إذا كان أحد الخصوم مسلم وذلك لعدم وجود المخالف. [8/ 1]: لزوم أن يكون القاضي عدلًا • المراد بالمسألة: يجب على ولاة الأمر عند توليتهم للقضاة أن يكون ¬
الأحكام، والكافر جاهل بها، وأما جريان العادة بنصب حاكم من أهل الذمة، فقال الماوردي والروياني: إنما هي رياسة وزعامة لا تقليد حكم وقضاء ولا يلزمهم حكمه بإلزامه بل بالتزامهم، ولا يلزمون بالتحاكم عنده (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2) والمالكية (¬3) والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم الأندلسي (¬6).Rصحة مانقل من الإجماع على اشتراط إسلام القاضى إذا كان أحد الخصوم مسلم وذلك لعدم وجود المخالف. [8/ 1]: لزوم أن يكون القاضي عدلًا • المراد بالمسألة: يجب على ولاة الأمر عند توليتهم للقضاة أن يكون ¬
الأحكام، والكافر جاهل بها، وأما جريان العادة بنصب حاكم من أهل الذمة، فقال الماوردي والروياني: إنما هي رياسة وزعامة لا تقليد حكم وقضاء ولا يلزمهم حكمه بإلزامه بل بالتزامهم، ولا يلزمون بالتحاكم عنده (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2) والمالكية (¬3) والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم الأندلسي (¬6).Rصحة مانقل من الإجماع على اشتراط إسلام القاضى إذا كان أحد الخصوم مسلم وذلك لعدم وجود المخالف. [8/ 1]: لزوم أن يكون القاضي عدلًا • المراد بالمسألة: يجب على ولاة الأمر عند توليتهم للقضاة أن يكون ¬
فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]. • وجه الدلالة: أن الأمر بالتبيّن عند إخبار الفاسق دليل على قبول خبره بعد التبيّن وإلا لما كان للأمر بالتبيّن معنى (¬1). 2 - رواه مسلم بسنده عن أبي ذر قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة (¬2) عن وقتها؟ " قال: قلت فما تأمرني؟ قال: "صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة). وفي رواية لمسلم أيضًا عن أبي ذر أيضًا قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أبا ذر إنه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة، فصل الصلاة لوقتها، فإن صليت لوقتها كانت لك نافلة وإلا كنت قد أحرزت (¬3) صلاتك (¬4). • وجه الدلالة: إن تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر فسق ومع ذلك صحح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- توليتهم على الإمارة والقضاء (¬5). 3 - إذا قبلت شهادة الفاسق صح قضاؤه، لأن أهلية القضاء مستفادة ¬
[9/ 1]: يلزم أن يكون القاضي رجلا
من أهلية الشهادة (¬1). 4 - أن الصحابة -رضي اللَّه عنه- أجازوا حكم من تغلب من الأمراء وجار وتقلدوا منه الأعمال وصلوا خلفه ولولا أن توليته صحيحة لما فعلوا ذلك (¬2). 5 - أننا لو اعتبرنا العدالة شرطًا في صحة الولاية لانسد باب القضاء خصوصًا في هذا الزمان الذي قل عدوله (¬3).Rتحقق الإجماع فى لزوم عدالة القاضي للفصل بين الخصوم إلا أن خلافا وقع في نفاذ حكمه إن كان غير عدل. [9/ 1]: يلزم أن يكون القاضي رجلًا • المراد بالمسألة: يشترط أن يكون القاضي رجلًا، فلا يجوز تولية المرأة القضاء، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: أبو الحسن الماوردي (450 هـ) حيث قال بعد ذكر شروط تولى القضاء معلقًا على رأي ابن جرير الطبري: (وشذ ابن جرير الطبري فجوز قضاءها -أي المرأة- على جميع الأحكام، ولا اعتبار بقول يرده الإجماع) (¬4). الحسين بن مسعود البغوي (516 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إماما ولا قاضيا) (¬5). النووي (676 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن المرأة لا تصلحُ إمامًا ولا ¬
قاضيًا، لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة الجهاد، والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلحُ للبروز وتعجز لضعفها عن القيام بأكثر الأمور، لنقصانها، والإمامة والقضاء من كمال الولايات، فلا يصلح لها إلا الكامل من الرّجال) (¬1). ابن حجر (853 هـ). حيث قال: (اتفقوا على أنه يشترط أن يكون القاضي رجلًا) (¬2). ونقله عنه الشوكاني في نيل الأوطار (¬3). • مستند الاتفاق: قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34]. • وجه الدلالة: أن الآية أفادت حصر القوامة في الرجال، لأن المبتدأ المعرف بـ (ال) منحصر في خبره حصرًا إضافيًا، ومعناه القوامة للرجال على النساء لا العكس، وهذا يفيد عدم جواز تولية المرأة القضاء وإلا كانت الولاية للنساء على الرجال، فالمرأة إذًا لم تمنح القوامة في البيت فكيف يحق لها أن تتولى الوظائف الكبرى ومنها القضاء (¬4). 2 - ما رواه البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدر يرضى اللَّه عنه قال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: "يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقلن: وبم يا رسول اللَّه؟ قال: "تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول اللَّه؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة ¬
الرجل؟ " قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ " قلن: بلى. قال: "فذلك من نقصان دينها" (¬1). • وجه الدلالة: أن المرأة غير صالحة لتولي الولايات العامة ومنها القضاء، إذ هي ولاية تحتاج إلى عقل راجح متزن لا يتأثر بالعاطفة (¬2). 1 - ما رواه البخاري بسنده عن أبي بكرة قال: لما بلغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" (¬3). • وجه الدلالة: أن الحديث خبر في معنى النهي وكلمة "أمرهم" تشمل جميع أمور الأمة باعتبار أنها صيغة عامة، فيفيد الحديث النهي عن تولي المرأة شيئًا من الولايات إلا ما دل الدليل على استثنائه وهو الولايات الخاصة، وبما أن القضاء ولاية عامة، فإن الحديث يدل على تحريم تولية المرأة القضاء، وبطلان قضائها، لأنه خبر تضمن عدم فلاح من تولى امرأة أمورهم، وهو ضرر، والضرر يجب اجتنابه، فيجب اجتناب ما يؤدي إليه وهو تولية المرأة، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (¬4). • الموافقون على نقل الاتفاق: وافق على الحكم جمهور الفقهاء من المالكية (¬5)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • الخلاف في المسألة: • القول الأول: إن الذكورة ليست بشرط جواز ولا صحة فيجوز تولية المرأة للقضاء وإذا وليت لا يأثم موليها وتكون ولايتها صحيحة وأحكامها نافذة، وقد نسب هذا القول إلى ابن جرير الطبري (¬3)، وابن القاسم من المالكية (¬4)، وبه قال ابن حزم الظاهري (¬5). • أدلة هذا القول: قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]. • وجه الدلالة: أن الآية أفادت المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات وهي مساواة عامة لم يرد عليها استثناء (¬6). 2 - الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يقم دليل المنع فكل من يصلح للفصل في الخصومة فإنها تصح ولايته للقضاء، والمرأة صالحة وقادرة على الفصل في الخصومة وليس بها مانع من ذلك وعليه فيصح توليتها ¬
القضاء، لأن أنوثتها لا تحول دون فهمها للحجج وإصدار الأحكام (¬1). 3 - كما أن المرأة تكون عالمة بأحكام الشرع فيجوز أن تكون قاضية (¬2). 4 - وفيما ورد عن أبي مريم عن ابن القاسم فى جواز ولاية المرأة فقد قال ابن عرفة نقلًا عن ابن زرقون أظنه فيما تجوز فيه الشهادة، قال ابن عبد السلام: لا حاجة لهذا التأويل لاحتمال أن يكون ابن القاسم قال كقول الحسن والطبري بإجازة ولايتها القضاء مطلقًا، قلت: الاظهر: قول ابن زرقون" (¬3) • القول الثاني: ذهب أكثر الحنفية ما عدا زفر إلى أنه يجوز للمرأة أن تتولى القضاء في الأموال ولا يجوز أن تتولاه في الحدود والقصاص اعتبارًا بجواز شهادتها فيهما (¬4). • أدلة هذا القول: استدلوا بنفس أدلة القول الأول على جواز تولي المرأة للقضاء في الأموال، واستدلوا بالقياس على الشهادة في عدم جواز قضائها في الحدود والقصاص. قال الكاساني: (وأما الذكورة فليست من شرط جواز التقليد في الجملة، لأن المرأة من أهل الشهادات في الجملة إلا أنها لا تقضي بالحدود والقصاص، لأنها لا شهادة لها في ذلك وأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة) (¬5). ¬
[10/ 1]: اشتراط الفطنة وكمال حضور العقل فى القاضي
Rعدم تحقق الاتفاق على اشتراط أن يكون القاضي رجلًا وذلك لوجود المخالف. [10/ 1]: اشتراط الفطنة وكمال حضور العقل فى القاضي (¬1) • المراد بالمسألة: أن القاضي يجب أن يكون جيد الفطنة صحيح التمييز حاضر العقل بعيد عن السهو والغفلة، يتوصل بذكائه إلى إيضاح ما أشكل وفصل ما أعضل، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو الحسن الماوردي (450 هـ) حيث قال: (والشرط الثاني وهو مجمع على اعتباره، ولا يكتفي فيه بالعقل الذي يتعلق بالتكليف من عدمه بل لا بد من علمه بالمدركات الضرورية حتى يكون صحيح التمييز، جيد الفطنة، بعيد عن السهو والغفلة؛ يتوصل بذكائه إلى إيضاح ما أشكل وفصل ما أعضل) (¬2). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من لم يكن محجورًا عليه، حاضر العقل، جيد الفطنة. . . لم يبلغ الثمانين، جائز أن يولى القضاء) (¬3). قال ابن حجر (852 هـ) نقلا عن أبي على الكرابيس فى كتابه آداب القضاء: (لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافًا أن أحق الناس أن يقضي بين المسلمين، ثم لابد أن يكون عاقلًا مائلًا عن الهوى) (¬4). • مستند الإجماع: أن القاضي الفطن صحيح التمييز حاضر العقل بعيدًا ¬
عن السهو والغفلة لا يستطيع الخصوم خداعه (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على اشتراط الفطنة والذكاء وصحة التمييز وحضور العقل في القاضي وذلك لعدم وجود المخالف. (9/ 1) يشترط أن يكون القاضي مجتهدًا • المراد بالمسألة: أن القاضي يجب أن يكون مجتهدًا، والمجتهد هو من يعرف من كتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- الحقيقة والمجاز، والأمر والنهي، والمجمل والمبين، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمستثنى والمستثنى منه، ويعرف من السنة صحيحها من سقيمها وتواترها من آحادها ومرسلها ومتصلها، ومسندها ومنقطعها، ما له تعلق بالأحكام الخاصة، ويعرف ما أجمع عليه مما اختلف فيه، والقياس وحدوده وشروطه، وكيفية استنباطه، والعربية المتداولة بالحجاز والشام والعراق وما يواليهم. فمن وقف عليه ورزق فهمه، صلح للفتيا والقضاء (¬6) وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حجر (456 هـ) حيث قال عند ذكره للشروط ¬
الواجب توافرها في القاضي: (ويشترط كونه مجتهدًا إجماعًا) (¬1). ابن حزم (474 هـ) حيث قال: (وأما اعتبار كونه عالما فلا خلاف في ذلك. . . . والذي يحتاج إليه من العلم أن يكون من أهل الاجتهاد) (¬2). ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (وبكل حال يجب اجتهاد الرأي للقاضي والمفتي إذا لم يجد في الحادثة نصًا من الكتاب أو السنة، هذا قول جماهير السلف وأئمة الفقهاء) (¬3). ابن حجر الهيتمي (974 هـ) قال قال بعد ذكره لحديث أجر المجتهد: (وقد أجمع المسلمون على أن هذا في حاكم عالم مجتهد، أما غيره فآثم) (¬4). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال عند ذكره شروط القاضي: (مُجْتَهِدًا إجْمَاعًا) (¬5). البهوتي (1051 هـ) حيث قال: (مجتهدًا إجماعًا ذكره ابن حزم، ولأنهم أجمعوا على أنه لا يحل لحاكم ولا لمفت تقليد رجل لا يحكم ولا يفتي إلا بقوله؛ لأن فاقد الاجتهاد إنما يحكم بالتقليد والقاضي مأمور بالحكم بما أنزل اللَّه ولا المفتي لا يجوز أن يكون عاميا مقلدا فالحاكم أولى) (¬6). • مستند الإجماع: قوله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]. ¬
• وجه الدلالة: فعلم أن الحق كتاب اللَّه، ثم سنة نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- فليس لمفت ولا لحاكم أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالما بهما ولا أن يخالفهما ولا واحدا منهما بحال فإذا خالفهما فهو عاص للَّه عز وجل وحكمه مردود (¬1). 2 - ما رواه ابن بريدة عن أبيه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال "القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة: رجل عرف الحق، وقضى به، فهو في الجنة، ورجل عرف الحق، فلم يقض به، وجار في الحكم، فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل، فهو في النار" (¬2) • وجه الدلالة: أن العامي يقضي على الجهل، ولأن الحكم آكد من الفتيا؛ لأنه فتيا وإلزام، ثم المفتي لا يجوز أن يكون عاميا مقلدا، فالحكم أولى (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • الخلاف في المسألة: نقل عن بعض الحنفية أنهم يرون أن الإجتهاد شرط ندب واستحباب لا شرط جواز، حيث قال الكاساني: (وأما العلم بالحلال والحرام وسائر الأحكام: فهل هو شرط جواز؟ عندنا ليس بشرط الجواز، بل شرط ندب واستحباب) (¬3). • دليل هذا الرأي: القياس على حكم القاضي المجتهد برأي المقومين، لأن الغرض منه فصل الخصائم، فإذا أمكنه ذلك بالتقليد جاز، كما يحكم بقول المقومين (¬4).Rعدم صحة ما نقل من الإجماع على اشتراط كون القاضي مجتهدًا وذلك لوجود المخالف. (1/ 10): اشتراط تقوى وورع وسلامة اعتقاد القاضي • المراد بالمسألة: أن أحق الناس أن يقضي بين المسلمين من بان فضله وصدقه وعلمه وورعه، عالم بأحكام الكتاب والسنة والإجماع، حسن الدين، سالم الاعتقاد، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من لم يكن محجورًا، وكان بالغًا حسن الدين، سالم الاعتقاد، حرًا غير معتق، عالمًا بالحديث والقرآن، والنظر والإجماع والاختلاف، لم يبلغ الثمانين، جائز أن يولى القضاء) (¬5). ¬
ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافًا أن أحق الناس أن يقضي بين المسلمين من بأن فضله وصدقه وعلمه وورعه، قارئًا لكتاب اللَّه، عالمًا بأكثر أحكامه، عالمًا بسنن رسول اللَّه حافظًا لأكثرها، وكذا أقوال الصحابة، عالمًا بالوفاق والخلاف وأقوال فقهاء التابعين يعرف الصحيح من السقيم يتبع في النوازل الكتاب فإن لم يجد فالسنن فإن لم يجد عمل بما اتفق عليه الصحابة، فإن اختلفوا فما وجده أشبه بالقرآن ثم بالسنة ثم بفتوى أكابر الصحابة عمل به، ويكون كثير المذاكرة مع أهل العلم والمشاورة لهم مع فضل وورع، ويكون حافظًا للسانه وبطنه وفرجه. . .) (¬1). . ونقله عنه الشوكاني باللفظ والمعنى (¬2). • مستند الإجماع: أن القاضي إن لم يكن حسن الدين سالم الاعتقاد ورع، جاز أن يجور في الحكم (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب تقوى وورع وسلامة اعتقاد القاضي وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[11/ 1]: عدم الجمع بين قاضيين باختصاص واحد فى مكان واحد
[11/ 1]: عدم الجمع بين قاضيين باختصاص واحد فى مكان واحد • المراد بالمسألة: أنه لا يجوز للإمام تولية أكثر من قاض فى مكان واحد لهما نفس الاختصاصات القضائية لاحتمال تعارض أحكامهما، ولكن يجوز له أن يولي أكثر من قاض في مكان واحد أو بلدة واحدة مع توزيع اختصاصات كل منهما بحيث يختص كل واحد بما يرفع إليه من قضايا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القرافي (684 هـ) حيث قال: (اشتراط توحد القاضي إنما هو حيث لا يجوز أن يولى اثنان على وجه الاشتراك في كل قضية، لأن ذلك يؤدي إلى بقاء التظالم والعناد بسبب اختلاف آرائهما. وأما قاضيان في بلد ينفرد كل واحد منهما بالنظر فجائز بإجماع الأمة) (¬1). سليمان الباجي (474 هـ) حيث قال: (وأما كونه واحدا منفردا فمعناه: أن لا يولي القضاء قاضيان فأكثر على وجه الإشراك فلا يكون لأحدهما الانْفِرَادُ بِالنَّظَرِ في قضية ولا قبول بَيَّنَةٍ ولا انْفِرَادٌ بانفاذ حكم قال الشيخ أَبُو إِسْحَاقَ في زَاهِيهِ: والحاكم لا يجوز أَنْ يَكُونَ نِصْفُ حاكم، فلا يجتمع اثنان فيكونا جميعًا حاكمًا في قضية واحدة وأما أن يُسْتَقْضَى في البلد الْحُكَّامُ وَالْقُضَاةُ ينفرد كل واحد منهم بالنظر فيما يرفع إليه من ذلك فجائز، والدليل على ذلك أن هذا إجماع الأمة؛ لأنه لم يختلف في ذلك أحد من زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا هذا ولا أعلم أنه أُشْرِكَ بين قاضيين في زمن من الأزمان ولا بلد من الْبُلْدَانِ وقد قام في البلد الواحد عدد من الحكام فكان كل واحد منهم ينفرد بحكمه الذي يرفع إليه لا يشركه فيه غيره) (¬2). ¬
[12/ 1]: يشترط أن يكون القاضي غنيا
• مستند الإجماع: أن المذاهب مختلفة والأَغْرَاضَ مُتَبَايِنَةٌ ولا يمكن أن يتفق رَجُلانِ في كل شيء حتى لا يَرَى أَحَدُهُمَا خلاف ما يراه الآخر (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على كون القاضي واحد وذلك لعدم وجود المخالف. [12/ 1]: يشترط أن يكون القاضي غنيًا • المراد بالمسألة: يستحب أن يكون القاضي غنيًا حتى يستعف عن أموال الخصوم ويبعد عن الاتهام بالرشوة، ولكنه يجوز أن يولى القضاء ولو كان فقيرًا، فالغنى ليس شرطًا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) حيث قال: واتفقوا على أن القاضي لا يشترط أن يكون غنيا (¬6). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 247]. • وجه الدلالة: أن الآية واضحة فى الدلالة على ان الاصطفاء لا علاقة بينه وبين سعة المال. 2 - القياس على الخلافة: فإن القضاء فرع عن الخلافة والخليفة يجوز ¬
[13/ 1]: عدم مشروعية أخذ القاضي أجرا من المتقاضين
توليته مع فقره فكذلك القاضي (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والشافعية (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه لا يشترط أن يكون القاضي غنيًا وذلك لعدم وجود المخالف. [13/ 1]: عدم مشروعية أخذ القاضي أجرًا من المتقاضين • المراد بالمسألة: لا يجوز للقاضي أن يأخذ أجرًا على قضائه بين الناس منهم، وقد فرق العلماء بين ما يأخذه القاضي من رزق من بيت مال المسلمين وبين ما يأخذه من الخصوم أجرًا على قضائه، وبحثنا في هذه المسألة هو في عدم جواز أخذ القاضي أجرًا على قضائه من غير بيت مال المسلمين (¬4)، وقد نفي الخلاف في ذلك. من نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فأما الاستئجار عليه -أي على القضاء- فلا يجوز. قال عمر -رضي اللَّه عنه-: "لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرًا" (¬5). وهذا مذهب الشافعي، ولا ¬
نعلم فيه خلافًا) (¬1). ونقله عنه شمس الدين ابن قدامة باللفظ والمعنى (¬2). • مستند نفي الخلاف: ما رواه عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه مرفوعًا، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول (¬3) " (¬4). • وجه الدلالة: أن الحديث دلّ على أن ما يأخذه القاضي من غير بيت مال المسلمين يعد غلولًا وخيانة (¬5). 2 - ما روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرًا" (¬6). وهذا نص في المسألة. 3 - أن القضاء طاعة، كالصلاة ونحوها، وأخذ الأجرة على الطاعة لا يجوز (¬7). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على الحكم الحنفية (¬8)، ¬
[14/ 1]: مشروعية أخذ القاضي أجرا راتبا من بيت مال المسلمين
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3).Rصحة ما ذكر من نفي الخلاف على عدم جواز أخذ القاضي أجرة على قضائه من المتقاضين وذلك لعدم وجود مخالف. [14/ 1]: مشروعية أخذ القاضي أجرًا راتبًا (¬4) من بيت مال المسلمين • المراد بالمسألة: أن القاضي يجوز له أن يأخذ أجر راتب من الإمام لتفرغه للقضاء، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن الإمام إذا أعطى الحاكم مالا من وجه طيب دون أن يسأله إياه، فإنه له حلال، وسواء رتبه له كل شهر أو كل وقت محدود أو قطعه عنه) (¬5). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (لا بأس للقاضي أن يأخذ الرزق على القضاء عند أهل العلم قاطبة من الصحابة ومن بعدهم، وهو قول فقهاء الأمصار لا أعلم بينهم اختلافًا، وقد كره ذلك قوم منهم مسروق ولا أعلم أحدًا منهم حرمه) (¬6). وقال في موضع آخر: (أخذ الرزق على القضاء إذا كانت جهة الأخذ من الإمام وكان من الحلال جائز إجماعًا) (¬7) ¬
العيني (855 هـ) حيث قال: (وقال أبو علي الكرابيسي: لا بأس للقاضي أن يأخذ الرزق على القضاء عند أهل العلم قاطبة من الصحابة ومن بعدهم، وهو قول فقهاء الأمصار، ولا أعلم بينهم اختلافًا) (¬1). الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (أخذ الرزق على القضاء إن كانت جهة الأخذ من الحلال كان جائزًا إجماعا ومن تركه فإنما تركه تورّعا) (¬2). • مستند الإجماع: 1 - القياس على الإمامة: "حيث روي أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- لما استخلف رآه عمر يحمل من متاع أهله فقال إلى أين يا خليفة رسول اللَّه فقال إلى السوق أبيع متاعًا لأهلي لأنفقه في حوائجي فجمع الصحابة وفرضوا له كل يوم درهمين" (¬3). 2 - استقضى عمر شريحًا وجعل له في كل شهر مائة درهم رزقًا، وعندما ولي عليّ الإمامة، جعل رزقه خمسمائة درهم كل شهر. وجعل عمر لعمار بن ياسر، وابن مسعود، وعثمان بن حنيف كل يومٍ شاة: نصفُها وأطوافها لعمار بن ياسر، والنصف الآخر بين ابن مسعود وابن حنيف، ولأنه لمّا ارتزق الخلفاء الراشدون على الخلافة لانقطاعهم بها عن المكاسب، كان القضاة بمثابتهم، ولأنه لمّا جاز للعامل على الصدقات أن يأخذ مالًا على العمالة، جاز للقاضي أن يأخذ على القضاء، ويكون ذلك جعالة (¬4) لا أجرة، لأن القضاء من العقود الجائزة، دون اللازمة، فكان أجره جعالة (¬5). ¬
[15/ 1]: تعظيم حرمة أخذ القاضي للرشوة
• الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الاجماع على مشروعية اخذ القاضي أجرًا راتبًا لعمله وذلك لعدم وجود المخالف. [15/ 1]: تعظيم حرمة أخذ القاضي للرشوة • المراد بالمسألة: يحرم على القاضي أخذ الرشوة (¬5)، ليحكم بحق أو بباطل، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على تحريم الرشوة على قضاء بحق أو باطل، أو تعجيلًا لقضاء بحق أو باطل) (¬6). وقال في موضع آخر: (ولا تحل الرشوة، وهي ما أعطاه المرء ليُحكم له بباطل، أو ليولى ولاية، أو ليظلم له إنسان، فهذا يأثم المعطي والآخذ. وأما ما مُنع من حقه فأعطى ليدفع عن نفسه الظلم، فذلك مباح للمعطي، وأما الآخذ فآثم، في كلا الوجهين، فالمال المُعطى باق على ملك صاحبه الذي أعطاه كما كان، كالغصب ولا فرق. . . . وكل هذا متفق عليه) (¬7). ¬
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فأما الرشوة في الحكم، ورشوة العامل فحرام، بلا خلاف) (¬1)، ونقله عنه شمس الدين ابن قدامة باللفظ والمعنى (¬2) الصنعاني (1182 هـ): (والرشوة حرام بالإجماع سواء كانت للقاضي أو للعامل على الصدقة أو لغيرة) (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المَائدة: 42]. • وجه الدلالة: قال مسروق رحمه اللَّه تعالى: "سألت عبد اللَّه بن مسعود عن السحت فقال: الرشا. . " (¬4). 2 - ما رواه عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- قال: "لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الراشي والمرتشي (¬5) " (¬6). 3 - ما روي عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الراشي والمرتشي في النار" (¬7). ¬
وهذه الأحاديث نص في المسألة. 4 - ولأن الرشوة أخذ مال على حرام، فكان حراما كمهر البغي، لأنه إن أخذ الرشوة ليحكم بغير الحق، فالحكم بغير الحق محرم، وكذلك الأخذ عليه، وإن أخذ الرشوة ليوقف الحكم، فإن إمضاء الحكم واجب عليه، فحرم الأخذ على إيقافه، وإن أخذ الرشوة ليحكم بالحق، لم يجز، لأنه يأخذ الرزق من الإمام، فلم يجز أن يأخذ عوضًا آخر، وكذلك العامل يأخذ رزقه من بيت المال فلا يجوز له أن يأخذ عوضًا مقابل عمله المفروض عليه (¬1). • الموافقون على نقل الاتفاق: وافق على الحكم الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على تحريم أخذ القاضي للرشوة وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[16/ 1]: جواز إجابة القاضي الدعوة إلى الوليمة أو العرس
[16/ 1]: جواز إجابة القاضي الدعوة (¬1) إلى الوليمة أو العرس • المراد بالمسألة: أن للقاضي إجابة الدعوة إلى الوليمة أو العرس، ولا يجيب الحاكم دعوة شخص بعينه دون غيره، وقد نقل العلماء الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حجر العسقلاني (852 هـ) حيث قال: (وأجمع العلماء على أنه لا يجيب الحاكم دعوة شخص بعينه دون غيره من الرعية إلا دعوة الوليمة لما في ذلك من كسر قلب من لم يجبه) (¬2). • مستند الإجماع: حديث أبي موسي قال قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "فُكُّوا العانِيَ وأجِيْبُوا الدَّاعِيَ، وعودُوا المريضَ" (¬3). ما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ تُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَتَتْرُكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَه" (¬4). وما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَليمَةِ فَلْيَأْتِهَا) (¬5). وما روي عن نافع أنَّ ابن عمر، كان يقول عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ، عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ" (¬6). ¬
[17/ 1]: مشروعية ترك القاضي للتجارة عند الغنى عنها
• وجه الدلالة: الأصل فيه عموم الخبر وورود الوعيد في الترك من قوله ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اللَّه ورسوله (¬1)، فيجوز للحاكم حضور الولائم، لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يحضرها (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز إجابة القاضي للدعوة وذلك لعدم وجود المخالف. [17/ 1]: مشروعية ترك القاضي للتجارة عند الغنى عنها • المراد بالمسألة: أن القاضي إذا كان غنيًا عن التجارة -بما يحصل عليه من بيت المال- شرع له ترك التجارة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وقضية أبي بكر ¬
حجة لنا، فإن الصحابة أنكروا عليه، فاعتذر بحفظ عياله عن الضياع، فلما أغنوه عن البيع والشراء بما فرضوا لهم، قبل قولهم، وترك التجارة، فحصل الاتفاق منهم على تركها عند الغنى عنها) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: "بويع أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- يوم قبض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان رجلا تاجرا يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع فلما بويع للخلافة قال: واللَّه ما يصلح للناس إلا التفرغ لهم والنظر في شأنهم ولا بد لعيالي ما يصلحهم فترك التجارة وفرض من مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله يوما بيوم" (¬2). • وجه الدلالة: أن الصديق -رضي اللَّه عنه- وأرضاه قد ترك التجارة عند استغنائه عنها (¬3). ما روي عن أبي الأسود المالكي، عن أبيه، عن جده، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما عدل وال اتجر في رعيته أبدًا" (¬4). • وجه الدلالة: ولأنه يعرف فيحابى، فيكون كالهدية، ولأن ذلك يشغله عن النظر في أمور الناس (¬5). وكتب عمر بن عبد العزيز -إلى الولاة والقضاة-: تجارة الولاة لهم ¬
مفسدة وللرعية مهلكة (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على مشروعية ترك القاضي للتجارة عند الغنى عنها وذلك لعدم وجود المخالف. * * * ¬
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب طرق الحكم وصفته
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب طرق الحكم وصفته [18/ 2]: وجوب العدل في مجلس القضاء • المراد بالمسألة: يجب على القاضي أن يعدل بين الخصمين في كل شيء، في المجلس (¬1) والخطاب، والإنصات إليهما، والإشارة والنظر، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين أكثر من الآخر ونحو ذلك، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (وأما كيف يقضي القاضي، فإنهم أجمعوا على أنه واجب عليه أن يسوّي بين الخصمين في المجلس، وألا يسمع من أحدهما دون الآخر) (¬2). ¬
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ويعدل بين الخصمين -أي القاضي- في الدخول عليه، والمجلس والخطاب": وجملته، أن على القاضي العدل بين الخصمين في كل شيء من المجلس، والخطاب، واللحظ، واللفظ، والدخول عليه، والإنصات إليهما والاستماع منهما. وهذا قول شريح، وأبي حنيفة، والشافعي، ولا أعلم فيه خلافًا) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن عبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: "قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم" (¬2). 2 - ما روي عن أم سلمه -رضي اللَّه عنها- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليساو بينهم في المجلس، والإشارة والنظر، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين أكثر من الآخر" (¬3). 3 - ما ورد في كتاب عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- الذي أرسله إلى أبي موسى الأشعري منه حيث قال: "آس (¬4) بين الناس في مجلسك، وفي وجهك، ¬
[19/ 2]: وجوب عدل القاض في الحكم
وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك" (¬1). 4 - أنه إذا قدم أحد الخصوم على الآخر في شيء من ذلك، انكسر الآخر، ولا يتمكن من استيفاء حجته (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rتحقق الإجماع فيما ذكر من أن القاضي يجب عليه العدل في مجلس القضاء وذلك لعدم وجود المخالف. [19/ 2]: وجوب عدل القاض في الحكم • المراد بالمسألة: يجب على القاضي أن يحكم بالعدل والحق بين الخصوم ولا يجور في حكمه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه فرض على القاضي أن يحكم بالعدل والحق) (¬7). ¬
[20/ 2]: تحريم الحكم بالهوى
ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (أجمع العلماء على أن الجور في الحكم من الكبائر، لمن تعمد ذلك عالمًا به) (¬1). فخر الدين الرازي (606 هـ) حيث قال: (أجمعوا أن من كان حاكمًا وجب عليه أن يحكم بالعدل) (¬2). ابن عادل الدمشقي الحنبلي (880 هـ) حيث قال في فصل وجوب حكم الإمام بالعدل: (أجمعوا على أنه يجب على الحَكَم أن يحكم بالعدل) (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44]. قوله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]. • وجه الدلالة: الآيات صريحة في وجوب الحكم بما أنزل اللَّه واجتناب الهوى وذلك دليل على تحريم الجور في الحكم (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب العدل في الحكم وذلك لعدم وجود المخالف في المسألة. [20/ 2]: تحريم الحكم بالهوى • المراد بالمسألة: أن القاضي يحرم عليه الحكم بالهوى لأن الحكم ¬
بالهوى ينافي الحكم بالحق، لقوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (653 هـ) حيث قال: (وأجمع العلماء على تحريم الحكم والفتيا بالهوى وبقول أو وجه من غير نظر في الترجيح، ويجب العمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه إجماعا، والولاية لها ركنان القوة والأمانة فالقوة في الحكم ترجع إلى العلم بالعدل بتنفيذ الحكم والأمانة ترجع إلى خشية اللَّه تعالى) (¬1). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (وَيَحْرُمُ الحكم والفتيا بِالْهَوَى إجماعًا) (¬2). المرداوي (885 هـ) حيث قال: (تحريم الحكم والفتيا بالهوى، وبقول أو وجه من غير نظر في الترجيح إجماعًا) (¬3). ابن فرحون (799 هـ) حيث قال: (أما إتباع الهوى في الحكم والفتيا فحرام إجماعًا) (¬4). السيوطي الرحيباني (1243 هـ) حيث قال: (وَيَحْرُمُ الحكم والفتيا بالهوى. . . ومن غير نظر في الترجيح إجماعًا) (¬5). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص: 26]. وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ ¬
يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44]. • وجه الدلالة: قسم سبحانه طريق الحكم بين الناس إلى الحق وهو الوحي الذي أنزله اللَّه على رسوله، وإلى الهوى وهو ما خالفه، والقاضي مأمور بالحكم بالحق والبعد عن الهوى (¬1). 2 - ما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُل قَضى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على حرمة الحكم بالهوى وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[21/ 2]: الجور في الحكم من الكبائر
[21/ 2]: الجور (¬1) في الحكم من الكبائر • المراد بالمسألة: أن القاضي إذا جار في حكمه عن عمد، فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وأجمع العلماء على أن الجور في الحكم، من الكبائر لمن تعمد ذلك عالمًا به) (¬2). وقال في موضع آخر: (وأجمع علماء المسلمين أن الجور في الحكم من الكبائر للوعيد الوارد فيه قال اللَّه عز وجل: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)} [الجن: 15] (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44]. وقوله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]. وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)}. [المائدة: 44]. • وجه الدلالة: الآيات صريحة في وجوب الحكم بما أنزل اللَّه واجتناب الهوى وذلك دليل على تحريم الجور في الحكم. 3 - قول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "القضاة ثلاثة، قاضيانِ في النارِ وقاضٍ في الجنةِ. فأما الذي في الجنةِ فرجلٌ عرفَ الحقَّ وقضَى بهِ، واللذانِ في النارِ رجلٌ عرفَ الحقَّ فجارَ في الحقِّ، ورجل قضى للناسِ على جهلٍ" (¬4). ¬
[22/ 2]: بطلان الحكم بما يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الجلي
• وجه الدلالة: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- "واللذانِ في النارِ رجلٌ عرفَ الحقَّ فجارَ في الحقِّ" دليل على أن القاضي الجائر في حكمه في النار لارتكابه إثم عظيم (¬1). 4 - ما روي عن مسروق رحمه اللَّه تعالى أنه قال "سألت عبد اللَّه بن مسعود عن السحت فقال: الرشا، وسألت عن الجور في الحكم، فقال: الكفر" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الجور في الحكم من الكبائر وذلك لعدم وجود المخالف. [22/ 2]: بطلان الحكم بما يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الجلي • المقصود بالمسألة: أن القاضي إذا حكم بما يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس فحكمه مردود وباطل، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من ولاه الإمام القرشي الواجب طاعته الأحكام، فإن أحكامه -إذا وافقت الحق- نافذة، على أنه إذا حكم بما يخالف الإجماع، فإن حكمه مردود) (¬1). . وقال في موضع آخر: (واتفقوا على وجوب الحكم بالقرآن والسنة والإجماع) (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (واتفق أهل العلم جميعًا على أن الواجب على حاكم رفع إليه حكم -قد خالف الكتاب والسنة والاتفاق- أن يبطله ولا يجيزه) (¬3). ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (المسلمون متفقون على أنه لا يجوز لمسلم أن يحكم بين أحد إلا بما أنزل اللَّه في القرآن) (¬4). . وقال في موضع آخر: (ولهذا اتفق العلماء أن حكم الحاكم العادل إذا خالف نصًا أو إجماعًا فهو منقوض) (¬5). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49]. • وجه الدلالة: كما قال الشافعي: فأعلم اللَّه نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن فرضًا عليه وعلى من قبله والناس إذا حكموا أن يحكموا بالعدل، والعدل إتباع حكمه جل وعلا المنزل (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬7)، ¬
[23/ 2]: لا يقضي القاضي وهو غضبان
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم الظاهري (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على بطلان الحكم بما يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الصحيح الجلي وذلك لعدم وجود المخالف. [23/ 2]: لا يقضي القاضي وهو غضبان • المراد بالمسألة: لا ينبغي للقاضي أن يقضي وهو غضبان (¬5)، وكذلك عند كل ما يشغل فكره، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن العربي المالكي (546 هـ) حيث قال: (اتفق العلماء أن القاضي لا يقضي إذا ناله غضب، أو جوع، أو جزع، ويجمع ذلك كل ما يشغل خاطره ويفسده بقطع النظر وعلمه ورأيه) (¬6). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (لا خلاف بين أهل العلم فيما علمناه، في أن القاضي لا ينبغي له أن يقضي وهو غضبان) (¬7)، ووافقه شمس الدين بن قدامة باللفظ والمعنى (¬8). شمس الدين الزركشي (794 هـ) حيث قال: (ولا يقضي بين اثنين -أي القاضي- وهو غضبان، وهذا واللَّه أعلم محل اتفاق) (¬9). ¬
• مستند الاتفاق: ما روي عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- أنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان" (¬1). • وجه الدلالة: أن القاضي لا ينبغي له أن يقضي وهو غضبان لما في ذلك من خروجه عن حال الاعتدال (¬2). 2 - ما روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- في رسالته المشهورة في باب القضاء، التي أرسلها إلى أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- وفيها: "وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس" (¬3). • وجه الدلالة: أن فيهما نهي عن الحكم عند الغضب لما فيه من تشويش الفكر ويلحق به ما ذكر لأنه في معناه، وهذه الأمور تمنع حضور القلب واجتماع الفكر الذي يتوصل بهما إلى إصابة الحق في الغالب (¬4). 3 - أنه ينبغي للقاضي أن يجلس لقضائه وأمره معتدل، وأن يحكم في حال لا يتغير معها خلقه ولا عقله ولا فهمه، ومثل هذه الأحوال وعند طروء هذه العوارض ينشغل قلبه ويمنعه عن استيفاء النظر والاجتهاد في الحكم (¬5). • الموافقون على نقل الاتفاق: وافق على الحكم الحنفية (¬6)، ¬
[24/ 2]: صحة القضاء في بيت القاضي
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم الظاهري (¬4).Rصحة ما ذكر من الاتفاق على أنه لا ينبغي للقاضي أن يقضي وهو غضبان، وذلك لعدم وجود مخالف. [24/ 2]: صحة القضاء في بيت القاضي • المراد بالمسألة: يجوز للقاضي أن يقضي في منزله، وإن فعل ذلك صح قضاؤه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن للقاضي أن يحكم في منزله) (¬5). • مستند الإجماع: 1 - إن الحكم عبادة، والعبادة لا تختص بمكان فجازت في بيت القاضي (¬6). 2 - ما ورد عن التجعد بن ذكونا، عن شريحة أنه كان إذا كان يوم مَطَرٍ قضى في داره (¬7). 3 - ما رواه حجاج بن محمد، قال: رأيت يحيى ابن سعيد الأنصاري يقضي في داره، ويقضي في المسجد، ورأيت ابن أبي ليلى يقضي في المسجد، ورأيت عثمان ابن عمر -يعني التميمي- يقضي في داره، قال ¬
[25/ 2]: جواز التقاضي في المسجد
أبي: كان هذا قاضيا بالبصرة، وكان سوار يقضي في داره (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والشافعية (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع ضلى صحة القضاء في بيت القاضي وذلك لعدم وجود المخالف. [25/ 2]: جواز التقاضي في المسجد • المراد بالمسألة: أنه يسوغ للقاضين يجلس للقضاء بين الناس في المسجد، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الاجماع: ابن قدامه (620 هـ) حيث قال: (إن القضاء في المسجد لا يكره بإجماع الصحابة) (¬4)، ووافقه شمس الدين ابن قدامه باللفظ والمعنى (¬5). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)} [ص: 21]. • وجه الدلالة: أن الخصومة قد حدثت في مسجد ومصلى داود، وشرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه كما قرره جماعة من الأصوليين رحمهم اللَّه (¬6). ¬
2 - قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة: 49]. • وجه الدلالة: أن الأمر في الآية جاء عامًا لا يدل على المكان، فهو أمر بالحكم في عموم الأمكنة، وهذا يدل على جواز الحكم في المسجد (¬1). 3 - ما جاء في قصة لعان عوير العجلان لزوجته في المسجد، وكان ذلك بأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، واللعان من أعمال القضاء (¬2). 4 - أن أمير المؤمنين عمر -رضي اللَّه عنه- قضى بين زوجين باللعان في المسجد النبوي الشريف (¬3). 5 - ولأن ذلك أبعد عن التهمة، ولأنه يتمكن كل واحد من أن يحضر مجلسه عند حاجته، ولا يشتبه عليه موضعه، ولأن الحكم عبادة فيجوز إقامتها في المسجد كالصلاة (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، وقول عند الشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). • الخلاف في المسألة: هناك من يرى كراهة اتخاذ المسجد مجلسًا ¬
[26/ 2]: مشروعية كتاب القاضي إلى القاضي في المال وما يقصد منه المال
للقضاء، وهو رواية عن أبي حنيفة (¬1)، وهو قول الشافعي، وقال النووي: ربه قال عمر -رضي اللَّه عنه- (¬2). أدلة هذا القول: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وبيعكم وخصوماتكم وأصواتكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم" (¬3) وهذا الحديث نص في المسألة. 2 - أن القاضي يدخل عليه في المسجد الكافر والجنب والحائض، وفي مكان يحصل فيه اللغط ورفع الصوت، وكل ذلك مكروه في المسجد (¬4). 3 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما نهى عن إنشاد الضالة في المسجد صيانة له، فمن باب أولى أن يصان عن حضور الجنب والحائض والكافر والمجانين والصبيان، وإنما قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وخلفاؤه في المسجد في قضايا اتفقت مع حضورهم في المسجد فقضى فيها (¬5).Rعدم صحة ما نقل من الإجماع على عدم كراهة التقاضي في المسجد، وذلك لوجود خلاف في المسألة. [26/ 2]: مشروعية كتاب القاضي إلى القاضي في المال وما يقصد منه المال • المراد بالمسألة: يصح كتاب القاضي إلى القاضي في قضايا المال وما يقصد منه المال، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن ¬
القاضي إذا كتب إلى قاض آخر بقضية قضى بتا على ما يجب ببينة عادلة. . . أن على المكتوب إليه قبول كتابته) (¬1). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن من أمره الإمام الواجبة طاعته من الحكام، بقبول كتاب حاكم آخر إليه من بلد بعيد، أو بمخاطبة غيره من الولاة، أن للحاكم أن يقبل الكتاب وأن يكتب ويحكم بما ورد فيه، مما يوجب الحكم، ويحكم بكتابه من أمر بقبوله أيضًا، كذلك إذا شهد بما في نص الكتاب عديلان، وكان الكتاب مختوما، وكان إلى هذا الذي وصل إليه، وكان الذي كتبه حيا، غير معزول في حين وصول الكتاب الذي كتب بت إليه، هذا في غير الحدود والقصاص، وفي غير كتابه من البلد القريب) (¬2). ابن رشد الحفيد (595 هـ) حيث قال: (ومما اتفقوا عليه في هذا الباب أنه يقضي القاضي بوصول كتاب قاض آخر إليه) (¬3). عون الدين ابن بيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن كتاب القاضي إلى القاضي من مصر إلى مصر في الحقوق التى هى المال، أو ما كان المقصود منه المال، جائز مقبول) (¬4). ابن قدامه (620 هـ) حيث قال: (وأجمعت الأمة على جواز كتاب القاضي إلى القاضي) (¬5). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (كتاب القاضي إلى القاضي مقبول في الجملة بالإجماع) (¬6). ¬
ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: (والعمل بكتاب القاضي إلى القاضي على خلاف القياس، لكنه جائز بإجماع الصحابة والتابعين) (¬1). • مستند الإجماع: ما رواه أصحاب السنن عن الضحاك بن سفيان -رضي اللَّه عنه-وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد استعمله على صدقات الأعراب- قال: كتب إليّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أن أورّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها" (¬2). • وجه الدلالة: الحديث يدل على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب إلى قاضيه في الأعراب فقبله، فجاز أن يقبل كتاب القاضي إلى القاضي. 2 - أن حاجة الناس تدعو إلى ذلك، لأنه لو لم يقبل كتاب القاضي إلى القاضي لأدى إلى تلف الحق المشهود عليه.، فإن الإنسان لا يقدر على أن يجمع بين شهوده والمرعى عليه، بأن يكونا في بلدين، وقد لا يكون هناك من يعرفهم بالعدالة، فلم يبق إلا شهادتهم في الموضع الذي هم فيه، وكتاب القاضي الذي يشهدون عنده إلى القاضي الذي يحتاج إليه في إقامة الشهادة عنده (¬3). ¬
[27/ 2]: اشتراط الإشهاد على كتاب القاضي إلى القاضي
• الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على مشروعية كتاب القاضي إلى القاضي في المال وما يقصد منه المال (¬5)، وذلك لعدم وجود المخالف. [27/ 2]: اشتراط الإشهاد على كتاب القاضي إلى القاضي • المراد بالمسألة: أن كتاب القاضي إلى القاضي لا يعمل به إلا إذا شهد عليه شاهدان عدلان، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن القاضي إذا كتب إلى قاض آخر بقضية قضى بها على ما يجب، بينة ¬
عادلة، وقرأ الكتاب على شاهدين، وأشهدهما على ما فيه، فوصل الكتاب إلى القاضي المكتوب إليه، وشهد الشاهدان عنده بما في الكتاب، أن على المكتوب إليه قبول كتابه، إذا كان ذلك في غير حد) (¬1). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن كتاب الحاكم إلى الحاكم إذا كان بأمر من الإمام -كما ذكرنا- فشهد عدلان عند الحاكم المكتوب إليه: إن هذا كتاب فلان الحاكم إليك، وأشهدنا على ما فيه، أن على المكتوب إليه أن يحكم به) (¬2). وقال في موضع آخر: (واتفقوا على أن من أمره الإمام الواجبة طاعته من الحكام، بقبول كتاب حاكم آخر إليه من بلد بعيد، أو بمخاطبة غيره من الولاة، أن للحاكم أن يقبل الكتاب وأن يكتب ويحكم بما ورد فيه، مما يوجب الحكم، ويحكم بكتابه من أمر بقبوله أيضًا، كذلك إذا شهد بما في نص الكتاب عدلان، وكان الكتاب مختوما، وكان إلى هذا الذي وصل إليه، وكان الذي كتبه حيا، غير معزول في حين وصول الكتاب الذي كتب به إليه، هذا في غير الحدود والقصاص، وفي غير كتابه من البلد القريب) (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (يشترط لقبول كتاب القاضي شروط ثلاثة: أحدها: أن يشهد به شاهدان عدلان، ولا يكفي معرفة المكتوب إليه خط الكاتب، وختمه، ولا يجوز له قبوله بذلك، في قول أئمة الفتوى) (¬4). • مستند الإجماع: أن ما أمكن إِتْيَانُهُ بِالشهادة لم يجز الاقْتِصار على ¬
الظاهر، كَإِثْبَاتِ العقود، ولأن الخط يشبه الخط، وَالْخَتْمُ يمكن التزوير عليه ولأنه نقل حكم أو إثبات، فلم يكن فيه بُدٌّ من شهادة عدلين، كالشهادة على الشهادة (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، الحنابلة (¬5). • الخلاف في المسألة: ذهب قضاة البصرة: الحسن، وسوار بن عبد اللَّه، وعبيد اللَّه بن الحسن العنبري، وهو قول أبي يوسف، وأبي ثور وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد القاسم بن سلام وهو إحدى الروايتين عن مالك، ومال إليه من أصحاب الشافعي أبو سعيد الإصطرخي، أنه إذا عرف القاضي المكتوب إليه خط القاضي الكاتب وختمه واتصلت بمثله كتبه، جاز أن يقبله، ويعمل بما تضمنه دون أن يشهد عليه (¬6). • دليل هذا الرأي: أن السُّنَّةَ جرت بإقامة الخط مَقَامَ الخطأ بفقد صرح الْخَصَّافُ وَالصَّفَّارُ وغيرهما في باب كتاب القاضى بذلك واستدلا بكتاب اللَّه تعالى، وبأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كَتَبَ إلى الملوك وقام الكتاب مقام الخطاب في اللُّزُومِ وَلَزِمْنَا أمر اللَّه تعالى (¬7). ¬
[28/ 2]: قيام الخط مقام الشهادة في كتاب القاضي إلى القاضي في غير الحدود
2 - الإجماع: وكذا كان في زمن الخلافة بعده -صلى اللَّه عليه وسلم-، والقضاة يعملون بذلك من لدن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا هذا من غير نكير (¬1).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على وجوب الإشهاد على كتاب القاضي إلى القاضي للحكم بما فيه وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [28/ 2]: قيام الخط (¬2) مقام الشهادة في كتاب القاضي إلى القاضي في غير الحدود • المراد بالمسألة: إذا عرف خط القاضي وختمه فإنه يقوم مقام الشاهدين في العمل بكتاب القاضي إلى القاضي، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: المرغيناني (530 هـ) حيث قال: (والقياس يأبى جواز العمل به لأنه لا يكون أقوى من عبارته، ولو حضر بنفسه مجلس المكتوب إليه وَعَبَّرَ بلسانه عما في الكتاب لم يعمل به القاضي فكيف وفيه شبهة التَّزْوِيرِ إذ الخط يشبه الخط والْخَاتَمُ الْخَاتَمَ إلا أنه يجوز لحاجة الناس لما روي أن عَلِيًّا -رضي اللَّه عنه- جَوَّزَهُ كذلك وعليه إجماع الفقهاء) (¬3). ابن نجيم الحنفي (970 هـ) حيث قال: (إنَّ السُّنَّةَ جرت بإقامة الخط مقام الخطاب فقد صرح الْخَصَّافُ وَالصَّفَّارُ وغيرهما في باب كتاب القاضي بذلك واستدل بكتاب اللَّه تعالى، وبأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب إلى ¬
الملوك، وقام الكتاب مقام الخطاب في اللُّزُومِ وَلَزِمْنَا أمر اللَّه تعالى. وكذا كان زمن الخليفة من بعده، والقضاة يعملون بذلك من لدن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا هذا من غير نكير) (¬1). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (والقياس يأبى جواز العمل به، لما فيه من شبهة التزوير، إذ الخط يشبه الخط، والخاتم يشبه الخاتم، إلا أنه جوز لحاجة الناس إليه، لحديث علي -رضي اللَّه عنه- أنه جوزه لحاجة الناس إلى ذلك وعليه أجمع الفقهاء) (¬2). محمد بن يوسف المواق (897 هـ) حيث قال نقلًا عن ابن المناصف: (وقال ابن المناصف: اتفق أهل عصرنا على قبول كتب القضاة في الأحكام والحقوق بمجرد معرفة خط القاضي، ولا يستطيع أحد فيما أظن على صرفهم عنه) (¬3). محمد أحمد الفاسي (ميارة) (1072 هـ) حيث قال: (اتفق أهل عصرنا في البلاد التي ينتهي إليها أمرنا على قبول كتاب القاضي في الأحكام، والحقوق بمجرد معرفة خط القاضي دون الشاهد على ذلك) (¬4). • مستند الإجماع: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب إلى الملوك، وقام الكتاب مقام الخطاب (¬5). .، ما روي عن الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ ومحمد بن الحسن أنهم كانوا يعملون بالكتاب إذا جاءهم بغير بَيِّنَةٍ (¬6). ¬
[29/ 2]: لا يجوز للإمام أن يولي أحدا القضاء على أن يحكم بمذهب معين
• الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬1)، وبعض المالكية (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة بعض المالكية وبعض الحنابلة حيث يرون أنه لا يجوز قبول كتاب القاضي بمجرد معرفة خطه (¬3). • دليل هذا الرأي: 1 - أن ما أمكن إتيانه بالشهادة لم يجز الاقْتِصَارُ فيه على الظاهر، كإثبات العقود (¬4). 2 - أن الخط يشبه الخط، وَالْخَتْمُ يمكن التزوير عليه، ولأنه نقل حكم أو إثبات، فلم يكن فيه بد من شهادة عدلين، كالشهادة على الشهادة (¬5).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على قيام خط القاضي مقام الشهادة في كتاب القاضي إلى القاضي بالحكم في غير الحدود وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [29/ 2]: لا يجوز للإمام أن يولي أحدًا القضاء على أن يحكم بمذهب معين • المراد بالمسألة: لا يجوز للإمام أن يولي القضاء أحدًا على أن يحكم بمذهب بعينه، لأنه مَأمورٌ بالحكم بالحق، والحق لا يتعين في مذهب بعيْنِه. ¬
وقد نقل نفي الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: الشيرازي (476 هـ) حيث قال: (ولا يجوز أن يعقد تقلّد القضاء على أن يحكم بمذهب بعينه، لقوله عز وجل {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26] والحق ما دل عليه الدليل. . . بغير خلاف نعلمه) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا يجوز أن يقلد "الإمام" القضاء لواحد على أن يحكم بمذهب بعينه. وهذا مذهب الشافعي ولم أعلم فيه خلافًا) (¬2). ووافقه على ذلك شمس الدين ابن قدامه باللفظ والمعنى (¬3). ابن مفلح الدمشقي (884 هـ) حيث قال: (لا يجوزُ أن يقلد القضاء لواحدٍ على أن يحكم بمذهب بعينه، لا نعلَمُ فيه خلافًا، لأنه مَأمورٌ بالحكم بالحق، والحق لا يتعين في مذهب بعيْنِه) (¬4). المرداوي (885 هـ) حيث قال: (لا يجوز أن يقلد القضاء لواحد على أن يحكم بمذهب بعينه، وهذا مذهب الشافعي رحمه اللَّه، ولا نعلم فيه خلافًا) (¬5). • مستند نفي الخلاف: قوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26]. • وجه الدلالة: أن الحق ما دل عليه الدليل، وذلك لا يتعين في مذهب بعينه (¬6). 2 - ولأن القاضي مأمور بالعمل بما يؤدي إليه اجتهاده بالإجماع، فلا يجوز تكليفه على الحكم بخلاف ما يؤدي إليه اجتهاده (¬7). 3 - ولأنه مَأمورٌ بالحكم بالحق، والحق لا يتعين في مذهب بعيْنِه (¬8). ¬
[30/ 2]: مشروعية قضاء القاضي بعلمه الشخصي في الجرح والتعديل
• الموافقون على نفي الخلاف: وافق على الحكم الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من نفي الخلاف في عدم جواز تقليد الإمام القضاء لأحد على أن يحكم بمذهب بعينه، وذلك لعدم وجود المخالف. [30/ 2]: مشروعية قضاء القاضي بعلمه الشخصي في الجرح والتعديل • المراد بالمسألة: أن القاضي يجوز له أن يقضي بعلمه الشخصي في التعديل والتجريح وهذا لا ينافي العمل بظاهر الأدلة فعمل القاضى في ذلك منصب على ترجيح إحدى البينتين الظاهرتين فما ثبت لديه من تعديله وجرحه جاز له القضاء به، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) حيث قال: (لا اختلاف بين الفقهاء: أن للقاضي أن يحكم بعلمه في الجرح والتعديل) (¬5). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (وذلك أن العلماء أجمعوا على أن القاضي يقضي بعلمه في التعديل والتجريح، وأنه إذا شهد الشهود بضد علمه لم يقضي به) (¬6). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وأما الجرح والتعديل فإنه يحكم فيه بعلمه بغير خلاف) (¬7). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (وأما الجرح والتعديل فإنه يحكم فيه بعلمه بغير خلافٍ) (¬8). . وقال في موضع آخر: (وكذلك اجمعوا على أنه ¬
يقضي بعلمه في تغليب حجة أحد الخصمين على حجة الآخر إذا لم يكن في ذلك خلاف) (¬1). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه يحكم بعلمه في الجرح والتعديل) (¬2). أبو الحسن التسولي المالكي (1258 هـ) حيث قال: (ويعتمد القاضي على علمه في التعديل والتجريح اتفاقًا) (¬3). • مستند الإجماع: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهند بنت عتبة رضى اللَّه عنها: "خُذي ما يكفيكِ ووَلدَكِ بالمعروف" (¬4). • وجه الدلالة: فحكم لها من غير بينة ولا إقرار لعلمه بصدقها (¬5). 2 - ما رواه عروة ومجاهد رضى اللَّه عنهما أن رجلًا من بني مخزوم استعدى عمر بن الخطاب على أبي سفيان بن حرب رضى اللَّه عنهما أنه ظلمه حدًا في موضع كذا وكذا وقال عمر إني لأعلم الناس بذلك وربما لعبت أنا وأنت فيه ونحن غلمان فأتني بأبي سفيان فأتاه به فقال له عمر يا أبا سفيان انهض بنا إلى موضع كذا وكذا فنهضوا ونظر عمر فقال يا أبا سفيان خذ هذا الحجر من هاهنا فضعه هاهنا فقال واللَّه لا أفعل فقال واللَّه لتفعلن فقال واللَّه لا أفعل فعلاه بالدرة وقال: خذه لا أم لك فضعه هاهنا فإنك ما علمت قديم الظلم. فأخذ أبو سفيان الحجر ووضعه حيث قال عمر، ثم إن عمر استقبل القبلة فقال: اللهم لك الحمد حيث لم تمتني حتى غلبت أبا سفيان على رأيه وأذللته لي بالإسلام، قال فاستقبل ¬
[31/ 2]: لا يقضي القاضي بخلاف علمه
القبلة أبو سفيان وقال اللهم لك الحمد إذا لم تمتني حتى جعلت في قلبي من الإسلام ما أذل به لعمر) (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على مشروعية قضاء القاضي بعلمه الشخصي في التعديل والتجريح وذلك لعدم وجود التهمة. [31/ 2]: لا يقضي القاضي بخلاف علمه • المراد بالمسألة: أن الحاكم لا يجوز له أن يحكم بخلاف علمه، حتى وإن شهد العدول عنده بغير علمه، ولو أقر عنده أحد الخصوم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (وذلك أن العلماء أجمعوا على أن القاضي يقضي بعلمه في التعديل والتجريح، وإنه إذا شهد الشهود بضد علمه لم يقض به، وأنه يقضي بعلمه في إقرار الخصم وإنكاره) (¬5). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (ولهذا اتفق الناس على أن الحاكم لا يجوز له أن يحكم بخلاف علمه، وإن شهد عنده بذلك العدول، وإنما يحكم ¬
بشهادتهم إذا لم يعلم خلافها، وكذلك لو أقر إقرارا علم أنه كاذب فيه مثل أن يقول لمن هو أسن منه (هذا ابني) لم يثبت نسبه ولا ميراثه اتفاقا) (¬1). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (الخلاف في جواز حكمه بعلمه ولا نزاع أنه لا يحكم بخلاف علمه) (¬2). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث قال: (وَلا يقضي القاضي بخلاف علمه، وإن قامت بَيِّنَةٌ كأن علم إبراء الْمُدَّعَى عليه مما ادعاه الْمُدَّعِي وأقام به بينة فلا يُقْضَى بِها فيه بالإجماع ولا يُقضَى في هذا بعلمه) (¬3). ابن حجر (973 هـ) حيث قال: (ولا يقضي بخلاف علمه بالإجماع وقال ابن الحسين المدني في شرح تكملة شرحه يعني: ولا يقضي القاضي بخلاف علمه بلا خلاف) (¬4). الشربيني (977 هـ) حيث قال: (ولا يقضي القاضي بخلاف علمهم بالإجماع) (¬5). شهاب الدين الرملي (1069 هـ) حيث قال: (ولا يقضي -أي لا يجوز له القضاء- بخلاف علمه، أي ظنه المؤكد بالإجماع) (¬6). • مستند الإجماع: لأنه لو حكم بخلاف علمه لكان قاطعًا ببطلان حكمه، والحكم على الباطل محرم في كل ملة، فإنه إذا رأى رجلًا قتل رجلًا، فادعى الولي القتل على غير القاتل، فأقر المدعى عليه بالقتل، أو ¬
[32/ 2]: لا يقضي القاضي بعلمه في الحدود التي تستوجب القتل
قامت به بينة عادلة، فلا يجوز له قتل غير القاتل لعلمه بكذب المقر والبينة، فلو حكم بذلك لكان حكمًا بغير حجة شرعية، بل هو أقبح من الحكم بغير حجة شرعية؛ لأنه إذا حكم بغير حجة شرعية جاز أن يكون ما حكم به حقًا موافقا للباطل (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه لا يجوز أن يقضي القاضي بخلاف علمه وذلك لعدم وجود المخالف. [32/ 2]: لا يقضي القاضي بعلمه في الحدود التي تستوجب القتل المقصود بالمسألة: أن القاضي لا يحكم بعلمه الشخصي في الحدود التي تستوجب القتل، وقد أجمع العلماء على ذلك لفساد الزمان وعظم حرمة الدماء. • من نقل الإجماع: أبو بكر بن العربي المالكي (543 هـ) حيث قال: (اتفق العلماء عن بَكْرَةِ أَبِيهِمْ على أن القاضي لا يقتل بعلمه) (¬5). الكاساني (587 هـ) حيث قال: (إما أن يقضي بعلم استفاده في زمن ¬
القضاء ومكانه وهو الموضع الذي قلد قضاءه، وإما أن يقضي بعلم استفاده قبل زمان القضاء وفي غير مكانه، وإما أن يقضي بعلم استفاده بعد زمان القضاء في غير مكانه فإن قضى بعلم استفاده في زمن القضاء وفي مكانه بأن سمع رجلًا أقر لرجل بمال أو سمعه يطلق امرأته أو يعتق عبده أو يقذف رجلًا أو رآه يقتل إنسانًا وهو قاض في البلد الذي قلد قضاءها جاز قضاؤه عندنا، ولا يجوز قضاؤه به في الحدود الخالصة بلا خلاف) (¬1). القرطبي (671 هـ) حيث قال: (وقد اتفق العلماء على أن القاضي لا يقتل بعلمه) (¬2). وقد نقله عنه ابن كثير في تفسيره (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)} [الأحزاب: 60 - 61]. • وجه الدلالة: قال مالك رحمه اللَّه: "النفاق في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الزندقة (¬4) فينا اليوم، فيقتل الزنديق إذا شهد عليه بها دون استتابة (¬5)، لأنه لا يظهر ما يستتاب منه، وإنما كف رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المنافقين ليسن لأمته ¬
[33/ 2]: قضاء القاضي بالظاهر في الأموال لا يحل حراما
أن الحاكم لا يحكم بعلمه إذ لم يشهد على المنافقين (¬1) ". 2 - قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)} [البقرة: 8]. • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقتل المنافقين مع علمه بهم وقيام الشهادة عليهم أو على أكثرهم (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن القاضي لا يقضي بعلمه الشخصي في الحدود التي تستوجب القتل وذلك لعدم وجود المخالف. [33/ 2]: قضاء القاضي بالظاهر في الأموال لا يحل حرامًا • المراد بالمسألة: إذا حكم القاضي بالظاهر لشخص بمال، وهو يعلم -المقضي له يعلم- أن ذلك المال حرام عليه فإن المال يبقى على حرمته ولا يجوز له أخذه، وحكم الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن أشياء مما يحكم بها الحاكم في الظاهر، حرام على المقضي له، مما يعلم أن ذلك حرام عليه، ومن ذلك أن يحكم له بالمال) (¬6). ¬
ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (قضاء القاضي بالظاهر الذي يعتد به لا يحل حرامًا في الباطن على من علمه، وأجمع العلماء على أن ذلك في الأموال صحيح) (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (أجمعوا على أن حكم الحاكم الظاهر الذي يعتريه لا يحل حرامًا، ولا يحرم حلالًا، وذلك في الأموال خاصة) (¬2). ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (وقد اتفق المسلمون على أن حكم الحاكم بالحقوق المرسلة لا يغير الشيء عن صفته في الباطن، فلو حكم بمال زيد لعمر لإقرار أو بينة، كان ذلك باطلًا، ولم يبح ذلك له في الباطن، ولا يجوز له أخذه باتفاق المسلمين) (¬3). الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: (وقد حكى الشافعي الإجماع على أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} [البقرة: 188]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أنه لا يحل ما أكل بالباطل، وأخذ من الحقوق، ومن فعل ذلك عالمًا به ليأكل أموال الناس بالباطل، ويدلي بذلك إلى الحاكم ليثبت الحكم فهو باطل (¬5). 2 - ما روي عن أم سلمة -رضي اللَّه عنها- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم، فقال: "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له ¬
[34/ 2]: من حكم له بالقود على من يعلم أنه بريء منه فلا يجوز له أن يقتاد منه
بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو فليتركها" (¬1). والحديث صريح الدلالة في أن ما حكم به الحاكم على ضوء ما قاله الخصم لأجل حجته وبينته، والباطن على خلاف ذلك، فهو محرم. • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على قضاء القاضي بالظاهر -في الأموال خاصة- لا يحل حرامًا وذلك لعدم وجود المخالف. [34/ 2]: من حكم له بالقود (¬6) على من يعلم أنه بريء منه فلا يجوز له أن يقتاد منه • المراد بالمسألة: هذه المسألة تبع لسابقتها، والمراد بها: أنه إذا حكم لشخص بالقود ممن يعلم أنه بريء مما حُكم له عليه بقرائن ثبتت في الظاهر فلا يجوز له أن يقتاد منه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن أشياء مما يحكم بها الحاكم في الظاهر، حرام على المقضى له، مما يعلم أن ذلك حرام عليه. . . ومن ذلك القود على من يعلم أنه بريء مما حكم له عليه ببينات ثبتت في الظاهر) (¬7). الخطابي (388 هـ) حيث قال: (وفيه أنه لا يجوز للمقضي له بالشيء ¬
[35/ 2] قول القاضي حجة تامة
أخذه إذا علم أنه لا يحل له فيما بينه وبين اللَّه، وقد أجمع العلماء على هذا في الدماء والأموال) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن أم سلمة -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم، فقال: "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو فليتركها" (¬2). • وجه الدلالة: أن الحديث صريح الدلالة على أن ما حكم به الحاكم على ضوء ما قاله الخصم لأجل حجته وبينته، والباطن على خلاف ذلك، فهو محرم ويستوي في ذلك الدماء والأموال لأن الحديث عام (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • الخلاصة: صحة ما نقل من الإجماع على أن من حكم له بالقود على من يعلم أنه بريء منه فلا يجوز له أن يقتاد منه وذلك لعدم وجود مخالف. [35/ 2] قول القاضي حجة (¬8) تامة • المراد بالمسألة: أن قول القاضي حجة تامة فإذا قال القاضي قد ¬
قضيت على هذا بالرجم فارجمه أو بالقطع فاقطعه أو بالضرب فاضربه وسعك فعله (¬1) وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: السرخسي (483 هـ) حيث قال: (أن مباشرته القضاء قول ملزم، فكذلك إخباره بالقضاء، والدليل عليه أنه لا يستقضي في كل بلدة أكثر من واحد فلو كانت الحجة لا تتم بمجرد خبر القاضي به لجرى الرسم بإيجاد القاضين في كل بلدة لصيانة الحقوق كما جرى الرسم به في الشهود، وفي الاكتفاء بقاض واحد في كل بلدة دليل الإجماع من المسلمين على أن مجرد قول القاضي حجة تامة) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]. • وجه الدلالة: طاعة أولي الأمر واجبة، وفي تصديقه طاعة (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، ولم أقف على أقوال أخرى لبقية المذاهب حسب ما أطلعت عليه من كتب الفقهاء. • الخلاف في المسألة: نقل الخلاف عن بعض الأحناف حيث يرون أنه لا يؤخذ بقول القاضي على إطلاقه حتى تظهر الحجة، جاء عن محمد بن الحسن الشيباني أنه قال: (لا تأخذ بقوله حتى تعاين الحجة) (¬5). • دليل هذا الرأي: أن قوله القاضي يحتمل الغلط والخطأ، والتدارك غير ممكن، وعلى هذه الرواية لا يقبل كتابه، واستحسن المشايخ هذه الرواية ¬
[36/ 2]: لا تنقض الأحكام السابقة بتغير اجتهاد القاضي
لفساد حال أكثر القضاة في زماننا إلا فِي كِتَابِ الْقَاضِي لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ (¬1).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن قول القاضي حجة تامة وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [36/ 2]: لا تنقض الأحكام السابقة بتغير اجتهاد القاضي • المراد بالمسألة: يقصد بتغير اجتهاد القاضي: أنه إذا قضى في حادثة محل اجتهاد برأيه ثم رفعت اليه مسألة أخرى مماثلة فتغير اجتهاده الفقهي، فإنه يعمل بالرأي الثاني، ولا يوجب هذا نقض الحكم بالرأي الأول، ولو رفعت إليه مسألة أخرى ثالثة فتحول رأيه الفقهي إلى الأول يعمل به ولا يبطل قضاؤه بالرأي الثاني بالعمل بالرأي الأول، كما لا يبطل قضاؤه الأول بالعمل بالرأي الثاني (¬2)، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه لا يحل لمفتٍ ولا قاضٍ أن يحكم بما يشتهي مما ذكرنا في قصة، وبما اشتهى مما يخالف ذلك في أخرى مثلها، وإن كان كلا القولين مما قال به جماعة من العلماء، ما لم يكن ذلك لرجوع عن خطأ لاح له، إلى صواب بان له) (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه إذا حكم الحاكم باجتهاده ثم بان له اجتهاد يخالفه فإنه لا ينقض الأول، وكذلك إذا رفع إليه حكم غيره فلم يره فإنه لا ينقضه (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وأما إذا تغير اجتهاده من غير أن يخالف نصًا ولا إجماعًا أو خالف اجتهاده اجتهاد من قبله لم ينقضه ¬
لمخالفته لأن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أجمعوا على ذلك) (¬1). وقال أيضًا: (كالحاكم إذا اجتهد في حادثة ثم حدث مثلها، لزمه إعادة الاجتهاد، وهذا مذهب الشافعي، فإن تغير اجتهاده عمل بالثاني ولم يعد ما صلى بالأول، كما لو تغير اجتهاد الحاكم عمل بالثاني في الحادثة الثانية ولم ينقض حكمه الأول وهذا لا نعلم فيه خلافا) (¬2). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (قضى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وأخويها لأبيها وأمها وأخويها لأمها، فأشرك عمر بين الإخوة للأم والأب والإخوة للأم في الثلث، فقال له رجل: إنك لم تشرك بينهم عام كذا وكذا، قال عمر: تلك ما قضينا يومئذ، وهذا ما قضينا اليوم، فأخذ أمير المؤمنين في كلا الإجتهادين، بما ظهر له أنه الحق، ولم يمنعه القضاء الأول من الرجوع إلى الثاني، فجرى أئمة الإسلام بعده على هذين الأصلين) (¬3). شمس الدين السيوطي (880 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الحاكم إذا حكم باجتهاده، ثم بأن له اجتهاد يخالفه فإنه لا ينقض) (¬4). أبو عبد اللَّه الدمشقي (898 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الحاكم إذا حكم باجتهاده، ثم بأن له اجتهاد يخالفه، فإنه لا ينقض الأول) (¬5). • مستند الاتفاق: ما روي عن الحكم بن مسعود الثقفي قال: شهدتُ عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أشرك الإخوة مع الأب والأم مع الأخوة من الأم في الثلث، فقال له رجلٌ: لقد قضيت عام أَوَّلَ بغير هذا، قالَ: فكيفَ ¬
قضيتُ، قالَ: جَعَلْتَهُ للإخوة من الأب والأم، ولم تجعل للإخوة من الأم شيئًا، قالَ: تلكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وهَذِهِ على مَا نقضي) (¬1). 2 - ما روي عن الشعبي أنه قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقضي بالقضاء، ثم ينزل القرآن بغير الذي قضى به فلا يرده ويستأنف" (¬2). • وجه الدلالة: دلت الأحاديث السابقة على أن القاضي إذا قضى في حادثة باجتهاده ثم رأى خلاف ما قضى به، لم ينقض ما مضى من القضاء، لكنه يستأنف الحكم في المستقبل بما يحول إليه رأيه، لأن رأيه الحادث في مقابلة الرأي الأول، دون القرآن النازل في مقابلة ما حكم به الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل ذلك ثم ينزل القرآن مع ذلك لم ينقض ما مضى من الحكم، فبتغير الرأي أولى (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم نقض اجتهاد القاضي السابق باجتهاد لاحق وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[37/ 2]: لا تجوز الشفاعة في الحدود بعد بلوغها للحاكم
[37/ 2]: لا تجوز الشفاعة في الحدود بعد بلوغها للحاكم • المراد بالمسألة: أن الشفاعة في الحد بعد بلوغها الحاكم (الإمام، الخليفة، القاضي) لا تجوز شرعًا لوجوب حق اللَّه تعالى، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أنه إذا بلغ الإمام -أي الحد- لم تجز الشفاعة فيه، لأن ذلك إسقاط حق وجب للَّه تعالى) (¬1). النووي (676 هـ) حيث قال: (أجمع العلماء على تحريمها -أي الشفاعة- بعد بلوغ الإمام (¬2) نقله عنه ابن حجر (¬3)، والخطيب الشربيني (¬4)، والبكري الدمياطي (¬5) باللفظ والمعنى. القاري (1014 هـ) حيث قال: (وقد أجمعوا على تحريم الشفاعة في الحد بعد بلوغه إلى الإمام) (¬6). الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (وتحرم الشفاعة بعد البلوغ إلى الإمام وأنه يجب على الإمام إقامة الحد، وقد نقل الإجماع على ذلك) (¬7). ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (لا خلاف بين الفقهاء في تحريم الشفاعة في حد من حدود اللَّه بعد بُلُوغِهِ إلى الحاكم) (¬8). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ¬
وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النور: 2]. • وجه الاستدلال: أن الشفاعة في الحد رأفة في إقامة دين اللَّه، والرأفة هنا منهي عنها بقوله تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] (¬1). 1 - ما روي عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: "أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَخطَبَ، فَقَالَ: إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأيْمُ اللَّهِ: لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رهب في الشفعة في الحد وقد بلغ الإمام لوجوب الحد بعد البلوغ باعتباره حق للَّه. وهذا ما بينه ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- في قوله من حلت شفاعته دون حد من حدود اللَّه فقد ضاد اللَّه في حكمه (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والشوكاني (¬8). ¬
[38/ 2]: انعقاد اليمين على نية المستحلف ولا تنفع التورية
Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم مشروعية الشفاعة في الحدود بعد بلوغها للإمام وذلك لعدم وجود المخالف. [38/ 2]: انعقاد اليمين على نية (¬1) المستحلف ولا تنفع التورية • المراد بالمسألة: إذا ادعى رجل حقًا على رجل فحلفه القاضي، فحلف متوريًا، فنوى غير ما نواه القاضي، انعقدت يمينه على ما نواه المستحلف، ولا تنفعه التورية، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو بكر بن العربي المالكي (543 هـ) حيث قال: (ولم ينفعه ما نوى إذا أضمر من معنى اليمين خلاف الظاهر منها، لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك" (¬2). وهو حديث صحيح ومعنى قويم متفق عليه) (¬3). النووي (676 هـ) حيث قال: (إذا ادعى رجل حقًا على رجل فحلفه القاضي، فحلف وورى، فنوى غير ما نواه القاضي، انعقدت يمينه على ما نواه القاضي، ولا تنفعه التورية، وهذا مجمع عليه، ودليل على هذا الحديث والإجماع) (¬4). . وقال في موضع آخر: (واعلم أن التورية وإن كان لا يحنث بها فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق مستحق، وهذا مجمع عليه) (¬5). ¬
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا ينفع الحالف تأويله، وبهذا قال الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفًا) (¬1). ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (ونظير هذا أن يتأول الحالف من يمينه إذا استحلفه الحاكم لفصل الخصومة، فإن يمينك على ما يصدقك به صاحبك، والنية للمستحلف في مثل هذا باتفاق المسلمين ولا ينفعه التأويل وفاقًا) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ" (¬3) وما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "اليمين على نية المستحلف" (¬4) • وجه الدلالة: أن الأحاديث صريحة في أن العبرة في اليمين بنية المستحلف. - أن اليمين مقصودها تخويف الحالف ليرتاع عن الجحود، خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة، فمتى ساغ (¬5) التأويل له، انتفى ذلك، وصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق (¬6). ¬
[39/ 2]: جواز القضاء على الخصم الغائب في حقوق العباد
• الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4)، والشوكاني (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على انعقاد اليمين على نية المستحلف وذلك لعدم وجود المخالف. [39/ 2]: جواز القضاء على الخصم (¬6) الغائب (¬7) في حقوق العباد • المراد بالمسألة: يصح القضاء على الخصم الغائب عن مجلس الحكم إذا صح الحق قِبلَه، وذلك في حقوق العباد دون حقوق اللَّه تعالى، فلو قامت البينة على الغائب بسرقة مثلًا يحكم بالمال دون القطع، وقد نقل نفي الخلاف على ذلك. ¬
• من نقل نفى الخلاف: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (ويصح القضاء على الغائب إذا صح الحق قِبلَه، وهو قول عمر وعثمان ولا أعلم في ذلك خلافًا) (¬1). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: والقضاء على الغائب في حقوق الآدميين دون حق اللَّه تعالى جائز بالاتفاق (¬2). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (يصح الحكم على الغائب أي في حقوق الآدميين دون حق اللَّه تعالى بالاتفاق، فلو قامت البينة على الغائب بسرقة مثلًا حكم بالمال دون القطع) (¬3). شهاب الدين الرملي (1069 هـ) حيث قال: (والدليل الواضح أنه صح عن عمر وعثمان -رضي اللَّه عنهما- الْقَضَاءُ على الغائب ولا مخالف لهما من الصحابة وَاتِّفَاقُهُمْ على سماع البينة عليه فَالْحُكْمُ مثلها، وَالْقِيَاسُ على سماعها على مَيِّتٍ وَصَغِيرٍ مع أنهما أعجز عن الدفع من الغائب) (¬4). • مستند نفي الخلاف: قوله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26]، • وجه الدلالة: أن الذي شهدت به بينة المدعي على الغائب حق، فوجب الحكم به (¬5). 2 - قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه" (¬6). ¬
• وجه الدلالة: أن الحديث دل على سماع بينة المدعي، ولم يذكر حضور الخصم المدعى عليه، فاشتراط حضوره مجلس الحكم زيادة على ما في هذا الحديث (¬1). 3 - ما روي عن عائشة -رضي اللَّه عنهما- قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك بالمعروف" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى على أبي سفيان وهو غائب عن مجلس الحكم، فدل على جواز الحكم على الغائب (¬3). 4 - أن الغيبة لا تصلح مانعًا من الحكم على الغائب، لأنه لو حضر لكان بين إقرار وإنكار، فإن أقر فالبينة موافقة، وإن أنكر فالبينة حجة عليه (¬4). 5 - اتِّفَاقُهُمْ -أي الفقهاء- على سماع البينة عليه فَالْحُكْمُ مثلها (¬5). 6 - الْقِيَاسُ على سماعها على مَيِّتٍ وَصَغِيرٍ مع أنهما أعجز عن الدفع ¬
عن الغائب (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على الحكم المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • الخلاف في المسألة: ذهب الحنفية (¬5)، والشافعية في قول (¬6)، ورواية عند الحنابلة (¬7)، إلى أنه لا يصح الحكم على الخصم الغائب مطلقًا سواء كان داخل البلد أم خارجه وسواء كان مستترًا أم لا. • أدلة هذا القول: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع. . . الحديث" (¬8). • وجه الدلالة: أن القضاء مبنى على سماع كلام الخصوم، وهذا مقتضٍ حضورهما، أما الغائب فلم يسمع منه، فلا يجوز القضاء عليه (¬9). 2 - ما جاء عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى اليمن قاضيًا، فقلت يا رسول اللَّه: ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء، فقال "إن اللَّه سيهدي قلبك وبثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين لأحد حتى تسمع من الآخر فإنه أحرى أن يثبت لك ¬
[40/ 2]: لا يكلف المدعي بإحضار بيتنة على جحود خصمه للحق عند القضاء على الغائب
القضاء" قال: فمازلت قاضيًا، أو فما شككت في قضاء بعد (¬1). • وجه الدلالة: أن الحديث نص في المنع من الحكم على أحد إلا بعد سماع قوله، والغائب لا يمكن سماع قوله فلم يجز الحكم عليه (¬2). 2 - القياس على الحكم للغائب، وبيانه: أن من لم يجز الحكم له، لم يجز الحكم عليه كالحاضر (¬3).Rعدم تحقق الإجماع من مشروعية القضاء على الخصم الغائب وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [40/ 2]: لا يكلف المدعي بإحضار بيتنة على جحود (¬4) خصمه للحق عند القضاء على الغائب • المراد بالمسألة: يجوز القضاء على الخصم الغائب إن كان عليه بينة وادعى المدعي جحوده، دون أن يطالب المدعي بإحضار بينة على الجحود، فإن قال: هو مقر لم تسمع بينته ولغت دعواه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشربيني (977 هـ) حيث قال: (وادّعاء المدّعي على الغائب جحوده، أي الحق المدعَى به شرطٌ لصحة الدعوى وسماع البينة على الغائب، ولا يكلف البينة بالجحود بالاتفاق) (¬5). ابن حجر (974 هـ) حيث قال: (وادعى المدعي جحوده) أي الحق ¬
[41/ 2]: جواز الإنابة القضائية بالتنفيذ
المدعى به وهذا شرط لصحة الدعوى وسماع البينة على الغائب ولا يكلف البينة بالجحود بالاتفاق كما حكاه الإمام (¬1). عبد الحميد المكي الشرواني (1301 هـ) حيث قال معلقًا على ادعاء المدعي لجحود المدعى عليه: (وهذا لشرط لصحة الدعوى وسماع البينة على الغائب ولا يكلف البينة بالجحود بالاتفاق) (¬2). • مستند الإجماع: لأن الغائب قد يعلم جحوده في غيبته، ويحتاج إلى إثبات الحق، فتجعل غيبته كسكوته (¬3). . وكذلك إذا كان يدعي جُحُودَهُ في الحال فهو مُحَالٌ لأنه لا يعلم وإن كان يدعي جُحُودَهُ لما كان حاضرًا فالقضاء في الحال لا يرتبط بِجحُودِ ماضٍ (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الشافعية (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم اشتراط البينة بالجحود في القضاء على الخصم الغائب وذلك لعدم وجود المخالف. [41/ 2]: جواز الإنابة القضائية بالتنفيذ • المراد بالمسألة: للقاضي أن يكتب بحكمه إذا طلب منه صاحب الحق، إلى قاضي البلد الذي فيه الخصم الهارب بعد الحكم عليه لتنفيذ الحكم عليه، ويلزم المكتوب إليه قبوله، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن للقاضي أن يكتب للمحكوم له كتابا بحكم له يشهد له فيه، إن أحب ¬
[42/ 2]: لا يحكم القاضي فيما يحتاج إلى ترجمة إلا بمترجمين عدلين
المحكوم له ذلك، أو دعا إليه) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وكتاب القاضي على ضربين: أحدهما: أن يكتب بما حكم به، وذلك مثل أن يحكم على رجل بحق، فيغيب قبل إيفائه، فيسأله المحكوم له أن يكتب له كتابًا يحمله إلى قاض البلد الذي فيه الغائب، فيكتب له إليه، . . ففي هذه الصور يلزم الحاكم إجابته إلى الكتابة ويلزم المكتوب إليه قبوله، سواء كانت بينهما مسافة بعيدة أو قريبة، لا نعلم في هذا خلافًا) (¬2) ووافقه شمس الدين ابن قدامة باللفظ والمعنى (¬3). • مستند الاتفاق: أن كتاب القاضي إلى القاضي وسيلة إثبات شرعية فالأصل قبوله في كل ما يحكم به (¬4) وأيضا أنه كتاب قاض بما ثبت عنده فجاز قبوله (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق على الحكم الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9).Rصحة ما نقل من الاتفاق على مشروعية الإنابة القضائية بالتنفيذ وذلك لعدم وجود مخالف. [42/ 2]: لا يحكم القاضي فيما يحتاج إلى ترجمة إلا بمُترجمين (¬10) عدلين • المراد بالمسألة: أن القاضي يجب ألا يحكم إلا بترجمة شخصين ¬
عدلين تتوفر فيهما شروط الشهادة، لأن ترجمة الشخص الواحد لكلام أو عقود الخصمين أو أحدهما كشهادته عليه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفق أهل العلم على أن الحكم يجب بترجمة العدلين، واختلفوا في إيجاب الحكم بترجمة الواحد) (¬1). نقله عنه القطان في الإقناع بلفظه ومعناه (¬2) الشوكاني (1250 هـ) نقلا عن الكرماني، حيث قال: وقال الكرماني: (لا نزاع لأحد أنه يكفي ترجمان واحد عند الإخبار، وأنه لا بد من اثنين عند الشهادة) (¬3). • مستند الإجماع: القياس على الشاهد والمزكي: لأنه ينقل إلى القاضي قولًا لا يعرفه فأشبه الشهود والمزكين (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬5)، الشافعية (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الأحناف (¬7)، وبعض ¬
[43/ 2]: عدم وجوب القضاء من قضاة المسلمين بين أهل الذمة إلا إن رضوا بتحكيم شرع الله.
الحنابلة (¬1) حيث يرون أنه يكفي في الترجمة واحد عدل. قال ابن القيم: والاكتفاء بواحد قول أبي حنيفة وهو الصحيح (¬2). • دليل هذا القول: ما روي عن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره أن يتعلم كتابة اليهود، يقول حتى كتبت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كتبه وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه (¬3). • وجه الدلالة: النص واضح الدلالة في جواز الاكتفاء بترجمة ترجمان واحد فهو فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابة رضوان اللَّه عليهم من بعده (¬4).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن القاضي لا يحكم فيما يحتاج الى ترجمة الا بمترجمين عدلين وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [43/ 2]: عدم وجوب القضاء من قضاة المسلمين بين أهل الذمة إلا إن رضوا بتحكيم شرع اللَّه. • المراد بالمسألة: أنه إذا كان مع المسلمين في البلد غيرهم من أهل الذمة فإنه لا يلزم قضاة المسلمين القضاء بينهم، ويجوز للقاضي المسلم أن يحكم بين أهل الذمة إذا تظالموا وترافعوا إليه ورضوا بحكمه، وليحكم بينهم بحكم الإسلام (¬5)، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث قال: (الذي أحفظ من قول أصحابنا وقياسه أنهم لا ينظرون فيما بين أهل الكتاب ولا يكشفونهم عن شيء من أحكامهم فيما بينهم وأنهم لا يلزمون أنفسهم الحكم بينهم إلا أن ¬
يتدارءوا هم والمسلمون فإن فعلوا فلا يجوز أن يحكم لمسلم ولا عليه إلا مسلم فهذا الموضع الذي يلزمون أنفسهم النظر بينهم فيه فإذا نظروا بينهم وبين مسلم حكموا بحكم المسلمين لا خلاف في شيء منه بحال) (¬1). ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه إن حكم بين الذميين الراضين بحكمه مع رضا حكام أهل دين الذميين، أن ذلك له، وأنه يحكم بما أوجبه دين الإسلام) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42]. • وجه الدلالة: ما قاله الشافعي: لم أعلم مخالفًا من أهل العلم بالسير "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما نزل بالمدينة وادع يهود كافة على غير جزية وأن قول اللَّه عز وجل {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] إنما نزلت في اليهود الموادعين الذين لم يعطوا جزية ولم يقروا بأن يجري عليهم الحكم (¬3). 2 - أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام بالمدينة وبها يهود وبخيبر ووادع القرى وباليمن، وكذلك في زمان أبي بكر وصدرا من خلافة عمر حتى أجلاهم وكانوا بالشام، والعراق، واليمن؟ ولم يسمع لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيهم بحكم إلا رجمه يهوديين موادعين تراضيا بحكمه بينهم، ولا لأبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي -رضي اللَّه عنهم- وهم بشر يتظالمون ويتدارءون ويختلفون ويحدثون فلو لزم الحكم بينهم لزوم الحكم بين المسلمين لتفقد منهم ما يتفقد من المسلمين (¬4). ¬
[44/ 2]: اتخاذ القاضي حاجبا أمينا
• الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه لا يلزم القضاة من المسلمين أن يقضوا بين أهل الذمة إلا إذا رضوا بحكمهم وذلك لعدم وجود المخالف. [44/ 2]: اتخاذ القاضي حاجبًا أمينًا • المراد بالمسألة: يشترط في الحاجب (¬4) أو الأمين أو البواب الذي يتخذه القاضي أن يكون أمينًا حسن الأخلاق عفيفا، عارف بمقادير الناس، لا يرتشي، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (واتفق العلماء على أنه يستحب تقديم الأَسْبَقِ فَالأَسْبَقِ والمسافر على المقيم ولا سيما إن خشي فوات الرُّفْقَةِ، وأن من اتخذ بَوَّابًا أو حَاجِبًا أن يتخذه أمينًا ثقة عفيفًا عارفًا حسن الأخلاق عارفًا بمقادير الناس) (¬5)، ونقله عنه الشوكاني باللفظ والمعنى (¬6). ابن فرحون (799 هـ) حيث قال: (أن يتخذ الحاكم رجلًا من أهل العدل والرضا. . . مجمع عليه) (¬7). ¬
[45/ 2]: لا يجوز تنفيذ حكم مكتوب بخط والد القاضي
• مستند الإجماع: ينبغي أن يكون الحاجب أمينا لا يطمع ولا يرتشي، فإنه من أعوان القضاة فكما لا يطمع هو فيما يقضي. فكذلك ينبغي أن يكون أمينه وحاجبه وبوابه (¬1). لانه قد يطلع من الخصوم على ما لا ينبغي أن يطلع عليه أحد، وقد يُرْشَى على الْمَنْعِ وَالإِذْنِ، وقد يُخَافُ منه على النِّسْوَانِ إذَا احْتَجْنَ إلى خصام، فكل من يستعين به القاضي على قضائه أو مشورته لا يكون إلا ثقة مأمونًا (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب أمانة من يعين حاجبًا وبوابًا وذلك لعدم وجود المخالف. [45/ 2]: لا يجوز تنفيذ حكم مكتوب بخط والد القاضي • المراد بالمسألة: لا يجوز للقاضي أن ينفذ حكمًا وجده مكتوبًا بخط أبيه، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (بدليل الإجماع على أنه لو وجد بخط أبيه شهادة لم يجز له أن يحكم بها، ولا يشهد بها، ولو وجد حكم أبيه مكتوبًا بخطه، لم يجز له إنفاذه) (¬1). ووافقه شمس الدين ابن قدامة باللفظ والمعنى (¬2). المرداوي (885 هـ) حيث قال بعد أن ذكر الرواية المشهورة عند الحنابلة فيما يجده القاضي قمطرة (¬3)، وتحت ختمه وبخطه -من غير أن يشهد عليه أحد- أنه لا ينفذ، ثم قال: (كخط أبيه بحكم أو شهادة، لم يشهد أو يحكم بها إجماعًا) (¬4). • مستند الإجماع: أن إنفاذ القاضي لحكم وجده مكتوبًا بخط أبيه مما يدخل فيه الريبة لأن الخطوط يشبه بعضها بعضًا وتحتمل التزوير، ولأن القضاء والشهادة أمرهما خطير وعظيم، فلا تجوز إلا بالعلم (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم مشروعية تنفيذ حكم ¬
[46/ 2]: حصر التقليد فى المذاهب الأربعة إذا لم يكن القاضي مجتهدا
مكتوب بخط والد القاضي وذلك لعدم وجود المخالف. [46/ 2]: حصر التقليد فى المذاهب الأربعة إذا لم يكن القاضي مجتهدًا • المراد بالمسألة: أن القاضي إذا لم يكن مجتهد فعليه أن يقلد المذاهب الأربعة فقط لأنها هي التي عرفت بالحق وأجمعت الأمة على صحتها، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (أن الإجماع انعقد على تقليد كل من المذاهب الأربعة، وأن الحق لا يخرج عنهم) (¬1). • الموافقون على الإجماع: لم أعثر على من وافق على هذا الإجماع، ولا على مستند للإجماع. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3) حيث يرون أن التقليد لا ينحصر في المذاهب الأربعة بل يجوز تقليد غيرهم من الثقات. قال ابن مفلح الدمشقي: (الإجماع ليس عبارة عن الأربعة وأصحابهم). وقال الرحيباني: (كلام الإفصاح فيه نظر، بل يجوز تقليد غيرهم من الثقات) (¬4). • دليل هذا القول: ما روى عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "اختلاف أمتى ¬
[47/ 2]: جواز الصلح بين الخصمين
رحمة" (¬1) وما روى عن ابن عباس مرفوعا عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "مهما أوتيتم من كتاب اللَّه فالعمل به لا عذر لأحد فى تركه، فإن لم يكن فى كتاب اللَّه فسنة نبي ماضية، فإن لم تكن سنة نبي فما قال أصحاب، إن أصحابي بمنزلة النجوم فى السماء فَأيُّهَا أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة" (¬2).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على وجوب حصر التقليد في المذاهب الأربعة للقاضي غير المجتهد وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [47/ 2]: جواز الصلح (¬3) بين الخصمين • المراد بالمسألة: أنه يشرع للقاضي أن يعرض الصلح على المتخاصمين ويحضهم عليه، وقد نقل الإجماع على جواز ذلك. • من نقل الإجماع: أبو الحسن الماوردي (450 هـ) حيث قال: (والأصل في جواز الصلح: الكتاب والسنة والأثر والاتفاق. . . .، وأما الاتفاق: فهو إجماع المسلمين على جواز الصلح، وإباحته في الشرع) (¬4). ¬
السرخسي (483 هـ) حيث قال: (كتب علي -رضي اللَّه عنه- إلى أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- "كل صلح جائز بين الناس إلا صلحًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا" وهذا اللفظ من الأول لكتاب عمر -رضي اللَّه عنه- إلى أبي موسى الأشعري قد اشتهر فيما بين الصحابة- رضوان اللَّه عليهم فما ذكر فيه، فهو كالمجمع عليه منهم) (¬1). أبو بكر بن العربي (543 هـ) حيث قال لما ذكر حديث كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده (¬2): (فقد روي من طرق عديدة، ومقتضى القرآن، وإجماع الأمة على لفظه ومعناه) (¬3). العمراني (558 هـ) حيث قال: (الأصل في جواز الصلح: الكتاب والسنة والإجماع وأما الإجماع: فإن الأمة أجمعت على جوازه) (¬4). الكاساني (587 هـ) حيث قال: (وعن سيدنا عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن، وقد أمر -رضي اللَّه عنه- برد الخصوم إلى الصلح مطلقًا وكان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام -رضي اللَّه عنه- ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعًا من الصحابة فيكون حجة قاطعة) (¬5). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: كتاب الصلح: (والأصل في هذا الكتاب قوله تعالى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} وما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرفوعا ¬
وموقوفا على عمر (إمضاء الصلح خير بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا) واتفق المسلمون على جوازه على الإقرار) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وروى أبو هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الصلح بين المسلمين جائز إلا صلحًا حرم حلالًا أو أحلّ حرامًا"، وروري عن عمر: أنه كتب إلى أبي موسى بمثل ذلك، وأجمعت الأئمة على جواز الصلح) (¬2). . ووافقه شمس الدين ابن قدامة باللفظ والمعنى (¬3). النووي (676 هـ) حيث قال: (والصلح أنواع: صلح بين المسلمين والكفار، وصلح بين الإمام والبغاة، وبين الزوجين عند الشقاق، وصلح في المعاملة، وهو مقصود الفصول. والأصل فيه، الإجماع، لقوله تعالى في سورة النساء: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (¬4). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (وأجمعت الأمة على جواز الصلح في الجملة) (¬5). الحداد (800 هـ) حيث قال بعد أن ذكر أصله من الكتاب والسنة (وأجمعت الأمة على جوازه) (¬6) ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (وهو -أي جواز الصلح- ثابت بالإجماع) (¬7). ¬
زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث قال بعد أن ذكر أنواع الصلح: (والأصل فيه قبل الإجماع. . .) (¬1). ابن حجر (974 هـ) حيث قال بعد أن ذكر تعريفه: (وأصله قبل الإجماع آيات. . .) (¬2). الشربيني (977 هـ) حيث قال: (وهو أنواع. . . . والأصل فيه قبل الإجماع) (¬3). عبد الرحمن القاسم (1392 هـ) حيث قال بعد ذكر تعريف الصلح: (وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، وقوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]. ما روي عن كثير بن عبد اللَّه بن عوف المزني عن أبيه، عن جده، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الصُّلْحُ جَائِز بَين المُسْلِمِين. إِلَّا صُلحًا حَرَّمَ حَلَالًا أوْ أحَلَّ حَرَامًا والمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أو أحَلَّ حَرَامًا" (¬5). ما روي عن محارب قال: قالَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: رُدُّوا الخصومَ حتَّى ¬
[48/ 2]: تحريم المصالحة على بعض الحق الذي عليه.
يَصْطَلِحُوا، فإنَّ فَصْلَ القضاءِ يُحْدِثُ بينَ القومِ الضغائنَ (¬1) (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3) والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز الصلح بين الخصمين وذلك لعدم وجود المخالف. [48/ 2]: تحريم المصالحة على بعض الحق الذي عليه. • المراد بالمسألة: أنا من اعترف بحق، وامتنع عن الأداء، إلا بالمصالحة على بعضه، فهذا الصلح لا يجوز، ويعد صاحبه مقترفًا للحرام، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: عون الدين بن هبيرة (560 هـ): حيث قال: (واتفقوا على أن من علم أن عليه حقًا، فصالح على بعضه، لم يحل) (¬8). ¬
أبو عبد اللَّه الدمشقي حيث قال: (اتفق الأئمة على أن من علم أن عليه حقًا، فصالح على بعضه، لم يحل) (¬1). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]. • وجه الدلالة: أن من علم أن عليه حقًا وصالح على بعضه، يكون قد هضم حق غيره، فيعد آكلًا لأموال الناس بالباطل (¬2). ما روي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا أحل حرامًا، أو حرم حلالًا، والمسلمون عند شروطهم" (¬3). • وجه الدلالة: أن من صالح على بعض الحق الذي عليه وهو عالم به، يكون قد أحل ما حرم اللَّه عليه) (¬4). - أنه عالم بالحق، قادر على إيصاله إلى مستحقيه، معتقدًا أنه غير محق، فيكون فعله محرمًا (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق على الحكم الأحناف (¬6)، والمالكية (¬7)، وابن حزم الظاهري (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على تحريم المصالحة على بعض الحق الذي عليه بعد اعترافه به وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[49/ 2]: بطلان المصالحة في حقوق الله.
[49/ 2]: بطلان المصالحة في حقوق اللَّه. • المراد بالمسألة: أن من شروط المصالح عنه: أن يكون مملوكًا للمصالِح، فإذا صالح على حق من حقوق اللَّه -وهي الحقوق العامة التي يعود نفعها للعموم، وليست خاصة بشخص معين- فالصلح عنها باطل، كالزنا والسرقة وشرب الخمر، وقد نقل نفي الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: الكاساني (587 هـ) حيث قال: (لا خلاف في حد الزنا والشرب والسكر والسرقة، أنه لا يحتمل العفو والإبراء، بعد ما ثبت بالحجة) (¬1). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (وفيه -أي حديث زيد بن خالد في قصة العسيف- أن الحد لا يقبل الفداء، وهو مجمع عليه في الزنا، والسرقة، والحرابة، وشرب المسكر) (¬2). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (ولا يجوز -أي الصلح- في دعوى حد. . . وصورته: أخذ زانيًا أو شارب خمر، فصالح على مال أن لا يرفعه إلى الحاكم فهو باطل، ولا نعلم فيه خلافًا) (¬3). الزرقاني (1122 هـ) حيث قال: (والحد لا يقبل الفداء، وهو مجمع عليه في الزنا والسرقة والشرب والحرابة) (¬4). • مستند نفي الخلاف: ما روي عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني -رضي اللَّه عنهما- أنهما قالا: إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه. فقال الخصم الآخر: نعم ¬
فاقض بيننا بكتاب اللَّه وأذن لي. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: قل، قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا، فزنى بامرأته، وإني اخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة، وتغريب عام، وأن على إمرأة هذا الرجم. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب اللَّه، الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك مائة جلدة، وتغريب عام، وأغد يا أنيس (¬1) إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها. قال: فغدا إليها، فاعترفت، فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت (¬2). • وجه الدلالة: أن الرجل أراد المصالحة عن إقامة الحد على ابنه، فردها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولو كانت جائزة لقبلها (¬3). 2 - ما روي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال، قال النبي -رضي اللَّه عنه-: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا، أو حرم حلالًا" (¬4). • وجه الدلالة: أن الصلح على إسقاط الحد يعد من الصلح الذي ¬
[50/ 2]: جواز العوض في الصلح عن الجناية
أحل الحرام (¬1). 3 - أن الحد حق اللَّه تعالى، وليس ملك للآدمي، والإعتياض عن حق الغير لا يجوز (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على الحكم الحنابلة (¬3)، وابن حزم الظاهري (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على بطلان المصالحة في حقوق اللَّه وذلك لعدم وجود المخالف. [50/ 2]: جواز العوض (¬5) في الصلح عن الجناية • المراد بالمسألة: إذا وقعت جناية تستوجب قصاصًا، فللجاني أن يصالح المجني عليه أو أولياءه، على مال يدفعه إليهم، على حسب ما يتفقون عليه، سواء قَلَّ هذا المال عن دية الخطأ، أم كان أكثر من مقدار الدية، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشلبي (947 هـ) نقلًا عن الإسبيجابي حيث يقول: (قال الإسبيجاني: والصلح من كل جناية فيها قصاص على ما قل من المال أو كثر جائز، بالكتاب والسنة وإجماع الأمة) (¬6). ¬
بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (ويصح عن جناية العمد والخطأ وكذا عن كل حق يجوز أخذ العوض عنه بلا خلاف) (¬1). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178]. • وجه الدلالة: ذكر بعض المفسرين أن المراد بالعفو هنا الصلح عن دم العمد، ومعناها من بُذِل له بدل أخيه المقتول مال، فليتبع ذلك فهو من المعروف (¬2). 2 - ما روي عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كسَرَت الربيع ثنية جارية من الأنصار، فطلب القوم القصاص، فأتوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقصاص، فقال أنس بن النضر -عم أنس بن مالك-: لا واللَّه لا تكسر سنها يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (يا أنس كتاب اللَّه القصاص) فرضي القوم، وقبلوا الأرش، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن من عباد اللَّه من لو أقسم على اللَّه لأبره) (¬3). • وجه الدلالة: أن هذه جناية أوجبت القصاص من الربيع، ولما عفا القوم ورضوا بالأرش، أقرهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليه (¬4). 3 - ما روي عن أبي شريح الكعبي -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إنكم معشر خزاعة (¬5) قتلتم هذا القتيل من هذيل (¬6)، وإني عاقله، فمن قُتِل له ¬
[51/ 2]: جواز حكم القاضي بالقيافة
قتيل بعد اليوم، فأهله بين خيرتين: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل) (¬1). • وجه الدلالة: أن العقل المراد به: مصالحة أولياء الدم عن القتل إلى المال يأخذونه بدلًا عنه، وقد فعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فدل على جوازه (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على العوض في الصلح عن الجناية وذلك لعدم وجود المخالف. [51/ 2]: جواز حكم القاضي بالقيافة (¬6) • المراد بالمسألة: يجوز للقاضي أن يأخذ برأي أهل القيافة ويحكم بموجبه لأنهم أهل اختصاص، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (فقضى عمر ¬
بمحضر من الصحابة بالقيافة من غير إنكار من واحد منهم فكان كالإجماع تقوى به أدلة القيافة، قالوا: وهو مروي عن ابن عباس وأنس بن مالك ولا مخالف لهما من الصحابة) (¬1). • مستند الإجماع: ما رواه الزهري عن عروة عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "دخل علي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مسرورا فقال: يا عائشة ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي وعندي أسامة بن زيد فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة وقد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال: هذه أقدام بعضها من بعض" (¬2). 2 - ما رواه الزهري عن عائشة أم المؤمنين قالت: "دخل قائف ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك وأعجبه" (¬3). • وجه الدلالة: الحديث دل على اعتبار القيافة في ثبوت النسب (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم المالكية والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، ابن حزم (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الأحناف (¬8) حيث نقل ¬
السرخسي فى مبسوطه أن قول القائف لو كان حجة لأمر الشرع بالمصير إليه عند نفي النسب وهذا لم يكن لأن قول القائف رجما بالغيب ودعوى لما استأثر اللَّه عز وجل بعلمه (¬1). دليل هذا القول: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أتاه رجل فقال: أنا أسود شديد السواد، وقد ولدت امرأتي ولدا أبيض فليس مني، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم- هل لك من إبل؟ فقال: نعم. فقال -صلى اللَّه عليه وسلم- ما لونها؟ قال: حمر. فقال -صلى اللَّه عليه وسلم- هل فيها من أورق؟ فقال: نعم فقال -صلى اللَّه عليه وسلم- ما ذاك؟ فقال: لعل عرقا نزعه. فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-، (ولعل هذا عرقا نزع) (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أنه لا عبرة للشبه (¬3)، كما أن القيافة حكم بالظن (¬4). 2 - أن ثبوت نسب أسامة -رضي اللَّه عنه- كان بالفراش لا بقول القائف إلا أن المشركين كانوا يطعنون في ذلك لاختلاف لونهما، وكانوا يعتقدون أن عند القافة علم بذلك، وأن بني المدلج هم المختصون بعمل القيافة، وجز ريشهم فلما قال ما قال كان قوله ردا لطعن المشركين فإنما سر به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لهذا، لا لأن قول القائف حجة في النسب شرعا (¬5).Rعدم صحة ما نقل من الإجماع على جواز حكم القاضي بالقيافة لوجود المخالف. ¬
[52/ 2]: للقاضي الحق باستخلاف غيره
[52/ 2]: للقاضي الحق باستخلاف غيره • المراد بالمسألة: يجوز للقاضي أن يستخلف غيره متى أذن له الإمام بذلك، وإن نهاه عنه، لم يكن له أن يستخلف، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فإذا ولى الإمام قاضيًا، استحب له أن يجعل له أن يستخلف، لأنه قد يحتاج إلى ذلك، فإن أذن له في الاستخلاف، جاز بلا خلاف نعلمه، وإن نهاه عنه، لم يكن له أن يستخلف) (¬1). ووافقه على ذلك شمس الدين ابن قدامة باللفظ والمعنى (¬2). ابن فرحون المالكي (799 هـ) حيث قال: (وإذا نهى الإمام القاضي عن الاستخلاف لم يكن له أن يستخلف، وإن أذن له فيه جاز بلا خلاف) (¬3) بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء، إلا أن يفوض إليه ذلك، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد رحمهم اللَّه ولو أذن له في الاستخلاف يجوز بلا خلاف، ولو نهاه عن الاستخلاف لا يجوز بلا خلاف) (¬4). • مستند الإجماع: أن القاضي كالوكيل عن الإمام، وتصرفات الوكيل مبنية على مقتضى إذن الموكل، وكذلك القاضي يتصرف على مقتضى ما أذن له الإمام فيه (¬5). ¬
[53/ 2]: لا يقضي القاضي لنفسه ولا لمن لا تجوز له شهادته
• الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز أن يستخلف القاضي -من حيث الأصل- غيره وذلك لعدم وجود المخالف. [53/ 2]: لا يقضي القاضي لنفسه ولا لمن لا تجوز له شهادته • المراد بالمسألة: أن القاضي يكون متهما إذا قضى لنفسه أو لمن لا تجوز له شهادته. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وقد أجمع العلماء، على أن القاضي لا يقضي لنفسه) (¬5). القاضي عياض (544 هـ) حيث قال: (وقد أجمع العلماء أن القاضي لا يقضي لنفسه ولا لمن تجوز شهادته عليه) (¬6). نقله عنه ابن مفلح باللفظ والمعنى (¬7). ابن رشد الحفيد (595 هـ) حيث قال: (اتفقوا على أنه يقضي لمن ليس يتهم عليه) (¬8). النووي (676 هـ) حيث قال: (أجمع العلماء على أن القاضي لا يقضي لنفسه) (¬9). ¬
[54/ 2]: خطأ القاضي في غير الحكم على عاقلته
ابن نجيم الحنفي (970 هـ) حيث قال: (الْقَاضِي لا يَقْضِي لِنَفْسِهِ بِالإِجْمَاعِ) (¬1). البهوتي (1051 هـ) حيث قال بعد ذكره لعدم جواز القاضي لنفسه: (وقد حكى الإجماع على هذه المسألة أهل العلم) (¬2) • مستند الإجماع: ما روي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أنكر الأعرابي استيفاء ثمن الناقة منه. وقال هلم شاهدا قال: لم يشهد لي حتى شهد خزيمة -رضي اللَّه عنه- (¬3). • وجه الدلالة: إذا كان هذا في حق من هو معصوم عن الكذب -صلى اللَّه عليه وسلم- فما ظنك في القاضي (¬4). 2 - القياس على الشهادة: لأن ولاية القضاء فوق ولاية الشهادة، وإذا لم تجز شهادتهم له -أي الأقارب- فلئلا يجوز قضاؤه لهم أولى (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬6)، المالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9).Rصحة الإجماع وذلك لعدم وجود المخالف. [54/ 2]: خطأ القاضي في غير الحكم على عاقلته • المراد بالمسألة: إذا أخطأ القاضي فى غير الحكم والاجتهاد فإن ¬
[55/ 2]: للقاضي تنفذ الحكم بالقوة ومعاقبة الممتنع عن التنفيذ
خطأه على عاقلته اذا كان مما تحمله العاقلة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وأما خطأ الإمام والحاكم في غير الحكم والاجتهاد فهو على عاقلته بغير خلاف إذا كان مما تحمله العاقلة) (¬1). • مستند الإجماع: ولأنه جار فكان خطؤه على عاقلته كغيره، فالقاضي في غير مجلس القضاء يجري عليه ما يجري على غيره، فديته على عاقلته كغيره (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الشافعية (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن خطأ القاضي في غير الحكم على عاقلته وذلك لعدم وجود المخالف. [55/ 2]: للقاضي تنفذ الحكم بالقوة ومعاقبة الممتنع عن التنفيذ • المقصود بالمسألة: إذا لم يستجيب المحكوم عليه لحكم القاضي أجبر على تنفيذ الحكم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وقد أجمعوا في الرجل يقضي عليه القاضي بحق لآخر فيمتنع من أدائه، فواجب على القاضي أن يأخذه من ماله، فإن نصب دونهما الحرب قاتله حتى يأخذه منه، وإن أتى القتال على نفسه) (¬4). ¬
[56/ 2]: يجوز للقاضي حبس المتهم مجهول الحال
ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (ولا أعلم منازعًا في أن من وجب عليه حق من دين أو عين وهو قادر على وفائه ويمتنع منه أنه يعاقب حتى يؤديه) (¬1). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (وأما عقوبة من عرف أن الحق عنده وقد جحده، فمتفق عليها بين العلماء، لا نزاع بينهم أن من وجب عليه حق من عين أو دين -وهو قادر على أداءه- وامتنع منه، أنه يعاقب حتى يؤديه، ونصوا على عقوبته بالضرب، ذكر ذلك الفقهاء من الطوائف الأربعة) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليُّ الواجد يحل عقوبته وعرضه". قال وكيع: عرضه، شكايته، وعقوبته حبسه (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والشافعية (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن للقاضي تنفيذ الحكم بالقوة ومعاقبة الممتنع عن التنفيذ وذلك لعدم وجود المخالف. [56/ 2]: يجوز للقاضي حبس المتهم مجهول الحال • المقصود بالمسألة: أن القاضي يجوز له أن يحبس المتهم مجهول ¬
الحال حتى ينكشف له حاله، إذا كان من أهل التهم أم لا، فإن لم يكن أفرج عنه وإن كان منهم استمر في حبسه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (القسم الثاني: أن يكون المتهم مجهول الحال لا يعرف ببرأ وفجور، فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام) (¬1). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (وإذا كان المتهم مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور، فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام) (¬2). أبو عبد اللَّه ابن الأزرق (896 هـ) نقلا عن ابن فرحون المالكي حيث قال: (الحالة الثالثة: أن يجهل أمره في البراءة منها، أو الاتصاف بمثلها، فهذا يحبس، حتى ينكشف حاله. قال ابن فرحون: وهذا حكمه عند عامة علماء الإسلام) (¬3). • مستند الإجماع: ما روي عن بهز بن حَكِيمٍ، عنْ أَبِيهِ عنْ جَدَّهِ، أنَّ النبيَّ حَبَسَ رَجُلًا في تُهْمَةِ ثُم خَلَّى عَنْهُ (¬4). وما روي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: أن النبي حبس رجلًا في تهمة يومًا وليلة استظهارًا واحتياطًا (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7)، ¬
[57/ 2]: لا يجوز أن يقضي القاضي لأحد بمجرد دعواه
والشوكاني (¬1).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه يجوز للقاضي حبس مجهول الحال وذلك لعدم وجود المخالف. [57/ 2]: لا يجوز أن يقضي القاضي لأحد بمجرد دعواه • المراد بالمسألة: أن القاضي لا يقضي لمدعي بمجرد دعواه في دم أو مال، بل لا بد أن يسال المدعي عن البينة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أنه لا يعطى أحد بدعواه، وأن البينة عليه فيما يدعيه إذا لم يقر له به المدعى عليه) (¬2). وقال في موضع آخر: (وأجمعوا أن شريعة المسلمين وسنتهم في الدماء والأموال لا يقضى فيها بالدعاوى المجردة) (¬3) أبو الوليد الباجي (474 هـ) حيث قال: (ولا خلاف أنه لا يحكم لأحد بدعواه المجردة عن البينة) (¬4). النووي (676 هـ) حيث قال: (وأجمع العلماء على أنه لا يجب قصاص ولا دية بمجرد الدعوى حتى تقترن بها شبهة يغلب الظن بها) (¬5). علاء الدين التركماني (750 هـ) حيث قال: (أجمع العلماء على أن من استهلك شيئا لا يغرم إلا مثله أو قيمته وأنه لا يعطى أحد بدعواه) (¬6). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (والذي شرع الحكم بالقَسامة هو الذي شرع أن لا يعطي أحد بدعواه المجردة، وكلا الأمرين حق من عند اللَّه، ¬
لا اختلاف فيه) (¬1). الزرقاني (1122 هـ) حيث قال: (أجمع العلماء أنه لا يغرم من استهلك شيئًا إلا مثله أو قيمته وأنه لا يعطى أحد بدعواه لحديث: "لو أعطي قوم بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم") (¬2). • مستند الإجماع: ما روي ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: قال لي رسول اللَّه: "لَوْ يُعْطَى الناسُ بِدَعْوَاهُمْ، لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلكِنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ" (¬3). • وجه الدلالة: منع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يعطى أحد بدعواه دمًا، أو مالا، ولم يوجب للمدعي فيه بدعواه إلا باليمين (¬4). ما روي عن عَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدهِ، أَنَّ النبيَّ قَالَ في خُطْبتِهِ: "الْبيِّنَةُ عَلَى الْمُدّعِي، وَاليمِينُ عَلَى الْمُدعَى عَلَيْهِ" (¬5). • وجه الدلالة: أن المدعي مكلف بتقديم البينة حتى يحكم له بها القاضي، فإن لم يقدمها لا يجوز للقاضي أن يحكم له (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
[58/ 2]: لا تجوز عقوبة البريء
والشافعية (¬1) والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن القاضي لا يقضي لأحد بمجرد دعواه وذلك لعدم وجود المخالف. [58/ 2]: لا تجوز عقوبة البريء • المراد بالمسألة: أن المتهم إما أن يكون ليس معروفًا بالفجور، وإما أن يكون من أهل الفجور، وإما أن يكون مجهول الحال لا يعرف الحاكم حاله، فإن كان برًا لم تجز عقوبته. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (فإن المتهم إما أن يكون ليس من أهل تلك التهمة، أو فاجرًا من أهل تلك التهمة، أو يكون مجهول الحال لا يعرف الحاكم حاله. فإن كان برًا لم تجز عقوبته بالاتفاق) (¬3). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (فإن المتهم أما أن يكون بريئا ليس من أهل تلك التهمة، أو فاجر من أهلها، أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم حاله، فإن كان بريئًا لم يجز عقوبته اتفاقًا) (¬4). الحطاب الرعيني (954 هـ) حيث قال: (وفي الجزء الثالث من تبصرة ابن فرحون. . . إذا كان المدعى عليه بذلك ليس من أهل تلك التهمة، فهذا النوع لا تجوز عقوبته اتفاقًا) (¬5). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَمنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ ¬
هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44]. وقوله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]. • وجه الدلالة: أن العدل الذي أمر اللَّه عز وجل به يقتضي أن لا يعاقب البريء ومن ليس من أهل التهم (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنها لا تجوز عقوبة البريء وذلك لعدم وجود المخالف. * * * ¬
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب القسمة
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب القسمة [59/ 2]: مشروعية القسمة • المراد بالمسألة: أن القسمة جائزة وقد شرعها اللَّه للمسلمين للعمل بأحكامها، ودليل مشروعيتها ثابت بكتاب اللَّه عز وجل وسنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وإجماع العلماء وقد تعارف الناس من لدن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على العمل بها بدون نكير فكانت شرعيتها متوارثة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: السرخسي (483 هـ) حيث قال: (والسنة ما اشتهر من قسمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، الغنائم (¬1) بين الصحابة رضوان اللَّه عليهم وقسمة المواريث وغير ذلك، والناس يتعاملون بها من لدن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومنا هذا فكان إجماعًا) (¬2). الكاساني (587 هـ) حيث قال بعد أن ذكر مشروعيتها بالكتاب والسنة: (وأما الإجماع فإن الناس استعملوا القسمة من لدن رسول اللَّه إلى يومنا هذا من غير نكير فكانت شرعيته متوارثة) (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وأجمعت الأمة على جواز القسمة) (¬4). النسفي (710 هـ) حيث قال: (وهي جائزة بالكتاب قال اللَّه {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28]، وقال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8]، ¬
وبالسنة لأنه عليه الصلاة والسلام باشرها في الغنائم والمواريث، وعلى جوازها انعقد الإجماع) (¬1). الزيلعي (762 هـ) حيث قال: (وهي جائزة بالكتاب: قال اللَّه تعالى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] وقال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8]. . وعلى جوازها انعقد الإجماع) (¬2). البابرتي (786 هـ) حيث قال: (القسمة في الأعيان المشتركة مشروعة، لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- باشرها في المغانم والمواريث، وجرى التوريث بها من غير نكير، فكان إجماعًا) (¬3). ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: (القسمة في الأعيان المشتركة مشروعة اتفاقًا. . وجرى التوريث بها من غير نكير) (¬4). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (والإجماع على جوازها. وسنده قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)} [القمر: 28] (¬5). زكريا الأنصاري (926) حيث قال: (كتاب القسمة) هي تمييز الحصص بعضها من بعض والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] (¬6). على القاري الهروي (1014 هـ) حيث قال: (وجوازها بالكتاب والسُّنَّةِ وإجماع الأمة وأمّا الإجماع فلتوارث الأمة القسمة من غير نكير أحد من الأئمة) (¬7). ¬
سليمان بن عمر العجلي المصري (1204 هـ) حيث قال: (وهي تمييز الحصص (¬1) بعضها من بعض، والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] (¬2). ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (وأجمعت الأمة على مَشْروعيتها) (¬3). • مستند الإجماع: قول اللَّه تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)} [القمر: 28]. • وجه الدلالة: أن قوله ونبئهم، دليل على جواز القسمة (¬4). قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النساء: 8]. • وجه الدلالة: هذا أمر بعطية تعطى من الأموال الموروثة فأمر الورثة أن يسهموا لمن يحضر القسمة من ذوي قرابتهم، وفيه دليل بين -وإن اختلفوا حول نسخ الآية- على جواز القسمة (¬5). ما رواه البخاري عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: "قَضى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشفعةِ (¬6) في كلّ ما لم يُقْسَم، فإذا وَقَعَتِ الحُدودُ وصرِفتِ الطّرُقُ فلا شُفعةَ" (¬7). • وجه الدلالة: أن أدنى درجات فعله عليه الصلاة والسلام الشرعية (¬8). ¬
[60/ 3]: جواز قسمة العقار بالتراضي ومن غير ضرر يلحق أحد الشركاء.
- أن فيها -أي القسمة- إنصاف الشركاء، وإظهار العدل بإِيصَالِ الحق إلى مُسْتَحِقِّهِ فكان واجبًا (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على مشروعية القسمة وذلك لعدم وجود المخالف. [60/ 3]: جواز قسمة العقار بالتراضي ومن غير ضرر يلحق أحد الشركاء. • المراد بالمسألة: أن العقارات من الأراضي والدور يجوز أن تقسم بالتراضي من غير ضرر يلحق أحد الشركاء، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال بعد ذكره اشتراط التراضي وعدم الضرر بين الشركاء عند القسمة: (وقد أجمعوا على جواز هذه القسمة) (¬6). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (فأما الرباع (¬7) والأصول، فيجوز أن تقسم بالتراضي وبالسهمة إذا عدلت بالقيمة، اتفق أهل العلم على ذلك) (¬8). ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وفي) جواز جمع (العلو وَالسُّفْلِ) ¬
[61/ 3]: جواز قسمة الماء.
في القسم بالقرعة من دَارٍ واحدةٍ الصَّالِحَيْنِ له ومنعه (تأويلان)، وأما بالتراضي فجائز اتفاقا) (¬1). الخرشي (1101 هـ) حيث قال: (وفي العلو وَالسُّفْلِ تأويلان أي هل يجوز أن يجمع بينهما في القسم بناء على أنهما كالشيء الواحد أو لا يجوز الجمع بينهما في قسمة بناء على أنهما كالشيئين المختلفين ولا يجمع بينهما في ذلك فيهما، وأما قسمة الْمُرَاضَاةِ فيجوز الجمع بينهما بلا خلاف) (¬2). • مستند الإجماع: أنّ في القسمة معنى المبادلة فتصحّ بالتّراضي كسائر المعاوضات (¬3)، وصح الاقتسام بانفسهم بالتراضي، بلا أمر القاضي، لولايتهم على أنفسهم وأموالهم (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، المالكية (¬6)، والشافعية (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب قسمة العقار بالتراضي ومن غير ضرر يلحق أحد الشركاء وذلك لعدم وجود المخالف. [61/ 3]: جواز قسمة الماء. • المراد بالمسألة: أن الماء يجوز قسمته بين أصحابه إذا طلب أحد الشركاء أو بعضهم ذلك، وأن الأصل أن تكون قسمة المياه مهاياة (¬8)، ¬
وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: السرخسي (483 هـ) حيث قال: (وقسمة الماء بين الشركاء جائزة، بعث رسول اللَّه والناس يفعلون ذلك فأقرّهم عليه والناس تعاملوه من لدن رسول اللَّه إلى يومنا هذا من غير نكير منكر) (¬1). أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال: (وتصح قسمة الأمواه (¬2)، إذ فعله المسلمون من غير نكير، فكان إجماعا) (¬3). أبو عبد اللَّه المواق (897 هـ) حيث قال: (تفسير قسمة الماء بالقلد إن تحاكموا فيه وأجمعوا على قسمه) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28]. • وجه الدلالة: أن قوله وَنَبِّئْهُمْ دليل على جواز القسمة (¬5). قوله تعالى {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)} [الشعراء: 155]. • وجه الدلالة: استدل بالآية على جواز قسمة الماء، نحو الآبار على هذا الوجه (¬6). - ما روي عن كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف الْمُزَنِيِّ، عن أبيه، ¬
[62/ 3]: عدم جواز قسمة الذهب والفضة جزافا
عن جده، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُبَدَّأُ بِالْخَيْلِ يَوْمَ وِرْدِهَا" (¬1). • وجه الدلالة: أن البدء بالخيل دليل على التوالي وهو واضح الدليل على جواز القسمة مهايأة (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز قسمة الماء وذلك لعدم وجود المخالف. [62/ 3]: عدم جواز قسمة الذهب والفضة جزافًا (¬7) • المراد بالمسألة: أن الذهب أو الفضة إذا قسما مجازفة فيقع الاشتراك بين المتقاسمين في الاستحقاق لا يجوز، لأنه من قبيل الازدياد المنهي عنه والداخل في باب الربا، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) حيث قال بعد ذكره لعدم الجواز في المسألة: (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم فكان إجماعًا) (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وأما المعنى الذي ورد في هذا الحديث من تحريم الازدياد في الذهب بالذهب، فمعنى مجتمع عليه عند الفقهاء لا خلاف فيه) (¬2). ابن حجر (852 هـ) نقلا عن ابن بطال: (وكذلك مجازفة الذهب والفضة، كأنه ألحق النقد بالعرض للجامع بينهما وهو المالية، لكن إنما يتم ذلك في قسمة الذهب مع الفضة، أما قسمة أحدهما خاصة -حيث يقع الاشتراك في الاستحقاق- فلا يجوز إجماعًا. قاله ابن بطال) (¬3). بدر الدين العينيي (855 هـ) حيث قال: (قسمة الذهب بالذهب مجازفة والفضة بالفضة مما لا يجوز بالإجماع) (¬4). القرطبي (671 هـ) حيث قال: (بعد قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- "الذهب بالذهب تِبْرُها (¬5) وعَيْنها والفضة بالفضة تبرها وعينها والبُرُّ بالبرّ مُدْيٌ بمُدْيٍ والشعير بالشعير مدْي بمُدْي والتمر بالتمر مُدْيٌ بمُدْيٍ والملحُ بالملح مُدْيٌ بمُدْيٍ فمن زاد أو ازداد فقد أرْبَى ولا بأس يبيع الذهب بالفضة والفضةُ أكثرهما يدًا بيد ¬
[63/ 3]: جواز قسمة الغنائم فى دار الحرب.
وأما نَسِيئة فلا ولا بأس ببيع البرِّ بالشعير والشعيرُ أكثرهما يدًا بيد وأما نسِيئة فلا". وأجمع العلماء على القول بمقتضى هذه السُّنّة وعليها جماعة فقهاء المسلمين) (¬1). • مستند الإجماع: ما رواه مسلم عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِير بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإذَا اخْتَلَفَتْ هذ الأصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ" (¬2). • وجه الدلالة: أما عدم جواز القسمة مجازفة فلأن فيها معنى التمليك (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم جواز قسمة الذهب والفضة جزافًا وذلك لعدم وجود المخالف. [63/ 3]: جواز قسمة الغنائم فى دار الحرب. • المراد بالمسألة: إذا غنم المسلمون في غزواتهم أو حروبهم أو سراياهم شيئا، فيجوز لهم اقتسامه في دار الحرب قبل عودتهم إلى دار الإسلام، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: حمد بن الحسن الجوهري (350 هـ) حيث قال: ¬
(وأجمعوا على إباحة قسمة الغنائم في دار الحرب بل استحبوا ذلك) (¬1). الفخر الرازي (606 هـ): حيث قال عند شرح قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [الأنفال: 41]. . (دلت الآية على أنه يجوز قسمة الغنائم في دار الحرب. . وذلك جائز بالاتفاق) (¬2). أبو الحسن بن القطان (628 هـ) حيث قال: (أجمعوا على إباحة قسمة الغنائم في دار الحرب) (¬3). • مستند الإجماع: ما رواه البخاري عن قتادةَ أنَّ أنَسًا -رضي اللَّه عنه- أخبرَه قال: "اعتمرَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أربعَ عُمَر كلُّهنَّ في ذي القَعدة، إِلّا التي كانت مع حجته عمرةً من الْحُديبية (¬4) في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرةً من الجِعْرانة (¬5) حيث قسم غنائم حُنَين (¬6) في ذي ¬
القعدة، وعمرة مع حَجَّتِه" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قسم الغنائم قبل العودة إلى دار الإسلام. ما روى أبو إسحاق الفزاري: قال: قلت للأوزاعي هل قسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا من الغنائم بالمدينة؟ قال: لا أعلمه إنما كان الناس يتبعون غنائمهم ويقسمونها في أرض عدوهم ولم يقفل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن غزاة قط أصاب فيها غنيمة إلا خمسه وقسمه من قبل أن يقفل من ذلك غزوة بني المصطلق وهوازن وخيبر ولأن كل دار صحت القسمة فيها جازت كدار الإسلام (¬2). - أن الملك ثبت فيها بالقهر والاستيلاء فصحت قسمتها كما لو أحرزت بدار الإسلام والدليل على ثبوت الملك فيها أمور ثلاثة: أحدها: أن سبب الملك الاستيلاء التام وقد وجد فإننا أثبتنا أيدينا عليها حقيقة وقهرناهم ونفيناهم عنها والاستيلاء يدل على حاجة المستولي فيثبت الملك كما في المباحات. الثاني: أن ملك الكفار قد زال عنها بدليل أنه لا ينفذ عتقهم في العبيد الذين حصلوا في الغنيمة ولا يصح تصوفهم فيها، ولم يزل ملكهم إلا غير مالك إذ ليست في هذه الحال مباحة علم أن ملكها زال إلى الغانمين. الثالث: أنه لو أسلم عبد الحربي ولحق بجيش المسلمين صار حرًا وهذا يدل على زوال ملك الكافر وثبوت الملك لمن قهره (¬3). ¬
• الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم بعض الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الحنفية، حيث يرون أن الغنائم لا ينبغي قسمتها في دار الحرب حتى يعودوا إلى دار الإسلام. نقل ذلك ابن عبد البر حيث قال: (واختلف الفقهاء في قسمة الغنائم في دار الحرب. فذهب مالك والشافعي والأوزاعي وأصحابهم: إلى أن يَقْسِمُها الإمام على العَسْكَرِ في دار الحرب. قال مالك: وهم أولى بها منه. وقال أبو حنيفة: لا تقسم الغنائم في دار الحرب) (¬5). ونقل الخلاف في المسألة ابن المنذر حيث قال: (واختلفوا في قسم الغنائم في دار الحرب، فكان مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور يقولون: يقسمها الإمام فى دار الحرب إن شاء، وقال أصحاب الرأي: لا ينبغي لإمام المسلمين إذا أصابوا غنائم في دار الحرب، أن يقسموا شيئا من ذلك، حتى يحرزوه إلى دار الإسلام) (¬6). • دليل هذا القول: ما رواه الزيلعي في نصب الراية عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه: (نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب) (¬7). • وجه الدلالة: والبيع في معنى القسمة، فكما لا يجوز البيع كذلك لا تجوز القسمة (¬8). ¬
[64/ 3]: اشتراط إثبات ملكية العقار قبل تقسيمه
2 - أن الملك لا يتم عليها بالاستيلاء، ولا يتمّ الاستيلاء إلا بإحرازها في دار الإسلام، وتمام الاستيلاء يحصل بإحرازها بأيدي المسلمين (¬1).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على جواز قسمة الغنائم في دار الحرب وذلك لوجود المخالف. [64/ 3]: اشتراط إثبات ملكية العقار قبل تقسيمه • المراد بالمسألة: لا يجوز قسمة العقار بين الشركاء سواء آل إليهم عن طريق الشراء أو الميراث أو الهبة إلا بعد إثباتهم ملكيتهم الكاملة للعقار، فلا يمكن قسمته إذا لم يثبتوا ملكيتهم بطرق الإثبات الشرعية، وهذا على النقيض من المنقول الذي يقسم بين الشركاء دون إثبات الشركاء للملكية وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (يقسم باعترافهم كما فى الصُّور الأخر، ولا إن برهنا أنَّ العقارَ معهما حتى يبرهنا أنه لهما، اتفاقًا) (¬2). الشرنبلالي المصري (1069 هـ) حيث قال: (حَتَّى يُبَرْهِنَا أَنَّهُ لَهُمَا) يَعْنِي إنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ فِي الْعَقَارِ وَلَمْ يَذْكرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيهمْ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرهِمَا قِيلَ هَذَا قَولُ أَبِي حَنيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى خَاصَّةً وَقِيلَ هوَ قَوْلُ الْكُلِّ) (¬3). • مستند الإجماع: الْقِسْمَةَ ضَرْبَانِ لِحَقِّ الْمِلْكِ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعةِ وَلحَقِّ الْيَدِ تَتْمِيمًا لِلحِفْظِ وَامْتَنَعَ الْأَوَّلُ هُنَا لِعَدَمِ الْملْكِ وكَذَا الثَّانِي لِلإسْتِغْناءِ عَنْهُ ¬
[65/ 2]: جواز أخذ من يتولى القسمة أجرا من بيت المال
لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ (¬1). كذلك أن الحيازة في العقار ليست سببا للملكية، فقد يكون في أيديهم -أي العقار- والملك للغير (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم بعض الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • الخلاف في المسألة: شيخي زاده الحنفي (1078 هـ): حيث قال معقبا على قسمة العقار (وغير العقار يقسم إجماعًا) لأن في قسمته نظرًا لاحتياجه إلى الحفظ كما مر (وكذا العقار المشترى) يقسم اتفاقًا لأن من في يده شيء فالظاهر أنه له، وفي رواية لا يقسم حتى يقيموا البينة على الملك لجواز أن يكون فى أيديهم والملك للغير (¬6). • دليل المخالف: أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْإِقْرَارَ أَمَارَةُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ كمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالعَقَارِ الْمُشْتَرَى، وَهَذَا لِأنَّهُ لَا مُنكِرَ وَلَا بَينةَ إلا عَلَى الْمُنْكِرِ فَلَا يُفِيدُ (¬7).Rعدم صحة ما نقل من الإجماع على اشتراط إثبات ملكية العقار قبل تقسيمه، وذلك لوجود المخالف. [65/ 2]: جواز أخذ من يتولى القسمة أجرًا من بيت المال • المراد بالمسألة: أنه يجوز للإمام أن يجري للقاسم رزقا من بيت المال ليقسم بين الناس كما هو حال القضاة والعمال وكل ما يحتاج إليه المسلمون، والقاسم يحتاجه المسلمون ليقسم بينهم، وقد نقل الإجماع ¬
على ذلك. • من نقل الإجماع: محمد بن عبد اللَّه الخراشي (1010 هـ) حيث قال: (أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَرْزَقَ الْقُسَّامَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ) (¬1). محمد بن عبد اللَّه الخراشي (1010 هـ) حيث قال: (إن القسّام يجوز ارتزاقهم من بيت مال المسلمين كالقضاة والعمال وكل ما يحتاج إليه المسلمون وحاصله على ما فى المدونة والتوضيح أن الإمام إذا أرزق القسام من بيت المال فذلك جائز بلا خلاف قسموا أم لا وإن أرزقهم الإمام أو القاضى على أن فى كل تركة أو شركة كذا وكذا قسموا أم لا فذلك ممنوع بلا خلاف) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي أن عليًّا -رضي اللَّه عنه-، اتخذ قاسمًا هو عبد اللَّه بن يحيى الكندي كان يقسم الدور والأرضين ويأخذ على ذلك رزقًا في بيت المال. (¬3). 2 - لأنه من المصالح، فأشبه رزق الحاكم، والمراد أن كل عامل يعمل للمسلمين من خليفة أو غيره قام بأمر من أمور المسلمين وبشريعته فلا بدّ أن يكفي مؤنته وإلا ضاع (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، ¬
[66/ 3]: جواز القسمة بأجر.
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز أخذ القاسم أجر من بيت المال. وذلك لعدم وجود المخالف [66/ 3]: جواز القسمة بأجر. • المراد بالمسألة: أن الشركاء إذا أرادوا أن يستأجروا قاسم أو أكثر ليقسموا بينهم مقابل أجر معلوم، فهذا أمر أجازه العلماء وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الدسوقي (1320 هـ) حيث قال: (وأما الشركاء إذا تراضوا على من يقسم لهم بأجر معلوم فذلك جائز بلا خلاف) (¬4). الخرشي (1010 هـ) حيث قال: (وَأَمَّا الشُّرَكَاءُ أَوْ الْوَرَثَةُ إذَا تَرَاضَوْا عَلَى مَنْ يَقْسِم لَهمْ بِأجْرٍ مَعْلومٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ) (¬5). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء: 29]. • وجه الدلالة: (عن تراض منكم) دليل على أن كل المعاملات المبنية على التراضي دون غبن جائزة، ومنها تراضي الشركاء على إعطاء القاسم أجر القسمة. ¬
[67/ 3]: أجرة ما يتبع القسمة تكون على قدر الأنصباء
• الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز القسمة بأجر وذلك لعدم وجود المخالف. [67/ 3]: أجرة ما يتبع القسمة تكون على قدر الأنصباء • المراد بالمسألة: أن أجرة القاسم على عدد رؤوس الأنصباء بالتساوي في كل ما يتبع القسمة من كيل أو وزن أو بناء حائط أو هدم حائط أو لإصلاح محل المقسوم وهكذا. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (اخْتلفوا في أنَّ أُجْرَةَ القسمة على الرؤوس أو الأنصباء، واتفقوا على أن أجرة الكيل ونحوه على الأنصباء) (¬5). برهان الدين بن مازة (570 هـ) حيث قال: (وإذا استأجروا من يبني حائطًا مشتركًا أو يطبق سطحًا مشتركًا أو يكري نهرًا أو يصلح قناة فالأجر بينهما على قدر الأنصباء بالإجماع) (¬6). القاضي عياض (544 هـ) حيث قال: (إن كان فيها عمل الفريضة وحساب الأمر والقبض فيجب أن يكون عليهم بغير خلاف، لأن المنفعة لجميعهم) (¬7). ¬
[68/ 3] جواز القرعة في القسمة
القرافي (684 هـ) حيث قال: (إن كان فيها -أي القسمة- عمل الفريضة والحساب والقبض، يجب -أي الأجر- عليهم اتفاقًا، ولولا عمل الحساب لم تحقق الأنصباء) (¬1). • مستند الإجماع: أنه حق يتعلق بالمال لإزالة الضرر عن الشركاء فكان على قدر الأنصباء كالشفعة (¬2). 2 - أن الأجرة بمقابلة العمل وعمله في حق الكل على السواء فكانت الأجرة عليهم على السواء (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن أجرة ما يتبع القسمة تكون على قدر الأنصباء وذلك لعدم وجود المخالف. [68/ 3] جواز القرعة في القسمة • المراد بالمسألة: صفة القسمة بالقرعة: أن تقسم الفريضة وتحقق وتضرب إن كان في سهامهم كسر إلى أن تصح السهام، ثم يقوم كل موضع منها وكل نوع من غراساتها، ثم يعدل على أقل السهام بالقيمة، فربما عدل جزء من موضع ثلاثة أجزاء من موضع آخر على قيم الأرضين ومواضعها، فإذا قسمت على هذه الصفات وعدلت كتبت في بطائق أسماء الأشراك وأسماء الجهات، فمن خرج اسمه في جهة أخذ منها، وقيل يرمى بالأسماء في الجهات، فمن خرج اسمه في جهة أخذ منها، فإن كان أكثر من ذلك السهم ضوعف له حتى يتم حظه، فهذه هي حال قرعة ¬
السهم في الرقاب (¬1)، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الطحاوي ت (321 هـ) حيث قال: (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعمل بها، فيما قد أجمع المسلمون على العمل بها فيه من بعده) (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (تشاح الناس يوم القادسية في الأذان فأقرع بينهم سعد، وأجمع العلماء على استعمالها في القسمة، ولا أعلم بينهم خلافًا في أن الرجل يقرع بين نسائه إذا أراد السفر بإحداهن وإذا أراد البداية بالقسمة بينهن وبين الأولياء إذا تساووا وتشاحوا فيمن يتولى التزويج أو من يتولى استيفاء القصاص وأشباه هذا) (¬3). القرطبي (671 هـ) حيث قال: (واستعمال القرعة كالإجماع من أهل العلم فيما يقسم بين الشركاء) (¬4). النووي (676 هـ) حيث قال: " (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه" هذا دليل لمالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء في العمل بالقرعة في القسم بين الزوجات وفي العتق والوصايا والقسمة ونحو ذلك) (¬5). الزركشي (745 هـ) حيث قال: (أن رجلًا أعتق ستة أعبد عند موته، ليس له مال غيرهم، فأقرع بينهم رسول اللَّه فأعتق اثنين وأرق أربعة، رواه أحمد وأبو داود بمعناه، وقال فيه: "لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين" ولأنه حق في تفريقه ضرر، فوجب جمعه بالقرعة كقسمة الإجبار مع الطلب إجماعًا) (¬6). ¬
أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال: (والقرعة مشروعة في القسمة إجماعا) (¬1). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على استعمالها في القسمة، وإذا أراد الرجل السفر بإحدى نسائه، وكذا إذا تشاح الأولياء في التزويج, أو من يتولى القصاص ولأنه حق في تفريقه ضرر، فوجب جمعه بالقرعة) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عن أم سلمة -رضي اللَّه عنها- قالت: "جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مواريث بينهما قد درست، ليس بينهما بينة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّكُم تَخْتَصِمُونَ إليَّ وَإنَّمَا أنا بَشَرٌ وَلَعَلَّ بَعْضكُمْ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ". أو قد قال: "لِحَجَّتهِ مِنْ بَعْضٍ فإنَّي أَقْضِي بَينَكُمْ على نَحوِ ما أَسْمَعُ فَمنْ قَضَيْتُ لَهُ من حَقِّ أخِيهِ شيئًا فلا يأخُذهُ فإنَّما أقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ يأتي بها أسطامًا في عُنُقِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ". فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: حقي لأخي، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما إذا قُلْتُما فاذهَبَا فاقْتَسِما ثُمَّ تُوَخَّيا الحقَّ ثم اسْتَهِما ثم لِيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صاحِبَهُ" (¬3). • وجه الدلالة: في هذا الحديث فوائد كثيرة منها. . . وأن الاقتراع والاستهام جائز (¬4). 2 - ما روي عن عروة قال: أخبرني أبا الزبير رضي اللَّه عنه: "أنه لما كان يوم أُحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كادت أن تشرف على ¬
القتلى، قال: فكره النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن تراهم فقال: المرأة المرأة، قال الزبير -رضي اللَّه عنه-: فتوسمت أنها أمي صفية، قال: فخرجت أسعى إليها فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى قال: فلدمت في صدري -وكانت امرأة جلدة- قالت: إليك لا أرض لك، قال: فقلت: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عزم عليك، قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة، قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له فقلنا: لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب فقدرناهما فكأن أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما فكفّنّا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له" (¬1). • وجه الدلالة: فيه -أي في هذا الحديث- العمل بالقرعة في المقاسمات والاستهام (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3) والمالكية (¬4) والشافعية (¬5) والحنابلة (¬6). ¬
[69/ 3]: قسمة مختلف الصفة لا تجوز بالقرعة
Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز القرعة في القسمة وذلك لعدم وجود المخالف. [69/ 3]: قسمة مختلف الصفة لا تجوز بالقرعة • المراد بالمسألة: أن الأشياء مختلفة الصفة كالدور والأرض والحوائط والجواهر وما شابهها لا تقسم بالقرعة لاختلاف القيمة، وكل ما يمكن وزنة أو كيله يقسم كيلًا أو وزنًا ولا يقسم بالقرعة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الدسوقي المالكي (1320 هـ) حيث قال: (وأما مختلف الصفة فلا يقسم بالقرعة اتفاقًا بل بالكيل والوزن. لأنه إذا كيل أو وزن فقد استغنى عن القرعة فلا وجه لدخولها فيهما أي في المكيل والموزون) (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (فأما المكيل والموزون فلا تجوز فيه القرعة باتفاق) (¬2). الحطاب الرعيني (954 هـ) حيث قال: (اتفقوا على أنه لا يجمع في قسمة القرعة الدور مع الحوائط، ولا الحوائط مع الأرضين، ولا الدور مع الأرضين، وإنما يقسم كل شيء من ذلك على حدته) (¬3). • مستند الإجماع: لأنه إذا كيل أو وزن فقد استغنى عن القرعة فلا وجه لدخولها فيهما أي في المكيل والموزون (¬4). وكذلك لتقارب ما بين المكيلات والموزونات فَتُحْمَل القسمة فيها على تَسَاوٍ وَاعْتِدَالٍ من غير افْتِقَارٍ لقرعه (¬5). ¬
[70/ 2]: تقسيم البناء بالقيمة في العلو والسفل
• الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن قسمة مختلف الصفة لا تجوز بالقرعة وذلك لعدم وجود المخالف. [70/ 2]: تقسيم البناء بالقيمة في العلو والسفل • المراد بالمسألة: أن البناء إذا كان طابقين فيجب أن يقسم بالقيمة لاختلاف قيمة كل طابق، فأحيانا يكون الطابق السفلي أكثر قيمة وأحيانا يكون العلوي، لذا ذهب الفقهاء إلى القسمة بالقيمة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: برهان الدين بن مازة (570 هـ) حيث قال: (يقسم البناء عن طريق القيمة بالإجماع) (¬3). الكاساني (587 هـ) حيث قال: (وبيان ذلك في سفل بين رجلين وعلو من بيت آخر بينهما أراد قسمتهما، يقسم البناء على القيمة بلا خلاف) (¬4). أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال: (وتصح قسمة الدور ونحوها بالقيمة لإمكان تعديلها. . . . وذلك لإجماع السلف) (¬5). شيخي زادة (1078 هـ) حيث قال: (وفي شرح الطحاوي الاختلاف في الساحة، وأما البناء فيقسم بالقيمة اتفاقًا) (¬6). ¬
[71/ 3]: جواز الجمع بين العلو والسفل في البناء بالتراضي.
ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (أما البناء فيقسم بالقيمة اتفاقًا) (¬1). • مستند الإجماع: المعادلة في قسمة البناء بالقيمة، لأن العلو والسفل بناء والمعادلة في قسمة البناء تتيسر، ولأن في بعض البلدان تكون قيمة العلو أكثر من قيمة السفل وهو كذلك بمكة وبمصر، وفي بعض البلدان قيمة السفل أكثر من قيمة العلو كما هو بالكوفة، قيل في كل موضع تكثر النداوة في الأرض يختار العلو عن السفل وفي كل موضع يشتد البرد وتكثر الريح يختار السفل على العلو وربما يختلف ذلك أيضًا باختلاف الأوقات فلا يمكن اعتبار المعادلة إلا بالقيمة فاستحسن القسمة في العلو والسفل باعتبار القيمة (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب قسمة البناء بالقيمة في العلو والسفل وذلك لعدم وجود المخالف. [71/ 3]: جواز الجمع بين العلو والسفل في البناء بالتراضي. • المراد بالمسألة: أن قيمة المساكن والدور تختلف بتفاوت النفع من الطوابق، ففي بعض المجتمعات يكون العلو أفضل في حين يكون في مجتمعات أخرى السفل أفضل في البناء، وأحيانا داخل المدينة الواحدة ¬
يختلف النفع والأفضلية حسب فصول العام، لذا فالأصل أن الجمع في القسمة بين العلو والسفل لا تجوز إلا بالتراضي بين الشركاء، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: محمد عليش (1299 هـ) حيث قال: (وفي جواز جمع العلو والسفل في الْقَسْمِ بالقرعة في دَارٍ واحدَةٍ الصالحين له ومنعه تأويلان، وَأَمَّا بِالتَّرَاضِي فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا) (¬1). الخرشي (1101 هـ) حيث قال: (وفي العلو وَالسُّفْلِ تأويلان أي هل يجوز أن يجمع بينهما في القسم بناء على أنهما كالشيء الواحد أو لا يجوز الجمع بينهما في قسمة بناء على أنهما كالشيئين المختلفين ولا يجمع بينهما في ذلك فيهما، وأما قسمة الْمُرَاضَاةِ فيجوز الجمع بينهما بلا خلاف) (¬2). • مستند الإجماع: أنّ في القسمة معنى المبادلة فتصح بالتراضي كسائر المعاوضات (¬3)، وصح الاقتسام بأنفسهم بالتراضي لولايتهم على أنفسهم وأموالهم (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7). ¬
[72/ 3]: جواز قسمة المال المنقول الموروث بالإقرار
Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز الجمع بين العلو والسفل في البناء بالتراضي وذلك لعدم وجود المخالف. [72/ 3]: جواز قسمة المال المنقول الموروث بالإقرار • المراد بالمسألة: المال المنقول الذي في أيدي الشركاء والذي آل إليهم عن طريق الميراث يقسم بينهم بمجرد إقرارهم بالملكية دون حاجتهم إلى إثبات الملكية، على خلاف العقار الذي يجب أن يثبت الشركاء ملكيته قبل القسمة، فالفقهاء أخذوا بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث قال: (وإن أقروا بالملك بسبب الميراث بأن قالوا هو بيننا ميراث عن فلان، فإن كان المال منقولًا قسم بينهم لإقرارهم بالإجماع ولا تطلب منهم البينة) (¬1). البابرتي (786 هـ) حيث قال: (وإن كان المال المشترك ما سوى العقار وادعوا أنه ميراث قسمه في قولهم جميعًا) (¬2). كمال الدين بن الهمام (861 هـ) حيث قال: (وإن كان المال المشترك ما سوى العقار وادعوا أنه ميراث قسمه في قولهم جميعًا) (¬3). شيخي زاده الحنفي (1078 هـ) حيث قال: (معقبًا على قسمة العقار (وغير العقار يقسم إجماعًا) لأن في قسمته نظرًا، لاحتياجه إلى الحفظ) (¬4). ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (يقسم المنقول بمجرَّد الإِقْرار اتفاقًا، وإنَّما اقتصر المصنف على الإرث، لأنَّ العقارَ الموروث يفتقر إلى ¬
[73/ 3]: لزوم القسمة إذا وقعت صحيحة
البرهان) (¬1). عبد الغني الغنيمي الميداني (1222 هـ) حيث قال: (وإذا كان المشترك ما سوى العقار وادعوا أنه ميراث أو مشترى أو ملك مطلق، وطلبوا قسمته قسمة في قولهم جميعا) (¬2). • مستند الإجماع: أن اليد دليل الملك والإقرار أمارة الصدق ولا منازع لهم فيقسمه بينهم، وكذلك لأنه لا منكر ولا بينة إلا على المنكر فلا يفيد (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز قسمة المال المنقول الموروث بالإقرار وذلك لعدم وجود المخالف. [73/ 3]: لزوم القسمة إذا وقعت صحيحة • المراد بالمسألة: أن القسمة إذا دعي إليها أحد الشركاء أو بعضهم أو كلهم وتمت القسمة بالتراضي ووقعت صحيحة، فإنها تكون ملزمة لكل الشركاء، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القاضي عياض ت (544 هـ) حيث قال: (ولا خلاف في لزومها إذا وقعت على الوجه الصحيح) (¬5). ابن رشد الجد (520 هـ) حيث قال: (فالحكم بقسمة ما ينقسم، إذا دعا إلى ذلك بعض الأشراك واجب وببيع ما لا ينقسم وقسمة ثمنه إذا دعا إلى الانفصال في ذلك بعضهم لازم، لا اختلاف بين أهل العلم في هذه الجملة) (¬6). ¬
[74/ 3] عدم قبول شهادة القاسم بأجر عند حدوث نزاع بين الشركاء
• مستند الإجماع: ما رواه مالك، عن ثور بن زيد الديلي، أنه قال: بلغني أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ قُسِّمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ, وَأَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ قُسِّمَتْ فِي الإِسْلامِ فَهِيَ عَلَى مَا قَسَمَ الإِسْلامُ" (¬1). • وجه الدلالة: يفهم من الحديث السابق أن أي دار أو أرض قسمت ووقعت القسمة صحيحة سواء أكانت في الجاهلية أو كانت في الإسلام فإنها تقع صحيحة (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على لزوم القسمة إذا وقعت صحيحة وذلك لعدم وجود المخالف. [74/ 3] عدم قبول شهادة القاسم بأجر عند حدوث نزاع بين الشركاء • المراد بالمسألة: أن القاسم إذا قسم بين الشركاء مقابل أجر فإنه لا يجوز له أن يشهد عند التنازع بين الخصوم لأنه يكون في هذه الحالة ¬
شاهد لنفسه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: محمد بن خسرو البلخي (526 هـ) حيث قال: (إذا قسما بأجر لا تقبل شهادتهما بالإجماع) (¬1). كمال الدين ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: (وقال الطحاوي: إذا قسما بأجر لا تقبل شهادتهما بالإجماع) (¬2). • مستند الإجماع: أنه يشترط في قبول الشهادة عدم التهمة، وإذا كانت القسمة بأجرة لم تقبل لأنه متهم لكونه يوجب الأجرة لنفسه وهذا نفع فتكون شهادته لنفسه (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة الأحناف حيث يرون أن شهادة القاسم تقبل عند الخلاف حتى ولو كانت القسمة بأجرة (¬7). • دليل هذا القول: لأنه لا يلحقه تهمة فقبل قوله كالمرضعة، فالأحناف قاسوا شهادة القاسم الذي يتقاضى أجر على القسمة على شهادة المرضعة، ومن المعلوم أن شهادة المرضعة جائزة، رغم أنها ترضع مقابل أجر (¬8). ¬
[75/ 3]: وجوب عدالة القاسم
Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة القاسم بأجر عند حدوث نزاع بين الشركاء وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [75/ 3]: وجوب عدالة القاسم • المراد بالمسألة: يشترط في القاسم أن يكون عدلًا، صادق اللهجة ظاهر الأمانة عفيفا عن المحارم متوقيًا للمآثم، بعيدًا من الريب مأمونًا في الرضا والغضب، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال: (ويشترط فيه -أي القاسم- أن يكون عدلًا أمينًا اتفاقًا، فالقسمة فرع القضاء) (¬1). السيوطي المنهاجي (880 هـ) حيث قال: (وأجمع العلماء على اشتراط العدالة في القاسم، كي لا يجور في قسمته) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بالتبين والتثبت عند إخبار الفاسق وهذا يقتضي تأخير قبوله إلى حيث التبين والتثبت فلا يجوز أن يكون الحاكم أو القاضي أو من في حكمه ممن لا يقبل قوله، ويجب التبين عند حكمه (¬3). - وقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى اشترط العدالة في الذي يتولى الحكم في الصيد فكذلك يشترط في القاسم الذي سيتولى القسمة بين الناس (¬4). ¬
[76/ 3] عدم قسمة ما لا يمكن تقسيمه
• الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب عدالة القاسم وذلك لعدم وجود المخالف. [76/ 3] عدم قسمة ما لا يمكن تقسيمه • المراد بالمسألة: الأصل أن يقسم بين الشركاء كل ما يريدون تقسيمه كلا حسب نصيبه، إلا أن هناك أشياء لا يمكن قسمتها كالجوهرة والسيف والمصحف، وكل ما لا يمكن قسمته لا يجوز تقسيمه؛ لأن القسمة سبب التلف وضياع الفائدة، فذهب الفقهاء إلى بيعه وتقسيم قيمته على الشركاء حسب الأنصباء، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على لؤلؤة (¬3) لو كانت بين جماعة فأراد بعضهم أن يأخذ حصته منها، بأن تقطع بينهم، أو تكسر، أنهم ممنوعون من ذلك لأن في قطعها تلفا لأموالهم وفسادا لها. وكذلك السفينة تكون بين الجماعة لها القيمة الكبيرة، فإذا كسرت أو قطعت ذهبت عامة قيمتها. والجواب في المصحف، والسيف، والدرع، والمائدة، والصحفة، والصندوق، والسرير، والباب، والنعل، والقوس، وما أشبه ذلك تكون بين الجماعة، كالجواب فيما ذكرناه في اللؤلؤة) (¬4). ¬
ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن جميع الشركاء إذا دعوا إلى القسمة، وكان الشيء إذا قسم وقع لكل واحد منهم ما ينتفع به، ولم يكن ذلك الشيء المشاع واحدا، كجوهرة واحدة، أو ثوب واحد، أو اثنين مزدوجين، كزوج باب، أو خفين، أو نعلين، أو ما أشبه ذلك، وأثبتوا مع ذلك ملكهم لما طلبوا قسمه ببينه عادلة، أنه يقسمه الحاكم بينهم) (¬1). ابن رشد الحفيد (595 هـ) حيث قال: (وأما الحيوان والعروض، فاتفق الفقهاء على أنه لا يجوز قسمة واحد منهما للفساد الداخل في ذلك) (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (اتفقنا على أن الضرر مانع من القسمة) (¬3). • مستند الإجماع: ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى المَازِنيّ، عن أبيه، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا ضرَرَ وَلَا ضِرَارَ" (¬4). • وجه الدلالة: أن في قسمته ضررًا فلم يجبر عليه كقسمة الجوهرة بكسرها، ولأن في قسمته إضاعته للمال وقد نهى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إضاعته (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة (¬8).Rصحة الإجماع على عدم قسمة ما لا يمكن قسمته وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[77/ 3] عدم جواز قسمة جنسين مختلفين قسمة جمع.
[77/ 3] عدم جواز قسمة جنسين مختلفين قسمة جمع. • المراد بالمسألة: الأصل في الأجناس المختلفة كالحنطة (¬1) والشعير والقطن والحديد والجوز واللوز والثياب البردية والمروية (¬2). وكذلك اللآلئ واليواقيت (¬3)، وكذا الخيل والإبل والبقر والغنم أنها لا تجوز قسمتها قسمة جمع، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث قال: (لا خلاف في أنه لا يقسم في جنسين من المكيل والموزون والمذروع والعددي قسمة جمع كالحنطة والشعير والقطن والحديد والجوز واللوز والثياب البردية والمروية، وكذلك اللآلئ واليواقيت، وكذا الخيل والإبل والبقر والغنم، وكذا إذا كان من كل جنس فرد كبرذون (¬4) وجمل وبقرة وشاة وثوب وقباء وجبة وقميص ووسادة (¬5) وبساط، . . . ولو اقتسما بأنفسهما أو تراضيا على ذلك جازت القسمة بلا خلاف) (¬6). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (وأما إذا كانت العروض أكثر من ¬
جنس واحد، فاتفق العلماء على قسمتها على التراضي) (¬1). • مستند الإجماع: أن هذه الأشياء لو قسمت على الجمع لكان الأمر لا يخلو من أحد وجهين: إما أن تقسم باعتبار أعيانها، وإما أن تقسم باعتبار قيمتها بأن يضم إلى بعضها دراهم أو دنانير. ولا سبيل إلى الأول لأن فيه ضررًا بأحدهما لكثرة التفاوت عند اختلاف الجنس، والقاضي لا يملك الجبر على الضرر، ولا سبيل إلى الثاني لأن ذلك قسمة في غير محلها، لأن محلها الملك المشترك ولم يوجد في الدراهم (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة ابن حزم الظاهري حيث قال: يقسم الرقيق والحيوان والمصاحف وغير ذلك، فمن وقع في سهمه عبد وبعض آخر بقى شريكًا في الذي وقع في حظه (¬3). • دليل هذا القول: ما رواه البخاري عن عَبايةَ بن رفاعةَ بنِ رافعِ بنِ خدِيجٍ عن جَدّهَ قال: "كنّا معَ النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِذِي الحُلَيفَةِ، فأصابَ الناسَ جُوعٌ، فأصابوا إبِلًا وغنمًا، قال: وكان النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في أُخْرَياتِ القومِ، فعَجلوا وذَبحوا ونصَبوا القُدورَ، فأمرَ النّبىّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِالقُدورِ فأُكْفئَت، ثمّ قَسَمَ، فعَدَلَ عشرةً من الغنَم ببَعيرٍ، فندّ منها بعيرٌ، فطَلبوهُ فأعْياهم، وكان في القوم خَيلٌ يَسيرةٌ، فَأهَوَى رجُلٌ منهم بسَهمٍ فحبَسَهُ اللَّهُ. ثمّ قال: إنّ لهذه البَهائمِ أوابِدَ كأوابدِ الوَحْشِ، فما غَلَبكم منها فاصنَعوا به هكذا. فقال جَدّي: إِنا نَرجو -أو نَخافُ- العدُوّ غدًا، وليسَتْ مَعَنا مُدًى، أفنَذْبحُ بالقصَبِ؟ قال: ما أنهَرَ الدّمَ وذُكِرَ اسمُ اللَّهِ عليهِ فكلوهُ، ليس السّنّ والظّفُرَ، وسأُحَدّثُكم عن ذلكَ: أما السنّ فَعَظْم، وأما الظفُرُ فمُدَى ¬
[78/ 3]: اشتراط تعيين مقدار الزمن في قسمة المهايأة للشيء المتحد
الحبَشةِ" (¬1). - وما رواه البخاري أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بذي الحُلَيفةِ فأصبنا غَنَمًا وإبلًا، فعَدَلَ عشرةً مَن الغنمِ ببعير (¬2). • وجه الدلالة: أنه عليه الصلاة والسلام في الحديثين السابقين أعطى بعضهم غنمًا، وبعضهم إبلًا فبان جوازه (¬3). • إجماع الصحابة: حيث نقل ابن حزم إجماع الصحابة على ذلك فقال: فهذا عمل الصحابة مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا مخالف لهم منهم (¬4).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على عدم جواز قسمة جنسين مختلفين قسمة جمع وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [78/ 3]: اشتراط تعيين مقدار الزمن في قسمة المهايأة للشيء المتحد • المراد بالمسألة: سميت المهايأة بهذا الاسم: لأن كل واحد هيأ لصاحبه ما ينتفع به. ويقال: تهأيؤ بياء تحتية قبل الهمزة، وبه عبر صاحب الشرح الصغير ويقال: أيضًا تهانُؤ بنون قبل الهمزة ويحتمله كلامه من المهانأة، لأن كل واحد هنأ صاحبه بما دفعه له للانتفاع به (¬5)، والمهايأة هي اختصاص كل شريك عن شريكه في شيء متحد كبيت مثلًا بحيث ينتفع كل واحد منهما بكامل البيت مدة من الزمن، على أن ينتفع الآخر بكامل البيت مد أخرى، فيجب أن يكون زمن المهايأة معلوم المدة، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: القرافي (684 هـ) حيث قال: (بل يتراضيان باستغلال العبد أو الدابة مدة، والآخر مثله، وكذلك الاستخدام والركوب أو السكنى أو يزرع هذا مرة والآخر مثله، ويمتنع الاستغلال في المدة الكثيرة اتفاقًا) (¬1). أبو البركات الدردير (1201 هـ) حيث قال: (قسمة المهايأة (اختصاص كل شريك عن شريكه) في شيء متحد كعبد أو دار أو متعدد كعبدين أو دارين (بمنفعه) شيء (متحد) كعبد بينهما يستخدمه أحدهما شهرًا وللثاني شهرًا مثلًا، أو دار يسكنها أحدهما مدة والثاني مثلها (أو متعدد) كدارين أو عبدين يأخذ واحد منهما دارًا أو عبدًا والثاني يأخذ الآخر، أو دارًا وعبد بينهما يأخذ أحدهما الدار يسكنها ويأخذ الثاني العبد يستخدمه (في زَمَنٍ) معلوم. فتعيين الزمن شرط: إذ به يعرف قدر الانتفاع، وإلا فسدت اتفاقًا في المتحد) (¬2). أحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصَّاوي (1241 هـ) حيث قال: (إن عين الزمن صحت ولزمت في المقسوم المتحد والمتعدد، وإن لم يعين فسدت في المتحد اتفاقًا وفي المتعدد خلاف) (¬3). الدسوقي (1320 هـ) حيث قال: (إن عين الزمن صحت ولزمت في المقسوم المتحد والمتعدد وإن لم يعين فسدت في المتحد اتفاقًا) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)} [الشعراء: 155]. ¬
• وجه الدلالة: أن الآية قد حددت وقت المهايأة بيوم معلوم وهذا يدل على اشتراط تحديد الوقت في المهايأة (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة بعض الأحناف حيث قال برهان الدين بن مازة: (المهايأة تجوز من غير بيان المدة) (¬5). • دليل هذا القول: قياس قسمة المهايأة على قسمة العين، لأنها قسمة المنافع، فتكون معتبرة بقسمة العين، وقسمة العين جائزة من غير بيان المدة فكذا قسمة المنفعة (¬6).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على اشتراط تعيين مقدار الزمن في قسمة المهايأة للشيء المتحد وذلك لوجود الخلاف في المسألة. * * * ¬
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب الدعاوى والبينات
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب الدعاوى والبينات [79/ 4]: البينة على المدعي واليمين على من أنكر • المراد بالمسألة: إذا تقاضى شخصان فالمدعي مكلف بالبينة -وهي اسم لكل ما أبان الحق وأظهره، من الشهود وقرائن الحال، ووصف المدَعَى في نحو اللقطة (¬1) - والمدعى عليه ملزم باليمين، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو عيسى الترمذي (279 هـ) حيث قال: (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم، أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) (¬2). ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمعوا على أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر) (¬3). البغوي (516 هـ) حيث قال: (وفي الحديث دليل على أن من ادعى عينا في يد آخر، أو دينا في ذمته، فأنكر أن القول قول المدعى عليه مع يمينه، وعلى المدعي البينة، وهو قول عامة أهل العلم) (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) (¬5). ¬
ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (وعن وائل بن حجر قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة، إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال الذي من حضرموت: يا رسول اللَّه إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرض في يدي أزرعها، وليس له فيها حق، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (ألك بينة؟ ) قال: لا. قال (فلك يمينه) فقال: يا رسول اللَّه الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء، فقال (ليس لك منه إلا ذلك). . . هذا القسم لا أعلم فيه نزاعا أن القول فيه على قول المدعى عليه مع يمينه، إذا لم يأت المدعي بحجة شرعية، وهي البينة) (¬1). الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر. . . وإلى هذا ذهب سلف الأمة وخلفها، قال العلماء: والحكمة في كون البينة على المدعي أن جانب المدعي ضعيف لأنه يدعي خلاف الظاهر، فكلف الحجة القوية، فيقوي بها ضعف المدعي) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ¬
حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)} [البقرة: 282]. 2 - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)} [النساء: 135]. • وجه الدلالة: أنه لو كان القول قول المدعى من غير بينة لما احتيج إلى الكتابة والإملاء، والإشهاد عليه، فلما احتيج إليه دل على أن البينة على المدعي (¬1). 3 - ما روي عن عبدُ اللَّهِ أنه قال: "من حلفَ على يَمينٍ يستحقُّ بها مالًا لقيَ اللَّهَ وهوَ عليهِ غضبانُ، ثمَّ أنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} [آل عمران: 77]، ثم إن الأشعثَ بنَ قَيسِ خَرجَ إلينا فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبد الرحمن؟ فحدَّثناهُ بما قال، فقال: صدق، لَفِىَّ أُنزِلَتْ، كان بيني وبين رجلٍ خُصومةٌ في شيءٍ، فاختصمنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: شاهداكَ أو يَمينهُ، فقلتُ له: إنهُ إذَنْ يحلِفُ ولا يُبالي: فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: مَن حلفَ على يَمينٍ يَستحق بها مالًا -وهو فيها فاجرٌ- لقيَ اللَّهَ وهوَ عليه غَضبانُ. فأنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك. ثم اقتَرأَ هذهِ الآية" (¬2). ¬
[80/ 4] ترتيب عرض البينات
• وجه الدلالة: لأن البينة حجة صريحة في إثبات الملك، لذلك قدمت البينة (¬1). 4 - ما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في خطبته "الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدّعِي. وَاليَمِينُ عَلَى الْمُدّعَى عَلَيْهِ" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والشوكاني (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر وذلك لعدم وجود المخالف. [80/ 4] ترتيب عرض البينات • المراد بالمسألة: أن القاضي يجب عليه أن يبدأ بالمدعي فيسأله عن بينته، ولا يسأل المدعى عليه حتى يسمع بينة المدعي، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وأما قوله في حديث وائلِ بْنِ حجرٍ: "ألَكَ بَيِّنَةٌ"؟ ففيه أن الحاكم يبدأ بالمدعي، فيسأله: هل لك بما تدعيه بينة؟ ولا يسأل المدَّعى عليه حتى يسمع ما ¬
يقول المُدَّعِي، وهذا مما لا يختلفون فيه) (¬1). 2 - ابن رشد الحفيد (595 هـ) حيث قال: (فإنهم أجمعوا على أنه واجب عليه أن يسوي بين الخصمين في المجلس، وألا يسمع من أحدهما دون الآخر، وأن يبدأ بالمدعي فيسأله البينة، إن أنكر المدعي عليه) (¬2). • مستند الإجماع: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" (¬3). 2 - ما روي عَن عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضرَميُّ، عَن أَبِيهِ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لأَبِي؛ فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ فَاجِرٌ لَيْسَ يُبَالِي مَا حَلَفَ لَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ، قَالَ: لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلا ذَلكَ" (¬4). 3 - ما روي عن عبدِ اللَّهِ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (مَن حلفَ على يَمينٍ وهوَ فيها فاجِرٌ ليَقتَطِعَ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ لَقِيَ اللَّهَ وهوَ عليهِ غَضَبانُ. قال: فقالَ الأشعَثُ: فيَّ واللَّهِ كان ذلك. كانَ بيني وبين رجلٍ منَ اليهودِ أرضٌ، فجحَدَني، فقدَّمتهُ إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬
[81/ 4] وجوب توجيه اليمين للمدعى عليه في الأموال
ألَكَ بَيِّنَةٌ؟ قلتُ: لا. قال: فقال لليهوديّ: احلِف. قال: قلتُ: يا رسول اللَّه إذَن يَحلفَ ويذهَبَ بمالي. فأنزلَ اللَّهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] (¬1). • وجه الدلالة: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألَكَ بَيِّنَةٌ"؟ ففيه أن الحاكم يبدأ بالمدعي فيسأله (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب ترتيب عرض البينات وذلك لعدم وجود المخالف. [81/ 4] وجوب توجيه اليمين للمدعى عليه في الأموال • المراد بالمسألة: أنه في دعاوى الأموال يجب على القاضي أن يحلف المدعي عليه إذا عجز المدعي عن إحضار البينة، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على وجوب التحليف في دعوى الأموال) (¬7). ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمعوا على وجوب استحلاف المدعى عليه في الأموال) (¬8). ¬
ابن رشد الحفيد (595 هـ) حيث قال: (وأن يبدأ بالمدعي فيسأله البينة إن أنكر المدعى عليه، وإن لم يكن له بينه فإن كان في مال وجبت اليمين على المدعى عليه باتفاق) (¬1). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (قام الإجماع على استحلاف المدعى عليه في الأموال) (¬2). • مستند الاتفاق: ما روي عن علقمة بن وائل الحضرمي، عن أبيه قال: "جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لأَبِي؛ فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ فَاجِرٌ لَيْسَ يُبَالِي مَا حَلَفَ لَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ، قَالَ: لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلا ذَاكَ". 2 - ما روي أن الأشعث قال: فِي واللَّهِ نَزَلَتْ: كانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ أَرْضٌ، فَجَحَدَني، فَقَدَّمْتُهُ إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَقلتُ: لا، فَقَالَ لِليَهُودِيِّ: احْلِفْ، فَقُلْتُ: إذًا يَحلفَ فَيَذْهَبَ بِمَالِي فَأَنزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77]. • وجه الدلالة: أن هذه الأحاديث صريحة في الدلالة على وجوب توجيه اليمين للمدعى عليه في حال تعذر البينة (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، ¬
[82/ 4] جواز سماع بينة الحاضر على الغائب
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2) والحنابلة (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب توجيه اليمين للمدعى عليه في الأموال وذلك لعدم وجود المخالف. [82/ 4] جواز سماع بينة الحاضر على الغائب • المراد بالمسألة: أن القاضي له أن يسمع بينة المدعي الحاضر على المدعى عليه الغائب، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الحاكم يسمع دعوى الحاضر وبينته على الغائب) (¬4). السيوطي (880 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الحاكم يسمع دعوى الحاضر وبينته على الغائب، ثم اختلفوا: هل يحكم بها على الغائب أم لا؟ ) (¬5). ابن حجر (974 هـ) حيث قال: (واتفاقهم على سماع البينة عليه فالحكم مثلها، والقياس على سماعها على ميت وصغير) (¬6). شهاب الدين الرملي (1069 هـ) حيث قال: (والدليل الواضح أنه صح عن عمر وعثمان -رضي اللَّه عنهما- القضاء على الغائب ولا مخالف لهما من الصحابة واتفاقهم على سماع البينة عليه فالحكم مثلها) (¬7). • مستند الإجماع: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البينة على المدعي واليمين على ¬
[83/ 4] تقديم بينة البيع على بينة ادعاء الملك
المدعى عليه" (¬1). • وجه الدلالة: أن الحديث دل على سماع بينة المدعي، ولم يذكر حضور الخصم المدعى عليه، فاشتراط حضوره مجلس الحكم زيادة على ما في هذا الحديث (¬2). - القياس على سماعها على الميت والصغير مع أنهما أعجز عن الدفع عن الغائب (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز سماع بينة الحاضر على الغائب وذلك لعدم وجود المخالف. [83/ 4] تقديم بينة البيع على بينة ادعاء الملك • المراد بالمسألة: لو ادعى رجل ملك عين، وأقام على ذلك بينته، وأدعى شخص آخر أنه قد اشتراها منه، أو وهبها إياه، أو أوقفها (¬7) عليه، أو ادعى رجل ملك عين وادعت زوجته أنه قد أصدقها إياها أو وهبها لها ¬
وأقام على ذلك بينته، قضي له بها، وقد نقل نفي الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولو ادعى ملك عين، وأقام بينة وادعى آخر أنه باعها منه، أو وهبه إياها، أو أوقفها عليه، أو أدعت إمرأته أنه أصدقها إياها، أو أعتقها، وأقام بذلك بينة، قضي له بغير خلاف نعلمه) (¬1). المرداوي (885 هـ) حيث قال: (وإن أقام أحدهما بينة أنها ملكه، وأقام الآخر بينه أنه اشتراها منه، أو وقفها عليه، أو أعتقه، قدمت بينته بلا نزاع) (¬2). • مستند نفي الخلاف: ما قاله ابن قدامة رحمه اللَّه في المغني من: أن بينة هذا شهدت بأمر خفي على البينة الأخرى والبينة الأخرى شهدت بالأصل فيمكن أنه كان ملكه ثم صنع به ما شهدت به البينة الأخرى (¬3). - أن بيّنة الملك شهدت بالأصل وبيّنةَ البيع والوقفِ والعتقِ شهدت بأمر حادث خفي على بينةِ الملك، فقُدِّمَتْ على بيّنَةِ الملك (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على تقديم بينة البيع على بينة ادعاء ¬
[84/ 4] الإشراك بين المتداعيين في ملكية محل الخلاف ظاهر الاشتراك
الملك وذلك لعدم وجود المخالف. [84/ 4] الإشراك بين المتداعيين في ملكية محل الخلاف ظاهر الاشتراك • المراد بالمسألة: إذا ادعي خصمان حائطًا بينهما وبه باب له غلقان (¬1) يفتح ويغلق على الجانبين، حكم أن الحائط والباب بينهما، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: السرخسي (483 هـ) حيث قال: (فإن كان له غلقان من كل جانب واحد فهو بينهما نصفين عندهم جميعًا) (¬2). الكاساني (587 هـ) حيث قال: (وعلى هذا الخلاف إذا ادعيا بابًا مغلقًا على حائط بين دارين والغلق إلى أحدهما فالباب لهما عنده، وعندهما لمن إليه الغلق، ولو كان للباب غلقان من الجانبين فهو لهما إجماعًا) (¬3). ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (في حائط ادعاه رجلان وغلق الباب إلى أحدهما يقضي بالحائط والباب بينهما نصفين عند أبي حنيفة، وعندهما الحائط بينهما والباب للذي الغلق إليه، وأَجمعوا أَنَّه إذا كان للباب غلقان في كل جانب واحد فهو بينهما) (¬4). • مستند الإجماع: استوائهما في الدعوى والشاهد بالعلامة ولما تعارض الغلقان جعل كأنه لا غلق على الباب فيقضى به بينهما نصفين ¬
[85/ 4] الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال
كالحائط (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والشافعية (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على الإشراك بين المتداعيين في ملكية محل الخلاف ظاهر الاشتراك وذلك لعدم وجود المخالف. [85/ 4] الأبضاع (¬4) أولى بالاحتياط من الأموال • المراد بالمسألة: أن الحكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وخاصة في الأبضاع، فإذا ادّعت امرأة على رجل أنه تزوّجها وأقامت شاهدي زور لا يحل له وطؤها، أو ادّعاه الرجل وهي تجحد، أو تعمد رجلان شهادة الزور أنه طلق زوجته فلا يحل لأحدهما بعد العدّة تزوّجها لعلمه بكذبه وأن زوجها لم يطلقها، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن أشياء مما يحكم بها الحاكم في الظاهر، حرام على المقضي له، مما يعلم أن ذلك حرام عليه، ومن ذلك أن يحكم له بالمال) (¬5). النووي (676 هـ) حيث قال: (وقال أبو حنيفة -رضي اللَّه عنه-: يحل حكم الحاكم الفروج دون الأموال فقال يحل نكاح المذكورة وهذا مخالف لهذا الحديث الصحيح ولإجماع من قبله، ومخالف لقاعدة وافق هو وغيره ¬
عليها وهي أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال) (¬1). شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (وقد اتفق المسلمون على أن حكم الحاكم بالحقوق المرسلة لا يغير الشيء عن صفته في الباطن، فلو حكم بمال زيد لعمر لإقرار أو بينة، كان ذلك باطلًا، ولم يبح ذلك له في الباطن، ولا يجوز له أخذه باتفاق المسلمين) (¬2). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (والقول بأن حكم الحاكم يحل ظاهرًا وباطنًا مخالف لهذا الحديث الصحيح، وللإجماع السابق على قائله ولقاعدة اجمع العلماء عليها ووافقهم القائل المذكور، وهو أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال) (¬3). الزرقاني (1122 هـ) حيث قال: (خالف -أبو حنيفة- قاعدة اتفق هو وغيره عليها، وهي أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال) (¬4). الشوكاني (1250 هـ) نقلًا عن الشافعي حيث قال: (وقد حكى الشافعي الإجماع على أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام) (¬5). • مستند الإجماع: ما روي عن أم سلمة -رضي اللَّه عنها- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم، فقال: "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو فليتركها" (¬6). ¬
• وجه الدلالة: أن الحديث صريح الدلالة في أن ما حكم به الحاكم على ضوء ما قاله الخصم لأجل حجته وبينته، والباطن على خلاف ذلك، فهو محرم (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والشوكاني (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الأحناف، حيث نقل عن أبي حنيفة، وأبي يوسف، وروى ذلك عن الشعبي قبلهما في رجلين تعمدا الشهادة بالزور على رجل أنه طلق امرأته، فقبل القاضي شهادتهما لظاهر عدالتهما عنده، وهما قد تعمدا الكذب في ذلك، أو غلطًا أو وهما، ففرق القاضي بين الرجل وامرأته بشهادتهما، ثم اعتدت المرأة، أنه جائز لأحدهما أن يتزوجها، وهو عالم أنه كاذب في شهادته، وعالم بأن زوجها لم يطلقها، لأن حكم الحاكم لما أحلها للأزواج، كان الشهود وغيرهم في ذلك سواء وهذا إجماع أنها تحل للأزواج غير الشهود، مع الاستدلال بفرقة المتلاعنين من غير طلاق يوقعه (¬6). ونقل الخلاف أيضا بشيء من التفصيل الحسين بن مسعود البغوي حيث قال: وفيه دليل على أن حكم الحاكم لا ينفذ إلا ظاهرا، وأنه لا يحل حراما، ولا يحرم حلالا، وإذا أخطأ في حكمه، والمحكوم له عالم بحقيقة الحال، فلا يحل له في الباطن أخذ ما حكم له به القاضي في يد ¬
[86/ 4] الاعتبار بقول من كانت العين في يده مع يمينه عند الخلاف
الظاهر، وهو قول أكثر أهل العلم، وذهب أبو حنيفة إلى أنه ينفذ قضاؤه ظاهرا وباطنا في العقود والفسوخ حتى لو شهد شاهدان زورا أن فلانا طلق امرأته، فقضى به القاضي، وقعت الفرقة بينهما بقضاء القاضي، ويجوز لكل واحد من الشاهدين أن ينكحها (¬1). • دليل هذا الرأي: أن حكم الحاكم لما أحلها للأزواج إجماعًا كان الشهود وغيرهم سواء (¬2).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [86/ 4] الاعتبار بقول من كانت العين في يده مع يمينه عند الخلاف • المراد بالمسألة: أن من أدعى ملك عين من دابة ونحوها في يد آخر وادعى أنه أودعها لديه، أو أعاره إياها، أو آجرها منه، فالقول قول من كانت العين في يده، مع يمينه، وقد نقل نفي الخلاف على ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن ادّعى الخارج أن الدابة ملكه وأنه أودعها للداخل أو أعاره إياها أو آجرها منه ولم يكن لواحد منهما بينة فالقول قول المنكر مع يمينه ولا نعلم فيه خلافًا) (¬3). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (وإن ادعى الخارج أن العين ملكه، وأنه أودعها للداخل، أو أعاره إياها، أو آجرها منه، ولم يكن لواحد منهما بينه، فالقول قول المنكر مع يمينه، ولا نعلم فيه ¬
خلافا) (¬1). محمد بن خسرو البلخي حيث قال: (صورته أن رجلا رأى عينًا في يد إنسان ثم رأى تلك العين في يد آخر، والأول يدير الملك، وسعه أن يشهد بأنه للمدعى لأن الملك في الأشياء لا يعرف يقينا بل ظاهرا، فاليد بلا منازع دليل الملك ظاهرا) (¬2). ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (صورته رجلا رأى عينا في يد إنسان ثم رأى تلك العين في يد آخر، والأول يدعي الملك، يسعه أن يشهد للمدعى (أنه له) أي لمن في يده بلا منازع) (¬3). التهانوي (1394 هـ) حيث قال: (وإن ادعى الخارج أن الدابة ملكه، وأنه أودعها للداخل، أو أعاره إياها أو آجرها منه، ولم يكن لواحد منهما بينه، فالقول قول المنكر مع يمينه، ولا نعلم فيه خلافا) (¬4). • مستند الإجماع: ما رواه عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ ابنِ حَجَرٍ الْحَضرَميُّ عَن أَبِيهِ، قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لأَبِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ ، قَالَ: لا، قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ فَاجِرٌ لَيْسَ يُبَالِي مَا حَلَفَ لَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ، قَالَ: لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلا ذَلكَ" (¬5). ¬
[87/ 4] بينة ذي اليد مقدمة على غيرها عند النزاع
• وجه الدلالة: أن البينة أقوى من اليمين، لزوال التهمة عن البينة وتوجهها إلى اليمين، وجانب المدعى عليه أقوى من جانب المدعى، لأن الدعوى إن توجهت إلى ما في يده، فالظاهر أنه على ملكه، وإن توجهت إلى دين في ذمته، فالأصل براءة ذمته، فجعلت أقوى الحجتين، وهي البينة (¬1). - أن اليد تدل على الملك، فكان جانبه أقوى، فكان القول قوله (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على الاعتبار بقول من كانت العين في يده مع يمينه عند الخلاف، وذلك لعدم وجود المخالف. [87/ 4] بينة ذي اليد مقدمة على غيرها عند النزاع • المراد بالمسألة: إذا تداعى رجلان دابة، أو أي شيء في يد أحدهما، وأقام كل منهما بينة، قدمت بينة صاحب اليد، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث قال: (والعمل على هذا عند أهل العلم، أنه إذا تداعى رجلان دابةً، أو شيئًا هو في يد أحدهما، ¬
[88/ 4] تقديم قول الورثة المنكرين لادعاء إسلام الزوجة غير المسلمة قبل موت زوجها
فهو لصاحب اليد، ويحلفُ عليه إلا أن يقيم الآخرُ بيّنةً فيحكم له به. ولو أقام كل واحد منهما بيّنة، فقد ترجّحت بيِّنة ذي اليد إجماعًا) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-: "أن رجلين تداعيا دابةً، وأقام كل واحدٍ منهما البينة أنها دابته نتجها، فقضى بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للذي في يديه" (¬2). ما روي عن أيوب عن محمد أَن رجلينِ اخْتَصَمَا إلى شريح في دابة، فأقام كل واحد منهما البينة أنها له وأنه أنتجها، فقال شريح: هي للذي في يديه (¬3). • وجه الدلالة: دل على أن بينة ذي اليد مقدمة على بينة غيرها مطلقًا (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، الشافعية (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن بينة ذي اليد مقدمة على من لا بينة له في النزاع وذلك لعدم وجود المخالف. [88/ 4] تقديم قول الورثة المنكرين لادعاء إسلام الزوجة غير المسلمة قبل موت زوجها • المراد بالمسألة: لو مات مسلم وخلف زوجة كافرة، فادعت أنها أسلمت قبل موته -حتى تستحق الميراث وتزول موانعه- وأنكر باقي الورثة إسلامها، فالقول قولهم، وقد نقل نفي الخلاف على ذلك. ¬
• من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولو مات مسلم وخلف زوجة وورثة سواها وكانت الزوجة كافرة ثم أسلمت فادعت أنها أسلمت قبل موته فأنكرها الورثة فالقول قول الورثة لأن الأصل عدم ذلك، وإن لم يثبت أنها كافرة فادّعى عليها الورثة أنها كانت كافرة فأنكرتهم فالقول قولها لأن الأصل عدم ما ادعوه عليها، وإن ادّعوا أنه طلقها قبل موته فأنكرتهم فالقول قولها، وإن اعترفت بالطلاق وانقضاء العدة وادعت أنه راجعها فالقول قولهم، وإن اختلفوا في انقضاء عدتها فالقول قولها في أنها لم تنقض لأن الأصل بقاؤها ولا نعلم في هذا كله خلافًا) (¬1). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (ولو مات مسلم وخلف زوجة وورثه سواها، وكانت الزوجة كافرة، ثم أسلمت، وادعت أنها أسلمت قبل موته، وأنكرها الورثة، فالقول قولهم، لأن الأصل عدم ذلك. . . . ولا نعلم في هذا كله خلافا) (¬2). • مستند نفي الخلاف: لأن الأصل عدم ذلك، فيجب استصحاب الأصل، والأصل بقاء ما كان إلا أن يثبت ما يغيره (¬3). أن الحادث يضاف إلى أقرب أوقاته (¬4). ولأنَّ الظَّاهرَ لا يصلح حجة للاستحقاق وهي محتاجة إليه، وأما الورثة فهم الدَّافعون ويظهر لهم ظاهر الحدوث أيضًا (¬5). ¬
[89/ 4] إذا أقر المدعى عليه للمدعي بحق فلا يأخذ من ماله إلا ما يعطيه
• الموافقون على نفي الخلاف: وافق على الحكم الأحناف (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على تقديم قول الورثة المنكرين لادعاء إسلام الزوجة غير المسلمة قبل موت زوجها وذلك لعدم وجود المخالف. [89/ 4] إذا أقر المدعى عليه للمدعي بحق فلا يأخذ من ماله إلا ما يعطيه • المراد بالمسألة: من كان له حق على من يقر به ويبذله، لم يكن له أن يأخذ من ماله إلا ما يعطيه، لأن الخيرة إلى الغريم في تعيين ما يقضيه، فإن أخذ من ماله شيئًا بغير اختياره، لزمه رده، وقد نقل الإجماع على ذلك (¬4). • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إنه إذا كان لرجل على غيره حق وهو مقر به باذل له لم يكن له أن يأخذ من ماله إلا ما يعطيه بلا خلاف بين أهل العلم) (¬5) ونقله عنه شمس الدين ابن قدامة باللفظ والمعنى (¬6). • مستند الإجماع: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من ¬
خانك" (¬1). • وجه الدلالة: الحديث يدل على أن من كان له على أحد حق فمنعه منه وقدر له على مال لم يأخذ منه مقدار حقه، لأن أخذ المال بغير علم صاحبه بحق أو بغير حق لا يجوز (¬2). - لأن الخيرة إلى الغريم في تعيين ما يقتضيه (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، الحنابلة (¬6)، ورواية عند الشافعية (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الشافعية، حيث يرون أنه يجوز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه، نقله ابن حجر العسقلاني والنووي، قال النووي: فمن له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه يجوز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه وهذا مذهبنا ومنع ذلك أبو حنيفة ومالك -رضي اللَّه عنهما- (¬8). • دليل هذا الرأي: ما روي عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، إلا ما أخذت من ¬
[90/ 4] إذا اختلف الزوجان في متاع البيت فإن كان لأحدهما بينة قضي بها
ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك بالمعروف" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أباح لهند بنت عتبه أن تأخذ حقها من مال أبو سفيان (¬2). ما رواه مالك، عن عمرو بن يحيى المَازِنيّ، عن أبيه، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" (¬3). • وجه الدلالة: أن في منعه من أخذ ماله في هذا الحال إضرار به (¬4).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أنه إذا أقر المدعى عليه للمدعي بحق فلا يأخذ من ماله إلا ما يعطيه وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [90/ 4] إذا اختلف الزوجان في متاع البيت فإن كان لأحدهما بينة قضي بها • المراد بالمسألة: إذا اختلف الزوجان في متاع البيت أو في بعضه، وادعى كل واحد منهما أن المتاع أو بعضه له، وكانت لأحدهما بينة، قضي له بها، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري ت (456 هـ) حيث قال: (اختلاف الزوجين في متاع (¬5) البيت. . واتفقوا على أن من أقام بينة في شيء أنه ¬
يقضى له به) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وجملة ذلك: أن الزوجين إذا اختلفا في متاع البيت أو في بعضه فقال كل واحد منهما جميعه لي أو قال كل واحد منهما هذه العين لي وكانت لأحدهما بينة ثبت له بلا خلاف) (¬2). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (إذا اختلف الزوجان في قماش البيت، أو في بعضه، فقال كل واحد منهما، جميعه لي، أو قال كل واحد منهما جميعه لي، وكانت لأحدهما بينة ثبت له، بلا خلاف) (¬3). • مستند الإجماع: ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في خطبته: "الْبيِّنَةُ عَلَى الْمُدّعِي، وَاليَمِينُ عَلَى الْمُدّعَى عَلَيْهِ" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). ¬
[91/ 4] استصحاب الأصل في إثبات الزوجية مقدم على الادعاء بخلاف ذلك
Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه إذا اختلف الزوجان في متاع البيت، فإن كان لأحدهما بينة قضي بها وذلك لعدم وجود المخالف. [91/ 4] استصحاب الأصل في إثبات الزوجية مقدم على الادعاء بخلاف ذلك • المراد بالمسألة: إذا مات شخص فادعى ورثته أنه قد طلق زوجته وانقضت عدتها قبل وفاته، فأنكرت، فالقول قولها في أنها لم تنقض لأن الأصل بقاؤها، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن المرأة إذا قالت: طلقني ولم تنقض عدتي، حتى مات وادعى الورثة أنه قد انقضت عدتها، أن القول للمرأة) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولو مات مسلم وخلف زوجة وورثة سواها وكانت الزوجة كافرة ثم أسلمت فادعت أنها أسلمت قبل موته فأنكرها الورثة فالقول قول الورثة لأن الأصل عدم ذلك، وإن لم يثبت أنها كافرة فادّعى عليها الورثة أنها كانت كافرة فأنكرتهم فالقول قولها لأن الأصل عدم ما ادعوه عليها. وإن ادّعوا أنه طلقها قبل موته فأنكرتهم فالقول قولها، وإن اعترفت بالطلاق وانقضاء العدة وادعت أنه راجعها فالقول قولهم، وإن اختلفوا في انقضاء عدتها فالقول قولها في أنها لم تنقض لأن الأصل بقاؤها ولا نعلم في هذا كله خلافًا) (¬2). عبد الرحمن بن قدامة ت (682 هـ) حيث قال: (وإن ادعوا أنه طلقها قبل موته، فأنكرتهم، فالقول قولها) (¬3). • مستند الإجماع: أن الأصل بقاؤها فيجب استصحاب الأصل، ¬
[92/ 4] إذا تنازع رجلان حول ملكية عين في أيديهما حكم لصاحب البينة
والأصل بقاء ما كان إلا أن يثبت ما يغيره، والأصل بقاء العدة (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن استصحاب الأصل في إثبات الزوجية مقدم على الادعاء بخلافه وذلك لعدم وجود المخالف. [92/ 4] إذا تنازع رجلان حول ملكية عين في أيديهما حكم لصاحب البينة • المراد بالمسألة: إذا تنازع رجلان حول ملكية عين في أيديهما، وكان لأحدهما بينة على ملكية العين، والآخر لا بينة له، حكم لصاحب البينة، وقد نقل نفي الخلاف على ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إذا تنازع رجلان في عين في أيديهما فادعى كل واحد منهما أنها ملكه دون صاحبه ولم تكن لهما بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه وجعلت بينهما نصفين لا نعلم في هذا خلافًا؛ لأن يد كل واحد منهما على نصفها والقول قول صاحب اليد مع يمينه وإن نكلا جميعًا عن اليمين فهي بينهما أيضًا لأن كل واحد منهما يستحق ما في يد الآخر بنكوله (¬5)، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر قضي له بجميعهما لأنه يستحق ما في يده بيمينه وما في يد صاحبه ¬
إما بنكوله وإما بيمينه التي ردت عليه عند نكول صاحبه، وإن كانت لإحداهما بينة دون الآخر حكم له بها لا نعلم في هذا خلافًا) (¬1). عبد الرحمن بن قدامة ت (682 هـ) حيث قال: (وإن كان لأحدهما بينة دون الآخر، حكم له بها، بغير خلاف علمناه) (¬2). ابن مفلح الدمشقي (884 هـ) حيث قال: (وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها بغير خلاف) (¬3). المرداوي (885 هـ) حيث قال: (وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها، بلا نزاع) (¬4). • مستند الإجماع: ما روي عن عبد اللَّه أنه قال: "من حلفَ على يَمينٍ يستحقُّ بها مالًا لقيَ اللَّهَ وهوَ عليهِ غضبانُ، ثمَّ أنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} [آل عمران: 77]، ثم إن الأشعثَ بنَ قَيسِ خَرجَ إلينا فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبد الرحمن؟ فحدَّثناهُ بما قال، فقال: صدق، لَفِيَّ أُنزِلَتْ، كان بيني وبين رجلٍ خُصومةٌ في شيءٍ، فاختصمنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: شاهداكَ أو يَمينهُ، فقلتُ له: إنهُ إذَنْ يحلِفُ ولا يُبالي: فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: مَن حلفَ على يَمينِ يَستحقُّ بها مالًا -وهو فيها فاجرٌ- لقيَ اللَّهَ وهوَ عليه غَضبانُ. فأنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك. ثم اقتَرأَ هذهِ الآية" (¬5). • وجه الدلالة: أن البينة حجة صريحة في إثبات الملك، لذلك قدمت البينة (¬6). ¬
[93/ 4] بقاء أصل ملكية الأب على ما كان في حالة عدم البينة على خلافه
- ما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في خطبته: "الْبيِّنَةُ عَلَى الْمُدّعِي، وَاليَمِينُ عَلَى الْمُدّعَى عَلَيْهِ" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الحكم لصاحب البينة عند الاختلاف وذلك لعدم وجود مخالف. [93/ 4] بقاء أصل ملكية الأب على ما كان في حالة عدم البينة على خلافه • المراد بالمسألة: وإن مات الرجل وخلف ابنًا فادَّعى الابن أنه خلف دارًا أو أمة ميراثًا، وادعت المرأة أنه أصدقها إياها أو باعها إياها. فإن عدمت البينة، فالقول قول الابن مع يمينه، لأنها على أصل ملك الأب، وموروثة عنه ودعوى الزوجة لها صداقًا غير مقبولة، وإن أقام كل واحد منهما بينة على ما ادعاه، فشهدت بيِّنة الابن أن أباه خلفها ميراثًا، وشهدت بينة الزوجة أنه جعلها لها صداقًا، حكم للزوجة دون الابن (¬6) ¬
وقد نقل نفي الخلاف على ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن مات الرجل وخلف ابنًا فادّعى الابن أنه خلف الدار ميراثًا وادعت المرأة أنه أصدقها إياها أو باعها إياها وأقاما بينتين قدمت بينة المرأة لذلك فإن لم تكن بينة فالقول قول الابن مع يمينه لا نعلم في هذا خلافًا) (¬1). البهوتي (1051 هـ) حيث قال: (كما لو أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي خلفها تركة وأقامت امرأته) أي الأب (بينة أن أباه أَصْدَقَهَا إيَّاهَا) أي الدار، (قُدمت النَّاقِلَةُ)، وحكم بالملك للموأة، لشهادتها بأمر زائد على الملك خفي على الآخر. . . . بغير خلاف) (¬2). • مستند نفي الخلاف: أن بينتها شهدت بالسبب المقتضي لنقل الملك، وقول الابن إن أباه تركها تركة لا تعارضها، وإن نافيها في مستندها فيه هو الاستصحاب وقد تبين قطعه بقيام البينة على سبب النقل (¬3). - أن سبب تقديم بينة الزوجة، لأنها تشهد بأمر حادث على الملك خفي على بينة الإرث (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على الحكم المالكية (¬5)، الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
[94/ 4] إذا ادعت المرأة حقا من حقوق النكاح سمعت دعواها
Rصحة ما نقل من الإجماع على بقاء أصل ملكية الأب على ما كان في حالة عدم البينة على خلافه وذلك لعدم وجود المخالف. [94/ 4] إذا ادعت المرأة حقًا من حقوق النكاح سمعت دعواها • المراد بالمسألة: إذا ادعت المرأة النكاح وادعت حقًّا من حقوقه كالصداق والنفقة سمعت دعواها. وقد نقل نفي الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن ادعت المرأة النكاح على زوجها وذكرت معه حقًّا من حقوق النكاح كالصداق والنفقة ونحوها سمعت دعواها بغير خلاف نعلمه) (¬1). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (أما إذا ذكرت المرأة مع دعوى الزوجية حقا من حقوق النكاح كالمهر والنفقة ونحوها فإن دعواها تسمع بغير خلاف نعلمه) (¬2). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (وإن ادعت المرأة نكاحا على رجل وادعت معه نفقة أو مهرا، سمعت دعواها بغير خلاف) (¬3). المرداوي (885 هـ) حيث قال: (وإن ادعت المرأة نكاحا على رجل، وادعت معه نفقة أو مهرا، سمعت دعواها بلا نزاع) (¬4). الملا علي القاري (1014 هـ): (ولا يحلف في نكاح ورجعة، وفيء، واستيلاد، ورق، ونسب، وولاء، وحد، إلا إذا ادعي في النكاح مالا، كمهر ونفقة وإرث فإنه يحلف اتفاقا) (¬5). • مستند نفي الخلاف: لأنها -أي الزوجة- تدعي حقا لها تضيفه إلى ¬
[95/ 4] إذا تنازع رجلان عينا في أيديهما بلا بينه حلفا واقتسما
سببه فتسمع دعواها، كما لو ادعت ملكا أضافته إلى الشراء (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل على نفي الخلاف على أنها إذا ادعت المرأة حق من حقوق النكاح سمعت دعواها لعدم وجود المخالف. [95/ 4] إذا تنازع رجلان عينا في أيديهما بلا بينه حلفا واقتسما • المراد بالمسألة: إذا تنازع رجلان عينًا في أيديهما فادعى كل واحد منهما أنها ملكه دون صاحبه ولم تكن لهما بينة، حلف كل واحد منهما لصاحبه، وجعلت بينهما نصفين، وقد نقل نفي الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إذا تنازع رجلان في عين في أيديهما فادعى كل واحد منهما أنها ملكه دون صاحبه ولم تكن لهما بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه وجعلت بينهما نصفين لا نعلم في هذا خلافًا) (¬6). وقال في موضع آخر: (وإن حلف كل واحد منهما على جميع الحائط: إنه له وما هو لصاحبه جاز. وهو بينهما وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر ولا أعلم فيه مخالفًا) (¬7). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (إذا تنازع نفسان في عين ¬
في أيديهما، فادعى كل واحد منهما أنها له دون صاحبه، ولم تكن لهما بينة، حلف كل واحد منهما لصاحبه، وجعلت بينهما نصفين، لا نعلم في هذا خلافًا) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن رجلين ادعيا دابة ولم تكن لهما بينة فأمرهما النبي أن يستهما (¬2) على اليمين (¬3)، وما رواه سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده أبي موسى الأشعري: "أن رجلين ادَّعَيَا بَعِيرًا أو دابة إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليست لواحد منهما بينة، فجعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما" (¬4). - لأن يد كل واحد منهما على نصفها، فكان القول فيه قوله، كما لو كانت العين في يد أحدهما (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكلم الأحناف (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). ¬
[96/ 4] إذا تداعى شخصان على عين في يد شخص ثالث فأنكرهما قضي له
Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه إذا تنازع رجلان عينا في أيديهما بلا بينه حلفا واقتسما وذلك لعدم وجود المخالف. [96/ 4] إذا تداعى شخصان على عين في يد شخص ثالث فأنكرهما قضي له • المراد بالمسألة: إذا تداعى رجلان عين في يد شخص ثالث، فأنكرهما، ولم يكن لأحدهما بينة، فالعين له مع يمينه، وقد نقل نفي الخلاف على ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وجملته أن الرجلين إذا تداعيا عينًا في يد غيرهما، ولا بينة لهما، فأنكرهما، فالقول قوله مع يمينه بغير خلاف) (¬1). ونقله عنه شمس الدين ابن قدامة باللفظ والمعنى (¬2). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (القسم الثالث: تداعيا عينا في يد غيرهما، نقول إذا ادعاها صَاحب اليد لنفسه قُبل قوله مع يمينِه بغير خلافٍ) (¬3). التهانوي (1394 هـ) حيث قال: (إذا تداعى رجلين عينًا في يد غيرهما ولا بينة لهما فأنكرهما فالقول قوله مع يمينه بغير خلاف) (¬4). • مستند نفي الخلاف: ما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في خطبته: "الْبيِّنَةُ عَلَى الْمُدّعِي وَاليَمِينُ عَلَى الْمُدّعَى عَلَيْهِ" (¬5). ¬
[97/ 4] وجوب إحضار المدعى عليه غير الغائب إلى مجلس الحكم عند طلب المدعي
• وجه الدلالة: أنهما لم يقدما البينة، فيحكم له بما في يده بيمينه (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على انه إذا تداعى شخصان على عين في يد شخص ثالث فأنكرهما قضي له وذلك لعدم وجود المخالف. [97/ 4] وجوب إحضار المدعى عليه غير الغائب إلى مجلس الحكم عند طلب المدعي • المراد بالمسألة: أن المدعي إذا طلب إحضاره، فيجب على القاضي إحضاره إذا كان المدعى عليه حاضرا ليس غائبًا ولا مسافرًا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (فإنهم متفقون على أن المدعي إذا طلب المدعى عليه الذي يجب إحضاره وجب على الحاكم إحضاره إلى مجلس الحكم حتى يفصل بينهما) (¬6). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (والأصول المتفق عليها بين الأئمة توافق ذلك، فإنهم متفقون على أن المدعي إذا طلب المدعى عليه، الذي يسوغ إحضاره وجب على الحاكم إحضاره إلى مجبس الحكم، حتى يفصل بينهما) (¬7). ¬
• مستند الإجماع: قوله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: 51]. • وجه الدلالة: الآية دليل على أنه إنْ كان بين نفسينِ حكومةٌ فدعَا أحدُهما صاحِبَه إلى مجلسِ الحكمِ، وجبتْ عليه إجابتهُ (¬1). - ما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في خطبته: "الْبيِّنَةُ عَلَى الْمُدّعِي، وَاليَمِينُ عَلَى الْمُدّعَى عَلَيْهِ" (¬2). • وجه الدلالة: إنما سميت البينة لكونها مبينة في حق المنكر، وذلك لا يتحقق إلا بمحضر من الخصم (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والشافعية (¬5)، الحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب إحضار المدعى عليه غير الغائب إلى مجلس الحكم عند طلب المدعي وذلك لعدم وجود المخالف. مشروعية القضاء بالقرائن من غير بينة ولا إقرار: • المراد بالمسألة: أن للقاضي أن يقضي بالقرائن من غير بينة ولا ¬
إقرار، والأخذ بشواهد الأحوال في التهم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (فإن قيل: فكيف أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- برجم المغيث من غير بينة ولا إقرار؟ قيل: هن أدل الدلائل على اعتبار القرائن والأخذ بشواهد الأحوال في التهم، وهذا يشبه إقامة الحدود بالرائحة والقيء (¬1) كما اتفق عليه العلماء) (¬2). وقال في موضع آخر: (وحكم عمر وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما- ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة- بوجوب الحد برائحة الخمر من في الرجل، أو قيئه له، اعتمادا على القرينة الظاهرة. ولم يزل الخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار) (¬3). شيخ الإسلام بن تيمية (728 هـ) حيث قال: (أن الحاكم يحكم باستصحاب الحال باتفاق العلماء) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)} [يوسف: 26 - 28]. • وجه الدلالة: الآية فيها دلالة على العمل بالأمارات. . . حتى ¬
[98/ 4] الإقرار بعد الإنكار لا يتطلب يمين صاحب الحق
قال مالك في اللصوص: إذا وجدت معهم أمتعة فجاء قوم فادعوها، وليست لهم بيّنة فإن السلطان يَتَلَوَّم لهم في ذلك، فإن لم يأت غيرهم دفعها إليهم. وقال محمد في متاع البيت إذا اختلفت فيه المرأة والرجل: إن ما كان للرجال فهو للرجل، وما كان للنساء فهو للمرأة، وما كان للرجل والمرأة فهو للرجل، وهذا كله يدل على جواز القضاء بالقرائن (¬1). - ما روي عن بُريدة قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرده، ثم قال: "اسْتَنْكِهُوهُ (¬2) "، فاستنكهوه ثم رجم (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، الحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على مشروعية القضاء بالقرائن من غير بينة ولا إقرار وذلك لعدم وجود المخالف. [98/ 4] الإقرار بعد الإنكار لا يتطلب يمين صاحب الحق • المراد بالمسألة: أن إقرار المدعى عليه لصاحب الحق، بعد إنكاره، لا يتطلب إعادة توجيه اليمين على طالب الحق، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
[99/ 4] البينة الحاضرة في مجلس القضاء تمنع اليمين
• من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (وقد أجمعوا على أن الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينًا على الطالب) (¬1). وكذلك نقله الشوكاني عن ابن حجر باللفظ والمعنى (¬2). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (وأجمعنا أن الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينًا على الطالب) (¬3). • الموافقون على الإجماع: الأحناف (¬4)، والشافعية (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الإقرار بعد الإنكار لا يتطلب يمين وذلك لعدم وجود المخالف. [99/ 4] البينة الحاضرة في مجلس القضاء تمنع اليمين • المراد بالمسألة: أن المدعي إذا كان لديه بينة حاضرة في مجلس القضاء، فالقاضي لا يجعل المدعى عليه يحلف يمينه حتى يرى أو يسمع البينة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه لا يحلف المدعي عليه إذا قال المدعى لي بينة حاضرة) (¬6). النسفي (710 هـ) حيث قال: (وإن كانت خارج المصر (¬7) -أي البينة- يحلف بالإجماع، وإن كانت في مجلس الحكم لا يحلف بالإجماع) (¬8). ¬
الزيلعي (762 هـ) حيث قال: (ولو قال المدعي لي بينة حاضرة وطلب اليمين لم يُسْتَخْلَفْ، وهذا عند أبي حنيفة رحمه اللَّه وقال أبو يوسف رحمه اللَّه يستحلف ومحمد مع أبي حنيفة في رواية ومع أبي يوسف في أخرى وهذا الخلاف فيما إذا كانت حاضرة في المصر، وإن كانت خارج المصر يحلف بالإجماع، وإن كانت في مجلس الحكم لا يحلف بالإجماع) (¬1). الشرنبلالي المصري (1064 هـ) حيث قال: (قال) أى المدعي "لي بينة حاضرة في الْمِصْرِ واستحلف الخصم لا يحلف" قَيَّدَ بِالْمِصْرِ لأنها إذا حضرت في مجلس الحكم لا يحلف اتفاقًا) (¬2). الملا علي القاري (1014 هـ) حيث قال: (وإِنْ قال) المُدَّعي: (لي بينةٌ حاضرةٌ، وطَلَبَ حَلِفَ الخَضمِ لا يحلف) عند أَبي حنيفة. وقال أَبو يوسف: يحلِف. ومحمدٌ مع أَبي حنيفة في رواية، ومع أَبي يوسف في أَخرى. وهذا الخلاف إِذا كانت البينةُ حاضرةً في المِصْرِ غائبةً عن مجلِسِ الحكم، حتى لو كانت غائبةً عن المِصْر، يَحْلِفُ بالاتفاق، أو كانت في مجلس الحُكْم، لا يحلِف اتفاقًا) (¬3). شيخي زائدة: (1078 هـ) حيث قال: (فإنْ قال المدعي لي بينة حاضرة) في المصر (وطلب يمين خصمه لا يحلف) عند الإمام، وهو الصحيح كما في المضمرات وغيرها. وقال أبو يوسف: يستحلف لأن اليمين حقه بالحديث المعروف، فإذا طالبه يجيبه، وللإمام أنَّ ثبوت اليمين مرتب على العجز عن إقامة البينة بما روينا، فلا يكون حقه دونه، ومحمد مع أبي يوسف فيما ذكره الخصاف، ومع الإمام فيما ذكره الطحاوي كما في أكثر المعتبرات، فعلى هذا ينبغي للمصنف أنْ يذكر الخلاف، تدبر: قيدنا ¬
[100/ 4] مشروعية الحكم بالشاهد الواحد واليمين
بالمصر لأنَّها لو كانت في مجلس الحكم لا يحلف بالاتفاق، وإنْ كانت خارج المصر يحلف بالاتفاق) (¬1). ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (قال المدعي: لي بينة حاضرة) في المصر (وطلب يمين خصمه لم يحلف) خلافًا لهما، ولو حاضرة في مجلس الحكم لم يحلف اتفاقًا، ولو غائبة عن المصر حلف اتفاقًا) (¬2). • مستند الإجماع: لأنه أمكن فصل الخصومة بالبينة وحدها، فلم يشرع معها غيرها (¬3). - أن اليمين حجة المدعي كالبينة ولهذا لا تجب إلا عند طلبه فكان له ولاية استيفاء أيهما شاء (¬4). • الموافقون على الإجماع: الأحناف (¬5)، والشافعية (¬6)، الحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن البينة الحاضرة في مجلس القضاء تمنع اليمين وذلك لعدم وجود المخالف. [100/ 4] مشروعية الحكم بالشاهد الواحد واليمين المراد بالمسألة: أن للقاضي أن يحكم بين الخصوم بشاهد واحد ويمين المدعي، لأن اليمين تقوم مقام الشاهد الآخر، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وروي عن جماعة من الصحابة أنهم قضوا باليمين مع الشاهد ولم يرو عن أحد منهم أنه كره ذلك فكان ذلك إجماعًا) (¬1). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (أن المرأة إن أقامت شاهدا واحدا على الطلاق فإن حلف الزوج أنه لم يطلق لم يقض عليه وإن لم يحلف حلفت المرأة ويقضى عليه، وقد احتج الأئمة الأربعة والفقهاء قاطبة بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولا يعرف في أئمة الفتوى إلا من احتاج إليها واحتج بها، وإنما طعن فيها من لم يتحمل أعباء الفقه والفتوى كأبي حاتم البستي وابن حزم وغيرهما، وفي هذه الحكومة أنه يقضى في الطلاق بشاهد وما يقوم مقام شاهد آخر من النكول ويمين المرأة) (¬2). الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (والحق أنه لا يخرج من الحكم بالشاهد واليمين إلا الحد والقصاص للإجماع أنهما لا يثبتان بذلك) (¬3). الشوكاني (1250 هـ) حيثا قال معلقًا على العمل بحديث عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنه-: حديث ابن عباس (¬4). . قال فيه الشافعي: وهذا الحديث ثابت لا يرده أحد من أهل العلم، فكان ذلك إجماعًا) (¬5). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} [المائدة: 107]. ¬
• وجه الدلالة: أنه لا يخلو إما أن يقرا أو يشهد عليهما شاهدان أو شاهد وامرأتان أو شاهد واحد، وقد أجمعوا على أن الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينًا على الطالب، وكذلك مع الشاهدين ومع الشاهد والمرأتين فلم يبق إلا شاهدًا واحدًا، فلذلك استحقه الطالبان بيمينيهما مع الشاهد الواحد (¬1). ما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى باليمين مع الشاهد (¬2). وما رواه إسماعيل بن عمرو بن قيس بن سعد بن عبادة عن أبيه: "أنهم وجدوا في كتب أو في كتاب سعد بن عبادة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى باليمين مع الشاهد" (¬3). ما روي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى بِيمِينٍ وَشَاهِدٍ" (¬4). وما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "اسْتَشرْتُ جِبْرِيلَ في الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَأَمَرَني بِهِ" (¬5). ما روي عن عامر أنه قال: إن أهل المدينة يقبلون شهادة الشاهد مع ¬
يمين الطالب (¬1). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والشوكاني (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة أبو حنيفة وأصحابه (¬6) والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي وقد نقل ذلك ابن عبد البر حيث قال: وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي: لا يقضي باليمين مع الشاهد الواحد في شيء من الأشياء، وهو قول إبراهيم والحكم بن عتيبة وعطاء (¬7). وكذلك نقله ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: وقال الشعبي والنخعي وأصحاب الرأي والأوزاعي لا يقضي بشاهد ويمين وقال محمد بن الحسن من قضى بالشاهد واليمين نقضت حكمه (¬8). ¬
• دليل هذا الرأي: قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: أن الآية دليل على جعل القضاء مقصورًا على أحد هذين الوجهين، فكان القضاء بالشاهد واليمين زيادة عليهما، والزيادة على النص تكون عندهم نسخًا (¬1). 1 - ما روي عن عبدُ اللَّهِ أنه قال: "من حلفَ على يَمينٍ يستحقُّ بها مالًا لقيَ اللَّهَ وهوَ عليهِ غضبانُ، ثمَّ أنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} [آل عمران: 77]. ثم إن الأشعثَ بنَ قَيسِ خَرجَ إلينا فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبد الرحمن؟ فحدَّثناهُ بما قال، فقال: صدق، لَفِيَّ أُنزِلَتْ، كان بيني وبين رجلٍ خُصومةٌ في شيءٍ، فاختصمنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: شاهداكَ أو يَمينهُ، فقلتُ له: إنهُ إذنْ يحلِفُ ولا يُبالي: فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن حلفَ على يَمينٍ يَستحقُّ بها مالًا -وهو فيها فاجرٌ- لقيَ اللَّهَ وهوَ عليه غَضبانُ. فأنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك. ثم اقتَرأَ هذهِ الآية" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اشترط شاهدين ولم يكتف بشاهد واحد مع اليمين (¬3). 2 - ما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
[101/ 4] عدم جواز الحكم بالشاهد واليمين في الحدود والقصاص
قال في خطبته: "الْبيِّنَةُ عَلَى الْمُدّعِي. وَاليَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" (¬1) • وجه الدلالة: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- خص المدعي بالبينة، والمنكِر باليمين (¬2). 3 - اليمين إنما جعلت للنفي لا للإثبات، وإنما جعلها -صلى اللَّه عليه وسلم- على المدعى عليه، لا على المدعي (¬3). 4 - أن هذا لم يثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: فالقضاء باليمين سنة معاوية وعبد الملك -ابن مروان- وأنه ليس بسنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلو كان ذلك عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما خفي على علماء التابعين (¬4).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على مشروعية الحكم بالشاهد الواحد واليمين وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [101/ 4] عدم جواز الحكم بالشاهد واليمين في الحدود والقصاص • المراد بالمسألة: أن القاضي لا يجوز له أن يحكم بالشاهد الواحد مع اليمين فتقوم اليمين مقام الشاهد الثاني في الحدود والقصاص، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (والحق أنه لا يخرج من الحكم بالشاهد واليمين إلا الحد والقصاص للإجماع أنهما لا يثبتان بذلك) (¬5). المّلا القاري (1014 هـ) حيث قال: (فأما إذا كانت الدعوى في غير ¬
الأموال، فلا يقبل شاهد ويمين بالاتفاق) (¬1). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: أنه تعالى جعل القضاء مقصورًا على أحد هذين الوجهين، فكان القضاء بالشاهد واليمين زيادة عليهما، والزيادة على النص تكون نسخًا (¬2). 2 - ما روي عن عبدُ اللَّهِ أنه قال: "من حلفَ على يَمينٍ يستحقُّ بها مالًا لقيَ اللَّهَ وهوَ عليهِ غضبانُ، ثمَّ أنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} [آل عمران: 77]. ثم إن الأشعثَ بنَ قَيسِ خَرجَ إلينا فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبد الرحمن؟ فحدَّثناهُ بما قال، فقال: صدق، لَفِيَّ أُنزِلَتْ، كان بيني وبين رجلٍ خُصومةٌ في شيءٍ، فاختصمنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: شاهداكَ أو يَمينهُ، فقلتُ له: إنهُ إذَنْ يحلِفُ ولا يُبالي: فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: مَن حلفَ على يَمينٍ يَستحقُّ بها مالًا -وهو فيها فاجرٌ- لقيَ اللَّهَ وهوَ عليه غَضبانُ. فأنزلَ اللَّه تَصديقَ ذلك. ثم اقتَرأَ هذهِ الآية" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اشترط شاهدين ولم يكتف بشاهد واحد مع اليمين (¬4). ¬
[102/ 4] بينة الشراء مقدمة على بينة الملك
3 - لم يثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: فالقضاء باليمين سنة معاوية وعبد الملك -ابن مروان- وأنه ليس بسنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان ذلك عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما خفي على علماء التابعين (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الإمام مالك حيث قال: أحكم بها في جميع الحقوق من الأموال، والحدود (¬2). • دليل هذا الرأي: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى بِاليَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، ولم يخص المال من غيره، فكان على عمومه (¬3). - ولأن ما كان بينة في الأموال، جاز أن يكون بينة في الحدود، كالشاهدين (¬4). - ولأن يمين المدعي في النكول، لمّا جاز أن تثبت بها الأموال، والحدود جاز أن يحكم بمثله في يمينه مع شاهده (¬5).Rعدم تحقق الإجماع على أنه لا يجوز الحكم بالشاهد واليمين في الحدود وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [102/ 4] بينة الشراء مقدمة على بينة الملك • المراد بالمسألة: لو ادعى إنسان ملكية دارٍ منذ سنة وهي في يد رجل آخر، وأقام بهذا بينة، فجاء ثالث فادّعى أنه اشترى هذه الدار من مدّعيها منذ سنتين وأقام بهذا بينة، فيحكم بها لمدّعي الشراء، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمعوا على أن لو كانت أمه في يد رجل، فادعاها رجل وأقام البينة أنها كانت لأبيه وأنه مات، ولا يعلمون له وارثا غيره، وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من هذا بمائة دينار، ونقده الثمن، فإنه يقضي بها للمشتري) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولو ادعى إنسان دارًا في يد رجل أنها له منذ سنة وأقام بهذا بينة فجاء ثالث فادّعى أنه اشتراها من مدّعيها منذ سنتين وأقام بهذا بينة ثبت لمدّعي الشراء وليس في شهادة البينة الأولى أنه تملكها منذ سنة ما يبطل أنها له منذ سنتين لأنه لا تنافي بين ملكها منذ سنتين وملكها منذ سنة فإن المالك منذ سنتين يستمر ملكه في السنة الثانية فإن قالت بينة الشراء هو مالكها ثبت الملك بغير خلاف) (¬2). • مستند الإجماع: لأن بينة المشتري شهدت بأمر خفي على البينة الأخرى والبينة الأخرى شهدت بالأصل فيمكن أنه كان ملكه ثم صنع به ما شهدت به البينة الأخرى (¬3). وبمعنى آخر: أن بيّنة الملْكِ شهدتْ بالأصلِ وبيّنةَ البيعِ والوقفِ والعتقِ شهدَتْ بأمرِ حادثٍ خفيَ على بينةِ الملكِ، فقُدَّمَتْ على بيِّنَةِ الملكِ (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، ¬
[103/ 4]: بينة الملك مقدمة على بينة اليد
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن بينة الشراء مقدمة على بينة الملك وذلك لعدم وجود المخالف. [103/ 4]: بينة الملك مقدمة على بينة اليد • المراد بالمسألة: لو ادعى رجل ملك دار في يد آخر، وادعى صاحب اليد أنها في يده، منذ سنتين وأقام كل واحد منهما بينته بدعواه، فهي لمدعي الملك، وقد نقل نفي الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولو ادّعى رجل ملك دار في يد آخر وادّعى صاحب اليد أنها في يده منذ سنتين وأقام كل واحد منهما بينة بدعواه فهي لمدعي الملك بلا خلاف نعلمه) (¬3). • مستند نفي الخلاف: لأن البينة القائمة على الملك أقوى، لأن اليد قد تكون محقة وقد تكون مبطلة كيد الغصب والسرقة واليد المحقة قد تكون يد ملك وقد تكون يد إعارة وإجارة فكانت محتملة فلا تصلح بينتها معارضة لبينة الملك (¬4). - ولأنه لا تنافي بين الدعوتين ولا البينتين لأنها قد تكون ملكا له وهي في يد الآخر (¬5). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على الحكم الأحناف (¬6)، ¬
المالكية (¬1)، الشافعية (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن بينة الملك مقدمة على بينة اليد وذلك لعدم وجود المخالف. * * * ¬
الباب الثاني: مسائل الإجماع في كتاب الشهادات
الباب الثاني: مسائل الإجماع في كتاب الشهادات وفيه تمهيد وفصلان: • التمهيد: التعريف بالشهادة وحكمة مشروعيتها. • الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب موانع الشهادة وعدد الشهود. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب اليمين في الدعوى.
التمهيد
التمهيد تعريف الشهادة في اللغة: مفرد شهادات، وهي في الأصل مصدر مشتق من شهد يشهد فهو شاهد وشهيد، وأصل الشهادة الإخبار (¬1). والشهادة في اللغة: خبر قاطع (¬2)، وهي تأتي على معان عدة، منها: 1 - العلم: ومنه قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران: 18] أي علم (¬3). 2 - الحضور: ومنه قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الْشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] أي كان حاضرًا (¬4). 3 - الحلف: ومنه قوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)} [النور: 6] أي حلفه (¬5). 4 - الحكم: ومنه قول اللَّه تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ} [آل عمران: 18] أي حكم وقضى (¬6). والشهادة في باب القضاء تحمل الكثير من المعاني اللغوية، فالعلم شرط في الشهادة وبما يُشهَد به، فلا يجوز أن يُشهَد عن جهل، وكذلك الشهادة مبنية على حضور الشاهد للواقعة المشهود عليها وهكذا. ¬
ثانيا: الشهادة في الاصطلاح الشرعي
ثانيًا: الشهادة في الاصطلاح الشرعي: لقد عرف فقهاء المسلمين الشهادة تعريفات عدة، نظرًا لاختلافهم في الأحكام المتعلقة بها وفيما يلي تعريفها عند أشهر المذاهب الفقهية مكتفيًا بذكر أهم التعريفات وأوضحها: أ - تعريف الحنفية: عرفها ابن الهمام من الحنفية بأنها: (إخبار صدقٍ، لإثباتِ حقٍ، بلفظ الشهادة، في مجلس القضاء) (¬1)، وزاد الحصكفي: (ولو بلا دعوى) (¬2). شرح مفردات التعريف: (إخبار) اسم جنس يشمل جميع الإخبارات سواء أكانت صادقة أم كاذبة، أو كانت في مجلس قضاء أو غيره. (صدق) قيد أول: خرج به الإخبار الكاذب، كشهادة الزور التي تسمى شهادةً مجازًا. (لإثبات حق) قيد ثان، لبيان محل الشهادة، وخرج به الإخبار الذي يساق لأغراض أخرى في بعض العُرفيات والإخبار بالرواية، لأنها لا تثبت حقا. (بلفظ الشهادة) قيد ثالث: لإخراج جميع الإخبارات بأي لفظ آخر، عدا لفظ الشهادة -كأعلم وأتيقن- فلا تعد شهادة. (في مجلس القضاء) قيد رابع لإخراج الإخبارات التي تقع في غير مجلس القضاء فإنها لا تعد شهادة معتبرةً أصلا. (ولو بلا دعوى) قيد خامس لإدخال دعوى الحسبة، فإنه لا يشترط فيها أن تسبقها دعوى، وذلك كالشهادة على الطلاق والرضاع وفي عتق ¬
ب - تعريف المالكية
الأمة (¬1). ب - تعريف المالكية: عرفها ابن عرفة من المالكية بأنها: (قولٌ هو بحيث يُوجِبُ على الحاكم سماعه الحكمَ بمقتضاه إن عُدِّل قائله مع تعدده أو حلف طالبه) (¬2). شرح مفردات التعريف: (قول): اسم جنس يشمل كل الأقوال، ما يوجب الحكم منها، وما لا يوجبه كالأقوال العامة. (وقول هو بحيث): يدخل الشهادة قبل الأداء والشهادة غير التامة. (يوجب على): قيد أول يخرج ما لا يوجب على الحاكم سماعه كالرواية ونحو ذلك. (الحاكم): أعم من القاضي لوجوده في التحكيم والأمير. (سماعه): هي الأقوال التي يجب عليه الحكم بمقتضاها. (الحكم بمقتضاه): قيد ثانٍ يخرج به شهادة غير العدل، التي لا يحكم بها. (إن عُدل قائله): أي ثبتت عدالته عند القاضي بالبينة وغيرها، والعدالة شرط في إيجاب الحكم، وهو قيد ثالث يخرج به مجهول الحال. (مع تعدده أو حلف طالبه): شرط آخر للشهادة الموجبة للحكم بأن يتعدد الشهود، أو يحلف الطالب مع الشاهد الواحد (¬3). ج - تعريف الشافعية: عرفها الجمل من الشافعية بأنها: (إخبار بحق ¬
د - تعريف الحنابلة
للغير على الغير بلفظ أشهد) (¬1). شرح مفردات التعريف: (إخبار): اسم جنس يتناول مطلق الإخبار -كالرواية والإقرار. (بحق): قيد أول دل على محل الإثبات وهو الحق الذي يثبت، والحق شامل لحق اللَّه وحق العباد، وشامل للمال وغيره مما يثبت ويسقط، ويخرج بهذا القيد: الخبر والرواية والإخبار عن الحقائق الكونية والأمور العادية. (للغير): قيد ثان تخرج به الدعوى فهي حق للنفس. (على الغير): قيد ثالث لإخراج الإقرار فهي حق على النفس. (بلفظ أشهد): قيد رابع لإخراج ماعدا هذا اللفظ في الشهادة من الألفاظ الأخرى، التي تفيد معنى الإخبار: كأعلم وأتيقن (¬2). د - تعريف الحنابلة: عرفها الشيباني من الحنابلة بأنها (الإخبار بما علمه بلفظ أشهد أو شهدت) (¬3). شرح مفردات التعريف: (الإخبار): اسم جنس يتناول ما علمه وما لم ¬
التعريف المختار
يعلمه من الإخبار كالظن أو الكذب. (بما علمه): قيد يخرج به ما لم يعلمه. (بلفظ أشهد أو شهدت): وهو قيد آخر يخرج به ما عدا هذا اللفظ في الشهادة من الألفاظ الأخرى التي تفيد معنى الإخبار كأعلم وأتيقن (¬1). التعريف المختار: بعد النظر فيما تقدم من تعريفات للشهادة، وجدت أن بعضها قد ورد عليه مآخذ التي لا يسلم معها كمال التعريف، ويمكن القول أن تعريف الشافعية للشهادة وهو: (إخبار بحق للغير على الغير بلفظ أشهد) أنسب تعريف لها، وذلك للأسباب التالية: • أنه سلم من ذكر شروط الشهادة، وهو الذي وقع فيه الحنفية والمالكية. • وأنه فرَّق بين الدعوى والإقرار، وهو الذي وقع فيه الحنابلة. وعلى هذا فهو تعريف جامع مانع، أي جامع لجميع عناصر الشهادة مانع من دخول غير الشهادة وهو كذلك يفرق بين الشهادة والإقرار والدعوى والرواية. مرتبة الشهادة بين وسائل الإثبات كانت الشهادة ولا تزال أهم وسيلة من وسائل الإثبات، وأعظمها مكانة، وأقدمها استعمالًا، وذلك لما لها من مكانة رفيعة، ومنزلة عظيمة، في الشريعة الإسلامية. فإن اللَّه تعالى نسبها إلى نفسه، وشرَّف بها ملائكته، ورسله، وأفاضل خلقه، وأمرنا جل وعلا بأدائها في أكثر من موضع في كتابه العزيز دستور الأمة الإسلامية القرآن الكريم. قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ¬
وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران: 18]. وقال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)} [النساء: 41]. وقال تعالى: {وَأَقِيمُواْ الْشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]. وقال تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]. ولأهمية الشهادة باعتبارها من أهم أدلة الإثبات التي يعتمد عليها القضاة في أحكامهم، فبها تقام الحدود، وتصان الدماء، وتحفظ الأموال، وكافة الحقوق، لهذا جعلها الفقهاء في المرتبة الأولى بين سائر وسائل الإثبات الأخرى، كما جعلوها ذات حجية شاملة في جميع الوقائع، والحوادث دون تفرقة بين حق وآخر، متى توفرت كافة شروطها المنصوص عليها في كتب الفقه الإسلامي. والأدلة الشرعية التي تثبت بها الحقوق ليست على درجة واحدة من القوة، بل بعضها أقوى من بعض، فالمرتبة الأولى تأتي للإقرار ومن ثم تأتي الشاهدة، فالشهادة تأتي ثانيًا بعد الإقرار من حيث القوة، ذلك أن الإقرار هو إخبار الشخص نفسه عن الحق الذي في ذمته للغير على وجه القطع واليقين وبما ينفى الريبة والتهمة، إذ إن العاقل لا يكذب على نفسه كذبًا يضر به، لذا كان الإقرار سيد الإدلة في الإثبات إذ لا يكون بعد الإقرار أي حاجة للإثبات بالشهادة أو بأي طريق أخر من طرق الإثبات في الإقرار حجة ملزمة للمقر نفسه بما أقر به من حقوق للغير في ذمته بينما الشهادة دليل ظني يجوز دحض ما ورد بها ولا تثبت بها الحقوق بالقطع واليقين (¬1). ¬
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب موانع الشهادة وعدد الشهود
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب موانع الشهادة وعدد الشهود [104/ 5]: مشروعية الشهادة • المقصود بالمسألة: أن اللَّه عز وجل قد شرع للمسلمين الشهادة لحفظ الحقوق، والأصل في مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (والأصل فيها -أي الشهادة- الكتاب والسنة والإجماع) (¬1). ووافقه شمس الدين ابن قدامة باللفظ والمعنى (¬2). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (واتفق العلماء على مشروعية الشهادة والإشهاد) (¬3). الخطيب الشربيني (977 هـ) حيث قال: (والأصل فيه قبل الإجماع آيات، لقوله تعالى: {وَلَا تَكتُمُواْ الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283]، وقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]. • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] (¬4). ¬
ما روي عن عبد اللَّه بن مسعود أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من حلف على يمين يستحق بها مالًا لقيَ اللَّهَ وهوَ عليهِ غضبانُ، ثمَّ أنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} [آل عمران: 77] ثم إن الأشعثَ بنَ قَيسِ خَرجَ إلينا فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبد الرحمن؟ فحدَّثناهُ بما قال، فقال: صدق، لَفِيَّ أُنزِلَتْ، كان بيني وبين رجلٍ خُصومةٌ في شيءٍ، فاختصمنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: شاهداكَ أو يَمينهُ. . . الحديث) (¬1). • وجه الدلالة: الحديث واضح الدلالة على مشروعية الشهادة، لتخيير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المدعى بقوله "شاهداكَ أو يَمينهُ" (¬2). - أن الحاجة داعية إلى الشهادة، وذلك لحصول التجاحد بين الناس، والرجوع إلى الشهادة إحياء لحقوق الناس، وصون العقود عن التجاحد، وحفظ الأموال على أربابها (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
[105/ 4]: نصاب الشهادة في غير الزنا
Rصحة ما نقل من الإجماع على مشروعية الشهادة وذلك لعدم وجود المخالف. [105/ 4]: نصاب الشهادة في غير الزنا • المراد بالمسألة: يقصد بنصاب الشهادة العدد المطلوب للشهود، حتى يكتمل النصاب ويحكم القاضي بهذه الشهادة، والنصاب رجلان عامة، في غير الزنا فلا بد من أربعة -وتحل امرأتان محل رجل واحد في الأموال فقط- وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (اجمعوا على أن شهادة أربعة في الزنا وعلى أن شهادة شاهدين عدلين، يحكم بها) (¬1). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على قول رجل وامرأتين -كما ذكرنا في الرجال سواء بسواء- إن لم يوجد رجلان في الديون من الأموال خاصة) (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه تثبت جميع الحقوق ما عدا الزنى بشاهدين عدلين ذكرين) (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (واتفق هؤلاء وغيرهم على أنها تثبت بشهادة رجلين في الأموال) (¬4). ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (وقد ثبت في السنة المتواترة وإجماع الأمة أن الحاكم يحكم بشاهدين وان لم يكن شهود حلف الخصم) (¬5). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ ¬
يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} {البقرة: 282]. • وجه الدلالة: رتب اللَّه الشهادات بحكمته في الحقوق المالية والبدنية والحدود، فجعلها في كل فن شهيدين، إلا في الزنا فإنه قرن ثبوتها بأربعة شهداء تأكيدًا في الستر (¬1). - ما روي عن عبد اللَّهِ أنه قال: "من حلف على يمين يستحق بها مالًا لقيَ اللَّهَ وهوَ عليهِ غضبانُ، ثمَّ أنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} [آل عمران: 77] ثم إن الأشعثَ بنَ قَيسِ خَرجَ إلينا فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبد الرحمن؟ فحدَّثناهُ بما قال، فقال: صدق، لَفِيَّ أُنزِلَتْ، كان بيني وبين رجلِ خُصومةٌ في شيءٍ، فاختصمنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: شاهداكَ أو يَمينهُ. . . . الحديث) (¬2) • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على نصاب الشهادة وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[106/ 5]: نصاب الشهادة في الزنا أربعة رجال
[106/ 5]: نصاب الشهادة في الزنا أربعة رجال • المراد بالمسألة: يشترط في الشهود على الزنا أن يكونوا أربع رجال عدول، حيث يشترط العدد ولا يحد بشهادة ثلاث أو اثنين، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث قال: (ولم أعلم بين أحدٍ لقيته ببلدنا اختلافًا فيما وصفت من أنه لا يقبلُ في الزِّنا أقل من أربعة، وأنهم إذا لم يكملوا أربعة حدُّوا حدَّ القذفِ، وليس هكذا شيء من الشهادات غير شهود الزِّنا) (¬1). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على قبول أربعة رجال -كما ذكرنا- فيما أوجب القتل بقود أو غيره، وفي الزنا وفعل قوم لوط) (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (فإن المسلمين اتفقوا على أنه لا يثبت الزنى بأقل من أربعة عدول ذكور) (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (أجمع المسلمون على أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة شهود) (¬4). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (الحكم بأربعة رجال أحرار: وذلك في حد الزنا واللواط، للنص والإجماع) (¬5). ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: (وشرط للزنا أربعة رجال) لقوله تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]، ولقوله تعالى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] ولفظ أربعة نص في العدد والمذكورة. . بالإجماع) (¬6). ¬
الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: (قوله: "إذا قامت البينة" أي شهادة أربعة شهود ذكور في الزنا بالإجماع) (¬1). ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (للزنا أربعة) وذلك يشير إلى ندب الستر، لأنه قلما يشهد به أربعة بصفته الموجبة، والدليل قوله تعالى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4]. فلا يجوز بالأقل، ونحن إن لم نقل بالمفهوم فالإجماع عليه) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)} [النور: 13]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أن الذين يقذفون حرائر المسلمين، فيرمونهنّ بالزنا، ثم لم يأتوا على ما رمَوْهن به من ذلك بأربعة شهداء عُدول يشهدون عليهنّ أنهنّ رأوهنّ يفعلن ذلك، فاجلدوا الذين رمَوْهنّ بذلك ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الذين خالفوا أمر اللَّه وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها، وهذا نص على العدد في شهادة الزنا (¬3). 2 - قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: 15] وجه الدلالة: إن اللَّه عز وجل جعل على الزنا خاصة أربعةً تغليظًا على المدّعِي وسترًا على العباد (¬4). 3 - ما روي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، أن سعد بن عبادة -رضي اللَّه عنه- قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا، أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأْرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ ¬
[107/ 5] يجلد الشهود على الزنا إن لم تبلغ شهادتهم النصاب
قَالَ: "نَعَمْ" (¬1). فدل الحديث على اشتراط أربعة شهود للزنا. • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والماكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن نصاب الشهادة الذي يثبت به جرم الزنا أربعة شهدا فلا تثبت بأقل من ذلك وذلك لعدم وجود المخالف. [107/ 5] يجلد الشهود على الزنا إن لم تبلغ شهادتهم النصاب • المقصود بالمسألة: أن نصاب الشهادة في الزنا أربعة شهود، والقاذف بالزنى عليه أن يأتي بتمام الشهادة وهم أربعة شهداء، فإن لم يكتمل النصاب جلدوا حد القذف، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولأن أبا بكرة ورفيقيه شهدوا على المغيرة بالزنا ولم يكمل زياد شهادته فجلدهم عمر حد القذف بمحضر الصحابة فلم ينكره منكر فكان إجماعًا) (¬6). • مستند الإجماع: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]. ¬
• وجه الدلالة: الآية واضحة الدلالة في أن نصاب الشهادة أربعة وإن لم تتحقق وجب الحد بالجلد ثمانين جلدة (¬1). 2 - قوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)} [النور: 13]. • وجه الدلالة: أن الآية تفيد بأن الذين يَشْتُمون العفائف من حرائر المسلمين، فيرمونهنّ بالزنا، ثم لم يأتوا على ما رمَوْهن به من ذلك بأربعة شهداء عُدول يشهدون عليهنّ أنهنّ رأوهنّ يفعلن ذلك، فاجلدوا الذين رمَوْهنّ بذلك ثمانين جلدة (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الشافعية حيث يرون أنه لا حد عليه إذا كان بلفظ الشهادة لأنه لم يقصد إدخال المعرة عليه (¬6). • دليل هذا القول: أن الشاهد لم يقصد إدخال المعرة على المشهود عليه، ولم يقصد قذفه، وإنما كان في محل أداء الشهادة، فلا يجب القصاص منه (¬7).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على جلد الشهود على الزنا إن لم تبلغ شهادتهم النصاب لوجود الخلاف في المسألة. ¬
[108/ 5]: نصاب الشهادة على فعل قوم لوط مثل الشهادة على الزنا
[108/ 5]: نصاب الشهادة على فعل قوم لوط مثل الشهادة على الزنا • المراد بالمسألة: أن نصاب الشهادة على اللواط (¬1) مثل الزنا، أربعة شهود ذكور عدول، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على قبول أربعة رجال -كما ذكرنا- فيما أوجب القتل بقود أو غيره، وفي الزنا وفعل قوم لوط) (¬2). وقال في موضع آخر: (واتفقوا على قبول شهادة أربعة رجال لإثبات اللواط) (¬3). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (الحكم بأربعة رجال أحرار: وذلك في حد الزنا واللواط، للنص والإجماع) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)} [النور: 13]. وقوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: 15]. • وجه الدلالة: القياس على الزنا لاتحاد صفة الفعل في كلا الحالتين، وقد سمى اللَّه اللواط فاحشة كما سمى الزنا فاحشة كما في قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}، فصح أنه فاحشة كالزنا، فوجب أن لا يثبت إلا بأربعة (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬6) ¬
[109/ 5] تقبل شهادة النساء مع الرجال في المال
والشافعية (¬1) والحنابلة (¬2)، وأبو يوسف ومحمد من الحنفية (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الإمام أبو حنيفة حيث يرى أن اللواط يثبت بشهادة رجلين (¬4). • دليل هذا القول: أن موجب اللواط التعزير، وما كان موجبه التعزير فلا يحتاج لإثباته إلى أربعة رجال، بل يكفي رجلان (¬5).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على وحدة نصاب الشهادة بين اللواط والزنا وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [109/ 5] تقبل شهادة النساء مع الرجال في المال • المراد بالمسألة: أن شهادة النساء مع الرجال جائزة في المال وما يقصد به المال، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: محمد بن نصر المروزي (294 هـ) حيث قال: (واختلفوا في شهادة النساء مع الرجال فيما سوى الدين، وأجمعوا أنها جائزة في الأموال خاصة) (¬6). . وقال في موضع آخر: (وأجمعوا أنها -أي شهادة النساء- جائزة في الأموال) (¬7). ¬
ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن شهادة النساء جائزة مع الرجال في الدين والأموال) (¬1). ابن القاص (335 هـ) حيث قال: (اتفق الجميع على أن الأموال كلها يجوز فيها شهادة رجل وامرأتين) (¬2). القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: (وإنما قلنا: إن الشاهدين، والشاهد والمرأتين يقبلان في المال أو ما يكون المقصود منه المال، لقوله عز وجل: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ولا خلاف في ذلك) (¬3) ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على قبول رجل وامرأتين -كما ذكرنا في الرجال سواء بسواء- إن لم يوجد رجلان في الديون من الأموال خاصة) (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا خلاف في أن المال يثبت بشهادة النساء مع الرجال. . وأجمع أهل العلم على القول به) (¬5). وافقه عبد الرحمن بن قدامة باللفظ والمعنى) (¬6). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (وقد اتفق المسلمون على أنه يقبل في الأموال رجل وامرأتان، وكذلك توبعها من البيع، والأجل، والخيار) (¬7). شمس الدين الزركشي (794 هـ) حيث قال في شرح كلام الخرقي: "لا يقبل في الأموال أقل من رجل وامرأة". . . وأما في الرجل والمرأتين فهو -وللَّه الحمد- إجماع (¬8). الكسائي (587 هـ) حيث قال: (وأما في الشهادة على الأموال: ¬
فالذكورة ليست بشرط، والأنوثة ليست بصانع بالإجماع، فتقبل فيها شهادة النساء مع الرجال) (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه تثبت في الأموال بشهادة عدل ذكر وامرأتين) (¬2). البهوتي (1051 هـ) حيث قال: (ويقبل في المال، وما يقصد به المال كالبيع وأجله وخياره، رجلان، أو رجل وامرأتان. . . لقوله تعالى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وسياق الآية يدل على الاختصاص بالأموال، والإجماع منعقد على ذلك) (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: أن الآية وردت في سياق المداينة، والمداينة من الأمور المتعلقة بالأموال (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وابن حزم الظاهري (¬9).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز شهادة النساء مع الرجال في المال لعدم وجود المخالف. ¬
[110/ 5]: لا تقبل شهادة المرأة في الحدود والقصاص
[110/ 5]: لا تقبل شهادة المرأة في الحدود والقصاص • المراد بالمسألة: أنه لا يجوز للمرأة أن تشهد في الحدود والقصاص، بل الشهادة فيهما قاصرة على الرجال فقط، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث قال: (ثم لم أعلم أحدًا من أهل العلم خالف في أنه لا يجوز في الزنا إلا الرجال) (¬1). ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمعوا على أن شهادتهن -أي النساء- لا تقبل في الحدود) (¬2). أبو بكر بن العربي (543 هـ) حيث قال: (شاهد وامرأتان: اختلف العلماء فيها هل شهادتهما أصل كالشاهد أو بدل، وكل من قال أنهما أصل أو بدل اتفق على أنه لا تجوز شهادتهما في القصاص ولا في الطلاق) (¬3). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن النساء لا تقبل شهادتهن في الحدود والقصاص) (¬4). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (فإن المسلمين اتفقوا على أنه لا يثبت الزنى بأقل من أربعة عدول ذكور) (¬5) ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال ولا نعلم فيه خلافًا) (¬6). القرطبي (671 هـ) حيثا قال عند حديثه عن شروط الشهادة في الحدود: (السادس ولا بدّ أن يكون الشهود ذكورًا، ولقوله: "مِنْكُمْ" (¬7) ولا ¬
خلاف فيه بين الأُمة) (¬1). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (الحكم بأربعة رجال أحرار: وذلك في حد الزنا واللواط، للنص والإجماع) (¬2). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (الحدود والقصاص، ولا نزاع عندنا فيما نعلمه أنه لا يقبل في ذلك إلا شهادة رجلين، فلا مدخل للنساء في ذلك وهو قول العامة، لأن شهادة: النساء فيها شبهة، لتطرق الخطأ والنسيان إليها، كما شهد له النص في قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] وذلك مما يندرئ بالشبهة، فوجب ألا يقبل فيه ذلك) (¬3). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (أما اتفاقهم على جواز شهادتهن في الأموال فللآية المذكورة وأما اتفاقهم على منعها في الحدود والقصاص فلقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] (¬4). ابن نجيم 970 هـ حيث قال وشرط للزنا أربعة رجال لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]، ولقوله تعالى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4]، ولفظ أربعة نص في العدد والذكورة. . بالإجماع) (¬5). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]. • وجه الدلالة: لفظ أربعة شهداء، نص في العدد والذكورة (¬6). ¬
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: أن الآية دلت على عدم قبول شهادتهن في الأموال منفردات وإن كثرن ما لم يكن معهن رجل فوجب أن لا تقبل شهادتهن فيه ولا يصح قياس هذا على المال (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة عطاء وحماد، نص على ذلك ابن قدامة في المغني حيث قال: الحدود والقصاص فلا يقبل فيه إلا شهادة رجلين إلا ما روي عن عطاء وحماد أنهما قالا: يقبل فيه رجل ¬
[111/ 5]: جواز شهادة النساء منفردات فيما لا يطلع عليه الرجال
وامرأتان قياسًا على الشهادة في الأموال (¬1). • دليل هذا القول: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قبل شهادة النساء مع الرجال في الأموال، ويقاس عليه الحدود والقصاص (¬2).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أنها لا تقبل شهادة المرأة في الحدود والقصاص وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [111/ 5]: جواز شهادة النساء منفردات فيما لا يطلع عليه الرجال • المراد بالمسألة: أن شهادة النساء تقبل فيما لا يطلع عليه الرجال كالولادة والحيض والبكارة وعيوب النساء وما يخفون على الرجال غالبًا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث قال: (الولادة وعيوب النساء مما لم أعلم مخالفًا لقيته في أن شهادة النساء فيه جائزة لا رجل معهن) (¬3). الماوردي (450 هـ) حيث قال: (أما الولادة فلا اختلاف بين الفقهاء في أنه يجوز أن تقبل فيها شهادة النساء منفردات) (¬4). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه تقبل شهادتهن فيما لا يطلع عليه الرجال كالولادة والرضاع والبكارة وعيوب النساء وما يخفون على الرجال غالبا) (¬5). ابن القاص (335 هـ) حيث قال: (واتفق الجميع على جواز شهادة النساء منفردات لا رجال معهن في الولادة) (¬6). ¬
القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: (وجملة ما تقبل فيه شهادة النساء منفردات ما ذكرناه من عيوب النساء التي لا يطلع عليها سواهن من الولادة، والاستهلال، والرضاع وما أشبه ذلك، ولا خلاف في هذا، إلا في الرضاع، فعندنا أنهن يقبلن بانفرادهن عن الرجال، وقال أبو حنيفة: لا يقبلن فيه على انفرادهن) (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (وأما شهادة النساء مفردات، أعني النساء دون الرجال فهي مقبولة عند الجمهور في حقوق الأبدان التي لا يطلع عليها الرجال غالبًا مثل الولادة والاستهلال وعيوب النساء. ولا خلاف في شيء من هذا إلا في الرضاع) (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال مثل الرضاع والولادة والحيض والعدة وما أشبهها شهادة امرأة عدل، لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في ذلك) (¬3). ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (ثم الأئمة متفقون على أنه يحكم بلا شهادة أصلًا، بل النكول والرد، وأنه يحكم بشهادة النساء منفردات في مواضع) (¬4). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (واتفقوا على قبول شهادتهن منفردات فيما لا يطلع عليه الرجال كالحيض والولادة والاستهلال وعيوب النساء، واختلفوا في الرضاع) (¬5). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (واتفقوا أنه: تجوز شهادتهن منفردات في الحيض والولادة والاستهلال وعيوب النساء، وما لا يطلع عليه الرجال من عوراتهن للضرورة. واختلفوا في الرضاع) (¬6). ¬
• مستند الإجماع: ما رواه ابن جريج قال، سمعت ابن أبي مليكة قال، حدثني عقبة بن الحارث أو سمعته منه أنَّهُ تَزوَّجَ أمَّ يحيى بنت أبي إهابٍ، قال: فجاءتْ أَمةٌ سوداءُ فقالت: قد أرضَعتُكما. فذَكرتُ ذلك للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأعرَضَ عني، قال: فتَنحَّيتُ فذكرتُ ذلكَ له، قال: وكيفَ وقد زعَمتْ أنها قد أرضعَتكما، فنهاهُ عنها" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل شهادة المرأة منفردة في الرضاع فدل على الجواز (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الأحناف في الرضاع فقط فقالوا إنها لا تقبل شهادة المرأة فيها منفردة، بعد أن اتفقوا على جواز شهادة المرأة منفردة في الولادة والحيض والبكارة وعيوب النساء، وما لا يتطلع عليه الرجال (¬6). ¬
[112/ 5] تكليف المدعي بتقديم البينة
• دليل هذا القول: ما روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "لا يُقْبَلُ عَلى الرَّضَاعِ أقل مِنْ شَاهِدَين"، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم يظهر النكير من أحد فيكون إجماعًا (¬1). - ولأن هذا مما يطلع عليه الرجال فلا يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد كالمال (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز شهادة النساء منفردات فيما لا يطلع عليه الرجال فيما عدا الرضاع، أما الرضاع فالإجماع فيه غير متحقق وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [112/ 5] تكليف المدعي بتقديم البينة • المراد بالمسألة: أن المدعي هو المكلف بتقديم البينة، والشهادة من البينات، فيكون المدعى مكلفًا بتقديم الشهود في الدعوى، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (وعن وائل بن حجر قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة، إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال الذي من حضرموت: يا رسول اللَّه إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرض في يدي أزرعها، وليس له فيها حق، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (ألك بينة؟ ) قال: لا. قال (فلك يمينه) فقال: يا رسول اللَّه الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء، فقال (ليس لك منه إلا ذلك). . . هذا القسم لا أعلم فيه نزاعا أن القول فيه على قول المدعى عليه مع يمينه، إذا لم يأت المدعي بحجة شرعية، وهي البينة) (¬3). ¬
- الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر. . . وإلى هذا ذهب سلف الأمة وخلفها، قال العلماء: والحكمة في كون البينة على المدعي أن جانب المدعي ضعيف لأنه يدعي خلاف الظاهر، فكلف الحجة القوية، فيقوي بها ضعف المدعي) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن عبد اللَّه أنه قال: "من حلفَ على يَمينٍ يستحقُّ بها مالًا لقيَ اللَّهَ وهوَ عليهِ غضبانُ، ثمَّ أنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} [آل عمران: 77] ثم إن الأشعثَ بنَ قَيسِ خَرجَ إلينا فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبد الرحمن؟ فحدَّثناهُ بما قال، فقال: صدق، لَفِيَّ أُنزِلَتْ، كان بيني وبين رجلٍ خُصومةٌ فى شيءٍ، فاختصمنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: شاهداكَ أو يَمينهُ، فقلتُ له: إنهُ إذَنْ يحلِفُ ولا يُبالي: فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: مَن حلفَ على يَمينٍ يَستحقُّ بها مالًا -وهو فيها فاجرٌ- لقيَ اللَّهَ وهوَ عليه غَضبانُ. فأَنزلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك. ثم اقتَرأَ هذهِ الآية" (¬2). • وجه الدلالة: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شاهداك أو يمينه يدل على أن المدعي هو المكلف بتقديم الشهود في الدعوى (¬3). - ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أَنَّ النبي قال في خطبته "الْبيِّنَةُ عَلَى الْمُدّعِي، وَاليَمِينُ عَلَى الْمُدّعَى عَلَيْهِ" (¬4). ¬
[113/ 5]: أداء الشهادة فرض على الشاهد مع انتفاء الموانع.
• وجه الدلالة: أن الشهادة من البينة، فيجب أن يقدمها المدعي. • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والشوكاني (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على تكليف المدعى بتقديم البينة وذلك لعدم وجود المخالف. [113/ 5]: أداء الشهادة فرض على الشاهد مع انتفاء الموانع. • المراد بالمسألة: أن الشاهد إذا لم يكن غيره ينوب عنه، ولم يكن مشغولا، وكانت الإجابة له ممكنة، فدير إلى أداء الشهادة، ففرض عليه أداءها، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الشاهد إذا لم يكن غيره ينوب عنه، ولم يكن مشغولًا، وكانت الإجابة له ممكنة، فدير إلى أداء الشهادة، ففرض عليه أدائها) (¬6). شيخ الإسلام بن تيمية (728 هـ) حيث قال: (ولو كان الشهود أكثر من نصاب الشهادة، وطلب أحدهم وجب عليه أداؤها في أصح قولي العلماء، وأما إذا كان المطلوب لا يتم النصاب إلا به فقد تعينت عليه إجماعًا) (¬7). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] ¬
[114/ 5]: اشتراط لفظ الشهادة
• وجه الدلالة: أن الآية نهت الشهود عن الإمتناع إذا دعوا ليقيموا الشهادة أو ليتحملوها، وَسُمُّوا شهداء باعتبار ما تَئُولُ إليه، وهو بظاهره يدل على النهي عن الإباء عند الدعوة (¬1). وقوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]. • وجه الدلالة: هو بظاهره يدل على النهي عن كِتْمَانِهَا على وجه الْمُبَالَغَةِ، والنهي عن أحد النقيضين وهو الكتمان يستلزم ثبوت النقيض الآخر لئلا يرتفع النَّقِيضَانِ، فإذا كان الْكِتْمَانُ مَنْهِيًّا عنه كان الإعلان ثابتًا وهو يساوي الإظهار فيكون ثابتًا، وَثُبُوتُهُ بالأداء، وما لم يجب لا يثبت فكان إظهار الأداء واجبًا (¬2). - لأنها -أي الشهادة- أمانة حصلت عنده فعليه أداؤها (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن أداء الشهادة فرض على الشاهد مع انتفاء الموانع لعدم وجود المخالف. [114/ 5]: اشتراط لفظ الشهادة • المراد بالمسألة: أنه يشترط أن يقول الشاهد لفظ "أشهد" عند شهادته، ولا يصح قوله أعلم أو أعرف أو أتيقن أو ما على شاكلتها، وقد ¬
نقل الإجماع على اشتراط لفظ أشهد في الشهادة. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ويعتبر لفظ الشهادة في أدائها، فيقول أشهد أنه أقر بكذا ونحوه ولو قال أعلم أو أحق وأتيقن أو أعرف لم يعتد به لأن الشهادة مصدر شهد يشهد شهادة فلا بد من الإتيان بفعلها المشتق منها ولأن فيها معنى لا يحصل في غيرها من اللفظات بدليل أنها تستعمل في اليمين فيقال: أشهد باللَّه ولهذا تستعمل في اللعان (¬1) ولا يحصل ذلك من غيرها وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافًا) (¬2). النسفي (710 هـ) حيث قال: (الأداء يختص بلفظ الشهادة بإجماع الفقهاء حتى لو قال أنا أخبر أو أعلم أو أتيقن لا تقبل) (¬3). ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: (جرى على ألسنة الأمة سلفها وخلفها في أداء الشهادة أشهد مقتصرين عليه دون غيره من الألفاظ الدالة على تحقيق الشيء نحو أعلم وأتيقن وهو موافق لألفاظ الكتاب والسنة أيضًا فكان كالإجماع على تعيين هذه اللفظة دون غيرها) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6]. ¬
وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]. . وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]. . وقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: أن الآيات واضحة في اشتراط لفظ الشهادة دون غيره من الألفاظ (¬1). - إن الشهادة مصدر شهد يشهد شهادة فلا بد من الإتيان بفعلها المشتق منها ولأن فيها معنى لا يحصل في غيرها من اللفظات بدليل أنها تستعمل في اليمين فيقال: أشهد باللَّه ولهذا تستعمل في اللعان ولا يحصل ذلك من غيرها (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، وبعض الحنابلة (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف بعض العلماء في المسألة ورأوا جواز الشهادة بغير لفظ أشهد وقد نقل ذلك المرداوي حيث قال: ويحكم بها. اختارها أبو الخطاب، والشيخ تقي الدين رحمهما اللَّه. وقال: لا يعرف عن صحابي، ولا تابعي اشتراط لفظ "الشهادة" وفي الكتاب والسنة إطلاق لفظ "الشهادة" على الخبر المجرد عن لفظ "الشهادة"، واختاره ابن القيم رحمه اللَّه أيضًا (¬5). ¬
[115/ 5]: شهادة الزور من الكبائر
• دليل هذا القول: أنه لا يعرف عن صحابي، ولا عن تابعي اشتراط لفظ "الشهادة"، وقد ورد في الكتاب والسنة إطلاق لفظ "الشهادة" على الخبر المجرد عن لفظ "الشهادة" (¬1).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على اشتراط لفظ الشهادة وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [115/ 5]: شهادة الزور من الكبائر • المراد بالمسألة: أن شهادة الزور (¬2) من الكبائر، لأن أقل ما في شهادته أنه شاهد بلا علم -قاف ما ليس له به علم- وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وأجمع العلماء أن شهادة الزور من الكبائر) (¬3). ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (فأقل ما في شهادته أنه شاهد بلا علم قاف ما ليس له به علم، وذلك حرام باتفاق الأمة) (¬4). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (ولا خلاف بين المسلمين أن شهادة الزور من الكبائر) (¬5). • مستند الإجماع: ما روي عن عبد الرحمنِ بنِ أبي بَكرةَ عن أبيهِ -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا أُنَبِّئُكم بأكبَر الكبائِر (ثلاثًا)؟ قالوا: بلى يا ¬
[116/ 5] الحكم بشهادة الزور لا يحل حراما
رسول اللَّه. قال: الإِشراكُ باللَّه، وعقوقُ الوالِدَين -وجَلَسَ وكان مُتَّكِئًا فقال-: ألا وقولُ الزُّورِ. قال: فما زال يُكَرِّرُها حتّى قلنا: لَيتَهُ سَكَتَ" (¬1). - كذلك ما روي أن أنَس -رضي اللَّه عنه- قال: سُئِل النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَن الكبائِر قَالَ: "الإشْراكُ باللَّهِ، وعَقُوقُ الوالدينِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ" (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن شهادة الزور من الكبائر لعدم وجود المخالف. [116/ 5] الحكم بشهادة الزور لا يحل حرامًا • المراد بالمسألة: أن الحكم المبني على شهادة زور لا يحل الحرام، كمن ادعى على رجل حر أنه رقيق له، أو ادعى على ابنته أنها أمته، وأقام شاهدي زور ليشهدا على ذلك، لا يحل له أن يسترق الحر ولا يحل له أن يطأ ابنته، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (إنه لا فرق في دعوى حل الزوجة لمن أقام بتزويجها بشاهدي زور وهو يعلم بكذبهما، ¬
[117/ 5] تعزير شاهد الزور
وبين من ادعى أنه رقيق في ملكه وأقام بذلك شاهدي زور، وهو يعلم حريته، فإذا حكم له الحاكم بأنه ملكه لم يحل له أن يسترقه بالإجماع) (¬1). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (ولا خلاف بين الأئمة أن رجلًا لو أقام شاهدي زور على ابنته أنها أمته وحكم الحاكم بذلك لا يجوز له وطؤها) (¬2). • مستند الإجماع: أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام، والمدعي يعلم أن ما حكم له به حرام لعلمه بكذب الشهود الذين أحضر، ومخالفة شهادتهم للواقع (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الحكم بشهادة الزور لا يحل الحرام وذلك لعدم وجود المخالف. [117/ 5] تعزير (¬8) شاهد الزور • المراد بالمسألة: أن من شهد زورًا عن عمد فللحاكم أن يعزره، ويشهر به بين الناس بأنه شاهد زور، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث قال: (روي أن شريحًا كان يشهر شاهد الزور ولا يعزره وكان لا تخفى قضاياه على أصحاب رسول اللَّه رضوان اللَّه تعالى عليهم، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر فكان إجماعًا) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فمتى ثبت عند الحاكم عن رجل أنه شهد بزور عمدًا عزره وشهره. . . لأنه قول عمر -رضي اللَّه عنه- ولم نعرف له في الصحابة مخالفًا) (¬2). ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (وظاهر كلامهم أن للقاضي أَنْ يسحم وَجهه إذا رآه سياسة، وقيل إن رجع مصرًّا ضرب إِجْماعًا، وإِن تائبًا لم يعزّر إِجْماعًا) (¬3). • مستند الإجماع: ما روي عن عبد اللَّه بن عامر، قال: أتي عمر بشاهد زور، فوقفه للناس يومًا إلى الليل يقول: هذا فلان شهد بزور فاعرفوه، ثم حبسه (¬4). 2 - عن مكحول والوليد بن ملك قال: كتب عمر بن الخطاب في شاهد الزور يضرب أربعين سوطًا، ويسخم وجهه، ويحلق رأسه، ويطاف به، ويطال حبسه (¬5). 3 - لأن قول الزور من أكبر الكبائر وليس إليه فيما سوى القذف بالزنا حد مقدر فيحتاج إلى أبلغ الزواجر (¬6). ¬
[118/ 5] عدم قبول شهادة الفاسق
• الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الأحناف حيث يرى الإمام أبو حنيفة أن شاهد الزور لا يعزر ولا يشهر (¬2). • دليل هذا القول: لأنه قول منكر وزور فلا يعزر به كالظهار (¬3).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على تعزير شاهد الزور لوجود الخلاف في المسألة. [118/ 5] عدم قبول شهادة الفاسق • المراد بالمسألة: الفاسق هو المجاوز عن القصد القويم والمنجرف عن الطريق المستقيم (¬4)، والمرتكب المنكرات والمحرمات، الذي لا يتورع من صغائر أو كبائر، فيجب على القاضي ألا يقبل شهادته، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: مسلم بن الحجاج (261 هـ) حيث قال: (ودل ذلك على أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول وأن شهادة غير العدل مردودة والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه فقد يجتمعان في أعظم معانيهما إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم كما أن شهادته مردودة عند جميعهم) (¬5). أبو الحسن النيسابوري (355 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن شهادة الفاسق لا تقبل) (¬6). ¬
الماوردي (450 هـ) حيث قال: (إعلم أنه لا خلاف في رد شهادة الفاسق) (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (لأن شهادة الفاسق مردودة اتفاقًا) (¬2). الكاساني (587 هـ) حيث قال: (والعدالة شرط أصل القبول لا يثبت القبول أصلًا دونها، وكذا لا يجوز له قبول شهادة الفاسق بالإجماع وله أن يقبل شهادة العدل من غير تحر) (¬3). ابن رشد الحفيد (595 هـ) حيث قال: (وذلك أنهم اتفقوا على أن شهادة الفاسق لا تقبل) (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فالفسوق نوعان: أحدهما: من حيث الأفعال فلا نعلم خلافًا في رد شهادته) (¬5). وقال في موضع آخر: (العدالة ولا خلاف في اشتراطها فإن العدالة تشترط في سائر الشهادات فها هنا مع مزيد الاحتياط أولى فلا تقبل شهادة الفاسق ولا مستور الحال الذي لا تعلم عدالته لجواز أن يكون فاسقًا) (¬6). النووي (676 هـ) حيث قال: (إنه لا خلاف في ردّ شهادة الفاسق بالنصّ) (¬7). شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (فإن الفقهاء متفقون على أنه لو شهد عند الحاكم وكان قد استفاض عنه نوع من أنواع الفسوق القادحة في الشهادة فإنه لا يجوز قبول شهادته ويجوز للرجل أن يجرحه بذلك وإن لم يره) (¬8) وقال في موضع آخر: (وشهادة الفاسق مردودة بنص ¬
القرآن واتفاق المسلمين، وقد يجيز بعضهم الأمثل فالأمثل من الفساق عند الضرورة، إذا لم يوجد عدول ونحو ذلك، وأما قبول شهادة الفاسق: فهذا لم يقله أحد من المسلمين) (¬1). علاء الدين الخازن (741 هـ) حيث قال: (لأن إجماع الأمة على أن شهادة الفاسق لا تجوز) (¬2). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] واحتجوا بالإجماع على رد شهادة الفاسق) (¬3). محمد المواق (897 هـ) حيث قال: (لأن شهادة الفاسق مردودة اتفاقًا) (¬4). الشربيني (977 هـ) حيثا قال: (وكذا فاسقان ظهر فسقهما عند القاضي ينقض الحكم بهما (في الأظهر) كما في المسائل المذكورة، لأن النصَّ والإجماع دلَّا على اعتبار العدالة) (¬5). الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: (واحتجوا بالإجماع على رد شهادة الفاسق والكافر شر من الفاسق (¬6). وقال أيضا وقد حكي في البحر الإجماع على أنها لا تصح الشهادة من فاسق لصريح قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ} [الطلاق: 2] وقوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] (¬7). • مستند الإجماع: قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]. • وجه الدلالة: في الآية أمر بالتوقف عن نبأ الفاسق والشهادة نبأ فيجب التوقف عنه فإن ارتكب الشاهد كبيرة، كالغصب، والسرقة، ¬
والقذف، وشرب الخمر -فسق وردت شهادته سواء فعل ذلك مرة، أو تكرر منه (¬1). 2 - وقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)} [السجدة: 18]. • وجه الدلالة: فالمنع من المساواة إذا أوجب قبول العدل أوجب رد الفادق (¬2). 3 - ما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه، ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت، وتجوز شهادته لغيرهم" (¬3). 4 - عن ربيعَة بن أبى عبد الرحمن -رضي اللَّه عنه-، أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- رجل من أهل العراق فقال: لقد جئتك لأمر ما له رأس، ولا ذنب، فقال عمر: ما هو؟ قال شهادات الزور ظهرت بأرضنا، فقال عمر: أوقد كان ذلك؟ قال نعم، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: واللَّه لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول (¬4). 5 - ولأن دين الفاسق لم يزعه عن ارتكاب محظورات الدين فلا يؤمن أن لا يزعه عن الكذب فلا تحصل الثقة بخبره (¬5). ¬
• الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم من الظاهرية (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة أبو يوسف من الحنفية حيث قال: إذا كان الفاسق وجيهًا في الناس ذا مروءة تقبل شهادته، لأنه لا تتمكن تهمة الكذب في شهادة، فلوجاهته لا يتجاسر أحدٌ من استئجاره لأداء الشهادة، ولمروءته يمتنع من الكذب من غير منفعة له في ذلك (¬6). ولا يوجد مخالف غير أبي يوسف رحمه اللَّه، ولم يستند على مخالفته للإجماع على مستند من القرآن أو السنة، إنما مستنده من العقل كما تقدم، مع ملاحظة أنه لم يجز شهادة الفاسق في الإجمال، إنما وضع شرط المروءة والواجهة وهما شرطان قد لا يجتمعان في فاسق، وعلى ذلك أرى أنها مخالفة لا تؤثر في الإجماع.Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة الفاسق لعدم وجود المخالف. ¬
[119/ 5] قبول شهادة التائب بعد الحد
[119/ 5] قبول شهادة التائب بعد الحد • المراد بالمسألة: أن من أتى حدًا من الحدود فأقيم عليه، ثم تاب وأصلح فإن شهادته تكون مقبولة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن الرجل إذا كان يشرب الخمر حتى يسكر، ثم تاب، فشهد بشهادة، وجب أن تقبل شهادته، إذا كان عدلا) (¬1). وقال في موضع آخر: (وأجمعوا على أن من أتى حدا من الحدود فأقيم عليه، ثم تاب وأصلح أن شهادته مقبولة، إلا القاذف) (¬2). - الكاساني (587 هـ) حيث قال: (فأما إذا شهد بعد التوبة قبل إقامة الحد فتقبل شهادته بالإجماع، ولو شهد بعد إقامة الحد قبل التوبة لا تقبل شهادته بالإجماع. . . . وأما المحدود في الزنا والسرقة والشرب فتقبل شهادته بالإجماع إذا تاب لأنه صار عدلًا) (¬3). - ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (ولم يختلفوا أن الفاسق تقبل شهادته إذا عرفت توبته) (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، فإنه يروى عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه كان يقول لأبي بكرة حين شهد على المغيرة ابن شعبة تب أقبل شهادتك ولم ينكر ذلك منكر فكان إجماعًا) (¬5). • مستند الإجماع: ما روي عمر -رضي اللَّه عنه- أنه كان يقول لأبي بكرة حين شهد على المغيرة ابن شعبة: "تب أقبل شهادتك". ¬
[120/ 5]: قبول شهادة القاذف إذا تاب
2 - أن المقتضي لقبول الشهادة -وهو العدالة- موجود، وإنما ردت شهادته لوجود المانع -الفسق- فإذا زال المانع عمل المقتضي عمله، كما لم يوجد المانع (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول شهادة التائب بعد الحد وذلك لعدم وجود المخالف. [120/ 5]: قبول شهادة القاذف إذا تاب • المقصود بالمسألة: أن القاذف إذا أقيم عليه الحد، ثم تاب وصلح حاله، جاز له أن يشهد، وتقبل شهادته، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث قال: (لا أعلم خلافًا بين أهل الحرمين في أن القاذف إذا تاب قبلت شهادته) (¬6). ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث قال: (نقبل شهادة القاذف إذا تاب، لأن الفسق مرتفع عنه بالتوبة بنص الآية بإجماع الأمة) (¬7). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (التائب من الذنب كمن لا ذَنْبَ له، وقد قبل شهادتَه بعد التوبة عُمر وابنُ عباس، ولا يُعلم لهما في الصحابة مخالف) (¬8). ¬
• مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] جاء بعدها قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5]. • وجه الدلالة: أن من تاب وأصْلَحَ فشهادته في كتاب اللَّه تقبل (¬1). - لأنه إذا ارتفع الفسق ثبتت العدالة ضرورة، لأنه ليس في العالم من المخاطبين إلا فاسق أو عدل، وإذا ثبتت العدالة وجب قبول الشهادة (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الأحناف (¬6) حيث يرون عدم قبول شهادة القاذف مطلقًا سواء قبل التوبة أو بعدها، وقد نقل ابن القيم رحمه اللَّه هذا الخلاف فقال: إذا حُدَّ للقذف لم تقبل شهادته بعد ذلك، وهذا متفق عليه بين الأمة قبل التوبة، والقرآن نص فيه، وأما إذا تاب ففي قبول شهادته قولان مشهوران للعلماء: أحدهما لا تقبل، وهو قول أبي حنيفة وأصحابِهِ وأهل العراق، والثاني تقبل، وهو قول الشافعي وأحمد ومالك (¬7). • دليل هذا القول: قوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4]. • وجه الدلالة: أن الآية واضحة الدلالة على تأبيد عدم قبول الشهادة ¬
[121/ 5]: عدم قبول شهادة القاذف بعد الحد وقبيل التوبة
من القاذف (¬1).Rعدم صحة ما نقل من الإجماع على قبول شهادة القاذف إذا تاب لوجود الخلاف في المسألة. [121/ 5]: عدم قبول شهادة القاذف بعد الحد وقبيل التوبة • المقصود بالمسألة: أن القاذف إذا أقيم عليه الحد ولم يتب لا تقبل شهادته، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (وقول أمير المؤمنين -رضي اللَّه عنه- في كتابه (أو مجلود في حد) المراد به، القاذف إذا حد للقذف لم تقبل شهادته بعد ذلك، وهذا متفق عليه بين الأمة قبل التوبة، والقرآن نص فيه) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4]. • وجه الدلالة: أن قوله تعالى بعد ذلك (إلا الذين تابوا) فيه دلاله على اشتراط التوبة بعد القذف (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
[122/ 5]: جواز شهادة القاذف قبل الحد إذا تاب
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة القاذف بعد الحد وقبيل التوبة وذلك لعدم وجود المخالف. [122/ 5]: جواز شهادة القاذف قبل الحد إذا تاب • المراد بالمسألة: أن القاذف إذا تاب قبل أن يقام الحد عليه، فإن شهادته تصح، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: السرخسي (483 هـ) حيث قال: (وبالاتفاق أن القاذف إذا تاب قبل إقامة الحد عليه تقبل شهادته) (¬3). علاء الدين السمرقندي (540 هـ) حيث قال: (وإن كان بعد التوبة، فإن كان قبل إقامة الحد عليه، فإنه ينعقد النكاح، وتقبل شهادته بلا خلاف) (¬4). • مستند الإجماع: أن أسباب عدم قبول شهادة القاذف ترجع إلى شخص القاذف، والخوف من شهادته بالزور، ولا يرجع إلى إقامة الحد، فالعبرة بتوبة القاذف وليس بإقامة الحد (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬6).Rصحة ما نقل الإجماع على عدم قبول شهادة القاذف بعد الحد وقبيل التوبة وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[123/ 5]: لا تجوز شهادة المجنون
[123/ 5]: لا تجوز شهادة المجنون • المراد بالمسألة: أن المجنون ليس أهلًا للشهادة، إلا إذا كان يجن ويفيق، وشهد الشهادة حال الإفاقة وأداها حال الإفاقة على ما سيرد بالمسألة التالية إن شاء اللَّه. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أنه لا شهادة للمجنون في حال جنونه) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال عند تعديده لشروط الشهادة: (وجملته أن يعتبر في الشاهد سبعة شروط. أحدها: أن يكون عاقلًا ولا تقبل شهادة من ليس بعاقل إجماعًا) (¬2). شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (أما المجنون الذي رفع عنه القلم فلا يصح شيء من عبادته باتفاق العلماء. . . ولا تصح عقوده باتفاق العلماء، فلا يصح بيعه ولا شراؤه ولا نكاحه ولا طلاقه ولا إقراره ولا شهادته) (¬3). الخطيب الشربيني (977 هـ) حيث قال عند ذكره لشروط أداء الشهادة: (مكلف، فلا تقبل شهادة مجنون بالإجمال ولا صبي) (¬4). وقال في موضع آخر: (فلا تقبل شهادة صبي لقوله تعالى: {مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] (¬5). • مستند الإجماع: ما رواه البيهقي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قالَ: مَرَّ عَلِيّ -رضي اللَّه عنه- بِمَجْنونَةِ بَنِي فُلَانٍ قد زَنَتْ وهي تُرْجَمُ، فقالَ عَلِيٍّ لِعُمَرَ -رضي اللَّه عنهما-: يا أمير المؤمنينَ أَمَرْتَ بِرَجْمِ فلانةَ، قالَ: نعم، قالَ: أَما تَذْكرُ قولَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُفِعَ القلمُ عن ثَلاث: عن النائمِ حتَّى يَسْتَيْقِظَ، وعن الصَّبِيِّ حَتَّى ¬
[124/ 5]: جواز شهادة من كان يجن ويفيق وشهد في حال إفاقته
يَحْتَلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يفِيقَ"، قالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهَا فخُلِّي عَنْهَا (¬1). • وجه الدلالة: أن المجنون رفع عنه القلم، فلا يقام عليه الحد لزوال العقل، ولا تقام بشهادته حد أو غيره (¬2). - أن من لا يعقل لايعرف الشهادة، فكيف يقدر على أدائها (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة المجنون وذلك لعدم وجود المخالف. [124/ 5]: جواز شهادة من كان يجن ويفيق وشهد في حال إفاقته • المراد بالمسألة: أن المجنون الذي يجن ويفيق، إذا شهد حال إفاقته، فيجوز له أن يشهد بما رآه في حال إفاقته أيضًا، وشهادته هذه جائزة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن المجنون الذي يجن ويفيق (¬8)، إذا شهد في حال إفاقته أن شهادته ¬
جائزة، إذا كان عدلا) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن عليّ -رضي اللَّه عنه-: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه" (¬2). 2 - ما روي عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- عنِ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ، عنِ النائمِ حتى يستيقظَ، وعنِ الصغيرِ حتى يحتلمَ، وعنِ المجنونِ حتى يعقلَ" (¬3). 3 - ما قاله علي لعمر -رضي اللَّه عنهما-: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِي حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتيقِظَ" (¬4). • وجه الدلالة: أن رفع القلم عن المجنون حين عدم الإدراك أو الإفاقة، وقد تحقق ذلك في حق من يجن ويفيق، فيرفع عنه القلم حال الجنون ويكلف حال الإفاقة (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬6)، والمالكية (¬7)، ¬
[125/ 5]: عدم قبول شهادة الصبي
والشافعية (¬1)، الحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز شهادة من كان يجن ويفيق وشهد في حال إفاقته وذلك لعدم وجود المخالف. [125/ 5]: عدم قبول شهادة الصبي • المراد بالمسألة: أن الصبيان لا تقبل شهادتهم حال صغرهم مطلقا سواء شهدوا على بعضهم أو على غيرهم وسواء تفرقوا أو لم يتفرقوا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث قال: (أما الشرائط العامة فمنها: العقل، لأن من لا يعقل لا يعرف الشهادة، فكيف يقدر على أدائها. ومنها: البلوغ فلا تقبل شهادة الصبي العاقل لأنه لا يقدر على الأداء إلا بالتحفظ، والتحفظ بالتذكر، والتذكر بالتفكر، ولا يوجد من الصبي عادة، ولأن الشهادة فيها معنى الولاية، والصبي مولى عليه، ولأنه لو كان له شهادة للزمته الإجابة عند الدعوة للآية الكريمة وهو قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] أي: دعوا للأداء فلا يلزمه إجماعًا) (¬3). محمد عليش (1299 هـ) حيث قال: (بالغ) فلا تقبل شهادة الصبي اتفاقًا إلا على الصبي في دم) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282]. ¬
• وجه الدلالة: أن الصبيُّ ليسَ من الرجالِ (¬1). 2 - قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: قال ابن عباس: لا تجوز شهادتهم -أي الصبيان- لأن اللَّه تعالى يقول (ممن ترضون من الشهداء) وليسوا ممن يرتضون فلا تجوز شهادتهم (¬2). 3 - ما روي عن عائشةَ عنِ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رُفِعَ القلمُ عنْ ثلاثةٍ، عنِ النائمِ حتَّى يستيقظَ، وعنِ الصغيرِ حتَّى يحتلمَ، "وعنِ المجنونِ حتَّى يعقلَ" (¬3). 4 - ما رواه البيهقي عن ابنَ عَبَّاسٍ -رضي اللَّه عنه- قالَ: مَرَّ عَلِيٍّ -رضي اللَّه عنه- بِمَجْنُونَةِ بَنِي فُلَانٍ قد زَنَتْ وهى تُرْجَمُ، فقالَ عَلِيّ لِعُمَرَ -رضي اللَّه عنهما-: يا أمير المؤمنينَ أَمَرْتَ بِرَجْمِ فلانةَ، قالَ: نعم، قالَ: أَما تَذْكُرُ قولَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُفِعَ القلمُ عن ثلاث: عن النائمِ حتَّى يَسْتَيْقِظَ، وعن الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وعن المجنونِ حتى يُفِيقَ"، قالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهَا فخلِّي عَنْهَا) (¬4). • وجه الدلالة: أن الصبي لا يشهد لرفع القلم عنه (¬5). ولأن الصبي إذا لم يُؤْتَمَنْ على حفظِ أموالهِ فلأنْ لا يؤتمنُ على حفظِ حقوقِ غيرهِ أولى (¬6). - لأن الصبي لا يقدر على الأداء إلا بالتحفظ، والتحفظ بالتذكر، ¬
والتذكر بالتفكر، ولا يوجد من الصبي عادة، ولأن الشهادة فيها معنى الولاية، والصبي مولى عليه، ولأنه لو كان له شهادة للزمته الإجابة عند الدعوة للآية الكريمة وهو قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] أي: دعوا للأداء (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في جزء من المسألة الحنابلة حيث يرون، أن شهادتهم تقبل في الجراح على بعضهم إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحالة التى تجارحوا عليها كما أن شهادة الصبي تقبل إذا كان ابن عشر (¬6). • دليل هذا القول: ما روي عن على بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، أنه قال: "شَهَادَةُ الصَّبِي عَلى الصَّبي، وَشَهَادَة الْعَبْدِ عَلى الْعَبْدِ جَائِزَةٌ (¬7). ¬
[126/ 5]: عدم قبول شهادة الأصل للفرع
2 - أن الظاهر صدقهم وضبطهم فإن تفرقوا لم تقبل شهادتهم لأنه يحتمل أن يلقنوا (¬1). 3 - تقبل شهادة ابن العشر إذا كان عاقلًا، لأنه يؤمر بالصلاة، ويضرب عليها، أشبه البالغ (¬2).Rالإجماع على عدم جواز شهادة الصبي متحقق لعدم وجود المخالف، أما شهادة الصبيان بعضهم على بعض ففيها خلاف. [126/ 5]: عدم قبول شهادة الأصل للفرع • المراد بالمسألة: أنها لا تقبل شهادة الأصل (الآباء)، للفرع (الأبناء)، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن شهادة الرجل المسلم، البالغ، العاقل، الحر، الناطق، المعروف النسب، البصير الذي ليس بوالد المشهود له، ولا ولده، أنها مقبولة) (¬3). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (فمما اتفقوا عليه رد شهادة الأب لابنه والابن لأبيه، وكذلك الأم لأبنها وابنها لها) (¬4). • مستند الإجماع: ما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رجلًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخاصم أباه، فقال: يا رسول اللَّه إن هذا قد احتاج إلى مالي، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنت ومالك لأبيك" (¬5). ¬
2 - ما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن أعرابيًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إن لي مالًا ووالدًا، وإن والدي يريد أن يجتاح مالي؟ فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم" (¬1). • وجه الدلالة: الحديث حجة على عدم جواز شهادة الأب لابنه، لأنه يجرّ به النفع لما جُبِل (¬2) عليه من حبه والميل إليه، ولأنه يتملك عليه ماله (¬3). 3 - كذلك ما روي عق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن عمرو قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه، ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت، وتجوز شهادته لغيرهم" (¬4). • وجه الدلالة: أن بين الاب وابنه بعضية فكأنه يشهد لنفسه (¬5). 4 - الابن جزء من أبيه فشهادته كشهادة الأب لنفسه (¬6). ¬
[127/ 5]: قبول شهادة الأخ العادل لأخيه
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الظاهرية حيث يرون جواز شهادة الأصل للفرع والعكس (¬5). • دليل هذا القول: عموم آيات الشهادة التي لم تفرق في الشهادة بين أجنبي وقريب كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] ولا ريب أن هذه الألفاظ يدخل فيها الآباء والأبناء وجميع الأقارب كدخول الأجانب، فالكل يتناوله اللفظ تناولًا واحدًا من غير تفريق، وهو مما لا يمكن دفعه، ولم يستثن الشارع أبًا ولا ولدًا ولا أخًا ولا قرابة (¬6).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة الأصل للفرع وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [127/ 5]: قبول شهادة الأخ العادل لأخيه • المراد بالمسألة: أن الأخ إذا شهد لأخيه في الخصومة فإن شهادته مقبولة، لانتفاء التهمة في شهادة أحدهما للآخر، ولا يشترط في ذلك إلا توافر شروط الشهادة في الشاهد كالعدالة وغيرها، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: أبو عيسى الترمذي (279 هـ) حيث قال: (ولم يختلفوا في شهادة الأخ لأخيه أنها جائزة، وكذلك شهادة كل قريب لقريبه) (¬1). ابن المنذر (318 هـ) حيث نقل الإجماع مشترطًا العدالة فقال: (وأجمعوا على أن شهادة الأخ لأخيه إذا كان عدلا جائزة) (¬2). الحسين بن مسعود البغوي (516 هـ) حيث قال: (واتفقوا على قبول شهادة الأخ للأخ، وسائر الأقارب) (¬3). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (ومما اتفقوا على إسقاط التهمة فيه شهادة الأخ لأخيه ما لم يدفع بذلك عن نفسه عار) (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وأجمع أهل العلم على أن شهادة الأخ لأخيه جائزة) (¬5). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135]. • وجه الدلالة: أن الآية لم تفصل بين القريب والأجنبي، فهي على الكل إلا ما صار مخصوصًا عنه، ولما خص عنه شهادة الوالد والمولودين بالإجماع، وتخصيص الوالدين والمولودين لا يوجب تخصيص الأخ ¬
والأخت (¬1). 2 - أن شهادة الأخ لأخيه تقبل لانعِدَام التهمة لأن الأملاك وَمَنَافِعَهَا متباينة ولا بُسُوطَةَ لبعضهم فِي مال البعض (¬2). 3 - ولأنه عدل غير متهم فتقبل شهادته له كالأجنبي ولا يصح القياس على الوالد والولد لأن بينهما بعضية وقرابة قوية بخلاف الأخ (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • الخلاف في المسألة: المسألة لا يوجد فيها مخالف، ولكن هناك خلط قد تقع فيه الأفهام تبعا لما ذكره القرطبي رحمه اللَّه حيث قال: في قوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] لم يكن أحد يُتَّهم في ذلك من السلف الصالح رضوان اللَّه عليهم. ثم ظهرت من الناس أُمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتهم، وصار ذلك لا يجوز في الولد والوالد والأخ والزوج والزوجة، وهو مذهب (الحسن، والنخعِيّ، والشعبِيّ، وشريح، ومالك، والثورِيّ، والشافعيّ، وابن حنبل). وقد أجاز قوم شهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عدولًا (¬8). ¬
[128/ 5]: كعدم قبول شهادة الجد للحفيد
وبتتبع كل من ذكرهم القرطبي وجدنا أنهم يجيزون شهادة الأخ لأخيه: فقد روى البيهقي عن الشعبي أن شريحًا كان يجيز شهادة الأخ لأخيه، إذا كان عدلًا (¬1). وقال أيضا في السنن الصغرى: وأما شهادة الأخ لأخيه، فقد روينا عن ابن الزبير -رضي اللَّه عنهما- أنه أجازها وهو قول شريح، وعمر بن عبد العزيز، والشعبي والنخعي رحمهم اللَّه (¬2). وكذلك ما روي في مصنف ابن أبي شيبة عن الحسن قال: تجوز شهادة الأخ لأخيه (¬3). وكذلك فهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل كما تقدم. وعلى ذلك فالمسألة ليست محل خلاف، وما ذكره القرطبي من اشتراطهم العدالة في الأخ لجواز شهادته على أخيه صحيح، على اعتبار أن العدالة وجب توافرها في الشهود كانوا إخوة أو غير إخوة.Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول شهادة الأخ العادل لأخيه لعدم وجود المخالف. [128/ 5]: كعدم قبول شهادة الجد للحفيد • المراد بالمسألة: أن شهادة الجد للحفيد مثل شهادة الأب للابن لا تجوز للإتهام، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (563 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أنه ¬
كالأب -أي الجد- في الشهادة لابن ابنه، وكالأب فيمن يعتق عليه، وأنه لا يقتص له من جده) (¬1). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (إن ابن الابن لما كان كالابن عند عدم الابن كان أبو الأب عند عدم الأب كالأب، وقد ذكر من وافق ابن عباس في هذا توجيه قياسه المذكور من جهة أنهم أجمعوا على أنه كالأب في الشهادة له وفي العتق عليه وأنه لا يقتص منه) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد اللَّه ابن عمرو قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه، ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت، وتجوز شهادته لغيرهم" (¬3). • وجه الدلالة: أن الأب يتهم لولده لأن ماله كماله، ولأن بينهما بعضية فكأنه يشهد لنفسه (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة الجد ¬
[129/ 5]: عدم قبول شهادة الأعمى فى الحدود
للحفيد لعدم وجود المخالف. [129/ 5]: عدم قبول شهادة الأعمى فى الحدود • المراد بالمسألة: الأعمى لا تقبل شهادته في الحدود والقصاص، لأنه تحمل الشهادة من وراء الحجاب وأداها من وراء الحجاب، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن مازة (570 هـ) حيث قال: (وقد صح عن عليّ -رضي اللَّه عنه- أنه رد شهادة الأعمى، فهذا قد روي عن علي -رضي اللَّه عنه-، ولم يرو عن أقرانه خلافًا يحل محل الإجماع، ولأنه تحمل الشهادة من وراء الحجاب وأداها من وراء الحجاب، فلا تقبل شهادته قياسًا على البصير إذا تحمل الشهادة وأداها من وراء الحجاب) (¬1). الملا على الهروي (1041 هـ) حيث قال: "لا من أَعمى" أَي لا تُقبل الشهادة من أَعمى. وقال زُفَر وهو رواية عن أَبي حنيفة: تُقبل فيما يجري فيه التسامع، وبه قال مالك والشافعي وأَحمد، وكذا أَبو يوسف، وهو قول النَّخَعي، والحسن البصري، وسعيد بن جُبير، والثَّوري، لأَن الحاجة في ذلك إِلى السماع، ولا خلل من الأعمى في ذلك. وأَما شهادته في الحدود والقصاص فلا تقبل بالإِجماع) (¬2). شيخي زادة (1078 هـ) حيث قال: (فيما إذا تحملها بصيرًا) وإنما قيدنا بالدين والعقار لأنَّ في المنقول لا تقبل شهادته اتفاقًا لأنَّه يحتاج إلى الإشارة، والدين يعرف ببيان الجنس أو الوصف، والعقار بالتحديد، وكذا في الحدود، لا تقبل اتفاقًا) (¬3). ¬
[130/ 5]: عدم قبول شهادة الأعمى إذا تطلب المشهود عليه أوصافا يحتاج إلى الإشارة إليها عند الأداء
• مستند الإجماع: أنه تحمل الشهادة من وراء الحجاب وأداها من وراء الحجاب، فلا تقبل شهادته قياسًا على البصير إذا تحمل الشهادة وأداها من وراء الحجاب (¬1). - أن الأداء يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه ولا يميز الأعمى إلا بالنغمة وفيه شبهة (¬2). 3 - أن الحدود والقصاص مما تدرأ بالشبهة، وفي شهادة الأعمى من الشبهة ما يكفي لرد شهادته ودرء الحد بهذه الشبهة (¬3) • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة الأعمى في الحدود والقصاص لعدم وجود المخالف. [130/ 5]: عدم قبول شهادة الأعمى إذا تطلب المشهود عليه أوصافا يحتاج إلى الإشارة إليها عند الأداء • المراد بالمسألة: أن الشهادة إذا كانت تتطلب الإشارة إلى أوصاف المشهود عليه، وقت الأداء، فإن شهادة الأعمى لا تجوز، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
[131/ 5]: عدم قبول شهادة الأخرس
• من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث قال: (ومنها: بصر الشاهد. . . . . وهذا إذا كان المدعى شيئًا لا يحتاج إلى الإشارة إليه وقت الأداء، فأما إذا كان شيئًا يحتاج إلى الإشارة إليه وقت الأداء، فلا تقبل شهادته إجماعًا) (¬1). شيخي زاده (1078 هـ) حيث قال: (فيما إذا تحملها بصيرًا) وإنما قيدنا بالدين والعقار لأنَّ في المنقول لا تقبل شهادته اتفاقًا لأنَّه يحتاج إلى الإشارة) (¬2). إسماعيل البروسوي (1127 هـ) حيث قال: (وهذا الخلاف في الدين والعقار لا في المنقول لأن الشهادة لا تقبل فيه اتفاقًا لأنه يحتاج إلى الإشارة) (¬3). • مستند الإجماع: أن الشهادة تتعلق هنا بالإشارة والأعمى لا يستطيع تحديد ذلك، فلا تجوز شهادته، لأنها تعتبر ناقصة (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم: الأحناف (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة الأعمى إذا تطلب المشهود عليه أوصافا تحتاج إلى الإشارة إليها عند الأداء وذلك لعدم وجود المخالف. [131/ 5]: عدم قبول شهادة الأخرس • المراد بالمسألة: أن شهادة الأخرس لا تجوز مطلقًا، سواء فهمت ¬
إشارته أو لم تفهم، لأنه يشترط النطق بلفظ الشهادة، وهذا محال في حق الأخرس، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على شهادة الرجل المسلم، البالغ، العاقل، الحر، الناطق) (¬1) (¬2). . أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) حيث قال: (وشهادة الأخرس لا تقبل بالإجماع) (¬3). • مستند الإجماع: لأن مراعاة لفظة الشهادة شرط لصحة أدائها، ولا عبارة للأخرس أصلًا فلا شهادة له (¬4). 2 - أن كلامه لا يفهم إلا عن طريق الإشارة، وقد يستعمل في الشهادة إشارة يريد بها شيئًا غير ما فهم منه (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬6)، والحنابلة (¬7)، وبعض الشافعية (¬8). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة المالكية (¬9)، وبعض الشافعية (¬10) حيث يرون جواز شهادة الأخرس بشرط أن تكون إشارته ¬
[132/ 5]: لا تصح شهادة الناطق بالإيماء والإشارة
مفهومه وأن تكون شهادته على فعل. • دليل هذا القول: لان إشارته كعبارة الناطق في نكاحه وطلاقه، فكذا في الشهادة (¬1).Rعدم صحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة الأخرس لوجود الخلاف في المسألة. [132/ 5]: لا تصح شهادة الناطق بالإيماء والإشارة • المراد بالمسألة: الأصل في الشهادة الإتيان بلفظ الشهادة، فإذا شهد الناطق الصحيح بالإشارة أو الإيماء (¬2)، فلا تصح شهادته، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولو شهد الناطق بالإيماء والإشارة، لم تصح إجماعًا) (¬3). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (وإن شهد الناطق بالإيماء والإشارة، لم تصح إجماعًا) (¬4). • مستند الإجماع: أن النطق بلفظ الشهادة شرط لصحة الشهادة، والإشارة لا تقوم مقام الكلام، ولأن الإشارة من قادر على النطق يوهم الشك والتهمة في شهادته، فلا تصح (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬6)، ¬
[133/ 5]: عدم قبول شهادة الطفيلي
والحنابلة (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الشوكاني رحمه اللَّه حيث قال: والشهادة تصح بالإشارة المفهمة من قادر على النطق، فضلًا من غير قادر (¬2). وقال في موضع آخر: ويصح بمجرد الإشارة المفهمة من القادر على النطق وبالكتابة (¬3). • دليل هذا القول: أن الإشارة المفهمة والكتابة تقوم مقام النطق، فتصح الشهادة بها (¬4).Rعدم صحة ما نقل من الإجماع على عدم صحة شهادة الناطق بالإيماء والإشارة لوجود الخلاف في المسألة. [133/ 5]: عدم قبول شهادة الطفيلي • المراد بالمسألة: أن الطفيلي وهو الذي يأتي طعام الناس من غير دعوة (¬5)، لا تقبل شهادته، وقد نقل نفي الخلاف على ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على قبول شاهدين مسلمين فاضلين في دينهما ومعتقدهما، ولا يكونان مع ذلك أبوين ولا جدين ولا طفيليين) (¬6)، ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا تقبل شهادة الطفيلي وهو الذي يأتي طعام الناس من غير دعوة وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفًا) (¬7). النسفي ¬
(710 هـ) حيث قال: (ولا تقبل شهادة الطفيلي والمشعوذ والرقاص والمسخرة بلا خلاف) (¬1). ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: (ولا تقبل شهادة الطفيلي والرقاص والمجازف في كلامه والمسخرة بلا خلاف) (¬2). شيخي زاده (1087 هـ): (ولا تقبل شهادة الطفيلي والرقاص والمجازف في كلامه والمسخرة بلا خلاف) (¬3). ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (ولا تقبل شهادة الطفيلي والرقاص والمجازف في كلامه والمسخرة بلا خلاف) (¬4). • مستند نفي الخلاف: عن نافع قال: قال عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ دُعِيَ فلَمْ يُجبْ فَقَدْ عَصَى اللَّه وَرَسُولَهُ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا" (¬5). • وجه الدلالة: أن الطفيلي يأكل محرمًا، ويفعل ما فيه سفه ودناءة وذهاب مروءة، فلا تقبل شهادته (¬6). • الموافقون على نفي الخلاف: وافق على الحكم: الشافعية (¬7)، الحنابلة (¬8). ¬
[134/ 5]: عدم جواز شهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه
Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة الطفيلي لعدم وجود المخالف. [134/ 5]: عدم جواز شهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه • المراد بالمسألة: أن الشريك لا تجوز شهادته لشريكه فيما بينهما، لأنه جار لنفسه نفعًا أو دافع عنها ضرًا، وقد نقل نفي الخلاف على ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وقد قال الزهري مضت السنة في الإسلام أن لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، والظنين المتهم. وروى طلحة بن عبد اللَّه بن عوف قال: قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن لا شهادة لخصم ولا ظنين، وممن رد شهادة الشريك لشريكه شريح والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفًا) (¬1). ابن القاص (353 هـ) حيث قال: (واتفق الجميع على أن شهادة المرء لشريكه فيما له فيه شرك، غير جائزة) (¬2). • مستند الإجماع: لأنه -أي الشريك- يصير شاهدًا لنفسه في البعض وذلك باطل، وإذا بطل البعض بطل الكل لكونها غير متجزئة إذ هي شهادة واحدة (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، ¬
[135/ 5]: عدم قبول شهادة السيد لعبده
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم الظاهري (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم جواز شهادة الشريك لشريكه لعدم وجود المخالف. أما شهادة الشريك لشريكه فيما ليس من شركتهما، فجائزة (¬5). [135/ 5]: عدم قبول شهادة السيد لعبده • المراد بالمسألة: أن شهادة السيد لعبده لا تجوز بحال، لأن العبد مال لسيده، فشهادته لعبده تكون كشهادته لنفسه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (أما شهادة السيد لعبده فغير مقبولة. لأن مال العبد لسيده فشهادته له شهادة لنفسه ولهذا قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- "من باع عبدًا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" (¬6) ولا نعلم في هذا خلافًا) (¬7). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (ولا تقبل شهادة السيد لعبده) لا نعلم ¬
[136/ 5]: عدم قبول شهادة العبد لسيده
فيه خلافا لأن مال العبد لسيده فشهادته لَهُ شهادة لنفسهِ) (¬1). علاء الدين المرداوي (855 هـ) حيث قال: (ولا تقبل شهادة السيد لعبده، ولا العبد لسيده بلا نزاع) (¬2). • مستند الإجماع: ما رواه عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من باع عبدًا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" (¬3). • وجه الدلالة: أن الحديث دل على أن مال العبد لسيده، فشهادته له شهادة لنفسه فلا تقبل (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة السيد لعبده وذلك لعدم وجود المخالف. [136/ 5]: عدم قبول شهادة العبد لسيده • المراد بالمسألة: أن شهادة العبد لسيدة لا تجوز، لأن العبد متهم بشهادته لسيده، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
[137/ 5]: عدم قبول شهادة الخصم
• من نقل الإجماع: علاء الدين المرداوي (855 هـ) حيث قال: (ولا تقبل شهادة السيد لعبده، ولا العبد لسيده بلا نزاع) (¬1). الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: قوله: "ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت" هو الخادم المنقطع إلى الخدمة، فلا تقبل شهادته للتهمة بجلب النفع إلى نفسه وذلك كالأجير الخاص. وقد ذهب إلى عدم قبول شهادته للمؤجر له الهادي والقاسم والناصر والشافعي قالوا: لأن منافعه قد صارت مستغرقة فأشبه العبد. وقد حكى في البحر الإجماع على عدم قبول شهادة العبد لسيده) (¬2). • مستند الإجماع: أنها لا تقبل شهادة العبد لسيده لأنه يتبسط في مال سيده وينتفع به ويتصرف فيه وتجب نفقته منه ولا يقطع بسرقته فلا تقبل شهادته له كالابن مع أبيه (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة العبد لسيدة لعدم وجود المخالف. [137/ 5]: عدم قبول شهادة الخصم المراد يالمسألة: أن الخصومة إذا كانت قائمة بين الشاهد والخصم فلا تجوز شهادته على خصمه، لاتهامه في الشهادة عليه، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
[138/ 5]: جواز الشهادة على الشهادة في الجملة
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن الخصومة إذا كانت قائمة بين الشاهد والخصم، ألا تقبل لشهادته) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن طلحة بن عبد اللَّه بن عوف أن رسول اللَّه بعث مناديا حتى انتهى إلى الثنية: "إنه لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، واليمين على المدعى عليه" (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6) والشوكاني (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة الخصم لعدم وجود المخالف. [138/ 5]: جواز الشهادة على الشهادة في الجملة • المراد بالمسألة: أن الشهادة على الشهادة تجوز في الأقارير والحقوق وأقضية القضاة وكتبهم وكل شيء حتى في الحدود والقصاص، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فإن الشهادة على ¬
الشهادة جائزة بإجماع العلماء) (¬1). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (الشهادة على الشهادة جائزة في الجملة بالإجماع، قال أبو عبيد: أجمعت العلماء من أهل الحجاز والعراق على إمضاء الشهادة على الشهادة في الأموال، وللحاجة الداعية إلى ذلك، إذ قد يتأخر إثبات الوقوف ونحوها عند الحاكم، ثم يموت شهود ذلك، فلو لم تقبل لأفضى ذلك إلى ضرر كثير، وإنه منفي شرعًا، ومحل قبولها الأموال بلا ريب، للإجماع والمعنى المتقدمين) (¬2). ابن مفلح (885 هـ) حيث قال: (قال جعفَرٌ بن محمد: سمعت أحمد يسأل عن الشهادة على الشهادة؟ فقال: هي جائزة. وكان قوم يسمونها التأويل والأصل فيها الإجماع) (¬3). البكري الدمياطي (1300 هـ) حيث قال: (إن الشهادة على الشهادة جائزة بالاتفاق) (¬4). • مستند الإجماع: أن الحاجة داعية إليها فإنها لو لم تقبل لبطلت الشهادة على الوقف وما يتأخر إثباته عند الحاكم ثم يموت شهوده وفي ذلك ضرر على الناس ومشقة شديدة فوجب أن تقبل كشهادة الأصل (¬5). 2 - أن الفروع عدول نقلوا شهادة الأصول، فالحكم بشهادة الأصول لا بشهادتهم وصاروا كالمترجم (¬6). 3 - القياس على الخبر، فإن الشهادة خبر -وإن لم يكن كل خبر شهادة- فلما جاز نقل الخبر لاستدامة العلم به، جاز نقل الشهادة لاستدامة التوثيق بها (¬7). ¬
[139/ 5]: قبول الشهادة على الشهادة في الحدود والقصاص
• الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول الشهادة على الشهادة في الجملة وذلك لعدم وجود المخالف. [139/ 5]: قبول الشهادة على الشهادة في الحدود والقصاص • المراد بالمسألة: أن الشهادة على الشهادة مقبولة في كل شيء حتى في الحدود والقصاص والتي يحتاط فيها ما لا يحتاط في غيرها، ومع ذلك فهي فيها مقبولة ويحكم بموجبها، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (وتقبل الشهادة على الشهادة في كل شيء، حتى في الحدود والقصاص بالإجماع) (¬5). القاضي عبدالوهاب (422 هـ) حيث قال: (وأجمع العلماء على جواز الشهادة على الشهادة في كل الأحكام من حقوق اللَّه تعالى، وحقوق الآدميين، والقصاص، والحدود) (¬6). • مستند الإجماع: عموم قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وقوله عز وجل: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، فعم كل أمر يصح الإشهاد عليه (¬7). 2 - أنها حقوق تثبت بالشهادة، فما المانع من ثبوتها بالشهادة على الشهادة، ولأن شهادة الفرع تثبت شهادة الأصل، وإذا ثبتت شهادة الأصل ¬
[140/ 5]: قبول الشهادة على الشهادة فى الأموال
ثبت ما كان مشهودًا به فيها، سواء كان حدًا، أو قصاصًا، أو غيرهما (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬2)، والشافعية في قول (¬3)، والحنابلة في رواية (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الأحناف (¬5)، وأحد القولين عند الشافعية وهو المقدم عندهم (¬6)، والمذهب عند الحنابلة (¬7). حيث يرون أن الشهادة على الشهادة لا تجوز في كل حق يسقط بالشبهة كالحدود والقصاص. • دليل هذا القول: أن الشهادة على الشهادة إنما هي مراده لتأكيد الوثيقة، وذلك للتوصل بها إلى إثبات الحق الذي يراد إثباته والحدود مبنية على الدرء، وإذا كانت كذلك فلا يجوز إثباتها بالشهادة على الشهادة، لأنها معرضة للتبديل والغلط والسهو فلا يثبت بها حد (¬8).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على قبول الشهادة على الشهادة في الحدود والقصاص، وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [140/ 5]: قبول الشهادة على الشهادة فى الأموال • المراد بالمسألة: أن الشهادة على الشهادة تجوز في الأموال لأن الحاجة داعية إليها، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (أجمعت العلماء من أهل الحجاز والعراق على إمضاء الشهادة على الشهادة في الأموال لأن الحاجة داعية إليها فإنها لو لم تقبل لبطلت الشهادة على الوقف وما يتأخر إثباته عند الحاكم ثم يموت شهوده وفي ذلك ضرر على الناس ومشقة شديدة فوجب أن تقبل كشهادة الأصل) (¬1). . وقال أيضًا: (الفصل الثاني: أنها تقبل في الأموال وما يقصد به المال بإجماع) (¬2). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (الشهادة على الشهادة جائزة في الجملة بالإجماع، قال أبو عبيد: أجمعت العلماء من أهل الحجاز والعراق على إمضاء الشهادة على الشهادة في الأموال، وللحاجة الداعية إلى ذلك، إذ قد يتأخر إثبات الوقوف ونحوها عند الحاكم، ثم يموت شهود ذلك، فلو لم تقبل لأفضى ذلك إلى ضرر كثير، وإنه منفي شرعًا، ومحل قبولها الأموال بلا ريب، للإجماع والمعنى المتقدمين) (¬3). ابن مفلح (885 هـ) حيث قال: (قال جعفَرٌ بن محمد: سمعت أحمد يسأل عن الشهادة على الشهادة؟ فقال: هي جائزة. وكان قوم يسمونها التأويل والأصل فيها الإجماع. قال أبو عبيدٍ: أجمعت العلماء من أهل الحجازِ والعراق على إمضاءِ الشهادة على الشهادة في الأموال) (¬4). • مستند الإجماع: لأن الحاجة داعية إليها فإنها لو لم تقبل لبطلت الشهادة على الوقف وما يتأخر إثباته عند الحاكم ثم يموت شهوده وفي ذلك ضرر على الناس ومشقة شديدة فوجب أن تقبل كشهادة الأصل (¬5). ¬
[141/ 5]: عدم قبول الشهادة على الشهادة مع حضور الأصل
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول الشهادة على الشهادة في الأموال لعدم وجود المخالف. [141/ 5]: عدم قبول الشهادة على الشهادة مع حضور الأصل • المراد بالمسألة: لا يجوز الحكم بالشهادة على الشهادة إلا عند تعذّر حضور شهود الأصل بالموت أو المرض أو الغيبة (¬5). وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه لا يجوز شهادة شهود الفرع مع وجود شهود الأصل إلا أن يكون ثم عذر يمنع شهود الأصل من مرض أو غيبة تقصر في مسافتها الأصل، وعن أحمد رواية أخرى لا تقبل شهادة شهود الفرع إلا بعد موت شهود الأصل) (¬6). المرداوي (855 هـ) حيث قال: (ولا تقبل إلا أن تتعذر شهادة شهود الأصل بموت بلا نزاع) (¬7). ¬
[142/ 5]: يجب توفر شروط الشهادة في شهود الفرع لقبول شهادتهم
• مستند الإجماع: أن شهادة الأصل أقوى لأنها تثبت نفس الحق، والشهادة على الشهادة لا تثبت نفس الحق فلم تقبل مع القدرة على شهود الأصل (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول الشهادة على الشهادة مع حضور الأصل لعدم وجود المخالف. [142/ 5]: يجب توفر شروط الشهادة في شهود الفرع لقبول شهادتهم • المراد بالمسألة: أن شهود الفرع حتى تصح شهادتهم على شهود الأصل يجب أن تتوفر فيهم شروط الشهادة من العدالة والإسلام وغيرها، وإن لم تتوفر هذه الشروط فلا تصح شهادة شهود الفرع، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (الشرط الثاني: أن تتحقق شروط الشهادة من العدالة وغيرها في كل واحد من شهود الأصل والفرع على الوجه الذي ذكرناه لأن الحكم ينبني على الشهادتين جميعًا فاعتبرت الشروط في كل واحد منهما، ولا خلاف في هذا نعلمه) (¬5). - الزركشي (497 هـ) حيث قال: (إذا تقرر هذا فيشترط للشهادة على الشهادة شروط (أحدها) تحقق شروط الشهادة من العدالة وغيرها في كل ¬
[143/ 5]: تقبل تزكية شهود الفرع لشهود الأصل والشهادة على شهادتهما
واحد من شاهدي الأصل، وشاهدي الفرع، إذ الحكم ينبني على الشهادتين جميعًا، فاعتبرت الشروط في كل منهما، كالراوي عن الراوي، وهذا واللَّه أعلم اتفاقًا) (¬1). • مستند الإجماع: قياس شهود الفرع على شهود الأصل في أن كل واحد منهما شهادة لنقل الخبر، فالفرع شاهد، وإن لم تتحقق فيه شروط الشهادة وقت الأداء ردت شهادته، لأن الحكم ينبني على شهادتهما جميعًا (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب توفر شروط الشهادة في شهود الفرع لصحة شهادتهم لعدم وجود المخالف. [143/ 5]: تقبل تزكية شهود الفرع لشهود الأصل والشهادة على شهادتهما • المراد بالمسألة: إذا شهد شهود الفرع بنفس شهادة شهود الأصل مع إقرارهم بعدالة شهود الأصل، جازت شهادتهم، وقد نقل نفي الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فإن عدل شهود الفرع شهود الأصل فشهدا بعدالتهما وعلى شهادتهما جاز بغير خلاف نعلمه وإن لم يشهدا بعدالتهما جاز ويتولى الحاكم ذلك) (¬6). ¬
[144/ 5]: يجب تعدد الشهود في الشهادة على الشهادة
• مستند نفي الخلاف: استدل العلماء على هذه المسألة بالمعقول، قالوا: إن شهود الفرع كغيرهم، من أهل التزكية، فتقبل تزكيتهم لشهود الأصل (¬1). • الموافقون على نفي الخلاف: الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول تزكية شهود الفرع لشهود الأصل والشهادة على شهادتهما وذلك لعدم وجود المخالف. [144/ 5]: يجب تعدد الشهود في الشهادة على الشهادة • المراد بالمسألة: أنه يشترط التعدد في شهود الفرع الذين يشهدون على شهود الأصل، فلابد من شاهدي فرع لكل شاهد أصل، وقد نقل الإجماع على ذلك (¬6). ¬
• من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) حيث قال: (أن يشهد في الفرع شاهدان على شهادة أحد شاهدي الأصل، ويشهد آخران على الشاهد الآخر، فيصير شهود الفرع أربعة يتحمل عن كل واحد من الاثنين اثنان، فهذا متفق على جوازه وهو أولى ما استعمل فيه) (¬1). النووي (676 هـ) حيث قال: (فإذا كان شهود الأصل اثنينِ، وشهد في القرع شاهدان على أحد شاهدي الأصل، وشهد على الآخر شاهدان، فيصير شهود الفرع أربعة يتحمّل كل واحدٍ من شاهدي الأصل اثنين، فهذا متفق على جوازه) (¬2). ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمعوا أن شهادة أربعة على شهادة شاهدين، في الأموال إذا كانوا عدولا جائزًا) (¬3). • مستند الإجماع: ما روي عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "لا تجوز على شهادة رجل إلا شهادة رجلين" ولم ينقل عن غيره خلافه (¬4). لأنها شهادة على شهادة الأصل، ويتطلب في الشهادة العدد، فيجب أن يشهد اثنان على كل شاهد أصل، سواء شهد نفس شاهدي الفرع على شاهدي الأصل بحيث يشهد الشاهدان على الشاهد الأول، ثم يشهدا على الشاهد الثاني كما نص على ذلك الأحناف والمالكية أو اشتراط أربع شهود على الشاهدين لكل شاهد أصل شاهدي فرع مختلفين (¬5). ¬
[145/ 5]: ضمان الفرع في حالة رجوعه عن الشهادة على شاهدي الأصل
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة الحنابلة حيث يرون أنه لا يشترط التعدد في شهود الفرع، فإذا تعذر أحد شاهدي الأصل فشهد على شهادته واحد كفى، وهو من مفردات مذهب الحنابلة (¬4). • دليل هذا القول: أن شاهدي الفرع بدل من شهود الأصل، فيكفي في عددهم ما يكفي في شهادة الأصل (¬5). ولأن شاهدي الفرع لا ينقلان عن شاهدي الأصل حقًا عليهما، فوجب أن يقبل فيه قول واحد، كأخبار الديانات، فإنهم إنما ينقلون الشهادة وليست حقًا عليهم، ولهذا لو أنكراها لم يعد الحاكم عليهما ولم يطلب منهما (¬6).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أنه يشترط تعدد الشهود في الشهادة على الشهادة وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [145/ 5]: ضمان الفرع في حالة رجوعه عن الشهادة على شاهدي الأصل • المراد بالمسألة: إذا شهد شاهدا فرع على شاهدي أصل فحكم الحاكم بشهادتهما ثم رجع شاهدا الفرع فعليهما الضمان، لأن الشهادة في مجلس القضاء صدرت منهما فكان التلف مضافًا إليهما، وقد نقل الإجماع ¬
[146/ 5]: عدم الحكم بشهادة الشهود إن رجعوا عنها قبل الحكم
على ذلك. • من نقل الإجماع: الميرغناني (530 هـ) حيث قال: (إذا رجع شهود الفروع ضمنوا بالاتفاق) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن شهد شاهدا فرع على شاهدي أصل فحكم الحاكم بشهادتهما ثم رجع شاهدا الفرع فعليهما الضمان. لا أعلم بينهم في ذلك خلافًا) (¬2). المرداوي (855 هـ) حيث قال: (وإن حكم بشهادتهما ثم رجع شهود الفرع لزمهم الضمان بلا نزاع) (¬3). • مستند الإجماع: أن الشهادة في مجلس القضاء صدرت منهم فكان التلف مضافًا إليهم (¬4). الإتلاف كان بشهادتهم كما لو أتلفوا بأيديهم (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬6)، والمالكية، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على ضمان الفرع في حالة رجوعه عن الشهادة على شاهدي الأصل لعدم وجود المخالف. [146/ 5]: عدم الحكم بشهادة الشهود إن رجعوا عنها قبل الحكم • المراد بالمسألة: أن الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم قبل أن يصدر ¬
القاضى حكمه، فلا يحكم بشهادتهم لأنها في حكم المعدومة، ولا ضمان عليهم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه إذا رجع الشهود عن المشهود به قبل الحكم فإنه لا يحكم بشهادتهم) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إن يرجعوا قبل الحكم بها فلا يجوز الحكم بها فى قول عامة أهل العلم) (¬2). السيوطي (880 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه لا ينقض الحكم الذي حكم بشهادتهما فيه، وأنهما إذا رجعا قبل الحكم لم يحكم بشهادتهما) (¬3). • مستند الإجماع: أن الحق إنما يثبت بالقضاء والقاضي لا يقضي بكلام متناقض، ولا ضمان عليهمما لأنهما ما اتلفا شيئا لا على المدعي ولا على المشهود عليه (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). ¬
[147/ 5]: الرجوع عن الشهادة بعد الحكم بها في غير الحدود والقصاص لا ينقضه
• الخلاف في المسألة: خالف في المسألة أبو ثور، وقد نقل ذلك ابن قدامة حيث قال: وحكي عن أبي ثور أنه شذ عن أهل العلم وقال يحكم بالشهادة حتى لو رجع الشهود عنها قبل الحكم (¬1). • دليل هذا القول: أن الشهادة قد أديت فلا تبطل برجوع من شهد بها كما لو رجعا بعد الحكم (¬2).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على عدم الحكم بشهادة الشهود إن رجعوا عنها قبل الحكم وذلك لوجود المخالف. [147/ 5]: الرجوع عن الشهادة بعد الحكم بها في غير الحدود والقصاص لا ينقضه • المراد بالمسألة: أن الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بعد أن أصدر القاضي حكمه، فإن الحكم لا ينقض، إلا في الحدود والقصاص فإنه يبطل الحكم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واختلفوا فيما إذا شهد شاهدان بمال، ثم رجعا بعد الحكم به فقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي في القديم، وأحمد: عليهما الغرم، وقال الشافعي في الجديد لا شيء عليهما. واتفقوا على أنه لا ينقض الحكم الذي كانا شهدا به) (¬3). السيوطي (880 هـ) جمث قال: (واتفقوا على أنه لا ينقض الحكم الذي حكم بشهادتهما فيه، وأنهما إذا رجعا قبل الحكم لم يحكم بشهادتهما) (¬4). • مستند الإجماع: أن حق المشهود له قد وجب له بالحكم، فلا يسقط ¬
[148/ 5]: القود من الشهود عند رجوعهم عن شهادتهم بمثل ما أحدثوا
بقولهما، كما أنهما لو ادعياه لأنفسهما لم يثبت لهما، ولأنه يجوز أن يكونا عدلين صادقين في شهادتهما، وإنما كذبا في الرجوع (¬1). 2 - ولأن المال لا يسقط بالشبهة، فلا يتأثر بالرجوع (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الرجوع عن الشهادة بعد الحكم بها في غير الحدود والقصاص لا ينقضه لعدم وجود المخالف. [148/ 5]: القود من الشهود عند رجوعهم عن شهادتهم بمثل ما أحدثوا • المراد بالمسألة: أن الشاهدين إذا تعمدا الكذب في الشهادة، ثم رجعوا، يجب القود منهما بمثل ما أحدثوا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) حيث قال: "لو علمت أنكما تعمَّدْتُما لقطعْتُكُما". فجعل الجهل لهما بالشهادة موجبًا لإضافة الحكم إليهما، وأخذهما بموجبها. ووافقه على ذلك من عاصره، فصار مع ما تقدم عن أبي بكر وعمر إجماعًا. ولأن القتل قد يكون بالمباشرة تارة، وبالسبب أخرى، فلما وجبا القود بالمباشرة، جاز أن يجب بالسبب، لأنه ¬
أحد نوعيّ القتل) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إن عليًا -رضي اللَّه عنه- شهد عنده رجلان على رجل بالسرقة فقطعه ثم عادا فقالا أخطأنا ليس هذا هو السارق فقال علي لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما، ولا مخالف له في الصحابة فيكون إجماعًا) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عَنِ الشَّعْبِىِّ في رجلين شهدا على رجل أنه سرق فقطعه علي، ثم جاءا بآخر وقالا أخطأنا. فأبطل شهادتهما وأخذ بدية الأول، وقال لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما (¬3). . وكذلك لأنَّهما -أى الشاهدان- ألجآهُ -أي القاضي- إلى قتلهِ بغيرِ حقَ فلزِمَهُما القودُ، كما لو أكرَهاهُ على قَتْلِه (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة أصحاب الرأي حيث قال ابن قدامة رحمه اللَّه: وقال أصحاب الرأي لا قود عليهما لأنهما لم يباشرا الإتلاف فأشبها حافر البئر وناصب السكين إذا تلف بهما شيء (¬7). • دليل هذا القول: لأنهما -أي الشاهدين- لم يباشرا الإتلاف فأشبها حافر البئر وناصب السكين إذا تلف بهما شيء (¬8). ¬
[149/ 5]: من شهد بحرية عبد أو أمة ثم رجع عن الشهادة غرم قيمتها
Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على القود من الشهود عند رجوعهم عن شهادتهم بمثل ما أحدثوا لوجود الخلاف في المسألة. [149/ 5]: من شهد بحرية عبد أو أمة ثم رجع عن الشهادة غرم قيمتها • المراد بالمسألة: أن الشهود إذا شهدوا بحرية عبد أو أمة، وحكم الحاكم بقولهما، ثم رجعا عن شهادتهما بعد ذلك، فإنهما يغرما قيمتهما لسيدهما، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن كان المحكوم به عبدا أو أمة، غرم قيمته) أما إذا شهد بالعبد أو الأمة لغير مالكه، فالحكم في ذلك كالحكم في الشهادة بالمال، على ما ذكرنا في الخلاف فيه، لأنها من جملة المال، وإن شهد بحريتهما، ثم رجع عن الشهادة، لزمه غرامة قيمتهما لسيدهما، بغير خلاف) (¬1). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (وإن شهد بالحرية، ثم رجع عن الشهادة، لزمه غرامة قيمتهما لسيدهما، بغير خلاف بينهم فيه) (¬2). المرداوي (855 هـ) حيث قال: (وإن رجع شهود العتق، غرموا القيمة لا نزاع نعلمه) (¬3). • مستند الإجماع: ألأنهما -أي العبد أو الأمة- من جملة المال، والشهود قد تسببوا في إتلاف مال المشهود عليه بشهادتهم، فلولا شهادتهم لم يذهب ماله من يده، فوجب عليهم ضمان ما أتلفوه عليه من ماله (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[150/ 5]: قبول شهادة القروي مطلقا
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من شهد بحرية عبد أو أمة ثم رجع عنها فإنه يغرم قيمتهما وذلك لعدم وجود المخالف. [150/ 5]: قبول شهادة القروي مطلقًا • المراد بالمسألة: البدوي هو الذي يسكن البادية في المضارب والخيام، ولا يقيم في موضع خاص، بل يرتحل من مكان إلى مكان، وصاحب القرية هو الذي يسكن القرى وهي المصر الجامع (¬3). وشهادة البدوي على القروي محل خلاف أما شهادة القروي على البدوي وغيره فمقبولة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: المرداوي (855 هـ) حيث قال: (تقبل شهادة القروي على البدوي بلا نزاع) (¬4). أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال: (الإجماع على قبول شهادة القروي مطلقًا) (¬5). الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: (تقبل شهادة القروي بلا خلاف) (¬6). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]. ¬
[151/ 5] جواز شهادة البدوي على القروي في السفر
• وجه الدلالة: الآيات واضحة الدلالة في قبول الشهادة إذا توافرت في الشهود العدالة والنصاب، وهذا ينطبق على الجميع ما لم يخصص بنص كالفاسق والقاذف عند الجميع والبدوي عند البعض (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول شهادة القروي مطلقًا وذلك لعدم وجود المخالف. [151/ 5] جواز شهادة البدوي على القروي في السفر • المراد بالمسألة: أن شهادة البدوي على القروي وإن اختلف فيها العلماء حال الحضر إلا أنها تجوز حال السفر، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) حيث قال: (ومتى كان في السفر فلا خلاف في قبول شهادته) (¬5). أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال: (لا تجوز شهادة بدوي على قروي في الحضر عند البعض، إلا في وصية القروي في السفر فتجوز بلا خلاف) (¬6). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ¬
ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106]. • وجه الدلالة: لا تجوز شهادة بدوي على قروي في الحضر إلا في وصية القروي في السفر أو في بيع، فتجوز إذا كانوا عدولا، فكما جازت للكافر فللمسلم أولى (¬1). ما رواه أبو داود عن الشَّعْبِيِّ: "أنَّ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَاءَ (¬2) هذِهِ وَلَمْ يَجِدْ أحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أهْلِ الْكِتَابِ فَقَدِمَا الْكُوفَةَ فَأَتَيَا أبا مُوسَى الأشْعَرِيَّ فَأَخْبَرَاهُ وَقَدِمَا بَتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ فَقالَ الأشْعَرِيُّ هذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ باللَّه مَا خَانَا وَلَا كَذِبَا وَلَا بَدَّلَا وَلَا كَتَما وَلَا غَيَّرَا، وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ، فَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا" (¬3). • وجه الدلالة: إن شهادة الكافر جازت على المسلم في السفر فشهادة المسلم على المسلم أولى (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: لم أجد في هذه المسألة من وافق أو خالف فيما اطلعت عليه من كتب العلماء.Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول شهادة البدوي على القروي في السفر وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[152/ 5]: جواز شهادة الوصي على الموصى عليه
[152/ 5]: جواز شهادة الوصي على الموصى عليه • المراد بالمسألة: إذا شهد الوصي على من هو موص عليهم قبلت شهادته، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإذا شهد الوصي على من هو موصى عليهم قبلت شهادته وإن شهد لهم لم يقبل إذا كانوا في حجره. أما شهادته عليهم فمقبولة لا نعلم فيه خلافًا، فإنه لا يتهم عليهم ولا يجر بشهادته عليهم نفعًا ولا يدفع عنهم بها ضررًا) (¬1). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (فأما شهادته عليهم -أي شهادة الوصي على الموصى عليهم- فمقبولة لا نعلم فيه خلافًا) (¬2). . الزركشي (794 هـ) حيث قال: (وإذا شهد الوصي على من هو موصى عليهم قبلت شهادته، هذا واللَّه أعلم اتفاق) (¬3). • مستند الإجماع: لأن الوصي إذا شهد على الموصى له لا يتهم فيها حيث أنه لا يجر بشهادته عليهم نفعًا ولا يدفع عنهم بها ضررًا (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز شهادة الوصي على الموصى عليه وذلك لعدم وجود المخالف. [153/ 5]: لا تقبل شهادة مجهول الحال • المراد بالمسألة: أنه يشترط في الشاهد أن يكون عدلًا، وأن يعلم ¬
القاضي هذه العدالة، فإن جهلت عدالة الشاهد فلا يقبل القاضي شهادته، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: في قوله عز وجل: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] دليل على أنه لا يجوز أن يقبل إلا العدل الرضي وأن من جهلت عدالته لم تجز شهادته حتى تعلم الصفة المشترطة، واتفقوا في الحدود والقصاص وكذلك كل شهادة) (¬1). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. وقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: اشتراط الرضى بالعدالة يتطلب معرفة حال الشاهد، فلا تصح شهادة مجهول الحال (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة بعض العلماء وقد نقل ذلك عون الدين ابن هبيرة حيث قال: واختلفوا في سماع شهادة من لا تعرف عدالته الباطنة؟ فقال أبو حنيفة: يسأل الحاكم عن باطق عدالتهم في الحدود والقصاص قولا واحدا وفيما عد ذلك لا يسأل عنهم، إلا أن يطعن الخصم فيهم، فما لم يطعن فيهم لم يسأل عنهم، ويسمع شهادتهم، ويكتفي بعدالتهم في ظاهر أحوالهم. ¬
[154/ 5]: جواز شهادة المسلم على غير المسلم
وقال مالك والشافعي وأحمد في إحدى روايتيه: لا يكتفي الحاكم بظاهر العدالة حتى يعرف عدالتهم الباطنة سواء طعن الخصم فيهم أو لم يطعن أو كانت شهادتهم في حد أو غيره، وعن أحمد رواية أخرى: أن الحاكم يكتفي بظاهر الإسلام ولا يسأل عنهم على الإطلاق، وهي اختيار أبي بكر (¬1). • دليل هذا القول: استند من لم يشترط معرفة حال الشاهد، إلى الإكتفاء بظاهر العدالة في الشهود (¬2).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أنها لا تقبل شهادة مجهول الحال وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [154/ 5]: جواز شهادة المسلم على غير المسلم • المراد بالمسألة: أن المسلم يجوز له أن يشهد على غير المسلم في الحدود والقصاص وما دونها، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (اتفقوا على قبول شهادة المسلم على غير المسلم في كل شيء من الدماء فما دونها) (¬3) النسفي (710 هـ) حيث قال: (إن المسلمين مجمعون على قبول شهادة المسلم على الكافر) (¬4). الزيلعي (762 هـ) حيث قال: (إن المسلمين مجمعون على قبول شهادة المسلم على الكافر) (¬5). المرداوي (855 هـ) حيث قال: (تجوز شهادة المسلمين على الكفار، هذا مما لا يختلف فيه) (¬6). ¬
[155/ 5]: لا تجوز شهادة غير المسلم على المسلم
• مستند الإجماع: قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143]. • وجه الدلالة: شهادة أهل الإسلام جائزة على أهل الشرك كلهم لأن اللَّه تعالى أثبت للمؤمنين شهادة على الناس (¬1). وتقبل شهادة المسلم على الكافر لأنه أهل أن تثبت له الولاية على المسلم فعلى الكافر أولى (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز شهادة المسلم على غير المسلم لعدم وجود المخالف. [155/ 5]: لا تجوز شهادة غير المسلم على المسلم • المراد بالمسألة: أن شهادة الكفار على المسلمين لا تجوز في غير الوصية في السفر وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنها لا تقبل شهادة مشرك على مسلم في غير الوصية في السفر) (¬7). ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (فلا تقبل شهادة الكفار على المسلمين وهذا لا نزاع فيه) (¬8). ¬
[156/ 5]: لو تبين للقاضي أن شهود المال كانا كافرين فإن الحكم ينقض
الثعالبي (875 هـ) حيث قال: (وبما عليه إجماعُ جمهور النَّاس، أن شهادة الكُفَّار لا تجوزُ) (¬1). الشنقيطي (1393 هـ) حيث قال: (ولا خلاف بين أهل العلم أن شهادة الكفار كالذميين لا تقبل على المسلم) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} [النساء: 141]. • وجه الدلالة: أن الشهادة سبيل عظيم، واللَّه تعالى وعد بألا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا (¬3). قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]. • وجه الدلالة: أن الفاسق لا تجوز شهادته فالكافر أولى (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، الحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنها لا تجوز شهادة المسلم على غير المسلم وذلك لعدم وجود المخالف. [156/ 5]: لو تبين للقاضي أن شهود المال كانا كافرين فإن الحكم ينقض • المراد بالمسألة: أن الحاكم لو حكم بمال بشهادة شاهدين ثم بان أنهما كافران فإن حكمه ينقض، لاشتراط الإسلام في الشهود، وقد نقل ¬
الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولو حكم الحاكم بمال بشهادة شاهدين ثم بان أنهما فاسقان أو كافران فإن الإمام ينقض حكمه ويرد المال إن كان قائمًا وعوضه إن كان تالفًا فإن تعذر ذلك لإعساره أو غيره فعلى الحاكم ضمانه ثم يرجع على المشهود له، وعن أحمد رواية أخرى لا ينقض حكمه إذا كانا فاسقين ويغرم الشهود المال وكذلك الحكم إذا شهد عنده عدلان أن الحاكم قبله حكم بشهادة فاسقين ففيه روايتان ولا يغرم الشهود المال وكذلك الحاكم إذا شهد واختلف أصحاب الشافعي فيه أيضًا ولا خلاف بين الجميع في أنه ينقض حكمه إذا كانا كافرين) (¬1). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ): (ولا خلاف بين الجميع في أنه ينتقض حكمه إذا كانا كافرين، وينتقض حكم غيره إذا ثبت عنده أنه حكم بشهادة كافرين) (¬2). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (إذا بان بعد الحكم أن الشاهدين كانا كافرين أو فاسقين نقض) أي إذا بأن بعد الحكم كفر الشهود نقض بغير خلاف لأن شرط الحكم كون الشاهد مسلمًا ولم يوجد (¬3). . المرداوي (855 هـ) حيث قال: (وإذا بان بعد الحكم أن الشاهدين كانا كافرين: نقض الحكم بلا خلاف) (¬4). • مستند الإجماع: لأن شرط الحكم كون الشاهد مسلمًا ولم يوجد (¬5). ولأن المعتبر في الحكم ما كان بطريقه الشرعي، فإذا كان بغير طريقه الشرعي فقد حصل الخطأ في الطريق فننقضه لوقوعه على غير الوجه ¬
[157/ 5]: قبول شهادة الكافر على المسلم في الوصية في السفر
الشرعي (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه لو تبين للقاضي أن شهود المال كانا كافرين فإن الحكم ينقض وذلك لعدم وجود المخالف. [157/ 5]: قبول شهادة الكافر على المسلم في الوصية في السفر • المراد بالمسألة: أن شهادة الكافر على المسلم تجوز في الوصية في السفر، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه لا يقبل مشرك على مسلم في غير الوصية في السفر (¬6). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (والآية صريحة في قبول شهادة الكافرين على الوصية في السفر عند عدم الشاهدين المسلمين، وقد حكم به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابة بعده، ولم يجيء بعدها ما ينسخها، فإن المائدة من آخر القرآن نزولا، وليس فيها منسوخ، وليس لهذه الآية معارض البته، فكان إجماعًا (¬7). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ ¬
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106]. • وجه الدلالة: دلت الآية على أن ذلك جائز في شهادة أهل الذمة على المسلمين في الوصية في السفر خاصة للضرورة بحيث لا يوجد مسلم (¬1). ما رواه أبو داود عن الشعبي: "أَنَّ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَاءَ (¬2) هذِهِ وَلَمْ يَجِدْ أحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أهْلِ الْكِتَابِ فَقَدِمَا الْكُوفَةَ فَأَتَيَا أبا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ فَأَخْبَرَاهُ وَقَدِمَا بَتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ فَقَالَ الأَشْعَرِيُّ هذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ باللَّه مَا خَانَا وَلَا كَذِبَا وَلَا بَدَّلَا وَلَا كَتَما وَلَا غَيَّرَا، وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكتُهُ، فَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا" (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم بعض الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والقرطبي من المالكية (¬6). ¬
[158/ 5]: لا تجوز شهادة من بلغت بدعته الكفر أو الفسق
• الخلاف في المسألة: خالف في المسألة أبو حنيفة (¬1)، ومالك (¬2)، والشافعي (¬3) حيث يرون أنها لا تقبل لا في الوصية ولا في غيرها. • دليل هذا القول: أن الآية التي تدل على هذا منسوخة بآية الدين وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ. . .إلى قوله. . . مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] والكافر غير مرضي فلا تجوز شهادته لأن استشهاده مخالف لهذه الآية لنزولها بعد آية الوصية (¬4). ولأن من لا تقبل شهادته على غير الوصية لا تقبل في الوصية كالفاسق لا تقبل شهادته فالكافر أولى (¬5).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على قبول شهادة الكافر على المسلم في الوصية في السفر لوجود الخلاف في المسألة. [158/ 5]: لا تجوز شهادة من بلغت بدعته الكفر أو الفسق • المراد بالمسألة: أن المبتدع الذي بلغت بدعته الكفر أو الفسق، كما أنكر البعث، أو سب الصحابة فإنها لا تقبل شهادته، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن قبول من بلغت بدعته الكفر المتيقن على أنه كفر غير جائز) (¬6). • مستند الإجماع: أن شهادة المبتدع ساقطة لأنه كافر أو فاسق، فتجري ¬
[159/ 5]: قبول شهادة العدل بعد إنكاره لها إذا كان ذلك بسبب النسيان
عليه أحكامهما ومنها رد الشهادة (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة من بلغت بدعته الكفر أو الفسق وذلك لعدم وجود المخالف. [159/ 5]: قبول شهادة العدل بعد إنكاره لها إذا كان ذلك بسبب النسيان • المراد بالمسألة: أن الشاهد العدل إذا أنكر أن تكون عنده شهادة، ثم عاد بعد ذلك وشهد في نفس الحادثة، فإن شهادته تقبل إذا كان سبب ذلك النسيان، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ومن ادّعى شهادة عدل فأنكر أن تكون عنده ثم شهد بها بعد ذلك وقال: كنت أنسيتها قبلت منه. وجملة ذلك: أن العدل إذا أنكر أن تكون عنده شهادة ثم شهد بها وقال: كنت أنسيتها قبلت ولم ترد شهادته وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق ولا أعلم فيه مخالفًا) (¬5). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: تدل الآية على قبول الشهادة بَعْدَ إثْبَاتِ ¬
[160/ 5]: عدم اكتمال الشهادة عند الاختلاف بين الشهود في صفة المشهود به، اختلافا يوجب التغاير
الضَّلَالِ وَالنِّسْيَانِ فِي حَقِّهَا، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُعَرَّضٌ لِلْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ منْهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ نَسِيَهُ، لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ بِتَقَادُمِ عَهْدِهَا (¬1). لأنه يجوز أن يكون نسيها وإذا كان ناسيًا لها فلا شهادة عنده فلا نكذبه مع إمكان صدقه (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول شهادة العدل بعد إنكاره لها إذا كان بسبب النسيان وذلك لعدم وجود المخالف. [160/ 5]: عدم اكتمال الشهادة عند الاختلاف بين الشهود في صفة المشهود به، اختلافا يوجب التغاير • المراد بالمسألة: أن شهادة الشهود، لا تصلح ولا تكتمل، في حال اختلف الشاهدان في صفة المشهود به، وكان الاختلاف كبيرًا يوجب التغاير بين القولين، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ومتى كانت الشهادة على فعل، فاختلف الشاهدان في زمنه أو مكانه، أو صفة له تدل على تغاير الفعلين، لم تكمل شهادتهما، . . . . وإن اختلفا في صفة المشهود به اختلافا يوجب تغايرهما، مثل أن يشهد أحدهما بثبوت درهم والآخر بدينار، فلا خلاف في أن الشهادة لا تكمل) (¬6). ¬
[161/ 5] استحباب الإشهاد على البيع
عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (فإن اختلفا في صفة المشهود به اختلافا يوجب تغايرهما، مثل أن يشهد أحدهما بثوب درهم والآخر بدينار، فلا خلاف في أن الشهادة لا تكمل) (¬1). • مستند الإجماع: لأنه لا يمكن إيجابهما جميعا، لأنه يكون إيجابا بالحق عليه بشهادة واحد، ولا إيجاب أحدهما بعينه، لأن الآخر لم يشهد به، وليس أحدهما أولى من الآخر (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم اكتمال الشهادة عند الاختلاف بين الشهود في صفة المشهود به اختلافا يوجب التغاير وذلك لعدم وجود المخالف. [161/ 5] استحباب الإشهاد على البيع • المراد بالمسألة: أن الإشهاد على البيع من الأمور المستحبة الحسنة للبائع والمشتري، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (اتفقوا على أن الإشهاد على البيع وتوثيقه بالكتابة فعل حسن مندوب إليه) (¬5). النووي (676 هـ) حيث قال: (مذهبنا أن الإشهاد على عقد البيع والإجارة وسائر العقود غير النكاح والرجعة مستحب، . . . وبهذا قال جمهور الأمة من السلف والخلف لا أعلم له مخالفًا) (¬6). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] ¬
• وجه الدلالة: أن الآية واضحة الدلالة في استحباب وندب الإشهاد على البيع (¬1). ما روي عن عُمَارَةَ بن خُزَيْمَةَ أن عمه، حدثه، وهو من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ابْتَاعَ فَرَسا مِنْ أَعْرَابِيَ وَاسْتَتْبَعَهُ لِيَقْبَضَ ثَمَنَ فَرَسِهِ فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبْطَأَ الأَعْرَابِيُّ وَطَفِقَ الرِّجَالُ يَتَعَرَّضُونَ لِلأَعْرَابِيَّ فَيَسُومُونَهُ بِالْفَرَسِ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ابْتَاعَهُ حَتَّى زَادَ بَعْضُهُمْ فِي السَّوْمِ (¬2) عَلَى مَا ابْتَاعَهُ بِهِ مِنْهُ فَنَادَى الأَعْرَابِيُّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَالَ: إنْ كُنْتَ مُبْتَاعا هذَا الْفَرَسَ وإلَّا بِعْتُهُ فَقَامَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حِينَ سَمِعَ نِدَاءَهُ فَقَالَ: "أَلَيْسَ قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا بِعْتُكَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ" فَطَفِقَ (¬3) النَّاسُ يَلُوذُونَ بِالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وبِالأَعْرَابِيِّ وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ وَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَاهِدا يَشْهَدُ أَنِّي قَدْ بِعْتُكَهُ قَالَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بِعْتَهُ قَالَ: فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ: "لِمَ تَشْهَدُ؟ " قَالَ: بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسولَ اللَّهِ قَالَ: فَجَعَلَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، ¬
[162/ 5] الإصرار على الصغائر جرح ترد به الشهادة
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على استحباب الإشهاد على البيع لعدم وجود المخالف. [162/ 5] الإصرار على الصغائر جرح ترد به الشهادة • المراد بالمسألة: الإصرار على الصغائر والمجاهرة بها، جرحة ترد بها شهادة الشاهد، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيمثا قال: (واتفقوا على أن الكبائر والمجاهر بالصغائر، والإصرار على الصغائر، جرحة ترد بها الشهادة) (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. • وجه الدلالة: أن العدالة تعني كون حسنات الرجل أكثر من سيئاته وهي الإنزجار عما يعتقده حرامًا في دينه، وهذا يتناول اجتناب الكبائر، وترك الإصرار على الصغائر، (¬4) على ما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ" (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬6)، والشافعية (¬7). ¬
[163/ 5]: عدم وجوب الإشهاد على وقوع الطلاق
Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الإصرار على الصغائر جرحة ترد بها الشهادة لعدم وجود المخالف. [163/ 5]: عدم وجوب الإشهاد على وقوع الطلاق • المراد بالمسألة: أن الإشهاد على الطلاق لا يلزم، ويقع الطلاق بإشهاد أو بلا إشهاد، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (فمن طلق زوجته، ولم يشهد، فالطلاق له لازم بلا خلاف يعلم). الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: (وقد عرفت الإجماع على عدم وجوب الإشهاد على الطلاق) (¬1). وقال أيضًا في موضع آخر: (وقع الإجماع على عدم وجوب الإشهاد في الطلاق ونقل الإجماع عن الأزرعي) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] • وجه الدلالة: أي أشهدوا على الطلاق والمراجعة فهو على الاستحياب. . ولو ترك الإشهاد بالمراجعة، جاز الطلاق والمراجعة (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والشافعية (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم اشتراط الإشهاد على الطلاق لوقوعه وذلك لعدم وجود المخالف. [164/ 5] اشتراط الإشهاد على النكاح لصحته • المراد بالمسألة: يشترط الإشهاد على النكاح حتى يقع صحيحًا، وقد ¬
نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وروي عن ابن عباس أنه قال: لا نكاح إلا بشاهدي عدل، وولي مُرْشِدٍ. ولا مخالف له من الصحابة عَلِمْتُهُ) (¬1). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (والأصل في هذا ما روي عن ابن عباس "لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد" ولا مخالف له من الصحابة) (¬2) القرطبي (671 هـ) حيث قال: (عن ابن عباس أنه قال: لا نكاح إلا بشاهدي عَدْلٍ ووَليٍّ مُرِشد؛ ولا مخالف له من الصحابة فيما علمتُه) (¬3) النووي (676 هـ) حيث قال في صدد حديثة عن الإشهاد على النكاح: (وأجمعت الأمة على أنه لو عقد سرًا بغير شهادة لم ينعقد) (¬4). • مستند الإجماع: ما روي عن الزهري، عن عُروة عن عائشة أن رسول اللَّه قال: "لا نكَاحَ إلا بِوَليَ وشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وما كَانَ مِن نِكَاحٍ على غَيْرِ ذلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فإِن تَشَاجَرُوا، فالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مِنْ لا وَلِيَّ لَهُ" (¬5). وكذلك ما روي عن عبد اللَّه ابن مسعود قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" (¬6). ¬
[165/ 5]: اشتراط الإسلام في الشاهد
وما جاء عن علي رضى اللَّه عنه قال: لا نِكَاحَ إلا بِوَلِيَ، ولا نِكَاحَ إلا بشهودٍ (¬1). • وجه الدلالة: الأحاديث واضحة الدلالة في اشتراط الإشهاد لصحة النكاح (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على اشتراط الإشهاد على النكاح لصحته لعدم وجود المخالف. [165/ 5]: اشتراط الإسلام في الشاهد • المراد بالمسألة: أن الشاهد حتى تقبل شهادته يجب أن تتوفر فيه شروط أهمها الإسلام، فلا يجوز شهادة كافر، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (وأما الإسلام فاتفقوا على أنه شرط في القبول، وأنه لا تجوز شهادة الكافر) (¬5). ¬
البيضاوي (685 هـ) حيث قال: ({وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: 282] واطلبوا أن يشهد على الدين شاهدان. {مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] من رجال المسلمين، وهو دليل اشتراط إسلام الشهود وإليه ذهب عامة العلماء) (¬1). ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (فلا تقبل شهادة الكفار على المسلمين وهذا لا نزاع فيه) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} [النساء: 141]. • وجه الدلالة: أن الشهادة سبيل عظيم، واللَّه تعالى وعد بألا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا (¬3). قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]. • وجه الدلالة: أن الفاسق لا تجوز شهادته فالكافر أولى (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، الحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على اشتراط الإسلام في الشاهد ¬
[166/ 5] لا يجوز تلقين القاضي الشهادة للشهود
لعدم وجود المخالف. [166/ 5] لا يجوز تلقين القاضي الشهادة للشهود • المراد بالمسألة: أنه لا يجوز للقاضي أن يلقن الشهود بالشهادة، وصورته أن يقول القاضي للشاهد أتشهد بكذا وكذا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (ويكره تلقين الشاهد ومعناه) أي معنى ما قاله محمد رحمه اللَّه من كراهته تلقين الشاهد (أن يقول له) أي أن يقول القاضي للشاهد (أتشهد بكذا وكذا). . . . فهذا لا يجوز بالاتفاق) (¬1). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن ليس للقاضي أن يلقن الشهود، بل يسمع ما يقولون) (¬2). السيوطي (880 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن القاضي ليس له أن يلقن الشهود) (¬3). • مستند الإجماع: حتى لا يعبث -القاضي- بالمشهود لأن ذلك يشوش عليهم عقولهم فلا يمكنهم أداء الشهادة على وجهها (¬4). ولأن القاضي يتهم بتلقين الشاهد الشهادة (¬5). وكذلك لأنه يصير بتلقينه مائلًا مع المشهود له (¬6). ¬
• الموافقون على نقل الإجماع: جمهور الأحناف (¬1)، والشافعية (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة أبو يوسف من الحنفية ما رأى أنه لا بأس بتلقين القاضي للشهود، ونقل ذلك السرخسي ما قال: وقال أبو يوسف رحمه اللَّه: لا أرى بأسًا أن يقول أتشهدا بكذا وكذا وإنما قال هذا حين ابتلي بالقضاء فرآى ما بالشهود من الخبر عند أداء الشهادة بالحق، فإن لمجلس القضاء هيبة وللقاضي حشمة (¬3) ومن لم يعتد التكلم في مثل هذا المجلس يتعذر عليه البيان إذا لم يعينه القاضي على ذلك (¬4). وتبع أبو يوسف بعض الأحناف، فقال علاء الدين الدين السمرقندي: ولا بأس بأن يلقن الشاهد، إِذا كان يستحي ويهاب مجلس القاضي بشيء هو حق (¬5). • دليل هذا القول: قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]. • وجه الدلالة: فأداء الشهادة بالحق من باب البر، والبر يجب أن يتعاون فيه كما نصت الآية الكريمة (¬6). لأن لمجلس القضاء هيبة وللقاضي حشمة ومن لم يعتد التكلم في مثل ¬
[167/ 5]: لا يقبل تجريح الخصم للشهود إلا ببينة
هذا المجلس يتعذر عليه البيان إذا لم يعينه القاضي على ذلك (¬1). ما روي عن ابن عباس أنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أكرموا الشهود، فإن اللَّه يستخرج بهم الحقوق، ويدفع بهم الظلم" (¬2). • وجه الدلالة: فلقد أمرنا في الحديث بإكرام الشهود، وهذا القدر من التلقين يرجع إلى إكرامه بأن يذكر ما يسمع منه فيقول أتشهد بكذا لما لم يسمع منه (¬3).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على عدم جواز تلقين القاضي الشهود الشهادة لوجود الخلاف في المسألة. [167/ 5]: لا يقبل تجريح الخصم للشهود إلا ببينة • المراد بالمسألة: أن المشهود عليه لا يجوز له أن يجرح في الشهود، فلا يجوز له أن يتهمهما بالفسق أو العداوة إلا ببينة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا يقبل الجرح من الخصم بلا خلاف بين العلماء، فلو قال المشهود عليه هذان فاسقان أو عدوان لي أو آباء للمشهود له لم يقبل قوله) (¬4). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (ولا يقبل الجرح من الخصم بغير خلاف) (¬5). • مستند الإجماع: لأنه متهم في قوله ويشهد بما يجر إليه نفعًا فأشبه ¬
[168/ 5]: وجوب تحقيق أهلية الشهادة عند الأداء لا وقت التحمل
الشهادة لنفسه، ولو قبلنا قوله لم يشأ أحد أن يبطل شهادة من شهد عليه إلا أبطلها فتضيع الحقوق وتذهب حكمة شرع البينة (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم جواز تجريح الخصم للشهود إلا ببينة وذلك لعدم وجود المخالف. [168/ 5]: وجوب تحقيق أهلية الشهادة عند الأداء لا وقت التحمل • المراد بالمسألة: إن العبرة بتحقق أهلية الشهادة هو تحققها عند وقت الأداء، لا عند وقت التحمل، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن العبد، والصغير، والكافر، إذا شهدوا على شهادة ولم يدعوا إليها، ولم يشهدوا بها حتى عتق العبد، وبلغ الصبي، وأسلم الكافر، ثم أدوها في حال قبول شهادتهم، أن قبول شهاداتهم تجب) (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن كان لم يشهد بها عند الحاكم حتى صار عدلًا قبلت منه. وذلك لأن التحمل لا تعتبر فيه العدالة ولا البلوغ ولا الإسلام لأنه لا تهمة في ذلك، وإنما يعتبر ذلك في الأداء فإذا رأى الفاسق شيئًا أو سمعه ثم عدل وشهد به قبلت شهادته بغير خلاف نعلمه وهكذا الصبي والكافر إذا شهد بعد الإسلام والبلوغ قبلت) (¬4). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (ولو لم يشهد بها عند الحاكم حتى ¬
[170/ 5] وجوب ثبوت عدالة الشاهد
صار عدلا قبلت بغير خلاف نعلمه، لأن التهمة إنما كانت من أجل العار الذي يلحقه في الرد وهو منتف هنا وهكذا الصبي والكافر إذا شهد بعد الإسلام والبلوغ) (¬1). • مستند الإجماع: لأن العبرة في الأهلية وقت أداء الشهادة، لا وقت تحملها (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب تحقيق أهلية الشهادة عند الأداء لا وقت التحمل وذلك لعدم وجود المخالف. [170/ 5] وجوب ثبوت عدالة الشاهد المراد بالمسألة: أنه يجب أن تثبت عدالة الشاهد عند القاضي حتى يقبل شهادته، والعدل هو من لم يعرف عليه جريمة في دينه، وقيل: من اجتنب الكبائر وأدى الفرائض وغلبت حسناته سيئاته (¬5). • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث قال: (قال اللَّه عز وجل {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وقال {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] عَنْ مُجاهدٍ؛ أَنَّهُ قال: عدلانِ حُرَّانِ مُسْلمان، لَمْ أَعْلَمْ مِنْ أهلِ العلمِ مخالفًا) (¬6). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن الحاكم إذا حكم بشهادة عدول عنده -على ما نذكره في كتابنا هذا من الشهادات إن شاء اللَّه تعالى ¬
- على إقرار أو على علمهم، أن له أن يحكم) (¬1). وقال في موضع آخر: (واتفقوا على قبول شاهدين مسلمين، عدلين) (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (في قوله عز وجل: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وقوله {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] دليل على أنه لا يجوز أن يقبل إلا العدل الرضي وأن من جهلت عدالته لم تجز شهادته حتى تعلم الصفة المشترطة، واتفقوا في الحدود والقصاص وكذلك كل شهادة) (¬3) ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (أما العدالة فإن المسلمين اتفقوا على اشتراطها في قبول شهادة الشاهد) (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أنه يشترط كونهم مسلمين عدولًا ظاهرًا وباطنًا وسواء كان المشهود عليه مسلمًا أو ذميًا) (¬5). شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أنه لا يستشهد إلا ذو العدل) (¬6). الشربيني (977 هـ) حيث قال: (وكذا فاسقان ظهر فسقهما عند القاضي ينقض الحكم بهما (في الأظهر) كما في المسائل المذكورة؛ لأن النصَّ والإجماع دلَّا على اعتبار العدالة) (¬7). • مستند الإجماع: قوله تعالى. {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: هذا تقييد من اللَّه سبحانه على الاسترسال على كل ¬
شاهد، وقصر الشهادة على الرضا خاصة (¬1)، ودل ذلك على أَن خبر الفاسق ساقط غير مقبول وأن شهادة غير العادل مردودة، والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه فقد يجتمعان في أعظم معانيهما إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم كما أن شهادته مردودة عند جميعهم (¬2). قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)} [الطلاق: 2]. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى قيّد الشهادة بالعدالة في موضع فقال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، وأطلق في موضع، فقال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وبالتالي فالعدالة شرط في جميعها حملًا للمطلق على المقيّد (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
[171/ 5]: رد شهادة من يؤخر الصلاة عمدا
Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب ثبوت عدالة الشاهد لعدم وجود المخ [171/ 5]: رد شهادة من يؤخر الصلاة عمدا • المراد بالمسألة: إن تعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها مع ذكرها جرح ترد به الشهادة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (لأنهم مقرون معنا بلا خلاف من أحدهم ولا من أحد من الأمة، في أن من تعمد ترك صلاة فرض ذاكرًا لها حتى يخرج وقتها: فإنه فاسق مجرح الشهادة، مستحق للضرب والنكال) (¬1). • مستند الإجماع: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من حافظ على الصلوات الخمس في مواقيتها كان له عند اللَّه تعالى عهدًا يؤديه إليه يوم القيامة وتلا قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)} [مريم: 87] ". • وجه الدلالة: لأن أداء الصلاة في الوقت أداء للأمانة في وقتها، لأن الصلاة أمانة وأداء الأمانة في وقتها لازم، ولأن أداء الصّلاة في الوقت عهد له عِندَ اللَّهِ تعالى، فإذا ظهرت منه الخيانة في هذه الأمانة بتفويتها عن الوقت، فلا تؤمن به الخيانة في أمانة الشهادة (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على رد شهادة من يؤخر الصلاة ¬
[172/ 5]: عدم قبول شهادة العدو
عمدا لعدم وجود المخالف. [172/ 5]: عدم قبول شهادة العدو • المراد بالمسألة: أن العداوة تمنع قبول الشهادة للتهمة، سواء أكانت عداوة دنيوية أو عداوة دينية، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) حيث قال: (أجمع العلماء على أنه لا تجوز شهادة العدوّ على عدوّه في شيء وإن كان عدلًا، والعداوة تزيل العدالة فكيف بعداوة كافر) (¬1). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)} [آل عمران: 118]. • وجه الدلالة: فى هذه الآية دليل على أن شهادةَ العدو على عدوِّه لا تجوز (¬2). ما روي عن طَلْحَةَ بنِ عبدِ اللَّه بنِ عوفٍ أَنَّ رسولَ اللَّه بَعَثَ مناديًا حَتَّى انْتَهَى إلى الثَّنِيَّةِ: "إِنَّهُ لا تَجُوزُ شهادةُ خَصْمٍ ولا ظَنِينٍ، واليمينُ على المُدَّعَى عليهِ" (¬3). ¬
• وجه الدلالة: أن الخصومة عداوة، وقد نهى عن الشهادة حال الخصومة، فتمنع الشهادة حال العداوة للتهمة (¬1). لأن العداوة بينهما تحمل الشاهد على التقول على العدو (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والشوكاني (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الأحناف (¬7)، حيث فرقوا بين العداوة الدينية والدنيوية، فالعداوة الدنيوية عندهم تمنع الشهادة، أما العداوة الدينية فلا، وقد نقل السرخسي ذلك فقال: فأما عندنا إذا كانت العداوة بينهما بسبب شيء من أمر الدين فشهادة بعضهم على بعض تقبل ¬
[174/ 5]: قبول شهادة اللقيط إن استوفت الشروط
لخلوها عن تهمة الكذب فأما من يعادي غيره لمجاوزته حد الدين يمتنع من الشهادة بالزور وإن كان يعاديه بسبب شيء من أمر الدنيا فهو أمر موجب فسقه فلا تقبل شهادته عليه إذا ظهر ذلك منه (¬1). • دليل هذا القول: قوله عز وجل: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143]. • وجه الدلالة: أن شهادة أهل الإسلام جائزة على أهل الشرك كلهم لأن اللَّه تعالى أثبت للمؤمنين شهادة على الناس، ولما قبلت شهادة المسلم على المسلم فعلى الكافر أوْلى (¬2).Rتحقق الإجماع على عدم قبول شهادة العدو عداوة دنيوية. وكذلك عدم تحقق الإجماع على عدم قبول شهادة العدو عداوة دينية وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [174/ 5]: قبول شهادة اللقيط إن استوفت الشروط • المقصود بالمسألة: أن شهادة اللقيط بعد بلوغه، إذا كان حرا عدلًا، فإن شهادته جائزة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمعوا على أنه إذا بلغ اللقيط، وكان عدلًا، جازت شهادته) (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)} [النور: 13]. وقوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: 15]. وقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ ¬
[175/ 5]: عدم قبول شهادة الشاهد لنفسه
رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: عموم آيات الشهادة والتي تشترط العدالة، فإذا تحققت في اللقيط جازت شهادته (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والشافعية (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول شهادة اللقيط المستوفية للشروط لعدم وجود المخالف. [175/ 5]: عدم قبول شهادة الشاهد لنفسه • المراد بالمسألة: أن شهادة الرجل لنفسه أو على فعل تولاه بنفسه، لا يجوز بحال في الدعوى، وقد نقل الاتفاق على ذلك. • من نقل الاتفاق: السرخسي (483 هـ) حيث قال: (وأما شهادة الشاهد على فعل تولاه لنفسه أو لغيره مما يكون فيه خصمًا ومما لا يكون خصمًا فساقطة بالاتفاق) (¬4). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (والأمر بالشيء يقتضي إجزاء المأمور به إلا ما خصصه الإجماع من شهادة المرء لنفسه فلا تقبل) (¬5). أبو عبد اللَّه ميارة (1072 هـ) حيث قال: (ومن المعلوم أن القاضي لا يشهد لنفسه إذ من المجمع عليه منع شهادة الإنسان لنفسه) (¬6). ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (لا تقبل شهادة الإنسان لنفسه، ¬
[176/ 5]: قبول شهادة الخصي
قال مؤيد زاده: شهادة الإنسان فيما باشره مردودة بالإِجْماع) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن عمرو قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه، ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت، وتجوز شهادته لغيرهم" (¬2). • وجه الدلالة: أن منع شهادة الشاهد لقريبه ولابنه والقانع لا تجوز للاتهام، فالأولى منع شهادة المرء لنفسه (¬3). لأن الشهادة لا بد لها من مشهود له، ومن مشهود عليه، وفي حق هذا المعنى الوجهان على السواء (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬5)، والشافعية (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول شهادة الشاهد لنفسه وذلك لعدم وجود المخالف. [176/ 5]: قبول شهادة الخصي • المراد بالمسألة: أن الخصي وهو منزوع الخصيتين، قد أجاز العلماء قبول شهادته، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: شهد الجارود على قدامة بن مظعون أنه شرب الخمر -وكان عمر قد أمر قدامة على البحرين- فقال عمر للجارود: من يشهد معك؟ قال: علقمة الخصي؟ فدعا علقمة، فقال له عمر: بم تشهد؟ فقال علقمة وهل تجوز شهادة الخصي؟ قال عمر: وما يمنعه أن تجوز شهادته إذا كان مسلما، قال علقمة: رأيته يقيء الخمر في طست، قال عمر: فلا وربك ما قاءها حتى شربها: فأمر به فجلد الحد، فهذا حكم عمر بحضرة الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لا يعرف له منهم مخالف) (¬1). الكاساني (587 هـ) حيث قال: "وتقبل شهادة الخصيّ لعمومات الشهادة. وروي عن سيدنا عمر -رضي اللَّه عنه-: "أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الخَصِيِّ" ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر من الصحابة فكان إجماعًا) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عن زياد فى حديث قدامة بن مظعون حين جلد قال: "قال علقمة الخصي ورفعوه إلى عمر -رضي اللَّه عنه- فقال: من يشهد؟ فقال علقمة الخصي: أنا أشهد إن أجزت شهادة الخصي، فقال عمر: أما أنت فنعم، فقال: أشهد أنه قاء الخمر، فقال عمر: فإنه لم يقئها حتى شربها" (¬3) 1 - الأثر المروي عن ابن سيرين أن عمر أجاز شهادة علقمة الخصي على ابن مظعون (¬4). ¬
[177/ 5]: قبول شهادة البغاة من غير أهل البدع
2 - وأن الخصاء لا يقدح في العدالة فلا يمنع قبول الشهادة (¬1). 3 - أَنه قُطع منه عضو، فصار كما لو قطعت يده، وهذا لا يؤثر في قبول الشهادة (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول شهادة الخصي لعدم وجود المخالف. [177/ 5]: قبول شهادة البغاة من غير أهل البدع • المراد بالمسألة: البغاة من أهل التأويل، إذا لم يكونوا من أهل البدع، فإنهم ليسوا بفاسقين، فتجوز شهادتهم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (والبغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع ليسوا بفاسقين وإنما هم يخطئون في تأويلهم والإمام وأهل العدل مصيبون في قتالهم فهم جميعًا كالمجتهدين من الفقهاء في الأحكام من شهد منهم قبلت شهادته إذا كان عدلًا وهذا قول الشافعي ولا أعلم في قبول شهادتهم خلافًا) (¬4). • مستند الإجماع: أن البغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع ليسوا بفاسقين وإنما هم يخطئون في تأويلهم، كما إن لهم تأويلًا سائغًا، أشبه اختلاف الفقهاء (¬5). ¬
[178/ 5]: من أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا بشاهدين
• الموافقون على نقل الإجماع: الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول شهادة البغاة من غير أهل البدع وذلك لعدم وجود المخالف. [178/ 5]: من أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا بشاهدين • المراد بالمسألة: إذا ادعى العبد على سيده أنه دبره، فأنكر السيد ولم يكن للمدعي بينة فالقول قول المنكر مع يمينه، لأن الأصل عدمه، وإن كانت للعبد بينة حكم بها ويقبل فيه شاهدان عدلان، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وجملته أن العبد إذا ادّعى على سيده أنه دبره فدعواه صحيحة لأنه يدّعي استحقاق العتق ويحتمل أن لا تصح الدعوى لأن السيد إذا أنكر التدبير كان بمنزلة إنكار الوصية وإنكار الوصية رجوع عنها في أحد الوجهين فيكون إنكار التدبير رجوعًا عنه والرجوع عنه يبطله في أحد الوجهين فتبطل الدعوى والصحيح أن الدعوى صحيحة لأن الصحيح أن الرجوع عن التدبير لا يبطله ولو أبطله فما ثبت كون الإنكار رجوعًا ولو ثبت ذلك فلا يتعين الإنكار جوابًا للدعوى فإنه يجوز أن يكون جوابها إقرارًا. فإذا ثبت هذا فإن السيد إن أقر فلا كلام وإن أنكر ولم تكن للعبد بينة فالقول قول المنكر مع يمينه، لأن ¬
[179/ 5]: ما تصح فيه الشهادة بالتسامع
الأصل عدمه، وإن كانت للعبد بينة حكم بها ويقبل فيه شاهدان عدلان بلا خلاف) (¬1). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (فإن كانت للعبد بينة حكم بها، ويقبل شاهدان عدلان، بغير خلاف) (¬2). ابن مفلح (885 هـ) حيث قال: (ومن أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا بشاهدين. . . . بغير خلاف) (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]. وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. • وجه الدلالة: عموم الآيتين السابقتين يفيد اشتراط شاهدين إذا أنكر السيد أنه دبر عبده (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا بشاهدين وذلك لعدم وجود المخالف. [179/ 5]: ما تصح فيه الشهادة بالتسامع • المراد بالمسألة: الشهادة بالتسامع: هي ما يشهد به الشاهد مما علمه ¬
[180/ 5]: قبول الشهادة على الوصية وإن لم يعلم الشاهد محتواها
بالإستفاضه بين الناس، وتصح شهادة التسامع في النسب والولادة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وما تظاهرت به الأخبار واستقرت معرفته في قلبه شهد به كالشهادة على النسب والولادة. هذا النوع الثاني من السماع وهو ما يعلمه بالاستفاضة. أجمع أهل العلم على صحة الشهادة بها في النسب والولادة) (¬1). وقال في موضع آخر: (أما النسب فلا أعلم أحدًا من أهل العلم منع منه) (¬2). • مستند الإجماع: لاستحالت معرفة الشهادة به إذ لا سبيل إلى معرفته قطعًا بغيره ولا تمكن المشاهدة فيه ولو اعتبرت المشاهدة لما عرف أحد أباه ولا أمه ولا أحدًا من أقاربه (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الشهادة بالسماع تصح في النسب والولادة وذلك لعدم وجود المخالف. [180/ 5]: قبول الشهادة على الوصية وإن لم يعلم الشاهد محتواها • المراد بالمسألة: أن الشاهد إذا كتب وصيته وقال اشهدوا علي بما في هذه الورقة، أو قال: هذه وصيتي فاشهدوا علي بها، جاز الإشهاد على الوصية، وصحت شهادة الشهود أمام القاضي، وقد نقل الإجماع على ¬
ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن كتب وصيته وقال: اشهدوا علي بما في هذه الورقة أو قال: هذه وصيتي فاشهدوا علي بها جاز ذلك. واحتج أبو عبيد بكتب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى عماله وأمرائه في أمر ولايته وأحكامه وسننه ثم ما عملت به الخلفاء الراشدون المهديون بعده من كتبهم إلى ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج والأموال يبعثون بها مختومة لا يعلم حاملها ما فيها وأمضوها على وجوهها وذكر استخلاف سليمان بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز بكتاب كتبه وختم عليه ولا نعلم أحدًا أنكر ذلك مع شهرته وانتشاره في علماء العصر فكان إجماعًا) (¬1). • مستند الإجماع: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يكتب إلى عماله وأمرائه في أمر ولايته وأحكامه وسننه، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يشهد حامل الرسالة على محتواها (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وبعض الحنابلة (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الحنابلة حيث يرون أن الشاهد لا بد أن يعلم عما في الورقة من وصية، وقد نقل ابن قدامة رحمه اللَّه تعالى الخلاف في المسألة حيث قال: حكي عن أحمد أن الرجل إذا كتب وصيته وختم عليها وقال للشهود: اشهدوا عليّ بما في هذا الكتاب لا ¬
[181/ 5] اشتراط يمين المعتق مع الشاهد إذا شهد كل واحد من الشركاء الموسرين على صاحبه بالعتق
يجوز حتى يسمعوا منه ما فيه أو يقرأ عليه فيقر بما فيه وهو قول من سمينا في المسألة الأولى ويحتمل كلام الخرقي جوازه لأنه إذا قبل خطه المجرد فهذا أولى، وممن قال ذلك: عبد الملك بن يعلى ومكحول ونمير بن إبراهيم ومالك والليث والأوزاعي ومحمد بن مسلمة وأبو عبيد وإسحاق (¬1). • دليل هذا القول: أنه كتاب لا يعلم الشاهد ما فيه فلم يجز أن يشهد عليه ككتاب القاضي إلى القاضي (¬2).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على قبول الشهادة على الوصية وإن لم يعلم محتواها وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [181/ 5] اشتراط يمين المعتق مع الشاهد إذا شهد كل واحد من الشركاء الموسرين على صاحبه بالعتق • المراد بالمسألة: أن الشركاء الموسرين إذا شهد كل واحد منهما على صاحبه بالعتق، فأنكر كل واحد منهما هذا العتق، فإن العتق لا يحصل إلا بيمين العبد مع الشاهد، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إن كانا عدلين فشهادتهما مقبولة. . . وقد حصل للعبد بحرية كل نصف منه شاهد عدل فإن حلف معهما عتق كله وإن حلف مع أحدهما صار نصفه حرًا على الرواية التي تقول إن العتق يحصل بشاهد ويمين وإن لم يحلف مع واحد منهما لم يعتق منه شيء لأن العتق لا يحصل بشاهد من غير يمين بلا خلاف نعلمه) (¬3). • مستند الإجماع: لأن كل واحد منهما لا يجر إلى نفسه بشهادته نفعًا ¬
[182/ 5] إذا شهد أنه طلق احدى نسائه أجبر على تطليق إحدى زوجاته
ولا يدفع بها ضررًا (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على اشتراط الشاهد واليمين إذا شهد كل واحد من الشركاء الموسرين على صاحبه بالعتق لعدم وجود المخالف. [182/ 5] إذا شُهد أنه طلق احدى نسائه أُجبر على تطليق إحدى زوجاته • المراد بالمسألة: إذا شهد الشهود على رجل أنه طلق إحدى زوجاته، فإنه يجبر على تطليق إحداهن، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الميرغناني (530 هـ) حيث قال: (وإن شهدا أنه طلق إحدى نسائه جازت الشهادة ويجبر الزوج على أن يطلق إحداهن وهذا بالإجماع) (¬4). النسفي (710 هـ) حيث قال: (وإن قامت البينة على أنه طلق إحدى نسائه قبلت، ويجبر الزوج على أن يفارق إحداهن بالإجماع (¬5). كمال الدين ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: (وإن شهدا أنه طلق إحدى نسائه جازت الشهادة ويجبر الزوج على أن يطلق إحداهن وهذا بالإجماع) (¬6). ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: (إذا شهدا أنه طلق إحدى نسائه فإنها جائزة ويجبر على أن يطلق إحداهن بالإجماع) (¬7). أكمل الدين البابرتي (786 هـ) حيث قال: (وإن شهدا أنه طلق إحدى ¬
[183/ 5] جواز الشهادة حسبة على عتق الأمة
نسائه جازت الشهادة ويجبر الزوج على أن يطلق إحداهن وهذا بالإجماع) (¬1). • مستند الإجماع: لتحقق نصاب الشهادة، ولأن الشهود لم يشهدا بأنه طلق زوجة بعينها (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على إجبار المشهود عليه بتطليق إحدى زوجاته إن شهد أنه طلق إحدى نسائه لعدم وجود المخالف. [183/ 5] جواز الشهادة حسبة على عتق الأمة • المراد بالمسألة: يجوز للشاهد أن يشهد عل عتق أمة، حسبة، من غير دعوة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وتصح الشهادة لغير مدع حسبة على عتق أمة بالاتفاق) (¬4). الكاساني (587 هـ) حيث قال: (أن الشهادة على عتق الأمة تقبل من غير دعوة بالإجماع) (¬5). وقال في موضع آخر: (فهل تقبل الشهادة على عتقه من غير دعوة، فإن كان المملوك جارية تقبل بالإجماع) (¬6). برهان الدين المرغيناني (530 هـ) حيث قال: (والشهادة على عتق الأمة وطلاق المنكوحة مقبولة من غير دعوى بالاتفاق) (¬7). كمال الدين ابن الهمام (861 هـ) حيث قال: (الشهادة على عتق الأمة ¬
[184/ 5]: عدم أخذ القاضي بالشهادة المكتوبة عند عدم التذكر
وطلاق المنكوحة مقبولة من غير دعوى بالاتفاق) (¬1). • مستند الإجماع: أن هذه الشهادة من باب الاحتساب وهو من التعاون على البر والتقوى (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز شهادة الحسبة على عتق الأمة لعدم وجود المخالف. [184/ 5]: عدم أخذ القاضي بالشهادة المكتوبة عند عدم التذكر • المراد بالمسألة: أن من وجد بخط يده شهادة فلم يتذكرها لا يجوز له أن يشهد بها، وكذلك إذا رأى شهادة بخط أبيه أو من يعرف، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (بدليل الإجماع على أنه لو وجد بخطه أو خط أبيه شهادة لم يجز له أن يحكم بها ولا يشهد بها ولو وجد حكم أبيه مكتوبًا بخطه لم يجز له إنفاذه) (¬5). وقال أيضا في موضع آخر: (وبهذا قال الحسن وأبو قلابة والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن الحكم لا يجوز برؤية خط الشاهد بالشهادة بالإجماع) (¬6). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (فقال ابن بطال: اتفق العلماء على أن الشهادة لا تجوز للشاهد إذا رأى خطه إلا إذا تذكر تلك الشهادة، فإن كان ¬
[185/ 5]: الإفطار لا يثبت إلا بشهادة رجلين
لا يحفظها فلا يشهد) (¬1). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)} [الزخرف: 86]. • وجه الدلالة: فشرط الشهادة بالحق العلم، ولم يتحقق هنا لعدم تذكر الشاهد لشهادته المكتوبة، ولأن الخط قد يشبه الخط إذا وجد شهادة بخط أبيه. وقال محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم: لا يقضى في دهرنا بالشهادة على الخط، لأن الناس قد أحدثوا ضروبًا من الفجور (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬3) (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم اخذ القاضي بالشهادة المكتوبة عند عدم تذكرها لعدم وجود المخالف. [185/ 5]: الإفطار لا يثبت إلا بشهادة رجلين • المراد بالمسألة: أن رؤية هلال شوال لا تقبل بشهادة رجل واحد بل يشترط فيه شهادة اثنين، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: أبو عيسى الترمذي (279 هـ) حيث قال: (ولم ¬
يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين) (¬1) الماوردي (450 هـ) حيث قال: (أما هلال شوال وسائر الأهلة سوى رمضان فلا نعلم خلافا بين العلماء أنه لا يقبل فيه أقل من شاهدين) (¬2). ابن العربي (543 هـ) حيث قال: (فأما الفطر فاتفق العلماء على ألا يكون إلا باثنين) (¬3). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أنه لا يقبل في هلال شوال إلا شهادة عدلين) (¬4). النووي (676 هـ) حيث قال: (وأما الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء) (¬5). نقل الإجماع باللفظ والمعنى عن النووي بدر الدين العيني (¬6). • مستند الإجماع: ما روي عن حسين بن الحارث الجدلي قال: "خطب عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب في اليوم الذي يشك فيه، فقال: ألا إني قد جالست أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وسألتهم، ألا وإنهم حدَّثوني أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صوموا لرؤبته وافطروا لرؤبته، وإن تشكوا لها فإن كم عليكم فأتموا الثلاثين، وإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا" (¬7). كذا ما روي عن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، عن أمه فاطمة بنت حسين أن رجلا، شهد عند علي -رضي اللَّه عنه- على رؤية هلال رمضان فصام، وأحسبه قال: وأمر الناس أن يصوموا، وقال: "أصوم يوما من ¬
شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان" (¬1). • وجه الدلالة: أن الصوم بشهادة الرجل الواحد كان من باب الحيطة والحذر من إفطار يوم في رمضان، وكذلك اشتراط شاهدين فى الإفطار من باب الحيطة والحذر من إفطار يوم في رمضان (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم المالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الشوكانى (¬5) وأبو ثور (¬6)، حيث يرون أن الإفطار يثبت بشهادة عدل واحد. • دليل هذا القول: ما روي عن ابنِ عباسٍ -رضي اللَّه عنه- قال: جَاء أعرابي إلى النبيِّ فقال: إني رأَيْتُ الهلال، فقال: "أتَشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه؟ قال: نعم، قال: يا بلال أذِّنْ في الناس أن يصوموا غدًا" (¬7). ¬
[186/ 5] استحباب الإشهاد على الرجعة
• وجه الدلالة: قياس الإفطار على الصيام، فكما قبل الصيام بشهادة الواحد فيقبل الإفطار بشهادته (¬1).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن الإفطار لا يثبت إلا بشهادة رجلين لوجود الخلاف في المسألة. [186/ 5] استحباب الإشهاد على الرجعة • المراد بالمسألة: أن إشهاد الرجل على إرجاع زوجته المطلقة مستحب، وليس فرض أو واجب، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (اتفقوا على أن من أشهد على أنه راجع مطلقته، فإنها رجعة صحيحة) (¬2). 1 - ابن رشد الحفيد ت (595 هـ) حيث قال: (وأجمع المسلمون على أن الزوج يملك رجعة الزوجة في الطلاق الرجعي ما دامت في العدة من غير اعتبار رضاها لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] وأن من شرط هذا الطلاق تقدم المسيس له. واتفقوا على أنها تكون بالقول والإشهاد) (¬3) 2 - ابن قدامة المقدسي ت (620 هـ) حيث قال؛ (ولا خلاف بين أهل العلم في أن السنة الإشهاد) (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. ¬
• وجه الدلالة: فأمر بالإشهاد على الرجعة والفرقة أيتهما اختار الزوج (¬1). كذا أن قوله أو فارقوهن بمعروف "ولا يكون معروفًا إلا إذا عرفه الغير" (¬2). 2 - قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. • وجه الدلالة: أن الإشهاد على الفرقة مستحب لا واجب، فكذلك على الرجعة، وهو نظير قوله تعالى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] (¬3). 3 - ما روي عن نافعٍ قال: طَلَّقَ ابن عمر -رضي اللَّه عنه- امْرَأَتَهُ صفية بنت أبي عبيد تطليقة أو تطليقتين، فكانَ لا يدخل عليها إلا بإذن، فلما راجعها أَشْهَدَ على رَجْعَتِهَا، ودخل عليها (¬4). 4 - ما روي عن ابنِ سيرين أَن عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ -رضي اللَّه عنه- به سُئِلَ عن رجلٍ طلق امرأته ولم يشهد وراجع ولم يشهد، قال عمر: إن طلق في غير عدة وراجع من غير سنة، فليشهد الآن (¬5). 5 - أنه ندب لمن راجعها الإشهادُ على الرجعة لدفع إيهام الزنا (¬6). ¬
[187/ 5]: مشروعية تقصي القاضي عن الشهود وامتحانهم
• الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على استحباب الإشهاد على الرجعة لعدم وجود المخالف. [187/ 5]: مشروعية تقصي القاضي عن الشهود وامتحانهم • المراد بالمسألة: أن القاضي له أن يتقصى عن الشهود، وله أن يفرقهم إذا ارتاب فيهم حتى يمحص الشهادة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن الحاكم إذا تقصى البحث عن الشهادة، والشهود فلم يأت محرما عليه) (¬5). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود فرقهم وسألهم. كيف تحملوا الشهادة؟ وأين تحملوها؟ وذلك واجب عليه) (¬6). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} [الحجرات: 6]. وقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. ¬
[188/ 5]: عدم جواز الشهادة برؤية خط الشاهد
• وجه الدلالة: أن اللَّه أمر بالتبين، ومن التبين تمحيص الشهود وتقصي البحث عنهم (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬2)، والشافعية (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على مشروعية تقصى القاضي عن الشهود وامتحانهم لعدم وجود المخالف. [188/ 5]: عدم جواز الشهادة برؤية خط الشاهد • المقصود بالمسألة: لا يجوز للقاضي أن يحكم بالشهادة برؤية خط الشاهد حال حياته، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (الحكم لا يجوز برؤية خط الشاهد بالشهادة بالإجماع) (¬4). أبو عبد اللَّه المواق (897 هـ) حيث قال: (مذهب مالك الذي لا خلاف فيه أن الشهادة لا تجوز على خط الشاهد) (¬5). • مستند الإجماع: لأن الحكم برؤية خط المشاهد الشاهد بالشهادة ظني لا يفيد القطع، ويشترط في الشهادة اليقين (¬6). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬7)، الحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم جواز الشهادة برؤية خط ¬
[189/ 5]: عدم جواز تكليف الشاهد باليمين على أنه شهد بالحق
الشاهد لعدم وجود المخالف. [189/ 5]: عدم جواز تكليف الشاهد باليمين على أنه شهد بالحق • المراد بالمسألة: أن الشاهد لا يجوز أن يحلف على شهادته أنها بالحق وأنه لم يكذب فيها، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (ولا يجوز أن يحلف أحد على شهادة عنده ليؤديها بلا خلاف) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن ادّعى على شاهدين أنهما شهدا عليه زورًا أحضرهما، فإن اعترفا أغرمهما، وإن أنكرا، وللمدّعي بينة على إقرارهما بذلك، فأقامها لزمهما ذلك. وأن أنكرا لم يستحلفا لأن إحلافهما يطرق عليهما الدعاوي في الشهادة والامتهان وربما منع ذلك إقامة الشهادة، وهذا قول الشافعي ولا نعلم فيه مخالفًا) (¬2). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (وأيدوا ذلك بالإجماع على أن الشاهد لا يلزمه أن يقول أشهد باللَّه وأن الشاهد لا يمين عليه أنه شهد بالحق) (¬3). الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: (بالإجماع على أن الشاهد لا يلزمه أن يقول أشهد باللَّه، وأن الشاهد لا يمين عليه أنه شهد بالحق) (¬4). • مستند الإجماع: أن من المشروع إكرام الشاهد وليس من إكرامه استحلافه (¬5). أن الاستحلاف ينبني على الخصومة ولا خصم للشاهد (¬6). ¬
[190/ 5]: جواز الشهادة بالحد من غير مدعي
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1)، والشافعية (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم جواز تكليف الشاهد باليمين على أنه شهد بالحق لعدم وجود المخالف. [190/ 5]: جواز الشهادة بالحد من غير مدعي • المراد بالمسألة: أنه يجوز للشاهد أن يشهد من غير دعوى في الحدود، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وتجوز الشهادة بالحد من غير مدع لا نعلم فيه اختلافًا) (¬3). • مستند الإجماع: ما روي عن زياد في حديث قُدَامَةَ بنِ مظعُونٍ حين جُلِدَ قال: "قَال فرَفَعُوهُ إِلى عُمَرَ -رضي اللَّه عنه- فَقَالَ: مَنْ يَشْهَدُ؟ فَقَالَ عَلْقَمَةُ الْخصِيُّ: أَنَا أَشْهَدُ إِنْ أَجَزْتَ شَهَادَةَ الْخصِي، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنْتَ فَنَعَمْ، قَالَ: فَأَشْهَدُ أَنَّهُ قَاءَ الْخَمْرَ، فَقَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَقِئْهَا حَتَّى شَرِبَهَا" (¬4). • وجه الدلالة: أن علقمة الخصي شهد على حد الخمر، وهو غير مدعي وأخذ عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- بشهادته (¬5). - لأن الحد حق اللَّه تعالى فلم تفتقر الشهادة به إلى تقدم دعوى كالعبادات يبينه أن الدعوى في سائر الحقوق إنما تكون من المستحق وهذا ¬
[191/ 5]: ليجاب الحكم بالشهادة المستوفية للشروط
لا حق فيه لأحد من الآدميين فيدعيه، فلو وقعت الشهادة على الدعوى لامتنعت إقامتها. وإذا ثبت هذا فإن من عنده شهادة على حد فالمستحب أن لا يقيمها لأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من ستر عورة مسلم في الدنيا ستره اللَّه في الدنيا والآخرة" وتجوز إقامتها لقول اللَّه تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] ولأن الذين شهدوا بالحد في عصر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه لم تنكر عليهم شهادتهم به (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز الشهادة بالحد من غير مدع وذلك لعدم وجود المخالف. [191/ 5]: ليجاب الحكم بالشهادة المستوفية للشروط • المراد بالمسألة: أن الحاكم يجب عليه أن يحكم بما شهد به الشهود إذا توافرت فيهم شروط الشهادة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أنه إذا شهد اثنان كما ذكرنا، ولم يرجعا عن شهادتهما ولا أحدهما. . . فقد وجب الحكم بما شهدا به في جميع الحقوق كلها، والحدود كلها، حاشا الدماء والزنا واللياطة) (¬3). شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (وقد ثبت في السنة المتواترة وإجماع الأمة أن الحاكم يحكم بما شهد به الشاهدان في شهادتهما المستوفية للشروط) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ¬
282]. وقوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]، وقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]. • وجه الدلالة: الآيات واضحة الدلالة على أن الحاكم يحكم بما شهد به الشهود إذا توافرت فيهم شروط الشهادة، وإلا لما كان للإشهاد فائدة (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على إيجاب الحكم بالشهادة المستوفية للشروط لعدم وجود المخالف. * * * ¬
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب اليمين في الدعوى
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب اليمين في الدعوى [192/ 6]: مشروعية اليمين • المراد بالمسألة: الشهادة مشروعة، والأصل في مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (الأصل في مشروعيتها وثبوت حكمها الكتاب والسنة والإجماع. . . وأجمعت الأمة على مشروعية اليمين وثبوت أحكامها) (¬1). النووي (676 هـ) حيث قال: (وفي هذا الحديث إباحة الحلف باللَّه تعالى، وصفاته كلها، وهذا مجمع عليه) (¬2). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (وأجمعت الأمة على مشروعية اليمين وثبوت أحكامها) (¬3). النسفي (710 هـ) حيث قال: (وأقسم عليه الصلاة والسلام ليغزون قريش، والصحابة -رضي اللَّه عنهم- كانوا يقسمون، فكانت ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع) (¬4). الزيلعي (762 هـ) حيث قال: (والصحابة -رضي اللَّه عنهم- كانوا يقسمون فكانت ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع) (¬5). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (الأيمان جمع يمين، وهي في أصل اللغة ¬
الحلف بمعظم في نفسه أو عند الحالف، على أمر من الأمور، بصيغ مخصوصة، كقوله: واللَّه لأفعلن، والأصل في مشروعيتها الإجماع) (¬1). الشربيني (977 هـ) حيث قال: (والأصل في الباب قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225]، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] (¬2). أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال بعد أن عرف اليمين: (والإجماع على إنها مشروعة) (¬3). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (وهي جمع يمين، واليمين: القسم، والجمع: أيمن وأيمان، سمي بذلك لأنه كان أحدهم يضوب يمينه على يمين صاحبه، فاليمين توكيد الحكم بذكر عظم على وجه مخصوص، فهي جملة خبرية، تؤكد بها أخرى، وهما كشرط وجزاء، والأصل فيها الإجماع) (¬4) البهوتي (1051 هـ) حيث قال فى اليمين: (وهي مشروعة في الجملة إجماعًا) (¬5). السيوطي (1243 هـ) حيث قال: (اليمين مشروعة في الجملة إجماعًا) (¬6). البيجوري (1277 هـ) حيث قال: (والأصل في الأيمان -قبل الإجماع- آيات) (¬7). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89]. ¬
وقال تعالى: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91]. وأمر اللَّه تعالى نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحلف في أكثر من موضع منها قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)} [يونس: 53] وقوله تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3]. ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ" (¬1). ما روي عن أبي بُرْدَةَ عن أبيه قال: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِى رَهْطٍ (¬2) مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: "وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ". قَالَ ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَلْبَثَ، ثُمَّ أُتِىَ بِثَلَاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى (¬3) فَحَمَلَنَا عَلَيْهَا فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا أَوْ قَالَ بَعْضُنَا وَاللَّهِ لَا يُبَارَكُ لنَا، أَتَيْنَا النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَسْتَحْمِلُهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا ثُمَّ حَمَلَنَا، فَارْجِعُوا بِنَا إِلَى النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَنُذَكِّرُهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ "مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ، وَإِنِّى وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا كَفرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ". أَوْ "أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْز وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي" (¬4). ما روي عن أبي هريرة أنه قَالَ قَالَ سُلَيْمَانُ لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلٌّ تَلِدُ غُلَامًا يُقَاتِل فِى سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ -قَالَ سفْيَانُ ¬
يَعْنِى الْمَلَكَ- قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَنَسِىَ، فَطَافَ بِهِنَ، فَلَمْ تَأْتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ بِوَلَدٍ، إِلَّا وَاحِدَةٌ بِشِقِّ غُلَامٍ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ قَالَ "لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكًا فِى حَاجَتِهِ". وَقَالَ مَرَّةً قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- "لَوِ اسْتَثْنَى" (¬1). ما روي عن عن أبي هريرةَ، أنَّ رسولَ اللَّه قال: "مَن حَلَفَ فقال إنْ شَاءَ اللَّه لَمْ يحنَثْ" (¬2). ما روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَرُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى" (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على مشروعية اليمين وذلك لعدم ¬
[193/ 6]: عدم جواز الحلف بغير الله
وجود المخالف. [193/ 6]: عدم جواز الحلف بغير اللَّه • المراد بالمسألة: أن يحلف الرجل بالكعبة أو قبر الشيخ أو بنعمة السلطان أو بالسيف أو بجاه أحد من المخلوقين أو بأبيه أو جده، فهذه اليمين محرمة ولا تجوز، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (لا ينبغي لأحد أن يحلف بغير اللَّه، لا بهذه الأقسام أو غيرها، لإجماع العلماء أن من وجبت له يمين على آخر في حق قبله، أن لا يحلف له إلا باللَّه، ولو حلف له بالنجم والسماء والطارق، وقال: نويت رب ذلك، لم يكن عندهم يمينًا) (¬1). وقال في موضع آخر: (أجمع العلماء على أن اليمين بغير اللَّه مكروهة منهي عنها، لا يجوز الحلف بها) (¬2). شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (فأما الحلف بالمخلوقات كالحلف بالكعبة أو قبر الشيخ أو بنعمة السلطان أو بالسيف أو بجاه أحد من المخلوقين، فما أعلم بين العلماء خلافا أن هذه اليمين مكروهه منهي عنها وأن الحلف بها لا يوجب حنثا ولا كفارة) (¬3). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (أجمع العلماء على أن اليمين بغير اللَّه مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها) (¬4). الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (لا يجوز لأحد الحلف بغير اللَّه تعالى بالإجماع) (¬5). • مستند الإجماع: ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ¬
-صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ" قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنها، ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا" (¬1). ما روي عن عبد اللَّه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب، وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: "أَلَا إِنَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ أَوْ ليَصْمُتْ" (¬2). ما روي عن عمر بن الخطاب قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلا بِاللَّهِ لا، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا، فَقَالَ: "لَا تَحْلِفُوا بِأبَائِكُمْ" (¬3). عن عبد اللَّه بن عمر مال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من حلف بغيرِ اللَّه، فقالَ فِيه قولًا شديدًا" (¬4) • وجه الدلالة: الأحاديث فى ليل على النهي عن الحلف بغير اللَّه تعالى وهو للتحريم كما هو أصله (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬6)، ¬
[194/ 6]: اليمين تنعقد بالله وبذاته وبصفاته العلية وبجميع أسمائه الحسنى
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والشوكاني (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم جواز الحلف بغير اللَّه لعدم وجود المخالف. [194/ 6]: اليمين تنعقد باللَّه وبذاته وبصفاته العلية وبجميع أسمائه الحسنى • المراد بالمسألة: أن اليمين تنعقد باللَّه تعالى وبذاته وبصفاته العلية وبجميع أسمائه الحسنى كالرحمن والرحيم والحي والقيوم، ومقلب القلوب، ورب الكعبة، ورب العزة، ونحو ذلك، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيثا قال: (واتفقوا على أن اليمين باللَّه تعالى منعقدة وبجميع أسمائه الحسنى كالرحمن والرحيم والحي وغيرها، وبجميع صفات ذاته سبحانه كعزة اللَّه لسبحانه وجلاله) (¬5). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (اتفق الفقهاء على أن اليمين تنعقد باللَّه وذاته وصفاته العلية) (¬6). الزرقاني (1122 هـ) حيث قال: (وظاهره تخصيص الحلف باللَّه خاصة، لكن اتفق الفقهاء على أن اليمين تنعقد باللَّه وذاته وصفاته العلية، فكأنّ المراد بقوله باللَّه الذات لا خصوص لفظ اللَّه) (¬7). الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: (السر في النهي عن الحلف بغير اللَّه ¬
أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي للَّه وحده، فلا يحلف إلا باللَّه وذاته وصفاته وعلى ذلك اتفق الفقهاء) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن ابن عمر قال: كَانَ أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ: "لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ" (¬2). ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لما خلق اللَّه الجنة والنار وأرسل جبريل قال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فجاء فنظر إليها وإلى ما أعد اللَّه لأهلها فيها فرجع إليه قال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بها فحجبت بالمكاره قال: ارجع إليها فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فرجع إليها وإذا هي قد حجبت بالمكاره فرجع إليه قال: وعزتك قد خشيت أن لا يدخلها أحد، قال: اذهب إلى النار فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فإذا هي يركب بعضها بعضًا، فرجع قال: وعزتك لقد خشيت أن لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهوات، فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها" (¬3). ما روي عن قتيلة بنت صيفي الجهينية قالت: أتى حَبرٌ من الأحبار ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا محمد، نعم القوم أنتم، لولا أنكم تشركون، قال: "سبحان اللَّه وما ذاكَ؟ " قال تقولون: إذا حلفتم والكعبة، قالت: فأمهل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا، ثم قال: "إنَّهُ قَدْ قالَ: فَمَنْ حَلَفَ فَلْيَحْلِفْ بِرَبِّ الكَعْبَةِ" قال: يا محمد، نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون للَّه ندًا، قال: "سبحان اللَّه وما ذاك؟ " قال: تقولون ما شاء اللَّه وشئت، قال: فأمهل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا ثم قال: "إنَّهُ قَدْ قال: فمنْ قالَ ما شاءَ اللَّه فَلْيَفْصِل بَيْنَهُما ثم شِئْتُ" (¬1). ما روي عن أبي هريرة عن النبي صلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلَّم: "يَبْقَى رَجُلٌ بَينَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلَكَ غَيْرَهَا" (¬2). • وجه الدلالة: دلت الأحاديث السابقة على جواز الحلف بالصفات لأن العزة يحتمل أن تكون صفة ذات بمعنى القدرة والعظمة، وأن تكون صفة فعل بمعنى القهر لمخلوقاته والغلبة لهم، ولذلك صحت الإضافة (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
[195/ 6]: أن الحلف بعبارة تالله أو بالله يعد يمين تلزم بالحنث فيه الكفارة
Rصحة ما نقل من الإجماع على انعقاد اليمين باللَّه وذاته وصفاته العلية لعدم وجود المخالف. [195/ 6]: أن الحلف بعبارة تاللَّه أو باللَّه يعد يمين تلزم بالحنث فيه الكفارة • المراد بالمسألة: أن من حلف فقال واللَّه أو تاللَّه أو باللَّه، فحنث، أنه تلزمه الكفارة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن من قال: واللَّه أو باللَّه أو تاللَّه، فحنث أن عليه الكفارة) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (أجمع أهل العلم على أن من حلف باللَّه عز وجل فقال واللَّه أو باللَّه أو تاللَّه فحنث أن عليه الكفارة) (¬2). ابن قدامة (682 هـ) حيث قال: (أجمع أهل العلم على أن من حلف باللَّه عز وجل فقال واللَّه أو باللَّه أو تاللَّه فحنث أن عليه الكفارة) (¬3). القرطبي (671 هـ) حيث قال: (وأجمع أهل العلم على أن من حلف فقال: واللَّهِ أو باللَّهِ أو تاللَّهِ فحنِث أن عليه الكفّارة) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)} [الأنبياء: 57]. وقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)} [الأنعام: 23]. وقوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53)} [النور: 53]. وقوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)} [فاطر: 42]. • وجه الدلالة: الآيات شديدة الوضوح على جواز القسم باللَّه وتاللَّه ¬
[196/ 6]: انعقاد يمين من قال أقسم بالله أو أحلف بالله دون الرجوع إلى نيته
وباللَّه، وإذا جاز القسم بها، وجبت الكفارة على من يحنث (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف فقال واللَّه أو تاللَّه أو باللَّه فحنث تلزمه الكفارة وذلك لعدم وجود المخالف [196/ 6]: انعقاد يمين من قال أقسم باللَّه أو أحلف باللَّه دون الرجوع إلى نيته • المراد بالمسألة: من حلف فقال أقسم باللَّه أو أحلف باللَّه فإن يمينه تنعقد، وإن حنث فعليه الكفارة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أنه إذا قال أقسم باللَّه أنها يمين) (¬6). علاء الدين السمرقندي (540 هـ) حيث قال: (ومن قال حلفت باللَّه أو أقسمت باللَّه لأفعلن كذا، يكون يمينًا بلا خلاف) (¬7). القرطبي (671 هـ) حيث قال: (من قال أقْسِم باللَّه أو أشْهد باللَّه أو أَعْزِم باللَّه أو أحلف باللَّه، أو أقسمت باللَّه أو أشهدت باللَّه أو أعزمت باللَّه أو أحلفت باللَّه، فقال في ذلك كله "باللَّه" فلا خلاف أنها يمِين) (¬8). ¬
نقل ابن عادل الإجماع عنه باللفظ والمعنى (¬1). • مستند الإجماع: قوله عز وجل: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107)} [المائدة: 107]. وقولُه عز وجل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)} [الأنعام: 109]. • وجه الدلالة: أن الناس يحلفون بها كثيرًا، فدل على انعقاد اليمين بها، حتى وإن قال: أردْتُ بقولي: أقسمْتُ باللَّه، الخبر عن يمين متقدمة، وبقولي: أقسمُ باللَّه، الخبر عن يمين مستأنفة (¬2). ثبت -لهذه الأيمان- عرف الشرع، وعرف العادة، فالشرع قوله عز وجل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: 109]. وعرف العادة: أن الناس يحتلفون بها كثيرًا (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬4)، وبعض الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة بعض الشافعية: حيث علقوا ذلك على نية الحالف، قال الإمام الشافعي: فإن قال: أقسمت باللَّه، فإن كان يعني: حلفت قديمًا يمين باللَّه، فليست بيمين حادثة، وإنما هو خبر عن يمين ماضية، وإن أراد بها يمينًا فهي يمين، وإن قال: أقسم باللَّه، فإن ¬
[197/ 6] اليمين على نية الحالف إذا كان لا يقتطع بها حقا لغيره
أراد بها إيقاع يمين فهي يمين، وإِنْ أراد بها موعدًا أنه سيقسم باللَّه فليست يمين، وإنما ذلك كقوله: سأحلف أو سوف احلف (¬1). • دليل هذا القول: أن العبرة بنية الحالف فإما أن يقصد بها (حلفت قديمًا يمين باللَّه، فليست بيمين حادثة، وإنما هو خبر عن يمين ماضية) وإما أن يكون (أراد بها موعدًا أنه سيقسم باللَّه) (¬2).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على انعقاد يمين من قال أقسم باللَّه أو أحلف باللَّه دون الوجوع إلى نيته لوجود الخلاف في المسألة. [197/ 6] اليمين على نية الحالف إذا كان لا يقتطع بها حقًا لغيره • المراد بالمسألة: أنه يرجع إلى نية الحالف في يمينه إذ كانت يمينه لا يقتطع بها حقا لغيره، أو كان حالفا بغير استحلاف، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه إذا حلف فلانًا ونوى بها شيئًا معينًا، أنه على ما نواه) (¬3). ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه يرجع في اليمين إلى نية الحالف إذا احتملها لفظه، ولم يخالف الظاهر، أو خالفه وكان مظلومًا، ولم يقتطع بها حقًا لغيره) (¬4). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (لا بد أن يكون قاصدًا للتكلم باللفظ ¬
مريدًا له، فلا بد من إرادتين: إرادة التكلم باللفظ اختيارًا، وإرادة موجبه ومقتضاه، بل إرادة المعنى آكد من إرادة اللفظ؛ فإنه المقصودُ واللفظ وسيلَةٌ، هو قول أئمة الفتوى من علماء الإسلام، وقال مالك وأحمد فيمن قال: "أنتِ طالق البتة" وهو يريد أن يحلف على شيء ثم بَدَا له فترَكَ اليمينَ: لا يلزمه شيء؛ لأنه لم يرد أن يطلقها) (¬1). الشوكاني (1250 هـ) حيث قال: (وقد حُكي الإجماع على أن الحالف من غير استحلاف ومن غير تعلق حق بيمينه له نيته ويقبل قوله، وأما إذا كان لغيره حق عليه فلا خلاف أنه يحكم عليه بظاهر يمينه، سواء حلف متبرعًا أو باستحلاف) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عن عبدِ اللَّهِ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن حلفَ على يَمينٍ وهوَ فيها فاجِرٌ ليَقتَطِعَ بها مالَ امرِئٍ مسلمٍ لَقِيَ اللَّهَ وهوَ عليهِ غَضَبانُ. قال: فقالَ الأشعَثُ: فيّ واللَّهِ كان ذلك. كانَ بيني وبينَ رجلٍ منَ اليهودِ أرضٌ، فجحَدَني، فقدّمتهُ إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألَكَ بَيّنَةٌ؟ قلتُ: لا. قال: فقال لليهوديّ: احلِفْ. قال: قلتُ: يا رسول اللَّه إذَن يَحلفَ ويذهَبَ بمالي. فأنزلَ اللَّهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية (¬3). • وجه الدلالة: أنه إذا كان مظلومًا فهو لا يقتطع بيمينه حقًا فلا يأثم (¬4). ¬
[198/ 6]: اليمين لا تشرع في الحدود
• الموافقون على نقل الإجماع: وافق على الحكم الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على كون اليمين على نية الحالف إذا كان لا يقتطع بها حقا لغيره لعدم وجود المخالف. [198/ 6]: اليمين لا تشرع في الحدود • المراد بالمسألة: أن اليمين لا توجه إلى المدعى عليه إن أنكر في الحدود كالزنا وشرب الخمر والسرقة والقذف وغيرها، ولا يطلب منه ذلك، وإنما توجه في الأموال وقد نقل نفي الخلاف على ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (أما الحدود فلا تشرع فيها يمين ولا نعلم في هذا خلافًا) (¬5). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (لا يستحلف في حقوق اللَّه تعالى وهي نوعان أحدهما الحدود فلا تشرع فيها يمين لا نعلم في هذ خلافًا) (¬6). • مستند الإجماع: أنه لو أقر ثم رجع عن إقراره قبل منه وخلي من غير يمين فلأن لا يستحلف مع عدم الإقرار أولى، ولأنه يستحب ستره والتعريض للمقر به بالرجوع عن إقراره وللشهود بترك الشهادة والستر عليه ¬
[199/ 5]: وجوب الكفارة على الحانث
قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لهزال في قصة ماعز: "يا هزال لو سترته بثوبك لكان خيرًا لك" (¬1) فلا تشرع فيه يمين بحال (¬2). لأن اليمين شرعت حقًا للمدعي، واليمين حق المدعي من حيث أن المدعى عليه ينكل فيقضى عليه بالنكول فيحفظ حقه لا من حيث أن يحلف فلا يقضى عليه، فعلمنا أن اليمين شرعت للقضاء بالنكول، والقضاء بالنكول في الحدود الخالصة للَّه تعالى متعذر (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وابن حزم (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن اليمين لا تشرع في الحدود وذلك لعدم وجود المخالف. [199/ 5]: وجوب الكفارة على الحانث • المراد بالمسألة: إذا حلف رجل أن يفعل كذا أو لا يفعل كذا، فحنث، وجبت عليه الكفارة، فالكفارة في حنث اليمين على الوجوب، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث قال: (وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم: أن اليمين التي تجب بالحنث فيها الكفارة، تلزم بالحنث في حلف مرة واحدة) (¬1). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (من حنث بمخالفة ما حلف عليه، فقد وجبت عليه الكفارة بعد الحنث، لا خلاف في ذلك) (¬2). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن اليمين المنعقدة، هو أن يحلف على أمر في المستقبل، أن يفعله أو لا يفعله، فإذا حنث وجبت عليه الكفارة) (¬3). . أبو العباس القرطبي (656 هـ) حيث قال: (الكفارة واجبة على من حنث، ولا خلاف في ذلك) (¬4). أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال: (والمعقودة ما يمكن فيها البر والحنث، وهي أن يحلف على أمر مستقبل ممكن، وتوجب الكفارة إجماعًا) (¬5). ابن النجار (972 هـ) حيث قال: (وأما الإجماع فلا خلاف بين المسلمين أن يمين المكلف على مستقبل ممكن تجب الكفارة بالحنث فيها) (¬6). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 89]. • وجه الدلالة: أن الآية واضحة الدلالة على وجوب الكفارة عند ¬
[200/ 6]: اشتراط فعل جميع المحلوف عليه لإبرار القسم
الحنث في اليمين (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب الكفارة عند الحنث لعدم وجود المخالف. [200/ 6]: اشتراط فعل جميع المحلوف عليه لإبرار القسم • المراد بالمسألة: أن الحالف لا يبر بقسمه إلا إذا فعل جميع المحلوف عليه، فإذا حلف أن يدخل دار فلان فلا يبر بيمينه إلا إذا دخلها بجميع جسمه، أما إذا أدخل يده أو رأسه أو رجله فلا. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولو حلف لا يدخل دارًا فأدخل يده أو رجله أو رأسه أو شيئًا منه حنث، ولو حلف أن يدخل لم يبر حتى يدخل بجميعه أما إذا حلف ليدخلن أو يفعل شيئًا لم سر إلا بفعل جميعه والدخول إليها بجملته، لا يختلف المذهب في شيء من ذلك ولا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافًا) (¬6). ¬
[201/ 6] من حلف معتقدا صحة ما حلف عليه فيمينه لغو
الزركشي (794 هـ) حيث قال: (لا نزاع في هذا فيما نعلمه، إذ اليمين تناولت فعل الجميع فلم يبر إلا به) (¬1). • مستند الإجماع: لأن اليمين تناولت فعل الجميع كما لو أمره اللَّه تعالى بفعل شيء لم يخرج من عهدة الأمر إلا بفعل الجميع (¬2). لأن ذلك حقيقة اللفظ، ولأن مطلوبه تحصيل الفعل فهو كالأمر، ولو أمر اللَّه تعالى بشيء لم يخرج عن العهدة إلا بفعل جميعه فكذا هنا (¬3). ولأن اليمين على فعل شيء إخبار بفعله في المستقبل مؤكد بالقسم والخبر بفعل شيء يقتضي فعله كله (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على اشتراط فعل جميع المحلوف عليه لإبرار القسم وذلك لعدم وجود المخالف. [201/ 6] من حلف معتقدًا صحة ما حلف عليه فيمينه لغو • المراد بالمسألة: أن من حلف على شيء وهو معتقد تماما صحة ما ¬
حلف عليه، فيمينه لغو (¬1)، ولا يأثم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): (والرجل إذا حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه فهو مخطئ قطعًا، ولا إثم عليه باتفاق) (¬2). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (فإذا سبق على لسانه في الماضي: لا واللَّه، وبلى واللَّه. في اليمين معتقدًا أن الأمر كما حلف عليه فهذا لغو اتفاقًا) (¬3). المرداوي (885 هـ) حيث قال: (فإذا سبق على لسانه في الماضي "لا واللَّه" و"بلى واللَّه" في اليمين. معتقدًا أن الأمر كما حلف عليه: فهو لغو اتفاقًا) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 89]. قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)} [البقرة: 225]. • وجه الدلالة: قال مجاهد: هو الرجل يحلف على اليمين لا يرى إلا أنها كما حلف عليه، وليست كذلك (¬5). ¬
[202/ 6]: من حلف أن لا يأكل تمرا فأكل مذنبا حنث
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5) Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف معتقدًا صحة ما حلف عليه فيمنه لغو وذلك لعدم وجود المخالف. [202/ 6]: من حلف أن لا يأكل تمرا فأكل مذنبا حنث • المراد بالمسألة: أن من حلف أن لا يأكل تمرا فأكل مذنبا، فإنه يحنث، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من حلف لا يأكل رطبا فأكل مذنبا أنه يحنث) (¬6). برهان الدين مازة (570 هـ) حيث قال: (إذا حلف لا يأكل رطبًا فأكل رطبًا فيه بُسر يسير حنث بالإجماع) (¬7). ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: (وحاصل المسائل أربع: وفاقيتان وخلافيتان، فالوفاقيتان ما إذا حلف لا يأكل رطبًا فأكل رطبًا مذنبًا، وما ¬
[203/ 6]: من حلف ألا يفعل شيئا على التراخي لا يحنث بالاستدامة
إذا حلف لا يأكل بسرًا فأكل بسرًا مذنبًا فيحنث فيهما اتفاقًا) (¬1). • مستند الإجماع: أن الحالف إن أَكل الرُطب المذنِّب أو البُسر المذنِّب فهو آكل بسر أو رطب -وليس تمرًا- فيحنث به وإن كان قليلًا (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والحنابلة (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة أبو يوسف من الأحناف حيث يرى أنه لا يحنث، وقد نقل ذلك السرخسي حيث قال: ولو حلف لا يأكل رطبًا فأكل بسرًا مذنبًا حنث في قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما اللَّه تعالى- ولم يحنث في قول أبي يوسف رحمه اللَّه (¬5). • دليل هذا القول: أن المذنب لا يسمى رطبًا، وإنما يسمى بسرًا حتى يحنث بأكله لو كانت يمينه على البسر فكيف يكون رطبًا وبسرًا في حالة واحدة (¬6).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على حنث من حلف أن لا يأكل تمرا فأكل مذنبا وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [203/ 6]: من حلف ألا يفعل شيئا على التراخي لا يحنث بالاستدامة • المراد بالمسألة: أن من حلف أن لا يتزوج أو لا يتطبب أو لا يتطهر، فلم يفعل ذلك وداوم عليه، فإنه لا يحنث في يمينه، وقد نقل ¬
[204/ 6]: لا يحنث من حلف ألا يبيع أو لا يتزوج ثم حصل الإيجاب فقط
الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فإن حلف لا يتزوج ولا يتطيب ولا يتطهر فاستدام ذلك لم يحنث في قولهم جميعًا لأنه لا يطلق على مستديم هذه الأفعال اسم الفعل فلا يقال تزوجت شهرًا، ولا تطهرت شهرًا ولا تطيبت شهرًا وإنما يقال: منذ شهر) (¬1). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (وإن حلف لا يتزوج ولا يتطهر، ولا يتطيب، فاستدام ذلك، لم يحنث) في قولهم جميعًا لأنه لا يطلق اسم الفعل على مستديم هذه الثلاثة، فلا يقال: تزوجت شهرًا ولا تطهرت شهرًا، ولا تطيبت شهرًا، وإنما يقال: منذ شهر) (¬2). • مستند الإجماع: لأنه لا يطلق اسم الفعل على مستديم هذه الثلاثة، فلا يقال: تزوجت شهرًا وولا تطهرت شهرًا، ولا تطيبت شهرًا، وإنما يقال: منذ شهر (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف ألا يفعل شيئًا على التراخي لا يحنث بالاستدامة لعدم وجود المخالف. [204/ 6]: لا يحنث من حلف ألا يبيع أو لا يتزوج ثم حصل الإيجاب فقط • المراد بالمسألة: إذا حلف رجل أن لا يبيع أو لا يتزوج، فأوجب البيع والنكاح ولم يقبل المتزوج والمشتري لم يحنث، وقد نقل الإجماع ¬
على ذلك. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أنه إذا حلف لا يبيع هذا الشيء لفلان فباعه فلم يقبل أنه لا يحنث) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن حلف لا يبيع أو لا يزوج فأوجب البيع والنكاح ولم يقبل المتزوج والمشتري لم يحنث وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي. ولا نعلم فيه خلافًا لأن البيع والنكاح عقدان لا يتمان إلا بالقبول فلم يقع الاسم على الإيجاب بدونه فلم يحنث به) (¬2). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (إِذا حلف لا يبيع أو لا يزوج، فأوجب، ولم يقبل المشتري والزوج لم يحنث، لا نعلم فيه خلافًا) (¬3). • مستند الإجماع: لأن النكاح والبيع لا يتم إلا بإيجاب وقبول وبدونهما لا يصح البيع، ولأن البيع والنكاح عقدان لا يتمان إلا بالقبول فلم يقع الاسم على الإيجاب بدونه فلم يحنث به (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم حنث من حلف ألا يبيع ¬
[205/ 6] من حلف ألا يتزوج حنث بمجرد الإيجاب والقبول
أو لا يتزوج ثم حصل الإيجاب فقط لعدم وجود المخالف. [205/ 6] من حلف ألا يتزوج حنث بمجرد الإيجاب والقبول • المراد بالمسألة: أن الحالف الذي حلف أن لا يتزوج، أو أن لا يتزوج على امرأته، يعتبر حانث في يمينه بمجرد الإيجاب والقبول، ولا يشترط الدخول، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن حلف لا يتزوج حنث بمجرد الإيجاب والقبول الصحيح لا نعلم فيه خلافًا لأن ذلك يحصل به المسمى الشرعي فتناوله يمينه) (¬1). • مستند الإجماع: لأن ذلك -أي الإيجاب والقبول- يحصل به المسمى الشرعي -حتى وإن لم يدخل بزوجته- فتناوله يمينه (¬2)، ولأن المسمى واحد، فما تناوله النفي تناوله الإثبات (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف ألا يتزوج حنث بمجرد الإيجاب والقبول لعدم وجود المخالف. [206/ 6] يشترط في اليمين المكفر عنها أن تكون على مستقبل • المراد بالمسألة: أن اليمين يجب أن تكون على شيء يقع في ¬
المستقبل حتى يتمكن الحالف من البر بيمينه، أما إن كانت على ماضي فذهب العلماء إلى عدم الكفارة، لأن الحالف إما أن يكون يحلف صادقا فلا كفارة، أو كاذبا وهذه يمين أعظم في نظرهم عن أن تكفر، وقد نقل الإجماح على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (والوجه الثالث: هو اليمين في المستقبل: "واللَّه لا فعلت"، "واللَّه لأفعلن" لم يختلف العلماء أن على من حنث فيما حلف عليه من ذلك الكفارة) (¬1) وقال في موضع آخر: (وأما الأيمان، فمنها ما يكفر بإجماع ومنها ما لا كفارة فيه بإجماع، ومنها ما اختلف في الكفارة فيه، فأما التي فيها الكفارة بإجماع من علماء المسلمين، فهي اليمين باللَّه على المستقبل من الأفعال، وهي تنقسم قسمين: أحدهما أن يحلف باللَّه ليفعلن ثم لا يفعل، والآخر أن يحلف أن لا يفعل في المستقبل أيضًا ثم يفعل) (¬2). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (ومن حلف بما ذكرنا أن لا يفعل أمر كذا، أو أن يفعل أمر كذا، فإن وقت وقتًا، غدا أو يوم كذا، أو اليوم، أو في يوم يسميه، فإن مضى ذلك الوقت، ولم يفعل ما حلف أن يفعله فيه عامدا ذاكرا ليمينه، أو فعل ما حلف أن لا يفعله فيه عامدا ذاكرا ليمينه، فعليه كفارة اليمين، هذا ما لا خلاف فيه من أحد، وبه جاء القرآن والسنة) (¬3). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن اليمين المنعقدة، هو أن يحلف على أمر في المستقبل ممكن، أن يفعله أو لا ¬
يفعله، فإذا حنث وجبت عليه الكفارة) (¬1). أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال: (والمعقودة ما يمكن فيها البر والحنث، وهي أن يحلف على أمر مستقبل ممكن، وتوجب الكفارة إجماعا) (¬2). المرداوي (855 هـ) حيث قال: (أن تكون اليمين منعقدة، وهي اليمين التي يمكن فيها البر والحنث، وذلك: كالحلف على مستقبل ممكن، بلا نزاع في ذلك في الجملة) (¬3). ابن النجار الفتوحي (972 هـ) حيث قال: (وأما الإجماع فلا خلاف بين المسلمين أن يمين المكلف على مستقبل ممكن تجب الكفارة بالحنث فيها) (¬4). • مسند الإجماع: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 89]. • وجه الدلالة: أن المراد منها اليمين في المستقبل بدليل قوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] ولا يتصور الحفظ عن الحنث والهتك إلا في المستقبل (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬6)، والمالكية (¬7)، ¬
[207/ 6]: لا تنعقد اليمين على مستحيل
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على اشتراط المستقبل في اليمين المكفر عنها وذلك لعدم وجود المخالف. [207/ 6]: لا تنعقد اليمين على مستحيل • المراد بالمسألة: أنه لو حلف رجل على شيء يستحيل حدوثه شرعًا، كقتل الميت وإحيائه، وشرب ماء الكوز، ولا ماء فيه، أو المستحيل عقلًا كصوم أمس، والجمع بين الضدين، فإذا حلف على شيء من ذلك لم تنعقد يمينه (¬3)، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن اليمين المنعقدة، هو أن يحلف على أمر في المستقبل ممكن، أن يفعله أو لا يفعله، فإذا حنث وجبت عليه الكفارة) (¬4). أحمد ابن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال: (والمعقودة ما يمكن فيها البر والحنث، وهي أن يحلف على أمر مستقبل ممكن، وتوجب الكفارة إجماعًا) (¬5). المرداوي (855 هـ) حيث قال: (أن تكون اليمين منعقدة، وهي اليمين التي يمكن فيها البر والحنث، وذلك: كالحلف على مستقبل ممكن، بلا نزاع في ذلك في الجملة) (¬6). ¬
ابن النجار (972 هـ) حيث قال: (وأما الإجماع فلا خلاف بين المسلمين أن يمين المكلف على مستقبل ممكن تجب الكفارة بالحنث فيها) (¬1). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 89]. • وجه الدلالة: أن اليمين على الأمر المستحيل لا تنعقد، لعدم تصور البر فيها كاليمين الغموس (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم انعقاد اليمين على مستحيل لعدم وجود المخالف. ¬
[208/ 6]: وجوب الكفارة بعد الحنث
[208/ 6]: وجوب الكفارة بعد الحنث • المراد بالمسألة: إذا حلف أن يفعل كذا أو لا يفعل كذا فحنث، وجبت الكفارة بعد الحنث، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (من حنث بمخالفة ما حلف عليه، فقد وجبت عليه الكفارة بعد الحنث، لا خلاف في ذلك) (¬1). القاضي عياض (544 هـ) حيث قال: (اختلف العلماء في إجزاء الكفارة قبل الحنث مع اتفاقهم أنها تجب بعد الحنث) (¬2). السرخسي (610 هـ) حيث قال: (لا وجوب قبل الحنث باتفاق) (¬3) عون الدين بن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الكفارة تجب عند الحنث في اليمين) (¬4). النووي (676 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أنه لا تجب الكفارة قبل الحنث، وعلى أنه يجوز تأخيرها عن الحنث، وعلى أنه لا يجوز تقديمها على اليمين) (¬5). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 89]. • وجه الدلالة: أن الآية واضحة الدلالة على وجوب الكفارة بعد ¬
[209/ 6]: القول قول المدعى عليه مع يمينه إن لم يكن للمدعي بينة
الحنث في اليمين، لأنه أتى بفاء التعقيب فدل على أن الكفارة لا تكون إلا بعد الحنث (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب الكفارة بعد الحنث وذلك لعدم وجود المخالف [209/ 6]: القول قول المدعى عليه مع يمينه إن لم يكن للمدعي بينة • المراد بالمسألة: أن الأيمان تبطل بها الدعوى عن المدعي عليه إذا لم تكن للمدعي بينه، لأن القول قول المدعى عليه مع يمينه، وعلى المدعي البينة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الحسين بن مسعود البغوي (516 هـ) حيث قال: (وفي الحديث دليل على أن من ادعى عينا في يد آخر، أو دينا في ذمته، فأنكر، أن القول قول المدعى عليه مع يمينه، وعلى المدعي البينة، وهو قول عامة أهل العلم) (¬6). ¬
ابن رشد الحفيد (595 هـ) حيث قال: (وأما الأيمان، فإنهم متفقون على أنها تبطل بها الدعوى عن المدعي عليه إذا لم تكن للمدعي بينه) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن علقمة بن وائل الحضرمي، عن أبيه قال: "جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقَالَ الْحَضرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إن هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لأَبِي؛ فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِلْحَضْرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ فَاجِرٌ لَيْسَ يُبَالِي مَا حَلَفَ لَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيءٍ، فَقَالَ: لَيْسَ لَك مِنْهُ إلا ذَلِكَ" (¬2). ما روي عن عبدِ اللَّهِ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن حلفَ على يَمينٍ وهوَ فيها فاجِرٌ ليَقتَطِعَ بها مالَ امرِئٍ مسلمٍ لَقِيَ اللَّهَ وهوَ عليهِ غَضَبانُ. قال: فقالَ الأشعَثُ: فيّ واللَّهِ كان ذلك. كانَ بيني وبينَ رجلٍ منَ اليهودِ أرضٌ، فجحَدَني، فقدّمتهُ إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ألَكَ بَيّنَةٌ؟ قلتُ: لا. قال: فقال لليهوديّ: احلِفْ. قال: قلتُ: يا رسول اللَّه إذَن يَحلفَ ويذهَبَ بمالي. فأنزلَ اللَّهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية (¬3). • وجه الدلالة: الأحاديث صريحة الدلالة في أن اليمين تتوجه في حق المدعى عليه إذا لم يكن للمدعي بينة (¬4). ¬
[210/ 6]: الاستثناء يحل الأيمان
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن القول قول المدعى عليه مع يمينه إن لم يكن للمدعي بينه وذلك لعدم وجود المخالف. [210/ 6]: الاستثناء يحل الأيمان • المراد بالمسألة: أن الحالف إذا استثنى في يمينه، حل الأيمان، فإن شاء أبو حلفه أو لا، ولا كفارة عليه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: اللاستثناء تأثير في حل اليمين ورفع موجبها. . . . ولا خلاف في ذلك) (¬5). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من حلف باسم من أسماء اللَّه عز وجل، ثم قال بلسانه: إن شاء اللَّه، أو إلا أن يشاء اللَّه، أو نحو ذلك، متصلًا بيمينه، ونوى في حين لفظه أن يستثني قبل تمام لفظه باليمين، أنه كفارة، وأنه لا يحنث إن خالف ما حلف عليه متعمدًا أو غير متعمد) (¬6). ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال (وأجمع العلماء على أن الحالف إذا وصل يمينه باللَّه بالاستثناء وقال: إن شاء اللَّه. فقد ارتفع الحنث عليه، ولا كفارة عليه لو حنث) (¬7). الحسين بن مسعود البغوي (516 هـ) حيث قال: (والعمل عند عامة ¬
أهل العلم أن الاستثناء إذا كان موصولا باليمين، فلا حنث عليه) (¬1). ابن رشد (520 هـ) حيث قال: (ويسقط الكفارة -عمن حلف بهذه اليمين فحنث فيها- الاستثناء بمشيئة اللَّه تعالى، إذا وصل ذلك بآخر كلامه، وقصد به حل يمينه، بإجماع أهل العلم) (¬2). وقال أيضًا في موضع آخر: (فخرج من الاستثناء بمشيئة اللَّه بالسنة والإجماع وما بقي سواه في الأصل، في ألا يسقط الكفارة الواجبة بالحنث) (¬3). ابن العربي (543 هـ) حيث قال: (وأجمعت الأمة على أن الرجل لو قال لرجل آخر عليه حق: واللَّه لأعطينك حقك غدًا إن شاء اللَّه، فجاء الغد ولم يحطه شيئًا، أنه لا حنث عليه في يمينه) (¬4). وقال في موضوع آخر: (إن اللَّه سبحانه أذن بعقد اليمين، ثم أمر فيها بالبر، كما قدمنا إذا انعقد، ثم رخص في حلها للكفارة، أو بالكفارة، إذا بدا لكم خير منها، ثم أذن في حلها بربطها بمشيئة اللَّه سبحانه وتعالى، وسنت من ذلك ما استقر عليه الإجماع) (¬5). وقال في موضوع ثالث: (ولما علم اللَّه تعالى أن اليمين يرتبط، وأن الخلق يتهافتون إليها سراعا، جعل منها مخرجًا بالاستثناء. . . . وإن كان جرى بمشيئة اللَّه تعالى، انحلت عند كافة الفقهاء) (¬6). ابن رشد الحفيد ت (595 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن الاستثناء بالجملة له تأثير في حل الأيمان) (¬7). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وأنه من استثنى في يمينه لم يحنث فيها بالإجماع) (¬8). ¬
أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) حيث قال: (الاستثناء يرفع اليمين باللَّه تعالى إذ هي رخصة (¬1) من اللَّه تعالى، ولا خلاف في هذا) (¬2). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (إذا حلف فقال مثلًا: واللَّه لأدخلن الدار إن شاء اللَّه، فهو مخير في الجملة، بين الفعل والترك، فإن ترك لم يحنث إجماعًا) (¬3). ابن جزي (792 هـ) حيث قال: (الفصل الثاني في الاستثناء، وله تأثير في اليمين اتفاقًا) (¬4). • مستند الإجماع: ما روي عن أبو هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: قَالَ سُلَيْمَانُ لأَطُوفَنَّ اللَّيلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلٌّ تَلِدُ غُلَامًا يُقَاتِلُ في سَبِيلِ اللَّه. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ. . قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَنَسِيَ، فَطَافَ بِهِنَّ، فَلَمْ تَأْتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ بِوَلَدٍ، إِلَّا وَاحِدَةٌ بِشِقِّ غُلَامٍ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ قَالَ: "لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكًا في حَاجَتِهِ". وَقَالَ مَرَّةً قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- "لَوِ اسْتَثْنَى". (¬5) ما روي عن أبي هريرةَ، أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن حَلَفَ فقال إنْ شَاءَ اللَّه لَمْ يحنَثْ" (¬6). وما روي عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال، قال ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى" (¬1). ما روي عن أبي هريرةَ، أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إِنَّ شَاءَ اللَّهُ، فَلَهُ ثُنْيَاهُ" (¬2)، ما روي عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن حَلَفَ على يمينٍ فقالَ إنْ شَاءَ اللَّه، فَلَا حِنْثَ عليهِ" (¬3). • وجه الدلالة: الأحاديث واضحة الدلالة على أن الاستثناء يحل الإيمان (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والشوكاني (¬9).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الاستثناء يحل الأيمان ¬
[211/ 6]: من حلف ألا يضرب امرأته فلطمها أو لكمها حنث
لعدم وجود المخالف. [211/ 6]: من حلف ألا يضرب امرأته فلطمها (¬1) أو لكمها (¬2) حنث • المراد بالمسألة: أن الرجل لو حلف أن لا يضرب امرأته فلطمها أو لكمها أو ضربها بعصا أو غيرها، فإنه يكون قد حنث في يمينه سواء ضربها ضربا مبرح أو غير مبرح، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن حلف لا يضرب امرأته فلطمها أو لكمها أو ضربها بعصا أو بغيرها، حنث بغير خلاف) (¬3). • مستند الإجماع: لأن اللكم واللطم والضرب بالعصى اسم لفعل مؤلم وقد تحقق الإيلام (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على حنث من حلف ألا يضرب ¬
[212/ 6]: من حلف ألا يأكل لحما فأكل لحم طائر حنث
امرأته فلطمها أو لكمها لعدم وجود المخالف (¬1). [212/ 6]: من حلف ألا يأكل لحمًا فأكل لحم طائر حنث • المراد بالمسألة: أن من حلف أن لا يأكل لحمًا ولم يرد أكل لحم بعينه، فأكل من لحم الأنعام (¬2) أو الطيور أو الصيد، فإنه يحنث في يمينه، وعليه الكفارة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (من حلف ألا يأكل لحمًا فأكل من لحم الأنعام أو الصيد أو الطائر فإنه يحنث في قول عامة علماء الأمصار) (¬3). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (أما إذا أكل من لحم الأنعام أو الطائر فلا نزع فيما نعلمه في حنثه، لدخول المحلوف عليه، وهو اللحم حقيقة وعرفًا) (¬4). • مستند الإجماع: دخول المأكول هنا في المحلوف عليه حقيقة وعرفًا حقيقة وعرفًا حيث إن المعنى العرفي والحقيقي للحم ينطبق على لحوم الأنعام والصيد والطيور، بخلاف لحم السمك المختلف فيه (¬5). ¬
[213/ 6]: من حلف ألا يدخل دار زيد فدخل دار عبده حنث
• الموافقون على نقل الإجماع: الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف ألا يأكل لحمًا فأكل لحم طائر حنث لعدم وجود المخالف. [213/ 6]: من حلف ألا يدخل دار زيد فدخل دار عبده حنث • المراد بالمسألة: أن من حلف ألا يدخل دار زيد، فدخل دار عبد لزيد، يحنث في يمينه، لأن دار عبد زيد، ملك لزيد، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن حلف لا يدخل دار زيد فدخل دار عبده حنث، وبه قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافًا) (¬3). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (إذا حلف لا يدخل دار زيد، فدخل دار عبده، حنث بغير خلاف نعلمه، لأن دار العبد ملك للسيد، والثوب والدابة كالدار، لأنهما مملوكان للسيد فيتناولهما يمين الحالف) (¬4). • مستند الإجماع: أن دار العبد ملك للسيد فكأنه دخل دار السيد فيحنث بدخولها (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على حنث من حلف ألا يدخل دار زيد فدخل دار عبده لعدم وجود المخالف. ¬
[214/ 6] من حلف ألا يدخل دار زيد فدخلها وهي في ملك زيد حنث
[214/ 6] من حلف ألا يدخل دار زيد فدخلها وهي في ملك زيد حنث • المراد بالمسألة: أن من حلف ألا يدخل دار زيد، فدخلها وهي ما زالت في ملكه فقد حنث في يمينه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وكذلك لو حلف لا دخلت مسكن زيد حنث بدخوله الدار التي يسكنها، ولو قال هذا المسكن لزيد كان مقرًا له بها. ولا خلاف في هذه المسألة) (¬1). النووي (676 هـ) حيث قال: (إذا حلف لا يدخل دار زيد، فإذا دخلها وهي في ملك زيد، حنث بإجماع) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 89]. • وجه الدلالة: أنه فعل ما قد عقد عليه العزم من عدم دخول دار زيد، وهو عالما مقرًا بأن الدار في ملك زيد، فيحنث بذلك (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). ¬
[215/ 6] وقوع يمين الطلاق إن علقه على مشيئة زوجته ففعلت
Rصحة ما نقل من الإجماع على حنث من حلف ألا يدخل دار زيد فدخلها وهي في ملك زيد لعدم وجود المخالف. [215/ 6] وقوع يمين الطلاق إن علقه على مشيئة زوجته ففعلت • المراد بالمسألة: لو علق رجل طلاقه لزوجته على مشيئة (¬1) زوجته، فقال لها أنت طالق إن شئتِ، فقالت: شئت، أو قال لها أنت طالق إن قمت، فقامت، وقع الطلاق، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن قال: أنت طالق إن شئت أو إن قمت فشاءت أو قامت حنث بغير خلاف) (¬2). • مستند الإجماع: لأنه الطلاق منه وإنما هي حققت شرطه (¬3). ما روي عن حفص بن سليمان عن الحسن في رجل قال لامرأته: أنت طالق إن شئت، فقالت: فقد شئت، فقال: هي طالق وهو أحق بالرجعة (¬4). ما روي عن عطاء قال: إن قال: أنتِ طالق إن شئتِ، فشاءت، فهي طالق. (¬5) وما روي عن الزهري قال: إذا قال الرجل لامرأته: أنتِ طالق إن شئت، فإن قالت: قد شئتُ، فهي طالق (¬6). ¬
[216/ 6] من حلف أن يفعل أمرا في وقت فمات قبل دخوله لا يحنث
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على وقوع يمين الطلاق إن علقه على مشيئة زوجته ففعلت لعدم وجود المخالف. [216/ 6] من حلف أن يفعل أمرًا في وقت فمات قبل دخوله لا يحنث • المراد بالمسألة: إذا حلف رجل أن يفعل أمرًا في وقت معين كان يصوم غدًا أو يضرب عبده، فمات في يومه، فلا كفارة عليه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) حيث قال: (أن يحلف لأقضيَّك حقك في يوم الجمعة، فيجعل للقضاء وقتًا، فلا يبر الحالف إلا بقضائه فيه، فإن قضاه قبل يوم الجمعة أو بعده حنث، فلو مات الحالف قبل يوم الجمعة لم يحنث قولًا واحدًا) (¬5). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولو حلف أن يضرب عبده في غد ففيه مسائل: أحدها: أن يضرب العبد في مخد أي وقت كان منه فإنه يبر في يمينه بلا خلاف. الثانية: أمكنه ضربه في غد فلم يضربه حتى مضى الغد وهما في الحياة حنث أيضًا بلا خلاف) (¬6). ¬
[217/ 6] إثم الحالف ان اقتطع بحلفه حق غيره
النووي (676 هـ) حيث قال: (إحداها: حلف لا يرى منكرًا إلا رفعه إلى القاضي. . . . فمات الحالف في صورة المبادرة قبل وصوله إلى القاضي، قال المتولي: لا كفارة بلا خلاف) (¬1). • مستند الإجماع: لأن الحنث إنما يحصل بفوات المحلوف عليه في وقته وهو الغد والحالف قد خرج عن أن يكون من أهل التكليف قبل الغد فلا يحنث (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف أن يفعل أمرًا في وقت فمات قبل دخوله لا يحنث لعدم وجود المخالف. [217/ 6] إثم الحالف ان اقتطع بحلفه حق غيره • المراد بالمسألة: أن من حلف وهو يعلم كذب يمينه ليقطتع حق مسلم، فهو آثم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: القاضي عياض (544 هـ) حيث قال: (ولا خلاف في إثم الحالف بما يقتطع به حق غيره، وإن ورى) (¬6) (¬7). ¬
ابن رشد الجد (520 هـ) حيث قال: (وأما إذا اقتطع بها -اليمين الفاجرة- حقًا لغيره، فلا ينفعه نية نواها، وهو آثم حانث في يمينه، عاصي للَّه عز وجل في فعله، داخل تحت الوعيد. . . ولا اختلاف في هذا الوجه عند أحد من الأئمة) (¬1). النووي (676 هـ) حيث قال. (فإذا ادعى رجل على رجل حقًا فحلفه القاضي فحلف وورى فنوى غير ما نوى القاضي انعقدت يمينه على ما نواه القاضي ولا تنفعه التورية وهذا مجمع عليه ودليله هذا الحديث والإجماع) (¬2). ابن عاصم الأندلسي (829) حيث قال: (اليمين التي تقطع بها الحقوق ويحكم بها الحكام (وإن تعددت) أي تنوعت إلى يمين تهمة وقضاء ومنكر وشاهد (في) القول (الأعرف) وهو قول الأكثر (على وفاق نية المستحلف) خبر عن قوله هي والمجرور قبله يتعلق بالاستقرار في الخبر المذكور والواو في قوله: وإن للحال وهو مقدم من تأخير والتقدير وهي كائنة على وفق نية الطالب في القول الأعرف، وإن تعددت فإذا أنكره في دين أو وديعة مثلًا وحلف لا شيء له عندي ونوى حاضرًا أو في الدار مثلًا لم ينفعه ذلك بإجماع) (¬3). • مستند الإجماع: ما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ" (¬4). ¬
ما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْه الْجَنَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ وَإِنْ كَان يَسِيرًا قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ" (¬1). ما روي عن أبي هريرة قال: "قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة على يمين آثمة ولو على سواك رطبة إلا وجبت له النار (¬2). ما روي عن جابر بن عبد اللَّه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَيُّمَا امْرِيءٍ مِنَ النَّاسِ حَلَفَ عِنْدَ مِنْبَرِي هذَا عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ يَسْتَحِق بِهَا حَقَّ مُسْلِمٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النارَ وَإِنْ عَلَى سِوَاكٍ أَخْضَرَ" (¬3). ما روي عن أبي سويد قال: "سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إن اليمين الفاجرة تعقم الرحم، وتقل العدد، وتدع الديار بلاقع (¬4) " (¬5). • وجه الدلالة: أن الأحاديث الواردة تدل على عظم إثم من حلف يمين غموس ليقطتع بها حق أو مال امريء مسلم (¬6). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
[218/ 6] من أقسم على التراخى حنث إن فعل ما حلف عليه في أي وقت
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على إثم الحالف إن اقتطع بحلفه حق غيره لعدم وجود المخالف. [218/ 6] من أقسم على التراخى حنث إن فعل ما حلف عليه في أي وقت • المراد بالمسألة: أن الحالف لو أطلق يمنه، أو أقسم أبد الدهر، فيمينه على التراخي كان يحلف ألا يكلم فلانا أبدًا، فإنه يحنث إن كلمه في ساعة من دهر، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث قال: (لا خلاف بين الجميع في أن حالفًا لو حلف لا يكلم رجلا سماه، أبدا أو الدهر، فكلمه ساعة من دهر أنه حانث) (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إذا حلف ليفعلن شيئًا ولم يعين له وقتًا بلفظه ولا بنيته فهو على التراخي أيضًا، فإن لفظه مطلق بالنسبة إلى الزمان كله فلا يتقيد بدون تقييده، وهذا مما لا خلاف فيه نعلمه) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3]. وقوله تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} [التغابن: 7]. وقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27]. • وجه الدلالة: إن الآية أنزلت في نوبة الحديبية في سنة ست وتأخر الفتح إلى سنة ثمان. فكانت على التراخي ولذلك روي عن عمر أنه قال: "قلت للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنك آتية العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتية ومطوف به" (¬5). ¬
[219/ 6] اليمين الغموس هي التي يقتطع بها مال امرئ كذبا
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من أقسم على التراخي حنث إن فعل ما حلف عليه في أي وقت وذلك لعدم وجود المخالف. [219/ 6] اليمين الغموس هي التي يقتطع بها مال امرئ كذبا • المراد بالمسألة: أن اليمين إذا لم يقتطع بتا مال أحد، ولم يحلف بتا على مال، فإنها ليست يمين غموس، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وأجمع العلماء على أن اليمين إذا لم يقتطع بتا مال أحد، ولم يحلف بها على مال، فإنها ليست اليمين الغموس التي ورد فيها الوعيد) (¬4). • مستند الإجماع: ما روي عن عبد اللَّه بن عمرو قال جاء أعرابي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ". قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ "ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ". قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ "الْيَمِينُ الْغَمُوسُ". قُلْتُ وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قَالَ "الَّذِى يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ" (¬5). • وجه الدلالة: الحديث واضح الدلالة أن اليمين الغموس هي التي يقطتع بها مال، بنص قوله: قُلْتُ وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قَالَ "الَّذِى يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ" (¬6). ¬
ما روي عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: "قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: مَن حلفَ يَمينَ صَبر ليَقْتَطِعَ بها مالَ امرئٍ مسلم لقيَ اللَّهَ وهو عليه غضبان، فأنزَلَ اللَّهُ تصديقَ ذلك {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية. قال: فدخَل الأشعثُ بن قيسٍ وقال: ما يحدِّثكم أبو عبدِ الرحمن؟ قلنا: كذا وكذا. قال: فيَّ أُنزلَت، كانت لي بئر في أرضِ ابن عمٍّ لي، قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: بَيِّنتُكَ أَو يَمينُهُ. فقلتُ إذًا يَحلِفُ يا رسولَ اللَّه، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: مَن حلفَ على يمين صَبرٍ يَقتطِعُ بها مالَ امرئٍ مُسلم وهو فيها فاجِر لقيَ اللَّهَ وهو عليه غضبان" (¬1). • وجه الدلالة: أن اليمين التي تقتطع بها الحقوق من أعظم الذنوب التي توجب غضب اللَّه، وهي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم، ثم تغمسه في النار (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: لم أجد فيما اطلعت عليه من كتب الفقه من وافق ابن عبد البر فيما ذهب إليه من قصر اليمين الغموس على اليمين التي يقتطع بها مال الغير كذبًا. • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الأحناف (¬3) والشافعية (¬4) والحنابلة (¬5)، حيث يرون أن اليمين الغموس هي اليمين التي يحلف بها صاحبها كاذبا سواء أكانت على مال أو لا. ¬
[220/ 6]: من وقت ليمينه يحنث بخروج الوقت
• دليل هذا القول: ما رواه عبد اللَّه ابن عمر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الكبائر الإشراك باللَّه وعقوق الولدين وقتل النفس واليمين الغموس". • وجه الدلالة: إنها أعم من أن يقتطع بها مال امرئ مسلم فقط، وقد صرح بأن اليمين الغموس كبيرة، وينبغي أن تكون كبيرة إذا اقتطع بها مال امرئ مسلم أو أذاه، وعليه فاليمين الغموس أعم من اليمين التي يقطتع بها مال (¬1).Rعدم صحة ما نقل من الإجماع على أن اليمين الغموس هي التي يقتطع بها مال امرئ كذبا وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [220/ 6]: من وقّت ليمينه يحنث بخروج الوقت • المراد بالمسألة: أن الحالف لو حلف أن يفعل كذا في وقت كذا حنث إن لم يفعل في الوقت المحدد حتى وإن فعل بعد فوات الوقت، وعليه الكفارة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (ومن حلف بما ذكرنا أن لا يفعل أمر كذا، أو أن يفعل أمر كذا، فإن وقت وقتًا، غدا أو يوم كذا، أو اليوم، أو في يوم يسميه، فإن مضى ذلك الوقت، ولم يفعل ما حلف أن يفعله فيه عامدا ذاكرا ليمينه، أو فعل ما حلف أن لا يفعله فيه عامدا ذاكرا ليمينه، فعليه كفارة اليمين، هذا ما لا خلاف فيه من أحد، وبه جاء القرآن والسنة) (¬2). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولو حلف أن يضرب عبده في غد ¬
ففيه مسائل: أحدها: أن يضرب العبد في غد أي وقت كان منه فإنه يبر في يمينه بلا خلاف. الثانية: أمكنه ضربه في غد فلم يضربه حتى مضى الغد وهما في الحياة حنث أيضًا بلا خلاف) (¬1). بهاء الدين المقدسي (624 هـ) حيث قال: (فان حلف أن لا يفعل شيئًا ففعله، فقد حنث ولزمته الكفارة، وكذلك إن حلف ليفعله في وقت فلم يفعله فيه، كقوله لأصومن غدًا فلم يصم حنث، ولزمته الكفارة، لا خلاف في هذا بين علماء الأمصار) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 89]. • وجه الدلالة: فإذا كانت المؤاخذة في اليمين بما عقد عليه الأيمان في وقت معين، لزم أداء المحلوف عليه في نفس الوقت (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من وقت ليمينه يحنث بخروج الوقت لعدم وجود المخالف. ¬
[221/ 6] الأسماء التيى لها مسمى لغوي واحد تصرف اليمين إلى مسماه
[221/ 6] الأسماء التيى لها مسمى لغوي واحد تصرف اليمين إلى مسماه • المراد بالمسألة: أن الأسماء التي لها مسمى واحد، كالرجل والمرأة والإنسان والحيوان، فهذه تصرف اليمين إلى مسماه فلو حلف أن لا يأكل لحمًا، ولم يرد لحمًا بعينه، فأكل من لحم الأنعام أو الصيد أو الطائر، فإنه يحنث، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ما له مسمى واحد كالرجل والمرأة والإنسان والحيوان فهذا تنصرف اليمين إلى مسماه بغير خلاف) (¬1). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (والأَسماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام: شرعية، وحقيقية، وعرفية) ماله مسمى واحد كالرجل والمرأة، تنصرف اليمين إلى مسماه بغير خلاف) (¬2). البهوتي (1051 هـ) حيث قال: (فإن لم تختلف بأن لم يكن له إلا مسمى واحد كسماء وأرض ورجل وإنسان ونحوها انصرف اليمين إلى مسماه بلا خلاف) (¬3). الرحيباني (1243 هـ) حيث قال: (الأسماء (شرعي فعرفي فلغوي) فإن لم تختلف بأن لم يكن له إلا مسمى واحد كسماء وأرض ورجل وإنسان ونحوها انصرف اليمين إلى مسماه بلا خلاف) (¬4). • مستند الإجماع: لأن الأسماء التي لها مسمى لغوي واحد فهي لا تحتاج التأويل ولا تحتمل الشك، لذلك فهي صريحة في صرف اليمين إلى مسماه (¬5). ¬
[222/ 6] انصراف اليمين في الأسماء التي لها موضوع شرعى ولغوي إلى الشرعي دون اللغوي
• الموافقون على نقل الإجماع: الحنابلة (¬1).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الأسماء التي لها مسمى لغوي واحد تصرف اليمين إلى مسماه وذلك لعدم وجود المخالف. [222/ 6] انصراف اليمين في الأسماء التي لها موضوع شرعى ولغوي إلى الشرعي دون اللغوي • المراد بالمسألة: أن الأسماء التي لها موضوع شرعي وموضوع لغوي إلى كالوضوء والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة والبيع ونحو ذلك، فهذا تنصرف اليمين عند الإطلاق إلى موضوعه الشرعي دون اللغوي، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (والتي لها موضوع شرعي وموضوع لغوي كالوضوء والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة والبيع ونحو ذلك فهذا تنصرف اليمين عند الإطلاق إلى موضوعه الشرعي دون اللغوي لا نعلم فيه أيضًا خلافًا) (¬2). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (وماله موضوع شرعي، وموضوع لغوي، كالوضوء، فتنصرف اليمين إلى الموضوع الشرير عند الإطلاق، لا نعلم فيه خلافًا) (¬3). • مستند الإجماع: لأن المتبادر للفهم عند الإطلاق -هو الموضوع الشرعي- ولذلك حُمِلَ عليه كلام الشارع حيث لا صارف له (¬4). ¬
[223/ 6]: اشتراط الاتصال في الاستثناء في اليمين
• الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والشوكاني (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على انصراف اليمين في الأسماء التي لها موضوع شرعي ولغوي إلى الشرعي دون اللغوي وذلك لعدم وجود المخالف. [223/ 6]: اشتراط الاتصال في الاستثناء في اليمين • المراد بالمسألة: أن الاستثناء الذي يحل اليمين يجب أن يكون متصلا باليمين، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: سفيان الثوري (161 هـ) حيث قال: (إن اتصل الكلام فله استثناؤه، وإن قطعه وسكت ثم استثنى، فلا استثناء له، والناس عليه) (¬4). أبو عيسى الترمذي (279 هـ) حيث قال: (والعملُ على هذا عند أكْثرَ أهلِ العلمِ مِن أصحابِ النبيِّ وغيرِهم ولا نعلم لهم مخالفًا أنَّ الاستثناءَ إذا كانَ موصولًا باليمينِ فلا حِنْثَ عليهِ، وهو قولُ سفيانَ الثوريِّ والأوزاعيِّ ومالكِ بن أنسٍ وعبدِ اللَّه بنِ المباركِ والشافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ) (¬5). الخطابي (338 هـ) حيث قال: الم يختلف العلماء في أن استثناءه إذا كان متصلًا بيمينه، فإنه لا يلزمه كفارة) (¬6). ¬
ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن الاستثناء إن كان في نسق الكلام دون انقطاع بين في اليمين باللَّه، أنه جائز) (¬1). وقال في موضع آخر: (وأجمع العلماء على أن الحالف إذا وصل يمينه باللَّه باستثناء، وقال إن شاء اللَّه، فقد ارتفع الحنث عليه، ولا كفارة عليه لو حنث) (¬2). البزدوي (482 هـ) حيث قال: (الاستثناء: إنما يصح ذلك موصولًا، ولا يصح مفصولًا، على هذا أجمع الفقهاء) (¬3). الحسين بن مسعود البغوي (516 هـ) حيث قال: (والعمل عند عامة أهل العلم أن الاستثناء إذا كان موصولا باليمين، فلا حنث عليه) (¬4). ابن رشد (520 هـ) حيث قال: (ويسقط الكفارة -عمن حلف بهذه اليمين فحنث فيها- الاستثناء بمشيئة اللَّه تعالى، إذا وصل ذلك بآخر كلامه، وقصد به حل يمينه، بإجماع أهل العلم) (¬5). النووي (676 هـ) حيث قال: (والعمل على هذا عند عامة أصحاب العلم: أن الاستثناء إذا كان موصولًا باليمين، فلا حنث عليه) (¬6). وقال في موضع آخر: الا اختلاف بين أحد من أهل العلم في أن الاستثناء لا بد أن يكون موصولًا باليمين) (¬7). الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (أجمع المسلمون على أن قوله إن شاء اللَّه يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلًا) (¬8). القنوجي (1357) حيث قال: (وعلى هذا أهل العلم أن الاستثناء إذا ¬
كان موصولًا باليمين فلا حنث عليه) (¬1). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)} [ص: 44]. وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)} [الكهف: 24]. • وجه الدلالة: في الآيات دليل على أن الاستثناء في اليمين لا يرفع حكمًا إذا كان متراخيًا (¬2). ما روي عن أبي هريرةَ، أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن حَلَفَ فقال إنْ شَاءَ اللَّه لَمْ يحنَثْ" (¬3). ما روي عن عبد اللَّه بن عمر قال، أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى" (¬4). . وكذلك ما روي عن أبي هريرةَ، أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إِنَّ شَاءَ اللَّهُ، فَلَهُ ثُنْيَاهُ" (¬5). . وما روي عن عبد اللَّه بن عمر، أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن حَلَفَ على يمينٍ فقالَ إنْ شَاءَ اللَّه، فَلَا حِنْثَ عليهِ" (¬6). • وجه الدلالة: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- رتب الاستثناء بعد الحلف بحرف الفاء الموجبة للتعقيب والفور، فدل ذلك على أن من وصل يمينه بالاستثناء فلا ¬
[224/ 6]: اشتراط التلفظ بالاستثناء
كفارة عليه (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والشوكاني (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على اشتراط الاتصال في الاستثناء لعدم وجود المخالف. [224/ 6]: اشتراط التلفظ بالاستثناء • المراد بالمسألة: إذا أراد الحالف أن يستثني من حلفه فعليه أن يستثني بلسانه ولا يكفيه الاستثناء بالقلب، وقد نقل نفي الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ويشترط أن يستثني بلسانه ولا ينفعه الاستثناء بالقلب في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وابن المنذر ولا نعلم لهم مخالفًا) (¬7). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (الاستثناء لا يكون إلَّا باللفظ، ولا يكفي فيه النية، وهو قول الأئمة الأربعة والعلماء كافة) (¬8). الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (وفي قوله (فقل: إن شاء اللَّه) دليل ¬
على أنه لا يكفي في الاستثناء النية، وهو قول كافة العلماء) (¬1). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (ويشترط أن يستثنن بلسانه، ولا ينفعه الاستثناء بالقلب، في قول عامة أهل العلم. . . ولا نعلم فيه مخالفا) (¬2). أبو عبد اللَّه المواق (897 هـ) حيث قال: (وإن حدثت له نية الاستثناء قبل تمام لفظه باليمين أو بعد إلا أنه لم يصمت حتى وصل بها الاستثناء أجزاه. . . . وقد أجمعوا على ذلك) (¬3). • مستند نفي الخلاف: ما روي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: قَالَ سُلَيْمَانُ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلٌّ تَلِدُ غُلَامًا يُقَاتِلُ في سَبِيلِ اللَّه. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ -قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِى الْمَلَكَ- قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَنَسِيَ، فَطَافَ بِهِنَّ، فَلَمْ تَأْتِ امْرَأَة مِنْهُنَّ بِوَلَدٍ، إِلَّا وَاحِدَةٌ بِشِقِّ غُلَامٍ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ قَالَ: "لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكًا في حَاجَتِهِ". وَقَالَ مَرَّةً قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- "لَوِ اسْتَثْنَى" (¬4). ما روي عن عن أبي هريرةَ، أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن حَلَفَ فقال إنْ شَاءَ اللَّه لَمْ يحنَثْ" (¬5). وما روي عن عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
[225/ 6]: يجوز للقاضي تغليظ اليمين
قال: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى" (¬1). ما روي عن أبي هريرة قال، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَهُ ثُنْيَاهُ" (¬2). . وما روي عن عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن حَلَفَ على يمين فقالَ إنْ شَاءَ اللَّه، فَلَا حِنْثَ عليهِ" (¬3). • وجه الدلالة: أن القول هو النطق، ولأن اليمين لا تنعقد بالنية فكذلك الاستثناء (¬4). • الموافقون على نفي الخلاف: الأحناف (¬5)، المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8) والشوكاني (¬9).Rصحة ما نقل من الإجماع على اشتراط التلفظ بالاستثناء في اليمين وذلك لعدم وجود المخالف. [225/ 6]: يجوز للقاضي تغليظ اليمين • المراد بالمسألة: أن القاضي له أن يغلظ اليمين على من وجبت عليه اليمين أمامه سواء بالزمان أو المكان أو الألفاظ، وقد نقل الإجماع ¬
على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وعلى كل حال فلا خلاف بين أهل العلم في أن التغليظ بالزمان والمكان والألفاظ غير واجب إلا أن ابن الصباغ ذكر أن في وجوب التغليظ بالمكان قولين للشافعي وخالفه ابن القاص. فقال: لا خلاف بين أهل العلم في أن القاضي حيث استحلف المدّعى عليه في عمله وبلد قضائه جاز وإنما التغليظ بالمكان فيه اختيار فيكون التغليظ عند من رآه اختيارًا واستحسانًا) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة على يمين آثمة ولو على سواك رطبة إلا وجبت له النار" (¬2). ما روي عن جابر بن عبد اللَّه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَيُّمَا امْرِيءٍ مِنَ النّاسِ حَلَفَ عِنْدَ مِنْبَرِي هذَا عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا حَقَّ مُسْلِمٍ أَدْخَلَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ النَّارَ وَإِنْ عَلَى سِوَاكٍ أخْضَرَ" (¬3). عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثلاثةٌ لا يُكلمهمُ اللَّهُ ولا ينظُرُ إليهم ولا يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليم: رجُلٌ على فضلِ ماءٍ بطَريقٍ يَمنعُ منهُ ابنَ السبيلِ، ورجلٌ بايَعَ رجلًا لا يُبايعُهُ إلا للدُّنيا، فإن أعطاهُ ما يُريدُ وَفى لهُ وإلَّا لم يَفِ له. ورجلٌ ساوم رجلًا بِسلْعةٍ بعدَ العصر فحَلفَ ¬
[226/ 6]: اشتراط النية في الاستثناء
باللَّه لقد أَعطَى بها كذا وكذا فأخذها" (¬1). • وجه الدلالة: في الأحاديث دلالة واضحة على جواز التغليظ في اليمين سواء بالزمان أو بالمكان (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن للقاضي أن يغلظ اليمين وذلك لعدم وجود المخالف. [226/ 6]: اشتراط النية في الاستثناء • المراد بالمسألة: أن الاستثناء لا يصح ما لم ينو الحالف ويعقد العزم على أن يستثني بما تلفظ به، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من حلف باسم من أسماء اللَّه عز وجل. . . .، ثم قال بلسانه: إن شاء اللَّه، أو إلا أن يشاء اللَّه، أو نحو ذلك، متصلًا بيمينه، ونوى في حين لفظه أن يستثني قبل تمام لفظه باليمين، أنه كفارة، وأنه لا يحنث إن خالف ما حلف عليه متعمدًا أو غير متعمد) (¬7). ¬
ابن رشد (520 هـ) حيث قال: (وإن قول الرجل: إذا حلف وقال: إن شاء اللَّه لا يكون استثناء إلا أن ينوي به الاستثناء، ويقصد به إلى حل اليمين صحيح، ليس مما يختلف فيه) (¬1). أبو العباس القرطبي (656 هـ) حيث قال: (اليمين باللَّه تعالى إذا قرن بها "إن شاء اللَّه" لفظًا منويًا، لم يلزم الوفاء بها، ولا يقع الحنث فيها، ولا خلاف في ذلك) (¬2). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن من قال: لا أفعل كذا إن شاء اللَّه، إذا قصد به التبرك فقط، ففعل يحنث، وإن قصد الاستئناء فلا حنث) (¬3). • مستند الإجماع: أن اليمين ينعقد في حق صاحبة بانعقاد العزم، فكذلك الاستثناء لا يصح ما لم ينو الحالف ويعقد العزم على أن يستثني بما تلفظ به (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والشوكاني (¬9). ¬
[227/ 6]: من حلف بالقرآن والإنجيل والتوراة في كلمة واحدة فحنث فعليه كفارة واحدة
Rصحة ما نقل من الإجماع على اشتراط النية في الاستثناء وذلك لعدم وجود المخالف. [227/ 6]: من حلف بالقرآن والإنجيل والتوراة في كلمة واحدة فحنث فعليه كفارة واحدة • المراد بالمسألة: أن من حلف فقال ورب التوراة والإنجيل والقرآن لا أفعل كذا، أو أفعل كذا، فحنث، فعليه كفارة واحدة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (من حلف بالقرآن والتوراة والإنجيل في كلمة واحدة فعليه كفارة واحدة بلا خلاف (¬1). أبو عبد اللَّه المواق (897 هـ) حيث قال: (وكذلك لو حلف بالقرآن والتوراة والإنجيل في كلمة واحدة فإنما عليه كفارة واحدة لأن ذلك كلام اللَّه سبحانه وهو صفة من صفات ذاته فكأنه حلف بصفة واحدة فعليه كفارة واحدة باتفاق) (¬2). محمد عليش (1299 هـ) حيث قال: (قوله والقرآن والتوراة والإنجيل قطع هنا بعدم التعدد. . . لأن ذلك كله كلام اللَّه عز وجل، وهو صفة من صفات ذاته، فكأنه حلف بصفة واحدة فعليه كفارة واحدة باتفاق) (¬3). • مستند الإجماع: لأن ذلك كلام اللَّه سبحانه وهو صفة من صفات ذاته فكأنه حلف بصفة واحدة فعليه كفارة واحدة (¬4). ¬
[228/ 6]: عدم جواز الحلف بالآباء
• الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف بالقرآن والإنجيل والتوراة بكلمة واحدة فحنث فعليه كفارة واحدة وذلك لعدم وجود المخالف. [228/ 6]: عدم جواز الحلف بالآباء • المقصود بالمسألة: أن الحلف بالآباء أو بحق زيد أو عمرو، وكذلك الأشراف والرؤساء والسلاطين وحياتهم ونعمهم، إثم ولا يجوز، وليس فيه كفارة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من حلف ممن ذكرنا بحق زيد أو بحق عمرو أو بحق أبيه، أنه آثم لا كفارة عليه) (¬3). ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (فأما الحلف بالمخلوقات كالحلف بالكعبة أو قبر الشيخ أو بنعمة السلطان أو بالسيف أو بجاه أحد من المخلوقين، فما أعلم بين العلماء خلافًا أن هذه اليمين مكروهه منهي عنها وأن الحلف بها لا يوجب حنثا ولا كفارة) (¬4). أبو العباس القرطبي (656 هـ) حيث قال: (وأما الحلف بالآباء والأشراف ورؤوس السلاطين وحياتهم ونعمهم، وما شاكل ذلك لا ينبغي أن يختلف في تحريمه) (¬5). • مستند الإجماع: ما روي عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ ¬
لحْلِقُوا بِآبَائِكُمْ" قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْهَا، ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا (¬1). ما روي عن عبد اللَّه، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب، وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: "أَلَا إِنَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ" (¬2). ما روي عن عبد اللَّه بن المبارك أنه سمع عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلا بِاللَّهِ"، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا، فَقَالَ: "لَا تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ" (¬3). ما روي عن أبي هريرة أنه قال، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ، فَقَالَ في حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ، فَلْيَقُلْ: لَا إلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ" (¬4). . وما روي عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول اللَّه: "لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِيت وَلَا بِآبائِكُمْ" (¬5). . وعن عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من حلف بغيرِ اللَّه، فقالَ ¬
[229/ 6]: من حلف أن لا يأكل شيئا فأكله بعد تغير صفته بما لا يزيل اسمه حنث
فِيه قولًا شديدًا" (¬1). • وجه الدلالة: الأحاديث دليل على النهي عن الحلف بغير اللَّه تعالى وهو للتحريم كما هو أصله. • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والشوكاني (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم جواز الحلف بالآباء وذلك لعدم وجود المخالف. [229/ 6]: من حلف أن لا يأكل شيئًا فأكله بعد تغير صفته بما لا يزيل اسمه حنث • المراد بالمسألة: إذا حلف رجلا أن لا يأكل لحما فأكله مطبوخ أو مشوي، فتغيرت صفة المحلوف عليه ولم يتغير اسمه، لأن المحلوف عليه لحما وبعد الشوي والطبخ تغيرت صفته إلا أن اسمه ما زال لحم، فالحالف يحنث إذا أكله، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إذا تغيرت صفته بما لم يزل اسمه كلحم شوي أو طبخ وعبد بيع ورجل مرض فإنه يحنث به بلا خلاف نعلمه) (¬7). ¬
[230/ 6]: تكرار صفات الله وأسمائه في القسم يمين واحد
• مستند الإجماع: أن الاسم الذي علق عليه اليمين لم يزل ولا زال التغير فحنث به كما لو لم يتغير حاله (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف أن لا يأكل شيئًا فأكله بعد تغير صفته بما لا يزيل اسمه حنث لعدم وجود المخالف. [230/ 6]: تكرار صفات اللَّه وأسمائه في القسم يمين واحد • المراد بالمسألة: أن من حلف على شيء أن يفعله، أو أن لا يفعله فيقول واللَّه اللَّه، أو واللَّه الرحمن الرحيم بدون إضافة حرف العطف، أنه إذا حنث عليه كفارة واحدة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (لا يختلفون فيمن قال: واللَّه العظيم الرحمن الرحيم، ونحو هذا من صفاته عز وجل، أنهما يمين واحدة) (¬3). الكاساني (587 هـ) حيث قال: (فإن ذكر اسم اللَّه تعالى ولم يذكر المقسم عليه حتى كرر اسم اللَّه تعالى ثم ذكر المقسم عليه، فإن لم يدخل بين الاسمين حرف العطف كان يمينًا واحدة بلا خلاف) (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (من حلف أيمانا كثيرة على شيء واحد، وحنث فعليه الكفارة، وهو قول ابن عمر وابن عباس، ولا يعرف لهما من الصحابة مخالف) (¬5). ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (وأما إذا لم تدخل على الاسم ¬
[231/ 6]: تقديم كفارة الظهار على الوطء
الثاني واو أصلا، كقولك: واللَّه اللَّه، وكقول: واللَّه الرحمن، فهو يمين واحدة اتفاقًا) (¬1). • مستند الإجماع: أنه لم يذكر حرف العطف، والثاني يصلح صفة للأول، فعلم أنه أراد به الصفة فيكون حالفًا بذات موصوف، لا باسم الذات على حدة وباسم الصفة على حدة والمتفق نحو أن يقول اللَّه واللَّه ما فعلت كذا، لأن الثاني لا يصلح نعتًا للأول ويصلح تكريرًا وتأكيدًا له فيكون يمينًا واحدة إلا أن ينوي به يمينين (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن تكرار صفات وأسماء اللَّه في القسم يمين واحد وذلك لعدم وجود المخالف. [231/ 6]: تقديم كفارة الظهار على الوطء • المراد بالمسألة: من ظاهر (¬7) زوجته، فيجب عليه أن يكفر قبل أن ¬
يطأها، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ومن حلف فهو مخير في الكفارة قبل الحنث وبعده وسواء كانت الكفارة صومًا أو غيره إلا في الظهار والحرام فعليه الكفارة قبل الحنث). الظهار والحرام شيء واحد وإنما عطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين ولا خلاف بين العلماء فيما علمناه في وجوب تقديم كفارته على الوطء). الماوردي (450 هـ) حيث قال: (أما وطء المظاهر قبل التكفير، فقد ذكرنا تحريمه بالنص والإجماع) (¬1). الزركشي (794 هـ) في قال: (أنه في جميع هذه الصور لا يطأ حتى يكفر، وكذلك في كل موضع حكم بظهاره فيه، وهو إجماع) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3 - 4]. • وجه الدلالة: أن قوله {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] دليل على وجوب تقدم الكفارة، لأن المس في عرف الشرع عبارة عن الوطء (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
[232/ 6]: نذر اللجاج والغضب يمين
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على تقديم كفارة الظهار على الوطء وذلك لعدم وجود المخالف. [232/ 6]: نذر اللجاج والغضب يمين • المراد بالمسألة: أن الغاضب واللجاج (¬3) إذا نذر أن يفعل أمرًا، فنذره يعد يمينًا، وهو مخير بين أن يفعل المنذور وبين كفارة اليمين يختار أيهما يشاء، وصورة نذر اللجاج والغاضب أن يقول: إن كلمت زيدًا فله علي الحج أو صدقة من مالي أو صوم سنة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وجملته: إذا أخرج النذر مخرج اليمين بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئًا أو يحث به على شيء مثله أن يقول: إن كلمت زيدًا فله علي الحج أو صدقة مالي أو صوم سنة فهذا يمين حكمه أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه فلا يلزمه شيء وبين أن يحنث فيتخير بين فعل المنذور وبين كفارة يمين، ويسمى نذر اللجاج والغضب ولا يتعين عليه الوفاء به، وهذا قول عمر وابن عباس وابن عمر وعائشة وحفصة وزينب بنت أبي سلمة. . . ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم) (¬4). • مستند الإجماع: ما روي عن عمران بن حصين عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه ¬
[233/ 6]: من حلف على شيء ثم حنث لزمته الكفارة
قال: "لا نذر في غضب، وكفارته كفارة اليمين" (¬1). وما روي عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من حلف بالمشى أو الهدي أو جعل ماله في سبيل اللَّه أو في المساكين أو في رتاج الكعبة فكفارته كفارة اليمين" (¬2). - أنه يمين يسمى بذلك ويسمى قائله حالفًا (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن نذر اللجاج والغضب يمين لعدم وجود المخالف. [233/ 6]: من حلف على شيء ثم حنث لزمته الكفارة • المراد بالمسألة: أن الحالف إذا حلف أن يفعل شيء فلم يفعله، أو حلف أن لا يفعل شيء ففعله، وجبت عليه الكفارة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وأما الأيمان، فمنها ما يكفر بإجماع ومنها ما لا كفارة فيه بإجماع، ومنها ما اختلف في ¬
الكفارة فيه فأما التي فيها الكفارة بإجماع من علماء المسلمين، فهي اليمين باللَّه على المستقبل من الأفعال، وهي تنقسم قسمين: أحدهما أن يحلف باللَّه ليفعلن ثم لا يفعل، والآخر أن يحلف أن لا يفعل في المستقبل أيضًا ثم يفعل) (¬1). محمد بن نصر المروزي (294 هـ) حث قال: (بعد أن نقل قول سفيان الثوري في باب اليمين أن الأيمان أربعة: اثنين تكفران وهو أن يقول الرجل واللَّه لا أفعل فيفعل، أو يقول ليفعلن فلا يفعل قال (المروزي): أما اليمينان الأوليان فلا اختلاف فيهما بين العلماء أنه على ما قال) (¬2) (¬3). ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث قال: (وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم: أن اليمين التي تجب بالحنث فيها الكفارة، تلزم بالحنث في حلف مرة واحدة) (¬4). ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن من قال، واللَّه أو تاللَّه فحنث، أن عليه كفارة) (¬5). وقال أيضًا: (وأجمعوا أن من حلف باسم من أسماء اللَّه تعالى ثم حنث عليه كفارة) (¬6). في موضع ثالث: (من حلف باسم من أسماء اللَّه تعالى، فحنث، فعليه كفارة. . . ولا أعلم في ذلك خلافًا) (¬7). ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث قال: (ومن حلف بما ذكرنا أن لا يفعل أمر كذا، أو أن يفعل أمر كذا، فإن وقت وقتًا، غدا أو يوم كذا، أو ¬
اليوم، أو في يوم يسميه، فإن مضى ذلك الوقت، ولم يفعل ما حلف أن يفعله فيه عامدا ذاكرا ليمينه، أو فعل ما حلف أن لا يفعله فيه عامدا ذاكرا ليمينه، فعليه كفارة اليمين، هذا ما لا خلاف فيه من أحد، وبه جاء القرآن والسنة) (¬1). وقال في موضع آخر: (من حنث بمخالفة ما حلف عليه، فقد وجبت عليه الكفارة بعد الحنث، لا خلاف في ذلك) (¬2). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال. (وأجمعوا على أن اليمين المنعقدة، هو أن يحلف على أمر في المستقبل، أن يفعله أو لا يفعله، فإذا حنث وجبت عليه الكفارة) (¬3). ابن رشد الحفيد (595 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن موجب الحنث هو المخالفة لما انعقدت عليه اليمين، وذلك إما بفعل ما حلف على ألا يفعله، وإما ترك ما حلف على فعله) (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (من حلف أن يفعل شيئا فلم يفعله، أو لا يفعل شيئًا ففعله، فعليس الكفارة، لا خلاف في هذا عند فقهاء الأمصار) (¬5). وقال في موضع آخر: (أجمع أهل العلم على أن من حلف باللَّه عز وجل فقال: واللَّه أو باللَّه أو تاللَّه، فحنث أن عليه الكفارة) (¬6). بهاء الدين المقدسي (624 هـ) حيث قال: (فإن حلف أن لا يفعل شيئًا ففعله، فقد حنث ولزمته الكفارة، وكذلك إن حلف ليفعله في وقت فلم يفعله فيه، كقوله لأصومن غدًا فلم يصم حنث، ولزمته الكفارة، لا خلاف في هذا بين علماء الأمصار) (¬7). ¬
أبو عباس القرطبي (656 هـ) حيث قال: (الكفارة واجبة على من حنث، ولا خلاف في ذلك) (¬1) أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) حيث قال: (وأجمع أهل العلم على أن من حلف فقال: واللَّه، أو باللَّه، أو تاللَّه، فحنث أن عليه كفارة) (¬2). النووي (676 هـ) حيث قال: (من حلف على فعل شيء أو تركه، وكان الحنث خيرا من التمادي استحب له الحنث، وتلزمه الكفارة، وهذا متفق عليه) (¬3). ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (الحلف باللَّه، فهذه يمين منعقدة، ومكفرة بالكتاب والسنة والإجماع) (¬4). وقال في موضع آخر: (فاليمين باللَّه مكفرة باتفاق العلماء) (¬5). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (فلو حلف أن يفعل معصية فلم يفعلها فعليه الكفارة، وهذا قول العامة) (¬6). وقال في موضع آخر: (لا نزاع أن الحلف باللَّه عز وجل يمين مكفرة) (¬7). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (ومتى حنث في اليمين المنعقدة فعليه الكفارة بالنص وإجماع الأمة) (¬8). المرداوي (855 هـ) حيث قال: (أن تكون اليمين منعقدة، وهي اليمين التي يمكن فيها البر والحنث، وذلك: كالحلف على مستقبل ممكن، بلا نزاع في ذلك في الجملة) (¬9). ابن النجار الفتوحي (972 هـ) حيث قال: وأما الإجماع فلا خلاف ¬
بين المسلمين أن يمين المكلف على مستقبل ممكن تجب الكفارة بالحنث فيها) (¬1). الزرقاني (1122 هـ) حيث قال: (تمسك بهذا الحديث من أوجب الكفارة على من حلف بصفة من صفات اللَّه تعالى، فحنث، ولا نزاع في أصل ذلك) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 89]. ما روي عن أبي هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ" (¬3). ما روي عن أبي بردة عن أبيه قال أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في رهط من الأشعريين استحمله فقال: "وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ". قَالَ ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَلْبَثَ، ثُمَّ أُتِيَ بِثَلَاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَحَمَلَنَا عَلَيْهَا فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا أَوْ قَالَ بَعْضُنَا وَاللَّهِ لَا يُبَارَكُ لنَا، أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَسْتَحْمِلُهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا ثُمَّ حَمَلَنَا، فَارْجِعُوا بِنَا إِلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَنُذَكِّرُهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ: "مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ". أَوْ "أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عن يميني" (¬4). ¬
[234/ 6]: عدم انعقاد اليمين على ما لا يملكه الحالف
• وجه الدلالة: وجوب الكفارة عن اليمين إن رأى المرء مخالفة ما أقسم عليه لكون خيرا منها. • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف فحنث لزمته كفارة وذلك لعدم وجود المخالف. [234/ 6]: عدم انعقاد اليمين على ما لا يملكه الحالف • المراد بالمسألة: أن الحالف إذا أقسم أنه إن فعل كذا فمال فلان صدقة، أو حلف على أنه إن لم يفعل كذا لمال فلان حرام عليه أو فلان برئ من الإسلام، فهذا ليس يمين ولا تجب فيه الكفارة، وقد نقل نفي الخلاف على ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فإن قال إن فعلت كذا فمال فلان صدقة أو فعلى فلان حجة أو فمال فلان حرام عليه أو هو بريء من الإسلام وأشباه هذا فليس ذلك بيمين ولا تجب به كفارة ولا نعلم بين أهل العلم فيه خلافًا) (¬6). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (إذا قال: إن فعلت كذا، فمال فلان صدقة، أو فعلى فلان الحج، أو هو بريء من الإسلام، وأشباه ذلك، فليس بيمين، ولا تجب به كفارة بغير خلاف نعلمه) (¬7). ¬
[235/ 6]: صيغة اليمين في الدعوى القضائية.
عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (إن قال إن فعلت كذا فمال فلان صدقة أو فعلى فلان حجة أو فمال فلان حرام عليه أو هو بريء من الإسلام وأشباه هذا فليس ذلك بيمين ولا تجب به كفارة ولا نعلم بين أهل العلم فيه خلافًا) (¬1). • مستند نفي الخلاف: لأنه لم يرد الشرع فيه بكفارة ولا هو في معنى ما ورد الشرع به، إذ لا يملك الإنسان أن يحلف على ما في يد غيره (¬2). • الموافقون على نفي الخلاف: الأحناف (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم انعقاد اليمين على ما لا يملكه الحالف وذلك لعدم وجود المخالف. [235/ 6]: صيغة اليمين في الدعوى القضائية. • المراد بالمسألة: صيغة اليمين: هي أن يحلف من يوجه له القاضي اليمين: باللَّه الذي لا إله إلا هو، وأقاويل فقهاء الأمصار في صفتها متقاربة (¬5)، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن من حلف في جامع بلده -قائمًا حاسرا مستقبل القبلة بأمر الحاكم الذي يجوز ¬
حكمه- باللَّه الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية على البت، فإنها يمين ينقطع بها عنه الطلب) (¬1). ابن رشد الحفيد (595 هـ) حيث قال: (وكلهم مجمعون على أن اليمين التي تسقط الدعوى أو تثبتها هي اليمين باللَّه، الذي لا إله إلا هو) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عن ابن عباس: "أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَسَأَلَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الطَّالِبَ الْبَيِّنَةَ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَة، فاسْتَحْلَفَ المَطْلُوبَ، فَحَلَفَ باللَّه الَّذِي لَا إلهَ إلَّا هُوَ، فقالَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: بَلَى قَدْ فَعَلْتَ وَلَكِنْ قَدْ غُفِرَ لَكَ بإِخْلَاصِ قَوْلِ لَا إلهَ إلَّا اللَّه" (¬3). ما روي عن ابن عباس: "أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ -يَعني لِرَجُل حَلَّفَهُ: احْلِفْ باللَّه الَّذِي لا إلهَ إلَّا هُوَ مَا لَهُ عِنْدَكَ شَيءٌ -يَعني المُدَّعِي" (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، ¬
[236/ 6]: الحلف بالمخلوق لا يعد يمينا وإن نوى رب المخلوق.
وبعض الحنابلة (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة بعض الحنابلة، حيث يرون أن اليمين باللَّه فقط تجزأ، فقال ابن قدامة: واليمين التي يبرأ بها المطلوب هي اليمين باللَّه وإن كان الحالف كافرًا. وجملته: أن اليمين المشروعة في الحقوق التي يبرأ بها المطلوب هي اليمين باللَّه في قول عامة أهل العلم إلا أن مالكًا أحب أن يحلف باللَّه الذي لا إله إلا هو، وإن استحلف حاكم باللَّه أجزأ (¬2). • دليل هذا القول: قول اللَّه تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} [المائدة: 106]. وقال تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} [المائدة: 107]. وقال تعالى في اللعان: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)} [النور: 6]. وقال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [النور: 53]. • وجه الدلالة: دلت الآيات على أن من أقسم باللَّه فقد أقسم جهد اليمين (¬3).Rعدم صحة ما نقل من الإجماع على صيغة اليمين وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [236/ 6]: الحلف بالمخلوق لا يعد يمينًا وإن نوى رب المخلوق. • المراد بالمسألة: أن من حلف بمخلوق من مخلوقات اللَّه تعالى كالطور، والسماء، والطارق، والنجم الثاقب، وما شابه، ثم قال إنما نويت رب الطور، ورب السماء إلى آخره، فإن ذلك لا يعد يمينًا، وقد ¬
نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (لا ينبغي لأحد أن يحلف بغير اللَّه، لا بهذه الأقسام ولا غيرها، وقد انعقد إجماع العلماء على أن من وجبت له يمين على آخر في حق قِبَلَهُ، أنه لا يحلف له إلا باللَّه، ولو حلف له بالنجم والسماء والطارق، وقال نويت رب ذلك، لم يكن له عندهم يمينًا) (¬1). ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (وقد أجمع العلماء على من وجبت له يمين على آخر في حق عليه أنه لا يحلف له إلا باللَّه فلو حلف له بغيره وقال نويت رب المحلوف به لم يكن ذلك يمينا) (¬2). • مستند الإجماع: ما رواه ابن جرير عن ابن أبي مليكة أنه سمع ابن الزبير يقول: سمعني عمر رضي اللَّه تعالى عنه، أحلف بالكعبة فنهاني، وقال: لو تقدمت إليك لعاقبتك. • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الحلف بالمخلوق لا يعد يمنيًا وإن نوى رب المخلوق رب المخلوق وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[237/ 6]: من حلف على يمين فرأى غيرها خير منها يستحب له الرجوع عنها
[237/ 6]: من حلف على يمين فرأى غيرها خير منها يستحب له الرجوع عنها • المراد بالمسألة: من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرًا منها، يستحب له أن يحنث في يمينه، وتلزمه الكفارة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (وفي هذا الحديث: دلالة على أن من حلف على فعل شيء أو تركه وكان الحنث خيرًا من التمادي على اليمين استحب له الحنث، وتلزمه الكفارة وهذا متفق عليه) (¬1). النووي (676 هـ) في قال: (من حلف على فعل شيء أو تركه وكان الحنث خيرًا من التمادي على اليمين استحب له الحنث وتلزمه الكفارة وهذا متفق عليه) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عن أبي هريرة أنه قال، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأَتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفرْ عَنْ يَمِينِهِ" (¬3). ما روي عن أبي بردة عن أبيه قال أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في رهط من الأشعريين استحمله فقال "وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ". قَالَ ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَلْبَثَ، ثُمَّ أُتِيَ بِثَلَاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَحَمَلَنَا عَلَيْهَا فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا أَوْ قَالَ بَعْضُنَا وَاللَّهِ لَا يُبَارَكُ لَنَا، أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَسْتَحْمِلُهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا ثُمَّ حَمَلَنَا، فَارْجِعُوا بِنَا إِلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَنُذَكِّرُهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ "مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا كَفرْتُ عَنْ يَمِينِي، ¬
[238/ 6]: لا يحنث من حلف ألا يأكل رطبا فأكل تمرا أو بلحا
وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ". أَوْ "أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي" (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها يستحب له الرجوع عنها وذلك لعدم وجود المخالف. [238/ 6]: لا يحنث من حلف ألا يأكل رطبا فأكل تمرًا أو بلحًا • المراد بالمسألة: أن من حلف لا يأكل رطبًا لم يحنث إذا أكل تمرًا أو بسرًا (¬6) أو بلحًا (¬7) أو كل ما لا يسمى رطبًا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإذا حلف لا يأكل رطبًا لم يحنث إذا أكل تمرًا ولا بسرًا ولا بلحًا ولا سائر ما لا يسمى رطبًا وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافًا) (¬8). ¬
[239/ 6]: لا يحنث من حلف ألا يأكل فاكهة فأكل زبيبا أو تمرا أو حب الرمان
• مستند الإجماع: أن من حلف لا يأكل رطبًا لم يحنث إذا أكل تمرًا ولا بسرًا ولا بلحًا ولا سائر ما لا يسمى رطبًا، لأنه لم يأكل المحلوف عليه (¬1). أن مبنى الأيمان على العرف والعادة، وفي العرف الرطب غير التمر، فلا يحنث بأكله (¬2). أنه لم يحنث لمفارقته لهما في الاسم والصفة. فلو حلف لا يأكل تمرًا، فأكل رطبًا أو بسرًا، لم يحنث لمفارقته لهما في الاسم والصفة (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه لا يحنث من حلف لا يأكل رطبا فأكل تمرًا أو بلحًا وذلك لعدم وجود المخالف. [239/ 6]: لا يحنث من حلف ألا يأكل فاكهة فأكل زبيبا أو تمرا أو حب الرمان • المراد بالمسألة: أن من حلف لا يأكل فاكهة فإنه لا يحنث إذا أكل زبيبا أو تمرا أو حب الرمان، أو جميعهم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث قال: (ولو حلف لا يأكل ¬
فاكهة فأكل تفاحًا أو سفرجلًا أو كمثري أو خوخًا أو تينًا أو أجاصًا أو مشمشًا أو بطيخًا حنث، وإن أكل قثاءً أو خيارًا أو جزرًا لا يحنث، ولو أكل زبيبًا أو حبَّ الرمان أو تمرًا لا يحنث بالإجماع) (¬1). ابن نجيم (970 هـ) حيث قال: (لو حلف لا يأكل فاكهة فأكل زبيبًا أو تمرًا أو حب الرمان لا يحنث بالإجماع) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرحمن: 67 - 68]. وقوله تعالى: {وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)} [عبس: 28 - 31]. • وجه الدلالة: أنه جل وعلا تارة عطف الفاكهة على هذه الأشياء، وتارة عطف هذه الأشياء على الفاكهة، والشيء لا يعطف على نفسه مع أنه مذكور في موضع المنة ولا يليق بالحكمة ذكر الشيء الواحد في موضع المنة بلفظين ثم الاسم مشتق من التفكه وهو التنعم قال اللَّه تعالى: {انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين: 31] أي متنعمين وذلك معنى زائد على ما به القوام والبقاء والعنب والرطب يتعلق بهما القوام وقد يجتزئ بهما في بعض المواضع والرمان كذلك في الأدوية فلا يتناولها مطلق اسم الفاكهة (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: بعض الأحناف (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة بعض الأحناف (¬5) والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7)، حيث يرون أن من حلف ألا يأكل فاكهة فأكل ¬
[240/ 6]: لا كفارة على من حلف صادقا
زبيبا أو تمرا أو حب الرمان فإنه يحنث. • دليل هذا القول: قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 67، 68]. وقوله تعالى: {وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 28 - 31]. • وجه الدلالة: أنه سبحانه ذكرهما بعد ذكر الفاكهة من قبيل عطف الخاص على العام (¬1). لأن الفاكهة ما يؤكل على سبيل التفكه وهو التنعم وهذه الأشياء أكمل ما يكون من ذلك ومطلق الاسم يتناول الكامل وكذلك الفاكهة مما يقدم بين يدي الضيفان للتفكه به لا للشبع، والرمان والرطب من أنفس ذلك كالتين (¬2).Rعدم صحة ما نقل من الإجماع على أنه لا يحنث من حلف ألا يأكل فاكهة فأكل زبيبا أو تمرا أو حب الرمان وذلك لوجود المخالف. [240/ 6]: لا كفارة على من حلف صادقًا • المراد بالمسألة: أن من حلف على شيء ماضي، وهو صادق في يمينه، فلا كفارة عليه في ذلك، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وفي الجملة لا كفارة في يمين على ماضي، لأنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، ما هو صادق فلا كفارة فيه إجماعًا) (¬3). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (اليمين على ماضي إما صادقا فهو بار إجماعًا، وإما كاذبًا فيها متعمدًا فهي اليمين الغموس) (¬4). الشربيني (977 هـ) حيث قال: (وتصح اليمين على ماض كواللَّه ما ¬
[241/ 6]: من حلف يمينا واحدة على أجناس مختلفة فحنث فعليه كفارة واحدة
فعلت كذا، أو فعلته بالإجماع) (¬1). ابن حجر (974 هـ) حيث قال: (وَتَصِحُّ) الْيَمِينُ (عَلَى مَاضٍ) كَمَا فَعَلْت كَذَا أَوْ فَعَلْته إجْمَاعًا) (¬2). • مستند الإجماع: أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جعلَ اليمينَ على المدَّعى عليه، ولا يجوزُ أن يُجعلَ اليمينُ عليه إلا وهو صادِقٌ، فدلَّ على أنه يجوزُ أن يحلِفَ على ما هو صادِقٌ فيه (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه لا كفارة على من حلف صادقا وذلك لعدم وجود المخالف. [241/ 6]: من حلف يمينا واحدة على أجناس مختلفة فحنث فعليه كفارة واحدة • المراد بالمسألة: من حلف يمينًا واحدة على أجناس مختلفة فقال: واللَّه لا أكلت، ولا شربت ولا لبست فحنث في الجميع فكفارة واحدة، ¬
[242/ 6]: من حلف ألا يأكل طعاما ولا يشرب شرابا فذاق شيئا من ذلك ولم يدخل حلقة فلا يحنث
وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإذا حلف يمينًا واحدة على أجناس مختلفة فقال: واللَّه لا أكلت ولا شربت ولا لبست فحنث في الجميع فكفارة واحدة لا أعلم فيه خلافًا لأنَّ اليمين واحدة) (¬1). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (إذا حلف يمينًا واحدة على أجناس مختلفة فقال: واللَّه لا أكلت ولا شربت ولا لبست فحنث في الجميع فكفارة واحدة لا أعلم فيه خلافًا) (¬2). • مستند الإجماع: لأنَّ اليمين واحدة، ولذلك يجب أن تكون الكفارة واحدة، حيث لا يجوز تكفير يمين واحد أكثر من مرة (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف يمينًا واحدة على أجناس مختلفة فحنث فعليه كفارة واحدة لعدم وجود المخالف. [242/ 6]: من حلف ألا يأكل طعاما ولا يشرب شرابا فذاق شيئا من ذلك ولم يدخل حلقة فلا يحنث • المراد بالمسألة: من حلف أن لا يأكل طعاما، ولا يشرب شرابا، فذاق شيئا من ذلك، ولم يدخل حلقه، فلا يحنث ولا كفارة عليه وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
[243/ 6]: من حلف أيمانا على أجناس فحنث في واحدة منها فعليه كفارة فإن أخرجها ثم حنث في الأخرى لزمته كفارة أخرى
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن من حلف أن لا يأكل طعاما، ولا يشرب شرابا، فذاق شيئا من ذلك، ولم يدخل حلقه، أنه لا يحنث) (¬1). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (وإن ذاق، ولم يبلعه، لم يحنث في قولهم جميعًا، لأنه ليس بأكل ولا شرب بدليل أن الصائم لا يفطر به) (¬2). • مستند الإجماع: أن الأكل لا يتحقق إلا بدخول الطعام إلى الجوف، وإذا لم يدخل الحلق يعني أنه لم يدخل الجوف، فلا يحنث (¬3). ولأنه ليس بأكل ولا شرب بدليل أن الصائم لا يفطر به (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف ألا يأكل طعامًا ولا يشرب شرابًا فذاق شيئا من ذلك ولم دخل حلقه فلا يحنث وذلك لعدم وجود المخالف. [243/ 6]: من حلف أيمانًا على أجناس فحنث في واحدة منها فعليه كفارة فإن أخرجها ثم حنث في الأخرى لزمته كفارة أخرى • المراد بالمسألة: أن من قال واللَّه لا أكلت، واللَّه لا شربت، واللَّه لا لبست، واللَّه لا تزوجت، فإن حنث في واحدة لزمته كفارة، فإن أخرجها وحنث في أخرى لزمته كفارة أخرى، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن حلف أيمانًا على أجناس فقال واللَّه لا أكلت واللَّه لا شربت واللَّه لا لبست فحنث في ¬
وحدة منها فعليه كفارة فإن أخرجها ثم حنث في يمين أخرى لزمته كفارة أخرى لا نعلم في هذا أيضًا خلافًا) (¬1). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (وإن حلف أيمانًا على أجناس فقال واللَّه لا أكلت واللَّه لا شربت واللَّه لا لبست فحنث في وحدة منها فعليه كفارة فإن أخرجها ثم حنث في يمين أخرى لزمته كفارة أخرى لا نعلم في هذا خلافًا) (¬2). • مستند الإجماع: لأن الحنث في الثانية تجب به الكفارة بعد أن كفر عن الأولى فأشبه ما لو وطئ في رمضان فكفر ثم وطئ مرة أخرى فإن حنث في الجميع قبل التكفير فعليه في كل يمين كفارة (¬3). أنهن أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى فلم تتكفر إحداهما بكفارة الأخرى كما لو كفر عن إحداهما قبل الحنث في الأخرى وكالأيمان المختلفة الكفارة، وبهذا فارق الأيمان على شيء واحد فإنه متى حنث في إحداهما كان حانثًا في الأخرى، فإن كان الحنث واحدًا كانت الكفارة واحدة وهاهنا تعدد الحنث فتعددت الكفارات (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة عدد من العلماء، حيث يرون ¬
[244/ 6]: من حلف بالكفر إن فعل كذا فلا تعتبر يمين ولا يكفر إن حنث
أن كفارة واحدة تجزئ جميع الأيمان، وقد نقل ابن قدامة ذلك فقال: وقال أبو بكر: تجزئة كفارة واحدة ورواها ابن منصور عن أحمد، قال القاضي: وهي الصحيحة، وقال أبو بكر: ما نقله المروذي عن أحمد قول لأبي عبد اللَّه ومذهبه أن كفارة واحدة تجزئة وهو قول إسحاق (¬1). • دليل هذا القول: القياس، حيث استند أصحاب هذا الرأي إلى القياس على الحدود: لأنها كفارات من جنس فتداخلت كالحدود من جنس، وإن اختلفت محالها بأن يسرق من جماعة أو يزني بنساء (¬2).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن من حلف أيمانًا على أجناس فحنث في واحدة منها فعليه كفارة فإن أخرجها ثم حنث في الأخرى لزمته كفارة أخرى، وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [244/ 6]: من حلف بالكفر إن فعل كذا فلا تعتبر يمين ولا يكفر إن حنث • المراد بالمسألة: أن من حلف فقال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم تنعقد يمينه، ولا يكفر بها، وعليه أن يستغفر اللَّه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (وقد اتفق المسلمون على أنه من حلف بالكفر والإسلام أنه لا يلزمه كفر ولا إسلام) (¬3). ابن القيم (752 هـ) حيث قال: (وقد اتفق الناس على أنه لو قال: "إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني" فحنث أن لا يَكْفُر بذلك إن قَصَد اليمين، لأن قصد اليمين مَنَع من الكفر) (¬4). ¬
• مستند الإجماع: ما روي بُرَيْدة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من حلفَ أَنه بريءٌ من الإسلام فإن كانَ كاذِبًا فقد قالَ، وإن كانَ صادِقًا فلم يرجع إلى الإِسلامِ سَالِمًا" (¬1). • وجه الدلالة: لأنه يمين بمحدث فلم ينعقد كاليمين بالمخلوقات (¬2). أن قصد اليمين مَنَع من الكفر، فالحالف لم يقصد الإسلام أو الكفر أو البراء من اللَّه أو من الإسلام إنما قصد اليمين (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الأحناف حيث يرون أن الحلف بالكفر يعد يمين، حيث قال الميداني: وإن قال إن فعلت كذا فأنا يهوديٌّ أو نصرانيٌّ أو كافرٌ فهو يمينٌ (¬7). حَتَّى إذَا حَنِثَ فِي ذَلِكَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَذَا إذَا قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَكَذَا إذَا قَالَ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الْقِبْلَةِ أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ ¬
[245/ 6]: يمين اللغو لا كفارة فيها
شَهْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ يَمِينٌ (¬1). • دليل هذا القول: القياس على الظهار، فإنها تجب الكفارة على المظاهر مع أن الظهار منكر من القول وزور كما قال اللَّه تعالى والحلف بهذه الأشياء منكر فتجب به الكفارة (¬2).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن من حلف بالكفر إن فعل كذا فلا يعد يمين ولا يكفر إن حنث لوجود الخلاف في المسألة. [245/ 6]: يمين اللغو لا كفارة فيها • المراد بالمسألة: أن الأيمان التي تجرى على اللسان بلا قصد مثل بلى واللَّه، لا واللَّه، لا كفارة فيه، لأن الحالف لم يعقد الأيمان عليها، وإنما هو سبق اللسان باليمين من غير قصد ولا اعتقاد، وقد نقل الإجماع في ذلك. • من نقل الإجماع: محمد بن نصر المروزي (294 هـ) حيث قال: (فأما يمين اللغو الذي اتفق عامة العلماء على أنها لَغْو فهو قول الرجل: لا واللَّه، وبلى واللَّه، في حديثه وكلامه غير منعقدٍ لليمين ولا مُريدها) (¬3). نقل هذا الإجماع عنه أبو عبد اللَّه القرطبي بالمعنى واللفظ (¬4). ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وأما التي لا كفارة فيها بإجماع فاللغو) (¬5). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وممن قال لا كفارة في هذا: ابن عباس وأبو هريرة وأبو مالك وزرارة بن أوفى والحسن والنخعي ومالك وهو قول من قال: إنه من لغو اليمين ولا نعلم في هذا خلافًا) (¬6). . وقال ¬
في موضع آخر: (ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفًا في عصرهم فكان إجماعًا) (¬1) الزركشي (794 هـ) حيث قال: (فإذا سبق على لسانه في الماضي: لا واللَّه، وبلى واللَّه. في اليمين معتقدًا أن الأمر كما حلف عليه فهذا لغو اتفاقًا) (¬2). ابن جزي (792 هـ) حيث قال: (فاللغو لا كفارة فيه اتفاقًا) (¬3). أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال: (وهي متنوعة إجماعا -أي اليمين- لغوا وغموسًا ومعقودة، فاللغو لا كفارة فيه) (¬4). المرداوي (885 هـ) حيث قال: (فإذا سبق على لسانه في الماضي "لا واللَّه" و"بلى واللَّه" في اليمين. معتقدًا أن الأمر كما حلف عليه: فهو لغو اتفاقًا) (¬5). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 89]. وقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 225]. • وجه الدلالة: جعل الكفارة لليمين التي يؤاخذ بها ونفي المؤاخذة باللغو فيلزم انتفاء الكفارة، ولأن المؤاخذة يحتمل أن يكون معناها إيجاب الكفارة بدليل أنها تجب في الأيمان التي لا مأثم فيها. وإذا كانت ¬
[246/ 6]: من حلف باسم من أسماء الله التي لا يسمى بها سواه عز وجل انعقدت أيمانه وعليه كفارة إن حنث
المؤاخذة إيجاب الكفارة فقد نفاها في اللغو فلا تجب (¬1). ما روي عن عَطَاءٍ، في اللَّغْوِ في الْيَمِينِ قال: "قالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ في بَيْتِهِ، كَلَّا وَاللَّه وَبَلَى وَاللَّه" (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم وجوب الكفارة في يمين اللغو وذلك لعدم وجود المخالف. [246/ 6]: من حلف باسم من أسماء اللَّه التي لا يسمى بها سواه عَزَّ وَجَلَّ انعقدت أيمانه وعليه كفارة إن حنث • المراد بالمسألة: أن من حلف باسم من أسماء اللَّه التي لا يسمى بها سواه عَزَّ وَجَلَّ، كالرحمن والرحيم والحي، أن يمينه ينعقد، وإن حنث في يمينه، فعليه كفارة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا أن من ¬
حنث باسم من أسماء اللَّه تعالى، ثم حنث أن عليه الكفارة) (¬1) ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (اتفقوا أن من حلف من عبد أو حر ذكر أو أنثى باسم من أسماء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثم حنث. . . أن عليه الكفارة) (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (فالذي أجمع عليه أهل العلم في هذا الباب، هو أن من حلف باللَّه أو باسم من أسماء اللَّه. . . . فحنث فعليه كفارة يمين) (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن اليمين باللَّه تعالى منعقدة، وبجميع أسمائه الحسنى، كالرحمن والرحيم والحي وغيرها) (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (من حلف باسم من أسماء اللَّه تعلى فحنث، فعليه الكفارة، ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان من أسماء اللَّه عز وجل التي لا يسمى بها سواه) (¬5). أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) حيث قال: (من حلف باسم من أسماء اللَّه تعالى، فحنث، فعليه كفارة، وبه نقول ولا أعلم في ذلك خلافًا) (¬6). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (من حلف باسم من أسماء اللَّه تعلى فحنث، فعليه الكفارة، ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان من أسماء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ التي لا يسمى بها سواه) (¬7). • مستند الإجماع: لأن الاسم ينصرف معناه إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فقط، فجاز أن يكون قسم (¬8). ¬
[247/ 6]: عدم انعقاد اليمين على ما لا يملكه الحالف
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب الكفارة على من حنث حلفه باسم من أسماء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الحسنى والتي لا يسمى بها سواه وذلك لعدم وجود المخال. [247/ 6]: عدم انعقاد اليمين على ما لا يملكه الحالف • المراد بالمسألة: إن قال الحالف إن عبد فلان حر، أو زوجة فلان طالق، إن دخلت الدار ثم دخلها لم يعتق العبد، ولم تطلق المرأة. وقد نقل نفي الخلاف في ذلك. • من نقل نفي الخلاف: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فإن قال عبد فلان حر إن دخلت الدار ثم دخلها لم يعتق العبد بغير خلاف، لأنه لا يعتق بإعتاقه ناجزًا فلا يعتق بالتعليق أولى) (¬5). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (وإِذا قال: عبد فلان حر لأَفعلن، فليس بشيء) أي: فلغو، وكذا إِن علقه، لأَن تعليق الشيء بالشرط أثره أن يصير عند الشرط كالمطلق، وإذا كان المطلق لا يوجب شيئًا، فكذا المعلق، ولا يعتق العبد إِذا حنث بغير خلاف) (¬6). ¬
[248/ 6]: الظن بصحة المحلوف عليه يسقط الآثم
• مستند نفي الخلاف: أن العبد لا يعتق بإعتاق غير مالكه ناجزًا فلا يعتق بالتعليق أولى (¬1). ولأنه ليس أهلا لإعتاقه لكونه لا يملكه (¬2). فلا طلاق قبل نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك. (¬3) • الموافقون على نفي الخلاف: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من قال عبد فلان حر إن فعلت كذا ففعل فليس بشيء لعدم وجود المخالف. [248/ 6]: الظن بصحة المحلوف عليه يسقط الآثم • المراد بالمسألة: أن يحلف الرجل على شيء وهو يظن صحة ما حلف عليه، ثم يتبين له خطأ ما حلف عليه، فهو غير آثم، وقد نقل الإجماع على ذلك، وإن اختلفوا في وجوب الكفارة. • من نقل الإجماع: شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (والرجل إذا حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه فهو مخطئ قطعًا ولا إثم عليه باتفاق) (¬8). ¬
[249/ 6]: من حلف ألا يفعل ففعل ناسيا فلا كفارة
• مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 89]. • وجه الدلالة: أن هذا اليمين لم يعقد عليه العزم، ولم ينو الحالف فيه الكذب (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الظن بصحة المحلوف عليه يسقط الإثم وان كان مخالفا وذلك لعدم وجود المخالف. [249/ 6]: من حلف ألا يفعل ففعل ناسيًا فلا كفارة • المراد بالمسألة: أن لو حلف رجل على أن يفعل أمرا أو حلف أن لا يفعل، ففعل الأول أو لم يفعل الثاني ناسيًا، فلا كفارة عليه في حنثه، وقد نقل بعض من العلماء الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (ومن حلف بما ذكرنا أن لا يفعل أمر كذا، أو أن يفعل أمر كذا، فإن وقت وقتًا، غدا أو يوم كذا، أو اليوم، أو في يوم يسميه، فإن مضى ذلك الوقت، ولم يفعل ما حلف أن يفعله فيه عامدا ذاكرا ليمينه، أو فعل ما حلف أن لا يفعله فيه عامدا ذاكرا ليمينه، فعليه كفارة اليمين، هذا ما لا خلاف فيه من أحد، ¬
وبه جاء القرآن والسنة) (¬1). • مستند الإجماع: قول اللَّه تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]. • وجه الدلالة: عموم قوله تعالى (¬2) {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]. والناسي لا يتعمد قلبه فعل أو ترك المحلوف عليه. - ما روي عن ابنِ عباس أَنَّ رسولَ اللَّه قال: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ والنِّسيانَ، وما استُكْرِهُوا عليهِ" (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: وافق علي الحكم الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، ورواية عند الشافعية (¬6)، ورواية عند الحنابلة (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الشافعية في رواية (¬8)، والحنابلة في رواية (¬9)، حيث يرون أن الكفارة تجب حتى مع النسيان، ¬
[250/ 6]: تجب الكفارة بمجرد الحنث سواء كانت اليمين على طاعة أو معصية أو مباح
وقد نقل الميرغناني ذلك فقال: ومن فعل المحلوف عليه مكرهًا أو ناسيًا فهو سواء، فتجب عليه الكفارة كما لو فعله ذاكرًا ليمينه مختارًا، وعن كل من الشافعي وأحمد روايتان يحنث ولا يحنث (¬1). • دليل هذا القول: أن الفعل الحقيقي لا ينعدم بالإكراه وهو الشرط، كذا إذا فعله وهو مغمى عليه أو مجنون لتحقيق الشرط حقيقة، ولو كانت الحكمة رفع الذنب فالحكم يدار على دليله وهو الحنث لا على حقيقة الذنب (¬2).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن من حلف ألا يفعل ففعل ناسيا فلا كفارة عليه وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [250/ 6]: تجب الكفارة بمجرد الحنث سواء كانت اليمين على طاعة أو معصية أو مباح • المراد بالمسألة: أن الكفارة تجب بالحنث في اليمين، سواء أكانت اليمين في طاعة أو في معصية، أو مباح، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الكفارة تجب عند الحنث في اليمين، على أي وجه كان من كونه طاعة أو معصية أو مباحا) (¬3). السيوطي (880 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الكفارة تجب بالحنث في اليمين، سواء كانت في طاعة أو في معصية أو في مباح) (¬4). • مستند الإجماع: لأن الكفارة تتعلق باليمين ذاته، لا بما حلف عليه اليمين، فلا فرق بين الطاعة والمعصية والمباح، فمن يحلف أن يفعل شيء مباح أو يحلف أن يفعل طاعة أو معصية، فإن لم يفعل فعليه كفارة ¬
[251/ 6]: لا تنعقد اليمين بصيغة الحلف
يمين (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والحنابلة (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب الكافرة بمجرد الحنث سواء كانت اليمين على طاعة أو معصية أو مباح وذلك لعدم وجود المخالف. [251/ 6]: لا تنعقد اليمين بصيغة الحلف • المراد بالمسألة: أن الحالف لو قال بدل أقسمت حلفت لم تنعقد اليمين اتفاقًا، إلا إن نوى اليمين أو قصد الإِخبار بأنه سبق منه حلف، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (لو قال بدل أقسمت حلفت لم تنعقد اتفاقًا إلا إن نوى اليمين أو قصد الإِخبار بأنه سبق منه حلف) (¬4). • مستند الإجماع: أن الحالف إن قال: أقسمت باللَّه، فإن كان يعني: حلفت قديمًا باللَّه، فليست بيمين حادثة، وإنما هو خبر عن يمين ماضية، وإن أراد بها، يمينًا فهي يمين، وإن قال: أقسم باللَّه، فإن أراد بها إيقاع يميق فهي يمين، وإن أراد بها موعدًا أنه سيقسم باللَّه فليست بيمين، وإنما ذلك كقوله: سأحلف أو سوف أحلف (¬5). ¬
[252/ 6]: عدم صحة اليمين الواحدة لأكثر من خصم إن لم يرضوا
• الموافقون على نقل الإجماع: الشافعية (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الحنابلة (¬2) حيث يرون أنه إذا ذكر القسم باللفظ المستقبل بأن قال: أحلف باللَّه أو أقسم باللَّه لأفعلن كذا أو أشهد بعزة اللَّه تعالى لأفعلن كذا فإنه يكون يمينًا. وعند الشافعي: لا يكون يمينًا إلا بالنية (¬3). • دليل هذا القول: أن هذا في العرف يراد به الحال، كقولهم: أشهد أن لا إله إلا اللَّه ونحو ذلك (¬4).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن اليمين لا تنعقد بصيغة الحلف وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [252/ 6]: عدم صحة اليمين الواحدة لأكثر من خصم إن لم يرضوا • المراد بالمسألة: إذا حلف خصم لجميع خصومه يمينًا واحدًا ولم يرضوا بذلك، لم تصح يمينه، وعليه أن يحلف يمينًا لكل واحد منهم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فأما حلفه لجميعهم يمينًا واحدة بغير رضاهم، لم تصح يمينه، بلا خلاف نعلمه) (¬5). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (وإن أبوا حلفَ لكل واحدٍ يمينًا بغير خلافٍ نعلمهُ لأنه منكر لكل واحد منهم) (¬6). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث قال: (أن الاصطخري قال استحلف ¬
[253/ 6]: من حلف من غير استحلاف لم يبرأ بتلك اليمين من طلب خصمه
إسماعيل بن إسحاق أي القاضي المالكي المذهب رجلًا في حق لرجلين يمينًا واحدة فأجمع فقهاء زماننا على أنه خطأ) (¬1). • مستند الإجماع: أن حق كل منهم غير حق البقية، وهو منكر للجميع، فلزمته اليمين لكل واحد منهم على حده (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم صحة اليمين الواحدة لأكثر من خصم إن لم يرضوا وذلك لعدم وجود المخالف. [253/ 6]: من حلف من غير استحلاف لم يبرأ بتلك اليمين من طلب خصمه • المراد بالمسألة: أن من حلف لخصمه دون أن يحلفه حاكم أو من حكّماه على أنفسهما أنه لا يبرأ بتلك اليمين من طلب القاضي أو من حكماه على أنفسهما له بأداء اليمين مرة أخرى، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن من حلف لخصمه دون أن يحلفه حاكم أو من حكماه على أنفسهما أنه لا يبرأ بتلك اليمين من الطلب) (¬5). • مستند الإجماع: لم أعثر في هذه المسألة على مستند للإجماع فيما وقفت عليه من كتب العلماء. ¬
[254/ 6]: جواز الحلف بالقرآن
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال بعد أن ذكر كلام ابن حزم: "واتفقوا على أن من حلف لخصمه دون أن يحلفه حاكم، أو من حكماه على أنفسهما أنه لا يبرأ بتلك اليمين من الطلب" (¬2)، قال قد نص أحمد على أنه إذا رضي بيمين خصمه فحلف له، لم يكن له مطالبته باليمين بعد ذلك (¬3). ولم أعثر لما ذكر شيخ الإسلام على دليل.Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن من حلف من غير استحلاف فلا يبرأ بتلك اليمين من طلب خصمه لوجود الخلاف في المسألة. [254/ 6]: جواز الحلف بالقرآن • المراد بالمسألة: يجوز للحالف أن يحلف بالقرآن أو بسورة منه، أو آية، وإذا حنث في يمينه فعليه كفارة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (فالذي أجمع عليه العلماء في هذا الباب، هو أنه من حلف باللَّه أو باسم من أسماء اللَّه، أو صفة من صفاته، أو بالقرآن، أو بشيء منه، فحنث، فعليه كفارة يمين، على ما وصف اللَّه في كتابه من حكم الكفارة، وهذا ما لا خلاف فيه عند أهل الفروع، وليسوا في هذا الباب بخلاف) (¬4). ¬
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وجملته: أن الحلف بالقرآن أو بآية منه أو بكلام اللَّه يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها، وبهذا قال ابن مسعود والحسن وقتادة ومالك والشافعي وأبو عبيد وعامة أهل العلم لا نعلم فيه خلافًا) (¬1). أبو عبد اللَّه المواق (897 هـ) حيث قال: (وكذلك لو حلف بالقرآن والتوراة والإنجيل في كلمة واحدة فإنما عليه كفارة واحدة لأن ذلك كلام اللَّه سبحانه وهو صفة من صفات ذاته فكأنه حلف بصفة واحدة فعليه كفارة واحدة باتفاق) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عن أبي كنف قال: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي معَ ابنِ مسعودٍ -رضي اللَّه عنه- في سوقِ الدَّقِيقِ إِذْ سَمِعَ رجلًا يَحْلِفُ بسورةِ البقرةِ، فقالَ ابنُ مسعودٍ: إن عليهِ لِكُلِّ آيةٍ مِنْهَا يمينًا، قالَ الأعمشُ: فذكرتُ ذلكَ لإبراهيمَ، فقالَ. قالَ عبدُ اللَّه: مَنْ حَلَفَ بالقرآنِ فعليهِ بِكُلِّ آيةٍ يمينٌ، ومَنْ كَفَرَ بآيةٍ من القرآنِ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهِ (¬3). • وجه الدلالة: أن قولُ عبدِ اللَّه بنِ مسعودٍ -رضي اللَّه عنه-، فيهِ دليلٌ على أَنَّ الحَلِفَ بالقرآنِ يكونُ يمينًا في الجملةِ (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: بعض الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[255/ 6]: من حلف ألا يتكلم فتكلم بلغة أخرى حنث
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في الحكم بعض الأحناف (¬3) حيث يرون أن الحلف بالقرآن لا تجب بالحنث فيه الكفارة. • دليل هذا القول: أن الناس لم يتعارفوا على الحلف بالقرآن، والمعتبر في الأيمان العرف، فكل لفظ لم يكن الحلف به متعارفًا لا يكون يمينًا (¬4).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على جواز الحلف بالقرآن لوجود الخلاف في المسألة. [255/ 6]: من حلف ألا يتكلم فتكلم بلغة أخرى حنث • المراد بالمسألة: لو حلف شخص أن لا يتكلم، فتكلم بأي لغة أخرى غير لغته، فقد حنث، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن الرجل إذا حلف أن لا يتكلم، فتكلم بأي لغة كانت، يحنث) (¬5). الحطاب الرعيني (954 هـ) حيث قال: (من حلف أن لا يتكلم فقرأ بقلبه ومن حلف أن لا يكلم رجلًا فنفخ في وجهه فليس بكلام، ومن حلف ألا يتكلم فتكلم بلغة غير لغته، حنث ونقله في النوادر ونقل عليه الإجماع) (¬6) ¬
[256/ 6]: جواز الحنث قبل الكفارة
• مستند الإجماع: أن اليمين انعقدت على الكلام لا على اللغات، فيحنث في يمينه إذا تكلم بأي لغة (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والحنابلة (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف ألا يتكلم فتكلم بلغة أخرى حنث لوجود المخالف. [256/ 6]: جواز الحنث قبل الكفارة • المراد بالمسألة: أنه لو حلف أن لا يفعل كذا أو أن يفعل كذا، فأراد أن يحنث، يجوز له أن يحنث قبل الكفارة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (واختلف الفقهاء في جواز الكفارة قبل الحنث على ما نذكره في هذا الباب بعد ذكر ما حضرني من الآثار فيه، وأجمعوا على أن الحنث قبل الكفارة مباح حسن جائز، وهو عندهم أولى) (¬4). القاضي عياض (544 هـ) حيث قال: (من حلف على يمين فرأى غيرها خير منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه، فيه حجة للكافة من الصحابة والتابعين، وعلماء الأمصار في جواز الحنث قبل الكفارة) (¬5). أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) حيث قال: (اختلف العلماء في تقديم الكفارة على الحِنْث هل تجزئ أم لا بعد إجماعهم على أن الحِنْث قبل ¬
[257/ 6]: من حلف ألا يدخل دارا فأدخلوه عنوة لا يحنث
الكفّارة مباح حسن) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ" (¬2). • وجه الدلالة: الحديث واضح الدلالة على أن الحالف يأتي بالذي هو خير أولا -أي يحنث في يمينه- ثم يكفر عنها (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز الحنث قبل الكفارة لعدم وجود المخالف. [257/ 6]: من حلف ألا يدخل دارا فأدخلوه عنوة لا يحنث • المراد بالمسألة: أن من حلف ألا يدخل دارًا بعينها، فأدخلوه عنوه، ولم يستطع منعهم، فإنه لا يحنث، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولو حلف لا يدخل دارًا فحمل فأدخلها ولم يمكنه الامتناع لم يحن، نص عليه أحمد هذا في رواية أبي طالب وهو قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافًا) (¬6). ¬
[258/ 6]: الحانث في اليمين مخير في الكفارة
ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (إذا حلف لا يدخل دارًا، فحمل فأدخلها ولم يمكنه الامتناع، لم يحنث، نص عليه، ولا نعلم فيه خلافًا) (¬1). • مستند الإجماع: أن الحالف هنا قد أكره على فعل ما لا يريد فعله وحلف عليه، فهو لم يحنث في يمينه لأنه لم يفعل ما حلف ألا يفعله (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف ألا يدخل دارا فأدخلوه عنوة أنه لا يحنث لعدم وجود المخالف. [258/ 6]: الحانث في اليمين مخير في الكفارة • المراد بالمسألة: أن من يحنث في يمينه فهو مخير، إن شاء أطعم وإن شاء كسا وإن شاء أعتق، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن جرير الطبري (310 هـ) حيث قال: (والمكفِّر مخير في تكفير يمينه التي حنث فيها بإحدى هذه الحالات الثلاث التي سماها اللَّه في كتابه، وذلك: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، بإجماع من الجميع لا خلاف بينهم في ذلك) (¬6). ¬
ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمع أهل العلم على أن الحانث في يمينه بالخيار، إن شاء أطعم وإن شاء كسا وإن شاء أعتق) (¬1). . وقال في موضع آخر: (وأجمعوا أن الحانث في نفسه بالخيار إن شاء أطعم وإن شاء كسا، وإن شاء أعتق) (¬2). ابن بطال (444 هـ) (¬3) حيث قال: (والعلماء متفقون أن أو تقتضي التخيير، وأن الحانث في يمينه بالخيار، إن شاء كسا وإن شاء أطعم، وإن شاء أعتق) (¬4). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (وصفة الكفارة: هي من حنث أو أراد الحنث وإن لم يحنث بعد، فهو مخير بين ما جاء به النص: وهو إما أن يعتق رقبة، وإما أن يكسو عشرة مساكين، وإما أن يطعمهم، أي ذلك الفعل فرض يجزيه، فإن لم يقدر على شيء من ذلك، ففرضه صيام ثلاثة أيام، ولا يجزيه الصوم ما دام يقدر على ما ذكرنا من العتق والكسوة والإطعام برهان ذلك قول اللَّه تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] وما نعلم في ذلك خلافًا) (¬5). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الكفارة إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة. والحالف مخير في أي ذلك شاء، فإن لم يجد من ذلك انتقل حينئذ إلى صيام ثلاثة أيام) (¬6). ¬
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (أجمع أهل العلم على أن الحانث في يمينه بالخيار، إن شاء أطعم، وإن شاء كسا، وإن شاء أعتق، أي فعل من ذلك أجزأه) (¬1). أبو عبد اللَّه القرطبي (671 هـ) حيث قال: (ذكر اللَّه سبحانه في الكفارة الخلال الثلاث، فخير فيها، وعقب عند عدمها بالصيام، وبدأ بالصيام، لأنه كان الأفضل في بلاد الحجاز، لغلبة الحاجة إليه وعدم شبعهم، ولا خلاف في أن كفارة اليمين على التخيير) (¬2). شمس الدين الزركشي (794 هـ) حيث قال: (ومن وجب عليه بالحنث كفارة يمين، فهو مخير: إن شاء أطعم. . . هذا -والحمد للَّه- إجماع في أنه إن شاء أطعم، وإن شاء كسا، وإن شاء أعتق) (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89]. • وجه الدلالة: أن كلمة (أو) الواردة بالآية تستخدم للتخيير (¬4) • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). ¬
[259/ 6]: إن أطعم المكفر مسكينا من غير تكرار حتى أكمل العشرة أجزأه
Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الحانث في اليمين مخير في الكفارة لعدم وجود المخالف. [259/ 6]: إن أطعم المكفر مسكينًا من غير تكرار حتى أكمل العشرة أجزأه • المراد بالمسألة: أن المكفر عن يمينه إما أن يجد المساكين بكمال عددهم، أو لا يجدهم، فإن وجد منهم عددًا كافيًا وأطعمهم في يوم واحد، أجرأه، وكذلك إن أطعم كل يوم مسكينًا حتى أكمل عشرة مساكين يجزئه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامه (620 هـ) حيث قال: (وإن أطعم كل يوم مسكينا حتى أكمل العشرة، أجزأه، بلا خلاف نعلمه) (¬1). شمس الدين الزركشي (794 هـ) حيث قال: (لو أطعم كل يوم مسكينا حتى كملت العدة جاز بلا خلاف) (¬2). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]. • وجه الدلالة: فالكفارة إطعام عشرة مساكين مجتمعين أو متفرقين (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وابن حزم الظاهري (¬8). ¬
[260/ 6]: يجوز أن يعطي اثنان مكفران كفارتهما لمسكين واحد في يوم واحد
Rصحة ما نقل من الإجماع على أن المكفر إذا أطعم مسكينًا من غير تكرار حتى أكمل العشرة أجزأه وذلك لعدم وجود المخالف. [260/ 6]: يجوز أن يعطي اثنان مكفران كفارتهما لمسكين واحد في يوم واحد • المراد بالمسألة: إذا اختلف سبب الكفارة، كالإفطار والظهار، يجوز صرفها من اثنين لمسكين واحد في يوم واحد، وكذلك يجوز أن يصرفها واحد في يومين، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن أطعمه اثنان من كفارتين في يوم واحد، جاز. ولا نعلم في جوازه خلافًا، وكذلك إن أطعم واحد واحدًا من كفارتين في يومين جاز أيضًا بغير خلاف نعلمه) (¬1). . وقال في موضع آخر: (ولو كانت الكفارتان من جنسين مختلفين جاز فيهما بالإجماع) (¬2). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (لو اختلف السبب يعني أطعم ذلك عن إفطار وظهار، أو فرق في الدفع بأن أعطى مسكينًا نصف الصاع عن إحدى الكفارتين، ثم أعطى النصف الآخر إياه عن الكفارة الأخرى، جاز بالاتفاق) (¬3). • مستند الإجماع: أن المكفر دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب، فأجزأه كما لو دفع إليه المدين في يومين (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[261/ 6]: إعتاق الرقبة إحدى خصال الكفارة
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع أنه يجوز أن يعطي اثنان مكفران كفارتهما لمسكين واحد في يوم واحد وذلك لعدم وجود المخالف. [261/ 6]: إعتاق الرقبة إحدى خصال الكفارة • المراد بالمسألة: أن إعتاق الرقبة أحد خصال كفارة اليمين، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمع أهل العلم على أن من وجبت عليه كفارة يمين فاعتق عنها رقبة مؤمنة أن ذلك مجزئ عنه) (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وجملته أن إعتاق رقبة أحد خصال الكفارة بغير خلاف لنص اللَّه تعالى عليه بقوله: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]. • وجه الدلالة: الآية واضحة الدلالة على أن إعتاق الرقبة أحد خصال الكفارة (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة (¬8). ¬
[262/ 6]: إن اعتق عنه غيره بأمره صح العتق عن المعتق عنه وأجزأه عن كفارته
Rصحة ما نقل من الإجماع أن إعتاق الرقبة إحدى خصال الكفارة وذلك لعدم وجود المخالف. [262/ 6]: إن اعتق عنه غيره بأمره صح العتق عن المعتق عنه وأجزأه عن كفارته • المراد بالمسألة: إذا كان على رجل كفارة يمين، فكفر عنه رجل بعتق رقبة بأمره، صح العتق عنه وأجزأه عن كفارته بالاتفاق، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامه (620 هـ) حيث قال: (وان اعتق غيره عنه بغير أمره، لم يقع عن المعتق عنه، إذا كان حيا، وولاؤه للمعتق، ولا يجزى عن كفارته -وإن نوى ذلك- فأما إن اعتق عنه بأمره، صح العتق عن المعتق عنه، وله ولاؤه، وأجزأ عن كفارته بغير خلاف علمناه) (¬1). . نقله عنه شمس الدين بن قدامه باللفظ والمعنى (¬2). • مستند الإجماع: أن هذه صورة من الوكالة، فيجوز أن ينوب عنه غيره في دفع الكفارة، والنيابة جائزة في التكفير، كما يجوز في غيره من العبادات غير البدنية ولأن الإعتاق بأمره كإعتاقه، فأشبه ما لو اشتراه ووكل البائع في إعتاقه عنه (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
[263/ 6]: يجزئ في الكفارة إعتاق العبد الخصي
Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه إن اعتق عنه غيره بأمره صح العتق عن المعتق عنه وأجزأه عن كفارته وذلك لعدم وجود المخالف. [263/ 6]: يجزئ في الكفارة إعتاق العبد الخصي • المراد بالمسألة: أنه لو اعتق المكفر عبدًا مخصيًا جاز ذلك، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (لا نعلم في إجزاء الخصي خلافًا سواء أكان مقطوعًا أو مشلولًا أو موجوءًا لأن ذلك نقص لا يضر بالعمل ولا يؤثر فيه) (¬1). • مستند الإجماع: أن كل نقص حصل من عيب لا يضر بالعمل إضرارا بينا ولا يؤثر فيه كالعرج الخفيف والعور والشلل في الخنصر والصمم والخصاء ونحوه، ظن لا يمنع من الإجزاء وكل نقص يضر بالعمل إضرارا بينا كالعمى والقطع والشلل فهو مانع فاعتبر في القسم الأول كمال المنفعة دون كمال الصفة، والخصي من هذا القبيل لأنه وإن فات فيه جنس المنفعة وهو منفعة النسل لكنها غير مقصودة في الرقيق إذ المقصود فيه الاستخدام ذكرًا كان أو أنثى وربما يكون الخصي أغلى ثمنا من غيره (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم الظاهري (¬7). ¬
[264/ 6]: إن لم يجد الحانث طعاما ولا كسوة ولا رقبة يعتقها فينتقل لصيام ثلاثة أيام ولا يجزئه الصوم عند القدرة على هذه الأشياء الثلاثة
• الخلاف في المسألة: خالف في المسألة ابن القاسم من المالكية، حيحث يرى أن الخصي لا يجزئ في الكفارة (¬1). • دليل هذا القول: أن الخصي ناقص الخلقة كالأعور والأشل فلا يجزئ في الكفارة (¬2).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن الخصي يجزئ في الكفارة وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [264/ 6]: إن لم يجد الحانث طعامًا ولا كسوة ولا رقبة يعتقها فينتقل لصيام ثلاثة أيام ولا يجزئه الصوم عند القدرة على هذه الأشياء الثلاثة • المراد بالمسألة: أن الحانث المكفر لا يجوز له التكفير بالصوم مع قدرته على الإطعام أو الكسوة أو العتق، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن لم يجد الحانث إطعاما ولا كسوة ولا عتقا انتقل إلى صيام ثلاثة أيام، لقول اللَّه تعالى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] وهذا لا خلاف فيه) (¬3). ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمع أهل العلم على أن الحالف الواجد للإطعام أو الكسوة أو الرقبة لا يجزئه الصوم إذا حنث في يمينه) (¬4). القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: (وإنما قلنا أن الصوم لا ¬
يجزئه مع القدرة على إحداها لقوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] فشرط في كونه كفارة أن يكون عاجزًا عن الأنواع الثلاثة ولا خلاف في ذلك) (¬1). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (اتفقوا على أن من عجز عن رقبة وكسوة وإطعام من حر أو عبد ذكر أو أنثى في حين حنثه فكفارة حينئذ ولم يؤخر إلى تبدل حاله فصيام ثلاثة أيام يجوز صيامها متتابعات أجزأه) (¬2). أبو عبد اللَّه القرطبي (676 هـ) حيث قال: (في تفسير قوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] معناه: لم يجد في ملكه أحد هذه الثلاثة من الإطعام أو الكسوة أو عتق رقبة بإجماع، فإذا عدم هذه الثلاثة الأشياء، صام) (¬3). شمس الدين الزركشي (794 هـ) حيث قال: (إذا لم يجد واحدا من هذه الثلاثة السابقة وهي الإطعام والكسوة والعتق، بأن لا يجد ذلك أصلا، أو وجده وتعذر شراؤه لعدم الثمن، أو لكونه محتاجا إلى ما هو أهم منه -كما هو مفصل في موضعه- فإنه ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام بالإجماع وشهادة الكتاب) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89]. • وجه الدلالة: أن قوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [المجادلة: 4] دال على عدم ¬
[265/ 6]: العبد الحانث يجزئه الصيام في الكفارة
جواز الصيام مع القدرة على الإطعام أو الكسوة أو العتق (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم الظاهري (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الحانث إذا لم يجد طعامًا ولا كسوة ولا رقبة يعتقها فينتقل لصيام ثلاثة أيام ولا يجزئه الصوم عند القدرة على هذه الأشياء الثلاثة وذلك لعدم وجود المخالف. [265/ 6]: العبد الحانث يجزئه الصيام في الكفارة • المراد بالمسألة: أن العبد يجزئه الصيام في الكفارة، لأن ذلك فرض المعسر من الأحرار، وهو أحسن حالًا من العبد، فالعبد أولى، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامه (620 هـ) حيث قال: (لا خلاف في أن العبد يجزئه الصيام في الكفارة، لأن ذلك فرض المعسر من الأحرار، وهو أحسن حالًا من العبد، فإنه يملك في الجملة، ولأن العبد داخل في ¬
قوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] (¬1). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (لا خلاف في أن العبد يجزئه الصيام في الكفارة) (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (اختلفوا في العبد هل يكفر بالعتق أو الإطعام، بعد اتفاقهم أن الذي يبدأ به الصيام) (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89]. • وجه الدلالة: أن العبد يدخل تحت عموم هذه الآية، لأنه لا يملك ولا يقدر على المال حتى يكفر، فإذا حنث العبد، فلا يجزئه إلا الصوم، لأنه لا يملك شيئًا (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن العبد الحانث يجزئه الصيام في الكفارة وذلك لعدم وجود المخالف (¬9). ¬
[266/ 6]: يجوز للحانث في التكفير الانتقال من الأدنى إلى الأعلى
[266/ 6]: يجوز للحانث في التكفير الانتقال من الأدنى إلى الأعلى • المراد بالمسألة: أن الحالف الحانث إن أحب الانتقال من الأدنى إلى الأعلى في الكفارة، جاز له ذلك، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إن أحب الانتقال في الكفارة إلى الأعلى، فله ذلك في قول أكثرهم، ولا نعلم فيه خلافًا) (¬1). • مستند الإجماع: لأن المكفر مخير بين الإطعام والكسوة والعتق، فإن عجز عن كل هذه الخصال الثلاثة، فعليه أن يكفر بالصوم، إذًا فله أن ينتقل من الأدنى والأرخص إلى الأعلى والأغلى (¬2). 2 - إن الانتقال من الأدنى إلى الأعلى من خصال الكفارة مصلحة للفقراء، وما كان أنفع وأصلح للفقراء فهو أولى بالإجراء (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه يجوز للحانث في التكفير الانتقال من الأدنى إلى الأعلى وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[267/ 6]: إن حلف ألا يساكن فلانا، وكانا في دار واحدة حال الحلف، فخرج أحدهما منها، وقسماها حجرتين ببناء جدار، وفتحا لكل واحد منهما بابا، ثم سكن كل منهما في حجرة، لم يحنث، لأنهما غير متساكنين
[267/ 6]: إن حلف ألا يساكن فلانًا، وكانا في دار واحدة حال الحلف، فخرج أحدهما منها، وقسماها حجرتين ببناء جدار، وفتحا لكل واحد منهما بابًا، ثم سكن كل منهما في حجرة، لم يحنث، لأنهما غير متساكنين • المراد بالمسألة: إن حلف رجل أن لا يساكن رجلًا آخر، وكانا في دار واحدة حالة الحلف، فخرج أحدهما منها، وقسماها حجرتين ببناء جدار، وفتحا لكل واحد منهما بابًا، ثم سكن كل منهما في حجرة، لم يحنث، لأنهما غير متساكنين، وإنما هما متجاورين، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن حلف لا يساكن فلانًا. . . وكانا في دار واحدة حالة اليمين، فخرج أحدهما منها، وقسماها حجرتين، وفتحا لكل واحد منهما بابًا، وبينهما حاجز، ثم سكن كل واحد منهما في حجرة، لم يحنث، لأنهما غير متساكنين. وإن تشاغلا ببناء الحاجز بينهما وهما متساكنان، حنث، لأنهما تساكنا قبل انفراد إحدى الدارين من الآخر، وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافًا) (¬1). . ونقله عنه عبد الرحمن بن قدامه باللفظ والمعنى (¬2). • مستند الإجماع: إن هذه في عرف اللغة مجاورة وليست مساكنة، لأن المساكنة هي أن يكونا في بيت، أو بيتين وحجرتهما ومدخلهما ومرافقهما واحدة، فأما إذا افترق البيتان والحجرتان بمنافعهما، فلا يسمى ذلك مساكنة، وبالتالي فلا يحنث (¬3). ¬
• الموافقون على نقل الإجماع: المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الأحناف (¬5)، حيث قال أبو حنيفة: يحنث إذا سمى الدار بعينها، أو نواها، وأما إذا لم يسمي الدار بعينها ولم ينوها، فلا يحنث (¬6). . وحكى ابن المنذر عن أبي ثور مثل قولهم (¬7). وقال محمد بن الحسن: ولو أن رجلًا حلف لا يساكن فلانًا في دار قد سماها بعينها، فاقتسما الدار وضربا بينهما حائطا، ثم فتح كل واحد منهما بابًا لنفسه، ثم سكن الحالف في طائفة، والآخر في طائفة، كان قد ساكنه، ووقع عليه الحنث؛ لأنه ساكنه فيها بعينها، ولو حلف لا يساكنه في منزل، ولم يكن له نيه، ولم يسم دارًا عينها، وكانت الدار قد قسمت قبل ذلك، فضربا حائطًا بينهما، وفتح كل واحد منهما بابًا لنفسه على حدة، ثم سكن الحالف في أحد القسمين، والآخر في القسم الآخر، ولم يقع عليه الحنث، وكان على يمينه كما هو، ولم يكن عليه حنث ولا كفارة (¬8). ¬
[268/ 6]: من حلف أن يضرب عبده عشر مرات بسوط، فضربه عشر ضربات بسوط واحد، يبر في يمينه، وأما لو ضربه بعشرة أسواط، دفعة واحدة، فلا يبر
• دليل هذا القول: قياس الأولى (¬1): حيث قالوا: إن اليمين إذا عقدت على دار بعينها، يحنث بعد زوال البناء، فبعد القسمة أولى (¬2).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن من حلف ألا يساكن فلانًا، وكانا في دار واحدة حال الحلف، فخرج أحدهما منها، وقسماها حجرتين ببناء جدار، وفتحا لكل واحد منهما بابًا، ثم سكن كل منهما في حجرة، لم يحنث، لأنهما غير متساكنين وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [268/ 6]: من حلف أن يضرب عبده عشر مرات بسوط، فضربه عشر ضربات بسوط واحد، يبر في يمينه، وأما لو ضربه بعشرة أسواط، دفعة واحدة، فلا يبر • المراد بالمسألة: أنه لو حلف رجل أن يضرب عبده عشر مرات بسوط، فضربه عشر مرات بسوط فإنه يبر في يمينه، أما إن جمع عشرة أسواط وضربه به ضربة واحدة فلا يبر في يمينه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) حيث قال: (الحالة الأولى: إذا حلف أن يضربه مائة مرة، فعليه في البر أن يفرقها ولا يجوز أن يجمعها، فإن جمعها وضربه بها كانت مرة واحدة، كما لو رمى الجمرة بسبع حصيات دفعة واحدة، اعتدها بحصاة واحدة، حتى رمى بسبع حصيات في سبع مرات، وهذا متفق عليه) (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن حلف أن يضربه عشرة أسواط ¬
وفجمعهما فضربه بها ضربة واحدة، لم يبر في يمينه، بغير خلاف) (¬1). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (لو ضربه عشر ضربات بسوط واحد، بغير خلاف. . . . وإن حلف ليضربنه عشر مرات، لم يبر بضربه بعشرة أسواط، دفعة واحدة، بغير خلاف) (¬2). شمس الدين الزركشي (794 هـ) حيث قال: (فمعنى الكلام: لأضربنه عشر ضربات بسوط، ولو قال كذلك، لم يبر إلا بعشر ضربات، فكذلك هذا. يتحقق ذلك أنه لو ضربه عشر ضربات بسوط، يبر اتفاقًا) (¬3). • مستند الإجماع: أن العدد هنا راجع إلى الفعل دون الآلة، والمقصود منه تكرار الضربات، سواء كان بسوط، أو بأسواط. ففي الجزء الأول من المسألة حصل عدد الضربات، فيبر، بخلاف الجزء الثاني، لأنه لم يضربه إلا ضربة واحدة (¬4). • الموافقون للإجماع: الأحناف (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف أن يضرب عبده عشر مرات بسوط، فضربه عشر ضربات بسوط واحد، يبر في يمينه، وأما لو ضربه بعشرة أسواط، دفعة واحدة، فلا يبر، وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[269/ 6]: من حلف لا يأكل طعاما اشتراه فلانا، فأكل طعاما اشتراه وغيره، حنث
[269/ 6]: من حلف لا يأكل طعامًا اشتراه فلانا، فأكل طعامًا اشتراه وغيره، حنث • المراد بالمسألة: لو حلف رجل أن لا يأكل طعامًا اشتراه زيد، فأكل طعامًا اشتراه زيد وعمرو، فإنه يحنث، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولو حلف أن لا يأكل طعامًا اشتراه زيد، فأكل طعامًا اشتراه زيد وبكر، حنث، إلا أن يكون أراد أن لا ينفرد أحدهما بالشراء، بغير خلاف) (¬1). • مستند الإجماع: إن ما اشتراه فلان هو طعام، وقد أكله الحالف، لأن كل جزء من الطعام يسمى طعامًا، فيحنث (¬2). . إن أكله من طعام اشتراه فلان مع غيره، يشبه ما لو انفرد فلان بشرائه، لأن لشراء فلان حالين: حال ينفرد بها، وحال يشارك فيها، فإذا أطلق ولم يقيد، كان محمولًا على الأمرين (¬3). 1 - أنه قد تعلق باليمين شيئان: مشتر، ومشترى، ثم قد ثبت -بالاتفاق- أنه لو اشترى الطعام وحده، فأكل منه، حنث، فكذلك إذا اشتراه هو وغيره (¬4). . 2 - أنه بأكله أكثر من النصف يتيقن أنه أكل مما اشتراه فلان (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬6)، والمالكية (¬7). ¬
• الخلاف في المسألة: خالف في المسألة بعض الشافعية (¬1)، حيث قال النووي: ولو اشترى زيد طعامًا وعمرو طعامًا، وخلطا، فأكل الحالف من المختلط، فثلاثة أوجه، احدها: لا يحنث، وإن أكل الجميع، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة لأنه لا يمكن الإشارة إلى شيء منه بأنه اشتراه زيد، فصار كما لو اشترياه مشاعًا. والثاني: وهو قول أبي سعيد الاصطخري، واختاره القاضي أبو الطيب: إن أكل أكثر من النصف، حنث، وإلا فلا، وهو عند استواء القدرين. والثالث: وهو الأصح، وبه قال أبو إسحاق: إنه إن أكل قليلًا يمكن أن يكون مما اشتراه عمرو، كعشر حبات من الحنطة، وعشرين حبه، لم يحنث، وإن أكل قدرًا صالحًا، كالكف والكفين، حنث؛ لأنا نتحقق أن فيه مما اشتراه زيد (¬2). • دليل هذا القول: أنه لا يمكن أن يشار إلى شيء منه، أنه مما اشتراه زيد، فصار كما لو اشترياه مشاعًا، فلا يحنث (¬3).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على أن من حلف لا يأكل طعامًا اشتراه فلان، فأكل طعامًا اشتراه وغيره، حنث وذلك لوجود الخلاف في المسألة. ¬
[270/ 6]: من حلف بالطلاق أن لا يأكل تمرة، فوقعت في تمر، فأكل منه واحدة، فإن تحقق أنه أكل التمرة المحلوف عليها، يحنث في يمينه، وإن تحقق أنه لم يأكلها لا يحنث
[270/ 6]: من حلف بالطلاق أن لا يأكل تمرة، فوقعت في تمر، فأكل منه واحدة، فإن تحقق أنه أكل التمرة المحلوف عليها، يحنث في يمينه، وإن تحقق أنه لم يأكلها لا يحنث • المراد بالمسألة: من حلف أن لا يأكل تمره، فسقطت في تمر، ثم أكل الحالف من هذا التمر، فإن تأكد أنه أكل التمرة المحلوف عليها حنث، وإن تحقق أنه لم يأكلها لا يحنث، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (من حلف بالطلاق: ألا يأكل تمرة، فوقعت في تمر، فأكل منه واحدة، منع من وطء زوجته حتى يتحقق أنها ليست التي وقعت اليمين عليها، ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر كله، وجملته: أن حالف هذه اليمين لا يخلو من أحوال ثلاثة أحدهما: أن يتحقق أكل التمرة المحلوف عليها، إما بأن يعرفها بعينها، أو بصفتها، أو يأكل التمر كله، أو الجانب الذي وقعت فيه كله، فهذا يحنث بلا خلاف بين أهل العلم، وبه يقول الشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وأصحاب الرأي، لأنه أكل التمرة المحلوف عليها. الثاني: أن يتحقق أنه لم يأكلها، إما بأن لا يأكل من التمر شيئا، أو أكل شيئا يعلم أنه غيرها، فلا يحنث أيضا، بلا خلاف، ولا يلزمه اجتناب زوجته) (¬1). شمس الدين الزركشي (794 هـ) حيث قال: (أما إذا علم أكل التمرة التي حلف عليها، بأن أكل التمر كله، أو الجانب الذي وقعت فيه ونحو ذلك، فلا ريب في حنثه. وإن علم أن التمرة التي أكلها غير المحلوف عليها، فلا ريب أيضًا في عدم حنثه، وحل زوجته) (¬2). • مستند الإجماع: التيقن من أكل التمرة عليها في الحالة الأولى، وعدم ¬
أكلها في الحالة الثانية (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والشافعية (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من حلف بالطلاق أن لا يأكل تمرة، فوقعت في تمر، فأكل منه واحدة، فإن تحقق أنه أكل التمرة المحلوف عليها، يحنث في يمينه، وإن تحقق أنه لم يأكلها لا يحنث، وذلك لعدم وجود المخالف. * * * ¬
الباب الثالث مسائل الإجماع في كتاب الإقرار
الباب الثالث مسائل الإجماع في كتاب الإقرار
تمهيد وفيه تعريف بالإقرار وأهميته في الإثبات
تمهيد وفيه تعريف بالإقرار وأهميته في الإثبات تعريف الإقرار: الإقرار لغة: هو الإذعان للحق، والاعتراف به، وأقر بالحق: اعترف به، وقرره غيره بالحق حتى أقر به (¬1). وقيل: هو إثبات الشيء إما باللسان، وإما بالقلب، أو بهما جميعا (¬2). التعريف الاصطلاحي: عرفه الحنفية: بأنه إخبار بحق لآخر على نفسه (¬3). وعرفه المالكية: بأنه خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط بلفظه أو بلفظ نائبه (¬4). وعرفه الشافعية: بأنه إخبار الشخص بحق عليه (¬5). وعرفه الحنابلة: بأنه إظهار مكلف مختار ما عليه لفظا أو كتابة أو إشارة أخرس أو على موكله أو موليه أو مورثه بما يمكن صدقه (¬6). ولم أجد فيما بين يدي من المصادر تعريفا للإقرار عن الظاهرية إلا أنهم اشترطوا أن يصدر القرار من عاقل بالغ غير مكره (¬7). وتعريف الحنابلة هو الذي أرجحه، لأنه تعريف جامع لأشكال ¬
شرح التعريف
الإقرار، مانع مما يبطله واللَّه تعالى أعلم. شرح التعريف: فقد خرج بقوله (مكلف) الصغير والمجنون؛ لسقوط التكليف عنهما حتى يفيق المجنون ويبلغ الصبي. وخرج بقوله: (مختار) إقرار المكره؛ لأنه غير معتبر، وعنى بقوله: (ما عليه) أي: ما عليه من حق كدين أو غيره. وشمل بقوله: (لفظا، أو كتابة، أو إشارة أخرس) أشكال الإقرار إذ قد يكون باللفظ، أو بالكتابة، أو بالإشارة كما هو الحال في الأخرس. وقوله: (أو على موكله) أي: فيما وكل فيه من نحو: بيع وقبض، وقوله: (أو موليه) أي: مما يملك إنشاؤه كإقراره بيع عين ماله ونحوه لا بدين عليه. وقوله: (أو مورثه بما يمكن صدقه) أي: شيء يمكن صدقه بخلاف ما لو أقر بجناية من عشرين سنة وسنه عشرون سنة فما دونها (¬1). مرتبة الإقرار بين طرق الإثبات: الفقهاء مجمعون على أن الإقرار أقوى الأدلة الشرعية، لانتفاء التهمة فيه غالبا. فقد نص الحنفية على أن الإقرار حجة شرعية فوق الشهادة، بناء على انتفاء التهمة فيه غالبا، ولا ينافي ذلك أنه حجة قاصرة على المقر وحده، في حين أن الشهادة حجة متعدية؛ لأن القوة والضعف وراء التعدية والاقتصار. فاتصاف الإقرار بالاقتصار على نفس المقر، والشهادة بالتعدية إلى الغير، لا ينافي اتصافه بالقوة واتصافها بالضعف بالنسبة إليه، بناء على انتفاء التهمة فيه دونها (¬2). ¬
ونص المالكية على أن الإقرار أبلغ من الشهادة. قال أشهب: "قول كل أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره" (¬1). ونص الشافعية على أن الإقرار أولى بالقبول من الشهادة (¬2). ونص الحنابلة على أن المدعى عليه إذا اعترف بالحق لا تسمع عليه الشهادة، وإنما تسمع إذا أنكر (¬3). * * * ¬
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب حجية الإقرار ومن يصح إقراره
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب حجية الإقرار ومن يصح إقراره [271/ 7]: مشروعية الإقرار • المراد بالمسألة: أن الإقرار شرعه اللَّه للفصل في الخصومات إظهارا للحق، فيجب على القاضي الأخذ به عند نظر الخصومة إذا أقر أحد الخصوم، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (الإقرار: هو الاعتراف، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع. . . . وأما الإجماع. فإن الأئمة أجمعت على صحت الإقرار) (¬1). الزيلعي (762 هـ) حيث قال: (لأن الإقرار حجة شرعية ثبتت حجيته بالكتاب والسنة وإجماع الأمة والمعقول. . . وأما الإجماع فلأن الأمة أجمعت على أن الإقرار حجة في حق نفسه حتى أوجبوا عليه الحدود والقصاص بإقراره) (¬2). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (وثبت أن النبي رجم ماعزًا بإقراره، وقال: "واغد يا أنيس إلى أمرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها" (¬3)، وأجمع المسلمون على صحة الإقرار في الجملة) (¬4). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث قال: (والأصل فيه -أي الإقرار- ¬
قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135]، وفسرت شهادة المرء على نفسه بالإقرار). ابن حجر (974 هـ) حيث قال: (الإقرار: هو لغة الإثبات. . . وأصله قبل الإجماع قوله تعالى {شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] (¬1). محمد بن أحمد الشربيني ت (977 هـ) حيث قال: (والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] أي عهدي، {قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81]. وخبر الصحيحين: "اغْدُ يا أُنَيْسُ إلى امْرَأةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فارْجُمْهَا" وأجمعت الأمة على المؤاخذة به) (¬2). . وقال أيضًا في موضع آخر: (وأجمعت الأمة على المؤاخذة به) (¬3). البكري الدمياطي (1300 هـ) حيث قال: (وقوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282] إلى قوله {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] أي فليقرّ بالحق، دلّ أوله على صحة إقرار الرشيد على نفسه، وآخره على صحة إقرار الولي على موليه، وخبر الصحيحين: "اغدِ يا أنيس إلى امرأة هذا فإِن اعترفت فارجمها، فذهب إليها، فاعترفت، فرجمها" وأجمعت الأمة على المؤاخذة به) (¬4). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)} [آل عمران: 81]. ¬
• وجه الدلالة: الآية وصْفُ توقيفِ الأنبياء عليهم السلام على إقرارهم بهذا الميثاق، والتزامِهِم له، ومنه اتخذ العلماء حجية الإقرار (¬1)، ولم يقولوا أقررنا بذلك ولا زادوا عليه فكان منهم إقرارًا (¬2). قوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135]. • وجه الدلالة: قال المفسرون: شهادة المرء على نفسه هو الإقرار (¬3). ما روي عن أبي هريرةَ وزيد بن خالدٍ الجهنيِّ -رضي اللَّه عنهما- أنهما قالا: "إِنَّ رجُلًا منَ الأعرابِ أتى رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّهِ أنشُدُكَ اللَّهَ إِلّا قَضَيتَ لي بكتابِ اللَّهِ. فقال الخَصمُ الآخرُ -وهو أفقهُ منهُ-: نعم فاقضِ بَينَنا بكتابِ اللَّهِ وائذَنْ لي. فقال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: قُل. قال: إِنَّ ابني كان عسِيفًا على هذا فزَنى بامرأتهِ، وإِني أخبِرْتُ أن على ابني الرَّجمَ فافتَدَيتُ منه بمائةِ شاةٍ ووَليدةٍ، فسألتُ أهلَ العلم فأخبَروني أنَّما على ابني جَلدُ مائةٍ وتَغريبُ عامٍ، وأنَّ على امرأةِ هذا الرجمَ. فقال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: والذي نفسي بيدِه لأقْضِينَّ بينكما بكتاب اللَّهِ: الوَليدةُ والغَنمُ رَدٌّ، وعلى ابنِكَ جَلدُ مائةٍ وتَغريبُ عامٍ. اغْدُ يا أُنَيْسُ إلى امرأةِ هذا فإِنِ اعترَفَتْ فارجُمْها. قال: فغَدا عليها فاعتَرَفتْ، فأمرَ بها رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فرُجمَتْ" (¬4). ما روي عن أَنَسٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ جاريةً وُجِدَ رَأْسُهَا بينَ حَجَرينِ، فجئَ بِهَا إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقيلَ: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا أَفُلَانٌ، أفلانٌ، حتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَبَعَثَ إلى اليَهُودِيِّ فجئَ بِهِ فاعْتَرَفَ، قالَ: فأَمَرَ بِهِ النبيُّ ¬
-صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُضَّ رَأسُهُ بينَ حجرينِ) (¬1). ما روي عن سليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ عن أبيه -رضي اللَّه عنهما- قالَ: جاءَ ماعزُ بنُ مالكٍ -رضي اللَّه عنه- إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لَهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَ ذلكَ، حتَّى إذَا كانتِ الرابعةُ قالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِمَّ أُطَهِّرُكَ"، قالَ: مِنَ الزِّنَا، فَسَأَلَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبِهِ جنونٌ"، فأُخْبِرَ أنهُ ليسَ بمجنونٍ، فقالَ: "أَشَرِبْتَ خَمْرًا"، فقامَ رجلٌ فاسْتَنْكَهَهُ فلمَ يَجِدْ منهُ ريحَ خمرٍ، فقالَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَثَيِّبٌ أنتَ"، قالَ: نعم، فَأَمَرَ بِهِ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُجِمَ) (¬2). لأنا إذا قبلنا الشهادة على الإقرار فلأن نقبل الإقرار أَوْلَى (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على مشروعية الإقرار وذلك لعدم ¬
[272/ 7]: حجية الإقرار
وجود المخالف. [272/ 7]: حجية الإقرار • المراد بالمسألة: أن الإقرار حجة تثبت به الحقوق عند الفصل في الخصومات، وأنه يجب على القاضي الأخذ به والحكم على المقر، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على وجوب الحكم بالبينة وبالإقرار) (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وقد أجمع العلماء على القضاء بإقرار المدعى عليه) (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (وأما الإقرار إذا كان بينا فلا خلاف في وجوب الحكم به) (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا خلاف في أن للحاكم أن يحكم بالبينة والإقرار في مجلس حكمه) (¬4). الزيلعي (762 هـ) حيث قال: (لأن الإقرار حجة شرعية ثبتت حجيته بالكتاب والسنة وإجماع الأمة والمعقول. . . وأما الإجماع فلأن الأمة أجمعت على أن الإقرار حجة في حق نفسه حتى أوجبوا عليه الحدود والقصاص بإقراره) (¬5). الزرقاني (1122 هـ) حيث قال: (وقد أجمعوا على القضاء بإقرار المدعى عليه وقضوا بنكول المدعى عليه عن اليمين) (¬6). • مستند الإجماع: ما روي عن أبي هريرةَ وزيد بن خالدٍ الجهنيِّ -رضي اللَّه عنهما- أنهما قالا: "إِنَّ رجُلًا منَ الأعرابِ أتى رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّهِ ¬
أنشُدُكَ اللَّهَ إِلّا قَضَيتَ لي بكتابِ اللَّهِ. فقال الخَصمُ الآخرُ -وهو أفقهُ منهُ-: نعم فاقضِ بَينَنا بكتاب اللَّهِ وائذَنْ لي. فقال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: قُلْ. قال: إِنَّ ابني كان عسِيفًا علىَ هذا فزَنى بامرأتهِ، وإِني أخبِرْتُ أنَّ على ابني الرَّجمَ فافتَدَيتُ منه بمائةِ شاةٍ ووَليدةٍ، فسألتُ أهلَ العلم فأخبَروني أنَّما على ابني جَلدُ مائةٍ وتَغريبُ عامٍ، وأنَّ على امرأةِ هذا الرجمَ. فقال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: والذي نفسي بيدِه لأَقْضِينَّ بينكما بكتابِ اللَّهِ: الوَليدةُ والغَنمُ رَدٌّ، وعلى ابنِكَ جَلدُ مائةٍ وتَغريبُ عامٍ. اغْدُ يا أُنَيْسُ إلى امرأةِ هذا فإِنِ اعترَفَتْ فارجُمْها. قال: فغَدا عليها فاعتَرَفتْ، فأمرَ بها رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فرُجمَتْ" (¬1). ما روي عن أَنَسٍ -رضي اللَّه عنه- أَنَّ جاريةً وُجِدَ رَأْسُهَا بينَ حَجَرينِ، فجئَ بِهَا إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقيلَ: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا أَفُلَانٌ، أفلانٌ، حتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَبَعَثَ إلى اليَهُودِيِّ فجئَ بِهِ فاعْتَرَفَ، قالَ: فأَمَرَ بِهِ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُضَّ رَأْسُهُ بينَ حجرينِ (¬2). ما روي عن سليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ عن أبيه -رضي اللَّه عنهما- قالَ: جاءَ ماعزُ بنُ مالكٍ -رضي اللَّه عنه- إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لَهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَ ذلكَ، حتى إذَا كانتِ الرابعةُ قالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِمَّ أُطَهِّرُكَ"، قالَ: مِنَ الزِّنَا، فَسَأَلَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبِهِ جنونٌ"، فأُخْبِرَ أنهُ ليسَ بمجنونٍ، فقالَ: ¬
[273/ 7]: ما يحصل به الإقرار من ألفاظ
"أَشَرِبْتَ خَمْرًا"، فقامَ رجلٌ فاسْتَنْكَهَهُ فلمَ يَجِدْ منهُ ريحَ خمرٍ، فقالَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَثَيِّبٌ أنتَ"، قالَ: نعم، فَأَمَرَ بِهِ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُجِمَ (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على حجية الإقرار وذلك لعدم وجود المخالف. [273/ 7]: ما يحصل به الإقرار من ألفاظ • المراد بالمسألة: أن الإقرار يحصل من المقر بجمله من الألفاظ الدالة عليه، طالما أن هذه الألفاظ واضحة في الدلالة على الإقرار، كأن يقول رجل لآخر أليس لي عليك ألف درهم؟ فيقول بلى وفى غير النفي يضيف نعم أو أجل. وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إذا قال: له علي ألف، أو قال: له لي عليك ألف، فقال نعم أو أجل أو صدقت أو لعمري أو أنا مقر به أو بما ادعيت أو بدعواك، كان مقرًا إجماعًا) (¬6). المرداوي (885 هـ) حيث قال: (وإن ادعى عليه ألفا. فقال "نعم" أو "أجل" أو "صدقت" أو "أنا مقر بها" أو "بدعواك" كان مقرا بلا ¬
نزاع) (¬1). مصطفى الرحيباني (1243 هـ) حيث قال: (وقول مدع (بلى في جواب أليس لي عليك كذا إقرار) بلا خلاف؛ لأن نفي النفي إثبات) (¬2). البهوتي (1051 هـ) حيث قال: (قول مدعى عليه "بلى في جواب أليس لي عليك كذا إقرار" بلا خلاف) (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44]. وقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]. • وجه الدلالة: أن الإقرار كان بلفظ "نعم" في الآية الأولى، و"بلى" في الآية الثانية، وهذا دليل على جواز الإقرار بهما (¬4). ما روي عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان، قال، قيل له: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَةَ. قَالَ، فَقَالَ: أَجَلْ. لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أوَ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِاليَمِينَ، أَوْ أَنْ نسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ. أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أو بعظم) (¬5) • وجه الدلالة: أن إجابة سلمان -رضي اللَّه عنه- بقوله "أجل" إقرار (¬6). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬7)، والشافعية (¬8)، ¬
[274/ 7]: وجوب الحكم بالإقرار البين إن كان بألفاظ واضحة
والحنابلة (¬1).Rصحة ما نقل من الإجماع على ما يحصل به الإقرار من ألفاظ وذلك لعدم وجود المخالف. [274/ 7]: وجوب الحكم بالإقرار البين إن كان بألفاظ واضحة المراد بالمسألة: أن الإقرار لا يتحقق إلا بألفاظ بينة واضحة تبين قصد المقر لإقراره تمامًا لا يشوبها غموض ولا شك في قصده، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن إقرار الحر البالغ العاقل غير المحجور عليه فيما يملك، إذا كان إقراره ذلك مفهوما غير مستثنى منه شيء، ولا متصل به ما يبطله، وكان غير سكران ولا مكره، ولا مفلس، ولم يوقن كذبه، فإنه مصدق، ومحكوم عليه، إذا صدقه المقر له) (¬2). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (وأما الإقرار إذا كان بينًا فلا خلاف في وجوب الحكم به) (¬3). • مستند الإجماع: ما روي عن سليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ عن أبيه -رضي اللَّه عنهما- قالَ: جاءَ ماعزُ بنُ مالكٍ -رضي اللَّه عنه- إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لَهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَ ذلكَ، حتى إذَا كانتِ الرابعةُ قالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِمَّ ¬
[275/ 7]: قصر الإقرار على المقر
أُطَهِّرُكَ"، قالَ: مِنَ الزِّنَا، فَسَأَلَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبِهِ جنونٌ"، فأُخْبِرَ أنهُ ليسَ بمجنونٍ، فقالَ: "أَشَرِبْتَ خَمْرًا"، فقامَ رجلٌ فاسْتَنْكَهَهُ فلمَ يَجِدْ منهُ ريحَ خمرٍ، فقالَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَثَيِّبٌ أنتَ"، قالَ: نعم، فَأَمَرَ بِهِ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُجِمَ. (¬1) وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تحقق من قصد ماعز وتبين من قصده لإقراره دون شك (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على وجوب كون الإقرار بألفاظ واضحة وذلك لعدم وجود المخالف. [275/ 7]: قصر الإقرار على المقر • المراد بالمسألة: يجوز أن يقر الرجل على نفسه، ويكون إقراره حجة قاصرة عليه، أما على غيره فلا يجوز، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (وقد صح إجماع أهل الإسلام على أن لا يصدق أحد على غيره إلا على حكم الشهادة فقط، ثم نقض من نقض فأنفذ إقرار الوكيل على موكله وأخذه به في الدم، والمال، والفرج، وهذا أمر يوقن أنه لم يكن قط، ولا جاز ولا عرف في عصر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولا في عصر أحد من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وما كان هكذا فهو حقا خلاف إجماع المسلمين، وخلاف القرآن، والباطل الذي لا يجوز) (¬1). وقال في موضع آخر: (واتفقوا أنه لا يقع على واحد -أي الإقرار- في غير معظم شأنه وإخباره عن نفسه) (¬2). . وقال في موضوع ثالث: (وقد صح إجماع أهل الإسلام على أن لا يصدق أحد على غيره إلا على حكم الشهادة فقط) (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (وقد أجمع المسلمون أنه لا يقبل إقرار أحد على غيره) (¬4). القرطبي (671 هـ) حيث قال: (وقد أجمع المسلمون أنه لا يقبل إقرار أحد على غيره) (¬5). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (وقد قام الإجماع على أنه لا يقبل إقرار أحد على غيره) (¬6). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. • وجه الدلالة: أن الآية واضحة الدلالة في أن كل نفس تتحمل ما ¬
[276/ 7]: لا يصح إقرار العبد على سيده في ماله
كسبت من إقرار وغيره ولا تتعدى إلى ما سواها (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على قصر الإقرار على المقر لعدم وجود المخالف. [276/ 7]: لا يصح إقرار العبد على سيده في ماله • المراد بالمسألة: لا يصح إقرار العبد على سيده في ماله بحال، ولا يعتد به لأنه إقرار على الغير، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (أجمع العلماء على أن إقرار العبد على سيده في ماله لا يلزمه) (¬3). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن العبد يقبل إقراره على نفسه ولا يقبل في حق سيده) (¬4). علاء الدين التركماني (750 هـ) حيث قال: (وقد أجمعوا على أن إقرار العبد على سيده في ماله لا يلزمه) (¬5). السيوطي (880 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن العبد يقبل إقراره على نفسه، ولا يقبل في حق سيده) (¬6). الزرقاني (1122 هـ) حيث قال: (وأجمعوا على أن إقرار العبد على سيده في ماله لا يلزمه) (¬7). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164]. ¬
• وجه الدلالة: وقبول إقراره كسب على سيده، فلا يقبل (¬1). ما روي عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ" (¬2). • وجه الدلالة: والعبد مال السيد، ولم تطب به نفسه، وبالقياس على الإقرار بالقذف (¬3). القياس على الحر، حيث أجمع العلماء على أنه لا يقبل إقرار أحد إلا على نفسه (¬4). أنه متهم في إزالة ملك السيد عنه، فربما يستفيد من إقراره على سيده ليزول ملك سيده له (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم صحة إقرار العبد على ¬
[277/ 7]: إذا أقر ببنوة مجهول النسب لحق به
سيده في ماله لعدم وجود المخالف. [277/ 7]: إذا أقر ببنوة مجهول النسب لحق به • المراد بالمسألة: أنه لو أدعى على رجل بمجهول النسب فأقر أنه ابنه، فإنه يلحق به، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (لو استلحق مجهول النسب وقال: إنه ابني لحقه باتفاق المسلمين) (¬1). . وقال في موضع آخر: (ولو لم يستلحقه، فكيف إذا استلحقه وأقر به؟ بل لو استلحق مجهول النسب، وقال: إنه ابني لحقه باتفاق المسلمين، إذا كان ذلك ممكنًا، ولم ياع أحد إنه ابنه) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: "مَنْ أَقَرَّ بِوَلَدِهِ طَرْفَةَ عيْنٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ" (¬3). • وجه الدلالة: أن الحديث عام في قبول الإقرار بالولد سواء أكان ولد من زوجة، أم أمة، أم جهل نسبه لزنا أو غيره (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن من أقر بمجهول النسب لحق به لعدم وجود المخالف. ¬
[278/ 7]: إذا أقر الرجل بولده لم يكن له الرجوع فيه
[278/ 7]: إذا أقر الرجل بولده لم يكن له الرجوع فيه • المراد بالمسألة: إذا أقر الرجل -إقرارًا صحيحًا- بأبوته لولده لم يكن له الرجوع عن هذا الإقرار أو نفيه بعد ذلك، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من أقر بابن أمته أنه لا حق به) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (كولده من زوجته، فإن أقر به، لم يكن له نفيه بعد ذلك، لا نعلم فيه مخالف) (¬2). ابن مفلح (844 هـ) حيث قال: (ومن شرط نفي الولد ألا يوجد دليل على الإقرار به لأن الدليل على الإقرار به بمنزلة الإقرار به فإن أقر به لم يملك نفيه في قول أهل العلم) (¬3). الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (وعن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: من أقر بولده طرفة عين فليس له أن ينفيه (¬4). . . وهذا فيه دليل على أنه لا يصلح النفي للولد بعد الإقرار به، وهو مجمع عليه) (¬5). • مستند الإجماع: ما روي عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "إذا أقر الرجل بولده طرفة عين، لم يكن له نفيه" (¬6). ما رواه عبد الرزاق عن معمّر عن الزهري، وسُئل عن رجل ولدت ¬
[279/ 7]: إذا أقر المدعى عليه للمدعي بحق فلا يأخذ من ماله إلا ما يعطيه
امرأته ولدًا، فأقرّ به، ثمّ نفاه بعد، قال: يلحق به إذا أقرّ به (¬1). عن الشعبي قال: إذا اعترف الرجل بولده، ثمّ انتفى منه، فليس ذلك له، يلحق به وإن كره. وقال عامر: رأيت شريحًا فعل ذلك برجل من كندة، أقرّ بولده، ثمّ نفاه، فألحقه به، ثمّ التفت إلينا، فقال: لو كان هذا هكذا لأوشك أحدكم أن ينتفي ولده (¬2). عن إبراهيم أنه كان يقول: إذا أقر بولده فليس له أن ينتفى منه فإن انتفى منه ضرب الحد وألحق به الولد (¬3). • وجه الدلالة: واضح من الآثار السابقة أن الرجل الذي يقر بولده لا يجوز له أن يرجع وينفيه. • الموافقون على الإجماع: الأحناف (¬4)، المالكية (¬5)، الشافعية (¬6)، الحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه إذا أقر الرجل بولده لم يكن له الرجوع فيه لعدم وجود المخالف. [279/ 7]: إذا أقر المدعى عليه للمدعي بحق فلا يأخذ من ماله إلا ما يعطيه • المراد بالمسألة: من كان له حق على من يقر به ويبذله، لم يكن له أن ¬
يأخذ من ماله إلا ما يعطيه، لأن الخيرة إلى الغريم في تعيين ما يقضيه، فإن أخذ من ماله شيئًا بغير اختياره، لزمه رده، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وجملته: أنه إذا كان لرجل على غيره حق وهو مقر به باذل له لم يكن له أن يأخذ من ماله إلا ما يعطيه بلا خلاف بين أهل العلم) (¬1). عبد الرحمن بن قدامة (682 هـ) حيث قال: (إذا كان لرجل على غيره حق وهو مقر به باذل له لم يكن له أن يأخذ من ماله إلا ما يعطيه بلا خلاف) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي محمد بن أبي عدي عن حميد عن رجل من أهل مكة يقال له يوسف قال: كنت أنا ورجل من قريش نلي مال أيتام قال: وكان رجل قد ذهب مني بألف درهم قال: فوقعت له في يدي ألف درهم قال: فقلت للقرشي: إنه قد ذهب لي بألف درهم وقد أصبت له ألف درهم قال فقال القرشي: حدثني أبي أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أدِّ الأمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ" (¬3). • وجه الدلالة: أن من كان له على أحد حق فمنعه منه وقدر له على مال لم يأخذ منه مقدار حقه، لأن أخذ المال بغير علم صاحبه بحق أو بغير حق لا يجوز (¬4). أن الخيرة إلى الغريم في تعيين ما يقتضيه (¬5). • الموافقون على نقل الإجماع: الحنابلة (¬6)، والشافعية (¬7). ¬
[280/ 7]: إذا أقر المدين بدين ومنعه لمانع يبيح المنع لم يجز للدائن أخذ شيء من ماله
Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه إذا أقر المدعى عليه للمدعى بحق فلا يأخذ من ماله إلا ما يعطيه وذلك لعدم وجود المخالف. [280/ 7]: إذا أقر المدين بدين ومنعه لمانع يبيح المنع لم يجز للدائن أخذ شيء من ماله • المراد بالمسألة: هذه المسألة متممة للتي قبلها. . ومقصودها أن المدين إذا أقر بدين لآخر، ومنعه من رد الدين مانع يبيح المنع من تأجيل وإعسار ونحو ذلك، لم يجز للغريم أخذ شيء من مال المدين، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن كان مانعا له لأمر يبيح المنع كالتأجيل والإعسار (¬1) لم يجز أخذ شيء من ماله بغير خلاف) (¬2). . ونقله عنه شمس الدين ابن قدامة بالفظ والمعنى (¬3). • مستند الإجماع: أن منع المدين من رد الدين إلى الدائن مع إقراره به هو أمر يبيح المنع، فالدائن لا يجوز له أخذ شيء من مال المدين حتى يزول ما يبيح المنع (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الحنابلة (¬5)، والشافعية (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه إذا أقر المدين بدين ومنعه لمانع يبيح المنع لم يجز للدائن أخذ شيء من ماله لعدم وجود المخالف. [281/ 7]: لا يصح إقرار المجنون • المراد بالمسألة: أن المجنون لا يجوز إقراره بحال من الأحوال لأنه ¬
لا يعقل وكذلك الذي تنتابه حالات جنون وإفاقة إذا أقر وقت زوال العقل بالجنون، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث قال: (من أقر من البالغين غير المغلوبين على عقولهم بشيء يلزمه به عقوبة في بدنه من حد أو قتل أو قصاص أو ضرب أو قطع لزمه ذلك الإقرار حرًا كان أو مملوكا محجورا كان أو غير محجور عليه؛ لأن كل هؤلاء ممن عليه الفرض في بدنه، ولا يسقط إقراره عنه فيما لزمه في بدنه؛ لأنه إنما يحجر عليه في ماله لا بدنه، ولا عن العبد وإن كان مالا لغيره؛ لأن التلف على بدنه بشيء يلزمه بالفرض كما يلزمه الوضوء للصلاة وهذا ما لا أعلم فيه من أحد سمعت منه ممن أرضى خلافًا) (¬1). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من أقر على نفسه في حد واجب، بقتل أو سرقة في مجلسين مفترقين، وهو حر عاقل بالغ غير سكران ولا مكره، وكان ذلك الإقرار في غير مجلس الحاكم بحضرة بينة عدول، وغاب بين الإقرارين عن المجلس حتى لم يروه، ثم ثبت على إقراره حتى يقتل أو يقطع -على ما نذكره في كتاب الحدود إن شاء اللَّه- فقد أقيم عليه الحد الواجب) (¬2). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن المجنون والصبي غير المميز والصغير غير المأذون له لا يقبل إقرارهم ولا طلاقهم ولا تلزم عقودهم) (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا يصح الإقرار إلا من عاقل مختار. فأما الطفل، والمجنون، والمبرسم، والنائم، والمغمى عليه، فلا ¬
يصح إقرارهم. لا نعلم في هذا خلافًا) (¬1). شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): (أما المجنون الذي رفع عنه القلم فلا يصح شيء من عبادته باتفاق العلماء. . . . ولا تصح عقوده باتفاق العلماء، فلا يصح بيعه ولا شراؤه ولا نكاحه ولا طلاقه ولا إقراره ولا شهادته) (¬2). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (فأما الصبي والمجنون فلا يصح إقرارهما بغير خلاف نعلمه) (¬3). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (وركنه: ألفاظ فيما يجب به موجب الإقرار وشرطه: العقل والبلوغ بلا خلاف) (¬4). • مستند الإجماع: ما روي عن سليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ عن أبيه -رضي اللَّه عنهما- قالَ: جاءَ ماعزُ بنُ مالكٍ -رضي اللَّه عنه- إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لَهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَ ذلكَ، حتى إذَا كانتِ الرابعةُ قالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِمَّ أُطَهِّرُكَ"، قالَ: مِنَ الزِّنَا، فَسَأَلَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبِهِ جنونٌ"، فأُخْبِرَ أنهُ ليسَ بمجنونٍ، فقالَ: "أَشَرِبْتَ خَمْرًا"، فقامَ رجلٌ فاسْتَنْكَهَهُ فلمَ يَجِدْ منهُ ريحَ خمرٍ، فقالَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَثَيِّبٌ أنتَ"، قالَ: نعم، فَأَمَرَ بِهِ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُجِمَ (¬5). ما روي عن عليّ -رضي اللَّه عنه- سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "رُفع القلم عن ¬
ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه" (¬1). ما روي عن عائشةَ، عنِ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رُفِعَ القلمُ عنْ ثلاثةٍ، عنِ النائمِ حتى يستيقظَ، وعنِ الصغيرِ حتى يحتلمَ، وعنِ المجنونِ حتَّى يعقلَ" (¬2). وَقَالَ عَلِىٌّ لِعُمَرَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حتى يستيقظ (¬3). • ووجه الدلالة: خروج المجنون والصبى والنائم من خطاب التكليف الشرعي. • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم صحة إقرار المجنون وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[282/ 7]: قبول إقرار المجنون الذي يفيق ويجن إذا كان ذلك حال إفاقته
[282/ 7]: قبول إقرار المجنون الذي يفيق ويجن إذا كان ذلك حال إفاقته • المراد بالمسألة: أن المجنون الذي يفيق فترة ثم يزول عقله بالجنون ثم يفيق، إذا ارتكب ما يوجب الحد أو القصاص أثناء إفاقته، وأقر أثناء إفاقته بارتكاب ما يوجب الحد، وجب على القاضي الأخذ بإقراره لأنه ارتكب الفعل وأقر به حال الإفاقة وليس الجنون وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (فإن كان يجن مرة ويفيق أخرى، فأقر في إفاقته أنه زنى وهو مفيق، أو قامت عليه بينة أنه زنى في إفاقته، فعليه الحد، لا نعلم في هذا خلافا) (¬1). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل ولا خلاف في اعتبارهما للنصوص، ولأَنه إذا سقط عنه التكليف في العبادات، والإثم في المعاصي، فالحد المبني على الدرء بالشبهات أولى، فإن كان يفيق في وقت، فأقر فيه أنه زنى، وهو يفيق، فعليه الحد بغير خلاف نعلمه) (¬2). • مستند الإجماع: أن الزنى الموجب للحد وجد منه في حال تكليفه، والقلم غير مرفوع عنه، وإقراره وجد في حال اعتبار كلامه. فإن أقر في إفاقته، ولم يضفه إلى حال، أو شهدت عليه البينة بالزنى، ولم تضفه إلى حال إفاقته، لم يجب الحد؛ لأنه يحتمل أنه وجد في حال جنونه (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
[283/ 7]: لا يصح إقرار المعتوه
والشافعية (¬1)، الحنابلة (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول إقرار المجنون الذي يفيق ويجن في فترة إفاقته وذلك لعدم وجود الـ (*) [283/ 7]: لا يصح إقرار المعتوه • المراد بالمسألة: أن المعتوه (¬3) لا يصح إقراره على نفسه، كالمجنون، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا يصح الإقرار إلا من عاقل مختار. فأما الطفل، والمجنون، والمبرسم، والنائم، والمغمى عليه، فلا يصح إقرارهم. لا نعلم في هذا خلافًا) (¬4). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (فأما الصبي والمجنون فلا يصح إقرارهما، بغير خلاف نعلمه) (¬5). • مستند الإجماع: ما روي عن عليّ -رضي اللَّه عنه- سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه" (¬6). ما روي عن عائشةَ، عنِ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رُفِعَ القلمُ عنْ ثلاثةٍ، عنِ النائمِ حتَّى يستيقظَ، وعنِ الصغيرِ حتَّى يحتلمَ، وعنِ المجنونِ حتَّى ¬
[284/ 7]: صحة إقرار المحجور عليه بما يوجب حدا أو قصاصا
يعقلَ" (¬1). وَقَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ (¬2). • وجه الدلالة: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- نص على الثلاثة، والمبرسم والمغمى عليه في معنى المجنون والنائم (¬3). أنه قول من غائب العقل، فلم يثبت له حكم، كالبيع والطلاق (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على أنه لا يصح إقرار المعتوه وذلك لعدم وجود المخالف. [284/ 7]: صحة إقرار المحجور عليه بما يوجب حدًا أو قصاصًا • المراد بالمسألة: أن المحجور عليه حجر عليه بسبب ماله أو سفهه، ¬
فإن أقر بسرقة أو زنا أو قذف أو كل ما يوجب حد أو قصاص، فإن إقراره صحيح لأنه لا علاقة له بماله ولا بسفهه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث قال: (من أقر من البالغين غير المغلوبين على عقولهم بشيء يلزمه به عقوبة في بدنه من حد أو قتل أو قصاص أو ضرب أو قطع لزمه ذلك الإقرار حرا كان أو مملوكا محجورا كان أو غير محجور عليه؛ لأن كل هؤلاء ممن عليه الفرض في بدنه، ولا يسقط إقراره عنه فيما لزمه في بدنه؛ لأنه إنما يحجر عليه في ماله لا بدنه، ولا عن العبد وإن كان مالا لغيره؛ لأن التلف على بدنه بشيء يلزمه بالفرض كما يلزمه الوضوء للصلاة وهذا ما لا أعلم فيه من أحد سمعت منه ممن أرضى خلافا) (¬1). ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرار المحجور عليه على نفسه جائز، إذا كان إقراره بزنا، أو سرقة، أو شرب خمر، أو قذف، أو قتل، وأن الحدود تقام عليه) (¬2). نقله عنه بهاء الدين المقدسي باللفظ والمعنى (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإن إقرار المحجور عليه بما يوجب حدا أو قصاصا، أو طلق زوجته، لزمه ذلك، وجملته أن المحجور عليه، لفلس، أو سفه، إذا أقر بما يوجب حدا أو قصاصا، كالزنا، والسرقة، والشرب، والقذف، والقتل العمد، أو قطع اليد، وما أشبهها، فإن ذلك مقبول، ويلزمه حكم ذلك في الحال. لا نعلم في هذا خلافًا) (¬4). ¬
[285/ 7]: لا يقبل إقرار من زال عقله بسبب مباح
• مستند الإجماع: أنه غير متهم في حق نفسه، والحجر إنما تعلق بماله، فقبل إقراره على نفسه بما لا يتعلق بالمال (¬1). وأنه إنما يحجر عليه في ماله لا بدنه (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على صحة إقرار المحجور عليه بما يوجب حدًا أو قصاصا وذلك لعدم وجود المخالف. [285/ 7]: لا يقبل إقرار من زال عقله بسبب مباح • المراد بالمسألة: أن من زال عقله بسبب مباح يعذر فيه، فإن إقراره أثناء زوال عقله لا يسمع منه ولا يعمل به، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث قال: (من أقر من البالغين غير المغلوبين على عقولهم بشيء يلزمه به عقوبة في بدنه من حد أو قتل أو قصاص أو ضرب أو قطع لزمه ذلك الإقرار حرا كان أو مملوكا محجورا كان أو غير محجور عليه؛ لأن كل هؤلاء ممن عليه الفرض في ¬
بدنه، ولا يسقط إقراره عنه فيما لزمه في بدنه؛ لأنه إنما يحجر عليه في ماله لا بدنه، ولا عن العبد وإن كان مالا لغيره؛ لأن التلف على بدنه بشيء يلزمه بالفرض كما يلزمه الوضوء للصلاة وهذا ما لا أعلم فيه من أحد سمعت منه ممن أرضى خلافا) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ومن زال عقله بسبب مباح أو معذور فيه، فهو كالمجنون، لا يسمع إقراره. بلا خلاف) (¬2). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (أما من زال عقله بسبب مباح، فلا يصح إقراره بغير خلاف) (¬3). • مستند الإجماع: ما روي أن عليّ -رضي اللَّه عنه- قال سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه" (¬4). ما روي عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-، عنِ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رُفِعَ القلمُ عنْ ثلاثةٍ، عنِ النائمِ حتى يستيقظَ، وعنِ الصغيرِ حتى يحتلمَ، وعنِ المجنون حتى يعقلَ" (¬5). ما قاله علي لعمر -رضي اللَّه عنهما-: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصبي حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ" (¬6). ¬
[286/ 7]: قبول إقرار أهل الحرب بالنسب
• وجه الدلالة: من زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض فلا إقرار عليه لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ" فنص على المجنون ويقاس عليه كل من زال عقله بسبب مباح (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول إقرار من زال عقله بسبب مباح لعدم وجود المخالف. [286/ 7]: قبول إقرار أهل الحرب بالنسب • المراد بالمسألة: أن أهل الحرب سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين إذا دخلوا بلاد الإسلام وأقر بعضهم بنسب بعض، فإنهم يقروا على هذا النسب، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إن أهل الحرب إذا دخلوا إلينا مسلمين أو غير مسلمين فأقر بعضهم بنسب بعض، ثبت نسبهم كما يثبت نسب أهل دار الإسلام من المسلمين وأهل الذمة بإقرارهم، ولا نعلم في هذا خلافا) (¬5). • مستند الإجماع: ما رواه مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنيّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه قَالَ: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" (¬6). ¬
[287/ 7]: عدم تعدي إقرار أحد الورثة بدين على مورثه إلى باقي الورثة
• وجه الدلالة: أنه إقرار لا ضرر على أحد فيه، فقبل، كإقرارهم، بالحقوق المالية (¬1). القياس على إقرارهم بالحقوق المالية، فأهل الحرب يقبل إقرارهم بالحقوق المالية، فكذا إقرارهم بالنسب (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5) والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول إقرار أهل الحرب بالنسب وذلك لعدم وجود المخالف. [287/ 7]: عدم تعدي إقرار أحد الورثة بدين على مورثه إلى باقي الورثة • المراد بالمسألة: أنه إذا أقر أحد الورثة بدين على مورثه فإن الإقرار لا يتعدى إلى باقي الورثة، ويدفع من ميراثه بمقداره، فإذا كان ميراثه النصف لزمه من الدين نصفه، وإن كان ميراثه الثلث لزمه منه الثلث، وعلى هذا، لأنه إقرار يتعلق بحصته وحصة أخيه، فلا يلزمه إلا ما يخصه (¬7)، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وكذلك إن أقر بدين على أبيه، لزمه من الدين بقدر ميراثه، وجملة ذلك أن الوارث إذا أقر بدين على مورثه، قبل إقراره على نفسه ولا يسري على باقي الورثة، ¬
[288/ 7]: إقرار النسب لا يتبعض بإقرار أحد الورثة
بغير خلاف نعلمه) (¬1). • مستند الإجماع: أنه أقر بأمرين أحدهما على غيره والآخر على نفسه، فثبت فيما يتعلق به خاصة وهو المال، لأن الإقرار يقتصر على المقر ولا يتعداه إلى غيره إجماعًا، وهذا من قبيل الإقرار على الغير، فلا يصح بحال (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم تعدي إقرار أحد الورثة بدين على مورثه إلى باقي الورثة وذلك لعدم وجود المخالف. [288/ 7]: إقرار النسب لا يتبعض بإقرار أحد الورثة • المراد بالمسألة: أنه لو أقر أحد الورثة بوارث آخر في حين رفض باقي الورثة هذا الإقرار، فإن النسب لا يُعترف به لأنه لا يتبعض، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وجملة ذلك أن أحد الوارثين إذا أقر بوارث ثالث مشارك لهما في الميراث لم يثبت النسب بالإجماع، لأن النسب لا يتبعض فلا يمكن إثباته في حق المقر ¬
[289/ 7]: مشروعية إقرار الصحيح بمال لوارث
دون المنكر ولا يمكن إثباته في حقهما لأن أحدهما منكر) (¬1). القرافي (684 هـ) حيث قال: (لا يثبت النسب بإقرار بعض الورثة، لأنه لا يتبعض في حق المقر دون غيره، فلا جرم لم يثبت إجماعًا، ولا يثبت الإرث، لأنه فرعه) (¬2). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (وإن أقر بعضهم لوارث مشارك لهم في الميراث لم يثبت نسبه بالإجماع، لأن النسب لا يتبعض، فلا يمكن إثباته في حق المقر، دون المنكر ولا إثباته في حقهما، لأن الآخر منكر، فلا يقبل إقرار غيره عليه) (¬3). • مستند الإجماع: لأن النسب لا يتبعض فلا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر ولا يمكن إثباته في حقهما لأن أحدهما منكر (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن إقرار النسب لا يتبعض بإقرار أحد الورثة وذلك لعدم وجود المخالف. [289/ 7]: مشروعية إقرار الصحيح بمال لوارث • المراد بالمسألة: أن كل من أقر لوارث أو غير وارث في صحته بشيء من المال أو الدين أو البراءة أو قبض أثمان المبيعات فإقراره عليه جائز لا تلحقه فيه تهمة، والأجنبي والوارث في ذلك سواء، وكذا القريب والبعيد والعدو والصديق في الإقرار في الصحة (¬7)، وقد نقل الإجماع على ¬
[290/ 7]: صحة إقرار المريض مرض الموت لأجنبي بدين يحيط بكل ماله
ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن إقرار الصحيح للوارث ولغير الوارث بالدين جائز من رأس المال، كان له ولد أو لم يكن) (¬1). . وقال في موضع آخر: (ولا يختلفون أن إقرار الصحيح لوارث لازم في رأس المال) (¬2). • مستند الإجماع: أنه لا حق لأحد في مال الصحيح ولا تهمة في إقراره، فإنه ممكن من تحصيل مقصوده بطريق الإنشاء (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على مشروعية إقرار الصحيح بمال لوارث وذلك لعدم وجود المخالف. [290/ 7]: صحة إقرار المريض مرض الموت لأجنبي بدين يحيط بكل ماله • المراد بالمسألة: إذا أقر المريض مرض الموت لأجنبي بدين، وكان هذا الدين يحيط بجزء من مال المقر أو جميعه، فإن الإقرار صحيح، وقد نقل الإجماع على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: (وأجمع أهل العلم على أن رجلا لو أقر لأجنبي بدين، يحيط بجميع ماله، في مرضه ومات، أن ذلك جائز) (¬1). ابن قدامه (620 هـ) حيث قال: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن إقرار المريض في مرضه لغير الوارث جائز) (¬2). النووي (676 هـ) حيث قال: (يصحّ إقرار المريض مرض الموت لأجنبيٍّ بمالٍ، عينًا كان أو دينًا، وهو كإقرار الصحيح، ويكون من رأس المال بالإجماع (¬3). الكاساني (587 هـ) حيث قال: (وهو ما روي عن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما أنه قال: إذا أقر المريض بدين لأجنبي جاز ذلك من جميع تركته ولم يعرف له فيه من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم مخالف فيكون إجماعًا) (¬4). • مستند الإجماع: ما روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِذَا أَقَرَّ لأَجْنَبِيِّ. أنه في الإقرار للأجنبي غير متهم فيصح، كالإقرار في الصحة (¬5). أن حالة المرض أقرب إلى الاحتياط لنفسه، وإبراء ذمته، وتحري الصدق، فكان أولى بالقبول. وفارق الإقرار للوارث، لأنه متهم فيه (¬6). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬7)، والمالكية (¬8)، ¬
والشافعية (¬1)، وجمهور الحنابلة (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة بعض الحنابلة حيث يرون عدم صحة هذا الإقرار مطلقًا، وهناك رواية ثالثة أنه لا يقبل إقراره بزيادة على الثلث، وقد نقل الخلاف ابن قدامة المقدسي حيث قال: والإقرار بدين في مرض موته، كالإقرار في الصحة، إذا كان لغير وارث، هذا ظاهر المذهب. وهو قول أكثر أهل العلم، وحكى أصحابنا رواية أخرى؛ أنه لا يقبل؛ لأنه إقرار في مرض الموت، أشبه الإقرار لوارث. وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى أنه لا يقبل إقراره بزيادة على الثلث؛ لأنه ممنوع من عطية ذلك لأجنبي، كما هو ممنوع من عطية الوارث، فلا يصح إقراره بما لا يملك عطيته، بخلاف الثلث فما دون (¬3). • دليل هذا القول: القياس على إقرار المريض موض الموت بدين يحيط بجزء من ماله أو أغلبه أو جميعه لأحد الورثة أنه لا يجوز فكذا الإقرار للأجنبي (¬4). أما دليل من مصر ذلك على الثلث فما دون: أنه ممنوع من عطية ذلك لأجنبي، كما هو ممنوع من عطية الوارث، فلا يصح إقراره بما لا يملك عطيته، بخلاف الثلث فما دون (¬5).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على صحة إقرار المريض مرض الموت بدين يحيط بكل ماله لوجود المخالف. ¬
[291/ 7]: قبول إقرار المريض بوارث
[291/ 7]: قبول إقرار المريض بوارث • المراد بالمسألة: أن المريض مرض الموت إذا أقر بوارث، فإن إقراره صحيح ويترتب عليه أثره من استحقاق الميراث للمقر له، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن المريض إذا أقر بوارث صح إقراره) (¬1). الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: (وقع الاتفاق أنه لو أقر بوارث آخر صح إقراره) (¬2). • مستند الإجماع: أنه عند الإقرار غير وارث، فيصح كما لو لم يصر وارثًا، ويمكن بناء هذه المسألة على ما إذا أقر لغير وارث ثم صار وارثًا فمن صحح الإقرار صححه هاهنا ومن أبطله أبطله (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، ورواية عند الحنابلة (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة بعض الحنابلة حيث يرون أن ¬
[292/ 7]: عدم قبول الإقرار الذي يحتمل الشك أو التأويل
إقرار المريض بوارث لا يصح (¬1)، وقد نقل الخلاف ابن قدامة رحمه اللَّه حيث قال: ويصح إقرار المريض بوارث في أحدى الروايتين. والأخرى لا يصح لأنه إقرار لوارث فأشبه الإقرار له بمال. والأول أصح (¬2). • دليل هذا القول: لأن إقرار المريض مرض الموت بوارث يشبه إقراره لوارث بمال وهو غير جائز (¬3).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على قبول إقرار المريض بوارث لوجود المخالف. [292/ 7]: عدم قبول الإقرار الذي يحتمل الشك أو التأويل • المراد بالمسألة: أن المقر يجب أن يقصد ما أقر به بكلام واضح مفهوم لا يحتمل الشك أو التأويل، فلا يؤخذ في الإقرار إلا باليقين ويطرح الشك والغلبة أبدا، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه لو قال علي كذا وكذا فيما أظن أنه لا يلزمه شيء) (¬4). محمد بن عبد اللَّه الخرشي (1101 هـ) حيث قال: (قوله فيما أعلم أو أظن أو ما أشك أو أتوهم فلا يلزمه إقرار اتفاقًا) (¬5). الدسوقي (1320 هـ) حيث قال: (بعبارة تدل على أن مراده الإقرار أو عدمه، أي وإلا كان إقرارًا اتفاقًا في الأول وغير إقرار اتفاقًا في الثاني. وقوله: (فإقرار قطعًا) أي وأما أشك أو أتوهم أو في شكي أو وهمي فلا ¬
يلزمه إقرار اتفاقًا) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن سليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ عن أبيه -رضي اللَّه عنهما- قالَ: جاءَ ماعزُ بنُ مالكٍ -رضي اللَّه عنه- إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْني، فقالَ لَهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَ ذلكَ، حتى إذَا كانتِ الرابعةُ قالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِمّ أُطَهِّرُكَ"، قالَ: مِنَ الزِّنَا، فَسَأَلَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبِهِ جنونٌ"، فأُخْبِرَ أنهُ ليسَ بمجنونٍ، فقالَ: "أَشَرِبْتَ خَمْرًا"، فقامَ رجلٌ فاسْتَنْكَهَهُ فلمَ يَجِدْ منهُ ريحَ خمرٍ، فقالَ النبيُّ (-صلى اللَّه عليه وسلم-): "أَثَيِّبٌ أنتَ"، قالَ: نعم، فَأَمَرَ بِهِ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُجِمَ. (¬2) • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تحقق من قصد ماعز، وتبين من قصده لإقراره دون شك (¬3). ما روي عن ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه أنه أتي بسوداء يقال لها سلامة فقال: أسرقت قولي لا، قالوا: أتلقنها؟ قال: جئتموني بأعجمية لا تدري ما يراد بها حين تفسر فأقطعها (¬4). • وجه الدلالة: أن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- لم يقطع يد السارقة للشك ¬
[293/ 7]: يجوز الرجوع عن الإقرار المتضمق حقا من حقوق الله
في الإقرار (¬1). 3 - القياس على الشهادة، فالإقرار لا يجوز بالشك كما لا تجوز الشهادة بالظن (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم قبول الإقرار المشكوك فيه وذلك لعدم وجود المخالف. [293/ 7]: يجوز الرجوع عن الإقرار المتضمق حقًا من حقوق اللَّه • المراد بالمسألة: أن المقر يجوز له الرجوع عن إقراره إذا كان الإقرار في حق من حقوق اللَّه تعالى، وليس في حق من حقوق العباد، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الميرغناني (530 هـ) حيث قال: (ولا معتبرا لما قال) مِنْ أنه يُفْضِي إلى سد باب الحد (بدليل صحة الرجوع بعد الإقرار) إجماعًا (¬7). ¬
شيخي زادة (1078 هـ) حيث قال: (لأن الشبهة دارئة للحد فتحقق بمجرد الدعوى بدليل صحة الرجوع بعد الإقرار إجماعًا) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن سليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ عن أبيه -رضي اللَّه عنهما- قالَ: جاءَ ماعزُ بنُ مالكٍ -رضي اللَّه عنه- إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لَهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَ ذلكَ، حتَّى إذَا كانتِ الرابعةُ قالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِمَّ أُطَهِّرُكَ"، قالَ: مِنَ الزِّنَا، فَسَألَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبِهِ جنونٌ"، فأُخْبِرَ أنهُ ليسَ بمجنونٍ، فقالَ: "أَشَرِبْتَ خَمْرًا"، فقامَ رجلٌ فاسْتَنْكَهَهُ فلمَ يَجِدْ منهُ ريحَ خمرٍ، فقالَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَثَيِّبٌ أنتَ"، قالَ: نعم، فَأَمَرَ بِهِ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُجِمَ (¬2). • وجه الدلالة: فيه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لقن المقر الرجوع، فلو لم يصح رجوعه لما لقنه ذلك (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
[294/ 7]: يكتفى بالإقرار مرة واحدة في غير الحد
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2).Rصحة ما تقل من الإجماع على مشروعية الرجوع عن الإقرار المتضمن حقا من حقوق اللَّه وذلك لعدم وجود المخالف. [294/ 7]: يكتفى بالإقرار مرة واحدة في غير الحد • المراد بالمسألة: أن المقر يكفيه مرة واحدة في غير الحدود ليصح إقراره، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: (لإجماعهم على أنه يلزم في غير الحدود الإقرار مرة واحدة) (¬3). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (ولا خلاف بينهم أن الإقرار مرة واحدة عامل في المال) (¬4). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ويكفي في الإقرار مرة واحدة في قول أهل العلم) (¬5). • مستند الإجماع: ما رواه البخاري عن أبي هريرةَ وزيد بن خالدٍ الجهنيِّ -رضي اللَّه عنهما- أنهما قالا: "إِنَّ رجُلًا منَ الأعرابِ أتى رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّهِ أنشُدُكَ اللَّهَ إِلّا قَضَيتَ لي بكتابِ اللَّهِ. فقال الخَصمُ الآخرُ -وهو أفقهُ منهُ-: نعم فاقضِ بَينَنا بكتابِ اللَّهِ وائذَنْ لي. فقال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: قُلْ. قال: إِنَّ ابني كان عسِيفًا على هذا فزَنى بامرأتهِ، وإِني أخبِرْتُ ¬
أن على ابني الرَّجمَ فافتَدَيتُ منه بمائةِ شاةٍ ووَليدةٍ، فسألتُ أهلَ العلم فأخبَروني أنَّما على ابني جَلدُ مائةٍ وتَغريبُ عامٍ، وأنَّ على امرأةِ هذا الرجمَ. فقال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: والذي نفسي بيدِه لأقْضِينَّ بينكما بكتابِ اللَّهِ: الوَليدةُ والغَنمُ رَدٌّ، وعلى ابنِكَ جَلدُ مائةٍ وتَغريبُ عامٍ. اغْدُ يا أُنَيْسُ إلى امرأةِ هذا فإنِ اعترَفَتْ فارجُمْها. قال: فغَدا عليها فاعتَرَفتْ، فأمرَ بها رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فرُجمَتْ" (¬1). • وجه الدلالة: فيه دليل لمن قال إنه يكفي الإقرار مرة واحدة (¬2). ما روي عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: "أَنَّ جاريةً وَجِدَ رَأسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَسَأَلُوهَا: مَنْ صَنَعَ بِكِ هذَا؟ فُلانٌ فلانٌ؟ حَتى ذَكَرُوا يَهُوديًّا فَأَوْمَأَتْ بَرأسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يُرَضَّ رَأسُهُ بَيْنَ حَجَريْنِ" (¬3). • وجه الدلالة: وفي قوله: "فأقر" دليل على أنه يكفي الإقرار مرة واحدة إذ لا دليل على أنه كرر الإقرار (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[296/ 7]: اشتراط الإقرار أربع مرات للحد في الزنا
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والشوكاني (¬3).Rصحة ما نقل من الإجماع على الاكتفاء بالإقرار مرة واحدة في غير الحد وذلك لعدم وجود المخالف. [296/ 7]: اشتراط الإقرار أربع مرات للحد في الزنا • المراد بالمسألة: أن القاضي يحد من أقر بالزنا في أربع مرات مختلفة في مجالس متفرقة إذا ظل متمسكًا بإقراره ولم يتراجع عنه وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن من أقر بالزنا وهو حر بالغ غير سكران ولا مكره، في أربع مجالس متفرقة -كما ذكرنا في المسألة التي قبلها- وثبت على إقراره حتى أقيم عليه جميع الحد، فإنه قد أقيم عليه الحد الواجب) (¬4). • مستند الإجماع: ما رواه الإمام مالك في الموطأ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَن رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه وَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. فَأَمَرَ بِهِ رَسُول اللَّه فَرُجِمَ (¬5). عن جابرِ بنِ عبدِ اللَّه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ رجلًا من أَسْلَمَ شَهِدَ عندهُ بالزِّنَا على نَفْسِهِ أربعَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وكان قد أُحْصِنَ (¬6). ¬
• وجه الدلالة: من أجل ذلك يؤخذ الرجل باعترافه على نفسه أربع مرات كما نصت على ذلك الأحاديث السابقة (¬1). ما روي عن أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "أتى رجل من الأسلميين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في المسجد، فقال: يا رسول اللَّه، إني زنيت. فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول اللَّه، إني زنيت. فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول اللَّه، إني زنيت. فأعرض عنه، حتى ثنى ذلك أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أبك جنون؟ . قال: لا. قال: فهل أحصنت؟ . قال: نعم. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ارجموه". • وجه الدلالة: لو وجب الحد بمرة، لم يعرض عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه لا يجوز ترك حد وجب للَّه تعالى (¬2). فلو كان الإقرار مرة مظهرًا للحد لما أخره رسول اللَّه إلى الأربع، لأن الحد بعد ما ظهر وجوبه للإمام لا يحتمل التأخير (¬3). ما روي عن سليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ عن أبيه -رضي اللَّه عنهما- قالَ: جاءَ ماعزُ بنُ مالكٍ -رضي اللَّه عنه- إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لَهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَ ذلكَ، حتَّى إذَا كانتِ الرابعةُ قالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِمَّ أُطَهِّرُكَ"، قالَ: مِنَ الزِّنَا، فَسَأَلَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبِهِ جنونٌ"، فأُخْبِرَ أنهُ ليسَ بمجنونٍ، فقالَ: ¬
"أَشَرِبْتَ خَمْرًا"، فقامَ رجلٌ فاسْتَنْكَهَهُ فلمَ يَجِدْ منهُ ريحَ خمرٍ، فقالَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَثَيِّبٌ أنتَ"، قالَ: نعم، فَأَمَرَ بِهِ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُجِمَ (¬1). • وجه الدلالة: من وجهين؛ أحدهما، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقره على هذا، ولم ينكره، فكان بمنزلة قوله؛ لأنه لا يقر على الخطأ. الثاني: أنه قد علم هذا من حكم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لولا ذلك ما تجاسر على قوله بين يديه. فأما أحاديثهم، فإن الاعتراف لفظ المصدر يقع على القليل والكثير، وحديثنا يفسره، ويبين أن الاعتراف الذي يثبت به كان أربعا (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، الحنابلة (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الشافعية وابن أبي ليلى، فقال الشافعي: يقام بالإقرار مرة واحدة، وقال ابن ليلى رحمه اللَّه تعالى: يقام بالإقرار أربع مرات، وإن كان في مجلس واحد (¬5). • دليل هذا القول: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها". الغامدية لما جاءت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالت: إن بي حبلا من الزنا، قال: اذهبي حتى تضعي حملك ثم رجمها. • وجه الدلالة: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يشترط الأقارير الأربعة واعتبر هذا الحق ¬
[297/ 7]: صحة الإقرار بالمجمل
بسائر الحقوق فما يندرئ بالشبهات، وما لا يندرئ بالشبهات يثبت بالإقرار الواحد (¬1).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على اشتراط الإقرار أربع مرات بالزنا حتى يقام الحد لوجود المخالف. [297/ 7]: صحة الإقرار بالمجمل • المراد بالمسألة: أن المقر لو أقر للمقر له بأنه له عنده عبد بعمامة أو بعمامته أو دابة بسرج أو بسرجها أو سيف بقراب أو بقرابه أو دار بفرشها أو سفرة بطعامها أو سرج مفضض أو ثوب مطرز لزمه ما ذكره (¬2)، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (إن قال: له عندي دابة بسرجها، أو دار بفرشها، أو سفينة بطعامها. كان مقرا بهما بغير خلاف؛ لأن الباء تعلق الثاني بالأول) (¬3). المرداوي (885 هـ) حيث قال: (لو قال "له عندي عبد بعمامة" أو "بعمامته" أو "دابة بسرج" أو "بسرجها" أو "سيف بقراب" أو "بقرابه" أو "دار بفرشها" أو "سفرة بطعامها" أو "سرج مفضض" أو "ثوب مطرز" لزمه ما ذكره بلا خلاف أعلمه) (¬4). البهوتي (1051 هـ) حيث قال: (لو قال له: عندي عبد بعمامة أو بعمامته أو دابة بسرج أو مسرجة أو دار بفرشها أو سفرة بطعامها أو سرج مفضض أو ثوب مطرز لزمه ما ذكره بلا خلاف أعلمه) (¬5). ¬
[298/ 7]: صحة الإقرار بالمجهول
• مستند الإجماع: لأن الباء تعلق الثاني بالأول (¬1). فالباء إذا دخلت على الظرف كانت في استعمالهم بمعنى في كثير، فتحمل عليه (¬2) أن الوصف يبين الموصوف ويوضحه فلا يغايره (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الشافعية (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على قبول الإقرار المجمل لعدم وجود المخالف. [298/ 7]: صحة الإقرار بالمجهول • المراد بالمسألة: أن الإقرار يصح وإن كان بشيء مجهول، كأن يقول المقر لفلان عندي أمانة أودعني إياها، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإذا قال: لفلان علي شيء. أو كذا. صح إقراره، ولزمه تفسيره. وهذا لا خلاف فيه) (¬5). القرافي (684 هـ) حيث قال: (لا يشترط أن يكون معلوما، بل يصح في المجهول ووافقنا الأئمة في صحة الإقرار بالمجهول) (¬6). شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: (ولو وصى لمعين إذا فعل فعلا، أو وصى لمطلق موصوف: فكل من الوصيتين جائز باتفاق ¬
الأئمة فإنهم لا يتنازعون في جواز الوصية بالمجهول، ولم يتنازعوا في جواز الإقرار بالمجهول) (¬1). وقال في موضع آخر: (فإنهم لا ينازعون في جواز الوصية بالمجهول؛ ولم يتنازعوا في جواز الإقرار بالمجهول) (¬2). . وقال في موضع ثالث: (الشاهد يشهد بما سمعه من كلام المقر، والإقرار يصح بالمعلوم والمجهول والمتميز وغير المتميز، وإذا قامت بينة أخرى بتعيين ما دخل في اللفظ جاز ذلك وعمل بموجب شهادتهم، كما لو أقر المقر لفلان بن فلان عندي كذا وإن داري الفلانية أو المحدودة بكذا لفلان ثم شهد شاهدان بأن هذا المعين هو المسمى والموصوف أو المحدود فإن هذا يجوز باتفاق الأئمة) (¬3). الزيلعي (762 هـ) حيث قال: (ويصح دعوى الإقرار بالمجهول بلا خلاف) (¬4). زكريا الأنصاري (926 هـ) حيث قال: (فيصح الإقرار بالمجهول للإجماع وللحاجة ولحفظ الحقوق إذ لو ألغينا إقراره لأضررنا بالمقر له) (¬5). ابن حجر (974 هـ) حيث قال: (ويصح الإقرار بالمجهول إجْمَاعًا) (¬6) شهاب الدين الرملي (1004 هـ) حيث قال: (ويصح) (الإقرار بالمجهول) إجماعًا (¬7). ابن عابدين (1252 هـ) حيث قال: (إن جهالة نفس المقر به لا تمنع صحة الإِقْرار اتفاقًا) (¬8). ¬
[299/ 7]: اشتراط البلوغ في المقر
• مستند الإجماع: لأن المدعي إذا لم يصحح دعواه، فله داع إلى تحريرها، والمقر لا داعي له إلا التحرير، ولا يؤمن رجوعه عن إقراره، فيضيع حق المقر له، فألزمناه إياه مع الجهالة (¬1). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على صحة الإقرار بالمجهول لعدم وجود المخالف. [299/ 7]: اشتراط البلوغ في المقر • المراد بالمسألة: أنه يشترط في المقر حتى يقضى بإقراره أن يكون بالغًا، وقد نقل إجماع العلماء على ذلك. ¬
• من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) حيث قال: (من أقر من البالغين غير المغلوبين على عقولهم بشيء يلزمه به عقوبة في بدنه من حد أو قتل أو قصاص أو ضرب أو قطع لزمه ذلك الإقرار حرًا كان أو مملوكًا محجورًا كان أو غير محجور عليه؛ لأن كل هؤلاء ممن عليه الفرض في بدنه، ولا يسقط إقراره عنه فيما لزمه في بدنه؛ لأنه إنما يحجر عليه في ماله لا بدنه، ولا عن العبد وإن كان مالا لغيره؛ لأن التلف على بدنه بشيء يلزمه بالفرض كما يلزمه الوضوء للصلاة وهذا ما لا أعلم فيه من أحد سمعت منه ممن أرضى خلافًا) (¬1). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من أقر على نفسه في حد واجب، بقتل أو سرقة في مجلسين مفترقين، وهو حر عاقل بالغ غير سكران ولا مكره، وكان ذلك الإقرار في غير مجلس الحاكم بحضرة بينة عدول، وغاب بين الإقرارين عن المجلس حتى لم يروه، ثم ثبت على إقراره حتى يقتل أو يقطع -على ما نذكره في كتاب الحدود إن شاء اللَّه- فقد أقيم عليه الحد الواجب) (¬2). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أن الحر البالغ إذا أقر بحق معلوم من حقوق الآدميين لزمه إقراره ولم يكن له الرجوع فيه) (¬3). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا يصح الإقرار إلا من عاقل مختار. فأما الطفل والمجنون والمبرسم والنائم والمغمى عليه فلا يصح إقرارهم. لا نعلم في هذا خلافًا) (¬4). ¬
المنهاجي الأسيوطي (880 هـ) حيث قال: (اتفق الأئمة -رضي اللَّه عنهم- على أن الحر البالغ إذا أقر بحق معلوم من حقوق الآدميين، لزمه إقراره) (¬1). بدر الدين العيني (855 هـ) حيث قال: (وركنه: ألفاظ فيما يجب به موجب الإقرار، وشرطه: العقل والبلوغ بلا خلاف) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عن عليّ -رضي اللَّه عنه- سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه" (¬3). ما روي عن عائشةَ، عنِ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: "رُفِعَ القلمُ عنْ ثلاثةٍ، عنِ النائمِ حتى يستيقظَ، وعنِ الصغيرِ حتى يحتلمَ، وعنِ المجنونِ حتى يعقلَ" (¬4). وَقَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ (¬5). • وجه الدلالة: أن الأحاديث السابقة تدل على أن المؤاخذة مرتبطة بالبلوغ، ومن ذلك الإقرار فهو لا يعتبر إلا إذا كان المقر بالغًا (¬6). ¬
[300/ 7]: اشتراط الإشهاد على الإقرار
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على اشتراط البلوغ لصحة الإقرار وذلك لعدم وجود المخالف. [300/ 7]: اشتراط الإشهاد على الإقرار • المراد بالمسألة: أنه يجوز الحكم بالإقرار إذا سمع الإقرار في مجلس القاضي شاهدين، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا خلاف في أن للحاكم أن يحكم بالبينة والإقرار في مجلس حكمه، إذا سمعه معه شاهدان) (¬5). ابن القيم (751 هـ) حيث قال: (ويحكم بإقرار الخصم في مجلسه إذا سمعه معه شاهدان بغير خلاف) (¬6). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (ولا خلاف في أنه يجوز له الحكم بالإقرار والبينة في مجلسه إذا سمعه معه شاهدان) (¬7). المرداوي (885 هـ) حيث قال: (يجوز له الحكم بالإقرار والبينة في مجلسه، إذا سمعه معه شاهدان بلا نزاع) (¬8). ¬
[301/ 7]: اشتراط الحرية في المقر في غير الحدود والقصاص
البهوتى (1051 هـ) حيث قال: (فإن لم يسمعه) أي الإقرار والبينة (معه) أي مع الحاكم (أحد أو سمعه) معه (شاهد واحد فله) الحكم (أيضا) نص عليه في رواية حرب لأن الحكم أيضا ليس بمحض الحكم بالعلم ولا يضر رجوع المقر قال القاضي لا يحكم به لأنه حكم بعلمه (والأولى) أو يحكم (إذا سمعه معه شاهدان) خروجا من الخلاف (¬1). • مستند الإجماع: أن القاضي لا يحكم بالإقرار في مجلسه حتى يسمعه معه شاهدان؛ دفعًا للتهمة عنه (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على اشتراط الإشهاد على المقر لعدم وجود المخالف. [301/ 7]: اشتراط الحرية في المقر في غير الحدود والقصاص المراد بالمسألة: أنه يشترط في المقر حتى يقضى بإقراره أن يكون حرًا، وقد نقل إجماع العلماء على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من أقر على نفسه في حد واجب، بقتل أو سرقة في مجلسين مفترقين، وهو حر عاقل بالغ غير سكران ولا مكره، وكان ذلك الإقرار في غير مجلس الحاكم بحضرة بينة عدول، وغاب بين الإقرارين عن المجلس حتى لم يروه، ثم ثبت على إقراره حتى يقتل أو يقطع -على ما نذكره في كتاب ¬
الحدود إن شاء اللَّه- فقد أقيم عليه الحد الواجب) (¬1). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتففوا على أن الحر البالغ إذا أقر بحق معلوم من حقوق الآدميين لزمه إقراره ولم يكن له الرجوع فيه) (¬2). الأسيوطي (880 هـ) حيث قال: (اتفق الأئمة -رضي اللَّه عنهم- على أن الحر البالغ إذا أقر بحق معلوم من حقوق الآدميين، لزمه إقراره) (¬3). • مستند الإجماع: أن العبد المحجور عليه يتأخر إقراره بالمال إلى ما بعد العتق، وكذا المأذون له يتأخر إقراره بما ليس من باب التجارة كإقراره بالمهر بوطء امرأة تزوجها بغير إذن مولاه وكذا إذا بجناية موجبة للمال لا يلزمه، لأن الإذن لم يتناول إلا التجارة فلم يكن له مسلطًا عليه بخلاف ما إذا أقر بالحدود والقصاص (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8).Rصحة ما نقل من الإجماع على اشتراط الحرية في المقر لصحة إقراره وذلك لعدم وجود المخالف. ¬
[302/ 7]: استحباب تلقين المقر بالرجوع
[302/ 7]: استحباب تلقين المقر بالرجوع • المراد بالمسألة: أن المقر الذي يقر على نفسه بحد، يستحب أن يلقن بالرجوع عن إقراره، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (567 هـ) حيث قال: (أجمعوا على أن تلقين المقر الرجوع عن الإقرار بالحدود إما بالتعريض وإما بأوضح منه ليُدْرَأ عنه الحد مستحب) (¬1). النووي (676 هـ) حيث قال: (وقد جاء تلقين الرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم واتفق العلماء عليه) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عن سليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ عن أبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ: جاءَ ماعزُ بنُ مالكٍ -رضي اللَّه عنه- إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَيْحَكَ ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْجِعْ فاسْتَغْفِرِ اللَّه وتُبْ إليهِ"، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاءَ فقالَ: يا رسولَ اللَّه طَهِّرْنِي، فقالَ لَهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَ ذلكَ، حتَّى إذَا كانتِ الرابعةُ قالَ لهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِمَّ أُطَهِّرُكَ"، قالَ: مِنَ الزِّنَا، فَسَألَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبِهِ جنونٌ"، فأُخْبِرَ أنهُ ليسَ بمجنونٍ، فقالَ: "أَشَرِبْتَ خَمْرًا"، فقامَ رجل فاسْتَنْكَهَهُ فلمَ يَجِدْ منهُ ريحَ خمرٍ، فقالَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَثَيِّبٌ أنتَ"، قالَ: نعم، فَأَمَرَ بِهِ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرُجِمَ (¬3). ¬
ما روي عن أبو هريرة قال أَنَّ رسولَ اللَّه أُتِيَ بسارقٍ سَرَقَ شَمْلةً، فقالوا: يا رسولَ اللَّه إِنَّ هَذَا قَدْ سَرَقَ، فقالَ رسولُ اللَّه: "مَا إِخَالُهُ سَرَقَ"، قالَ السارقُ: بَلَى يا رسولَ اللَّه، فقالَ رسولُ اللَّه: "اذْهَبُوا بِهِ فاقْطَعُوهُ ثم احْسِمُوهُ، ثم ائْتُونِي بِه"، فَقُطِعَ فَأَتِيَ بِهِ فقالَ: "تُبْ إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ"، قالَ: تُبْتُ إلى اللَّه، قالَ: "تَابَ اللَّه عليكَ" (¬1). ما روي عن يزيدَ بنِ نَعْيمِ بنِ هَزَّالٍ الأَسْلَمِيِّ عن أبيه أَنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالَ في ماعزٍ لمَّا ذَهَبَ: "هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ، فَلَعَلَّة يتوبُ فيتوبَ اللَّه عليهِ"، وقالَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا هَزَّالُ لو كنت سَتَرْتَ عليهِ بثوبِكَ، لكانَ خيرًا لكَ مما صَنَعْتَ" (¬2). • وجه الدلالة: الأحاديث واضحة الدلالة على استحباب تلقين المقر بالرجوع، وقد فعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله "ما أخاله سرق" وبقوله "هلا تركتموه". وما روي عن يزيد بن أبي كبشة أن أبا الدرداء أُتي بامرأة قد سرقت، فقال لها: سلامة أسرقت؟ قولي: لا (¬3). ما روي عن ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه أنه أتي بسوداء يقال لها سلامة فقال: أسرقت قولي لا، قالوا: أتلقنها؟ قال: جئتموني بأعجمية لا تدري ما يراد بها حين تفسر فأقطعها (¬4). ¬
[303/ 7]: الصلح على الإقرار
• الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬1)، والمالكية (¬2).Rصحة ما نقل من الإجماع على استحباب تلقين المقر بالرجوع لعدم وجود المخالف. [303/ 7]: الصلح على الإقرار • المراد بالمسألة: أن صلح الخصمين على الإقرار جائز، وقد نقل الإجماع على جوازه عدد من العلماء. • من نقل الإجماع: بدر الدين العيني ت (855 هـ) حيث قال: (الصلح على الإقرار متفق عليه) (¬3). محمد بن عاصم الأندلسي (829 هـ) حيث قال: (اتفق العلماء على جواز الصلح على الإقرار والإنكار إن كان عن طوع من المتصالحين) (¬4). علي بن محمد بن جبريل المنوفي المصري ت (939 هـ) حيث قال: (وَيجُوزُ) الصلح (عَلَى الإقْرَار) اتفاقًا (¬5). ميارة المالكي (1072 هـ) حيث قال: (الصلح على الإقرار جائز، وأن جوازه متفق عليه عند العلماء) (¬6). • مستند الإجماع: ما روي عن كثِيرُ بنُ عَبْدِ اللَّه بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ المُزْنِيُّ عنْ أبِيهِ، عنْ جَدِّهِ، أن رَسُولَ اللَّه قالَ: "الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ. إلا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أوْ أحَلَّ حَرَامًا. والمُسْلِمُونَ عَلَى ¬
شُرُوطِهِمْ، إلا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أوْ أحَلَّ حَرَامًا" (¬1). وما روي عن مُحَارِبٍ قالَ: قالَ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: رُدُّوا الخصومَ حتَّى يَصْطَلِحُوا، فإنَّ فَصْلَ القضاءِ يُحْدِثُ بينَ القومِ الضغائنَ (¬2). • وجه الدلالة: عموم الأحاديث الوارد في الصلح ومنها الصلح على الإقرار بين الخصوم (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
Rصحة ما نقل من الإجماع على جواز الصلح على الإقرار وذلك لعدم وجود المخالف. * * *
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الاستثناء من المقر به وتفسير الإقرار
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الاستثناء من المقر به وتفسير الإقرار [304/ 8]: لا يجوز استثناء الكل في الإقرار • المراد بالمسألة: يجوز للمقر أن يستثني من إقراره كأن يقر بعشرة دراهم إلا درهم، إلا أنه لا يجوز له أن يستثني الكل، فيقر بأنه طلق امرأته ثلاثًا إلا ثلاثًا أو أنه مدين بخمسة دراهم إلا خمسة، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) حيث قال: (ولا خلاف في أن استثناء الكل من الكل في باب الإقرار باطل ويلزم المقر جميع ما أقر به) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا يصح استثناء الكل بغير خلاف لأن الاستثناء رفع بعض ما تناوله اللفظ واستثناء الكل رفع الكل فلو صح صار الكلام كله لغوًا غير مفيد) (¬2). الزركشي (794 هـ) حيث قال: (يصح استثناء الأقل بلا نزاع، ولا يصح استثناء الكل بلا نزاع) (¬3). وقال في موضوع آخر: (لا نزاع في جواز استثناء الأقل، ولا في منع استثناء الكل) (¬4). • مستند الإجماع: أن الاستثناء تكلم بالحاصل بعده، ولم يبق شيء ليصير متكلمًا به فيكون رجوعًا فلا يصح (¬5). ¬
[305/ 8]: جواز استثناء الأقل في الإقرار
تقرر من أنه تكلم بالحاصل بعد الثنيا، ولا حاصل بعد الكل فيكون رجوعًا. والرجوع عن الإِقْرار باطل موصولًا كان أو مفصولًا (¬1). أن الاستثناء رفع بعض ما تناوله اللفظ واستثناء الكل رفع الكل فلو صح صار الكلام كله لغوًا غير مفيد (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية، والحنابلة (¬4).Rصحة ما نقل من الإجماع على عدم صحة استثناء الكل وذلك لعدم وجود المخالف. [305/ 8]: جواز استثناء الأقل في الإقرار • المراد بالمسألة: أن المقر إذا أقر ثم استثنى من إقراره القليل جاز له ذلك، كأن يقر بمائة درهم إلا خمسة دراهم فيكون أقر بخمسة وتسعون، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن استثناء الأقل من جنسه "في الإقرار" بعد أن يبقى الأكثر جائز) (¬5). عون الدين ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: (واتفقوا على أنه إذا أقر بشيء واستثنى الأقل منه صح استثناؤه) (¬6). ابن رشد (595 هـ) حيث قال: (فإذا استثنى الأقل من الأكثر، فلا خلاف أعلمه أن الاستثناء يصح ويسقط المستثنى) (¬7). ¬
الزركشي (794 هـ) حيث قال: (لا نزاع في جواز استثناء الأقل، ولا في منع استثناء الكل) (¬1). وقال أيضًا: (يصح استثناء الأقل بلا نزاع، ولا يصح استثناء الكل بلا نزاع) (¬2). البهوتي (1051 هـ) حيث قال: (النصف) لأنه ليس بالأكثر (و) يصح الاستثناء أيضا فيما (دونه) أي النصف قال في المبدع لا نعلم فيه خلافًا) (¬3). • مستند الإجماع: قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14]. • وجه الدلالة: ولو كان هذا إخبار عن لبثه فيهم ألف سنة ثم أخبر أنه لم يلبث فيهم خمسين عامًا منها لكان كذبًا -تعالى اللَّه عن ذلك علوًا كبيرًا- وإنما هو اسم للباقي بعد الثنيا قال فلبث فيهم تسعمائة وخمسين عامًا؛ لأنك إذا قلت على عشرة إلا خمسة فذلك اسم للخمسة كأنك قلت على خمسة لا أنك اقترفت بعشرة ثم أسقطت الخمسة بعد ذلك بكلام معارض والمعدود الذي لا تتفاوت آحاده كالفلوس مثبت المكيل والموزون حتى يجوز استثناؤه من الدراهم والدنانير (¬4). ما روي عن سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول، سمعت رسول اللَّه يقول: "شهِيدُ الْبَحْرِ مِثْلُ شَهِيدَى الْبَرِّ. وَالْمَائِدُ في الْبَحْرِ كَالْمُتَشَحِّطِ في دَمِهِ في الْبَرِّ. وَمَا بَيْنَ الْمَوْجَتَيْنِ كُقَاطِعِ الدُّنْيَا في طَاعَةِ اللَّه. وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَلَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الأرْوَاحِ. إِلَّا شَهِيدَ الْبَحْرِ، فَإنَّهُ ¬
[306/ 8]: للمقر تفسير إقراره
يَتَوَلَّى قَبْضَ أَرْوَاحِهِمْ. وَيَغْفِرُ لِشَهِيدِ الْبَرِّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، إِلَّا الدَّيْنَ. وَلِشَهِيدِ الْبَحْرِ، الذُّنُوبَ وَالدَّيْنَ" (¬1). • وجه الدلالة: أن الاستثناء يمنع أن يدخل المستثنى في الإقرار إذ لولاه لدخل ولا يرفع ما ثبت لأن الكلام كله كالشيء الواحد، فإذا قال له علي هؤلاء العبيد العشرة إلا واحدا لزمه تسليم تسعة (¬2). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5).Rصحة ما نقل من الإجماع على مشروعية استثناء الأقل وذلك لعدم وجود المخالف. [306/ 8]: للمقر تفسير إقراره • المراد بالمسألة: إذا أقر المقر بأن للمقر له عنده ألف درهم، ثم قال سواء بشكل متصل أو بشكل منقطع أن الألف درهم وديعة، أو فسرها بأنها دين، قبل تفسيره وأقر عليه، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (ولو قال: عندي له مئة وثوب أو عبد، تعين الرجوع إليه في تفسير المئة بالإجماع) (¬6). ¬
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (وإذا قال: له عندي عشرة دراهم. ثم قال: وديعة. كان القول قوله) وجملته أن من أقر بهذا اللفظ، فقال: له عندي دراهم. ثم فسر إقراره بأنها وديعة، قبل تفسيره. لا نعلم فيه اختلافا بين أهل العلم سواء فسره بكلام متصل أو منفصل؛ لأنه فسر لفظه بما يقتضيه، فقبل، كما لو قال: له علي دراهم. وفسرها بدين عليه، فعند ذلك تثبت فيها أحكام الوديعة، بحيث لو ادعى تلفها بعد ذلك أو ردها كان القول قول. وإن فسرها بدين عليه، قبل أيضا؛ لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ) (¬1). بهاء الدين المقدسي (765 هـ) حيث قال: (وإن قال: له عندي ثم قال: وديعة قبل؛ لأنه فسر لفظه بما يقتضيه فقبل كما لو قال: له عندي دراهم ثم فسرها بدين ولا نعلم في ذلك خلافًا) (¬2). أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال: (وإن قال له عندي ألف درهم وديعة، أو غصب، ثم قال: زيوف، فإن قوله مقبول بالإجماع) (¬3). • مستند الإجماع: لأنه فسر كلامه بما يوافق ظاهره لا بما يخالفه، ولأنه هو من أقر، فإذا قبلنا إقراره، فعلينا أن نقبل تفسيره (¬4). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
Rصحة ما نقل من الإجماع على أن للمقر تفسير إقراره وذلك لعدم وجود المخالف. * * *
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب الإكراه على الإقرار
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب الإكراه على الإقرار [307/ 9]: الإكراه على الإقرار يرفع قبوله • المراد بالمسألة: أن إقرار المقر إذا كان نتيجة إكراه أو وعيد وتهديد، فإن الإقرار لا يعتد به وكأنه لم يكن، لأن المقر لم يكن مختارًا، وقد رفع عنه القلم لأنه استكره على الإقرار، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: (ولا يصح الإقرار إلا من عاقل مختار. فأما الطفل، والمجنون، والمبرسم، والنائم، والمغمى عليه، فلا يصح إقرارهم. لا نعلم في هذا خلافًا) (¬1)، وقال في موضع آخر أيضا: (ولا نعلم من أهل العلم خلافًا في أن إقرار المكره لا يجب به حد) (¬2). ابن حزم (456 هـ) حيث قال: (واتفقوا أن من أقر على نفسه في حد واجب، بقتل أو سرقة في مجلسين مفترقين، وهو حر عاقل بالغ غير سكران ولا مكره، وكان ذلك الإقرار في غير مجلس الحاكم بحضرة بينة عدول، وغاب بين الإقرارين عن المجلس حتى لم يروه، ثم ثبت على إقراره حتى يقتل أو يقطع -على ما نذكره في كتاب الحدود إن شاء اللَّه- فقد أقيم عليه الحد الواجب) (¬3). أحمد بن يحيى المرتضى (840 هـ) حيث قال: (ويحسن إيهام المتهم دون تهديد ما يوجب الإقرار، وهو عليّ ولا يعرف له من ¬
[308/ 9]: مشروعية الإكراه على الإقرار إذا قامت أمارات على صحته
الصحابة مخالف ينكر ذلك) (¬1). ابن مفلح (884 هـ) حيث قال: (ولا نعلم خلافًا أن المكره لا يجب عليه حد، ولا يصح إقراره به، وكذا النائم لرفع القلم عنه) (¬2). • مستند الإجماع: ما روي عن عن ابنِ عباس أَنَّ رسولَ اللَّه قال: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ والنِّسيانَ، وما استُكْرِهُوا عليهِ" (¬3). • الموافقون على نقل الإجماع: الأحناف (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7).Rصحة ما نقل من الإجماع على أن الإكراه على الإقرار يرفع قبوله وذلك لعدم وجود مخالف. [308/ 9]: مشروعية الإكراه على الإقرار إذا قامت أمارات على صحته • المراد بالمسألة: أنه يجوز للقاضي أن يمس المدعى عليه بالعذاب إذا قامت البينة عليه كظهور المسروق في حوزته أو حمل المرأة دون زوج، أو فوح رائحة الخمر من فم رجل، وقد نقل الإجماع على ذلك. • من نقل الإجماع: ابن القيم (752 هـ) حيث قال: (وفي ذلك دليل ¬
على صحة إقرار المكره إذا ظهر معه المال وأنه إذا عوقب على أن يقر بالمال المسروق، فأقر به وظهر عنده: قطعت عنده، وهذا هو الصواب بلا مخالف) (¬1). • مستند الإجماع: ما روي عن ابن عمر: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم، فغلب على الزرع والأرض والنخل، فصالحوه على أن يجلوا منها، ولهم ما حملت ركابهم، ولرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الصفراء والبيضاء، واشترط عليهم ألا يكتموا ولا يغيبوا شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكًا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر، حين أجليت النضير، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعم حيي بن أخطب: ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير؟ قال: أذهبته النفقات والحروب، قال العهد قريب، والمال أكثر من ذلك فدفعه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الزبير، فمسه بعذاب، وقد كان قبل ذلك دخل خربة، فقال: قد رأيت حييًا يطوف في خربة هاهنا. فذهبوا فطافوا، فوجدوا المسك في الخربة. فقتل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ابني أبي الحقيق -وأحدهما زوج صفية- بالنكث الذي نكثوا) (¬2). • وجه الدلالة: أن في ذلك دليل على صحة إقرار المكره إذا ظهرت البينة عليه. جواز تعذيب من امتنع عن تسليم شيء يلزمه تسليمه وأنكر وجوده إذ غلب ظن الإمام كذبه، وذلك من نوع السياسة الشرعية (¬3). ¬
• الموافقون على نقل الإجماع: وافق الشوكانى ابن القيم فيما ذهب إليه بتقديم الفاعل على المفعول حتى لا يلتبس الفعل على القارئ لا سيما والقرينة الواحدة للتميز هي العلم بتاريخ الوفاة (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (¬4)، حيث يرون عدم مشروعية الإكراه على الإقرار حتى ولو قامت الأمارات على صحته. • دليل هذا القول: قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194]. • وجه الدلالة: لأنه ضربه -أي المدعى عليه الذي تظهر عليه البينة- ظالمًا له دون أن يجب عليه ضرب وهو عدوان (¬5). ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: من أقر بعدما ضرب سوطا واحدا فهو كذاب (¬6). • وجه الدلالة: إن لم يكن إلا إقراره فقط فليس بشيء، لأن أخذه بإقرار هذه صفته لم يوجبها قرآن، ولا سنة، ولا إجماع، وقد صح تحريم بشرته ودمه بيقين (¬7).Rعدم تحقق ما نقل من الإجماع على مشروعية الإكراه على الإقرار إذا قامت أمارات على صحته وذلك لوجود المخالف. * * * ¬
الخاتمة
الخاتمة الحمد اللَّه وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فإني لأحمد اللَّه الذي أعان على كتابة هذا الجهد، ويسر تدوين هذه الأطروحة، فهو أهل الحمد والثناء والشكر. وبعد أن تفيأنا ظلال هذا البحث، وتنقلنا فيه بين أقوال أهل العلم، واقتطفنا من ثمار علمهم، ونهلنا من معين فكرهم، تأكد لدينا أن البحث في مسائل الإجماع من أهم ما ينبغي أن تصرف فيه جهود العلماء لا سيما القضاة والمتصدرون للفتوى وطلبة العلم الشرعي، فهو أصل من أصول أدلة الشرع، وهو المرجع في حسم كثير من المسائل والاحكام، ولذلك كانت معرفة الفقيه وطالب العلم بالاجماعات، وتتبع مضامينها في كتب العلم في مرتبة الضرورة. . . ثم ها هو نتاج هذا البحث ألخصه في هذه الخاتمة، فقد استفدت من خلال التنقل بين رياضه عدة أمور منها: 1 - أن الإجماع عند الأصوليين: هو اتفاق المجتهدين من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- في عصر من العصور بعد وفاته على حكم شرعي. 2 - أن الإجماع حجة شرعية ودليل يستند إليه في استنباط الأحكام الشرعية. 3 - أن مخالفة العالم المعتبر تخرم الإجماع، إلا إذا كانت المخالفة شاذة، فيها مصادمة للنصوص الظاهرة، فهذه لا تخرم الإجماع، ويعتبر الإجماع متحققًا. 4 - أن كثيرًا من المسائل التي حكي فيها الإجماع تبين بعد البحث أن الإجماع فيها لا يصح، وأن الحكم بالإجماع في المسألة ليس على إطلاقه، فبعض العلماء يطلق الإجماع ويريد به إجماع المذهب،
وهذا كثيرًا ما نجده عند الحنفية، وبعضهم يعكس ذلك فيحكي الإتفاق ومراده الإجماع وهذا يظهر عند تتبع عبارات ابن رشد وابن حزم رحمهما اللَّه. 5 - أن أسلوب العلماء رحمهم اللَّه يختلف في التعبير عن الإجماع، فمنهم من يعبر عنه بلفظ الإجماع، ومنهم من يعبر بالاتفاق، ومنهم من يعبر بنفي الخلاف، وهنا يأتي دور الباحث وطالب العلم في التأكد من حقيقة الإجماع، وذلك بالنظر في كتب أهل العلم والتأكد من سلامة الإجماع. 6 - أن ابن حزم وابن رشد رحمهما اللَّه أشهر من يعبر عن الإجماع بلفظ الاتفاق وربما يعكس ابن رشد، فيعبر عن الاتفاق بالاتفاق المذهبي، ولذلك تم الرجوع التي بداية المجتهد لابن رشد، وتمت المقارنة بين المحلى وبين مراتب الإجماع لابن حزم، فظهر لي أن ابن حزم لم يعتن بحكاية الإجماع في المحلى مثل عنايته بالمراتب. . 7 - أن هناك كثير من العلماء يحكي اجماعات ابن المنذر، وممن رأيته ينقل عنه كثيرا، ابن قدامة في المغني، وابن القطان في الاقناع، والنووي في المجموع. * * *
التوصيات
التوصيات 1 - الحرص على إخراج هذا المشروع الناجح والذي تبناه القسم مشكورا للمكتبات وطلبة العلم، وذلك من خلال موسوعة تتضمن جميع البحوث التي قدمت في هذا المشروع في جميع أبواب الفقه، فهي بلا شك ستكون إضافة علمية جبارة للمكتبة الإسلامية. 2 - محاولة استقصاء المسائل المتعلقة بالأبواب الخاصة بالقضاء وجمعها في مكان واحد وتعميمها على الجهات المساندة للقضاء والقضاة ليسهل على المنتسبين للقضاء الرجوع إليها وكذلك الأبواب الأخرى كل فيما يخصه. 3 - تشجيع هذه اللجنة الموفقة لتبني مشروعات أخرى مثل هذا المشروع، لتسهم في خدمة العلم وأهله. وفي الختام أسأل اللَّه تعالى أن يوفقنا لخيري الدنيا والآخرة، كان هذا جهد المقل، فما كان فيه من صواب فمن اللَّه وحده، فله جزيل الحمد وعظيم الشكر، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان، واللَّه ورسوله منه بريئان، وأعوذ باللَّه وألوذ به من تعمد الخطاء، وأسأله سبحانه أن يغفر الزلل، وأن يرزقنا صدق الإخلاص له، وأن يقينا شر أنفسنا والشيطان. وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آلة وصحبه أجمعين، ، * * *
فهرس المراجع والمصادر
فهرس المراجع والمصادر 1 - القرآن الكريم. 2 - الإجماع عند أئمة أهل السنة الأربعة: للوزير يحيى بن محمد بن هبيرة، تحقيق: محمد محمد شتا، ط. مكتبة العبيكان - الرياض، الأولى 1423 هـ. 3 - الإجماع في الشريعة الإسلامية: لعلي عبد الرزاق، ط. دار الفكر العربي. 4 - الإجماع: لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق: د. أبو حماد صغير أحمد حنيف، ط. مكتبة مكة الثقافية - الإمارات، الرابعة. 5 - الإجماع: لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق: د. فؤاد عبد المنعم أحمد، ط. دار المسلم، الأولى 1425 هـ. 6 - الإجماع؛ حقيقته - أركانه - شروطه - إمكانه - حجيته - بعض أحكامه: د. يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، ط. مكتبة الرشد، الأولى 1429 هـ. 7 - إجماعات ابن عبد البر في العبادات: لعبد اللَّه بن مبارك آل سيف، ط. دار طيبة، الأولى 1420 هـ. 8 - الأحكام السلطانية والولايات الدينية: لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي، تحقيق: د. أحمد مبارك البغدادي، ط. دار ابن قتيبة، الكويت، الأولى 1409 هـ. 9 - أحكام القرآن: لأحمد بن علي الرازي الجصاص، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي، ط. دار إحياء التراث العربي - بيروت 1405 هـ.
10 - أحكام أهل الذمة: لأبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق: يوسف البكري، وشاكر العاروري، ط. رمادي للنشر، الأولى 1418 هـ. 11 - الإحكام في أصول الأحكام: لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري، تحقيق: إحسان عباس، ط. دار الآفاق الجديدة - بيروت. 12 - الإحكام في أصول الأحكام: لعلي بن محمد الآمدي، تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، ط. دار الصميعي، الأولى 1424 هـ. 13 - إحياء علوم الدين: لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، ط. دار الشعب - القاهرة. 14 - اختلاف العلماء: لمحمد بن نصر المروزي، تحقيق: السيد صبحي السامرائي، ط. عالم الكتب، الأولى 1405 هـ. 15 - الإجماع لأبي بكر بن محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، تحقيق أبو حماد صغير أحمد ابن محمد حنيف، دار عالم الكتب، الرياض، الطبعة الأولى، 1424 هـ/ 2003 م. 16 - الإجماعات الواردة في الفرائض، زايد الوصابي، دار الآثار، الطبعة الأولى. 17 - الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، ترتيب الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، تقديم كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، عام 1407 هـ/ 1987 م. 18 - إحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، تحقيق عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، عام 1407 هـ/ 1986 م. 19 - أحكام القرآن للإمام عماد الدين بن محمد الطبري، المعروف بإلكيا
الهراس، تحقيق: موسى محمد علي والدكتور عزت علي عيد عطية، دار الكتب الحديثة. 20 - أحكام القرآن للشيخ أبي بكر محمد بن عبد اللَّه المعروف بابن العربي، تحقيق: علي محمد البجادي، دار المعرفة، بيروت. 21 - أحكام أهل الذمة للعلامة شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق الدكتور صبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، 1401 هـ/ 1981 م 22 - الإحكام في أصول الأحكام للحافظ أبي محمد علي بن حزم الأندلسي الظاهري، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، الناشر: زكريا علي يوسف، مطبعة العاصمة، القاهرة، الطبعة الثانية. 23 - الإحكام في أصول الأحكام للعلامة علي بن محمد الآمدي، تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1402 هـ. 24 - اختلاف العلماء للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن ناصر المرزوي، تحقيق السيد صبحي السامرائي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثانية 1406 هـ/ 1986 م. 25 - الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، اختارها العلامة الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي، تحقيق محمد حامد فقي، الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان توزيع دار الباز للنشر والتوزيع عباس أحمد الباز - مكة المكرمة. 26 - اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية النميري، تأليف برهان الدين إبراهيم بن الشيخ شمس الدين محمد ابن قيم الجوزية - تقديم ونشر بكر بن
عبد اللَّه أبو زيد - توزيع مكتبة الرشد - الرياض - مطابع دار الهلال للأوفست، الرياض الطبعة الأولى عام 1403 هـ. 27 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للعلامة محمد بن علي الشوكاني، وبهامشه شرح الشيخ أحمد بن قاسم العبادي الشافعي على شرح جلال الدين محمد بن أحمد المحلى الشافعي على الورقات في الأصول لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد اللَّه الجويني الشافعي، دار المعرفة، بيروت لبنان. 28 - إرشاد أولي النهى لدقائق المنتهى (حاشية على منتهى الإرادات) للعلامة الشيخ منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتي الحنبلي، تحقيق: الدكتور عبد الملك بن عبد اللَّه بن دهيش، دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1421 هـ/ 2000 م. 29 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للشيخ محمد ناصر الدين الألباني بإشراف محمد زهير الشاويش، نشر كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى. 1399 هـ/ 1992 م. 30 - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار، للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه ابن عبد البر النمري الأندلسي، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، دار قتيبة، دمشق، ودار الوعي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1414 هـ/ 1993 م. 31 - الاستيعاب في أسماء الأصحاب للحافظ ابن عبد البر (انظر: الإصابة). 32 - أسد الغابة في معرفة الصحابة لعز الدين ابن الأثير أبي الحسن علي بن
محمد الجزري، تحقيق محمد إبراهيم البنا ومحمد أحمد عاشور، طبعة الشعب، مجلة كتاب الشعب. 33 - أسنى المطالب شرح دليل الطالب، زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري الشافعي، دراسة وتحقيق محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة الثانية 2001 م. 34 - الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، للإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ/ 1983 م. 35 - الإشراف على نكت مسائل الخلاف، القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي، تقديم وتخريج: الحبيب بن طاهر، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1420 هـ/ 1999 م. 36 - الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ شهاب الدين أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، ومعه الإستيعاب في أسماء الأصحاب للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه ابن عبد البر القرطبي المالكي، دار الكتاب العربي، بيروت. 37 - الاصطلام في الخلاف بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة، لأبي المظفر منصور ابن محمد بن عبد الجبار السمعاني التميمي المروزي، تحقيق: الدكتور نايف بن نافع العمري، دار المنار، القاهرة، الطبعة الأولى، 1412 هـ/ 1983 م. 38 - الأصل المعروف بالمبسوط للإمام محمد بن الحسن الشيباني، تحقيق الأستاذ أبو الوفا الأفغاني، مطبعة دار القرآن، كراتشي - نشر إدارة القرآن للعلوم الإسلامية - كراتشي - باكستان.
39 - أصول مذهب الإمام أحمد - دراسة أصولية مقارنة للدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الرابع عام 1416 هـ/ 1996 م. 40 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، تأليف الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي وتتمته لتلميذه عطيه محمد سالم، دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي - بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1417 هـ/ 1996 م. 41 - الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، 1980 م. 42 - إعلام الموقعين عن رب العالمين للعلامة شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، شركة الطباعة الفنية المتحدة، 1388 هـ/ 1968 م. 43 - إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض. 44 - الإفصاح عن معاني الصحاح للفقيه الوزير عون الدين أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الحنبلي، تحقيق الدكتور: محمد يعقوب طالب عبيدي، مركز فجر للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1413 هـ. 45 - الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل للشيخ أبي النجا شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي، تعليق عبد اللطيف محمد موسى السبكي،
المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة المصرية بالأزهر. 46 - الإقناع في مسائل الإجماع، أبي الحسن علي بن القطان، دراسة وتحقيق الدكتور فاروق حمادة، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1424 هـ/ 2003 م. 47 - الإلمام بأحاديث الأحكام، للقاضي تقي الدين أبي الفتح محمد بن علي المصري، المعروف بابن دقيق العيد، تحقيق حسين إسماعيل الجمل، دار المعراج الدولية للنشر، الرياض، الطبعة الأولى، 1414 هـ/ 1994 م. 48 - الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، وبهامشه مختصر المزني الشافعي، طبعة دار الشعب عام 1388 هـ/ 1968 م. 49 - الانتصار في المسائل الكبار على مذهب الإمام أحمد بن حنبل للعلامة أبي الخطاب محفوظ ابن أحمد بن الحسن الكلوذاني الحنبلي، تحقيق الدكتور سليمان بن عبد اللَّه العمير، الناشر: مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى عام 1413 هـ/ 1993 م. 50 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل للعلامة علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المراودي، تحقيق محمد حامد فقي - مكتبة السنة المحمدية - توزيع مكتبة ابن تيمية - القاهرة - الطبعة الأولى عام 1374 هـ/ 1955 م. 51 - أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء للشيخ قاسم القونوي، تحقيق الدكتور أحمد بن عبد الرحمن الكبيسي، الناشر دار الوفاء للنشر والتوزيع، جدة، طبع مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الثانية، 1407 هـ/ 1987 م. 52 - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف للإمام أبي بكر محمد بن
إبراهيم بن المنذر النيسابوري، تحقيق: الدكتور أبي حماد صغير أحمد بن محمد بن حنيف، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1405 هـ/ 1985 م. 53 - إيثار الإنصاف في آثار الخلاف، لسبط ابن الجوزي، تحقيق ناصر العلي الناصر الخليفي، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، طبع بدار المدينة للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى 1408 هـ/ 1987 م. 54 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق للعلامة زين الدين ابن نجيم الحنفي، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، الطبعة الثانية. 55 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد للحافظ أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد ابن رشد القرطبي، المكتبة التجارية الكبرى - مصر. 56 - البداية والنهاية للحافظ أبي الفداء ابن كثير الدمشقي، بتحقيق الدكتور أبو ملحم والدكتور علي نجيب عطوي والأساتذة: فؤاد السيد ومهدي ناصر الدين وعل يعبد الستار - دار الريان للتراث - القاهرة - مصر - الطبعة الأولى 1408 هـ/ 1988 م. 57 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية عام 1402 هـ/ 1982 م. 58 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، تحقيق علي محمد معوض، وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى عام 1418 هـ/ 1989 م. 59 - بلغة الساغب وبغية الراغب، للشيخ فخر الدين أبي عبد اللَّه محمد أبي القاسم محمد بن الخضر ابن تيمية، تحقيق الشيخ بكر عبد اللَّه أبو زيد،
تقديم معالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1417 هـ/ 1997 م. 60 - بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للشيخ أحمد بن محمد الصاوي المالكي على الشرح الصغير للشيخ أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الأخيرة، 1372 هـ/ 1952 م. 61 - بلوغ المرام من أدلة الأحكام، للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق محمد حامد فقي، دار الفكر للطباعة والنشر. 62 - البناية في شرح الهداية لأبي محمد محمود بن أحمد العيني، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - الطبعة الثانية، 1411 هـ/ 1990 م. 63 - البيان في مذهب الإمام الشافعي شرح المهذب كاملًا والفقه المقارن لأبي الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني الشافعي اليمني، اعتنى به قاسم محمد النوري - دار المنهاج للطباعة والنشر والتوزيع. 64 - التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول للشيخ أبي الطيب صديق بن حسن القنوجي، بتصحيح وتعليق عبد الحكيم شرف الدين، دار اقرأ، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1404 هـ/ 1984 م. 65 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، للحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد ابن عثمان الذهبي، تحقيق الدكتور عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ/ 1987 م. 66 - تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري) للإمام محمد جرير الطبري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار سويدان، بيروت.
67 - تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت. 68 - التبصرة في أصول الفقه، للشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي، تحقيق الدكتور محمد هيتو، دار الفكر. 69 - تبين الحقائق شرح كنز الدقائق للعلامة فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي، وبهامشه حاشية الشيخ الشلبي، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، عثمان بن علي بن محجن البارعى، فخر الدين الزيلعي الحنفي، ومعه حاشية: شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد الشِّلْبِيُّ، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية - بولاق، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1313 هـ. 70 - التحرير في أصول الفقه الجامع بين اصطلاحي الحنفية والشافعية، للشيخ كمال الدين محمد ابن عبد الواحد بن عبد الحميد، الشهير بابن الهمام الإسكندري الحنفي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1351 هـ. 71 - تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، عام 1405 هـ. 72 - تحفة المودود بأحكام المولود للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق عبد المنعم العاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ/ 1983 م. 73 - التحقيق في مسائل الخلاف للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، ومعه تنقيح التحقيق للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن
عثمان الذهبي، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، دار الوعي العربي، القاهرة، مكتبة ابن عبد البر، دمشق، الطبعة الأولى، 1419 هـ/ 1998 م. 74 - ترتيب المدارك وتريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض بن موسى السبتي، تعليق محمد بن تاويت الطبخي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، الرباط. 75 - التعليق المغني على سنن الدارقطني لشمس الحق العظيم آبادي (انظر: سنن الدارقطني). 76 - التفريع لأبي القاسم عبيد اللَّه بن الحسين بن الحسن بن الجلاب البصري، تحقيق الدكتور حسين ابن سالم الدهماني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ/ 1987 م. 77 - تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي، تحقيق خالد عبد الرحمن العك ومروان سورا، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1407 هـ/ 1987 م. 78 - تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير، تحقيق الدكتور حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، الرياض، الطبعة الأولى، 1431 هـ. 79 - تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير، دار الدعوة، مؤسسة ثقافية للتأليف والطباعة والنشر والتوزيع، استانبول، تركيا، توزيع مكتبة الحرمين بالرياض. 80 - تقريب التهذيب للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1395 هـ/
1975 - م. 81 - تقرير القواعد وتحرير الفوائد، للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي، دار ابن عفان، الخبر، الطبعة الأولى 1419 هـ/ 1998 م. 82 - التلقين في الفقه المالكي للقاضي عبد الوهاب البغدادي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، 1413 هـ/ 1993 م. 83 - التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للأسنوي، تحقيق: محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، ط 2، 1401 هـ. 84 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه ابن عبد البر النمري القرطبي، تحقيق الأستاذ مصطفى بن أحمد العلوي، والأستاذ محمد عبد الكبير البكري، وزارة الإوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، الطبعة الثالثة، 1402 هـ/ 1989 م. 85 - تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق: الدكتور عامر حسن صبري، نشر وتوزيع المكتبة الحديثة بالإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 1409 هـ/ 1989 م. 86 - التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل الشيباني، للشيخ علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، المكتبة السلفية ومطبعتها، القاهرة، الطبعة الثانية، 1406 هـ. 87 - تنور المقالة في حل ألفاظ الرسالة، وهو شرح أبي عبد اللَّه محمد بن إبراهيم التتائي المالكي، على الرسالة لأبي محمد عبد اللَّه بن عبد
الرحمن القيرواني، تحقيق الدكتور محمد عايش عبد العال شبير، الطبعة الأولى، 1409 هـ/ 1998 م. 88 - تهذيب الأسماء واللغات للحافظ الإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، دار الكتب العلمية - بيروت - إدارة الطبعة المنيرية. 89 - التهذيب في اختصار المدونة، للإمام أبي سعيد البراذعي خلف بن أبي القاسم القيرواني، تحقيق محمد الأمين ولد سالم بن الشيخ، راجعه الدكتور أحمد بن علي الأزرق، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، الإمارات، دبي، الطبعة الأولى، 1420 هـ/ 1999 م. 90 - توضيح الأحكام من بلوغ المرام، للشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، هيئة الإغاثة الإسلامية، جدة، الطبعة الأولى، 1413 هـ/ 1992 م. 91 - تيسير العلام شرح عمدة الأحكام للشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، يطلب من مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة بمكة المكرمة، الطبعة الثالثة، 1393 هـ/ 1973 م. 92 - الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، المكتبة الثقافية، بيروت. 93 - جامع الأصول في أحاديث الرسول، للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد ابن الآثير الجرزي، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، نشر وتوزيع مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان. 94 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الفكر، بيروت، 1405 هـ/ 1984 م. 95 - الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 179 هـ) بتحقيق وشرح أحمد بن محمد شاكر،
دار الحديث - الأزهر - القاهرة. 96 - الجامع الصغير للإمام محمد بن الحسن الشيباني مع شرحه النافع الكبير للعلامة أبي الحسنات عبد الحي اللكوني، نشر إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي، باكستان. 97 - جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، للإمام زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي، دار المعرفة، بيروت. 98 - الجامع في أحادث وآثار الفرائض، زايد الوصابي، دار الآثار، صنعاء، الطبعة الأولى 1428 هـ/ 2007 م. 99 - الجامع لأحكام القرآن للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد القرطبي، تحقيق الدكتور عبد اللَّه التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1427 هـ/ 2006 م. 100 - الجوهر النضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد تأليف الإمام العلامة المحدث يوسف ابن الحسن بن عبد الهادي الدمشقي الصالحي الحنبلي المعروف بابن المبرد، تحقيق الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الأولى، 1407 هـ/ 1988 م. 101 - الجوهر النقي لإبن التركماني بذيل السنن الكبرى للبيهقي (انظر: السنن الكبرى للبيهقي) 102 - حاشية الخرشي على مختصر خليل للإمام محمد بن عبد اللَّه الخرشي ومعه حاشية الشيخ علي بن أحمد العدوي علي الخرشي، تحقيق: الشيخ زكريا عمرات، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1417 هـ/ 1997 م.
103 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للعلامة شمس الدين محمد عرفة على الشرح الكبير لأبي البركات سيدي أحمد الدردير، وبهامشه تقريرات الشيخ محمد عليش، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاءه. 104 - حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع للشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي، الطبعة الثانية، 1403 هـ. 105 - الحاوي في آثار الطحاوي، للحافظ محي الدين أبي محمد عبد القادر بن محمد بن أبي الوفا القرشي الحنفي، تحقيق: السيد يوسف أحمد، منشورات أحمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1419 هـ/ 1999 م. 106 - الحجة على أهل المدينة للإمام محمد بن الحسن الشيباني، تحقيق العلامة مهدي ابن حسن الكيلاني القادري، عالم الكتب، الطبعة الثالثة، 1403 هـ/ 1983 م. 107 - حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء للشيخ سيف الدين أبي بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال، بتحقيق الدكتور ياسين بن أحمد إبراهم درادكه، مكتبة الرسالة الحيثة، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 1988 م. 108 - حلية الفقهاء لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، الشركة المتحدة للتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ/ 1983 م. 109 - حواشي ابن قندس على كتاب الفروع لأبن مفلح للشيخ تقي الدين أبي بكر بن إبراهيم ابن يوسف البعلي، المعروف بابن قندس، رسالة دكتوراه، من إعداد/ صالح بن عبد الرحمن بن صالح الفوزان،
الجامعة الإسلامية. 110 - حواشي التنقيح في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للعلامة شرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد بن يحيى الجردي - دار المنار للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1412 هـ/ 1992 م. 111 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، للحافظ شهاب الدين أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، دار الجيل، بيروت. 112 - الذخيرة لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: الدكتور محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994 م. 113 - ذيل تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي ضمن مجموع (انظر: الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون). 114 - الذيل على طبقات الحنابلة للحافظ زين الدين أبي فرج عبد الرحمن ابن شهاب الدين أحمد (ابن رجب الحنبلي)، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان. 115 - رحمة الأمة في اختلاف الأئمة للشيخ أبي عبد اللَّه محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي، شركة مكتبة ومطبعة المصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الثانية، 1386 هـ/ 1967 م. 116 - رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، القاضي الصفدي، تحقيق الدكتور حمدي الشيخ، دار اليقين القاهرة مصر، الطبعة الأولى 1431 هـ/ 2010 م 117 - رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة، المعروف (بحاشية ابن عابدين)، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
118 - رسالة القياس لابن تيمية ضمن المجموع المسمى القياس في الشرع الإسلامي، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الخامسة، 1402 هـ/ 1982 م. 119 - الرسالة، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، بيروت - دار الكتب العلمية، (د. ت). 120 - الروض المربع شرح زاد المستنقع، تحقيق: الدكتور عبد اللَّه الطيار، والدكتور إبراهيم الغصن، والدكتور خالد المشيقح، وخرج أحاديثه الدكتور عبد اللَّه الغصن، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، 1416 هـ. 121 - روضة الطالبين وعمدة المفتين، للإمام محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية عام 1405 هـ/ 1985 م. 122 - رؤوس المسائل (المسائل الخلافية بين الحنفية والشافعية) للعلامة جار اللَّه أبي قاسم محمود بن عمر الزمخشري، دراسة وتحقيق عبد اللَّه بن نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1407 هـ/ 1987 م. 123 - رؤوس المسائل الخلافية بين جمهور الفقهاء للفقيه أبي المواهب الحسين بن محمد العكبري الحنبلي، تحقيق: الدكتور خالد بن سعد الخشلان، دار إشبيلياء للنشر والتوزيع بالرياض، الطبعة الأولى، 1421 هـ/ 2001 م. 124 - رؤوس المسائل في الخلاف على مذهب أبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل للشيخ أبي جعفر عبد الخالق بن عيسى الهاشمي، تحقيق معالي الدكتور عبد الملك بن عبد اللَّه بن دهيش، مكتبة النهضة الحديثة، مكة
المكرمة، دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ/ 2000 م. 125 - زاد المسير في علم التفسير للإمام أبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1407 هـ/ 1987 م. 126 - زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، الطبعة الخامسة عشر عام 1407 هـ/ 1987 م. 127 - سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام، للعلامة محمد الأمير الصنعاني، تعليق محمد محرز حسن سلامة، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1405 هـ. 128 - السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، تأليف: محمد بن عبد اللَّه بن حميد النجدي ثم المكي، تحقيق: بكر بن عبد اللَّه أبو زيد، والدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1416 هـ/ 1996 م. 129 - السلسبيل في معرفة الدليل، حاشية على زاد المستنقع، للشيخ صالح ابن إبراهيم البليهي، مطابع دار الهلال للأوفست، الرياض، الطبعة الثالثة، 1401 هـ. 130 - سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، تأليف: الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني، طبعة المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، الطبعة الثانية، 1399 هـ/ 1979 م. 131 - سنن ابن ماجة، لأبي عبد اللَّه محمد بن يزيد القزويني، حكم على
أحاديثه وآثاره وعلق عليه المحدث محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به مشهور بن حسن سليمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، (د - ت). 132 - سنن ابن ماجه للحافظ أبي عبد اللَّه محمد بن يزيد القزويني، حقق نصوصه، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي عام 1395 - 1975 م. 133 - سنن أبي داود للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، 202/ 275 هـ ومعه كتاب معالم السنن للخطابي، إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس، نشر وتوزيع محمد علي السيد، حمص، الطبعة الأولى 1388 هـ/ 1969 م. 134 - سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه المحدث محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به مشهور بن حسن سليمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، (د - ت). 135 - سنن الترمذي، للحافظ محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه المحدث محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به مشهور بن حسن سليمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، (د - ت). 136 - سنن الداراقطني للإمام الحافظ علي بن عمر الداراقطني، وبذيله التعليق المغني على الداراقطني للمحدث العلامة أبي الطيب شمس الحق العظيم آبادي، تحقيق: السيد عبد اللَّه هاشم يماني المدني، دار المحاسن للطباعة، القاهرة، 1386 هـ/ 1966 م. 137 - سنن الدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي
الدارقطني، ومؤلف التعليق: محمد شمس الحق العظيم آبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1424 هـ/ 2004 م. 138 - سنن الدارمي لأبي محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق: السيد عبد اللَّه هاشم المدني، الناشر: حديث أكادمي نشاط آباد/ فيصل آباد، باكستان، توزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1404 هـ/ 1984 م. 139 - السنن الكبرى للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي وفي ذيله الجوهر النقي للعلامة علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني، المشهور بابن التركماني، ويليه فهرس الأحاديث، إعداد: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 140 - سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي، اعتنى به ورقمه وصنع فهارسه عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الثالثة المفهرسة، بيروت 1409 هـ/ 1988 م. قامت بطباعته وإخراجه دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان. 141 - سنن النسائي، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه المحدث محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به مشهور بن حسن سليمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، (د - ت). 142 - سنن سعيد بن منصور للحافظ سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ/ 1985 م. 143 - سير أعلام النبلاء، للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان
الذهبي، تحقيق: حسين الأسد، وتقديم الدكتور بشار عواد معروف، بإشراف: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة 1406 هـ/ 1986 م. 144 - السيرة النبوية لابن هشام أبي محمد عبد الملك بن هشام المعافري، تعليق طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، المطبعة الفنية للطبع والنشر والتجليد. 145 - شذارات الذهب في أخبار من ذهب للمؤرخ الفقيه الأديب أبي الفلاح عبد الحي ابن العماد الحنبلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 146 - شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، وهو شرح سيدي محمد الزرقاني على صحيح الموطأ للإمام مالك بن أنس، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. 147 - شرح الزركشي على مختصر الخرقي في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للشيخ شمس الدين محمد بن عبد اللَّه الزركشي المصري الحنبلي، بتحقيق الشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه الجبرين، طبع بشركة العبيكان للطباعة والنشر، الرياض. 148 - شرح العمدة في الفقه لابن تيمية، كتاب الطهارة، تحقيق: الدكتور سعود بن صالح العطيشان، مكتبة العبيكان بالرياض، الطبعة الأولى، 1413 هـ/ 1993 م. 149 - شرح العمدة لابن تيمية، كتاب الصلاة، تحقيق: الدكتور خالد بن علي المشيقح، دار العاصمة للنشر والتوزيع بالرياض، الطبعة الأولى، 1418 هـ/ 1997 م. 150 - الشرح الكبير للإمام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد ابن أحمد ابن قدامة المقدسي، جامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية، كلية الشريعة، الرياض. 151 - شرح الكوكب المنير، المسمى بمختصر التحرير أو المختبر المبتكر شرح المختصر في أصول الفقه، للعلامة الشيخ محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي، المعروف بابن النجار، تحقيق: الدكتور محمد الرحيلي والدكتور نزيه حماد، دار الفكر بدمشق، 1402 هـ/ 1982 م، من منشورات جامعة أم القرى. 152 - الشرح الممتع على زاد المستنقع للشيخ محمد بن صالح العثيمين، تحقيق الدكتور سليمان ابن عبد اللَّه أبا الخيل والدكتور خالد بن علي المشيقح، مؤسسة آسام للنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1414 هـ. 153 - شرح فتح القدير لكمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي، مع تكلته نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار لقاضي زاده على الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني، في الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة، وبهامشه شرح العناية على الهداية للبابرتي وحاشية المحقق سعد الدين عيسى المعروف بسعدي جلبي، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1315 هـ. 154 - شرح مختصر الروضة للعلامة نجيم الدين أبي الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي، تحقيق: الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، الطبعة الثانية، 1419 هـ/ 1998 م. 155 - شرح معاني الآثار للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الحنفي، تحقيق محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1399 هـ/ 1979 م. 156 - شرح منتهى الإرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهى للعلامة منصور بن يونس ابن إدريس البهوتي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة
الأولى، 1414 هـ/ 1993 م. 157 - شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل، للشيخ محمد عليش، وبهامشه حاشية تسهيل منح الجليل، دار صادر. 158 - الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى محمد بن سورة الترمذي، تحقيق محمد عفيف الزعبي، دار المطبوعات الحديثة، جدة، الطبعة الثانية، 1406 هـ/ 1986 م. 159 - صحيح ابن خزيمة للحافظ أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي. 160 - صحيح البخاري، لأبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، إشراف ومراجعة الشيخ صالح آل الشيخ، دار السلام، الرياض، الطبعة الثانية، 1421 هـ/ 2000 م. 161 - صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) تأليف محمد بن ناصر الدين الألباني - أشرف على طبعه زهير الشاويش، المكتب الإسلامي ببيروت ودمشق، الطبعة الثانية، 1406 هـ/ 1986 م. 162 - صحيح سنن ابن ماجه، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1407 هـ/ 1986 م. 163 - صحيح سنن أبي داود باختصار السند، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1409 هـ/ 1989 م. 164 - صحيح سنن الترمذي باختصار السند، للشيخ ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، المكتب الإسلامي،
بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ/ 1988 م. 165 - صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر وتوزيع: رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، 1400 هـ/ 1980 م. 166 - صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، إشراف ومراجعة الشيخ صالح آل الشيخ، دار السلام، الرياض، الطبعة الثانية، 1421 هـ/ 2000 م. 167 - طبقات الحنابلة للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. 168 - الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعيد البصري الزهري، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1400 هـ/ 1980 م. 169 - طريقة الخلاف بين الأسلاف للفقيه علاء الدين محمد بن عبد الحميد السمرقندي، تحقيق الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1413 هـ/ 1992 م. 170 - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية للشيخ نجم الدين بن حفص النسفي، تحقيق الشيخ خليل الميس، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى، 1406 هـ/ 1986 م. 171 - عقود الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، تأليف: جلال الدين عبد اللَّه بن نجم بن شاس، تحقيق الدكتور محمد أبو الأجفان، والأستاذ عبد الحفيظ منصور، بإشراف الشيخ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة، والشيخ الدكتور بكر ابن عبد اللَّه أبو زيد، طبع على نفقة
خادم الحرمين الشريفين، دار الغرب الإسلامي، الطبعه الأولى، 1415 هـ/ 1995 م. 172 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، تحقيق الأستاذ إرشاد الحق الأثري، إدارة العلوم الأثرية، باكستان، الطبعة الثانية، 1401 هـ/ 1981 م. 173 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعلامة البدر العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 174 - عون المعبود شرح سنن أبي داود، للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ ابن قيم الجوزية، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: محمد عبد المحسن، صاحب المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية، 1388 هـ/ 1968 م. 175 - غريب الحديث للإمام أبي الفرج عبد الرحمن علي ابن الجوزي، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ/ 1985 م. 176 - غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1396 هـ/ 1976 م. 177 - الفتاوى الكبرى لابن تيمية، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ/ 1987 م. 178 - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1413 هـ. 179 - الفتاوى الهندية في مذهب الإمام أبي حنفية المسماه بالفتاوى
العالكميرية، وبهامشها فتاوى قاضيخان للإمام فخر الدين حسن بن منصور الفرغاني، دار إحياء التراث العربي للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة لعام 1400 هـ/ 1980 م. 180 - فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 هـ/ 582 م) بتحقيق: الشيخ عبد العزيز ابن عبد اللَّه بن باز، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وأشرف على طبعه محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة، 1380 هـ. 181 - فتح الباري في شرح صحيح البخاري، للإمام الحافظ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن شهاب الدين البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب الحنبلي، تحقيق أبي معاذ طارق ابن عوض اللَّه بن محمد، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، 1417 هـ/ 1996 م. 182 - الفتح الرباني بمفردات ابن حنبل الشيباني للعلامة الشيخ أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن محمد الطيار والدكتور عبد العزيز بن محمد الحجيلان، دار العاصمة، الرياض، النشرة الأولى، 1415 هـ. 183 - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني مع شرحه بلوغ لأماني من أسرار لفتح الرباني، كلاهما للشيخ أحمد بن عبد الرحمن البنا، دار الشهاب، القاهرة. 184 - الفروع للشيخ الإمام شمس الدين المقدسي أبي عبد اللَّه محمد بن مفلح ويليه تصحيح الفروع للشيخ الإمام العلامة أبي الحسن علي بن سليمان المرداوين، راجعه عبد الستار أحمد فراج، طبعه عالم الكتب، بيروت، الطبعة الرابعة عام 1405 هـ/ 1985 م.
185 - الفروق على مذهب الإمام أحمد بن حنبل للشيخ أبي عبد اللَّه السامري، تحقيق: محمد بن إبراهيم محمد اليحيى، دار الصميعي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1418 هـ/ 1997 م. 186 - الفروق للإمام أحمد بن إدريس القرافي، وبهامشه تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية، عالم الكتب، بيروت. 187 - الفصل في الملل والأهواء والنحل للإمام أبي محمد علي بن أحمد ابن حزم الظاهري، وبهامشه الملل والنحل، للإمام أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، دار الفكر، 1400 هـ/ 1980 م. 188 - فيض القدير شرح الجامع الصغير للعلامة محمد المدعو بعبد الرءوف المناوي، المكتبة التجارية بالكبرى, مصر، الطبعة الأولى، 1456 هـ/ 1938 م. 189 - قليوبي وعميرة حاشيتا الإمامين شهاب الدين القليوبي والشيخ عميرة على شرح العلامة جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين للنووي في فقه مذهب الإمام الشافعي، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، مصر. 190 - قواعد الفقه، محمد عميم الإحسان البركتي، الناشر الصدف ببلشرز، كراتشي، (د - ن). 191 - القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية للشيخ العلامة أبي الحسن علاء الدين ابن اللحام علي بن عباس البعلي الحنبلي، تحقيق محمد حامد فقي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ/ 1983 م. 192 - القوانين الفقهية لابن جُزَي، دار القلم - بيروت. 193 - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي، تحقيق الدكتور محمد محمد
أحبد ولد ماديك الموريتاني، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، الطبعة الأولى عام 1398 هـ/ 1978 م. 194 - الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، لموفق الدين أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي، الناشر: المكتب الإِسلامي، ودار ابن حزم، الطبعة الأولى، عام 1423 هـ/ 2003 م. 195 - الكامل في التاريخ للإمام أبي الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري الملقب بعز الدين، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1403 هـ/ 1983 م. 196 - الكامل في ضعفاء الرجال للحافظ أبي أحمد عبد اللَّه بن عدي الجرجاني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1404 هـ/ 1984 م. 197 - كتاب الأصل المعروف بالمبسوط للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن الحسن الشيباني، بتعليق أبو الوفاء الأفغاني، من منشورات إدارة القرآن والعلوم الإِسلامية، باكستان. 198 - كتاب السنن الكبرى, تصنيف الإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: دكتور عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن, دار الكتب العلمية، بيووت، لبنان، الطبعة الأولى، 1411 هـ/ 1991 م. 199 - الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار, للإمام الحافظ عبد اللَّه بن محمد ابن أبي شيبة العبسي، تحقيق: الأستاذ عبد الخالق الأفغاني، نشر مختار أحمد الندوي السلفي، الدار السلفية، الهند، الطبعة الثانية، 1399 هـ/ 1979 م. 200 - كشاف القناع للشيخ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، بتعليق
الشيخ هلال مصيلحي مصطفى هلال، معالم الكتب، بيروت، عام 1403 هـ/ 1983 م. 201 - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام، شمس الدين السفاريني، تحقيق نور الدين طالب، دار النوادر، دمشق، الطبعة الأولى، 1428 هـ/ 2007 م. 202 - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، للإمام تقي الدين لأبي بكر بن محمد الحسيني الحصني الدمشقي الشافعي، دار إحياء الكتب العربية، بيروت. 203 - اللباب في الجمع بين السنة والكتاب للإمام أبي محمد علي بن زكريا المنبجي، تحقيق: الدكتور محمد فضل عبد العزيز المراد، دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة، جدة، ط 1، 1403 هـ/ 1983 م. 204 - اللباب في شرح الكتاب، للشيخ عبد الغني الغنيمي الدمشقي الميداني، الحنفي، على المختصر المشتهر باسم: الكتاب، الذي صنفه الإمام أبو الحسين أحمد بن محمد القدوري، البغدادي، الحنفي، تحقيق محمود أمين النوادي، مكتبة الرياض الحديثة. 205 - لسان العرب لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المصري، دار صادر، بيروت. 206 - لسان الميزان للحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثانية، 1390 هـ/ 1971 م. 207 - المبدع في شرح المقنع للشيخ أبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه ابن محمد بن مفلح المؤرخ الحنبلي، المكتب الإسلامي، بيروت، عام 1980 م. 208 - مجمع الأنهر في شهر ملتقى الأبحر للفقيه عبد اللَّه بن الشيخ محمد بن
سليمان المعروف بداماد أفندي، دار إحياء التراث العربي، للنشر والتوزيع. 209 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتاب العرب، بيروت، الطبعة الثالثة، 1402 هـ/ 1982 م. 210 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن ابن محمد بن قاسم وساعده ابنه محمد، طبع بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، طبعت هذه الفتاوى في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة تحت إشراف وزارة الشؤون الإِسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، عام 1416 هـ/ 1995 م. 211 - المجموع في شرح المهذب للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي، ويليه التلخيص الحبير في تخريج الرافعي الكبير للإمام الحافظ أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، دار الفكر. 212 - المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للإمام مجد الدين أبي البركات ابن تيمية، ومعه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين ابن تيمية، تأليف: شمس الدين ابن مفلح الحنبلي المقدسي، مطبعة السنة المحمدية، 1369 هـ. 213 - المحلى للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، تحقيق: الشيخ أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة. 214 - مختار الصحاح، للإمام محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي، عنى بترتيبه محمود خاطر، دار الحديث، القاهرة.
215 - المختارات الجلية من المسائل الفقهية للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ويليها كتاب المناظرات الفقهية للمؤلف نفسه، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، الطبعة الثانية، 1405 هـ. 216 - مختصر اختلاف العلماء لأبي بكر أحمد بن عليّ الجصاص الرازي، تحقيق: الدكتور عبد اللَّه نذير أحمد، دار البشائر الإِسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1995 م. 217 - مختصر اختلاف العلماء، لأبي بكر الرازي، دراسة وتحقيق الدكتور عبد اللَّه نذير أحمد، دار البشائر الإِسلامية، الطبعة الثانية 1428 هـ/ 2007 م. 218 - مختصر الخرقي من مسائل المجبل أحمد بن محمد بن حنبل، للإمام أبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإِسلامي، الطبعة الثالثة 1403 هـ. 219 - مختصر الطحاوي للإمام المحدث الفقيه أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الحنفي، تحقيق: أبو الوفاء الأفغاني، نشر لجنة إحياء المهارف النعمانية بحيدر أباد الدكن الهند، مطبعة دار الكتاب العربي بالقاهرة، بإشراف رضوان محمد رضوان، طبعة عام 1370 هـ. 220 - مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري، ومعالم السنن لأبي سليمان الخطابي، وتهذيب الإمام ابن القيم الجوزية، تحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد حامد فقيل، دار المعرفة، بيروت، 1400 هـ/ 1980 م. 221 - مختصر فتاوى ابن تيمية، وهو مختصر الفتاوى المصرية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف الشيخ بدر الدين أبي عبد اللَّه محمد بن عليّ الحنبلي البعلي، تحقيق عبد المجيد السلفي، دار الكتب العلمية،
بيروت. 222 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد للعلامة عبد القادر بن بدران الدمشقي تصحيح وتعليق الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1455 هـ/ 1985 م. 223 - المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس برواية سحنون بن سعيد التنوخي، مطبعة السعادة، بمصر، توزيع مكتبة المثنى، بغداد. 224 - المذهب الأحمد في مذهب الإمام أحمد، للشيخ محيي الدين يوسف بن الشيخ جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن علي الجوزي، نشر المؤسسة السعيدية، الرياض. 225 - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات للحافظ أبي محمد علي بن أحمد ابن سعيد ابن حزم، ويليه نقد مراتب الإجماع لشيخ الإسلام ابن قيمية، بعناية حسن أحمد اسبر، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 هـ/ 1998 م. 226 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابنه صالح، تحقيق الدكتور فضل الرحمن دين محمد، الدار العلمية، الهند، بإشراف عبد الوهاب عبد الواحد الخلجي، الطبعة الأولى عام 1408 هـ/ 1988 م. 227 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد اللَّه، تحقيق الدكتور علي بن سليمان لمهنا، مكتبة الدار بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1406 هـ/ 1986 م. 228 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية إسحاق بن إبراهيم ابن هانئ النيسابوري، تحقيق: زهير الشاويش، نشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإِسلامية، المكتب الإِسلامي، بيروت، الطبعة من 1394 هـ إلى 1400 هـ.
229 - المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى، تحقيق الدكتور عبد الكريم بن محمد اللاحم، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى، 1405 هـ/ 1985 م. 230 - المسائل عن أبي عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل وأبي يعقوب إسحاق ابن إبراهيم الحنظلي (المعروف بإسحاق بن راهويه) تأليف الإمام إسحاق بن منصور الكوسج، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد اللَّه الزاحم، دار المنار، القاهرة، الطبعة الأولى، 1412 هـ/ 1992 م. 231 - المستدرك على الصحيحين في الحديث للحافظ الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الحاكم النيسابوري، وفي ذيله تلخيص المستدرك للحافظ شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد الذهبي، مكتبة المعارف، الرياض. 232 - المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، جمع وترتيب الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، شركة سامو برس غروب، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ. 233 - مسند أبي داود الطيالسي سليمان بن داود الجارود، تحقيق: الدكتور محمد ابن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإِسلامية بدار هجر، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ش ترعة الزمر، المهندسين، جيزة، بإمبابة، بمصر، الطبعة الأولى، 1419 هـ/ 1999 م. 234 - مسند أبي يعلى الموصلي للحافظ أحمد بن عليّ بن المثنى التميمي، تحقيق حسن سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1404 هـ/ 1984 م. 235 - مسند الإمام أحمد بن أحمد وبهامشه منتخب كنز العمال في سنن
الأقوال والأفعال، الطبعة الثانية، 1398 هـ/ 1954 م. 236 - المسند للإمام أحمد بن محمد بن حنبل، بشرح الشيخ أحمد محمد شاكر، دار المعارف بمصر، الطبعة الرابعة، 1373 هـ/ 1954 م. 237 - المسند للإمام الحافظ أبي بكر عبد اللَّه بن الزبير الحميدي، تحقيق: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، عالم الكتب، بيروت، مكتبة المتنبي، القاهرة. 238 - المسودة في أصول الفقه لآل تيمية، جمعها شهاب الدين أبو العباس البعلي أحمد بن محمد بن أحمد عبد الغني الحراني الدمشقي، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت. 239 - مشكاة المصابيح للشيخ محمد بن عبد اللَّه الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإِسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1399 هـ/ 1979 م. 240 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للإمام أحمد بن أبي بكر البوصيري تحقيق موسى محمد علي والدكتور علي عزت عطية، نشر دار الكتب الإِسلامية، مصر، مطبعة حسان، القاهرة. 241 - المصنف للحافظ أبي بكر عبد الرزاق عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، نشر: المجلس العلمي، الطبعة الأولى، 1390 هـ/ 1970 م، ويطلب من المكتب الإِسلامي، بيروت، لبنان. 242 - المطلع على أبواب المقنع للإمام أبي عبد اللَّه شمس الدين محمد أبي الفتح البعلي الحنبلي، ومعه معجم ألفاظ الفقه الحنبلي، صنع محمد بشير الأدلبي، المكتب الإِسلامي، بيروت، 1401 هـ/ 1981 م. 243 - المعتمد في أصول الفقه، للشيخ أبي الحسين محمد بن عليّ بن الطيب
البصري المعتزلي، تحقيق: الشيخ خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ/ 1983 م. 244 - المعجم الأوسط للحافظ الطبراني، تحقيق الدكتور محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1405 هـ/ 1985 م. 245 - معجم البلدان للإمام أبي عبد اللَّه ياقوت الحموي، تحقيق: فريد عبد العزيز الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1310 هـ/ 1990 م. 246 - المعجم الكبير للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي ابن عبد المجيد السلفي، مطبعة الزهراء الحديثة، الموصل، شارع النجف، الطبعة الثانية. 247 - المعجم الوسيط، قام بإخراجه، إبراهيم مصطفى، وأَحمد حسن الزيات وحامد عبد القادر ومحمد علي النجار، مجمع اللغة العربية، مصر، طبع بمطابع دار المعارف، مصر. 248 - معرفة السنن والآثار للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البهيقي، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، الناشرون: جامعة الدراسات الإِسلامية باكستان، دار قتيبة، دمشق، دار الوعي، القاهرة، دار الوفاء، القاهرة، الطبعة الأولى 1412 هـ/ 1991 م. 249 - المعونة على مذهب عالم المدينة (الإمام مالك بن أنس) للقاضي عبد الوهاب البغدادي، تحقيق عبد الحق حميش، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. 250 - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج شرح الشيخ محمد الخطيب الشربيني، على متن منهاج الطالبين للإمام أبي زكريا بن شرف النووي، مع تعليقات للشيخ جويلي بن إبراهيم الشافعي، دار الفكر.
251 - المغني لموفق الدين أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحين الحنبلي، بتحقيق: الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، والدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة، الطبعة الثانية، 1412 هـ/ 1992 م. 252 - المقدمات المهمدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيان والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات للإمام أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، تحقيق الدكتور محمد حجي, دار الغرب الإِسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ/ 1988 م. 253 - المقنع في شرح المختصر الخرقي، للإمام أبي علي الحسن بن أحمد بن البنا، تحقيق الدكتور عبد العزيز بن سليمان البعيمي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1414 هـ/ 1993 م. 254 - المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل الشيباني، للإمام موفق الدين عبد اللَّه بن محمد بن عبد الوهاب، المؤسسة السعيدية، الرياض، الطبعة الثالثة. 255 - الممتع في شرح المقنع، تأليف: زين الدين المنجي التنوخي الحنبلي، تحقيق: الدكتور عبد الملك ابن عبد اللَّه بن دهيش، الرئيس العام لتعليم البنات بالمملكة سابقًا، دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع، يطلب من مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، الطبعة الأولى، 1418 هـ/ 1997 م. 256 - المنتقى لابن الجارود للحافظ أبي محمد عبد اللَّه بن علي الجارود النيسابوري، ويليه كتاب تيسير الفتاح الودود في تخريج المنتقى لابن الجارود للسيد عبد اللَّه هاشم المدني، مطابع الأشرف، لاهور،
باكستان، الطبعة الأولى، 1403 هـ/ 1983 م. 257 - المنتقى من أخبار المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- للإمام مجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن تيمية الحراني، بتعليق: الشيخ محمد حامد فقي، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، 1403 هـ/ 1983 م. 258 - المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد للعلامة منصور بن يونس البهوتي، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن محمد بن عبد الرحمن المطلق، إدارة إحياء التراث الإِسلامي، قطر. 259 - منهاج السنة النبوية في نقص منهاج الشيعة والقدرية لابن تيمية، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم، بإشراف جامعة الإمام محمد بن سعود الإِسلامية، الطبعة الأولى، 1406 هـ/ 1986 م. 260 - المهذب في فقه الإمام الشافعي، للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن عليّ بن يوسف الفيرزآبادي الشيرازي ويليه شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن طالب الركبي، جار الفكر، توزيع شركة نور الثقافة الإسلامية، جاكرتا. 261 - الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي وهو إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، بتعليق: الشيخ عبد اللَّه دراز وابنه محمد، المكتبة التجارية الكبرى, مصر، دار المعرفة، بيروت. 262 - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للشيخ أبي عبد اللَّه محمد بن محمد ابن عبد الرحمن المغربي، المعروف بالحطاب الرعيني، تحقيق الشيخ زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1416 هـ/ 1995 م. 263 - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، للشيخ أبي عبد اللَّه محمد بن
محمد ابن عبد الرحمن المغربي، المعروف بالحطاب الرعيني، بتحقيق: زكريا عمرات، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى عام 1416 هـ/ 1995 م. 264 - موسوعة الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب الدكتور عبد اللَّه آل سيف، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1430 هـ/ 2009 م. 265 - الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية، الكويت، طباعة ذات السلاسل، الكويت، الطبعة الثانية، 1404 هـ/ 1983 م. 266 - موسوعة فقه ابن تيمية، تأصيل وتقعيد، تأليف: الدكتور محمد رواس قلعه جي، أستاذ الفقه بجامعة الملك سعود بالرياض، طبعة دار الفيص الثقافية بالرياض، الطبعة الأولى، 1405 هـ/ 1994 م. 267 - موسوعة في الفقه الإِسلامي، سعدي أبو جيب، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة عام 1419 هـ/ 1999 م. 268 - الموطأ للإمام مالك بن أنس، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية. 269 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت. 270 - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار, بدر الدين العيني، تحقيق ياسر بن إبراهيم، دار النوادر، دمشق، بتمويل الهيئة القطرية للأوقاف، الطبعة الأولى، 1429 هـ/ 2008 م. 271 - نصب الراية لأحاديث الهداية للإمام الحافظ جمال الدين أبي محمد عبد اللَّه بن يوسف الحنفي الزيعلي مع حاشيته (بغية الألمعي في تخريج
الزيلعي) الطبعة الثانية، المجلس العلمي، جنوب أفريقيا وباكستان والهند. 272 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه على مذهب الإمام الشافعي، للعلامة شمس الدين محمد بن أبي العباس حمزة، ابن شهاب الدين الرملي، ومعه حاشية أبي الضياء نور الدين علي ابن عليّ الشبراملسي القاهري، وحاشية أحمد بن عبد الرزاق المعروف بالمغربي الرشيدي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الأخيرة، 1386 هـ/ 1967 م. 273 - النهاية في غريب الحديث والأثر، للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن أثير، تحقيق: طاهر حمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، الناشر: المكتبة الإِسلامية. 274 - نوادر الفقهاء للإمام محمد بن الحسن التميمي الجوهري، تحقيق: الدكتور محمد فضل عبد العزيز المراد، دار القلم بدمشق، والدار الشامية ببيروت، الطبعة الأولى، 1414 هـ/ 1993 م. 275 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، للإمام محمد ابن عليّ الشوكاني، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلي، مصر. 276 - نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب، ويليه الاختيارات الجلية من المسائل الخلافية للشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، نشر: مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، مطبعة المدني بمصر. 277 - هداية الراغب لشرح عمدة الطالب للشيخ عثمان بن أحمد النجدي الحنبلي، تحقيق الأستاذ حسين محمد مخلوف، خرج أحاديثه محمد وهبي سليمان بعناية أحمد عبد العلم البردوني، دار الصابون، حلب،
سوريا، ودار الباز للنشر والتوزيع، بيروت، مكة المكرمة. 278 - الواضح في شرح مختصر الخرقي للشيخ نور الدين أبي طالب عبد الرحمن بن عمر البصري الضرير، تحقيق معالي الدكتور عبد الملك بن عبد اللَّه بن دهيش، النائر مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، دار خضر للطباعة والنشر التوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ/ 2000 م. 279 - الوسيط في المذهب للإمام محمد بن محمد بن محمد أبي حامد الغزالي، تحقيق علي محيي الدين علي القره داغي، نشر اللجنة الوطنية للاحتفال بمطلع القرن الخامس عشر الهجري في الجمهورية العراقية، الطبعة الأولى. 280 - الوقوف من مسائل الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، للإمام أحمد بن محمد بن هارون الخلال، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن أحمد المزيد، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1410 هـ/ 1989 م. * * *
المقدمة
المقدمة إن الحمد للَّه، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102]. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70 - 71]. أما بعد: فلا يخفى على المشتغل بالعلم، وتحرير المسائل والأقوال، أن من أهم ما ينبغي الاعتناء به هو دراسة مسائل الإجماع التي حُكيت ضمن مصنفات الأئمة الكبار في المذاهب الأربعة، وغيرها من كتب الفقه والأحكام، أو المصنفات التي كتبت استقلالًا، حيث أطلق عليها أصحابها كتب الإجماع، أو ما يفيد هذا المعنى، وهي إسهام منهم -رحمهم اللَّه تعالى- في تقريب مسائل الفقه، وبيان المسائل التي تندرج تحت الدليل الثالث من أدلة الشرع، وهو دليل: الإجماع. فالإجماع حقٌ مقطوعٌ به في دين اللَّه سبحانه وتعالى، وأصلٌ عظيمٌ من أصول الدين، ومصدرٌ مهم من مصادر الشريعة، وركيزة أساس من ركائز الملة،
مستمدٌ من كتاب اللَّه الكريم، وسنةُ رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتالٍ لهما في الرتبة (¬1)، وقد اجتهد أهل العلم في بيان الإجماع، ورتبته، وعظيم شأنه، وخطورة مخالفته، وعدوا المجتهد هو من امتلك جملة من الأدوات والعلوم، ومن أهمها أن يكون على اطلاع ودراية بمسائل الإجماع، حتى يعصمه -بعد اللَّه سبحانه وتعالى- من المخالفة، أو الوقوع في الخطأ. وحينما يتأمل طالب العلم في حكايات الإجماع المبثوثة في كتب الفقه، وشروح الحديث النبوي يعلم أن المسائل التي حكم عليها بالإجماع لم تحسم تمامًا، وذلك لأسباب عدة، إما لعدم اطلاع الفقيه على باقي أقوال أهل العلم، أو ضعف التواصل بين العلماء في ذلك الوقت الذي تحكمه ظروفه الخاصة به، أو التساهل من قبل بعض أهل العلم، أو غيرها من الأسباب، وفي زماننا هذا نجد أن الظروف مواتيه -بعد توفيق اللَّه- لدراسة تلك المسائل التي ذكرها أهل العلم، وذلك بعد مرور زمن على فترة التدوين، واستقرار المذاهب الفقهية، وظهور كثير من المخطوطات الفقهية إلى النور، وبروز فقه تحقيق المسائل عن طريق الجامعات والكليات التي هي مظنة ذلك، ولأجل هذا وقع اختياري لأطروحة الدكتوراة على دراسة الإجماعات الواردة في: (أبواب التبرعات والفرائض) راجيًا من اللَّه سبحانه وتعالى التوفيق والسداد، والإخلاص في القول والعمل، والتوفيق الدائم. مشكلة البحث: أعتني الفقهاء -رحمهم اللَّه- بذكر مسائل الإجماع في أبواب التبرعات والفرائض والملاحظ أن أغلب الفقهاء قبل أن يذكروا مسائل الخلاف يقوموا بتحرير مسائل الإجماع في الأبواب المبحوثة، وقد كوّن ذلك مجموعة كثيرة من مسائل الإجماع في هذه الأبواب، وهنا تأتي أهمية جمعها وتصنيفها حسب الترتيب الفقهي المعتبر عند الفقهاء، ودراسة ¬
حدود البحث
كل مسألة بمقارنة كلام الفقهاء بعضهم ببعض ثم الوصول إلى نتيجة، وهي: اعتبار هذا الإجماع أو عدم اعتباره. حدود البحث: لا يخفى أن الألفاظ المحكية والتي تشير إلى الإجماع كثيرة جدًا، ولو تتبع الباحث كل لفظة لطال البحث، ولتشعبت المسائل، ولأجل هذا اقتصر الباحث على أقوى الألفاظ الواردة في حكاية الإجماع، وتتمثل هذه الألفاظ في التالي: أولًا: لفظة الإجماع، ومشتقاته، مثل: (أجمعوا، مجمعون. . وهكذا). ثانيًا: لفظة الاتفاق ومشتقاتها، مثل: (اتفقوا، متفقون). ثالثًا: نفي الخلاف وما يرادفه، مثل: (بغير خلاف، لم يختلفوا. .). وقد جمع الباحث الإجماعات الصريحة التي حكاها العلماء صراحة مجزومًا بها في كتب المشروع، في أبواب التبرعات وما يتبعها وهي: (العارية، والوديعة، واللقطة، والوقف، والهبة والعطية، والوصايا، وتصرفات المريض) وأبواب الفرائض في (كتاب الفرائض) وقد احتاج أحيانًا لإيراد بعض الألفاظ التي تشير إلى الإجماع في غير ما سبق، وهي نادرة، وليست بالكثيرة، مثل مصطلح: (الجمهور، والعامة والخاصة، والمهاجرون والأنصار) ونحوها. وهذه الإجماعات هي التي قصدها العلماء حين عرفوا الإجماع في كتب أصول الفقه، وهو الإجماع الأصولي المنطوق به دون غيره من أنواع الإجماعات الأخرى؛ كإجماع الخلفاء الأربعة؛ لأنه ليس من المجزوم به؛ وإن اختاره بعض أهل التحقيق والتحصيل، ولكن لم يحصل الإجماع على أنه أحد أنواع الإجماع الصريح، وكذلك إجماع أهل المدينة، والإجماع السكوتي، وإتفاق الأئمة الأربعة، والإجماع الوارد بصيغة التمريض، وكذلك الإجماعات الحديثية واللغوية والأصولية، فهذا كله لا يدخل في ضمن الإجماع الذي أختاره في مسائل دراستي هذه.
أهمية الموضوع وأسباب اختياره
ملحوظة: ربما أنقل بعض الاجماعات المذهبية الموهمة أنها إجماع عام، وذلك من باب نفيه، وكذلك تنبيه القارئ إلى عدم الاستعجال في نقل الخلاف، خاصة عند من يجازف في حكايته وهو خلاف مذهبي، وكذلك ربما أنقل بعض الإجماعات في غير الكتب الواردة في المشروع، وذلك لأهميتها من حيث كونها إجماعًا صريحًا صحيحًا، أو اشتهرت على ألسنة الفقهاء وطلبة العلم على أنها من المجمع عليه، وليست كذلك، فرأيت من المهم ذكرها في بعض الأبواب. وقد قامت اللجنة المكلفة بمشروع الإجماع، والمُشَكَلة من قبل القسم مشكورة باختيار الكتب التي تقوم على دراسة الباحث، مراعية في ذلك عناية العالم بالإجماع، مستصحبة في ذلك تباين الفترات الزمنية لهؤلاء العلماء الذين يحكون الإجماع، وقد بلغت هذه الكتب ثلاثون مصدرًا. أهمية الموضوع وأسباب اختياره: تكمن أهمية البحث في موضوع الإجماع وأسباب اختياره، من خلال محاور عدة، منها: أولًا: مكانة الإجماع في الفقه الإِسلامي، وتبرز أهميته في هذا الجانب، من خلال جملة من النقاط من أهمها: 1 - أنَّ الإجماع مصدرٌ أساسي من مصادر التشريع الإِسلامي المتفق عليها بين الأمة، فهو المصدر الثالث من مصادر أدلة الشريعة الإِسلامية، ولذلك العناية به تعد من أهم ما ينبغي أن يشتغل به العلماء. 2 - أن أهل العلم نصوا على أنَّ من شروط المجتهد أن يكون عالمًا بالمسائل المجمع عليها، فلا يصح أن يكون الرجل عالمًا حتى يعلم مخارج العلم، وما يصح مما لا يصح. 3 - لقد نصَّ أهل العلم على كفر منكر الإجماع القطعي، في شروط سترد معنا في التمهيد، ولأجلَّ هذا تبرز أهمية معرفة الإجماع القطعي من
غيره، لما يترتب عليه من آثارٍ وأحكام. ثانيًا: أهمية تحقق وجود الإجماع من عدمه في المسألة: وتبرز أهمية المحور من خلال التالي: 1 - لقد تباينت عبارات الفقهاء في حكاية الإجماع، وحين التدقيق والتأمل يصل الباحث إلى قناعة وهي: أن الحكم بالإجماع في المسألة ليس على إطلاقه في الحقيقة، فبعض العلماء يطلق الإجماع ويريد به إجماع المذهب، وهذا كثيرًا ما يسلكه فقهاء الحنفية -رحمهم اللَّه- وبعضهم يعكس ذلك، فيحكي الاتفاق ومراده الإجماع كما يحصل من تعبيرات ابن رشد، وابن حزم -رحمهما اللَّه- وغيرهما من أهل العلم. 2 - هناك مسائل قد جزم فيها كثير من الفقهاء بأنها من المجمع عليها، والمجزومُ المُحَقّق بعد التأمل والنظر أنها من المسائل الخلافية، بل يوجد مسائل يحكي بعض العلماء فيها الإجماع ويحكي غيرهم الإجماع على ضدها، ومن هنا تكمن أهمية التحقق من درجة الإجماع في المسألة. 3 - الوقوف أمام تجاسر كثيرٍ من طلاب العلم في زماننا هذا، على مخالفة بعض مسائل الإجماع المروية عن العلماء، وذلك بنبش الأقوال الشاذة من بطون الكتب من هنا وهناك، ومحاولة النفخ فيها، وجعلها خارقة للإجماع الصحيح. ثالثًا: أهمية مسائل الإجماع من خلال عنوان البحث (مسائل الإجماع في أبواب التبرعات والفرائض). 1 - تعد هذه الدراسة إضافة جديدة للمكتبة الإِسلامية، وذلك من خلال تسهيل مسائل الإجماع للمشتغلين بالعلم، خاصة وأن الدراسات في عقود التبرعات، والفرائض، قليلة جدًا في مقابل باقي أبواب الفقه. 2 - حاجة الهيئات الرسمية والأهلية للأوقاف في العالم الإِسلامي إلى تحرير
أهداف البحث
المسائل المتعلقة بإجماع الأمة في مسائل الأوقاف، لا سيما وأننا في الآونة الأخيرة نلحظ عودة قوية للأوقاف، فأغلب بلدان العالم الإِسلامي قامت بإنشاء وكالات وهيئات وأمانات للأوقاف، كما توجد هيئات غير رسمية أَيضًا؛ إما لأشخاص من المحسنين، أو لمجموعة ترعى هذا الجانب، وفي كل عام تعقد مؤتمرات متعددة في أحكام الأوقاف، وما يستجد من أحكام، ولا يوجد بحث علمي -حسب اطلاعي- يعتني بمسائل الإجماع المتعلقة بهذا الباب العظيم من أبواب الفقه. 3 - حاجة المحاكم الشرعية، وكتابات العدل في البلاد الإِسلامية إلى تحرير المسائل المتعلقة بإجماع الأمة في الأوقاف والعطية والهبة واللقطة، والوصايا والفرائض، وذلك لأنَّ المحاكم وكتابات العدل أكثر من يتناول هذه المسائل، فهي المرجع الشرعي والرسمي لجمهور المسلمين في مثل هذه القضايا, ولأجل هذا فأنَّ حصر مسائل الإجماع ودراستها وتميز الصحيح من غيره من أكبر العون للقضاة والمفتين وكُتّاب العدل في أداء مهامهم الشرعية. أهداف البحث: 1 - حصر مسائل الإجماع في أبواب التبرعات والفرائض، ومن ثم دراستها دراسة علمية قائمة على التتبع والاستقراء للوصول إلى نتيجة الإجماع المحكي هل هي صحيحة أم لا؟ 2 - إبراز الجانب المجمع أو المتفق عليه في الفقه الإِسلامي، وبيان أنَّ المسائل من هذا القبيل تمثل رصيدًا كبيرًا في الفقه الإِسلامي، وحيث أنَّ أبواب التبرعات والفرائض أخذت مساحة كبيرة في أبواب الفقه الإِسلامي، فإنَّ تحقيق المسائل المجمع أو المتفق عليها يسهم في تقديري في دعم وتقوية الجانب الشرعي عمومًا، والفقهي على وجه الخصوص.
أسئلة البحث
3 - إعانة المشتغلين بالقضاء، والفتوى، والتعليم، والباحثين أَيضًا، بتقريب مسائل الفقه إليهم، فهي تسهم في اختصار فترة زمنية قد يقضيها المحتاج إليها، أو الراغب في الاطلاع على حقيقة الإجماع، ومن أَجلِّ الأعمال في هذا الباب تمييز الصحيح من غيره، وهذه رتبة أشادَّ بها المبرزين من أهل العلم من ذوي التحقيق والتحصيل، والباحث يطمع في أن يكون أحد المسهمين في تقريب هذا الجهد إلى العلماء وطلبة العلم. 4 - إبراز جوانب متعددة مساعدة تمثل إضافة قوية لموضوع الإجماع، منها: تصنيف العلماء الذين ينقلون الإجماع، ومعرفة المتشدد من التساهل، وأيضًا حصر المسائل المجمع عليها، وبيان قوة الخلاف وضعفه، وأيضًا معرفة مآخذ الخلاف، فقد يتفق اثنان ممن يعتد بقولهم على مسألة مختلف فيها, ولكن مأخذ الخلاف يختلف. 5 - الحصيلة المعرفية، والتي يأمل الباحث أن تعود عليه شخصيًا، وذلك من خلال الاطلاع على هذا العدد الكبير من مسائل الإجماع، وما يصاحبها من دراسة متعمقة قائمة على الدراسة والتحقيق. أسئلة البحث: سيجيب البحث -بإذن اللَّه- عن جملة كبيرة من التساؤلات الهامة في موضوع الرسالة: 1 - ما مسائل الإجماع في أبواب التبرعات عمومًا والفرائض؟ 2 - ما مستند الإجماع في مسائل هذه الرسالة؟ 3 - ما جوانب الاتفاق والاختلاف التي وقعت بين الفقهاء في عقود التبرعات، ومسائل الفرائض وتوابعها؟ 4 - ما مدى صحة الإجماعات من المسائل التي تمت دراستها؟ وسلامتها من الانتقاد؟
منهج البحث
منهج البحث: لقد سرت في دراستي هذه من خلال استعمال المنهجيين العلميين، وهما: أولًا: المنهج الاستقرائي، ويقوم على جرد الكتب المحددة في المشروع بتتبع مسائل الإجماع، وجمعها وتقييدها. ثانيًا: المنهج الاستنباطي، ويقوم على دراسة المسائل المقيدة دراسة علمية، أخلص في نهايتها إلى إثبات صحة الإجماع من عدمه باستعمال المداركات العلمية في ذلك. المنهج المتبع في الجمع والدراسة: لقد سلكت جملة من الإجراءات في رسالتي حتى استكملتها، هي كالتالي: أولًا: المنهج المتبع في الجمع: قمت في عملية جمع مسائل الإجماع في أبواب التبرعات والفرائض باتباع الطريقة التالية: 1 - حصرت جميع المسائل الواردة في أبواب التبرعات والفرائض، وذلك من خلال الرجوع إلى جميع الكتب المعتمدة في هذا المشروع، وقد أخرج أحيانًا -وهو قليل- لنقل بعض الاجماعات النادرة والهامة من بعض المصادر التي هي خارج المشروع، وهي من كتب المذاهب الفقهية المعتبرة. 2 - تصنيف المسائل حسب الأبواب الفقهية، ثم حسب الفصول المندرجة تحت الأبواب على طريقة كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع" للحجاوي الحنبلي، لأنَّني رأيته متداولًا عند المتأخرين من الحنابلة، وعليه شروحات كثيرة، وهو سهل من حيث العبارة والفهم، وأحيانًا أخرج عن الطريقة إذا كان الإجماع المحكي عند غيرهم، ولم ينص
(ب) المنهج المتبع في الدراسة
عليه الحنابلة، وغالبًا ما اتبعت الترتيب على هذه الطريقة في باب الوصية والفرائض، وذلك لطولهما عطفًا على مسائل باقي الأبواب. 3 - أقوم بصياغة المسألة التي حكي فيها الإجماع بعبارة تتناسب مع ألفاظ أهل العلم، وأجعلها في رأس الصفحة، وأقوم بوضع رقمين، الأول لجمع مسائل الرسالة، والثانية خاص بالباب. 4 - ألتزم بذكر لفظة الإجماع كما هي، عندما أعبر عن من نقل الإجماع، فأقول من نقل الإجماع، إذا كانت الإجماع بلفظ الإجماع أو ما تفرع عنه، وإذا كانت اللفظة المحكية اتفاقًا، أقول: من نقل الاتفاق؛ إلا في نقل عبارة (نفي الخلاف) فإنني أعبر عنها بالإجماع، حينما أقول من نقل الإجماع؛ لأنَّ الغالب أنها من الإجماع المجزوم به، ورأيتُ أن قول من نقل نفي الخلاف ثقيلة. (ب) المنهج المتبع في الدراسة: 1 - أقوم بشرح المسألة إن احتاج الأمر، وأحاول أن يكون شرحي لها مقتضبًا بالقدر الذي أعتقد أنه يوصل إلى مفهوم العبارة. 2 - أشير إلى أول من حكى الإجماع أو الاتفاق أو نفى الخلاف، ثم أذكر من نقله مراعيًا الترتيب الزمني في ذلك، فأذكر النص بعينه، وعند تكرار الإجماع لعالم واحد في المسألة الواحدة فأكتفي بذكر نص واحد، وهذا النص أقدمه إذا كان أوضح وأصرح من غيره، وأشير إلى بقية النصوص بالهامش حسب الطريقة العلمية المتبعة في الجامعات والكليات الشرعية، وقد احتاج أحيانًا إلى نقل نصوص العالم كلها في مقام واحد وذلك للحاجة إليها كما في بعض مسائل الميراث. 3 - أذكر مستند الإجماع من الكتاب والسنة إن عُلم، ولا استقصي، وإنما أقتصر على دليلين أو ثلاثة، وأحيانًا أزيد إذا رأيت مناسبة إيراد بعض الأدلة مما يقوي المسألة، وإن لم يذكر دليل في المسألة، فإنني أذكره
بطرق الاستنباط الأخرى، مراعيًا الصيغة المختصرة المستوعبة للمسألة. 4 - إنْ وجد خرقٌ للإجماع سواء كان معتبرًا أم غير معتبر؛ فإنني أبذل قصارى جهدي للتحقق من دعوى خرق الإجماع، وأذكر الخلاف المحكي في المسألة مع العزو إلى الكتب المعتبرة في المشروع، ومن غيره. 5 - قمت في أبواب الفرائض التمثيل لكل مسألة، وقد رأيت مناسبة ذلك حتى يتصور القاريء المسألة، ولا يقع في إشكال تشابه بعض الصور. 6 - قمت بعزو الآيات القرآنية إلى سورها في الهامش، فأذكر السورة، ورقم الآية. 7 - قمت بتخريج الأحاديث والآثار من دواوين السنة، مبينًا درجة الحديث، فإن كان في الصحيحين فأكتفي بالعزو إليهما؛ إلا أن تكون هناك زيادات في غير الصحيحين لها تعلق مباشر بالمسألة؛ فإنني أخرجها من مصدرها، وأما إذا كان الحديث في غير الصحيحين فإنني قمت بدراسته على طريقة أهل العلم، من جهة الإسناد، مستفيدًا من كلام المتقدمين والمتأخرين في الحكم على الحديث، وأشير في التخريج إلى: الكتاب، والباب، والجزء والصفحة؛ إلا في الكتب الستة، ومسند أحمد، والمصنفات/ كمصنف ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق؛ فإنني أشير إلى رقم الحديث فقط، مع ما سبق من عزو إلى إلى الكتاب والباب، وإن كان الحديث ضعيفًا بحثت عن جابر له، وإلا بينت درجته. 8 - قمت بالترجمة للعلماء الوارد ذكرهم في رسالتي، وجعلت لهم فهرسًا مستقلًا في آخر الرسالة، وقد تركت تعريف المعروفين المشهورين؛ كالخلفاء الأربعة، وبعض الصحابة المشهورين بكثرة الرواية والنقل؛ كابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وكذلك لم أعرف للأئمة الأربعة، ولا للمعاصرين الذين ورد ذكر أسمائهم.
المشكلات التي اعترضت الباحث
9 - عرفت بعض المصطلحات الأصولية والفقهية والألفاظ اللغوية الغريبة التي ترد في صلب الموضوع مع توثيقها من كتب المعاجم المعتمدة، وأما الألفاظ الظاهرة فلا أعرفها, لعدم الحاجة إليه. المشكلات التي اعترضت الباحث: وكعادة البحوث العلمية، فقد واجهتني بعض المشكلات من خلال جمعي ودراستي وتحقيقي لمسائل هذا الموضوع الهام في أبواب الفقه، وأُجمل هذه المشكلات في نقاط ثلاث: أولًا: أن المسائل التي حُكي فيها الإجماع كثيرة جدًا في هذه الدراسة، وهذه الكثرة تقود إلى تشعب مسائل البحث وإطالته، مما يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين. ثانيًا: مناهج العلماء في التعبير عن الإجماع مختلفة، فمنهم من يعبر بالإجماع صراحة، ومنهم بنفي الخلاف، ومنهم بالاتفاق، ومنهم من يعبر بالجمهور، وهذه كلها تحتاج إلى جهد في التحقق من صحة الإجماع، خاصة وأنَّ من العلماء من يعبر عن الإجماع، ويقصد به الإجماع المذهبي. ثالثًا: خلاف العلماء في تحقق الإجماع، وتباين أقوالهم يجعل الباحث يوسع الاطلاع في كتب الخلاف، والقواعد الأصولية في مباحث الإجماع؛ لأن من أهل العلم من يرى أن خلاف الواحد والأثنين مما يخرم الإجماع ومنهم من لا يرى ذلك. خطة البحث تتكون خطة البحث من مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وهي حسب التالي: المقدمة: التمهيد: وقد اشتمل على ذكر الدراسة التأصيلية لبعض مسائل الإجماع، ولم استوعب المسائل جميعها، خشية الخروج بالبحث عن المقصود. وقد اشتمل التمهيد على ستة مباحث، وهي:
المبحث الأول: تعريف الإجماع في اللغة والاصطلاح. المبحث الثاني: مكانة الإجماع وحجيته. المبحث الثالث: أركان الإجماع وأنواعه وشروطه. المبحث الرابع: حكم إنكار الإجماع المبحث الخامس: مصطلحات الإجماع. المبحث السادس: خلاف أهل الظاهر. وأما أبواب الدراسة في عقود التبرعات والفرائض، فاشتملت على ثلاثة أبواب، تحت كل باب جملة من المباحث، وهي حسب التالي: الباب الأول: مسائل الإجماع في أبواب التبرعات وفيه تمهيد، وستة فصول: التمهيد: يتضمن التعريف بعقود التبرعات وأنواعها، ومشروعيتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب العارية. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الوديعة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب اللقطة. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أبواب الوقف. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في باب الهبة والعطية. الفصل السادس: مسائل الإجماع في باب تصرفات المريض. الباب الثاني: مسائل الإجماع في أبواب الوصايا وفيه تمهيد, وستة فصول: التمهيد: يتضمن التعريف بالوصايا، وما يتفرع عنها من معاني. الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب حكم الوصية. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الموصى به.
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب الموصى له. الباب الثالث: مسائل الإجماع في أبواب الفرائض وفيه تمهيد، وتسعة فصول: التمهيد: يتضمن التعريف بالفرائض، وأدلتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب أصحاب الفروض. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب العصبات. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب ذوي الأرحام. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب ميراث الحمل. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في باب ميراث الغرقى والمفقودين. الفصل السادس: مسائل الإجماع في باب ميراث أهل الملل. الفصل السابع: مسائل الإجماع في باب ميراث المطلقات. الفصل الثامن: مسائل الإجماع في باب القاتل والمبعض والولاء. الفصل التاسع: مسائل الإجماع في باب ميراث الإقرار بمشارك. الخاتمة: ويعرض فيها أهم نتائج البحث التي توصلت إليها، وأيضًا أهم التوصيات التي أرى أهميتها. الفهارس • فهرس المراجع والمصادر. • فهرس المسائل التي تحقق فيها الإجماع. • فهرس المسائل التي لم يتحقق فيها الإجماع. • فهرس الموضوعات. * * *
شكر وتقدير
شكر وتقدير وبعد هذه التطوافة في كشف مسائل الإجماع ودراستها في موضوع البحث، فإنني أشكر اللَّه أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، ذي النعم الكثيرة، والمنن الغزيرة على ما منَّ به وتفضل على عبده الضعيف من التوفيق والإتمام، ولا أملك إلا أن أقول: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)} [النمل: 19] وأسأله جل وعلا المزيد من فضله، وأن يعاملني بما هو أهله. ومن باب: (لا يشكر اللَّه من لا يشكر الناس) (¬1)؛ فإنني أسطر كلمات الشكر، وألفاظ الثناء، وعبارات الوفاء لهذه الجامعة العريقة؛ جامعة الملك سعود، والتي أتاحت لي فرصة مواصلة دراساتي العليا، فلقد حصلتُ على درجة الماجستير من قسم الثقافة الإِسلامية، كلية التربية، جامعة الملك سعود، واليوم أنهي أطروحة الدكتوراة في القسم نفسه. كما أثني بالشكر والتقدير والإكبار لمنْ له الفضلُ عليَّ بعد اللَّه رب العالمين، وهو أستاذي المفضال الدكتور: عبد اللَّه بن إبراهيم الناصر، المشرف على أطروحتي، حفظه اللَّه، وبارك في عمره وعمله وذريته، والذي أسرني بتواضعه، وحسن تعامله، وسعة صدره، وسرعة تجاوبه، ودقة ¬
ملحوظاته، رغم مشاغله وارتباطاته العلمية الكثيرة والمتعددة، فلم تكن سدًا ولا حاجزًا بينه وبين إنجاز بحثي في حدود المدة النظامية، ولقد كان لتوجيهاته وتنبيهاته وملحوظاته الأثر البالغ عليَّ من الناحية العلمية شخصيًا، وعلى بحثي كما هو ظاهر. والشكر موصولٌ أَيضًا لأساتذتي المناقشين الذين قبلوا مناقشة دراستي هذه، واقتطعوا وقتًا كبيرًا لقرائتها وإبداء ملحوظاتهم الموفقة والمسددة، والتي تمثل إضافة وقيمة كبيرة لهذه الرسالة، وللباحث. ولا أملك إلا أن أقول أَيضًا كما قال الأول: أيادي لا أستطيع عنه صفاتها ... ولو أن أعضائي جميعًا تكلم وأيضًا كما قيل: أيادي منهم ليس يبلغها الشكر (¬1). وأسأل اللَّه أن يغفر لنا تقصيرنا، وأن يوفقنا لما فيه صلاحنا وفوزنا في عاجل أمرنا وآجله. والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وكتب عزيز بن فرحان محمد العنزي ¬
الباب الأول مسائل الإجماع في أبواب التبرعات
الباب الأول مسائل الإجماع في أبواب التبرعات وفيه تمهيد, وستة فصول: التمهيد: يتضمن التعريف بعقود التبرعات وأنواعها، ومشروعيتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب العارية. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الوديعة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب اللقطة. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أبواب الوقف. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في باب الهبة والعطية. الفصل السادس: مسائل الإجماع في باب تصرفات المريض.
التمهيد يتضمن التعريف بعقود التبرعات وأنواعها، ومشروعيتها
التمهيد يتضمن التعريف بعقود التبرعات وأنواعها، ومشروعيتها إن المتأمل في نصوص الوحيين الشريفين يجد أن من أهم مقاصد الشريعة هو طلب الإكثار من الأعمال التي يكون نفعها متعدي، وذلك مثل: عقود التبرعات؛ كالهبة، والعطية، والوصية، والوقف، والعارية وغيرها؛ لما فيها من إيصال النفع للآخرين، وكذلك ما يترتب على هذه الأعمال من الأجور العظيمة، وقد تضافرت نصوص القرآن والسنة في الحث على ذلك، وبيان العوائد الأثيرة والكثيرة على من فعل ذلك، وسيأتي بيانها في ثنايا البحث، والأمة متفقة على مشروعية التبرع، ولم ينكر ذلك أحد (¬1). تعريف عقود التبرعات: والتبرع لغة: مأخوذ من برع الرجل، وبرع بالضم أَيضًا براعة، أي: فاق أصحابه في العلم وغيره فهو بارع، وفعلت كذا متبرعًا أي: متطوعًا، وتبرع بالأمر: فعله غير طالب عوضًا (¬2). وقالت الخنساء: جلدٌ جميلٌ أصيل بارعٌ وَرعٌ ... مأوى الأراملِ والأيتامِ والجارِ (¬3) وأما التبرع في الاصطلاح، فإنه باستقراء كلام الفقهاء يتحصل أنهم لم يضعوا تعريفًا جامعًا للتبرع، وإنما عرفوا أنواع عقود التبرعات؛ كأحد مفردات التبرع مثل: الوصية والوقف والهبة وغيرها. ¬
مسألة: أنواع عقود التبرعات
ومن هذه التعريفات لمفردات التبرع، يمكن تعريف عقود التبرعات بأنها: العقود التي يقوم التمليك فيها على جهة التبرع من غير إلزام ولا مقابل (¬1). مسألة: أنواع عقود التبرعات: والتبرعات بهذا المعنى أنواع متعددة، منها: تبرع بالعين، ومنها تبرع بالمنفعة، وتكون التبرعات، حالة أو مؤجلة، أو مضافة إلى ما بعد الموت. والتبرع بأنواعه يدور عليه الحكم التكليفي بأقسامه المعروفة عند الأصوليين. ومن حيث التقسيم فإن عقود التبرعات قسمان (¬2): الأول: ما يعود نفعه إلى القابض، كالهبة، والصدقة، والعارية. والثاني: ما يعود نفعه إلى الدافع كالوديعة، ومال المضاربة، ومال الشركة. مسألة: الحكم التكليفي للتبرع: اتفق الفقهاء على أن التبرع ليس له حكم تكليفي واحد، وإنما تعتريه الأحكام الخمسة: فقد يكون واجبًا، وقد يكون مندوبًا، وقد يكون حرامًا، وقد يكون مكروهًا تبعًا لحالة التبرع، والمتبرع له، والمتبرع به. ولعلي أضرب مثالًا لذلك بالوصية، فإن كان التبرع وصية، فتكون واجبة لتدارك قربة فاتته؛ كزكاة أو حج، وتكون مندوبة إذا كان ورثته أغنياء وهي في حدود الثلث، وتكون حرامًا إذا أوصى لمعصية أو بمحرم، وتكون مكروهة إذا أوصى لفقير أجنبي وله فقير قريب، وتكون مباحة إذا أوصى ¬
مسألة: أركان التبرع
بأقل من الثلث لغني أجنبي وورثته أغنياء، والحكم كذلك في باقي التبرعات كالوقف والهبة. مسألة: أركان التبرع: يذكر الفقهاء أن التبرع أساسه العقد، وأنه لا بُدَّ من توافر أركان العقد، وقد حصل خلاف بين الفقهاء في عدد هذه الأركان إلى قولين: القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن أركان التبرع أربعة: 1 - متبرع. 2 - ومتبرع له. 3 - ومتبرع به. 4 - وصيغة. فالمتبرع: هو الموصي أو الواهب أو الواقف أو المعير. والمتبرع له: قد يكون الموصى له أو الموهوب له أو الموقوف عليه أو المستعير. والمتبرع به: قد يكون موسى به أو موهوبا أو موقوفًا أو معارا إلى غير ذلك. والصيغة: هي التي تنشئ التبرع وتبين إرادة المتبرع. القول الثاني: ما ذهب إليه الحنفية من أن للتبرع ركن واحد فقط، وهو الصيغة، والخلاف عندهم فيما تتحقق به هذه الصيغة، وهذا يختلف تبعًا لنوع التبرع (¬1). مسألة: آثار التبرع: إذا تم التبرع بشروطه الشرعية فإنه يترتب عليه أثر شرعي، وهو انتقال المتبرع به إلى المتبرع له، ويختلف ذلك باختلاف ¬
مسألة: ما ينتهي به التبرع
المتبرع به، وهذا كله سيتضح في ثنايا البحث. ففي العارية مثلًا ينتقل حق الانتفاع بها إلى المستعير انتقالًا مؤقتًا، فلا يملك المستعير العارية بالاستعارة. وفي الوصية مثلًا ينتقل الملك من الموصي بعد وفاته إلى الموصى له بقبوله، سواء أكان الموصى به أعيانًا أم منافع. وفي الهبة ينتقل ملك الموهوب من الواهب إلى الموهوب له إذا قبضه عند جمهور الفقهاء، ويتوقف انتقاله على القبض عند الحنفية. وبالجملة فإن التبرع ينتج أثرًا شرعيًا، وهو انتقال الملك في العين أو المنفعة من المتبرع إلى المتبرع له إذا تم العقد بشروطه. مسألة: ما ينتهي به التبرع: انتهاء التبرع قد يكون ببطلانه، وقد يكون بغير فعل من أحد، وقد يكون بفعل التبرع أو غيره. والأصل في التبرع عدم انتهائه لما فيه من البر والمعروف، باستثناء الإعارة لأنها مؤقتة. وباستعراض أقوال الفقهاء في انتهاء التبرع يتبين أن الانتهاء يتسع في بعض أنواع التبرع، ويضيق في بعضها الآخر، ففي العارية والوديعة والهبة على الثواب يتسع التبرع، ولذلك يجوز للمتبرع إنهاءه على كل حال في تفصيل عند أهل العلم، أما الوقف فإنه يضيق، فبمجرد تلفظه فإنه خرج عن ملكه. * * *
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب العارية
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب العارية [1 - 1] مشروعية العارية العارية في اللغة: مأخوذة من التعاور، وهو: التداول والتناوب مع الرد. والإعارة مصدر أعار، والاسم منه العارية، وتطلق على الفعل، وعلى الشيء المعار، والاستعارة طلب الإعارة (¬1). وفي اصطلاح الفقهاء: إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال، مع بقاء عينها (¬2). • والمراد بالمسألة: أن الأصل في العارية أنها مشروعة، ومباحة، وأنها من أعمال القرب التي يؤجر عليها المسلم. • من نقل الإجماع: العمراني (558 هـ): [وأجمع المسلمون على جواز العارية] (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أن العارية. . جائزة وقربة مندوب إليها] (¬4). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وأجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها] (¬5). الشربيني (977 هـ) قال: [العارية. . وحقيقتها شرعًا إباحة الانتفاع بما ¬
يحل الانتفاع به مع بقاء عينه، والأصل فيها قبْلُ الإجماع] (¬1). الشوكاني (1250 هـ) قال: [والعارية. . وهي أَيضًا مشروعة إجماعًا] (¬2). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [العارية. . بإجماع المسلمين حكاه الموفق وغيره. وقال الوزير: اتفقوا على أنها جائزة وقربة] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6). قال الماوردي: (وأما العارية فهي عقد معونة وإرفاق جاء الشرع بها وندب الناس إليها) (¬7) قال الجويني: (العارية من المبارّ التي استحث الشرع عليها) (¬8). قال المرغيناني: (العارية جائزة لأنها نوع إحسان) (¬9). قال النووي: (الإعارة قربة مندوب إليها) (¬10). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} [الماعون: 7]. • وجه الاستدلال: قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- في تفسير الماعون: (القدر والميزان ¬
والدلو) وروي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: (العواري) (¬1)، وعليه جمهور المفسرين. قال الأَعشى: بأجود منه بماعونه ... إذا ما سماؤهم لم تغم (¬2) الثاني: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)} [الحج: 77] • وجه الاستدلال: أن اللَّه سبحانه وتعالى أمر بفعل الخير، والعارية من أفعال البر والخير. الثالث: عن قتادة -رضي اللَّه عنه- قال سمعت أنسًا -رضي اللَّه عنه- يقول: كان فزع بالمدينة فاستعار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرسًا من أبي طلحة -رضي اللَّه عنه- يقال له المندوب، فركب، فلما رجع قال: (ما رأينا من شيء، وإنا وجدناه لبحرًا) (¬3). • وجه الاستدلال: فيه دليل على جواز استعارة الفرس من فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغير الفرس مثله في الجواز (¬4). الرابع: حاجة الناس إلى الاستعارة، فليس كل أحد يملك الضروريات والحاجيات، فكانت مشروعيتها مناسبة لطبيعة البشر.Rصحة الإجماع في أن العارية مشروعة من حيث الأصل (¬5). ¬
[2 - 2] حكم العارية الجواز لا الوجوب
[2 - 2] حكم العارية الجواز لا الوجوب • المراد بالمسألة: أنَّ حكم العارية الندب والجواز، وعدم الوجوب، فهذا لم يُعر الإنسان متاعه فلا إثم عليه. • من نقل الإجماع: العمراني (558 هـ) قال: [وأجمع المسلمون على جواز العارية] (¬1). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [الاتفاق على. . أن العارية جائزة وقربة مندوب إليها. . وأن للمعير فيها ثوابًا] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وأجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها] (¬3). ابن عابدين (1252 هـ): [. . . فإن الأمة أجمعت على جوازها] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7). قال ابن حزم: (العارية جائزة وفعل حسن) (¬8). قال المرغيناني: (العارية جائزة لأنها نوع إحسان) (¬9). قال ابن مفلح: (تجوز في كل المنافع المباحة كالدور والعبيد والدواب والثياب ونحوها) (¬10). ¬
قال المرداوي: (تجوز في كل المنافع إلا منافع البضع، هذا الصحيح من المذهب) (¬1). قال الخطيب الشربيني: (. . . وهي مندوب إليها) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- في قصة الذي سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أركان الإسلام. . وفيه، قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا، قال: (صدق) قال: فبالذي أرسلك، آللَّه أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: ثم ولى، قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لئن صدق ليدخلن الجنة) (¬3). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أن الأموال لا يجب فيها شيء إلا في الزكاة، فخرجت العارية عن الوجوب. الثاني: عن فاطمة بنت قيس -رضي اللَّه عنها- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (ليس في المال حق سوى الزكاة) (¬4). • وجه الاستدلال: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل ما سوى الزكاة من الأموال ليس واجبًا، والعارية تدخل في هذا العموم. الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك) (¬5) ¬
• وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل ما أداء الزكاة هو الواجب، وما سواه فهو من قبل الاستحباب، ومنه العارية. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الإمام أحمد في إحدى الروايتين (¬1)، والمالكية في قول (¬2)، وابن حزم من الظاهرية (¬3)، وهو اختيار ابن تيمية (¬4). فذهبوا إلى أن العارية واجبة على الغني للمحتاج. ودليلهم: واحتجوا بعدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} [الماعون: 7]. • وجه الاستدلال: أن اللَّه سبحانه وتعالى ذكر المانعين للماعون في سياق الذم، وقرنهم بالذين لا يحافظون على صلواتهم، وقد فسر ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- وابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (الماعون): لإعارة القدر، والدلو، الفأس (¬5). الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها. . قيل: يا رسول اللَّه وما حقها؟ قال: إعارة دلوها، وإطراق فحلها، ومنحة إبلها يوم ورودها) (¬6). • وجه الاستدلال: أن اللَّه سبحانه وتعالى ذم مانع العارية، وقد توعده الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بما ورد في الخبر، فدل على أنها واجبة. ¬
[3 - 3] جواز الرجوع في العارية مطلقا
Rعدم صحة الإجماع في أن حكم العارية الجواز لا الوجوب (¬1). [3 - 3] جواز الرجوع في العارية مطلقًا • المراد بالمسألة: أن للمعير أن يرجع في العارية متى شاء، سواء قبضها المستعير أم لم يقبضها، وسواء انتفع بها أم لم ينتفع، وسواء كان في أثناء الانتفاع أم بعده. • من نقل الإجماع: البلوطي (355 هـ): [وأجمعوا أن الرجل إذا قال لآخر: أعرتك دابتي لتركبها إلى موضع كذا، ثم قبضها المستعير فبدا له أن يأخذها منه قبل أن يركبها وبعد ما ركبها، أن ذلك له] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6). ¬
قال العمراني: (للمعير أن يرجع في العارية متى شاء، سواء كانت العارية مطلقة أو مؤقتة وإن لم تنقض المدة) (¬1). قال النووي: (ويجوز للمعير أن يرجع في العارية بعد القبض) (¬2). قال المرداوي: (وللمعير الرجوع متى شاء ما لم يأذن أي المعير في شغله بشيء يستضر المستعير برجوعه، وهذا المذهب مطلقًا) (¬3). قال الخطيب الشربيني: (لكل منهما أي للمعير والمستعير ردّ العارية متى شاء وإن كانت مؤقتة والمدة باقية لأنها مبرة من المعير وارتفاق من المستعير فلا يليق بها الإلزام، ورد المعير بمعنى رجوعه) (¬4). قال البهوتي: و (للمستعير الرد أي رد العارية متى شاء لأنها ليست لازمة، ولمعير الرجوع في عارية متى شاء مطلقة كانت العارية أو مؤقتة) (¬5). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وللمعير الرجوع متى شاء مطلقة كانت العارية أو مؤقتة) (¬6). • مستند الإجماع: الأول: عن أبي أُمامة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في الخطبة عام حجة الوداع: (العارية مؤداة والمنحة مردودة والزعيم غارم والدين مقضي) (¬7). ¬
• وجه الاستدلال: قال ابن عابدين بعد استدلاله بهذا الحديث على جواز رجوع المعير في عاريته متى شاء (الاستدلال ظاهر، وفيه تعميم بعد التخصيص، لما عرف أن المنحة عارية) (¬1). الثاني: قالوا: ولأن العارية عقد غير لازم، وهي مبرةٌ من المعير، وارتفاق من المستعير، فالإلزام غير لائق بها. الثالث: وأيضًا ذكروا بأن المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المستعير؛ لأنها تستوفى شيئًا فشيئًا، فكلما استوفى شيئًا فقد قبضه، والذي لم يستوفه لم يقبضه، فجاز الرجوع فيه. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬2)، فذهبوا إلى أنه لا يجوز له الرجوع مطلقًا. • دليلهم: احتجوا بعدة أدلة، منها: الأول: أن العارية إن كانت مؤقتة فليس له الرجوع، وإن لم يؤقت له مدة فيلزمه تركه مدة ينتفع بها في مثلها. الثاني: ولأن المعير ملكه المنفعة في مدة، وصارت العين في يده بعقد مباح. ¬
[4 - 4] رد المستعير العارية غير مشغولة وضمان النقص إذا اشترط المعير
ويظهر أن سبب خلاف المالكية مع الجمهور، هو أن المالكية يرون أن العارية عقد لازم (¬1)، فهي تفيد تمليك المنفعة بالإيجاب والقبول، ولا يجوز الرجوع فيها قبل المدة المحددة، أو قبل إمكان الانتفاع بالمستعار إن كانت مطلقة. وحاصل سبب الخلاف بين الفريقين: هو ما يوجد في العارية من شبه العقود اللازمة وغير اللازمة.Rعدم صحة الإجماع في جواز الرجوع في العارية مطلقًا، وذلك لخلاف فقهاء المالكية، المبني على قاعدة لزوم عقد العارية، حيث أن العقود عندهم لازمة (¬2). [4 - 4] رد المستعير العارية غير مشغولة وضمان النقص إذا اشترط المعير • المراد بالمسألة: إن اشترط المعير على المستعير أن يرد العارية غير مشغولة، وأن منقص يدخل على العين المعارة فيضمنه، فيجب على المستعير الالتزام بذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ): [متى كان المعير شرط على المستعير القلع عند رجوعه، ورد العارية غير مشغولة، لزمه ذلك؛ لأن المسلمين على شروطهم، ولأن العارية مقيدة غير مطلقة، فلم تتناول ما عدا المقيد؛ لأن المستعير دخل في العارية راضيًا بالتزام الضرر الداخل عليه بالقلع، وليس على صاحب الأرض ضمان نقصه، ولا نعلم في هذا خلافًا] (¬3). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). قال ابن الهمام: (وإذا استعار أرضًا ليبني فيها أو ليغرس فيها جاز وللمعير أن يرجع فيها ويكلفه قلع البناء والغرس) (¬4). قال ابن مفلح: (وإن أعارها للغرس أو البناء وشرط عليه القلع في وقت، أو عند رجوعه، ثم رجع لزمه القلع مجانًا) (¬5). قال المرداوي: (والعارية مضمونة بقيمتها يوم التلف) (¬6). قال الخطيب الشربيني: (وإذا أعار للبناء أو الغراس ولم يذكر مدة ثم رجع إن كان شرط القلع مجانًا لزمه) (¬7). قال الدردير: (وضمن المستعير ما يغاب عليه كالحلي والثياب مما شأنه الخفاء إن ادعى ضياعه إلا لبينة على ضياعه بلا سبب) (¬8). قال عبد الرحمن بن قاسم: (تضمن العارية المقبوضة إذا تلفت في غير ما استعيرت له) (¬9) • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (المسلمون على شروطهم) (¬10). ¬
[5 - 5] المستعير لا يملك العارية
• وجه الاستدلال: ظاهر في وجوب التزام الشروط (¬1). الثاني: أن العارية مقيدة غير مطلقة، فلم تتناول ما عدا المقيد (¬2). الثالث: أن المعير لم يصدر من جهته غرر تجاه المستعير فوجب الرد إلى شرطه، وقد دخل المستعير راضيًا عالمًا بالشرط (¬3).Rصحة الإجماع في وجوب رد المستعير العارية غير مشغولة وضمان النقص إذا اشترط المعير (¬4). [5 - 5] المستعير لا يملك العارية • المراد بالمسألة: أن المستعير لا يملك بالعارية الشيء الذي استعاره عينًا, ولا يجوز له التصرف بها إلا لمنفعة نفسه؛ لأنه لم يملك المنافع؛ فلا يصح أن يملكها غيره. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن المستعير لا يملك بالعارية الشيء المستعار] (¬5) ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا على أن عارية المتاع للانتفاع به. . ولا للتملك. .] (¬6) ابن قدامة (620 هـ) قال: [ولا خلاف بينهم أن المستعير لا يملك العين] (¬7). عبد الرحمن ابن قاسم (1397 هـ) قال: [وأجمعوا على أن المستعير لا يملك العين] (¬8). ¬
[6 - 6] استيفاء المستعير منفعة العارية بنفسه وبوكيله
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). قال النووي: (المستعير لا يملك العين) (¬4). قال البهوتي: (ويجب على المستعير الرد للعارية بمطالبة المالك له بالرد) (¬5). • مستند الإجماع: الأول: أن الإعارة تفيد إباحة المنفعة فقط، لا تمليك المنفعة، وذلك لجواز العقد من غير أجل، ولو كان لتمليك المنفعة لما جاز من غير أجل؛ كالإجارة (¬6). الثاني: وأيضًا: قالوا بأن الإعارة تصح بلفظ الإباحة، والتمليك لا ينعقد بلفظ الإباحة (¬7). الثالث: أن ملك العين المعارة ينافي المقصود من العارية، لأن المقصود الانتفاع بها، ورد عينها إلى صاحبها (¬8).Rصحة الإجماع في أن المستعير لا يملك بالعارية الشيء المستعار (¬9). [6 - 6] استيفاء المستعير منفعة العارية بنفسه وبوكيله • المراد بالمسألة: أن للمستعير أن يستوفي منفعة الشيء المستعار بنفسه أو وكيله، أو نائبه، كأن يركب الدابة المستعارة وكيله الذي هو مثله أو دونه ¬
في حاجته أو زوجته أو خادمه؛ لأن الانتفاع راجع إليه بواسطة المباشرة كل هذا جائز. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [وإن استعار شيئًا، فله استيفاء منفعته بنفسه وبوكيله؛ لأن وكيله نائب عنه. . ولا نعلم في هذا خلافًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). قال العمراني: (ومن استعار عينًا فله أن يستوفي منفعتها بنفسه، وبوكيله، لأنه نائب عنه) (¬5) قال النووي: (إذا استعار شيئًا فله استيفاء منفعته بنفسه وبوكيله، لأن وكيله نائب عنه ويده كيده) (¬6). قال المرداوي: (وحكم المستعير في استيفاء المنفعة حكم المستأجر يعني أنه كالمستأجر في استيفاء المنفعة بنفسه وبمن قام مقامه وفي استيفائها بعينها) (¬7). قال عبد الرحمن بن قاسم: (. . . تبقى العين بعد استيفاء النفع الحاصل بها كالدور والعبيد والثياب والدواب ونحوها، ليردها على صاحبها (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: القياس الصحيح، فيدُ الوكيل مثل يد الأصيل، فلما ملك التصرف بإذن المالك جاز له الانتفاع بها بنفسه وبغيره أشبه المستأجر، فللمستأجر أن يستوفي منفعة العين المؤجرة بنفسه وبواسطة وكيله؛ فكذلك هنا (¬9). ¬
[7 - 7] إذن المعير وأثره في استعمال العارية
Rصحة الإجماع في أن جواز استيفاء المستعير منفعة العارية بنفسه وبوكيله (¬1). [7 - 7] إذن المعير وأثره في استعمال العارية • المراد بالمسألة: أن للمستعير أن يستعمل الشيء المُعار فيما أذن له فيه المعير، ولو تلف في هذا النوع من الاستعمال فهو غير مضمون. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا كذلك على أن له أن يستعمل الشيء المستعار، فيما أذن له أن يستعمله فيه] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا على أن عارية المتاع للانتفاع به لا لأكله ولا لإفساده، ولا للتملك، لكن للباس والتجمل والتوطيء ونحو ذلك جائز] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وأجمعوا على أن للمستعير استعمال المعار فيما أذن له فيه] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7). قال السرخسي: (إنما لا يضمن لوجود الإذن من المالك في الاستعمال) (¬8). قال العمراني: (وإن أعاره الأرض ليزرع فيها، وأطلق، كان له أن يزرع أي زرع شاء، لأن الإذن مطلق، وإن قال لتزرع الحنطة، فله أن يزرع الحنطة والشعير، لأن ضرر الشعير أقل من ضرر الحنطة في الأرض) (¬9). ¬
قال المرداوي: (ليس للمستعير أن يؤجر ما استعاره بغير إذن المعير) (¬1). قال البهوتي: (وليس لمستعير أن يعير المعار ولا أن يؤجره إلا بإذن ربه) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة, منها: الأول: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: (كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد استبرأ الخبر! ! وهو على فرس لأبي طلحة -رضي اللَّه عنه- عري، وفي عنقه السيف، وهو يقول: (لم تراعوا لم تراعوا ثم قال وجدناه بحرًا أو قال إنه لبحر) (¬3). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استعمل الفرس للركوب، لأنه مأذون فيه، وقد استعاره من أبي طلحة -رضي اللَّه عنه-، والفرس يستعمل أصلًا للركوب. الثاني: القياس على المستأجر في استيفاء المنفعة، لأن كلًا منهما أذن له بتصرف معين، فلا يجوز تعديه (¬4). الثالث: أن المستعير يتصرف في ملك الغير، فلا يملك المستعير التصرف إلا على الوجه الذي أذن له المعير فيه (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الشافعية في أحد الوجهين (¬6)، فذهبوا إلى جواز استعماله في غير ما أذن فيه مما جرت العادة باستعماله. • دليلهم: وحجتهم أنهم قالوا: لأنه يملكَّه على حسب ما ملكه، فجاز؛ كما يجوز للمستأجر أن يؤجر العين.Rصحة الإجماع في أن للمستعير أن يستعمل الشيء المُعار فيما ¬
[8 - 8] وقت العارية للمستعير
أذن له فيه المعير فقط. وأما الوجه عند الشافعية فهو خلاف شاذ (¬1). [8 - 8] وقت العارية للمستعير • المراد بالمسألة: أن للمستعير أن يرد العارية متى شاء، ولو كانت مؤقتة فيعيدها قبل أن يحين وقت الإرجاع. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [ويجوز للمستعير الرد متى شاء، بغير خلاف نعلمه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال العمراني: (ويجوز للمستعير أن يرد العارية متى شاء، لأنه ملك الانتفاع بالإباحة، فكان له ردها متى شاء، كما لو أباح له أكل طعامه) (¬6). قال الخطيب الشربيني: (لكل منهما أي للمعير والمستعير رد العارية متى شاء، وإن كانت مؤقتة والمدة باقية لأنها مبرة من المعير، وارتفاق من المستعير فلا يليق بها الإلزام) (¬7) قال الدردير: (ولزمت الاستعارة المقيدة. . . إن أجلت العارية بزمن أو انقضاء أجل لزمت إليه، وإن لم تؤجل كأعرتك هذه الأرض أو هذه الدابة أو الدار. . . ففي صحة ردها ولو بقرب قبضها ولزوم قدر ما تعار إليه) (¬8). ¬
[9 - 9] يجوز إعارة الأرض للغراس أو البناء واشتراط قلع ما عليها عند الرجوع
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة, منها: الأول: لأنه إباحة، فكان لمن أبيح له: تركه؛ كإباحة الطعام (¬1). الثاني: لأنها ارتفاق من المستعير ومبرة من المعير، فله أن يرجعها متى شاء، ولا يليق بها الإلزام (¬2). الثالث: ولأن العارية من عقود التبرعات، فله الرد متى شاء (¬3). الرابع: أن المنافع تملك شيئًا فشيئًا على حسب حدوثها، فالتمليك فيما لم يوجد منها لم يتصل به القبض، ولا يملك إلا به، فصح الرجوع عنه متى شاء (¬4).Rصحة الإجماع في أنه يجوز للمستعير الرد متى شاء؛ لعدم المخالف في ذلك، بل يمكن الجزم بأن الإجماع المحكي فيها من الإجماعات القطعية (¬5). [9 - 9] يجوز إعارة الأرض للغراس أو البناء واشتراط قلع ما عليها عند الرجوع • المراد بالمسألة: إذا أعاره أرضًا للزرع، أو البناء ونحوهما، وشرط عليه أنه متى رجع في أي وقت أن على المستعير أن يخلي الأرض من ذلك، فإنه يلزم المستعير الوفاء بهذا الشرط. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [متى كان المعيرُ شَرطَ على المستعير القلع عند رجوعه ورد العارية غير مشغولة لزمه ذلك. . لا نعلم في هذا خلافًا] (¬6). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن حزم من الظاهرية (¬4). قال ابن حزم: (من أعار أرضًا للبناء فيها أو حائطًا للبناء عليه فله أخذه بهدم بنائه متى أحب بلا تكليف عوض) (¬5). قال السرخسي: (رجل استعار من رجل أرضًا على أن يبني فيها أو على أن يغرس فيها نخلًا فأذن له صاحبها في ذلك ثم بدا له أن يخرجه فله ذلك عندنا) (¬6). قال العمراني: (فإن شرط المعير على المستعير قلع البناء والغراس عند الرجوع، أو عند انقضاء المدة لزمه قلعه) (¬7). قال القرافي: (أذنت له أن يبني في أرضك أو يغرس، فلما فعل أردت اخراجه، ليس لك ذلك في مدة تشبه العارية إلا أن تعطيه ما أنفق) (¬8). قال البهوتي: (وإن أعارها أي الأرض لغرس أو بناء وشرط المعير عليه أي المستعير القلع في وقت عينه أو شرط القلع عند رجوعه ثم رجع المعير لزمه أي المستعير القلع أي قلع ما غرسه أو بناه عند الوقت الذي ذكره أو عند رجوع المعير) (¬9). قال ابن عابدين: (ولو أعار أرضًا للبناء والغرس صح للعلم بالمنفعة وله أن يرجع متى شاء لما تقرر أنها غير لازمة) (¬10). ¬
[10 - 10] وجوب رد عين العارية إذا كانت باقية
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة, منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (المسلمون عند شروطهم) (¬1). • وجه الاستدلال: أن فيه دلالة واضحة على أنه ينبغي للمسلم أن يفي بشرطه، وأنه يلزمه أن يفي لأخيه المسلم بما اشترط على نفسه تجاهه من رد العارية. الثاني: أن رضا المستعير بهذا الشرط، إلتزام للضرر الداخل عليه بالقلع، فكان هو الضار لنفسه، ولم يكن مضرورًا بغيره (¬2). الثالث: أن المعير لم يوجد منه الغرر، لأن العارية تسترد على كل حال (¬3).Rصحة الإجماع في أنه يجوز إعارة الأرض للغراس أو البناء واشتراط قلع ما عليها عند الرجوع (¬4). [10 - 10] وجوب رد عين العارية إذا كانت باقية • المراد بالمسألة: أن من استعار عينًا، وكانت موجودة وقت الرد؛ فإنه يجب عليه أن يردعينها لا مثلها ولا قيمتها. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [ويجب رد العارية إن كانت باقية بغير خلاف] (¬5). القرافي (684 هـ) قال: [. . وعن الثاني أن على اليد ¬
يحتمل ضمان التلف ضمان الرد. . متفق عليه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والشوكاني (¬4). قال العمراني: (فإن استعار عينًا، فاستعملها استعمالًا مأذونًا فيه، فردها وقد نقص شيء من أجزائها، بأن كان ثوبًا فرده، وقد رقّ ونقصت قيمته بذلك، لم يجب عليه ضمان ما نقص، لأن الإذن في استعماله تضمن الإذن في اتلاف ذلك منه) (¬5). قال البهوتي: (ويجب على المستعير الرد للعارية بمطالبة المالك له بالرد ولو لم ينقض غرضه منها أو بمضي الوقت، لأن الإذن هو المسلط لحبس العين وقد انقطع بالطلب، ويجب الرد أيضًا بانقضاء الغرض من العين المعارة، لأن الانتفاع هو الموجب للحبس وقد زال، وبانتهاء التأقيت إن كانت العارية مؤقتة لانتهائها) (¬6). قال الدردير: (ولزمت الاستعارة المقيدة بعمل كطحن إردب أو حمله لكذا أو ركوب له أو أجل كأربعة أيام أو أقل أو أكثر، لانقضائه أي العمل أو الأجل، فليس لربها أخذها قبله، سواء كان المستعار أرضًا لزراعة أو سكنى أو لوضع شيء بها أو كان حيوانًا لركوب أو حمل أو غير ذلك أو كان عرضًا) (¬7). • مستند الاتفاق: يستند الإتفاق إلى عدة أدلة, منها: الأول: عن أبي أمامة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في الخطبة عام ¬
[11 - 11] يضمن المستعير عند تعديه وتفريطه
حجة الوداع: (العارية مؤداة والزعيم غارم والدين مقضي) (¬1). • وجه الاستدلال: أنَّ قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (مؤداة) يدل على أنها أمانة، فيفيد أنها تؤدى عينًا حال قيامها (¬2). الثاني: عن سمرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤدى) (¬3). • وجه الاستدلال: أن العارية واجبة الأداء إما عينا وإما قيمة، وفي حال قيامها لابد من رد العين (¬4).Rصحة الإجماع في أنه يجب رد عين العارية إن كانت باقية (¬5). [11 - 11] يضمن المستعير عند تعديه وتفريطه • المراد بالمسألة: أن من استعمل العارية على غير الوجه الذي أذن له فيه ¬
فتلفت أو بعضها، أو فرط في حفظها فضاعت فهو ضامن ما تلف أو ضاع لتعديه وتفريطه (¬1). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن المستعير. . إذا أتلف الشيء المستعار أن عليه ضمانه] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [وأجمعوا على أن المستعير إذا تعدى في العارية أنه ضامن لما تعدى فيه منها مما باشر إفساده بنفسه] (¬3). ابن تيمية (728 هـ) قال: [الضمان على المستعير إن كان فرط أو تعدى باتفاق العلماء] (¬4). ابن عابدين (1252 هـ): [ولا تضمن بالهلاك من غير تعد أما لو تعدى ضمن إجماعًا] (¬5). القرافي (684 هـ): [أسباب الضمان ثلاثة: الإتلاف كخرق الثوب، والتسبب في الإتلاف كحفر البئر لوقوع الحيوان، أو وضع يد غير مؤمنة كيد الغاصب والمشتري شراء فاسدا. . .، فإن هذه الأيدي الأخر ما وضعت إلا بإذن، وهي قاعدة مجتمع عليها] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬7)، ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، وابن المنذر (¬3). قال الكاساني: (ولا ضمان إلا على المتعدي) (¬4). قال ابن رشد: (وعند مالك أنه إن استعمل العارية استعمالًا ينقصها عن الاستعمال المأذون فيه ضمن ما نقصها بالاستعمال) (¬5). قال الدردير: (وضمن المستعير ما يغاب عليه كالحلي والثياب مما شأنه الخفاء، إن ادعى ضياعه إلا لبينة على ضياعه بلا سببه. . . والقول له أي للمستعير في التلف أو الضياع فيما لا يغاب عليه، فيصدق ولا ضمان عليه، إلا لقرينة كذبه، كأن يقول: تلف أو ضاع يوم كذا، فتقول البينة: رأيناه معه بعد ذلك اليوم، أو تقول الرفقة التي معه في السفر: ما سمعنا ذلك ولا رأيناه) (¬6). قال المطيعي: (قال الشافعي: العارية كلها مضمونة، الدواب والرقيق. . . فمن استعار شيئًا فتلف في يده بفعله أو بغير فعله فهو ضامن له) (¬7). قال عبد الرحمن بن قاسم: (ولو سلم شريك لشريكه الدابة، فتلفت بلا تفريط ولا تعد لم يضمن إن لم يأذن له في الاستعمال، فإن أذن له فيه فكعارية) (¬8). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وتضمن العارية المقبوضة إذا تلفت في غير ما استعيرت له، سواء تعدى المستعير فيها أو لم يتعد) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة, منها: الأول: عن سمرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (على اليد ما أخذت حتى ¬
[12 - 12] عدم ضمان المستعير ما نقص من العارية بالاستعمال الصحيح
تؤدي) (¬1). • وجه الاستدلال: فيه دلالة على ضمان العارية مطلقًا (¬2). الثاني: أنها عين تفرد باحتباسها لنفسه من غير استحقاق فوجب أن تكون من ضمانه كالقرض (¬3). الثالث: القياس على الوديعة، فإنه قد وجد سبب وجوب الضمان وهو التفريط، وهو موجود في العارية (¬4).Rصحة الإجماع في أن المستعير إذا تعدى أو فرط في العارية أنه يضمن (¬5). [12 - 12] عدم ضمان المستعير ما نقص من العارية بالاستعمال الصحيح • المراد بالمسألة: إذا استعمل المستعير العارية فيما أذن له فيه فتأثر المعار بالاستعمال مثل أن ينمحق الثوب مثلا ويذهب وشيه أو تنقص قيمة الدابة ونحو ذلك فلا ضمان على المستعير. • من نقل الاتفاق: الماوردي (450 هـ) قال: [اتفق الفقهاء على أن ما تلف من أجزائها بالاستعمال غير مضمون على المستعير] (¬6). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬7)، ¬
والمالكية (¬1)، والحنابلة (¬2). قال الجويني: (ثم تردد الأئمة في ضمان الأجزاء التي تتلف باستعمال المستعار على حسب إذن المالك، فالذي ذهب إليه المحققون القطع بأنها لا تضمن، من قبل أنها تتلف بإتلاف المستعير، وإتلافه مأذون فيه من قبل المالك) (¬3). قال السرخسي: (لو تلف في الاستعمال لم يضمن، ولا يجوز أن يجعل فعله كفعل المالك لأنه استعمل لمنفعة نفسه، ولكن إنما لا يضمن لوجود الإذن من المالك في الاستعمال) (¬4). قال القرافي: (ما ينقص بالاستعمال لا يغرمه وقد استحقه بالعقد) (¬5). قال المرداوي: (وإن تلفت أجزاؤها بالاستعمال كخمل المنشفة فعلى وجهين: أحدهما: لا يضمن إذا كان استعمالها بالمعروف وهو الصحيح من المذهب، والوجه الثاني يضمن) (¬6). • مستند الاتفاق: يستند الاتفاق إلى عدة أدلة, منها: الأول: أن التلف حدث بسبب مأذون فيه، ولدخوله فيما هو من ضرورته (¬7). الثاني: أنه حدث بإذن مالكه فكان كقوله: اقتل عبدي (¬8). الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة بعض الشافعية في مقابل الأصح، وهو خلاف ضعيف، لا يكاد يذكر (¬9). ¬
[13 - 13] جاحد العارية لا يجري عليه ما يجري على السارق من القطع
Rصحة الإجماع في عدم ضمان المستعير ما نقص من العارية بالاستعمال الصحيح (¬1). [13 - 13] جاحد العارية لا يجري عليه ما يجري على السارق من القطع • المراد بالمسألة: أن جاحد العارية لا يدخل في مسمى السارق، فجحد الأعيان لا ينطبق عليه شروط السرقة، ولذلك لو جحد قدر النصاب الذي تقطع به الأيدي، فإنه لا يقطع للشبهة. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (560 هـ): [وأجمعوا على أن المرء إذا استعار الشيء، ثمّ جحده، أن لا قطع عليه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5) وابن قدامة (¬6). قال الرملي: (لا يقطع مختلس ومنتهب وجاحد وديعة أو عارية) (¬7). قال الشوكاني: (ذهب الجمهور إلى عدم وجوب القطع لمن جحد العارية) (¬8). • مستند الإجماع: ويستند الإجماع إلى عدة أدلة, منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ليس على: خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع) (¬9). ¬
• وجه الاستدلال: أن الواجب قطع السارق، والجاحد غير سارق وإنما هو خائن فأشبه جاحد الوديعة. وأجابوا عن حديث المخزومية (¬1)، أن القطع كان عن سرقة صدرت منها بعد أن كانت أيضًا مشهورة بجحد العارية، فعرفتها عائشة -رضي اللَّه عنها- بوصفها المشهور، فالمعنى امرأة كان وصفها جحد العارية فسرقت فأمر بقطعها، وأيضًا بأن أكثر رواياته أنها: (سرقت) ففي رواية من حديث مسعود بن الأسود -رضي اللَّه عنه-: (أنها سرقت قطيفة من بيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬2). ويمكن أن يكون ذكر الجحد لقصد التعريف بحالها، وأنها كانت مشتهرة بذلك الوصف، والقطع كان للسرقة، كذا قال الخطابي وتبعه فيؤخذ بها، ويحتمل أنها كانت تستعير وتجحد، وكانت تسرق فقطعت لسرقتها لا لجحودها (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة الإمام أحمد في الرواية الراجحة عنه (¬4)، وهو أيضًا مذهب الحنابلة (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6)، واختيار ابن القيم (¬7)، والشوكاني (¬8). ¬
[14 - 14] جواز إعارة السلاح للقتال به
فقد ذهبوا إلى أن جاحد العارية يقطع، وذلك لكونه نوعًا من أنواع السرقة. دليلهم: وحجتهم في ذلك ما جاء في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: (كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقطع يدها) (¬1). • وجه الاستدلال: قالوا: دل على أنه يجب القطع على جاحد العارية، قالوا: فالجحد داخل في اسم السرقة، وهو ما يقتضيه القياس والحكمة، ولا فرق بين من توصل إليه بالسرقة، أو العارية وجحدها، وضرر جاحد العارية مثل ضرر السارق، أو أكثر، وترتيب القطع على جاحدها، طريق إلى حفظ أموال الناس.Rعدم صحة الإجماع في أنّ جاحد العارية لا يجري عليه ما يجري على السارق من القطع، وذلك للخلاف القوي (¬2). [14 - 14] جواز إعارة السلاح للقتال به • المراد بالمسألة: أنه يجوز للمسلم أن يعير أخاه المسلم سلاحًا يقاتل عليه، إذا كان القتال مشروعًا. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا على أن عارية السلاح ليقاتل به. . جائزة] (¬3). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2) وابن تيمية (¬3). قال الخطيب الشربيني: (يحرم إعارة السلاح والخيل للحربي) (¬4). قال البهوتي: (وتحرم إعارة عين لنفع محرم. . . كإعارة سلاح لقتال في الفتنة. . .) (¬5). قال الدسوقي: (والحاصل أن المستعار إن كان آلة حرب وأتى بها مكسورة فمذهب المدونة وهو المعتمد أنه يكفي في الخروج من الضمان شهادة البينة بأنها كانت معه في اللقاء وإن لم تشهد أنه ضرب بها ضرب مثلها) (¬6). قال ابن عابدين: (أعار فرسًا أو سيفًا ليقاتل فتلف لا يضمن كذا في التاترخانية) (¬7). • مستند الاتفاق: يستند الإجماع إلى عدة أدلة, منها: الأول: عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- استعار منه أدراعًا يوم حنين فقال: أغصب يا محمد؟ فقال: (لا بل عارية مضمونة) (¬8). الثاني: عن عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال: صالح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أهل ¬
[15 - 15] جواز إعارة الدواب للركوب
نجران على ألفي حلة، النصف في صفر، والنصف في رجب، يؤدونها إلى المسلمين وعارية ثلاثين درعًا، وثلاثين فرسًا، وثلاثين بعيرًا وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح، يغزون بها المسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد) (¬1). الثالث: لأن إجارتها لذلك جائزة، والعارية أوسع لجوازها فيما لا يجوز إجارته (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية في قول (¬3) فقالوا بعدم صحة استعارة السهم ليغزو دار الحرب معللين ذلك بأنه لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه، وهذا باب القرض (¬4).Rصحة الإجماع في جواز إعارة السلاح للقتال عليه، إذا كان القتال مشروعًا، لعدم الخلاف الصريح في المسألة. وأما الحنفية فكلامهم هذا لا يؤثر في صحة الإجماع فإنهم منعوا -في هذا القول- إعارة السهم دون غيره للعلة التي ذكروها والسيف والرمح ونحوهما يمكن الانتفاع بهما من غير استهلاكهما. [15 - 15] جواز إعارة الدواب للركوب • المراد بالمسألة: أنه يجوز إعارة الدواب لمجرد الركوب، لكونه منفعة ¬
بالجملة، فإذا أعاره الدابة إعارة مطلقة له أن يستعملها ليلًا أو نهارًا، وله أن يركبها بما جرى العرف فيه من غير تعد ولا تفريط، إذا كانت مطلقة، بخلاف ما إذا كانت مقيدة. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا على أن عارية. . الدواب لركوبها جائزة] (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال سحنون: (لو أن رجلًا استعار من رجل دابة ليركبها حيث شاء، أو يحمل عليها ما شاء وهو بالفسطاط فركبها إلى الشام أو إلى أفريقيا، قال ينظر في عاريته، فإن كان وجه عاريته إنما هو إلى الموضع الذي ركب إليه وإلا فهو ضامن) (¬6). قال الماوردي: (ما يجوز إعارته وإجارته وهو كل مملوك كانت منفعته أبدًا كالدواب المنتفع بظهورها) (¬7). قال ابن عابدين: (فمن استعار دابة أو استأجرها مطلقًا بلا تقييد يحمل ما شاء) (¬8). قال ابن عابدين: (أعار فرسًا أو سيفًا ليقاتل فتلف لا يضمن كذا في التاترخانية) (¬9). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وتباح إعارة كل ذي نفع مباح. . . والدابة والثوب ونحوها) (¬10). ¬
[16 - 16] حرمة إعارة الجواري للوطء
• مستند الاتفاق: يستند الاتفاق إلى عدة أدلة, منها: الأول: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: (كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد استبرأ الخبر! ! وهو على فرس لأبي طلحة عري، وفي عنقه السيف، وهو يقول: (لم تراعوا! ! لم تراعوا! ! ثم قال: وجدناه بحرًا أو قال إنه لبحر) (¬1). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استعار دابة ليركبها لحاجة المسلمين، فهذا دليل على جواز استعارة الدواب لركوبها. الثاني: ولأن إجارتها لذلك جائزة، والإعارة أوسع لجوازها فيما لا تجوز إجارته (¬2).Rصحة الإجماع في جواز إعارة الدواب للركوب، بل هو من الإجماع القطعي، لأنه يتفق مع الأصل في العواري وهو الانتفاع منها (¬3). [16 - 16] حرمة إعارة الجواري للوطء • المراد بالمسألة: هو عدم جواز إعارة الجواري للوطء، لأنه فرج لا يحل استباحته بالإعارة، وإنما بالنكاح أو بملك اليمين. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [اتفقوا على أن عارية الجواري للوطء لا تحل] (¬4) شمس الدين بن قدامة (682 هـ) قال: [فأما منافع البُضع فلا تستباح بالبذل ولا بالإباحة إجماعًا] (¬5) عبد الرحمن ابن قاسم (1397 هـ) قال: [بضم الباء يعني الفرج، فلا يعار للاستمتاع به، لأنه لا يستباح بالبذل، ولا بالإباحة بالإجماع] (¬6). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). قال ابن رشد: (لا تجوز إباحة الجوار للاستمتاع) (¬4). قال القرافي: (. . . الشرط الثاني: أن تكون المنفعة مباحة شرعًا، فلا تعار الجواري للاستمتاع) (¬5). قال الخطيب الشربيني: (وتجوز إعارة جارية لخدمة امرأة أو ذكر محرم للجارية لعدم المحذور في ذلك. . . وخرج بذلك الذكر الأجنبي فلا تجوز إعارتها له لخوف الفتنة) (¬6). قال البهوتي: (وتحرم إعارة بضع، لأنه لا يباح إلا بملك أو نكاح) (¬7). قال الدردير: (لا تعار جارية للاستمتاع بها من وطء أو غيره لعدم اباحة ذلك) (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة, منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالي: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)} [المؤمنون: 5]. • وجه الاستدلال: أن الجارية المعارة ليست ملكًا للمستعير، بدليل الإجماع على أن المستعير لا يملك عين العارية بل منفعتها، فليست داخلة في قوله {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} [المؤمنون: 6]. ¬
[17 - 17] لا يجوز إجارة المستعير الشيء المستعار
الثاني: الإجماع على أن الوطء لا يحل إلا بملك تام أو نكاح، وهذا ليس من النكاح، ولا ملك اليمين بالاتفاق (¬1). الثالث: لو أبيحت الأبضاع بالبذل والعارية لم يُحرم الزنا، لأن الزانية تبذل نفسها له، والزاني مثلها (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: عطاء (¬3)، فيرى جواز إعارة الجواري للوطء، لأنه إذا جاز إعارة كلها، جاز إعارة بعضها.Rصحة الإجماع في حرمة إعارة الجواري للوطء. وأما الخلاف في المسألة فهو شاذ وضعيف لا يخرم الإجماع الذي دلت عليه النصوص العامة والخاصة والتي تشير إلى أن الأصل في الأبضاع الحرمة. [17 - 17] لا يجوز إجارة المستعير الشيء المستعار • المراد بالمسألة: من استعار شيئًا فله استيفاء منفعته بنفسه أو وكيله، ولكن ليس له أن يؤجر المستعار. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أنه لا يجوز للمستعير أن يؤجر ما استعاره] (¬4) ابن قدامة (620 هـ) قال: [ليس له (المستعير) أن يؤجره (المستعار). . لأنه لم يملك المنافع، فلا يصح أن يُملكها، ولا نعلم في هذا خلافا] (¬5). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6)، ¬
والشافعية (¬1). قال العمراني: (وإن استعار عينًا مدة، فأجرها المستعير تلك المدة، لم تصح الإجارة، لأن الإجارة معاوضة، فلا تصح إلا فيما يملكه، والمستعير لا يملك المنافع، وإنما هي ملك لمالك العين، وقد أباح له إتلافها، فلا يملك أن يملك ذلك غيره) (¬2). قال البهوتي: (وليس لمستعير أن يعير المعار ولا أن يؤجره إلا بإذن ربه) (¬3). قال المطيعي: (سبق أن قلنا إن العارية إباحة المنفعة فلم يجز أن يبيحها غيره، ولكن إذا أذن له المعير في إجارتها أو رهنها أو إعارتها مدة معلومة جاز، لأن الحق لمالكه فجاز ما أذن فيه) (¬4). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وللمستعير استيفاء المنفعة بنفسه وبوكيله لأنه نائبه ولا يعيرها ولا يؤجرها، أي العين المعارة، لأنه لم يملك المنافع، فلم يكن له أن يملكها إلا بإذن إما إيجارها فقال الموفق وغيره: بلا خلاف، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أنه لا يجوز للمستعير أن يؤجر ما استعاره) (¬5). • مستند الاتفاق: يستند الاتفاق إلى عدة أدلة, منها: الأول: الإعارة دون الإجارة، والشيء لا يتضمن ما هو فوقه، فالإجارة لازمة والإعارة غير لازمة (¬6). الثاني: أن فيه ضررًا بالمعير لأنه يمنعه استرداد عاريته إلى انقضاء مدة ¬
[18 - 18] جواز استعارة الشيء لرهنه
الإجارة فيبطل للضرر (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬2)، وهو قول لبعض فقهاء الحنفية (¬3)، وبعض فقهاء الشافعية (¬4). فذهبوا إلى جواز أن يؤجر المستعير ما استعاره. دليلهم: أن المستعير لما ملك المنافع كان له أن يتصرف فيها، كمن اكترى دارًا، لكنه لا يكريها إلا ممن يليق بها (¬5).Rعدم صحة الإجماع في عدم جواز إجارة المستعير للشيء المستعار، وذلك لخلاف المالكية ومن وافقهم (¬6). [18 - 18] جواز استعارة الشيء لرهنه • المراد بالمسألة: من استعار شيئًا ليرهنه في دين معلوم إلى أجل معلوم؛ فرهنه على ما استعاره لأجله (وهو الرهن) فإن الإعارة صحيحة، ولا يضمن في حال التلف لأنه غير متعدي. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الرجل إذا استعار من الرجل الشيء يرهنه على دنانير معلومة، عند رجل سمي له، إلى وقت معلوم، فرهن ذلك على ما أذن له فيه، أن ذلك جائز] (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬8)، ¬
والمالكية (¬1)، والحنابلة (¬2). قال العمراني: (قال سائر أصحابنا: يصح الرهن وهو الصحيح، لأنه عارية غير لازمة، لأن للمعير أن يطالبه بفكه أي وقت شاء، ولأن العارية قد تكون لازمة وهو إذا أعاره حائطًا ليضع عليه جذعًا فوضعه وبنى عليه) (¬3). قال المطيعي: (سبق أن قلنا إن العارية إباحة المنفعة فلم يجز أن يبيحها غيره، ولكن إذا أذن له المعير في إجارتها أو رهنها أو إعارتها مدة معلومة جاز، لأن الحق لمالكه فجاز ما أذن فيه) (¬4). قال ابن عابدين: (لا ترهن العارية أيضًا لأنها غير لازمة والرهن لازم) (¬5). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وليس له أن يرهن ما استعاره إلا بإذن مالكه، وله ذلك بإذنه) (¬6) • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة منها: الأول: أن المقصود من العارية أن يقضي بها المستعير حاجته ورهنها من هذا الباب فتقاس على بقية العواري (¬7). الثاني: أنه استعمال مأذون فيه من قبل صاحب العين. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الشافعية، فذهبوا إلى أنه لا يجوز إعارة الشيء لرهنه، إلا بمعرفة قدر الدين وجنسه (¬8). ¬
[19 - 19] إعارة الفحل للضراب
دليلهم: وحجة الشافعية أن الضرر يختلف، فلا بدَّ من معرفة قدر الدين وجنسه، فإذا أذن له في رهن العارية، فإنَّ مالك العارية يكون مالكًا للرهن فيضمن بذلك الدين عن الراهن، فيجب أن يكون المعير عالمًا بقدر الدين ومحله، فإذا خالفه في أيهما لم يصح لما يترتب عليه من حرج لمالك الرهن (¬1).Rعدم صحة الإجماع في جواز إعارة الشيء لرهنه؛ إلا بمعرفة قدر الدين وجنسه (¬2). [19 - 19] إعارة الفحل للضراب • المراد بالمسألة: ورد النهى عن إجارة الفحل للضراب (¬3)، ولكن إعارته للضراب جائزة؛ لأن الضراب من المنافع التي يحتاجها أصحاب الأنعام، فإعارته صحيحة. • من نقل الإجماع: ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). قال الماوردي: (والقسم الثالث: ما يجوز إعارته ولا تجوز إجارته وهو الفحول المعدة للطرق) (¬8). ¬
قال الخطيب الشربيني: (ويجوز إعارة فحل للضراب) (¬1). قال البهوتي: (وتصح إعارة كلب صيد. . . وإعارة فحل للضراب، لأن نفع ذلك مباح) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن قتادة -رضي اللَّه عنه- قال سمعت أنسًا -رضي اللَّه عنه- يقول: كان فزع بالمدينة فاستعار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فرسًا من أبي طلحة -رضي اللَّه عنه- يقال له المندوب، فركب فلما رجع قال: (ما رأينا من شيء، وإنا وجدناه لبحرًا) (¬3). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استعار فرس أبي طلحة -رضي اللَّه عنه- للركوب وهو منفعة، فدل على جواز إعارته للضراب، لأن منفعتها أعظم. الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها. . قيل: يا رسول اللَّه وما حقها؟ قال: إعارة دلوها، وإطراق فحلها، ومنحة إبلها يوم ورودها) (¬4). • وجه الاستدلال: أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أن من حق الناس على أصحاب الأنعام إعارة فحلها للضراب.Rصحة الإجماع في جواز إعارة الفحل للضراب، لكونه منفعة. * * * ¬
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الوديعة
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الوديعة [20 - 1] حكم حفظ الوديعة: الجواز • المراد بالمسألة: الوديعة: فعيلة بمعنى مفعولة، يقال: أودعت زيدًا مالًا: دفعته إليه ليكون عنده وديعة، وجمعها: ودائع، واشتقاقها من الدعة: وهي الراحة، أو أخذته منه وديعة، فيكون الفعل من الأضداد، لكن الفعل في الدفع أشهر، واستودعته مالًا: دفعته له وديعة يحفظه (¬1). وفي اصطلاح الفقهاء: المال المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض (¬2). • والمراد بالمسألة: جواز الإيداع والاستيداع، فللإنسان أن يودع من غيره، وللآخر أن يودعه، وذكر الفقهاء أن الوديعة من عقود التبرعات، وأن الأصل في ذلك الجواز والحل. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن الأمانات مؤداة إلى أربابها: الأبرار منهم والفجار] (¬3). العمراني (558 هـ) قال: [إن الأمة أجمعت على جواز الإيداع] (¬4). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أجمع علماء كل عصر على جواز الإيداع والاستيداع] (¬5). القرافي (684 هـ) قال: [وأجمعت الأئمة في جميع الأمصار والإعصار على ¬
حسن الإيداع] (¬1). ابن مفلح (884 هـ) قال: [والإجماع في كل عصر على جوازها] (¬2) البهوتي (1051 هـ) قال: [والإجماع في كل عصر على جوازها] (¬3). الشوكاني (1255 هـ): [الوديعة. . وهي مشروعة إجماعًا] (¬4) المطيعي (1354 هـ): [وأما الإجماع فأجمع علماء كل عصر على جواز الإيداع والاستيداع] (¬5) عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [وأجمعوا في كل عصر على جوازها للأمر بأدائها في الكتاب والسنة] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬7)، وابن حزم من الظاهرية (¬8). قال الماوردي: (فإذا قبل الوديعة كان قبولها من العقود الجائزة له المقام عليها والرجوع فيها) (¬9). وقال ابن حزم: (ومن البر حفظ مال المسلم أو الذمي) (¬10). وقال السرخسي: (الايداع عقد جائز) (¬11). قال الخطيب الشربيني: (أحكام الوديعة ثلاثة: الأول: الجواز. . .) (¬12). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة, منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ ¬
بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء: 58]. والثاني: قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة: 283]. والثالث: قوله سبحانه وتعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75]. • وجه الدلالة من هذه النصوص: أنها دلت بمجموعها على أن للأمانة أصلًا في الشرع، وأن حاجة الناس داعية إليها، والودائع أمانات (¬1). الرابع: وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (¬2). • وجه الدلالة: أن الأمانة بين الطرفين كانت معروفة، وأقرها الشارع الحكيم، وأمر بأن يحافظ عليها. الخامس: والعبرة تقتضيها أيضًا، فإن بالناس إليها حاجة، فإنه يتعذر على جميعهم حفظ أموالهم بأنفسهم، ويحتاجون إلى من يحفظها لهم (¬3).Rصحة الإجماع في أن حكم حفظ الوديعة الجواز (¬4). ¬
[21 - 2] يجب حفظ الوديعة في حرز مثلها
[21 - 2] يجب حفظ الوديعة في حرز مثلها • المراد بالمسألة: أن الوديع يجب عليه حفظ الوديعة وإحرازها متى ما قبلها، وحفظها يكون بما جرت به عادة الناس من حفظ أموالهم. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن على المودَع إحراز الوديعة وحفظها] (¬1). وابن رشد (595 هـ) قال: [وبالجملة فعند الجميع أنه يجب عليه أن يحفظها مما جرت به عادة الناس أن تحفظ أمولهم، فما كان بيّنًا من ذلك اتفق عليه، وما كان غير بيّن أنه حفظ اختلف فيه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6). قال ابن حزم: (وصفة حفظها هو أن يفعل فيها من الحفظ ما يفعل بماله، وأن لا يخالف فيها ما حد له صاحبها إلا أن يكون فيما حد له يقين هلاكها فعليه حفظها لأن هذا هو صفة الحفظ وما عداه هو التعدي في اللغة ومعرفة الناس) (¬7). قال السرخسي: (وبعد القبول عليه أداء ما التزم وهو الحفظ حتى يؤديها إلى صاحبه) (¬8). قال العمراني: (وإذا أودعه وديعة فلا يخلو إما أن يطلق المودع الحرز أو يعيّن له الحرز، فإن أطلق المودع الحرز، فعلى المودع أن يحفظها في حرز مثلها كداره ودكانه، لأن الإطلاق يقتضي حرز المثل، . . . وإن عيّن له المودع الحرز، بأن قال: أودعتك لتحفظها في هذا البيت، ¬
[22 - 3] إذا حفظ المودع الوديعة فتلفت فلا ضمان عليه
فإن حفظها المودَع في ذلك البيت ولم ينقلها منه، فلا كلام) (¬1). قال ابن مفلح: (. . . ويلزمه حفظها في حرز مثلها عرفًا، كسرقة، وكما يحفظ ماله، ولأنه تعالى أمر بأدائها، ولا يمكن ذلك إلا بالحفظ) (¬2). قال البهوتي: (ويلزمه أي الوديع حفظها أي الوديعة بنفسه أو وكيله، أو من يحفظ ماله كزوجة وعبد، كما يحفظ الوديعة ماله في حرز مثلها عرفًا) (¬3). قال المطيعي: (الإيداع يقتضي الحفظ، فإذا أطلق حمل على المتعارف، وهو حرز المثل) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (آية المنافق ثلاث. . وإذا ائتمن خان) (¬5). • وجه الدلالة: أن فيه تحذيرًا للمسلم، وتنبيهًا له على أن يحترز عما هو من علامات المنافق، وذلك بأن يحفظ الوديعة على الوجه الذي يحفظ به مال نفسه، فيضعها في بيته أو صندوقه لأنه وعد لصاحبها ذلك وخلف الوعد مذموم (¬6). الثاني: ولأن الإيداع من جانب المالك استحفاظ، ومن جانب المودع التزام الحفظ، وهو من أهل الالتزام فيلزمه.Rصحة الإجماع في أنه يجب حفظ الوديعة في حرز مثلها (¬7). [22 - 3] إذا حفظ المودَع الوديعة فتلفت فلا ضمان عليه • المراد بالمسألة: أن الوديعة بيد المودع أمانة، فإذا تلفت عنده فلا ¬
يضمنها؛ إلا بالتعدي أو التفريط؛ كسائر الأمانات، فلو ضمن كل أمين لما تصدى للأمانات أحد، ولوقع الناس في حرج وضيق، فالقاعدة أن ما كان من جنس الأمانات فلا ضمان فيه إلا بالتعدي والتفريط. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة بنفسه في صندوقه، أو حانوته، أو بيته، فتلفت أن لا ضمان عليه] (¬1) وابن رشد (595 هـ) قال: [في أحكام الوديعة، فمنها أنهم: اتفقوا على أنها أمانة لا مضمونة، إلا ما حكي عن عمر بن الخطاب] (¬2) والمطيعي (1354 هـ) قال: [والوديعة أمانة في يد المودع، فإن تلفت من غير تفريط لم تضمن. . وهو إجماع فقهاء الأمصار] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6). قال ابن حزم: (فإن تلفت من غير تعد منه ولا تضييع لها فلا ضمان عليه فيها) (¬7) قال السرخسي: (فإن وضعها في بيته أو صندوقه فهلكت لم ¬
يضمنه) (¬1). قال الدردير: (. . . فإن لم يأمر بشيء لم يضمن حيث وضعها بمحل يؤمن عادة، كما لا يضمن إذا تلفت بغير سرقة) (¬2). قال عبد الرحمن بن قاسم: (إذا تلفت الوديعة من بين ماله، ولم يتعد ولم يفرط لم يضمن) (¬3). • مستند الإجماع: ويستند الإجماع إلى عدة أدلة, منها: الأول: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- قال، إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من أودع وديعة فلا ضمان عليه) (¬4). • وجه الدلالة: أن الوديعة من الأمانات، وأن المستودع محسن، فإذا تلفت الوديعة عنده فلا يضمن، إلا إذا تعدى أو فرط. الثاني: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي اللَّه عنهم- قال، إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ليس على المستودع -غير المغل- ضمان) (¬5). • وجه الدلالة: أن الوديعة من الأمانات، وأن المستودع محسن، فإذا تلفت الوديعة عنده فلا يضمن، إلا إذا تعدى أو فرط، فإنه مغل. ¬
الثالث: ما روي عن أبي بكر (¬1)، وعمر (¬2)، وعلي (¬3)، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهم- (¬4) أنهم كانوا لا يضمنون الودائع. الرابع: ولأنه لو وجب على المودَع الضمان من غير تفريط، لامتنع الناس من قبولها، فيؤدي ذلك إلى الضرر بالمودعين (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه (¬6)، فذهب إلى تضمين المودع فرط أم لم يفرط، وهو مروي عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-. • دليلهم: حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: (أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- ضمنه وديعة ذهبت من بين ماله) (¬7). قالوا وهو حكم أحد الخلفاء الراشدين في محضر من الصحابة، ولم ينكر فكان إجماعًا مع توفر دواعي الإنكار. لكن أصحاب القول الأول وهم جماهير أهل العلم حملوا كلام الإمام أحمد بن حنبل المستند على قضاء عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- على التفريط، أو التهمة. وقد ذكر ذلك: البيهقي (¬8)، وابن قدامة (¬9)، وابن مفلح (¬10). ¬
[23 - 4] إذا أمر صاحب الوديعة المودع بحفظها في مكان عينه فحفظها ولم يبخس فتلفت فلا ضمان عليه
Rعدم صحة الإجماع في أن المودع إذا حفظ الوديعة فتلفت لا ضمان عليه (¬1). [23 - 4] إذا أمر صاحب الوديعة المودع بحفظها في مكان عينه فحفظها ولم يبخس فتلفت فلا ضمان عليه • المراد بالمسألة: أنه لا ضمان على المودع إذا التزم بالمكان الذي عينه رب الوديعة، وتلفت فيه الوديعة من غير تفريط ولا تعد. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [إن رب الوديعة إذا أمر المستودع بحفظها في مكان عينه، فحفظها فيه، ولم يخش عليها فلا ضمان عليه بغير خلاف، (¬2) والبهوتي (1051 هـ) قال: [وإن عيّن صاحبها حرزًا، فجعلها في دونه ضمن، سواء ردها إليه أو لا، لأنه خالفه في حفظ ماله، ومقتضاه أنه إذا حفظها فيما عينه، ولم يخش عليها، فلا ضمان عليه بغير خلاف] (¬3) • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). قال السرخسي: (وإذا قال صاحب الوديعة للمودع اخبأها في بيتك هذا، فخبأها في بيت آخر في داره تلك فلا ضمان عليه استحسنًا) (¬7). ¬
قال النووي: (إذا عيّن للوديعة مكانًا فقال: احفظها في هذا البيت أو في هذه الدار، فإما أن يقتصر عليه، وإما أن ينهاه مع ذلك عن النقل، فإن اقتصر عليه فنقلها إلى ما دونه في الحرز ضمن على الصحيح، وإن كان المنقول إليه حرزًا لمثلها، وإن نقلها إلى بيت مثل الأول لم يضمن) (¬1). قال البهوتي: (وإن عين صاحبها أي الوديعة حرزًا فجعلها المودع في حرز دونه ضمن الوديع سواء ردها المودع إليه أي إلى الحرز الذي عينه صاحبه أو لا لأنه خالفه في حفظ ماله، وإن أحرزها بمثله أي يحرز مثل الذي عينه صاحبها في الحفظ أو يحرز فوقه أي أحرز منه. . . لم يضمن) (¬2). قال ابن عابدين: (ولو قال لا تدفع إلى عيالك أو احفظ في هذا البيت، فدفعها إلى ما لا بد منه أو حفظها في بيت آخر من الدار فإن كانت بيوت الدار مستوية في الحفظ أو احرز لم يضمن وإلا ضمن لأن التقييد مفيد) (¬3). قال المطيعي: (وإن عين له الحرز فقال: احفظها في هذا البيت، فنقلها إلى ما دونه ضمن لأن من رضي حرزًا لم يرض بما دونه، وإن نقلها إلى مثله أو إلى ما هو أحرز منه لم يضمن) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن الوديع ممتثل لأمر المودع، ومستجيب لشرطه، غير مفرط في ماله، فلا ضمان عليه، كما هي القاعدة في الأمانات (¬5).Rصحة الإجماع في أنه إذا أمر صاحب الوديعة المودع بحفظها في مكان عينه فحفظها ولم يبخس فتلفت لا ضمان عليه (¬6). ¬
[24 - 5] إن خاف الوديع على الوديعة الهلاك فأخرجها من المكان المعين الى حرزها فتلفت لا ضمان عليه
[24 - 5] إن خاف الوديع على الوديعة الهلاك فأخرجها من المكان المعين الى حرزها فتلفت لا ضمان عليه • المراد بالمسألة: إذا اشترط المودع على الوديع مكانًا عينه له يحفظها فيه، ثم خاف الوديع عليها الهلاك فأخرجها من المكان المُعين إلى حرزها، فتلفت فلا ضمان عليه. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [إن خاف عليها سيلًا أو توى -يعني هلاكًا- فأخرجها منه إلى حرزها فتلفت، فلا ضمان عليه بلا خلاف أيضًا] (¬1) والمرداوي (885 هـ) قال: [وإن نهاه عن إخراجها، فأخرجها لغشيان شيء الغالب فيه التوى: لم يضمن، هذا المذهب وعليه الأصحاب، ولا أعلم فيه خلافًا] (¬2) • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال السرخسي: (وإذا احترق بيت المودع وأخرج الوديعة مع متاعه ووضعه في بيت جاره، فهلك فهو ضامن في القياس لأنه ترك الحفظ الذي التزمه بالتسليم إلى غيره، وعذره يسقط المأثم عنه، ولكن لا يبطل حق المالك في الضمان، وفي الاستحسان لا ضمان عليه لأنه لا يجد بدًا من هذا في مثل هذه الحالة) (¬6). قال الكاساني: (كما إذا وقع في داره حريق أو كان في سفينة فخاف الغرق فدفعها إلى غيره، ولو قال له: احفظ الوديعة في دارك هذه فحفظها في دار له أخرى فإن كانت الداران في الحرز سواء أو كانت الثانية أحرز لا تدخل في ضمانه) (¬7) ¬
[25 - 6] إذا خلط الوديعة بغيرها ثم تلفت فلا ضمان عليه
قال البهوتي: (. . . إلا أن يفعله لحاجة، كما لو خاف عليها من سيل أو حريق، لأنه لا يعد مفرطًا، والأولى إن نقلها إلى الأعلى لم يضمن لأنه زاده خيرًا) (¬1). قال الدردير: (إن زاد قفلًا على قفل أمره به فلا يضمن) (¬2). قال المطيعي: (إذا قال له لا تنقلها وإن خفت عليها الهلاك، فخاف عليها الهلاك ونقلها لم يضمن بالمخالفة لأنه زاده خيرًا، أما إذا لم ينقلها فتلفت ففيه وجهان. . . لا يضمن لأن نهيه مع خوف الهلاك أبرأه من الضمان) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن نقل الوديعة فى هذه الحال تعيّن حفظًا لها، وهو مأمور بحفظها، فلا يضمن (¬4).Rصحة الإجماع على أن الوديع إذا خاف على الوديعة الهلاك فأخرجها من المكان المُعين إلى حرزها، فتلفت فلا ضمان عليه (¬5). [25 - 6] إذا خلط الوديعة بغيرها ثم تلفت فلا ضمان عليه • المراد بالمسألة: هو جواز خلط الوديعُ الوديعة مع جنسها أو غير جنسها، كدراهم متميزة، وذلك لإمكان فصلها عما خلطت به، وردها بعينها إلى مالكها عند طلبه بيسر، فأشبه ما لو تركها فى صندوق فيه أكياس له، وكل ما ترتب عليها من الفساد فهو هدر، لأن ما يجري عليها يجري على مال الوديع (¬6). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع كل من نحفظ عنه ¬
من أهل العلم على أن الوديعة إذا كانت دراهم، فاختلطت بغيرها، أو خلطها غير المودَع، ثم تلفت، أن لا ضمان على المودَع] (¬1). وابن قدامة (620 هـ) قال: [يعني بالغلة إذا خلطها بصحاح من ماله، أو خلط الصحاح بالمكسرة لم يضمنها، لأنها تتميز منها فلا يعجز بذلك عن ردها على صاحبها، فلم يضمنها، كما لو تركها في صندوق فيه أكياس له، وبهذا قال الشافعي ومالك، ولا نعلم فيه اختلافًا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال السرخسي: (الخلط ثلاثة أنواع: خلط يتعذر التمييز بعده كخلط الشيء بجنسه، فهذا موجب للضمان، لأنه يتعذر به على المالك الوصول إلى عين ملكه، وخلط يتيسر معه التمييز كخلط السود بالبيض والدراهم بالدنانيير، فهذا لا يكون موجبًا للضمان لتمكن المالك من الوصول إلى عين ملكه فهذه مجاورة ليس بخلط، وخلط يتعسر معه التمييز كخلط الحنطة بالشعير، فهو موجب للضمان، لأنه يتعذر على المالك الوصول إلى عين ملكه إلا بحرج) (¬6). ¬
قال النووي: (إذا خلط الوديعة بمال نفسه، وفقد التمييز ضمن، وإن خلطها بمال آخر للمالك ضمن أيضًا على الأصح لأنه خيانة، ولو أودعه دراهم فأنفق منها درهمًا ثم رد مثله إلى موضعه، لا يبرأ من ضمانه، ولا يملكه المالك إلا بالدفع إليه، ثم إن كان المردود غير متميز عن الباقي، صار الجميع مضمونًا، لخلطه الوديعة بمال نفسه، فإن تميز فالباقي غير مضمون) (¬1). قال القرافي: (إذا خلط الدراهم فضاع الجميع لم يضمن، أو ضاع بعضه فما ضاع ضمنه، وما بقي بينكما، لأن دراهمك لا تعرف من دراهمه ولو عرفت لكانت مصيبتها دراهم كل واحد منه، وكذلك الحنطة إذا خلطها بمثلها للاحتراز والفرق، أو بحنطة مخالفة لها، أو بشعير، ثم ضاع الجميع ضمن) (¬2). قال الخطيب الشربيني (. . . وإن تميز عنها فالباقي غير مضمون عليه، وإن تميز عن بعضها لمخالفته له بصفة كسواد وبياض وسكة ضمن ما لا يتميز خاصة، وإن رده بعينه إليها لم يضمن غيره من بقية الدراهم، وإن تلفت كلها أو لم يتميز هو عنها لاختلاطه بها، لأن هذا الخلط كان حاصلًا قبل الأخذ) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن خلط الوديعة في مثل هذه الصورة يكون مما تتميز عن غيرها، فلا يعجز بذلك عن ردها إلى صاحبها، فلم يضمنها، كما لو تركها في صندوق وفيه أكياس له (¬4). • الخلاف في المسألة: وقد خالف في هذه المسألة: الإمام أحمد في إحدى الروايتين، فقد حكي عنه: (تضمين من خلط دراهم بيضًا بسود) (¬5). وقد وجه ابن قدامة كلام الإمام أحمد بقوله: (ولعله قال ذلك لكونها ¬
[26 - 7] يجوز استعمال الوديعة بإذن مالكها
تكتسب منها سوادًا، أو يتغير لونها، فتنقص قيمتها، فان لم يكن فيها ضرر، فلا ضمان عليه، واللَّه تعالى أعلم) (¬1).Rصحة الإجماع في أن المودع إذا خلط الوديعة بغيرها ثم تلفت لا ضمان عليه. وأما الرواية عن الإمام أحمد فمحمولة على توجيه ابن قدامة، وهي الموافقة لأصوله (¬2) [26 - 7] يجوز استعمال الوديعة بإذن مالكها • المراد بالمسألة: أنه لا خلاف بين أهل العلم أن الوديع لا يجوز له استعمال الوديعة إلا بإذن المودع، فإذا أذن المودع فيجوز للوديع استعمالها على شرط المودع. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [اجمعوا على إباحة استعمالها بإذن مالكها] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). قال الماوردي: (وإذا أذن المودع للمستودع في إجارة الدابة التي ¬
[27 - 8] ضمان الوديعة إذا فرط المودع في حفظها أو تعدى
أودعها إياه فهو على أمانته في يده، فإذا أخرجها وسلمها فقد ارتفعت يده، فإذا انقضت مدة الإجارة لم يجز أن يسترجعها إلا بإذن) (¬1). قال القرافي: (وإنما يسقط الضمان إذن أرباب المال) (¬2). قال عبد الرحمن البصري الضرير: (ولو أذن له صاحب الوديعة في الأخذ منها، ولم يأمره برد بدله، فأخذ ثم رد بدل ما أخذ فهو كرد بدل ما لم يؤذن في أخذه) (¬3). قال علي حيدر: (كما أن للمستودع أن يستعمل الوديعة بإذن صاحبها فله أيضًا أن يؤجرها ويعيرها ويرهنها) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن إذن المودع للوديع باستعمال الوديعة يجعل الوديعة كالعارية، وقد تقرر أن العارية ينتفع بها المستعير (¬5).Rصحة الإجماع في جواز استعمال الوديعة بإذن مالكها (¬6). [27 - 8] ضمان الوديعة إذا فرط المودع في حفظها أو تعدى • المراد بالمسألة: أن المودع إذا فرط في الوديعة بحيث لم يحفظها في المكان الذي يحفظ مثلها، أو تعدى عليها، بحيث استعملها من دون إذن صاحبها فتلفت، أو استعملها بإذن صاحبها استعمالًا مضرًا، فإنه يضمن الوديعة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا على أن من اتجر في الوديعة، أو أنفقها، أو تعدى فيها مستقرضًا أكلها أو غير مستقرض فضمانها ¬
عليه] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [وبالجملة فالفقهاء يرون بأجمعهم أنه لا ضمان على صاحب الوديعة إلا أن يتعدى] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [إن تعدى المستودع فيها أو فرّط في حفظها فتلفت ضمنها بغير خلاف نعلمه] (¬3) (1255 هـ) قال: [وقد وقع الإجماع على أن الوديع لا يضمن إلا لجناية على العين] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6). قال العمراني: (إذا تعدى المودَع في الوديعة لزمه ضمانها) (¬7). قال الكاساني: (وأما بيان ما يغير حال المعقود عليه من الأمانة إلى الضمان فأنواع: منها: ترك الحفظ، لأنه بالعقد التزم حفظ الوديعة على وجه لو ترك حفظها حتى هلكت يضمن بدلها) (¬8). قال القرافي: (لا يلزم الضمان إلا عند التقصير) (¬9). قال الدردير: (. . . تضمن بتفريط رشيد لا بتفريط صبي ولا سفيه) (¬10). • مستند الإجماع: ويستند الإجماع إلى عدة أدلة, منها: الأول: عن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) (¬11). • وجه الاستدلال: أن فيه حرمة إضاعة المال، وما ترتب عليه من التعدي ¬
[28 - 9] الوديعة يختلف فيها المودع والمستودع فالقول للمودع
والتفريط فهو مضمون. الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه) (¬1). • وجه الاستدلال: أن الأصل في مال المسلم العصمة، فمن تعدى عليه بتعدٍ أو تفريط فهو ضامن له. الثالث: ولأنه متلف لمال غيره فضمنه، كما لو أتلفه من غير استيداع (¬2).Rصحة الإجماع في ضمان الوديعة إذا فرط المودع في حفظها أو تعدى (¬3). [28 - 9] الوديعة يختلف فيها المودَع والمستودع فالقول للمودَع • المراد بالمسألة: أن الوديع إذا ادعى تلف الوديعة أو ضياعها بعد حرزه لها، أن القول قوله؛ لأنه أمين. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة ثم ذكر أنها ضاعت: أن القول قوله، وقال أكثرهم: إن القول قوله مع يمينه] (¬4). ابن قدامة (620 هـ) قال: [المودَع أمين، والقول قوله فيما يدعيه من تلف الوديعة بغير خلاف] (¬5) المطيعي (1354 هـ) قال: [اتفقوا على أن قبول حفظها أمانة محضة. . وأن القول قوله في تلفها وردها على الإطلاق مع يمينه] (¬6). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، وابن حزم من الظاهرية (¬3). قال ابن حزم: (ولا تخرج عين الوديعة عن ملك المودع فالقول قوله مع يمينه) (¬4). قال السرخسي: (وإذا طلب المودع الوديعة فقال المستودع قد رددتها عليك فالقول قوله مع يمينه لأنه أمين والقول قول الأمين مع اليمين) (¬5). قال العمراني: (وإن ادعى المودَع أنه رد الوديعة على المالك، وأنكر المالك، ولا بينة على الرد، فالقول قول المودع مع يمينه، لأنه مؤتمن على حفظ الوديعة لمالكها، ولا حظ للمودَع فيها) (¬6). قال الكاساني: (ان المودع مع المودع إذا اختلفا، فقال المودع هلكت، أو قال رددتها إليك، وقال المالك: بل استهلكتها فالقول قول المودع) (¬7). قال ابن مفلح: (والمودع أمين. . . والقول قوله فيما يدعيه من رد مع يمينه) (¬8). قال الدردير: (وصُدق المودَع في دعوى التلف والضياع كالرد أي كما يصدق في دعواه أنه ردها لربها لأنه استأمنه عليها والأمين يصدق) (¬9). ¬
[29 - 10] المودع أحق بوديعته إذا عرفت بعينها
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن الوديع أمين لا منفعة له في قبض الوديعة، فقبل قوله فى الرد بغير بينة، كما لو أودع بغير بينة (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: مالك (¬2)، وأحمد في إحدى الروايتين (¬3). فذهبوا إلى: أنه يقبل قوله إن كان دفع إليه بغير بينة، وإن كان أودعه إياها لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة.Rعدم صحة الإجماع في أن الوديعة يختلف فيها المودَع والمستودع؛ فالقول للمودَع (¬4). [29 - 10] المودع أحق بوديعته إذا عرفت بعينها • المراد من المسألة: أنه إذا كانت عند المودع أمانات فاختلطت، أو مات المودع، وعرفت الوديعة بعينها، فالوديع أحق بوديعته، وأنه يجب تسليمها إليه، لأنها أمانة. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن الوديعة إذا عرفت بعينها لرجل أن صاحبها أحق بها، وأن تسليمها إليه يجب] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6)، ¬
[30 - 11] المودع بالخيار في التضمين إذا تلفت الوديعة عند الوديع الثاني
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). قال الكاساني: (فإن كانت الوديعة قائمة بعينها ترد على صاحبها، لأن هذا عين ماله، ومن وجد عين ماله فهو أحق به على لسان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬4). قال ابن قدامة: (وإن مات وعنده وديعة معلومة بعينها، فعلى ورثته تمكين صاحبها من أخذها) (¬5). قال الماوردي: (وإذا هلك وعنده وديعة بعينها فهي لربها) (¬6). قال الدردير: (وأُخذت الوديعة من تركته حيث ثبت أن عنده وديعة إذا لم توجد بعينها ولم يوص بها قبل موته لاحتمال أنه تسلفها) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن الوديعة من جنس الأمانات الواجب ردها، فوجودها مع مال التركة لا يسوغ للورثة تأخير ردها بعينها أو قيمتها إلى صاحبها، وأن يدهم عليها يد أمانة، لا يد ملك (¬8).Rصحة الإجماع في أن المودع أحق بوديعته إذا عرفت بعينها. [30 - 11] المودع بالخيار في التضمين إذا تلفت الوديعة عند الوديع الثاني • المراد بالمسألة: أن الوديع الأول إذا استودع الوديعة غيره، ثم استهلكها الثاني، فالمودع بالخيار إن شاء ضمن الأول، وإن شاء ضمن الثاني، غير أنه إنْ ضمن الأول، فإن الأول يرجع بالضمان على الثاني، وإن ضمن الثاني؛ فلا يرجع بالضمان على الأول؛ لأن سبب وجوب الضمان ¬
وجد من الثاني حقيقة (¬1). • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) قال: [فأما إذا استهلكها فالمالك بالخيار إن شاء ضمن الأول وإن شاء ضمن الثاني بالإجماع] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الكاساني: (المالك بالخيار إن شاء ضمن الأول وإن شاء ضمن الثاني) (¬6). قال العيني: (ومن أودع رجلًا وديعة فأودعها أي المودع أودعها رجلًا آخر فهلكت فله أي فللمالك أن يضمن للأول أي المودع الأول وليس له أن يضمن الآخر أي مودع المودع) (¬7). قال المطيعي: (وإن أودع الوديعة غيره من غير ضرورة ضمنها لأن المودع لم يرض بأمانة غيره، فإن هلكت عند الثاني جاز لصاحبها أن يضمّن الأول لأنه سلم ما لم يكن له تسليمه، وله أن يضمّن الثاني لأنه أخذ ما لم يكن له أخذه) (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة, منها: الأول: يضمن لأن المودع إنما أذن له في حفظها تحت يده، ولم يأذن له في وضعها تحت يد غيره، فإن فعل ذلك، كان متعديا، لخروجه في حفظها عن الوجه المأذون فيه. ¬
الثاني: ولأن الناس يتفاوتون في الحفظ والأمانة، والمودع إنما رضي بحفظه وأمانته دون غيره، ولم يسلطه على أن يودعها غيره، فإذا دفعها إلى أجنبي، فقد صار تاركًا الحفظ الذي التزمه، مستحفظًا عليها من استحفظ منه، وذلك تفريط موجب للضمان. الثالث: لأن سبب وجوب الضمان وجد من الثاني حقيقة وهو الاستهلاك، لوقوعه إعجازًا للمالك عن الانتفاع بماله على طريق القهر، ولم يوجد من الأول إلا الدفع إلى الثاني على طريق الاستحفاظ دون الإعجاز، إلا أنه ألحق ذلك بالإعجاز شرعًا في حق اختيار التضمين صورة لأنه باشر سبب الإعجاز فكان الضمان في الحقيقة على الثاني، لأن إقرار الضمان عليه (¬1). • الخلاف في المسألة: اختلف العلماء في هذه المسألة إلى عدة أقوال، والخلاف في واقع الأمر متجه إلى صورتين اثنتين: الصورة الأولى: أن يودعها عند غيره لغير عذر، وفي هذا قولان: القول الأول: أن عليه الضمان، وهو مذهب الحنفية (¬2)، المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وإسحاق (¬6)، وحجة ما ذهبوا إليه ما يلي: الأول: أنه خالف المودع فضمنها، كما لو نهاه عن إيداعها. القول الثاني: أنه لا ضمان عليه، وهو قول ابن أبي ليلى (¬7). وحجة ما ذهب إليه ما يلي: ¬
الأول: أن الوديعة إذا كان على الوديع إحرازها وحفظها على الوجه الذي يحفظ به ماله، فالإنسان قد يودع مال نفسه عند أجنبي، فكان له أن يودع الوديعة عنده، كما لو حفظها في حرزه. الثاني: ولأن من ملك شيئًا بنفسه، ملك تفويضه إلى غيره، والوديع قد ملك حفظ الوديعة، فيملك تفويضه إلى غيره (¬1). القول الثاني: ذهب الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والليث بن سعد (¬4)، إلى أن له أن يودعها عند ثقة مأمون، ولا ضمان عليه في ذلك، سواء قدر على دفعها إلى الحاكم أو لم يقدر. • دليلهم: وحجة ما ذهبوا إليه ما يلي: الأول: لأنه أودعها عند الحاجة لثقة مرضى، فأشبه إيداعها عند الحاكم. الثاني: ولأنه أحد سببي حفظها، فكان موكلا إلى اجتهاده كالحرز (¬5). الصورة الثانية: إذا كان له عذر، مثل إن أراد سفرا، أو خاف عليها عند نفسه من حرق أو غرق أو سرقة، وهذا أيضا فيه خلاف على قولين: القول الأول: ذهب الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، إلى أنه إن كان له عذر، فينبغي أن يردها إلى مالكها أو وكيله، فإن تعذر وصوله إليهما، دفعها إلى ¬
القاضي، إذ القاضي يقوم مقام صاحبها عند غيبته. فإن لم يجد قاضيا، دفعها إلى أمين ثقة، وإلا ضمنها. • دليلهم: وحجة ما ذهبوا إليه: أنها موضع حاجة، فإن ترك الدفع إلى المالك أو وكيله مع القدرة عليه، ودفعها إلى الحاكم العدل أو الأمين، ضمن، لأنه دفعها إلى غير مالكها بدون إذنه من غير عذر، فضمنها، كما لو أودعها عند أجنبي بلا عذر. ولو دفعها إلى أمين مع القدرة على الحاكم ضمن، لأن غير الحاكم لا ولاية له (¬1). القول الثاني: ذهب الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، إلى أن له أن يودعها عند ثقة مأمون، ولا ضمان عليه في ذلك، سواء قدر على دفعها إلى الحاكم أو لم يقدر. • دليلهم: وحجة ما ذهبوا إليه ما يلي: الأول: لأنه أودعها عند الحاجة لثقة مرضي، فأشبه إيداعها عند الحاكم، ولأنه أحد سببي حفظها، فكان موكلا إلى اجتهاده كالحرز (¬4).Rعدم صحة الإجماع في أن المودِع بالخيار في التضمين إذا تلفت الوديعة عند الوديع الثاني، وذلك للخلاف القوي فيها، ولكن ممكن أن يقال بأنه لا يضمن إلا في حالة مخالفة شرط المودع، أو وضعها في يدٍ غير أمينة، فيخرج على أنه مفرط، كما تقرر سابقًا، واللَّه أعلم (¬5). ¬
[31 - 12] من أخذ مال امرئ مسلم أو معاهد بغير حق وكان أخذه على سبيل الأمانة فهو خائن
[31 - 12] من أخذ مال امرئ مسلم أو معاهد بغير حق وكان أخذه على سبيل الأمانة فهو خائن • المراد بالمسألة: أن الوديعة من جنس الأمانات، فمن أخذ مال امرئ مسلم أو معاهد بغير حق، وكان أخذه على سبيل الأمانة فإنه يسمى خائنًا. • من نقل الإجماع: الطبري (310 هـ) قال: [أجمع جميع الخاصة والعامة أن اللَّه عز وجل حرم أخذ مال امرئ مسلم أو معاهد بغير حق إذا كان المأخوذ منه ماله غير طيب النفس بأن يؤخذ منه ما أخذ. . وأنه إن أخذه على هذه السبيل مما اؤتمن عليه أنه يسمى خائن] (¬1). ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها الأبرار منهم والفجار] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والشوكاني (¬7). قال الماوردي: (اعلم أن التعدي الذي يجب به ضمان الوديعة فعلى سبعة أقسام: . . . القسم الرابع: الخيانة، وهو أن يخرجها ليبيعها، أو لينفقها، فهذا عدوان يجب به الضمان، وكذلك لو جحدها) (¬8). قال ابن قدامة: (إذا نوى الخيانة في الوديعة بالجحود أو الاستعمال، ولم يفعل ذلك لم يصر ضامنًا، لأنه لم يحدث في الوديعة قولًا ولا فعلًا. . . ولو أخرجها بنية الاستعمال فلم يستعملها ضمنها) (¬9) قال القرافي: (إن جحدك وديعة أو عرضًا أو غيره، وصار له بيدك مثله ¬
بإيداع أو بيع أو غيره، لا ينبغي أن يجحده. . . قال صاحب المقدمات: الخيانة حرام) (¬1). قال الزيلعي: (فكذا إذا أقر به وعاينه يغصب شيئًا لا يعرف قدره أو يودعه، يأمره بالتسليم إلى صاحبه، فكذا إذا أقر به) (¬2). قال الخطيب الشربيني: (ومنها أن ينتفع بها بأن يلبس أو يركب خيانة أي لا لعذر فيضمن لتعديه) (¬3) قال الشوكاني: (إن الأدلة القاضية بتحريم مال الآدمي ودمه وعرضه. . فيحرم من مال الآدمي وعرضه ودمه ما لم يكن على طريق المجازاة؛ فإنها حلال؛ إلا الخيانة، ولكن الخيانة إنما تكون في الأمانة، كما يشعر بذلك كلام صاحب القاموس، على أن الأحاديث التي يثبت معها أداء الوديعة كثيرة سيأتي كثير منها في فصول هذا الباب إن شاء اللَّه) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]. • وجه الاستدلال: أن الودائع من جنس الأمانات، والواجب المحافظة عليها، وردها إلى أصحابها، وحرمة الاستيلاء عليها بغير وجه حق. الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (¬5). • وجه الاستدلال: ففيه وجوب رد الأمانات إلى أصحابها، والوديعة من جنس الأمانات. قال الشوكاني: (إن الأدلة القاضية بتحريم مال الآدمي ودمه وعرضه. . ¬
[32 - 13] إن طلب المودع الوديعة وجب ردها إليه
فيحرم من مال الآدمي وعرضه ودمه ما لم يكن على طريق المجازاة؛ فإنها حلال؛ إلا الخيانة، ولكن الخيانة إنما تكون في الأمانة، كما يشعر بذلك كلام صاحب القاموس، على أن الأحاديث التي يثبت معها أداء الوديعة كثيرة سيأتي كثير منها في فصول هذا الباب إن شاء اللَّه) (¬1).Rصحة الإجماع في أن من أخذ مال امرئ مسلم أو معاهد بغير حق وكان أخذه على سبيل الأمانة فهو خائن. [32 - 13] إن طلب المودع الوديعة وجب ردها إليه المراد بالمسألة: أن الوديعة من العقود الجائزة لكلا العاقدين (المودع والمستودع) فمتى أراد صاحب الوديعة الرجوع فيها لزم المستودع ردها إذا لم يترتب على ردها مفسدة راجحة (¬2)، وكذا المستودع إن أراد ردها وجب على المودع قبولها. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أَن على كل مُودع أَن يَفِي بوديعته] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [لا خلاف في وجوب رد الوديعة على مالكها إذا طلبها، فأمكن أداؤها إليه بغير ضرورة] (¬4). المطيعي (1354 هـ) قال: [لا خلاف في وجوب رد الوديعة على مالكها إذا طلبها] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6)، ¬
والمالكية (¬1)، وابن حزم من الظاهرية (¬2). قال ابن حزم: (فرض على من أودعت عنده وديعة حفظها وردها إلى صاحبها) (¬3) قال العمراني: (وإذا طالب المودع برد الوديعة وجب على المودَع الرد) (¬4). قال القرافي: (الرد واجب مهما طلب المالك) (¬5). قال البهوتي: (من حصل في يده أمانة. . . . وجبت عليه المبادرة إلى الرد مع العلم بصاحبها ومع التمكن منه وكذا إعلامه) (¬6). قال ابن عابدين: (. . . هذا حكمها مع وجوب الحفظ والأداء عند الطلب) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء: 58]. • وجه الاستدلال: أن الوديعة من جنس الأمانات، فإذا طلبها ربها وجب دفعها إليه. الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (¬8). • وجه الاستدلال: أن فيه الحث بأداء الأمانات عند طلبها، والوديعة من جنس الأمانات (¬9). ¬
[33 - 14] إن سلم المودع الوديعة فقد برئت ذمته
الثالث: ولأن الوديعة حقا لمالكها لم يتعلق بها حق غيره، فلزم أداؤها إليه، كالمغصوب والدين الحال.Rصحة الإجماع في أن المودع إن طلب الوديعة وجب ردها إليه، ولا ضرر على المودع (¬1). [33 - 14] إن سلم المودع الوديعة فقد برئت ذمته • المراد بالمسألة: أن المودع إذا رد الوديعة إلى صاحبها، فقد برئت ذمته، ولو تلفت بعد التسليم فلا يطالبه. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن من أداها إلى مودعها وصرفها إليه فقد برئت ذمته منها] (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). قال الكاساني: (وأما بيان حال الوديعة فحالها أنها في يد المودع أمانة لأن المودع مؤتمن، فكانت الوديعة أمانة في يده، ويتعلق بكونها أمانة أحكام منها وجوب الرد عند طلب المالك) (¬7). قال المرداوي: (وإن أودعه صبي وديعة: ضمنها ولم يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه) (¬8). قال الدسوقي: (وبريء المودَع إذا أودعها لغير عذر) (¬9). قال المطيعي. (. . . لا يبرأ حتى ¬
[34 - 15] من وجد وديعته عند مفلس فهو أحق بها
يردها إليه) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن الوديعة من جنس الأمانات، وعدم ضمان المؤتمن يكون بتسليم الأمانة لصاحبها (¬2).Rصحة الإجماع في أن المودع إذا سلم الوديعة لصاحبها برئة ذمته. [34 - 15] من وجد وديعته عند مفلس فهو أحق بها (¬3) • المراد بالمسألة: أن يودع رجل عند رجل آخر وديعة ثم أفلس المودَع، فالمودِع -بالكسر- أحق بوديعته من غيره بلا خلاف بين أهل العلم (¬4). • من نقل الإجماع: ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [قوله: (باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به. .) وقوله: (والوديعة) هو بالإجماع] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وابن المنذر (¬10). ¬
قال الكاساني: (ولو قبض المشتري المبيع بإذن البائع ثم أفلس أو مات قبل نقد الثمن أو بعد ما نقد منه شيئًا وعليه ديون لأناس شتى هل يكون البائع أحق به من سائر الغرماء اختلف فيه) (¬1). قال ابن رشد: (وأما إذا كان عين العوض باقيًا بعينه لم يفت إلا أنه لم يقبض ثمنه، فاختلف في ذلك فقهاء الأمصار على أربعة أقوال: الأول: أن صاحب السلعة أحق بها على كل حال إلا أن يتركها ويختار المحاصّة. . .) (¬2). قال ابن قدامة: (إذا أفلس الحاكم رجلًا فأصاب أحد الغرماء عين ماله فهو أحق به) (¬3). قال المطيعي: (وإن اشترى رجل سلعة بثمن في ذمته، وكانت قيمة السلعة مثل الثمن أو أكثر، ولا يملك المشتري غير هذه السلعة، ولا دين عليه غير هذا الثمن، فهل يجعل هذا المشتري مفلسًا، فيكون للبائع الرجوع إلى عين ماله، فيه وجهان) (¬4) • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من أدرك ماله بعينه عند رجل -أو إنسان- قد أفلس فهو أحق به من غيره) (¬5). • وجه الاستدلال: أن فيه بيان أحقية صاحب المال بماله، ولا يجعل نصيبه أسوة الغرماء لاختلاف الوديعة عن باقي المعاملات.Rصحة الإجماع في أن من وجد وديعته عند مفلس فهو أحق بها (¬6). ¬
[35 - 16] إذا أحرز المودع الوديعة ثم ذكر أنها تلفت أو ضاعت فالقول قوله
[35 - 16] إذا أحرز المودع الوديعة ثم ذكر أنها تلفت أو ضاعت فالقول قوله • المراد بالمسألة: أن الوديع إذا ادعى تلف الوديعة أو ضياعها بعد حرزه لها، أن القول قوله؛ لأنه أمين. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المودَع إذا أحرز الوديعة ثم ذكر أنها ضاعت: أن القول قوله، وقال أكثرهم: إن القول قوله مع يمينه] (¬1). ابن هبيرة قال: [اتفقوا على أن القول قول المودع في التلف والرد على الاطلاق مع يمينه] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [المودَع أمين، والقول قوله فيما يدعيه من تلف الوديعة بغير خلاف] (¬3). المطيعي (1354 هـ) قال: [اتفقوا على أن قبول ¬
حفظها أمانة محضة. . وأن القول قوله في تلفها وردها على الإطلاق مع يمينه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، وابن حزم من الظاهرية (¬4). قال ابن حزم: (كل ما قاله المودع مما يسقط به عن نفسه الغرامة ولا تخرج عين الوديعة عن ملك المودع فالقول قوله مع يمينه) (¬5). قال السرخسي: (وإذا طلب المودع الوديعة، فقال المستودع قد رددتها عليك فالقول قوله مع يمينه) (¬6). قال العمراني: (وإن ادّعى على رجل أنه أودعه وديعة معلومة، فقال المدعى عليه: ما أودعتني، ولا بينة للمدعي، فالقول قول المدعى عليه مع يمينه) (¬7). قال الدردير: (وصُدق المودَع في دعوى التلف والضياع كالرد أي كما يصدق في دعواه أنه ردها لربها لأنه استأمنه عليها) (¬8). قال عبد الرحمن بن قاسم: (ويقبل قول المودع في تلفها وعدم التفريط بيمينه لأنه أمين) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الوديع أمين لا منفعة له في قبض الوديعة، فقبل قوله في الرد بغير بينة، كما لو أودع بغير بينة (¬10). الثاني: أن في تضمين المودع سد لباب البر والإحسان.Rصحة الإجماع في أن المودع إذا أحرز الوديعة ثم ذكر أنها ¬
[36 - 17] المودع تكون عنده وديعة لرجل تعرف بعينها يجب تسليمها إليه
تلفت أو ضاعت فالقول قوله (¬1). [36 - 17] المودع تكون عنده وديعة لرجل تعرف بعينها يجب تسليمها إليه • المراد بالمسألة: أن الوديع إذا كان عنده وديعة لرجل تعرف بعينها فيجب عليه تسليمها إليه، ولو مات يجب على الورثة ردها لصاحبها قبل الدين. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن الوديعة إذا عرفت بعينها لرجل أن صاحبها أحق بها، وأن تسليمها إليه يجب] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). قال الكاساني: (فإن كانت الوديعة قائمة بعينها ترد على صاحبها، لأن هذا عين ماله، ومن وجد عين ماله فهو أحق به على لسان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬7). قال ابن قدامة: (وإن مات وعنده وديعة معلومة بعينها، فعلى ورثته تمكين صاحبها من أخذها) (¬8). قال الماوردي: (وإذا هلك وعنده وديعة بعينها فهي لربها) (¬9). ¬
[37 - 18] لا يجوز استعمال المودع للوديعة ولا إتلافها
قال الدردير: (وأُخذت الوديعة من تركته حيث ثبت أن عنده وديعة إذا لم توجد بعينها ولم يوص بها قبل موته لاحتمال أنه تسلفها) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء: 58]. • وجه الاستدلال: أنَّ الوديعة أمانة وإمساكها عن صاحبها ظلم وخيانة. الثاني: قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة: 283]. • وجه الاستدلال: فيه الأمر بأداء الأمانات إلى أصحابها، والوديعة من جنس الأمانات، وعدم دفعها لصحابها خيانة (¬2). الثالث: وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (¬3). • وجه الدلالة: أن الوديعة ما دام أنها معلومة بعينها لصاحبها فيجب ردها.Rصحة الإجماع في أن المودع تكون عنده وديعة لرجل تعرف بعينها يجب تسليمها إليه [37 - 18] لا يجوز استعمال المودَع للوديعة ولا إتلافها • المراد بالمسألة: أن الوديعة أمانة في يد المودع فلا يجوز استعمالها بأي نوع من أنواع الاستعمال إلا بإذن الوديع (¬4). ¬
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن المودع ممنوع من استعمال الوديعة ومن إتلافها] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال القدوري: (وإذا تعدى المودع في الوديعة بأن كانت دابة فركبها أو ثوبًا فلبسه أو عبدًا فاستخدمه أو أودعها عند غيره ثم أزال التعدي فردها إلى يده زال الضمان) (¬6). قال ابن قدامة: (إذا نوى الخيانة في الوديعة بالجحود أو الاستعمال ولم يفعل ذلك لم يصر ضامنًا، لأنه لم يحدث في الوديعة قولًا ولا فعلًا فلا يضمن. . .) (¬7). قال النووي: (فالتعدي باستعمال الوديعة والانتفاع بها كلبس الثوب وركوب الدابة، خيانة مضمنة) (¬8). قال البهوتي: (وإن تعدى الوديع فيها أي في الوديعة بانتفاعه بها فركب الوديع الدابة المودعة لغير نفعها أي علفها وسقيها، ولبس الثوب المودع لا لخوف عث ونحوه. . . ثم ردها إلى حرزها بنية الأمانة بطلت وضمن لتصرفه في مال غيره بغير إذنه) (¬9). ¬
قال الدردير: (لا يجوز للمودع إتلاف الوديعة ولو أذن له ربها في إتلافها فإن أتلفها ضمنها لوجوب حفظ المال) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء: 58]. • وجه الاستدلال: فيه الأمر بحفظ الأمانة، والوديعة من جنس الأمانات، واستعمالها خيانة. الثاني: قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة: 283]. • وجه الاستدلال: فيه الأمر بأداء الأمانة إلى أصحابها، والوديعة من جنس الأمانات، واستعمالها بدون إذن أصحابها خيانة (¬2). الثالث: وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (¬3). • وجه الدلالة: أن الوديعة أمانة، واستعمالها بدون إذن صاحبها يعد من الخيانة. الرابع: ولأن الوديعة تهلك بالاستعمال.Rصحة الإجماع في أنه لا يجوز للمودع استعمال الوديعة أو إتلافها. * * * ¬
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في أبواب اللقطة
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في أبواب اللقطة [38 - 1] مشروعية الالتقاط في الجملة • المراد بالمسألة: اللقطة: ما التقط من الشيء، وكل نثارة أو سنبل أو ثمر لُقط، والواحدة لقطة (¬1). وقال الأزهري: اللقطة بفتح القاف: اسم الشيء الذي تجده ملقًى فتأخذه، قال: وهذا قول جميع أهل اللغة وحذاق النحويين (¬2). وفي اصطلاح الفقهاء: هي المال الضائع من ربه يلتقطه غيره (¬3)، وحقيقتها كل مال معصوم معرض للضياع في عامر البلاد وغامرها، وأصل الالتقاط وجود الشيء عن غير طلب وقصد (¬4)، أو ما وجد من حق محترم غير محترز لا يعرف الواجد مستحقه (¬5). • والمراد بالمسألة: أنه يجوز للمرء أن يلتقط اللقطة من حيث الجملة، فالأصل مشروعة وجواز التقاط الشيء الضائع، أو الملقي ولا يعرف صاحبه (¬6). ¬
• من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على جواز الالتقاط في الجملة] (¬1). الشربيني (977 هـ) قال: [والأصل فيها قبل الإجماع الآيات الآمرة بالبر والإحسان إذ في أخذها للحفظ والرد بر وإحسان] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وقد وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن المنذر (¬6)، وابن حزم من الظاهرية (¬7). قال ابن حزم: (من وجد مالًا في قرية أو مدينة. . . . أو وجد مالًا قد سقط أي مال كان فهو لقطة، وفرض عليه أخذه) (¬8). قال الكاساني: (أما قبل الأخذ فلها أحوال مختلفة، قد يكون مندوب الأخذ، وقد يكون مباح الأخذ، وقد يكون حرام الأخذ، أما حالة الندب فهو أن يخاف عليها الضيعة لو تركها، فأخذها لصاحبها أفضل من تركها. . . وأما حالة الإباحة، فهو أن لا يخاف عليها الضيعة. . .) (¬9). قال ابن قدامة: (قال إمامنا رحمه اللَّه: الأفضل ترك الالتقاط. . . واختار ¬
أبو الخطاب أنه إذا وجدها بمضيعة، وأمن نفسه، فالأفضل أخذها) (¬1). قال الموصلي: (وأخذها أفضل لئلا تصل إليها يد خائنة، وإن خاف ضياعها فواجب صيانة لحق الناس عن الضياع) (¬2). قال القرافي: (قال اللخمي: وهو واجب ومستحب ومحرم ومكروه بحسب حال الملتقط والوقت وأهله ومقدار اللقطة) (¬3). قال الدردير: (ووجب على من وجد لقطة أخذها لخوف خائن. . . فيجب الأخذ بشرطين: إن خاف الخائن، ولم يعلم خيانة نفسه، بأن علم أمانتها أو شك فيها، فإن علم خيانة نفسه حرم الأخذ خاف الخائن أم لا، وإن لم يخف الخائن كره علم أمانة نفسه أو شك فيها، فالوجوب في صورتين وكذا الحرمة وكذا الكراهة) (¬4). قال الدسوقي: (ووجب أخذه أي المال المعصوم الذي عرض للضياع لخوف خائن لو تركه مع علمه أمانة نفسه بدليل ما بعده لوجوب حفظ مال الغير حينئذ لا إن علم خيانته هو فيحرم أخذه ولو خاف خائنًا وإلا بأن لم يخف خائنًا كره ولو علم أمانة نفسه كأن أخاف الخائن، وشك في أمانته هو على الأحسن) (¬5). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع ما جاء في حديث زيد بن خالد الجهني قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسأله عما يلتقطه، فقال: (عرفها سنة ثم اعرف عفاصها ووكاءها، فإن جاء أحد يخبرك بها وإلا فاستنفقها. قال: يا رسول اللَّه فضالة الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب. قال: ضالة الإبل؟ فتمعر وجه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد ¬
[39 - 2] ترك الالتقاط أفضل
الماء وتأكل الشجر، حتى يلقاها ربها) (¬1). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينكر عليه الالتقاط، وإنما بين له ما يحل وما لا يحل، فدل على جواز الالتقاط. • خالف في هذه المسألة: ابن المنذر (¬2)، وابن حزم من الظاهرية (¬3)، فذهبا إلى أن اللقطة لم يثبت فيها إجماع.Rصحة الإجماع في مشروعية الالتقاط في الجملة. وأما خلاف ابن المنذر وابن حزم، فهو في غير المشروعية. [39 - 2] ترك الالتقاط أفضل • المراد بالمسألة: أنه يجوز للمرء أن يترك التقاط اللقطة، ومن لم يلتقطها لا يأثم بلا خلاف بين المسلمين، بل نص كثير من أهل العلم على أن الأفضل عدم التقاطها. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [قال إمامنا: الأفضل ترك الالتقاط. . . ولنا قول: ابن عمر وابن عباس، ولا نعرف لهما مخالفًا في الصحابة] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وقد وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬5). قال القرافي: (وفي لقطة المال ثلاثة أقوال: الأفضل: تركها من ¬
غير تفصيل) (¬1). قال الخطيب الشربيني: (ولا يستحب الالتقاط قطعًا لغير واثق بأمانة نفسه في المستقبل، وهو في الحال آمن خشية الضياع أو طرو الخيانة. . . ويكره الالتقاط تنزيهًا. . . لفاسق لئلا تدعوه نفسه إلى الخيانة) (¬2). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن مطرف عن أبيه -رضي اللَّه عنه-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ضالة المسلم حرق النار) (¬3). • وجه الاستدلال: أن حرق النار: لهبها، ومعناه: إذا أخذها إنسان ليتملكها أدته إلى النار (¬4). الثاني: وعن الوليد بن سعد قال: كنت مع ابن عمر فرأيت دينارًا، فذهبت لآخذه فضرب ابن عمر يدي، وقال: (مالك وله؟ ! ! اتركه) (¬5). الثالث: وعن ابن عباس: إلا ترفع اللقطة، لست منها في شيء، تركها خير من أخذها) وسئل سعيد بن جبير عن الفاكهة توجد في الطريق؟ قال: لا تؤكل إلا بإذن ربها) (¬6). الرابع: ولأن صاحبها يطلبها في المكان الذي فقدها فيه، ولو لم يذكر خصوص المكان، فإذا تركها كل أحد فالظاهر أن يجدها صاحبها؛ لأنه لابد عادة أن يمر في ذلك المكان مرة أخرى في عمره (¬7). ¬
الخامس: ولأنه تعريض لنفسه لأكل الحرام، وتضييع الواجب من تعريفها، وأداء الأمانة فيها، فكان تركه أولى وأسلم، كولاية مال اليتيم، وتخليل الخمر (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن المنذر (¬4)، وابن حزم من الظاهرية (¬5)، وابن عبد البر (¬6)، فذهبوا إلى أفضلية الالتقاط. جاء عن الشافعي في كتاب الأم قوله: (لا يجوز لأحد ترك لقطة وجدها إن كان من أهل الأمانة) (¬7). قال ابن حزم: (من وجد مالًا في قرية أو مدينة. . . . أو وجد مالًا قد سقط أي مال كان فهو لقطة، وفرض عليه أخذه) (¬8). يقول السرخسي: (والمذهب عند علمائنا وعامة الفقهاء: أن رفعها أفضل من تركها، لأنه لو تركها لم يأمن أن تصل إليها يد خائنة، فيكتمها عن مالكها) (¬9). ¬
[40 - 3] لقطة مكة لا تحل تملكا
• دليلهم: احتج أصحاب هذا القول بجملة من الأدلة، منها: الأول: قال سبحانه وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة: 71]. • وجه الاستدلال: أنه إذا كان وليه، وجب عليه حفظ ماله. الثاني: رفعها أفضل من تركها؛ لأنه لو تركها لم يأمن أن تصل إليها يد خائنة فيكتمها عن مالكها (¬1). الثالث: ولأنه إذا خاف عليها الضيعة كان أخذها لصاحبها إحياء لمال المسلم معنى فكان مستحبًا (¬2).Rعدم صحة الإجماع في أن ترك التقاط اللقطة أفضل، وذلك لوجود الخلاف القوي فيها (¬3). [40 - 3] لقطة مكة لا تحل تملكًا • والمراد بالمسألة: أنه لا يحل لقطة مكة؛ إلا لمن يريد أن يعرفها فيجوز له التقاطها بهذه النية. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) قال: [وهذا كله ما عدا لقطة الحاج، فإن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز التقاطها] (¬4). الشوكاني (1255 هـ) حيث قال: [وقد ذهب الجمهور إلى أن لقطة مكة لا تلتقط ¬
للتملك بل للتعريف خاصة] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية (¬2)، وابن المنذر (¬3)، وابن حزم من الظاهرية (¬4)، وابن تيمية (¬5). قال ابن حزم: (فإن كان ذلك في حرم مكة حرسها اللَّه تعالى أو في رفقة قوم ناهضين إلى العمرة أو الحج عرف أبدًا، ولم يحل له تملكه) (¬6). قال النووي: (في لقطة مكة وحرمها وجهان، الصحيح: أنه لا يجوز أخذها للتملك، وإنما تؤخذ للحفظ أبدًا) (¬7). قال الخطيب الشربيني: (لا تحل لقطة الحرم للتملك على الصحيح) (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد) (¬9). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحل لقطة الحاج إلا لمعرف، فدل على أنها لا يحل تملكها (¬10). الثاني: وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (نهى عن لقطة الحاج) (¬11). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن لقطة ¬
الحاج بمعنى يتركها حتى يجدها صاحبها (¬1). الثالث: عن ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (حرم اللَّه مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا لأحد بعدي، أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها؛ إلا لمعرف) (¬2). • وجه الاستدلال: أنه صريح في المنع من التقاط لقطة الحاج، واستثنى الشارع من يريد تعريفها بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إلا لمنشد) ويحتمل هنا أن يريد إلا لمن عرفها عامًا، وتخصيصها بذلك لتأكيدها لا لتخصيصها (¬3). الرابع: أيضًا إنما اختصت لقطة الحاج بذلك لإمكان إيصالها إلى أربابها لأنها إن كانت لمكي فظاهر، وإن كانت لآفاقي فلا يخلو أفق في الغالب من وارد منه إليها فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). فذهبوا إلى أن حكم لقطتها كحكم لقطة سائر البلدان. قال الكاساني: و (كل جواب عرفته في لقطة الحل فهو الجواب فى لقطة الحرم يصنع بها ما يصنع بلقط الحل من التعريف وغيره وهذا عندنا) (¬8). قال ابن قدامة: (وروي عن أحمد رواية أخرى: أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم للتملك، وإنما يجوز لحفظها لصاحبها، فإن التقطها عرّفها أبدًا عن يأتي صاحبها) (¬9). ¬
[41 - 4] جواز لقطة الغنم
قال القرافي: (وإذا قلنا بالتملك فهل سائر اللقطة سواء بمكة وغيرها؟ ففي الجواهر: المذهب التسوية) (¬1). - قال الدردير: (. . . وله أي للملتقط حبسها أي اللقطة عنده بعدها: أي السنة لعله أن يظهر صاحبها، أو التصدق بها عن ربها أو عن نفسه، أو التملك لها بأن ينوي تملكها، ولو وجدها بمكة فله أحد هذه الأمور الثلاثة) (¬2). • دليلهم: واحتج هؤلاء المخالفون للإجماع بعدة أدلة، منها: الأول: عمومات النصوص الواردة في تعريف اللقطة، وقالوا بأنها تشمل الحرم كما تشمل غيره (¬3). الثاني: عن ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) (¬4). قال الجويني: (ومن أصحابنا من قال: من صادف لقطة في الحرم، عرّفها وملكها على قياس اللقطة في سائر البلاد) (¬5).Rعدم صحة الإجماع فِي أنَّ لقطة مكة لا تحل بنية التمليك بعد التعريف، وذلك لقوة الخلاف في المسألة (¬6). [41 - 4] جواز لقطة الغنم • والمراد بالمسألة: أن لواجد لقطة الغنم التقاطها، وأنه هو الأفضل، ولا ضمان عليه إن تركها في مكانها، فتلفت. ¬
• من نقل الاتفاق: ابن رشد (595 هـ) قال: [واتفقوا على الغنم أنها تلتقط] (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن المنذر (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6)، والشوكاني (¬7). قال ابن حزم: (وأما الضوال من الحيوان فلها ثلاثة أحكام، أما الضأن والمعز فقط كبارها وصغارها، توجد بحيث يخاف عليها الذئب أو من يأخذها من الناس، ولا حافظ لها، ولا هي بقرب ماء منها، فهي حلال لمن أخذها) (¬8). قال ابن قدامة: (وإذا وجد الشاة بمصر، أو بمهلكة، فهي لقطة، يعني أنه يباح أخذها والتقاطها) (¬9). قال النووي: (ما لا يمتنع من صغار السباع، كالكسير والغنم والعجول والفصلان، فيجوز التقاطها للتملك، سواء وجدت في المفازة أو العمران) (¬10). قال الموصلي: (ويجوز التقاط الإبل والبقر والغنم وسائر الحيوانات لأنه مال يتوهم ضياعه فيستحب أخذه ليرده على صاحبه صيانة لأموال الناس) (¬11). ¬
قال القرافي: (في ذات اللقطة. . . هي مال معصوم من كل حمار أو حيوان صغير) (¬1). قال الشربيني: (وما لا يمتنع منها كشاة يجوز التقاطه للتملك في القرية والمفازة) (¬2). قال الشوكاني: (قوله: "لك أو لأخيك أو للذئب"، فيه إشارة إلى جواز أخذها، كأنه قال: هي ضعيفة لعدم الاستقلال، معرضة للهلاك مترددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك، قال الحافظ: والمراد به ما هو أعم من صاحبها أو من ملتقط آخر) (¬3). • مستند الاتفاق: يستند الاتفاق على عدة أدلة، منها: الأول: عن زيد بن خالد -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في ضالة الغنم: (. . قال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب خذها) (¬4). • وجه الاستدلال: أنه لم يفرّق ولم يستفصل، ولو افترق الحال لسأل واستفصل، وأيضًا هي لقطة، فاستوى فيها المصر والصحراء كسائر اللقطات (¬5). الثاني: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها: (إنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) (¬6). يقول ابن قدامة: (فأضافها إليه بلام التملك، ولأنه يباح التقاطها فملكت بالتعريف كالأثمان، ولأن ذلك إجماع حكاه ابن عبد البر) (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: أحمد في إحدى ¬
الروايتين عنه (¬1)، والليث بن سعد (¬2). قال الإمام أحمد: (ليس لغير الإمام التقاطها) (¬3). وقال الليث بن سعد: (لا أحب أن يقربها إلا أن يحوزها لصاحبها) (¬4). • أدلة هذا القول: الأول: عن زيد بن خالد الجهني -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها) (¬5). • وجه الاستدلال: أن لقطة الغنم من جملة الضوال، فلا يجوز التقاطها. الثاني: ولأنه حيوان أشبه الإبل، ولا فرق (¬6). ويجاب عن هذين الدليلين بما يلي: الأول: يقول الشوكاني: (فيه إشارة إلى جواز أخذها؛ كأنه قال هي ضعيفة لعدم الاستقلال معرضة للهلاك، مترددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك، قال الحافظ: والمراد به ما هو أعم من صاحبها أو من ملتقط آخر، والمراد بالذئب جنس ما يأكل الشاة من السباع وفيها حث على أخذها، لأنه إذا علم أنها إذا لم تؤخذ بقيت للذئب كان ذلك أدعى له إلى أخذها. . وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط كان له أخذها، فدل عليث أنها باقية على ملك صاحبها) (¬7). الثاني: ويقول ابن قدامة: (ولأنه يخشى عليها التلف والضياع؛ فأشبه لقطة غير الحيوان، وحديثنا أخص من حديثهم فنخصه به، والقياس على ¬
[42 - 5] واجد الغنم في المكان القفر البعيد له أن يتصرف فيها
الإبل لا يصح، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علل منع التقاطها بأن معها حذاءها وسقاؤها، وهذا معدوم في الغنم، ثم قد فرق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما في خبر واحد، فلا يجوز الجمع بين ما فرّق الشارع بينهما، ولا قياس ما أمر بالتقاطه على ما منع ذلك فيه، إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يجدها بمصر أو بمهلكة) (¬1).Rعدم صحة الإجماع في جواز التقاط الغنم وعدم تركها، وذلك لوجود الخلاف في المسألة (¬2). [42 - 5] واجد الغنم في المكان القفر البعيد له أن يتصرف فيها • المراد بالمسألة: أن واجد الغنم في المكان المخوف البعيد، له أن يأكلها مباشرة من دون تعريف، إذا شاء. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [أجمعوا أن لآخذ ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها أكلها] (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [. . إلا ضالة الغنم، فإنهم أجمعوا على أن ملتقطها في الموضع المخوف عليها له أكلها] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [فإن العلماء اتفقوا على أن لواجد ضالة الغنم في المكان القفر البعيد من العمران أن يأكلها] (¬5). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمعوا أن آخذ ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها] (¬6). الصنعاني (1182 هـ) قال: [اتفق العلماء على أن لواجد الغنم في المكان القفر البعيد من العمران أن يأكلها] (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، وابن المنذر (¬3)، وابن حزم من الظاهرية (¬4). قال ابن حزم: (وأما الضوال من الحيوان فلها ثلاثة أحكام، أما الضأن والمعز فقط كبارها وصغارها، توجد بحيث يخاف عليها الذئب أو من يأخذها من الناس، ولا حافظ لها، ولا هي بقرب ماء منها، فهي حلال لمن أخدها، سواء جاء صاحبها أو لم يجيء، وجدها حية أو مذبوحة أو مطبوخة أو مأكولة لا سبيل له عليها) (¬5). قال النووي: (ما لا يمتنع من صغار السباع كالكسير والغنم. . فيجوز التقاطها للتملك. . . ثم إذا وجده في المفازة، فهو بالخيار بين أن يمسكها ويعرفها ثم يتملكها، وبين أن يبيعها ويحفظ ثمنها ويعرفها ثم يتملك الثمن، وبين أن يأكلها إن كانت مأكولة ويغرم قيمتها) (¬6). قال الشربيني: (وما لا يمتنع منها كشاة يجوز التقاطه للتملك في القرية والمفازة، ويتخير آخذه، فإن شاء عرّفه وتملكه أو باعه وحفظ ثمنه، وعرفها ¬
[43 - 6] إذا جاء صاحب الغنم قبل أن يأكلها الملتقط فيجب ردها إليه
ثم تملكه، أو أكله وغرم قيمته إن ظهر مالكه) (¬1). قال الدردير: (وله أكل شاة من ضأن أو معز وجدها بفيفاء لا بعمران، وعسر عليه حملها للعمران، ولا ضمان عليه في أكلها) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن زيد بن خالد -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) (¬3). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعلها له في الحال، وسوّى بينه وبين الذئب، والذئب لا يتأخر بأكلها، ومعلوم أن ما استهلكه الذئب هدر لا يضمن. الثاني: أن في أكلها في الحال إغناء عن الإنفاق عليها، وحراسة لماليتها على صاحبها إذا جاء فإنه يأخذ قيمتها بكمالها من غير نقص، وفي إبقائها تضييع للمال بالإنفاق عليها، والغرامة في علفها فكان أكلها أولى (¬4).Rصحة الإجماع في واجد الغنم في المكان المخوف البعيد أن له أكلها مباشرة من دون تعريف، ولا غرم عليه (¬5). [43 - 6] إذا جاء صاحب الغنم قبل أن يأكلها الملتقط فيجب ردها إليه • المراد بالمسألة: أن صاحب الشاة إن جاء قبل أن يأكلها الملتقط ردت إليه بالإجماع؛ لأنها باقية على ملك صاحبها، وهذا على قول من يجوز أكلها. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وقد أجمع العلماء أن ¬
صاحبها لو جاء قبل أن يأكلها الواجد لها أخذها منه، وكذلك لو ذبحها أخذها منه مذبوحة، وكذلك لو أكل بعضها أخذ ما وجد منها] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [ومتى أراد أكلها حفظ صفتها، فمتى جاء صاحبها غرمها له في قول عامة أهل العلم] (¬2). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن صاحبها متى جاء فهو أحق بها] (¬3). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط لأخذها] (¬4). الصنعاني (1182 هـ) قال: [وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط فهي باقية على ملك صاحبها] (¬5). الشوكاني (1255 هـ) قال: [وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط كان له أخذها] (¬6). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): [وأجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط له أخذها] (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬8) قال الدردير: (وإن حملها مذبوحة فربها أحق بها إن علم قبل أكلها وعليه أجرة حملها) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن زيد بن خالد الجهني -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . إما هي لك أو لأخيك أو للذئب) (¬10). ¬
• وجه الاستدلال: فيه دليل على أن الشاة على ملك صاحبها، فإن أكلها ضمنها (¬1). الثاني: قياسًا على المضطر إذا أكل طعام غيره، فإنه يضمنه، قال مالك: (من اضطر إلى طعام غيره، فأكله فإنه يضمنه، والشاة الملتقطة أولى بذلك) (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: داود، وابن حزم الظاهريان (¬3). فذهبا إلى جواز أكلها وإن جاء صاحبها. قال ابن حزم: (أما الضأن والمعز -فقط- كبارها وصغارها توجد بحيث يخاف عليها الذئب أو من يأخذها من الناس، ولا حافظ لها ولا هي بقرب ماء فهي حلال لمن أخذها سواء جاء صاحبها أو لم يجيء وجدها حية أو مذبوحة أو مطبوخة أو مأكولة لا سبيل له عليها) (¬4). • دليلهم: حديث زيد بن خالد الجهني قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسأله عما يلتقطه، فقال: (عرفها سنة ثم اعرف عفاصها ووكاءها، فإن جاء أحد يخبرك بها وإلا فاستنفقها. قال: يا رسول اللَّه فضالة الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب. قال: ضالة الإبل؟ فتمعر وجه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر) (¬5). يقول ابن حزم: (فأمر -صلى اللَّه عليه وسلم- بأخذ ضالة الغنم التي يخاف عليها الذئب أو العادي، ويترك الإبل التي ترد الماء وتأكل الشجر، وخصها بذلك دون سائر اللقطات والضوال فلا يحل لأحد خلاف ذلك) (¬6).Rصحة الإجماع في أنه إذا جاء صاحب الغنم قبل أن يأكلها الملتقط فيجب ردها إليه. ¬
[44 - 7] لا تلتقط ضالة الإبل
وأما الخلاف فشاذ قال القرطبي: (. . إلا ما ذهب إليه داود من أن الملتقط يملك اللقطة بعد التعريف، لتلك الظواهر، ولا التفات لقوله، لمخالفة الناس، ولقوله عليه السلام: فأدها إليه) (¬1). [44 - 7] لا تلتقط ضالة الإبل • المراد بالمسألة: أنه لا يجوز التقاط ضالة الإبل باتفاق العلماء؛ لأن معها ما تمتنع به من صغار السبع، وقدرتها على الوصول إلى الكلأ والشراب. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) قال: [فأما الإبل فاتفقوا على أنها لا تلتقط] (¬2). المرداوي (885 هـ) قال: [الضوال التي تمتنع من صغار السباع -كالإبل. . فلا يجوز التقاطها بلا نزاع] (¬3). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [فحكم -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنها لا تلتقط، بل تترك ترد المياه، وتأكل الشجر، حتى يلقاها ربها، واتفق على ذلك أهل العلم في الجملة] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6). قال الماوردي: (اعلم أن ضوال الحيوان. . . . كالإبل والبقر. . . لا يجوز لواجده أن يتعرض لأخذه إذا لم يعرف مالكه) (¬7). قال ابن حزم: (وأما الإبل القوية على الرعي وورود الماء، فلا يحل ¬
لأحد أخذها، وإنما حكمها أن تترك ولا بد) (¬1). قال ابن قدامة: (كل حيوان يقوى على الامتناع من صغار السباع، وورود الماء، لا يجوز التقاطه، ولا التعرض له، سواء لكبر جثته كالإبل والخيل. . .) (¬2) قال النووي: (ما يمتنع من صغار السباع بفضل قوته كالإبل والخيل. . . فإن وجدها في مفازة فللحاكم ونوابه أخذها للحفظ. . . . وأما أخذها للتملك فلا يجوز لأحد) (¬3). قال القرافي: (وضالة الإبل في الفلاة يتركها) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن زيد بن خالد الجهني -رضي اللَّه عنه- قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسأله عما يلتقطه، فقال: (عرفها سنة ثم اعرف عفاصها ووكاءها، فإن جاء أحد يخبرك بها وإلا فاستنفقها. قال: يا رسول اللَّه فضالة الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب. قال: ضالة الإبل؟ فتمعر وجه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر) (¬5). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نبه إلى أن الإبل غنية غير محتاجة إلى الحفظ بما ركب اللَّه في طباعها من الجلادة على العطش وتناول الماء بغير تعب لطول عنقها وقوتها على المشي فلا تحتاج إلى الملتقط بخلاف الغنم (¬6) الثاني: قول عمر -رضي اللَّه عنه-: (من أخذ ضالة فهو ضال). أي: مخطئ، ولا يعني فيه الضلال الذي بمعنى الإثم (¬7). الثالث: أن حكمة النهي عن التقاط الإبل ظاهرة، وهي بقاؤها حيث ¬
ضلت أقرب إلى وجدان مالكها لها من تطلبه لها في رحال الناس (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذا المسألة: الحنفية (¬2)، وابن المنذر (¬3). قال ابن الهمام: (ويجوز الالتقاط في الشاة والبقر والبعير) (¬4). قال الموصلي: (ويجوز التقاط الإبل والبقر والغنم وسائر الحيوانات) (¬5). • دليلهم: وقد احتج المخالفون بما يلي: الأول: ما روي أن رجلًا وجد بعيرًا بالحرة فعرفه، ثم ذكره لعمر -رضي اللَّه عنه- فأمره أن يعرفه، فقال الرجل لعمر: قد شغلني عن ضيعتي، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: (أرسله حيث وجدته) (¬6). • وجه الاستدلال: أن عمر -رضي اللَّه عنه- أقره على التقاطه فدل على جوازه. الثاني: قال مالك -رضي اللَّه عنه-: إنه سمع ابن شهاب يقول: (كانت ضوال الإبل في زمن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- إبلًا مؤبلة تباع لا يمسها أحد، حتى إذا كان زمن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-، أمر بتعريفها ثم تباع، فإن جاء صاحبها أعطي ثمنها) (¬7). • وجه الاستدلال: أن عثمان -رضي اللَّه عنه- أمر بإلتقاط الإبل وتعريفها؛ فدل على ¬
[45 - 8] وجوب تعريف اللقطة
جواز التقاطها لمصلحة أصحابها. الثالث: أن المنع من التقاط الإبل كان في الابتداء، فإن الغلبة في ذلك الوقت كان لأهل الصلاح والخير، فلا تصل إليها يد خائنة إذا تركها، فأما فيما بعد ذلك الزمان فلا يأمن واجدها وصول يد خائنة إليها بعده، ففي أخذها إحياؤها وحفظها على صاحبها فهو أولى من تضييعها كما هو مقرر في سائر اللقطات (¬1). الرابع: ولأن الأخذ حال خوف الضيعة إحياء لمال المسلم فيكون مستحبًا، وحال عدم الخوف ضرب إحراز فيكون مباحًا على أقل تقدير (¬2).Rعدم صحة الإجماع في أن ضالة الإبل لا تلتقط، وذلك لوجود الخلاف القوي في المسألة (¬3). [45 - 8] وجوب تعريف اللقطة • المراد بالمسألة: أنه يجب على الملتقط أن يعرف اللقطة التي تبقى وتدوم منذ أن يضع يده عليها، فإن لم يعرفها فهو آثم يستحق العقوبة. • من نقل الاتفاق: قال ابن رشد (595 هـ): [وأما حكم التعريف فاتفق العلماء على تعريف ما كان منها بالسنة ما لم تكن من الغنم] (¬4). المرداوي (885 هـ) قال: [ويعرف الجميع وجوبًا بالنداء عليه في مجاميع الناس -كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات- حولًا كاملًا: من ضاع ¬
منه شيء أو نفقة، وهذا بلا نزاع في الجملة] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن حزم من الظاهرية (¬4)، والبغوي (¬5)، والصنعاني (¬6)، والشوكاني (¬7). قال ابن حزم: (وفرض عليه أخذه وأن يشهد عليه عدلًا واحدًا فأكثر ثم يعرفه) (¬8). قال ابن قدامة: (في التعريف ستة فصول. . . أما وجوبه: فإنه واجب على كل ملتقط، سواء أراد تملكها أو حفظها لصاحبها) (¬9). قال النووي: (يجب تعريف اللقطة سنة) (¬10). قال ابن الهمام: (فأوجبنا التعريف بالحول احتياطًا) (¬11). قال الموصلي: (ويعرفها في مكان الالتقاط ومجامع الناس) (¬12). قال القرافي: (التعريف وفيه خمسة أبحاث: وجوبه. . . .: ففي الجواهر: هو واجب عقيب الالتقاط فيما له بال) (¬13). قال الدردير: (ووجب تعريفها على من التقطها سنة كاملة إن كان لها بال) (¬14). قال الشوكاني: (. . . وظاهره أيضًا وجوب التعريف لأن الأمر يقتضي الوجوب، ولا سيما وقد سمى -صلى اللَّه عليه وسلم- من لم يعرفها ضالًا) (¬15). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن زيد بن خالد الجهني -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: ¬
[46 - 9] مدة تعريف اللقطة حولا كاملا
(من أخذ لقطة فهو ضال ما لم يعرفها) (¬1). • وجه الاستدلال: فيه دليل على وجوب تعريف اللقطة. الثاني: عن أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- قال: أصبت صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (عرفها حولًا. .) (¬2). • وجه الاستدلال: أن فيه الأمر بتعريفها، ولأن التعريف هو السبيل لوصولها إلى صاحبها (¬3).Rصحة الإجماع في وجوب تعريف اللقطة (¬4). [46 - 9] مدة تعريف اللقطة حولًا كاملًا • المراد بالمسألة: اختلف الفقهاء في تعريف لقطة مكة اختلافًا كبيرًا، وهذا بناء على أن لقطة مكة هل هي كباقي اللقطات؟ أم أنها خاصة؛ لأنها لا تملك أبدًا؟ (¬5). وأما غيرها فقد اتفق الفقهاء على أن مدة تعريف اللقطة ليس مطلقًا، وإنما له أمد ينتهي عنده، وهو حول كامل كما جاءت بذلك النصوص. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [أجمعوا أن اللقطة ما لم ¬
تكن تافهًا يسرًا أو شيئًا لا وقاء له، فإنها تعرف حولًا كاملًا] (¬1). البغوي (516 هـ) قال: [ومذهب عامة الفقهاء أن تعريف اللقطة سنة واحدة كما جاء في خبر زيد بن خالد، والثلاث في حديث أبي بن كعب شك لم يصر إليه أحد من أهل العلم] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال: [اتفق العلماء على تعريف ما كان منها بالسنة ما لم تكن من الغنم] (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: [أجمع العلماء على أن اللقطة ما لم تكن تافهًا يسيرًا، أو شيئًا لا بقاء له، فإنها تعرف حولًا كاملًا] (¬4). النووي (676 هـ) قال: [وأما تعريف سنة فقد أجمع المسلمون على وجوبه إذا كانت اللقطة ليست تافهة ولا في معنى التافهة، ولم يرد حفظها على صاحبها بل أراد تملكها، ولا بد من تعريف سنة بالإجماع] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنابلة (¬6)، وابن حزم من الظاهرية (¬7)، وابن المنذر (¬8)، والصنعاني (¬9). قال ابن حزم: (وفرض عليه أخذه وأن يشهد عليه عدلًا واحدًا فأكثر ثم يعرفه. . . . فلا يزال كذلك سنة قمرية) (¬10) قال ابن قدامة: (في التعريف ستة فصول. . . في قدر التعريف: وذلك سنة) (¬11). قال القرافي: (التعريف وفيه خمسة أبحاث: . . . في زمانه. . . .: قال في الجواهر: وهو سنة عقيب الالتقاط) (¬12). ¬
قال الشربيني: (ثم يعرفها في الأسواق وأبواب المساجد ونحوها سنة على العادة) (¬1) • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن زيد بن خالد الجهني -رضي اللَّه عنه- قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسأله عما يلتقطه، فقال: (عرفها سنة ثم اعرف عفاصها ووكاءها، فإن جاء أحد يخبرك بها وإلا فاستنفقها. .) (¬2). • وجه الاستدلال: فيه دليل على أن تعريفه سنة كاملة (¬3). الثاني: ولأن السنة لا تتأخر عنها القوافل، ويمضي فيها الزمان الذي تقصد فيه البلاد، من الحر والبرد والاعتدال، فصلحت قدرًا كمدة أجل العنين (¬4). الثالث: وحكمة السنة اشتمالها على الفصول الأربعة، فلا تبقى قافلة إلا وقد تهيأ زمن سائرها بحسب سلعها ومزاج بلادها، فيأتي الفصل الذي يناسبهم، ولأنها مشتملات على أغراض الأسفار (¬5). • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في مدة التعريف عن: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- (¬6)، وأبي حنيفة (¬7). فقد وردت عن عمر -رضي اللَّه عنه-، خمس روايات: الأولى: سنة كاملة. والثانية: ¬
[47 - 10] يملك الملتقط اللقطة بعد العام من تعريفها
ثلاثة أعوام. والثالثة: يذكرها ثلاثة أيام ثم يعرفها سنة، وأخذ به الليث بن سعد. والرابعة: ثلاثة أشهر. والخامسة: ستة أشهر (¬1). قال السرخسي: (لما قلنا أن التقدير بالحول في التعريف ليس بلازم، ولكنه يعرفها بحسب ما يطلبها صاحبها) (¬2). قال ابن الهمام: (فأوجبنا التعريف بالحول احتياطًا) (¬3).Rعدم صحة الإجماع في أن تعريف اللقطة حولًا كاملًا، وذلك للخلاف في المسألة (¬4). [47 - 10] يملك الملتقط اللقطة بعد العام من تعريفها • المراد بالمسألة: أن تعريف اللقطة بعد الحول غير لازم، فإذا انقضى الحول جاز للملتقط التصرف فيها. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) قال: [اتفق فقهاء الأمصار مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور إذا انقضت كان له أن يأكلها إن كان فقيرًا، أو يتصدق بها إن كان غنيًا] (¬5) النووي (676 هـ) قال: [وقد أجمع العلماء على الاكتفاء بتعريف سنة، ولم يشترط أحد تعريف ثلاثة أعوام إلا ما روي عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، ولعله لم يثبت عنه] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬7)، ¬
والحنابلة (¬1)، وابن حزم من الظاهرية (¬2)، والصنعاني (¬3). قال ابن حزم: (. . . فإن لم يأت أحد يصدق في صفته بما ذكرنا ولا بينة، فهو عند تمام السنة مال من مال الواجد عنيًا كان أو فقيرًا، يفعل فيه ما شاء، ويورث عنه) (¬4). قال الماوردي: (إذا استكمل تعريفها حولًا كان بعده بالخيار بين أن يتملكها، وبين أن تكون في يده أمانة، وبين أن يدفعها إلى الحاكم ليحفظها على مالكها بأن يضعها في بيت المال، أو على يد أمين) (¬5). قال ابن قدامة: (إذا عرّف اللقطة حولًا، فلم تعرف، ملكها ملتقطها، وصارت من ماله كسائر أمواله، غنيًا كان الملتقط أو فقيرًا) (¬6). قال الموصلي: (. . . فإن جاء صاحبها، وإلا تصدق بها إن شاء، وإن شاء أمسكها) (¬7). قال القرافي: (الحكم الرابع: التمليك، وفي الجواهر: هو جائز بعد انقضاء مدة التعريف) (¬8). قال الدردير: (وله أي للملتقط حبسها أي اللقطة عنده بعدها، أي السنة لعله أن يظهر صاحبها أو التصدق بها عن ربها، أو عن نفسه، أو التملك لها بأن ينوي تملكها) (¬9). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن زيد بن خالد -رضي اللَّه عنه- قال: سُئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن اللقطة فقال: (عرفها سنة، فإن لم تعترف فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها، فإن ¬
[48 - 11] ضمان اللقطة في مدة التعريف إذا تعدى عليها الملتقط بفعله، أو فرط في حفظها
جاء صاحبها فأدها إليه) (¬1). • وجه الاستدلال: فيه دليل على أن التعريف الواجب في حدود السنة فقط. الثاني: ولأن الحول في الشرع أصل معتبر في الزكاة والحرية، فكان أولى أن يكون معتبرًا في اللقطة، ولأن الحول جميع فصول الأزمنة الأربعة وينتهي إلى مثل زمان وجودها، فكان الاقتصار على ما دونه تقصيرًا والزيادة عليه مشقة (¬2). الثالث: ولأن الغالب ممن ضاع منه شيء أنه يتمكن من طلبه في سنة، فإن لم يوجد له مالك فالظاهر أنه لا مالك له (¬3).Rصحة الإجماع على أن الملتقط يملك اللقطة بعد عام من تعريفها الحول، وذلك لعدم المخالف (¬4). [48 - 11] ضمان اللقطة في مدة التعريف إذا تعدى عليها الملتقط بفعله، أو فرط في حفظها • المراد بالمسألة: أن اللقطة بيد الملتقط تُخرج على أنها أمانة، ولذلك يجري عليها ما يجري في الأمانات، فإذا تلفت بتعد منه أو تفريط ضمنها، وإلا لا يضمن. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [ولا خلاف أن الملتقط أمين، لا ضمان عليه إلا بما تضمن به الأمانات من التعدي والتضييع ¬
والاستهلاك] (¬1) ابن قدامة (620 هـ) قال: [اللقطة في الحول أمانة في يد الملتقط، إن تلفت بغير تفريطه أو نقصت فلا ضمان عليه كالوديعة، ومتى جاء صاحبها فوجدها أخذها بزيادتها المتصلة والمنفصلة، لأنها نماء ملكه، وإن أتلفها الملتقط، أو تلفت بتفريطه، ضمنها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال، وبقيمتها إن لم يكن لها مثل، لا أعلم في هذا خلافًا] (¬2). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمعوا. . ولا تنطلق يد ملتقطها عليها بصدقة ولا تصرف قبل الحول] (¬3). المرداوي (885 هـ) قال: [فإن أتلفها قبل الحول، فهي في رقبته، بلا نزاع] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [فإن العلماء اتفقوا على أن من التقطها وأشهد على التقاطها فهلكت عنده أنه غير ضامن واختلفوا إذا لم يشهد] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، وابن حزم من الظاهرية (¬8). قال ابن حزم: (. . . لكن أمرناه بالمفترض عليه من حفظها وترك إضاعتها المحرمة عليه) (¬9). قال العمراني: (وإذا التقط الرجل لقطة بنية التملك بعد التعريف، أو بنية الحفظ على صاحبها، فإن اللقطة أمانة في يده مدة التعريف) (¬10). قال الكاساني: (ولو أقر أنه كان أخذها لنفسه لا يبرأ عن الضمان إلا بالرد على المالك) (¬11). قال القرافي: (الالتقاط في الجواهر: هو أخذ مال ¬
ضائع ليعرفه سنة ثم يتصدق به، أو يتملكه إن لم يظهر مالكه بشرط الضمان إذا ظهر المالك) (¬1). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: أن اللقطة عين يلزم ردها لو كانت باقية فيلزمه ضمانها إذا أتلفها كما قبل الحول (¬2). الثاني: ولأنها لما كانت عينًا يلزم ردها لو كانت باقية، فيلزمه ضمانها إذا أتلفها كما قبل الحول، ولأنه مال معصوم، فلم يجز إسقاط حقه منه مطلقا، كما لو اضطر إلى مال غيره (¬3). الثالث: ولأنها مال لمعصوم لم يرض بزوال ملكه عنها، ولا وجد سبب يقتضي ذلك، فلم يزل ملكه عنها (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: بعض فقهاء المالكية. فقد ورد عن بعض فقهاء المالكية قولهم: (قيل لا شيء على الملتقط، وقيل يخير ربها بين أخذ القيمة وبين أخذها وما نقصها إذا نقصت نقصًا قويًا بالاستعمال، وإلا فيأخذها مع نقصها، وقيل ليس له إلا نقصها فقط) (¬5).Rصحة الإجماع في ضمان اللقطة في مدة التعريف إذا تعدى عليها الملتقط بفعله، أو فرط في حفظها (¬6). ¬
[49 - 12] محل تعريف اللقطة أبواب المساجد والأسواق
وأما خلاف بعض فقهاء المالكية فضعيف، وقد أورده الشارح بصيغة التمريض، مما يدل على أنه غير مرضي عندهم. [49 - 12] محل تعريف اللقطة أبواب المساجد والأسواق • المراد بالمسألة: أن اللقطة يجب أن يعرفها الملتقط بالطريقة التي يصل فيها إلى صاحبها، وذلك في الأماكن التي هي مظنة وجود صاحبها، أو من يعرف صاحبها، وفي الوقت الحاضر عبر التقنيات الحديثة من وسائل الاتصال. • من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) قال: [قال العلماء: محل ذلك المحافل كأبواب المساجد والأسواق ونحو ذلك] (¬1). المرداوي (885 هـ) قال: [ويعرف الجميع يعني وجوبًا بالنداء عليه في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات حولًا كاملًا: من ضاع منه شيء أو نفقة، وهذا بلا نزاع في الجملة] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والصنعاني (¬5). قال السرخسي: (ينبغي للملتقط أن يعرفها في الموضع الذي أصابها فيه، وأن يعرفها في مجمع الناس) (¬6). قال ابن قدامة: (. . . في مكانه، وهو الأسواق وأبواب المساجد والجوامع في الوقت الذي يجتمعون فيه، كأدبار الصلوات في المساجد وكذلك في مجامع الناس، لأن المقصود إشاعة ذكرها، وإظهارها) (¬7). ¬
قال النووي: (ليكن التعريف في الأسواق ومجامع الناس وأبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعات) (¬1). قال القرافي: (مكان التعريف: وفي التبصرة: هو الموضع الذي التقطت فيه، إن كان المالك يراجعه، والمواضع التي تجتمع الناس إليها، ودبر الصلوات، وعلى أبواب المساجد والجامع) (¬2). قال ابن مفلح: (ويعرف الجميع وجوبًا. . . في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات) (¬3). قال الشربيني: (ثم يعرفها في الأسواق وأبواب المساجد ونحوها) (¬4). قال البهوتي: (ويكون النداء في مجامع الناس كالأسواق والحمامات وأبواب المساجد أدبار الصلوات) (¬5). قال عبد الرحمن ابن قاسم: (ويعرف الجميع وجوبًا. . . في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات) (¬6). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: أمر عمر -رضي اللَّه عنه-: (واجد اللقطة بتعريفها على باب المسجد) (¬7). الثاني: لأن المقصود إشاعة ذكرها، وإظهارها، ليظهر عليها صاحبها (¬8). الثالث: لأن القصد بالتعريف إعلام صاحبها بها، والتعريف في هذه المواضع أبلغ من غيرها (¬9). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن المنذر (¬10)، وابن حزم من الظاهرية (¬11). ¬
[50 - 13] تعريف اللقطة يكون بالنداء عليها بنفسه أو وكيله بذكر جنسها دون تفاصيلها
وذهبوا إلى أنه لا يخص مكانًا دون مكان. قال ابن حزم: (. . . لكن تعريفه هو أن يقول في المجامع الذي يرجو وجود صاحبه فيها أو لا يرجو. . .) (¬1). • دليلهم: واحتج المخالفون لهذا المسألة: بأنه ثبت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر الذي وجد اللقطة أن يعرفها، ولم يخص موضعًا دون موضع (¬2).Rعدم صحة الإجماع في أنَّ محل تعريف اللقطة أبواب المساجد والأسواق، لوجود الخلاف القوي في المسألة (¬3). [50 - 13] تعريف اللقطة يكون بالنداء عليها بنفسه أو وكيله بذكر جنسها دون تفاصيلها • المراد بالمسألة: أن يقوم الملتقط بتعريف اللقطة في مكان سقوطها، وفي غيره، ولا يشترط أن يعرفها بنفسه، بل يجوز بواسطة وكيله، وأن لا يذكر تفاصيل جنسها، وإنما يعمي كأن يقول من ضاع منه شيء في هذا المكان؟ . • من نقل الإجماع: المرداوي (885 هـ) قال: [ويعرف الجميع يعني وجوبًا عليه في مجامع الناس؛ كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات حولًا كاملًا، من ضاع منه شيء أو نفقة، وهذا بلا نزاع في الجملة] (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬1)، المالكية (¬2)، والشافعية (¬3). قال الماوردي: (وينبغي أن يكون المعرف لها مأمونًا غير مشهور بالخلاعة والمزاح، حتى لا ينسب عند التعريف إلى الكذب والمجون، فإن وجد متطوعًا بالتعريف فهو أولى، وإن لم يجد إلا مستجعلًا، فإن تطوع الواجد ببدل جعله من ماله كان محسنًا، وإن دفعه دينًا على صاحبها استأذن فيه حاكمًا ليصح له الرجوع به) (¬4). قال الجويني: (ليس على الواجد أن يتولى التعريف بنفسه، وله أن يستنيب فيه متبرعًا أو مستأجرًا) (¬5) قال ابن قدامة: (وللملتقط أن يتولى ذلك بنفسه، وله أن يستنيب فيه، فإن وجد متبرعًا بذلك، وإلا احتاج إلى أجر، فهو على الملتقط) (¬6). قال النووي: (ثم إذا التقط في بلدة أو قرية، فلا بد من التعريف فيها. . . فإن حضره سفر، فوّض التعريف إلى غيره، ولا يسافر بها) (¬7). قال القرافي: (فيمن يتولى التعريف، قال اللخمي: هو مخير بين تولي التعريف بنفسه، أو يدفعها للسلطان إذا كان عدلًا، أو يدفعها لمأمون يقوم مقامه فيها، أو يستأجر عليها من يعرفها) (¬8). قال البهوتي: (ويكون التعريف بالنداء عليه أي الملتقط بنفسه أي الملتقط، أو بنائبه) (¬9). قال الدردير: (. . . بنفسه، أو بمن يثق به لأمانته. .. أو يعرفها غيره بأجرة) (¬10) ¬
• مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة, منها: الأول: عن زيد بن خالد -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (اعرف عفاصها ووكاءها) (¬1). • وجه الاستدلال: أن فيه وجوب معرفة أوصافها حتى يقع التعريف صحيحًا. الثاني: قول عمر -رضي اللَّه عنه- لواجد الذهب: (قل الذهب) بطريق الشام. قال ابن قدامة: (ولا يصفها، لأنه لو وصفها لعلم صفتها من يسمعها، فلا تبقى صفتها دليلًا على ملكها، لمشاركة غير المالك في ذلك، ولأنه لا يأمن أن يدعيها بعض من سمع صفتها) (¬2). الثالث: قالوا: لأن ذكر جنسها الخاص ربما أدّى بعض أذهان الحذاق إلى ذكر عفاصها ووكائها باعتبار العادة (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن حزم من الظاهرية (¬4). قال: (تعريفه هو أن يقول في المجامع الذي يرجو وجود صاحبه فيها أو لا يرجو: من ضاع له مال فليخبر بعلامته، فلا يزال كذلك سنة قمرية) (¬5).Rعدم صحة الإجماع في أن تعريف اللقطة يكون بالنداء عليها بنفسه أو وكيله بذكر جنسها دون تفاصيلها، وذلك لخلاف ابن حزم الذي يشترط عدم ذكر جنسها (¬6). ¬
[51 - 14] من ادعى اللقطة ولم يعرف العفاص والوكاء لا تدفع إليه
[51 - 14] من ادعى اللقطة ولم يعرف العفاص والوكاء لا تدفع إليه • المراد بالمسألة: أن للملتقط رد اللقطة إلى صاحبها بعد أن يصفها وصفًا صحيحًا، ويتعرف عليها بذكر علاماتها من: العفاص (¬1)، والوكاء (¬2)، والعدد والوزن، فإذا ادعاها ولم يصفها، فلا تدفع إليه، ولا يحتاج الأمر إلى بينة، فيكفي الوصف (¬3). • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) قال: [اتفقوا على أنها لا تدفع إليه إذا لم يعرف العفاص ولا الوكاء] (¬4). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمع العلماء: أن عفاص اللقطة ووكاءها من إحدى علاماتها وأدلتها عليها، فإذا أتى صاحب اللقطة بجميع أوصافها ¬
دفعت له] (¬1). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [اتفق الأئمة الأربعة على أنها لا تدفع إليه إذا لم يعرف العفاص ولا الوكاء] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم من الظاهرية (¬5). قال ابن حزم: (فإن جاء من يقيم عليه بينة، أو من يصف عفاصه، ويصدق في صفته، ويصف وعاءه ويصدق فيه، . . . دفعها إليه) (¬6). قال الماوردي: (وصورتها في رجل ادعى لقطة في يد واجدها، فإن أقام البينة العادلة على ملكها وجما تسليمها له، وإن لم يقم بينة لكن وصفها فإن أخطأ في وصفها لم يجز دفعها إليه) (¬7). قال ابن قدامة: (فإذا جاء صاحبها فنعتها، غلب على ظنه صدقه، فيجوز الدفع إليه حينئذ) (¬8). قال ابن الهمام: (وإذا حضر رجل فادعى اللقطة لم تدفع إليه حتى يقيم البينة) (¬9). قال القرافي: (إذا وصف عفاصها، ووكاءها، وعدتها، أخذها وجوبًا) (¬10). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة, منها: الأول: اليد حق مقصود كالملك فلا يستحق إلا بحجة وهو البينة اعتبارًا بالملك إلا أنه يحل له الدفع عند إصابة العلامة لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فإن جاء صاحبها وعرف عفاصها وعددها فادفعها إليه) (¬11). ¬
[52 - 15] جواز رد اللقطة بعوض
الثاني: لم يذكر البينة في شيء من الحديث ولو كانت شرطًا للدفع لم يجز الإخلال به ولا الأمر بالدفع بدون. ولأن إقامة البينة على اللقطة تتعذر، لأنها إنما تسقط حال الغفلة والسهو، فتوقف دفعها عليها منع لوصولها إلى صاحبها أبدًا، وهذا يفوت مقصود الالتقاط، ويفضي إلى تضييع أموال الناس، وما هذا سبيله يسقط اعتبار البينة فيه (¬1).Rصحة الإجماع على أن اللقطة لا تدفع إلى مدعيها إذا لم يعرف العفاص ولا الوكاء، وذلك لعدم المخالف (¬2). [52 - 15] جواز رد اللقطة بعوض • المراد بالمسألة: أن صاحب اللقطة إن جَعل (¬3) لمن وجدها شيئًا معلومًا، فللملتقط أخذ الجعل إن كان التقطه بعد أن بلغه الجعل. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [الجعالة في رد الضالة والآبق وغيرهما جائزة، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفًا] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5) والشافعية (¬6)، والمالكية (¬7). قال السرخسي: (وإن عوضه صاحبه شيئًا فهو حسن، لأنه يحسن إليه ¬
في إحياء ملكه، ورده عليه، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان) (¬1). قال النووي: (الجعالة: هي أن يقول: من رد عبدي الآبق، أو دابتي الضالة، ونحو ذلك فله كذا، وهي عقد صحيح للحاجة) (¬2). قال الشربيني: (فلو رده من علم بإذنه قبل رده استحق الجعل الملتزم سواء أعلمه بواسطة أم بدونها) (¬3). قال الدردير: (ولمن لم يسمع قول الجاعل: من أتاني بعبدي أو بعيري أو نحو ذلك، فله كذا، وهو صادق بصورتين: أن يقع من الجاعل قول بذلك، ولم يسمعه هذا الذي أتى به من القائل ولا بالواسطة، وبما إذا لم يقع منه قول أصلًا، ففي الصورتين جعل مثله إن اعتاده. . . فالمعنى: أن من اعتاد جلب ما ضل إذا أتى بشيء منها، فله جعل مثله إذا لم يسمع ربها، فإن سمعه فله ما سمى) (¬4). قال عبد الرحمن بن قاسم: (والجماعة إذا فعلت المجاعل عليه يقتسمون الجعل بينهم بالسوية، إذا شرعوا في العمل بعد القول، ما لم يكن الجعل لمعين، فله وحده) (¬5). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة, منها: الأول: قال سبحانه وتعالى: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)} [يوسف: 72]. • وجه الاستدلال: أن حمل البعير مجهول فيصح أن يكون جعلًا لأنه يؤول إلى العلم، والزعيم الكفيل والغارم (¬6). ¬
[53 - 16] رد اللقطة بغير عوض لا يستحق صاحبه شيء
الثاني: حديث اللديغ الوارد في قصة أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- قال: (. . فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلًا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 2] فكأنما نشط من عقال. . فقدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكروا له، فقال: (وما يدريك أنها رقية؟ ). ثم قال: (قد أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهما) (¬1). • وجه الاستدلال: إقرار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصحابة على أخذ الجعل دليل على جوازه. الثالث: لأن الحاجة تدعوا إلى ذلك فإن العمل قد يكون مجهولًا كرد الآبق والضالة ونحو ذلك، ولا تنعقد الإجارة فيه، والحاجة داعية إلى ردهما، وقد لا يجد من يتبرع به، فدعت الحاجة إلى إباحة بذل الجعل فيه مع جهالة العمل، لأنها غير لازمة بخلاف الإجارة (¬2). الرابع: أن العمل الذي يستحق به الجعل هو عمل مقيد بمدة، إن أتى به فيها استحق، ولا يلزمه شيء آخر، وإن لم يف به، فلا شيء عليه، إذا ثبت هذا، فإنما يستحق الجعل من عمل العمل بعد أن بلغه ذلك، لأنه عوض يستحق بعمل، فلا يستحقه من لم يعمل كالأجر في الإجارة (¬3).Rصحة الإجماع في جواز رد اللقطة بعوض. [53 - 16] رد اللقطة بغير عوض لا يستحق صاحبه شيء • المراد بالمسألة: أن من وجد لقطة أو ضالة فقام بردها إلى صاحبها، ثم طلب منه عوضًا، وصاحبها لم يذكر جعلًا لمن يأتيه بها، أو أن الملتقط لم ¬
يعلم بالجعل إلا بعد ردها، فإن الملتقط فلا يستحق عوضًا. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [ومن ردّ لقطة أو ضالة، أو عمل لغيره عملًا غير رد الآبق بغير جعل لم يستحق عوضًا لا نعلم في هذا خلافًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4) وابن المنذر (¬5). قال ابن المنذر: (إذا وجد الرجل ضالة فجاء بها إلى صاحبها، وطلب جعلًا، فلا جعل له، كان ممن يعرف بطلب الضوال أو لا يعرف، وهذا على مذهب الشافعي وأصحاب الرأي) (¬6). قال الماوردي: (وليس يخلو من رد آبقًا أو ضالة من أحد أمرين: إما يردها بأمر مالكها أو بغير أمره، فإن رد ذلك بغير أمر المالك فقد كان ضامنًا باليد، وسقط عنه الضمان بالرد، ولا أجرة له سواء كان معروفًا بطلب الضوال ومن لا يعرف) (¬7). قال ابن رشد: (ملتقط اللقطة متطوع بحفظها فلا يرجع بشيء من ذلك ¬
على صاحب اللقطة) (¬1). قال الموصلي: (وليس في رد اللقطة والضالة والصبي الحر شيء واجبا لأنه متبرع في الرد، فإن أعطاه المالك شيئًا فحسن) (¬2). قال عبد الرحمن بن قاسم: (ومن رد لقطة أو ضالة، أو عمل لغيره عملًا بغير جعل ولا إذن لم يستحق عوضًا) (¬3). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة, منها: الأول: عن عمرو بن يثربي الضمري -رضي اللَّه عنه- قال: شهدت خطبة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمنى، فكان فيما خطب به أن قال: (لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيب نفس منه) (¬4). • وجه الاستدلال: أن عمله من قبيل التبرع، وطلبه الجعل من أكل المال بالباطل. الثانى: ولأن المنافع كالأعيان بل أضعف، فلما كان لو استهلك أعيانًا في رد ضالة من طعام أو علف لم يستحق به عوضًا؛ فإذا استهلك منافع نفسه فالأولى أن لا يستحق بها عوضًا (¬5). الثالث: لأنه عمل يستحق به العوض مع المعاوضة، فلا يستحق مع عدمها كالعمل في الإجارة (¬6). الرابع: ولأنه عمل لغيره عملًا من غير أن يشرط له عوضًا فلم يستحق ¬
[54 - 17] يجوز الانتفاع بيسير اللقطة
شيئًا. الخامس: ولا يستحق أخذ الجعل بردها، لأن الرد واجب عليه من غير عوض، فلم يجز أخذ العوض عن الواجب كسائر الواجبات (¬1).Rصحة الإجماع في أنَّ رد اللقطة بغير عوض لا يستحق صاحبه شيء. [54 - 17] يجوز الانتفاع بيسير اللقطة • المراد بالمسألة: أن يسير اللقطة، وهي التي لا تتبعها همة أوساط الناس يجوز الانتفاع بها، ولو من دون تعريف. • من ذكر الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير والانتفاع به، (¬2). القرطبي (671 هـ) قال: [أجمع العلماء على أن اللقطة ما لم تكن تافهًا يسيرًا أو شيئًا لا بقاء لها فإنها تعرف حولًا كاملًا] (¬3). النووي (676 هـ) قال: [أن التمرة ونحوها من محقرات الأموال. . لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما تركها خشية أن تكون من الصدقة لا لكونها لقطة، وهذا الحكم متفق عليه] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5)، وابن المنذر (¬6). قال ابن المنذر: (اختلف أهل العلم في اللقطة اليسيرة يجدها المرء، ¬
فرخصت طائفة فيها إذا كانت يسيرة أن ينتفع بها، ويدع تعريفها) (¬1). قال السرخسي: (ثم ما يجده نوعان، أحدهما: ما يعلم أن مالكه لا يطلبه كقشور الرمان والنوى، والثاني: ما يعلم أن مالكه يطلبه، فالنوع الأول له أن يأخذه وينتفع به) (¬2) قال العمراني: (فإن كانت يسيرة بحيث يُعلَم أن صاحبها لو علم أنها ضاعت منه لم يطلبها، كزبيبة أو تمرة وما أشبهها، لم يجب تعريفها، وله أن ينتفع بها في الحال) (¬3). قال ابن رشد: (. . . أن يكون يسيرًا لا بال له، ولا قدر لقيمته، ويعلم أن صاحبه لا يطلبه لتفاهته، فهذا لا يعرّف عنده، وهو لمن وجده) (¬4). قال ابن الهمام: (وإن كانت اللقطة شيئًا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشور الرمان يكون إلقاؤه إباحة حتى جاز الانتفاع به من غير تعريف) (¬5). قال الموصلي: (وإن كانت حقيرة كالنوى وقشور الرمان ينتفع به من غير تعريف) (¬6). قال القرافي: (وقال (أي الإمام مالك): لا أحب أخذ اللقطة إلا أن يكون لها قدر) (¬7). قال عبد الرحمن بن قاسم: (فأما الرغيف والسوط. . . ونحوهما كشسع النعل، فيملك بالالتقاط بلا تعريف، ويباح الانتفاع به) (¬8). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة, منها: الأول: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: (رخص لنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في العصا ¬
والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به) (¬1). • وجه الاستدلال: فيه دليل على الإذن بالانتفاع باليسير مما يلتقطه الإنسان. الثاني: عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: مرَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتمرة في الطريق فقال: (لولا أني أخاف أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها) (¬2). • وجه الاستدلال: فيه دليل على جواز التقاط الشيء اليسير من دون تعريف، كالتمرة ونحوها. الثالث: ما ورد عن جملة من الصحابة أنهم تمتعوا بيسير اللقطة من دون تعريف وهم: 1 - ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه رأى تمرة مطروحة في السكة فأخذها فأكلها (¬3). 2 - وعلي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-: التقط حب رمان فأكله (¬4). 3 - وعن ميمونة أم المؤمنين أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت: (لا يحب اللَّه الفساد) (¬5). 4 - وعن سلمى بنت كعب قالت: وجدت خاتمًا من ذهب في طريق مكة، ¬
فسألت عائشة عنه، فقالت: (تمتعي به) (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذا المسألة: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والشوكاني (¬4)، فذهبوا إلى تعريف يسير اللقطة وكثيرها. قال ابن المنذر: (وأوجبت طائفة تعريف قليل اللقطة وكثيرها) (¬5). وقال النووي: (وعندنا أن القليل إذا كان يطلب في العادة وجب التعريف به كالكثير مدة التعريف المنصوص عليها وهي سنة) (¬6). • دليلهم: احتج المخالفون بما يلي: 1 - عموم الأحاديث الواردة في التعريف، ولا فرق بين ما له قيمة، وما لا قيمة له (¬7). 2 - قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من التقط لقطة يسيرة حبلًا أو درهمًا أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام، فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام) وفي رواية: (فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها) (¬8). ¬
• وجه الاستدلال: أنه نص على تعريف القليل والكثير من دون فرق (¬1). 3 - عن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- أن عليًا -رضي اللَّه عنه- جاء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بدينار وجده في السوق، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (عرّفه ثلاثًا، فلم يجد أحدًا يعرفه، فقال: كله) (¬2). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره أولًا بتعريف الدينار فدل على عدم جواز الاتفاع بيسير اللقطة. 4 - عن ابن عباس: (من وجد لقطة من سقط المتاع سوطًا أو نعلين أو عصا أو يسيرًا من المتاع فليستمتع به ولينشده، فإن كان ودكًا فليأتدم به ولينشده، فإن جاء صاحبه فليغرم له) (¬3). • وجه الاستدلال: أنها فتوى صحابي في وجوب تعريف اليسير والكثير، وأن من استمتع باليسير ثم ظهر صاحبه غرمه. قال الشوكاني: (وينبغي أيضًا أن يقيد مطلق الانتفاع المذكور في حديث الباب بالتعريف بالثلاث المذكور فلا يجوز للملتقط أن ينتفع بالحقير إلا بعد التعريف به ثلاثًا حملًا للمطلق على المقيد، وهذا إذا لم يكن ذلك الشيء ¬
[55 - 18] لا يحتاج الملتقط إلى إذن الحاكم
الحقير مأكولًا، فإن كان مأكولًا جاز أكله ولم يجب التعريف به أصلًا كالتمرة ونحوها) (¬1).Rعدم صحة الإجماع في جواز الانتفاع بيسير اللقطة، وذلك لوجود الخلاف في المسألة (¬2). [55 - 18] لا يحتاج الملتقط إلى إذن الحاكم المراد بالمسألة: لا يفتقد التقاط اللقطة وتملكها إلى حكم حاكم، ولا إلى إذن السلطان، بل الملتقط إذا سلك بها المسلك الشرعي جاز له تملكها من دون إذن (¬3). • من ذكر الإجماع: النووي (676 هـ) قال: [التقاط اللقطة وتملكها لا يفتقر إلى حكم حاكم ولا إلى إذن السلطان، وهذا مجمع عليه] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وابن حزم من الظاهرية (¬8). قال الماوردي: (إذا استكمل تعريفها حولًا كان بعده بالخيار بين أن ¬
يتملكها، وبين أن تكون في يده أمانة، وبين أن يدفعها إلى الحاكم ليحفظها على مالكها بأن يضعها في بيت المال أو على يد أمين) (¬1). قال ابن حزم: (. . . فهو عند تمام السنة مال من مال الواجد غنيًا كان أو فقيرًا، يفعل فيه ما شاء ويورث عنه) (¬2). قال القرافي: (الحكم الرابع: التمليك، وفي الجواهر: هو جائز بعد انقضاء مدة التعريف. . . فإن اختار تملكها ثبت ملكه عليها) (¬3). قال ابن مفلح: (إذا تصرف فيها الملتقط بعد الحول ببيع أو هبة أو نحوهما صح) (¬4). قال البهوتي: (الضرب الثالث: سائر الأموال: . . . ويلزمه أي الملتقط حفظ الجميع. . . ويلزمه تعريفه على الفور. . . سواء أراد الملتقط تملكه أو حفظه لصاحبه) (¬5). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة, منها: الأول: حديث فلد بن خالد الجهني -رضي اللَّه عنه-، وفيه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فإن لم تعرف فاستنفقها)، وفي لفظ: (وإلا فهي كسبيل مالك)، وفي لفظ: (ثم كلها)، وفي لفظ: (فانتفع بها)، وفي لفظ: (فشأنك بها)، وفي حديث أبي ابن كعب: (فاستنفقها)، وفي لفظ: (فاستمتع بها) (¬6). الثاني: قال جمهور الفقهاء: يجوز للملتقط أن يتملك اللقطة، وتكون كسائر أمواله سواء أكان غنيًا أو فقيرًا، لأنه مروي عن جماعة من الصحابة؛ كعمر، وابن مسعود، وعائشة، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم- (¬7). ¬
[56 - 19] ضمان اللقطة في السنة التي يتم تعريفها خلالها
الثالث: ولأن الالتقاط والتعريف سبب للتملك، فإذا تم وجب أن يثبت به الملك حكمًا كالإحياء والاصطياد (¬1). الرابع: ولأن سبب التملك هو التعريف، فإذا وجد السبب حصل الملك كالاصطياد، والاحتشاش، وإحياء الموات (¬2).Rصحة الإجماع في أنه لا يحتاج الملتقط إلى إذن الحاكم. [56 - 19] ضمان اللقطة في السنة التي يتم تعريفها خلالها • المراد بالمسألة: أن اللقطة التي تبقى عينها وتدوم في السنة التي يتم التعريف خلالها تكون أمانة في يد الملتقط، فإن تلفت من غير تعد أو تقصير فلا ضمان، وإلا ضمن الملتقط. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمعوا أن يد الملتقط لها لا تنطلق على التصرف فيها بوجه من الوجوه قبل الحول، إن كانت مما يبقى مثلها حولًا دون فساد يدخلها] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أن اللقطة في الحول أمانة في يد الملتقط، إن تلفت بغير تفريطه أو نقصت فلا ضمان عليه، كالوديعة، ومتى جاء صاحبها فوجدها أخذها بزيادتها المتصلة والمنفصلة، لأنها نماء ملكه، وإن أتلفهما الملتقط، أو تلفت بتفريطه ضمنها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال، وبقيمتها إن لم يكن لها مثل، لا أعلم في هذا خلافًا] (¬4). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمعوا أن صاحبها إن جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت له أنه صاحبها] (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، وابن حزم من الظاهرية (¬3). قال الماوردي: (واجد اللقطة وإن كان مخيرًا في أخذها فعليه بعد الأخذ القيام بها والتزام الشروط في حفظها على مالكها) (¬4). قال العمراني (558 هـ): إذا أخذ لقطة بنية التعريف، لم يلزمه ضمانها بالأخذ، ولكن يلزمه حفظها مدة التعريف (¬5). قال الموصلي: (وهي أمانة إذا أشهد أنه يأخذها ليردها على صاحبها. . . فإن لم يشهد ضمنها) (¬6). قال القرافي: (وأن من أخذها ليعرفها سنة، ثم يتصدقها أو يتملكها، فهي أمانة في السنة لأنها ممسوكة لحق ربها كالوديعة) (¬7). قال البهوتي: (ويلزمه أي الملتقط حفظ الجميع من حيوان وغيره، لأنه صار أمانة في يده بالتقاطه ويلزمه تعريفه على الفور) (¬8). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة, منها: الأول: عن زيد بن خالد الجهني -رضي اللَّه عنه-، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر، فادفعها إليه) (¬9). • وجه الاستدلال: التعبير عنها بالوديعة، والوديعة مضمونة إذا تعدى عليها الوديع أو فرط؛ لأنها أمانة؛ كذلك اللقطة. ¬
الثاني: ولأنها عين يلزم ردها لو كانت باقية، فيلزمه ضمانها إذا أتلفها كما قبل الحول، ولأنه مال معصوم فلم يجز إسقاط حقه منه مطلقًا، كما لو اضطر إلى مال غيره (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن المنذر، قال: (قال كثير من أهل العلم: لا ضمان عليه) (¬2). • أدلتهم: يستند الخلاف إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عياض بن حمار -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من وجد لقطة فليُشهد ذا عدل أو ذوي عدل ثم لا يغيره ولا يكتم، فإن جاء ربها فهو أحق بها، وإلا فهي مال اللَّه يؤتيه من يشاء) (¬3). • وجه الاستدلال: قال ابن قدامة: فجعله مباحًا (¬4). الثاني: عن سويد بن غفلة -رضي اللَّه عنه- قال: لقيت أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- فقال: أخذت صرة مائة دينار، فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (عرفها حولًا، فعرفتها حولًا، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته فقال: عرفها حولًا، فعرفتها فلم أجد، ثم أتيته ثلاثًا، فقال: احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبها، وإلا فاستمتع بها. فاسمتمتعت بها، فلقيته بعد بمكة، فقال: لا أدري ثلاثة أحوال، أو حولًا واحدًا) (¬5). • وجه الاستدلال: فيه عدم الضمان لمن استمتع بالوديعة أثناء الحول.Rصحة الإجماع في ضمان اللقطة في السنة التي يتم تعريفها ¬
[57 - 20] ضمان هلاك اللقطة إذا جاء صاحبها بعد أن تملكها الملتقط
خلالها، وإذا تأملنا في أدلة المخالفين لا نجد فيها ما يدل على أنها أثناء الحول. [57 - 20] ضمان هلاك اللقطة إذا جاء صاحبها بعد أن تملكها الملتقط • المراد بالمسألة: أن صاحب اللقطة إن ظهر يومًا من الدهر وقد استهلكها الملتقط، له أن يضمن الملتقط. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وقد أجمع علماء المسلمين في اللقطة أن واجدها يغرمها إذا استهلكها بعد الحول إن جاء صاحبها طالبًا لها] (¬1). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أنه إذا أكلها بعد الحول ملتقطها فأراد صاحبها أن يضمنه أن ذلك له وأنه إن تصدق بها ملتقطها بعد الحول فصاحبها مخير بين التضمين، وبين أن تكون له على أجرها، فأي ذلك تخير كان له ذلك بإجماع] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال: [وكلهم متفقون على أنه إن أكلها ضمنها لصاحبها] (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمعوا أن ملتقطها إن أكلها بعد الحول وأراد صاحبها أن يضمنه فإن ذلك له، وإن تصدق بها فصاحبها مخير بين التضمين وبين أن ينزل على أجرها، فأي ذلك تخير كان ذلك له بإجماع] (¬4). النووي (676 هـ) قال: [وقد نقل القاضي وغيره إجماع المسلمين على ¬
أنه إذا جاء صاحبها بعد التمليك ضمنها المتملك] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الصنعاني (¬2)، والشوكاني (¬3). قال الماوردي: (فإذا صار مالكها فقد ضمنها لصاحبها، فمن جاء طالبًا لها رجع بها إن كانت باقية، وليس للمتملك أن يعدل به مع بقائها إلى بدلها، وإن كانت تالفة رجع ببدلها، فإن كانت ذا مثل رجع بمثلها، وإن كانت غير ذي مثل رجع بقيمتها حيق تملكها لأنه إذ ذاك صار ضامنًا لها) (¬4). قال الموصلي: (. . . فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها إن شاء، وإن شاء أمسكها، فإن جاء وأمضى الصدقة فله ثوابه، وإلا له أن يضمنه، أو يضمن المسكين أو يأخذها إن كانت باقية) (¬5). قال الموداوي: (وإن تلفت، أو نقصت قبل الحول لم يضمنها، وإن كان بعده ضمنها ولو لم يفرط) (¬6). قال الدردير: (وله أي الملتقط حبسها أي اللقطة عنده بعدها أي بعد السنة لعله أن يظهر صاحبها، أو التصدق بها عن ربها أو التملك لها بأن ينوي تملكها) (¬7). قال الشوكاني: (وقد اختلف العلماء فيما إذا تصرف الملتقط في اللقطة بعد تعريفها سنة ثم جاء صاحبها، هل يضمنها له أم لا؟ فذهب الجمهور إلى وجوب الرد إن كانت العين موجودة أو البدل إن كانت استهلكت) (¬8). ¬
• مستند الإجماع: الأول: عن زيد بن خالد الجهني -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها) (¬1). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل اللقطة في حكم الوديعة في يد ملتقطها، ويد الوديع يد أمانة. يقول النووي: (والمراد أنه لا ينقطع حق صاحبها بالكلية) (¬2). الثاني: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فإن جاء صاحبها فلا تكتم فهو أحق بها) وفي رواية للبخاري: (فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها، فإن جاء صاحبها فأدها إليه) أي بدلها؛ لأن العين لا تبقى بعد أكلها (¬3)، وفي رواية: (فإن جاء باغيها فأدها إليه، وإلَّا فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها، فإن جاء باغيها فأدها إليه) (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: داوود، وابن حزم الظاهريان (¬5). وقد رد ابن حزم الإجماع بقوله: (فإن ادعوا إجماعًا على الصدقة بها كُذبوا لما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أن زيد بن الأخنس الخزاعي أخبره أنه قال لسعيد بن المسيب وجدت لقطة أفأتصدق بها؟ قال: لا تؤجر أنت ولا صاحبها، قلت: أفأدفعها إلى الأمراء؟ قال: إذًا يأكلونها أكلًا سريعًا، قلت: فكيف تأمرني؟ قال: عرفها سنة فإن اعترفت وإلا ¬
[58 - 21] لا يجوز إعطاء اللقطة لغني
فهي لك) (¬1).Rعدم صحة الإجماع في ضمان الملتقط اللقطة بعد تملكهما، وهو مرور الحول، وذلك لوجود خلاف في المسألة. [58 - 21] لا يجوز إعطاء اللقطة لغني • المراد بالمسألة: أن الملتقط لا يعطي اللقطة بعد تملكها غنيًا غيره، فإن اللقطة إذا أراد أن يتملكها الملتقط فيشترط أن لا يكون غنيًا، وإذا أراد أن يتصدق بها فلا يتصدق على غني، وذلك للنص. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [قول بعضهم: قد صح الإجماع على أنه لا يعطيها غنيًا غيره] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3). قال الكاساني: (. . . ولو أراد أن ينتفع بها، فإن كان غنيًا لا يجوز أن ينتفع بها عندنا) (¬4). قال ابن الهمام: (وإن كان الملتقط غنيًا لم يجز له أن ينتفع بها) (¬5). قال الموصلي: (ولا يتصدق بها على غني) (¬6). ¬
• مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة, منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تحل اللقطة فمن التقط شيئًا فليعرفه سنة، فإن جاءه صاحبها فليردها عليه، وإن لم يأت فليتصدق) (¬1). • ووجه الاستدلال بهذا الحديث من وجهين: أحدهما: أنه نفي الحل مطلقًا، وحالة الفقر غير مراده بالإجماع، فتعين حالة الغني. ثانيهما: أنه أمر بالتصدق، ومصرف الصدقة هو الفقير دون الغني، وأن الانتفاع بمال المسلم بغير إذنه لا يجوز إلا لضرورة، ولا ضرورة إذا كان غنيًا (¬2). الثاني: أنه مال الغير فلا يباح الانتفاع به إلا برضاه؛ لإطلاق النصوص والإباحة للفقير (¬3). الثالث: النصوص المطلقة مثل: قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]. وقوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8]. كلها تفيد حرمة أكل المال بالباطل، والغني في هذه الصورة إنما يأكل المال بالباطل (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الشافعية (¬5)، ¬
والمالكية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وابن عبد البر (¬3). قال الماوردي: (يجوز لواجد اللقطة بعد تعريفها حولًا أن يتملكها ويأكلها غنيًا كان أو فقيرًا) (¬4). قال العمراني: (وإذا عرّف الملتقط اللقطة لسنة، فقد ذكرنا أن له أن يحفظها على صاحبها، وله أن يختار تملكها سواء كان الواجد غنيًا أو فقيرًا) (¬5). قال ابن رشد: (واختلفوا في الغني هل له أن يأكلها أو ينفقها بعد الحول؟ فقال مالك والشافعي: له ذلك) (¬6). قال القرافي: (وإذا قلنا بالتملك مطلقًا في سائر البقاع، فهل يسوى بين الملتقطين؟ المذهب: التسوية) (¬7). قال ابن مفلح: (ولا فرق بين كون الملتقط غنيًا أو فقيرًا) (¬8). قال المرداوي (885 هـ): (ولا فرق بين كون الملتقط غنيًا أو فقيرًا، مسلمًا كان أو كافرًا، عدلًا أو فاسقًا، يأمن نفسه عليها) (¬9). قال الخطيب الشربيني: (ولا فرق عندنا في جواز تملك اللقطة بين الهاشمي وغيره، ولا بين الفقير وغيره) (¬10). قال البهوتي: (ولا فرق. . . بين كون الملتقط غنيًا أو فقيرًا) (¬11). ¬
• دليلهم: يستند الخلاف على عدة أدلة، منها: الأول: أمرُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أبيَ بن كعب -رضي اللَّه عنه- وهو أيسر أهل المدينة، أو كأيسرهم، وقد وجد صرة فيها ثمانون دينارًا أن يأكلها (¬1). • وجه الاستدلال: فإذا جاز للملتقط أكلها فالتصدق بها على غيره ولو كان فقيرًا جائز. الثاني: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث زيد بن خالد الجهني -رضي اللَّه عنه-: (فشأنك بها) ولم يفصل بين الغني والفقير (¬2). فيه دليل على أنه: يقتضي التسوية بين الغني والفقير (¬3).Rعدم صحة الإجماع في أن الملتقط الغني لا يستنفق اللقطة، ولا يعطيها لغني آخر، وذلك للخلاف القوي في المسألة. * * * ¬
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أبواب الوقف
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في أبواب الوقف [59 - 1] جواز الوقف في الجملة • المراد بالمسألة: الوقف لغة: مصدر وقف، بمعنى: الحبس (¬1). • والوقف اصطلاحًا: حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته من الواقف وغيره، على مصرف مباح موجود -أو بصرف ريعه على جهة بر وخير- تقربًا إلى اللَّه سبحانه وتعالى (¬2). • والمراد بالمسألة: أن الوقف جائز من حيث الأصل، وهو من القرب، وممن يجري ثوابه على صاحبه في حياته وبعد وفاته، فإذا أوقف المرء شيئًا مما يصح وقفه لزم، ولا يجوز نقض. • من نقل الإجماع: 1 - الترمذي (279 هـ) قال: [والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم، لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافًا في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك] (¬3). ¬
2 - الماوردي (450 هـ) قال: (فإذا وقف شيئا زال ملكه عنه بنفس الوقف، فلا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك ولا التصرف فيه ببيع ولا هبة، ولا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه وليس من شرطه لزوم القبض ولا حكم الحاكم وهو قول الفقهاء أجمع) (¬1). 3 - الجويني (478 هـ) قال: (وأجمع المسلمون على أصل الوقف وإن اختلفوا في التفصيل) (¬2). 4 - السمرقندي (539 هـ) قال: (فقد أجمع العلماء أن من وقف أرضه أو داره مسجدا بأن قال جعلت هذه الأرض مسجدا يصلى فيه الناس، أنه جائز) (¬3). 5 - الكاساني (587 هـ) قال: [لا خلاف بين العلماء في جواز الوقف في حق وجوب التصدق بالفرع ما دام الوقف حيًا] (¬4). 6 - ابن قدامة (620 هـ) قال: [وأكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم على القول بصحة الوقف قال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذو مقدرة إلا وقف وهذا إجماع الصحابة رضوان اللَّه عليهم فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف واشتهر ذلك فلم ينكره أحد فكان إجماعًا] (¬5). 7 - القرطبي (671 هـ) قال: [فإن المسألة إجماع من الصحابة، وذلك أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص والزبير وجابر كلهم أوقفوا الأوقاف] (¬6). 8 - الموصلي (683 هـ) قال: أجمعت الأمة على جواز أصل الوقف (¬7). ¬
9 - الشوكاني (1250 هـ) قال: [أوقد ذهب إلى جواز الوقف ولزومه جمهور العلماء] (¬1). • وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬2)، والصنعاني (¬3). قال ابن حزم رحمه اللَّه: (والتحبيس وهو الوقف جائز في الأصول من الدور والأرضين بما فيها من الغراس والبناء إن كانت فيها وفي الأرحاء وفي المصاحف والدفاتر ويجوز أيضًا في العبيد والسلاح والخيل في سبيل اللَّه عز وجل في الجهاد فقط لا في غير ذلك) (¬4). قال الصنعاني: (قال الترمذي: لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل الفقه خلافًا في جواز وقف الأرضين) (¬5). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: (أصاب عمر -رضي اللَّه عنه- أرضًا بخيبر فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أصبت أرضًا أصب مالًا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. .) (¬6). • وجه الاستدلال: أن عمر -رضي اللَّه عنه- وقف بأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وإقراره له؛ فدل على جواز الوقف. الثاني: عن أبي هريرة -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) (¬7) ¬
• وجه الاستدلال: أن عمل الإنسان ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة، ومنها: الصدقة الجارية، وهي: الوقف. ويشعر أيضًا بأن الوقف يلزم ولا يجوز نقضه، ولو جاز النقض لكان الوقف صدقة منقطعة. الثالث: اشتهار الوقف بين أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد أصبح كل من عنده قدرة من الصحابة على الصدقة يبادر إلى الوقف (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: شريح القاضي (¬2)، وأبو حنيفة، وزفر (¬3)، فانكروا تحبيس الأصل على التمليك وتسبيل الغلة والثمرة، وهي الأحباس المعروفة بالمدينة (¬4). • دليلهم: ووجه ما ذهبوا إليه ما يلي: الأول: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمر -رضي اللَّه عنه-: (حبس أصلها) (¬5) قالوا: فلا يلزم ¬
التأبيد، بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره (¬1). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: لما نزلت سورة النساء، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا حبس بعد سورة النساء) (¬2). قالوا فهذا دليل على نسخ الوقف (¬3). يقول الماوردي: فأما الجواب عن حديث ابن عباس فمن وجهين: 1 - أنه أراد حبس الزانية، وذلك قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)} [النساء: 15]، وقد بيّن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- السبيل فقال: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم. 2 - أنه أراد به ما ينبه في آخر وهو قوله: "إن اللَّه أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث"، فكأنه قال: لا يحبس عن وارث شيء جعله اللَّه له (¬4) الثالث: عن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: (لولا أني ذكرت صدقتي لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لرددتها") (¬5). ¬
[60 - 2] صفة الوقف الصحيح
• وجه الاستدلال: قالوا فهو يشعر بأن الوقف لا يمتنع الرجوع عنه، وأن الذي منع عمر -رضي اللَّه عنه- من الرجوع كونه ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فكره أن يفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره.Rصحة الإجماع في جواز الوقف في الجملة ولزومه، وذلك لانعقاد إجماع الصحابة المتقدم، ولا يعرف لهم مخالف (¬1). [60 - 2] صفة الوقف الصحيح • المراد بالمسألة: أن الوقف الصحيح هو ما كان معلوم الابتداء والانتهاء، مثل أن يجعل نهايته إلى جهة لا تنقطع؛ كأن يجعل آخره على المساكين، أو طائفة منهم، فإنه يمتنع بحكم العادة انقراضهم، وإن قال: وقفت شيئًا على شخص معين لمدة سنة، ثم على الفقراء صح الوقف أيضًا لأنه غير منقطع. ¬
• من نقل الاتفاق: ابن قدامة (620 هـ) قال: [وجملة ذلك أن الوقف الذي لا اختلاف في صحته ما كان معلوم الابتداء والانتهاء غير منقطع مثل أن يجعل على المساكين أو طائفة لا يجوز بحكم العادة انقراضهم] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم من الظاهرية (¬5)، وابن تيمية (¬6). قال الكاساني: (يصح مضافًا إلى ما بعد الموت فيصح منجزًا وكذا لو اتصل به قضاء القاضي يجوز) (¬7). قال ابن الهمام: (ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد حتى يجعل آخره لجهة لا تنقطع أبدًا كالمساكين ومصالح الحرم والمساجد، بخلاف ما لو وقف على مسجد معين ولم يجعل آخره لجهة لا تنقطع لا يصح لاحتمال أن يخرب الموقوف عليه) (¬8). قال القرافي: (متى كان الوقف على قربة صح، أو معصية بطل. . . فإن عرا عن المعصية ولا ظهرت القربة صح، لأن صرف المال في المباح مباح، وكرهه مالك، لأن الوقف باب معروف فلا يعمل غير معروف) (¬9). قال الدردير: (لا يباع عقار حبس أي لا يجوز بيعه ولا يصح وإن خرب وصار لا ينتفع به وسواء كان دارًا أو حوانيت أو غيرها ولو بغيره من جنسه كاستبداله بمثله غير خرب، فلا يجوز، ولا يجوز بيع نقضه من أحجار أو أخشاب، فإن تعذر عودها فيما حبست فيه جاز نقلها في مثله، هذا في الوقف الصحيح) (¬10). ¬
قال الجويني: (ومذهب الإمام الشافعي أن الوقف إذا استجمع شرائطه صحيح لازم، لا يتوقف لزومه على تسجيل من جهة قاض، ويصح منجزه في الحياة ومنفذه في الوصية بعد الوفاة) (¬1). قال الشيرازي: (ويجوز وقف كل عين ينتفع بها على الدوام كالعقار والحيوان والأثاث والسلاح) (¬2). قال ابن حزم: (الوقف جائز في الأصول من الدور والأرضين بما فيها من الغراس والبناء إن كانت فيها وفي الأرحاء وفي المصاحف والدفاتر ويجوز أيضًا في العبيد والسلاح والخيل في سبيل اللَّه عز وجل في الجهاد فقط لا في غير ذلك) (¬3). قال ابن تيمية: (ويصح الوقف بالقول وبالفعل الدال عليه عرفًا كجعل أرضه مسجدًا أو الإذن للناس بالصلاة فيه، أو أذن فيه وأقام، ونقله أبو طالب وجعفر وجماعة عن أحمد، أو جعل أرضه مقبرة وأذن للناس بالدفن فيها، ونص عليه أحمد أيضًا، ومن قال: قريتي التي بالثغر لمواليّ الذين بها ولأولادهم: صح وقفًا) (¬4). • مستند الإجماع: يمكن أن يستدل لهذا الإجماع بعدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: (أصاب عمر -رضي اللَّه عنه- أرضًا بخيبر فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أصبت أرضًا لم أصب مالًا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. .) (¬5) • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر عمر -رضي اللَّه عنه- بتحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وجعلها في أقاربه. الثاني: أن معنى الوقف هو التحبيس على جهة فيها بر وطاعة، فلا يتفق ¬
[61 - 3] كون الوقف من الطاعات
أن يقال في صفة الوقف التأقيت، أو إلى جهة منقطعة.Rصحة الإجماع في أن صفة الوقف الصحيح هو ما كان معلوم الابتداء والانتهاء، وأن يكون إلى جهة لا تنقطع (¬1). [61 - 3] كون الوقف من الطاعات • المراد بالمسألة: أن الوقف يجب أن يكون من الطاعات، لا من المحرمات، لأنها صدقة جارية، يرجو الواقف الثواب من وراء وقفه، وهذا لا يكون إلا في ما هو من قبيل الطاعات فلا يجوز وقف الخمر، والخنزير، والجواري للغناء، وضابط المسألة أن ما صح بيعه صح وقفه. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) قال: [. . وهو على أهل الأعمال التي يتقرب بها إلى اللَّه تعالى والوصية لأهلها والنذر لهم، وأن تلك الأعمال لا بد أن تكون من الطاعات التي يحبها اللَّه ورسوله، فإذا كانت منهيًا عنها لم يجز الوقف عليها، ولا اشتراطها في الوقف باتفاق المسلمين] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال الكاساني: (الوقف صدقة جارية في سبيل اللَّه) (¬6). قال القرافي: (وهو من أحسن أبواب القرب) (¬7). قال الجويني: (قال العلماء: الصدقة الجارية هي الوقف على وجوه الخير) (¬8). ¬
[62 - 4] لا وقف على ما ليس بطاعة
• مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. • وجه الاستدلال: فيه حرمة التعاون على الإثم والعدوان والوقف على المعصية من هذا الجنس، واللَّه سبحانه وتعالى نهى عن المحرمات، والتعاون عليها (¬1). الثاني: أن المقصود من الوقف القربة، والواقف يرجو النفع من وراءه (¬2).Rصحة الإجماع في أن الوقف يجب أن يكون من الطاعات، لا من المحرمات (¬3). [62 - 4] لا وقف على ما ليس بطاعة • المراد بالمسألة: تنازع أهل العلم في جواز الوقف على جهة مباحة، كالوقف على الأغنياء على قولين مشهورين، إلا أنهم اتفقوا على عدم جوازه على المعصية ولا اشتراطها فيه مطلقًا، سواء كان على معين، واحدًا أو جماعة؛ كجعل غلته في ثمن خمر لفلان، أو كان على جهة معصية؛ ككنيسة ونحوها. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن تيمية (728 هـ) قال: [. . فإذا كانت منهيًا عنها لم يجز الوقف عليها ولا اشتراطها في الوقف: باتفاق المسلمين] (¬4). 2 - ابن قدامة (620 هـ) قال: [وجملة ذلك أن الوقف لا يصح. . على معصية؛ كبيت النار والبيع والكنائس والإنجيل وكتب التوراة والإنجيل؛ ¬
لأن ذلك معصية. . وسواء كان الواقف مسلمًا أو ذميًا. . وهذا مذهب أحمد والشافعي ولا نعلم فيه خلافًا] (¬1). 3 - ابن القيم (751 هـ) قال: [فإن الوقف لا يصح إلا في قربة، وطاعة اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا يصح الوقف على مشهد، ولا قبر يسرج عليه ويعظم، وينذر له، ويحج إليه، ويعبد من دون اللَّه سبحانه وتعالى، ويتخذ وثنًا من دونه، وهذا مما لا يخالف فيه أحد من أئمة الإسلام ومن اتبع سبيلهم] (¬2). 4 - المطيعي (1354 هـ) قال: [والوقف على قناديل البيعة أو معابد البوذيين أو دور الهندوك. . باطل. ولا نعلم فيه خلافًا] (¬3) • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5). قال القرافي: (متى كان الوقف على قربة صح، أو معصية بطل كالبيع وقطع الطريق لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90]، فإن عرا عن المعصية ولا ظهرت القربة صح، لأن صرف المال في المباح مباح، وكرهه مالك، لأن الوقف باب معروف فلا يعمل غير ¬
[63 - 5] الشروط الباطلة المخالفة للعقيدة الإسلامية لا تصح في الوقف ولا في غيره
معروف) (¬1). وقال الدردير: (وبطل الوقف من كافر لمسجد ورباط ومدرسة من القرب الإسلامية، وأما وقف الذمي على كنيسة فإن كان على مرمتها أو على المرضى بها فالوقف صحيح معمول به، فإن ترافعوا إلينا حكم بينهم بحكم الإسلام أي من إمضائه وإن كان على عبادها حكم ببطلانه كذا نقل عن ابن رشد) (¬2). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. ووجه الاستدلال بهذه الآية: أن الوقف على المعصية يعد من التعاون على الإثم والعدوان، فكان منهيًا عنه. الثاني: أن المقصود من الوقف القربة، والمعصية نقيضها (¬3). الثالث: أن الوقف يراد به نفع الموقوف عليه، والمعصية ليست نفعًا بل يزداد بها عقابًا (¬4).Rصحة الإجماع في عدم جواز الوقف على ما ليس بطاعة (¬5). [63 - 5] الشروط الباطلة المخالفة للعقيدة الإسلامية لا تصح في الوقف ولا في غيره • المراد بالمسألة: إذا اشترط الواقف شروطًا تخالف ما شرعه اللَّه لعباده بحيث تتضمن الأمر بما نهى اللَّه عنه، أو النهي عما أمر اللَّه به، أو تحليل ما ¬
حرمه، أو عكسه فهذه الشروط لا يجوز اعتبارها، وتقع باطلة. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) قال: [. . بحيث تتضمن تلك الشروط الأمر بما نهى اللَّه عنه، أو النهي عما أمر به، أو تحليل ما حرمه، أو تحريم ما حلله، فهذه الشروط باطلة باتفاق المسلمين في جميع العقود، الوقف وغيره] (¬1). • الموافقون للاتفاق: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). قال السرخسي: (واشتراط الخيار في العتق باطل والعتق صحيح، وكذلك في المسجد اشتراط الخيار باطل واتخاذ المسجد صحيح، فكذلك في الوقف. . . وما يتعلق بالجائز من الشرط الفاسد فالفاسد من الشروط يبطله) (¬5). قال القرافي: (لو شرط في الوقف الخيار في الرجوع بطل شرطه ولزم الوقف، لأن الأصل في العقود اللزوم) (¬6). قال الخطيب الشربيني: (ومقابل الصحيح يصح الوقف ويلغو الشرط كما لو طلق على أن لا رجعة له) (¬7). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب اللَّه؟ من اشترط شرطًا ليس في كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق) (¬8). ¬
[64 - 6] وجوب أخذ أبناء النصارى المسلمين أوقاف آبائهم النصارى الموقوفة على البيعة
• وجه الاستدلال: عموم الحديث في جميع العقود بالاتفاق، فليس مخصوصًا بباب منها دون آخر فيدخل فيه الوقف (¬1). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا) (¬2). • وجه الاستدلال: أن ما كان من الشروط يحل حرامًا أو يحرم حلالًا فإنه لا يصح ولا يلزم أحدًا (¬3).Rصحة الإجماع في عدم صحة الوقف المتضمن شروطًا باطلة مخالفة للعقيدة الإسلامية الصحيحة، وذلك لعدم المخالف فيها. [64 - 6] وجوب أخذ أبناء النصارى المسلمين أوقاف آبائهم النصارى الموقوفة على البيعة • المراد بالمسألة: أن أولاد النصارى إذا أسلموا وكان آباؤهم قد أوقفوا أموالًا على الكنائس، فإن لهؤلاء الأولاد الحق في أخذ هذه الأموال. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (682 هـ) قال: [قال أحمد في نصارى وقفوا على البيعة ضياعًا كثيرة، وماتوا ولهم أبناء نصارى، فأسلموا والضياع بيد النصارى: فلهم أخذها، وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم. وهذا مذهب الشافعي. ولا نعلم فيه خلافًا] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7). ¬
[65 - 7] لا يجوز إكراء الوقف لمن يضر به
قال الدسوقي: (وإن كانوا نصارى أي أقارب جهتيه نصارى أي فلا فرق بين المسلم والكافر لصدق اسم القرابة عليه) (¬1). قال الرملي: (وإن وقف مسلم أو ذمي على جهة معصية كعمارة نحو الكنائس المقصودة للتعبد وترميمها وإن مكناهم منه كما قاله السبكي والأذرعي وغيرهما أو قناديلها أو كتابة نحو التوراة فباطل لكونه إعانة على معصية، نعم ما فعله ذمي لا نبطله إلا إن ترافعوا إلينا وإن قضى به حاكمهم لا ما وقفوه قبل المبعث على كنائسهم القديمة فلا نبطله بل نقره حيث نقرها) (¬2). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن ما لا يصح من المسلم الوقف عليه، لا يصح من الذمي؛ كالوقف على غير معين، وكذلك الوقف ليس بملك معاوضة (¬3). الثاني: أن المسلم أولى بالمال الموقوف على الكنيسة، خاصة إن كان المسلم فرعًا للواقف، كما في مسائل الصدقة.Rصحة الإجماع في وجوب أخذ أبناء النصارى المسلمين أوقاف آبائهم النصارى الموقوفة على البيعة. [65 - 7] لا يجوز إكراء الوقف لمن يضر به • المراد بالمسألة: أن الوقف عمل خيري دائم، والمحافظة عليه واجبة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومن ذلك عدم تأجيره -إن كان مما يؤجر- ممن يضر به، سواء بنفسه، أو بحرفته. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) قال: [لا يجوز إكراء الوقف لمن يضر به باتفاق المسلمين، بل ولا يجوز إكراء الشجر بحال، وإن سوقي ¬
عليها بجزء حيلة لم يجز بالوقف باتفاق العلماء] (¬1). • الموافقون للاتفاق: الحنفية (¬2) والمالكية (¬3) والشافعية (¬4). قال المرغيناني: (ويجوز استئجار الدور والحوانيت للسكنى وإن لم يبين ما يعمل فيها، لأن العمل المتعارف فيها السكنى فينصرف إليه، وأنه لا يتفاوت فصح العقد، وله أن يعمل كل شيء للإطلاق، إلا أنه لا يسكن حدادًا ولا قصارًا ولا طحانًا لأن فيه ضررًا ظاهرًا، لأنه يوهن البناء فيتقيد العقد بما وراءها دلالة) (¬5). قال الدسوقي: (وفسخت الإجارة بموت مستحق وقف آجر ذلك الوقف في حياته مدة ومات قبل تقضيها وانتقل الاستحقاق لمن في طبقته أو لمن يليه ولو ولده ولو بقي منها يسيرًا على الأصح) (¬6). قال الخطيب الشربيني: (ولو تعدى المستأجر بأن ضرب الدابة أو كبحها فوق العادة أو أركبها أثقل منه أو أسكن حدادًا أو قصارًا وهما أشد ضررًا مما استأجر له ضمن العين أي دخلت في ضمانه لتعديه) (¬7). • مستند الاتفاق: يستند الاتفاق إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا ضرر ولا ضرار) (¬8). ¬
[66 - 8] المسجد الموقوف ليس ملكا لمعين
• وجه الاستدلال: فيه حرمة الإضرار، وتأجير الوقف لمن يضر به محرم. الثاني: ويمكن أن يستدل للجمهور بما هو ظاهر، من كون المحافظة على الوقف واجبة، وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومن هذا عدم جواز تأجيره على من يضر به، لما يؤدي إليه من تلف الوقف، وقد اتفق الفقهاء على تضمين الناظر إذا أجر الوقف بأقل من أجرة المثل، فعدم جواز تأجيره بمن يضر به أولى (¬1).Rصحة الإجماع في عدم جواز تأجير الوقف لمن يضر به، وذلك لعدم المخالف (¬2). [66 - 8] المسجد الموقوف ليس ملكًا لمعين • المراد بالمسألة: وقع الخلاف في الوقف هل هو حبس الرقبة على ملك اللَّه سبحانه وتعالى؟ أم على ملك الموقوف وإن كان ملكًا ضعيفًا؟ أما وقفُ المسجد فإنه ليس ملكًا لواقفه ولا لأحد من الناس، بل هو ملك للَّه سبحانه وتعالى، ولذلك لا يجوز بيعه ولا التصرف فيه؛ إلا إذا تعطل، فقد اختلف الفقهاء في جواز بيعه أو التصرف فيه للأصلح. • من نقل الاتفاق: القرافي (684 هـ) قال: [واتفق العلماء في المساجد أن وقفها إسقاط ملك؛ كالعتق فلا ملك لمخلوق فيها] (¬3). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم من الظاهرية (¬4). قال السرخسي: (وقد وجدنا لهذا الطريق أصلًا في الشرع وهو الكعبة فتلك البقعة للَّه تعالى خالصة متحرزة عن ملك العباد فألحقنا سائر المساجد بها) (¬5). قال الشيرازي: (وإن وقف مسجدًا فخرب المكان وانقطعت الصلاة فيه لم يعد إلى الملك، ولم يجز له التصرف فيه، لأن ما زال الملك فيه لحق اللَّه تعالى لا يعود إلى الملك بالاختلال) (¬6). قال البهوتي: (وينتقل الملك فيها إلى اللَّه تعالى إن كان الوقف على مسجد ونحوه، كمدرسة ورباط وقنطرة وخانكاه وفقراء وغزاة وما أشبه ذلك، وكذا بقاع المساجد والمدارس والقناطر والسقايات وما أشبهها، قال الحارثي: بلا خلاف) (¬7). قال ابن حزم: (الحبس ليس إخراجًا إلى غير مالك، بل إلى أجل المالكين وهو اللَّه تعالى كعتق العبد) (¬8). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} [الجن: 18]. • وجه الاستدلال: أن كل شيء للَّه، فكان فائدة هذه الإضافة اختصاصه به وانقطاع حق كل من سواه عنه (¬9). ¬
[67 - 9] لا يجوز بيع الوقف
الثاني: لأن الجمعة والجماعات تقام في المساجد بصفة مستمرة، وهي لا تقام في المملوكات (¬1). الثالث: أن المسجد لو خرب لا يعود لمالكه. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية في قول، وهو ظاهر مختصر خليل، وحكاه الدسوقي عن صاحب النوادر. وقال: (والملك للواقف لا الغلة، فله ولوارثه منع من يريد إصلاحه) وكذا حكاه صاحب منح الجليل، ونقل نص صاحب النوادر: (والمساجد والأحباس لم يخرجها مالكها إلى ملك أحد، وهي باقية على ملكه وأوجب تسبيل منافعها إلى من حبست عليه) ورجح هذا القول في الفواكه الدواني (¬2). • دليلهم: واستدل المالكية لخلافهم بأن لواقف المسجد منع الغير من التصرف فيه، ومنع التصرف ثمرة الملك. وأيضًا إنه وإن كانت الجماعات تقام فيها وهي لا تقام في المملوكات فإن المملوك الذي لا تصح فيه الجمع غير الموقوف مسجدًا، أما هو فتصح فيه (¬3).Rصحة الإجماع في كون المسجد ملكًا للَّه سبحانه وتعالى، وليس ملكًا لأحد، وأما الخلاف الوارد فهو ضعيفٌ مصادم للإجماع الصريح والقوي (¬4). [67 - 9] لا يجوز بيع الوقف • المراد بالمسألة: أن من وقف شيئًا وزال ملكه عنه سواء بنفس الوقف - ¬
كما عند الجمهور- أو بالقبض -عند محمد بن الحسن والمالكية- أو بحكم حاكم -عند أبي حنيفة- والوقف غير خرب ولا غيره أفضل منه، وليس هناك مصلحة راجحة في بيعه؛ فإنه لا يجوز للواقف ولا لورثته ولا للموقوف عليه ولا للناظر التصرف فيه ببيع ولا هبة ونحوهما (¬1). • من نقل الإجماع: 1 - ابن الهمام (861 هـ) قال: [وإذا صح الوقف. . . لم يجز بيعه ولا تمليكه. . . باجماع الفقهاء] (¬2). 2 - ابن نجيم (970 هـ) قال: [ولا يملك الوقف بإجماع الفقهاء] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم من الظاهرية (¬7). قال الدردير: (لا يباع عقار حبس أي لا يجوز بيعه ولا يصح وإن خرب وصار لا ينتفع به وسواء كان دارًا أو حوانيت أو غيرها ولو بغيره من جنسه كاستبداله بمثله غير خرب فلا يجوز، ولا يجوز بيع نقضه من أحجار أو أخشاب، فإن تعذر عودها فيما حبست فيه جاز نقلها في مثله، هذا في الوقف الصحيح، وأما الباطل كالمساجد والمدارس التي بناها الملوك والأمراء بقرافة مصر ونبشوا مقابر المسلمين وضيقوا عليهم فهذه يجب هدمها قطعًا ونُقضها محله بيت المال يصرف في مصالح المسلمين) (¬8). قال الجويني: (من وقف دارًا فأشرفت على الخراب، وعرفنا أنها لو ¬
انهدمت، عسر ردها وإقامتها، فهل نحكم والحالة هذه بجواز بيعها؟ اختلف الأئمة فيه: فذهب الأكثرون إلى منع البيع، وجوز المجوزون البيع، فإن منعنا البيع، أدمنا الوقف وانتظرنا ما يكون، وإن جوزنا البيع، فالأصح صرف الثمن إلى جهة وقف) (¬1). قال ابن قدامة: (وإن لم تتعطل منفعة الوقف بالكلية لكن قلّت، وكان غيره أنفع منه وأكثر رد على أهل الوقف، لم يجز بيعه، لأن الأصل تحريم البيع، وإنما أبيح للضرورة صيانة لمقصود الوقف عن الضياع، مع إمكان تحصيله، ومع الانتفاع، وإن قل ما يضيع المقصود، اللهم إلا أن يبلغ في قلة النفع إلى حد لا يعد نفعًا، فيكون وجود ذلك كالعدم) (¬2). قال ابن حزم: (ومن حبس وشرط أن يباع ان احتيج صح الحبس لما ذكرنا من خروجه بهذا اللفظ إلى اللَّه تعالى، وبطل الشرط لأنه شرط ليس في كتاب اللَّه تعالى) (¬3). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمر -رضي اللَّه عنه-: (تصدق بأصلها، لا يباع ولا يوهب ولا يورث) (¬4). • وجه الاستدلال: أن الأصل في الوقف أنه لا يباع ولا يملك (¬5). الثاني: أن الأصل هو تحريم بيع الوقف، وإنما أبيح للضرورة صيانة لمقصود الوقف من الضياع (¬6). الثالث: أنه باللزوم خرج عن ملك الواقف وبلا ملك لا يتمكن من البيع ولا التمليك بوجه آخر (¬7). ¬
[68 - 10] يجوز استبدال الوقف إذا تعطلت منافعه
الرابع: أن بيع الوقف وتمليكه مناف لمقصوده الذي هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة (¬1).Rصحة الإجماع في أنه لا يجوز بيع الوقف (¬2). [68 - 10] يجوز استبدال الوقف إذا تعطلت منافعه • المراد بالمسألة: إذا تعطلت منافع الوقف، فإنه يجوز التصرف فيه بما فيه مصلحة راجحة، إما بيعه وجعل ثمنه في مثله، أو استبداله بآخر، ولو لم يكن شرط من الواقف بذلك. • من نقل الإجماع: 1 - ابن قدامة (620 هـ) قال: [ولنا ما روي أن عمر -رضي اللَّه عنه- كتب إلى سعد، لما بلغه أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة، أن انقل المسجد الذي بالتمارين، واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصل، وكان هذا بمشهد من الصحابة، ولم يظهر خلافه، فكان إجماعًا] (¬3). 2 - ابن الهمام (861 هـ) قال: [وفي زيادات أبي بكر بن حامد: أجمع العلماء على جواز بيع بناء الوقف وحصيره إذا استغنوا عنه] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن تيمية (¬5). قال الدردير: (ورجع الوقف في التحبيس على كقنطرة ومسجد ومدرسة خربت ولم يرج عودها في مثلها، حقيقة إن أمكن، فيصرف في قنطرة أخرى ¬
أو مسجد آخر أو مدرسة أخرى، فإن لم يمكن ففي مثلها نوعًا، أي في قربة، ومن ذلك مدارس مصر ومساجدها التي كانت بالقرافة) (¬1). قال الخطيب الشربيني: (والأصح جواز بيع حصر المسجد الموقوفة إذا بليت وجذوعه إذا انكسرت أو أشرفت على ذلك ولم تصلح إلا للإحراق لئلا تضيع ويضيق المكان بها من غير فائدة، فتحصيل نذر يسير من ثمنها يعود إلى الوقف أولى من ضياعها، ولا تدخل بذلك تحت بيع الوقف، لأنها صارت في حكم المعدومة، وعلى هذا يصرف ثمنها في مصالح المسجد. . . ولو انهدم مسجد وتعذرت إعادته لم يبع بحال) (¬2). قال ابن تيمية: (وإذا خرب مكان موقوف فتعطل نفعه بيع وصرف ثمنه في نظيره، أو نقلت إلى نظيره، وكذلك إذا خرب بعض الأماكن الموقوف عليها -كمسجد ونحوه- على وجه يتعذر عمارته، فإنه يصرف ريع الوقف عليه إلى غيره، وما فضل من ريع وقف عن مصلحته صرف في نظيره، أو مصلحة المسلمين من أهل ناحيته، ولم يحبس المال دائمًا بلا فائدة، وقد كان عمر بن الخطاب كل عام يقسم كسوة الكعبة بين الحجيج، ونظير كسوة الكعبة المسجد المستغنى عنه من الحصر ونحوها، وأمر بتحويل مسجد الكوفة من مكان إلى مكان حتى صار موضع الأول سوقًا) (¬3). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: لأنه لا يجوز وقف ما لا نفع فيه ابتداء؛ فلا يجوز استدامة وقفه، والقاعدة أن ما كان شرطا لابتداء الوقف كان شرطًا لاستدامته؛ كالمالية (¬4). الثاني: أن ما لا يرجى نفعه يكون بيعه أولى من تركه (¬5) ¬
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية في الأصح عندهم (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، فذهبوا إلى منع بيعها. • ودليلهم: واحتجوا لما ذهبوا إليه بما يلي: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يباع أصلها ولا تبتاع ولا توهب ولا تورث) (¬5) • وجه الاستدلال: نهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الوقف من غير تفريق بين تعطله من عدمه. الثاني: بقاء أحباس السلف دائرة ولم تبع، فلو كان بيعها جائزا ما أغفله من مضى (¬6). الثالث: لأنه يمكن الانتفاع به وإن خرب، كصلاة واعتكاف في أرض المسجد، وطبخ جص وآجر له بحصره وجذوعه (¬7).Rعدم صحة الإجماع في جواز بيع الوقف إذا خرب وتعطلت منافعه وجعل ثمنه في مثله أو استبداله بآخر، وذلك لوجود الخلاف القوي (¬8). ¬
[69 - 11] جواز بيع الفرس الحبيس إذا تعطلت منافعها
[69 - 11] جواز بيع الفرس الحبيس إذا تعطلت منافعها • المراد بالمسألة: إذا كبرت الفرس الحبيس على الغزو في سبيل اللَّه أو ضعفت فلم تصلح للجهاد جاز بيعها. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [قال أبو بكر. . . لإجماعهم على جواز بيع الفرس الحبيس يعني الموقوفة على الغزو إذا كبرت، فلم تصلح للغزو، وأمكن الانتفاع بها في شيء آخر، مثل أن تدور في الرحى، أو يحمل عليها تراب، أو تكون الرغبة في نتاجها، أو حصانًا يتخذ للطراق، فإنه يجوز بيعها، ويشترى بثمنها ما يصلح للغزو. نص عليه أحمد] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن تيمية (¬5). قال الكاساني: (ولا يجوز وقف الكراع والسلاح في سبيل اللَّه تعالى ¬
عند أبي حنيفة لأنه منقول وما جرت العادة به، وعند أبي يوسف ومحمد يجوز، ويجوز عندهما بيع ما هرم منها أو صار بحال لا ينتفع به، فيباع ويرد ثمنه في مثله) (¬1). قال ابن الهمام: (وفي الخلاصة قال محمد في الفرس إذا جعله حبيسا في سبيل اللَّه فصار بحيث لا يستطاع أن يركب يباع ويصرف ثمنه إلى صاحبه أو ورثته كما في المسجد وإن لم يعلم صاحبه يشتري بثمنه فرس آخر يغزى عليه). فالأحناف يرون جواز بيع الوقف إذا خرب فيدخل فيه بيع الفرس الحبيس فإنهم لم يفرقوا في جواز بيع الوقف بين العقار والمنقول) (¬2). قال القرافي: (في الكتاب ما بلي من الثياب حتى لا ينتفع به أو ضعف من الدواب بيع واشترى بثمن الدواب فرس أو برذون أو هجين، فإن لم يبلغ أعين به في فرس، وكذلك الفرس يكلب أو يخبث يباع ويشترى به فرس) (¬3). قال الرملي: (لو وقف فرس على الغزو فكبر ولم يصلح حيث جاز بيعه) (¬4). قال ابن تيمية: (كالفرس الحبيس الذي يباع ويشترى بقيمته ما يقوم مقامه إذا كان محبوسًا على ناس ببعض الثغور، ثم انتقلوا إلى ثغرٍ آخر، فشراء البدل بالثغر الذي هو فيه مضمون أولى من شرائه بثغر آخر، وإن كان الفرس حبيسًا على جميع المسلمين فهو بمنزلة الوقف على جهة عامة كالمساجد والوقف على المساكين) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: ما مر من أدلة على جواز بيع الوقف عموما إذا تعطلت منافعه. ¬
[70 - 12] يجوز وقف المشاع
الثاني: عدم إمكان الانتفاع به حالًا (¬1).Rصحة الإجماع في جواز بيع الفرس الحبيس إذا تعطلت منافعها. [70 - 12] يجوز وقف المشاع • المراد بالمسألة: أن من أراد أن يوقف جزءًا مشاعًا من عين له؛ كنصف، أو سهم من عين، مما يحتمل القسمة صح وقفه بالجملة. • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أن وقف المشاع جائز] (¬2). • الموافقون على الاتفاق: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6). قال ابن حزم: (وهو جائز في المشاع وغير المشاع فيما ينقسم وفيما لا ينقسم) (¬7). قال الشيرازي: (وما جاز وقفه جاز وقف جزء منه مشاع، لأن عمر -رضي اللَّه عنه- وقف مائة سهم من خيبر بإذن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لأن القصد بالوقف حبس الأصل وتسبيل المنفعة، والمشاع كالمقسوم في ذلك) (¬8). قال السرخسي: (ولو وقف نصف أرض أو نصف دار مشاعًا على الفقراء فذلك جائز في قول أبي يوسف) (¬9). قال القرافي: (في الجواهر يصح وقف الشائع) (¬10). ¬
• مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: حديث عمر -رضي اللَّه عنه- في وقفه مائة سهم بخيبر (¬1). • وجه الاستدلال: أن وقف عمر -رضي اللَّه عنه- كان مشاعًا غير مقسوم، وكان ذلك بإقرار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: لما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة أمر ببناء المسجد، وقال: (يا بني النجار ثامنوني حائطكم هذا، فقالوا لا واللَّه لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه سبحانه وتعالى) (¬3) • وجه الاستدلال: أن وقف بني النجار من الأنصار كان مشاعًا وقد أقرهم عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولو كان غير جائز ما أقرهم عليه (¬4). الثالث: ولأنه عقد يجوز على بعض الجملة مفرزًا فجاز عليه مشاعًا؛ كالبيع. الرابع: أنه لا ينافي مقصود الوقف الذي هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وهذا يحصل في المشاع كحصوله في المفرز (¬5). الخامس: القياس على العتق: فإن العبد يعتق جزؤه مشاعا ويجوز ذلك (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: محمد بن الحسن الشيباني في المشاع الذي يقبل القسمة، فذهب إلى أنه لا يصح وقفه (¬7). ¬
[71 - 13] وقف ما لا يحتمل القسمة
• دليله: ووجه ما ذهب إليه ما يلي: الأول: بناء على أصلهم فى الامتناع من إجارة المشاع. الثاني: هو أن كل جزء من المشترك محكوم عليه بالمملوكية للشريكين، فيلزم منع وقف أحد الشريكين أن يحكم عليه بحكمين مختلفين متضادين، مثل صحة البيع بالنسبة إلى كونه مملوكًا وعدم الصحة إلى كونه موقوفًا، فيتصف كل جزء بالصحة وعدمها (¬1).Rصحة الإجماع في جواز وقف المشاع. وأما ما ذهب إليه محمد بن الحسن الشيباني فالجواب عنه من وجهين: الأول: أنه رأي ضعيف لم يوافقه فقهاء الحنفية (¬2). الثاني: اعتذر له بعض فقهاء الشافعية بأنه أراد ما يمكن قسمته (¬3). [71 - 13] وقف ما لا يحتمل القسمة • المراد بالمسألة: لو وقف عينًا مشاعة لا تحتمل القسمة، بحيث لو طلب الشريك القسمة لم يجبر الواقف عليها لعدم قبولها للقسمة؛ كالمقبرة والبئر، فإن ذلك لا يمنع صحة الوقف، بل هو صحيح لازم (¬4). ¬
• من نقل الاتفاق: ابن عابدين (1252 هـ) قال: [وأبو يوسف لما لم يشترط التسليم أجاز وقف المشاع، والخلاف فيما يقبل القسمة، أما ما لا يقبلها كالحمام والبئر والوحى فيجوز اتفاقًا؛ إلا في المسجد والمقبرة] (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق: المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم من الظاهرية (¬5)، والشوكاني (¬6). قال الماوردي: (وقف المشاع يجوز) (¬7). قال ابن حزم: (وهو جائز في المشاع وغير المشاع فيما ينقسم وفيما لا ينقسم) (¬8). قال المرداوى: (ويصح وقف المشاع، هذا المذهب) (¬9). قال الحطاب: (وسأل ابن حبيب ابن الماجشون عمن له شرك في دور ونخل مع قوم، فتصدق بحصته من ذلك على أولاده أو غيرهم صدقة محبسة، ومنها ما ينقسم ومنها ما لا ينقسم ومن الشركاء من يريد القسم، قال: يقسم بينهم ما انقسم، فما أصاب المتصدق منها فهو على التحبيس، وما لا ينقسم بيع، فما أصاب المتصدق من الثمن في حصته اشترى به ما يكون صدقة محبسة في مثل ما سبلها فيه المتصدق) (¬10). قال الشوكاني: (وهذا ظاهر في جواز وقف المشاع) (¬11). ¬
[72 - 14] يجب أن يكون الوقف دائما
• مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع إلى ما سبق من أدلة في جواز وقف المشاع، فإنه يستدل بها هنا، حيث إن من أجاز وقف المشاع، أطلق من غير تفريق بين ما ينقسم وما لا ينقسم. واللَّه أعلم. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: اللخمي من المالكية (¬1)، فذهب إلى عدم صحة وقف المشاع الذي لا يحتمل القسمة. • دليله: نفي الضرر عن الشريك؛ لأن الشريك لا يقدر على بيع جميعها، وإن فسد فيها شيء لم يجد من يصلحه معه (¬2).Rصحة الإجماع في جواز وقف المشاع الذي لا يقبل القسمة، وذلك لضعف الخلاف الوارد فيه (¬3). [72 - 14] يجب أن يكون الوقف دائمًا • المراد بالمسألة: من شروط صحة الوقف أن يكون دائمًا بدوام الموقوف، فلا يجوز تأقيته بمدة معينة. • من نقل الإجماع: المرغيناني (593 هـ) قال: [أن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك وأنه تأبيد كالعتق. . وقيل: إن التأبيد شرط بالإجماع] (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). قال الماوردي: (حكم الوقف أن يكون مؤبدًا، والمنقطع غير مؤبد فلم يصر وقفًا) (¬3). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وإذا شرط أن يبيعه أو يهبه أو يرجع فيه، بطل الوقف والشرط) (¬4). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: أن معنى الوقف: تحبيس الأصل يقتضي عدم الرجوع، والتوقيت يقتضي الرجوع فيكون منافيًا له. الثاني: القياس على العتق، فإنه إزالة الملك لا إلى أحد، فلم يجز توقيته؛ فكذا الوقف (¬5). الثالث: أنه إخراج مال على سبيل القربة، فلم يجز إلى مدة كالصدقة والعتق (¬6) • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬7) وأبو يوسف من ¬
[73 - 15] يلزم الوقف بالفعل أو القول ولا يحتاج إلى حاكم
الحنفية في رواية (¬1) وابن سريج من الشافعية (¬2) فذهبوا إلى جواز شرط تأقيته. • دليلهم: لم أقف على مستند للمخالفين، لكن يمكن أن يستدل لهم بمثل ما استدل به القرافي في الذخيرة لجواز اشتراط الوقف على مذهب معين بأن يقال: (إن الأصل في الأموال العصمة فلا تصرف إلا بإذن صاحبها فإذا وقت مدة لخروجها فله ذلك ويلزم شرطه) (¬3).Rعدم صحة الإجماع في وجوب تأقيت الوقف، وذلك لوجود الخلاف عند المالكية، وأيضًا في وجه عند الشافعية بأنه لا يشترط التأبيد لصحة الوقف. [73 - 15] يلزم الوقف بالفعل أو القول ولا يحتاج إلى حاكم • المراد بالمسألة: أن الواقف بمجرد وقفه يكون الوقف لازمًا، ونافذًا، فليس من شرطه لزوم القبض، ولا يحتاج إلى حكم حاكم، وإنما بمجرد وقف المرء بالقول أو الفعل يأخذ أحكامه. • من نقل الإجماع: 1 - ابن قدامة (620 هـ) قال: [. . فلم يلزم بمجرد القول كالصدقة وهذا القول يخالف السنة الثابتة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وإجماع الصحابة] (¬4). 2 - القرافي (684 هـ) قال: [وثانيها اجماع الصحابة -رضوان اللَّه عليهم- قال جابر بن عبد اللَّه: لم يكن أحد من الصحابة رضوان اللَّه عليهم له مقدرة إلا وقف وقفًا، وكتبوا في ذلك كتبًا، ومنعوا فيها من البيع والهبة، وأوقافهم مشهورة بالحرمين بشروطها وأحوالها ينقلها خلفهم عن سلفهم، فهم بين واقف وموافق فكان إجماعًا] (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية (¬1)، ابن حزم من الظاهرية (¬2). قال الماوردي: (فإذا وقف شيئًا زال ملكه عنه بنفس الوقف ولزم الوقف، فلا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك ولا التصرف فيه ببيع ولا هبة، ولا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه، وليس من شرطه لزوم القبض ولا حكم الحاكم وهو قول الفقهاء أجمع) (¬3). قال ابن حزم رحمه اللَّه: (والتحبيس وهو الوقف جائز في الأصول من الدور والأرضين بما فيها من الغراس والبناء إن كانت فيها وفي الأرحاء وفي المصاحف والدفاتر ويجوز أيضًا في العبيد والسلاح والخيل في سبيل اللَّه عز وجل في الجهاد فقط لا في غير ذلك) (¬4). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: أصبت أرضًا من أرض خيبر فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: أصبت أرضًا لم أصب مالًا أحب إلي ولا أنفس عندي منها، قال: (إن شئت تصدقت بها، فتصدق بها على أن لا تباع ولا توهب في الفقراء وذي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف غير متمول مالًا ويطعم) (¬5). • وجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- جعل أرضه صدقة موقوفة، ثم ذكر أحكامها فدل ذلك على أن هذه الأحكام تتعلق بها إذا صارت وقفًا وإن لم يحكم حاكم (¬6). الثاني: القياس على الوصية فإنها تلزم من غير حكم حاكم، فكذلك ¬
يلزم الوقف حال الحياة من غير حكم حاكم (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: أبو حنيفة (¬2)، ورواية عن الإمام أحمد (¬3)، فذهبوا إلى أن الوقف إنما يلزم بحكم حاكم، أو بوصية. • دليلهم: ووجه ما ذهب إليه: أن الوقف جائز غير لازم، وأنه تبرع بمال لم يخرجه عن المالية، فلم يلزم بمجرد اللفظ؛ كالهبة والوصية، فلا بد من حاكم (¬4). ¬
[74 - 16] لا يجوز تعليق إنشاء الوقف على شرط في الحياة
ويرى أبو حنيفة أن الوقف إنما يلزم عنده باحد أمرين: الأول: أن يحكم به القاضي. والثاني: أن يخرجه مخرج الوصية.Rصحة الإجماع في أن الوقف يلزم بمجرد القول أو الفعل، ولا يحتاج إلى حكم حاكم، لأن هذا إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- فإنه لم يعلم فيهم مخالف، وأما مخالفة أبي حنيفة، ورواية عن أحمد، فإنها مسوقة بالإجماع الصحيح عن الصحابة (¬1). [74 - 16] لا يجوز تعليق إنشاء الوقف على شرط في الحياة • المراد بالمسألة: ذكر الفقهاء من شروط صحة الوقف أن يكون منجزًا غير معلق على شرط؛ كحدوث شيء معين أو إلى زمان معين، فإن علقه على شيء غير الموت فلا يصح الوقف ولا يلزم بحصول الشرط. • من نقل الإجماع: 1 - ابن قدامة (620 هـ) قال: [ولا يجوز تعليق الوقف على شرط في الحياة، مثل أن يقول: إذا جاء رأس الشهر فداري وقف. . ولا نعلم في هذا خلاف] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، الحنابلة (¬5). ¬
فال الشيرازي: (ولا يصح تعليقه على شرط مستقبل، لأنه عقد يبطل بالجهالة فلم يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع، ولا يصح بشرط الخيار وبشرط أن يرجع فيه إذا شاء أو يبيعه إذا احتاج أو يدخل فيه من شاء أو يخرج منه من شاء لأنه إخراج مال على وجه القربة فلم يصح مع هذه الشروط كالصدقة) (¬1). قال السرخسي: (واشتراط الخيار في العتق باطل والعتق صحيح، وكذلك في المسجد اشتراط الخيار باطل واتخاذ المسجد صحيح، فكذلك في الوقف. . . وما يتعلق بالجائز من الشرط الفاسد فالفاسد من الشروط يبطله) (¬2). قال القرافي: (لو شرط في الوقف الخيار في الرجوع بطل شرطه ولزم الوقف، لأن الأصل في العقود اللزوم) (¬3). قال المرداوي: (أن يقف ناجزًا، فإن علقه على شرط لم يصح، هذا المذهب) (¬4). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: القياس على البيع، إذ في كل منهما نقل الملك فلم يصح التعليق فيهما بالشرط بل لابد أن يكون حالًا (¬5). الثاني: أنه عقد يبطل بالجهالة فلم يصح تعليقه بالشرط كالبيع (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬7)، وابن ¬
[75 - 17] الوقف بشرط الولاية على الوقف
تيمية (¬1). • دليلهم: القياس الصحيح على العتق، قالوا فإنه يجوز معلقًا على شرط فكذا الوقف فإن كلا منهما معروف بغير عوض (¬2).Rعدم صحة الإجماع في أنه لا يجوز تعليق إنشاء الوقف على شرط في الحياة. [75 - 17] الوقف بشرط الولاية على الوقف • المراد بالمسألة: أن الواقف لو جعل الولاية لنفسه على الوقف، بحيث قال: ومن شرطي أن أتولى النظارة على الوقف، صح الشرط والوقف. • من نقل الإجماع: 1 - الزيلعي (743 هـ) قال: [(جعل) الواقف (الولاية لنفسه جاز) بالإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الجويني: (ثم إذا شرط الواقف لنفسة حق التولي، فليس هو بمثابة ما لو أثبت لنفسه في الوقف حظًا ونصيبًا، وكل ذلك متفقًا عليه، والذي تمهد مذهب العلماء فيه قديمًا وحديثًا أن الواقف هو المتقرب إلى اللَّه تعالى بصدقته، فكان أولى بالقيام عليها من غيره، فإذا انضم إلى ما ذكرناه تصريح الواقف بشرط التولي لنفسه، لم يبق ريب في اختصاصه بالتولي) (¬6). ¬
قال ابن قدامة: (ولأن مصرف الوقف يتبع فيه شرط الواقف، فكذلك الناظر فيه، فإن جعل النظر لنفسه جاز، وإن جعله إلى غيره فهو له) (¬1). قال القرافي: (الولاية فيه لمن شرطه الحاكم، فإن لم يول ولاه الحاكم ضبطًا لمصلحة الوقف ولا يتولاه هو بنفسه، لأنه مناف للحوز، قال: ويجوز أن يشترطه لنفسه لأنه ماله يخرجه من يده كيف يشاء، فإن لم يشترط فالحاكم، وقال أحمد: له أن يشترط لنفسه لأن الحوز عندهما ليس شرطًا. . . لنا أن الحوز شرط كما تقدم والنظر لنفسه وإن شرط ذلك لنفسه في الحبس فكذلك -قاله ابن القاسم وأشهب-) (¬2). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لم يزالوا يلون أحباسهم، ينقل ذلك الجم الغفير عن مثله لا يختلفون فيه، وما جاز من غير شرط فمع الشرط أولى (¬3). الثاني: وشرط الواقف التولي لنفسه يؤخذ بما تمهد من كون الواقف أولى بتربية صدقته التي تقرب بها، فإنا لو حملنا التولي في حقه على إثباته حظًا لنفسه، وقعنا في وقف الرجل الشيء على نفسه، أو صرفه قسطًا من الريع إلى نفسه (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬5)، فذهبوا إلى منع مثل هذا الشرط. دليلهم: ووجه ما ذهبوا إليه: أن منع الوقف مع اشتراط الولاية والتصرف فيه سد لذريعة أن يصير كأنه وقف على نفسه، أو يطول العهد فينسى الوقف، أو يفلس الواقف فيتصرف فيه لنفسه، أو يموت فيتصرف فيه ورثته (¬6). ¬
[76 - 18] لا يجوز الوقف بشرط التصرف
Rعدم صحة الإجماع في صحة الوقف بشرط الولاية على الوقف، وذلك لوجود خلاف المالكية في المسألة (¬1). [76 - 18] لا يجوز الوقف بشرط التصرف • المراد بالمسألة: من وقف وقفًا واشترط أن يتصرف فيه متى شاء: بيعًا، وهبة، أو رجوعًا، فلا يصح الوقف ولا الشرط، وذلك لمخالفته حقيقة الوقف. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [وإن شرط أن يبيعه متى شاء، أو يهبه، أو يرجع فيه لم يصح الشرط، ولا الوقف، لا نعلم فيه خلافًا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال الشيرازي: (ولا يصح بشرط الخيار وبشرط أن يرجع فيه إذا شاء أو يبيعه إذا احتاج أو يدخل فيه من شاء أو يخرج منه من شاء لأنه إخراج مال على وجه القربة فلم يصح مع هذه الشروط كالصدقة) (¬6). قال السرخسي: (واشتراط الخيار في العتق باطل والعتق صحيح، وكذلك في المسجد اشتراط الخيار باطل واتخاذ المسجد صحيح، فكذلك في الوقف. . . وما يتعلق بالجائز من الشرط الفاسد فالفاسد من الشروط يبطله) (¬7). ¬
[77 - 19] منافع الوقف للموقوف عليه
قال القرافي: (لو شرط في الوقف الخيار في الرجوع بطل شرطه ولزم الوقف، لأن الأصل في العقود اللزوم) (¬1). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع إلى حديث عمر -رضي اللَّه عنه- وفيه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) وفي رواية: فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره) (¬2). • وجه الاستدلال: أن النبي لم يأذن له أن يتصرف فيه، وإنما أن يحبس أصله فدل على عدم جواز شرط الرجوع أو التصرف فيه بيعًا وهبة.Rصحة الإجماع في أنه لا يجوز الوقف بشرط التصرف (¬3). [77 - 19] منافع الوقف للموقوف عليه • المراد بالمسألة: أن من وقف شيئًا فقد صارت منافعه جميعها ملكًا للموقوف عليه، ولا يجوز لواقفه أن ينتفع منه بشيء؛ إلا بأمرين: الأول: أن يشترط ابتداء أن يأكل منه. والثاني: أن يكون قد وقف وقفًا عامًا للمسلمين، مثل المسجد أو المقبرة أو البئر فيدخل في هذا العموم. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [أن من وقف شيئًا وقفًا صحيحًا فقد صارت منافعه جميعها للموقوف عليه وزال عن الواقف ملكه وملك منافعه. . إلا أن يكون قد وقف شيئًا للمسلمين فيدخل في جملتهم. . فيكن كأحدهم لا نعلم في هذا كله خلافًا] (¬4) ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). قال الشيرازي: (ويملك الموقوف عليه غلة الوقف، فإن كان الموقوف شجرة ملك ثمرتها، وتجب عليه زكاتها، لأنه يملكها ملكًا تامًا فوجب زكاتها عليه) (¬4). قال ابن الهمام: (حبس العين على حكم ملك اللَّه تعالى فيزول ملك الواقف عنه إلى اللَّه تعالى على وجه تعود منفعته إلى العباد فيلزم ولا يباع ولا يوهب ولا يورث) (¬5). قال القرافي: (تأثير الوقف بطلان اختصاص الملك بالمنفعة ونقلها للموقوف عليه، وثبات أهلية التصرف في الرقبة بالإتلاف والنقل للغير والرقبة على ملك الواقف) (¬6). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: حديث عمر -رضي اللَّه عنه- وفيه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) وفي رواية: فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره) (¬7). • وجه الاستدلال: أن النبي لم يأذن له أن ينتفع به، فدل على عدم الجواز. الثاني: ولأن المقصود من الوقف تمليك غلته للموقوف عليه، فكان مقصورًا عليه. الثالث: فيما يخص الشرط المستثنى، ما ورد أن عثمان بن عفان سبل بئر رومة، وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين (¬8). ¬
[78 - 20] لو وقف على بنيه أو بني فلان وليسوا بقبيلة، اختص به الذكور دون الإناث
Rصحة الإجماع في أن منافع الوقف للموقوف عليه. وهذا بطبيعة الحال إذا كان الوقف خاصًا، أما إذا كان الوقف عامًا للمسلمين فيدخل معهم (¬1). [78 - 20] لو وقف على بنيه أو بني فلان وليسوا بقبيلة، اختص به الذكور دون الإناث • المراد بالمسألة: أن الواقف لو قال وقفت على بني فلان وليسوا بقبيلة، اختص الوقف بالذكور دون الإناث، لأن مدلول لفظة (بنون) يطلق على الذكور دون الإناث، أما لو قال أولاد فلان فيشمل الجنسين، وإنما دخلوا في الاسم إذا صاروا قبيلة لأن الاسم نقل فيهم عن الحقيقة إلى العرف ولهذا تقول المرأة أنا من بني فلان إذا انتسبت إلى القبيلة ولا تقول ذلك إذا انتسبت إلى أبيها (¬2). • من نقل الإجماع: المرداوي (885 هـ) قال: [قوله (وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة إلا أن يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم) إذا لم يكونوا قبيلة، وقال ذلك اختص به الذكور بلا نزاع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، وبعض المالكية (¬5)، وهو مذهب الشافعي (¬6). ¬
قال الماوردي: (وإذا كان الوقف على أولاده وأولاد أولاده دخل فيهم ولد البنين مع البنات) (¬1). وقال الماوردي: (ولو قال: وقفت هذه الدار على بني لم يشركهم بناته ولا الخناثى، ولو قال: على بناتي لم يشاركهم بنوه ولا الخناثى، ولو قال: على بني وبناتي، دخل فيه الفريقان، وفي دخول الخناثى فيهم وجهان. . . ولو قال: وقفتها على بني فلان، فإن أشار إلى رجل لا إلى قبيلة اختص ذلك بالذكور دون الإناث، ولو أشار إلى قبيلة كقوله: على بني تميم ففي دخول البنات فيهم وجهان) (¬2). قال القرافي: (لفظ البنين نحو: على بني أو على بني بني فكالوالد والعقب على القول بأن لفظ جميع المذكر يدخل فيه المؤنث، وإلا فالذكران من بنيه وبني بنيه دون الإناث. . . وفي الجواهر: البنون يتناول عند مالك الولد وولد الولد ذكورهم وإناثهم -فإن قال على بنيه وبني بنيه قال مالك: يدخل بناته وبنات بنيه) (¬3). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)} [الصافات: 153]. • وجه الاستدلال: أن فيه التفريق بين البنات والبنين، فدل على أن لفظة البنين تختص بالذكور دون الإناث. الثاني: قوله سبحانه وتعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمران: 14]. • وجه الاستدلال: أن اللَّه سبحانه وتعالى فرق بين الذكور والإناث، وجعل لفظة البنين خاصة بالذكور في مقابل لفظة النساء أو الإناث. الثالث: أن لفظ البنين وضع للذكور حقيقة (¬4). ¬
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية في رواية (¬1)، والمالكية في قول (¬2). • دليلهم: ووجه ما ذهبوا إليه ما يلي: الأول: أن لفظة: بني، وبني بني، يراد بها: أولادي وأولاد أولادي فكما يدخل فيه الذكور والإناث فكذلك بني وبني بني (¬3) وأن جمع الذكور عند الاختلاط يشمل الإناث. الثاني: أن للعرف سلطان في الأحكام. الثالث: قال الماوردي: والدليل على أن أولاد بناته هم خير أولاد أولاده، هو أن البنات لما كن من أولاده، كان أولادهن أولاد أولاده، وقد روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال في الحسن: (إن ابني هذا سيد، فسماه ابنًا) (¬4).Rعدم صحة الإجماع في أن من وقف على بني فلان اختص به ذكورهم دون إناثهم، وذلك لوجود الخلاف السائغ (¬5). وأما ما حكاه ابن قدامة والمرداوي فالذي يظهر أنهما قصدا أنه لا نزاع فيه عند الحنابلة، ويشهد لذلك أن المرداوي حكى عدم النزاع في الإنصاف، وهو مختص ببيان الأقوال في المذهب الحنبلي دون التعرض لغيره من المذاهب غالبًا. ¬
[79 - 21] يصح تعليق الواقف الوقف على موته
[79 - 21] يصح تعليق الواقفُ الوقفَ على موته • المراد بالمسألة: لو قال الواقف هذه الأرض أو الدار وقف بعد موتي صح الوقف ويكون بمنزلة الوصية، ويستثنى ذلك من منع تعليق الوقف على شرط عند من يمنعه. • من نقل الإجماع: 1 - الكاساني (587 هـ) قال: [لا خلاف في جوازه في حق زوال ملك الرقبة إذا. . أضافه إلى ما بعد الموت] (¬1). 2 - قال ابن قدامة (620 هـ): [وجملته أن الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصية. . ولأنه اشتهر في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعًا] (¬2). ونقله بلفظه شمس الدين بن قدامة (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية (¬4)، وابن تيمية (¬5). قال ابن تيمية: (يجوز أن يبيعها في الدين الذي عليه، وإن كان التعليق صحيحًا كما هو أحد قولي العلماء، وليس هذا بأبلغ من التدبير، وقد ثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه باع المدبر في الدين) (¬6). قال الخطيب الشربيني: (ومحله أيضًا ما لم يعلقه بالموت، فإن علقه به كقوله: وقفت داري بعد موتي على الفقراء، فإنه يصح) (¬7). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: ¬
الأول: ما جاء في كتاب وقف عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: (هذا ما أوصى به عبد اللَّه عمر، أمير المؤمنين، إن حدث به حدث أن ثمغًا، وصرمة بن الأكوع، والعبد الذي فيه، والمائة السهم الذي بخيبر، ورقيقه الذي فيه، والمائة التي أطعمه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بالوادي: تليه حفصة ما عاشت. ثم يليه ذو الرأى من أهلها. أن لا يباع، ولا يشترى، ينفقه حيث رأى، من السائل، والمحروم، وذي القربى. ولا حرج على من وليه إن أكل، أو آكل، أو اشترى رقيقًا منه) (¬1). فقد علق عمر -رضي اللَّه عنه- وقفه بموته، وقد كان وقفه بأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). الثاني: القياس على الهبة والصدقة المطلقة فإنهما تبرعان يصح تعليقهما بالموت، وكذلك الوقف (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنابلة في وجه (¬4)، فذهبوا إلى عدم جواز تعليق الوقف بموت الواقف. • دليلهم: ووجه ما ذهبوا إليه: أنه تعليق للوقف على شرط فلم يصح كتعليقه على شرط في الحياة (¬5).Rصحة الإجماع في جواز تعليق الواقف الوقف علي موته. وأما الخلاف فضعيف، لا يخرم الإجماع القوي الثابت (¬6). ¬
[80 - 22] الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصية
[80 - 22] الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصية • المراد بالمسألة: لو وقف في مرض موته فإن كان بمقدار ثلث ماله ينفذ الوقف من دون الوقوف على إجازة الورثة، فإن زاد على الثلث نفذ في الثلث ووقف الزائد على إجازة الورثة كالوصية. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ): [أن الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصية في اعتباره من ثلث المال. . ولا نعلم في هذا خلافًا عند القائلين بلزوم الوقف] (¬1) • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). قال الماوردي: (فأما الذي يكون بعد الوفاة فهو الوصية. . . وأما اللذان في حال الحياة فهما الهبة والوقف) (¬5). قال السرخسي: (قال أبو حنيفة: لو أوصى به بعد موته يكون لازمًا بمنزلة الوصية بالمنفعة بعد الموت، والصحيح أن ما باشره في المرض بمنزلة ما لو باشره في الصحة في أنه لا يتعلق به اللزوم ولا يمتنع الإرث بمنزلة العارية إلا أن يقول في حياتي وبعد موتي فحينئذ يلزم إذا كان مؤبدًا وصار الأبد فيه كعمر الموصى له بالخدمة في لزوم الوصية بعد الموت) (¬6). قال القرافي: (يمتنع على الوارث في مرض الموت، لأنه وصية لوارث، فإن شرك بينه وبين معينين ليسوا وارثين بطل نصيب الوارث خاصة، لقيام المانع في حقه خاصة، فإن شرك معه غير معين أو معين مع التعقيب أو المرجع، فنصيب غير الوارث حبس عليه، فإن كانوا جماعة فهو بينهم، وما ¬
[81 - 23] يصح الوقف بالقبول ولا يلزم القبض فيه
خص الوارث فبين الورثة جميع الورثة على الفرائض، إلا أنه موقوف بأيديهم ما دام المحبس عليهم من الورثة أحياء) (¬1). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وصى فكان في وصيته: (هذا ما أوصى به عبد اللَّه عمر -رضي اللَّه عنه- أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغًا صدقة. .) (¬2). • وجه الاستدلال: قال ابن قدامة: (ووقفه هذا كان بأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه اشتهر في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعًا) (¬3). الثاني: ولأن هذا تبرع معلق بالموت فصح؛ كالهبة والصدقة المطلقة. الثالث: ولأن تصرفات المريض مرض الموت في حكم المضاف لما بعد الموت، فيعتبر من ثلث ماله.Rصحة الإجماع في أن الوقف في مرض الموت كالوصية، وذلك لعدم المخالف (¬4). [81 - 23] يصح الوقف بالقبول ولا يلزم القبض فيه • المراد بالمسألة: أن الوقف يصح ويلزم بقبول الموقوف عليه ولو لم يقبضه، أو يسلمه الواقف إلى المتولي، بحيث لو مات الواقف قبل قبض الوقف فإن ورثته لا يرثون من الوقف شيئًا، لأنه خرج عن ملك مورثهم. ¬
• من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) قال: [ولقد حفظنا الصدقات عن عدد كثير من المهاجرين والأنصار، لقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا ينقل ذلك العامة منهم عن العامة لا يختلفون فيه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنابلة (¬2)، وأبو يوسف القاضي (¬3). قال السرخسي: (أو قال هي لك وقف أو حبس فهو باطل أيضًا إلا على قول أبي يوسف فإنه يقول: يكون تمليكًا منه يتم بالتسليم إليه بقوله: لك) (¬4). قال ابن الهمام: (وقال أبو يوسف: يزول ملكه بمجرد القول) (¬5). قال المرداوي: (ولا يشترط إخراج الوقف عن يده في إحدى الروايتين، وهو المذهب وعليه الجمهور) (¬6). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: أصبت أرضًا من أرض خيبر فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: أصبت أرضًا لم أصب مالًا أحب إلي ولا أنفس عندي منها، قال: (إن شئت تصدقت بها فتصدق بها على أن لا تباع ولا توهب في الفقراء وذي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف غير متمول مالًا ويطعم) (¬7) • وجه الاستدلال: قال الإمام الشافعي: (لم يكن فيما أمر به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عمر إذا حبس أصلها وسبل ثمرتها أن يخرجها إلى أحد يحوزها دونه، ولم يأمره أن يخرجه من ملكه إلى غيره إذا حبسه وقد كانت أول الصدقات ¬
في الإسلام، لا مثال لها قبله، وقد علمها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عمر -رضي اللَّه عنه-، فهذا دليل على أنه رأى ما صنع جائزًا) ا. هـ (¬1). الثاني: القياس على العتق فإنه إسقاط ملك فلم يشترط فيه القبض (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬3)، ومحمد بن الحسن (¬4) ورواية عن أحمد (¬5). فذهبوا إلى أن من شروط صحة الوقف هو القبض. • دليلهم: ووجه ما ذهبوا إليه ما يلي: الأول: أن الوقف حق للَّه سبحانه وتعالى وإنما يثبت فيه في ضمن التسليم إلى العبد، لأن التمليك من اللَّه سبحانه وتعالى وهو مالك الأشياء لا يتحقق مقصودًا، وقد يكون تبعًا لغيره، فيأخذ حكمه فينزل منزلة الزكاة والصدقة (¬6). الثاني: ولأنه تبرع، فلم يلزم بمجرده كالهبة والوصية، فلا بد من القبض (¬7).Rصحة الإجماع في أن الوقف يصح بالقبول ولا يلزم القبض فيه. وأما الخلاف في المسألة فحادث بعد إجماع الصحابة. ¬
[82 - 24] يجوز انتفاع الواقف بالوقف العام
[82 - 24] يجوز انتفاع الواقف بالوقف العام • المراد بالمسألة: أن كل من وقف شيئًا يعم المسلمين كالمسجد والمقبرة والسقاية، جاز له أن ينتفع بوقفه، فيصلي في المسجد، وله الشرب ونحوه من السقاية، وما كان في معنى هذه الوقوف فكذلك. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): [من وقف وقفًا صحيحًا فقد صارت منافعه للموقوف عليه، وزال عن الواقف ملكه وملك منافعه، فلم يجز أن ينتفع بشيء منها، إلا أن يكون قد وقف شيئًا للمسلمين فيدخل في جملتهم. . لا نعلم في هذا كله خلافًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). قال الشيرازي: (ولا يجوز أن يقف على نفسه ولا أن يشترط لنفسه منه شيئًا، وقال أبو عبد اللَّه الزبيدي يجوز لأن عثمان -رضي اللَّه عنه- وقف بئر رومة وقال: دلوي فيها كدلاء المسلمين، وهذا خطأ لأن الوقف يقتضي حبس العين وتمليك المنفعة، والعين محبوسة عليه ومنفعتها مملوكة له فلم يكن للوقف معنى، ويخالف وقف عثمان -رضي اللَّه عنه- لأن ذلك وقف عام، ويجوز أن يدخل في العام ما لا يدخل في الخاص، والدليل عليه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي في المساجد وهي وقف على المسلمين، وإن كان لا يجوز أن يخص بالصدقة، ولأن في الوقف العام يدخل فيه من غير شرط، ولا يدخل في الوقف الخاص فدل على الفرق بينهما) (¬5). قال ابن الهمام: (ولو جعل له واحدًا مؤذنًا وإمامًا فأذّن وأقام وصلى ¬
[83 - 25] لا ينتفع الواقف بالوقف الخاص
وحده صار مسجدًا بالاتفاق) (¬1). قال القرافي: (قال مالك: إذا حبس شيئًا في وجه، لا ينتفع به الواقف في ذلك الوجه لأنه رجوع في الموقوف وإن كان فيما جعل فيه، إلا أن ينوي ذلك حين الحبس) (¬2). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من يبتاع بئر رومة كفر اللَّه له) قال عثمان -رضي اللَّه عنه-: فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: قد ابتعت بئر رومة، قال: (فاجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك) (¬3). فهذا فيه إباحة انتفاع الواقف بما وقفه على عموم المسلمين. الثاني: أنه يدخل في العموم ما لا يدخل في الخصوص، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي في مساجد المسلمين، مع أنه لا يجوز أن يخص بالصدقة (¬4).Rصحة الإجماع في انتفاع الواقف بالوقف العام، كالمسجد وبئر الماء، وذلك لعدم وجود المخالف. واللَّه أعلم. [83 - 25] لا ينتفع الواقف بالوقف الخاص • المراد بالمسألة: أن من وقف على معين واحدًا كان أو جماعة؛ كأقاربه أو المساكين أو طلبة العلم، ولم يشترط لنفسه الانتفاع منه بشيء ولم يصر -هو- أهلًا للانتفاع بوقفه، فإنه لا يجوز له أن ينتفع بشيء من منافع الوقف. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [من وقف وقفًا صحيحًا فقد ¬
صارت منافعه للموقوف عليه، وزال عن الواقف ملكه وملك منافعه، فلم يجز أن ينتفع بشيء منها. . لا نعلم في هذا خلافًا] (¬1) 2 - ابن الهمام (1252 هـ) قال: [الإجماع على أن الواقف إذا لم يشترط لنفسه الأكل منها (الصدقة الموقوفة) لا يحل له أن يأكل منها] (¬2). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬3)، والشافعية (¬4). قال القرافي: (قال مالك: إذا حبس شيئًا في وجه، لا ينتفع به الواقف في ذلك الوجه لأنه رجوع في الموقوف وإن كان فيما جعل فيه، إلا أن ينوي ذلك حين الحبس) (¬5). قال الرملي: (ومنه أن يشترط نحو قضاء دينه مما وقفه، أو انتفاعه به، أو شربه منه، أو مطالعته في الكتاب، أو طبخه في القدر، أو استعماله من بئر أو كوز وقف ذلك على نحو الفقراء، فيبطل الوقف بذلك خلافًا لما وقع لبعض الشراح هنا، وكأنه توهم جواز ذلك من قول عثمان في وقفه لبئر رومة دلوي فيها كدلاء المسلمين وليس بصحيح، فقد أجابوا عنه بأنه لم يقل ذلك على سبيل الشرط بل الإخبار بأن للواقف الانتفاع بوقفه العام كالصلاة بمسجد وقفه، والشرب من بئر وقفها) (¬6). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الوقف يقتضي حبس العين وتمليك المنفعة، فلا يجوز أن تكون العين محبوسة عنه ومنفعتها مملوكة له، فإنه لا يكون للوقف معنى مثل هذه الصورة (¬7). الثانى: أن هذا يقود إلى تهالك الناس على الوقف الخاص على ¬
[84 - 26] التصرف بفضل أثاث المسجد لمسجد آخر
أنفسهم، وترك المحتاجين من الفقراء ومن في حكمهم.Rصحة الإجماع في عدم جواز انتفاع الواقف بالوقف الخاص، وذلك لعدم المخالف (¬1). [84 - 26] التصرف بفضل أثاث المسجد لمسجد آخر • المراد بالمسألة: أن ما فضل عن حاجة المسجد من نحو حصره وزيته، أو ما فضل من قصبه ونقضه شيء فإنه يصرف إلى مسجد آخر. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [(وما فضل من حصر المسجد وزيته جاز جعله في مسجد آخر) -وذكر أثر عائشة -رضي اللَّه عنها-. . قال: ولم ينكر فيكون إجماعًا] (¬2) • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وأبو يوسف من الحنفية (¬5)، وابن تيمية (¬6). قال السرخسي: (قال أبو يوسف: إذا تم زوال العين عن ملكه وصار خالصًا للَّه تعالى فلا يعود إلى ملكه بحال كما لو أعتق عبده، وهذا لأن القربة التي قصدها لم تنعدم بخراب ما حولها، فإن الناس في المساجد شرعًا سواء، فيصلي في هذا الموضع المسافرون ومارة الطريق وهكذا، يقول في الحصير والحشيش أنه لا يعود إلى ملكه ولكن يصرف إلى مسجد آخر ¬
بالقرب من ذلك المسجد) (¬1). قال ابن تيمية: (وإذا خرب مكان موقوف فتعطل نفعه بيع وصرف ثمنه في نظيره، أو نقلت إلى نظيره، وكذلك إذا خرب بعض الأماكن الموقوف عليها -كمسجد ونحوه- على وجه يتعذر عمارته، فإنه يصرف ريع الوقف عليه إلى غيره، وما فضل من ريع وقف عن مصلحته صرف في نظيره، أو مصلحة المسلمين من أهل ناحيته، ولم يحبس المال دائمًا بلا فائدة) (¬2). قال الرملي: (والأصح جواز بيع حصر المسجد إذا بليت وجذوعه إذا انكسرت أو أشرفت على الانكسار ولم تصلح إلا للإحراق لئلا تضيع فتحصيل يسير من ثمنها يعود على الوقف أولى من ضياعها، واستثنيت من بيع الوقف لصيرورتها كالمعدومة، ويصرف لمصالح المسجد ثمنها إن لم يمكن شراء حصير أو جذع به ومقابله أنها تبقى أبدا) (¬3). قال الدسوقي: (وإن حبس في شأن منفعة عامة كقنطرة ومدرسة ومسجد فخربت ولم يرج عودها صرف في مثلها حقيقة إن أمكن فينقل لمسجد آخر بدل الأول، وكذا ينقل القرآن أو العلم الذي رتب فيه لآخر أو لمدرسة أخرى فإن لم يمكن صرف في مثلها نوعًا أي في قرية أخرى، وإلا بأن رجي عودها وقف لها ليصرف في الترميم أو الاحداث أو غير ذلك مما يتعلق بالإصلاح) (¬4). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: روى الخلال، بإسناده عن علقمة، عن أمه، أن شيبة بن عثمان الحجبي، جاء إلى عائشة -رضي اللَّه عنها-، فقال: يا أم المؤمنين، إن ثياب الكعبة تكثر عليها، فننزعها، فنحفر لها آبارا فندفنها فيها، حتى لا تلبسها الحائض ¬
[85 - 27] جواز الوقف على الأقربين غير المحصورين
والجنب، قالت عائشة: بئس ما صنعت، ولم تصب، إن ثياب الكعبة إذا نزعت لم يضرها من لبسها من حائض أو جنب، ولكن لو بعتها، وجعلت ثمنها في سبيل اللَّه والمساكين، فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن، فتباع، فيضع ثمنها حيث أمرته عائشة (¬1). الثاني: ولأنه مال اللَّه سبحانه وتعالى، لم يبق له مصرف، فصرف إلى المساكين، كالوقف المنقطع. مراعاة غرض الواقف ما أمكن تقتضي أن لا يبقى ما فضل من أثاث المسجد معطلًا، وتقتضي أن يصرف إلى مثل الوقف ما أمكن (¬2) • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: محمد بن الحسن الشيباني (¬3)، وقال: يعود إلى الواقف إن كان حيًا وإلى ورثته إن كان ميتًا.Rصحة الإجماع في أن التصرف بفضل أثاث المسجد يكون لمسجد آخر. وأما مخالفة محمد بن الحسن الشيباني فهي ضعيفة في مقابل الإجماع (¬4). [85 - 27] جواز الوقف على الأقربين غير المحصورين • المراد بالمسألة: يجوز الوقف على الأقربين وإن كانوا غير محصورين، وينتفعون جميعًا بالوقف حسب طبقات الذرية على شرط الواقف. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) قال: [. . وحَرَمَ الذرية الداخلين ¬
في الشرط فقد عصى اللَّه ورسوله وتعدى حدوده من وجوب أداء الوقف على ذرية الواقف؛ جائز باتفاق أئمة المسلمين المجوزين للوقف] (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم من الظاهرية (¬5). قال ابن حزم: (ومن حبس على عقبه وعلى عقب عقبه أو على زيد وعقبه فإنه يدخل في ذلك البنات والبنون ولا يدخل في ذلك بنو البنات إذا كانوا ممن لا يخرج بنسب آبائه إلى المحبس) (¬6). قال الشيرازي: (فإن قال: وقفت على أولادي دخل فيه الذكر والأنثى والخنثى، لأن الجميع أولاده، ولا يدخل فيه ولد الولد لأن ولده حقيقة ولده من صلبه، فإن كان له حمل لم يدخل فيه حتى ينفصل، فإذا انفصل استحق ما يحدث من الغلة بعد الانفصال دون ما كان حدث قبل الانفصال، لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولدًا. . . وإن وقف على أولاد أولاده دخل فيه أولاد البنين وأولاد البنات لأن الجميع أولاد أولاده، فإن قال على نسلي أو عقبي أو ذريتي دخل فيه أولاد البنين وأولاد البنات قربوا أو بعدوا لأن الجميع من نسله وعقبه وذريته. . . فإن وقف على عترته فقد قال ابن الأعرابي وثعلب: هم ذريته، وقال القتيبي: هم عشيرته) (¬7). قال ابن الهمام: (وفي وقف الخصاف إذا شرط أن ينفق على نفسه وولده وحشمه وعياله من غلة هذا الوقف فجاءت غلته فباعها وقبض ثمنها ثم مات قبل أن ينفق ذلك هل يكون ذلك لورثته أو لأهل الوقف؟ قال: يكون ¬
لورثته لأنه قد حصل ذلك وكان له، فقد عرف أن شرط بعض الغلة لا يلزم كونه بعضًا معينًا كالنصف والربع) (¬1). قال الدسوقي: (إن قال حبس على ولدي الذكور والإناث فمن مات فولده بمنزلته دخل ولد البنت إن ذكر. . . فإن ذكره بعد مدة لم يدخل عند مالك، واقتصر عليه في معين الحكام لتأخره عن تمام الوقف إلا أن يكون اشترط لنفسه الإدخال والإخراج والتغيير والتبديل، وذكر أنه أدخلهم، فإن قال: وقف على ابنتي وولدها دخل أولادها الذكور والإناث، فإن ماتوا كان لأولاد الذكور ذكورهم وإناثهم ولا شيء لابن بنت ذكر ولا لابن بنت أنثى) (¬2). • مستند الاتفاق: يستند هذا الاتفاق على عدة أدلة، منها: الأول: عن أبى هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصدقة، فقال رجل: يا رسول اللَّه عندي دينار. فقال: (تصدق به على نفسك). قال. عندي آخر، قال: (تصدق به على ولدك)، قال عندي آخر، قال: (تصدق به على زوجتك -أو قال: زوجك). قال: عندي آخر. قال: (تصدق به على خادمك)، قال: عندى آخر. قال: (أنت أبصر) (¬3). • ووجه الاستدلال: أن الوقف صدقة من الصدقات فيجوز للولد والذرية؛ كالصدقة. الثاني: أن هذا الأمر عليه عمل الصحابة والتابعين من قديم (¬4) ¬
[86 - 28] حكم التفاضل بين الموقوف عليهم
Rصحة الإجماع في جواز الوقف على الأقربين غير المحصورين، وذلك لعدم المخالف (¬1). [86 - 28] حكم التفاضل بين الموقوف عليهم • المراد بالمسألة: أن للواقف أن يفضل بعض الموقوف عليهم على بعض، كما لو جعل للكبير ضعف ما للصغير، أو لحافظ القرآن كله، على من يحفظ بعضه، أو للذكر سهمين، وللأنثى سهمًا. . وهكذا. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [إذا فضل بعضهم على بعض فهو على ما قال، فلو قال: وقفت على أولادي وأولاد أولادي على أن للذكر سهمين وللأنثى سهمًا. . فهو على ما قال. . وكل هذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافًا] (¬2) • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال الماوردي: (أعلم أن الوقف عملية يُرجع فيها إلى شرط الواقف، فإذا وقف على أولاده وكانوا موجودين ثم على الفقراء صح الوقف إذ كان في الصحة، وبطل على أولاده إن كان في مرض الموت لأنهم ورثة وفي بطلانه على الفقراء قولان، ثم إذا كان الواقف على أولاده في الصحة فأمضياه دخل فيهم الذكور والإناث والخناثي، لأنه كلهم أولاده، فإن فضل ¬
الذكور على الإناث أو فضل الإناث على الذكور حملوا على تفضيله، وهكذا لو فضل الصغار على الكبار، أو الكبار على الصغار، وإن أطلق سوى بينهم) (¬1). قال السرخسي: (فإن جعل الرأي في توزيع الغلة على الفقراء أو القرابة في الزيادة والنقصان إلى القيم جاز ذلك لأن رأي القيم قائم مقام رأيه، وكان له في ذلك التفضيل عند الوقف رأيًا فيجوز أن يشترط ذلك في القيم بعده، وهذا لأن المصارف تتفاوت في الحاجة باختلاف الأوقات والأمكنة، فمقصوده أن تكون الغلة مصروفة إلى المحتاجين في كل وقت، وإنما يتحقق ذلك بالزيادة والنقصان بحسب حاجتهم، والصرف إلى البعض دون البعض إذا استغنى البعض عنه، فلهذا جوز له أن يجعل الرأي في ذلك إلى القيم) (¬2). قال القرافي: (إن علم بشرط الواقف في الصرف اتبع في المساواة والتفضيل، وإلا صرف بالسوية، لأنها الأصل) (¬3). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن هشام بن عروة، أن الزبير -رضي اللَّه عنه- جعل دُوره صدقة على بنيه (لا تباع ولا توهب، وأن للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة، ولا مضر بها، فإن استغنت بزوج فليس لها حق) (¬4). الثاني: ولأن ابتداء الوقف مفوض إليه، فكذلك تفضيله وترتيبه (¬5). ¬
[87 - 29] المساواة بين الذكر والأنثى إذا وقف على أولاد رجل وأولاد أولاده
• وجه الاستدلال من الآيتين: أن اللَّه سبحانه وتعالى، فرق بين الذكور والإناث، وجعل لفظة البنين خاصة بالذكور في مقابل لفظة النساء أو الإناث. الثالث: أن لفظ البنين وضع للذكور حقيقة (¬1).Rصحة الإجماع في جواز تفضيل الواقف بعض الموقوف عليهم على بعض، وذلك لعدم وجود المخالف. [87 - 29] المساواة بين الذكر والأنثى إذا وقف على أولاد رجل وأولاد أولاده • المراد بالمسألة: أن الواقف إذا وقف على أولاد رجل وأولاد أولاده يجب أن يكون الوقف بالتساوي بين الذكور والإناث. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [أنه إذا وقف على أولاد رجل، وأولاد أولاده، استوى فيه الذكر والأنثى؛ لأنه تشريك بينهم، وإطلاق التشريك يقتضي التسوية. . ولا أعلم في هذا خلافا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال الماوردي: (والثالث أن يطلق فيكون بينهم بالسوية، لأن الأصل التساوي في العطايا فلم يشترط التفاضل، فلو وقف وقفًا على ورثة زيد، وكان زيد حيًا فلا حق فيه لأحد منهم، لأن الحق لا يكون موروثًا، وإنما يسمي أهله ورثة عن طريق المجاز دون الحقيقة، وإذا كان كذلك صار هذا وقفًا على أصل معدوم فيكون على ما مضى، ولو كان زيدًا ميتًا كان ذلك وقفًا صحيحًا على ورثته ثم يكون على الأحوال الثلاث في التساوي والتفضيل) (¬6). ¬
[88 - 30] الوقف على البنات يختص بهن
قال الموصلي: (ولو قال على أولادي يدخل فيه البطون كلها لعموم اسم الأولاد، ولكن يقدم البطن الأول، فإذا انقرض فالثاني، ثم من بعدهم يشترك جميع البطون فيه على السواء قريبهم وبعيدهم) (¬1). قال الدردير: (ويستوي فيه الذكر والأنثى ولو شرط في أصل الوقف التفضيل) (¬2). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الواقف قد شرك بينهم، وإطلاق التشريك يقتضي التسوية. الثاني: القياس الصحيح، كما لو أقر لهم بشيء، وكولد الأم في الميراث حين شرك اللَّه تعالى بينهم فيه، فقال: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]، تساووا فيه، ولم يفضل بعضهم على بعض.Rصحة الإجماع في وجوب المساواة بين الذكر والأنثى إذا وقف على أولاد رجل وأولاد أولاده. [88 - 30] الوقف على البنات يختص بهن • المراد بالمسألة: أنه لو وقف على بناته أو بنات فلان اختص الوقف بالبنات دون غيرهن فلا يدخل فيه الذكور ولا الخناثى. • من نقل الإجماع: شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) قال: [إن وقف على بناته. . . دخل فيه البنات دون غيرهن ولا يدخل فيهن الخنثى المشكل لأنه لا يعلم كونه أنثى لا نعلم في ذلك خلافا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). ¬
[89 - 31] جواز وقف العقار
قال الماوردي: (ولو قال: وقفت هذه الدار على بني لم يشركهم بناته ولا الخناثي، ولو قال: على بناتي لم يشاركهم بنوه ولا الخناثي) (¬1). قال ابن الهمام: (وقف على ولده ثم للمساكين، فلولد صلبه يستوي فيه الذكر والأنثى إلا أن يخص صنفًا ما دام واحد منهم فالكل له) (¬2). قال القرافي: (وعن ابن القاسم: على بناته يدخل بنات بنيه يدخلون مع بنات صلبه) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن ألفاظ الجموع على أربعة أضرب، ومنها لفظ يختص بالنساء فقط، كلفظ النساء والبنات، فلا يتناول غير الإناث. (¬4) Rصحة الإجماع في أن الوقف على البنات يختص بهن. [89 - 31] جواز وقف العقار (¬5) • المراد بالمسألة: أنه يصح وقف الأراضي عمومًا، من عقار (¬6)، ومزارع، ودكاكين، غيرها مما هو نافع باتفاق أهل العلم. • من نقل الإجماع: 1 - الترمذي (279 هـ) قال: [والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافًا في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك] (¬7). ¬
2 - الشربيني (977 هـ) قال: [ويصح وقف عقار. . بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم من الظاهري (¬5)، وابن تيمية (¬6). قال ابن الهمام: (ويجوز وقف العقار وهو الأرض مبنية كانت أو غير مبنية، ويدخل البناء في وقف الأرض تبعًا فيكون وقفًا معها) (¬7). قال القرافي: (قال اللخمي: الحبس ثلاثة أقسام: الأول: الأرض ونحوها، فالديار والحوانيت والحوائط والمساجد والمصانع والآبار والقناطر والمقابر والطرق فيجوز. . .) (¬8). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عم -رضي اللَّه عنهما- قال: (أصاب عمر -رضي اللَّه عنه- أرضًا بخيبر فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أصبت أرضًا لم أصب مالًا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. .) (¬9) فهذا عمر -رضي اللَّه عنه- قد وقف العقار بأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وإقراره له فدل على جوازه. الثاني: قد وقف جماعة من الصحابة (¬10) الدور والأرضيين، وهذه صفة العقار. ¬
[90 - 32] جواز وقف الأرض مسجدا
الثالث: ولأنه عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها وتأبيدها (¬1).Rصحة الإجماع في جواز وقف العقار (¬2). [90 - 32] جواز وقف الأرض مسجدًا • المراد بالمسألة: إذا وقف أرضًا ليبني عليها مسجدًا صح الوقف وانعقد، ولو قبل البناء، فتكون الأرض والمسجد وقفًا. • من نقل الإجماع: 1 - ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا على جواز إيقاف أرض لبناء مسجد] (¬3). 2 - الكاساني (587 هـ) قال: [وأجمعوا على أن من جعل داره أو أرضه مسجدًا يجوز وتزول الرقبة عن ملكه] (¬4) 3 - النووي (676 هـ) قال: [إجماع المسلمين على صحة وقف المساجد] (¬5). 4 - القرطبى (671 هـ) قال: [لا خلاف بين الأئمة في تحبيس المساجد] (¬6). 5 - ابن حجر (852 هـ) قال: [قوله: (باب وقف الأرض للمسجد) لم ¬
يختلف العلماء في مشروعية ذلك لا من أنكر الوقف ولا من نفاه] (¬1) • الموافقون على الإجماع: الحنابلة (¬2)، وابن حزم من الظاهرية (¬3). قال ابن حزم: (الحبس ليس إخراجًا إلى غير مالك بل إلى أجل المالكين وهو اللَّه تعالى كعتق العبد ولا فرق) (¬4). قال ابن قدامة: (إذا جعل علو داره مسجدًا دون سفلها، أو سفلها دون علوها صح، وقال أبو حنيفة: لا يصح لأن المسجد يتبعه هواؤه، ولنا أنه يصح بيعها كذلك يصح وقفه، كالدار جميعها، ولأنه تصرف يزيل الملك إلى من يثبت له حق الاستقرار والتصرف فجاز فيما ذكرنا كالبيع) (¬5). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: لما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة أمر ببناء المسجد، وقال: (يا بني النجار ثامنوني حائطكم هذا، فقالوا لا واللَّه لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه سبحانه وتعالى) (¬6). • وجه الدلالة: أن بني النجار من الأنصار وقفوا أرض حائطهم لبناء المسجد ولم ينكر عليهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد أراد شراءه منهم. الثاني: وعن عبد اللَّه الخولاني أنه سمع عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-: عند قول الناس فيه حين بني مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إنكم قد أكثرتم، وإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (من بنى للَّه مسجدًا بنى اللَّه له بيتًا في الجنة) (¬7) وفي رواية: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد ¬
[91 - 33] جواز وقف الأرض مقبرة
بخير له منها في الجنة، فاشتريتها من صلب مالي فزدتها في المسجد. . قالوا اللهم نعم).Rصحة الإجماع في جواز وقف الأرض للمسجد. [91 - 33] جواز وقف الأرض مقبرة • المراد من المسألة: هو جواز وقف الأرض وجعلها مقبرة لدفن الموتى، لكون الدفن من فروض الكفاية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فاتخاذ المقابر من فروض الكفاية، وهو من القُرب. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا على جواز إيقاف أرض. . لعمل مقبرة] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الجويني: (ولو جعل بقعة مقبرة، اشترك فيها كافة المسلمين، وخرج عن إطلاق الوقف الكفار، فإن مطلق اللفظ يقتضي القربة، وقرينة الحال تشهد بذلك فحمل الوقف عليه) (¬6). قال السرخسي: (وكذلك المقبرة والسقاية عند محمد لا تتم إلا بالتسليم إلى قيم يقوم عليه، أو بأن يدفنوا في المقبرة رجلًا واحدًا) (¬7). قال ابن قدامة: (من وقف شيئًا وقفًا صحيحًا، فقد صارت منافعه جميعها للموقوف عليه، وزال عن الواقف ملكه، وملك منافعه، فلم يجز أن ¬
ينتفع بشيء منها، إلا أن يكون قد وقف شيئًا للمسلمين، فيدخل في جملتهم، مثل أن يقف مسجدًا فله أن يصلي فيه، أو مقبرة فله الدفن فيها، أو بئرًا للمسلمين، فله أن يستقي منها، أو سقاية. . . لا نعلم في هذا كله خلافًا) (¬1). قال القرافي: (قال صاحب المنتقى: إذا حبس أرضًا لدفن الموتى فضاقت بأهلها وبجنبها مسجد يجوز الدفن فيه قاله عبد الملك، وقال ابن القاسم: في مقبرة عفت يجوز بناء مسجد فيها، وكل ما كان للَّه استعين ببعضه على بعض، لأن الكل حق للَّه، ويمتنع ذلك في حقوق العباد، لأن جهاتهم متعددة) (¬2). • مستند الإتفاق: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. • وجه الاستدلال: في الآية حث على التعاون على البر والتقوى، ووقف الأراضي مقابر من التعاون على البر والتقوى. الثاني: أن حاجة المسلمين إلى المقابر في مرتبة الضرورة، ولذلك وقفها من النفع المتعدي لحاجة المسلمين إليها (¬3).Rصحة الإجماع، في وقف الأرض مقبرة لعدم المخالف. ¬
[92 - 34] يجوز وقف السقايا
[92 - 34] يجوز وقف السقايا • المراد بالمسألة: أن السقايات، وهي: جمع سقاية، والمقصود منها الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها، ويطلق أيضًا على ما بني لقضاء الحاجة، إلا أن هذا الأخير لم يعرف إلا متأخرًا، فلو حفر أحدُ بئرًا أو اشترى عينًا أو وضع براد ماء ليشرب منها الناس، أو بنى مكانًا للتخلي والوضوء ويستقي منه البهائم وجعله وقفًا، صح ذلك (¬1). • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: [إجماع المسلمين على صحة وقف. . السقايات] (¬2) • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال السرخسي: (الغني مستغن عن مال الصدقة بمال نفسه، وهو لا يستغني بماله عن الخان لينزل فيه. . . وهو نظير ماء السقاية والحوض والبئر فإنه يستوي فيه الغني والفقير لهذا المعنى، لأن الماء ليس بمال قبل الاحراز والناس يتوسعون فيه عادة ولا يخصون به الفقراء دون الأغنياء بخلاف المتصدق بالمال) (¬6). قال ابن قدامة: (من وقف شيئًا وقفًا صحيحًا، فقد صارت منافعه جميعها للموقوف عليه، وزال عن الواقف ملكه، وملك منافعه، فلم يجز أن ينتفع بشيء منها، إلا أن يكون قد وقف شيئًا للمسلمين، فيدخل في جملتهم، مثل أن يقف مسجدًا فله أن يصلي فيه، أو مقبرة فله الدفن فيها، أو بئرًا للمسلمين، فله أن يستقي منها، أو سقاية. . . لا نعلم في هذا كله خلافا) (¬7). ¬
[93 - 35] لا يصح وقف ما تزول عينه بالانتفاع
قال الدسوقي: (وأما القرب الدنيوية كبناء قناطر وتسبيل ماء ونحوهما فيصح) (¬1). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع إلى ما رواه الأحنف بن قيس -رضي اللَّه عنه- عن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من يبتاع بئر رومة غفر اللَّه له) قال عثمان -رضي اللَّه عنه-: فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: قد ابتعت بئر رومة، قال: (فاجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك) (¬2). • وجه الاستدلال: أن في هذا إرشاد من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعثمان -رضي اللَّه عنه- حين ابتاع بئر رومة أن يحبسها على المسلمين، والبئر أحد المنافع التي يستفيد منها عامة المسلمين، ويدخل فيه كل ما كان في معناه (¬3).Rصحة الإجماع في جواز وقف السقايات وما في معناه، ما دام أن الناس ينتفعون منها (¬4). [93 - 35] لا يصح وقف ما تزول عينه بالانتفاع • والمراد بالمسألة: أنه لا يصح وقف الأشياء التي تتلف، ويدخلها الفساد، إما بنفسها، أو بالاستعمال، كالخبز، والطعام، والفاكهة. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أن كل ما لا يصح الانتفاع به إلا بإتلافه؛ كالذهب والفضة والمأكول لا يصح وقفه] (¬5). 2 - ابن قدامة (620 هـ) قال: [وجملته أن ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء ¬
عينه، كالدنانير والدراهم، والمطعوم والمشروب، والشمع وأشباهه، لا يصح وقفه في قول عامة الفقهاء وأهل العلم؛ إلا شيء يحكى عن مالك والأوزاعي في وقف الطعام أنه لا يجوز] (¬1). 3 - شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) قال: [ولا يصح وقف ما لا ينتفع به مع بقائه دائمًا كالدراهم والدنانير والمطعوم والمشروب وأشباهه من الرياحين، لا يجوز وقفه في قول عامة الفقهاء وأهل العلم] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3) والمالكية (¬4) والشافعية (¬5). قال الماوردي: (وهذا كما قال يجوز وقف العقار والدور والأرض والرقيق والماشية والسلاح وكل عين تبقى بقاء متصلًا ويمكن الانتفاع بها) (¬6). قال الموصلي: (وعن محمد جواز وقف ما جرى فيه التعامل كالفأس والقدوم والمنشار والقدور والجنازة والمصاحف والكتب بخلاف ما لا تعامل فيه كالثياب والأمتعة لأن من شرط الوقف التأبيد) (¬7). قال القرافي: (ويمتنع وقف الطعام، لأن منفعته في استهلاكه، وشأن الوقف بقاء العين) (¬8). • مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: لأنه لا يحصل تسبيل ثمرته مع إتلافه، فينافي مقصود الوقف الذي هو حبس الأصل وتسبيل الثمرة (¬9). ¬
[94 - 36] إذا خرب الوقف لم يعد لملك الواقف
الثاني: ولأنه إذا قصد بوقف المطعوم بقاء عينه فإنه يؤدي إلى فساد المطعوم المؤدي إلى إضاعة المال (¬1). الثالث: ولأنه ينافي شرط التأبيد لعدم دوامه (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: مالك والأوزاعي (¬3). فقد روي عنهما أنهما ذهبا إلى جوازه في الطعام خاصة. وقد ضعف الرواية عن مالك ابن قدامة وقال: (ولم يحكه أصحاب مالك، وليس بصحيح؛ لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، وما لا ينتفع به إلا بالإتلاف لا يصح فيه ذلك) (¬4).Rصحة الإجماع في أنه لا يصح وقف ما تزول عينه بالانتفاع. • ملحوظة: وهاهنا مسألة: وهي فيما يتعلق بعدم صحة وقف الدراهم والدنانير المذكورة سابقًا، وأن المقصود بذلك وقفها لاستهلاكها، أو التصدق بعينها، وأما إذا كان وقفها لأجل القرض أو المضاربة بها والتصدق بربحها على الوجه الذي وقفت عليه فهذا مما لا بأس به، وقد قال بهذا الحنفية والمالكية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (¬5). [94 - 36] إذا خرب الوقف لم يعد لملك الواقف • المراد بالمسألة: أنه إذا انتفت الفائدة المرجوة من الوقف ولم يكن له ريع يعاد به، ولا يوجد من يستأجره فيعمره، كحانوت احترق في السوق وصار بحيث لا ينتفع به، ولا يستأجر البتة، فإنه لا يعود إلى ملك الواقف ¬
إن كان حيًا، ولا إلى ورثته إن كان ميتًا، ويظل وقفًا مع خرابه، وإنما تباع ويجعل ثمنها في مثلها، أو في شقص مثلها. • من نقل الاتفاق: 1 - ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا إذا خرب الوقف لم يعد إلى ملك الواقف] (¬1). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3). قال الشيرازي: (وإن وقف مسجدًا فخرب المكان وانقطعت الصلاة فيه، لم يعد إلى الملك، ولم يجز له التصرف فيه لأن ما زال الملك فيه لحق اللَّه تعالى لا يعود إلى الملك بالاختلال) (¬4). قال السرخسي: (فإن خرب ما حول المسجد واستغنى الناس عن الصلاة فيه، فعلى قول أبي يوسف رحمه اللَّه: لا يعود إلى ملك الثانى، ولكنه مسجد كما كان) (¬5). • مستند الاتفاق: يستند هذا الاتفاق على عدة أدلة، منها: الأول: لأن ما زال الملك فيه لحق اللَّه سبحانه وتعالى لا يعود إلى الملك بالاختلال، كما لو أعتق عبدًا، ثم زمن (¬6) الثاني: القياس على الكعبة، فإن الإجماع على عدم خروج موضعها عن المسجدية والقربة حتى مع عدم وجود من يصح منه التقرب زمن الفترة (¬7) ¬
[95 - 37] لا يصح تخصيص النفس بالوقف
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: محمد بن الحسن (¬1)، والشافعية في وجه (¬2)، فذهبوا إلى القول برجوعه إلى ملك الواقف أو ورثته إن كان ميتًا. • دليلهم: ووجه ما ذهبوا إليه: أن الواقف عين الوقف لقربة، وقد انقطعت فينقطع بانقطاعه (¬3)، وأيضًا القياس على المحصر إذا بعث الهدى ثم زال الإحصار، فأدرك الحج كان له أن يصنع بهديه ما شاء (¬4).Rعدم صحة الإجماع في أنه إذا خرب الوقف لم يعد لملك الواقف، لوجود الخلاف المعتبر في المسألة (¬5). [95 - 37] لا يصح تخصيص النفس بالوقف • المراد بالمسألة: أن الإنسان إذا وقف على نفسه من غير أن يشرك معه غيره لم يصح الوقف. • من نقل الإجماع: القرافي (803 هـ) قال: [يمتنع وقف الإنسان على نفسه وقاله الأئمة] (¬6) • الموافقون على الإجماع: الحنفية في قول (¬7) والشافعية (¬8) والحنابلة (¬9). ¬
قال الجويني: (وقف الإنسان على نفسه، وقد ظهر اختلاف الأصحاب فيه، فذهب القياسون إلى منعه، فإن الغرض من الوقف إخراج الواقف ملكه إلى غيره، ولا حاصل لوقف خالص ملكه على نفسه، فإن مقصود الوقف نوع من الاختصاص، والملك الخالص زائد على كل اختصاص) (¬1). قال الموصلي: (هو إزالة العين عن ملكه إلى اللَّه تعالى، وجعله محبوسًا على حكم ملك اللَّه تعالى على وجه يصل نفعه إلى عباده، فوجب أن يخرج عن ملكه ويخلص دئه تعالى ويصير محررًا عن التمليك ليستديم نفعه ويستمر وقفه للعباد) (¬2). قال ابن قدامة: (إذا وقف على نفسه، ثم على المساكين، أو على ولده ففيه روايتان، إحداهما: لا يصح، فإنه قال في رواية أبي طالب، وقد سُئل عن هذا، فقال: لا أعرف الوقف إلا ما أخرجه للَّه، وفي سبيل اللَّه، فإذا وقفه عليه حتى يموت فلا أعرفه، فعلى هذه الرواية يكون الوقف عليه باطلًا) (¬3). • مستند الاتفاق: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: لأنه يتعذر تمليك الإنسان ملكه أو منافع ملكه لنفسه؛ لأنه حاصل، ويمتنع تحصيل الحاصل (¬4). الثاني: ولأنه لم ينقل عن السلف -رضي اللَّه عنهم- شيء من هذا (¬5). الثالث: ولأن من ملك المنافع بسبب لا يتمكن من ملكها بغير ذلك السبب، كمن ملك بالهبة لا يملك بالعارية أو الشراء أو غيرهما، فكذلك لا ¬
يتمكن من تمليك الوقف لنفسه (¬1). الرابع: ولأن فيه تحجيرًا على النفس وعلى الورثة من بعد موته (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية في وجه (¬3)، والشافعية في مقابل الأصح عنده (¬4)، والحنابلة في رواية (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6)، وابن تيمية (¬7)، فرأوا جواز الوقف على النفس. • دليلهم: ويستند المخالفين إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عثمان -رضي اللَّه عنه-، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من يشتري بئر رومة، فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين، فاشتراها عثمان) (¬8). • وجه الاستدلال: أن عثمان -رضي اللَّه عنه- قد وقف على نفسه بئر رومة، وشارك المسلمين في الانتفاع بالموقوف بإقرار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وإذنه (¬9). الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها) (¬10). فهذا الحديث عام يشمل التصدق بالأصل والمنافع، والمنافع فقط مع حبس الأصل (¬11) ¬
[96 - 38] ضمان الوقف المتلف بالغصب
الثالث: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمر -رضي اللَّه عنه-: (سبل الثمرة) (¬1). فصح بهذا جواز صدقته على نفسه وعلى من شاء (¬2).Rعدم صحة الإجماع على عدم جواز الوقف على النفس، وذلك لوجود الخلاف. [96 - 38] ضمان الوقف المتلف بالغصب • المراد بالمسألة: لو أتلف الوقف مُتلفٌ؛ كان غصبه فتلف تحت يده العادية فإن ضمانه عليه. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) قال: [الوقف مضمون باتفاق العلماء، ومضمون باليد، فلو غصبه غاصب تلف تحت يده العادية فإن عليه ضمانه باتفاق العلماء] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). قال الشيرازي: (وإن أتلفه الواقف أو أجنبي فقد اختلف أصحابنا فيه على طريقين، فمنهم من قال: ينى على القولين، فإن قلنا إنه للموقوف عليه وجبت القيمة له لأنه بدل ملكه، وإن قلنا إنه للَّه تعالى اشترى به مثله ليكون وقفًا مكانه، وقال الشيخ أبو حامد الإسفرايني: يشتري بها مثله ليكون وقفًا مكانه قولًا واحدًا، لأنا وإن قلنا إنه ينتقل إلى الموقوف عليه إلا أنه لا يملك الانتفاع برقبته، وإنما يملك الانتفاع بمنفعته) (¬7). قال الدسوقي: (ومن هدم وقفًا تعديًا فعليه إعادته على ما كان عليه، ¬
ولا تؤخذ قيمته، والراجح أن عليه قيمته كسائر المتلفات والنقض باق على الوقفية فيقوم قائمًا ومهدومًا، ويؤخذ ما زاد على المنقوض ولا يلزم من أخذ القيمة جواز بيعه لأنه أمر جر إليه الحكم كإتلاف جلد الأضحية) (¬1). قال ابن عابدين: (واعلم أن الموقوف مضمون بالاتلاف مع أنه ليس بمملوك أصلًا) (¬2). • مستند الاتفاق: يستند الاتفاق إلى عدة أدلة، منها: وحجتهم: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]. • وجه الاستدلال: أن من أتلف مال غيره فقد اعتدى فيعاقب بالمثل فيود مثل المتلف، أو قيمته إن تعذر المثل (¬3). الثاني: ولأنه لما تعذر ردًّا لعين وجب رد ما يقوم مقامها في المالية (¬4).Rصحة الإجماع في ضمان الوقف المتلف بالغصب. * * * ¬
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في باب الهبة والعطية
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في باب الهبة والعطية [97 - 1] مشروعية الهبة الهبة: مأخوذة من هبوب الريح، بمعنى مروره (¬1) والهبة اصطلاحًا: تمليك عين في الحياة بلا عوض (¬2)، وقيل: الهبة تقتضي عوضًا، وقيل: مع عرف (¬3). • والمراد بالمسألة: أن الهبة من أفعال البر، وحكمها الاستحباب عند أهل العلم، ما لم تكن طريقًا لحرام، كأن تُدفع الهبةُ رشوة لإحقاق باطل أو إبطال حق. • من نقل الإجماع: المرغيناني (593 هـ) قال: [الهبة عقد مشروع. . وعلى ذلك انعقد الإجماع] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [فأما الهبة لغير الثواب فلا خلاف في جوازها] (¬5). الزيلعي قال: [وهي مشروعة مندوب إليها بالإجماع] (¬6). الشربيني (977 هـ) قال: [وانعقد الإجماع على استحباب الهبة بجميع أنواعها] (¬7). ¬
البجيرمي قال: [انعقد الإجماع على استحباب الهبة بجميع أنواعها، وقد يعرض لها أسباب تخرجها عن ذلك] (¬1). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم من الظاهرية (¬4)، والشوكاني (¬5)، والصنعاني (¬6). قال السرخسي: (اعلم بأن الهبة عقد جائز ثبت جوازه بالكتاب والسنة) (¬7). قال القرافي: (الهبة للمواصلة والوداد) (¬8). قال الرملي: (والأصل في جوازها بل ندبها بسائر أنواعها الآتي قبل الإجماع الكتاب والسنة) (¬9). قال البهوتي: (. . . وهي أي المذكورات من صدقة وهدية وعطية مستحبة إذا قصد بها وجه اللَّه تعالى كالهبة للعلماء والفقراء والصالحين، وما قصد به صلة الرحم، قال الحارثي: وجنس الهبة مندوب إليه لشموله معنى التوسعة على الغير ونفي الشح) (¬10). قال الشوكاني: (الأشياء الواصلة إلى العباد على أيدي بعضهم هي من الأرزاق الألهية لمن وصلت إليه، وإنما جعلها اللَّه جارية على أيدي العباد لإثابة من جعلها على يده فالمحمود على جميع ما كان من هذا القبيل هو اللَّه تعالى) (¬11). قال ابن عابدين: (وهي أي الهبة مندوبة وقبولها سنة) (¬12). ¬
[98 - 2] الهبة التامة لا تصح إلا بالقبض مع الإيجاب
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (كل معروف صدقة) (¬1). • وجه الاستدلال: فيه أن الشريعة حثت على بذل المعروف والبر، وعدَته من القرب، والهبة من هذا النوع. الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لو أُهدي إليَّ ذراع لقبلت، ولو دُعيت إلى كراع لأجبت) (¬2). • وجه الاستدلال: أن من مقاصد الشريعة التوادد والتحابب، والهبة أحد وسائل تحقيق هذا المقصد.Rصحة الإجماع في مشروعة الهبة بالجملة (¬3). [98 - 2] الهبة التامة لا تصح إلا بالقبض مع الإيجاب • المراد بالمسألة: أن الهبة هي من جملة العقود، ومن شرط صحتها قبض الموهوب له للهبة حتى تكون نافذة، لأن القبض لثبوت الملك، فإذا لم يقبضها جاز للواهب الرجوع والتصرف فيها. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمع أهل العلم على أن الرجل إذا وهب لرجل دارًا، أو أرضًا، أو عبدًا، على غير عوض، بطيب من نفس المعطي، وقبل الموهوب له ذلك، وقبضه، بدفع من الواهب ذلك إليه، وحازه: أن الهبة تامة] (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أن الهبة تصح بالإيجاب والقبول والقبض] (¬5). ¬
الكاساني (587 هـ) قال: [القبض. . ولنا إجماع الصحابة وهو ما روينا أن سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر اعتبرا القسمة والقبض لجواز النُّحلى بحضرة الصحابة ولم ينقل أنه أنكر عليهما منكر فيكون إجماعًا] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [فإن المكيل والموزون لا تلزم فيه الصدقة والهبة إلا بالقبض. . ولنا إجماع الصحابة] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الشافعية (¬3)، وابن حزم من الظاهرية (¬4)، والشوكاني (¬5). قال السرخسي: (. . . ثم الملك لا يثبت في الهبة بالعقد قبل القبض عندنا) (¬6). قال السمرقندي: (وأما ركن الهبة فهو الإيجاب والقبول. . . وأما شرائط الصحة: فمنها القبض حتى لا يثبت الملك للموهوب له قبل القبض) (¬7). قال الموصلي: (وتصح بالإيجاب والقبول والقبض، أما الإيجاب والقبول فلأنه عقد تمليك ولا بد فيه منهما، وأما القبض فلأن الملك لو ثبت بدونه للزم المتبرع شيء لم يلتزمه وهو التسليم) (¬8). قال القرافي: (لا تلزم الصدقة والهبة بالقبول وله الرجوع، ولا يقضى عليه، بل إنما يحصل الملك ويتعلق الحق بالقبض، والفرق بين الهبة فلا ¬
تملك إلا بالقبض، ويكفي في الصدقة القبول لأنها للَّه تعالى) (¬1). قال الخطيب الشربيني: (وشرط الهبة إيجاب وقبول لفظًا من الناطق مع التواصل المعتاد كالبيع) (¬2). قال البهوتي: (وتنعقد الهبة بإيجاب وقبول بأي لفظ دل عليهما، وبمعاطاة بفعل يقترن بما يدل عليها أي الهبة) (¬3). قال الشوكاني: (وإلى اعتبار القبول في الهبة ذهب الشافعي ومالك والناصر والهادوية. . . وذهب الجمهور إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدي إليه إلا بأن يقبضها هو أو وكيله) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن جابر بن عبد اللَّه قال: أقبلنا من مكة إلى المدينة مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأعيا جملي قال: فنزل منزلًا دون المدينة، قال: قلت: يا رسول اللَّه إني حديث عهد بعرس. . وذكر بعض الحديث، قال ثم قال لي: (بعني جملك هذا) قال: فقلت لا، هو لك، قال: (لا، بعنيه) قال: قلت لا، بل هو لك، قال: (لا، بل بعنيه) قلت: فإن لرجل علي أوقية ذهب فهو لك بها. قال: (قد أخذته) (¬5). • وجه الاستدلال: أن فيه التصريح بأن الهبة لا تتم إلا بقبول الموهوب له من الواهب، حيث ردها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. الثاني: ما رُوي من قصة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- في حديث هبته لعائشة حيث قال لها عند موته: (. . وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقًا من مالي بالعالية، وإنك لم تكوني قبضتيه ولا حزتيه، وإنما هو مال ¬
الورثة. .) (¬1). • وجه الاستدلال: أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- استرد ما نحله لعائشة لكونها لم تقبضه، فدل على شرط القبض في صحة الهبة. الثاني: عن أم سلمة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها: (إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة علي، فإن ردت علي فهي لك. وكان كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬2) • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علق رجوع هبته للنجاشي على عدم قبضها لها، وذلك بسبب موته، فدل على اشتراط القبض. الثالث: ما روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: (ما بال رجالٍ ينحلون أبناءهم نحلًا ثم يمسكونها، فإن مات ابن أحدهم قال: مالي بيدي لم أعطه أحدًا، وإن مات قال هو لابني قد كنت أعطيته إياه، فمن نحل نحلة فلم يحزها الذي نحلها للمنحول له وأبقاها عنده حتى تكون إن مات لورثته فهي باطلة) (¬3) ¬
[99 - 3] لا تنعقد الهبة بلفظ النكاح
الرابع: إجماع الصحابة، فهو قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي -رضي اللَّه عنهم-، ولم ينقل عنهم في ذلك مخالف (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬2)، وأحمد في إحدى الروايتين (¬3)، حيث ذهبوا إلى أن القبض ليس شرطًا في صحتها، بل في تمامها، فإن عُدم لم تلزم مع كونها صحيحة. • دليلهم: وحجة ما ذهبوا إليه: أن الهبة من جملة العقود، والأصل في العقود أن لا قبض مشترط في صحتها حتى يقوم دليل على اشتراط القبض (¬4). ووجهوا ما روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- من المنع، إنما هو من باب سد الذريعة، فيكون من شرط التمام لا الصحة.Rعدم صحة الإجماع في أن الهبة التامة لا تصح إلا بالقبض مع الإيجاب، وذلك لوجود الخلاف في المسألة. [99 - 3] لا تنعقد الهبة بلفظ النكاح • المراد بالمسألة: أن الهبة هي من جملة العقود، ويعبر عنها بألفاظ صحيحة، كالنحلة، والهدية، وأما التعبير عنها بلفظ النكاح، فهذا مما لا يصح، لأن لفظ النكاح لا يدل على أنه من معاني الهبة. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (560 هـ) قال: [لما أجمعوا على أنه لا ¬
[100 - 4] تجوز الهبة لغير الثواب
تنعقد هبة بلفظ النكاح، وجب ألا ينعقد النكاح بلفظ الهبة] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). قال الدردير: (. . . خرج تمليك المنفعة كالإجارة. . . أي وكالنكاح والطلاق والوكالة، فإنه ليس في شيء من ذلك تمليك ذات) (¬5). • مستند الإجماع: يمكن أن يستند الإجماع إلى أنه لا تعرف الهبة بلفظ النكاح، لا في الحقائق الشرعية، ولا في الحقائق اللغوية ولا في الحقائق العرفية.Rصحة الإجماع في أن الهبة لا تنعقد بلفظ النكاح. [100 - 4] تجوز الهبة لغير الثواب • المراد بالمسألة: أن الهبة منها: ما يقصد بها الثواب، ومنها ما لا يقصد بها الثواب، والتي يقصد بها الثواب منها ما يقصد بها وجه اللَّه، ومنها ما يقصد بها وجه المخلوق، فالتي لا يقصد بها الثواب لا خلاف في جوازها. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الصدقة المطلقة والهبة والعطية إذا كانت مجردة بغير شرط ثواب ولا غيره، ولا كانت في مشاع. . فقبلها الموهوب له أو المعطى أو المتصدق عليه وقبضها عن الواهب أو المعطي أو المتصدق في صحة الواهب والمعطي والمتصدق فقد ملكها ما لم يرجع الواهب والمعطي في ذلك] (¬6). ابن رشد (595 هـ) قال: [فأما الهبة لغير الثواب فلا خلاف في ¬
جوازها] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، الشوكاني (¬5). قال العمراني: (الواهبون على ثلاثة أضرب: أحدها: هبة الأعلى للأدنى، مثل أن يهب السلطان لبعض الرعية أو يهب الغني للفقير. . . والثاني: هبة النظير للنظير، كهبة السلطان لمثله، أو الغني لمثله، فهذه لا تقتضي الثواب أيضًا، لأن القصد بهذه الهبة الوصلة والمحبة، الثالث: هبة الأدنى للأعلى: مثل أن يهب بعض الرعية للسلطان شيئًا، أو يهب الفقير للغني أو يهب الغلام لأستاذه، ففيه قولان: قال في القديم: يلزمه أن يثيبه، . . . وقال في الجديد: لا يلزمه أن يثيبه. . . وهو الأصح) (¬6). قال الخطيب الشربيني: (التمليك لعين بلا عوض في حال الحياة تطوعًا هبة) (¬7). قال البهوتي: (ولا تقتضي الهبة عوضًا ولو مع عرف كأن يعطيه أي يعطي الأدنى أعلى منه ليعاوضه أو يقضي له حاجة ولم يصرح له بذلك) (¬8). قال الدردير: (وجاز للواهب شرط الثواب على هبته: أي العوض عليها، وتسمى هبة ثواب) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)} [المدثر: 6]. ¬
[101 - 5] لا تصح الهبة إلا من جائز التصرف
• وجه الاستدلال: أن فيها النهي عن الإعطاء لأجل الإثابة، قال قتادة: لا تعط شيئًا لتثاب أفضل منه، وقال: معمر، وطاووس، والحسن: لا تمنن عطيتك، ولا عملك، ولا تستكثر (¬1). الثاني: عن ابن عباس في قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)} [الروم: 39]. قال: هو هدية الرجل، أو هبة الرجل يريد أن يثاب أفضل منه، فذلك الذي لا يربو عند اللَّه، ولا يؤجر عليه صاحبه، ولا إثم عليه (¬2).Rصحة الإجماع في جواز الهبة لغير الثواب. [101 - 5] لا تصح الهبة إلا من جائز التصرف • المراد بالمسألة: أن الهبة لا تكون صحيحة إلا إذا كان الواهب من أهل التبرع، وذلك بأن يكون عاقلًا بالغًا رشيدًا، وأن لا يكون محجورًا عليه لحظ نفسه، وأن يكون مالكًا للشيء الموهوب. • من نقل الاتفاق: ابن رشد (595 هـ) قال: [أما الواهب فإنهم اتفقوا على أنه تجوز هبته إذا كان مالكًا للموهوب صحيح الملك، وذلك إذا كان في حال الصحة وحال إطلاق اليد] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). قال الخطيب الشربيني: (فيشترط في الواهب الملك، وإطلاق التصرف ¬
[102 - 6] الهبة في مرض الموت تخرج من الثلث
في ماله) (¬1). قال البهوتي: (ويعتبر في الهبة أن تكون من جائز التصرف فلا تصح من صغير ولا سفيه ولا عبد ونحوهم كسائر التصرفات) (¬2). قال الدردير: (الهبة تمليك من له التبرع بالذات الموهوبة في غير هبة) (¬3). قال الدسوقي (وصحت أي الهبة في كل مملوك للواهب فلا تصح في حر ولا ملك غير يخلاف بيعه لأنه في نظير عوض ينقل أي يقبل النقل شرعًا) (¬4). قال ابن عابدين: (أن يكون الواهب من أهل الهبة، وكونه من أهلها: أن يكون حرًا عاقلًا بالغًا مالكًا للموهوب) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن الهبة تمليك المال للغير، وفي تمليكه للغير إنقاص وضرر على المال، فلا يصح إلا ممن يملكه وهو في حال الصحة، وغير محجور عليه (¬6).Rصحة الإجماع في أن الهبة لا تجوز إلا من جائز التصرف (¬7). [102 - 6] الهبة في مرض الموت تخرج من الثلث • المراد بالمسألة: أن المريض إذا وهب في مرض موته الذي مات فيه أحدًا، وله ورثة، ولم يكن مدينًا، والموهوب له غير وارث، ولم يقبضها، أنه يرجع إلى الثلث إن كان وهب جميع ماله، أو ما زاد عن الثلث. من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع كل من نحفظ عنه ¬
من أهل العلم على أن الهبات في المرض الذي يموت فيه الواهب: حكم الوصايا، ويكون من الثلث مقبوضة] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا. . والهبة والعطية إذا كانت مجردة بغير شرط ثواب ولا غيره ولا كانت في مشاع فإن كانت عقارًا أو غيره وكانت مفرغة غير مشغولة من حين الصدقة إلى حين القبض فقبلها الموهوب له أو المعطى أو المتصدق عليه وقبضها عن الواهب أو المعطى أو المتصدق في صحة الواهب والمعطي والمتصدق فقد ملكها ما لم يرجع الواهب والمعطي في ذلك واتفقوا أن كل ذلك من المريض إذا كان ثلث ماله فأقل أنه نافذ] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [أصل علامات المرض الذي يلزم به صاحبه الفراش، ولا يعذر معه على شيء من التصرف، ويغلب على القلوب أنه يتخوف عليه منه الموت إذا كانت هذه حال المريض، فالعلماء مجمعون قديمًا وحديثًا على أنه لا يجوز له أن يقضي في ماله بأكثر من الثلث] (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على عطايا المريض وهباته من الثلث] (¬4). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [وإن كان المرض الذي اتصل به الموت مخوفًا فمن ثلث ماله عند جمهور العلماء] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والشوكاني (¬8). ¬
قال السرخسي: (وإذا رجع في مرض الموهوب له ففيه روايتان كلاهما في الكتاب: في إحدى الروايتين قال يعتبر من جميع ماله، وذكر ابن سماعة فيه القياس والاستحسان في القياس يعتبر من جميع ماله وفي الاستحسان يعتبر من الثلث لا لأنه تمليك ابتداء، ولكن الراد في مرضه باختياره يتم بالقصد إلى إبطال حق الورثة كما تعلق حقهم به فلرد قصده جعل معتبرًا من ثلثه) (¬1). قال البهوتي: (وأقرب ما يقال: ما يكثر حصول الموت منه فعطاياه ولو كانت عتقًا ووقفًا ومحاباة. . . كوصية، في أنها لا تصح لوارث بشيء غير الوقف للثلث فاقل ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة فيهما أي فيما إذا كانت لوارث بشيء، وما إذا كانت لأجنبي بزيادة على الثلث) (¬2). قال الدردير: (. . . وكذا المريض والزوجة فيما زاد على ثلثهما إلا أن هبتهما فيما زاد على الثلث صحيحة موقوفة على الوارث والزوج) (¬3). قال الدسوقي: (فالمريض والزوجة إذا أراد هبة ثلثهما صح لهما لأن لهما أن يتبرعا به. . .) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- قال: (عادني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع من شكوى أشفيت منها على الموت، فقلت: يا رسول اللَّه، بلغ بي ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فبشطره؟ قال: لا، قال: الثلث كثير) (¬5). ¬
• وجه الاستدلال: أنه جعل صدقته في مرضه من الثلث، كوصاياه من الثلث بعد موته (¬1). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (إن اللَّه تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم) (¬2). • وجه الاستدلال: أنه يجوز للمريض مرض الموت أن يتصرف في ثلث المال، لأنَّ عطيته من رأس المال تضر بالورثة، فردت إلى الثلث كالوصية. الثالث: أن حالة مرض الموت، يغلب أن الإنسان يموت فيها، فكانت العطية فيها من حق الورثة، فلا يتجاوز بها الثلث (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: طاووس (¬4)، وداود وابن حزم الظاهريان (¬5). فذهبوا إلى أن وصيته تخرج من رأس ماله لا من الثلث. • دليلهم: يستند الخلاف إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)} [الحج: 77]. وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)} [البقرة: 237]. • وجه الدلالة من الآيتين: أن فيهما الحث على فعل الخيرات، وعدم نسيان الفضل بين المؤمنين أو الأزواج، ولم يخص صحيحًا من مريض (¬6) ¬
[103 - 7] هبة العبد صحيحة ونافذة
الثاني: لأنه لما كان ما أنفقه من ماله في ملاذه وشهواته من رأس ماله كان ما يتقرب به من عتقه وهباته ومحاباته أولى أن تكون من رأس ماله (¬1).Rعدم صحة الإجماع في أن هبة المريض في مرض موته تكون من الثلث فقط، وذلك للخلاف القوي في المسألة (¬2). [103 - 7] هبة العبد صحيحة ونافذة • المراد بالمسألة: أن العبد له أن يتصرف من ماله بدون إذن سيده، فله أن يهب، وأن يتصدق، ولا يرجع إلى سيده في ذلك. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [. . أجاز عليه السلام صدقة العبد، وهديته، ولا حجة في أحد دونه وباللَّه تعالى التوفيق. نعم، وأجازها معه عليه السلام الحاضرون من أصحابه، ولا مخالف لهم. من الصحابة أصلًا] (¬3). وقال: [واتفقوا على استباحة الهدية وإن كانت من الرقيق لخبر الذي يأتي بها ولو أنه امرأة أو صبي أو ذمي أو عبد] (¬4). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس في قصة: سلمان الفارسي -رضي اللَّه عنه-، ثم ذكر حديثه للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . فقلت: رأيتك لا تأكل الصدقة وكان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية فأكل هو وأصحابه) (¬1). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل هدية سلمان -رضي اللَّه عنه- وكان مملوكًا، ولم يستفصل منه، هل أذن سيده أم لا؟ الثاني: عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: أهدت بريرة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لحمًا تصدق به عليها فقال: (هو لها صدقة، ولنا هدية) (¬2) • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل هدية بريرة وكانت إذ ذاك مملوكة لم تعتق بعد، ولم يجعلها تستأذن من مولاتها وهي عائشة -رضي اللَّه عنها-. الثالث: قالوا بأنه غير محجور عليه فيصح تبرعه (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7). فذهبوا إلى أنَّ هبة العبد غير صحيحة، ولا نافذة. ¬
[104 - 8] هبة المكاتب صحيحة ونافذة
دليلهم: واحتجوا لما ذهبوا إليه بما يلي: الأول: أن العبد أصله مال لسيده، وماله مال لسيده، فلا يجوز له إزالة ملك سيده عنه بغير إذنه، كالأجنبي (¬1). الثاني: وأن الواهب من له التبرع (¬2). الثالث: أيضًا أن العبد لا يملك شيئًا كما تقرر كثيرًا.Rعدم صحة الإجماع في جواز هبة العبد من دون إذن سيده (¬3). [104 - 8] هبة المكاتب صحيحة ونافذة • المراد بالمسألة: أنه يجوز للمكاتب أن يتصرف في ماله بدون عوض لجميع أنواع التصرفات، فله أن يهب ويتصدق. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن للمكاتب أن يبيع ويشتري، ويأخذ ويعطي، ويتصرف فيما فيه الصلاح لماله، والتوفير عليه ما يجوز بين المسلمين من أحكامهم] (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أدلة المسألة السابقة (¬5) والتي تشير إلى أن العبد له أن يتصرف في ماله؛ فكذلك المكاتب، بل إن الجواز في جانب المكاتب أقوى من العبد لكونه قد حرر بعض نفسه. الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، ¬
[105 - 9] هبة المكاتب غير صحيحة ولا نافذة
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). فذهبوا إلى أن المكاتب كالعبد، لا تصح تصرفاته المالية، ومنها الهبة، فلو وهب شيئًا فإنه موقوف على إذن سيده. • دليلهم: واحتجوا بنفس أدلة المسألة السابقة (¬3).Rعدم صحة الإجماع في جواز تصرف المكاتب بماله هبة من دون إذن سيده (¬4). [105 - 9] هبة المكاتب غير صحيحة ولا نافذة • المراد بالمسألة: أنه لا يجوز للمكاتب أن يتصرف في ماله بجميع أنواع التصرفات، فليس له أن يهب أو يتصدق، إلا بإذن سيده. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) قال: [قد أجمع العلماء من هذا الباب على أنه ليس للمكاتب أن يهب من ماله شيئًا له قدر، ولا يعتق ولا يتصدق بغير إذن سيده، فإنه محجور عليه في هذه الأمور وأشباهها] (¬5). ابن قدامة (620 هـ) قال: [والمكاتب محجور عليه في ماله، فليس له استهلاكه، ولا هبته، وبهذا قال الحسن، ومالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا أعلم فيه مخالفًا] (¬6). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). قال الماوردي: (لا تصح من المكاتب الهبة بغير إذن السيد، سواء كاتب لثواب تجب فيه المكافاة أو بغير ثواب) (¬4). قال السرخسي: (ولا يجوز هبة المكاتب كما لا يجوز عتقه لأنه تبرع محض ولو أجازه المولى فكذلك لأن اجازة المولى إنما يعمل فيها بملك المولى أنشأه وهو لا يملك ذلك في كسب المكاتب) (¬5). قال العمراني: (والمكاتب محجور عليه في ماله، فليس له استهلاكه ولا هبته ولا المحاباة به بغير إذن السيد، لأن حق السيد لم ينقطع عنه، لأنه قد يعجز فيعود إليه، لأن القصد بالكتابة تحصيل العتق بالأداء، فإذا وهب ماله أدّى إلى فوات المقصود) (¬6). قال المرغيناني: (فإن وهب على عوض لم يصح، لأنه تبرع ابتداء) (¬7). قال الموصلي عن المكاتب: (ويمنع من التبرعات) (¬8). قال البهوتي: (ولا يهب ولو بثواب مجهول إلا بإذن سيده لأن حق السيد لم ينقطع عنه وقد يعجز فيعود إليه) (¬9). قال الدردير: (وللمكاتب إقرار بدين في ذمته. . . لا عتق لرقيقه ولو كان ولده فللسيد رده ولا صدقة ولا هبة إلا الشيء التافه ككسرة ومراده هبة غير الثواب) (¬10). ¬
[106 - 10] لا يصح الإكراه على الهبة
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أدلة المخالفين في المسألة السابقة (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن المنذر (¬2)، فذهب الى الجواز بل حكى عليه الإجماع.Rعدم صحة الإجماع في أن هبة المكاتب غير صحيحة. [106 - 10] لا يصح الإكراه على الهبة • المراد بالمسألة: الإكراه: سلب الإنسان اختياره ورضاه (¬3) فإذا أكره الإنسان على أن يهب شيئًا ما، ولبى ذلك تحت الإكراه، فإنه لا يقع صحيحًا، وله رده إن شاء. • من نقل الإجماع: ابن حجر العسقلاني (825 هـ) قال: [وقال المهلب: أجمع العلماء على أن الإكراه على البيع والهبة لا يجوز معه البيع] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وابن حزم من الظاهرية (¬8). قال ابن حزم: (الاكراه ينقسم قسمين: إكراه على كلام، وإكراه على فعل، فالإكراه على الكلام لا يجب به شيء وإن قاله المكره كالكفر، والقذف والإقرار والنكاح والإنكاح والرجعة والطلاق والبيع والابتياع والنذر والأيمان والعتق والهبة. . .) (¬9). قال المرغيناني: (. . . بخلاف ما إذا أكرهه على الهبة ولم يذكر الدفع، فوهب ودفع حيث يكون باطلًا، لأن مقصود المكره الاستحقاق لا ¬
[107 - 11] لا يجوز الرجوع بالهبة التي يقصد بها الصدقة
مجرد اللفظ، وذلك في الهبة بالدفع، وفي البيع بالعقد على ما هو الأصل، فدخل الدفع في الإكراه على الهبة دون البيع) (¬1). قال ابن مفلح في شروط البيع: (. . . فإن كان أحدهما مكرهًا لم يصح لفوات شرطه) (¬2). قال الونشريسي: (: بيع المكره لا يلزم ولا يجوز) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن من شروط صحة البيع المجمع عليها، أن يكون عن تراض، وكذلك الهبة (¬4).Rصحة الإجماع في أنه لا يصح الإكراه على الهبة. [107 - 11] لا يجوز الرجوع بالهبة التي يقصد بها الصدقة • المراد بالمسألة: أنه لا يحل للواهب أن يرجع بهبته بعد أن قبضها الموهوب له، إذا لم يكن الموهوب له ولدًا، وكانت الهبة قد خلت من شرط الثواب. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [إن الاعتصار عند أهل المدينة هو الرجوع في الهبة والعطية، ولا أعلم خلافًا بين العلماء أن الصدقة لا رجوع فيها للمتصدق بها وكل ما أريد به من الهبات وجه اللَّه تعالى بأنها تجري مجرى الصدقة في تحريم الرجوع فيها] (¬5). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الهبة التي يراد بها الصدقة -أي وجه اللَّه- أنه لا يجوز لأحد الرجوع فيها] (¬6). ابن قدامة (620 هـ) قال: [ولا يجوز للمتصدق الرجوع في صدقته في قولهم جميعًا] (¬7). ¬
ابن حجر العسقلاني (825 هـ) قال: [وأما الصدقة فاتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض] (¬1) الصنعاني (1182 هـ) قال: [فيه دلالة على تحريم الرجوع في الهبة، وهو مذهب جماهير العلماء وقد استثنى الجمهور ما يأتي من الهبة للولد] (¬2) عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [فدل تحريم الرجوع في الهبة، وهو مذهب الجمهور، إلا ما استثناه الشارع] (¬3) • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، وابن حزم من الظاهرية (¬5)، والشوكاني (¬6). قال ابن حزم: (ومن وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلًا مذ يلفظ بها إلا الوالد والأم فيما أعطيا أو أحدهما لولدهما فلهما الرجوع فيه أبدًا الصغير والكبير سواء) (¬7). قال العمراني: (. . . لا يصح رجوعه عليه، لأن المقصود بالصدقة القربة إلى اللَّه تعالى، فلم يصح له الرجوع فيها بعد لزومها كالعتق) (¬8). قال الكاساني: (. . . ولا رجوع في الصدقة على الفقير بعد قبضها لحصول الثواب الذي هو في معنى العوض بوعد اللَّه تعالى) (¬9). قال المرغيناني: (والصدقة كالهبة. . . ولا رجوع في الصدقة لأن المقصود هو الثواب وقد حصل) (¬10). قال القرافي: (الصدقة لا تعتصر) (¬11). ¬
قال الشوكاني: (ويحرم الرجوع فيها. . يقول القنوجي: لكون الهدية هي هبة لغة وشرعًا) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يوجع في قيئه) (¬2). • وجه الاستدلال: وقال النووي: (هذا ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة) (¬3). وقال قتادة: ولا نعلم القيء إلا حرامًا (¬4). الثاني: عن ابن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يحل للرجل أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده) (¬5). • وجه الاستدلال: فيه المنع من الرجوع في الهبة، وقيدها أهل العلم إذا لم يقصد بها الثواب. الثالث: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: (من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها) (¬6). ¬
[108 - 12] لا يجوز الرجوع بالهبة لذوي الرحم المحرم
• وجه الاستدلال: أن الهبة إذا خلت من شرط الثواب فهي في معنى الصدقة، لا يجوز الرجوع فيها.Rصحة الإجماع في أنه لا يجوز الرجوع بالهبة التي يقصد بها الصدقة. [108 - 12] لا يجوز الرجوع بالهبة لذوي الرحم المحرم • المراد بالمسألة: أنه لا يحل للواهب أن يرجع بهبته إذا كانت لذي رحم محرم. • من نقل الاتفاق: ابن قدامة (620 هـ) قال: [فحصل الاتفاق على أن ما وهبه الإنسان لذوي رحمه المحرم. . . لا رجوع فيه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم من الظاهرية (¬5)، والشوكاني (¬6). قال ابن حزم: (. . . إلا من وهب لذي رحم فإنه لا يرجع فيها) (¬7). قال السرخسي: (أن الوالد إذا وهب لولده هبة ليس له أن يرجع فيها كالولد إذا وهب لوالده، وهذا لأن المنع من الرجوع لحصول المقصود وهو صلة الرحم، أو لما في الرجوع والخصومة فيه من قطيعة الرحم) (¬8). قال السمرقندي: (ومنها العوض من حيث المعنى، وهو ليس بعوض ¬
مالي كالثواب في الصدقة، فإنه يكون عوضًا مانعًا من الرجوع، وكصلة الرحم المحرم. . . حتى لا يصح الرجوع في هبة ذوي الأرحام المحارم. . .، لأنه قد حصل العوض معنى) (¬1). قال العمراني: (فأما إذا وهب لغير ولده، أو ولد ولده، وإن سفل فليس له أن يرجع في هبته له بعد إقباضه له، سواء كان ذا رحم محرم، أو أجنبيًا) (¬2). قال المرغيناني: (وإن وهب هبة لذي رحم محرم منه فلا رجوع فيها. . . ولأن المقصود فيها صلة الرحم وقد حصل) (¬3). قال الموصلي (ولا رجوع فيما يهبه لذي رحم محرم منه. . . لأن المقصود صلة الرحم. . . وفي الرجوع قطيعة الرحم والألفة، لأنها تورث الوحشة والنفرة، فلا يجوز صيانة للرحم عن القطيعة) (¬4). قال الدردير: (وكذا إذا أريد بها الصلة والحنان، أي فإرادة الصلة والحنان من الأب أو الأم تمنع من الاعتصار) (¬5). • مستند الاتفاق: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، مع ما سبق من أدلة في المسألة السابقة. ومنها: الأول: عن سمرة بن جندب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها) (¬6). ¬
[109 - 13] لا يجوز رجوع الزوج فيما وهبه لزوجته
• وجه الاستدلال: أنه نص على حرمة الرجوع في الهبة لذوي الرحم المحرم. الثاني: أن المقصود فيها صلة الرحم وقد حصل (¬1). • وجه الاستدلال: أن الهبة إذا خلت من شرط الثواب فهى فى معنى الصدقة، لا يجوز الرجوع فيها.Rصحة الإجماع في أنه لا يجوز الرجوع بالهبة لذوي الرحم المحرم، بشرط عدم ظهور الثواب من الواهب وذلك لمخالفة المالكية. [109 - 13] لا يجوز رجوع الزوج فيما وهبه لزوجته • المراد بالمسألة: أنه لا يحل للزوج أن يرجع بهبته لزوجته. • من نقل الاتفاق: ابن قدامة (620 هـ) قال: [فحصل الاتفاق على أن ما وهبه الإنسان لذوي رحمه المحرم غير ولد لا رجوع فيه، وكذلك ما وهب الزوج لامرأته، والخلاف فيما عدا هؤلاء] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6)، والشوكاني (¬7). قال ابن حزم: (. . . إلا من وهب لذي رحم فإنه لا يرجع فيها، أو الزوجين أيهما أعطى صاحبه شيئًا طيبة به نفسه فلا رجعة له في شيء منها) (¬8). ¬
قال السرخسي: (عن إبراهيم قال: الرجل والمرأة بمنزلة ذي الرحم المحرم إذا وهب أحدهما لصاحبه هبة لم يكن له أن يرجع فيها، وبه نأخذ فإن ما بينهما من الزوجية نظير القرابة القريبة) (¬1). قال السمرقندي: (ومنها العوض من حيث المعنى، وهو ليس بعوض مالي كالثواب في الصدقة، فإنه يكون عوضًا مانعًا من الرجوع، وكصلة الرحم المحرم وصلة الزوجية، حتى لا يصح الرجوع في همة ذوي الأرحام المحارم، وهبة الزوجين، لأنه قد حصل العوض معنى) (¬2). قال المرغيناني: (وإن وهب هبة لذي رحم محرم منه فلا رجوع فيها. . . ولأن المقصود فيها صلة الرحم وقد حصل، وكذلك ما وهب أحد الزوجين للآخر لأن المقصود فيها الصلة كما في القرابة) (¬3). قال الموصلي: (ولا رجوع فيما يهبه لذي رحم محرم منه أو زوجة أو زوج، لأن المقصود صلة الرحم وزيادة الألفة بين الزوجين) (¬4). قال الخطيب الشربيني: (ولا رجوع لغير الأصول في هبة مقيدة بنفي الثواب أي العوض) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أدلة المسألة السابقة، ويضاف أيضًا: أن المقصود في الهبة الصلة كما في القرابة، وقد حصلت (¬6).Rصحة الإجماع في أنه لا يجوز رجوع الزوج فيما وهبه لزوجته، بشرط عدم ظهور الثواب من الواهب، وذلك لمخالفة المالكية (¬7). ¬
[110 - 14] يجوز الرجوع بالهبة التي يقصد بها الثواب الدنيوي
[110 - 14] يجوز الرجوع بالهبة التي يقصد بها الثواب الدنيوي • المراد بالمسألة: أنَّ من وهب هبة أو أهدى هدية يريد بها شيئًا من الدنيا، كعوض مالي أو شيء يثاب عليه، فجائز له أن يرجع في هبته ما لم يثب عليه. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) قال: [إجماع الصحابة فإنه روي عن سيدنا عمر، وسيدنا عثمان، وسيدنا علي، وعبد اللَّه بن سيدنا عمر، وأبي الدرداء، وفضالة بن عبيد وغيرهم -رضي اللَّه عنهم-، ولم يرد عن غيرهم خلافه فيكون إجماعًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬2)، وابن تيمية (¬3). قال ابن رشد: (ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب جواز الاعتصار في الهبة وهو الرجوع فيها) (¬4). قال الموصلي: (ويجوز الرجوع فيما يهبه للأجنبي) (¬5). قال القرافي (إذا شرط الواهب الثواب أو يرى أنه أراده فلم يثب، فله أخذ هبته إن لم تتغير في بدنها بنماء أو نقص بخلاف البيع، وكذلك إذا أثابه أقل من قيمتها) (¬6). قال ابن تيمية: (أن يكون المقصود بالهبة المعاوضة: مثل من يعطي رجلًا عطية ليعاوضه عليها، أو يقضي له حاجة، فهذا إذا لم يوف بالشرط المعروف لفظًا أو عرفًا فله أن يرجع في هبته أو قدرها) (¬7). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)} [النساء: 86]. • وجه الاستدلال: أن من معاني التحية: الهدية بالمال، لأن الرد إنما يتحقق في الأعيان لا في الأعراض، لأنه عبارة عن إعادة الشيء، وهذا لا يتصور في الأعراض، والمشترك يتعين أحد وجوهه بالدليل (¬1). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها) (¬2). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الواهب أحق بهبته ما لم يصل إليه العوض، وهذا نص في هذا الباب. الثالث: ولأنَّ العوض المالي قد يكون مقصودًا من هبة الأجانب، فإن الإنسان قد يهب من الأجنبي إحسانًا إليه وإنعامًا عليه، وقد يهب له طمعًا في المكافأة والمجازاة عرفًا وعادة. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: الشافعي (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم من الظاهرية (¬5)، والشوكاني (¬6)، فذهبوا إلى عدم جواز الرجوع بالهبة التي يقصد بها الثواب الدنيوي، لأنها من جملة العقود. ¬
[111 - 15] يجوز الرجوع بالوعد بالهبة
• دليلهم: يستند الخلاف إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]. • وجه الاستدلال: فيه وجوب الوفاء به، والهبة من جملة العقود، ولا يحل لأحد إبطالها إلا بنص، ولا نص في إبطالها (¬1). الثاني: عن ابن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه) (¬2). • وجه الاستدلال: أن القيء حرام، فالمشبه به مثله، قال قتادة: ولا نعلم القيء إلا حرامًا (¬3). الثالث: عن ابن عباس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يحل للرجل أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده) (¬4). • وجه الاستدلال: فيه المنع من الرجوع في الهبة، وقيدها أهل العلم إذا لم يقصد بها الثواب. الرابع: أنه واهب لا ولاية له في المال فلم يرجع في هبته، قياسًا على ذي الرحم المحرم (¬5).Rعدم صحة الإجماع في أنه يجوز الرجوع بالهبة التي يقصد بها الثواب، وذلك للخلاف في المسألة. [111 - 15] يجوز الرجوع بالوعد بالهبة • المراد بالمسألة: أن الوعد غير ملزم، فمن وعد آخر بهبة ثم رجع في ¬
وعده فلا يلزمه دفعها إليه، ولكن الواعد إذا ترك الوفاء به فقد فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة تنزيهية شديدة ولكن لا يأثم. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (642 هـ) قال: [أن العدة واجب الوفاء بها وجوب سنة وكرامة، وذلك من أخلاق أهل الإيمان. . وإنما قلنا أن ذلك ليس بواجب فرضًا، لإجماع الجميع على أن من وعد بمال ما كان يضرب به مع الغرماء، كذلك قلنا إيجاب الوفاء به حسن في المروءة، ولا يقضى به، ولا أعلم خلافًا أن ذلك مستحسن، يستحق صاحبه الحمد والشكر على الوفاء به، ويستحق على الخلف في ذلك الذم] (¬1). • وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). قال القرافي: (قال ابن يونس: إذا سألك أن تهب له دينارًا، فقلت: نعم، ثم بدا لك، قال مالك: لا يلزمك. . . قال سحنون: الذي يلزم من العدة: اهدم دارك وأنا أسفلك، أو اخرج إلى الحج، أو اشتر لعملعة كذا، أو تزوج امرأة وألْا أسفلك، لأنك أدخلته بوعدك في ذلك، أما مجردًا لوعد فلا يلزم، بل الوفاء به من مكارم الأخلاق) (¬5). قال النووي: (الوفاء بالوعد مستحب استحبابًا متأكدًا، ويكره إخلافه كراهة شديدة) (¬6). قال الخطيب الشربيني: (ويتأكد استحباب الوفاء بالعهد، كما يتأكد كراهة إخلافه) (¬7). قال الرملى: (ويتأكد استحباب الوفاء بالعهد، كما يتأكد كراهة خلافه) (¬8). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن زيد بن أرقم -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إذا وعد الرجل وينوي أن يفي به فلم يف به فلا جناح عليه) (¬1). • وجه الاستدلال: فيه دليل على عدم وجوب الوفاء بالوعد (¬2). الثاني: عن صفوان بن سليم الزرقي، أن رجلًا قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أكذب لامرأتي؟ فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا خير في الكذب) فقال: يا رسول اللَّه: أفأعدها وأقول لها؟ فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا جناح عليك" (¬3). • وجه الاستدلال: فيه دليل على أن إخلاف الوعد ليس قسيم الكذب، وأنه لا جناح على من أخلف وعده (¬4). الثالث: ويمكن الاستدلال أيضًا بأن الوعد تبرع محض من الواعد، ولا دليل على وجوب التبرع على أحد، خاصة وأن الهبة من عقود التبرعات، وهي بطبيعتها عقود غير لازمة، يجوز فسخها قبل القبض (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬6)، وبعض أهل الظاهر (¬7). ¬
[112 - 16] يجوز لبني هاشم وبني المطلب أن يأكلوا من الهبة
وذهبوا إلى وجوب الوفاء بالوعد، وأنه يلزم مطلقًا. • دليلهم: وحجة ما ذهبوا إليه نصوص الوحيين التي فيهما الأمر بالوفاء بالوعد، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 2 - 3]. • وجه الاستدلال: فيها أن من ألزم نفسه عقدا لزمه الوفاء به، والوعد مما ألزم الشخص نفسه به، وإذا أخلف فهو كاذب. الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذ وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان) (¬1). • وجه الاستدلال: أن إخلاف الوعد قد عده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في خصال المنافقين، والنفاق مذموم شرعًا، وعلى هذا يكون إخلاف الوعد محرمًا فيجب الوفاء بالوعد. الثالث: عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدًا فتخلفه) (¬2). • وجه الاستدلال: أن فيه النهي عن إخلاف الوعد، والنهي يفيد التحريم.Rعدم صحة الإجماع في أن جواز الرجوع بالوعد بالهبة، وذلك للخلاف في المسألة. [112 - 16] يجوز لبني هاشم وبني المطلب أن يأكلوا من الهبة • المراد بالمسألة: لما كانت الصدقة محرمة على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وآل محمد، ¬
وهم: بنو هاشم وبنو المطلب، جاءت النصوص تفيد بحل الهبة، والعطية، للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الهبة والعطية حلال لبني هاشم وبني المطلب ومواليهم] (¬1). ابن عبد البر (650 هـ) قال: [ولا خلاف علمته بين العلماء في بني هاشم وغيرهم في قبول الهدايا والمعروف سواء] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والشوكاني (¬6). قال ابن قدامة: (والصدقة والهدية متغايران فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة) (¬7). قال ابن تيمية: (الصدقة ما يعطى لوجه اللَّه عبادة محضة من غير قصد في شخص معين ولا طلب غرض من جهته لكن يوضع في مواضع الصدقة كأهل الحاجات، وأما الهدية فيقصد بها اكرام شخص معين، إما لمحبة وإما لصداقة، وإما لطلب حاجة، ولهذا كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقبل الهدية، ويثيب عليها، فلا يكون لأحد عليه منة، ولا يأكل أوساخ الناس التي يتطهرون بها من ذنوبهم، وهي الصدقات، ولم يكن يأكل الصدقة لذلك وغيره) (¬8). قال البهوتي: (قال الشيخ: والصدقة أفضل من الهبة لما ورد فيها مما لا يحصر إلا أن يكون في الهبة معنى تكون الهبة به أفضل من الصدقة مثل الإهداء لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- محبة له) (¬9). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة قالت: (كانت في بريرة ثلاث سنن: خيرت على زوجها حين عتقت، وأهدي لها لحم، فدخل علي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والبرمة على النار، فدعا بطعام فأتى بخبز وأدم من أدم البيت، فقال: ألم أر البرمة على النار فيها لحم؟ فقالوا: بلى يا رسول اللَّه، ذلك لحم تصدق به على بريرة فكرهنا أن نطعمك منه، فقال: هو عليها صدقة، وهو لنا منها هدية) (¬1). الثاني: عن أم عطية -رضي اللَّه عنها- قالت: (بعث إليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بشاة من الصدقة، فأرسلت إلى عائشة منها بشيء، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: عندكم شيء؟ فقالت: لا، إلا ما أرسلت به نسيبة من تلك الشاة، فقال: هات فقد بلغت محلها) (¬2). الثالث: عن جويرية بنت الحارث زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليها، فقال: (هل من طعام؟ قالت: لا واللَّه، إلا عظم من شاة أعطيته مولاتي من الصدقة، فقال: قربيه، فقد بلغت محلها) (¬3). • وجه الاستدلال من هذه الأحاديث الثلاث التي هي بمعنى واحد: أن المتصدق عليها قد ملكت تلك الصدقة بوجه صحيح جائز، فقد صارت كسائر ما تملكه بغير جهة الصدقة، وإذا كان كذلك، فمن تناول ذلك الشيء المتصدَّق به من يد المتصدَّق عليه بجهة جائز غير الصدقة، جاز له ذلك، وخرج ذلك الشيء عن كونه صدقة بالنسبة إلى الآخذ من يد المتصدَّق عليه، وإن كان ممن لا تحل له الصدقة في الأصل (¬4). ¬
[113 - 17] تجوز هبة الكافر للمسلم
Rصحة الإجماع في أنه يجوز لبني هاشم وبني المطلب أن يأكلوا من الهبة. [113 - 17] تجوز هبة الكافر للمسلم • المراد بالمسألة: أنه يجوز للمسلم أن يقبل هبة الكافر إذا كانت مما يباح في شريعتنا، وكان الكافر ذميًا أو معاهدًا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: [وأجمعوا على أنه إذا وهب المسلم للذمي أو وهب الذمي للمسلم، وقبض ذلك الموهوب وكان شيئا معلومًا أن ذلك جائز] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6)، والشوكاني (¬7). قال ابن حزم: (وإعطاء الكافر مباح، وقبول ما أعطى هو كقبول ما أعطى المسلم) (¬8). قال النووي: (وأنه يجوز قبول هدية الكافر) (¬9). قال الشوكاني: (الأحاديث المذكورة في الباب تدل على جواز قبول هدية الكافر) (¬10). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي حميد الساعدي -رضي اللَّه عنه- قال: (غزونا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تبوك وأهدى ملك آيلة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بغلة بيضاء وكساه بردًا) (¬11). ¬
[114 - 18] جواز هبة المسلم للحربي
الثاني: عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: (أهدى كسرى إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقبل منه) (¬1). • وجه الاستدلال من الحديثين: ما قاله الشوكاني: (والأحاديث المذكورة في الباب تدل على جواز قبول هدية الكافر) (¬2). والهبة في حكمها. الرابع: هم بعقد الذمة يكونون قد ساووا المسلمين في المعاملات (¬3).Rصحة الإجماع في جواز هبة الكافر للمسلم. [114 - 18] جواز هبة المسلم للحربي • المراد بالمسألة: أنه يجوز أن يهب المسلم للكافر الحربي المعين، بشرط أن لا يكون في هذا الشيء المُهدى عونًا على أذية المسلمين. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [الإجماع على جواز الهبة، والوصية في معناها. . للحربي في دار الحرب] (¬4). القرافي (684 هـ) قال: [له الصرف للحربي وفي المباح حاله الحياة، ولو وهب الحربي ثلث ملكه إجماعًا] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، وابن حزم من ¬
الظاهرية (¬1)، والشوكاني (¬2). قال ابن حزم: (وما وهب أهل الحرب للمسلم الرسول إليهم أو التاجر عندهم فهو حلال، وهبة صحيحة ما لم يكن مال مسلم أو ذمي) (¬3). قال المرغيناني: (وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فأوصى لمسلم أو ذمي بماله كله جاز. . . وكذلك لو أوصى له مسلم أو ذمي بوصية جاز، لأنه ما دام في دار الاسلام فهو في المعاملات بمنزلة الذمي) (¬4). قال الشوكاني: (جواز الهدية للكافر مطلقًا من القريب وغيره، ولا منافاة بين ذلك وما بين قوله تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22]، فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستفتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة، أفأصلُ أمي؟ قال: (نعم، صلي أمك) (¬6). • وجه الاستدلال: أن فيه صلة أهل الحرب، حيث أن أم أسماء كانت مشركة، وكان بين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقريش حربًا دائرة. الثاني: عن ابن عمر: (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كسا عمر حلة فأرسل بها إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم) (¬7). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقر عمر حينما أهدى الحلة لأخيه ¬
[115 - 19] يكره تفضيل الأولاد (الذكور) أو (الإناث) بالهبة
الكافر، وقد كان حربيًا، والهبة بمعنى الهدية. الثالث: أن المنهي عنه هو التولي، وأما البر والصلة فجائزة.Rصحة الإجماع في جواز هبة المسلم للحربي، بشرط أن لا يكون فيه شيء يؤذي المسلمين كالسلاح ونحوه. [115 - 19] يكره تفضيل الأولاد (الذكور) أو (الإناث) بالهبة • المراد بالمسألة: أن من كان له أولادُه ذكور فقط، أو إناثٌ فقط فأعطاهم بالسوية أن ذلك جائز، وأما إذا فاضل بينهم وهم من جنس واحد، كأن يكونوا ذكورًا فقط، أو إناثًا فقط فإنه مكروه، واختلفوا في الكراهة هل هي تحريمية أم تنزيهية؟ (¬1). • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أن تفضيل بعضهم على بعض (يعني بالهبة) مكروه] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن من كان له بنون ذكورًا لا إناث فيهم، أو إناثًا لا ذكور فيهم فأعطاهم كلهم أو أعطاهنَّ كلهنَّ عطاء ساوى فيه ولم يفضل أحدًا أن ذلك جائز نافذ] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية، وكراهة التفضيل] (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وابن حزم من الظاهرية (¬4). قال ابن حزم: (وأما النفقات الواجبات فقوله عليه الصلاة والسلام: اعدلوا بين أولادكم. ايجاب لأن ينفق على كل واحد ما لا قوام له إلا به، ومن تعدى هذا فلم يعدل بينهم، وكذلك هذا القول منه عليه الصلاة والسلام إيجاب للتسوية بين الذكر والأنثى، وليس هذا من المواريث في شيء) (¬5). قال السرخسي: (أنه ينبغي للوالد أن يسوي بين الأولاد في العطية عند محمد على سبيل الإرث للذكر مثل حظ الأنثيين، وعند أبي يوسف يسوي بين الذكور والإناث) (¬6). قال السمرقندي: (. . . ينبغي أن يسوي بين أولاده في الهبة) (¬7). قال ابن رشد: (واختلفوا في تفضيل الرجل بعض ولده على بعض في الهبة، أو في هبة جميع ماله لبعضهم دون بعض، فقال جمهور فقهاء الأمصار بكراهية ذلك له، ولكن إذا وقع عندهم جاز) (¬8). قال النووي: (ينبغي للوالد أن يعدل بين أولاده في العطية) (¬9). قال الخطيب الشربيني: (ويسن للوالد العدل في عطية أولاده بأن يسوي بين الذكر والأنثى) (¬10). قال عبد الرحمن بن قاسم: (فإن فضل بعضهم بأن أعطاه فوق إرثه أو خصّه سوى وجوبًا برجوع حيث أمكن أو زيادة لمفضول ليساوي الفاضل كما ¬
لو أعطى أحد ابنيه عشرة والآخر خمسة، زاده خمسة ليتساويا في الهبة) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90]. • وجه الاستدلال: أن فيها الأمر بالعدل في كل شيء، ومنه العدل بين الأولاد في الهبات والعطايا. الثاني: عن النعمان بن بشير قال: (إن أبي بشير وهب لي هبة فقالت أمي: أشهد عليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخذ بيدي فانطلق حتى أتينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، إن أم هذا الغلام سألتني أن أهب له هبة فوهبتها له فقالت: أشهد عليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتيتك لأشهدك. فقال: (رويدك، ألك ولد غيره؟ ) قال: نعم. قال: أكلهم أعطيتهم كلما أعطيته؟ ) قال: لا. قال: (فلا تشهدني على جور، إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم) (¬2). • وجه الاستدلال: أنه صريح في عدم جواز التفضيل بين الأولاد، بدليل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أشهد على هذا غيري) وهذا ليس إذنًا بل هو تهديد لتسميته إياه جورًا. الثالث: أن هذا يفضي إلى العقوق، وقطيعة الرحم، ويوقع العداوة والبغضاء بين الأولاد، وهذا مما تنهى عنه الشريعة، ولأن في التسوية تأليف القلوب، والتفضيل يورث الوحشة بينهم، فكانت التسوية أولى (¬3).Rصحة الإجماع في أنه يكره تفضيل الأولاد الذكور أو الإناث بالهبة. ¬
[116 - 20] يكره تخصيص بعض الأولاد بالهبة دون بعض
[116 - 20] يكره تخصيص بعض الأولاد بالهبة دون بعض • المراد بالمسألة: في المسألة السابقة كراهية التفضيل بين الأولاد في الهبة، وهنا كراهية التخصيص، بمعنى أن يعطي بعضًا ويمنع الآخرين، فذهب الجمهور إلى الكراهة التنزيهية (¬1). • من نقل الاتفاق: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أن تخصيص بعضهم بالهبة مكروه] (¬2). • الموافقون على الاتفاق: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال ابن رشد: (واختلفوا في تفضيل الرجل بعض ولده على بعض في الهبة، أو في هبة جميع ماله لبعضهم دون بعض، فقال جمهور فقهاء الأمصار بكراهية ذلك له) (¬6). قال النووي: (ينبغي للوالد أن يعدل بين أولاده في العطية، فإن لم يعدل، فقد فعل مكروهًا، لكن تصح الهبة، والأولى في هذه الحال أن يعطي الآخرين ما يحصل به العدل، ولو رجع جاز) (¬7). قال ابن تيمية: (لا يحل له أن ينحل بعض أولاده دون بعض، بل عليه أن يعدل بينهم) (¬8). قال البهوتي: (فإن خص بعضهم بالعطية أو فضله في الإعطاء بلا إذن الباقي أثم. . . وعليه الرجوع فيما خص أو فضل به حيث أمكن أو إعطاء الآخر ولو في مرض الموت المخوف حتى يستووا بمن خصه أو فضله) (¬9). ¬
[117 - 21] يقبض الأب الهبة للطفل من نفسه
قال الشوكاني: (وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضًا صح وكره) (¬1). مستند الاتفاق: يستند الإجماع إلى أدلة الجمهور المسألة السابقة، وحملوها على الكراهة التنزيهية (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنابلة (¬3)، وأبو يوسف من الحنفية (¬4)، ورواية عن الإمام مالك (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6) حيث ذهبوا إلى حرمة تخصيص بعض الأولاد دون بعض (¬7). دليلهم: يستند الإجماع إلى أدلة المسألة السابقة، وحملوا النهي فيها على التحريم؛ لعدم الصارف (¬8).Rعدم صحة الإجماع في كراهية تفضيل بعض الأولاد بالهبة دون بعض، وذلك للخلاف الوارد في المسألة. [117 - 21] يقبض الأب الهبة للطفل من نفسه • المراد بالمسألة: أن الأب إذا وهب لابنه الصغير شيئًا من عنده، فإنه يقوم مقام ابنه في القبول والقبض، وذلك لعجز الصغير عن القبض. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن الرجل إذا وهب لولده الطفل دارًا بعينها أو عبدًا بعينه، وقبضه له من نفسه وأشهد عليه أن الهبة تامة] (¬9). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). قال السرخسي: (وكل شيء وهبه لابنه الصغير وأشهد عليه وذلك الشيء معلوم فهو جائز، والقبض فيه بإعلام ما وهبه له والاشهاد له ليس بشرط بل الهبة تتم بالاعلام) (¬5). قال العمراني: (وإن كان وليه أباه أو جده، صح أن يقبل له الهبة من نفسه، لأنه يجوز له أن يبتاع ماله بماله) (¬6). قال المرغيناني: (وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبة ملكها الابن بالعقد، لأنه في قبض الأب فينوب عن قبض الهبة، ولا فرق بين ما إذا كان في يده أو في يد مودعه لأن يده كيده) (¬7). قال ابن قدامة: (فإن وهب الأب لابنه شيئًا، قام مقامه في القبض والقبول إن احتيج إليه) (¬8). قال البهوتي: (ويقبض لطفل وهبه وليه هبة أبوه فقط من نفسه، فيقول: وهبت ولدي كذا وقبضته له) (¬9). قال الدردير: (وصح حوز واهب شيئًا وهبه لمحجوره من صغير أو سفيه أو مجنون كان وليه الواهب أبًا أو غيره، لأنه هو الذي يحوز له) (¬10). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
[118 - 22] يقبض الأب الهبة للطفل إذا كانت من غيره
الأول: عن سعيد بن المسيب أن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- قال: (منتحل ابنًا له صغيرًا لم يبلغ أن يحوز نحلته، فأعلن ذلك وأشهد عليه فهي حيازة وإن وليها) (¬1). الثاني: ولأن الطفل لا يصح قبضه لنفسه، ولا قبوله لأنه ليس من أهل التصرف، ووليه يقوم مقامه في ذلك (¬2). الثالث: ولأن القبض يكون من المتهب أو نائبه، والولي نائب بالشرع، فصح قبضه له، أما غيره فلا نيابة له (¬3).Rصحة الإجماع في أن الأب يقبض الهبة للطفل من نفسه. [118 - 22] يقبض الأب الهبة للطفل إذا كانت من غيره • المراد بالمسألة: هذه المسألة تختلف عن السابقة، فتلك تتحدث عن قبض الأب الهبة لولده إذا وهبها هو إياه، وهذه تتحدث عن هبة الغير للطفل، فمن الذي يقوم بقبض الهبة؟ فالإجماع المحكي هنا على أن الأب، أو من يقوم مقامه كالوصي، أو الحاكم، هم الذين يقومون بقبضها دون غيرهم، أما الأم والأولاد فلا يقبضون عنه. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أنه يقبض للطفل الصغير أبوه أو وليه] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [وجمهور فقهاء الأمصار على أن الأب يحوز لابنه الصغير الذي في ولاية نظره. . وأنه يكفي في إشهاده بالهبة والإعلان بذلك، وذلك كله فيما عدا الذهب والفضة وفيما لا يتعين] (¬5). ¬
ابن قدامة (620 هـ) قال: [(ويقبض للطفل أبوه، أو وصيه، أو الحاكم، أو أمينه بأمره. .) ولا يصح القبض والقبول من غير هؤلاء. . وهذا مذهب الشافعي، ولا أعلم فيه خلافًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2). قال العمراني: (إذا وهب غير ولي الطفل للطفل هبة، فإن كان له أب أو جد، وكان عدلًا، قبل له الهبة، وقبض له، لأنه هو المتصرف عنه، وإن كان فاسقًا، لم يصح قبوله ولا قبضه، لأنه لا ولاية له عليه مع الفسق) (¬3). قال الكاساني: (فيقبض للصبي وليه، أو من كان الصبي في حجره وعياله عند عدم الولي، فيقبض له أبوه. . .) (¬4). قال النووي: (إذا كانت الهبة لمن ليس له أهلية القبول، نظر، إن كان الواهب أجنبيًا، قبل له من يلي أمره من ولي ووصي وقيم) (¬5). قال ابن عابدين: (وإن وهب له أجنبي يتم بقبض وليه وهو أحد أربعة: الأب، ثم وصيه، ثم الجد، ثم وصيه) (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن سعيد بن المسيب أن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- قال: (منتحل ابنًا له صغيرًا لم يبلغ أن يحوز نحلته، فأعلن ذلك وأشهد عليه فهي حيازة وإن وليها) (¬7). الثاني: أن الطفل لا يصح قبضه لنفسه، ولا قبوله، لأنه ليس من أهل ¬
[119 - 23] قبول الإخبار بالهبة
التصرف، ووليه يقوم مقامه، فإن كان له أب أمين فهو وليه لأنه أشفق عليه، وأقدر على حفظ مال الصغير (¬1). الثالث: إذا لم يوجد الوصي، فنائبه، أو الحاكم، لأنه نائب بالشرع فصح قبضه له، أما غيره فلا نيابة له (¬2). الرابع: ولأنه يملك عليه الدائر بين النافع والضار فأولى أن يملك عليه النافع (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية في المفتى به عندهم (¬4) فذهبوا إلى أن صحة قبض كل من هو في عياله كالأم، والأخ، والعم، ولو بحضور الأب، أو وصيه. • دليلهم: أن فيه نفعًا للصغير، فلا ينبغي أن يفوت، وأنه لو كان الغير مميزًا لجاز أن يقبض مع وجود الأب (¬5).Rعدم صحة الإجماع في أن الأب يقبض الهبة للطفل إذا كانت من غيره. [119 - 23] قبول الإخبار بالهبة • المراد بالمسألة: أن الهبة إذا جاء بها رسول الواهب جاز للموهوب له ¬
قبولها، فإذا قبضها حازها. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا على استباحة الهدية وإن كانت من الرقيق لخبر الذي يأتي بها ولو أنه امرأة أو صبي أو ذمي أو عبد] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال البهوتي: (ولو وهب انسان لغائب هبة وأنفذها الواهب مع رسول الموهوب له أو مع وكيله ثم مات الواهب أو مات الموهوب له قبل وصولها إليه لزم حكمها وكانت للموهوب له) (¬6). قال الدسوقي: (سواء استصحب أي استصحبها الواهب معه، أو أرسلها مع رسول) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أم سلمة -رضي اللَّه عنها- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها: (إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة علي، فإن ردت علي فهي لك. وكان كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬8). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث الهدية مع أحد أصحابه، فدل فعله على جواز إرسال الرسل بالهدايا، والهبات مثلها. الثاني: عن عبد اللَّه بن بسر -رضي اللَّه عنه- قال: (كانت أختي ربما بعثتني بالشيء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تطرفه إياه فيقبله مني) (¬9). ¬
[120 - 24] عدم قبول الموهوب له الهبة رجوع بها إلى صاحبها
• وجه الاستدلال: قال المجد ابن تيمية: وهو دليل على قبول الهدية برسالة الصبي، لأن عبد اللَّه بن بسر -رضي اللَّه عنه- كان كذلك مدة حياة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1).Rصحة الإجماع في قبول الإخبار بالهبة من الصغار والكبار. [120 - 24] عدم قبول الموهوب له الهبة رجوع بها إلى صاحبها • المراد بالمسألة: إذا رفض الموهوب له الهبة، فإنه يدل على عدم قبوله لها، ومن ثم ترجع إلى الواهب، ولا تحل لغيره إلا بطيب من نفسه. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن المتصدق عليه أو الموهوب له أو المعطى أو المهدى إليه، إذا لم يقبل شيئًا من ذلك أنه راجع إلى من نفح له بشيء من ذلك، وأنه حلال يملكه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والشوكاني (¬7). قال العمراني: (الهبة والهدية وصدقة التطوع حكمها واحد. . . ولا يصح شيء من هذا كله إلا بالإيجاب والقبول) (¬8). قال القرافي: (قال ابن يونس: ويكفي قولك قبلت فيما في يدك، وإن لم تقل قبلت حتى مات بطلت) (¬9). قال المرداوي: (لو مات المتهب قبل قبوله: بطل العقد على الصحيح من المذهب) (¬10). ¬
قال الخطيب الشربيني: (وشرط الهبة إيجاب وقبول لفظًا من الناطق مع التواصل المعتاد كالبيع) (¬1). قال الدسوقي: (. . . فلا بد من قبوله، لأن الإبراء يحتاج إلى قبول أي بناء على أنه نقل للملك، وحاصله: أنه اختلف في الإبراء، فقيل إنه نقل للملك فيكون من قبيل الهبة، وهو الراجح، وقيل إنه إسقاط للحق، فعلى الأول يحتاج لقبول دون الثاني) (¬2). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وتنعقد الهبة بالإيجاب والقبول، بأن يقول: وهبتك، أو أهديتك، أو أعطيتك، فيقول: قبلت، أو رضيت، ونحوه) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أم سلمة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها: (إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة علي، فإن ردت علي فهي لك. وكان كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬4) • وجه الاستدلال: فيه دليل على اعتبار القبول، لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما قبض الهدية التي بعث بها إلى النجاشي بعد رجوعها دل ذلك على أن الهدية لا تملك بمجرد الإهداء، بل لا بد من القبول، ولو كانت تملك بمجرد ذلك لما قبضها -صلى اللَّه عليه وسلم-، لأنها قد صارت ملكًا للنجاشي لما بعثها إليه (¬5). الثاني: القياس على البيع والنكاح، لأنه تمليك آدمي لآدمي، فافتقر إلى الإيجاب والقبول، كالبيع والنكاح (¬6). الثالث: لأن السبب الناقل للملك هو صيغة الإيجاب والقبول (¬7). ¬
[121 - 25] يجوز هبة كل المال
Rصحة الإجماع في أن عدم قبول الهبة رجوع بها إلى صاحبها. [121 - 25] يجوز هبة كل المال • المراد بالمسألة: يجوز للمرء أن يهب جميع ماله في حياته ما دام في حال الصحة، بخلاف حال الموت فإنه راجع للثلث. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) قال: [وعمدة الجمهور (¬1) أن الإجماع منعقد على أن للرجل أن يهب في صحته جميع ماله للأجانب دون أولاده، فإن كان ذلك للأجنبي فهو للولد أحرى] (¬2). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال السرخسي: (فإن قال: جميع ما أملك صدقة في المساكين، فعليه أن يتصدق بجميع ما يملك) (¬6). قال الموصلي: (ولو نذر أن يتصدق بملكه فهو على الجميع) (¬7). قال القرافي: (جوّز مالك الصدقة بماله كله. . . وكره مالك والأئمة هبة ماله كله لأجل بنيه) (¬8). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما جاء عن: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: (أمرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نتصدق فوافق مالًا عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما أبقيت لأهلك؟ ) قلت: أبقيت لهم مثله، فأتى أبو بكر -رضي اللَّه عنه- بكل ما عنده فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما أبقيت لأهلك؟ ) فقال: اللَّه ورسوله، فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدًا) (¬1). • وجه الاستدلال: فيه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل من أبي بكر أن يتصدق بماله كله، فدل على الجواز، والهبة في معنى الصدقة، لأنها من التبرعات. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في المسألة عن: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- (¬2)، وعروة بن الزبير (¬3)، والزهري (¬4)، وابن حزم من الظاهرية (¬5). فذهبوا إلى عدم جواز هبة كل المال. • دليلهم: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول) (¬6). • وجه الاستدلال: أنه إذا كان أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، فلا ¬
[122 - 26] لا تصح هبة المشاع فيما ينقسم
شك أن ما زاد في الصدقة ونقص في الخير فلا أجر فيه، ولا فضل فيه، وأنه باطل ومحرم. الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه أن رجلًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمثل البيضة من الذهب، فقال: يا رسول اللَّه هذه صدقة ما تركت لي مالًا غيرها، فحذفه بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلو أصابه لأوجعه، ثم قال: (ينطلق أحدكم فينخلع من ماله، ثم يصير عيالًا على الناس) (¬1). • وجه الاستدلال: أن في رد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صدقة الرجل دليل على حرمة التصدق بجميع المال (¬2). الثالث: عن كعب بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قلت يا رسول اللَّه، إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلى اللَّه وإلى رسوله. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أمسك بعض مالك فهو خير لك) قال: فقلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر) (¬3). • وجه الاستدلال: أن عدم إذن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لجابر بالتصدق بجميع ماله دليل على التحريم. الرابع: أن كل عقد جمع حلالًا وحرامًا فهو عقد مفسوخ كله (¬4).Rعدم صحة الإجماع في جواز هبة كل المال وذلك للخلاف المذكور. [122 - 26] لا تصح هبة المشاع فيما ينقسم • المراد بالمسألة: أن المشاع من الأموال إذا كان مما ينقسم فلا تجوز هبته، كالدور، والأراضين، والمذروعات، والموزونات، والمكيلات، وأما ¬
إذا كان مما لا يحتمل القسمة فإنه يجوز هبته، كالرأس الواحد من الحيوان، والسيف، واللؤلوة، والثوب، ونحو ذلك. • من نقل الإجماع: السمرقندي (539 هـ) قال: [ولو قال وهبت لك نصفها ولهذا نصفها: لم يجز بالإجماع، لأن العقد وقع في المشاع في كل نصف] (¬1). الكاساني (587 هـ) قال: [فلا تجوز هبة المشاع فيما يقسم. . ولنا إجماع الصحابة] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع: قال السرخسي: (وإذا وهب الرجل للرجل نصيبًا مسمى من دار غير مقسومة، وسلمه إليه مشاعًا، أو سلم إليه جميع الدار لم يجز) (¬3). قال العمراني: (وإن كانت مما ينقسم كالدار والأرض والطعام لم يصح هبة جزء منها مشاع من الشريك ولا من غيره) (¬4). قال الموصلي: (وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزة، وفيما يقسم لا تجوز) (¬5). قال القرافي: (هبة المشاع جائزة فيما تتعذر قسمته كالجوهر والحيوان وممتنعة فيما يمكن قسمته) (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: ما رُوي من قصة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- في حديث هبته لعائشة -رضي اللَّه عنها- حيث قال لها عند موته: (. . وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقًا من مالي ¬
بالعالية، وإنك لم تكوني قبضتيه ولا حزتيه، وإنما هو مال الورثة. .) (¬1). • وجه الاستدلال: قالوا هذا دليل على منع هبة المشاع. الثاني: قالوا بأن المشاع الذي ينقسم لا يمكن قبضه. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). فذهبوا إلى جواز هبة المشاع فيما ينقسم. واحتجوا بما يلي: الأول: عن قيس بن أبي حازم -رضي اللَّه عنه- قال: أتى رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكبة شعر من الغنيمة، فقال: يا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هبها لي، فإنا أهل بيت نعالج الشعر، فقال: (نصيبي منها لك) (¬5). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهبه شيئا مما ينقسم، لأن حصته مشاعة غير مقسومة، ولم يكن ليملكه منها إلا ما يجوز له أن يملكه، فدل على الجواز. الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-: (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اشترى من رجل بعيرًا فلما أن وزن له رجح له) (¬6). • وجه الاستدلال: أن الرجحان غير مفروز من الثمن الذي وزن له، فدل على أن هذه هبة مشاع لم ينقسم (¬7). ¬
[123 - 27] هبة المشاع الذي لا ينقسم تامة
Rعدم صحة الإجماع في أنه لا تصح هبة المشاع فيما ينقسم، وما حكاه الكاساني من الإجماع إنما هو إجماع مذهبي. [123 - 27] هبة المشاع الذي لا ينقسم تامة • المراد بالمسألة: أن المشاع من الأموال إذا كان مما لا ينقسم تجوز هبته، كالرأس الواحد من الحيوان، والسيف، واللؤلوة، والثوب، ونحو ذلك، فالهبة تامة. • من نقل الإجماع: السمرقندي (539 هـ) قال: [ولو وهب عبدًا من رجلين، أو شيئًا مما لا يقسم: جاز بالإجماع] (¬1). الزيلعي (742 هـ) قال: [واجمعوا على أن هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة كالعبد والدابة تامة] (¬2). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال العمراني: (كل عين صحت هبتها، صحّ هبة جزء منها مشاع) (¬6). قال الكاساني: (فلا تجوز هبة المشاع فيما يقسم وتجوز فيما لا يقسم كالعبد والحمام والدن ونحوها) (¬7). قال ابن قدامة: (وتصح هبة المشاع) (¬8) قال الموصلي: (وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزة) (¬9). قال القرافي: (هبة المشاع جائزة فيما تتعذر قسمته كالجوهر ¬
[124 - 28] لا يجوز هبة جزء من إنسان أو حيوان
والحيوان) (¬1). قال البهوتي: (وتصح هبة المشاع من شريكه ومن غيره منقولًا كان كجزء من نحو فرس أو غيره كجزء من عقار ينقسم كالثوب أو لا كالعبد) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اشترى من رجل بعيرًا فلما أن وزن له رجح له) (¬3). • وجه الاستدلال: أن الرجحان غير مفروز من الثمن الذي وزن له، فدل على أن هذه هبة مشاع لم ينقسم (¬4). الثاني: عن المسور بن مخرمة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: أما بعد فإن إخوانكم هولاء جاؤنا تائبين، وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل. . . فقال الناس: طيبنا يا رسول اللَّه لهم) (¬5). • وجه الاستدلال: فيه أن النبي وهب هو وأصحابه لهوازن ما غنموا منهم وهو غير مقسوم (¬6).Rصحة الإجماع في أن هبة المشاع الذي لا ينقسم تامة. [124 - 28] لا يجوز هبة جزء من إنسان أو حيوان • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن هبة فروج النساء، أو عضوًا من عبد أو أمة، أو عضوًا من حيوان، لا يجوز ذلك، ¬
وكذلك الصدقة به والعطية والهدية] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الكاساني: (. . . ومنها أن يكون مالًا متقومًا فلا تجوز هبة ما ليس بمال أصلًا كالحر والميتة والدم وصيد الحرم. . . وغير ذلك. . . ولا هبة ما ليس بمال مطلق كأم الولد والمدبر المطلق. . .) (¬6). قال النووي: (فما جاز بيعه جازت هبته وما لا فلا هذا هو الغالب) (¬7). قال القرافي: (الموهوب ففي الجواهر: هو كل مملوك يقبل النقل مباح في الشرع، كان معلومًا أو مجهولًا) (¬8). قال البهوتي: (وتصح هبة مصحف. . .، وهبة كل ما يصح بيعه فقط، لأنها تمليك في الحياة فصحت فيما صحّ فيه البيع، وما لا يصح بيعه لا تصح هبنه على المذهب) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ¬
[125 - 29] لا يصح هبة المعدوم
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} [المؤمنون: 5 - 6]. • وجه الاستدلال: أن البُضع جزء من الإنسان، أمر اللَّه سبحانه وتعالى بالمحافظة عليه، وحرم بذله في غير طريقه الصحيح، فهبتة بذل له في طريق محرم. الثاني: الإجماع أن وطء الفروج لا يحل إلا بملك تام، أو نكاح صحيح، وهذا ليس من النكاح، ولا هو من ملك اليمين (¬1). الثالث: أن غير المقدور عليه كما لا يجوز بيعه لا يجوز هبته، فالجزء غير مقدور على تسليمه (¬2).Rصحة الإجماع في أنه لا يجوز هبة الجزء من الإنسان أو الحيوان. [125 - 29] لا يصح هبة المعدوم • المراد بالمسألة: أن من شرط صحة الهبة أن يكون الشيء الموهوب موجودًا، وعليه فلا يصح هبة الشيء المعدوم الذي لم يوجد أصلًا، كهبة ما تحمل أمته أو تثمر شجرته. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [وإن وهب دهن سمسمه قبل عصره أو زيت زيتونه أو جفته لم يصح، وبهذا قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم لهم مخالفًا] (¬3). شمس الدين ابن قدامة (620 هـ) قال: [وإن وهب دهن سمسمه قبل عصره أو زيت زيتونه أو جفته لم يصح، وبهذا قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم لهم مخالفًا] (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2) وابن حزم من الظاهرية (¬3). قال ابن حزم: (لا تجوز هبة إلا في موجود، معلوم معروف القدر والصفات والقيمة وإلا فهي باطل مردودة) (¬4). قال العمراني: (وما لا يصح بيعه من المجهول، وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملكه عليه لا تصح هبته، لأنه عقد تمليك في حال الحياة فلم يصح فيما ذكرناه كالبيع) (¬5). قال الكاساني: وأما ما يرجع إلى الموهوب فأنواع منها: أن يكون موجودًا وقت الهبة، فلا تجوز هبة ما ليس بموجود وقت العقد، بأن وهب ما يثمر نخله العام وما تلد أغنامه السنة ونحو ذلك بخلاف الوصية، والفرق أن الهبة تمليك للحال وتمليك المعدوم محال) (¬6) • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قياس الهبة على البيع، قالوا فما صح بيعه صحت هبته، وما لا يصح بيعه لا تصح هبته (¬7). الثاني: أن اللَّه سبحانه وتعالى حرم أموال الناس إلا بطيب من أنفسهم، ولا يجوز أن تطيب النفس على ما لا تعرف صفاته، ولا ما هو، ولا ما قدره (¬8) الثالث: ولأن المعدوم ليس محلًا للملك فوقع العقد باطلًا (¬9). ¬
[126 - 30] لا يجوز هبة فروج النساء، أو عضوا من عبده أو من حيوان
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬1)، وابن تيمية (¬2). فذهبوا إلى صحة وجواز هبة المعدوم، قال ابن تيمية: (ومذهب مالك أرجح) (¬3). • دليلهم: الأول: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- في قصة وفد هوازن، وسؤالهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يرد عليهم سبيهم وأموالهم، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم) (¬4). • وجه الاستدلال: أن رسول اللَّه وهب نصيبه ونصيب بني عبد المطلب، والنبي لا يعلم قدره، فهو مجهول. الثاني: أن الهبة من التبرعات، وباب التبرعات ليس كباب المعاوضات، فلا تضر الجهالة فيها، كالنذر والوصية (¬5). الثالث: ويمكن أن يقال أيضًا بأن الشارع الحكيم رغب في فعل الخير والبر، وهبة المعدوم من هذا الباب.Rعدم صحة الإجماع في صحة وجواز هبة المعدوم، وذلك للخلاف في المسألة. [126 - 30] لا يجوز هبة فروج النساء، أو عضوًا من عبده أو من حيوان • المراد بالمسألة: من مقاصد الشريعة حماية الأعراض والفروج، وذلك ¬
لما يترتب على التهاون فيها من فساد عريض، ولذلك لا يصح هبة الفروج إلا بتمليك تام، كأن يهب جاريته مثلًا، ويدخل فيها البضع، وكذلك لا يجوز هبة الأعضاء بمفردها، كيدٍ أو رجلٍ. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن هبة فروج النساء، أو عضوًا من عبد أو أمة، أو عضوًا من حيوان، لا يجوز ذلك. .] (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجًا وهب له دون رقبته] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الخطيب الشربيني: (الجارية المرهونة إذا استولدها الراهن أو أعتقها وهو معسر، فإنه يجوز بيعها للضرورة، ولا يجوز هبتها لا من المرتهن ولا من غيره) (¬6). قال ابن عابدين: (لا تصح هبة المولى لأم ولده ولو في مرضه، ولا تنقلب وصية إذ لا يد للمحجور) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)} [المعارج: 29 - 30]. • وجه الاستدلال: أن البُضع جزء من الإنسان، أمر اللَّه سبحانه وتعالى بالمحافظة عليه، وحرم بذله في غير طريقه الصحيح، فهبة بذل له في طريق محرم. الثاني: الإجماع أن وطء الفروج لا يحل إلا بملك تام، أو نكاح ¬
[127 - 31] هبة الرجل ماله على الرجل أو إبراء المدين من دينه
صحيح، وهذا ليس من النكاح، ولا هو من ملك اليمين (¬1). الثالث: ولأن منافع البضع ملحقة بالأجزاء والأعيان، فلا تستقل بنفسها، بل هي تابعها (¬2).Rصحة الإجماع في أنه لا يجوز هبة فروج النساء، أو عضوًا من عبده أو من حيوان. [127 - 31] هبة الرجل ماله على الرجل أو إبراء المدين من دينه • المراد بالمسألة: أن من كان له على آخر حق مالي، فوهبه له بلفظ الإبراء أو الإسقاط أن ذلك جائز. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال. [وأجمعوا على أن الرجل إذا وهب ماله على رجل منه وأبرأه وقبل البراءة أن ذلك جائز] (¬3). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن من كان له عند آخر حق واجب معروف القدر غير مشاع فأسقطه عنه بلفظ الوضع والإبراء أن ذلك جائز للواضع المبرئ] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). قال النووي: (إذا وهب الدين لمن هو عليه، فهو إبراء، ولا يحتاج إلى القبول على المذهب) (¬8). قال الخطيب الشربيني: (وهبة الدين للمدين إبراء له منه لا يحتاج قبولًا ¬
نظرًا للمعنى) (¬1). قال البهوتي: (وإن أبرأ غريم غريمه من دينه صح أو تصدق به عليه صح، أو وهبه له صح. . .) (¬2). قال الدردير: (وهو أي الدين، أي هبته إبراء إن وهب لمن هو عليه، وحاصله: أنه اختلف في الإبراء، فقيل إنه نقل للملك فيكون من قبيل الهبة وهو الراجح) (¬3). قال ابن عابدين: (لو وهب الدين من الغريم لم يفتقر إلى القبول) (¬4). قال عبد الرحمن بن قاسم: (ومن أبرأ غريمه من دينه ولو قبل وجوبه بلفظ الإحلال أو الصدقة أو الهبة ونحوها كالإسقاط أو الترك أو التمليك أو العفو، برئت ذمته) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92]. • وجه الاستدلال: أن في هذا إبراء من الدية بلفظ الصدقة (¬6). الثاني: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237]. • وجه الاستدلال: أنه يعني به الإبراء من الصداق (¬7). الثالث: عن جابر بن عبد اللَّه أن أباه قتل يوم أحد شهيدا فاشتد الغرماء في حقوقهم فأتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلمته فسألهم أن يقبلوا ثمر حائطي وبحللوا أبي فأبوا. . .) (¬8). ¬
• وجه الاستدلال: أنهم لو قبلوا كان في ذلك براءة ذمته من بقية الدين وهذا هو هبة الدين، ولو لم يكن جائزا لما طلبه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1).Rصحة الإجماع في هبة الرجل ماله على الرجل بلفظ الإبراء وغيره. * * * ¬
الفصل السادس: مسائل الإجماع في باب تصرفات المريض
الفصل السادس: مسائل الإجماع في باب تصرفات المريض [128 - 1] تصرفات المريض مرض الموت المالية تُخرج من الثلث كالوصية • المراد بالمسألة: تصرفات المريض، أي: عطاياه، فتصرفات المريض المالية يطلق عليها أهل العلم عطايا، مفرد عطية، وأما الهبة، فتصرفاته المالية في الصحة، وأما الوصايا فما يهبه الإنسان بعد وفاته (¬1). • والمراد بالمسألة: أن المرض الذي يلازم به صاحبه الفراش، ولا يعذر معه على شيء من التصرف، ويغلب على القلوب أنه يتخوف عليه منه الموت، إذا أوصى بماله، فلا ينفذ منه إلا الثلث. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [فالعلماء مجمعون قديمًا وحديثًا على أنه لا يجوز له أن يقضي في ماله -أي المريض مرض المخوف- بأكثر من الثلث] (¬2). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على عطايا المريض وهباته من الثلث] (¬3). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [فدل الحديث وما في معناه، على الإذن بالتصرف في ثلث المال عند الوفاة، وهو مذهب جمهور العلماء] (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2) والشوكاني (¬3). قال ابن قدامة: (التبرعات المنجزة. . . إن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت فهي من ثلث المال في قول جمهور العلماء) (¬4). قال النووي: (التبرعات المعلقة بالموت -وهي الوصايا- معتبرة من الثلث، سواء أوصى بها في صحته، أو في مرضه، وكذلك التبرعات المنجزة في المرض المخوف المتصل بالموت معتبرة من الثلث (¬5). قال الشوكاني: (تصرفات المريض إنما تنفذ من الثلث ولو كانت منجزة في الحال ولم تضف إلى بعد الموت) (¬6). قال الدسوقي عن الوصية في المرض: (. . . وأنها في الثلث أي ويعلم أن الوصية إنما تكون في الثلث لا في زائد عليه) (¬7). قال عبد الغني الميداني: (ومن أعتق عبدًا في مرضه أو باع وحابى، أو وهب، فذلك كله جائز يعتبر من الثلث، ويضرب به مع أصحاب الوصايا) (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- قال: (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول اللَّه، إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي ¬
مالي؟ قال: لا، قلت: بالشطر يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، أو كبير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) (¬1). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأذن لسعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- في مرضه المخوف أن يتصرف في ماله بأكثر من الثلث، فدل على أن تصرفات المريض مرض الموت في الثلث فقط، كالوصية المجتمع عليها (¬2). الثاني: عن عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه-: أن رجلًا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم (فدعاهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فجزأهم أثلاثًا، ثم أقرع بينهم، وأعتق اثنين، وأرقَّ أربعة، وقال له قولًا شديدًا) (¬3) • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رد ما زاد على الثلث، وأقر الثلث، فدل على بطلان وصية المريض مرضًا مخوفًا فيما زاد على الثلث (¬4). الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن اللَّه تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أَموالكم، زيادة لكم في أعمالكم) (¬5) • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أن اللَّه رخص للمريض مرض الموت أن يوصي بحدود الثلث عند وفاته، فدل على عدم جواز الزيادة. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: طاووس (¬6)، وداود (¬7)، ¬
[129 - 2] جواز تصرف المريض في ثلث ماله
وابن حزم الظاهريان (¬1)، فذهبوا إلى أن تصرف المريض لا حد له، فيتصدق بما شاء في حال صحته وفي حال مرضه سواء. • دليلهم: يستند الخلاف إلى عدة أدلة، منها: لأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)} [الحج: 77]. وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)} [البقرة: 237]. • وجه الدلالة من الآيتين: أن فيهما الحث على فعل الخيرات، وعدم نسيان الفضل بين المؤمنين أو الأزواج، ولم يخص صحيحًا من مريض (¬2). الثاني: لأنه لما كان ما أنفقه من ماله في ملاذه وشهواته من رأس ماله كان ما يتقرب به من عتقه وهباته ومحاباته أولى أن تكون من رأس ماله (¬3).Rصحة الإجماع في أن تصرفات المريض مرض الموت تكون من الثلث فقط، وأما خلاف الظاهرية فهو مردود لأمرين: الأول: أن قولهم في مقابل النص، والأحاديث الصريحة التي أوردها الجمهور، تقضي على نصوصهم العامة. الثانى: شذوذهم عن الجمهور، قال ابن عبد البر: (والحجة عليهم شذوذهم عن السلف ومخالفة الجمهور) (¬4). [129 - 2] جواز تصرف المريض في ثلث ماله • المراد بالمسألة: يجوز للمريض أن يتصرف في ثلث ماله بجميع أنواع التصرفات، من الوصايا والتبرعات المنجزة، سواء كان المرض مخوفًا أم غير مخوف (¬5). ¬
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا على أن المريض له أن يتصرف في ثلث ماله] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والشوكاني (¬6). قال الشيرازي: (ما وصى به من التبرعات كالعتق والهبة والصدقة والمحاباة في البيع يعتبر من الثلث سواء كانت في حال الصحة أو في حال المرض) (¬7). قال ابن الهمام: (ولو صار صاحب فراش بعد ذلك فهو كمرض حادث، وإن وهب عندما أصابه ذلك ومات من أيامه فهو من الثلث. . . ومن أعتق في مرضه عبدًا أو باع وحابى أو وهب فذلك كله جائز وهو معتبر من الثلث، ويضرب به مع أصحاب الوصايا) (¬8). قال نور الدين البصري الضرير: (وحكم العطايا في مرض الموت المخوف حكم الوصية في خمسة أشياء: أحدها: أن يقف نفوذها على خروجها لما زاد على الثلث من الثلث أو إجازة الورثة) (¬9). قال الدسوقي: (. . . ثم صداق مريض لمنكوحة فيه ودخل بها ومات فيه، أوصى به أو لا. . . لها الأقل من من المسمى وصداق المثل من الثلث) (¬10). قال الشوكاني: (. . . لأن اللَّه سبحانه لم يأذن للمريض بالتصرف إلا ¬
[130 - 3] الحقوق التي تلزم المريض مرض الموت تخرج من رأس المال
في الثلث، فإذا تصرف في أكثر منه كان مخالفًا لحكم اللَّه تعالى، ومشابهًا لمن وهب غير ماله) (¬1) • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أدلة المسألة السابقة (¬2).Rصحة الإجماع في جواز تصرف المريض في ثلث ماله. [130 - 3] الحقوق التي تلزم المريض مرض الموت تخرج من رأس المال • المراد بالمسألة: أن ما لزم المريض مرض الموت من حقوق الناس الواجبة في زمن مرضه يخرج من رأس ماله لا من الوصية كالحقوق الناشئة عن الجنايات والمعاوضات ونحو ذلك. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [وما لزم المريض في مرضه من حق لا يمكن دفعه وإسقاطه. . فهو من رأس المال لا نعلم فيه خلافًا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وابن حزم من الظاهرية (¬7). قال ابن حزم: (فثبت يقينًا ضروريًا أن صدقة المريض خارجة من رأس ماله لا من ثلثه بنص حكمه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبطل ما خالف هذا بيقين لا إشكال فيه) (¬8). قال الشيرازي: (. . . فأما الواجبات من ديون الآدميين وحقوق اللَّه تعالى كالحج والزكاة، فإنه إن لم يوص بها وجب قضاؤها من رأس المال ¬
[131 - 4] تصرفات الحامل إذا ضربها الطلق كالمريض المرض المخوف
دون الثلث) (¬1). قال ابن مفلح: (ويخرج الواجبات كقضاء الدين والزكاة والحج من رأس المال أوصى بها أو لم يوص) (¬2). قال الدسوقي: (. . . ثم زكاة. . . ويوصي بإخراجها فمن رأس المال) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع: الأول: لأن المريض تصرف في ماله لحاجة نفسه، فيقدم بذلك على وارثه (¬4). الثاني: ولأن هذا ليس من الوصية، وإنما الوصية التبرع (¬5). الثالث: ولأنه أيضًا في مقابلة عوض، والوصية تبرع محض (¬6).Rصحة الإجماع في أن الحقوق التي تلزم المريض مرض الموت تخرج من رأس المال. [131 - 4] تصرفات الحامل إذا ضربها الطلق كالمريض المرض المخوف • المراد من المسألة: أن الحامل إذا ضربها المخاض فهي في حكم المريض مرضًا مخوفًا، لأنها قد لا تسلم، ولذلك تصرفاتها المالية التي من قبيل التبرع في حدود الثلث. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمعوا أيضًا أنها إذا ضربها المخاض والطلق أنها كالمريض المخوف عليه لا ينفذ لها في مالها أكثر من ثلثها] (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). قال العمراني: (فأما إذا ضرب الحامل الطلق -وهو وجع الولادة- فهو مخوف على المنصوص عليه) (¬4) وقد بيّن في موضع آخر بقوله: (صارت مخوفة وما أعطاه في تلك الحال، اعتبر من الثلث لأنه يخاف منها التلف) (¬5). قال ابن قدامة: (وقال أبو الخطاب: عطية الحامل من رأس المال ما لم يضربها المخاض، فإذا ضربها المخاض فعطيتها من الثلث) (¬6). قال عبد الرحمن بن قاسم: (ومن أخذها الطلق حتى تنجو لا يلزم تبرعه لوارث بشيء ولا بما فوق الثلث ولو لأجنبي إلا بإجازة الورثة لها إن مات منه) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن اللَّه تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أَموالكم، زيادة لكم في أعمالكم) (¬8). • وجه الاستدلال: أنه دل بمفهوم العدد على أن الشخص ليس له أكثر من الثلث عند وفاته، وإذا أصيب بما يغلب هلاكه به، فكأنه متوفى، فليس له حق في ماله إلا الثلث. الثاني: القياس على المرض المخوف لأنه مثله في كونه من أسباب التلف (¬9) ¬
[132 - 5] الحامل ما دون ستة أشهر من حملها كالصحيح في فعله وتصرفه في ماله
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الشافعي في أحد قوليه (¬1)، والحسن (¬2)، والزهري (¬3)، وداود (¬4)، وابن حزم الظاهريان (¬5). فذهبوا إلى أن تصرفات الحامل مطلقًا كالصحيح. • دليلهم: يستند الخلاف إلى أدلة المسألة الأولى من هذا الفصل (¬6)، وهي أن تصرف المريض مرضًا مخوفًا من رأس ماله لا من الثلث. وأيضًا يمكن أن يستدل لهم بأن المرأة في حال الطلق غالبها السلامة وليس الهلاك، فتخرج على أنها صحيحة.Rعدم صحة الإجماع في أن تصرفات الحامل إذا ضربها الطلق كالمريض المرض المخوف لا تزيد على الثلث، وذلك للخلاف في المسألة (¬7). [132 - 5] الحامل ما دون ستة أشهر من حملها كالصحيح في فعله وتصرفه في ماله • المراد بالمسألة: أن الحامل إذا ضربها المخاض فهي في حكم المريض مرضًا مخوفًا، لأنها قد لا تسلم، وأما إذا كانت حاملًا دون ستة أشهر فتصرفاتها كالصحيح من رأس مالها، لأنها في الغالب تسلم. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأما الحامل فأجمعوا على أن ما دون ستة أشهر من حملها هي فيه كالصحيح في أفعاله وتصرفه ¬
في ماله] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم من الظاهرية (¬5). قال ابن حزم: (كتاب فعل المريض. . . أو الحامل. . . كل من ذكرنا فكل ما أنفذوا في أموالهم من هبة. . . فكله نافذ من رؤوس أموالهم كما قدمنا في الأصحاء الآمنين المقيمين ولا فرق في شئ أصلًا، ووصاياهم كوصايا الأصحاء ولا فرق) (¬6). قال المرغيناني: وتجوز الوصية للحمل وبالحمل إذا وضع لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية) (¬7). قال ابن قدامة: (وكذلك الحامل إذا صار لها ستة أشهر يعني عطيتها من الثلث) (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: لأنه لا يغلب خوف الهلاك حينئذ فلا تلحق بالمريض الذي مرضه مخوف (¬9). الثاني: ولأن أول حملها يكون خفيفًا، فلا خطورة فيه كما قال سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} [الأعراف: 189]. الثالث: أن أول الحمل يكون فيه البشر والسرور، ولا يسمى مرضًا، بل بشارة، وليس بمرض ولا خوف، كما قال سبحانه وتعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)} [هُود: 71] (¬10) ¬
[133 - 6] تصرف من أنفذت مقاتله أو قدم لقصاص أو لرجم تصرف المرض المخوف كالمرض المخوف
• خالف في هذه المسألة: سعيد بن المسيب (¬1)، وعطاء (¬2)، وقتادة (¬3)، فذهبوا إلى أن عطيتها من الثلث، لأنها في حكم المرضى.Rعدم صحة الإجماع في أن تصرفات الحامل دون ستة أشهر كالصحيح في فعله وتصرفه في ماله، وذلك للخلاف في المسألة. [133 - 6] تصرف من أنفذت مقاتله أو قدم لقصاص أو لرجم تصرف المرض المخوف كالمرض المخوف • المراد بالمسألة: أن من أصابته جراح في معركة، أو قدم لقصاص، أو لرجم، أو لأي سبب من الأسباب التي يغلب على الظن وفاته فيها، فإنه لا يجوز له التصرف في ماله بأكثر من الثلث، لأنه في حكم المريض مرضًا مخوفًا. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن بلغت منه الجراح أن أنفذت مقاتله أو قدم للقتل في قصاص أو لرجم في زنًا أنه لا يجوز له من القضاء في ماله إلا ما يجوز للمريض صاحب الفراش المخوف عليه] (¬4). ابن قدامة (620 هـ) قال: [فهذا الضرب وما أشبهه عطاياه صحيحة، لما ذكرنا من قصة عمر فإنه لما جرح سقاه الطبيب لبنًا فخرج من جرحه فقال له الطبيب: اعهد إلى الناس، فعهد إليهم ووصى فاتفق الصحابة على قبول عهده ووصيته] (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2). قال الماوردي: (والجراح ضربان: أحدهما: أن تصل إلى جوفه في صدر أو ظهر أو خصر أو إلى الدماغ، فهذا مخوف لأنه ربما دخل منها إلى الجوف تصل إلى القلب، أو تماس الكبد فيقتل. . . والضرب الثاني: أن لا تصل إلى الجوف ولا إلى الدماغ. . وإذا التحمت الحرب فمخوف، فإن كان في أيدي مشركين يقتلون الأسرى فمخوف) (¬3). قال النووي: (وقد تعرض أحوال في اقتضاء الخوف، وفيها صور: إحداها إذا التقى الفريقان والتحم القتال بينهما واختلطوا. الثانية: إذا كان في سفينة فاشتدت الريح وهاجت الأمواج، الثالثة: إذا وقع في أسر الكفار وعادتهم قتل الأسرى، الرابعة: قدم ليقتل قصاصًا ولم يجرح بعد، فالحكاية عن نص الشافعي في الصور الثلاث الأولى أن لها حكم المخوف) (¬4). قال الخطيب الشربيني: (والمذهب أنه يلحق بالمخوف أسر كفار اعتادوا قتل الأسرى، والتحام قتال بين متكافئين، وتقديم لقصاص أو رجم، واضطراب ريح) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه- أن عمر -رضي اللَّه عنه- لما جرح سقاه الطبيب لبنا فخرج من جرحه، فقال له الطبيب: اعهد إلى الناس، فعهد إليهم ووصى) (¬6). • وجه الاستدلال: اتفاق الصحابة على قبول عهده ووصيته، وهي في حدود الثلث كما هي القاعدة الشرعية (¬7) ¬
[134 - 7] وصية البارز للقتال في الحرب كالمريض المخوف
خالف في هذه المسألة: الشافعي في أحد قوليه (¬1)، وداود (¬2) وابن حزم الظاهريان (¬3) فذهبوا إلى أن عطاياه من رأس ماله وليس من الثلث. • دليلهم: يستند الخلاف إلى أدلة المسألة الأولى من هذا الفصل (¬4)، وهي أن تصرف المريض مرضًا مخوفًا من رأس ماله لا من الثلث.Rعدم صحة الإجماع في أن تصرف من أنفذت مقاتله أو قدم لقصاص أو لرجم هو تصرف المرض المخوف من الثلث، وذلك للخلاف في المسألة. [134 - 7] وصية البارز للقتال في الحرب كالمريض المخوف • المراد بالمسألة: إن البارز للقتال في حكم المريض مرضًا مخوفًا من جهة التصرفات المالية، لأن هذا الجنس من الناس في الغالب لا يسلمون، ولذلك تكون تصرفاتهم المالية في هذه الحالة في حدود الثلث. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن من بلغت منه الجراح أن أنفذت مقاتله. . لا يجوز له من القضاء في ماله إلا ما يجوز للمريض صاحب الفراش المخوف عليه، وكذلك الذي يبرز في التحام الحرب للقتال] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). قال العمراني: (وإن التحم القتال، واختلط الفريقان، فإن كانت إحدى الطائفتين أكثر عددًا من الأخرى بزيادة كثيرة، فالقليلة مخوف عليها، وإن ¬
كانتا متساويتين، فنقل عن المزني أنه مخوف عليهما) (¬1). قال ابن قدامة: (ويحصل الخوف بغير ما ذكرناه في مواضع خمسة تقوم مقام المرض، أحدها إذا التحم الحرب، واختلطت الطائفتان للقتال) (¬2). قال الخطيب الشربيني: (والمذهب أنه يلحق بالمخوف أسر كفار اعتادوا قتل الأسرى، والتحام قتال بين متكافئين أو قريبين من التكافؤ سواء أكانا مسلمين أم كافرين أم كافر ومسلم) (¬3). قال البهوتي: (ومن كان بين الصفين عند التحام حرب هو فيه واختلطت الطائفتان للقتال سواء كانتا متفقتين في الدين أو لا لوجود خوف التلف، وكانت كل واحدة منهما أي من الطائفتين مكافئة للأخرى، أو كانت إحداهما مقهورة وهو منها، فكمرض مخوف) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن اللَّه تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أَموالكم، زيادة لكم في أعمالكم) (¬5). • وجه الاستدلال: أنه دلَّ بمفهوم العدد على أن الشخص ليس له أكثر من الثلث عند وفاته، وإذا أصيب بما يغلب هلاكه به، فكأنه متوفى، فليس له حق في ماله إلا الثلث. الثاني: قياس المثل أو الأولى: لأن من كان كذلك فإنه يخاف الموت خوف المريض أو أكثر فكان مثله في عطيته (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: داود (¬7) وابن حزم ¬
[135 - 8] لا ينفذ من عتق عبيده في مرض موته إلا الثلث
الظاهريان (¬1) فذهبا إلى أن تصرفه من رأس ماله لا من الثلث. • دليلهم: يستند الخلاف إلى أدلة المسألة الأولى من هذا الفصل (¬2)، وهي أن تصرف المريض مرضًا مخوفًا من رأس ماله لا من الثلث.Rعدم صحة الإجماع في أن وصية البارز للقتال في الحرب كالمرض المخوف من الثلث، وذلك للخلاف في المسألة. [135 - 8] لا ينفذ من عتق عبيده في مرض موته إلا الثلث • المراد بالمسألة: أن المريض مرضًا مخوفًا إذا أعتق عبيده في مرضه المخوف، فإنه لا ينفذ منه إلا الثلث منهم، ويرد الباقي للورثة. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن عتق المريض صاحب الفراش الثقيل المرض لعبيده في مرضه ذلك لا ينفذ منه إلا ما يحمل الثلث] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وداود من الظاهرية (¬8)، والشوكاني (¬9). قال ابن حزم: (ولم يبق إلا قولنا وقول أبي سليمان أن جميع أفعال المريض من رأس ماله إلا العتق فإنه من الثلث) (¬10). قال العمراني: (فإن كانت تبرعاته وقعت في جنس واحد من التصرفات، مثل المحاباة أو الهبة أو العتق، فإن فعل ذلك متفرقًا مثل أن ¬
أعتق عبدًا ثم أعتق عبدًا، أو حابى ثم حابى، فإنه يبدأ بالأول فالأول، فإن استوفى الثلث بالأول لزم، وكان ما بعده موقوفًا على إجازة الورثة) (¬1). قال الموصلي: (والعتق في المرض والهبة والمحاباة وصية تعتبر من الثلث لأنها تبرعات في المرض بما تعلق به حق الورثة فتعتبر من الثلث) (¬2). قال الدسوقي: (وللمريض مرضًا مخوفًا اشتراء من يعتق عليه، كابنه وأبيه بثلثه فأقل) (¬3). قال الشوكاني: قال ابن رسلان: (فلو اختلفت قيمتهم لم يكن بد من تعديلهم مخافة أن يكون ثلثهم في العدد أكثر من ثلث الميت في القيمة. . . والحديثان يدلان على أن تصرفات المريض إنما تنفذ من الثلث) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى حديث عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه- قال: (أن رجلًا أعتق ستة أعبد عند موته، ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال له قولًا شديدًا، ثم دعاهم، فجزأهم ثلاثة أجزاء، فأقرع بينهم: فأعتق اثنين، وأرقَّ أربعة) (¬5). • وجه الاستدلال: فيه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ينفذ العتق مع سرايته، وإنما أقرع بين العبيد بعد موت سيدهم، وتغيظ عليه ولم يكن له مال غيرهم، وهو يدل على أن المريض مرضًا مخوفًا إذا أعتق أعبده فلا ينفذ إلا الثلث (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: مسروق، وابن حزم من الظاهرية، فقد روي عن مسروق أنه قال: (أجيزه برمته، شيء جعله للَّه لا أرده) (¬7). ¬
[136 - 9] الوقف في مرض الموت كالوصية
وأما ابن حزم فإنه على قاعدته: يرى أنه نافذ من رأس المال وقد سبقت أدلته فيما تقدم في المسألة الأولى (¬1). وقد أجاب ابن حزم عن استدلال الجمهور بحديث عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه- من وجوه: الوجه الأول: أنه ليس في خبر عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه- حجة، لأنه ليس في شيء من هذا الخبر أن الرجل كان مريضًا وإنما فيه (عند موته) وقد يفجأ الموت الصحيح فيوقن به، فلا يحل أن يقحم في الخبر ما ليس فيه من ذكر المرض فبطل التعلق به. الثاني: أنه قد بين في هذا الخبر أنه لم يكن له مال غيرهم، ونحن نقول بهذا حقًا، فلا يجوز لأحد عتق في عبد أو عبيد لا مال له غيره، ينفذ هذا العتق ما وقع فيمن به عنه غنى، ويبطل في مقدار ما لا غنى عنه به (¬2). الثالث: أن الصحيح أن ذلك العتق كان وصية، ولا خلاف في أنها من الصحيح والمريض سواء، لا تجوز إلا من الثلث، والدليل على هذا حديث عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه-: أن رجلًا أوصى عند موته فأعتق ستة مملوكين لم يكن له مال غيرهم. . الحديث (¬3).Rعدم صحة الإجماع في أنه لا ينفذ من عتق عبيده في مرض موته إلا الثلث منهم، ويرد الباقي للورثة وذلك للخلاف الوجيه. [136 - 9] الوقف في مرض الموت كالوصية • المراد بالمسألة: أن المريض مرضًا مخوفًا إذا وقف في مرضه فإن ¬
الوقف جائز ونافذ، ويخرج من الثلث، إلا أن يجيز الورثة الزيادة، لأنه كالوصية. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصية، في اعتباره ثلث المال. . وإذا خرج من الثلث، جاز من غير رضا الورثة ولزم، وما زاد على الثلث لزم الوقف منه في قدر الثلث، ووقف الزائد على إجازة الورثة، لا نعلم في هذا خلافًا عند القائلين لزوم الوقف] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والشوكاني (¬5). قال الموصلي: (والوقف في المرض وصية لأنه تبرع فصار كسائر التبرعات) (¬6). قال البهوتي: (. . . وأقرب ما يقال: ما يكثر حصول الموت منه فعطاياه ولو كانت عتقًا ووقفًا ومحاباة كوصية في أنها لا تصح لوارث بشيء غير الوقف للثلث فأقل ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة فيهما) (¬7). قال الدسوقي: (وإن أسنده للمرض فهو تبرع يخرج من الثلث بلا إشكال) (¬8). قال الشوكاني: (إن اللَّه سبحانه لم يأذن للمريض بالتصرف إلا في الثلث، فإذا تصرف في أكثر منه كان مخالفًا لحكم اللَّه تعالى) (¬9). ¬
[137 - 10] عطايا المريض إذا صح من مرضه تكون من رأس ماله
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن الوقف تبرع، فاعتبر في مرض الموت من الثلث كالعتق والهبة وأما عدم جواز الزيادة على الثلث، فلأن حق الورثة تعلق بالمال بوجود المرض فمنع التبرع بزيادة على الثلث كالعطايا والعتق (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: داود وابن حزم الظاهريان (¬2) فذهبا إلى أن الوقف في مرض الموت يخرج من رأس المال، لا من الثلث، لأنهما يريان بأن الوقف من أنواع الصدقة، والصدقة تخرج من رأس المال. • مستند المخالف: يستند الخلاف إلى أدلة المسألة الأولى من هذا الفصل (¬3)، وهي أن تصرف المريض مرضًا مخوفًا من رأس ماله لا من الثلث.Rعدم صحة الإجماع في أن الوقف في مرض الموت كالوصية، وذلك للخلاف في المسألة. [137 - 10] عطايا المريض إذا صح من مرضه تكون من رأس ماله • المراد بالمسألة: إذا وهب المرء في مرضه المخوف أو تصدق، ثم عوفي منه فإنه يصح وينفذ وإن زاد على ثلث ماله، ولكنه يخرج من رأس ماله لا من الثلث، لأنه يعامل معاملة الصحيح. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وقال الجمهور من العلماء وجماعة أهل الفتوى بالأمصار: إن هبات المريض كلها وعتقه وصدقاته لو صح من مرضه نفذ ذلك كله من رأس ماله ويراعون فيها ما عدا العتق القبض] (¬4). ¬
[138 - 11] إذا أعتق المريض مرضا مخوفا عبده ثم صح فإنه يصح وينفذ
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم من الظاهرية (¬4). قال ابن حزم: (كتاب فعل المريض. . . أو الحامل. . . كل كان ذكرنا فكل ما أنفذوا في أموالهم من هبة. . . فكله نافذ من رؤوس أموالهم كما قدمنا في الأصحاء الآمنين المقيمين ولا فرق في شيء أصلًا، ووصاياهم كوصايا الأصحاء ولا فرق) (¬5). قال ابن قدامة: (وجملة ذلك أن التبرعات المنجزة كالعتق والمحاباة. . . إذا كانت في الصحة فهي من رأس المال لا نعلم في هذا خلافًا، وإن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت فهي من ثلث المال) (¬6). قال البهوتي: (وإن اختلف الورثة وصاحب العطية هل أعطيها في الصحة فتكون من رأس المال، أو أعطيها في المرض فتعتبر من ثلثه) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: لأنه بالبرء تبين أنه لا حق لأحد في ماله (¬8). الثاني: ولأنه تبين بعد صحته، أن مرضه لم يكن مخوفًا، وليس هو مرض الموت (¬9).Rصحة الإجماع في أن عطايا المريض إذا صح من مرضه تكون من رأس ماله. [138 - 11] إذا أعتق المريض مرضًا مخوفًا عبده ثم صح فإنه يصح وينفذ • المراد بالمسألة: إذا أعتق عبده في مرضه المخوف ثم عوفي منه فإنه ¬
يصح العتق وينفذ، ولو كان ما أعتق أكثر من الثلث، لأنه يكون أعتق في حال الصحة (¬1). • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وقال الجمهور من العلماء وجماعة أهل الفتوى بالأمصار: إن هبات المريض كلها وعتقه وصدقاته لو صح من موضه نفذ ذلك كله من رأس ماله ويراعون فيها ما عدا العتق القبض] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6)، والشوكاني (¬7). قال ابن حزم: (كتاب فعل المريض. . . أو الحامل. . . كل من ذكرنا فكل ما أنفذوا في أموالهم من هبة. . . فكله نافذ من رؤوس أموالهم كما قدمنا في الأصحاء الآمنين المقيمين ولا فرق في شيء أصلًا، ووصاياهم كوصايا الأصحاء ولا فرق) (¬8). قال المرغيناني: (فإن كان صحيحًا فهو من جميع المال، وإن كان مريضًا فمن الثلث، وكل مرض صح منه فهو كحال الصحة، لأن بالبرء تبين أنه لا حق لأحد في ماله) (¬9). قال الدسوقي: (ثم مدبر مريض صح من مرضه صحة بينة. . . وإنما قدم مدبر الصحة وصداق المريض لأنهما معلومان. . . من الثلث) (¬10). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: لأنه لما برء وصحا من مرضه، تبين أنه لا حق لأحد في ماله (¬1). الثاني: أن إفاقته تفيد مرضه لم يكن مخوفًا، وليس هو مرض الموت (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: داود من الظاهرية (¬3). فقد ورد عنه أنه قال: عتق المريض مات في مرضه لو صح منه من الثلث (¬4). • دليلهم: ويستند المخالف إلى ما ورد في حديث عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه- قال: (إن رجلًا أعتق ستة أعبد عند موته، ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال له قولا شديدًا، ثم دعاهم، فجزأهم ثلاثة أجزاء، فأقرع بينهم: فأعتق اثنين، وأرق أربعة) (¬5). • وجه الاستدلال: أن الحديث عام في حالة الصحة والمرض، وأنه يخرج من الثلث (¬6). وقال ابن عبد البر في الرد على داود وأصحابه: (الحجة على داود قائمة بنص الحديث، لأن فيه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرع بين العبيد بعد موت سيدهم، وتغيظ عليه وقال: (لقد هممت ألا أصلي عليه ما أعتق جميعهم) ولم يكن له مال غيرهم.Rصحة الإجماع في أنه إذا أعتق المريض مرضًا مخوفًا عبده ثم صح فإنه يصح وينفذ إذا أعتق عبده في مرضه المخوف ثم عوفي منه فإنه ¬
[139 - 12] عدم صحة إقرار المريض بالدين لوارث
يصح وينفذ ولكن من رأس ماله. وأما خلاف داود الظاهري فشاذ لا يعول عليه. [139 - 12] عدم صحة إقرار المريض بالدين لوارث • المراد بالمسألة: لا يجوز لصاحب المرض المخوف أن يقر لبعض أولاده أو من يرثه بشيء في ذمته، ولا أن يقر لوارث مع وجود الوارث الأبعد أو المساوي له، وذلك للتهمة، إلا أن يجيز الورثة على القاعدة التي ستأتي في الفرائض. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) قال: [لا يجوز للمريض تخصيص بعض أولاده بعطية منجزة. . ولا أن يقر له بشيء في ذمته فإذا فعل ذلك لم يجز تنفيذه بدون إجازة بقية الورثة، وهذا كله باتفاق المسلمين] (¬1). • الموافقون على الاتفاق: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3). قال المرغيناني: (ولو أقر المريض لوارثه لا يصح، إلا أن يصدقه فيه بقية الورثة) (¬4). قال ابن قدامة: (وإن أقر لوارث، لم يلزم باقي الورثة إلا ببينة) (¬5). قال القرافي: (وأصل المسألة أن المرض هل يؤثر في الإقرار أم لا؟ لنا: أن الإقرار إخبار عن ثبوت الحق. . . ولأنه ممنوع من أن يهب للوارث شيئًا من خالص ماله، وهو الثلث لأجل الحجر، والحجر يمنع صحة الإقرار كالجنون) (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
الأول: إقرار المريض لوارثه محلٌ للتهمة، وذلك أن سببها موجود وهو القرابة (¬1). الثاني: ولأنه منع من الوصية له فلا يؤمن أن يزيد الوصية له فيجعلها إقرارًا (¬2). الثالث: ولأن حقوق الورثة تعلقت بمال الميت بالمرض، فصار محجورًا عليه في حقهم (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الشافعية (¬4)، وهو قول عطاء (¬5)، وطاووس (¬6)، والحسن البصري (¬7)، وأبو ثور (¬8)، والأوزاعي (¬9)، وإسحاق (¬10)، وداود وابن حزم من الظاهرية (¬11) فذهبوا إلى جواز الإقرار بالدين لوارث. قال الخطيب الشربيني: ويصح إقرار المريض مرض الموت لأجنبي، وكذا لوارث على المذهب (¬12). • دليلهم: يستند الخلاف إلى عدة أدلة، منها: الأول: لأنه لو أقر له في الصحة لنفذ، وكذا في المرض كالأجنبي (¬13). ¬
[140 - 13] صحة إقرار المريض بالدين لغير الوارث
الثاني: ولأن الظاهر أنه محق، لأنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب فيها الفاجر، والتهمة في حق المحتضر بعيدة (¬1). الثالث: أن مدار الأحكام على الظاهر فلا يترك إقراره للظن المحتمل، فإن أمره فيه إلى اللَّه سبحانه وتعالى (¬2).Rعدم صحة الإجماع في أن إقرار المريض بالدين لوارث له غير صحيح. [140 - 13] صحة إقرار المريض بالدين لغير الوارث • المراد بالمسألة: أن المريض إذا أقر بالدين لغير وارثه، فإن إقراره يصح وينفذ، وذلك لعدم التهمة، بخلاف ما إذا كان الإقرار لوارث، فإن فيه خلافًا سبق ذكره. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرار المريض في مرضه بالدين لغير الوارث جائز إذا لم يكن عليه دين في الصحة] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وابن حزم من الظاهرية (¬8). قال ابن حزم: (كتاب فعل المريض مريضًا يموت منه أو الموقوف للقتل. . . قال أبو محمد كل من ذكرنا فكل ما أنفذوا في أموالهم من هبة أو ¬
صدقة. . . أو اقرار كان كل ذلك لوارث أو غير وارث أو إقرار بوارث، أو عتق، أو قضاء بعض غرمائه دون بعض كان عليهم دين أو لم يكن فكله نافذ من رؤوس أموالهم كما قدمنا في الأصحاء الآمنين المقيمين ولا فرق في شيء أصلًا) (¬1). قال المرغيناني: (فإن أقر لأجنبي جاز وإن أحاط بماله لما بينا، والقياس أنه لا يجوز إلا في الثلث لأن الشرع قصر تصرفه عليه إلا أنا نقول لما صح اقراره في الثلث كان له التصرف في ثلث الباقي لأنه الثلث بعد الدين) (¬2). قال ابن قدامة: (والإقرار بدين في مرض موته كالإقرار في الصحة إذا كان لغير وارث، هذا ظاهر المذهب وهو قول أكثر أهل العلم) (¬3). قال القرافي: (إذا أقر المريض لأجانب لا يتهم عليهم، وأقر لبعضهم في الصحة، ولبعضهم في المرض وضاقت التركة استووا في المحاصة. . . وأصل المسألة أن المرض لا يؤثر في الإقرار) (¬4). قال الخطيب الشربيني: (ويصح إقرار المريض مرض الموت لأجنبي) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الإقرار بدين لأجنبي ليس فيه تهمة (¬6). الثاني: أن المحتضر وصل إلى حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب فيها الفاجر، ولذلك يقبل قوله (¬7). ¬
[141 - 14] يصح إقرار المريض بوارث
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: أحمد في إحدى الروايتين، فذهب إلى عدم جواز إقرار المريض بوارث، ورواية ثالثة لا يقبل إقراره بزيادة على الثلث (¬1). • دليله: ويسند الخلاف إلى عدة أدلة، منها: الأول: إنه إقرار في مرض الموت، أشبه الإقرار لوارث، للتهمة. الثاني: ولأن الثلث مأذون له أن يتصرف فيه فيجوز فيه ولا يجوز في الزيادة (¬2).Rعدم صحة الإجماع في أن إقرار المريض بالدين لغير الوارث صحيح ونافذ. [141 - 14] يصح إقرار المريض بوارث • المراد بالمسألة: يصح للمريض مرض الموت أن يقر بوارث، وإن كان يتضمن هذا الإقرار أن يرثه المقر به، بعد موت المقر. • من نقل الاتفاق: ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [واتفقوا على أن المريض إذا أقر بوارث صح إقراره] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم من الظاهرية (¬7). قال ابن حزم: (كتاب فعل المريض مريضًا يموت منه أو الموقوف للقتل. . . قال أبو محمد كل من ذكرنا فكل ما أنفذوا في أموالهم من هبة أو ¬
صدقة. . . أو إقرار كان كل ذلك لوارث أو غير وارث أو إقرار بوارث. . . فكله نافذ من رؤوس أموالهم كما قدمنا في الأصحاء الآمنين المقيمين ولا فرق في شيء أصلًا) (¬1). قال الجويني: (إذا كان لأمته ابن، فقال: هذا ولدي منها، علقت به في ملكي، وولدته في ملكي، فالولد حر نسيب، لا ولاء عليه، وأمه أم ولد تعتق من رأس المال، لأن إيلاد المريض كإيلاد الصحيح) (¬2). قال المرغيناني: (ومن أقر بغلام يولد مثله لمثله، وليس له نسب معروف أنه ابنه، وصدقه الغلام، ثبت نسبه منه وإن كان مريضًا لأن النسب مما يلزمه خاصة فيصح إقراره به) (¬3). قال الدسوقي: (وإن أقر ميت أي عند موته بأن فلانة جاريته ولدت منه فلانة. . . وأما إذا لم تنس البينة اسمها فهي حرة ولها الميراث أنكرت الورثة أو اعترفت) (¬4). قال ابن عابدين: (وإن أقر لغلام مجهول النسب في مولده أو في بلد هو فيها وهما في السن بحيث يولد مثله لمثله أنه ابنه وصدقه الغلام وحينئذ ثبت نسبه ولو كان المقر مريضًا، وإذا ثبت شارك الغلام الورثة) (¬5). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وإن أقر إنسان بنسب صغير أو مجنون، مجهول النسب أنه ابنه ثبت نسبه) (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن: التهمة منتفية، فالمقر له كان عند إقراره به غير وارث، والقاعدة أن الإقرار إذا كان منتفيًا فيه التهمة ¬
فصحيح (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: أحمد في إحدى الروايتين (¬2). فذهب إلى عدم جواز إقرار المريض بوارث، لأنه مظنة التهمة. • دليله: يستند الخلاف إلى: أن المريض إذا أقر لوارث، فأشبه الإقرار له بمال (¬3).Rعدم صحة الإجماع في أن المريض إذا أقر بوارث صح الإقرار. * * * ¬
الباب الثاني: مسائل الإجماع في أبواب الوصايا
الباب الثاني: مسائل الإجماع في أبواب الوصايا وفيه تمهيد: وثلاثة فصول: • التمهيد: يتضمن التعريف بالوصايا، وما يتفرع عنها من معاني. • الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب حكم الوصية وأحكام الموصي. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الموصى به. • الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب الوصية بالأنصبة والأجزاء.
التمهيد في التعريف بالوصايا وما يتفرع عنها من معاني
التمهيد في التعريف بالوصايا وما يتفرع عنها من معاني تعريف الوصايا في اللغة والاصطلاح: الوصايا في اللغة: جمع، مفرده: وصية، كالهدايا، وتطلق الوصية على فعل الموصي، وعلى ما يوصي به من مال أو غيره من عهد ونحوه، فتكون بمعنى المصدر، وهو الإيصاء، وتكون بمعنى المفعول وهو الاسم (¬1). والوصية في الاصطلاح: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، سواء كان ذلك في الأعيان أو في المنافع (¬2). وقد تطلق الوصية على ألفاظ كثيرة، منها: 1 - الإيصاء، وهو في اللغة: مصدر أوصى، يقال: أوصى إليه: جعله وصيه يتصرف في أمره وماله وعياله بعد موته، وأوصى فلانًا بالشيء، أمره به وفرضه علي (¬3). والإيصاء في الاصطلاح: إقامة غيره مقام نفسه في التصرف بعد الموت. ويلحظ من خلال التعريفين أن هناك صلة بين الوصية والإيصاء، وهي: أن كلًا منهما أمرٌ بالتصرف لما بعد الموت، غير أن الوصية تمليك، والإيصاء: العهد إلى من يقوم على من بعد (¬4). ¬
2 - الهبة، وهي لغة: إعطاء شيء غيره بلا عوض. يقال: وهب له الشيء يهبه وهبًا ووهبًا، وهبة: أعطاه إياه بلا عوض (¬1). والهبة في الاصطلاح: تمليك عين بلا عوض في حال الحياة تطوعًا (¬2). ويلحظ أيضًا أن هناك صلة بين الوصية والهبة، وهي: أن كلًا منهما أمر تمليك، إلا أن الوصية تمليك بعد الموت، وأما الهبة ففي الحياة (¬3) 3 - الصدقة في اللغة: ما يعطى في ذات اللَّه سبحانه وتعالى طلبًا للأجر. وفي الاصطلاح: تمليك شيء بغير عوض في الحياة لمحتاج لأجل ثواب الآخرة. ويلحظ أن هناك صلة بين الوصية والصدقة، وهي: أن كلًا منهما تمليك؛ إلا أن الصدقة تمليك في الحياة والوصية تمليك مضاف لما بعد الموت. * * * ¬
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب حكم الوصية
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب حكم الوصية [142 - 1] مشروعية الوصية • المراد بالمسألة: أن الوصية ببعض المال مشروعة، وهي من القرب والطاعات، فيشرع لمن ترك مالًا أن يتبرع ببعضه، وصية بعد موته. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) قال: (وأما التي تجوز ولا تجب، فالوصية للأجانب، وهذا مجمع عليه) (¬1). - ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا. . أن الوصية بالبر وبما ليس برًا ولا معصية ولا تضييعًا للمال جائزة] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [واتفق فقهاء الأمصار على أن الوصية مندوب إليها مرغوب فيها وإنها جائزة لمن أوصى في كل مال قلَّ أو كثر] (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أنها مستحبة، مندوب إليها، لمن لا يرث الموصى أقاربه وذوي رحمه] (¬4). الكاساني (587 هـ) قال: [القياس يأبى الوصية. . إلا أنهم استحسنوا جوازها بالكتاب العزيز والسنة الكريمة والإجماع] (¬5). المرغيناني (593 هـ) قال: [(قال: (الوصية غير واجبة وهي مستحبة). . وعليه إجماع الأمة] (¬6). ¬
ابن رشد (595 هـ) قال: (والوصية بالجملة هي هبة الرجل ماله لشخص آخر، وهذا العقد عندهم هو من العقود الجائزة باتفاق) (¬1) ابن قدامة (630 هـ) قال: [أجمع العلماء في جميع الأمصار والإعصار على جواز الوصية] (¬2). النووي (676 هـ) قال: [وقد أجمع المسلمون على الأمر بها، لكن مذهبنا ومذهب الجماهير أنها مندوبة لا جائزة، وقال داود وغيره من أهل الظاهر هي واجبة] (¬3). الموصلي (683 هـ) قال: (وأما الإجماع فإن الأئمة المهديين والسلف الصالح أوصوا، وعليه الأمة إلى يومنا هذا) (¬4). ابن مفلح (884 هـ) قال: (والإجماع على مشروعيتها) (¬5). الشربيني (977 هـ) قال: [والأصل فيها قبل الإجماع قوله سبحانه وتعالى في أربعة مواضع من المواريث] (¬6). البهوتي (1051 هـ) قال: (والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع) (¬7). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [الوصية. . وأجمعوا على جوازها] (¬8). • الموافقون على الإجماع: الشوكاني (¬9)، والصنعاني (¬10). ¬
قال الدردير: (الوصية مندوبة ولو لصحيح) (¬1). قال الصنعاني (1182 هـ): (وقد أجمع المسلمون على الأمر بها، وإنما اختلفوا هل هي واجبة، أم لا)؟ (¬2). قال الشوكاني: (قال في الفتح وآخرون وذهب الجمهور إلى أنها مندوبة وليست بواجبة) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} [البقرة: 180]. • وجه الاستدلال: أنها نص في مشروعية الوصية، إلا أن الوصية قد نسخت بالنسبة للوارث، وبقيت في حق غيره. الثاني: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: حيث شرع اللَّه الميراث مرتبًا على الوصية فدل على أنها جائزة (¬4). الثالث: عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- قال: (كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّه عليه وسلم - يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول اللَّه، إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: بالشطر يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، أو كبير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عبادة يتكففون الناس) (¬5). ¬
[143 - 2] عدم وجوب الوصية إلا لمن عليه حق واجب
• وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رخص لسعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- أن يوصي قبل وفاته، فدل على مشروعية الوصية. الرابع: القياس الصحيح: وهو أن الإنسان يحتاج أن يكون ختْمُ عمله بالقربة زيادة على القرب السابقة، أو تداركًا لما فرط في حياته، وذلك بالوصية، وهذه العقود ما شرعت إلا لحوائج العباد، فإذا مست حاجتهم إلى الوصية وجب القول بجوازها (¬1).Rصحة الإجماع في مشروعية الوصية بالجملة. [143 - 2] عدم وجوب الوصية إلا لمن عليه حق واجب • المراد بالمسألة: أن الوصية مستحبة لمن ترك خيرًا، وليست بواجبة، إلا لمن كان عليه حق واجب، فيجب عليه أن يوصي كما سيمر معنا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ): قال [وأجمع الجمهور أن الوصية غير واجبة؛ إلا على من عليه دين، أو عنده وديعة فيوصي بذلك، وشذ أهل الظاهر فأوجبوها فرضًا إذا ترك مالًا كثيرًا ولم يوقتوا في وجوبها شيئًا] (¬2). ابن عبد البر (462 هـ) قال: [وأجمع الجمهور على أن الوصية غير واجبة على أحد إلا أن يكون عليه دين، أو يكون عنده وديعة، أو أمانة، فيوصي بذلك] (¬3). ¬
ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الوصية غير واجبة لمن ليست عنده أمانة يجب عليه الخروج منها، ولا عليه دين لا يعلم من هو له، وليست عنده وديعة بغير إشهاد] (¬1). النووي (676 هـ) قال: (ما يستحق عليه من ديون اللَّه تعالى كالزكاة وحجة الإسلام، وديون الآدميين، تخرج بعد موته، وهذا الذي نوجبه من رأس المال بلا خلاف إذا لم يوص هو فيما وجب بأصل الشرع) (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والصنعاني (¬5). قال الماوردي: (وأما على من كانت عليه ديون حقوق لا يوصل إلى أربابها إلا بالوصية، فتصير الوصية ذكرها وأدائها واجبة) (¬6). قال الموصلي: (وهي مندوبة وهي مؤخرة عن مئونة الموصي وقضاء ديونه) (¬7). . . ويقول في كتاب الفرائض: (يبدأ من تركة الميت بتجهيزه ودفنه على قدرها ثم تقضى ديونه. . . ولأن الدين مستحق عليه، والوصية تستحق من جهته، والمستحق عليه أولى لأنَّه مطالب به) (¬8). قال المرداوي: (وتخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص) (¬9). قال الدردير: (. . . فتجب عليه إذا كان دينًا أو نحوه، ويندب إليها إذا كانت بقربة في غير الواجب) (¬10). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180]. • وجه الدلالة: أنها منسوخة، قال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: (كان المال للولد والوصية للوالدين فنسخ اللَّه من ذلك ما أحب. .) (¬1). الثاني: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} [البقرة: 180]. • وجه الدلالة: أن المعروف يختص بالمندوب؛ كما هو مقرر شرعًا ولغة، والواجب لا يختص بالمتقين فقط (¬2). الثالث: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ما حق امرئ له مال يريد أن يوصي فيه إلا وصيته مكتوبة عنده) (¬3). • وجه الدلالة: أن الوصية لو كانت واجبة لم يجعل ذلك إلى إرادة الموصي، ولكان ذلك لزامًا على كل حال (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في المسألة: الشافعي في القديم، وإسحاق، وداود (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6)، والشوكاني (¬7)، فذهبوا إلى وجوب الوصية، وهو مروي عن جمع من السلف، منهم: عطاء، والزهري، ¬
وأبو مجلز، وطلحة بن مصرف، والطبري (¬1). قال ابن حزم: (الوصية فرض على كل من ترك مالًا) (¬2). قال الشوكاني: (تجب على من له ما يوصي فيه) (¬3). • دليلهم: يستند الخلاف إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} [البقرة: 180]. • وجه الدلالة: قالوا أن المعروف واجب كما يجب ترك المنكر، وواجب على الناس كلهم أن يكونوا من المتقين (¬4). الثاني: عن ابن عمر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده) (¬5). • وجه الدلالة: أن الحق هو: الثابت، فصرح -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه لا يثبت للمسلم إلا الوصية، والنفي كالنهي، والنهي للتحريم، وإذا حرم الترك وجب الفعل (¬6). الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن أبي مات وترك مالًا ولم يوص، فهل يكفر عنه إن تصدقت عنه؟ قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: نعم) (¬7). • وجه الدلالة: قال ابن حزم: (فهذا إيجاب للوصية ولأن يتصدق عمن لم يوص ولابد، لأن التكفير لا يكون إلا في ذنب) (¬8). ¬
[144 - 3] وجوب الوصية على من كانت ذمته مشغولة بحق مالي
Rعدم صحة الإجماع في عدم وجوب الوصية إلا لمن عليه حق واجب. قال ابن المنذر: (وشذ أهل الظاهر فأوجبوها فرضًا إذا ترك مالًا كثيرًا ولم يوقتوا في وجوبها شيئًا) (¬1). وقال القرافي: (والجمهور على عدم الوجوب إلا من كان عنده وديعة أو عليه دين) (¬2). وقال الشوكاني: (ونسب ابن عبد البر القول بعدم الوجوب إلى الإجماع وهي مجازفة) (¬3). [144 - 3] وجوب الوصية على من كانت ذمته مشغولة بحق مالي • المراد بالمسألة: أنه يجب على من كانت ذمته مشغولة بحق للآخرين، كدين، أو أمانات؛ كودائع، أو حقوق واجبة أن يوصي بذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ): قال [وأجمع الجمهور أن الوصية غير واجبة إلا على من عليه دين أو عنده وديعة فيوصي بذلك] (¬4). ابن عبد البر (462 هـ) قال: [وقد أجمع العلماء على أن الوصية غير واجبة على أحد، إلا أن يكون عليه دين أو تكون عنده وديعة أو أمانة فيوصي بذلك. . وقد شذت طائفة فأوجبت الوصية ولا يعدون خلافًا على الجمهور] (¬5). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن من كانت ذمته متعلقة بهذه ¬
الأشياء (¬1)، أو بأخذها، فإن الوصية بها واجبة عليه فرضًا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والصنعاني (¬5). قال الماوردي: (وأما على من كانت عليه ديون حقوق لا يوصل إلى أربابها إلا بالوصية، فتصير الوصية ذكرها وأدائها واجبة) (¬6). قال الموصلي: (وهي مندوبة وهي مؤخرة عن مئونة الموصي وقضاء ديونه) (¬7) ويقول في كتاب الفرائض: (يبدأ من تركة الميت بتجهيزه ودفنه على قدرها ثم تقضى ديونه. . . ولأن الدين مستحق عليه، والوصية تستحق من جهته، والمستحق عليه أولى لأنه مطالب به) (¬8). قال المرداوي: (وتخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص) (¬9). قال الدردير: (. . . فتجب عليه إذا كان دينًا أو نحوه، وبندب إليها إذا كانت بقربة في غير الواجب) (¬10). ¬
[145 - 4] لا يجوز لمن له وارث أن يوصي بجميع ماله
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده) (¬1). • وجه الدلالة: أن فيه الأمر من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في كتابة الوصية، وهذا منصرف إلى من كانت ذمته مشغولة بحق مالي، كما تقرر سابقًا (¬2). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن أبي مات وترك مالًا ولم يوص، فهل يكفر عنه إن تصدقت عنه؟ قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: نعم) (¬3). • وجه الدلالة: قال ابن حزم: (فهذا إيجاب للوصية ولأن يتصدق عمن لم يوص ولا بد، لأن التكفير لا يكون إلا في ذنب) (¬4).Rصحة الإجماع في وجوب الوصية على من كانت ذمته مشغولة بحق مالي. [145 - 4] لا يجوز لمن له وارث أن يوصي بجميع ماله • المراد بالمسألة: أن من كان له ورثة، فلا يجوز له أن يوصي بجميع ماله، ولو فعل بطلت وصيته فيما زاد على الثلث. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أنه لا يجوز لمن ترك ورثة أو وارثًا أن يوصي بأكثر من ثلث ماله، لا في صحته ولا في مرضه] (¬5). ابن عبد البر (462 هـ) قال: [وأجمع علماء المسلمين أن الميت إذا مات ¬
عن بنين أو عن كلالة ترثه أنه لا يجوز أن يوصي في ماله بأكثر من ثلثه] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة، وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم فإن أجازوه جاز، وإن ردوه بطل في قول جميع العلماء] (¬2). القرطبي (671 هـ) قال: [أجمع العلماء على أن من حضره الموت وله ورثة فليس له أن يوصي بجميع ماله] (¬3). الخطيب الشربيني (977 هـ) قال: (ينبغي أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله، فإن زاد ورد الورثة بطلت في الزائد على الثلث بالإجماع) (¬4). - الصنعاني (1182 هـ) قال: [وفي الحديث دليل على منع الوصية بأكثر من الثلث لمن له وارث، وعلى هذا استقر الإجماع] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7). قال الماوردي: (وأما الزيادة على الثلث فهو ممنوع منها في قليل المال وكثيره) (¬8). قال الموصلي: (. . . لأن الوصية بما زاد عن الثلث لا تجوز) (¬9). قال الدردير: (فإذا أوصى لأجنبي بنصف ماله مثلًا أو بقدر معين يبلغ ذلك نفذت الوصية بالثلث ورد ما زاد عليه ولو لم يكن له وارث لحق بيت ¬
[146 - 5] بطلان الوصية إذا ردها الموصى له
المال) (¬1). قال الدسوقي: (وبطل الإيصاء لوارث كغيره أي كغير وارث بزائد الثلث) (¬2) قال عبد الرحمن قاسم: (ولا تجوز الوصية بأكثر من الثلث لأجنبي لمن له وارث) (¬3) • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- قال: (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول اللَّه، إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفاتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: بالشطر يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، أو كبير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) (¬4). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منع سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- أن يوصي بثلثي ماله، وأخبره بأن إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عبادة يتكففون الناس فدل على مشروعية الوصية.Rصحة الإجماع في أنه لا يجوز لمن له وارث أن يوصي بجميع ماله. [146 - 5] بطلان الوصية إذا ردها الموصى له • المراد بالمسألة: إذا رد الموصى له الوصية بعد موت الموصي صح الرد وبطلت الوصية، وكذلك يصح الرد وتبطل الوصية إذا كان قبل قبول الموصى له. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [لا يخلو إذا ردَّ الوصية من أربعة أحوال. . والثانية: أن يردها بعد الموت، وقبل القبول فيصح الرد، ¬
وتبطل الوصية، لا نعلم فيه خلافًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). قال السرخسي: (ان الوصية بما زاد على الثلث عند عدم إجازة الورثة مفسوخة بتغيير الوصية المفسوخة) (¬5). قال النووي: (ينبغي أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله، فلو خالف وله وارث خاص فردّ بطلت الوصية في الزيادة على الثلث) (¬6). قال البهوتي: (فلو مات وترك زوجًا أو زوجة لا غير، وكان قد أوصى بجميع ماله لزيد أو الفقراء، ورد الوصية أحد الزوجين بطلت الوصية في قدر فرضه من الثلثين، فإن كان المراد زوجًا بطلت في الثلث، لأن له نصف الثلثين، وإن كان زوجة بطلت في السدس، لأن لها ربع الثلثين) (¬7). قال الدسوقي: (وبطل الإيصاء لوارث كغيره أي كغير وارث بزائد الثلث) (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: لأن الحق ثبت له بموت الموصي، فملك إسقاطه قياسًا على الشفيع إذا عفا عن الشفعة بعد البيع (¬9). الثاني: لو أنا أجبرنا رجلًا على قبول الوصية، أجبرناه إن أوصى له بعبيد زمنى (¬10) أن ينفق عليهم، فأدخلنا الضرر عليه، وهو لم يحبه، ولم ¬
[147 - 6] جواز رجوع الموصي في وصيته
يدخله على نفسه (¬1).Rصحة الإجماع في بطلان الوصية إذا ردها الموصى له. [147 - 6] جواز رجوع الموصي في وصيته • المراد بالمسألة: أن الموصي إذا أوصى بمال جاز له أن يرجع فيما أوصى به كله أو في بعضه عند جميع العلماء، ما عدا العتق، ففي جواز الرجوع به خلاف، والرجوع يكون بالقول والفعل. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن للرجل أن يرجع في كل ما يوصي به؛ إلا العتق] (¬2) ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الرجوع في الوصايا جائز ما لم يكن عتقًا] (¬3) - ابن قدامة (620 هـ) قال: [وأجمع أهل العلم على أن للموصي الرجوع في جميع ما أوصى به وفي بعضه إلا الوصية بالإعتاق، والأكثرون على جواز الرجوع في الوصية به أيضًا] (¬4). القرطبي (671 هـ) قال: [أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا أوصى لرجل بطعام فأكله، أو جارية فباعها، أو شيء ما كان فأتلفه أو وهبه أو تصدق به إن ذلك كله رجوع، وكذلك لو كانت جارية فأحبلها، وأولدها أن ذلك رجوع] (¬5). ابن تيمية (728 هـ) قال: [أما الوصية بما يفعل بعد موته، فله أن يرجع ¬
فيها ويغيرها باتفاق المسلمين ولو كان قد أشهد بها وأثبتها، وفي الوقف المعلق به والعتق نزاعان مشهوران] (¬1). - الشربيني (977 هـ) قال: [له (أي الموصي) الرجوع عن الوصية. . بالإجماع] (¬2). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [(ويجوز الرجوع في الوصية) باتفاق أهل العلم، فيما وصي به، وفي بعضه، إلا العتق] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4). قال الماوردي: (اعلم أن للموصي الرجوع في وصيته، لأنها عطية لم يزل عنها ملك معطيها فأشبهت الهبات قبل القبض) (¬5). قال الموصلي: (وللموصي أن يرجع عن الوصية بالقول والفعل) (¬6). قال القرافي: (شرع اللَّه الوصية، وشرع الرجوع فيها) (¬7). قال البهوتي: (ويجوز الرجوع في الوصية وفي بعضها ولو بالاعتاق. . . فإذا قال الموصي قد رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو غيرتها أو فسختها بطلت؛ لأنه صريح في الرجوع) (¬8). قال الدردير: (وبطلت الوصية برجوع من الموصى فيها سواء وقع منه الإيصاء في صحته أو مرضه) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
[148 - 7] الوصية الصحيحة تكون من الحر البالغ العاقل
الأول: عن عبد اللَّه بن عمر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) (¬1). • وجه الدلالة: ما قاله مالك (فلو كان الموصي لا يقدر على تغيير وصيته، كان كل موص قد حبس ماله الذي أوصى فيه) (¬2). الثاني: عن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: (يغير الرجل ما شاء من وصيته) (¬3). • وجه الدلالة: أن هذا قول صحابي لا يعرف له مخالف، فكان إجماعًا. الثالث: أنها عطية تنجز بالموت، ولم تنزل الملك، فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها، قياسًا على هبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه (¬4). الرابع: أن عقد الوصية غير لازم بل هو من العقود الجائزة إجماعًا، وما كان من العقود هذه صفته فلصاحبه الرجوع فيه (¬5). الخامس: أن القبول في الوصية إنما يعتبر بعد الموت، وكل عقد لم يقترن بإيجابه القبول فللموجب الرجوع فيه (¬6).Rصحة الإجماع في جواز رجوع الموصي في وصيته (¬7). [148 - 7] الوصية الصحيحة تكون من الحر البالغ العاقل • المراد بالمسألة: أنه لابد أن يكون الموصي ببعض ماله جائز التصرف ¬
حتى تنفذ وصيته، وجائز التصرف هو: الحر، البالغ، العاقل. • من نقل الإجماع: مالك بن أنس (179 هـ) قال: [الأمر المجتمع عليه عندنا أن الأحمق والسفيه والمصاب الذي يفيق أحيانًا أن وصاياهم تجوز إذا كان معهم من عقولهم ما يعرفون به الوصية] (¬1). ابن المنذر (319 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن وصية الحر والحرة البالغين جائزي الأمر جائزة] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن وصية العاقل البالغ الحر المسلم المصلح لماله نافذة] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [فأما الطفل وهو من له دون سبع، والمجنون المبرسم، فلا وصية لهم وهذا قول أكثر أهل العلم. . ولا تعلم أحدًا خالفهم] (¬4). الشربيني (977 هـ) قال: [تصح وصية كل مكلف حر مختار بالإجماع] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6). قال الماوردي: (الموصي: فمن شرطه أن يكون مميزًا حرًا، فإذا اجتمع فيه هذان الشرطان صحت وصيته في ماله مسلمًا كان أو كافرًا) (¬7). قال النووي: (الموصي، وهو كل مكلف حر) (¬8). قال الموصلي: (ولا تصح إلا ممن يصح تبرعه) (¬9). ¬
القرافي: (الوصي وفي الجواهر: شروطه أربعة: الشرط الأول: التكليف. . .، الشرط الثاني: الإسلام. . . الشرط الثالث: العدالة) (¬1). قال الدردير: (موسى: وهو الحر. . . المالك للموصَى به ملكًا تامًا. . . المميز لا مجنون وسكران وصبي لا تمييز عندهم حال الإيصاء) (¬2). قال البهوتي: (وتصح الوصية من البالغ الرشيد سواء كان عدلًا أو فاسقًا رجلًا أو امرأة مسلمًا أو كافرًا لأن هبتهم صحيحة فالوصية أولى) (¬3). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وتصح الوصية من البالغ الرشيد سواء كان عدلًا أو فاسقًا، رجلًا أو امرأة، مسلمًا أو كافرًا، ما لم يغرغر) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن المتقرر في الهبة الصحيحة، هي التي تكون من الحر البالغ العاقل، والوصية أولى، لكونها أوسع (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: إياس بن معاوية، فذهب إلى أنَّ الصبي والمجنون: إذا وافقت وصيتهم الحق جازت (¬6). وقد رد ابن قدامة هذا القول فقال: (وليس بصحيح، فإنه لا حكم لكلامهما، ولا تصح عبادتهما، ولا شيء من تصرفاتهما، فكذا الوصية، بل أولى، فإنه إذا لم يصح إسلامه وصلاته التي هي محض نفع لا ضرر فيها، فلأن لا يصح بذله المال يتضرر به وارثه أولى، ولأنها تصرف يفتقر إلى إيجاب وقبول، فلا يصح منهما، كالبيع والهبة) (¬7).Rصحة الإجماع في أن الوصية الصحيحة تكون من الحر البابغ العاقل. ¬
[149 - 8] لا تنفذ وصية من يهذي من علة
[149 - 8] لا تنفذ وصية من يهذي من علة • المراد بالمسألة: إذا وصى المغلوب على عقله، أو الذي يهذي من علة، فإن وصيته غير نافذة، وذلك لغياب عقله، والوصية لا بدَّ أن تصدر من عاقل يملك قوله. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [فأما الطفل وهو من له دون سبع، والمجنون المبرسم، فلا وصية لهم وهذا قول أكثر أهل العلم. . ولا نعلم أحدًا خالفهم] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والشوكاني (¬5). قال الكاساني: (. . . وتبطل بجنون الموصي جنونًا مطبقًا) (¬6). قال النووي: (فلا تصح وصية المجنون والمبرسم والمعتوه الذي لا يعقل) (¬7). قال المرداوي: (ولا تصح وصية من اعتقل لسانه بها) (¬8). قال البهوتي: (ولا تصح الوصية من سكران ومجنون مطبق ومبرسم وطفل دون التمييز لأنه لا حكم لكلامهم) (¬9). قال عبد الرحمن بن قاسم: (ولا تصح ممن له دون سبع، ومجنون، ومبرسم، ونحوهم عند جماهير العلماء) (¬10). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ ¬
[150 - 9] لا تصح الوصية بإشارة القادر على النطق
لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)} [النساء: 5 - 6]. • وجه الاستدلال: أن المجنون والصغير ممنوعان من أموالهما، حتى يعقل الأحمق ويبلغ الصغير، فصح أنه لا يجوز لهما حكم في أموالهما أصلًا، وتخصيص الوصية في ذلك خطأ (¬1). الثاني: أن الوصية تتعلق صحتها بالقول، والمجنون ومن في حكمه لا يعقل، ولا تنفذ تصرفاته (¬2). الثالث: لأن المجنون ومن في حكمه مسلوبي أهلية التصرف (¬3).Rصحة الإجماع في أنه لا تصح وصية من يهذي من علة. [150 - 9] لا تصح الوصية بإشارة القادر على النطق • المراد بالمسألة: إذا وصى المغلوب على عقله، أو الذي يهذي من علة، فإن وصيته غير نافذة، وذلك لغياب عقله، والوصية لا بدَّ أن تصدر من عاقل يملك قوله. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [ولا خلاف في أن إشارة القادر لا تصح بها وصيه ولا إقرار] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6). قال ابن مفلح: (ولا تصح وصية من اعتقل لسانه بها أي بالإشارة المفهمة إذا لم يكن مأيوسًا من نطقه. . . لأنه غير مأيوس من نطقه وكالقادر على الكلام) (¬7). ¬
[151 - 10] لا تنفذ وصية من هو في سياق الموت
قال البهوتي: (ولا تصح من أخرس لا تفهم إشارته فكان فهمت إشارته صحت، لأن تعبيره إنما يحصل بذلك عرفًا، فهي كاللفظ من قادر عليه) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن المنطق أصل في إمضاء الوصية، والإشارة لغير القادر كالأخرس (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬3)، فذهبوا إلى أن إشارة القادر على المنطق صحيحة إذا كانت مفهومة. قال الدردير: (. . . وصيغة بلفظ يدل، بل ولو بإشارة مفهمة ولو من قادر على المنطق) (¬4). • دليلهم: أن الإشارة المفهومة تقوم مقام المنطق باللسان ولا فرق (¬5).Rعدم صحة الإجماع في أنه لا تصح الوصية بإشارة القادر على النطق. [151 - 10] لا تنفذ وصية من هو في سياق الموت • المراد بالمسألة: إذا قام من يعاين الموت فأوصى، فإن وصيته لا تنفذ، وذلك لأن من هذه حاله لا يدري ما يقول، والوصية لا بدَّ أن تصدر ممن يملك عقله وقوله. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: [ومعنى بلغت الحلقوم بلغت الروح والمراد قاربت بلوغ الحلقوم إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته ولا صدقته ولا شيء من تصرفاته باتفاق الققهاء] (¬6). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [ومتى بلغت الروح الحلقوم لم ¬
[152 - 11] يجوز وصية المرأة في مالها كالرجل
تصح وصيته، ولا غيرها من تصرفاته، باتفاق الفقهاء] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشوكاني (¬4). قال الماوردي: (وأما عطايا المرض، فالمرض ينقسم إلى ثلاثة أقسام: . . . والقسم الثاني: حال المعاينة، وحشرجة النفس، وبلوغ الروح التراقي، فلا يجري عليه فيها حكم قلم، ولا يكون لقوله حكم؛ لأنه في حكم الموتى، وإن كان يتحرك حركة المذبوح، وكذلك من شق بطنه وأخرجت حشوته لا يحكم بقوله ووصيته في هذه الحالة، وإن كان يتحرك أو يتكلم لأن الباقي منه كحركة المذبوح بعد الذبح) (¬5) قال ابن قدامة: (وخرجه ابن عقيل وجهًا إذا اتصل باعتقال لسانه الموت، ولنا أنه غير مأيوس من نطقه فلم تصح وصيته بإشارته كالقادر على الكلام) (¬6). قال البهوتي: (وأقرب ما يقال: ما يكثر حصول الموت منه فعطاياه ولو كانت عتقًا ووقفًا وماباة بأن باع بدون ثمن المثل أو اشترى بأكثر كوصية في أنها لا تصح لوارث بشيء غير الوقف) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن: من في هذه الحالة يُدهش ولا يدري ما يقول، والمعتبر في الوصية أن يكون مالكًا لعقله ولقوله.Rصحة الإجماع في لا تنفذ وصية من هو في سياق الموت. [152 - 11] يجوز وصية المرأة في مالها كالرجل • المراد بالمسألة: يجوز للمرأة الحرة أن توصى في مالها بمثل ما يوصي ¬
الرجل سواء بسواء فحكمها في الوصية والرجل واحد. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: [وأجمع أهل العلم على أن وصية الحر والحرة البالغين الجائزي الأمر جائزة] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن وصية المرأة في المال خاصة كوصية الرجل. . ولا فرق] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). قال الماوردي: (الموصى، فمن شرطه أن يكون مميزًا حرًا، فإذا اجتمع فيه هذان الشرطان صحت وصيته في ماله مسلمًا كان أو كافرًا) (¬7). قال المرداوي: (وتصح من البالغ الرشيد، عدلًا كان أو فاسقًا، رجلًا أو امرأة، مسلمًا أو كافرًا) (¬8). قال البهوتي: (وتصح الوصية من البالغ الرشيد سواء كان عدلًا أو فاسقًا رجلًا أو امرأة) (¬9). قال الدردير: (وركنها الذي تتوقف عليه موسى: وهو الحر المالك للموصَى به ملكًا تامًا) (¬10). قال عبد الرحمن قاسم: (وتصح الوصية من البالغ الرشيد سواء كان ¬
[153 - 12] تجوز وصية البالغ المحجور عليه
عدلًا أو فاسقًا، رجلًا أو امرأة، مسلمًا أو كافرًا، ما لم يغرغر) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن اللَّه سبحانه وتعالى أمر بالوصية أمرًا عامًا للمؤمنين، وهو يعم الرجال والنساء، لأن المرأة داخلة في الخطاب أصلًا (¬2). الثاني: ولأنه تصح الهبة من المرأة، فالوصية أولى لأنها أوسع (¬3). الثالث: أن من صح تصرفه في ماله صحت وصيته، والمرأة كذلك (¬4).Rصحة الإجماع في أنه يجوز وصية المرأة في مالها كالرجل. [153 - 12] تجوز وصية البالغ المحجور عليه • المراد بالمسألة: المحجور عليه من البالغين على قسمين، الأول: المحجور عليه لحق غيره، فوصيته محل خلاف بين الفقهاء، والثاني: المحجور عليه لسفه، وذلك لسوء تصرفه في أمواله، فهذا وصيته جائزة. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: [وصية البالغ المحجور عليه جائزة، وجمهور الفقهاء على ذلك] (¬5). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [قد أجمع هؤلاء على أن وصية البالغ المحجور عليه جائزة] (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). قال النووي: (وتصح وصية المحجور عليه لسفه على المذهب) (¬10). قال ¬
[154 - 13] وصية العبد موقوفة على إذن سيده
القرافي: (أربعة تجوز وصاياهم دون تصرفاتهم: الصبي والصبية، والمحجور عليه، والأحمق، والمصاب الذي يفيق أحيانًا في تلك الحال) (¬1). قال البهوتي: (وتصح الوصية من المحجور عليه لسفه بمال) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أنه عاقل فتصح وصيته كالصبي العاقل (¬3). الثاني: أنه تصح عبارته بدليل قبول إقراره بالعقوبة ونفوذ طلاقه (¬4). الثالث: أن وصيته تمحضت نفعا له من غير ضرر فانتفي بذلك المعنى الذي شرع الحجر لأجله، فصحت كعباداته، ولكونه بحاجة إلى الثواب (¬5).Rصحة الإجماع في جواز وصية البالغ المحجور عليه (¬6). [154 - 13] وصية العبد موقوفة على إذن سيده • المراد بالمسألة: أنه إذا أوصى العبد أو الأمة بوصية ولم يجزها السيد ثم مات على الرق فإن الوصية غير جائزة. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا -فيما نعلم- أن ¬
وصية العبد غير جائزة ما لم يجزها السيد، ولا نقطع على أنه إجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الماوردي: (وأما العبد فوصيته باطلة، . . . لأن السيد أملك منهم لما في أيديهم) (¬6). قال ابن قدامة: (وإن وصى عبد أو مكاتب. . . ثم ماتوا على الرق، فلا وصية لهم؛ لأنه لا مال لهم) (¬7). قال الموصلي: (وأما العبد والمكاتب إذا أضافاها إلى ما بعد عتقهما لا تصح لأنهما أهل لذلك، وإنما امتنع في الحال لحق المولى، فإذا زال حق المولى زال المانع فتصح) (¬8). قال القرافي: (فتبطل وصية العبد لأن ماله للسيد) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (. . له شيء يوصي فيه) (¬10). • وجه الاستدلال: أنه ليس لأحد شيء يوصي فيه إلا من أباح له النص ذلك، وليس للعبد شيء يوصي فيه، إنما له شيء إذا مات صار لسيده لا يورث عنه (¬11). ¬
[155 - 14] تجوز الوصية مع وجود الدين، ويقدم الدين عليها أولا
الثاني: أن العبد لا مال له، فهو وما يملك لسيده (¬1). الثالث: يمتنع تبرع العبد وذلك لحق سيده؛ لأن مال العبد لسيده (¬2). الرايع: ولأن اللَّه سبحانه وتعالى جعل الوصية حيث التوارث، والعبد لا يورث فلم يدخل في الأمر بالوصية (¬3).Rصحة الإجماع في أن وصية العبد موقوفة على إذن سيده. [155 - 14] تجوز الوصية مع وجود الدين، ويقدم الدين عليها أولًا • المراد بالمسألة: إذا أوصى من عليه دين لأحد بشيء من ماله، ثم مات، فإنه يقضي ما عليه من الدين قبل تنفيذ الوصية، فإن فضل شيء بعد قضاء دينه نفذت الوصية فيما بقي. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) قال: [لم أعلم أهل العلم اختلفوا فيه أن الدين مبدأ على الوصية والميراث] (¬4). الترمذي (279 هـ) قال: [والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أنه يبدأ بالدين قبل الوصية] (¬5). الطبري (310 هـ) قال: [فلم يجعل تعالى ذكره لأحد من ورثة الميت، ولا لأحد ممن أوصى له بشيء، إلا من بعد قضاء دينه من جميع تركته، وإن أحاط بجميع ذلك وعلى. . ما قلنا الأمة مجمعة] (¬6). ابن المنذر (319 هـ) قال: [وقضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالدين قبل الوصية والأمة مجمعة عليه] (¬7). ¬
ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الوصية لا تجوز إلا بعد أداء ديون الناس، فإن فضل شيء جازت الوصية، وإلا فلا] (¬1) القرافي (684 هـ) قال: (فالدين من رأس المال، وهو مقدم على الوصية إجماعًا) (¬2). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [ولم يختلف العلماء في أن الدين مقدم على الوصية] (¬3). اليماني (1182 هـ) قال: [وقد اتفق العلماء على أنه يقدم إخراج الدين على الوصية] (¬4). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [(ويخرج) وصي، فوارث فحاكم (الواجب كله من دين وحج وغيره) كزكاة، ونذر، وكفارة (من كل ماله بعد موته، وإِن لم يوص به) لقوله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فالإرث مؤخر عنهما إجماعًا] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7). قال ابن قدامة: (ولا تجب الوصية إلا على من عليه دين. . . فأما الوصية بجزء من ماله فليست بواجبة على أحد في قول الجمهور) (¬8). قال الموصلي: (يبدأ من تركة الميت بتجهيزه. . . ثم تقضى ديونه، ثم تنفذ وصاياه من ثلث ماله) (¬9). قال المرداوي: (وتخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم ¬
[156 - 15] لا تجوز الوصية بالمعصية ولا تنفذ
يوص، فإن وصى معها بتبرع: اعتبر الثلث من الباقي بعد إخراج الواجب) (¬1). قال البهوتي: (ولا تجب الوصية لأجنبي. . . إلا على من عليه دين بلا بينة) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: من قول علي -رضي اللَّه عنه-: (إنكم تقرؤون الوصية قبل الدين، وقد شهدت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بدأ بالدين قبل الوصية) (¬3). الثاني: أن الدين أهم من الوصية، فإن الدين فرض والوصية تبرع، فيبدأ بالأهم فالأهم والواجب مقدم على التبرع (¬4).Rصحة الإجماع في أنه تجوز الوصية مع وجود الدين، ويقدم الدين عليها أولًا. [156 - 15] لا تجوز الوصية بالمعصية ولا تنفذ • المراد بالمسألة: أن الوصية إنما تجوز في البِر والمباح، وأما الوصية بالمعصية فلا تجوز؛ كالوصية ببناء كنيسة، أو رفع القبور، أو الوصية بآلات الطرب واللهو، أو النياحة عليه بعد موته، ونحو ذلك مما هو محرم في الشريعة. ¬
• من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الوصية بالمعصية لا تجوز] (¬1). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [ولا تصح الوصية لكنيسة: معبد النصارى، ولا لبيت نار: وهو معبد المجوس، ولا لبيعة، ولا صومعة، ولا دير، ولا أي مكان من أماكن الكفر، ولا لحصرها، وقناديلها، وخدمها، ولو من ذمي، وهذا مذهب جمهور العلماء] (¬2)، • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والشوكاني (¬6). قال الماوردي: (وأما الوصية للبيع والكنائس فباطلة، لأنها مجمع معاصيهم، وكذلك الوصية بكتب التوراة والإنجيل لتبديلها وتغييرها، وسواء كان الموصي مسلمًا أو كافرًا. . . ولا تجوز الوصية بما لا يجوز الانتفاع به من عين أو منفعة كالخمر والخنزير والكلب غير المعلم) (¬7). قال ابن قدامة: (ولا تصح الوصية بمعصية وفعل محرم، مسلمًا كان الموصي أو ذميًّا، فلو وصى ببناء كنيسة أو بيت نار، أو عمارتهما، أو الانفاق عليهما كان باطلًا) (¬8). قال ابن الهمام: (الوصية بالمعصية باطلة لما في تنفيذها من تقرير المعصية) (¬9). ¬
[157 - 16] لا تصح الوصية بما لا يملك
قال الدسوقي: (وتصح الوصية وإن كان الموصي كافرًا إلا أن يوصي بخمر أو خنزير لمسلم أي من كل ما لا يصح تملكه للمسلم) (¬1). قال الشوكاني: (. . تجب على من له ما يوصي فيه، ولا تصح ضرارًا. . . ولا في معصية) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة: 2]. • وجه الاستدلال: حرمة التعاون على الإثم، وفي الوصية بالمعصية تعاون على الإثم. الثاني: ولأن الوصية إنما جعلت له ليدرك بها ما فات ويزيد بها الحسنات، والوصية بالمعصية ليس من هذا الباب، بل هي ضده (¬3).Rصحة الإجماع في أنه لا تجوز الوصية بالمعصية ولا تنفذ. [157 - 16] لا تصح الوصية بما لا يملك • المراد بالمسألة: أن من أوصى بشيء لا يملكه فإن وصيته باطلة، ولا يجوز إنفاذها. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن من أوصى بما لا يملك و. . معصية أن الوصية. . تبطل في المعصية، وفيما لا يملك] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [واتفقوا على أنه -أي الموصي- كل مالك ¬
صحيح الملك] (¬1). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [(ولا تصح) الوصية (بما لا يملكه الموصي) كالتوكيل اتفاقًا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الشافعية في أحد الوجهين (¬3). قال النووي: (ويستحب أن يوصي من له مال) (¬4). قال القرافي: (تصح الوصية من كل حر مميّز مالك، فتبطل وصية العبد لأن ماله للسيد) (¬5). قال المرداوي: (والوصية مستحبة لمن ترك خيرًا كثيرًا) (¬6). قال الدردير: (وركنها الذي تتوقف عليه موسى: وهو الحر المالك للموصَى به ملكًا تامًا) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أدلة حرمة بيع الإنسان ما لا يملك. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية (¬8)، والشافعية في الوجه الآخر (¬9)، والحنابلة في قول (¬10)، فذهبوا إلى أنه لا يشترط لصحة الوصية أن يكون الموصى به ملكًا للموصي حين الوصية؛ فلو أوصى بما لا يملكه كان فضوليًا، ووصية الفضولي منعقدة موقوفة على إجازة المالك؛ فإن أجاز فهو بالخيار إن شاء سلمها وإن شاء لم يسلم كالهبة.Rعدم صحة الإجماع في أنه لا تصح الوصية بما لا يملك. ¬
[158 - 17] يجوز الرجوع في الوصية
[158 - 17] يجوز الرجوع في الوصية • المراد بالمسألة: الوصية من العقود الجائزة، فمن رجع عن وصيته بلفظ صريح في الرجوع غير محتمل، أفاد ذلك رجوعه عن وصيته، بخلاف جحوده الوصية، فإنه لا يفيد الرجوع يقينًا لاحتمال أن يكون قد عرض له ما يحدث من عوارض البشر كالنسيان ونحوه. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الرجوع بلفظ الرجوع. . رجوع تام] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [والوصية: هبة الرجل ماله لشخص أو لأشخاص بعد موته. . وهذا العقد عندهم من العقود الجائزة باتفاق] (¬2) ابن قدامة (620 هـ) قال: [وأجمع أهل العلم على أن للموصي أن يرجع في جميع ما أوصى به وفي بعضه، إلا الوصية بالاعتاق] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5). قال الماوردي: (للموصي الرجوع في وصيته متى شاء، وأن الرجوع قد يكون بقول، أو دلالة، أو فعل) (¬6). قال النووي: (يجوز الرجوع عن الوصية وعن بعضها) (¬7). قال الموصلي: (وللموصي أن يرجع عن الوصية بالقول والفعل) (¬8). قال البهوتي: (ويجوز الرجوع في الوصية، وفي بعضها ولو رد الاعتاق) (¬9). ¬
قال الدردير: (وبطلت الوصية برجوع من الموصى فيها سواء وقع منه الإيصاء في صحته أو مرضه وبيّن ما به الرجوع فيها بقوله: بقول صريح كأبطلت وصيتي أو رجعت عنها، أو عتق للرقبة التي أوصى بها لزيد مثلًا) (¬1). قال الدسوقي: (وبطلت الوصية برجوع فيها لأنها من العقود الجائزة إجماعًا فيجوز له الرجوع فيها ما دام حيًّا) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) (¬3). • وجه الدلالة: ما قاله مالك: (فلو كان الموصي لا يقدر على تغيير وصيته، كان كل موص قد حبس ماله الذي أوصى فيه) (¬4). الثاني: عن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: (يغير الرجل ما شاء من وصيته) (¬5). الثالث: أنها عطية تنجز بالموت، ولم تنزل الملك، فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها، قياسًا على هبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه (¬6). الرابع: أن عقد الوصية غير لازم بل هو من العقود الجائزة إجماعًا، وما كان من العقود هذه صفته فلصاحبه الرجوع فيه؛ لأن الوعد غير لازم (¬7). ¬
[159 - 18] تصرف الموصي في الوصية يعتبر رجوعا فيها
الخامس: أن القبول في الوصية إنما يعتبر بعد الموت، وكل عقد لم يقترن بإيجابه القبول فللموجب الرجوع فيه، ويعد نسخًا قبل تمامه (¬1).Rصحة الإجماع في جواز الرجوع في الوصية. [159 - 18] تصرف الموصي في الوصية يعتبر رجوعا فيها • المراد بالمسألة: أن من تصرف فيما أوصى به تصرفا يخرج به الشيء الموصى به عن ملكه، كبيع أو هبة أو صدقة، أو أتلف ما أوصى به كذبح الشاة الموصى بها، فإن ذلك يعتبر منه رجوعًا في الوصية. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: [وأجمعوا أن الرجل إذا أوصى لرجل بجارية فباعها أو بشيء ما فأتلفه أو وهبه أو تصدق به أن ذلك كله رجوع، (¬2) ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الرجوع بلفظ الرجوع وبخروج الشيء الموصى به عن ملك الموصي في حياته وصحته رجوع تام] (¬3). قال المرداوي (885 هـ): وإذا قال في الموصى به: هذا لورثتي، أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان؛ كان رجوعًا، بلا خلاف أعلمه (¬4) قال المرداوي (885 هـ): (إذا باعه أو وهبه كان رجوعًا بلا نزاع) (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، ¬
والحنابلة (¬1). قال الماوردي: قال الشافعي: (ولو أوصى أن يباع أو دبّره أو وهبه كان هذا رجوعًا) (¬2). قال النووي: (. . . ومنها: إزالة الملك عن الموصى به ببيع أو اعتاق، أو صداق، أو جعله أجرة، أو عوض خلع، فهو رجوع) (¬3). قال الموصلي: (. . . والرجوع بالفعل مثل أن يفعل فعلًا يزيل ملكه عن الموصى به كالبيع والهبة؛ لأنه إذا زال ملكه بطلت الوصية) (¬4). قال البهوتي: (وإن قال: ما أوصيت به لزيد فهو لعمرو، كان لعمرو ولا شيء منه لزيد، لرجوعه عنه، وصرفه إلى عمرو) (¬5). قال الدردير: (وبطلت الوصية برجوع من الموصى فيها. .. وبيّن ما به الرجوع فيها بقوله: بقول صريح كأبطلت وصيتي أو رجعت عنها، أو عتق للرقبة التي أوصى بها لزيد مثلًا) (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن التصرف في جنس الوصية يعد فسخًا للعقد قبل تمامه (¬7). الثاني: لأن بيع الموصى به أو هبته أو عتقه يعتبر صرفًا له عن الموصى له، إذ إنه أخرجه عن ملكه (¬8). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية، فذهبوا إلى أن بيعه (فقط) لا يعد رجوعًا؛ لأنه أخذ بدله، بخلاف الهبة (¬9). ¬
[160 - 19] بطلان الوصية بما زاد عن الثلث إلا إن أجازها الورثة
Rصحة الإجماع في أن من تصرف فيما أوصى به تصرفًا يخرج به الشيء الموصى به عن ملكه، كبيع أو هبة أو صدقة، أو أتلف ما أوصى به كذبح الشاة الموصى بها، فإن ذلك يعتبر منه رجوعًا في الوصية. [160 - 19] بطلان الوصية بما زاد عن الثلث إلا إن أجازها الورثة • المراد بالمسألة: أنه لا يجوز لمن ترك وارثًا أن يوصي في ماله بما زاد على الثلث، سواء كان في حال صحته أو في حال مرضه. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) قال: [لم أعلمهم اختلفوا في أن جائزًا لكل موصِ أن يستكمل الثلث قل ما ترك أو أكثر، وليس بجائز له أن يجاوزه] (¬1). الترمذي (279 هـ) قال: [والعمل على هذا عند أهل العلم أنه ليس للرجل أن يوصي بأكثر من الثلث] (¬2). ابن المنذر (319 هـ) قال: [وأجمع أهل العلم على أن رجلًا لو أقر لأجنبي بدين، يحيط بجميع ماله، في مرضه ومات، أن ذلك جائز، ولو أوصى بماله كله ثم مات، بطل منه ما زاد على الثلث (¬3). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أنه لا يجوز لمن ترك ورثة أو وارثًا أن يوصي بأكثر من ثلث ماله لا في صحته ولا في مرضه] (¬4). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمع علماء المسلمين أن الميت إذا مات عن بنين أو عن كلالة ترثه أنه لا يجوز له أن يوصى في ماله بأكثر من ثلثه] (¬5). ¬
ابن رشد (595 هـ) قال: [فإن العلماء اتفقوا على أنه لا تجوز الوصية في أكثر من الثلث لمن ترك ورثة] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: (الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة، وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم، فإن أجازوه جاز، وإن ردوه بطل في قول جميع العلماء) (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والشوكاني (¬5). قال الماوردي: (وأما الزيادة على الثلث فهو ممنوع منها في قليل المال وكثيره. . . فإن وصى بأكثر من الثلث أو بجميع ماله: نظر: فإن كان له وارث: كانت الوصية موقوفة على إجازته ورده، فإن ردها رجعت الوصية إلى الثلث، وإن أجازها صحت) (¬6). قال المرغيناني: (ولا تجوز بما زاد على الثلث إلا أن يجيزه الورثة بعد موته) (¬7). قال النووي: (ينبغي أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله، فلو خالف وله وارث فردّ، بطلت الوصية في الزيادة على الثلث، وإن أجاز دفع المال بالزيادة إلى الموصى له) (¬8). قال الموصلي: (وما زاد على الثلث. . . تصح بإجازة الورثة، لأن الوصية بما زاد على الثلث لا تجوز) (¬9). قال القرافي: (إذا زاد على ثلثه جاز منه الثلث) (¬10). قال البهوتي: (وإن ¬
[161 - 20] تجوز الوصية بما زاد على الثلث إذا أجازها الورثة
رد الورثة ما يقف على إجازتهم كالزائد على الثلث لأجنبي، أو لوارث بشيء بطلت الوصية فيه أي فيما توقف على الإجازة فقط دون غيره) (¬1). قال الدردير: (وبطلت الوصية لوارث كغيره بزائد الثلث. . . وظاهره بطلان الزائد وإن لم يكن له وارث لحق بيت المال) (¬2). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وإن لم يجز الورثة لأجنبي بأكثر من الثلث بطل) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- أنه قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: . .. الثلث، والثلث كثير، أو كبير) (¬4). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى سعدًا عن الزيادة، والقاعدة أن النهي يقتضى الفساد (¬5). الثاني: أن ما زاد على الثلث حق الورثة تعلق بماله لانعقاد سبب الزوال إليهم وهو استغناؤه عن المال (¬6).Rصحة الإجماع في بطلان الوصية بما زاد عن الثلث إلا إن أجازها الورثة. [161 - 20] تجوز الوصية بما زاد على الثلث إذا أجازها الورثة • المراد بالمسألة: أن الموصي إذا أوصى في ماله بأكثر من الثلث، فإن الوصية لا تجوز ولا تنفذ إلا بإجازة الورثة. • من نقل الإجماع: ابن جرير الطبري: (310 هـ) قال: [. . فإن جاوز ¬
ذلك ثلثه، جعل الخيار في إجازة ما زاد على الثلث من ذلك أو ردِّه إلى ورثته: إن أحبوا أجازوا الزيادة على ثلث ذلك، وإن شاؤوا ردوه. فأما ما كان من ذلك إلى الثلث، فهو ماضٍ عليهم. وعلى كل ما قلنا من ذلك الأمة مجمعة] (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمع جمهور أهل العلم أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث إلا أن يجيزها الورثة] (¬2). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن ما زاد على الثلث إذا أوصى به من ترك بنين أو عصبة: أنه لا ينفذ إلا الثلث، وأن الباقي موقوف على إجازة الورثة، فإن أجازوه نفذ، وأن أبطلوه لم ينفذ] (¬3) ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمعوا -كما قلنا- أنها لا تجوز لوارث إذا لم تجزها الورثة] (¬4). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم -أي الورثة- فإن أجازوه جاز، وإن ردوه بطل في قول جميع العلماء] (¬5). النووي (676 هـ) قال: [وأجمع العلماء في هذه الأعصار على أن من له وارث لا تنفذ وصيته بزيادة على الثلث إلا بإجازته] (¬6). ابن تيمية (728 هـ) قال: [لا يجوز للمريض تخصيص بعض أولاده بعطية منجزة ولا وصية بعد الموت. . وإذا فعل ذلك لم يجز تنفيذه بدون إجازة بقية الورثة، وهذا كله باتفاق المسلمين] (¬7). الشربيني (977 هـ) قال: [فإن زاد في الوصية على الثلث ورد الوارث ¬
الخاص المطلق التصرف بطلت في الزائد على الثلث بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والشوكاني (¬3). قال الماوردي: (فإن وصى بأكثر من الثلث أو بجميع ماله نظر: فإن كان له وارث: كانت الوصية موقوفة على إجازته ورده، فإن ردها رجعت الوصية إلى الثلث، وإن أجازها صحت) (¬4). قال الموصلي: (وما زاد على الثلث وللقاتل والوارث تصح بإجازة الورثة، وتعتبر إجازاتهم بعد موته) (¬5). قال المرداوي: (ولا يجوز لمن له وارث الوصية بزيادة على الثلث لأجنبي، ولا لوارث بشيء إلا بإجازة الورثة) (¬6). قال البهوتي: (وتحرم الوصية وقيل تكره وهو الأولى على من له وارث غير أحد الزوجين بزيادة على الثلث لأجنبي، وبشيء مطلقًا لوارث وتصح هذه الوصية المحرمة وتقف على اجازة الورثة) (¬7). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وإن لم يجز الورثة لأجنبي بأكثر من الثلث بطل) (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- أنه قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . . أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: بالشطر يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قلت: ¬
فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، أو كبير) (¬1). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى سعدًا -رضي اللَّه عنه- عن الزيادة، والقاعدة أن النهي يقتضى الفساد، إلا أن يجيز الورثة (¬2). الثاني: أن ما زاد على الثلث حق الورثة تعلق بماله لانعقاد سبب الزوال إليهم وهو استغناؤه عن المال (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الظاهرية (¬4)، وهو مروي عن عبد الرحمن بن كيسان وطائفة (¬5)، فقد ذهبوا إلى منع الزيادة على الثلث وإن أجاز الورثة. • دليلهم: وحجة المخالفين ما يلي: الأول: حديث سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- أنه قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (. . أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: بالشطر يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، أو كبير) (¬6). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأذن لسعد ابن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- بالزيادة على الثلث، فدل على البطلان. الثاني: عن عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه-: (إن رجلًا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعاهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فجزأهم أثلاثًا، ثم أقرع بينهم، وأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولًا شديدًا) (¬7). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رد ما زاد على الثلث، وأقر الثلث، فدل على بطلان ما زاد على الثلث. ¬
[162 - 21] تجوز الشهادة على الوصية مكتوبة وغير مكتوبة إذا قرأها الشهود أو قرئت عليهم
Rعدم صحة الإجماع في جواز الوصية بما زاد على الثلث إذا أجازها الورثة، وذلك لخلاف الظاهرية ومن وافقهم (¬1). [162 - 21] تجوز الشهادة على الوصية مكتوبة وغير مكتوبة إذا قرأها الشهود أو قرئت عليهم • المراد بالمسألة: أن الشهادة على الوصية المكتوبة جائزة، إذا قرأ الموصي الكتاب على الشهود أو قرئ عليهم وهو حاضر وأقر بما فيه، أو أشهد من دون كتابة. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن الوصي إذا كتب كتابًا، وقرأه على الشهود أو قرئ الكتاب عليه وعلى الشهود، وأقر بما فيه أن الشهادة عليه جائزة] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أنه إن أوصى وأشهد وإن لم يكتبها فلم يعص] (¬3). المرغيناني (593 هـ) قال: (ولو شهدا أنه أوصى لهذين الرجلين بجاريته وشهد المشهود لهما أن الميت أوصى للشاهدين بعبده جازت الشهادة بالاتفاق لأنه لا شركة ولا تهمة) (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). قال ابن قدامة: (وإن كتب وصيته، وقال: اشهدوا عليّ بما في هذه الورقة، أو قال هذه وصيتي، فاشهدوا عليّ بها، فقد حكي عن الإمام أحمد. . . لا يجوز حتى يسمعوا منه ما فيه، أو يقرأ عليه فيقر بما فيه) (¬5). قال النووي: (ولو وجد له كتاب وصية بعد موته ولم تقم بينة على مضمونه، أو كان قد أشهد جماعة أن الكتاب خطي وما فيه وصيتي، ولم يطلعهم على ما فيه، فقال جمهور الأصحاب لا تنفذ الوصية بذلك ولا يعمل بما فيه حتى يشهد الشهود به مفصلًا) (¬6). قال الخطيب الشربيني: (ولو كتب أوصيت لفلان بكذا وهو ناطق، وأشهد جماعة أن الكتاب خطه، وما فيه وصيته، ولم يطلعهم على ما فيه لم تنعقد وصيته كما لو قيل له: أوصيت لفلان بكذا، فأشار أن نعم، فإن اعتقل لسانه فوصيته صحيحة بكتابة أو إشارة كالبيع) (¬7). قال الدردير: (وأشهد الموصي على وصيته لأجل صحتها ونفوذها، وحيث أشهد سيجوز للشهود أن يشهدوا على ما انطوت عليه وصيته) (¬8). قال الدسوقي: (الموصي إذا كتب وصيته بخطه أو أملاها لمن كتبها، وقال للشهود: اشهدوا على أن ما في هذه الوثيقة وصيتي، أو على أني أوصيت بما فيها ولم يقرأها عليهم، فإنه يجوز لهم القدوم على الشهادة بأنه أوصى بما انطوت عليه هذه الوثيقة. . . بأن يقولوا: نحن نشهد بأن أوصى ¬
[163 - 22] وقت اعتبار قيمة الوصية من المال الموصى به هو يوم موت الموصي
بما انطوت عليه هذه الوصية أي الوثيقة وإن لم يقرأها عليهم، ولا فتح الكتاب لهم، ولو بقي الكتاب عنده إلى أن مات، بشرط أن يشهدهم بما في كتاب وصيته، أو يقول لهم: انفذوه، وبشرط أن لا يوجد في الوثيقة محو ولا تغيير وأن يعرفوا الوثيقة بعينها) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما يلي: الأول: أنها شهادة على كتاب، علم الشاهد ما فيه، فكانت شهادة حق، واللَّه سبحانه وتعالى يقول: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)} [الزخرف: 86]. الثاني: ولأن الوصية يتسامح فيها لكونها تبرع، ولهذا صح تعليقها على الخطر والغرر (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: احمد في إحدى الروايتين (¬3)، فذهب إلى أن من مات فوجدت وصيته مكتوبة عند رأسه ولم يشهد فيها، وعرف خطه، وكان مشهور الخط أنه يقبل ما فيها.Rصحة الإجماع في جواز الشهادة على الوصية مكتوبة وغير مكتوبة إذا قرأها الشهود أو قرئت عليهم (¬4). [163 - 22] وقت اعتبار قيمة الوصية من المال الموصى به هو يوم موت الموصي • المراد بالمسألة: أنه لو أوصى ببعض ماله، فإن القدر الموصى به يتوقف على قدر ماله يوم موته لا يوم الوصية فلو زاد المال أو نقص زاد مقدار الموصى به أو نقص تبعًا لذلك، فلو قُتل الموصي فوجبت فيه الدية، ¬
ضمت لماله حتى لو كان أوصى بالثلث، أخذ الموصى له ثلثها مع بقية المال إن وُجد (¬1). • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمعوا على أنه لا يجب للموصى له الا بعد موت الموصي] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [الاعتبار في قيمة الموصى به وخروجها من الثلث أو عدم خروجها بحالة الموت. . ولا أعلم فيه خلافًا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية، والشافعية (¬5). قال الكاساني: (الوصية تمليك مضاف إلى وقت الموت، فيستحق الموصى له ما كان على ملك الموصى عند موته، ويصير المضاف إلى الوقت كالمنجز عنده، كأنه قال: عند الموت لفلان ثلث مالي، فيعتبر ما يملكه في ذلك الوقت لا ما قبله) (¬6). قال الموصلي: (حتى لو أوصى بثلث ماله ولا مال له، ثم اكتسب مالًا، ومات، أو كان له فذهب أو نقص، فإن المعتبر ماله حالة الموت، لأن وقتئذ تنفذ الوصية وينتقل المال إلى ملك الموصى له) (¬7). قال المرداوي: (إن قلنا يملكه بالموت، اعتبرت قيمته من التركة بسعره يوم الموت، على أدنى صفاته من يوم الموت إلى القبول سعرًا وصفة) (¬8). قال الدردير. (. . . أو أوصى بثلث ماله، فباعه أي المال، واستخلف غيره فلا تبطل، لأن العبرة بما يملك يوم الموت سواء زاد أو نقص) (¬9). ¬
قال عبد الرحمن بن قاسم: (. . . اعتبارًا بحال الموت، لأنه الحال الذي يحصل به الانتقال إلى الوارث والموصى له (والعكس بالعكس) (¬1). • مستند الإجماع: استند الإجماع إلى: أن الوصية تمليك بعد الموت وبه تلزم من جهة الموصى (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الشافعية في قول (¬3)، وذهبوا إلى أن العبرة بوقت الوصية لا بموت الموصي. • دليلهم: القياس على ما لو نذر التصدق بثلث ماله فإن المعتبر يوم النذر (¬4).Rصحة الإجماع في أن وقت اعتبار قيمة الوصية من المال الموصى به هو يوم موت الموصي. وأما الخلاف المذكور فهو ضعيف وشاذ، فإنه قول مقابل الأصح عند الشافعية ومذهبهم موافق للإجماع، وقد قدمه النووي في منهاج الطالبين، ثم حكى القول الآخر بصيغة التمريض، وقد قال في مقدمة كتابه: (وحيث أقول: وقيل كذا فهو وجه ضعيف والصحيح أو الأصح خلافه) (¬5) وأيضًا الاحتجاج بالقياس على النذر في اعتبار قيمة المال يوم النذر مردود بأن وقت النذر هو وقت اللزوم فهو نظير يوم الموت في الوصية (¬6). * * * ¬
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الموصى به
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب الموصى به [164 - 23] لا تستحب الوصية في يسير المال الذي يضر بالورثة • المراد بالمسألة: أن التركة إذا كانت يسيرة، والوصية ببعض المال منها يضر بنصيب الورثة، فإن الوصية لا تستحب في مثل هذه الحالة. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وقد أجمع العلماء على أن من لم يكن عنده إلا اليسير التافه من المال، أنه لا يندب إلى الوصية] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والحنابلة (¬3). قال ابن قدامة: (والذي يقوى عندي أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة، فلا تستحب الوصية) (¬4). قال الموصلي: (وإن كانت الورثة فقراء لا يستغنون بنصيبهم فتركها أفضل لما فيه من الصلة والصدقة عليهم) (¬5). قال المرداوي: (تكره الوصية لغير من ترك خيرًا، فتكره للفقير الوصية مطلقًا على الصحيح من المذهب) (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180]. • وجه الاستدلال: ما قاله ابن حجر العسقلاني: (وقيل المراد بالخير ¬
المال الكثير، فلا تشرع لمن له مال قليل) (¬1) فمن لم يترك إلا اليسير فليس مندوبًا إلى الوصية. الثاني: عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- قال يا رسول اللَّه (. . أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: بالشطر يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، أو كبير) ثم قال له: (إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة. .) (¬2). • وجه الاستدلال: أن الوصية في المال اليسير تخالف هذا الحديث لأنه لا يذر ورثته أغنياء، ففي هذا القول من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دلالة على أن ترك ما فيه غنى للورثة خير من الوصية، ولا شك أن الوصية في المال التافه تتركهم غير أغنياء، فأفاد هذا أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة فلا تستحب الوصية (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الزهري (¬4)، والشافعية (¬5)، فذهبوا إلى استحباب الوصية ولو كان الموصي لا يملك إلا قليلًا. قال الماوردي: (وأولى الأمرين به أن يعتبر حال ورثته، فإن كانوا فقراء، كان النقصان من الثلث أولى من استيعاب الثلث) (¬6). • دليلهم: ويستند خلافهم على عموم قول اللَّه سبحانه وتعالى: {إِنْ تَرَكَ ¬
[165 - 24] جواز الوصية بالمنفعة
خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180]. • وجه الاستدلال: أن الخير يطلق على قليل المال وكثيرة، بدلالة قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)} [البقرة: 273]. وقد فسر جمع من السلف (الخير) في هذه الآية: بالمال، وهذا مروي: عن ابن عباس، والربيع، وعطاء (¬1).Rعدم صحة الإجماع في أنه لا تستحب الوصية ممن يملك مالًا يسيرًا يضر بورثته الوصية فيه، وذلك لوجود الخلاف. قال الحافظ ابن حجر بعد أن نقل حكاية الإجماع عن ابن عبد البر، قال: (وفي حكاية الإجماع نظر) (¬2). [165 - 24] جواز الوصية بالمنفعة • المراد بالمسألة: أن الوصية بمنفعة العين صحيحة وجائزة، إذا كان مما يصلح أن ينتفع بها مع بقاء عينها، كالوصية بأجرة السكنى، وخدمة العبد، وأجرة السيارة، ونحو ذلك، وتكون من الثلث. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ): [وأما الذي يرجع إلى الموصى به فأنواع منها: أن يكون مالًا، سواء كان المال عينًا أو منفعة عند عامة العلماء] (¬3). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). قال ابن قدامة: (وإن أوصى بثمرة شجرة أو بستان أو غلة دار أو خدمة عبد صحّ، سواء وصّى بذلك في مدة معلومة أو بجميع الثمرة والمنفعة في ¬
الزمان كله) (¬1). قال الموصلي: (وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره وبغلتهما أبدًا ومدة معلومة، لأن المنافع يصح تمليكها حال الحياة بعوض وغير عوض) (¬2). قال الخطيب الشربيني: (تصح بمنافع عبد ودار وغلة حانوت، ويملك الموصى له منفعة العبد وأكسابه المعتادة كاحتطاب واصطياد وأجرة حرفة ونحوها لأنها أبدال المنافع الموصى بها) (¬3). قال الدسوقي: (وإن أوصى له بمنافع عبد كخدمته فأخذه الموصى له ومات ورثت عن الموصى له إن بقي من زمنها شئ وزمنها قد يحدد بوقت وقد يحدد بحياة العبد) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) (¬5). • وجه الاستدلال: أن المال منفعة، وكذلك لفظة (شيء) فهي منفعة، وإن كانت قليلة (¬6). الثاني: أن له تمليكها حال الحياة بعقد الإجارة والإعارة ببدل وغير بدل، لأن يملك تمليكها بعقد الوصية أولى، لأنه أوسع العقود، حيث يحتمل ما لا تحتمله سائر العقود من عدم المحل والجهالة ونحوهما (¬7). الثالث: لأن الوصية بالمنفعة، كالوصية بالأعيان في الملك بالعقد ¬
والإرث فكانت كالأعيان في الوصية (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن أبي ليلى (¬2)، وابن عبد البر (¬3)، وابن حزم من الظاهرية (¬4). فذهبوا إلى عدم جواز الوصية بالمنافع. • دليلهم: يستند الخلاف إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الوصية بالمنافع وصية بمال الوارث؛ لأن نفاذ الوصية يكون عند الموت، وعند الموت تحصل المنافع على ملك الورثة؛ لأن الرقبة ملكهم، وملك المنافع تابع لملك الرقبة، فكانت المنافع ملكهم لأن الرقبة ملكهم فكانت الوصية بالمنافع وصية من مال الوارث فلا تصح، ولأن الوصية بالمنافع في معنى الإعارة إذ الإعارة تمليك المنفعة بغير عوض، والوصية بالمنفعة كذلك (¬5). الثاني: أن القياس على الإجارة باطل، لأن الإجارة إنما تجوز فيما ملك المؤاجر رقبته، لا فيما لا ملك له فيه والعين من الدار أو العبد والبستان منتقلة بموت المالك لها إلى ما أوصى فيه بالمنفعة أو إلى ملك الورثة، لابد من أحدهما، ووصية المرء في ملك غيره باطل لا تحل، كما أن إجارته لملك غيره لا تحل. وأيضًا الإجارة إنما هي منافع حدثت في ملكه، والوصية منافع حدثت في ملك غير الموصي، وهذا حرام (¬6).Rعدم صحة الإجماع في جواز الوصية بالمنفعة، وذلك للخلاف ¬
[166 - 25] يجوز الوصية بالمنفعة بمقدار الثلث
في المسألة. [166 - 25] يجوز الوصية بالمنفعة بمقدار الثلث • المراد بالمسألة: أن الوصية بمنافع العين تكون بمقدار الثلث؛ كالوصية بالعين في مقدار ما يوصي به، لا تزيد على أصلها. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن وصية الرجل بغلة بستانه أو سكنى داره أو خدمة عبده يكون من الثلث] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال العمراني: (إذا أوصى له بمنفعة عبد فمات الموصي، وقبل الموصى له، وخرج العبد من الثلث، ملك الموصى له منافعه وأكسابه) (¬6). قال ابن قدامة: (ولنا أنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة، فتصح الوصية بها، كالأعيان، ويعتبر خروج ذلك من الثلث) (¬7). قال الموصلي: (وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره وبغلتهما أبدًا ومدة معلومة، لأن المنافع يصح تمليكها حال الحياة بعوض وغير عوض، فإن خرجا من الثلث استخدم وسكن واستغل، لأن الثلث حق الموصى فلا تزاحمه الورثة فيه) (¬8). ¬
قال الدسوقي: (وإن أوصى لشخص بمنفعة شيء معين مدة معينة، كأن يوصي بخدمة عبده فلان أو سكنى داره أو بركوب دابته الفلانية لزيد مدة سنة مثلًا. . . والحال أنه لا يحمل الثلث قيمته أي والحال أن ثلث الموصي أي ثلث التركة كلها) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عبد اللَّه بن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) (¬2). • وجه الاستدلال: أن المال منفعة، وكذلك لفظة (شيء) فهي منفعة، وهي كالعين لا يتجاوز فيها الثلث (¬3). الثاني: أن له تمليك المنفعة حال الحياة بعقد الإجارة والإعارة ببدل وغير بدل؛ فبعقد الوصية أولى، لأنه أوسع العقود، حيث يحتمل ما لا تحتمله سائر العقود من عدم المحل والجهالة ونحوهما، فإذا جازت الوصية بالمنعة ردت إلى الثلث (¬4). الثالث: القياس الصحيح على الأعيان، وتكون في حدود الثلث كالأعيان (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن أبي ليلى (¬6)، وابن شبرمة (¬7)، وابن عبد البر (¬8)، وابن حزم من الظاهرية (¬9) على ما سبق من ¬
[167 - 26] إذا تلف الموصى به قبل موت الموصي أو بعده فلا شيء للموصى له
منعهم الوصية بالمنافع. • مستند المخالف: يستند الخلاف إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الوصية بالمنافع وصية بمال الوارث، لأن نفاذ الوصية عند الموت، وعند الموت تحصل المنافع على ملك الورثة لأن الرقبة ملكهم، وملك المنافع تابع لملك الرقبة فكانت المنافع ملكهم لأن الرقبة ملكهم فكانت الوصية بالمنافع وصية من مال الوارث فلا تصح، ولأن الوصية بالمنافع في معنى الإعارة إذ الإعارة تمليك المنفعة بغير عوض، والوصية بالمنفعة كذلك (¬1). الثاني: أن القياس على الإجارة باطل؛ لأن الإجارة إنما تجوز فيما ملك المؤاجر رقبته، لا فيما لا ملك له فيه والعين من الدار أو العبد والبستان منتقلة بموت المالك لها إلى ما أوصى فيه بالمنفعة أو إلى ملك الورثة، لابد من أحدهما، ووصية المرء في ملك غيره باطل لا تحل، كما أن إجارته لملك غيره لا تحل. وأيضًا الإجارة إنما هي منافع حدثت في ملكه، والوصية منافع حدثت في ملك غير الموصي، وهذا حرام (¬2).Rعدم صحة الإجماع في أن جواز الوصية بالمنفعة في حدود الثلث كالأعيان، للخلاف الوارد في صحة الوصية بالمنفعة أصلًا. [167 - 26] إذا تلف الموصى به قبل موت الموصي أو بعده فلا شيء للموصى له • المراد بالمسألة: إذا أوصى لرجل بمعين من ماله ثم تلف ذلك الجزء المعين قبل موت الموصي أو بعده من غير تفريط من الورثة فإنه لا شيء للموصى له ولا حق له في بقية مال الميت. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الرجل ¬
إذا أوصي لرجل بشيء من المال بعينه، فهلك ذلك الشيء؛ أن لا شيء للموصى له في سائر مال الميت] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أجمع أهل العلم ممن علمنا قوله على أن الموصى به إذا تلف قبل موت الموصي أو بعده فلا شيء للموصى له] (¬2). الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال الماوردي: (. . . فإن انهدمت الدار: فقد سقط حق الموصى له بالغلة) (¬6). قال الكاساني: (وتبطل بهلاك الموصى به إذا كان عينًا مشارًا إليها لبطلان محل الوصية أعني محل حكمه، ويستحيل ثبوت حكم التصرف أو بقاؤه بدون وجود محله أو بقائه) (¬7). قال الدسوقي: (. . . بخلاف شراء مثله فتبطل، فليس للموصى له ذلك المثل لأنه غير ما عين له) (¬8). قال عبد الرحمن بن قاسم: (ومن أوصي له بمعين فتلف قبل موت الموصي، أو بعده قبل القبول بطلت الوصية لزوال حق الموصى له) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الموصى له إنما يستحق بالوصية لا غير، وقد تعلقت بمعين وقد ذهب فذهب حقه، كما لو تلف في يده (¬10). ¬
[168 - 27] إذا حول الموصي ما أوصى به لفلان إلى غيره باللفظ الصريح فإنه يعد رجوعا عن الأول
الثاني: أن التركة في يد الورثة غير مضمونة عليهم، لأنها حصلت في أيديهم بغير فعل منهم ولا تفريط فلم يضمنوا شيئًا (¬1). الثالث: لفوات ما تعلقت به الوصية من غير تفريط. ويستحيل ثبوت حكم التصرف أو بقاؤه بدون وجود محله أو بقائه (¬2).Rصحة الإجماع في أن الوصية إذا تلف منها الجزء المعين قبل موت الموصي أو بعده من غير تفريط من الورثة فإنه لا شيء للموصى له ولا حق له في بقية مال الميت. [168 - 27] إذا حول الموصي ما أوصى به لفلان إلى غيره باللفظ الصريح فإنه يعد رجوعًا عن الأول • المراد بالمسألة: إذا أوصى رجلٌ بشيء من ماله لرجل آخر ثم قال: ما أوصيت به لفلان فهو لفلان غيره، اختصت الوصية بالثاني فقط، ويعتبر ذلك رجوعا في الوصية للأول. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [وإن قال ما أوصيت به لبشر فهو لبكر كانت لبكر هذا قولهم جميعًا. . ولا نعلم فيه مخالفًا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). قال الماوردي: (إذا صرّح بذكر الأول عند الوصية به للثاني زال احتمال ¬
النسيان بالذكر، وزال احتمال التشريك، بقوله فقد أوصيت به للثاني، فصار ذلك صريحًا في الرجوع) (¬1). قال الموصلي: (وللموصي أن يرجع عن الوصية بالقول والفعل. . . ومن الرجوع قوله: العبد الذي أوصيت به لفلان هو لفلان آخر، أو أوصيت به لفلان، لأن هذا يدل على قطع الشركة) (¬2). قال القرافي: (ثم الرجوع قد يكون بالصريح، وقد يكون بالمحتمل، فتنقسم التصرفات ثلاثة أقسام: منها ما يدل على الرجوع، وما لا يدل وما هو متردد، ويتضح ذلك بسرد فروع المذهب) (¬3). قال البهوتي: (ويجوز الرجوع في الوصية وفي بعضها وإن قال: ما أوصيت به لزيد فهو لعمرو، كان لعمرو ولا شيء منه لزيد، لرجوعه عنه، وصرفه إلى عمرو) (¬4). قال الدردير: (وبطلت الوصية برجوع من الموصى فيها سواء وقع منه الإيصاء في صحته أومرضه) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: لأن اللفظ هذا يدل على قطع الشركة بينهما (¬6). الثاني: لأنه صرح بالرجوع عن الأول بذكره أن ما أوصى به مردود إلى الثاني، فهو يشبه التصريح بقوله (¬7). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المزني (¬8). قال الماوردي: (وحكي عن المزني أنه لا يكون رجوعًا). ¬
[169 - 28] قلة المال وكثرته لا تؤثر في تحديد مقدار الوصية
• دليلهم: ويستند دليل المخالف على: القياس على الوكالة، فإنه لو وكل زيدًا ببيع سلعة سماها ثم قال: قد وكلت عمرًا بما وكلت به زيدًا فإنهما يكونان معا وكيلين في بيعهما (¬1).Rصحة الإجماع فيما إذا حول الموصي ما أوصى به لفلان إلى غيره باللفظ الصريح فإنه يعد رجوعًا عن الأول. وأما خلاف المزني فهو ضعيف لا يخرق الإجماع، ويظهر ذلك أيضًا من إيراد الماوردي الخلاف عن المزني بصيغة التمريض بقوله: (حكي) ولأن المذهب عند الشافعية على خلافه. [169 - 28] قلة المال وكثرته لا تؤثر في تحديد مقدار الوصية • المراد بالمسألة: أنه يجوز أن يبلغ بالوصية الثلث ولو كان المال الموصى فيه قليلًا. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) قال: [لم أعلمهم اختلفوا في أن جائزًا لكل موصٍ أن يستكمل الثلث قل ما ترك أو كثر] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الماوردي: (ولو استوعب الثلث من قليل المال وكثيره، مع فقر الورثة وغناهم وصغرهم وكبرهم، كانت وصية ممضاة) (¬6). قال الكاساني: (لا يستحق الموصى له من الثلث شيئًا قل أو كثر إلا ويستحق الورثة ثلثيه، ويكون فرضهما معًا لا يقدم أحدهما على الآخر، ¬
[170 - 29] صحة الوصية بالمجهول
حتى لو هلك شيء من التركة قبل القسمة يهلك على الموصى له والورثة جميعًا) (¬1). قال القرافي: (ولا يضر الوارث لكثرة المال، ويظن فيها من الثواب أكثر من ثواب الترك للوارث. . . وتنقسم بوجه آخر إن كان الموصى له موسرًا فهي مباحة، أو معسرًا فمستحبة) (¬2). قال المرداوي: (والوصية مستحبة لمن ترك خيرًا وهو المال الكثير يعني في عرف الناس) (¬3). قال البهوتي: (. . . لأن الوصية تصح مع عدم المال كالفقير إذا أوصى ولا شيء من المال له، ثم استغنى صحت وصيته) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث سعد -رضي اللَّه عنه-: (الثلث والثلث كثير) (¬5). • وجه الاستدلال: أن هذا الحديث عام في كل مال يوصي فيه المرء، ولم يأت نص يخصص الوصية بالمال الكثير (¬6).Rصحة الإجماع في أن قلة المال وكثرته لا تؤثر في تحديد مقدار الوصية (¬7). [170 - 29] صحة الوصية بالمجهول • المراد بالمسألة: أنه تصح الوصية بشيء مجهول؛ كما لو قال وصيت بعبد من عبيدي أو شاة من غنمي، أو قال لوصيه: من ادعى حقًا بعد موتي فأعطه ما ادعى. ¬
• من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) قال: [ولو وصى لمعين إذا فعل فعلًا أو وصى لمطلق موصوف: فكل من الوصيتين جائز باتفاق الأئمة؛ فإنهم لا ينازعون في جواز الوصية بالمجهول] (¬1). المرداوي (885 هـ) قال: [(وتصح الوصية بالمجهول) بلا نزاع] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال العمراني: (وتصح الوصية بالمجهول، كالوصية بالحمل في البطن، واللبن في الضرع، وتصح إذا كانت غير معينة كعبد من عبيد) (¬6). قال الموصلي: (ولو أوصى بغلة عبده، وغلة داره في المساكين جاز) (¬7). قال الدسوقي: (وإن أوصى بشاة من غنمه أو بعبد من عبيده أو أوصى بعدد من ماله غنمًا أو غيرها كأعطوه عشرة من غنمي أو من عبيدي أو من إبلي شارك الموصى له ورثة الميت بالجزء أي بنسبة الجزء الذي أوصى به إلى الموصى فيه من غنم أو غيرها) (¬8). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وتصح الوصية بحمل هذه الأمة، أو هذه الدابة، إذا تحقق وجود الحمل قبل الوصية، إذا كان معينًا، وأما إذا لم يعين فإنها تصح بالمعدوم والمجهول، كبما يحمل حيوانه أو شجرته) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن اللَّه سبحانه وتعالى أعطى عبده ثلث ماله في آخر عمره، وقد لا يعرف ¬
حينئذ ثلث ماله لكثرته أو غيبته أو غيرهما فدعت الحاجة إلى تجويز الوصية بالمجهول (¬1). الثاني: القياس على الوارث: فإن الموصى له يخلف الميت في ثلثه كما يخلفه الوارث في ثلثيه، فلما جاز أن يخلف الوارث الميت في هذه الأشياء جاز أن يخلفه الموصى له (¬2).Rصحة الإجماع في صحة الوصية بالمجهول. * * * ¬
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب الوصية بالأنصبة والأجزاء
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب الوصية بالأنصبة والأجزاء [171 - 30] إذا أوصى بجزء أو نصيب من ماله أعطاه الورثة ما شاء • المراد بالمسألة: إذا أوصى رجلٌ لآخر بشيء غير معين بأن يجعل له حظًا أو نصيبًا من ميراثه؛ فإن الورثة يعطونه ما شاء مما يتمول به. • من نقل الإجماع: العمراني قال: (إذا أوصى رجل لرجل بنصيب من ماله، أو بحظ، أو بقسط، أو بجزء، أو بقليل أو كثير، فإن شيئًا من هذه الألفاظ لا يقدر بشيء مملوك، بل أي شيء أعطاه الوارث جاز، لأنه ليس له حد معلوم في اللغة ولا في الشرع، وهذا مما لا خلاف فيه) (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وإن أوصى بجزء، أو حظ، أو نصيب، أو بشيء من ماله أعطاه الورثة ما شاء، ولا أعلم فيه مخالفًا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال الماوردي: (إذا أوصى لرجل بنصيب من ماله، أو حظ، أو قسمة، أو قليل أو كثير، ولم يجد ذلك بشيء، فالوصية جائزة، ويرجع في بيانها إلى الورثة، فما بينوه من شيء كان قولهم فيه مقبولًا) (¬6). قال الموصلي: (ولو أوصى بجزء أعطاه الوارث ما شاء، وكذلك النصيب والشقص والبعض لأنه اسم لشيء مجهول) (¬7). ¬
قال الزيلعي: (إذا أوصى بسهم أو بجزء من ماله، كان بيان ذلك إلى الورثة، فيقال لهم: أعطوه ما شئتم، لأنه مجهول يتناول القليل والكثير، والوصية لا تمتنع بالجهالة، والورثة قائمون مقام الموصى فكان إليهم بيانه) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن كل شيء جزء ونصيب وحظ وشيء، ولا حد له في اللغة (¬2).Rصحة الإجماع فيما إذا أوصى بجزء أو نصيب من ماله أعطاه الورثة ما شاء. والخلاف الحاصل بين الفقهاء فيما إذا أوصى بسهم (¬3). * * * ¬
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب الموصى له
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب الموصى له [172 - 31] مشروعية الوصية للأقارب وأنهم أولى من الأجانب • المقصود بالمسألة: جواز الوصية للأقارب غير الوارثين، وإذا كانوا من الفقراء وذوي الحاجة فالأفضل أن يجعل الوصية فيهم، وأنهم مقدمون على الأجانب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الوصية للوالدين اللذين لا يرثان المرء وللأقرباء الذين لا يرثون جائزة] (¬1) ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أنه إن وصى لوالدين له لا يرثانه برق أو كفر، أو لأقاربه الذين لا يرثون إن كان له أقارب بثلثي الثلث، أن وصيته تلك وسائر وصاياه في باقي ماله من ثلثه فيما ليس معصية أو فيما أوصى به لحي نافذة كلها وقد أصاب] (¬2). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أنها مستحبة مندوب إليها لمن لا يرث الموصي أقاربه وذوي رحمه] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء في قول عامة أَهل العلم] (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). قال الماوردي: (أما الوصية للأقارب فمستحبة) (¬4). قال الكاساني: (ثم الوصية بالثلث لأقاربه الذين لا يرثون أفضل من الوصية به للأجانب والوصية للقريب المعادي أفضل من الوصية للقريب الموالي لأن الصدقة على المعادي تكون أقرب إلى الاخلاص وأبعد عن الرياء) (¬5). قال النووي: (وإذا أراد أن يوصي، فالأفضل أن يقدم من لا يرث من قرابته، ويقدم منهم المحارم، ثم غير المحارم، ثم يقدم بالرضاع، ثم بالمصاهرة، ثم بالولاء، ثم بالجوار) (¬6). قال الموصلي: (والوصية للغني القريب قربة لأنه صلة رحم) (¬7). قال الدردير: (. . . ومحل دخول أقارب أمه إن لم يكن له أي للموصي أقارب لأب غير ورثة، فإن كان، فلا يدخل أقارب أمه، ويختص بها أقارب أبيه لشبه الوصية بالإرث من حيث تقدم العصبة على ذوي الأرحام) (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} [البقرة: 180]. • وجه الدلالة: أن اللَّه كتب الوصية للوالدين والأقربين فخرج الأقارب ¬
[173 - 32] من أوصى لمن شاء ولم يكن له أقارب لا ينفذ لهم إلا الثلث ويبطل الزائد
الوارثون بقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا وصية لوارث) (¬1)، وبقي سائر الأقارب لهم وصية، وأقل أحواله الاستحباب (¬2). الثاني: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)} [الإسراء: 26]. • وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه وتعالى بدأ بهم، وما قدمهم في الذكر إلا لتقدمهم في البر. الثالث: عن سلمان بن عامر الضبي -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة) (¬3). • وجه الدلالة: أن فيه الحث على الوصية للأقارب، فهي صدقة وصلة.Rصحة الإجماع في مشروعية الوصية للأقارب وأنهم أولى من الأجانب جواز الوصية للأقارب غير الوارثين، وإذا كانوا من الفقراء وذوي الحاجة فالأفضل أن يجعل الوصية فيهم. [173 - 32] من أوصى لمن شاء ولم يكن له أقارب لا ينفذ لهم إلا الثلث ويبطل الزائد • المقصود بالمسألة: أن من لم يكن له أقارب لا يرثونه، فله أن يوصي لمن يشاء، ولا فضل لأحد دون الأخر، لكونهم أجانب، على أن لا تزيد الوصية على الثلث. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن من لم يكن له قريب غير وارث، ولا أبوان لا يرثان، أنه يوصي لمن أحب بالثلث، أو بما ¬
يجوز من الثلث، أنه يصح من ذلك ما يجوز من الثلث، ويبطل الزائد] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الماوردي: (وأما الزيادة على الثلث فهو ممنوع منها في قليل المال وكثيره) (¬6). قال ابن قدامة: (الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة، وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم فإن أجازوه جاز، وإن ردوه بطل في قول جميع العلماء) (¬7). قال الموصلي: (. . . وهي مقدرة بالثلث تصح للأجنبي. . . وما زاد على الثلث. . . تصح بإجازة الورثة، لأن الوصية بما زاد على الثلث لا تجوز) (¬8). قال الدردير: (وبطلت الوصية لوارث كغيره بزائد الثلث. . . وظاهره: بطلان الزائد وإن لم يكن له وارث لحق بيت المال) (¬9). قال عبد الرحمن بن قاسم: (ولا تجوز الوصية بأكثر من الثلث لأجنبي لمن له وارث) (¬10). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أدلة المسألة السابقة (¬11)، ويمكن أن يضاف أيضًا إلى أن عدم وجود الأقارب يجعل الموصي له بالخيار في أن يوصي لمن يشاء. ¬
[174 - 33] تجوز الوصية لأكثر من واحد
Rصحة الإجماع في أن من أوصى لمن شاء ولم يكن له أقارب لا ينفذ لهم إلا الثلث ويبطل الزائد. [174 - 33] تجوز الوصية لأكثر من واحد • المقصود بالمسألة: أن الوصية لا تقتصر على واحد فقط، بل للموصي أن يوصي لاثنين فأكثر. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الوصية بالمال والولد إلى اثنين فصاعدًا، أو إلى أحد جائزة كما قدمنا] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [والوصية بالجملة: هبة الرجل ماله لشخص آخر أو لأشخاص بعد موته. . وهذا العقد عندهم هو من العقود الجائزة باتفاق] (¬2). • الموافقون على الاتفاق: وافق على هذا الاتفاق: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال ابن قدامة: (وتصح الوصية مطلقة ومقيدة، فالمطلقة أن يقول: إن مت فثلثي للمساكين، أو لزيد) (¬6). قال النووي: (لو أوصى لثلاثة معينين وجب التسوية بينهم، بخلاف الثلاثة المصروف إليهم من الفقراء وسائر الأصناف) (¬7). قال الموصلي: (ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون) (¬8). • مستند الإجماع: يستند الاتفاق إلى أن: الوصية تبرع، فهاتان وصيتان، ¬
[175 - 34] إذا وصى لاثنين حيين فمات أحدهما فللآخر نصف الوصية
فكما أنها تجوز للواحد فتجوز لأكثر منه (¬1).Rصحة الإجماع في جواز الوصية لأكثر من واحد. [175 - 34] إذا وصى لاثنين حيين فمات أحدهما فللآخر نصف الوصية • المقصود بالمسألة: أن الوصي إذا أوصى لاثنين حيين، فمات أحدهما قبل موت الموصي، فللآخر نصف الوصية، فلو أوصى لهما بمائة، فمات أحدهما؛ فللحي خمسين فقط (¬2). • من نقل الاتفاق: ابن قدامة (620 هـ) قال: [فأما إن وصى لاثنين حيين فمات أحدهما فللآخر نصف الوصية لا نعلم في هذا خلافًا] (¬3). المرداوي (885 هـ) قال: (وإن وصى لحي وميت يعلم موته فالكل للحي، وإن لم يعلم فللحي نصف الموصى به بلا نزاع) (¬4). • الموافقون على الاتفاق: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7). قال عبد الغني الميداني: (وإن قال ثلث مالي بين زيد وعمرو، وزيد ميت، كان لعمرو نصف الثلث) (¬8). قال عبد الرحمن بن قاسم: (فإن وصى لحي وميت يعلم موته فالكل للحي، . . . وإن جهل موته فللحي النصف من الموصى به، لأنه أضاف الوصية إليهما، ولا قرينة تدل على عدم إرادة الآخر، قولًا واحدًا، وكما لو ¬
[176 - 35] إذا أقر الوارث بكلام متصل أن مورثه أوصى لاثنين شيئا واحدا ولا بينة لديهما اقتسماه
كانت لحيين فمات أحدهما) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الاتفاق إلى أن: الموصي إنما قصد إيصال الوصية لكل واحد منهما على حدة، ولم يشرك بينهما؛ كتفريق الصفقة (¬2).Rصحة الإجماع في إنه إذا وصى لاثنين حيين فمات أحدهما فللآخر نصف الوصية. [176 - 35] إذا أقر الوارث بكلام متصل أن مورثه أوصى لاثنين شيئًا واحدًا ولا بينة لديهما اقتسماه • المقصود بالمسألة: إذا تنازع موصى لهما بالموصى به، ولم يكن لواحد منهما بينة، فأقر الوارث: أن مورثه أقر لفلان الثلث، وأقر لفلان به، وكان كلامه متصلًا؛ فهو بينهما. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [وإن لم يكن لواحد منهما بينة، فأقر الوارث أنه أقر لفلان بالثلث، أو بهذا العبد، وأقر لفلان به بكلام متصل، فالمقر به بينهما. وبهذا قال أبو ثور، وأصحاب الرأي. ولا نعلم فيه مخالفًا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). قال الماوردي: قال الشافعي: (ولو أوصى لوارث وأجنبي فلم يجيزوا فللأجنبي النصف ويسقط الوارث) (¬7). قال السرخسي: (ولو أقر إقرارًا متصلًا، فقال: أوصى بالثلث لفلان، وأوصى به لفلان جعلت الثلث بينهما نصفين، لأنه أشرك الثاني مع الأول في الثلث، والعطف للاشراك، وهو صحيح منه) (¬8). ¬
[177 - 36] لا تجوز الوصية لوارث
قال القرافي: (وإن قال لقرابتي وللمساكين، قال ابن القاسم: نصفان، كما لو أوصى لشخصين معينين لاستوائهما في عدم التعيين كاستواء الشخصين في التعيين) (¬1). قال البهوتي: (وإن أوصى لوارثه وأجنبى بثلث ماله، فأجاز الورثة وصية الوارث، فالثلث بينهما) (¬2) • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن: العطف للاشتراك، فعطف الثاني على الأول بكلام متصل وهو صحيح منه لأن الكلام المتصل بعضه ببعض إذا كان في آخره ما يغير موجب أوله يتوقف أوله على آخره ويصير هذا بمنزلة ما لو أقر لهما معًا (¬3).Rصحة الإجماع فيما إذا أقر الوارث بكلام متصل أن مورثه أوصى لاثنين شيئًا واحدًا ولا بينة لديهما اقتسماه. [177 - 36] لا تجوز الوصية لوارث • المقصود بالمسألة: أن الأصل في الوصية تكون لغير الوارثين، وأما إذا أوصى لوارث؛ فإن الوصية باطلة، ولا تنفذ، ويرجع فيها لبقية الورثة على قدر أسهمهم، إلا أن يجيز جميع الورثة ذلك. • من نقل الإجماع: مالك بن أنس (179 هـ): [السنة الثابتة عندنا التي لا اختلاف فيها انه لا تجوز وصية لوارث إلا أن يجيز له ذلك ورثة الميت] (¬4). الشافعي (204 هـ) قال: [وما وصفت من أن لا وصية لوارث مما لا أعرف فيه عن أحد ممن لقيت خلافًا] (¬5). ابن المنذر (319 هـ) قال: [وأجمعوا أنه لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة ¬
ذلك] (¬1). ابن حزم: (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الوصية لوارث لا تجوز] (¬2). ابن عبد البر: (463 هـ) قال: [وهذا إجماع من علماء المسلمين أنه لا وصية لوارث] (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أنه (لا وصية لوارث) إلا أن يجيز الورثة] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [اتفقوا على أن الوصية لا تجوز لوارث] (¬5). ابن قدامة (620 هـ) قال: [إذا أوصى لوارثه بوصية فلم يجزها سائر الورثة لم تصح بغيم خلاف بين العلماء] (¬6). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الوصية لوارث لا تجوز] (¬7). القرافي (684 هـ) قال: [ولا وصية لوارث إجماعًا] (¬8). ابن تيمية (728 هـ) قال: [هذا يكون وصية لوارث لا يجوز له وصيته بإجماع المسلمين] (¬9). ابن كثير (774 هـ) قال: [فإن وجوب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين ¬
منسوخ بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والشوكاني (¬3). قال الماوردي: (فتجوز الوصية لكل من جاز الوقف عليه. . . إذا لم يكن وارثًا) (¬4) قال الموصلي: وكذلك الوصية للوارث إنما امتنعت لحق باقى الورثة، لأن الوصية لا تجوز لوارث) (¬5). قال المرداوي: (ولا يجوز لمن له وارث الوصية بزيادة على الثلث لأجنبي، ولا لوارثه بشيء إلا بإجازة الورثة، يحرم عليه فعل ذلك) (¬6). قال البهوتي: (وتحرم الوصية على من له وارث غير أحد الزوجين بزيادة على الثلث لأجنبي وبشيء مطلقًا لوارث سواء وجدت في صحة الموصى أو مرضه وتصح هذه الوصية المحرمة وتقف على إجازة الورثة) (¬7). قال الدردير: (وبطلت الوصية لوارث) (¬8). قال الشوكاني: (والمراد بعدم صحة وصية الوارث عدم اللزوم، لأن الأكثر على أنها موقوفة على إجازة الورثة) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي أمامة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن اللَّه أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) (¬10). ¬
[178 - 37] لا توقف الوصية بما دون الثلث على إجازة الورثة
• وجه الاستدلال: أنه نصٌ على منع الوصية للورثة أصلًا. الثاني: أنه لو جازت الوصية للوارث، لانتقضت قسمة اللَّه سبحانه وتعالى في المواريث (¬1).Rصحة الإجماع في أنه لا تجوز الوصية لوارث. [178 - 37] لا توقف الوصية بما دون الثلث على إجازة الورثة • المقصود بالمسألة: أن الوصية جائزة من الثلث فما دون لغير الوارثين، فإذا أوصى رجل بالثلث فما دونه، فإنها صحيحة ونافذة، ولا تتوقف على إجازة الورثة. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ): [وأجمعوا على أن الوصية بالثلث لغير وارث جائزة وأنها لا تفتقر إلى إجازة الورثة] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال الماوردي: (وتجوز الوصية بثلث ماله وإن لم يعلم قدره) (¬6). قال المرغيناني: (ثم تصح للأجنبي في الثلث من غير إجازة الورثة) (¬7). ¬
[179 - 38] ينبغي اعتبار حال الموصى له بيوم موت الموصي
قال ابن مفلح: (الوصية لغير وارث تلزم في الثلث من غير إجازة) (¬1). قال الدردير: (فإذا أوصى لأجنبي بنصف ماله مثلا، أو بقدر معين يبلغ ذلك نفذت الوصية بالثلث، ورد ما زاد عليه) (¬2). قال عبد الرحمن بن قاسم: (والوصية بالثلث فما دون لأجنبي تلزم بلا إجازة) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى حديث سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- قال: (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول اللَّه، إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: بالشطر يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، أو كبير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) (¬4). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رخص لسعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- أن يوصي قبل وفاته بالثلث، فإذا كانت الوصية بالثلث فما دونه فلا تحتاج إلى إذن الورثة.Rصحة الإجماع في أنه لا توقف الوصية بما دون الثلث على إجازة الورثة. [179 - 38] ينبغي اعتبار حال الموصى له بيوم موت الموصي • المراد بالمسألة: يعتبر الموصى له وارثًا أو غير وارث يوم موت الموصي لا يوم وصيته، كما لو أوصى له وهو في الظاهر وارث، فلم يمت الموصي حتى صار الموصى له غير وارث فالوصية له ثابتة، لأن اعتبار الوصية بالموت والعكس؛ كان أوصى لغير وارث كأخ مع وجود ابن فصار ¬
وارثًا بأن مات الابن قبل موت الموصي أو معه فصارت الوصية لوارث فبطلت لذلك. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وقد أجمعوا أن الوصية تصح بموت الوصي وقبول الموصى له إياها بعد موت الوصي] (¬1). ابن هبيرة (560 هـ): [وأجمعوا على أن لزوم العمل بالوصية إنما هو بعد الموت] (¬2). وابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمعوا على أنه لا يجب للموصى له إلا بعد موت الموصي] (¬3). ابن قدامة (630 هـ) قال: [لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت] (¬4). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [واتفقوا على اعتبار كون الموصى له وارثًا بيوم الموت] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7). قال العمراني: (. . . نتبين بالقبول أنها ملكت بموت الموصي) (¬8). قال الكاساني: (الوصية تمليك مضاف إلى وقت الموت، فيستحق ¬
[180 - 39] جواز الوصية بلفظ الولد وتشمل الجنسين
الموصى له ما كان على ملك الموصي عند موته) (¬1). قال القرافي: (إذا مات الموصى له بعد موت الموصي، فهي لورثة الموصى له، علم بها أم لا. . . لأن الوصية إنما تعتبر عند الموت) (¬2). قال ابن مفلح: (والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت) (¬3). قال عبد الرحمن بن قاسم: (الوصية: التبرع بالمال بعد الموت بخلاف الهبة) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: لأن موت الموصي وقت لزوم الوصية، واستحقاقها فتعلقت الوصية به (¬5). الثاني: ولأن الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت وحكمه يثبت بعد الموت، وليست بتمليك للحال ليعتبر كونه وارثا وقت وجودها (¬6).Rصحة الإجماع في أنه ينبغي اعتبار حال الموصى له بيوم موت الموصي. [180 - 39] جواز الوصية بلفظ الولد وتشمل الجنسين • المراد بالمسألة: إذا أوصى لولده أو ولد فلان، فإن الوصية تشمل الذكور والإناث والخناثى بالسوية. • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ) قال: ولو أوصى لولد فلان، فالذكر فيه والأنثى سواء في قولهم جميعًا (¬7). ¬
ابن قدامة (620 هـ) قال: [إذا أوصى لولده أو لولد فلان فإنه للذكور والإناث والخناثى، لا خلاف في ذلك] (¬1). نور الدين البصري الضرير: (أما إذا أوصى لولد فلان فإنه للذكور والإناث والخناثى لا خلاف في هذا) (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال المرغيناني: (ومن أوصى لولد فلان، فالوصية بينهم، والذكر والأنثى فيه سواء، لأن اسم الولد ينتظم الكل انتظامًا واحدًا) (¬6). قال الموصلي: (وإن قال لولد فلان الذكر والأنثى فيه سواء، لأنه لا دلالة على التفضيل، واللفظ يتناول الكل) (¬7). قال القرافي: قال ابن القاسم: الولد فلان وهم عشرة ذكور وإناث، هو بينهم بالسوية، لأن الولد يتناول الذكر والأنثى، ولفظ الابن يختص بالذكور) (¬8). قال عبد الغني الميداني: (وإذا أوصى لولد فلان، فالوصية بينهم: الذكر والأنثى فبه سواء) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: ما ورد في قول اللَّه سبحانه وتعالى من التعبير بالولد عن الذكر والأنثى من ذلك قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي ¬
[181 - 40] الوصية بلفظ البنات تقصر عليهن
أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. وقوله سبحانه وتعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: 91]. • وجه الدلالة: أن في هاتين الآيتين أن اسم الولد في اللغة والشرع اسم للمولود وهو يشمل الجميع (¬1).Rصحة الإجماع في جواز الوصية بلفظ الولد وتشمل الجنسين. [181 - 40] الوصية بلفظ البنات تُقصر عليهن • المراد بالمسألة: لو أوصى لبنات فلان، فإن الوصية يقتصر بها على الإناث دون الذكور. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (630 هـ) قال: [وإن أوصى لبنات فلان دخل فيه الإناث دون غيرهن لا نعلم فيه خلافًا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال القرافي: (الأنثى يتناولها لفظ البنين، ولا يندرج الذكور في لفظ الإناث) (¬6) قال الدردير: (. . . فلو كانت الوصية لأنثى لكان لها مثل أنثى من بناته) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن ألفاظ الجموع على أربعة أضرب. . ومنها: لفظ يختص بالنساء فقط، كالنساء والبنات، فلا يتناول ¬
[182 - 41] صحة الوصية للحمل
غير الإناث (¬1).Rصحة الإجماع في أن الوصية بلفظ البنات تُقصر عليهن. [182 - 41] صحة الوصية للحمل • المراد بالمسألة: إذا أوصى للحمل، كان يقول مثلًا: ربع مالي وصية لمن في بطن فلانة، صحت الوصية. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [وأما الوصية للحمل فصحيحة أيضًا، لا نعلم فيه خلافا] (¬2). ابن تيمية قال: [والوصية تكون للحمل باتفاق العلماء] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). قال الموصلي: (. . . وتصح للحمل وبه وبأمه دونه) (¬7) قال القرافي: (إذا أوصى لحمل فلانة فولدت اثنين وزعت عليهما بالسوية، وإن اختلفا بالذكورة والإنوثة) (¬8). قال الخطيب الشربيني: (فتصح الوصية لحمل موجود وتنفذ إن انفصل الحمل حيًا حياة مستقرة) (¬9). ابن قاسم: (وتصح أيضًا لحمل تحقق وجوده قبلها أي قبل الوصية) (¬10). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قياس المثل: وذلك بقياسه على الميراث، فإن الحمل يرث ¬
[183 - 42] الوصية بواجب لآدمي تخرج من رأس المال لا من الثلث
فكذلك تصح له الوصية، فإن كلا من الميراث والوصية فيه انتقال المال من الإنسان بعد موته إلى الوارث أو الموصى له بغير عوض (¬1). الثاني: قياس الأولى: فالوصية للحمل أولى من توريثه، لأن الوصية أوسع من الميراث، فإنها تصح للمخالف في الدين والعبد بخلاف الميراث (¬2). الثالث: أن مصالح المال يمكن حصولها من الحمل في المستقبل، كما جوز شراء الجحش الصغير وإن كان في الحال لا يحصل منه مقصود الملك بل باعتبار المآل (¬3).Rصحة الإجماع في صحة الوصية للحمل (¬4). [183 - 42] الوصية بواجب لآدمي تخرج من رأس المال لا من الثلث • المراد بالمسألة: إذا كان بين المرء وبين الناس معاملات أو كان عليه ديون؛ فأوصى بها ولم يجعلها من الثلث فإنها تخرج من رأس ماله، لا من الثلث. • من نقل الإجماع: ابن تيمية (728 هـ) قال: [والوصية بواجب لآدمي تكون من رأس المال باتفاق المسلمين] (¬5). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: (ويخرج وصي فوارث فحاكم ¬
الواجب كله من دين وحج وغيره كزكاة ونذر وكفارة من كل ماله بعد موته وإن لم يوص به سواء كان للَّه أو لآدمي لأن حق الورثة بعد أداء الدين بلا نزاع) (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم من الظاهرية (¬5). قال ابن حزم: (قال اللَّه تعالى: "من بعد وصية يوصي بها أو دين" فلم يجعل عز وجل للورثة إلا ما فضل عن الدين والوصية، فصح بنص القرآن أن ما أوصى به الموصي فلم يقع قط عليه ملك الورثة) (¬6). قال النووي: (ثم الثلث الذي تنفذ فيه الوصية، هو ثلث الفاضل عن الديون، فلو كان عليه دين مستغرق، لم تنفذ الوصية في شيء، لكن يحكم بانعقادها في الأصل حتى ينفذها لو تبرع شخص بقضاء الدين أو أبرأه المستحق) (¬7). قال الموصلي: (يُبدأ من تركة الميت بتجهيزه. . . ثم تقضى ديونه، ثم تنفذ وصاياه من ثلث ماله) (¬8). قال ابن مفلح: (ويخرج الواجبات كقضاء الدين والزكاة والحج من رأس المال أوصى بها أو لم يوص) (¬9). قال الخطيب الشربيني: (وحجة الإسلام وإن لم يوص بها تحسب على المشهور من رأس المال كسائر الديون وأولى، وكذا كل واجب بأصل ¬
[184 - 43] جواز الوصية للذمي
الشرع) (¬1). قال البهوتي: (وتخرج الواجبات التي على الميت من رأس المال أوصى بها قبل موته أو لم يوص كقضاء الدين والحج والزكاة والنذر والكفارة) (¬2). قال الدردير: (ثم زكاة العين أو غيرها أوصى بإخراجها وقد فرط فيها في سالف الأزمان وأما التي اعترف بحلولها عام موته وأوصى بإخراجها فمن رأس المال، فإن لم يوص فإن علمت الورثة بها أخرجوها من رأس المال) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الواجبات في الأصل من رأس المال، والوصية بها تقتضي التأكيد والتذكار بها، فهي تأكيد لما وجب بالشرع لأنها مستحقة عليه، فلم يبذلها مجانًا (¬4). الثاني: ولأن الدين مقدم على الوصايا، كما تقرر سابقًا (¬5).Rصحة الإجماع في أن الوصية بواجب لآدمي تخرج من رأس المال لا من الثلث. [184 - 43] جواز الوصية للذمي • المراد بالمسألة: أن وصية المسلم جائز التصرف ببعض ماله لأحد من أهل الذمة جائزة ونافذة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [والوصية للذمي جائزة ولا نعلم في هذا خلافًا] (¬6). ¬
ابن قدامة (620 هـ) قال: [وتصح وصية المسلم للذمي، والذمي للمسلم، والذمي للذمي، روي إجازة وصية المسلم للذمي عن شريح والشعبي والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم] (¬1). النووي (676 هـ) قال: [تصح الوصية للذمي باتفاق أهل العلم لا نعلم في ذلك خلافًا] (¬2). ابن مفلح (884 هـ) قال: (تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي بغير خلاف نعلمه) (¬3). المرداوي (885 هـ) قال: (تصح الوصية للمسلم والذمي بلا نزاع لكن إذا كان معينًا) (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6). قال القرافي: (تصح للذمي كالصدقة عليه. . . قال صاحب المنتقى: تجوز الوصية للذمي والحربي) (¬7). قال الخطيب الشربيني: (وتصح الوصية لذمي بما يصح تملكه له كما يجوز التصدق عليه) (¬8). قال عبد الغني الميداني: (ويجوز أن يوصي المسلم للكافر أي للذمي) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة: 8]. ¬
[185 - 44] جواز قبول المسلم وصية الذمي
• وجه الاستدلال: أن الشارع الحكيم رخص للمسلمين أن يبروا ويقسطوا إلى المشركين غير الحربيين، والوصية نوع من البر فتصح لهم (¬1). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (في كل ذي كبد رطبة أجر) (¬2). • وجه الاستدلال: أن الإنفاق على كل ذي كبد رطبة أجر، فجنس الإنسان أولى بالوصية من جنس الحيوان. الثاني: عن صفية بنت حيي: (أنها باعت حجرتها من معاوية -رضي اللَّه عنه- بمائة ألف وكان لها أخ يهودي، فعرضت عليه أن يسلم فيرث فأبى، فأوصت له بثلث المائة ألف) (¬3). • وجه الاستدلال: أن صفية أوصت لأخيها الذمي، بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليها، فكان إجماعًا. الثالث: أن الذمي موضع للقربة، ولهذا يجوز التصدق عليه بصدقة التطوع بالحياة، فجازت له الوصية (¬4).Rصحة الإجماع في جواز الوصية للذمي. [185 - 44] جواز قبول المسلم وصية الذمي • المراد بالمسألة: أن الذمي إذا أوصى للمسلم ببعض ماله، مما هو جائز للتملك في عقيدتنا، نفذت الوصية وجاز للمسلم قبولها. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: [أجمع كل من نحفظ عنه ¬
من أهل العلم على أن وصية الذمي للمسلم بما يجوز ملكه، جائزة] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الماوردي: (فأما الكافر فوصيته جائزة ذميًا كان أو حربيًا، إذا وصى بمثل ما وصى به المسلم) (¬6). قال ابن قدامة: (وتصح وصية المسلم للذمي والذمي للمسلم) (¬7). قال النووي: (تصح وصية الكافر. . . سواء أوصى لمسلم أو ذمي) (¬8). قال القرافي: قال سحنون: (ليس للنصراني من أهل العنوة ولا من أهل الصلح. . . أن يوصي إلا بثلثه لأن المسلمين ورثته بخلاف المصالحين) (¬9). قال عبد الغني الميداني: (ويجوز أن يوصي المسلم للكافر أي للذمي والكافر للمسلم لأنهم بعقد الذمة ساووا المسلمين في المعاملات، ولهذا جاز التبرع من الجانبين في حالة الحياة، فكذا في حالة الممات) (¬10). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الكفر لا ينافي أهلية التمليك (¬11). ¬
[186 - 45] يتحمل الموصى له ما تلف من الوصية بقدر حصته
الثاني: لأنه صحت وصية المسلم للذمي بالإجماع، فوصية الذمي للمسلم تصح من باب أولى (¬1). الثالث: ولأنهم بعقد الذمة ساووا المسلمين في المعاملات (¬2). الرابع: أن التبرع من الجانبين جائز في حال الحياة؛ فكذلك بعد الممات (¬3).Rصحة الإجماع في جواز قبول المسلم وصية الذمي. [186 - 45] يتحمل الموصى له ما تلف من الوصية بقدر حصته • المراد بالمسألة: إذا أوصى المرء بجزء مشاع من ماله غير مقسوم، فتلف بعض مال الموصي، فإن الموصى له يتحمل من المتلف مع الورثة بقدر حصته. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن الرجل إذا أوصى للرجل بثلث جميع ماله فهلك من المال شيء، أن الذي تلف يكون من مال الورثة والموصى له بالثلث] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). قال المرغيناني: (ولو أوصى له بثلث غنمه فهلك الغنم قبل موته أو لم يكن له غنم في الأصل فالوصية باطلة) (¬9). قال ابن قدامة: (وإن وصى له بمعين، فاستحق بعضه أو هلك، فله ما ¬
[187 - 46] تجوز الوصية للعصبة من قبل الأب فقط
بقي منه إن حمله الثلث) (¬1). قال الدسوقي: (من أوصى بعتق عشرة من عبيده ولم يعينهم، وعبيده خمسون، فمات منهم عشرون قبل التقويم عتق منهم عشرة أجزاء من ثلاثين جزء بالسهم خرج عدد أقل من عشرة أو أكثر ولو هلكوا إلا عشرة عتقوا إن حملهم الثلث) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أنه لما أوصى مشاعًا شرك بين الموصى له وبين ورثته فيكون الاستحقاق عليهما جميعًا (¬3).Rصحة الإجماع في أن يتحمل الموصى له ما تلف من الوصية بقدر حصته الموصى له. [187 - 46] تجوز الوصية للعصبة من قبل الأب فقط • المراد بالمسألة: أنه إذا وصى لعصبة أو عصبة فلان، فإنها تكون لمن يرث بالتعصيب ولا تصرف لقرابته من جهة الأم. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن العصبة من قبل الأب، ولا تكون من قبل الأم] (¬4). ابن قدامة (620 هـ): [وإن وصى لعصبة فهو لمن يرثه بالتعصيب في الجملة، سواء كانوا ممن يرثه في الحال أو لم يكن. . ولا خلاف في أنهم لا يكونون من جهة الأم بحال] (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). قال الجويني: (إن أوصى لعصبة فلان، فمات الموصي وفلان حي، فالوصية تصح لعصبته. . . فإن هذا اللفظ يشعر بالوراثة ولا وراثة في الحياة. . . ثم قال الأصحاب في الوصية للعصبة: أولاهم بالوصية أولاهم بالعصوبة، وهذا مستقيم لا يسوغ غيره، فإن حكم العصوبة يثبت للأقربين) (¬4). قال ابن مفلح: (وإن وصى لأقرب قرابته أو لأقرب الناس إليه أو أقربهم به رحمًا وله أب وابن فهما سواء، لأن كل واحد منهما يدلي بنفسه من غير واسطة، فإن كان أحدهما تعين بلا شك، والجد والأخ سواء لأن كل واحد منهما يدلي بالأب من غير واسطة) (¬5). قال المرداوي: (وإن وصى لأقرب قرابته وله أب وابن فهما سواء والأخ والجد سواء) (¬6). قال الدسوقي: (فإن كان أقارب لأب لم يدخل أحد من أقارب أمه، ويختص بها أقارب الأب، لشبه الوصية بالإرث من حيث تقديم العصبة على ذوي الأرحام) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: القياس الصحيح على الإرث، قال الدردير: (لشبه الوصية بالإرث من حيث تقديم العصبة على ذوي الأرحام) (¬8).Rصحة الإجماع في جواز الوصية للعصبة من قبل الأب فقط. ¬
[188 - 47] الوصية للأقارب تشمل أولادهم
[188 - 47] الوصية للأقارب تشمل أولادهم • المراد بالمسألة: أنه إذا أوصى لأقارب فلان، فإنه يدخل فيها ولد فلان الموصى له. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [ولو وقف على أقارب رجل، أو أوصى لأقاربه دخل فيه ولده بغير خلاف علمته] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). قال الجويني: (أجمع الأصحاب على أن الأقرب يتناول الأبوين والولد) (¬5). وقال القرافي: (إن أوصى لقرابته أو لأهله، قيل هم عصبته دون أخواله) (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبى هريرة -رضي اللَّه عنه- لما نزل قوله سبحانه وتعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] نادى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (يا عباس! يا فاطمة! لا أغني عنكم من اللَّه شيئًا) (¬7). • وجه الاستدلال: فيه دلالة على اندراج الولد في الأقربين (¬8). الثاني: أن الصدقة حرمت على أهل بيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومن جملتهم ولده ¬
وأعطوا من سهم ذوي القربى فدل هذا على أن الولد يدخل في لفظ القرابة والأقارب (¬1). الثالث: لأن عمود النسب أصل القرابة والأصل أولى بالاندراج (¬2). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الشافعية في مقابل الأصح (¬3). وذهبوا إلى أنه لو أوصى لرجل لا يدخل ولده معه. قال الجويني: (ذكر طوائف من أصحابنا أنه إذا أوصى للقرابة، فالأولاد والأبوان لا يدخلون في الوصية، وذهب آخرون إلى أنهم يدخلون تحت اسم القرابة) (¬4). قال الموصلي: (وإن أوصى لأقربائه أو لذوي قرابته فهم اثنان فصاعدًا من كل ذي رحم محرم منه غير الوالدين والمولودين) (¬5). قال عبد الغني الميداني: (ومن أوصى لأقربائه فالوصية للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه ولا يدخل فيهم الوالدان والولد) (¬6). • ودليلهم: ويستند الخلاف الى: أن الولد لا يسمى قرابة عرفًا وحقيقة، لأن الولد فرع النسب وجزؤه، والقريب ما تقرب من غيره لا من نفسه، والولد يتقرب بنفسه لا بواسطة فلا يتناوله اسم القريب (¬7).Rعدم صحة الإجماع في أن الوصية للأقارب تشمل أولادهم. ¬
[189 - 48] جواز الوصية لمطلق موصوف، محصورا كان أو غير محصور
[189 - 48] جواز الوصية لمطلق موصوف، محصورًا كان أو غير محصور • المراد بالمسألة: أنه يجوز للرجل أن يوصى لغير معين إذا كان موصوفًا سواء كان محصورًا كيتامى بني فلان، أو غير محصور؛ كالفقراء. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) قال: [ولو. . وصى لمطلق موصوف، فكل من الوصيتين، جائز باتفاق الأئمة فإنهم لا ينازعون في جواز الوصية بالمجهول] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). قال الماوردي: (فتجوز الوصية لكل من جاز الوقف عليه، من صغير وكبير، وعاقل ومجنون، وموجود ومعدوم إذا لم يكن وارثًا، ولا قاتلًا) (¬5). قال الكاساني: (ولو أوصى لفقراء المسلمين أو لمساكينهم صحت الوصية) (¬6). قال ابن قدامة: (وتصح الوصية مطلقة ومقيدة، فالمطلقة أن يقول: إن مت فثلثي للمساكين، أو لزيد، والمقيدة أن يقول: إن مت من مرضي هذا، أو في هذه البلدة أو في سفري هذا فثلثي للمساكين، فإن برأ من مرضه، أو قدم من سفره، أو خرج من البلدة، ثم مات بطلت الوصية المقيدة وبقيت المطلقة) (¬7). قال الموصلي: (ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون له) (¬8). قال القرافي: (إذا أوصى لابن السبيل قال مالك: لا يندرج اليهود ¬
[190 - 49] الوصية تنفذ بعد موت الموصي وقبول الموصى له
ولا النصارى لأن الناس لا يقصدون بوصاياهم الكفار قال مالك إذا أوصى للفقراء وله أقارب فقراء لا يندرجون لأنه لو أرادهم لعينهم) (¬1). • مستند الاتفاق: يستند الإجماع إلى: ما ورد من أدلة مشروعية الوصية سابقًا، إذ لا مخصص يخرج هذه الصورة من المشروعية (¬2).Rصحة الإجماع في جواز الوصية لمطلق موصوف، محصورًا كان أو غير محصور. [190 - 49] الوصية تنفذ بعد موت الموصي وقبول الموصى له • المراد بالمسألة: أن الوصية تصح وتنفذ بعد موت الموصي، لا قبله، وبشرط أن يقبلها الموصى له، فإذا تم الشرطان نفذت الوصية، وتنتقل إلى ملك الموصى له. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وقد اجمعوا أن الوصية تصح بموت الموصي وقبول الموصى له إياها بعد موت الموصى] (¬3). ابن قدامة (620 هـ): [لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). قال العمراني: (. . . نتبين بالقبول أنها ملكت بموت الموصي، قضى منها دين الموصى له، ونفذت منها وصاياه) (¬8). ¬
[191 - 50] تبطل الوصية إذا ردها الموصى له ولو بعد وفاة الموصي
قال الكاساني: (الوصية تمليك مضاف إلى وقت الموت، فيستحق الموصى له ما كان على ملك الموصي عند موته) (¬1). قال القرافي: (إذا مات الموصى له بعد موت الموصي، فهي لورثة الموصى له، علم بها أم لا لأن الوصية إنما تعتبر عند الموت) (¬2). قال ابن مفلح: (والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت) (¬3). قال المرداوي: (ولا يثبت الملك للموصى له إلا بالقبول بعد الموت، فأما قبوله ورده قبل الموت فلا عبرة به) (¬4). قال عبد الرحمن بن قاسم: (الوصية: التبرع بالمال بعد الموت بخلاف الهبة) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: القياس على الهبة والبيع لأن الوصية مثلهما في كونها تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين، فاعتبر قبوله كما في البيع والهبة (¬6). الثاني: لأنه تمليك لمعين فلم يلزم من غير قبول، ولا يسبق الملك القبول كسائر العقود والقبول لا يصح إلا بعد الموت (¬7).Rصحة الإجماع في أن الوصية تنفذ بعد موت الموصي وقبول الموصى له. [191 - 50] تبطل الوصية إذا ردها الموصى له ولو بعد وفاة الموصي • المراد بالمسألة: إذا رد الموصى له الوصية بعد موت الموصي، فإن الرد صحيح، وتبطل الوصية في هذه الحالة، وترد إلى الورثة. ¬
[192 - 51] لا يحل للورثة انتزاع الوصية من الموصى له
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [الثانية: أن يردها بعد الموت وقبل القبول، فيصح الرد، وتبطل الوصية، لا نعلم فيه خلافًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). قال العمراني: (إذا ردّ بعد موت الموصي، وقبل القبول، فيصح الرد، لأنه قد ملك الموصى به، واستقر ملكه عليه) (¬5). قال الموصلي: (وإذا قبل الموصى له الوصية ثم ردها في وجه الموصي فهو رد) (¬6). قال البهوتي: (. . . أو رد الموصى له الوصية بعد موته أي الموصى بطلت الوصية، لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أنه إسقاط حق في حال يملك قبوله وأخذه، فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع (¬8).Rصحة الإجماع في أن الوصية تبطل إذا ردها الموصى له ولو بعد وفاة الموصي. [192 - 51] لا يحل للورثة انتزاع الوصية من الموصى له • المراد بالمسألة: إذا قبل الموصى له الوصية قبل موت الموصي أو بعد موته، وقبضها جرت عليها أحكام الوصية الصحيحة، فلا يحل للورثة ولا ¬
لغيرهم أخذها وانتزاعها من يده، إلا بطيب نفس منه، لأنها بقبوله لها دخلت تحت ملكه، ويده عليها يدٌ صحيحة. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمعوا أنه لا يحل ملك مالك إلا عن طيب نفسه، فكيف يؤخذ من الموصى له ما قد ملكه بموت الموصي وقبوله له بغير طيب نفس منه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الجويني: (إذا قبل الموصى له الوصية، ثبت ملكه في الموصى به، ولم يتوقف حصوله على القبض والتسليم بخلاف الهبات) (¬6). قال ابن قدامة: (ولا يملك الموصى له الوصية إلا بالقبول في قول جمهور الفقهاء، إذا كانت لمعين يمكن القبول منه، لأنها تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين فاعتبر قبوله كالهبة والبيع) (¬7). قال البهوتي: (ويجوز التصرف في الموصى به بعد ثبوت الملك بالقبول وقبل القبض ولو كان مكيلًا ونحوه، لأن الملك استقر فيه بالقبول فلا يخشى انفساخه ولا رجوع ببدله على أحد) (¬8). قال عبد الغني الميداني: (الوصية قد تمت من جانب الموصى بموته تمامًا لا يلحقه الفسخ من جهته، وإنما توقف لحق الموصى له) (¬9). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]. • وجه الاستدلال: حرمة أكل المال بغير حق، وانتزاع الوارث الثلث من الموصى له نوع من الظلم، وأكل للمال بالباطل. الثاني: عن حنيفة الرقاشي -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيب نفس منه) (¬1). • وجه الاستدلال: أن ما أخذ من المال من دون رضا صاحبه فهو غير حلال، ومال الموصى له داخل تحت ملكه، لا يحل إلا بطيب من نفسه.Rصحة الإجماع في أنه لا يحل للورثة انتزاع الوصية من الموصى له. * * * ¬
الباب الثالث: مسائل الإجماع في أبواب الفرائض
الباب الثالث: مسائل الإجماع في أبواب الفرائض وفيه تمهيد، وتسعة فصول: • التمهيد: يتضمن التعريف بالفرائض، وأدلتها. • الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب أصحاب الفروض. • الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب العصبات. • الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب ذوي الأرحام. • الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب ميراث الحمل. • الفصل الخامس: مسائل الإجماع في ميراث الغرقى والمفقودين. • الفصل السادس: مسائل الإجماع في ميراث أهل الملل. • الفصل السابع: مسائل الإجماع في ميراث المطلقات. • الفصل الثامن: مسائل الإجماع في القاتل والمبعض والولاء. • الفصل التاسع: مسائل الإجماع في ميراث الإقرار بمشارك.
التمهيد يتضمن التعريف بالفرائض، وأدلتها
التمهيد يتضمن التعريف بالفرائض، وأدلتها المسألة الأولى: تعريف الفرائض في اللغة والاصطلاح: تعريف الفرائض في اللغة: الفرائض: مشتق من مادة (فرض)، والجمع فروض، وفراض، ولها معان متعددة في اللغة، سأذكر منها ما له صلة مباشرة بالموضوع: فمن معاني الفرض (¬1): الأول: الحز في الشيء والقطع. الثاني: التوقيت، وكل واجب مؤقت، فهو مفروض. الثالث: التقدير، أي بيان مقدار الشيء. الرابع: الواجب، سمي بذلك لأن له معالم وحدود، وفرض اللَّه علينا كذا وكذا، وافترض أي أوجب. والفرض مصدر كل شيء تفرضه فتوجبه على إنسان بقدر معلوم، وافترضه كفرضه، والاسم الفريضة. تعريف الفرائض في الاصطلاح: هو العلم بقسمة المواريث (¬2). المسألة الثانية: منزلة الفرائض في العلوم الشرعية علمُ الفرائض أحد العلوم الشرعية، التي رغب الشارع في تعلمها، وقد ¬
نص الفقهاء على أن تعلم الفرائض من فروض الكفاية (¬1). وقد وردت نصوص عديدة، تدل على فضيلة علم الفرائض، ومكانته في الشريعة، منها: الأول: مما يدل على فضيلته أن اللَّه جل وعلا تكفل بقسمة الفرائض، كما هي الآيات التي في سورة النساء (¬2). الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يا أبا هريرة تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم وإنه ينسى وهو أول ما ينزع من أمتي) (¬3). الثالث: عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة) (¬4). الرابع: عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (تعلموا القرآن وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموه الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يقضي بها) (¬5). ¬
المسألة الثالثة: مصادر علم الفرائض
المسألة الثالثة: مصادر علم الفرائض يعتمد علم الفرائض على جملة من المصادر الشرعية، وهذه المصادر هى: الأول: القرآن الكريم. ذلك أن اللَّه سبحانه وتعالى أنزل تشريعًا مفصلًا لأحكام المواريث، حيث قدرها بمقادير لا يجوز الزيادة عليها، ولا النقصان عنها. الثاني: السنة النبوية الشريفة. فقد بين الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أحكام المواريث الواردة في القرآن الكريم، من ذلك قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) (¬1). كما أكمل -صلى اللَّه عليه وسلم- أحكام المواريث، من ذلك قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر) (¬2). ومنه تحديده -صلى اللَّه عليه وسلم- لميراث الجدة، وبنت الابن مع البنت، والأخت مع البنت، وميراث العصبات مع أصحاب الفروض، والإرث بولاء العتاقة، وبعض شروط الإرث، وهذه كلها ستمر معنا في ثنايا البحث. الثالث: الصحابة -رضي اللَّه عنهم-: الذين شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل، كالخلفاء الراشدين الأربعة، وكزيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن مسعود، وابن عمر. الرابع: الإجماع. وهو موضوع الرسالة. ¬
الخامس: الاجتهاد، وتعد المسائل التي حصل فيها اجتهاد يسيرة في مقابل المقطوع به، من مسائل المواريث. * * *
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب أسباب الإرث وأصحاب الفروض
الفصل الأول: مسائل الإجماع في باب أسباب الإرث وأصحاب الفروض [193 - 1] الأسباب المتوارث بها ثلاثة: نسب، ونكاح، وولاء • المراد بالمسألة: أن للإرث ثلاثة أسباب فقط، يستحق به الوارث نصيبه من التركة، وهي: النسب، والنكاح، والولاء. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمع المسلمون على أن الأسباب المتوارث بها ثلاثة: رحم، ونكاح، وولاء] (¬1)، ابن اللحام (803 هـ) قال: [أسباب التوارث رحم ونكاح وولاء إجماعا] (¬2)، عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [شبه الولاء بالنسب، والنسب يورث به، فكذا الولاء إجماعًا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). قال الماوردي: (فالميراث مستحق بنسب وسبب، فالنسب الأبوة والبنوة وما تفرع عليهما، ولسبب نكاح وولاء) (¬7). قال ابن عبد البر: (ولا يجب الميراث إلا بأحد ثلاثة أوجه: نسب ثابت معلوم، أو ولاء صحيح، وهو كالنسب عند عدم النسب، أو نكاح ¬
صحيح) (¬1). قال الجويني: (استحقاق الإرث متعلق بالقرابة والسبب، والسبب ينقسم إلى خاص وعام، والسبب العام التوريث بالإسلام، والسبب الخاص النكاح والولاء) (¬2). قال السرخسي: (الأسباب التي بها يتوارث ثلاثة: الرحم والنكاح والولاء) (¬3). قال ابن رشد: (فأما الأجناس الوارثة فهي ثلاثة: ذو نسب وأصهار وموال) (¬4). قال النووي: (أسباب التوريث أربعة: قرابة، ونكاح، وولاء، وجهة الإسلام) (¬5). قال الموصلي: (ويستحق الإرث برحم ونكاح وولاء) (¬6). قال القرافي: (الفرضيون خلفًا وسلفًا يقولون أسباب التوارث ثلاثة) (¬7). قال المرداوي: (وأسباب التوارث ثلاثة: رحم ونكاح وولاء. . والصحيح من المذهب أن أسباب التوارث ثلاثة لا غير، وأنه لا يرث ولا يورث بغيرهم) (¬8). قال الخطيب الشربيني: (أسباب الإرث أربعة: قرابة ونكاح وولاء فيرث المعتق العتيق ولا عكس، والرابع الإسلام) (¬9). قال البهوتي: (وأسباب التوارث ثلاثة فقط: رحم وهو القرابة ونكاح ¬
وهو عقد الزوجية الصحيح فلا ميراث في النكاح الفاسد لأن وجوده كعدمه وولاء عتق) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: يقول اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} [النساء: 11 - 12]. • وجه الاستدلال: أنها أشارت إلى أن التوارث سببه: النسب، والنكاح (¬2). الثاني: قال سبحانه وتعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} [الأنفال: 75]. • وجه الاستدلال: أن هذه الآية دلت على التوارث بالقرابة (¬3). ¬
الثالث: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أنها اشترت بريرة لتعتقها، واشترط أهلها ولاءها، فقالت: يا رسول اللَّه، إني اشتريت بريرة لأعتقها، وإن أهلها يشترطون ولاءها، فقال: (اعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق، أو قال: اعطي الثمن، قالت: فاشتريتها فأعتقتها) (¬1) • وجه الاستدلال: فيه دليل على أن التوارث يكون بالولاء. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه (¬2)، والنخعي (¬3)، وإسحاق بن راهوية (¬4)، وابن تيمية (¬5)، وابن القيم (¬6). فذهبوا إلى عدم حصر أسباب الإرث في هذه الثلاثة، بل يزاد عليها: الالتقاط، وبعضهم زاد: الإسلام على يديه، والمولى من أسفل، والمؤاخاة. وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد. أن بعض شيوخه حكى رواية عن الإمام أحمد رحمه اللَّه: أن الملتقط يرثه، واختاره الشيخ تقي الدين رحمه اللَّه تعالى ونصره، وصاحب الفائق، قال الحارثي: وهو الحق (¬7). واختار الشيخ تقي الدين: أنه يورث بها عند عدم الرحم والنكاح والولاء، وتبعه في الفائق (¬8). ¬
• دليلهم: واحتجوا بما يلي: الأول: عن واثلة بن الأسقع أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (تحوز المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت فيه) (¬1). • وجه الاستدلال: فيه أن المرأة تحوز ميراث لقيطها، دل ذلك على أن الالتقاط سبب من أسباب الميراث. الثاني: عن سنين أبي جميلة أنه وجد منبوذًا في زمان عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: فجئت به إلى عمر فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها. فقال عريفه: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال: كذلك؟ قال: نعم. قال عمر: اذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته) (¬2). • وجه الاستدلال: أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (لك ولاؤه) أي: أنت الذي تتولى تربيته والقيام بأمره، وهذه ولاية الإسلام لا ولاية العتق. واحتجوا لهذا بالحديث السابق: (الولاء لمن أعتق) وهذا ينفى أن يكون الولاء للملتقط؛ لأن أصل الناس الحرية (¬3). الثالث: أن هذا أولى من أن نجعله في بيت المال؛ لأن بيت المال ينتفع به عامة المسلمين، لكن هذا ينتفع به الواجد الذي تعب عليه وحضنه، وربما يكون، هو السبب في تحصيل المال. ¬
[194 - 2] الفرائض المقدرة في كتاب الله سبحانه وتعالى: ستة
الرابع: لا يلزم من الإرث أن يكون بسبب الولاء فقط، فكما أنه يكون بسبب الولاء، وبسبب النكاح، كذلك يكون بسبب الالتقاط.Rصحة الإجماع في أن الأسباب المتوارث بها ثلاثة: نسب، ونكاح، وولاء، وأما اللقيط ففيه خلاف (¬1). [194 - 2] الفرائض المقدرة في كتاب اللَّه سبحانه وتعالى: ستة • المراد بالمسألة: أن أصول الفرائض المقدرة في كتاب اللَّه سبحانه وتعالى، والتي هي أصول مسائل التركات، لا تتجاوز ستة، وهي: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أنَّ الفرائض المقدرة المحددة في كتاب اللَّه سبحانه وتعالى ستة، وهي: النصف، ونصفه (وهو الربع) ونصف الربع (وهو الثمن)، والثلثان، ونصفهما (وهو الثلث)، ونصفه (وهو السدسى)] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، المالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال القدوري: (الفروض المحدودة في كتاب اللَّه تعالى ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس) (¬6). قال الماوردي: (والفروض المنصوص عليها في كتاب اللَّه تعالى ستة نص اللَّه تعالى عليها في الآي الثلاث من سورة النساء وهي: النصف ¬
والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس فكأنهما النصف ونصفه ونصف نصفه، والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما) (¬1). قال الجويني (والمقدرات التي هي الأصول في المواريث ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس) (¬2). قال العمراني: (الفروض المذكورة في كتاب اللَّه تعالى ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس) (¬3). قال الموصلي: (السهام المفروضة في كتاب اللَّه تعالى: الثمن والسدس وتضعيفهما مرتين، فالثمن ذكره اللَّه تعالى في فرض الزوجة، والربع في، فرضها وفرض الزوج، والنصف في فرض الزوج والبنت والأخت، والسدس في فرض الأم والأب والواحد من ولد الأم، والثلث في فرض الأم والإخوة لأم، والثلثان للبنات والأخوات) (¬4). قال القرافي: (الفروض المقدرة ستة: الثلثان ونصفهما وهو الثلث، ونصفه وهو السدس، والنصف، ونصفه وهو الربع، ونصفه وهو الثمن) (¬5). قال الزيلعي: (وبيّن نصيب كل واحد من النصف والربع والثمن والثلثين والثلث والسدس) (¬6). قال النووي: (الفروض المقدرة في كتاب اللَّه تعالى ستة: النصف والربع والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس) (¬7). قال الموصلي: (والسهام المفروضة في كتاب اللَّه تعالى: الثمن والسدس وتضعيفهما مرتين، فتصير ستة، لأن تضعيف الثمن الربع، ¬
وتضعيف الربع النصف، وتضعيف السدس الثلث، وتضعيف الثلث الثلثان) (¬1). قال البهوتي: (والفروض القرآنية ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس، وإن شئت قلت: النصف والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، أو الثمن والسدس وضعفهما وضعف ضعفهما أو الربع والثلث وضعف كل ونصف كل وثلث الباقي) (¬2). قال الدردير: (الفروض ستة: النصف والربع والثمن، والثلثان والثلث والسدس) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} [النساء: 11 - 12]. ¬
[195 - 3] نصيب البنت الصلبية النصف
الثاني: قال سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال من الآيتين (¬1): أن فيهما الإشارة إلى عدد أصحاب الفروض، وهذه الفروض المذكورة في الآيتين هي: الثلثان، والنصف، والسدس، والثلث، والربع، والثمن.Rصحة الإجماع في أن الفروض المقدرة في القرآن الكريم ستة، وهي: الثلثان، والنصف، والسدس، والثلث، والربع، والثمن (¬2). [195 - 3] نصيب البنت الصُلبية النصف • المراد بالمسألة: أن البنت الصُلبية -أي التي من صلب الوارث ولا تدلي بأحده- تستحق النصف بشرطين عَدَميين، الأول: عدم المعصب، وهو أخوها، والثاني: عدم المشارك، وهو أختها. مثاله: لو مات ميت عن: (بنت، وبنت ابن، وأخت شقيقة) فإن المسألة من (ستة) فللبنت النصف (ثلاثة أسهم) ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين (سهم واحد) والباقي للأخت تعصيبًا (سهمان). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [وأجمعوا أن الابنة المنفردة ترث النصف] (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [فأما النصف فأجمعوا أيضًا أنه فرض خمسة، ¬
وهم: بنت الصلب. .] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع المسلمون على أن ميراث الولد من والدهم ووالدتهم إن كانوا ذكورًا وإناثًا معًا هو. . وأن البنات إذا انفردن فكانت واحدة أن لها النصف] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [إن للبنت الواحدة النصف، ولا خلاف في هذا بين علماء المسلمين؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] ولأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى في بنت، وبنت ابن، وأخت؛ وأن للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، وما بقي؛ فللأخت] (¬3). البهوتي (1051 هـ) قال: [وللبنت الواحدة النصف بلا خلاف] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، والشوكاني (¬7). قال الماوردي: (فأما النصف ففرض خمسة. . . وفرض البنت. . .) (¬8). قال الجويني: (النصف فرض خمسة: . . . وفرض البنت الواحدة من الصلب إذا لم يكن معها ابن يعصبها) (¬9). قال السرخسي: (وللبنت الواحدة إذا انفردت النصف ثبت ذلك بالنص) (¬10). ¬
قال العمراني: (وأما البنت فلها النصف) (¬1). قال النووي: (للبنت النصف، وللبنتين فصاعدًا الثلثان. . .) (¬2). قال الموصلي: (وأما النساء فالأولى البنت ولها النصف إذا انفردت) (¬3). قال القرافي: (في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] لأن الذكر لو انفرد لكان له الكل، فهي إذا انفردت لها النصف لأنها على النصف منه في الأحكام) (¬4). قال الخطيب الشربيني فى معرض سرده لأصحاب النصف: (وبنت أو بنت ابن. . . منفردات) (¬5). قال الدردير: (فالنصف لخمسة: . . . والبنت إذا انفردت عمن يعصبها وهو أخوها المساوي لها احترازًا عن أخيها لأبيها) (¬6). قال الشوكاني: (الميت إذا ترك بنتًا وأختًا وأخًا يكون للبنت النصف، والباقي للأخ ولا شيء للأخت) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أنها دلت بمنطوقها على أن للبنت النصف بشرط: وجودها وحدها منفردة عن المشارك وهم أخواتها، والمعصب وهو أخوها. ¬
[196 - 4] نصيب البنتين الصلبيتين الثلثان
الثاني: عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (قضى في: بنت، وبنت ابن، وأخت: بأن للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وللأخت الباقي) (¬1). • وجه الاستدلال: أن البنت الصلبية إن كانت واحدة، ولم يشاركها أحد من أخواتها البنات، فإن لها النصف.Rصحة الإجماع في أن نصيب البنت الواحدة النصف، إذا انفردت عن إخوانها وأخواتها. [196 - 4] نصيب البنتين الصُلبيتين الثلثان • المراد بالمسألة: مضى حكاية الإجماع أن للبنت الصُلبية الواحدة النصف، فإن كانتا اثنتين، فإنهن يشتركن في الثلثين. مثاله: لو مات ميت عن بنتين، وعم، فإن المسألة من ثلاثة أسهم، فللبنتين الثلثان (سهمان) وللعم الباقي (سهم واحد). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (319 هـ) قال: [وأجمعوا على أن ما فوق البنتين من البنات كحكم البنتين] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وما أعلم في هذا خلافًا بين علماء المسلمين إلا رواية شاذة لم تصح عن ابن عباس أنه قال: للاثنتين النصف كما للبنت الواحدة، حتى تكون البنات أكثر من اثنتين؛ فيكون لهن الثلثان] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن فرض الابنتين ¬
الثلثان إلا رواية شاذة عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن فرضهما النصف؛ لقول اللَّه سبحانه وتعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] فمفهومه أن ما دون الثلاث ليس لهما الثلثان] (¬1). ابن تيمية (728 هـ) قال: [فإن اللَّه لما قال في الأخوات {كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} [النساء: 176] كان دليلًا على أن البنتين أولى بالثلثين من الأختين، وأيضًا فسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما أعطى ابنتي سعد بن الربيع الثلثين وأمهما الثمن والعم ما بقي، وهذا إجماع لا يصح فيه خلاف عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-] (¬2). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [وأجمع أهل العلم أن فرض البنتين الثلثان] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6)، والشوكاني (¬7). قال القدوري: (والثلثان لكل اثنين فصاعدًا ممن فرضه النصف إلا الزوج) (¬8). قال الماوردي: (وأما الثلثان ففرض أربعة فرض البنتين فصاعدًا. . .) (¬9). قال ابن حزم: (ومن مات وترك أختين شقيقتين أو لأب أو أكثر من ¬
أختين كذلك أيضًا ولم يترك ولدًا ولا أخًا شقيقًا ولا لأب ولا من يحطهن مما نذكر فلهما ثلثا ما ترك أو لهن على السواء، وكذلك من ترك ابنتين فصاعدًا ولم يترك ولدًا ذكرًا ولا من يحطهن فلهما أو لهن ثلثا ما ترك أيضًا) (¬1). قال الجويني: (وللبنتين فصاعدًا الثلثان عندنا، وهو مذهب عامة الفقهاء وادعى بعض الفرضيين الإجماع فيه وحكوا موافقة ابن عباس) (¬2). قال السرخسي: (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان في قول عامة الصحابة رضوان اللَّه عليهم، وهو قول جمهور الفقهاء) (¬3). قال القرافي: (في أن للاثنتين الثلثين) (¬4). قال النووي: (. . . وللبنتين فصاعدًا الثلثان. . .) (¬5). قال الموصلي: (وللبنتين فصاعدًا الثلثان) (¬6). قال الخطيب الشربيني: (والثلثان فرض بنتين فصاعدًا) (¬7). قال الدردير: (والثلثان لأربعة، أي لكل نوع من الأنواع الأربعة المشار إليها بقوله لذوات النصف إن تعددن: وهي البنت وبنت الابن. . .) (¬8). قال الشوكاني: (فيه دليل على أن للبنتين الثلثين وإليه ذهب الأكثر) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال سبحانه وتعالى: (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف). • وجه الاستدلال: من وجوه: الوجه الأول: أن في فحوى الآية بيان فرض الاثنتين، وذلك أن اللَّه قد ¬
جعل نصيب الابن في صدر الآية ضعف نصيب البنت {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، والصورة التي تتحقق فيها هذه القاعدة تحققًا تامًا هي أن ينحصر ميراث الميت في ابن وبنت، فالابن يأخذ الثلثين، والبنت تأخذ الثلث، وهذان الثلثان اللذان أخذهما الابن يأخذهما البنتان إن لم يكن هو معهما (¬1). الوجه الثاني: أن المتقرر أن البنت تأخذ الثلث مع الابن الذي يفوقها عصبة بنفسه، فلأن تأخذ الثلث مع بنت أخرى مساوية لها أولى. الوجه الثالث: أن البنات كالأخوات في أن كل فريق منهما تأخذ الواحدة منه عند الانفراد نصف التركة، ويأخذ الثلاث فصاعدًا ثلثي التركة، ويرثن بالعصوبة بالغير إذا اجتمع مع كل فريق أخ له، وقد جعل اللَّه حكم الأختين كحكم الأخوات الثلاث بالنص، فجعل لهما ثلثي التركة قال سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} [النساء: 176] فكأنه سبحانه قد ترك حكم البنتين ليقاسا على الأختين للعلم بأن حالهما واحدة، وترك حكم الأخوات الزائدات على الثنتين ليُقسن على البنات لذلك، وهو من قياس الأولى، لأنهما أقرب إلى الميت. الوجه الرابع: أن كلمة (فوق) الواردة في قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] صلة، مثل قوله سبحانه وتعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفَال: 12] أي: اضربوا الأعناق (¬2). ¬
الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع -رضي اللَّه عنه- إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بابنتيها من سعد، فقالت: يا رسول اللَّه، هاتان ابنتا سعد ابن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدًا، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالًا، ولا ينكحان إلا ولهما مال، قال: فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يقضي اللَّه في ذلك) قال: فنزلت آية الميراث، فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى عمهما فقال: (أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك) (¬1). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى ابنتي سعد وكانتا اثنتين الثلثان، فدل على أن حكم الثنتين فما فوق إذا اجتمعن واحد، وهو الاشتراك في الثلثين. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- (¬2)، وابن حزم من الظاهرية (¬3). فقد روي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (إن للبنتين النصف) وقد ذكر هذا القرطبي حينما رد حكاية الإجماع، عند تفسير قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وقال: (فرض اللَّه تعالى للواحدة النصف، وفرض لما فوق الثنتين الثلثين، ولم يفرض للثنتين فرضًا منصوصًا في كتابه، فتكلم العلماء في الدليل الذي يوجب لهما الثلثين ما هو؟ فقيل: الإجماع، وهو مردود؛ لأن الصحيح عن ابن عباس أنه أعطى البنتين النصف) (¬4). وقال ابن حزم: (وأجمعوا أن للأبنتين المنفردتين ¬
[197 - 5] للثلاث من البنات فأكثر: الثلثان
النصف) (¬1).Rصحة الإجماع في أن للبنتين فما فوق الثلثان إن لم يكن معهن ولد ذكر، وأما الرواية عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- فهي: منكرة، وقد ثبت عنه ما يدل على أنه يذهب إلى القول بالثلثين، قال الأرموي: (صح عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- رجوعه عن ذلك فارتفع الخلاف وصار إجماعًا) (¬2). وقال ابن عبد البر بعد أن ذكر قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- هذا: (هذه الرواية منكرة عند أهل العلم قاطبة كلهم ينكرها، ويدفعها ما رواه ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه جعل للبنتين الثلثين) (¬3). وممن ضعف الرواية عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- ابن رجب الحنبلي (¬4)، وقال ابن تيمية: (وهذا إجماع لا يصح فيه خلاف عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-) (¬5). [197 - 5] للثلاث من البنات فأكثر: الثلثان • المراد بالمسألة: أن البنات إذا اجتمعن فكن ثلاثًا فأكثر، فإنهن يشتركن في الثلثين، وذلك بشرطين: الأول: شرط وجودي، وهو: أن يكن اثنتين فصاعدًا. والثاني: شرط عدمي وهو: عدم المعصب. مثاله: لو مات ميت عن ثلاث بنات، وعم، فإن المسألة من ثلاثة أسهم، فللبنات الثلثان (سهمان) وللعم الباقي (سهم واحد). ¬
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [وأجمعوا أن الثلاث من البنات فصاعدًا يرثن الثلثين، إذا لم يكن هناك ولد ذكر] (¬1). العمراني (558 هـ): [وإن كن البنات أكثر من اثنتين فلهما الثلثان للآية والإجماع] (¬2). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأما الثلثان فأجمعوا على أنهما فرض أربعة، وهم: كل اثنين فصاعدًا من البنات، وبنات الابن مع عدم البنات. .] (¬3). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع المسلمون على أن ميراث الولد. . وأن البنات إذا انفردن. . وإن كن ثلاثًا فما فوق ذلك فلهن الثلثان] (¬4). ابن قدامة (620 هـ) قال: [فأما الثلاث من البنات فما زاد؛ فلا خلاف في أن فرضهن الثلثان] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والشوكاني (¬8). قال القدوري: (والثلثان لكل اثنين فصاعدًا ممن فرضه النصف إلا الزوج) (¬9). قال الماوردي: (وأما الثلثان ففرض أربعة البنتين فصاعدًا. . .) (¬10). ¬
[198 - 6] إذا اجتمع (بنت، وابن ابن) فللبنت النصف، ولابن الابن ما بقي
قال السرخسي: (فإن كن ثلاثًا فصاعدًا فلهن الثلثان بالنص) (¬1). قال الموصلي (683 هـ): (وللبنتين فصاعدًا الثلثان) (¬2). قال الخطيب الشربيني: (الثلثان فرض بنتين فصاعدًا) (¬3). قال الشوكاني: (وقال ابن عباس: بل للثلاث فصاعدًا لقوله تعالى فوق اثنتين، وحديث الباب نص في محل النزاع، ويؤيده أن اللَّه سبحانه وتعالى جعل للأختين الثلثين والبنتان أقرب إلى الميت منهما) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال سبحانه وتعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أنها نص صريح ظاهر في أن البنات إذا كن فوق اثنتين أنهن يشتركن في الثلثين. الثاني: أن اللَّه سبحانه وتعالى نص على الزائد على الاثنتين في البنات، ولم يذكر الابنتين، ونص على اثنتين في الأخوات ولم يذكر الزائد اكتفاء بآية البنات في الأخوات، وبآية الأخوات في البنات، لأن القرآن كالكلمة الواحدة يفسر بعضه بعضًا، وعُلمَ فرضُ البنتين بالحديث النبوي فاستقامت الظواهر وقامت الحجة (¬5).Rصحة الإجماع في أن البنات إن كن فوق اثنتين اشتركن في الثلثين. [198 - 6] إذا اجتمع (بنت، وابن ابن) فللبنت النصف، ولابن الابن ما بقي • المراد بالمسألة: أن البنت الصُلبية تستحق النصف بشرطين عدميين: ¬
الأول: عدم المعصب، وهو أخوها. والثاني: عدم المشارك، وهو أختها. وإذا شاركها عاصب ليس في درجتها، كابن ابن، فإنها لا يعصبها. مثاله: لو مات ميت عن بنت وابن ابن، فالمسألة من اثنين، للبنت النصف (سهم واحد فرضًا) والباقي (سهم واحد) لابن الابن تعصيبًا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أنه من ترك بنتًا، وابن ابن، فلبنته النصف، وما بقي فلابن الابن] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6)، والشوكاني (¬7). قال القدوري: (وإذا ترك بنتًا وبنات ابن وبني ابن فللبنت النصف والباقي لبني الابن) (¬8). قال السرخسي: (فإن انفرد الذكور من أولاد الابن فالباقي بعد نصيب البنات لهم نصفًا كان أو ثلثًا) (¬9). قال العمراني: (فإن خلّف بنتًا وابن ابن وبنت ابن ابن، فللبنت النصف، والباقي لابن الابن، ويُسقط بنت ابن الابن، لأنه أقرب منها) (¬10). قال القرافي: (وولد الابن مع عدم الأبناء للصلب كميراث ولد الصلب) (¬11). ¬
[199 - 7] بنت الابن ترث النصف إذا انفردت عمن يساويها من الإناث وعن معصب لها من الذكور
قال الخطيب الشربيني: (فإن كان للصلب بنت فلها النصف والباقي لولد الابن الذكور فقط بالسوية بينهم أو الباقي لولد الابن الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين قياسًا على أولاد الصلب) (¬1). قال المطيعي: (فإن خلّف بنتًا وابن ابن وبنت ابن ابن، فللبنت النصف، والباقي لابن الابن، وسقط بنت ابن الابن، لأنه أقرب منها) (¬2). قال عبد الرحمن بن قاسم: (يرثان (بالفرض والتعصيب مع إناثهما) أي إناث الأولاد، أو أولاد الابن، واحدة كن أو أكثر، فمن مات عن أب وبنت أو جد، فللبنت النصف، وللأب أو الجد السدس فرضًا لما سبق والباقي تعصيبًا) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬4). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بإلحاق الفرائض بأهلها، والبنت من أصحاب الفروض فلها النصف، والباقي لابن الابن لأنه أولى رجل ذكر بالميت.Rصحة الإجماع في أنه إذا اجتمع مع البنت الصلبية، ابن ابن، أن البنت ترث بالفرض، والباقي لابن الابن تعصيبًا. [199 - 7] بنت الابن ترث النصف إذا انفردت عمن يساويها من الإناث وعن معصب لها من الذكور • المراد بالمسألة: أن المراد ببنت الابن، هي: كل أنثى من بنات أبناء الميت، سواء أكانت بنت ابنه المباشر، أم كانت بنت ابن ابنه، أم كانت ¬
أنزل درجة من ذلك، بشرط ألا يفصل بينها وبين الميت أنثى، وبنت الابن ترث: النصف أحيانًا، وذلك بثلاثة شروط: الأول: انفرادها عمن يساويها من الإناث. الثاني: انفرادها عن معصب لها من الذكور. والثالث: عدم الفرع الوارث الذي أعلى منها. مثاله: لو مات ميت عن: بنت ابن، وأم، وأخ شقيق، فالمسألة من ستة أسهم، لبنت الابن النصف (ثلاثة أسهم) لاستكمالها الشروط، وللأم السدس (سهم واحد) والباقي للأخ (سهمان) لكونه عصبة. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [فأما النصف فأجمعوا أيضًا أنه فرض خمسة، وهم: بنت الصلب، وبنت الابن مع عدم بنت الصلب] (¬1). الخرشي (1101 هـ) قال: [ومنهم بنت الابن تستحق النصف عند عدم البنت إجماعًا إذا انفردت] (¬2). المطيعي (1354 هـ): [وأما بنت الابن فلها النصف إذا انفردت، وللاثنتين فصاعدًا الثلثان لإجماع الأمة على ذلك] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5). قال السرخسي: (ابنة الابن تقوم مقام ابنة الصلب عند عدمها) (¬6). قال الموصلي: (بنت الابن وللواحدة النصف وللثنتين فصاعدًا الثلثان، ¬
فهن كالصلبيات عند عدم ولد الصلب) (¬1). قال القرافي: (فالنصف فرض خمسة: بنت الصلب، وبنت الابن عند عدمها. . .) (¬2)، قال الدردير: (وبنت الابن ترث النصف إن لم يكن للميت بنت ولا ابن) (¬3). قال الدسوقي: (فالنصف لخمسة: . . . وبنت انفردت، وبنت ابن كذلك) (¬4). قال الآبي الأزهري: (ومستحق النصف وهو خمسة: . . . وبنت لنفس الميت واحدة ذكرًا كان الميت أو أنثى. . . وبنت ابن للميت واحدة إن لم يكن له بنت قياسًا على البنت) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أن بنات الميت تشمل البنت الصلبية، وبنات الابن، إما بأصل اللغة العربية، وإما بإجماع العلماء، فهنا: أجمع العلماء على أن البنت إن كانت واحدة، فلها فرضها وهو النصف، وكذلك بنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب، لأنهن في حكم البنت. الثاني: قال سبحانه وتعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: أن الأخت إن كانت واحدة، وهي شقيقة أو لأب، ولم يشاركها أحد من أخواتها، فإن لها النصف، لأنها في حكم البنت، كذلك بنت الابن في حكم ما سبق. ¬
[200 - 8] لبنات الابن الثلثان بثلاثة شروط
Rصحة الإجماع في أن بنت الابن نصيبها: النصف، بالشروط المذكورة في أصل المسألة. [200 - 8] لبنات الابن الثلثان بثلاثة شروط • المراد بالمسألة: أن بنات الابن يأخذن الثلثين بثلاثة شروط، اثنان عدميان، والثالث وجودي. الأول: عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منهن، والثاني: عدم الأخ المعصب الذي في درجتهن وهو (ابن ابن) والثالث: وجود بنتي ابن فأكثر. مثاله: لو مات ميت عن: بنتي ابن، وأم، وأخ شقيق، فالمسألة من ثلاثة أسهم، لبنتي الابن الثلثان (سهمان) لاستكمالهن الشروط، وللأم الثلث (سهم واحد). • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأما الثلثان فأجمعوا على أنهما فرض أربعة، وهم: كل اثنين فصاعدًا من البنات، وبنات الابن مع عدم البنات. .] (¬1). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [(والثلثان لثنتين من الجميع) أي من البنات أو بنات الابن فأكثر، فالبنات يأخذن الثلثين إجماعًا، مع عدم المعصب، وإن يكن اثنتين فأكثر، وبنات الابن يأخذنه إجماعًا، مع عدم الفرع الوارث، الذي هو أعلى منهن، وعدم المعصب، وأن يكن اثنتين فأكثر] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). ¬
قال الماوردي: (وأما الثلثان ففرض أربعة. . . وفرض بنتي الابن فصاعدًا) (¬1). قال العمراني: (ولابنتي الابن فصاعدًا الثلثان) (¬2). قال الموصلي: (بنت الابن للواحدة النصف وللثنتين فصاعدًا الثلثان، فهن كالصلبيات عند عدم ولد الصلب) (¬3). قال الخطيب الشربيني: (والثلثان فرض بنتين فصاعدًا، وبنتي ابن فأكثر) (¬4). قال البهوتي: (ولبنتي ابن فأكثر الثلثان قياسًا على بنات الصلب) (¬5). قال الخرشي: (بعد أن ذكر بنت الابن وأنها تستحق النصف عند عدم البنت إجماعًا إذا انفردت، قال: ولتعددهن الثلثان) (¬6). قال الدردير: (والثلثان لأربعة: أي لكل نوع من الأنواع الأربعة المشار إليها بقوله: (لذوات النصف إن تعددن): وهي البنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب) (¬7). قال الدسوقي: (وأما الثلثان ففرض أربعة: وهن النسوة ذوات النصف إذا تعددن) (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بابنتيها من سعد، فقالت: يا رسول اللَّه، هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدًا، وإن ¬
عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالًا، ولا ينكحان إلا ولهما مال، قال: فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يقضي اللَّه في ذلك) قال: فنزلت آية الميراث، فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى عمهما فقال: (أعط ابنتي سعد -رضي اللَّه عنه- الثلثين وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك) (¬1). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى ابنتي سعد ابن الربيع -رضي اللَّه عنه- الثلثين، وبنات الابن في حكم البنت إذا اجتمعن، وهو قياس صحيح بإجماع أهل العلم. • الخلاف الوارد في هذا الباب: يظهر أن الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في البنتين إذا اجتمعتا، فلقد حُكي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال لهما النصف (¬2). وقد رد القرطبي حكاية الإجماع في أن البنتين يأخذان الثلثين، عند تفسير قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]، وقال: (فرض اللَّه تعالى للواحدة النصف، وفرض لما فوق الثنتين الثلثين، ولم يفرض للثنتين فرضًا منصوصًا في كتابه، فتكلم العلماء في الدليل الذي يوجب لهما الثلثين ما هو؟ فقيل: الإجماع، وهو مردود؛ لأن الصحيح عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه أعطى البنتين النصف) (¬3).Rصحة الإجماع في أن البنتين فما فوق لهن: الثلثان إن لم يكن معهن ولد ذكر، وأما الرواية عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- فهي: منكرة (¬4). ¬
[201 - 9] بنات الابن واحدة أو أكثر مع البنت ترث أو يرثن السدس تكملة الثلثين
[201 - 9] بنات الابن واحدة أو أكثر مع البنت ترث أو يرثن السدس تكملة الثلثين • المراد بالمسألة: أن بنات الابن سواء كن واحدة أو أكثر، إذا كن مع البنت الصلبية؛ فإنهن يشتركن في السدس تكملة الثلثين، ولم يكن بين الورثة من يعصب بنت الابن، ولا من يحجبها. مثاله: لو مات ميت عن (بنت، وبنت ابن، وأخت شقيقة) فإن المسألة من ستة أسهم، فللبنت النصف (ثلاثة أسهم) ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين (سهم واحد) والباقي (سهمان) للأخت تعصيبًا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أنه إن ترك بنتًا (¬1) وبنت ابن أو بنات ابن؛ فللابنة النصف، ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [(قال مالك: وإن لم يكن الولد للصلب إلا ابنة واحدة فلها النصف، ولابنة ابنه واحدة كانت أو أكثر من ذلك من بنات الابناء ممن هو من المتوفى بمنزلة واحدة السدس. .) وهذا أيضًا لا خلاف فيه؛ إلا شيء روي عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه-، وسلمان بن ربيعة -رضي اللَّه عنه- لم يتابعهما أحد عليه، وأظنهما انصرفا عنه بحديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [الثاني: أنه إذا كان مع البنت الواحدة بنت ابن أو بنات ابن، فللبنت النصف، ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين، وهذا أيضًا مجمع عليه بين العلماء] (¬4). ¬
ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [ولا خلاف بين الفقهاء فيما رواه ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وفي جواب أبي موسى -رضي اللَّه عنه- إشعار بأنه رجع عما قاله] (¬1). البهوتي (1051 هـ) قال: [فإن كانت بنت واحدة وبنت ابن فأكثر فللبنت النصف، ولبنت الابن فصاعدًا السدس تكملة الثلثين اجماعًا] (¬2). الدردير (1201 هـ) قال: [والسدس فرض لبنت الابن وإن سفلت أو بنات الابن المتساويات، فإن كانت إحداهما أقرب فهو لها إن كانت أو كن مع البنت الواحدة تكملة الثلثين للإجماع. . .] (¬3). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [والسدس لبنت ابن فأكثر وإن نزل أبوها تكملة الثلثين مع بنت واحدة، ومع عدم المعصب، وعدم الفرع الوارث الذي أعلى منها سوى صاحبة النصف، فإنها لا ترث السدس إلا معها، وهذا بالإجماع] (¬4) • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، وابن حزم من الظاهرية (¬6). قال الماوردي: (إذا ترك الميت بنتًا وبنت ابن، كان للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين. . . وهكذا لو كانت الفريضة بنتًا وعشر بنات ابن كان للبنت النصف ولعشر بنات الابن السدس وإن كثرن وهكذا) (¬7). قال ابن حزم: (فإن ترك ابنة وابنة ابن، أو بنتي ابن، أو بنات ابن، فللابنة النصف ولبنت الابن أو لبنتي الابن أو لبنات الابن السدس فقط وإن كثرن والباقي للعاصب) (¬8). قال الجويني: (إذا خلّف الرجل بنتًا وبنت ابن، فللبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، ولو كان في المسألة بنت واحدة في الصلب، ¬
وجماعة من بنات الابن، فللابنة النصف ولبنات الابن السدس، يشتركن فيه إذا لم يكن في الفريضة معصّب) (¬1). قال السرخسي: (للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين) (¬2). قال العمراني: (وإن اجتمع ابنة وابنة ابن، كان للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، . . .، وإن ترك ابنة وبنات ابن، كان للابنة النصف، ولبنات الابن السدس، لأنه هو الباقي عن فرض البنات) (¬3). قال الموصلي: (وللواحدة فصاعدًا من بنات الابن السدس مع الصلبية تكملة الثلثين) (¬4). قال القرافي: (والسدس فرض سبعة: . . . والواحدة من بنات الابن فأكثر مع بنات الصلب) (¬5). قال النووي: (وإن كان ولد الابن بنتًا فلها السدس، وإن كن بنات فالسدس بينهن) (¬6). قال الخطيب الشربيني: (فإن لم يكن من أولاد الابن إلا أنثى أو أناث فلها أو لهن السدس تكملة الثلثين) (¬7). قال الدسوقي: (وللثانية أي جنسى الثانية وهي بنت الابن أو الأخت لأب مع الأولى أي البنت أو الأخت الشقيقة السدس تكملة الثلثين وإن كثرن أي بنات الابن مع البنت أو الأخوات للأب مع الشقيقة) (¬8). مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ ¬
[202 - 10] الأخت لأب واحدة أو أكثر مع الأخت الشقيقة يرثن السدس تكملة الثلثين
اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أن فرض البنات كلهن الثلثين، وبنات الصلب، وبنات الابن كلهن نساء من الأولاد، فكان لهن الثلثان بفرض الكتاب، لا يزدن عليه، واختصت بنت الصلب بالنصف، لأنه مفروض لها، والاسم متناول لها حقيقية، فيبقى للبقية تمام الثلثين (¬1).Rصحة الإجماع في أن بنات الابن سواء كن واحدة أو أكثر، إذا كن مع البنت فإنهن يشتركن في السدس تكملة الثلثين. وأما ما ذكر عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- أنه خالف، فظاهر الحديث السابق يشير إلى أنه رجع، وإلى هذا أشار ابن عبد البر، والحافظ ابن حجر. وذكر أيضًا عن سلمان بن ربيعة الباهلي -رضي اللَّه عنه- أنه خالف، قال الحافظ: (ولعل سلمان -رضي اللَّه عنه- أيضًا رجع كأبي موسى -رضي اللَّه عنه-) (¬2). [202 - 10] الأخت لأب واحدة أو أكثر مع الأخت الشقيقة يرثن السدس تكملة الثلثين • المراد بالمسألة: أن الأخت الشقيقة أقوى في الميراث من الأخت لأب؛ لأنها تدلي بطريقين، فهي أخت للميت من أبيه وأمه، بخلاف الأخت لأب فإنها تدلي بطريق واحد فقط، فالأخوات لأب يأخذن السدس بشرطين، الأول: وجود أخت شقيقة واحدة، والثاني: عدم وجود معصب. مثاله: لو مات ميت عن: أخت شقيقة، وأخت لأب، وأخ لأم، وجدة، فالمسألة من (ستة أسهم) للأخت الشقيقة النصف (ثلاثة أسهم) وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين (سهم واحد) وللأخ لأم السدس (سهم واحد) وللجدة السدس (سهم واحد). ¬
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمع أهل العلم على أن الإخوة من الأب يرثون ما فضل عن الأخت من الأب والأم، فإن، ترك أختين وأخوات لأب وأم؛ فلهن الثلثان، وما بقي فللإخوة من الأب، فإن ترك أختًا لأب وأم، وأختًا وأخوات لأب؛ فللأخت من الأب والأم النصف، وللأخت أو الأخوات من الأب السدس تكملة الثلثين واختلفوا في الإخوة والأخوات من الأب مع الأختين، أو الأخوات من الأب والأم] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [وقد أجمع المخالفون لنا على أن من ترك أختًا شقيقة وعشر أخوات لأب وعمًّا أو ابن عم أو ابن أخ؛ فإنه ليس للأخوات للأب إلا السدس فقط، والباقي لمن ذكرنا] (¬2). البغوي (516 هـ) قال: [وكذلك حكم ميراث الإخوة للأب والأم مع الإخوة للأب، فإن كان ولد الأب والأم ذكرًا، فلا شيء لولد الأب، وإن كانت أنثى؛ نظر إن كانت واحدة؛ فلها النصف، ثم إن كان ولد الأب ذكرًا؛ فالباقي له، وإن كان أنثى واحدة فأكثر؛ فلهن السدس تكملة الثلثين، وإن كانوا ذكورًا وإناثًا؛ فالباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان ولد الأب والأم أكثر من واحدة كلهن إناث؛ فلهن الثلثان، ثم لا شيء لولد الأب إلا أن يكون فيهم ذكر، فيكون الباقي لهم للذكر مثل حظ الأنثيين، هذا قول عامة الصحابة والعلماء إلا ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-؛ فإنه يقول: إذا مات عن بنت وبنات ابن وبني ابن؛ فللبنت النصف، ولبنات الابن أضر الأمرين من المقاسمة أو السدس] (¬3). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن الأخوات من الأب والأم إذا استكملن الثلثين؛ فإنه ليس للأخوات للأب معهن شيء؛ كالحال في بنات الابن مع بنات الصلب، وأنه إن كانت الأخت للأب والأم واحدة؛ ¬
فللأخوات للأب ما كن بقية الثلثين وهو السدس] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [(والأخوات من الأب بمنزلة الأخوات من الأب والأم إذا لم يكن أخوات لأب وأم، فإذا كان أخوات لأب وأم وأخوات لأب؛ فللأخوات من الأب والأم الثلثان، وليس للأخوات من الأب شيء إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كانت أخت واحدة لأب وأم وأخوات لأب؛ فللأخت للأب والأم النصف، وللأخوات من الأب واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين) وهذه الجملة كلها مجمع عليها بين علماء الأمصار؛ إلا ما كان من خلاف ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، ومن تبعه، لسائر الصحابة والفقهاء في ولد الأب إذا استكمل الأخوات من الأبوين الثلثين، فإنه جعل الباقي للذكر من ولد الأب دون الإناث] (¬2). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [ولأخت فأكثر لأب مع أخت واحدة (لأبوين) السدس تكملة الثلثين مع عدم معصب إجماعًا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4). قال الماوردي: (فإن كانت أخت لأب وأم وأخت لأب أو أخوات لأب فللأخت من الأب والأم النصف، وللأخت أو الأخوات من الأب السدس تكملة الثلثين كبنت الصلب وبنت ابن) (¬5). قال السرخسي: (وإن كان بنو الأعيان إناثًا مفردات فإن كانت واحدة فلها النصف ولبني العلات إذا كن إناثًا مفردات السدس تكملة الثلثين) (¬6). ¬
قال العمراني: (وإن كان هناك أخت واحدة لأب وأم وأخت لأب، كان للأخت للأب والأم النصف، وللأخت للأب السدس قياسًا على ابنة الابن مع ابنة الصلب) (¬1). قال النووي: (لو اجتمع أولاد الأبوين وأولاد الأب، فهو كاجتماع أولاد الصلب وأولاد الابن. . . فإن كان في أولاد الأبوين ذكر حجب أولاد الأب وإلا فإن كانت أنثى فقط فلها النصف، والباقي لأولاد الأب إن كانوا ذكورًا أو ذكورًا وإناثًا، وإن تمخضن إناثًا، أو أنثى فقط، فلهن أو لها السدس تكملة الثلثين) (¬2). قال الموصلي: (وللواحدة فصاعدًا من الأخوات لأب السدس مع الأخت لأبوين تكملة الثلثين) (¬3). قال القرافي: (والسدس فرض سبعة: . . . والأخت للأب فأكثر مع الشقيقة، . . .) (¬4). قال البهوتي: (والأخوات من الأب معهن أي الشقيقات كبنات الابن مع البنات سواء، ففي شقيقة وأخت لأب فأكثر، للشقيقة النصف والتي لأب فأكثر السدس تكملة الثلثين) (¬5). قال الدردير: (والسدس فرض. . . الأخت للأب أي أخت الميت التي أدلت بالأب فقط فأكثر فرضها أو فرضهن السدس مع الأخت الشقيقة الواحدة تكملة الثلثين، والتقييد بالواحدة في الأخت والبنت لأنه لو كانت بنت الابن مع بنتين أو الأخت للأب مع شقيقتين لسقطتا ما لم تعصب) (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
[203 - 11] الأخوة لأب ينزلون منزلة الأشقاء عند فقدهم
الأول: قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أنها نص ظاهر صريح في أن للأخت الشقيقة النصف إذا لم يكن للميت ولد، والولد يشمل الابن والبنت وابن الابن وبنت الابن وللأخت للأب بالقياس. الثاني: أن فرض الأخت للأب مع الأخت الشقيقة السدس تكملة الثلثين قياسًا على بنت الابن مع بنت الصلب، لأنها في معناه، وهو قياس صحيح مجمع عليه.Rصحة الإجماع في أن من ترك أختًا شقيقة وأختًا لأب واحدة أو أكثر مع الشقيقة، أن الأخت الشقيقة ترث النصف، والأخت لأب واحدة أو أكثر مع الشقيقة يرثن السدس تكملة الثلثين. [203 - 11] الأخوة لأب ينزلون منزلة الأشقاء عند فقدهم • المراد بالمسألة: أن الإخوة لأب حكمهم حكم الإخوة الأشقاء، فالأخت الشقيقة تستحق النصف بأربعة شروط، الأول: عدم المعصب، والثاني: عدم المشارك، والثالث: عدم الفرع الوارث، والرابع: عدم الأصل الوارث من الذكور، وإذا كن اثنتين فأكثر فلهن الثلثان، فإذا اجتمع إخوة أشقاء من الذكور والإناث فللذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك الإخوة لأب ينزلون منزلة الأشقاء. مثاله: لو مات ميت عن: أخ لأب، وأخت لأب، وزوجة، فالمسألة من (أربعة أسهم) للزوجة الربع (سهم واحد) والباقي للأخوة لأب، للذكر مثل حظ الأنثيين (سهم) للأخت من الأب، و (سهمان) للأخ من الأب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الإخوة والأخوات من الأب يقومون مقام الإخوة والأخوات من الأب والأم، ذكورهم كذكورهم، وإناثهم كإناثهم؛ إذا لم يكن للميت إخوة ولا أخوات
للأب والأم] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [فصح أنه ليس للأخوات اللواتي للأب أو اللواتي للأب والأم وإن كثرن إلا الثلثان فقط، وإذًا وجب للشقيقة النصف بالإجماع المتيقن في ألا يشاركها فيه التي ليست شقيقة؛ فلم يبق إلا السدس فهو للتي للأب أو اللواتي للأب] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن الإخوة للأب والأم أو للأب فقط يرثون في الكلالة أيضًا، أما الأخت إذا انفردت؛ فإن لها النصف، وإن كانتا اثنتين؛ فلهما الثلثان كالحال في البنات، وأنهم إن كانوا ذكورًا وإناثًا؛ فللذكر مثل حظ الأنثيين كحال البنين مع البنات، وهذا لقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] إلا أنهم اختلفوا في معنى الكلالة هاهنا في أشياء، واتفقوا منها في أشياء؛ يأتي ذكرها إن شاء اللَّه تعالى] (¬3). ¬
ابن قدامة (620 هـ) قال: [فأما فرض الثلثين للأختين فصاعدًا والنصف للواحدة المفردة؛ فثابت بقول اللَّه تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] والمراد بهذه الآية ولد الأبوين، وولد الأب بإجماع أهل العلم] (¬1). القرطبي (671 هـ) قال: [فألحقت الابنتان بالأختين في الاشتراك في الثلثين، وألحقتا الأخوات إذا زدن على اثنتين بالبنات في الاشتراك في الثلثين، واعترض هذا بأن ذلك منصوص عليه في الأخوات والإجماع منعقد عليه؛ فهو مسلم بذلك] (¬2). ابن تيمية (728 هـ) قال: [وولد الأبوين والأب في آية في قوله: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] فجعل لها النصف وله جميع المال وهكذا حكم ولد الأبوين ثم قال: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176]، وهذا حكم ولد الأبوين لا الأم باتفاق المسلمين] (¬3). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): [(الأخت لأبوين) عند انفرادها عمن يساويها أو يعصبها أو يحجبها، أي والنصف لأخت الأبوين إجماعًا عند انفرادها عمن يساويها وهو أختها أو يعصبها وهو أخوها أو يحجبها وهو الفرع الوارث أو الأصل من الذكور الوارث] (¬4) وقال: [لقوله: {وَلَهُ أُخْتٌ ¬
فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176]، وقال: أي والنصف لأخت لأب إجماعًا عند عدم الشقيقة، وانفرادها عمن يساويها أو يعصبها أو يحجبها للآية، وهي في ولد الأبوين أو الأب بالإجماع إذا انفردن ولم يعصبهن] (¬1). وقال: [{فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} [النساء: 176] أي الأختان لأبوين أو لأب (اثنين) فأكثر (فلها الثلثان مما ترك) إن لم يكن له ولد بالنص ووالد بالنص عند التأمل، لأنه لو كان معها أب لم ترث شيئًا بالإجماع] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4). قال الماوردي: (فإن لم يكن أخوات لأب وأم قام الأخوات من الأب مقامهن، كما يقوم بنات الابن مقام بنات الصلب عند عدمهم) (¬5). قال السرخسي: (فأما ميراث بني الأعيان فنقول: إنهم يقومون مقام أولاد الصلب عند عدمهم في التوريث ذكورهم مقام ذكورهم وإناثهم مقام إناثهم) (¬6). قال النووي: (وإذا اجتمعت الأخت للأبويين والأخت للأب مع البنت وبنت الابن، فالباقي للأخت للأبوين، وسقطت الأخت لأب) (¬7). قال الموصلي: (والأخوات لأب وأم بأخيهن، والأخوات لأب بأخيهن، وعصبة مع غيره، وهم الأخوات لأبوين أو لأب يصرن عصبة مع البنات وبنات الابن) (¬8). قال القرافي: (وميراث الإخوة للأب إذا انفردوا كالأشقاء) (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: قوله سبحانه وتعالى: {قُلِ اللَّهُ ¬
[204 - 12] إذا اجتمع ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض فإن للعليا النصف، والتي تليها السدس وما بقي للعصبة
يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: أن فرض الأخت: النصف إن لم يكن معها فرع وارث، وهذه الآية في ولد الأبوين، أو لأب بالإجماع.Rصحة الإجماع في أن الإخوة لأب ينزلون منزلة الإخوة الأشقاء، بالشروط المذكورة في أصل المسألة. [204 - 12] إذا اجتمع ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض فإن للعليا النصف، والتي تليها السدس وما بقي للعصبة • المراد بالمسألة: أن بنات الابن يُنزلن منزلة البنات الصُلبيات إذا لم يكن معهن معصب، فإذا اجتمع بنات الابن القريبات والبعيدات، فإن القربى تحجب التي بعدها حجب نقصان، والوسطى تحجب البُعدى حجب حرمان. مثاله: لو مات ميت عن: بنت ابن، وبنت ابن ابن، وبنت ابن ابن ابن، وأخ شقيق، فإن المسألة من (ستة أسهم) لبنت الابن: النصف (ثلاثة أسهم)، ولبنت ابن الابن السدس (سهم واحد)، والباقي (سهمان) للأخ الشقيق، ولا شيء لبنت ابن ابن الابن. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أنه إن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض؛ فللعليا منهن النصف، والتي تليها السدس، وما بقي فللعصبة] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [فلو خلف الميت خمس بنات ابن بعضهن أنزل من بعض لا ذكر معهن وعصبة؛ كان للعليا النصف، وللثانية السدس، ¬
وسقط سائرهن، والباقي للعصبة، فإن كان مع العليا أخوها، أو ابن عمها، فالمال بينهما على ثلاثة، وسقط سائرهن، فإن كان مع الثانية عصبها، وكان للعليا المصف، والثانية السدس، والباقي بينه وبين الثانية على ثلاثة، فإن كان مع الثالثة، فللعليا النصف، والثانية السدس، والباقي بينه وبين الثالثة على ثلاثة، فإن كان مع الرابعة؛ فللعليا النصف؛ وللثانية السدس، والباقي بينه وبين الثالثة والرابعة على أربعة. فإن كان مع الخامسة، فالباقي بعد فرض الأولى والثانية، بينه وبين الثالثة والرابعة والخامسة على خمسة وتصح من ثلاثين وإن كان أنزل من الخامسة؛ فكذلك، ولا أعلم في هذا خلافًا بين القائلين بثبوت تعصيب بنات الابن مع بني الابن بعد استكمال الثلثين] (¬1). شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): [فلو خلف الميت خمس بنات ابن بعضهن أنزل من بعض لا ذكر معهن وعصبة كان للعليا النصف وللثانية السدس وسقط سائرهن والباقي للعصبة وإن كان مع العليا أخوها أو ابن عمها فالمال بينهما على ثلاثة وسقط سائرهن، وإن كان مع الثانية عصبة كان للعليا النصف والباقي بينه وبين الثانية على ثلاثة وإن كان مع الثالثة فللعليا النصف وللثانية السدس والباقي بينه وبين الثالثة وإن كان مع الربعة فللعليا النصف وللثانية السدس والباقي بينه وبين الثالثة والرابعة على أربعة، وإن كان مع الخامسة فالباقي بعد فرض الأولى والثانية بينه وبين الثالثة والرابعة والخامسة على خمسة وتصح من ثلاثين، وإن كان أنزل من الخامسة فكذلك قال شيخنا ولا أعلم في هذا خلافًا بين القائلين بتوريث بنات الابن مع بني الابن بعده استكمال الثلثين] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). ¬
قال الماوردي: (لو ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض، فتنزيلهن: أن العليا منهن هي بنت ابن، والوسطى هي بنت ابن ابن، والسفلى منهن هي: بنت ابن ابن ابن، فعلى هذا يكون للعليا النصف، وللوسطى السدس، وتسقط السفلى، فإن كان مع السفلى أخوها كان الباقي بعد النصف والسدس بين السفلى وأخيها للذكر مثل حظ الأنثيين) (¬1). قال ابن عبد البر: (فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض، مع السفلى منهن أخ، فللعليا النصف، وللتي تليها السدس، وما بقي لابن الابن وأخته للذكر مثل حظ الأنثيين) (¬2). قال الجويني: (فإن قيل ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض، فنقول: هن بنت ابن، وبنت ابن ابن، وبنت ابن ابن ابن، فالفتوى أن نقول: لبنت الابن النصف، ولبنت ابن الابن السدس تكملة الثلثين، ولا شيء لبنت ابن ابن الابن، إلا أن يكون معها في درجتها، أو أسفل منها غلام فيعصبها، هذا مذهب الجمهور) (¬3). قال النووي: (فلو خلّف بنت صلب، وبنت ابن، وابن ابن ابن، وبنت ابن ابن، فللبنت النصف، ولبنت الابن السدلس فرضًا، والباقي بين الأسفلين للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يعصب ابن الابن من كان أسفل منه، بل يختص بالباقي) (¬4). قال الموصلي: (ولو ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض وثلاث بنات ابن ابن بعضهن أسفل من بعض، وثلاث بنات ابن ابن ابن بعضهن أسفل من بعض، . . . فالعليا من الفريق الأول لا يوازيها أحد، والوسطى من الفريق الأول توازيها العليا من الفريق الثاني، والسفلى من الفريق الأول توازيها الوسطى من الفريق الثاني، والعليا من الفريق الثالث ¬
والسفلى من الفريق الثاني توازيها الوسطى من الفريق الثالث، والسفلى من الفريق الثالث لا يوازيها أحد، فللعليا من الفريق الأول النصف والسدس تكملة الثلثين للوسطى من الفريق الأول والعليا من الفريق الثاني لاستوائهما في الدرجة ولا شيء للباقيات) (¬1). قال القرافي: (فإن كان بنات ابن بعضهن أسفل من بعض فللعليا النصف وللوسطى السدس، وتسقط السفلى إلا أن يكون معها أو أسفل منها ذكر فيعصبها أو يعصب من معه في درجته معها، وإن كان مع الوسطى أخذ الباقي معها مقاسمة وسقطت السفلى) (¬2). قال البهوتي: (وبنت الابن مع بنات ابن الابن كالبنت مع بنات الابن فللعليا النصف وللاتي يلينها السدس تكملة الثلثين، وإذا استوفى العاليات الثلثين سقط من دونهن إن لم يعصبها ذكر بإزائها أو أنزل منها) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أن البنات إذا اجتمعن أخذن الثلثين، وأن البنت إذا انفردت أخذت النصف، وكذلك من في حكمها من بنات الابن، فالقربى وهي بنت الابن تأخذ النصف، والتي تليها في القرب وهي بنت ابن الابن لها السدس، والثالثة البعدى وهي: بنت ابن ابن الابن لا شيء لها، لكون الثانية حجبتها، وهذا إجماع. الثاني: القاعدة الفرضية أن نصيب الأقرب أكثر من نصيب الأبعد دائمًا، ¬
[205 - 13] البنات إذا استكملن الثلثين؛ سقط بنات الابن؛ إلا أن يكون معهن ذكر فى درجتهن أو أنزل منهن فيعصبهن
فبنت الإبن لما كانت أقرب من بنت ابن الابن، أخذت الثلث، وبنت ابن الإبن لما كانت أقرب من التي دونها أخذت السدس، وهكذا تطرد القاعدة.Rصحة الإجماع في أنه إذا اجتمع بنات الابن، ولسن في درجة واحدة، بل بعضهن أنزل من بعض، فإن للأولى النصف لأنها بمنزلة البنت، وللثانية السدس، وتحجب الثالثة، وهي بنت ابن ابن ابن. [205 - 13] البنات إذا استكملن الثلثين؛ سقط بنات الابن؛ إلا أن يكون معهن ذكر فى درجتهن أو أنزل منهن فيعصبهن • المراد بالمسألة: أن ابن الابن يعصب أخته سواءٌ كانت في درجته، أو أعلى منه، وذلك إذا استكملن البنات الصُلبيات الثلثين. مثاله: لو مات ميت عن: بنتين، وابنة ابن، وابن ابن، فالمسألة من (ثلاثة أسهم) للبنتين الثلثان (سهمان) والباقي لأولاد الابن (سهم واحد) للذكر مثل حظ الأنثيين. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن للبنتين مع ابنة الابن وبنات الابن، إذا كان معهما أو معهن ابن ابن، أو بنو ابن، أو ابن ابن ابن، أو بنو ابن ابن ابن: الثلثين] (¬1). الماوردي (450 هـ): [متى استكمل بنات الصلب الثلثين فلا شيء لبنات الابن إذا انفردن عن ذكر في درجتهن أو أسفل منهن وسقطن إجماعًا] (¬2). البغوي (516 هـ) قال: [واذا خلَّف بنين وبنات؛ فالمال بينهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وأولاد الابن بمنزلة أولاد الصلب عند عدم ¬
أولاد الصلب، وإذا اجتمع ولد الصلب مع ولد الابن، فإن كان ولد الصلب ذكرًا؛ فلا شيء لولد الابن، وإن كان ولد الصلب أنثى؛ فإن كانت واحدة؛ فلها النصف، ثم إن كان ولد الابن ذكرًا؛ فالباقي له، وإن كان أنثى واحدة أو أكثر؛ فلهن السدس تكملة الثلثين، وإن كانوا ذكورًا وإناثًا؛ فالباقي بينهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن} [النساء: 11]، وإن كان ولد الصلب أكثر من واحدة كلهن إناث فلهن الثلثان، ثم لا شيء لبنات الابن، إلا أن يكون معهن أو أسفل منهن ذكر فيعصبهن، فكان الباقي بينهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. . ثم قال: هذا قول عامة الصحابة والعلماء إلا ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- فإنه يقول: إذا مات عن بنت وبنات ابن وبني ابن؛ فللبنت النصف، ولبنات الابن أضر الأمرين من المقاسمة أو السدس] (¬1). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أنه إذا استكمل بنات الصلب الثلثين سقط بنات الابن، إلا أن يكون بإزائهن أو أنزل منهن ذكر، فيعصبهن فيما بقي: للذكر مثل حظ الأنثيين] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمعوا على أنه ليس لبنات الابن ميراث مع بنات الصلب إذا استكمل بنات المتوفى الثلثين] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [فإن كان مع بنات الابن ابن في درجتهن كأخيهن، أو ابن عمهن، أو أنزل منهن كابن أخيهن، أو ابن ابن عمهن، أو ابن ابن ابن عمهن عصبهن في الباقي؛ فجعل بينهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، وهذا قول عامة العلماء: يروى ذلك عن علي وزيد وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، وبه قال مالك والثوري والشافعي -رضي اللَّه عنهم-، وإسحاق وأصحاب الرأي، وبه قال سائر الفقهاء إلا ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- ومن تبعه؛ فإنه خالف ¬
الصحابة في يست مسائل من الفرائض هذه إحداهن؛ فجعل الباقي للذكر دون أخواته، وهو قول أبي ثور] (¬1). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [واستدل عليهم بالاتفاق على أن من ترك بنتًا وابن ابن وبنت ابن متساويين أن للبنت النصف، وما بقي بين ابن الابن وبنت الابن، ولم يخصوا ابن الابن بما بقي لكونه ذكرًا بل ورثوا معه شقيقته وهي أنثى] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، وابن تيمية (¬4). قال الجويني: (ولو كان في الصلب بنتان فصاعدًا فلهن الثلثان، ثم ينظر في أولاد الابن، فإن لم يكن فيهن ذكر، سقطن بعد استغراق الثلثين) (¬5). قال السرخسي: (وإن كانت ابنة الصلب بنتين فلهما الثلثان، ولا شيء لبنات الابن، لأن حظ البنات الثلثان وقد استحق البنتان جميع ذلك فلم يبق من حق البنات شيء لبنات الابن) (¬6). قال العمراني: (وإن كان هناك ابنتان وابنة ابن أو بنات ابن ولا ذكر معهن، كان للابنتين الثلثان، ولا شيء لابنة الابن ولا لبنات الابن) (¬7). قال النووي: (وإن كان ولد الصلب بنتين فصاعدًا فلهن الثلثان، ولا شيء لبنات الابن) (¬8). ¬
قال الموصلي: (وإذا استكملت البنات الثلثين سقط بنات الابن، لأن حق البنات في الثلثين بنص الكتاب، وبنات الابن يرثن بالبنتية عند عدم ولد الصلب، فإذا استكملت الصلبيات الثلثين لم يبق لجهة البنتية نصيب فسقط بنات الابن، إلا أن يكون في درجتهن أو أسفل منهن ذكر فيعصبهن فيكون الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين) (¬1). قال القرافي: (وولد الابن مع عدم الأبناء للصلب كميراث ولد الصلب، وللواحدة منهن مع بنت الصلب السدس تكملة الثلثين الواحدة والجماعة، ويسقطن مع الاثنتين فصاعدًا إلا أن يكون معهن ذكر في درجتهن أو أسفل منهن) (¬2). قال ابن تيمية: (والنزاع في الأخت للأب مع أخيها إذا استكمل البنات الثلثين، فالجمهور يجعلون البنات عصبة مع اخوانهن، يقتسمون الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين سواء زاد ميراثهن بالتعصيب أو نقص، وتوريثهن هنا أقوى وقول ابن مسعود معروف في نقصانهن) (¬3). قال البهوتي: (وإن استكمل البنات الثلثين بأن كن ثنتين فأكثر سقط بنات الابن) (¬4) قال عبد الرحمن بن قاسم: (فإن استكمل الثلثين بنات بأن كن ثنتين فأكثر، سقط بنات الابن إن لم يعصبن) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قوله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أن البنات الصُلبيات يحجبن بنات الابن كيف كنَّ؛ ¬
واحدة فأكثر، سواء قربت درجتهن أو بعُدت، اتحدت درجتهن أو اختلفت؛ إلا إذا وجد ذكر من ولد الابن؛ فإنه يعصبهن إذا كان في درجتهن أو أنزل منهن. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (¬1)، وعلقمة، وأبو ثور، وداود وابن حزم الظاهريان (¬2). حيث ذهبوا إلى أن ابن الابن لا يعصب أخته سواءٌ كانت في درجته أو أعلى منه إذا استكملن البنات الصلبيات الثلثين، وأنه لا شيء لبنات الابن. بل حكى ابن حزم الإجماع عليه حيث قال: (فإن ترك ابنتين وبنات ابن، وعمًّا وابن عم، أو أخًا وابن أخ؛ فللبنتين الثلثان، ويكون ما بقى للعم، أو لابن العم، أو للأخ، أو لابن الأخ، ولا شيء لبنات الابن، وهذا كله نص وإجماع متيقن) (¬3). • واحتج المخالفون بما يلي: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬4). • وجه الاستدلال: أنه أفاد أن ما بقي بعد استكمال أصحاب الفروض، أنه لأولى رجل ذكر، ولم يرد للأنثى ذكر. الثاني: أن الحجة فيه؛ كالحجة في الإخوة والأخوات للأب مع الأخت والأخوات الشقائق سواءً بسواءً حرفًا بحرف.Rعدم صحة الإجماع في أن ابن الابن يعصب أخته سواءٌ كانت ¬
[206 - 14] من كان من الذكور في درجة بنات الابن أو أنزل منهن فإنه يقاسمهن فيما بقي عن البنت من الميراث قل أو كثر
في درجته أو أعلى منه إذا استكملن البنات الصلبيات الثلثين، وذلك للخلاف المذكور. [206 - 14] من كان من الذكور في درجة بنات الابن أو أنزل منهن فإنه يقاسمهن فيما بقي عن البنت من الميراث قل أو كثر • المراد بالمسألة: أن البنت الصُلبية إن كانت واحدة؛ فلها النصف، فإن شاركها أولاد الابن في الميراث، فينظر: فإن كان ولد الابن ذكرًا؛ فالباقي له، وإن كان أنثى واحدة أو أكثر؛ فلهن السدس تكملة الثلثين، وإن كانوا ذكورًا وإناثًا؛ فالباقي بينهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] قلَّ الباقي من الميراث أم أكثر. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا إذا ترك ابنة وابن ابن وإن سفل فصاعدًا، أو ابنة ابن أو بنات ابن، أن: للابنة النصف، وأنه إن وقع لابنة الابن أو لبنات الابن في مقاسمتهن الذكر من ولد الولد السدس فأقل {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] واختلفوا أيزدن عليه شيئًا أم لا إلا أن يكون أعلى من ولد الولد؛ فلهن أو لها السدس حينئذ ثم الاختلاف كما ذكرنا فيمن دونهن من بنات البنين] (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد اللَّه ابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، وعليه جمهور العلماء من العراقيين والحجازيين والشاميين وأهل المغرب أن ابن الابن يعصب من بإزائه وأعلى منه من بنات الابن في الفاضل عن الابنة والابنتين، ويكون ذلك بينه وبينهن {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] (¬2). ¬
ابن قدامة (620 هـ) قال: [الحكم الثالث: إذا كان مع بنات الابن ذكر في درجتهن؛ فإنه يعصبهن فيما بقي {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] في قول جمهور الفقهاء من الصحابة، ومن بعدهم؛ إلا ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- فيمن تابعه، فإنه خالف الصحابة فيها، وهذه المسألة الثانية التي انفرد فيها عن الصحابة فقال: لبنات الابن الأضر بهن من المقاسمة، أو السدس. . .] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2) والشافعية (¬3). قال الماوردي: (متى استكمل بنات الصلب الثلثين فلا شيء لبنات الابن إذا انفردن عن ذكر في درجتهن أو أسفل منهن وسقطن إجماعًا، فإن كان معهن ذكر في درجتهن كبنت ابن وابن ابن من أب واحد، أو من أبوين، أو كان الذكر أسفل منهن بأن يكون مع بنت الابن ابن ابن فإنه يعصبهن، ويكون الباقي بعد الثلثين فرض البنات بين بنات الابن وابن الابن للذكر مثل حظ الأنثيين) (¬4). قال العمراني: (وإن ترك ابنة وبنات ابن وابن ابن، فللابنة النصف، والباقي لبنات الابن وابن الابن للذكر مثل حظ الأنثيين، وبه قال عامة الصحابة والفقهاء) (¬5). قال النووي: (وإن كان ولد الابن بنتًا فلها السدس، وإن كن بنات فالسدس بينهن، وإن كان ولد الصلب بنتين فصاعدًا فلهن الثلثان ولا شيء لبنات الابن، فإن كان معهن أو أسفل منهن ذكر، عصبهن في الباقي للذكر ¬
مثل حظ الأنثيين، وسواء كان الذي في درجتهن أخاهن أو أخا بعضهن أو ابن عمهن، وإنما يعصبهن إذا لم يكن لهن فرض) (¬1). قال الموصلي: (وإذا استكملت البنات الثلثين سقط بنات الابن، لأن حق البنات في الثلثين بنص الكتاب، وبنات الابن يرثن بالبنتية عند عدم ولد الصلب، فإذا استكملت الصلبيات الثلثين لم يبق لجهة البنتية نصيب فسقط بنات الابن، إلا أن يكون في درجتهن أو أسفل منهن ذكر فيعصبهن، فيكون الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين) (¬2). قال القرافي: (وولد الابن مع عدم الأبناء للصلب كميراث ولد الصلب، وللواحدة منهن مع بنت الصلب السدس تكملة الثلثين الواحدة والجماعة، ويسقطن مع الاثنتين فصاعدًا إلا أن يكون معهن ذكر في درجتهن أو أسفل منهن، فإن كان بنات ابن بعضهن أسفل من بعض فللعليا النصف وللوسطى السدس وتسقط السفلى إلا أن يكون معها أو أسفل منها ذكر فيعصبها أو يعصب من معه في درجته معها، وإن كان مع الوسطى أخذ الباقي معها مقاسمة وسقطت السفلى) (¬3). قال البهوتي: (واختصت بنتا الصلب بالنصف لأنها أقرب فبقي للبقية تمام الثلثين إلا أن يكون مع بنات الابن الواحدة فأكثر ابن ابن فأكثر في درجتهن كأخيهن أو ابن عمهن فيعصبهن فيما بقي بعد فرض البنت للذكر مثل حظ الأنثيين. . . ولا يعصبهن من هو أنزل منهن متى كان لهن شيء من الثلثين لعدم احتياجهن إليه) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد في قوله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]. ¬
• وجه الاستدلال: أن أولاد الابن، في حكم الأولاد الصلبيين، فإذا اجتمعوا مع البنت الصلبية فلهم الباقي بعد فرض البنت، للذكر مثل حظ الأنثيين. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وأفتى بقوله: الشعبي (¬1) وأبو ثور (¬2). فقد ورد عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه كان يقول: (في بنت، وبنات ابن، وبني ابن: للبنت النصف، والباقي بين ولد الابن {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إلا أن تزيد مقاسمة بنات الابن على السدس؛ فيفرض لهن السدس، ويجعل الباقي لبني الابن) وفي لفظ قال: (للابنة النصف، وما بقي لبني الابن، وبنات الابن للذكر مثل حظ الأنثيين ما لم يزدن بنات الابن على السدس) (¬3). ويمكن أن يُستدل لابن مسعود -رضي اللَّه عنه- ومن معه بحديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬4). • وجه الاستدلال: أن ابن الابن يكون أولى ذكر يستحق الباقي، بعد فرض البنت. • الرد عليهم: دليلنا قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. فكان على عمومه، ولأن الذكر من الولد إذا كان في درجته أنثى عصبها ولم يسقطها كأولاد الصلب، ولأن كل أنثى تشارك ¬
[207 - 15] الأب يرث بالفرض أو بالتعصيب أو بالفرض والتعصيب
أخاها إذا لم يزاحمها ذو فرض تشاركه مع مزاحمة ذي الفرض كمزاحمة الزوج، فأما استدلاله بأن فرض البنات الثلثان فهو كذلك، ونحن لم نعط بنت الابن فرضًا وإنما أعطيناها بالتعصيب (¬1).Rأن حكاية الإجماع في هذه المسألة على قسمين، إجماع صحيح، وإجماع غير صحيح. أما الإجماع الصحيح المنعقد، فهو مقاسمة بنات الابن لإخوانهن من بني الابن فيما بقي بعد ميراث البنت {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. وأما الإجماع غير الصحيح، والذي خالف فيه ابن مسعود فهو إذا زاد نصيب البنات على السدس فإن المال للذكور من أولاد الابن فقط دون البنات. [207 - 15] الأب يرث بالفرض أو بالتعصيب أو بالفرض والتعصيب • المراد بالمسألة: أن الأب يرث في ثلاث حالات: تارة يرث بالفرض، وتارة بالتعصيب المجرد، وتارة بالفرض والتعصيب. مثاله: لو مات ميت عن، ابن، وأب، فالمسألة من (ستة أسهم) فللأب السدس (سهم واحد) فرضًا، والباقي للإبن (خمسة أسهم). ولو مات ميت عن أم، وأب، فالمسألة من (ثلاثة أسهم) فللأم الثلث (سهم واحد) والباقي للأب (سهمان) تعصيبًا، ولو مات ميت عن أبي، وبنت، فالمسألة من (ستة أسهم) فللبنت النصف (ثلاثة أسهم) وللأب السدس (سهم واحد) فرضًا، ويرد له الباقى (سهمان) تعصيبًا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن من ترك ابنًا وأبًا أن للأب السدس، وما بقي فللابن، وكذلك جعلوا حكم الجد مع الابن كحكم الأب] (¬2). ¬
ابن عبد البر (463 هـ) قال: [الأب عاصب وذو فرض إذا انفرد أخذ المال كله، وإن شركه ذو فرض كالابنة والزوج والزوجة أخذ ما فضل عن ذوي الفروض، فإن كان معه من ذوي الفروض من يجب لهن أكثر من خمسة أسداس المال؛ فرض له السدس، وصار ذا فرض وسهم معهم، ودخل العول على جميعهم إن ضاق المال عن سهامهم، فإن لم يترك المتوفى غير أبويه؛ فلأمه الثلث، وباقي ماله لأبيه؛ لأن اللَّه عز وجل لما جعل ورثة المتوفى أبويه، وأخبر أن للأم من ماله الثلث، عُلم أن للأب ما بقي بدليل قوله سبحانه وتعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]. وهذا كله إجماع من العلماء، واتفاق من أصحاب الفرائض والفقهاء] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن الأب إذا انفرد كان له جميع المال، وأنه إذا انفرد الأبوان؛ كان للأم الثلث، وللأب الباقي؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]. ابن قدامة (620 هـ) في كلامه على ميراث الأب: له ثلاثة أحوال: [حال: يرث فيها بالفرض، وهي مع الابن أو ابن الابن وإن سفل، فليس له إلا السدس، والباقي للابن ومن معه، لا نعلم في هذا خلافًا. . الحال الثانية: يرث فيها بالتعصيب المجرد، وهي مع غير الولد؛ فيأخذ المال إن انفرد، وإن كان معه ذو فرض غير الولد، كزوج، أو أم، أو جدة، فلذي الفرض فرضه، وباقي المال له. . الحال الثالثة: يجتمع له الأمران: الفرض والتعصيب، وهي مع إناث الولد، أو ولد الابن، فله السدس؛ لقوله سبحانه وتعالى: {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] ولهذا كان للأب السدس مع البنت بالإجماع، ثم يأخذ ما بقي بالتعصيب. . فليس فيه بحمد اللَّه اختلاف نعلمه] (¬2). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1). قال الجويني: (الأب يستغرق التركة إذا انفرد، ويأخذ بالتعصيب المحض إذا لم يكن في الفريضة ولد أو ولد ابن، فإن كان فيها ولد أو ولد ابن، وإن سفل، فإن كان ذكرًا، فللأب السدس لا غير، وإن كان أنثى فلها فرضها، وللأب السدس بالفرض، والباقي بالتعصيب، . . . والأب يجمع له بين الفرض والتعصيب بسبب واحد، وهو الأبوة) (¬2). قال العمراني: (وأما الأب فله ثلاث حالات: حالة يرث فيها بالفرض لا غير، وحالة يرث فيها بالتعصيب لا غير، وحالة يرث فيها بالفرض والتعصيب، فأما الحالة التي يرث فيها بالفرض لا غير فهي: إذا كان الأب مع الابن أو ابن الابن. . فإن فرض الأب السدس. . .، وأما الحالة التي يرث فيها بالتعصيب لا غير فتنقسم إلى قسمين: أحدهما: ينفرد بجميع المال: وهو: إذا لم يكن معه من له فرض، بأن كان وحده. والثاني: يأخذ بعض المال بالتعصيب وهو: إذا كان معه من له فرض غير الابنة مثل: أن كان معه أم، أو أم أم، أو زوج، أو زوجة، فإنه يأخذ ما بقي عن فرض هؤلاء بالتعصيب. . . وأما الحالة الثالثة التي يرث فيها بالفرض والتعصيب فهي: إذا كان هناك أب وابنة، أو ابنة ابن. . . فإن للأب السدس بالفرض، وللابنة أو لابنة الابن النصف، والباقي للأب بالتعصيب) (¬3). قال النووي: (وللأب ثلاثة أحوال، حال يرث بمحض الفرض، وهو إذا كان معه ابن، أو ابن ابن، فله السدس، والباقي للابن، أو ابن الابن، ¬
وحال يرث بمحض العصوبة، وهو إذا لم يكن ولد ولا ولد ابن، وحال يرث بهما، وهو إذا كان معه بنت، أو بنت ابن، أو بنات، فله السدس فرضًا، ولهن فرضهن والباقي له بالتعصيب) (¬1). قال الموصلي: (الأب وله ثلاثة أحوال: الفرض المحض وهو السدس مع الابن وابن الابن وإن سفل، قال تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} والتعصيب المحض وذلك عند عدم الولد وولد الابن قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} فعلمنا أن الباقي للأب وهو آية العصوبة والتعصيب والفرض، وذلك مع البنت وبنت الابن فله السدس بالفرض، والنصف للبنت، أو الثلثان للبنتين فصاعدًا والباقي له بالتعصيب لقوله عليه الصلاة والسلام: "فما أبقت فلأولى عصبة ذكر") (¬2). قال القرافي: (والأب إذا انفرد حاز المال بالتعصيب، وإن كان معه ذو فرض سواء إناث ولد الصلب وولد الابن أخذ ذو الفرض فرضه وأخذ هو الباقي بالتعصيب، ويفرض له مع ولد الصلب أو ولد الابن ذكورهم وإناثهم السدس، فان فضل عن إناثهم فضل أخذه بالتعصيب) (¬3). قال الخطيب الشربيني: (الأب يرث بفرض إذا كان معه ابن أو ابن ابن، وبتعصيب إذا لم يكن ولد ولا ولد ابن، وبهما إذا كان بنت أو بنت ابن له السدس فرضًا والباقي بعد فرضهما بالعصوبة) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال اللَّه سبحانه وتعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]. ¬
[208 - 16] للأب السدس من ميراث ابنه إن كان له ولد، أو ابن ابن
• وجه الاستدلال: أن الأب يرث السدس بالفرض إن كان للمورث ولد، فإن لم يكن له ولد، وخلف والدين، فللأم الثلث لأنها خصها بالذكر، والباقي يكون للأب تعصيبًا. الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬1). • وجه الاستدلال: أن الأب يرث بالفرض ويرث بالتعصيب، فإذا لم يوجد مع الأب أحد رد إليه الباقي إليه تعصيبًا؛ لأنه أولى رجل ذكر.Rصحة الإجماع في أن الأب يرث في ثلاث حالات: تارة يرث بالفرض، وتارة بالتعصيب المجرد، وتارة بالفرض والتعصيب. [208 - 16] للأب السدس من ميراث ابنه إن كان له ولد، أو ابن ابن • المراد بالمسألة: أن الأب يرث السدس في شرط وجودي، وهو: إذا شاركه في الميراث، ابن للميت، أو ابن ابن، فإن نصيبه يكون السدس فرضًا. مثاله: لو مات ميت عن: أب، وابن، فالمسألة من (ستة أسهم) للأب السدس (سهم واحد) وللابن الباقي (خمسة أسهم). • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمعوا على أن فرض الأبوين من ميراث ابنهما إذا كان للابن ولد، أو ولد ابن، السدسان، أعني أن لكل واحد منهما السدس؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] والجمهور على أن الولد هو الذكر دون الأنثى، وخالفهم في ذلك من شذ] (¬2). ¬
ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأما السدس فهو فرض سبعة: فرض كل واحد من الأب والجد، إذا كان للميت ولد أو ولد ابن. . بالإجماع] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [(وليس للأب مع الولد الذكر، أو ولد الابن إلا السدس. .) يعني واللَّه أعلم، كان له ما فضل بعد أن يفرض له السدس فيكون له ثلاثة أحوال: حال يرث فيها بالفرض، وهي مع الابن أو ابن الابن وإن سفل، فليس له إلا السدس، والباقي للابن ومن معه، لا نعلم في هذا خلافًا] (¬2) الزيلعي (743 هـ) قال: [فللأب السدس مع الولد أو ولد الابن لقوله سبحانه وتعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 11] إن كان له ولد جعل له السدس مع الولد وولد الابن ولد شرعًا بالإجماع، قال سبحانه وتعالى: {يَابَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وكذلك عرفًا قال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأجانب وليس لدخول ولد الابن في الولد من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز بل هو من باب عموم المجاز، أو عرف كونُ حكم ولد الابن كحكم الولد بدليل آخر، وهو الإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الشافعية (¬4). قال الجويني: (الأب يستغرق التركة إذا انفرد، ويأخذ بالتعصيب المحض إذا لم يكن في الفريضة ولد أو ولد ابن، فإذا كان فيها ولد أو ولد ابن وإن سفل، فإن كان ذكرًا فللأب السدس لا غير) (¬5). ¬
[209 - 17] أن الأم نصييها الثلث إذا شاركها أولاد الإخوة دون آبائهم
قال العمراني: (وأما الأب فله ثلاث حالات: حالة يرث فيها بالفرض لا غير، . . . فأما الحالة التي يرث فيها بالفرض لا غير فهي: إذا كان الأب مع الابن أو ابن الابن. . فإن فرض الأب السدس. . .) (¬1). قال النووي: (وللأب ثلاثة أحوال، حال يرث بمحض الفرض، وهو إذا كان معه ابن، أو ابن ابن، فله السدس، والباقي للابن أو ابن الابن) (¬2). قال الموصلي: (الأب وله ثلاثة أحوال: الفرض المحض وهو السدس مع الابن وابن الابن وإن سفل. . .) (¬3). قال القرافي: (والأب إذا انفرد حاز المال بالتعصيب. . .، ويفرض له مع ولد الصلب أو ولد الابن ذكورهم وإنائهم السدس. . .) (¬4). قال الخطيب الشربيني: (الأب يرث بفرض فقط السدس إذا كان معه ابن أو ابن ابن) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أنها نص ظاهر صريح في أن للأب السدس إن كان معه فرع وارث.Rصحة الإجماع أن الأب إذا شاركه في الميراث، ابنٌ للمورث، أو ابن ابن، فإن نصيبه السدس فرضًا. [209 - 17] أن الأم نصييها الثلث إذا شاركها أولاد الإخوة دون آبائهم المراد بالمسألة: أن الأم تستحق الثلث فرضًا بشروط ثلاثة: ¬
الأول: عدم الفرع الوارث. والثاني: عدم الجمع من الأخوة اثنان فأكثر، أشقاء أو لأب، ذكورًا أم إناثًا، وارثين أم محجوبين. والثالث: أن لا تكون المسألة التي فيها الأم إحدى الغراويتين، لأنها تأخذ فيهما ثلث الباقي، لا ثلث جميع المال. فإذا شارك الأم أولاد الإخوة، فإنهم لا يحجبونها إلى السدس، بل تأخذ فرضها وهو الثلث، بخلاف بني الابن، فإنهم يحجبونها عن الثلث إلى السدس. مثاله: لو مات ميت عن: أم، وابن أخ شقيق، فإن المسألة من (ثلاثة أسهم) فللأم الثلث (سهم واحد) والباقي (سهمان) لابن الأخ الشقيق. • من نقل الإجماع: الماوردي (450 هـ) قال: [لا اختلاف فيه بين الفقهاء أن بني الإخوة لا يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس بخلاف آبائهم، وإن حجبها ولد الولد كآبائهم] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [للأم ثلاثة أحوال: حال ترث فيها الثلث بشرطين، أحدهما عدم الولد وولد الابن من الذكور والإناث، والثاني: عدم الابنين فصاعدًا من الإخوة والأخوات من أي الجهات كانوا ذكورًا وإناثًا، أو ذكورًا أو إناثًا فلها في هذه الحال الثلث بلا خلاف نعلمه بين أهل العلم] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال العمراني: (الحالة الرابعة أن يكون مع الأم أخ أو أخت فلها ¬
الثلث) (¬1). قال النووي: (وأما الأم فلها ثلاثة أحوال: حال ترث ثلث المال إذا لم يكن الميت ولد ولا ولد ابن، ولا اثنان من الإخوة والأخوات. . .) (¬2). قال الموصلي: (الأم ولها ثلاثة أحوال: السدس مع الولد وولد الابن واثنين من الأخوة والأخوات من أي جهة كانوا، والثلث عند عدم هؤلاء، قال تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} وقال ابن عباس: إنما يحجبها من الثلث إلى السدس ثلاثة من الإخوة فصاعدًا نظرًا إلى لفظ الجمع) (¬3). قال القرافي (684 هـ): (وفرض الأم الثلث، ومع الولد وولد الابن أو اثنين من الأخوة أو الأخوات السدس) (¬4). قال الخطيب الشربيني: (والثلث فرض أم ليس لميتها ولد ولا ولد ابن ولا اثنان من الإخوة والأخوات) (¬5). قال البهوتي: (وللأم مع عدمهم أي عدم الولد وولد الابن والعدد من الإخوة والأخوات ثلث) (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن بني الإخوة مرتبتهم نازلة عن آبائهم، وعن أبناء الابن، والفرق بين بني الإخوة وبين بني الابن في الحجب من ثلاثة أوجه: أحدها: أن بني الإخوة لا ينطلق عليهم اسم الإخوة، وأما بني الابن فينطلق عليهم اسم الابن. ¬
[210 - 18] إذا انفرد الأبوان بالميراث فللأم الثلث
والثاني: أن بني الإخوة لما ضعفوا عن تعصيب أخواتهم، بخلاف آبائهم ضعفوا عن حجب الأم بخلاف آبائهم، وبنو الابن لما قووا على تعصيب أخواتهم كاَبائهم قووا على حجب الأم كآبائهم. والثالث: أن الولد أقوى في الحجب من الإخوة لأنهم يحجبون مع الأم الزوج والزوجة، بخلاف الإخوة، فكان ولد الولد أقوى في الحجب من أولاد الإخوة (¬1).Rصحة الإجماع في أن الأم لا تحجب عن الثلث بوجود أولاد الأخوة. [210 - 18] إذا انفرد الأبوان بالميراث فللأم الثلث • المراد بالمسألة: في أن الأبوين (الأب والأم) إذا انفردا في الميراث، ولم يكن معهما فرع وارث؛ فإن للأم الثلث من أصل التركة، وهو أعلى فرض لها. مثاله: لو مات ميت عن: أب، وأم، فإن المسألة من (ثلاثة أسهم) فلأم الثلث (سهم واحد) والباقي (سهمان) للأب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الأبوين إذا ورثاه أن للأب الثلثين، وللأم الثلث] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا في الأبوين إذا لم يكن هنالك وارث غيرهما أن للأب الثلثين، وللأم الثلث] (¬3). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن الأب إذا انفرد؛ كان له جميع المال، وأنه إذا انفرد الأبوان؛ كان للأم الثلث، وللأب الباقي] (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). قال الماوردي: (من فروض الأم أن تكون الفريضة زوجًا وأبوين، فيكون للأم الثلث ما بقي بعد فرض الزوج أو الزوجة والباقي للأب) (¬4). قال الجويني: (ومعتمد المذهب أن أصل الفرائض أنه إذا اجتمع ذكر وأنثى في درجة واحدة فالذكر يفضل الأنثى، وإدلاء الأبوين جميعًا بالميت من جهة الأبوة، وقد ثبت أنهما إذا اجتمعا فللأم الثلث والباقي للأب) (¬5). قال ابن الخرقي: (وإذا كان زوج وأبوان، أعطي الزوج النصف والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب، وإذا كان زوجة وأبوان، أعطيت الزوجة الربع، والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب) (¬6). قال القرافي: (وفرض الأم الثلث. . . ولها مع الأب وزوج أو زوجة ثلث ما بقي) (¬7). قال ابن عابدين: (لأن المراد من قوله تعالى {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} ثلث ما ورثه الأبوان سواء كان جميع المال أو بعضه للأدلة المذكورة في المطولات، فالثلث هنا وإن صار في الحقيقة ربع جميع المال أو سدسه إلا أن الأدب التعبير به تبركًا بلفظ القرآن وتباعدًا عن إيهام المخالفة) (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]. ¬
[211 - 19] يرث الزوج من زوجته النصف والربع
• وجه الاستدلال: أنها نص ظاهر صريح في أن الأبوين إذا انفردا في الميراث؛ فللأم الثلث، والباقي (الثلثين) للأب تعصيبًا.Rصحة الإجماع في أن الأبوين إذا انفردا في الميراث؛ فإن للأم الثلث، والباقي (الثلثين) للأب تعصيبًا. [211 - 19] يرث الزوج من زوجته النصف والربع • المراد بالمسألة: أن الزوج يرث من زوجته النصف بشرط واحد، وهو: عدم الفرع الوارث، والربع مع وجوده. مثاله: لو ماتت امرأة عن زوج وأخ شقيق، فالمسألة من (اثنين) للزوج النصف (سهم واحد) لعدم ولد الميتة، والباقي (سهم واحد) للأخ الشقيق عصبة. ولو ماتت امرأة عن زوج، وابن، فالمسألة من (أربعة أسهم) للزوج الربع (سهم واحد) والباقي (ثلاثة أسهم) للإبن. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن الزوج يرث من زوجته إذا لم تترك ولدًا أو ولد ابن ذكرًا كان أو أنثى النصف، وأجمعوا أن له الربع إذا تركت ولدًا أو ولد ولد ولا ينقص منه شيء] (¬1). وقال: [وأجمعوا أن المرأة ترث من زوجها الربع إذا هو لم يترك ولدًا ولا ولد ابن وأجمعوا أنها ترث الثمن إذا كان له ولد أو ولد ابن] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الزوج يرث من زوجته التي لم تبِن منه بطلاق ولا غيره، ولا ظاهر منها، فماتت قبل أن تكفر؛ النصف إن لم يكن لها ولد خرج بنفسه من بطنها من ذلك الزوج أو من غيره ذكرًا أو أنثى، فإن الزوج يرث الربع ما لم تعُلِ الفريضة في كلا الوجهين، واختلفوا إذا عالت أيحط شيء أم لا، واتفقوا أنه إذا كان لها ولد ولد ذكر أو أنثى أن ¬
للزوج الربع] (¬1). وقال: [واتفقوا أن الزوجة ترث الربع حيث ذكرنا أن الزوج يرث منها النصف، وأن الزوجة ترث الثمن حيث ذكرنا أن الزوج يرث منها الربع إلا أن الذي يحجبها عن الربع إلى الثمن ولد الزوج منها أو من غيرها، ولا ولدها من غيره] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [قال مالك: وميراث الرجل من امرأته إذا لم تترك ولدًا ولا ولد ابن منه أو من غيره النصف، فإن تركت ولدًا أو ولد ابن ذكرًا كان أو أنثى؛ فلزوجها الربع من بعد وصية توصى بها أو دين، وميراث المرأة من زوجها إذا لم يترك ولدًا ولا ولد ابن الربع، فإن ترك ولدًا أو ولد ابن ذكرًا كان أو أنثى؛ فلامرأته الثمن من بعد وصية يوصى بها أو دين، وذلك أن اللَّه سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] قال أبو عمر: هذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم فيه، وهو من الحكم الذي ثبتت حجته، ووجب العمل به والتسليم له] (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [فأما النصف فأجمعوا أيضًا على أنه فرض خمسة، وهم: . . والزوج إذا لم يكن للميتة ولد ولا ولد ابن] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن ميراث الرجل من امرأته إذا لم تترك ولدًا ولا ولد ابن النصف ذكرًا كان الولد أو أنثى، إلا ما ¬
ذكرنا عن مجاهد، وأنها إن تركت ولدًا؛ فله الربع، وأن ميراث المرأة من زوجها إذا لم يترك الزوج ولدًا ولا ولد ابن الربع؛ فإن ترك ولدًا أو ولد ابن؛ فالثمن، وأنه ليس يحجبهن أحد عن الميراث ولا ينقصهن إلا الولد، وهذا لورود النص في قوله سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وفرض الزوج النصف مع عدم ولد الميتة وولد ابنها، والربع مع الولد أو ولد الابن، وفرض الزوجة والزوجات الربع مع عدم ولد الزوج وولد ابنه، والثمن مع الولد أو ولد الابن الواحد والأربع سواء بإجماع أهل العلم] (¬2). القرطبي (671 هـ) قال. [وأجمع العلماء على أن للزوج النصف مع عدم الولد أو ولد الولد وله مع وجوده الربع، وترث المرأة من زوجها الربع مع وقد الولد والثمن مع وجوده] (¬3). وقال: [قوله سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] الآيتين الخطاب للرجال، والولد هنا هم بنو الصلب وبنو بنيهم وإن سفلوا ذكرانًا وإناثًا واحدًا فما زاد بإجماع] (¬4). النووي (676 هـ) قال: [أما قدر المستحق؛ فللزوج نصف المال إذا لم يكن للميتة ولد ولا ولد ابن، وربعه إن كان لها ولد أو ولد ابن منه أو من غيره، وللزوجة الربع إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن، والثمن إن كان له ولد أو ولد ابن منها أو من غيرها، والزوجات يشتركن في الربع والثمن بالإجماع] (¬5). الزيلعي (743 هـ) قال: [وللزوج النصف، ومع الولد أو ولد الإبن وإن سفل الربع؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ ¬
وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] فيستحق كل زوج إما النصف، وإما الربع مما تركت امرأته؛ لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي مقابلة الفرد بالفرد كقولهم: ركب القوم دوابهم، ولبسوا ثيابهم ولفظ الولد يتناول ولد الابن؛ فيكون مثله بالنص أو بالإجماع على ما بيناه من قبل؛ فيكون له الربع معه؛ فصار للزوج حالتان: النصف والربع] (¬1). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [واتفقوا على أن ابن الابن بمنزلة الابن في حجب الزوج عن النصف، والمرأة عن الربع، والأم عن الثلث كالابن سواء] (¬2). البهوتي (1051 هـ) قال: [فللزوج الربع إن كان لها ولد ذكرًا أو أنثى منه أو من غيره لم يقم به مانع، أو ولد ابن وإن سفل أبوه بمحض الذكور، وله النصف مع عدمهما أي عدم الولد وولد الابن، ولزوجة فأكثر الثمن إن كان له ولد ذكرًا أو أنثى واحد أو متعدد منها أو من غيرها أو ولد ابن وإن سفل، والربع مع عدمهما إجماعًا] (¬3). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [فللزوج النصف مع عدم الولد وولد الابن إجماعًا، ومع وجود ولد وارث أو ولد ابن وارث وإن نزل ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو متعددًا الربع إجماعًا سواء كان الولد منه أو من غيره. . وللزوجة فأكثر نصف حاليه فيهما فلها الربع مع عدم الفرع الوارث وهو أولاد الميت أو أولاد بنيه إجماعًا، وثمن معه أي ولها الثمن مع وجود أولاد الميت أو أولاد بنيه إجماعًا] (¬4). • الموافقون على الإجماع: قال الماوردي: (فأما النصف ففرض خمسة: فرض الزوج إذا لم يحجب. . . وأما الربع ففرض اثنين: فرض الزوج مع ¬
الحجب، وفرض الزوجة أو الزوجات مع عدم الحجبة، وأما الثمن فهو فرض واحد: وهو فرض الزوجات مع الحجب) (¬1). قال السرخسي: (فأما الزوج فهو صاحب فرض وله حالان: النصف عند عدم الولد وولد الابن ذكرًا كان أو أنثى، والربع عند وجوده. . . وأما الزوجة فهي صاحبة فرض ولها حالان: الربع عند عدم الولد وولد لابن ذكرًا كان أو أنثى، والثمن عند وجوده) (¬2). قال العمراني: (فأما الزوج فله فرضان: النصف مع عدم الولد أو ولد الابن، والربع مع وجود الولد أو ولد الابن وإن سفل ذكرًا كان الولد أو أنثى. . . وأما الزوجة: فلها الربع من زوجها إذا لم يكن له ولد ولا ولد ابن وإن سفل، ولها منه الثمن إذا كان له ولد أو ولد ابن سفل ذكرًا كان الولد أو أنثى. . . وللزوجتين والثلاث والأربع ما للزوجة الواحدة) (¬3). قال القرافي: (فالنصف فرض خمسة: . . . والزوج مع عدم الحاجب. . . والربع فرض صنفين: الزوج مع وجود الحاجب، والزوجة والزوجات مع عدم الحاجب، والثمن فرض صنف واحد وهو الزوجة مع وجود الحاجب) (¬4). قال الخطيب الشربيني: (النصف فرض خمسة: زوج لم تخلّف زوجته ولدًا ولا ولد ابن. . . والربع فرض زوج لزوجته ولد أو ولد ابن، وزوجة ليس لزوجها واحد منهما، والثمن فرضها مع أحدهما) (¬5). قال الدردير: (فالنصف لخمسة: الزوج يرثه من زوجته عند عدم عدم الفرع الوارث ذكرًا أو أنثى أو ولد الولد كذلك وإن سفل -كان الولد منه أو من غيره. . . والربع للزوج لفرع من الزوجة يرث: كبنت أو ابن منه أو من غيره ¬
ولو من زنا للحوقه بالأم، والربع للزوجة الواحدة أو الزوجات لفقده: أي الفرع الوارث للزوج من ولد أو ولد ابن ذكرًا أو أنثى منها أو من غيرها، وخرج بالوارث: ولد الزنا ومن نفاه بلعان فكالعدم لا يحجبها للثمن، والثمن لهن: أي للزوجة أو الزوجات لوجوده: أي الفرع اللاحق) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال اللَّه سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]. • وجه الاستدلال: أنها نص ظاهر وصريح في أن ميراث الزوج النصف مع عدم وجود ولد لزوجته الميتة، والربع مع وجود ولد للميتة، وأن الزوجة لها الربع مع عدم وجود ولد لزوجها الميت، والثمن مع وجود ولد لزوجها الميت. الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: (كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ اللَّه من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع) (¬2).Rصحة الإجماع في أن الزوج يرث من زوجته النصف إذا لم يكن تركت فرعًا وارثًا، والربع مع وجوده، وترث الزوجة الربع مع عدم ولد الزوج، والثمن مع وجوده. وأما إذا كان الفرع الوارث ولد ابنه، فإن فيه خلافًا ورد عن مجاهد، ¬
[212 - 20] ترث الزوجة من زوجها الربع والثمن
فقد قال: (ولد الابن لا يحجبون الزوج من النصف إلى الربع كما يحجب الولد نفسه، ولا الزوجة من الربع إلى الثمن ولا الأم من الثلث إلى السدس) (¬1). [212 - 20] ترث الزوجة من زوجها الربع والثمن • المراد بالمسألة: أن الزوجة ترث من زوجها الربع بشرط واحد، وهو: عدم الفرع الوارث، والثمن مع وجوده. مثاله: لو مات رجل عن زوجة، وأخ شقيق، فالمسألة من (أربعة أسهم) للزوجة الربع (سهم واحد) وذلك لعدم ولد الميت، والباقي (ثلاثة أسهم) للأخ الشقيق عصبة، ولو مات زوج عن زوجة، وابن، فالمسألة من (ثمانية أسهم) للزوجة الثمن (سهم واحد) والباقي (سبعة أسهم) للابن. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن المرأة ترث من زوجها الربع إذا هو لم يترك ولدًا ولا ولد ابن وأجمعوا أنها ترث الثمن إذا كان له ولد أو ولد ابن] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الزوجة ترث الربع حيث ذكرنا أن الزوج يرث منها النصف، وأن الزوجة ترث الثمن حيث ذكرنا أن الزوج يرث منها الربع إلا أن الذي يحجبها عن الربع إلى الثمن ولد الزوج منها أو من غيرها، ولا ولدها من غيره] (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [قال مالك: . . وميراث المرأة من زوجها إذا لم يترك ولدًا ولا ولد ابن الربع، فإن ترك ولدًا أو ولد ابن ذكرًا كان أو أنثى؛ فلامرأته الثمن من بعد وصية يوصى بها أو دين. . قال أبو عمر: هذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم فيه، وهو من الحكم الذي ¬
ثبتت حجته، ووجب العمل به والتسليم له] (¬1). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأما الربع فأجمعوا على أنه فرض اثنين، فرض الزوج إذا كان للزوجة ولد أو ولد ابن، وفرض الزوجة، أو الزوجتين والثلاث والأربع، إذا لم يكن للزوج ولد ولا ولد ابن، وأما الثمن فأجمعوا على أنه فرض الزوجة أو الزوجتين أو الثلاث أو الأربع إذا كان للزوج ولد أو ولد ابن] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن ميراث الرجل من امرأته إذا لم تترك ولدًا ولا ولد ابن النصف ذكرًا كان الولد أو أنثى، إلا ما ذكرنا عن مجاهد، وأنها إن تركت ولدًا؛ فله الربع، وأن ميراث المرأة من زوجها إذا لم يترك الزوج ولدًا ولا ولد ابن الربع؛ فإن ترك ولدًا أو ولد ابن؛ فالثمن، وأنه ليس يحجبهن أحد عن الميراث ولا ينقصهن إلا الولد] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وفرض الزوجة والزوجات الربع مع عدم ولد الزوج وولد ابنه، والثمن مع الولد أو ولد الابن الواحد والأربع سواء بإجماع أهل العلم] (¬4). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن للزوج النصف مع عدم الولد أو ولد الولد وله مع وجوده الربع، وترث المرأة من زوجها الربع مع فقد الولد والثمن مع وجوده] (¬5). وقال: [قوله سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 12] الآيتين الخطاب للرجال، والولد هنا هم بنو الصلب وبنو بنيهم وإن سفلوا ذكرانًا وإناثًا واحدًا فما زاد بإجماع] (¬6). ¬
النووي (676 هـ) قال: [وللزوجة الربع إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن، والثمن إن كان له ولد أو ولد ابن منها أو من غيرها، والزوجات يشتركن في الربع والثمن بالإجماع] (¬1). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [واتفقوا على أن ابن الابن بمنزلة الابن في حجب الزوج عن النصف، والمرأة عن الربع، والأم عن الثلث كالابن سواء] (¬2). قال البهوتي (1051 هـ): ولزوجة فأكثر الثمن إن كان له ولد ذكرًا أو أنثى واحد أو متعدد منها أو من غيرها أو ولد ابن وإن سفل، والربع مع عدمهما إجماعًا (¬3). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [وللزوجة فأكثر نصف حاليه فيهما فلها الربع مع عدم الفرع الوارث وهو أولاد الميت أو أولاد بنيه إجماعًا، وثمن معه أي لها الثمن مع وجود أولاد الميت أو أولاد بنيه إجماعًا] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5). قال الماوردي: (وأما الربع ففرض اثنين: . . .، وفرض الزوجة أو الزوجات مع عدم الحجبة، وأما الثمن فهو فرض واحد: وهو فرض الزوجات مع الحجب) (¬6). قال السرخسي: (وأما الزوجة فهي صاحبة فرض ولها حالان: الربع عند عدم الولد وولد لابن ذكرًا كان أو أنثى، والثمن عند وجوده) (¬7). قال العمراني: (وأما الزوجة: فلها الربع من زوجها إذا لم يكن له ولد ¬
ولا ولد ابن وإن سفل، ولها منه الثمن إذا كان له ولد أو ولد ابن سفل ذكرًا كان الولد أو أنثى. . . وللزوجتين والثلاث والأربع ما للزوجة الواحدة) (¬1). قال القرافي: (والربع فرض صنفين: . . .، والزوجة والزوجات مع عدم الحاجب، والثمن فرض صنف واحد وهو الزوجة مع وجود الحاجب) (¬2). قال الخطيب الشربيني: (الربع فرض: . . . وزوجة ليس لزوجها واحد منهما، والثمن فرضها مع أحدهما) (¬3). قال الدردير: (. . . والربع للزوجة الواحدة أو الزوجات لفقده: أي الفرع الوارث للزوج من ولد أو ولد ابن ذكرًا أو أنثى منها أو من غيرها، وخرج بالوارث: ولد الزنا ومن نفاه بلعان فكالعدم لا يحجبها للثمن، والثمن لها: أي للزوجة أو الزوجات لوجوده: أي الفرع اللاحق) (¬4). قال ابن عابدين: (فللزوجات حالتان: الربع بلا ولد، والثمن مع الولد) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال اللَّه سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]. • وجه الاستدلال: أنها نص ظاهر وصريح في أن ميراث الزوج النصف مع عدم وجود ولد لزوجته الميتة، والربع مع وجود ولد للميتة، وأن الزوجة لها ¬
[213 - 21] الزوجة أو الزوجات يشتركن في ميراثهن من الزوج في الربع أو الثمن
الربع مع عدم وجود ولد لزوجها الميت، والثمن مع وجود ولد لزوجها الميت. الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: (كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ اللَّه من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع) (¬1).Rصحة الإجماع في أن الزوجة ترث الربع مع عدم ولد الزوج، والثمن مع وجوده. وأما إذا كان الفرع الوارث ولد ابنه، فإن فيه خلافًا ورد عن مجاهد، فقد قال: (ولد الابن لا يحجبون الزوج من النصف إلى الربع كما يحجب الولد نفسه، ولا الزوجة من الربع إلى الثمن ولا الأم من الثلث إلى السدس) (¬2). [213 - 21] الزوجة أو الزوجات يشتركن في ميراثهن من الزوج في الربع أو الثمن • المراد بالمسألة: أن فرض الزوجة الواحدة والزوجات الأربع: الربع، بشرط واحد وهو عدم الفرع الوارث والثمن بشرط وجود الفرع الوارث. مثاله: لو مات زوج عن زوجتين وعم، فالمسألة من (أربعة أسهم) للزوجتان الربع (سهم واحد) يشتركن فيه، لعدم الفرع الوارث، والباقي (ثلاثة أسهم) للعم تعصيبًا. ولو مات زوج عن زوجتين وابن، فالمسألة من (ثمانية أسهم) للزوجتان الثمن (سهم واحد) يشتركن فيه، وذلك للفرع الوارث، والباقي للابن (سبعة أسهم) عصبة. ¬
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن حكم الأربعة من الزوجات حكم الواحدة في كل ما ذكرنا] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [فإن كان للزوج ولد أو ولد ولد ذكر كما ذكرنا؛ فليس للزوجة إلا الثمن، وسواءٌ كانت زوجة واحدة أو اثنتان أو ثلاث أو أربع هنّ شركاء في الربع أو الثمن برهان ذلك نص القرآن المحفوظ، ولا خلاف في هذا أصلًا] (¬2). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأما الربع فاجمعوا على أنه فرض اثنين، فرض الزوج إذا كان للزوجة ولد أو ولد ابن، وفرض الزوجة، أو الزوجتين والثلاث والأربع، إذا لم يكن للزوج ولد ولا ولد ابن، وأما الثمن فأجمعوا على أنه فرض الزوجة أو الزوجتين أو الثلاث أو الأربع إذا كان للزوج ولد أو ولد ابن] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وفرض الزوجة والزوجات الربع مع عدم ولد الزوج وولد ابنه، والثمن مع الولد أو ولد الابن الواحد والأربع، سواء بإجماع أهل العلم] (¬4). النووي (676 هـ) قال: [والزوجات يشتركن في الربع والثمن بالإجماع] (¬5). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمعوا على أن حكم الواحدة من الأزواج والثنتين والثلاث والأربع في الربع إن لم يكن له ولد، وفي الثمن إن كان له ولد وأنهن شركاء في ذلك] (¬6). البهوتي (1051 هـ) قال: [ولزوجة فأكثر الثمن إن كان له ولد ذكرًا أو ¬
أنثى واحد أو متعدد منها أو من غيرها أو ولد ابن وإن سفل، والربع مع عدمهما إجماعًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2). قال الماوردي: (وأما الربع ففرض اثنين: . . .، وفرض الزوجة أو الزوجات مع عدم الحجبة، وأما الثمن فهو فرض واحد: وهو فرض الزوجات مع الحجب) (¬3). قال السرخسي: (ونصيب الزوجات بينهن بالسوية اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا لا يزاد لهن على الربع بحال، ولا ينقص عن الثمن إلا عند العول) (¬4). قال العمراني: (وأما الزوجة: فلها الربع من زوجها إذا لم يكن له ولد ولا ولد ابن وإن سفل، ولها منه الثمن إذا كان له ولد أو ولد ابن سفل ذكرًا كان الولد أو أنثى. . . وللزوجتين والثلاث والأربع ما للزوجة الواحدة) (¬5). قال القرافي: (والربع فرض صنفين: . . .، والزوجة والزوجات مع عدم الحاجب، والثمن فرض صنف واحد وهو الزوجة مع وجود الحاجب) (¬6). قال الخطيب الشربيني: (الربع فرض: . . . وزوجة ليس لزوجها واحد منهما، والثمن فرضها مع أحدهما، والمراد بالزوجة الجنس الصادق بالواحدة والأكثر، فالزوجتان، أو الثلاث، أو الأربع يشتركان أو يشتركن في كل من الربع والثمن) (¬7). قال الدردير: (. . . والربع للزوجة الواحدة أو الزوجات لفقده: أي ¬
[214 - 22] الأم تأخذ ثلث الباقي في مسألة زوج أو زوجة وأبوين
الفرع الوارث للزوج من ولد أو ولد ابن ذكرًا أو أنثى منها أو من غيرها، وخرج بالوارث: ولد الزنا ومن نفاه بلعان فكالعدم لا يحجبها للثمن، والثمن لها: أي للزوجة أو الزوجات لوجوده: أي الفرع اللاحق) (¬1). قال ابن عابدين: (فللزوجات حالتان: الربع بلا ولد، والثمن مع الولد) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]. • وجه الاستدلال: أنها نص ظاهر في نصيب الزوجات عند عدم الفرع الوارث، وعند حضوره.Rصحة الإجماع في أن فرض الزوجة الواحدة، والزوجات الأربع: الربع عند عدم ولد الزوج وولد ابنه. والثمن: عند وجود الولد أو ولد الابن الواحد. [214 - 22] الأم تأخذ ثلث الباقي في مسألة زوج أو زوجة وأبوين • المراد بالمسألة: للأم ثلاث حالات في الميراث: الحالة الأولى: ترث السدس، بشرط وجود الفرع الوارث، أو وجود جمع من الأخوة. الحالة الثانية: ترث الأم الثلث بثلاثة شروط: الشرط الأول: عدم الفرع الوارث. الشرط الثاني: عدم الجمع من الأخوة، اثنان فأكثر سواء أكانوا أشقاء، ¬
أم لأب، أم لأم، أم مختلفين. الشرط الثالث: ألا تكون المسألة إحدى العمريتين، فإن كانت المسألة إحدى العمريتين ورثت الأم ثلث الباقي لا الثلث. وأما الحالة الثالثة: ترث الأم: ثلث الباقي، في مسألتين تسميان بالعمريتين، وهما: الأولى: أن تموت امرأة عن: زوج، وأم، وأب، فتكون المسألة من (ستة أسهم) فللزوج النصف (ثلاثة أسهم) وتأخذ الأم ثلث الباقي (سهم واحد) وهو سدس المال في الحقيقة، ويأخذ الأب الباقي (سهمان) وهو ضعف الأم. والثانية: أن يموت رجل عن زوجة، وأم، وأب، فتكون المسألة من (أربعة أسهم) فللزوجة الربع (سهم واحد) وللأم ثلث الباقي (سهم واحد) وهو ربع المال في الحقيقة، ويأخذ الأب الباقي (سهمان) وهو ضعف حق الأم. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [(وإذا كان زوج وأبوان، أعطي الزوج النصف، والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب. وإذا كانت زوجة وأبوان، أعطيت الزوجة الربع، والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب) هاتان المسألتان تسميان العمريتين؛ لأن عمر -رضي اللَّه عنه- قضى فيهما بهذا القضاء، فاتبعه على ذلك عثمان، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وروي ذلك عن علي وبه قال الحسن، والثوري ومالك، والشافعي، -رضي اللَّه عنهم-، وأصحاب الرأي. . وجعل ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- ثلث المال كله للأم في المسألتين. . والحجة معه لولا انعقاد الإجماع من الصحابة على مخالفته] (¬1). الشربيني (977 هـ) قال: [وللأم الثلث والسدس في الحالين السابقين في ¬
فصل الفروض المقدرة، وأعاده هنا توطئة لقوله: ولها في مسألتي زوج أو زوجة وأبوين، ثلث ما بقي بعد فرض الزوج أو فرض الزوجة، لا ثلث جميع المال لإجماع الصحابة قبل إظهار ابن عباس الخلاف قائلًا: بأن لها الثلث كاملًا في الحالين لظاهر الآية] (¬1). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬2)، الحنفية (¬3). قال الماوردي: (من فروض الأم أن تكون الفريضة زوجًا وأبوين فيكون للأم الثلث ما بقي بعد فرض الزوج أو الزوجة والباقي للأب وبه قال جمهور الصحابة) (¬4). قال السرخسي: (للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي والباقي للأب وهو قول جمهور الفقهاء) (¬5). قال ابن رشد: (واختلفوا من هذا الباب في التي تعرف بالغراوين: وهي فيمن ترك زوجة وأبوين، أو زوجًا وأبوين، فقال الجمهور: في الأولى: للزوجة الربع، وللأم ثلث ما بقي، وهو الربع من رأس المال، وللأب ما بقي وهو النصف، وقالوا في الثانية: للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي وهو السدس من رأس المال، وللأب ما بقي وهو السدسان) (¬6). قال الموصلي: (وثلث ما يبقى بعد فرض الزوج والزوجة في مسئلتين: زوج وأبوان، أو زوجة وأبوان، لها في المسئلة الأولى السدس وفي الثانية الربع وتسميان العمريتين) (¬7). ¬
قال القرافي: (وفرض الأم الثلث. . . ولها مع الأب وزوج أو زوجة ثلث ما بقي) (¬1). قال ابن تيمية: (وأما العمريتان فليس في القرآن ما يدل على أن للأم الثلث مع الأب والزوج، بل إنما أعطاها اللَّه الثلث إذا ورثت المال هي والأب، فكان القرآن قد دل على أن ما ورثته هي والأب تأخذ ثلثه، والأب ثلثيه، واستدل بهذا أكابر الصحابة كعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد وجمهور العلماء، على أن ما يبقى بعد فرض الزوجين يكونان فيه أثلاثًا، قياسًا على جميع المال، إذا اشتركا فيه، وكما يشتركان فيما يبقى بعد الدين والوصية، ومفهوم القرآن ينفي أن تأخذ الأم الثلث مطلقًا، فمن أعطاها الثلث مطلقًا حتى مع الزوجة، فقد خالف مفهوم القرآن) (¬2). قال المرداوي: (وحال لها ثلث ما بقي، وهي مع زوج وأبوين، وامرأة وأبوين، هذا المذهب بلا ريب، وعليه الأصحاب. . . وهاتان المسألتان تسميان: "العمريتين") (¬3). قال الدردير: (للأم ثلث الباقي بعد فرض الزوج في الغراوين. . . في زوجة ماتت عن زوج وأبوين. . . أو زوجة مات زوجها عنها وعن أبوين فهي من أربعة للزوجة الربع، وللأم ثلث الباقي وللأب الباقي) (¬4). قال ابن عابدين: (والثلث للأم عند عدم من لها معه السدس، ولها ثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين. . . وذلك في زوجة وأبوين وأم فلها حينئذ الربع، أو زوج وأبوين وأم فلها حينئذ السدس، ويسمى ثلثًا تأدبًا مع قوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (¬5). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى القياس الصحيح (¬1)، وهو من وجوه: الأول: أنه إذا اجتمع في المسألة ذو فرض مثل: بنت، وأب، وأم، فإن المسألة من ستة أسهم: فتأخذ البنت النصف (ثلاثة أسهم) وتأخذ الأم ثلث الباقي (سهم واحد) ويأخذ الأب ما بقي (سهمان) فكذلك في هاتين العمريتين لعدم الفارق. الثاني: كما أن اللَّه سبحانه وتعالى أعطى الأم الثلث إذا ورثه أبواه فقط، فكذلك الحال في العمريتين فتعطى ثلث الباقي؛ لأن الباقي بعد فرض الزوجين هو ميراث بين الأبويين، يقتسمانه كما اقتسما الأصل لعدم الفارق. الثالث: كما لو كان على الميت دين أو وصية: فإن الأب والأم يقتسمان ما بقي أثلاثًا، فكذلك في هاتين المسألتين يقتسمان ما بقي بعد إعطاء الزوجين حقهما، فتعطى الأم ثلث الباقي لعدم الفارق. الرابع: أن الأب والأم إذا انفردا في وراثة جميع المال، ليس معهما غيرهما، كان للأم الثلث، وللأب الباقي وهو الثلثان؛ فكذلك يجب أن يكون الحال فيما بقي بعد فرض الزوجين، أي: ثلث وثلثان، قياسًا. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- (¬2)، ويروى عن علي -رضي اللَّه عنه- (¬3)، وعكرمة، وابن سيرين ولكنه فصل في المسألة، ¬
فقال كقول الجماعة في زوج وأبوين، وكقول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في امرأة وأبوين (¬1)، وأيضًا هو مذهب داود وابن حزم الظاهريان (¬2). فقد أفتى ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في: (زوج وأبوين أنه يعطي الأم الثلث من جميع المال) (¬3). وصح عنه أنه ناظر زيد بن ثابت في هذه المسألة، فعن عكرمة، قال: (أرسلني ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- إلى زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- أسأله عن زوج وأبوين، فقال زيد: للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وللأب بقية المال، فأرسل إليه ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أفي كتاب اللَّه تجد هذا؟ قال: لا، ولكن أكره أن أفضل أُمًّا على أب) (¬4). ومستند المخالفين ظواهر نصوص الكتاب والسنة في إعطاء فرض الأم، وعدم الزيادة عليه. الجواب: قال السرخسي: (وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} معناه فلأمه ثلث ما ورثه أبواه إذ لو لم يحمل على هذا صار قوله وورثه أبواه فصلًا خاليًا عن الفائدة، وقد كان يحصل البيان بقوله فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، كما قال تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} فلما قال هنا وورثه أبواه، عرفنا أنه إنما جعل لها ميراث الأبوين، وميراث الأبوين ما بقي بعد نصيب الزوج والزوجة، يوضحه أنه علق إيجاب الثلث لها بشرطين أحدهما: عدم الولد والآخر: أن يكون الوارث أبوين فقط، لأن قوله تعالى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ} شرط، وقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} عطف على شرط، والمعطوف على الشرط شرط، والمتعلق بشرطين كما ينعدم بانعدامهما ينعدم بانعدام أحدهما، فبهذا يتبين ¬
أن ثلث، جميع التركة لها غير منصوص في هذه الحالة، فوجب المصير إلى هذا المعنى المعقول وهو أن الأبوين في الأصول كالابن والبنت في الفروع، لأن سبب وراثة الذكر والأنثى واحد، وكل واحد منهما متصل بالميت بغير واسطة ثم لا يجوز تفضيل البنت على الابن ولا التسوية بينهما في الفروع بل يكون للأنثى مثل نصف نصيب الذكر فكذلك في الأصول) (¬1). قال الموصلي: ولأنا لو أعطيناها ثلث الكل أدّى إلى تفضيل الأنثى على الذكر مع استوائهما في سبب الاستحقاق والقرب وأنه خلاف الأصول) (¬2). • مناقشة أدلة ابن عباس ومن وافقه: أولًا: يجاب عن الآية {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ. . .} الآية" أن معنى قوله تعالى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} هو أن لها ثلث ما ورثاه سواء كان جميع المال أو بعضه، وذلك لأنه لو أريد ثلث الأصل لكفى في البيان أن يقال: "فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث" كما قال تعالى في حق البنات: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} بعد قوله: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} فيلزم أن يكون قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} خاليًا عن الفائدة. فإن قيل: نحمله على أن الوراثة لهما فقط. فالجواب: ليس في العبارة دلالة على حصر الإرث فيهما، وإن سلم فلا دلالة في الآية حينئذ على سورة النزاع أصلًا، لا نفيًا ولا إثباتًا، فيرجع فيها إلى أن الأبوين في الأصول كالابن والبنت في الفروع، لأن السبب في وراثة الذكر والأنثى واحد، وكل واحد منهما يتصل بالميت بلا واسطة، فيجعل ما بقي من فرض أحد الزوجين بينهما أثلاثًا، كما في حق الابن ¬
والبنت، وكما في حق الأبوين إذا انفردا بالإرث، فلا يزيد نصيب الأم على نصف فصيب الأب كما يقتضيه القياس (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وليس في كتاب اللَّه إعطاؤها الثلث مطلقًا، فكيف يعطيها مع الزوجين الثلث؟ بل في كتاب اللَّه ما يمنع إعطاؤها الثلث مع الأب وأحد الزوجين، فإنه لو كان ذلك كان يقول: فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث، فإنها على هذا التقدير تستحق الثلث مطلقًا، فلما خص الثلث ببعض الحال، علم أنها لا تستحق مطلقًا، فهذا مفهوم المخالفة الذي يسمى دليل الخطاب يدل على بطلان قول من أعطاها الثلث إلا في العمريتين، ولا وجه لإعطائها الثلث مع مخالفته للإجماع) (¬2). ثانيًا: ويجاب عن الحديث: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"، من ثلاثة أوجه: أولًا: إن إعطاء الأم ثلث الباقي هو مقتضى هذا الحديث لأن الباقي بعد أحد الزوجين بمنزلة التركة كاملة فتعطى ثلثه. ثانيًا: إنه عام يخصص بقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}. ثالثًا: يخصص أيضًا بإجماع الصحابة على إعطاء الأم ثلث الباقي في هاتين المسألتين. فإن قيل: كيف تقولون الإجماع وقد خالف ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-؟ الجواب: إن إجماع الصحابة قد انعقد قبل خلاف ابن عباس. ثالثًا: وأما عن القياس فقالوا: إنه قياس مع الفارق، لأن الأب مساو للأم في الدرجة بخلاف الجد فإنه أبعد منها (¬3). ¬
[215 - 23] لا يرث من الأجداد إلا واحد، وهو أبو الأب وإن علا بمحض الذكور
Rعدم صحة الإجماع في أن للأم ثلث الباقي في المسألتين العمريتين، لخلاف ابن عباس ومن وافقه. [215 - 23] لا يرث من الأجداد إلا واحد، وهو أبو الأب وإن علا بمحض الذكور • المراد بالمسألة: أن الجد الذي له حق الإرث بالشروط المذكورة، هو الجد الصحيح، وهو الذي من طريق الأب وإن علا، ويضبطونه بكل جد لا تتوسط بينه وبين الميت أنثى، وأما الذي من طريق الأم فهو الجد الذي لا يرث مطلقًا. مثاله: لو مات رجل عن: جدين: جد من جهة الأب، وجد من جهة الأم، وزوجة، فالمسألة من (أربعة أسهم) فللزوجة الربع (سهم واحد)، والباقي (ثلاثة أسهم) للجد من جهة الأب، ولا شيء للجد من جهة الأم. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الأب يرث، وأن الجد يرث إذا كان من قبل الأب وآبائه ليس دونه أم، وإن علا إذا لم يكن أبي حي] (¬1)، وقال: [وقالوا أيضًا: قد صح الإجماع على أنه لا يرث من الأجداد إلا واحد، وهو أبو الأب وأبو أبيه هكذا فقط] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). قال الماوردي: (أما الجد المطلق فهو أبو الأب لا غير، فأما أبي الأم فهو جد بتقييد، ثم الجد يجمع رحمًا وتعصيبًا كالأب. . . ولا خلاف أن الجد لا يسقط إلا بالأب وحده) (¬7). ¬
قال السرخسي: (الجد عند عدم الأب يقوم مقام الأب في الإرث والحجب حتى يحجب الإخوة والأخوات من أي جانب كانوا) (¬1). قال الموصلي: (والثاني الجد، والمراد الجد الصحيح وهو الذي لا يدخل في نسبته إلى الميت أنثى، وهو بمنزلة الأب عند عدمه (¬2). وقال في موضع آخر: واعلم أن الجد الصحيح الوارث لا يكون إلا واحدًا لأنه لا يكون إلا من جهة الأب، والأقرب يسقط الأبعد) (¬3). قال الخطيب الشربيني: (والجد أبو الأب في الميراث كالأب عند عدمه في جميع ما من الجمع بين الفرض والتعصيب وغيره) (¬4). قال البهوتي: (قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب، وأنزلوا الجد في الحجب والميراث منزلة الأب في جميع المواضع إلا في ثلاثة أشياء) (¬5). قال الدسوقي: (الجد وإن علا في حال عدم الأب ويحجب الأقرب الأبعد) (¬6). قال عبد الرحمن بن قاسم: (والجد لأب وإن علا بمحض المذكور، فأخرج المدلي بأم، والجد لأب لا يحجبه غير الأب إجماعًا) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن تظافر نصوص الكتاب والسنة في التعبير بالأب عن الجد وإن تراخى حبل النسب، من ذلك: الأول: قال سبحانه وتعالى: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف: 27]. ¬
[216 - 24] الجد ينزل منزلة الأب في جميع مسائل الفرائض إلا مع الأخوة
• وجه الاستدلال: أن اللَّه تعالى سمى آدم أبًا. الثاني: قال سبحانه وتعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38]. • وجه الاستدلال: أن التعبير عن الجد جاء هنا بلفظ الأب، ومعلوم بأن إسحاق جد يوسف، وإبراهيم جد يعقوب. الثالث: عن ابن مربع الأنصاري -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (قفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم) (¬1). • وجه الاستدلال: أنه جاء التعبير فيه عن الجد بالأب، وهو إبراهيم عليه السلام فدل على أن الجد من الأب يقوم مقام الأب.Rصحة الإجماع في أن الجد الذي له حق الإرث هو الذي من طريق الأب وإن علا، وأما الذي من طريق الأم فلا يرث مطلقًا. [216 - 24] الجد ينزل منزلة الأب في جميع مسائل الفرائض إلا مع الأخوة • المراد بالمسألة: أن الجد الصحيح، وهو: أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب، وأنه ينزل منزلة الأب في الحجب والميراث؛ إذا لم يترك الميت أبًا أقرب منه في جميع المواضع؛ إلا مع الإخوة والأخوات فاختلفوا فيه بعد وفاة أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- وسائر أهل العلم اتفقوا على أن حكم الجد كحكم الأب في غير موضع، فهو يأخذ السدس بوجود الابن، ولحجب الإخوة لأم كالأب. مثاله: لو مات ميت عن: جد، وزوج، وأم، فالمسألة من (ستة أسهم) للجد السدس (سهم واحد) وللأم الثلث (سهمان) وللزوج النصف (ثلاثة أسهم). ¬
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن الجد يضرب مع أصحاب الفرائض بالسدس كما يضرب الأب، وإن عالت الفريضة، وأجمعوا أن للأب مع الابن السدس، وكذلك للجد معه مثل ما للأب] (¬1). وقال: [وأجمعوا أن حكم الجد حكم الأب] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال: [وعمدة من جعل الجد بمنزلة الأب اتفاقهما في المعنى، أعني من قبل أن كليهما أبي للميت، ومن اتفاقهما في كثير من الأحكام التي أجمعوا على اتفاقهما فيها، حتى إنه قد روي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (أما يتقي اللَّه زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنًا، ولا يجعل أبا الأب أبًا) وقد أجمعوا أنه مثله في أحكام أخر سوى الفروض، منها أن شهادته لحفيده كشهادة الأب، وأن الجد يعتق على حفيده كما يعتق الأب على الابن، وأنه لا يقتص له من جد كما لا يقتص له من أب] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). قال الماوردي: (إذا ثبت ما وصفنا من أن الجد يقاسم الإخوة والأخوات ولا يسقطهم فقد اختلف من قال بتوريثه معهم في كيفية مقاسمته لهم) (¬7). قال الجويني: (فإن لم يكن في المسألة أبي فالجد أب الأب بمثابة الأب، واستثنى الأئمة أخذًا من معنى الشافعي ومن نصه أربع مسائل: إحداها: أن الأب يحجب الإخوة، والجد لا يحجب الإخوة والأخوات ¬
من الأب والأم، ومن الأب على رأي زيد وغيره من جلة الصحابة -رضي اللَّه عنهم-. . .) (¬1) قال السرخسي: (الجد يقوم مقام الأب في الإرث مع الأولاد، ويقوم مقام الأب في حجب الإخوة والأخوات لأم، فأما حجب الإخوة والأخوات لأب وأم فلا، ولكن يقاسمهم ويجعل هو كأحد الذكور منهم) (¬2). قال ابن قدامة: (قال أبو بكر بن المنذر: أجمع أهل العلم من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب، وأنزلوا الجد في الحجب والميراث منزلة الأب في جميع المواضع إلا في ثلاثة أشياء) (¬3). قاله النووي: (الجد كالأب في الميراث إلا في مسائل: إحداها: الأب يسقط الإخوة والأخوات مطلقًا، والجد لا يسقط الإخوة والأخوات للأبوين أو للأب. . . الثانية: الأب يرد الأم إلى ثلث ما يبقى في صورتي زوج وأبوين. . . ولو كان بدله جد كان للأم الثلث كاملًا، الثالثة: الأب يسقط أم نفسه وأم كل جد، والجد لا يسقط أم الأب كان أسقط أم نفسه، وأبو الجد ومن فوقه كالجد، لكن كل واحد يحجب أم نفسه، ولا يحجبها من فوقه. الرابعة: سبق أن الأب يجمع بين الفرض والتعصيب وفي الجد في مثل ذلك الحال وجهان: أحدهما: أنه مثله، والثاني: لا، بل يأخذ الباقي بعد البنت أو البنات بالتعصيب فقط، والجمع بينهما خاص بالأب. . . قلت: أصحهما وأشهرهما الأول) (¬4). قال الموصلي: (واعلم أن الجد الصحيح الوارث لا يكون إلا واحدًا لأنه لا يكون إلا من جهة الأب، والأقرب يسقط الأبعد، قال زيد بن ثابت ¬
-رضي اللَّه عنه-: إذا اجتمع الجد والأخوة كان الجد كأحدهم يقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة عن الثلث، فإن نقصته فرض له الثلث والباقي بين الإخوة للذكر مثل حظ الأنثيين) (¬1). قال القرافي: (وللجد إذا انفرد جميع المال، وله السدس مع ذوي السهام إلا أن يفضل شيء فيأخذه بالتعصيب، وله مع الإخوة أو الأخوات أو مجموعهم كانوا أشقاء أو لأب الأفضل من الثلث أو المقاسمة) (¬2). قال الخطيب الشربيني: (والجد كالأب إلا أن الأب يسقط الإخوة والأخوات والجد يقاسمهم إن كانوا لأبوين أو لأب، والأب يفارق الجد أيضًا في أنه يسقط أم نفسه لأنها تدلي به ولا يسقطها الجد لأنها زوجته، والشخص لا يسقط زوجته) (¬3). قال الدردير: (اعلم أن أحوال الجد خمسة: إحداها أن يكون مع الابن وحده أو معه ومع غيره من ذوي الفروض. الثانية: أن يكون مع بنت أو بنتين وحدهما أو معهما ومع غيرهما من ذو الفروض. الثالثة: أن يكون مع الإخوة لغير أم. الرابعة: أن يكون مع الإخوة ذو فرض. الخامسة: أن لا يكون معه ولد ولا إخوة فله المال كله أو ما بقي منه بالتعصيب. فإن كان معه ابن فقط أو ابن وغيره من أصحاب الفروض فله السدس فرضًا فقط. وإن كان معه بنت أو بنتان فقط أو معهما ومع غيرهما من أصحاب الفروض كان له السدس فرضًا، وإن بقي له شيء بعد فرض غيره أخذه تعصيبًا، وإن لم يكن معه أحد من الأولاد ولا من الإخوة أخذ المال كله تعصيبًا إن لم يكن معه صاحب فرض وإلا أخذ ما فضل عنه تعصيبًا فهو كالأب في هذه الأحوال الثلاث) (¬4). وقال عبد الرحمن بن قاسم: (والجد لأب وإن علا بمحض الذكور مع ¬
ولد أبوين أو ولد أب ذكرًا أو أنثى واحدًا أو متعدد كأخ منهم في مقاسمتهم المال، أو ما أبقت الفروض لأنهم تساووا في الإدلاء بالأب، فتساووا في الميراث، وهذا قول زيد بن ثابت ومن وافقه) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: تظافر نصوص الكتاب والسنة في التعبير بالأب عن الجد وإن تراخى حبل النسب، من ذلك: (أ) قال سبحانه وتعالى: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف: 27]. • وجه الاستدلال: أن اللَّه سمى آدم أبًا. (ب) قال سبحانه وتعالى: {مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38]. • وجه الاستدلال: أن التعبير عن الجد جاء هنا بلفظ الأب، ومعلوم بأن إسحاق جد يوسف، وإبراهيم جد يعقوب عليهم السلام. (ج) عن ابن مربع الأنصاري -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (اثبتوا على مشاعركم فإنكم على إرث أبيكم إبراهيم) (¬2). • وجه الاستدلال: أنه جاء التعبير فيه عن الجد بالأب، وهو إبراهيم عليه السلام فدل على أن الجد من الأب يقوم مقام الأب. الثاني: قال سبحانه وتعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أن التعبير عن الجد بالأب جاء في نصوص الوحيين، وهنا لا يخرج عن السياق العام لنصوص الوحيين.Rصحة الإجماع في أن الجد يقوم مقام الأب حال فقده في أغلب المسائل، إلا مسألة الأخوة فإن فيها خلافًا مشهورًا. ¬
[217 - 25] حكم الجد مع الولد حكم الأب
[217 - 25] حكم الجد مع الولد حكم الأب • المراد بالمسألة: أن من المسائل التي هي محل إجماع فيما يخص الجد، أن حكمه مع ولد المورث هو حكم الأب، بحيث لا يحجبه عن السدس. مثاله: لو مات ميت عن ابن، وجد، فالمسألة من (ستة أسهم) للجد السدس (سهم واحد) والباقي (خمسة أسهم) للابن. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن من ترك ابنًا وأبًا أن للأب السدس، وما بقي؟ فللابن، وكذلك جعلوا حكم الجد مع الابن كحكم الأب] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [وهم قد أجمعوا على أن يعطى الجد مع البنين الذكور، والبنات ما يعطى الأب معهم] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال في معرض كلامه على الجد والإخوة: [لأنهم لما أجمعوا أن الابناء لا ينقصونه منه شيئًا؛ كان أحرى ألَّا ينقصه الإخوة]. المطيعي (1354 هـ) قال: [وأما الجد فله السدس مع الابن وابن الابن لإجماع الأمة]. وقال: [وأما الجد ففرضه السدس مع الابن أو ابن الابن لإجماع الأمة على ذلك] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال القدوري: (والسدس فرض سبعة. . . والجد مع الولد أو ولد الابن) (¬6). ¬
قال الماوردي: (بعد أن ذكر حالات الأب مع الولد وولد الابن: والجد أبو الأب يقوم مقام الأب في هذه الأحوال كلها في ميراثه بالتعصيب تارة وبالفرض أخرى وبهما معًا في أخرى) (¬1). قال الجويني: (فإن لم يكن في المسألة أب فالجد أب الأب بمثابة الأب. . . .) (¬2). قال الموصلي: (الجد والمراد الجد الصحيح وهو الذي لا يدخل في نسبته إلى الميت أنثى، وهو بمنزلة الأب عند عدمه) (¬3). قال القرافي: (وللجد إذا انفرد جميع المال، وله السدس مع ذوي السهام إلا أن يفضل شيء فيأخذه بالتعصيب) (¬4). قال ابن مفلح عن الجد: (. . . أو سدس جميع المال لأنه يأخذه مع الولد الذي هو أقوى، فمع غيره من باب أولى) (¬5). قال الخطيب الشربيني بعد أن ذكر حالات الأب مع الولد وولد الابن: (والجد أبو الأب في الميراث كالأب عند عدمه في جميع ما مر من الجمع بين الفرض والتعصيب وغيره) (¬6). قال الدردير: (اعلم أن أحوال الجد خمسة. . . فإن كان معه ابن فقط أو ابن وغيره من أصحاب الفروض فله السدس فرضًا فقط. وإن كان معه بنت أو بنتان فقط أو معهما ومع غيرهما من أصحاب الفروض كان له السدس فرضًا، وإن بقي له شيء بعد فرض غيره أخذه تعصيبًا، وإن لم يكن معه أحد من الأولاد ولا من الإخوة أخذ المال كله تعصيبًا إن لم يكن معه صاحب فرض وإلا أخذ ما فضل عنه تعصيبًا فهو كالأب في هذه الأحوال ¬
[218 - 26] الجد إذا ورث لا ينقص نصيبه عن السدس
الثلاث) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: تظافر نصوص الكتاب والسنة في التعبير بالأب عن الجد وإن تراخى حبل النسب، من ذلك: (1) قال سبحانه وتعالى: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف: 27]. • وجه الاستدلال: أن اللَّه سمى آدم أبًا. (ب) قال سبحانه وتعالى: {مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38]. • وجه الاستدلال: أن التعبير عن الجد جاء هنا بلفظ الأب، ومعلوم بأن إسحاق جد يوسف، وإبراهيم جد يعقوب عليهم السلام. (ج) عن ابن مربع الأنصاري -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (قفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم) (¬2). • وجه الاستدلال: أنه جاء التعبير فيه عن الجد بالأب، وهو إبراهيم عليه السلام فدل على أن الجد من الأب يقوم مقام الأب. الثاني: قال سبحانه وتعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] • وجه الاستدلال: أن التعبير عن الجد بالأب جاء في نصوص الوحيين، وهنا لا يخرج عن السياق العام لنصوص الوحيين.Rصحة الإجماع أن حكم الجد مع ولد المورث هو حكم الأب، بحيث لا يحجبه عن السدس. [218 - 26] الجد إذا ورث لا ينقص نصيبه عن السدس • المراد بالمسألة: أن الجد إذا كان وارثًا بغياب الأب، فإنه يرث السدس ¬
مطلقًا بالفرض، وأن نصيبة هذا لا ينقص عن السدس مهما كان الوارث. مثاله: لو مات ميت عن: ابن، وبنت، وجد، فالمسألة من (ستة أسهم) للجد السدس (سهم واحد) والباقي بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين، وتعول المسألة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الجد إذا ورث لا يحط من السبع، واختلفوا هل هو أكثر أم لا] (¬1). الجويني (478 هـ) قال: [فأما الجد فله السدس مع الابن وابن الابن كما ذكرناه في الأب، وهذا متفق عليه] (¬2) السرخسي (483 هـ) قال: [وهذا ساقط بالإجماع؛ فإن الجد لا ينقص نصيبه عن السدس بحال] (¬3). العمراني (558 هـ) قال: [وأما الجد ففرضه السدس مع الابن أو ابن الابن لإجماع الأمة على ذلك] (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الجد لا ينقص عن السدس في حال، سدسًا كاملًا أو عائلًا] (¬5). ابن قدامة (620 هـ) قال: [هذا قول عامة أهل العلم، إلا أنه روي عن الشعبي أنه قال: إن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- كتب إلى علي -رضي اللَّه عنه- في ستة إخوة وجد، فكتب إليه: اجعل الجد سابعهم، وامح كتابي هذا، وروي عنه في سبعة إخوة وجد، أن الجد ثامنهم، وحكي عن عمران بن حصين والشعبي المقاسمة إلى نص سدس المال] (¬6). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬1)، والشافعية (¬2). قال الماوردي عن الجد: (وقد ثبت أنه لا ينقص مع الابن من السدس) (¬3). قال السرخسي: (فلا ينقص نصيب الجد عن السدس باعتبار الولاد بحال، وتأيد بهذا الولاد قرابته من الميت فيكون مزاحمًا للاخوة ويقاسمهم إذا المقاسمة خيرًا له من السدس، يوضحه أن الولد في حكم الحجب أقوى من الإخوة بدليل حجب الزوج والزوجة بالولد دون الإخوة، وحجب الأم إلى السدس بالولد دون الأخ، ثم الولد لا ينقص نصيب الجد عن السدس بحال كان أولى) (¬4). قال ابن رشد عن الجد: (وإما أن يعطى السدس من رأس المال لا ينقص منه) (¬5). قال ابن قدامة عن الجد: (أما كونه لا ينقص عن سدس جميع المال، فلأنه لا ينقص عن ذلك مع الولد الذي هو أقوى، فمع غيرهم أولى) (¬6). قال النووي: (فللجد خير الأمور الثلاثة، وهي مقاسمة الإخوة والأخوات، وثلث ما يبقى، وسدس جميع المال) (¬7). قال القرافي: (وللجد إذا انفرد جميع المال، وله السدس مع ذوي السهام إلا أن يفضل شيء فيأخذه بالتعصيب) (¬8). قال ابن مفلح عن الجد: (. . . أو سدس جميع المال لأنه يأخذه مع ¬
الولد الذي هو أقوى، فمع غيره من باب أولى) (¬1). قال الخرشي: (يعني أن الجد أبو الأب يكون السدس أحد فروضه في بعض أحواله بأن يكون معه ابن أو ابن ابن) (¬2). قال الدردير: (اعلم أن أحوال الجد خمسة. . . فإن كان معه ابن فقط أو ابن وغيره من أصحاب الفروض فله السدس فرضًا فقط. . . وإن لم يكن معه أحد من الأولاد ولا من الإخوة أخذ المال كله تعصيبًا إن لم يكن معه صاحب فرض وإلا أخذ ما فضل عنه تعصيبًا فهو كالأب في هذه الأحوال الثلاث) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن الجد يدلي بالأب، فإذا غاب الأب حل مكانه سواء بسواء. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- وعمران ابن حصين -رضي اللَّه عنه- والشعبي (¬4). فقد كتب ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- إلى علي -رضي اللَّه عنه- في ستة إخوة وجد، فكتب إليه: (اجعل الجد سابعهم، وامح كتابي هذا) وروي عنه في سبعة إخوة وجد (أن الجد ثامنهم) وحكي عن عمران بن حصين والشعبي (المقاسمة إلى نصف سدس المال) (¬5). وأيضًا قال بهذا عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه- والشعبي، فذهبا إلى (المقاسمة إلى نصف سدس المال) (¬6). ¬
[219 - 27] الجدة الوارثة تأخذ السدس بشرط عدم وجود الأم
Rعدم صحة الإجماع في أن الجد إذا كان وارثًا، فإنه يرث السدس مطلقًا، وأن نصيبه هذا لا ينقص عن السدس، وذلك للخلاف في المسألة. [219 - 27] الجدة الوارثة تأخذ السدس بشرط عدم وجود الأم • المراد بالمسألة: أن الجدة من الأم ترث السدس، إذا لم يكن للميت أم، أو جدة أقرب منها إذا كان بعضهن أمهات بعض. مثاله: لو مات ميت عن زوجة، وجدة، وبنت، وأخ شقيق، فالمسألة من (أربعة وعشرين سهمًا) للزوجة الثمن (ثلاثة أسهم) وللجدة السدس (أربعة أسهم) وللبنت النصف (اثنا عشر سهمًا) والباقي (خمسة أسهم) للأخ الشقيق. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن للجدة السدس إذا لم تكن للميت أم] (¬1). الماوردي (450 هـ) قال: [لا خلاف أن الجدات لا يرثن مع الأم سواء من كن منهن من قبل الأب أو من قبل الأم لأنهن يرثن بالولادة فكانت الأم أولى منهن لأموين: أحدهما: أنها مباشرة للولادة بخلافهن. والثاني: أن الولادة فيها معلومة وفي غيرها مظنونة فلفوتها بهذين أحجبت جميع الجدات (¬2). . . وأجمعوا على توريث الجدات وأن فرض الواحدة والجماعة منهن السدس لا ينقصن منه ولا يزدن عليه] (¬3) ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أنه إن كانت دون الجدة أم؛ فإن الأم ترث والجدة لا ترث] (¬4). وقال: [واتفقوا أن أم الأم وأمها وأم أمها، وهكذا صعدًا ترث ما لم يكن هنالك أم ولا أب، واتفقوا أنها لا ترث مع ¬
الأم شيئًا] (¬1). الجويني (478 هـ) قال: [اتفق العلماء على أن الأم تحجب جميع الجدات سواء كن من قبلها أم من قبل الأب (¬2). . . وأجمع أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أن فرض الجدة السدس] (¬3) السرخسي (483 هـ) قال: [. . . الأم تحجبا الجدات أجمع بالاتفاق، سواء كانت من قبلها أو من قبل الأب] (¬4). وقال: [اعلم بأن الجدة صاحبةُ فرض وفريضتها، وإن كان لا تتلى في القرآن؛ فهي ثابتة بالسنة المشهورة، وإجماع الصحابة والسلف والخلَف، وكفى بإجماعهم حجةً] (¬5). ابن رشد (595 هـ) قال: [أم الأم لا ترث بإجماع مع الأم شيئًا] (¬6). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أما إذا كانت إحدى الجدتين أم الأخرى؛ فأجمع أهل العلم على أن الميراث للقربى وتسقط البعدى بها، وإن كانتا من جهتين والقربى من جهة الأم؛ فالميراث لها، وتحجب البعدى في قول عامتهم؛ إلا ما روي عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- ويحيى بن آدم وشَريك أن الميراث بينهما] (¬7). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الأم تحجب أمها وأم الأب] (¬8). وقال: [فأجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم] (¬9). القرافي (684 هـ) قال: [قال ابن يونس: لا خلاف أن الجدة أم الأم ¬
وإن علت لها السدس إذا انفردت] (¬1). الزيلعي (743 هـ) قال: [أي: تحجب الجدات كلهن بالأم، والمراد إذا كانت الأم وارثة، وعليه الإجماع، والمعنى فيه: أن الجدات إنما يرثن بطريق الولادة، والأم أبلغ حالًا منهن في ذلك؛ فلا يرثن معها] (¬2). الشوكاني (1255 هـ) قال: [فرض الجدة الواحدة السدس، وكذلك فرض الجدتين والثلاث، وقد نقل محمد بن نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك] (¬3). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): قال: [ترث أم الأم وأم الأب وأم أبي الأب فقط وإن علون السدس بينهن، ولا يزيد ميراثهن على السدس ولو كثرن إجماعًا] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الشافعية (¬5). قال الموصلي: (الجدة الصحيحة كأم الأم وإن علت، وأم الأب وإن علا. . . وللواحدة الصحيحة السدس (¬6)، . . . وتسقط جميع الجدات الأبويات والأميات بالأم) (¬7). قال الخطيب الشربيني: (والجدة للأم لا يحجبها إلا الأم إذ ليس بينها وبين الميت غيرها فلا تحجب بالأب ولا بالجد) (¬8). وقال: (وللجدة السدس) (¬9). قال الخرشي: (السدس فرض الجدة سواء انفردت أو تعددت، وسواء ¬
كانت من جهة الأم أو من جهة الأب ولا يرث عند مالك أكثر من جدتين أم الأم وأم الأب وأمهاتهما وإن علتا، وتحجب الجدة مطلقًا أي من جهة الأم أو من جهة الأب قريبة أو بعيدة حجب حرمان بأم الميت) (¬1). قال الدردير: (والسدس فرض الجدة مطلقًا من جهة الأم أو الأب كل من انفردت به أخذته وإن اجتمعتا فهو بينهما) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن قبيصة بن ذؤيب -رضي اللَّه عنه- قال: (جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- تسأله ميراثها، فقال لها أبو بكر: ما لك في كتاب اللَّه شيء، وما علمت لك في سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه-: حضرت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري -رضي اللَّه عنه- فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذ لها أبو بكر الصديق، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- تسأله ميراثها، فقال لها: ما لك في كتاب اللَّه شيء، وما كان القضاء الذي قُضي به إلا لغيرك، وما أنا بزائد في الفرائض شيئًا، ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما، فهو بينكما، وأيتكما خلت به فهو لها) (¬3). • وجه الاستدلال: أن الصحابة أجمعوا على إعطاء الجدة السدس ما لم يكن دونها أم، بعدما ثبت لهم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى الجدة السدس. الثاني: عن بريدة بن الحصيب -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (جعل للجدة ¬
[220 - 28] ميراث الجدة أو الجدات السدس لا يزدن على ذلك
السدس، إذا لم يكن دونها أم) (¬1). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل للجدة السدس، والقاعدة في الجدة: أنها ترث السدس ما لم يكن دونها أم. الثالث: وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى الجدة السدس) (¬2). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل للجدة السدس، والقاعدة في الجدة: أنها ترث السدس ما لم يكن دونها أم.Rصحة الإجماع في أن الجدة الوارثة لها السدس، إذا لم يكن دونها أم، أو جدة أقرب منها. [220 - 28] ميراث الجدة أو الجدات السدس لا يزدن على ذلك • المراد بالمسألة: أن ميراث الجدة: السدس، لا تزيد عليه مطلقًا، وذلك بشرط عدمي، وهو عدم الأم. مثاله: لو مات ميت عن: جدة، وأخت شقيقة، وأخت لأب، وأخت لأم، فالمسألة من (ستة) للجدة السدس (واحد) وللأخت شقيقة النصف (ثلاثة) وللأخت لأم السدس (واحد) وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين (واحد). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الجدة لا تزاد على السدس] (¬3). وقال: [وأجمع عوام أهل العلم على أن الجدة لا تزاد على السدس] (¬4). 2 - الماوردي (450 هـ) قال: [وأجمعوا على توريث الجدات وأن فرض ¬
الواحدة والجماعة منهن السدس لا ينقصن منه ولا يزدن عليه] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أنه ليس للجدتين والجدات عند من يورثهن أكثر من السدس، أو من الثلث عند من يرى ذلك] (¬2). وقال: [واتفقوا على أن الجدة لا ترث أكثر من الثلث، ولا أقل من السدس؛ إلا في مسائل العول، أو عند اجتماع الجدات] (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [لأنهم أجمعوا ألا ترثَ جدة ثلثًا ولو كانت كالأم ورثت الثلث، وأظن الذي روى هذا الحديث عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قاسه على قوله في الجد لما جعله أبًا، ظن أنه يجعل الجدة أمًّا. واللَّه أعلم] (¬4). وقال: [وروي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في الجدة قول شاذ أجمع العلماء على تركه. . قال: كل جد ليس دونه من هو أقرب منه فهو أب، وكل جدة من قبل الأم ليس دونها أقرب منها فهي بمنزلة الأم، قال يحيى بن آدم: ولا نعرف أحدًا من أهل العلم ورَّث جدةً ثلثًا، ولو كانت بمنزلة الأم؛ لورثت الثلث] (¬5). الجويني (476 هـ) قال: [اتفقوا على أن الجدات يشتركن في السدس بالغًا ما بلغن] (¬6). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن ميراث الجدات السدس وإن كثرن] (¬7). القرطبي (671 هـ) قال: [والأم العليا جدة، ولا يفرض لها الثلث ¬
بإجماع] (¬1). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): قال: [ترث أم الأم وأم الأب وأم أبي الأب فقط وإن علون السدس بينهن، ولا يزيد ميراثهن على السدس ولو كثرن إجماعًا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3) والشافعية (¬4). قال عبد الغني الميداني: (والسدس فرض سبعة. . . وللجدات الصحيحات وهن اللاتي لم يدلين بجد فاسد، تستقل به الواحدة إذا انفردت، ويشترك به الأكثر إذا كثرن وتحاذين) (¬5). قال الموصلي: (والرابعة الجدة الصحيحة كام الأم وإن علت، وأم الأب وإن علا وكل من يدخل في نسبتها أب بين أمين فهي فاسدة، وللواحدة الصحيحة السدس) (¬6). قال النووي: (وللجدة الواحدة السدس، وإن اجتمع جدتان فصاعدًا وارثات اشتركن في السدس) (¬7). قال الموصلي: (الجدة الصحيحة كأم الأم ديان علت، وأم الأب وإن علا. . . وللواحدة الصحيحة السدس. . . ولو اجتمعن وتحاذين فلهن السدس أيضًا) (¬8). قال الخطيب الشربيني: (وللجدة السدس وكذا الجدات يعني الجدتين فأكثر) (¬9). ¬
قال الخرشي: (السدس فرض الجدة سواء انفردت أو تعددت، وسواء كانت من جهة الأم أو من جهة الأب ولا يرث عند مالك أكثر من جدتين أم الأم وأم الأب وأمهاتهما وإن علتا) (¬1). قال الدرير: (والسدس فرض الجدة مطلقًا من جهة الأم أو الأب كل من انفردت به أخذته وإن اجتمعتا فهو بينهما) (¬2). قال الشوكاني: (فرض الجدة الواحدة السدس، وكذلك فرض الجدتين والثلاث) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: حديث قبيصة بن ذؤيب -رضي اللَّه عنه- (¬4). • وجه الاستدلال: أن الصحابة أجمعوا على إعطاء الجدة السدس ما لم يكن دونها أم، بعدما ثبت لهم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى الجدة السدس. الثاني: عن بريدة بن الحصيب -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (جعل للجدة السدس، إذا لم يكن دونها أم) (¬5). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل للجدة السدس، والقاعدة في الجدة: أنها ترث السدس ما لم يكن دونها أم. الثالث: وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: (أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى الجدة السدس) (¬6). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل للجدة السدس، والقاعدة في الجدة: أنها ترث السدس ما لم يكن دونها أم. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، ¬
[221 - 29] الجدة من جهة الأم ترث بالفرض بوجود الأب
وطاووس بن كيسان. • دليله: ما روي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (الجدة بمنزلة الأم إذا لم تكن أم) (¬1) وذكر عن طاووس بن كيسان أنه قال: (الجدة بمنزلة الأم ترث ما ترث الأم) (¬2) الرد: تأول قوله إنها بمنزلة الأم في الميراث لا في قدر الفرض لما روى عن ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ورّث الجدة السدس. وهو لا يخالف ما رواه، ولأن قضية أبي بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما- في إعطائها السدس مع سؤال الناس عن فرضها، ورواية المغيرة ومحمد بن مسلمة ذلك عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقبول الصحابة ذلك منهما مع العمل به إجماع منعقد لا يسوغ خلافه (¬3). وقال الجويني: وروي عن ابن عباس في رواية شاذة أنه قال: الجدة من قبل الأم إذا انفردت بالإرث كانت كالأم". . . وهذا لا يعتد به، والرواية عنه مرسلة، رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن رجل عن ابن عباس (¬4).Rصحة الإجماع في أن ميراث الجدة: السدس، لا تزيد عليه مطلقًا. وأما الخلاف فهو ضعيف، لأنه لم يصح من جهة الإسناد إلى ابن عباس، وطاووس بن كيسان (¬5)، وإن صح فهو مسبوق بالإجماع. [221 - 29] الجدة من جهة الأم ترث بالفرض بوجود الأب • المراد بالمسألة: أن وجود الأب لا يؤثر على الجدة التي من طريق: أم ¬
الأم، فلا يحجبها حجب حرمان، ولا حجب نقصان. مثاله: لو مات ميت عن: جدة من قبل الأم، وعن أب، فالمسألة من (ستة) للجدة السدس (واحد) والبا في (خمسة) للأب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الأب لا يحجب أم الأم] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [ولا خلاف في أن الأب لا يحجب أم الأم، ولا أم أم الأم فصاعدًا] (¬2). الجويني (478 هـ): وأجمعوا أيضًا على أن الأب لا يحجب جدة من قبل الأم (¬3). السرخسي (483 هـ) قال: [واختلفوا في حجب الجدة بالأب بعدما اتفقوا أن الجدة من قبل الأم لا تصير محجوبة بالأب؛ لأنها لا تدلي به، ولا ترث بمثل نسبه؛ فهي ترث بالأمومة، وهو بالأبوة والعصوبة] (¬4). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الأب لا يحجب أم الأم] (¬5). النووي (676 هـ) قال: [والأب والأجداد لا يحجبون الجدة من جهة الأم قريبة كانت أو بعيدة بالإجماع] (¬6). • الموافقون على الإجماع: الحنابلة (¬7). قال الماوردي: (ولا يسقط الأب ومن بعد من جدات الأم مع قربه وبعدهن وجب أن تكون القربى من جدات الأم تحجب البعدى من جدات الأب كالأم ولا تكون القربى من جدات الأب تحجب البعدى من جدات ¬
الأم كالأب وهذا دليل وانفصال) (¬1). قال العمراني: (ولا يحجب الأب أم الأم، لأنها تدلي بالأم، والأب لا يحجب الأم فلم يحجب أمها. . . وكذلك أم الأم ترث مع الجد، لأن الأب إذا لم يحجبها فلأن لا يحجبها الجد أولى) (¬2). قال ابن قدامة: (لأن الأب الذي تدلي به الجدة لا يحجب الجدة من قبل الأم، فالتي تدلي به أولى أن لا يحجبها) (¬3). قال القرافي: (والأب لا يسقط الجدة أم الأم) (¬4). قال البهوتي: (ولأن الجدات أمهات يرثن ميراث الأم لا ميراث الأب فلا يحجبن به كأمهات الأم) (¬5). قال الخرشي: (وتحجب الجدة مطلقًا أي من جهة الأم أو من جهة الأب قريبة أو بعيدة حجب حرمان بأم الميت بخلاف أبيه فإنه لا يحجب إلا الجدة التي من جهته، وترث معه الجدة التي من جهة الأم) (¬6). قال ابن عابدين: (واعلم أن الأب لا يرث معه إلا جدة واحدة من قبل الأم، لأن الأبويات يحجبن به، والأميات الصحيحات لا يزددن على واحدة أبدًا) (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن الجدة من جهة الأم لا تدلي بالأب، بل تدلي بالأم، فلا سبيل للأب عليها، كما هي القاعدة الفرضية.Rصحة الإجماع في أن وجود الأب لا يؤثر على الجدة التي من طريق: أم الأم، فلا يحجبها حجب حرمان، ولا حجب نقصان. ¬
[222 - 30] يشترك الجدات في السدس إذا كن في طبقة واحدة
[222 - 30] يشترك الجدات في السدس إذا كن في طبقة واحدة • المراد بالمسألة: أن فرض الجدة الواحدة، والجماعة منهن هو: السدس، لا ينقصن عنه ولا يزدن عليه، إذا كانت درجة قرابتهن واحدة، من أي جهة. مثاله: لو مات ميت عن جدة (أم أم) وجدة (أم أب) وزوج، وعم، فالمسألة من (ستة أسهم) للجدات السدس (سهم واحد) يشتركن فيه، وللزوج النصف (ثلاثة أسهم) والباقي (سهمان) للعم. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الجدتين إذا اجتمعا، وقرابتهما سواء، وكلتاهما ممن يرث؛ أن السدس بينهما، وأجمعوا على أنهما إذا اجتمعتا وإحداهما أقرب من الأخرى، وهما من وجه واحد؛ أن السدس لأقربهما] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا إن استوت الجدتان من قبل الأب ومن قبل الأم؛ فإنهما شريكتان في السدس. واتفقوا أنه إن كانت إحداهما أقرب؛ فإنها ترث] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [إلا أنهم أجمعوا أن فرض الجدة والجدات السدس لا مزيد فيه بسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-] (¬3). الجويني (478 هـ) قال: [أجمعوا على أن الجدتين المتحاذيتين لا تحجبا إحداهما الأخرى، بل السدس بينهما] (¬4) السرخسي (483 هـ) قال: [ويستوي في ذلك أم الأم وأم الأب فإن اجتمعتا فالسدس بينهما، ثبت ذلك باتفاق الصحابة -رضي اللَّه عنهم-] (¬5). ¬
ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمعوا على أن للجدة أمِّ الأم السدس، مع عدم الأم، وأن للجدة أيضًا أم الأب عند فقد الأب السدس، فإن اجتمعا؛ كان السدس بينهما] (¬1). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأما السدس فهو فرض سبعة: . . وفرض الجدة الواحدة أو الجدتين إن اجتمعتا بالإجماع. .] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن ميراث الجدات السدس وإن كثرن] (¬3). القرطبي (671 هـ) قال في كلامه على ميراث الجدات: [فإن انفردت إحداهما؛ فالسدس لها، وإن اجتمعتا وقرابتهما سواء؛ فالسدس بينهما، وكذلك إن كثرن إذا تساوين في القُعدَد، وهذا كله مجمع عليه] (¬4). القرافي (684 هـ) قال: [قال ابن يونس: لا خلاف أن الجدة أم الأم وإن علت لها السدس إذا انفردت، وكذلك أم الأب، فان اجتمعتا في طبقة؛ فالسدس بينهما اتفق على هذه الجملة] (¬5). البهوتي (1051 هـ) قال: [ولجدة فأكثر إلى ثلاث إذا تحاذين أي تساوين في الدرجة السدس إجماعًا] (¬6). • الموافقون على الإجماع: الشافعية (¬7). قال الماوردي: (وأجمعوا على توريث الجدات وأن فرض الواحدة والجماعة منهن السدس لا ينقصن منه ولا يزيدن عليه) (¬8). ¬
قال النووي: (وإن اجتمع جدتان فصاعدًا وارثات اشتركن في السدس) (¬1). قال الخرشي: (وإن اجتمعت الجدتان وكانتا في درجة واحدة أو كانت التي من قبل الأب أقرب كأم أب وأم أم أم كان السدس بينهما) (¬2). قال الدردير: (والسدس فرض الجدة مطلقًا من جهة الأم أو الأب كل من انفردت أخذته، وإن اجتمعتا فهو بينهما) (¬3). قال عبد الرحمن بن قاسم: (وإن اجتمع اثنتان أو ثلاث وتحاذين أي تساوين في القرب أو البعد من الميت فالسدس بينهن لعدم المرجح لإحداهن عن الأخرى) (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن القاسم بن محمد، قال: (أتت الجدتان إلى أبي بكر -رضي اللَّه عنه- فاراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم، فقال له رجل من الأنصار: أما إنك تترك التي لو ماتت وهو حي كان إياها يرث، فجعل أبو بكر -رضي اللَّه عنه- السدس بينهما) (¬5). • وجه الاستدلال: قال أهل العلم فواجب إلا يتعدى هذه السنة وإجماع الصحابة (¬6). الثاني: ولأن الجدات ذوات عدد لا يشركهن ذكر، فاستوى كثيرهن وواحدتهن، كالزوجات (¬7). ¬
[223 - 31] الجدتان: (أم الأم) و (أم الأب) وارثتان بلا خلاف
Rصحة الإجماع في أن الجدات إذا اجتمعن اشتركن في السدس. [223 - 31] الجدتان: (أم الأم) و (أم الأب) وارثتان بلا خلاف • المراد بالمسألة: أن الوارثات من الجدات من المجمع عليهم اثنتان فقط، وهما أم الأم، وأم الأب وإن علتا. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أن الجدات ترث منهن اثنتان: أم الأم، إذا لم تكن الأم حية، وأم الأب، إذا لم يكن الأب موجودًا (إلا في إحدى الروايتين) وعن أحمد أنه قال: ترث أم الأب، وابنها الأب حي] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [. . . وهؤلاء ليس يورثون إلا هاتين الجدتين المجتمع على توريثهما] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [لا خلاف بين أهل العلم في توريث جدتين، أم الأم، وأم الأب، وكذلك إن علتا وكانتا في القرب سواء] (¬3). المطيعي (1354 هـ) قال: [فأما أم أم الأم، وأم أم الأب فهما وارثتان بلا خلاف] (¬4). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [ولا خلاف بين أهل العلم في توريث أم الأم وأم الأب] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والشوكاني (¬7). ¬
[224 - 32] الجدة إن علت بالأمومة ورثت
قال النووي: (وأما الجدة فترث أم الأم وأمهاتها المدليات بمحض الإناث، وأم الأب وأمهاتها كذلك) (¬1). قال الموصلي: (الجدة الصحيحة كأم الأم وإن علت، وأم الأب وإن علا، وكل من يدخل في نسبتها أب بين أمين فهي فاسدة) (¬2). قال القرافي: (ولا يورث مالك إلا اثنتين أم الأب وأم الأم، فإن عُدمتا فأمهاتهما مقامهما) (¬3). قال الدسوقي: (والجدة فأكثر فرضها السدس إلا أنه لا يرث عندنا أكثر من جدتين أم الأم وأمها وإن علت، وأم الأب وأمها وهكذا) (¬4). قال الشوكاني: (وتستوي أم الأم وأم الأب لا فضل بينهما، فإن اختلفن سقط الأبعد بالأقرب، ولا يسقطهن إلا الأمهات، والأب يسقط الجدات من جهته، والأم من الطرفين، وكل جدة أدرجت أبًا بين أمين، وأمًا بين أبوين فهي ساقطة) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى القاعدة الفرضية: أن الجدة إذا أدلت إلى الميت من غير واسطة ذكر فإنه ترث، والجدتان هنا يدليان إلى الميت من غير واسطة ذكر، فيرثان إجماعًا.Rصحة الإجماع في أن الجدتان (أم الأم، وأم الأب) وارثتان بلا خلاف بين أهل العلم. [224 - 32] الجدة إن علت بالأمومة ورثت • المراد بالمسألة: أن الجدة الوارثة هي التي علت بالأمومة، مثل: أم الأم وإن علت؛ كأم أم الأم، وأم الأب وإن علت؛ كأم أم الأب. ¬
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [ولا خلاف بين أهل العلم في توريث جدتين: أم الأم، وأم الأب، وكذلك إن علتا وكانتا في القرب سواء: كَأمِّ أمِّ أمِّ، وأمِّ أمِّ أبٍ، إلا ما حكي عن داود أنه لا يورث أم أم الأب شيئًا. . .] (¬1). القرافي (684 هـ): [قال ابن يونس: لا خلاف أن الجدة أم الأم وإن علت لها السدس إذا انفردت وكذلك أم الأب] (¬2). ابن تيمية (728 هـ) قال: [ولا نزاع أن من علت بالأمومة ورثت؛ فترث أم أم الأب وأم أم الأم، بالاتفاق] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). قال الموصلي: (الجدة الصحيحة كأم الأم وإن علت، وأم الأب وإن علا) (¬7). قال النووي: (وأما الجدة فترث أم الأم وأمهاتها المدليات بمحض الإناث، وأم الأب وأمهاتها كذلك، وفي أم أب الأب وأم من فوقه من الأجداد وأمهاتهن قولان: المشهور: أنهن وارثات، والثاني: لا) (¬8). قال الخطيب الشربيني: (وترث منهن أم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص وأم الأب وأمهاتها كذلك) (¬9). قال الخرشي: (ولا يرث عند مالك أكثر من جدتين أم الأم وأم الأب ¬
[225 - 33] الإخوة لأم يرثون الثلث إن كانوا أكثر من واحد الذكور والإناث سواء
وأمهاتهما وإن علتا) (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما يلي: الأول: عن القاسم بن محمد -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أعطى ثلاث جدات) (¬2). • وجه الاستدلال: أن من ضرورته أن يكون فيهن أم أم الأب، أو من هو أعلى منها (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: داود الظاهري (¬4)، وذهب إلى أن أم أم الأب لا ترث شيئًا. وحجته: أنه لا يرثها فلا ترثه، وأيضًا لأنها غير مذكورة في الخبر.Rصحة الإجماع في أن الجدة إذا علت بالأمومة ورثت. وأما ما ذهب إليه داود فضعيف من وجهين: الأول: أن فيها خبر سبق ذكره وهو أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى ثلاث جدات، ومن ضرورته أن يكون فيهن أم أم الأب، أو من هي أعلى منها، وأيضًا أم أم الأم ليست مذكورة في الخبر وهو يقول بتوريثها. والثاني: أن ما ذكره داود فهو قياس، وهو لا يقول بالقياس، ثم هو باطل بأم الأم. [225 - 33] الإخوة لأم يرثون الثلث إن كانوا أكثر من واحد الذكور والإناث سواء • المراد بالمسألة: أن الإخوة لأم إن ورثوا وكانوا أكثر من ذلك؛ فهم ¬
شركاء في الثلث ذكورهم وإناثهم سواء. مثاله: لو مات ميت عن: أم، وعم، وثلاثة أخوة لأم، فالمسألة من (ستة أسهم) للأم الثلث (سهم واحد) وللأخوة لأم الثلث (سهمان) والباقي (ثلاثة أسهم للعم). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن الإخوة من الأم لا يرثون مع الأب ولا مع الجد أبي الأب وإن بعُد، فإذا لم يترك المتوفى أحدًا ممن ذكرنا أنهم يحجبون الإخوة من الأم، وترك أخًا أو أختًا للأم، فله أو لها السدس فريضًة، فإن ترك أخًا وأختًا من أمه فالثلث بينهما سواء لا فضل للذكر منهم على الأنثى] (¬1). الماوردي (450 هـ) قال: [فرض الواحد من الإخوة والأخوات للأم السدس. . . فإن كانوا اثنين فصاعدًا ففرضهم الثلث نصًا وإجماعًا. . . ثم يستوي فيه ذكورهم وإناثهم] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الأخ للأم أو الأخت للأم يأخذ كل واحد منهما السدس، واختلفوا في أنه إذا كانا اثنين فصاعدًا أيتساوون في الثلث ذكرُهم كأنثاهم أم للذكر مثل حظ الأنثيين؛ فإن لم يكن إلا واحد أو واحدة فليس لها [أو ولد ولد] (¬3) إلا السدس) (¬4) وقال: [فإن كان أخوان لأم أو أختان لأم أو أخًا أو أختًا أو إخوة كثيرًا لأم؛ فالثلث الباقي لهما أو لهم أو لهن، وهذا نص كما أوردنا وإجماع متيقن] (¬5). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [ميراث الإخوة للأم نص مجتمع عليه لا خلاف فيه للواحد منهم السدس، وللاثنين فما زاد الثلث] (¬6). البغوي (516 هـ) قال: [{فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي ¬
الْثُّلُثِ} [النساء: 12] فيه إجماع أن الإخوة للأم إذا كانوا اثنين فصاعدًا يشتركون في الثلث ذكرهم وأنثاهم] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء: على أن الإخوة للأم إذا انفرد الواحد منهم؛ أن له السدس ذكرًا كان أو أنثى، وأنهم إن كانوا أكثر من واحد؛ فهم شركاء في الثلث على السوية للذكر منهم مثل حظ الأنثى سواء] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أما التسوية بين ولد الأم؛ فلا نعلم فيه خلافًا إلا رواية شذت عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه فضل الذكر على الأنثى] (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: [قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] هذا التشريك يقتضي التسوية بين الذكر والأنثى وإن كثروا، وإذا كانوا يأخذون بالأم؛ فلا يفضل الذكر على الأنثى، وهذا إجماع من العلماء، وليس في الفرائض موضع يكون فيه الذكر والأنثى سواء إلا ميراث الإخوة للأم] (¬4). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [: وقد نقل الإجماع على أن المراد بها الأخوة من الأم] (¬5). الشربيني (977 هـ) قال: [وللواحد من الإخوة أو الأخوات لأم السدس ولاثنين منهم فصاعدًا الثلث سواءٌ ذكورهم وإناثهم بالإجماع، ولأنهم يشتركون بالرحم، فاستووا كالأبوين مع الولد؛ فإنهما يشتركان في الثلث، وبهذا فارقوا الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب فإن للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنهم يرثون بالعصوبة] (¬6). ¬
قال البهوتي (1051 هـ): وللأخ الواحد لأم السدس ذكرًا كان أو أنثى، فإن كان اثنين ذكرين أو أنثيين أو خنثيين أو مختلفين فصاعدًا فلهم الثلث بينهم بالسوية إجماعًا (¬1) قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): [(وللذكر) الواحد (أو الأنثى) الواحدة أو الخنثى (من ولد الأم السدس ولاثنين) منهم ذكرين أو انثيين أو خنثيين أو مختلفين (فازيد الثلث بينهم بالسوية) لا يفضل ذكرهم على أنثاهم بلا خلاف بين أهل العلم] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3). قال العمرانى: (وأما ولد الأم. . . وللاثنيين منهم فما زاد الثلث، ويسوى فيه بين الذكر والأنثى) (¬4). قال النووي: (الإخوة والأخوات للأم، لواحدهم السدس ذكرًا كان أو أنثى، وللاثنين فصاعدًا الثلث يقسم بين ذكورهم وإناثهم بالسوية) (¬5). قال الموصلي: (الأخ لأم وله السدس وللإثنين فصاعدًا الثلث وإن اجتمع المذكور والإناث استووا في الثلث) (¬6). قال الخرشي: (الثلث. . . فرض اثنين فصاعدًا من الإخوة للأم سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا أو ذكورًا وإناثًا مع عدم الحاجب) (¬7). قال الدردير: (والثلث فرض لولديها أي الأم. . . ويستوي الذكر والأنثى فيه) (¬8). ¬
قال الدسوقى: (والثلث فرض. . . ولداها فأكثر أي الإخوة من الأم عند تعددهم) (¬1). قال عبد الغني الميداني: (والثلث. . . لكل اثنين فصاعدًا من ولد الأم: ذكورهم وإناثهم فيه سواء) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد في قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]. • وجه الاستدلال: أن اللَّه جعل ذكرهم وأنثاهم في الفرض سواء، فإن كان واحدًا أو واحدة فلكل واحد منهما السدس، وإن كان أكثر من ذلك فهم يشتركون في الثلث، وهذا أيضًا محل إجماع أهل العلم على هذا التفسير (¬3). • الخلاف الوارد في هذا الباب: • خالف في هذه المسألة: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، فقد روي عنه -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (إنهم يقتسمون الثلث: للذكر مثل حظ الأنثيين قياسًا على ولد الأب والأم) (¬4). وقد ذكر الماوردي (¬5)، وابن قدامة، أن هذه الرواية شاذة عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. قال ابن قدامة: (أما التسوية بين ولد الأم؛ فلا نعلم فيه خلافًا إلا رواية شذت عن ابن عباس أنه فضل الذكر على الأنثى) (¬6). ¬
[226 - 34] الأخ لأم يرث السدس إن كان واحدا
Rصحة الإجماع في أن الإخوة لأم يشتركون في الثلث ذكورهم وإناثهم سواء، وأما إن كان واحدًا أو واحدة فلها السدس. [226 - 34] الأخ لأم يرث السدس إن كان واحدًا • المراد بالمسألة: أن الأخ لأم (ذكرًا أم أنثى) إذا كان واحدًا يرث السدس، إذا لم يكن هناك من يحجبه. مثاله: لو مات ميت عن: أم، وعم، وأخ لأم، فالمسألة من (ستة) للأم الثلث (سهمان) وللأخ لأم السدس (سهم واحد) والباقي (سهمان) للعم. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن الإخوة من الأم لا يرثون مع الأب ولا مع الجد أبي الأب وإن بعُد، فإذا لم يترك المتوفى أحدًا ممن ذكرنا أنهم يحجبون الإخوة من الأم، وترك أخًا أو أختًا للأم، فله أو لها السدس فريضًة] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الأخ للأم أو الأخت للأم يأخذ كل واحد منهما السدس] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [ميراث الإخوة للأم نص مجتمع عليه لا خلاف فيه للواحد منهم السدس، وللاثنين فما زاد الثلث] (¬3). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء: على أن الإخوة للأم إذا انفرد الواحد منهم؛ أن له السدس ذكرًا كان أو أنثى] (¬4). الشربيني (977 هـ) قال: [وللواحد من الإخوة أو الأخوات لأم السدس ولاثنين منهم فصاعدًا الثلث سواءٌ ذكورهم وإناثهم بالإجماع] (¬5). البهوتي (1051 هـ) قال: [وللأخ الواحد لأم السدس ذكرًا كان أو ¬
أنثى، فإن كان اثنين ذكرين أو أنثيين أو خنثيين أو مختلفين فصاعدًا فلهم الثلث بينهم بالسوية إجماعًا] (¬1). الخرشي (1101 هـ) قال: [والسدس للواحد من ولد الأم مطلقًا يعني أن الواحد من ولد الأم فرضه السدس سواء كان ذكرًا أو أنثى اتفاقًا] (¬2). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): [(وللذكر) الواحد (أو الأنثى) الواحدة أو الخنثى (من ولد الأم السدس ولاثنين) منهم ذكرين أو انثيين أو خنثيين أو مختلفين (فأزيد الثلث بينهم بالسوية) لا يفضل ذكرهم على أنثاهم بلا خلاف بين أهل العلم] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4). قال الماوردي: (فرض الواحد من الإخوة والأخوات للأم السدس) (¬5). قال العمراني: (وأما ولد الأم فللواحد منهم السدس) (¬6). قال النووي: (الإخوة والأخوات للأم، لواحدهم السدس ذكرًا كان أو أنثى) (¬7). قال الموصلي: (الأخ لأم وله السدس) (¬8). قال الدردير: (والسدس فرض لولد الأم ذكرًا كان أو أنثى إن انفرد) (¬9). قال الدسوقي: (فالسدس. . . للواحد من ولد الأم مطلقًا ذكرًا أو أنثى) (¬10). ¬
[227 - 35] الإخوة للأم لا يحجبون بالإخوة الأشقاء ولا لأب
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: ما ورد في قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]. • وجه الاستدلال: أن اللَّه جعل ذكرهم وأنثاهم في الفرض سواء، فإن كان واحدًا أو واحدة فلكل واحد منهما السدس، وإن كان أكثر من ذلك فهم يشتركون في الثلث، وهذا أيضًا محل إجماع أهل العلم على هذا التفسير (¬1). الثاني: أن القاعدة الفرضية في الإخوة لأم أنهم إذا انفردوا أخذ كل واحد منهم السدس، بخلاف اجتماعهم وهذه قاعدة مجمع عليها. الثالث: أن الأخ لأم لا يرث بالفرض إلّا السدس، ولا زادت الفريضة فلا يرج عليه؛ لأن الرد ليس إرثًا بالفرض.Rصحة الإجماع في أن الأخ لأم (ذكرًا أم أنثى) إذا كان واحدًا يرث السدس، إذا لم يكن هناك من يحجبه. [227 - 35] الإخوة للأم لا يُحجَبون بالإخوة الأشقاء ولا لأب • المراد بالمسألة: أن الإخوة لأم لا يحجبهم الإخوة الأشقاء، ولا الإخوة لأب، مع أن الإخوة لأب يحجبون بالإخوة الأشقاء. مثاله. لو ماتت امرأة عن: زوج، وأخ شقيق، وأخ لأم، فالمسألة من (ستة أسهم) للزوج النصف (ثلاثة أسهم) وللأخ لأم السدس (سهم واحد) والباقي (سهمان) للأخ الشقيق. • من نقل الإجماع: السرخسي (483 هـ) قال في معوض كلامه على ¬
ميراث الإخوة من الأم: [واتفقوا أنهم لا يسقطون ببني الأعيان ولا ببني العَلات (¬1)، ولا ينقص نصيبهم ببني العلات، وإنما يختلفون في أنه هل ينقص نصيبهم ببني الأعيان أم لا] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الأخ الشقيق يحجب الأخ للأب ولا يحجب الأخ للأم ولا الأخت للأم] (¬3) ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن: ولد الأم يسقط بأربعة: بالولد، وولد الابن، والأب، والجد] (¬4). الموصلي (683 هـ) قال: [ويسقط بنو الأخياف) وهم الإخوة لأم بالولد وولد الابن والأب والجد بالاتفاق] (¬5). الخطيب الشربيني (977 هـ) قال: [والأخ لأم يحجبه أربعة أب وجد وولد ذكرًا كان أو أنثى وولد ابن ولو أنثى بالإجماع] (¬6). الدردير (1201 هـ): [فحاصله أن الإخوة للأم يحجبون بستة كما رأيت أي وهم الابن وابن الابن والبنت وبنت الابن والأب والجد إجماعًا] (¬7). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): [ويسقط ولد الأم بالولد ذكرًا كان أو أنثى وبولد الابن كذلك وبالأب وأبيه وإن علا، قال الموفق وغيره: أجمع على هذا أهل العلم] (¬8) • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬9)، والشافعية (¬10). ¬
قال الماوردي: (فأما الإخوة والأخوات للأم فيسقطون مع أربعة: مع الأب، ومع الجد، ومع الولد ذكرًا كان أو أنثى، ومع ولد الابن ذكرًا كان أو أنثى) (¬1). قال الجويني: (والأخ من الأم يحجبه الابن، وابن الابن، والبنت، وبنت الابن، والأب، والجد) (¬2). قال النووي: (فالإخوة والأخوات للأم يحجبهم أربعة: الولد، وولد الابن، والأب والجد) (¬3). قال البهوتي: (وتسقط الإخوة لأم ذكورًا كانوا أو إناثًا بالولد ذكرًا كان أو أنثى، وبولد الابن ذكرًا كان أو أنثى وبالأب وبالجد لأب) (¬4). قال الخرشي: (الأخ للأم يحجب جحب حرمان بكل واحد من عمودي النسب وبالبنت للصلب وبنت الابن وإن سفلت، فالحاصل أن الأخ للأم يسقط بستة بالابن ذكرًا كان أو أنثى وابن الابن وإن سفل ذكرًا كان أو أنثى وبالأب والجد وإن علا) (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: ما ورد في قول اللَّه سبحانه وتعالى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: أنَّ الأخوة هنا المراد بهم لأم، فلا يحجبهم إلا والد أو ولد.Rصحة الإجماع في أن الإخوة لأم لا يحجبون بالإخوة الأشقاء والإخوة لأب. ¬
[228 - 36] الإخوة للأم قد يفضلون الإخوة الأشقاء
[228 - 36] الإخوة للأم قد يفضلون الإخوة الأشقاء المراد بالمسألة: أن الإخوة من الأم قد يفضلون الإخوة من الأب والأم في الميراث، وذلك في حالات نادرة. مثاله: لو ترك رجل إخوة لأم، وإخوة لأب وأم؛ فإن للإخوة من الأم الثلث، وما بقي فهو للإخوة من الأب والأم، وقد يكون الإخوة من الأم اثنان؛ فيستحقان الثلث ولا يشاركهم الإخوة للأب وللأم، وإن كانوا مائة وأكثر؛ فقد صح بإجماع الجميع أن الإخوة من الأم قد يفضلون الإخوة من الأب والأم (¬1). • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) قال: [وعمدتهم باتفاق الجميع على أنَّ من ترك زوجًا وأمًّا وأخًا واحدًا لأم وإخوة شقائق عشرة أو أكثر؛ أنَّ الأخ للأم يستحق هاهنا السدس كاملًا، والسدس الباقي بين الباقين مع أنهم مشاركون له في الأم] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وقد انعقد الإجماع على أنه لو كان في هذه المسألة واحد من ولد الأم ومائة من ولد الأبوين؛ لكان للواحد السدس، وللمائة السدس، الباقي لكل واحد عُشر عشره] (¬3). القرافي (684 هـ) قال: [ولو تركت زوجًا وأمُّا وأخًا لأم وعشرة إخوة للأب وللأم؛ لكان للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخ للأم السدس، وللعشرة سدس بإجماع، ولا يُسَّوى بينهم؛ فبطَل القول بملاحظة أمومتهم واشتراكهم فيها] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6). ¬
[229 - 37] أخوان لأم أحدهما ابن عم فالثلث بينهما والباقي لابن العم
قال الماوردي: (الإدلاء بالأم إذا انضم إلى التعصيب أوجب قوة على مجرد التعصيب إما في فرض أو تقديم، فلما سقط الفرض في الولاء ثبت التقديم) (¬1). قال السرخسي: (لو كان هناك أخ واحد لأم وعشرة لأب وأم فللأخ لأم السدس والباقي بين الإخوة لأب وأم، ولا أحد يقول بالتسوية بينهم هنا فلو كان معنى الاستواء في قرابة الأم معتبرًا لوجب أن يعتبر ذلك وبقي تفضيل الأم لأم على الأخ لأب وأم) (¬2). قال عبد الرحمن بن قاسم: (ويسقطون أي العصبة إذا استغرقت الفروض التركة. . . حتى الإخوة الأشقاء في الحمارية وهي: زوج وأم وإخوة لأم وإخوة أشقاء للزوج النصف وللأم السدس وللإخوة من الأم الثلث وتسقط الأشقاء لاستغراق الفروض التركة) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلي ما ورد في قول اللَّه سبحانه وتعالى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: أن الأخوة لأم إذا كانوا أكثر من اثنين فيشتركون في الثلث، وإذا كان واحدًا فله السدس، وقد لا يحصل عليه الأخ الشقيق.Rصحة الإجماع في أن الإخوة للأم قد يفضلون الإخوة الأشقاء. [229 - 37] أخوان لأم أحدهما ابن عم فالثلث بينهما والباقي لابن العم • المراد بالمسألة: أن الميت لو ترك أخوين لأم، أحدهما ابن عم؛ فلهما الثلث بالإخوة، والباقي من نصيب ابن العم تعصيبًا. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أن من خلف ¬
ابنى عم، وأحدهما أخ لأم، فإن للأخ من الأم السدس، والباقي نصفان] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أخوان من أم، أحدهما ابن عم؛ فالثلث بينهما، والباقي لابن العم، وتصح من ستة لابن العم خمسة، وللآخر سهم، ولا خلاف في هذه المسألة] (¬2). النووي (676 هـ) قال: [ولو ترك أخويق لأم، وترك سواهما أخوين لأم أحدهما ابن عم؛ فلهما الثلث بالإخوة، والباقي لابن العم، منهما بلا خلاف] (¬3). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [وقد أجمعوا في ثلاثة إخوة للأم أحدهم ابن عم؛ أن للثلاثة الثلث، والباقي لابن العم] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6). قال العمراني: (وإن مات رجل وخلّف ابني عم أحدهما أخ لأم، فإن للذي هو أخ لأم السدس بالفرض، والباقي بينه وبين ابن العم الآخر نصفان بالتعصيب) (¬7). قال الموصلى: (ماتت عن ابني عم أحدهما أخ لأم فللأخ السدس بالإخوة والبادي بينهما بالعمومة) (¬8). قال القرافي: (ابنا عم أحدهما أحدهما لأم، قال عمر وابن مسعود: المال كله للأخ للأم (دون ابن العم) كالأخ الشقيق مع الأخ للأب، قال ابن ¬
يونس: وقاله أشهب، وقال علي وزيد وابن عباس: للأخ للأم فرضه، والباقي بينهما نصفان، والفرق أن الشقيق والأخ للأب ورثا بوجه واحد وهو الإخوة والتعصيب فقدم الأرجح، وهاهنا جهتان: جهة فرض وهو كونه أخأ لأم، وجهة تعصيب وهو كونه ابن عم فوفيت كل جهة حكمها) (¬1). قال الدردير: (لو كان ابنا عم أحدهما أي لأم فالسدس للأخ للأم، ثم يقسم ما بقي بينهما نصفين عند مالك، وقال أشهب: يأخذ الأخ للأم جميع المال كالشقيق مع الأخ للأب) (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: فالأخوة لأم إذا كانوا أكثر من اثنين فيشتركون في الثلث. الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬3). • وجه الاستدلال: أن ما يبقى من التركة يرد إلى الأخ لأم وهو ابن عم، وذلك لكونه يرث بالفرض والتعصيب. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-. وقضى بقضاء ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: شريح بن الحارث القاضي، وإبراهيم بن زيد النخعي. فقد قال ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أيضًا في ابني عم أحدهما أخ لأم، قال: ¬
[230 - 38] الإخوة لأب لا يشاركون الأخوة الأم في الثلث الباقي إذا لم يبق إلا هو
(المال للأخ من الأم) (¬1). وقال إبراهيم بن زيد النخعي في امرأة تركت ثلاثة بني عم: (أحدهم زوجها، والآخر أخوها لأمها، قال ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: (للزوج النصف، وما بقي فللأخ من الأم) (¬2). وعن شريح بن الحارث القاضي (أنه كان يقضي في بني عم أحدهم أخ لأم بقضاء عبد اللَّه ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-) (¬3).Rعدم صحة الإجماع أن الميت لو ترك أخوين لأم، أحدهما ابن عم؛ فلهما الثلث بالإخوة، والباقي من نصيب ابن العم تعصيبًا، وذلك للخلاف القوي في المسألة. [230 - 38] الإخوة لأب لا يشاركون الأخوة الأم في الثلث الباقي إذا لم يبق إلا هو • المراد بالمسألة: أنه لو مات رجل فترك: أختين شقيقتين، وأختين لأم، وأخوات أو إخوة لأب؛ فإن الإخوة لأب لا يشاركون الأخوات لأم في ثلث الباقي، بل يحجبون. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [وكذلك لو ترك أختين شقيقتين، وأختين لأم، وأخوات أو أختا لأب، أو إخوة لأب؛ فللشقيقتين فصاعدًا الثلثان، وللبنتين للأم فصاعدًا الثلث، ولا شيء للأخت للأب، ولا للأخوات للأب، ولا للإخوة للأب، وهذا دليل النص كما ذكرنا وإجماع متيقن به مقطوع به] (¬4). ¬
ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وكذلك أجمعوا ألا يشرَّك بين بني الأب وبني الأم؛ لأنه لا قرابة بينهم ولا نسب يجمعهم من جهة الأم التي ورث بها بنو الأم] (¬1). النووي (676 هـ) قال: [إلا المشرَّكة وهي: زوج وأم وأخوان لأم وأخوان للأبوين؛ فللزوج النصف، وللأم السدس، وللأخوين للأم الثلث، يشاركهم فيه الأخوان للأبوين. . ثم قال: ولو كان لدل أولاد الأبوين إخوة لأب سقطوا بالاتفاق؛ لأنه ليس لهم قرابة أم فيشاركون أولاد الأم، فافترق الصنفان في هذه المسألة] (¬2). ابن تيمية (728 هـ) قال: [زوج وأم واثنان من ولد الأم وحمل من الأب والمرأة الحامل ليست أم الميت بل هي زوجة أبيها، فللزوج النصف، وللأم السدس، ولولد الأم الثلث؛ فإن كان الحمل ذكرًا؛ فهو أخ من أب، فلا شيء له باتفاق العلماء، وإن كان الحمل أنثى؛ فهو أخت من أب فيفرض لها النصف، وهو فاضل عن السهام؛ فأصلها من ستة وتعول إلى تسعة] (¬3). الشربيني (977 هـ) قال في معرض كلامه على التشريك بين الإخوة الأشقاء، والإخوة لأم: [ولو كان بدل الأخ لأبوين أخ لأب سقط بالإجماع؛ لأنه ليس له قرابة أم يشارك بها] (¬4). ¬
[231 - 39] يحجب ولد الابن (ذكرا أم أنثى) بالابن الصلبي الذكر
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬1). قال الماوردي (450 هـ): إن الأخ للأب ليس له سبب يرث به إلا بالتعصيب وحده فلم يجز أن يدخل بمجرد التعصيب على ذوي الفرض (¬2). قال السرخسي (483 هـ): امرأة ماتت وتركت زوجًا وأمًا وأخوين لأم أو أختين أو أخًا وأختًا وأخوين لأب وأم، فالمذهب عند علي وأبي موسى الأشعري وأبي بن كعب -رضي اللَّه عنهم-: أن للزوج النصف وللأم السدس وللأخوة لأم الثلث ولا شيء للإخوة لأب وأم، وبه أخذ علماؤنا رحمهم اللَّه (¬3). قال القرافي (684 هـ) في معرض كلامه على التشريك بين الإخوة الأشقاء، والإخوة لأم: وأن يكونوا أشقاء فلو كانوا لأب لم يرثوا شيئًا لعدم المشاركة في الأم (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬5). • وجه الاستدلال: أن الأخوة لأم أصحاب فرض، وهم يدلون بالأم، وأما الأخوة لأب فلا يدلون بالأم، ولذلك لا يرثون.Rصحة الإجماع في أن الإخوة لأم إذا ورث معهم أخوةٌ لأب، فإنهم لا يشاركونهم في ثلث الباقي، بل يكون خالصًا للأخوة لأم. [231 - 39] يحجب ولد الابن (ذكرًا أم أنثى) بالابن الصلبي الذكر • المراد بالمسألة: القاعدة الفرضية أن كل من أدلى بواسطة فإن تلك الواسطة تحجبه (¬6)، فولد الابن لما أدلى بالابن وهو أبوه فإنه يحجبه إن كان ¬
موجودًا. مثاله: لو مات رجل عن: ابن، وابن ابن، وزوجه، فالمسألة من (ثمانية أسهم) للزوجة (سهم واحد) والباقي (سبعة أسهم) للابن، وابن الابن محجوب بأبيه. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن بني الابن، وبنات الابن لا يرثون مع بني الصلب] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [والاتفاق على أن الذكر من بني البنين يرث ما لم يحجبه ذكر هو أعلى درجة منه] (¬2) وقال: [واتفقوا أن الابن وابن الابن يرث وإن سفل، إذا كان يرجع بنسب آبائه إلى الميت، ولم تُحل بين ابنين منهما ما لم يكن هناك ابن حي أو ابن ابن أقرب منه] (¬3). وقال: [وأجمعوا على ابن الابن أنه يرث ميراث الابن إذا لم يكن ابن، ولا يرث إخوة الجد منه شيئًا معهم، ثم لم يقيسوا على هذه الوجوه كلها توريث الجد من ابن الابن دون إخوته، ولا قاسوه على الأب إذا لم يكن أبٌ] (¬4). القرطبي (671 هـ) قال: [فإن كان في ولد الصلب ذكر لم يكن لولد الولد شيء، وهذا مما أجمع عليه أهل العلم] (¬5). قال ابن مفلح (884 هـ): [يسقط. . . . وولد الابن بالابن بالإجماع لقربه، لأن إن كان أبًا فهو يدلي به، فسقط به كما يسقط الأب الجد وإن كان عمه فهو أقرب منه فيسقط به] (¬6). الشربيني (977 هـ) قال: [وابن الابن وإن سفل لا يحجبه من العصبة إلا الابن: أباه كان أو عمَّه؛ لإدلائه به، أو لأنه عصبة أقرب منه، وهذا مجمع ¬
عليه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2)، والحنابلة (¬3). قال الماوردي (450 هـ): الإدلاء إلى الميت بمن يستحق جميع الميراث يمنع من مشاركته في الميراث كولد الابن مع الابن (¬4). قال السرخسي (483 هـ): أولاد الابن يدلون بالابن ويرثون بمثل نسبه فيحجبون به كالأجداد بالأب والجدات بالأم (¬5). قال النووي (676 هـ): . . . فابن الابن لا يحجبه إلا الابن (¬6). قال الموصلي (683 هـ): . . . ومن عدا هؤلاء فالأقرب يحجب الأبعد كالابن يحجب أولاد الابن (¬7). قال القرافي (684 هـ): وولد الابن مع عدم الأبناء للصلب كميراث ولد الصلب (¬8). قال الدردير (1201 هـ): بل يحجب أي يمنع من الإرث بالكلية ابن الابن بالابن، لأن الابن أقرب للميت، وكل من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة إلا الإخوة للأم (¬9). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ويسقط ولد الابن بالابن ولو لم يدل به لقربه (¬10). ¬
[232 - 40] الأخ الشقيق أو لأب وأبناءهم يحجبون العم الشقيق أو لأب وأبناءهم
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬1). • وجه الاستدلال: أن الابن يحوز المال كله إذا لم يكن معه وارث مثله، أو من أصول الميت، ولا شيء لابنه في حال وجوده.Rصحة الإجماع أن أولاد الابن ذكرًا كانوا أم إناثًا يحجبون بوجود الابن الصلبي الذكر. [232 - 40] الأخ الشقيق أو لأب وأبناءهم يحجبون العم الشقيق أو لأب وأبناءهم • المراد بالمسألة: أن الأخ الشقيق أو لأب يحجب العم الشقيق أو العم لأب، وذلك لأن الطريق الذي يدلي به الميت إليه أقرب وأقوى مما يدلي به إلى العم الشقيق أو العم لأب، فالأخوة الأشقاء والذين لأب يدلون بأبي المتوفى، والأعمام يدلون بجد المتوفى، وكذلك أبناءهم كلهم. مثال: لو مات رجل عن: أخ شقيق، وعم، فإن المال كله للأخ الشقيق. ولو مات رجل عن ابن أخ شقيق وعم، فالمال كله لابن الأخ الشقيق، ولا شيء للعم، لأنه محجوب به. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن ابن الأخ الشقيق يحجب ابن الأخ غير الشقيق والأعمام كلهم وبنيهم] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وقد أجمعوا أن ابن الأخ يقدم على العم] (¬3). ¬
ابن رشد (595 هـ) قال: [وأيضًا فما أجمعوا عليه من أن ابن الأخ يقدم على العم وهو يدلي بالأب والعم يدلي بالجد] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). قال المزني (264 هـ): وأقرب العصبة البنون ثم بنو البنين ثم الأب ثم الإخوة للأب والأم إن لم يكن جد، فإن كان جد شاركهم في باب الجد، ثم الإخوة للأب ثم بنو الإخوة للأب والأم ثم بنو الإخوة للأب، فإن لم يكن أحد من الإخوة ولا من بنيهم ولا بني بنيهم وإن سفلوا فالعم للأب والأب ثم العم للأب، ثم بنو العم للأب والأم. . . (¬5). قال الجويني (478 هـ): ثم إن لم يكن جد، فالأخ من الأب والأم، ثم الأخ للأب ثم ابن الأخ للأب والأم، ثم ابن الأخ للأب ثم العم من الأب والأم، ثم العم من الأب. . . (¬6). قال الموصلي (683 هـ) في ترتيب العصبات: وأقربهم جزء الميت وهم بنوه ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم أصله وهو الأب، ثم الجد، ثم جزء أبيه، ثم بنوهم، ثم جزء جده، ثم بنوهم، ثم أعمام الأب، ثم بنوهم، ثم أعمام الجد، ثم بنوهم وهكذا (¬7). قال الزيلعي (743 هـ): والأحق الابن ثم ابنه وإن سفل ثم الأب ثم أب الأب وإن علا، ثم الأخ لأب وأم ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ لأب وأم ثم ابن الأخ لأب ثم الأعمام ثم أعمام الأب ثم أعمام الجد على الترتيب (¬8). ¬
[233 - 41] يحجب الجد بالأب، والجد الأعلى يحجب الأبعد منه من آباءه
قال الدردير (1201 هـ): ويحجب العم وابنه أي ابن العم، بالأخ وابنه أي ابن الأخ، لما علمت أن جهة الإخوة وإن نزلت مقدمة على جهة العمومة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬2). • وجه الاستدلال: أن الأخوة الأشقاء، أو لأب، أقرب إلى الميت من العم الشقيق أو لأب. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في المسألة عن: سالم بن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه-. فقد ورد عنه إنه جعل: (المال للعم دون ابن الأخ) (¬3).Rصحة الإجماع في أن الأخ الشقيق أو لأب، وأبناءهم يحجبون العم الشقيق أو العم لأب، وذلك لأن الطريق الذي يدلي به الميت إليه أقرب وأقوى مما يدلي به إلى العم الشقيق أو العم لأب، وأما قول سالم فهو مخالف للإجماع. [233 - 41] يحجب الجد بالأب، والجد الأعلى يحجب الأبعد منه من آباءه • المراد بالمسألة: القاعدة الفرضية أن كل من أدلى بواسطة فإن تلك الواسطة تحجبه (¬4)، فالجد الوارث (أب الأب) يحجبه أبوه إن كان موجودًا، وكذلك الجد البعيد يحجبه الجد الأقرب. ¬
مثاله: لو مات رجل عن: جد، وأبي الجد، فالمال كله للجد الأعلى، ولا شيء لأبي الجد لأنه محجوب به. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب] (¬1). الماوردي (450 هـ) قال: [وأما الأب فلا خلاف أنه يحجب أباه وهو الجد] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن الأب يحجب الجد، وأنه يقوم مقام الأب عند عدم الأب مع البنين، وأنه عاصب مع ذوي الفرائض] (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن الجد لا يرث مع الأب وأن الابن يحجب أباه] (¬4) ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [وقد انعقد الإجماع على أن الجد لا يرث مع وجود الأب] (¬5). الشربيني (977 هـ) قال: [والجد لأب دوان علا لا يحجبه إلا ذكر متوسط بينه وبين الميت بالإجماع؛ لأن من أدلى بشخص لا يرث مع وجوده إلا أولاد الأم] (¬6). البهوتي (1051 هـ) قال: [ويسقط الجد بالأب إجماعًا لأنه يدلي به ويسقط كل جد أعلى بمن هو أقرب منه لإدلائه به] (¬7). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [والجد لأب لا يحجبه غير الأب إجماعًا] (¬8). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬1). قال السرخسي (483 هـ): الجد عند عدم الأب يقوم مقام الأب في الإرث والحجب حتى يحجب الإخوة والأخوات من أي جانب كانوا (¬2). قال العمراني (558 هـ): وأما الأب: فإنه لا يرث معه أبوه، لأن الجد يدلي بالأب، ومن أدلى بعصبة لم يشاركه في الميراث كابن الابن لا يشارك الابن، وكذلك لا يرث مع الأب أحد من أجداده (¬3). قال الدردير (1201 هـ): ويحجب الجد بالأب لأنه أقرب للميت من الجد (¬4). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): الجد بمنزلة الأب عند عدمه يرث معه من يرث مع الأب ويسقط به من يسقط بالأب (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬6). • وجه الاستدلال: أن الجد يدلي إلى الميت بواسطة وهو الأب، فيحجب به. الثاني: أن القاعدة الفرضية أن كل من أدلى إلى الميت بأب وارث سقط به كالجد والإخوة. الثالث: ولأن الإدلاء إلى الميت بمن يستحق جميع الميراث يمنع من مشاركته في الميراث، كولد الابن مع الابن، وولد الإخوة مع الإخوة (¬7). ¬
[234 - 42] الجدات يحجبن بالأم، وكل جدة قربى تحجب البعدى
Rصحة الإجماع في أن الجد يحجب بالأب، والجد القريب يحجب الجد البعيد. [234 - 42] الجدات يحجبن بالأم، وكل جدة قربى تحجب البعدى • المراد بالمسألة: أن الميت إذا خلف أمًا وجدة، فإن الأم تحجب الجدة، وكذلك كل جدة قربى تقوم مقام الأم في حجب البعدى. مثاله: لو مات رجل عن: أم، وجدة (أم أم) وزوجة، وأخ شقيق، فالمسألة من (اثني عشر سهمًا) للزوجة الربع (ثلاثة أسهم) وللأم السدس (سهمان) والجدة محجوبة بالأم، والباقي (سبعة أسهم) للأخ الشقيق الباقي، لأنه عاصب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن للجدة السدس إذا لم تكن للميت أم] (¬1). الماوردي (450 هـ) قال: [لا خلاف أن الجدات لا يرثن مع الأم سواء من كن منهن من قبل الأب أو من قبل الأم، لأنهن يرثن بالولادة فكانت الأم أولى منهن] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [وأجمعوا أنه يرث من النساء الأم وأمها، وهكذا صُعدًا؛ إذا لم تكن دون إحداهن أم ولا جدة لأم أقرب منها] (¬3). الجويني (478 هـ) قال: [اتفق العلماء على أن الأم تحجب جميع الجدات سواء كن من قبلها أم من قبل الأب] (¬4). السرخسي (483 هـ) قال: [وأما الفصل الرابع وهو الكلام في الحجب ¬
فنقول: الأم تحجب الجدات أجمع بالاتفاق، سواء كانت من قبلها أو من قبل الأب] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [أم الأم لا ترث بإجماع مع الأم شيئًا] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أما إذا كانت إحدى الجدتين أم الأخرى؛ فأجمع أهل العلم على أن الميراث للقربى، وتسقط البعدى بها، وإن كانت من جهتين والقربى من جهة الأم؛ فالميراث لها وتحجب البعدى في قول عامتهم إلا ما روي عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- ويحيى بن آدم وشريك أن الميراث بينهما. . .] (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمعوا أن الأم تحجب أمها وأم الأب] (¬4). وقال: [فأجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم] (¬5). الزيلعي (743 هـ) قال: [أي: تحجب الجدات كلهن بالأم، والمراد إذا كانت الأم وارثة وعليه الإجماع، والمعنى فيه: أن الجدات إنما يرثن بطريقة الولادة والأم أبلغ حالًا منهن في ذلك؛ فلا يرثن معها] (¬6). الشربيني (977 هـ) قال: [أو الأم أي: تحجب الجدة للأب أيضًا بالإجماع؛ فإنها تستحق بالأمومة والأم أقرب منها] (¬7). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [(و) تسقط (الجدات) من قبل الأم والأب (بالأم) لأن الجدات يرثن بالولادة والأم أولاهن لمباشرتها الولادة: إجماعًا لأنهن أمهات فيسقطن كما يسقط الأجداد بالأب] (¬8). ¬
• الموافقون على الإجماع: قال العمراني (558 هـ): الأم تحجب الجدات من جهتها ومن جهة الأب (¬1). قال النووي (676 هـ): الأم تحجب كل جدة سواء كان من جهتها أو من جهة الأب (¬2). قال الموصلي (683 هـ): وتسقط جميع الجدات بالأم، وتسقط الأبويات بالأب، والقربى تحجب البعدى وارثة كانت أو محجوبة (¬3). قال القرافي (684 هـ): الأم أقوى من الأب لأنها تسقط الجدات كلهن، والأب لا يسقط الجدة أم الأم (¬4). قال البهوتي (1051 هـ): وتسقط الجدات من كل جهة أي من جهة الأب أو الأم بالأم، لأن الجدات يرثن بالولادة فكانت الأم أولى منهن لمباشرتها الولادة (¬5). قال الخرشي (1101 هـ): وتحجب الجدة مطلقًا أي من جهة الأم أو من جهة الأب قريبة أو بعيدة حجب حرمان بأم الميت بخلاف أبيه فإنه لا يحجب إلا الجدة التي من جهته (¬6). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): وتسقط الجدات بالأم (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما يلي: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬8). • وجه الاستدلال: أن الجدة تدلي إلى الميت بواسطة وهي الأم، ¬
فتحجب بها. الثاني: أن القاعدة الفرضية أن كل من أدلى إلى الميت بأم وارثة سقطت بها، والجدة أدلت بالأم الوارثة. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه-، وقد أفتى بقوله: خارجةُ بن زيد وطلحة بن عبد اللَّه وسليمان بن يسار (¬1). فقد ورد عن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- أنه قال: (إذا اجتمعت جدتان؛ فبينهما السدس، وإذا كانت التي من قبل الأم أقرب من الأخرى؛ فالسدس لها، وإذا كانت التي من قبل الأب؛ فهو بينهما) (¬2). الجواب: وقد أجاب العلماء عن ذلك بالتالي: يقول الزيلعي: والبعدى تحجب بالقربى سواء كانا من جهة واحدة أو من جهتين وسواء كانت القربى وارثة أو محجوبة بالأب أو بالجد وفي رواية عن ابن مسعود: لا تحجب الجدات إلا الأم وفي رواية عنه وعن زيد بن ثابت: أن القربى إذا كانت من جهة الأب لا تحجب البعدى من جهة الأم وبالعكس تحجب لأن الجدات يرثن بولادة الأبوين فوجب أن يعطي كل واحدة منهن حكم من تدلي به والأب لا يحجب الجدات من قبل الأم فكذا أمه والأم تحجب كل جدة هي أبعد منها فكذا أمها، ولنا أن الجدات يرثن باعتبار الولادة فوجب أن يقدم الأدنى على الأبعد كالأب الأدنى مع الأب الأبعد، وليس كل حكم يثبت للواسطة يثبت لمن يدلي به، ألا ترى أن أم الأب لا يزيد إرثها على السدس وتحجب بالأم والأب بخلاف ذلك (¬3). ¬
[235 - 43] الأب يحجب الإخوة من أي جهة
قال العمراني: وإن كانت القربى من جهة الأب، والبعدى من جهة الأم، ففيه قولان: أحدهما: أن البعدى منهما تسقط بالقربى -وبه قال علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- وهو قول أهل الكوفة، ورووا ذلك عن زيد بن ثابت- لأنهما جدتان لو انفردت كل واحدة منهما. . . لكان لها السدس، فإذا اجتمعتا وجب أن تسقط البعدى بالقربى كما لو كانت القربى من جهة الأم. والثاني: لا تسقط البعدى بالقربى بل تشتركان في السدس -وهي الرواية الثانية عن زيد رواها المدنيون عنه- وهو الصحيح، لأن الأب لو اجتمع مع أم الأم، لم يحجبها وإن كان أقرب منها، فلأن لا تسقط الجدة التي تدلي به من هو أبعد من جهة الأم أولى (¬1).Rنتيجة الإجماع على ضربين: الأول: صحة الإجماع في أن الأم تحجب الجدة. والثاني: عدم صحة الإجماع أن الجدة القربى تحجب الجدة البعدى للخلاف الوارد في المسألة. [235 - 43] الأب يحجب الإخوة من أي جهة • المراد بالمسألة: أن الإخوة يحجبون بالأب، لكونه أصلًا وارثًا، والقاعدة أن الأصل الوارث يحجب الإخوة. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الإخوة لا يرثون مع الأب شيئًا، وانفرد ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- فقال: السدس الذي حجبه الإخوة للأم عنه هو للإخوة] (¬2). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن ولد الأم يسقط بأربعة، ¬
بالولد، وولد الابن، والأب، والجد] (¬1). وقال: [وأجمعوا على أن ولد الأب والأم يسقط بثلاثة، بالابن، وابن الابن، والأب، وكل واحد من هؤلاء الثلاثة يسقط ولد الأبوين بالإجماع] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال: [فمن ذلك أنهم أجمعوا من هذا الباب على أن الإخوة للأب والأم ذكرانًا كانوا أو إناثًا أنهم لا يرثون مع الولد الذكر شيئًا، ولا مع ولد الولد، ولا مع الأب شيئًا] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [(ولا يرث أخ ولا أخت لأب وأم أو لأب مع ابن ولا مع ابن ابن وإن سفل ولا مع أب) أجمع أهل العلم على هذا ذكره ابن المنذر وغيره] (¬4) الزيلعي (743 هـ) قال: [ثم أولادهم بالعصوبة أصول الميت وإن علَوا، وأولادهم به الأبُ؛ لأن اللَّه تعالى شرط لإرث الإخوة الكلالة، وهو الذي لا ولد له ولا والد على ما بيناه؛ فعلم بذلك أنهم لا يرثون مع الأب ضرورة، وعليه إجماع الأمة] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية (¬6). قال الماوردي (450 هـ): الإخوة والأخوات للأب والأم يسقطون مع ثلاثة مع الابن دون البنت ومع ابن الابن ومع الأب (¬7). قال الجويني (478 هـ): والأب لا يحجبه عن الميراث شخص، . . . والأخ من الأب والأم يحجبه. . . والأب. والأخ من الأب يحجبه. . . والأب، والأخ من الأم يحجبه. . . . والأب (¬8). ¬
قال الموصلي (683 هـ): ويسقط بنو الأعيان وهم الإخوة لأبوين بالابن وابنه وبالأب (¬1). قال القرافي (684 هـ): ويحجب الإخوة الابن وابنه وإن سفل والأب (¬2). قال الخطيب الشربيني (977 هـ): والجد كالأب إلا أن الأب يسقط الإخوة والأخوات والجد يقاسمهم إن كانوا لأبوين أو لأب (¬3). قال البهوتي (1051 هـ): ويسقط الأخ لأبوين وتسقط الأخت لأبوين بثلاثة بالابن وابنه وإن نزل والأب (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: أن (الكلالة) من ليس له والد ولا ولد، فالأخوة هنا الأبوين أو لأب، وهم محجوبون بالأب بنص الآية. الثاني: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12]. • وجه الاستدلال: أن (الكلالة) من ليس له والد ولا ولد، فالأخوة هنا لأم، وهم محجوبون بالأب بنص الآية. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. فقد ورد عنه -رضي اللَّه عنهما- أنه يقول في السدس الذي حجبه الإخوة للأم: (هو للإخوة لا يكون للأب إنما تقبضه الأم ليكون للأخوة (¬5).Rصحة الإجماع أن الإخوة يحجبون بالأب، لكونه أصلًا وارثًا، ¬
[236 - 44] الجد وإن علا يحجب بني الإخوة
والقاعدة أن الأصل الوارث يحجب الإخوة. وأما الرواية عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- فقد جاءت رواية أخرى يتفق فيها قوله مع مذهب جماهير أهل العلم، فقد ورد عنه -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (الكلالة من لا ولد ولا والد) (¬1) ومفهومه: أن الإخوة لا يرثون مع الأب شيئًا. [236 - 44] الجد وإن علا يحجب بني الإخوة • المراد بالمسألة: أن الجد يقوم مقام الأب في حجب بني الإخوة. مثاله: لو مات رجل عن: زوجة، وجد، وعن ابن أخ شقيق، فالمسألة من (أربعة أسعهم) فللزوجة الربع (سهم واحد) والباقي (ثلاثة أسمهم) للجد، ولا شيء لابن الأخ الشقيق لأنه محجوب بالجد. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [وأجمعوا على ألا يرثوا بني الأخ مع الجد كما لا يورثونهم مع الأب، وليس هذا إجماعًا في الأصل؛ فقد جاء عن علي توريثهم مع الجد] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [اختلفوا في الجد مع الإخوة والأخوات للأبوين أو للأب، ولا خلاف بينهم في إسقاطه بني الإخوة وولد الأم] (¬3). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [(ويسقط به) أي بأب الأب وإن علا (كل ابن أخ): لأبوين أو لأب بلا نزاع، لأنه أقرب وإن علا] (¬4) • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5)، المالكية (¬6)، والشافعية (¬7). ¬
قال الجويني (478 هـ): وابن الأخ من الأب والأم يحجبه: . . . والجد (¬1). قال النووي (676 هـ): وابن الأخ للأبوين يحجبه ستة: . . . والجد (¬2). قال الموصلى (683 هـ): ويسقط بنو الأعيان بالابن وابنه وبالأب وفي الجد خلاف (¬3). قال القرافي (684 هـ): والجد. . . يحجب بني الإخوة آباؤهم ومن حجبهم (¬4). قال ابن رشد (595 هـ): والجد يحجب الأعمام بإجماع، والإخوة للأم، ويحجب بنو الإخوة الشقائق وبني الإخوة للأب (¬5). قال الشافعي: عن بني الإخوة: ولا يرثون مع الجد. وعلق الماوردي فقال: وهذا صحيح لأنه إجماع لا يعرف فيه خلاف أن بني الإخوة لا يرثون مع الجد وإن ورث معه آبائهم لأمرين: أحدهما: أن الجد أقرب إلى أب الميت من بني الإخوة فوجب أن يكون أحق بميراثه من بني الإخوة. والثاني: أن الجد كالإخوة في المقاسمة، فوجب أن يسقط معه بنو الإخوة كما يسقطون بالإخوة (¬6). • مستند الإجماع: الأول: أن الجد أقرب إلى أبي الميت من بني الإخوة؛ فوجب أن يكون أحق بميراثه من بني الإخوة. والثاني: أن يكون الجد كالإخوة في المقاسمة؛ فوجب أن يسقط معه ¬
[237 - 45] الجد وإن علا يحجب الإخوة للأم
بني الإخوة كما يسقطون بالإخوة. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-. فقد ورد عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه كان: (ينزل بني الإخوة مع الجد منزلة آبائهم ولم يكن أحد من الصحابة يفعله) (¬1).Rصحة الإجماع في أن الجد يقوم مقام الأب في حجب بني الإخوة. وأما الرواية عن علي ابن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- فشاذة وضعيفة، كما ذكر ذلك جمع من أهل العلم. بل وردت عنه رواية أخرى تدل على: (أنه يسقطهم بالجد)، وهي رواية ضعيفة. وقد ذكر الشعبي أنه: (لم يكن أحد من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يجعل بني الأخ بمنزلة أبيهم إلا علي، ولم يكن أحد من أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أفقه أصحابًا من عبد اللَّه بن مسعود) (¬2) وسفيان الثوري: (لم يكن أحد يورث ابن أخ مع جده) (¬3). [237 - 45] الجد وإن علا يَحجِب الإخوة للأم • المراد بالمسألة: أن الجد يحجب الإخوة من الأم، لأنه أصل وارث، والقاعدة أن الأصل الوارث يحجب الإخوة. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الإخوة من الأم لا يرثون مع ولد ولا والد، وأجمعوا أن الجد يحجبهم عن الميراث كما يحجبهما الأب] (¬4). ¬
ابن حزم (456 هـ) قال: [وأجمعوا على ألا يورثوا الإخوة للأم مع الجد شيئًا كما لا يورثون مع الأب، وليس هذا إجماعًا في الأصل، فقد جاء عن ابن عباس توريثهم مع الأب ومع الجد] (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأما قوله في الإخوة للأم في ذلك؛ فإجماع أنهم لا يرثون عند الجميع مع الجد] (¬2). قال السرخسي (483 هـ): بنو الأخياف وهم الإخوة والأخوات لأم. . . لا يرثون مع أربعة نفر بالاتفاق مع الولد وولد الابن ذكرًا كان أو أنثى ومع الأب والجد (¬3) ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن ولد الأم يسقط بأربعة، بالولد، وولد الابن، والأب، والجد] (¬4) ابن قدامة (620 هـ) قال: [اختلفوا في الجد مع الإخوة والأخوات للأبوين أو للأب، ولا خلاف بينهم في إسقاطه بني الإخوة وولد الأم] (¬5). قال الموصلي (683 هـ): ويسقط بنو الأخياف وهم الإخوة لأم بالولد وولد الابن والأب والجد بالاتفاق (¬6). الدريد (1201 هـ): فحاصله أن الإخوة للأم يحجبون بستة كما رأيت: وهم الابن. . . والجد إجماعًا (¬7) ابن عابدين (1252 هـ): ويسقط بنو الأخياف وهم الإخوة والأخوات لأم بالولد وولد الابن ولإن سفل وبالأب والجد بالإجماع لأنهم من قبيل الكلالة (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬9)، ¬
والشافعية (¬1). قال النووي (676 هـ): فالإخوة والأخوات للأم يحجبهم أربعة: الولد، وولد الابن، والأب والجد (¬2). قال القرافي (684 هـ): ويحجب الإخوة للأم عمود النسب لظاهر النص: الأب والجد والولد وولد الولد (¬3). قال البهوتي (1051 هـ): وتسقط الإخوة لأم ذكورًا كانوا أو إناثًا. . . وبالجد لأب (¬4). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): ويسقط ولد الأم بأربعة: بالولد وولد الابن والأب والجد (¬5) قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ويسقط ولد الأم. . . وبالأب وأبيه وإن علا (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد ما ورد في قوله سبحانه وتعالى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: أن (الكلالة) من ليس له والد ولا ولد، فالأخوة هنا هم لأم، وهم محجوبون بالأب بنص الآية، والجد أصل وارث يقوم مقام الأب حال فقده. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- حيث إنه منع حجب الإخوة بالأب، فبالجد أولى. فقد ورد عنه -رضي اللَّه عنهما- أنه يقول في السدس الذي حجبه الإخوة للأم: (هو ¬
[238 - 46] الجد وإن علا يحجب الأعمام
للإخوة لا يكون للأب إنما تقبضه الأم ليكون للأخوة) (¬1).Rصحة الإجماع في أن الجد وإن علا يَحجِب الإخوة للأم، لكونه أصلًا وارثًا، والقاعدة أن الأصل الوارث يحجب الإخوة. وأما الرواية عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- فقد جاءت رواية أخرى تؤيد ما عليه جماهير أهل العلم، فقد ورد عنه -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (الكلالة من لا ولد ولا والد) (¬2) ومفهومه: أن الإخوة لا يرثون مع الأب شيئًا، بل جزم إبراهيم النَّخَعي على أنه: (لم يكن أحد من أصحاب محمد رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يورث أخًا لأم مع جد) (¬3). وكذلك الشعبي قال: (من زعم إن أحدًا من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورث إخوة من أم مع جد؛ فقد كذب) (¬4). [238 - 46] الجد وإن علا يحجب الأعمام • المراد بالمسألة: أن القاعدة الشرعية أن الأصول يحجبون الحواشي، والجد من الأصول، فهو يحجب الأعمام، لأنهم يدلون بهم. مثاله: لو مات رجل عن: جد، وعم، وزوجة ن فالمسألة من (أربعة أسهم) للزوجة الربع (سهم واحد) والباقي (ثلاثة أسهم) للجد، والعم محجوب بالجد. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [وأجمعوا على ألا يورثوا الأعمام مع الجد كما لا يرثون مع الأب] (¬5). البغوي (516 هـ) قال: [وفي النسب الجد وأبو الجد وإن علا أولى من ابن الأخ والعم بالاتفاق] (¬6) النووي (676 هـ) قال: [ولا خلاف أن الجد ¬
[239 - 47] الأخ الشقيق يحجبة ثلاثة: الأب، والابن، وابن الابن وإن نزل
أولى من العم] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3). قال القرافي (684 هـ): العم لا يرث مع الجد أصلًا (¬4). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ويسقط بأب الأب وإن علا كل عم لأبوين أو لأب (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬6). • وجه الاستدلال: أن الجد صاحب فرض، وأما فهو يدلي إلى الميت بالجد لأنه ابنه، فلا يرث شيء مع وجود الجد.Rصحة الإجماع في أن الجد يحجب الأعمام. [239 - 47] الأخ الشقيق يحجبة ثلاثة: الأب، والابن، وابن الابن وإن نزل • المراد بالمسألة: أن الأخ الشقيق أحد أنواع العصبة بالنفس الذين يدلون إلى الميت بجانب الأخوة، ويحجبه ثلاثة: الأب، والابن، وابن الابن وإن سفل. مثاله: لو مات رجل عن: ابن، وزوجة، وأخ شقيق، فالمسألة من (ثمانية أسهم) للزوجة الثمن (سهم واحد) والباقي (سبعة أسهم) للابن، وأما الأخ الشقيق فمحجوب بالابن. ¬
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الإخوة من الأب والأم ومن الأب ذكورًا أو إناثًا، لا يرثون مع الابن ولا مع ابن الابن وإن سفل ولا مع الأب] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الإخوة كلهم لا يرثون مع الذكر، ولا مع الذكور من ولد الولد الراجعين بأنسابهم إلى الميت] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وكل من تكلم في الفرائض من الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين لا يختلفون في أنه لا يرث أخ من أي وجه كان مع الوالد كما لا يرثون مع الابن، وهذا أصل مجتمع عليه] (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن ولد الأب والأم يسقط بثلاثة، بالابن، وابن الابن، والأب، وكل واحد من هؤلاء الثلاثة يسقط ولد الأبوين بالإجماع] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [فمن ذلك أنهم أجمعوا من هذا الباب، على أن الإخوة للأب والأم، ذكرانًا كانوا أو إناثًا، أنهم لا يرثون مع الولد الذكر شيئًا ولا مع الولد ولا مع الأب شيئًا] (¬5). ابن قدامة (620 هـ) قال: [(ولا يرث أخ ولا أخت لأب وأم أو لأب؛ مع ابن ولا مع ابن ابن وإن سفل ولا مع أب) أجمع أهل العلم على هذا بحمد اللَّه] (¬6). النووي (676 هـ) قال: [والأخ للأبوين يحجبه الأب والابن وابن الابن بالإجماع] (¬7). ¬
الشربيني (977 هـ) قال: [والأخ لأبوين يحجبه ثلاثة: الأب، والابن، وابن الابن وإن سفل بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2). قال الماوردي (450 هـ): الإخوة والأخوات للأب والأم يسقطون مع ثلاثة مع الابن دون البنت ومع ابن الابن ومع الأب (¬3). قال القرافي (684 هـ): ويحجب الإخوة: الابن وابنه وإن سفل والأب (¬4). قال البهوتي (1051 هـ): ويسقط الأخ لأبوين وتسقط الأخت لأبوين بثلاثة بالابن وابنه وإن نزل والأب حكاه ابن المنذر إجماعًا (¬5). قال ابن عابدين (1252 هـ): ويسقط بنو الأعيان وهم الإخوة والأخوات لأب وأم بثلاثة: بالإبن وابنه وإن سفل وبالأب اتفاقًا وبالجد عند أبي حنيفة رحمه اللَّه تعالى (¬6). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ويسقط ولد الأبوين ذكرًا كان أو أنثى بابن وابن ابن وإن نزل وأب حكاه ابن المنذر إجماعًا (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬8). • وجه الاستدلال: دل بمنطوقه على أنه يبدأ أولًا بأهل الفرائض فتقسم ¬
[240 - 48] الجد يحجب الإخوة لأم
عليهم فرائضهم، وإن بقي شيء فهو للعصبة لأولى ذكر من العصبة، وأولى ذكر هو أحد الثلاثة: الابن، وابنه، والأب، لأن جهة البنوة تقدم على الأبوة، وجهة الأبوة تقدم على جهة الأخوة، وجهة الأخوة تقدم على جهة العمومة. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. فقد ورد عنه -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (السدس الذي حجبه الإخوة للأم لا يكون للأب إنما تقبضه الأم ليكون للأخوة) (¬1).Rصحة الإجماع في أن الأخ الشقيق يحجبه: الأب، والابن، وابن الابن وإن سفل. وأما ما جاء عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- فقد ورد عنه خلاف هذا القول فإنه قال -رضي اللَّه عنهما-: (الكلالة من لا ولد له ولا والد) (¬2) وأيضًا جاء عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- أنه كان يحجب الإخوة بالجد؛ فبالأب من باب أولى (¬3). [240 - 48] الجد يحجب الإخوة لأم • المراد بالمسألة: أن الأخوة من الأم لا يرثون مع الجد وإن كانوا يرثون بالفرض، لأنهم غير كلالة. مثاله: لو مات رجل عن: جد، وزوجة، وأخوة لأم، فالمسألة من (ثمانية أسهم) للزوجة الثمن (سهم واحد) والباقي (سبعة أسهم) للجد، وأما الأخوة لأم فمحجوب بالجد. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الإخوة من الأم لا يرثون مع ولد ولا والد، وأجمعوا أن الجد يحجبهم عن الميراث ¬
كما يحجبهم الأب] (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأما قوله في الإخوة للأم في ذلك؛ فإجماع: أنهم لا يرثون عند الجميع مع الجد] (¬2) ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن ولد الأم يسقط بأربعة، بالولد، وولد الابن، والأب، والجد] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [اختلفوا في الجد مع الإخوة والأخوات للأبوين أو للأب، ولا خلاف بينهم في إسقاطه بني الإخوة وولد الأم] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6). قال النووي (676 هـ): فالإخوة والأخوات للأم يحجبهم أربعة: الولد، وولد الابن، والأب، والجد (¬7). قال القرافي (684 هـ): ويحجب الإخوة للأم عمود النسب لظاهر النص: الأب والجد والولد وولد الولد (¬8). قال البهوتي (1051 هـ): وتسقط الإخوة لأم ذكورًا كانوا أو إناثًا بالولد ذكرًا كان أو أنثى، وبولد الابن ذكرًا كان أو أنثى وبالأب وبالجد لأب وإن علا (¬9). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): ويسقط ولد الأم أي الأخ من الأم بأربعة أصناف: بالولد مطلقًا، وولد الابن مطلقًا وإن سفل بمحض الذكور، والأب والجد الصحيح وإن علا (¬10). ¬
[241 - 49] الإخوة للأم يحجبون: بالأب، والجد، والابن، والبنت، وولد الابن، وبنت الابن
قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ويسقط ولد الأم بالولد ذكرًا كان أو أنثى، وبولد الابن كذلك وبالأب وأبيه وإن علا (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: القياس الصحيح على الأب، فالجد يقوم مقامه. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. فقد ورد عنه -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (السدس الذي حجبه الإخوة للأم لا يكون للأب إنما تقبضه الأم ليكون للأخوة).Rصحة الإجماع في أن الإخوة يحجبون بالجد، لكونه أصلًا وارثًا، والقاعدة أن الأصل الوارث يحجب الإخوة. وأما الرواية عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- فقد جاءت رواية أخرى تؤيد ما عليه جماهير أهل العلم، فقد ورد عنه -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (الكلالة من لا ولد ولا والد) (¬2) ومفهومه: أن الإخوة لا يرثون مع الأب شيئًا، بل جزم إبراهيم النخعي على أنه: (لم يكن أحد من أصحاب محمد رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يورث أخًا لأم مع جد) (¬3). وكذلك الشعبي قال: (من زعم إن أحدًا من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورث إخوة من أم مع جد؛ فقد كذب) (¬4). [241 - 49] الإخوة للأم يُحجُبون: بالأب، والجد، والابن، والبنت، وولد الابن، وبنت الابن • المراد بالمسألة: أن الإخوة من الأم يسقطهم أربعة: الأول: ولد الصلب ذكرًا كان الولد أو أنثى. والثاني: ولد الابن وإن سفل ذكرًا كان أو أنثى. والثالث: الأب. والرابع: الجد أبو الأب وإن بعُد. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن الإخوة من ¬
الأم لا يرثون مع ولد الصلب ذكرًا كان أو أنثى] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الأخ للأم يرث إذا لم يكن هناك ابن ذكر أو أنثى، أو ابن ابن ذكرًا أو أنثى وإن سفَلوا، أو أب، أو جد من قبل الأب كما قدمنا وإن علا] (¬2). السرخسي (483 هـ) قال في كلامه على ميراث الإخوة من الأم: [ثم هم لا يرثون مع أربعة نفر بالاتفاق: مع الولد وولد الابن ذكرًا كان أو أنثى ولا مع الأب والجد] (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن ولد الأم يسقط بأربعة، بالولد، وولد الابن، والأب، والجد] (¬4). وقال: [وأجمعوا على أن ولد الأب والأم يسقط بثلاثة، بالابن، وابن الابن، والأب، وكل واحد من هؤلاء الثلاثة يسقط ولد الأبوين بالإجماع] (¬5). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمعوا على أنهم لا يرثون مع أربعة: وهم الأب، والجد أبو الأب وإن علا، والبنون ذكرانهم وإناثهم، وبنو البنين وإن سفلوا ذكرانهم وإناثهم، وهذا كله؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12]، وذلك أن الإجماع انعقد على أن المقصود بهذه الآية هم الإخوة للأم فقط] (¬6). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وجملة ذلك أن ولد الأم ذكرهم وأنثاهم يسقطون بأربعة: بالولد، وولد الابن، والأب، والجد أبي الأب وإن علا، أجمع على هذا أهل العلم؛ فلا نعلم أحدًا منهم خالف هذا إلا رواية شذت عن ابن عباس في أبوين وأخوين لأم للأم الثلث وللأخوين الثلث. وقيل ¬
عنه: لهما ثلث الباقي، وهذا بعيد جدًّا، قال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: يسقط الإخوة كلهم بالجد؛ فكيف يورث ولد الأم مع الأب؟ ولا خلاف بين أهل العلم في أن ولد الأم يسقطون بالجد؛ فكيف يرثون مع الأب] (¬1). النووي (676 هـ) قال: [فالإخوة والأخوات للأم يحجبهم أربعة: الولد، وولد الابن، والأب، والجد] (¬2). ابن تيمية (728 هـ) قال: [لا شيء للأخت من الأم، فإنها تسقط بالبنت باتفاق الأئمة كلهم] (¬3). وقال: [إذا مات الميت وترك بنتيه وأخاه من أمه، فلا شيء لأخيه لأمه باتفاق الأئمة، بل للبنتين الثلثان والباقي للعصبة إن كان له عصبة، وإلا فهو مردود على البنتين أو بيت المال] (¬4). الشربيني (977 هـ) قال: [والأخ لأم يحجبه أربعة: أب، وجد، وولد ذكرًا كان أو أنثى، وولد الابن ولو أنثى بالإجماع] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشوكاني (¬6). قال النووي (676 هـ): فالإخوة والأخوات للأم يحجبهم أربعة: الولد، وولد الابن، والأب، والجد (¬7). قال القرافي (684 هـ): ويحجب الإخوة للأم عمود النسب لظاهر النص: الأب والجد والولد وولد الولد (¬8). قال البهوتى (1051 هـ): وتسقط الإخوة لأم ذكورًا كانوا أو إناثًا بالولد ذكرًا كان أو أنثى، وبولد الابن ذكرًا كان أو أنثى وبالأب وبالجد لأب وإن علا (¬9). ¬
قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): ويسقط ولد الأم أي الأخ من الأم بأربعة أصناف: بالولد مطلقًا، وولد الابن مطلقًا وإن سفل بمحض الذكور، والأب والجد الصحيح وإن علا (¬1). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ويسقط ولد الأم بالولد ذكرًا كان أو أنثى، وبولد الابن كذلك وبالأب وأبيه وإن علا (¬2). قال الشوكاني: (وأيضًا للجد مزايا: . . . ومنها أنه يسقط الإخوة لأم اتفاقًا) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد في قوله سبحانه وتعالى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: أن (الكلالة) من ليس له والد ولا ولد، فالأخوة هنا هم لأم، وهم محجوبون بالأب بنص الآية، والجد أصل وارث يقوم مقام الأب حال فقده، ومحجوبون بالابن بالنص، وابن الابن يقوم مقامه حال فقده. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في مسألة الأب. حيث إنه منع حجب الإخوة بالأب، ويلحق به الجد من باب أولى (¬4). فقد ورد عنه -رضي اللَّه عنهما- أنه يقول في السدس الذي حجبه الإخوة للأم: (هو للإخوة لا يكون للأب إنما تقبضه الأم ليكون للأخوة) (¬5).Rصحة الإجماع في أن الإخوة للأم يُحجبون بستة: بالابن، وابن الابن، والبنت، وبنت الابن، والأب، والجَد. ¬
[242 - 50] الجد الأعلى يحجب بالأب أو جد أدنى منه
وأما الرواية عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- فقد جاءت رواية أخرى تؤيد ما عليه جماهير أهل العلم، فقد ورد عنه -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (الكلالة من لا ولد ولا والد) (¬1) ومفهومه: أن الإخوة لا يرثون مع الأب شيئًا، بل جزم إبراهيم النَّخَعي على أنه: (لم يكن أحد من أصحاب محمد رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يورث أخًا لأم مع جد) (¬2). وكذلك الشعبي قال: (من زعم إن أحدًا من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورث إخوة من أم مع جد؛ فقد كذب) (¬3). وقال استبعد ابن قدامة الرواية عن ابن عباس، حيث قال: (وهذا بعيد جدًا، فإن ابن عباس يسقط الإخوة كلهم بالجد، فكيف يورث ولد الأم مع الأب، ولا خلاف بين أهل العلم في أن ولد الأم يسقطون بالجد، فكيف يرثون مع الأب) (¬4). [242 - 50] الجد الأعلى يحجب بالأب أو جد أدنى منه • المراد بالمسألة: أن الأب يحجب الجد، والجد الأقرب يحجب الأبعد. مثاله: لو مات رجل عن: أب، وجد، وزوجة، فالمسألة من (أربعة أسهم) للزوجة الربع (سهم واحد) والباقي (ثلاثة أسهم) للأب، والجد محجوب بالأب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الأم تحجب الجدات كما أن الأب يحجب الأجداد] (¬5). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن الجد لا يرث مع الأب وأن الابن يحجب أباه] (¬6) الشربيني (977 هـ) قال: [والجد أبو الأب، ¬
وإن علا لا يحجبه إلا ذكر متوسط بينه وبين الميت بالإجماع؛ لأن من أدلى بشخص لا يرث مع وجوده إلا أولاد الأم] (¬1). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [(يسقط الأجداد بالأب) إجماعًا] (¬2). وقال: [(و) يسقط (الأبعد) من الأجداد (بالأقرب) كذلك: بلا نزاع بين أهل العلم] (¬3) وقال: [والجد لأب لا يحجبه غير الأب إجماعًا] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5). قال الجويني (478 هـ): والجد أب الأب لا يحجبه أحد إلا الأب، وإذا ترتب الأجداد، فالقريب يحجب البعيد (¬6). قال الموصلي (683 هـ): ستة لا يحجبون أصلًا: الأب والابن والزوج والأم والبنت والزوجة، ومن عدا هؤلاء فالأقرب يحجب الأبعد (¬7). قال القرافي (684 هـ): ولا يحجب الجد إلا الأب، والجد يحجب الأجداد الأبعد منه (¬8). قال البهوتي (1051 هـ): ويسقط الجد بالأب إجماعًا لأنه يدلي به، ويسقط كل جد أعلى بمن هو أقرب منه لإدلائه به (¬9) قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): السدس فرض سبعة أصناف: . . . وللجد الصحيح وهو الذي لم يدخل في نسبته إلى الميت أنثى مع الولد أو ولد الابن وعدم الأب لأنه يقوم مقامه (¬10). ¬
[243 - 51] يحجب الأم عن الثلث إلى السدس: ولد المتوفى أو ولد ولده
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬1). • وجه الاستدلال: أن معنى (أولى) أقرب، لا بمعنى أحق، لما يلزم عليه من الإبهام والجهالة إذ لا يدرى من هو الأحق، والأقرب مقدم على الأبعد بلا نزاع (¬2).Rصحة الإجماع في أن الأب يحجبُ الجد، والجدُ الأقرب يحجب الجدَ الأبعد. [243 - 51] يحجبُ الأمَّ عن الثلث إلى السدس: ولد المتوفى أو ولد ولده • المراد بالمسألة: أن الأم تحجب من الثلث إلى السدس، إذا خلف الميت ولدًا، أو ولد ولد، سواء: كانوا ذكورًا أم إناثًا. مثاله: لو مات رجل عن: أم، وابن ابن، فالمسألة من (ستة أسهم) فللأم السدس (سهم واحد) والباقي (خمسة أسهم) لابن الابن. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن ميراث الأم إذا لم يكن هنالك ولد الصلب الميت أو لبطنها إن كانت امرأة، أو لم يكن هنالك ثلاثة إخوة ذكور أو إناث، أو كلاهما أشقاء أو لأب أو لأم، ولا زوج ولا زوجة؛ فلها الثلث، واتفقوا إذا كان هنالك أخ أو جد أو أخت واحدة؛ فللأم الثلث] (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [أجمع جمهور العلماء على أن الأم لها من ميراث ولدها الثلث إن لم يكن له ولد] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمعوا على أن فرض الأبوين من ميراث ابنهما إذا كان للابن ولد أو ولد ابن السدسان، أعني أن لكل واحد منهما السدس] (¬5). ¬
المرداوي (885 هـ) قال: [في كلامه على ميراث الأم: أما مع وجود الولد أو ولد الابن؛ فإن لها السدس بالنص والإجماع] (¬1) عبد الرحمن بن قاسم (392 هـ) قال: [(وللأم السدس مع ولد أو ولد ابن) ذكرًا أو أنثى، واحدًا أو متعددًا، وهذا بإجماع أهل العلم] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4). قال الماوردي (450 هـ): اعلم أن للأم في ميراثها ثلاثة أحوال: . . . والحالة الثانية: أن يفرض لها السدس وذلك أقل أحوالها إذا حجبت عن الثلث، وحجبها عن الثلث إلى السدس يكون بصنفين: أحدهما: الولد أو ولد الابن (¬5). قال العمراني (558 هـ): فأما الأم فلها ثلاثة فروض: . . . أحدها: أن يكون معها ولد ذكر أو أنثى، أو ولد ابن ذكر أو أنثى وإن سفل، فلها السدس (¬6). قال الموصلي (683 هـ): الأم ولها ثلاثة أحوال: السدس مع الولد وولد الابن واثنين من الإخوة والأخوات من أيّ جهة كانوا (¬7). قال البهوتي (1051 هـ) وللأم أربعة أحوال: . . . فإذا كانت مع الولد ذكر أو أنثى واحدًا أو متعددا أو مع ولد الابن كذلك. . . فلها سدس (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي ¬
[244 - 52] الثلاثة من الأخوة لأم يحجبون أمهم عن الثلث إلى السدس والواحد لا يحجبها
أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أن نصيب الأم الثلث، في حال عدم وجود الولد، فإن كان ولد أو ولد ولد فتأخذ السدس (¬1). • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في المسألة عن: مجاهد (¬2). فهو يرى أن الأم لا تحجب عن الثلث إلى السدس بولد الابن (¬3).Rصحة الإجماع في أن الولد وولد الابن يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، وأما خلاف مجاهد فهو مسبوق بالإجماع على ذلك. [244 - 52] الثلاثة من الأخوة لأم يحجبون أمهم عن الثلث إلى السدس والواحد لا يحجبها • المراد بالمسألة: ترث الأم الثلث بثلاثة شروط: الأول: عدم الفرع الوارث. والثاني: عدم الجمع من الأخوة من أي جهة. والثالث: وأن لا تكون المسألة إحدى الغراوين (¬4)، فإذا شاركها ثلاثة إخوة فأكثر حجبوها عن الثلث إلى السدس. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [ولا خلاف في أنها لا ترد عن الثلث إلى السدس بأخ واحد، أو أخت واحدة، ولا في أنها ترد إلى السدس بثلاثة من الإخوة كما ذكرنا؛ إنما الخلاف في ردها إلى السدس ¬
باثنين من الإخوة] (¬1) وقال: [واتفقوا أن ميراث الأم إذا لم يكن هنالك ولد لصلب الميت أو لبطنها إن كانت امرأة، أو لم يكن هنالك ثلاثة إخوة ذكور أو إناث، أو كلاهما أشقاء، أو لأب أو لأم ولا زوج ولا زوجة؛ فلها الثلث، واتفقوا إذا كان هنالك أخ أو جد، أو أخت واحدة؛ فللأم الثلث] (¬2). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [ويحجب الأم خاصة من الثلث إلى السدس: الاثنان فصاعدًا من الإخوة والأخوات، من أي جهة كانوا. . وكله بجميع أحكامه التي ذكرناها، إجماع من الأئمة -رضي اللَّه عنهم- إلا ما بيناه] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). قال الماوردي (450 هـ): اعلم أن للأم في ميراثها ثلاثة أحوال: . . . . والصنف الثاني: حجبها بالإخوة والأخوات فالواحد منهم لا يحجبها إجماعًا، والثلاثة من الإخوة والأخوات يحجبونها عن الثلث إلى السدس إجماعًا لقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11]. وسواء كان الإخوة لأب وأم أو لأب أو أم وسواء كان الإخوة ذكورًا أو إناثًا (¬7). قال ابن رشد (595 هـ): واختلفوا في أقل ما يحجب الأم من الثلث إلى السدس من الإخوة فذهب علي وابن مسعود إلى أن الإخوة الحاجبين هما ¬
اثنان فصاعدًا، وبه قال مالك، وذهب ابن عباس إلى أنهم ثلاثة فصاعدًا، وأن الاثنين لا يحجبان الأم من الثلث إلى السدس (¬1). قال الموصلي (683 هـ): والثالثة الأم، ولها ثلاثة أحوال: السدس مع الولد وولد الابن واثنين من الإخوة والأخوات من أي جهة كانوا (¬2). قال القرافي (684 هـ): وفرض الأم الثلث، ومع الولد وولد الابن أو الاثنين من الإخوة أو الأخوات السدس (¬3). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): والثلث فرض صنفين للأم إذا لم يكن للميت ولد مطلقًا. . . ولا اثنان فأكثر من الإخوة والأخوات أشقاء أو لأب أو لأم متحدين أو مختلفين (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قوله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أن اللَّه سبحانه وتعالى جعل مجموع الإخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، واجمع العلماء على أن الثلاثة فأكثرهم الذي يحجبونها، لأن أقل الجمع ثلاثة فأكثر. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في المسألة عن: الحسن البصري (¬5). فقد نُقل عنه أنه قال: لا أحجب الأم بالأخوات المنفردات تعلقًا بقوله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] واسم الإخوة لا ينطبق على الأخوات بانفرادهن، وإنما يتأولهن العموم إذا دخلن مع الإخوة تبعًا.Rصحة الإجماع في أن الثلاثة من الأخوة لأم فأكثر، يحجبون ¬
[245 - 53] الاثنان من الأخوة من أي جهة يحجبون الأم من الثلث إلى السد
الأم من الثلث إلى السدس. وأما قول الحسن فمحل نظر عند أهل العلم من وجهين: الأول: أن الإجماع قد انعقد على خلافه. والثاني: أن ما ذهب إليه تفسير مرجوح؛ لأن اللَّه سبحانه وتعالى إنما أراد بذلك الجنس، وإذا كان الجنس مشتملًا على الفريقين؛ غلب في اللفظ حكم التذكير (¬1). [245 - 53] الاثنان من الأخوة من أي جهة يحجبون الأم من الثلث إلى السد س • المراد بالمسألة: أن الأخوة من أي جهة، إذا كانوا اثنين فإنهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس كالثلاثة من الإخوة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أنه إذا كان هنالك ولد لصلب الميت، أو لبطن الميتة، أو ثلاثة إخوة كما ذكرنا أن لها السدس، واختلفوا إذا كان هنالك ولد ولدٍ، ذكر أو أنثى، أو أخوان أو أختان، أو أخ وأخت بعد اتفاقهم على أن لها السدس، أيكون ما زاد على السدس إلى تمام الثلث لها أم لسائر الورثة؟ ] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وقد أجمعوا أيضًا على أن حجبوا الأم عن الثلث إلى السدس بثلاث أخوات، ولسن بلسان العرب بإخوة، وإنما هن أخوات فحجبها باثنين من الأخوة أولى] (¬3). وقال: [وقد أجمعوا وابن عباس معهم في زوج وأم وأخت لأم أو إخوة لأم، أن للزوج النصف، ولكل واحد من الأخ أو الأخت السدس، وللأم السدس، فدل على أنهما قد حجبها الأم عن الثلث إلى السدس، ولم يحجبها لعالت الفريضة، وهي غير عائلة لإجماع] (¬4). ¬
السرخسي (483 هـ) قال في معرض كلامه على ميراث الأم: [والسدس لها مع وجود الأخوة بقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] ولا خلاف أن فرضيتها السدس مع الولد ذكرًا كان أو أنثى؛ لأن اسم الولد حقيقة لهما، فأما مع الإخوة؛ فقد اختلفوا في فصول بعدما اتفقوا أن الذكور والأناث في هذا الحكم سواء عند الاختلاط، وعند الانفراد حتى أن فرضها السدس مع الأخوات المفردات كما في الذكور المنفردين، وكما مع الذكور مع الإناث عند الاختلاط] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمعوا من هذا الباب على أن الأم يحجبها الإخوة من الثلث إلى السدس؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] واختلفوا في أقل ما يحجب الأم من الثلث إلى السدس من الأخوة] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وجملة ذلك أن للأم ثلاثة أحوال: حال ترث فيها الثلث بشرطين: أحدهما: عدم الولد، وولد الابن، من الذكور والإناث. والثاني: عدم الابنين فصاعدًا من الإخوة والأخوات من أي الجهات كانوا، ذكورًا وإناثًا، أو ذكورًا أو إناثًا، فلها في هذه الحال الثلث، بلا خلاف نعلمه بين أهل العلم] (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمع أهل العلم على أن أخوين فصاعدًا ذكرانًا كانوا أو إناثًا من أب وأم، أو من أب أو من أم يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس] (¬4) الشربيني (977 هـ) قال: [والمراد بالإخوة اثنان فأكثر إجماعًا قبل إظهار ابن عباس الخلاف] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن تيمية (¬6). ¬
قال العمراني (558 هـ): فأما الأم فلها ثلاثة فروض: . . . . الحالة الخامسة أن يكون مع الأم اثنان من الإخوة أو الأخوات أو منهما فللأم السدس، وبه قال عامة الصحابة والفقهاء أجمع إلا ابن عباس (¬1). قال الموصلي (683 هـ): الأم ولها ثلاثة أحوال: السدس مع الولد وولد الابن واثنين من الإخوة والأخوات من أي جهة كانوا (¬2). قال القرافي (684 هـ): وفرض الأم الثلث، ومع الولد وولد الابن أو اثنين من الإخوة أو الأخوات السدس (¬3). سئل ابن تيمية (728 هـ) رحمه اللَّه عن رجل له أولاد، وكسب جارية، وأولدها، فولدت ذكرًا فعتقها، وتزوجت، ورزقت أولادًا، فتوفي الشخص، فخص ابنه الذي من الجارية دارًا وقد توفي، فهل يخص أخوته من أمه شيء مع اخوته الذين من أبيه؟ فأجاب: للأم السدس، ولإخوته من الأم الثلث، والباقي لإخوته من أبيه للذكر مثل حظ الأنثيين، واللَّه أعلم (¬4). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): وللأم السدس مع ولد. . . . أو اثنين فأكثر من إخوة أو أخوات أو منهما عند جمهور العلماء (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة منها: الأول: أن النصوص الشرعية، أفادت أن أقل الجمع اثنان، ومنها: أ- قال اللَّه سبحانه وتعالى: {قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)} [الشعراء: 15]. • وجه الاستدلال: أن خطاب الجمع الوارد في الآية المراد منه اثنان، وهما موسى وهارون. ¬
ب - وقال سبحانه وتعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)} [ص: 21، 22]. • وجه الاستدلال: أن خطاب الجمع الوارد في الآية المراد منه: اثنان، وهما الخصمان. ج - وقال اللَّه سبحانه وتعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)} [الأنبياء: 78]. • وجه الاستدلال: أن خطاب الجمع الوارد في الآية في قوله سبحانه وتعالى: المراد منه اثنان، وهما داود وسليمان. الثاني: عن الربيع بن بدر عن أبيه، عن جده عمرو بن جراد، عن أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اثنان فما فوقهما جماعة) (¬1). • وجه الاستدلال: أن أقل الجمع اثنان، وقد جرى هذا في لغة العرب كثيرًا. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن عباس (¬2)، والحسن البصري (¬3)، وداود الظاهري (¬4). فقد ورد عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (لا تحجب الأم عن الثلث إلى السدس إلا بثلاثة إخوة فصاعدًا) (¬5) وقال الحسن البصري: (لا أحجب الأم بالأخوات المنفردات) (¬6) ¬
[246 - 54] ولد الابن يحجب بالابن
Rعدم صحة الإجماع في أن الاثنين من الأخوة يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس لخلاف ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، ومن وافقه. [246 - 54] ولد الابن يُحجَب بالابن • المراد بالمسألة: أن أولاد الابن من الذكور والإناث، فإنهم يحجبون بالابن، سواء كان أباهم أو عمهم. مثاله: لو مات رجل عن: ابن، وابن ابن، وزوجة، فالمسألة من (ثمانية أسهم) فللزوجة الثمن (سهم واحد) والباقي (سبعة أسهم) للابن، ولا شيء لابن الابن. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن بني الابن وبنات الابن لا يرثون مع بني الصلب] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [ولا يرث بنو الابن مع الابن الذكر شيئًا أباهم كان أو عمهم، ولا يرث بنو الأخ الشقيق أو للأب مع أخ شقيق أو لأب، وهذا نص كلام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في قوله: (فلأولى رجل ذكر) وإجماع متيقن] (¬2). القرطبي (671 هـ) قال: [فإن كان في ولد الصلب ذكر؛ لم يكن لولد الولد شيء وهذا مما أجمع عليه أهل العلم] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). قال الماوردي (450 هـ): فأقرب عصبات الميت إليه بنوه لأنهم بعضه، ولأن اللَّه تعالى قدمهم في الذكر وحجب بهم الأب عن التعصيب حتى صار ¬
[247 - 55] يحجب الزوج من النصف إلى الربع بولد زوجته منه، أو من غيره لا بولده من غيرها
ذا فرض، ثم بنو البنين (¬1). قال الجويني (478 هـ): وابن الابن لا يحجبه إلا الابن (¬2). قال الموصلي (683 هـ): ستة لا يحجبون أصلًا: الأب والابن. . .، ومن عدا هؤلاء فالأقرب يحجب الأبعد (¬3). قال القرافي (684 هـ): وولد الابن مع عدم الأبناء للصلب كميراث ولد الصلب (¬4). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ويسقط ولد الابن ذكرًا كان أو أنثى بالابن لقربه، وهكذا كل ولد ابن ابن نازل بابن ابن أعلى منه بلا نزاع (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬6). • وجه الاستدلال: أن الابن أقرب إلى الميت من أولاده وأولاد أخيه، لأنهم يدلون به، فيلزم أن يأخذ الميراث ويسقطهم.Rصحة الإجماع في أن الولد الصلبي يحجب أولاد الابن من الجنسين. [247 - 55] يحجب الزوج من النصف إلى الربع بولد زوجته منه، أو من غيره لا بولده من غيرها • المراد بالمسألة: أن للزوج فرضين، النصف، والربع، فيرث النصف إذا لم تترك الزوجة ولدًا سواء كان منه أو من غيره، ويحجب إلى الربع إذا خلفت ولدًا وارثًا منه أو من غيره، أما إذا كان له ولد من غيرها فلا يحجبه ¬
عن فرض النصف، لأنه لا يدلي إلى المرأة. مثاله: لو ماتت امرأة عن: زوج، وابن، فالمسألة من (أربعة أسهم) فللزوج الربع (سهم واحد) والباقي (ثلاثة أسهم) للابن. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الزوج يرث من زوجته التي لم تبن منه بطلاق ولا غيره، ولا ظاهر منها، فماتت قبل أن تكفر؛ النصف إن لم يكن لها ولد، خرج بنفسه من بطنها من ذلك الزوج أو من غيره ذكرًا أو أنثى] (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [قال مالك: وميراث الرجل من امرأته إذا لم تترك ولدًا، ولا ولد ابن منه أو من غيره النصف، فإن تركت ولدًا أو ولد ابن ذكرًا كان أو أنثى فلزوجها الربع من بعد وصية توصي بها أو دين. . ثم قال ابن عبد البر: هذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم فيه، وهو من الحكم الذي ثبتت حجته ووجب العمل به والتسليم له] (¬2). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [فأما حجب البعض، فهو الولد وولد الابن: يحجبان الزوج من النصف إلى الربع. . وكله بجميع أحكامه التي ذكرناها، إجماع من الأئمة -رضي اللَّه عنه- إلا ما بيناه] (¬3). قال ابن قدامة (620 هـ): فرض الزوج النصف مع عدم ولد الميتة وولد ابنها والربع مع الولد أو ولد الابن. . . بإجماع أهل العلم (¬4). النووي (676 هـ) قال: [أما قدر المستحق فللزوج نصف المال إذا لم يكن للميتة ولد ولا ولد ابن، وربعه إن كان لها ولد أو ولد ابن منه أو من غيره. وللزوجة الربع إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن، والثمن؛ إن كان ¬
له ولد أو ولد ابن منها أو من غيرها، والزوجات يشتركن في الربع والثمن بالإجماع] (¬1). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): فللزوج النصف مع عدم الولد وولد الابن إجماعًا. ومع وجود ولد وارث أو ولد ابن وارث وإن نزل ذكرًا كان أو أنثى واحدًا أو متعددًا الربع إجماعًا سواء كان الولد منه أو من غيره (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4). قال العمراني (558 هـ): فأما الزوج فله فرضان النصف مع عدم الولد أو ولد الابن. . . (¬5). قال الزيلعي (743 هـ): وللزوج النصف، ومع الولد أو ولد الابن وإن سفل الربع (¬6). قال البهوتي (1051 هـ): فللزوج الربع إن كان لها ولد ذكر أو أنثى منه أو من غيره لم يقم به مانع أو ولد ابن وإن سفل أبوه بمحض الذكور وله النصف مع عدمهما أي عدم الولد وولد الابن (¬7). قال الدردير (1201 هـ): فالنصف لخمسة: الزوج يرثه من زوجته عند عدم الفرع الوارث ذكرًا أو أنثى أو ولد الولد كذلك وإن سفل -كان الولد منه أو من غيره-. . . (¬8) ¬
[248 - 56] تحجب الزوجة من ميراث زوجها المتوفى من الربع إلى الثمن بولد زوجها منها أو من غيرها لا بولدها من غيره
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد في قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12]. • وجه الاستدلال: أن الزوج يحجب من النصف إلى الربع، إذا كان معه ولد للزوجة، سواء كان منه أو من غيره منها (¬1).Rصحة الإجماع في أن للزوج فرضين يحجب من النصف إلى الربع إذا خلفت ولدًا وارثًا منه أو من غيره، وأما إذا كان له ولد من غيرها فلا يحجبه. [248 - 56] تُحجَب الزوجة من ميراث زوجها المتوفى من الربع إلى الثمن بولد زوجها منها أو من غيرها لا بولدها من غيره • المراد بالمسألة: أن للزوجة فرضين، الربع، والثمن، فترث الربع إذا لم يترك الزوج ولدًا سواء منها أو من غيرها، وتحجب إلى الثمن إذا خلف الزوج ولدًا وارثًا منها أو من غيرها، أما إذا كان لها ولد من غيره فلا يحجبها عن فرض الربع، لأنه لا يدلي إلى الزوج. مثاله: لو مات رجل عن: زوجة، وابن، فالمسألة من (ثمانية أسهم) فللزوجة الثمن (سهم واحد) والباقي (سبعة أسهم) للابن. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الزوجة ترث الربع حيث ذكرنا أن الزوج يرث منها النصف، وأن الزوجة ترث الثمن حيث ذكرنا أن الزوج يرث منها الربع، إلا أن الذي يحجبها عن الربع إلى الثمن ولد الزوج منها أو من غيرها لا ولدها من غيره] (¬2). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [فأما حجب البعض، فهو الولد وولد الابن: يحجبان الزوج من النصف إلى الربع، ويحجبان الزوجة والزوجتين أو ¬
الثلاث أو الأربع من الربع إلى الثمن. . وكله بجميع أحكامه التي ذكرناها، إجماع من الأئمة -رضي اللَّه عنهم- إلا ما بيناه] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وفرض الزوجة والزوجات الربع مع عدم ولد الزوج وولد ابنه، والثمن مع الولد أو ولد الابن الواحد والأربع سواء بإجماع أهل العلم] (¬2). النووي (676 هـ) قال: [وللزوجة الربع؛ إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن، والثمن إن كان له ولد أو ولد ابن منها أو من غيرها، والزوجات يشتركن في الربع والثمن بالإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5). قال الجويني (478 هـ): والثمن فرض صنف واحد: وهن الزوجات إذا كان للزوج ولد، أو ولد ابن (¬6). قال العمراني (558 هـ): وأما الزوجة: فلها الربع من زوجها إذا لم يكن له ولد ولا ولد ابن وإن سفل، ولها منه الثمن إذا كان له ولد أو ولد ابن وإن سفل ذكرًا كان أو أنثى. . . وللزوجتين والثلاث والأربع ما للزوجة الواحدة (¬7). قال الزيلعي (743 هـ): للزوجة نصف ما للزوج فيكون لها الربع، ومع الولد أو ولد الابن وإن سفل الثمن (¬8). ¬
[249 - 57] الجدة تحجبها أمها
قال البهوتي (1051 هـ): ولزوجة فأكثر الثمن إن كان له ولد ذكر أو أنثى واحد أو متعدد منها أو من غيرها أو ولد ابن وإن سفل (¬1). قال الدردير (1201 هـ): والربع للزوجة الواحدة أو الزوجات لفقده أي الفرع الوارث للزوج من ولد أو ولد ابن ذكرًا أو أنثى منها أو من غيرها. . . والثمن لهن أي للزوجة أو الزوجات لوجوده أي الفرع اللاحق (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد في قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12]. • وجه الاستدلال: أن الزوجة تحجب من الربع إلى الثمن، إذا كان معها ولد من الزوج، سواء كان منها أو من غيره منها، وأما إذا كان معها ولد من غيرها، فلا يحجبها.Rصحة الإجماع في أن الزوجة تحجب من الربع إلى الثمن إذا ورث معها ولد للزوج، سواء كان منها أو من غيرها، وأما إذا كان لها ولد من غيره فلا يحجبها. [249 - 57] الجدة تحجبها أمها • المراد بالمسألة: القاعدة الفرضية أن الأصول والفروع لا يرثون مع من تفرع عنهم في حال وجودهم، فلا ترث الجدة في وجود الأم، ولا الجد في وجود الأب، ولا ابن الابن في وجود الابن. مثاله: لو مات رجل عن: أم، وجدة، وأخ شقيق، فالمسألة من (ستة أسهم) فللأم الثلث (سهمان) والباقي (أربعة أسهم) للأخ الشقيق، وأما الجدة فمحجوبة بالأم. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [وأجمعوا أنه يرث من النساء: الأم وأمها وهكذا صعدًا إذا لم تكن دون أحداهن أم ولا جَدة لأم ¬
أقرب منها] (¬1). الماوردي (450 هـ) قال: [لاخلاف أن الجدات لا يوثن مع الأم سواء من كن منهن من قبل الأب أو من قبل الأم لأنهن يرثن بالولادة فكانت الأم منهن] (¬2) السرخسي (483 هـ) قال: [الأم تحجب الجدات أجمع بالاتفاق سواء كانت من قبلها أو من قبل الأب] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وأجمع أهل العلم على أن الأم تحجب الجدات من جميع الجهات] (¬4). الشربيتي (977 هـ) قال: [أو الأم أي: تحجب الجدة للأب أيضًا بالإجماع؛ فإنها تستحق بالأمومة، والأم أقرب منها] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة (¬8). قال الجويني (478 هـ): والجدة أم الأم لا يحجبها إلا الأم (¬9). قال السرخسي (483 هـ): القربى من الجدات أولى بالسدس من البعدى سواء كانت من جانب الأم أو من جانب الأب (¬10). قال الخرشي (1101 هـ): والجدة فأكثر وأسقطها الأم مطلقًا (¬11). قال الدردير (1201 هـ): وتحجب الجدة مطلقًا لأم أو لأب بالأم لإدلاء التي من جهة الأم بالأم (¬12). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): وكل ¬
[250 - 58] الجد يحجب الأعمام
جدة تحجب أمها (¬1). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ومن قربت من الجدات فالسدس لها وحدها مطلقًا وتسقط البعدى من كل جهة بالقربى (¬2). • يستند الإجماع إلى: أن الجدات يرثن بالولادة، فالأم أولى لمباشرتها الولادة، ويلزم من كون الأم هي التي باشرت الولادة: أن يكون الميراث لها فقط دون أمها (¬3).Rصحة الإجماع في أن الأم تحجب الجدة. [250 - 58] الجد يحجب الأعمام • المراد بالمسألة: أن الجد من جهة الأب يحجب الأعمام، لأن الجد ينزل منزلة الأب مع الأخوة، فيحجب الجدُّ الأعمام، لأن له قرابة إيلاد وبعضية وجزئية كالأب. مثاله: لو مات رجل عن: جد، وعم، فالمسألة من (ستة أسهم) فللجد السدس (سهم واحد) والباقي (خمسة أسهم) ترد إلى الجد تعصيبًا، لأن العم محجوب بالجد. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [وأجمعوا على ألَّا يورثوا الأعمام مع الجد كما لا يُورَّثون مع الأب] (¬4). البغوي (516 هـ) قال: [وفي النسب الجد وأب الجد، وإن علا أولى من ابن الأخ والعم بالاتفاق] (¬5). ابن رشد (595 هـ) قال [والجد يحجب الأعمام بإجماع] (¬6). ¬
النووي (676 هـ) قال: [ولا خلاف أن الجد أولى من العم] (¬1). ابن تيمية (728 هـ) قال: [لما أجمع المسلمون على أن الجد أولى من الأعمام كان الجد الأدنى أولى من الإخوة وهذه حجة مستقلة تقتضي ترجيح الجد على الإخوة] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3). قال الجويني (478 هـ): والعم من الأب والأم يحجبه هؤلاء (ذكرهم سابقا وفيهم الجد) (¬4). قال القرافي (684 هـ): العم لا يرث مع الجد أصلًا (¬5). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): وأقرب العصبات البنون ثم بنوهم ثم الأب ثم الجد ثم بنو الأب وهم الإخوة ثم بنو الجد وهم الأعمام. . . وهكذا لأنهم في القرب والدرجة على هذا الترتيب فيكونون في الميراث كذلك (¬6). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ويسقط بأب الأب وإن علا كل عم لأبوين أو لأب، وكل ابن عم لأبوين أو لأب وإن نزل لقرب أبي الأب إلى الميت (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن الجد ينزل منزلة الأب مع ¬
[251 - 59] الجد أولى من الإخوة لأم
الأخوة، وذلك لقربه من الميت، فهو أصل، وقرابته قرابة إيلاد وبعضية وجزئية كالأب، وأما الأعمام فهم حواشي.Rصحة الإجماع في أن الجد يحجب الأعمام. [251 - 59] الجد أولى من الإخوة لأم • المراد بالمسألة: أن الجد الذي من قبل الأب، إذا وجد معه إخوة من الأم؛ فإنه يحجبهم عن الميراث. مثاله: لو مات رجل عن: جد، وثلاثة أخوة لأم، فالمسألة من (ستة أسهم) فللجد السدس (سهم واحد) والباقي (خمسة أسهم) ترد إليه تعصيبًا، وأما الأخوة لأم فمحجوبون بالجد. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [وأجمعوا على توريث الجد مع البنين الذكور، وعلى أن الإخوة لا يرثون معه هنالك شيئًا] (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وما أعلم أحدًا من علماء المسلمين جعل الأخ أولى من الجد، وحجب الجد بالإخوة، بل هم على أن الجد أولى منهم مجتمعون على حسب ما وصفنا من أصولهم] (¬2). ابن تيمية (728 هـ) قال: [وقد اتفق المسلمون على أن الجد الأعلى يقدم على الأعمام فكذلك الجد الأدنى يقدم على الإخوة] (¬3) وقال: [وقد اتفق المسلمون على أن الجد أبا الأب أولى من الأعمام؛ فيجب أن يكون الجد أبو الأب أولى من الإخوة] (¬4). المطيعي (1354 هـ) قال: [الجد أبو الأب وإن علا وارث بلا خلاف بين أهل العلم. وقال: إن اجتمع الجد مع الإخوة أو الأخوات أسقطهم ¬
بالإجماع] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2). قال الجويني (478 هـ): والأخ من الأم يحجبه: . . . . والجد (¬3) قال الموصلي (683 هـ): الجد بمنزلة الأب عند عدمه يرث معه من يرث مع الأب، ويسقط به من يسقط بالأب (¬4). قال الخرشي (1101 هـ): فالحاصل أن الأخ للأم يسقط بستة. . . . وبالأب والجد وإن علا (¬5). قال الدردير (1201 هـ): وحجبوا أي حجبهم الجد لأن الإخوة للأم يحجبون بستة بالجد. . . . (¬6) قال عبد الغني الميداني (1292 هـ): ويسقط ولد الأم أي الأخ من الأم بأربعة أصناف بالولد مطلقًا وولد الابن مطلقًا وإن سفل بمحض الذكور، والأب والجد الصحيح وإن علا (¬7). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ويسقط ولد الأم بالولد ذكرا كان أو أنثى وبولد الابن كذلك وبالأب وأبيه وإن علا (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: القياس الصحيح على الأب (¬9).Rصحة الإجماع في أن الجد يحجب الأخوة لأم (¬10). ¬
[252 - 60] الجدة التي لا ترث هي من يدخل في نسبتها للميت جد غير صحيح
[252 - 60] الجدة التي لا ترث هي من يدخل في نسبتها للميت جد غير صحيح • المراد بالمسألة: يفرق الفقهاء بين الجدة التي ترث، والجدة التي لا ترث بضابط، فالجدة التي ترث هي: من لا يتخلل في نسبتها إلى الميت ذكر بين اثنتين، كأم أم الأم، وأم الأب، وأم أبي الأب، وأم أم الأب، وأم الأم. فإن دخل في نسبتها إلى الميت جد غير صحيح فهي جدة غير صحيحة لا ترث؛ كأم أبي الأم، وأم أبي أم الأب، لأن كل أب يدلي إلى الميت بأنثى فهو جد غير وارث، ومن يدلي به يكون غير وارث أيضًا ذكرًا كان أم أنثى. مثاله: لو مات رجل عن: أم أم، وأم أب، وأم أبي الأم، وعم، فالمسألة من (ستة) فللجدتين: أم الأم وأم الأب السدس بينهن (سهم واحد) والباقي (خمسة أسهم) للعم، وأما أم أبي الأم، فمحجوبة؛ لأنها أدلت بذكر بين أنثيين. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [وروي عن ابن عباس أنه ورث الجدات وإن كثرن، إذا كن في درجة واحدة، إلا من أدلت بأب غير وارث؛ كأم أب الأم، قال ابن سراقة: وبهذا قال عامة الصحابة إلا شاذًّا] (¬1). وقال: [وأجمع أهل العلم على أن الجدة المدلية بأب غير وارث لا ترث، وهي كل جدة أدلت بأب بين أمين كأم أبي الأم] (¬2). الشربيني (977 هـ) قال: [ومن أدلَتْ بذكر بين أنثيين كأم أبي الأم؛ فلا ترث كما لا يرث ذلك الذكر، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع] (¬3) المطيعي (1354 هـ) قال: [وأما أم أب الأم فإنها غير وارثة، وهو قول الفقهاء كافة] (¬4). ¬
عبد الرحمن بن قاسم (1354 هـ) قال: [ترث أم الأم. . . .أي دون أم أبي أم لأنها من ذوي الأرحام، وكذا كل جدة تدلي بغير وارث إجماعًا] (¬1) • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3). قال السرخسي (483 هـ): كل جدة تدلي بمن ليس بعصبة ولا صاحبة فريضة فهي غير وارثة، وبه أخذ علماؤنا وهو معنى قول الفقهاء: كل جدة دخل في نسبها إلى الميت أب بين أمين فإنها لا ترث، لأن أب الأم ليس بعصبة ولا صاحب فرض (¬4). قال الموصلي (683 هـ): الجدة الصحيحة كأم الأم وإن علت، وأم الأب وإن علا، وكل من يدخل في نسبتها أب بين أمين فهي فاسدة (¬5). قال البهوتي (1051 هـ): وأما أم أبي الأم وأم أبي الجد فلا يرثان بأنفسهما فرضًا لأنهما من ذوي الأرحام، بل يرثان بالتنزيل عند توريث ذوي الأرحام، وكذا كل جدة أدلت بذكر بين أنثيين اتفاقًا أو أدلت بجد أعلى لأن القرابة كلما بعدت ضعفت، والجدودة جهة ضعيفة (¬6) قال الدردير (1201 هـ): ولا ترث من أدلت من الجدات بذكر: كأم أب الأم سوى من أدلت بذكر هو الأب كأم الأب (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن إبراهيم النخعي: أن رسول اللَّه قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أطعم ثلاث ¬
[253 - 61] الإخوة الأشقاء أو لأب لا يرثون مع الابن وابنه وإن نزل ولا مع الأب
جدات السدس) (¬1). • وجه الاستدلال: أنه دليل على أن الجدات الوارثات ثلاث فقط، وهنَّ اثنتان من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم. الثاني: عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال: (أعطى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاث جدات: السدس اثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم) (¬2). • وجه الاستدلال: أنه دليل على أن الجدات الوارثات ثلاث فقط، اثنتان من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف عن: ابن عباس، وجابر بن زيد، ومجاهد، وابن سيرين، أنهم قالوا: إن: (الجدة أم أبي الأم ترث) (¬3).Rعدم صحة الإجماع في أن الجدة المدلية بالجد الرحمي لا ترث، وذلك للخلاف في المسألة. [253 - 61] الإخوة الأشقاء أو لأب لا يرثون مع الابن وابنه وإن نزل ولا مع الأب • المراد بالمسألة: أن الفرع الوارث الذكر وهو: الابن، وابنه، وإن نزل، والأصل الوارث الذكر وهو الأب فقط، يحجبون الإخوة الأشقاء والأخوة لأب، فلا يرثون في حال وجودهم. مثاله: لو مات رجل عن: أب، وزوجة، وأخ شقيق، فالمسألة من (أربعة أسهم) للزوجة الربع (سهم واحد) والباقي (ثلاثة أسهم) للأب، وأما الأخ الشقيق فمحجوب بالأب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الإخوة من ¬
الأب والأم، ومن الأب ذكورًا أو إناثًا لا يرثون مع الابن، ولا ابن الابن وإن سفل، ولا مع الأب، وأجمع أهل العلم على أنهم مع البنات وبنات الابن عصبة لهم ما فضل عنهم يقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الإخوة كلهم لا يرثون مع الذكر ولا مع الذكور من ولد الولد الراجعين بأنسابهم إلى الميت] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وكل من تكلم من الفرائض من الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين لا يختلفون في أنه لا يرث أخ من أي وجهٍ كان مع الوالد؛ كما لا يرثون مع الابن، وهذا أصل مجتمع عليه] (¬3). السرخسي (483 هـ) قال في معرض كلامه على ميراث الإخوة الأشقاء: [ولا خلاف أنهم لا يرثون مع الأب شيئًا إلا في رواية شاذة عن ابن عباس] (¬4). وقال: [ولا خلاف أنهم لا يرثون مع الابن شيئًا؛ لأن شرط توريثهم أن يكون الميت هالكًا، قال سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176]. ومن له ابن؛ فليس بهالك] (¬5). ابن رشد (595 هـ) قال: [فمن ذلك أنهم أجمعوا من هذا الباب على أن الإخوة للأب والأم ذكرانًا كانوا أو إناثًا أنهم لا يرثون مع الولد الذكر شيئًا، ولا مع ولد الولد، ولا مع الأب شيئًا] (¬6). ابن قدامة (620 هـ) قال: [(ولا يرث أخ، ولا أخت لأب وأم أو لأب، مع ابن، ولا مع ابن ابن وإن سفل، ولا مع أب) أجمع أهل العلم على هذا بحمد اللَّه، وذكر ذلك ابن المنذر وغيره] (¬7). ¬
ابن حجر العسقلاني (852 هـ): قال ابن بطال: [أجمعوا على أن الإخوة الأشقاء أو من الأب لا يرثون مع الابن وإن سفل ولا مع أب] (¬1)، وقال: [ولا يلزم من ذلك أن ترث الأخت مع الابن؛ لأنه خرج بالإجماع؛ فيبقى ما عداه على الأصل واللَّه أعلم] (¬2). الشربيني (977 هـ) قال: [والأخ لأبوين يحجبه ثلاثة: الأب، والابن، وابن الابن وإن سفل بالإجماع] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن تيمية (¬4). سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: عن امرأة ماتت، ولها زوج، وجدة، وإخوة أشقاء، وابن، فما يستحق كل واحد من الميراث؟ فأجاب: للزوج الربع، وللجدة السدس، وللابن الباقي، ولا شيء للإخوة باتفاق الأئمة (¬5). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ويسقط ولد الأبوين ذكرًا كان أو أنثى بابن وابن ابن وإن نزل وأب، حكاه ابن المنذر إجماعًا، ويسقط ولد الأب بهم أي با لابن وابنه وإن نزل والأب وبالأخ لأبوين (¬6). قال البهوتي (1051 هـ): ويسقط الأخ لأبوين وتسقط الأخت لأبوين بثلاثة بالابن وابنه وإن نزل وأب، حكاه ابن المنذر إجماعًا، ويسقط الأخ للأب والأخت للأب بهؤلاء الثلاثة: الابن وابنه والأب وبالأخ الشقيق وبالشقيقة إذا صارت عصبة مع البنت أو بنت الابن (¬7). قال النووي (676 هـ): والأخ للأبوين يحجبه الأب والابن وابن الابن بالإجماع، والأخت للأبوين لا يحجبها أيضًا إلا هؤلاء والأخ للأب يحجبه هؤلاء والأخ للأبوين، والأخت للأب يحجبها الأربعة، وكذلك إذا استكملت الأخوات للأبويين الثلثين سقطت الأخوات للأب إلا أن يكون ¬
معهن معصب (¬1). قال الجويني (478 هـ): والأخ من الأب والأم يحجبه الابن وابن الابن وإن سفل والأب، والأخ من الأب يحجبه الابن وابن الابن والأب والأخ من الأب والأم (¬2). قال القرافي (684 هـ): ويحجب الإخوة الابن وابنه وإن سفل والأب (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد في قوله سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: أن المراد بالإخوة والأخوات هنا من الأبوين، أو من الأب، وهذا بلا خلاف بين أهل العلم؛ لأنه قال سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176]. وهذا حكم العصبة، فاقتضت الآية أنهم لا يرثون مع الولد والوالد؛ لأن الكلالة من لا ولد له ولا والد، فيسقط ولد الأبوين ذكرهم وأنثاهم بالابن، وابن الابن وإن سفل، وبالأب، ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة، وبالأخ من الأبوين. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. فقد ورد عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (السدس الذي يُحجبه الإخوة للأم هو للإخوة)، قال: (لا يكون للأب إنما تقبضه الأم ليكون للإخوة) (¬4).Rصحة الإجماع في أن الأخوة الأشقاء، أو لأب لا يرثون مع الابن وإن نزل، ولا مع الأب وإن علا. وأما قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- (إن السدس الذي حجبته الأم من قبل الإخوة هو لهم لا للأب) فقد ورد عنه ما ¬
[254 - 62] الأخوات الشقائق إذا استكملن الثلثين فليس للأخوات لأب شيء إلا أن يكون لهن ذكر في درجتهن فيعصبهن
يناقض هذا القول، وأنه لا يرث الأخوة مع الوالد والولد؛ فإنه كان يقول: (الكلالة من لا ولد له ولا والد) (¬1). [254 - 62] الأخوات الشقائق إذا استكملن الثلثين فليس للأخوات لأب شيء إلا أن يكون لهن ذكر في درجتهن فيعصبهن • المراد بالمسألة: أن الأخوات الشقيقات يحجبن الأخوات لأب إذا استكملن الثلثين، إلا أن يكون للأخوات لأب ذكر في درجتهن، أي: أخ لأب، فيرفع عنهن الحجب، حيث إنه يعصبهن معه، أما إذا كانت الأخت الشقيقة واحدة، فإن الأخت لأب تأخذ السدس تكملة الثلثين؛ كبنت الابن مع البنت الصلبية. مثاله: لو مات رجل عن: أختين شقيقتين، وأخت لأب، وأخ لأب، فالمسألة من (ثلاثة أسهم) فللبنتين الشقيقتين الثلثان (سهمان) والباقي (سهم واحد) للأخ لأب، وللأخت لأب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن لا ميراث للأخوات من الأب؛ إذا استكمل الأخوات من الأب والأم الثلثين؛ إلا أن يكون معهن أخ ذكر] (¬2). وقال: [وأجمعوا على أن الإخوة من الأب يرثون ما فضل عن الأخوات للأب والأم، فإن ترك أختين أو أخوات لأب وأم، فلهن الثلثان، وما بقي فللإخوة من الأب] (¬3). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا فيمن ترك أختًا شقيقة كما ذكرنا وإخوة وأخوات لأب؛ أن الشقيقة تأخذ النصف؛ لكنهم اختلفوا أن للأخوات للأب شيئًا أم لا إن كان يقع لهن في مقاسمة من في درجتهن من الإخوة للذكر مثل حظ الأنثيين السدس فأقل؛ أخذن ذلك، واختلفوا هل ¬
يزدن عليه شيئًا أم لا] (¬1). وقال: [فإن ترك شقيقتين وأخوات لأب وابن عم أو عمًا، فللشقيقتين الثلثان، وللعم أو لابن العم ما بقي، ولا شيء للواتي للأب، وهذا دليل النص وإجماع متيقن إلا شيئًا ذكر عن الحسن البصري: أن الثلث الباقي للواتي للأب، ولم يقل ذلك حيث يوجد عاصب ذكر] (¬2). وقال: [وأجمعوا على أنه لو ترك أختين لشقيقتين وعشر أخوات لأب وعمًّا أو ابن أخ؛ أن اللواتي للأب لا يرثن شيئًا أصلًا] (¬3). وقال: [واتفقوا فيمن مات وترك أختين شقيقتين وإخوة لأب رجالًا ونساء ولا وارث غيرهم ممن ذكرنا أنهم لم يتفقوا على أنهم يرثون معه؛ فإن للشقيقتين الثلثين، وأن الذكر أو الذكرين أو الذكور الإخوة للأب يرث أو يرثون. واختلفوا هل ترث الأخوات للأب شيئًا أم لا] (¬4). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وقال ابن مسعود أيضًا في أخت لأب وأم وإخوة وأخوات لأب: للأخوات لأب الأقل من المقاسمة أو السدس، وبه قال أبو ثور. وقال ابن مسعود أيضًا في الأخوات للأب والأم إذا استكملوا الثلثين: فالباقي للأخ أو الإخوة دون الأخوات. وما أعلم أحدًا تابع ابن مسعود من أصحابه وغيرهم على قوله هذا إلا علقمة واللَّه أعلم] (¬5) البغوي (516 هـ) قال: [وكذلك حكم ميراث الإخوة للأب والأم مع الإخوة للأب، فإن كان ولد الأب والأم ذكرًا؛ فلا شيء لولد الأب، وإن كانت أنثى؛ نظر إن كانت واحدة، فلها النصف ثم إن كان ولد الأب ذكرًا؛ فالباقي له، وإن كان أنثى واحدة فأكثر، فلهن السدس تكملة الثلثين، وإن كانوا ذكورًا وإناثًا؛ فالباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. وإن كان ولد الأب ¬
والأم أكثر من واحدة كلهن إناث؛ فلهن الثلثان ثم لا شيء لولد الأب إلا أن يكون فيهم ذكر؛ فيكون الباقي لهم؛ للذكر مثل حظ الأنثيين، هذا قول عامة الصحابة والعلماء إلا ابن مسعود؛ فإنه يقول: إذا مات عن بنت وبنات ابن وبني ابن؛ فللبنت النصف ولبنات الابن أضر الأمرين من المقاسمة أو السدس. ولو مات عن بنتين وأولاد ابن بنين وبنات؛ فللبنتين الثلثان والباقي لبني الابن ولاشيء لبناته، ولا يزيد حظ البنات على الثلثين. وكذلك يقول: إذا مات عن أخت لأب وأم وإخوة وأخوات لأب؛ فللأخت للأب والأم النصف، وللأخوات للأب أضر الأمرين من السدس أو المقاسمة مع الإخوة] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن الأخوات للأب والأم إذا استكملن الثلثين؛ فإنه ليس للأخوات للأب معهن شيء كالحال في بنات الابن مع بنات الصلب، وأنه إن كانت الأخت للأب والأم واحدة؛ فللأخوات للأب ما كن بقية الثلثين وهو السدس. واختلفوا إذا كان مع الأخوات للأب ذكر: فقال الجمهور: يعصبهن ويقتسمون المال للذكر مثل حظ الأنثيين كالحال في بنات الابن مع بنات الصلب، واشترط مالك أن يكون في درجتهن. وقال ابن مسعود: إذا استكملن الأخوات الشقائق الثلثين؛ فالباقي للذكور من الإخوة للأب دون الإناث، وبه قال أبو ثور، وخالفه داود في هذه المسألة مع موافقته له في مسألة بنات الصلب وبني البنين. فان لم يستكملن الثلثين؛ فللذكر عنده من بني الأب مثل حظ الأنثيين؛ وإلا أن يكون الحاصل للنساء أكثر من السدس كالحال في بنت الصلب مع بني الابن] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [(والأخوات من الأب بمنزلة الأخوات من الأب والأم، إذا لم يكن أخوات لأب وأم، فإن كان أخوات لأب وأم، ¬
وأخوات لأب؛ فللأخوات من الأب والأم الثلثان، وليس للأخوات من الأب شيء، إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي، للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن كانت أخت واحدة لأب وأم، وأخوات لأب؛ فللأخت للأب والأم النصف، وللأخوات من الأب واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين، إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي؛ للذكر مثل حظ الأنثيين) وهذه الجملة كلها مجمع عليها بين علماء الأمصار، إلا ما كان من خلاف ابن مسعود ومن تبعه، لسائر الصحابة والفقهاء في ولد الأب إذا استكمل الأخوات من الأبوين الثلثين؛ فإنه جعل الباقي للذكر من ولد الأب دون الإناث. فإن كانت أخت واحدة من أبوين، وإخوة وأخوات من أب، جعل الإناث من ولد الأب الأضر بهن من المقاسمة أو السدس، وجعل الباقي للذكور، كفعله في ولد الابن مع البنات] (¬1). قال النووي (676 هـ): والأخ للأبوين يحجبه الأب والابن وابن الابن بالإجماع، والأخت للأبوين لا يحجبها أيضًا إلا هؤلاء والأخ للأب يحجبه هؤلاء والأخ للأبوين، والأخت للأب يحجبها الأربعة، وكذلك إذا استكملت الأخوات للأبويين الثلثين سقطت الأخوات للأب إلا أن يكون معهن معصب (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد في قوله سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: أن اللَّه سبحانه وتعالى أعطى الأخت الشقيقة الواحدة النصف إن لم يكن فرع وارث، وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة على ضربين: ¬
الأول: ذهب ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (¬1) وعلقمة، وأبو ثور، وابن حزم من الظاهرية (¬2) إلى أن الأخ لأب لا يعصب أخواته من الأب إذا ورثوا مع الأخوات الشقيقات، فتأخذ الأخوات الشقيقات الثلثين، والباقي للأخ لأب؛ لأنه أولى رجل ذكر. فقد روي عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه قال في: أخوات لأب وأم، وأخوة وأخوات لأب: (للأخوات من الأب والأم الثلثان، وسائر المال للذكر دون الإناث) (¬3). وورد عنه -رضي اللَّه عنه- أيضًا أنه قضى في: ابنة، وابنة ابن، وبني ابن، وأخت لأب، وأم وإخوة لأب، أنه قال: (كان يعطي هذه النصف، ثم ينظر فإن كان إذا قاسمت الذكور أصابها أكثر من السدس؛ لم يزدها على السدس، وإن أصابها أقل من السدس؛ قاسم بما لم يلزمها الضرر) (¬4). ويمكن أن يستدل لقول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- ومن وافقه بحديث ابن عباس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬5). • وجه الاستدلال: أن الأخ لأب هو أولى ذكر يرث بعد أخذ الأخوات الشقيقات فرضهن. الثاني: ذهب الحسن البصري إلى أن الأخوات لأب يرثن بعد استكمال الأخوات الشقائق الثلثين، ولا يحتجن إلى أخ معصب في درجتهن (¬6). ¬
[255 - 63] يرث مع الولد: البنت، والأب وإن علا، والأم وإن علت، والزوج، والزوجة
Rعدم صحة الإجماع في أن الأخوات الشقيقات يحجبن الأخوات لأب إذا أستكملن الثلثين، إلا أن يكون للأخوات لأب ذكر في درجتهن، لوجود الخلاف بنوعيه. [255 - 63] يرث مع الولد: البنت، والأب وإن علا، والأم وإن علت، والزوج، والزوجة • المراد بالمسألة: أن الولد الذكر يرث معه: الأبوان، والجد للأب إذا لم يكن أب، والجدة للأم والأب إذا لم يكن أم ولا أب، والزوج، والزوجة والابنة فقط، وهؤلاء لا يحجبون به بحال، وله باقي التركة بعد تقسيم الفروض على حسب حال المسألة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الولد الذكر لا يرث معه أحد؛ إلا الأبوان والجد للأب، والجدة للأم والأب، والزوج، والزوجة والابنة فقط. . واتفقوا أن كل من ذكرنا يرث مع الولد الذكر. . واتفقوا أنه ليس للابن الذكر إلا ما فضل عن الزوج، والزوجة، والأبوين، والجد، والجدتين] (¬1) الشربيني (977 هـ) قال: [والبنت والأم والزوجة لا يحجبن عن إرثهن بالإجماع؛ لما مر في الأب والابن والزوج] (¬2). وقال: [(الأب والابن والزوج لا يحجبهم أحد) من الإرث إجماعًا] (¬3) • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6). ¬
[256 - 64] إذا اجتمع الابن، والأب، والزوج على ميراث أنثى فإنهم يرثونها ولا أحد يحجب منهم
قال السرخسي (483 هـ): جملة من يرث مع الأولاد ستة نفر: الأب والجد لأب وإن علا، والأم والجدة أم الأم، أو أم الأب والزوجة (¬1). قال ابن قدامة (620 هـ): ومن لا يسقط بحال خمسة: الزوجان، والأبوان، وولد الصلب، لأنهم يمتون بأنفسهم من غير واسطة بينهم وبين الميت ججبهم، ومن سواهم من الوارث إنما يمت بواسطة سواه، فيسقط بمن هو أولى بالميت منه (¬2). قال الموصلي (683 هـ): ستة لا يحجبون أصلًا: الأب والابن والزوج والأم والبنت والزوجة، ومن عدا هؤلاء فالأقرب يحجب الأبعد (¬3). قال الدردير (1201 هـ): ولا يرث مع الابن أو ابن الابن من أصحاب الفروض إلا الأب والأم أو الجدة، والزوج أو الزوجة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن هؤلاء المذكورين يدلون بأنفسهم من غير واسطة بينهم وبين الميت يحجبهم، ومن سواهم من الوارثين، إنما يدلون بواسطة سواه، فيسقط بمن هو أولى بالميت منه (¬5).Rصحة الإجماع في أن الولد الذكر يرث معه: الأبوان، والجد للأب إذا لم يكن أب، والجدة للأم والأب إذا لم يكن أم ولا أب، والزوج، والزوجة والابنة فقط. [256 - 64] إذا اجتمع الابن، والأب، والزوج على ميراث أنثى فإنهم يرثونها ولا أحد يحجب منهم • المراد بالمسألة: لو ماتت امرأة عن زوج، وابن، وأب، وابن ابن، وجد، فإن الزوج والابن والأب هم الذين يرثون، وأما الجد فمحجوب ¬
بالأب، وأما ابن الابن، فمحجوب بالابن، فتكون أصل المسألة من اثني عشر، فللزوج الربع لوجود ولد الميتة، وللأب السدس لوجود الفرع الوارث، والباقي للابن. • من نقل الإجماع: الشربيني (977 هـ) قال: [فلو اجتمع كل الرجال فقط ولا يكون إلا والميت أنثى ورث منهم ثلاثة: الأب والابن والزوج فقط، لأنهم لا يُحجَبون، ومن بقي محجوب بالإجماع، فابن الابن بالابن، والجد بالأب، والباقي محجوب بكل منهما، أو بالابن، وتصح مسألتهم من اثني عشر؛ لأن فيها ربعًا وسدسًا؛ للزوج الربع، وللأب السدس، وللابن الباقي] (¬1). وقال: [(الأب والابن والزوج لا يحجبهم أحد) من الإرث إجماعًا، ولأن كلًا منهم يدلي إلى الميت بنفسه بنسب أو نكاح وليس فرعًا لغيره، والأصل مقدم على الفرع] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الماوردي (450 هـ): ومن لا يسقط منهم بحال ثلاثة: الابن والأب والزوج (¬6). قال ابن قدامة (620 هـ): ومن لا يسقط بحال خمسة: الزوجان، والأبوان، وولد الصلب (¬7). قال النووي (676 هـ): إذا اجتمع الرجال الوارثون ورث منهم: الابن ¬
[257 - 65] أن الابن، والبنت، والأب، والأم، والزوج، والزوجة، إذا اجتمعوا فإنهم يرثون الميت، ولا يحجب بعضهم بعضا حجب حرمان
والأب والزوج فقط (¬1). قال الموصلي (683 هـ): ستة لا يحجبون أصلًا: الأب والابن والزوج والأم والبنت والزوجة، ومن عدا هؤلاء فالأقرب يحجب الأبعد (¬2). قال القرافي (684 هـ): كل وارث يمكن أن يسقط إلا أربعة: الأبوان والزوجان والأبناء والبنات (¬3). قال ابن مفلح (884 هـ): إذا اجتمع الوارثون من الرجال لم يرث منهم إلا الأب والابن والزوج (¬4). قال الدردير (1201 هـ): وإن اجتمع جميع الذكور فلا يرث منهم إلا ثلاثة الزوج والابن والأب (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن: كل من كان بينه وبين الميت ذكر هو أصله فإنه يحجب عن الميراث بسببه، وأما الزوج فللنص.Rصحة الإجماع في أنه لو ماتت امرأة عن زوج، وابن، وأب، وابن ابن، وجد، فإن الزوج والابن والأب هم الذين يرثون فقط، وأما الجد فمحجوب بالأب، وأما ابن الابن، فمحجوب بالابن. [257 - 65] أن الابن، والبنت، والأب، والأم، والزوج، والزوجة، إذا اجتمعوا فإنهم يرثون الميت، ولا يحجب بعضهم بعضا حجب حرمان • المراد بالمسألة: أن ولد الميت لما كان أقوى الورثة، فإن هناك من الورثة من لا يتأثرون بوجوده، فيرثون معه، ولا يحجبون بسببه حجب حرمان، وإنما حجب نقصان، وهم: البنت، والأب، والأم، والجد إذا لم يوجد الأب، والزوج، والزوجة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الولد الذكر لا ¬
يرث معه أحد، إلا الأبوان، والجد للأب، والجدة للأم والأب، والزوج والزوجة والابنة فقط، واتفقوا أن كل من ذكرنا يرث مع الولد الذكر، واتفقوا أنه ليس للابن الذكر إلا ما فضل عن الزوج والزوجة والأبوين والجد والجدتين] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال القرافي (684 هـ): كل وارث يمكن أن يسقط إلا أربعة: الأبوان والزوجان والأبناء والبنات (¬6) قال الخطيب الشربيني (977 هـ): الأب والابن والزوج لا يحجبهم أحد (¬7). قال البهوتي (1051 هـ): وحجب الحرمان لا يدخل على خمسة من الورثة: الزوجين والأبوين والولد، وضابطهم: من أدلى إلى الميت بنفسه غير المولى (¬8). قال الدردير (1201 هـ): لا يحجب الأبوان أي حجب حرمان، والزوجان والولدان للميت ذكرًا كان أو أنثى (¬9). قال ابن عابدين (1252 هـ): ولا يحرم ستة من الورثة بحال البتة الأب والأم والابن والبنت أي الأبوان والولدان والزوجان (¬10). ¬
[258 - 66] من لا يستحق الإرث لا يحجب غيره ممن يحجب به لو كان سليما
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} [النساء: 11 - 12]. • وجه الاستدلال من الآيتين: أن فيها ذكر أصحاب الفروض وهم: الابن، والبنت، والأب، والأم، والزوج، والزوجة، وأنهم يرثون، ولا يحجبون ببعضهم حجب حرمان. الثاني: فيما يخص الجد والجدة فلقد انعقد الإجماع على أنهم في حكم الأب، والأم، وأنهم ينزلون منزلتهم إذا لم يوجدوا.Rصحة الإجماع في أن ولد الميت يرث معه: البنت، والأب، والأم، والجد إذا لم يوجد الأب، والزوج، والزوجة. [258 - 66] من لا يستحق الإرث لا يحجب غيره ممن يحجب به لو كان سليما • المراد بالمسألة: أن السبب المانع من الإرث، لا يؤثر على ميراث باقي الورثة فيما لو كان الوارث مستحقًا للإرث، فالكافر، والمرتد، والقاتل
عمدًا، ومن فيه رق، ومن خفي موته، لا يحجبون غيرهم، كما أنهم لا يرثون. مثاله: لو مات رجل عن: ابن قاتل، وزوجة، وأخ شقيق، فالمسألة من (أربعة أسهم) للزوجة الربع (سهم واحد) والباقي (ثلاثة أسهم) للأخ الشقيق، ولا يؤثر عليه وجود الابن، لكونه محجوبًا من الميراث بسبب القتل. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن من لا يرث لا يحجب من هو أقرب منه في العصبة خاصة، واختلفوا أيحجب ذوي السهام عن أعلى سهامهم إلى أقلها أم لا، وهل يُحجب الإخوة والأخوات للأم أم لا] (¬1). البغوي (516 هـ) قال: [وتفرد ابن مسعود بخمس مسائل في الفرائض هذه أربعة، والخامسة: قال: من لا يرث؛ كالابن الكافر، والرقيق، والقاتل يحجب أصحاب الفرائض حجب النقصان، فيرد الزوج إلى الربع، والزوجة إلى الثمن، والأم إلى السدس، وعامة الصحابة على أنه لا يحجب كما لا يحجب حجب الحرمان] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [من لم يرث لمعنى فيه؛ كالمخالف في الدين، والرقيق والقاتل؛ فهذا لا يحجب غيره في قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين؛ إلا ابن مسعود ومن وافقه؛ فإنهم يحجبون الأم والزوجين بالولد الكافر والقاتل والرقيق، ويحجبون الأم بالإخوة الذين هم كذلك] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬4). ¬
قال الجويني (478 هـ): لما ذكر الشافعي الأسباب الثلاثة الحاجبة: اختلاف الدين والرق والقتل، قال: من لا يرث بوصف من هذه الأوصاف، لا يَحجُب، ولا أثر له أصلًا، لا في الحجب الكلي، ولا في الحجب البعضي. وعن ابن مسعود: أنه لا يحجب حجب الحرمان، ويحجب حجب النقصان: فإذا مات رجل عن ابن كافر، وامرأة مسلمة، وابن ابن مسلم، أو عن أب مسلم، فالابن الكافر لا يحجب ابن الابن، ولكن هل تحجب المرأة عنده من الربع إلى الثمن، وقال: إنه لا يحجب الأب من العصوبة إلى الفرض (¬1). قال القرافي (684 هـ): كل من لا يرث لا يحجب إلا الإخوة للأم، يحجبون الأم ولا يرثون، والإخوة للأب يحجبون الجد مع الأشقاء والأم ولا يرثون (¬2). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ومن لا يرث -لرق أو قتل أو اختلاف دين- لا يحجب حرمانًا ولا نقصانًا بل وجوده كعدمه (¬3). • مستند الإجماع: إلى: أن هذا غير وارث، فكيف يحجب من كان وارثًا. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وأبو ثور، وداود الظاهري، والحسن البصري (¬4). فقد روي عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: (أنه كان يحجب باليهودي والنصراني والمجوسي والمملوك ولا يورثهم) (¬5).Rعدم صحة الإجماع في أن من لا يستحق الإرث لا يحجب ¬
[259 - 67] الإخوة الأشقاء أو لأب لا يحجبون الإخوة من الأم
غيره ممن يحجب به لو كان سليمًا، لخلاف ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وأبو ثور، وداود الظاهري، والحسن البصري في المسألة. [259 - 67] الإخوة الأشقاء أو لأب لا يَحجِبُون الإخوة من الأم • المراد بالمسألة: أن الأخوة لأم يرثون بالفرض، ولا يحجبهم إلا الأصول أو الفروع، أما الأخوة الأشقاء فلا يحجبون الأخوة لأم. مثاله: لو مات رجل عن: جدة، وأخ لأم، وأخت شقيقة، وأخت لأب، فالمسألة من (ستة أسهم) للأخت الشقيقة النصف (ثلاثة أسهم) وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين (سهم واحد) وللأخ لأم السدس (سهم واحد) وللجدة السدس (سهم واحد). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الأخ الشقيق يحجب الأخ للأب وبنيه، ولا يحجب الأخ للأم، ولا الأخت للأم] (¬1). السرخسي (483 هـ) قال في معرض كلامه على الإخوة للأم: [واتفقوا أنهم لا يسقطون ببني الأعيان، ولا ببني العلات، ولا ينقص نصيبهم ببني العلات، وإنما يختلفون في أنه هل ينقص نصيبهم ببني الأعيان أم لا] (¬2). الموصلي (683 هـ) قال: [ويسقط بنو الأخياف وهم الإخوة لأم بالولد وولد الابن والأب والجد بالاتفاق] (¬3). الخطيب الشربيني (977 هـ) قال: [والأخ لأم يحجبه أربعة: أب وجد وولد ذكرًا كان أو أنثى وولد ابن ولو أنثى بالإجماع] (¬4). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
قال الجويني (478 هـ): والأخ من الأم يحجبه الابن وابن الابن والبنت وبنت الابن والأب والجد (¬1). قال الدردير (1201 هـ): ويحجب الأخ مطلقًا شقيقًا أو لأب أو لأم ذكرًا أو أنثى أو خنثى بابن للميت وابنه وإن نزل، وبالأب الأدنى دون الجد فلا يحجب الإخوة. . . والأخ للأم يحجب بمن ذكر ويزيد بأنه يحجب سواء كان ذكرًا أو أنثى بالجد وبالبنت وبنت الابن (¬2). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): ويسقط ولد الأم بأربعة: بالولد وولد الابن والأب والجد (¬3). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ويسقط ولد الأم بالولد ذكرًا كان أو أنثى وبولد الابن كذلك وبالأب وأبيه وإن علا (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ} [النساء: 12]. • وجه الاستدلال: أن (الكلالة) من ليس له والد ولا ولد، والمراد بالأخوة هنا (الأخوة لأم) وهم محجوبون بالابن وإن سفل، بالأب وإن علا بنص الآية. الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬5). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بإلحاق الفرائض بأهلها، والأخوة لأم من أصحاب الفروض، والأشقاء ولأب من العصبات، فلهم ما بقي. ¬
[260 - 68] الأب لا يحجب أم الأم وإن علت بالأمومة
Rصحة الإجماع في أن الإخوة الأشقاء، أو لأب، لا يحجبون الأخوة لأم. [260 - 68] الأب لا يَحجِب أم الأم وإن علت بالأمومة المراد بالمسألة: أن الأب لا يحجب أم الأم وإن علت، لأنها تنزل منزلة الأم، فكما أن الأم ترث مع الأب، كذلك الجدة من قبل الأم ترث مع الأب. مثاله: لو مات رجل عن: أب، وجدة (أم أم) فالمسألة من (ستة أسهم) للجدة السدس (سهم واحد) والباقي (خمسة أسهم) للأب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الأب لا يحجب أم الأم] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [ولا خلاف في أن الأب لا يحجب أم الأم ولا أم أم الأم فصاعدًا] (¬2). السرخسي (483 هـ) قال: [واختلفوا في حجب الجدة بالأب بعدما اتفقوا أن الجدة من قبل الأم لا تصير محجوبة بالأب؛ لأنها لا تدلي به ولا ترث بمثل نسبه؛ فهي ترث بالأمومة وهو بالأبوة والعصوبة] (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الأب لا يحجب أم الأم] (¬4) النووي (676 هـ) قال: [والأب والأجداد لا يحجبون الجدة من جهة الأم قريبة كانت أم بعيدة بالإجماع] (¬5). ابن تيمية (728 هـ) قال: [ولأنه لا نزاع أن من علت بالأمومة ورثت، فترث أم أم الأب، وأم أم الأم بالاتفاق] (¬6). ¬
[261 - 69] الأنبياء عليهم السلام لا يورثون وما تركوه فهو صدقة
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشوكاني. قال الجويني (478 هـ): والجدة أم الأم لا يحجبها إلا الأم (¬1) قال الموصلي (683 هـ): وتسقط جميع الجدات بالأم، وتسقط الأبويات بالأب (¬2). قال القرافي (684 هـ): الأب لا يسقط الجدة أم الأم (¬3). قال الشوكاني (1250 هـ): والأب يسقط الجدات من جهته والأم من الطرفين (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد عن: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬5). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بإلحاق الفرائض بأهلها، والجدة من الأم لا يحجبها إلا الأم، فإذا فقدت الأم قامت مقامها (¬6).Rصحة الإجماع في أن الأب لا يحجب الجدة من قبل الأم، وأنها ترث معه إذا لم توجد الأم. [261 - 69] الأنبياء عليهم السلام لا يورثون وما تركوه فهو صدقة • المراد بالمسألة: أن الأنبياء عليهم السلام لا يورثون من جهة المال، وأن ما تركوه من مال فهو صدقة وليس ميراثًا. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الأنبياء صلوات اللَّه عليهم وسلامه لم يورثوا، وأن الذي خلفوه صدقة مصروفة في ¬
المصالح] (¬1). ابن تيمية (728 هـ) قال: [الوجه التاسع أن يقال كون النبي لا يورث ثبت بالسنة المقطوع بها، وبإجماع الصحابة، وكل منهما دليل قطعي؛ فلا يعارض ذلك بما يظن أنه عموم] (¬2). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والشوكاني (¬5). قال القرافي (684 هـ): الأنبياء لا يورثون خلافًا للرافضة (¬6). قال الخطيب الشربيني (977 هـ): والرابع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنهم يرثون ولا يورثون كما تقرر (¬7). قال البهوتي (1051 هـ): والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يورث وكانت تركته صدقة، وكذا سائر الأنبياء (¬8). قال الشوكاني (1250 هـ): وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب أن الأنبياء لا يورثون وأن جميع ما تركوه من الأموال صدقة ولا يعارض ذلك قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} فإن المراد بالوراثة المذكورة وراثة العلم لا المال كما صرّح بذلك جماعة من أئمة التفسير (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منهاْ الأول: عن أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (لا نورث ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال) (¬10). ¬
• وجه الاستدلال: أنه نص ظاهر صريح في أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يورث، وأنَّ ما تركه من مال إنما هو صدقة، يرد إلى بيت مال المسلمين. الثاني: أنَّ الملك العظيم يعطي عامة رعيته للتمليك لا للصرف على غيرهم، ويعطي خاصته للصرف لا للتمليك، فالأنبياء عليهم السلام خزّان اللَّه وأمناؤه على خلقه، والخازن يصرف لغيره وله ما تدعو إليه ضرورة حياته، وهو المناسب في أمر اللَّه سبحانه وتعالى إياهم بالزهادة والإعراض عن الدنيا (¬1). الثالث: الحكمة فيه أن لا يتمنى أحد من الورثة موتهم لذلك فيهلك، وأن لا يظن بهم الرغبة في الدنيا، وأن يكون مالهم صدقة بعد وفاتهم توفيرًا لأجورهم (¬2).Rصحة الإجماع في أنَّ الأنبياء لا يورثون، وما تركوه صدقة، وأما خلاف الشيعة فغير معتبر. * * * ¬
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب العصبات
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في باب العصبات • تمهيد: في معنى التعصيب المسألة الأولى: في تعريف التعصيب في اللغة والاصطلاح التعصيب في اللغة: مصدر عصَّب يُعصب تعصيبًا، فهو عاصب، وتجمع العصبة على عصبات، ويسمى بالعصبة الواحد وغيره، مذكرًا كان أو مؤنثًا. وعصبة الرجل: بنوه، وقرابته لأبيه، سموا بذلك؛ لأنهم عصبوا به أي أحاطوا به، وقيل سموا بذلك لتقوي بعضهم ببعض من العصب وهو الشدَّ والمنع، فبعضهم يشد بعضًا ويمنع من تطاول الغير عليه. فمادة عصب تدور على الشدة والقوة والإحاطة (¬1). وأما في الاصطلاح: قيل هم الذين يرثون بلا تقدير، وقيل: كل وارث إذا انفرد أخذ جميع المال، وقيل هو الذي يأخذ ما أبقت الفروض، ويسقط إذا استغرقت الفروض المسألة، وقيل من ليس له سهم مقدر من المجمع على توريثهم، وقيل غير ذلك (¬2). ولا يخلو تعريف العصبة من الانتقاد، ولذلك قال ابن الهائم: وليس يخلو حدُّه من نقد ... فينبغي تعريفه بالعدّ (¬3). ¬
المسألة الثانية: في أقسام العصبة • ينقسم العصبة من حيث الإجمال إلى قسمين: القسم الأول: العصبة بالنسب. والقسم الثاني: العصبة بالسبب. • وأما العصبة بالسبب فهم على ثلاثة أضرب: الأول: عصبة بالنفس. والثاني: عصبة بالغير. والثالث: عصبة مع الغير. الضرب الأول: العصبة بالنفس، أربعة عشر: الابن، وابن الابن وإن نزل، والأب، والجد له، وإن علا؛ والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأب، وإن نزلا، والعم الشقيق، والعم لأب، وإن عليا؛ وابن العم الشقيق، وابن العم لأب، وإن نزلا، والمعتق، والمعتقة. وقد ذكر أهل العلم أحكام العصبة بالنفس، وأنها ثلاثة أحكام: الأول: أن من انفرد منهم حاز جميع المال. الثاني: أنه يأخذ ما أبقت الفروض. الثالث: أنه يسقط إذا استغرقت الفروض، إلا الابن، والأب، والجد. وجهات العصبة بالنفس، ست: بنوة، ثم أبوّة، ثم جدودة وأخوة، ثم بنو أخوة، ثم عمومة، وبنوهم، ثم ولاء؛ ومع اتحاد الجهة، يعتبر التقديم بالقرب؛ ومع الاستواء في الدرجة والقرب، تعتبر القوة. وهنا قواعد هامة في ميراث العصبة: الأولى: لا ميراث لعصبة عصبات المعتق، إلا أن يكونوا عصبة للمعتق. الثانية: لا ميراث لمعتق عصبات المعتق، إلا من أعتق أباه، أو جده.
[262 - 70] الإرث بالتعصيب أحد نوعي الوارثين
الثالثة: لا يرث النساء بالولاء، إلا من أعتقن، أو أعتقه من أعتقن. الضرب الثاني من العصبة: العصبة بالغير، وهم أربعة أصناف: البنت فأكثر، بالابن فأكثر؛ وبنت الابن فأكثر، بابن الابن فأكثر، الذي في درجتها، سواء كان أخاها، أو ابن عمها، أو بابن الابن الذي أنزل منها، إن احتاجت إليه؛ والأخت الشقيقة فأكثر، بالأخ الشقيق فأكثر، والأخت لأب فأكثر، بالأخ لأب فأكثر. وإنما سمي هذا النوع من العصبات (العصبات بالغير) لأن عصوبة هؤلاء النساء الأربع ليست بسبب قرابتهن من الميت، وإنما بسبب وجود العاصب الذكر بنفسه، فإذا وجد صرن له عصبة، وإذا لم يوجد ورثن بالفرض. الضرب الثالث من العصبة: العصبة مع الغير، وهم صنفان: الأخت الشقيقة فأكثر، والأخت لأب فأكثر، مع البنت فأكثر، أو بنت الابن فأكثر. مسألة: إذا هلك هالك، عن أب معتق، وعن معتق أب: المال لأب المعتق. وأما القسم الثاني من أقسام العصبة: فهم العصبة بالسبب، والعصبة السببية هي التي تكون بسبب العتق، فإن السيد (المُعتق) يرث عتيقه (عبده المملوك) الذي أعتقه إذا لم يكن له وارث من النسب، فعند ذلك يرثه السيد المعتق جزاء إحسانه ومعروفه له. والإرث بالولاء آخر من يأتي إلى الميراث. [262 - 70] الإرث بالتعصيب أحد نوعي الوارثين • المراد بالمسألة: أن الذين يرثون الميت على قسمين: الأول: قسم يرث بالفرض، وهو من حدد الشارع الحكيم نصيبهم في كتابه، وورثهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سنته؛ كالجد والجدة أعطاهما السدس. والقسم الثاني: من يرث بالتعصب وهم من يأخذون باقي التركة، كالابن.
• من نقل الإجماع: السرخسي (483 هـ) قال: [أصحاب المواريث بالاتفاق صنفان: أصحاب الفرائض والعصبات] (¬1) ابن هبيرة (560 هـ) قال: [فهؤلاء المجمع على توريثهم، وهم على ضربين: عصبة، وذوي فروض] (¬2). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬3)، والشافعية (¬4). قال الماوردي (450 هـ): والورثة على أربعة أقسام: أحدها: من يأخذ بالتعصيب وحده، فلا يثبت لهم فرض ولا يتقدر لهم سهم. . . والقسم الثاني: من يأخذ بالفرض وحده. . . والقسم الثالث: من يأخذ بالفرض تارة وبالتعصيب تارة. . . والقسم الرابع: من يأخذ بالفرض تارة، وبالتعصيب تارة أخرى، وبهما في الثالثة. . . (¬5) قال الجوبني (478 هـ): التوريث بالتعصيب والفرض (¬6). قال البهوتي (1051 هـ): والوارث ثلاثة: ذو فرض أي نصيب مقدر شرعًا لا يزيد إلا بالرد ولا ينقص إلا بالعول وعصبات يرثون بلا تقدير وذو رحم يرثون عند عدم العصبات (¬7). قال الدردير (1201 هـ): . . . ثم الباقي بعد الوصايا يكون لوارثه فرضًا، أو تعصيبًا، أو هما (¬8). ¬
[263 - 71] الوارثون من الذكور عشرة بالاختصار، وخمسة عشر بالبسط
قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): والورثة ثلاثة أصناف. . . ذو فرض أي نصيب مقدر شرعًا لا يزيد إلا بالرد ولا ينقص إلا بالعول، وعصبة يرثون بلا تقدير، وذو رحم يرثون عند عدم العصبات (¬1). • مستند الإجماع: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)} [النساء: 33] • وجه الاستدلال: أن المراد بالأقربين ههنا عصبة الميت، وهو قول جماهير المفسرين (¬2). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لأولى رجل ذكر) (¬3). • وجه الاستدلال: أن فيه الإشارة إلى نوعي الورثة، وهم أصحاب الفرائض، والعصبات (¬4).Rصحة لإجماع في أن الوارثين قسمان، قسم يرث بالفرض، وقسم يرث بالتعصب. [263 - 71] الوارثون من الذكور عشرة بالاختصار، وخمسة عشر بالبسط • المراد بالمسألة: أن الوارثين من الرجال عشرة على وجه الاختصار، وهم: الابن وابنه، وإن سفل، والأب وأبوه وإن علا، والأخ وابنه إلا من الأم، والعم وابنه إلا الأم، والمعتق، والزوج، وخمسة عشر على وجه البسط، وهم: الابن، وابنه وإن نزل، والأب، والجد وأبوه وإن علا، ¬
والأخ الشقيق، والأخ للأب، والأخ للأم، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ للأب، والعم الشقيق، والعم للأب، وابن العم الشقيق، وابن العم للأب، والزوج، وذو الولاء، ومن عدا هؤلاء من الذكور فمن ذوي الأرحام، كابن البنت، وأبي الأم، وابن الأخ للأم، والعم للأم، وابنه، والخال، ونحوهم (¬1). • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن المجمع على توريثهم من الذكور عشرة: ابن، وابن ابنه وإن سفل، والأب، وأبوه، والأخ من كل جهة، وابن الأخ إذا كان عصبة، والعم، وابن العم إذا كان عصبة، والزوج، ومولى النعمة، وهو السيد المعتق] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال: [فأما المتفق عليها؛ فهي الفروع: أعني الأولاد، والأصول: أعني الآباء والأجداد، ذكورًا كانوا أو إناثًا، وكذلك الفروع المشاركة للميت في الأصل الأدنى: أعني الإخوة ذكورًا أو إناثًا، أو المشاركة الأدنى أو الأبعد في أصل واحد، وهم الأعمام وبنو الأعمام، وذلك الذكور من هؤلاء خاصة فقط، وهؤلاء إذا فصلوا كانوا من الرجال عشرة، ومن النساء سبعة: أما الرجال: فالابن، ابن الابن وإن سفل، والأب، والجد أبو الأب -وإن علا- والأخ من أي جهة كان: أعني للأم والأب أو لأحدهما، وابن الأخ -وإن سفل- والعم وابن العم -وإن سفل- والزوج ومولى النعمة] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [(ويرث من الرجال: الابن، ثم ابن الابن وإن سفل، والأب، ثم الجد وإن علا، والأخ، ثم ابن الأخ، والعم، ثم ابن العم، والزوج، ومولى النعمة) فهؤلاء مجمع على توريثهم] (¬4). ¬
النووي (676 هـ) قال: [فصل في بيان المجمع على توريثهم: الرجال الوارثون خمسة عشر: الابن، وابن الابن وإن سفل، والأب والجد للأب وإن علا، والأخ للأبوين، والأخ للأب، والأخ للأم، وابن الأخ للأبوين، وابن الأخ للأب، والعم للأبوين، والعم للأب، وابن العم للأبوين، وابن العم للأب، والزوج، والمعتق] (¬1). القرافي (684 هـ) قال: [قال ابن يونس: المجمع على توريثه من الرجال خمسة عشر: الابن، وابن الابن وإن سفل، والأب، والجد أبو الأب وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ للأب، والأخ للأم، وابن الأخ الشقيق وابن بُعد، وابن الأخ من الأب وإن بُعد، والعم الشقيق، والعم للأب، وابن العم الشقيق وإن بُعد، وابن العم للأب وإن بُعد، وعمومة الأب وبنوهم داخلون في العمومة، والزوج، ومولى النعمة] (¬2). قال ابن مفلح (884 هـ): والمجمع على توريثهم من الذكور عشرة: الابن وابنه وإن نزل والأب وأبوه وإن علا والأخ من كل جهة وابن الأخ إلا من الأم والعم وابنه كذلك والزوج والمولى المنعم (¬3). الشربيني (977 هـ) قال: [(والمجمع على إرثهم من الرجال) أي: الذكور، ولو عبر بهم؛ كان أولى؛ لكن المراد الجنس، وكذا في النساء فيشمل غير البالغين من الذكور والإناث (عشرة) بالاختصار، وخمسة عشر بالبسط وهم (الابن وابنه) وهذا يغني عنه قوله: (وإن سفل) إلا أن يكون قصده التنبيه على إخراج ابن البنت (والأب وأبوه إن علا والأخ) لأبوين ولأب ولأم (وابنه) أي: الأخ. وقوله: (إلا من الأم) استثناء من ابنه فقط أي: ابن الأخ لأبوين أو لأب. أما ابنه لأم فمن ذوي الأرحام كما سيأتي (والعم) لأبوين أو لأب، ويدخل في ذلك عم الأب، وعم الجد وإن علا، ¬
ويدخل في ابنه الآتي أبناءهما (إلا) العم (للأم) فمن ذوي الأرحام (وكذا ابنه) أي: العم لأبوين ولأب (والزوج والمعتق) والمراد به من صدر منه الإعتاق أو ورث به؛ فلا يرد على الحصر في العشرة عصبة المعتق، ومعتق المعتق] (¬1). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): المجمع على توريثهم من الذكور عشرة: الابن وابن الابن وإن سفل والأب والجد أب الأب وإن علا والأخ وابن الأخ والعم وابن العم والزوج ومولى النعمة (¬2). المطيعي (1354 هـ) قال: [فالرجال المجمع على توريثهم خمسة عشر، منهم أحد عشر لا يرثون إلا بالتعصيب، وهم الابن وابن الابن وإن سفل، والأخ للأب والأم، والأخ للاب، وابن الأخ للأب والأم، وابن الأخ للأب، والعم للأب والأم، والعم للأب، وابن العم للأب، والمولى المنعم. .] (¬3). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [. . فهؤلاء العشرة المجمع على إرثهم الابن، وابنه وإن نزل، والأب، والجد له وإن علا، والأخ مطلقًا، وابن الأخ لأبوين أو لأب وإن نزلوا، والعم لأبوين، أو لأب، وابناهما، والزوج، والمعتق] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬5). قال الماوردي (450 هـ): والوارثون من الرجال عشرة: الابن وابنه وإن سفل والأب والجد وإن علا والأخ وابن الأخ، والعم وابن العم والزوج ¬
ومولى النعمة (¬1). قال ابن حزم (456 هـ): ولا يرث من الرجال إلا الأب والجد أبو الأب، وأبو الجد المذكور وهكذا ما وجد، . . . . والابن وابن الابن وابن ابن الابن وهكذا ما وجد، والعم شقيق الأب وأخو الأب لأبيه ولا يرث أخو الأب لأمه، وابن العم الشقيق، وابن العم أخو الأب لأبيه، وعم الأب الشقيق أو لأب وهكذا ما علا، وأبناؤهم الذكور، والزوج والمعتق ومعتق المعتق وهكذا ما علا لا يرث من الرجال غير من ذكرنا، ولا خلاف في أن هؤلاء يرثون (¬2). قال الدردير (1201 هـ): والوارثون من الرجال عشرة بطريق الاختصار: الابن وابنه وإن سفل والأب والجد للأب وإن علا والأخ وابنه والعم وابنه والزوج وذو الولاء أي المعتق (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع على عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا ¬
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} [النساء: 11 - 12]. الئاني: قوله سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال من الآيتين: أنها اشتملت على ذكر الوارثين من الرجال فالابن ثبت ميراثه بقوله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، وابن الابن يشمله قوله سبحانه وتعالى: {أَوْلَادِكُمْ}، والأب ثبت ميراثه بقوله سبحانه وتعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] والجد يحتمل أن يتناوله قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] والأخ من الأم ثبت ميراثه بقوله سبحانه وتعالى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12]، وولد الأبوين، والأب ثبت ميراثهما بقوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11]. وأما الزوج ثبت ميراثه بقوله سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] (¬1). الثالث: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لأولى رجل ذكر) (¬2). • وجه الاستدلال: أن الفرائض أول ما تلحق بأهلها، وما بقي فهو لأولى رجل ذكر، فيدخل في هذا ابن الأخ للأبوين أو للأب، والعم وابنه، وعم الأب وابنه. الرابع: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إنما الولاء لمن أعتق) (¬3). • وجه الاستدلال: أن فيه ثبوت ميراث المولى المعتق والمولاة المعتقة. ¬
[264 - 72] الوارثات من النساء سبع بالاختصار وعشر بالبسط
Rصحة الإجماع في أن الوارثين من الرجال عشرة على وجه الاختصار، وخمسة عشر على وجه التفصيل. [264 - 72] الوارثات من النساء سبع بالاختصار وعشر بالبسط • المراد بالمسألة: أن الوارثات من النساء سبع على سبيل الاختصار، وعشر على سبيل التفصيل، وهن: الأم، والجدة أم الأم، والجدة أم الأب، والبنت، وبنت الابن، والزوجة، والأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخت لأم، والمولاة المعتقة. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [(ويرث من الرجالِ فذكرهم، وثم قال: ومن النساء: البنت، وبنت الابن، والأم، والجدة، والأخت، والزوجة، ومولاة النعمة (قال: فهؤلاء مجمع على توريثهم] (¬1). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن المجمع على توريثهم. . ومن الإناث سبعة، وهي: البنت، وبنت الابن وإن سفلت، والأم، والجدة (أم الأم) وإن علتا، والأخت من كل جهة، والزوجة، ومولاة النعمة، وهي السيدة المعتقة] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال: [فأما المتفق عليها؛ فهي الفروع: أعني الأولاد، والأصول: أعني الآباء والأجداد، ذكورا كانوا أو إناثًا، وكذلك الفروع المشاركة للميت في الأصل الأدنى: أعني الإخوة ذكورًا أو إناثًا، أو المشاركة الأدنى أو الأبعد في أصل واحد، وهم الأعمام وبنو الأعمام، . . فذكرهم ثم قال: وأما النساء: فالابنة، وابنة الابن: وإن سفلت، والأم، والجدة: وإن علت، والأخت، والزوجة، والمولاة] (¬3). النووي (676 هـ) قال: [فصل في بيان المجمع على توريثهم الرجال ¬
الوارثون خمسة عشر. . فذكرهم، ثم قال: والنساء الوارثات عشر: البنت، وبنت الابن وإن سفل، والأم، والجدة للأب، والجدة للأم وإن علتا، والأخت للأبوين، والأخت للأب، والأخت للأم، والزوجة، والمعتقة] (¬1). القرافي (684 هـ) قال: [قال ابن يونس: المجمع على توريثه من الرجال خمسة عشر. . فذكرهم، ثم قال: ومن النساء عشرة: البنت، وبنت الابن وإن سفل، والأم، والجدة للأم، والجدة للأب، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والأخت للأم، والزوجة، ومولاة النعمة] (¬2). قال ابن مفلح (884 هـ): والمجمع على توريثهم. . . . ومن الإناث سبع البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والمرأة ومولاة النعمة (¬3). الشربيني (977 هـ) قال: [المجمع على إرثهن (من النساء سبع) بالاختصار وعشر بالبسط، وهن: (البنت وبنت الابن إن سفل) أي: الابن، ووقع في بعض نسخ المحرر: وإن سلفت، وليس بجيد لدخول بنت بنت الابن، وليست بوراثة؛ لكن يلزم على عبارة المصنف عودُ الضمير على المضاف إليه، والمتعارف عوده للمضاف (والأم والجدة) من قبل الأم والأب وإن علت (والأخت) من جهاتها الثلاث (والزوجة والمعتقة) وهي من صدر منها العتق، أو ورثت به كما مر] (¬4). قال البهوتي (1051 هـ): والمجمع على توريثهن من الإناث سبع: البنت وبنت الابن وإن سفل، أبوها بمحض الذكور، والأم والجدة من قبلها. . . والأخت من كل جهة أي سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم، والزوجة. . . وموالاة النعمة، وهي المعتقة ومتعقتها وإن علت (¬5). فال عبد الغني الميداني (1298 هـ): المجمع على توريثهم. . . ومن ¬
الإناث سبع: البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والزوجة ومولاة النعمة (¬1). المطيعي (1354 هـ) قال: [وأما النساء المجمع على توريثهن فعشر. .] (¬2). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [ومن النساء المجمع على توريثهن سبع بالاختصار، وعشر بالبسط] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬4). قال الماوردي (450 هـ): والوارثات من النساء سبع: البنت وبنت الابن وإن سفلت والأم والجدة وإن علت والأخت والزوجة ومولاة النعمة (¬5). قال ابن حزم (456 هـ): ولا يرث من النساء إلا الأم والجدة والابنة وابنة الابن وابنة ابن الابن وهكذا ما وجدت، ولا ترث ابنة ابنة ولا ابن ابنة، والأخت الشقيقة أو للأب أو للأم، والزوجة والمعتقة ومعتقة المعتقة وهكذا ما علا (¬6). قال الدردير (1201 هـ): والوارثات من النساء سبع بطريق الاختصار: البنت وبنت الابن والأم والجدة مطلقًا والأخت مطلقًا والزوجة وذات الولاء أي المعتقة (¬7) • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ¬
النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال من الآيتين: أنها اشتملت على ذكر الوارثين من النساء فالابنة ثبت ميراثها بقوله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وابنة الابن ابن يشملها قوله سبحانه وتعالى: {أَوْلَادِكُمْ}، والأم ثبت ميراثه بقوله سبحانه وتعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} والأخت من الأم ثبت ميراثها بقوله سبحانه وتعالى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] والزوجة ثبت ميراثها بقوله سبحانه وتعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] (¬1). الثالث: عن قبيصة بن ذؤيب -رضي اللَّه عنه- قال: (جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- تسأله ميراثها، فقال لها أبو بكر: ما لك في كتاب اللَّه شيء، وما علمت لك في سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه-: حضرت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري -رضي اللَّه عنه- فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذ لها أبو بكر الصديق، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- تسأله ميراثها، فقال لها: ما لك في كتاب اللَّه شيء، وما كان القضاء الذي قُضي به إلا لغيرك، وما أنا بزائد في الفرائض شيئًا، ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما، فهو بينكما، وأيتكما خلت به فهو لها) (¬2). • وجه الاستدلال: فيه إثبات ميراث الجدة، وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطاها السدس. ¬
[265 - 73] أربعة من الذكور يعصبون أخواتهم، وهم: الابن، وابن الابن، والأخ الشقيق، والأخ لأب
الرابع: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إنما الولاء لمن أعتق) (¬1). • وجه الاستدلال: أن فيه ثبوت ميراث المولاة المعتقة.Rصحة الإجماع في أن الوارثات من النساء سبع على سبيل الاختصار، وعشر على سبيل التفصيل. [265 - 73] أربعة من الذكور يعصبون أخواتهم، وهم: الابن، وابن الابن، والأخ الشقيق، والأخ لأب • المراد بالمسألة: هذا أحد أنواع العصبة، وهو العصبة بالغير، وضابطه (كل أنثى أو أكثر كان فرضها النصف إذا وجد معها أخوها) وهن: البنات، وبنات الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب. ولا تصير البنت عصبة إلا بالابن، ولا تصير الأخت الشقيقة عصبة إلا بالأخ الشقيق، ولا تصير الأخت لأب عصبة إلا بالأخ لأب، وأما بنت الابن فإنها تصير عصبة بأخيها وبابن عمها، وهو ابن ابن آخر. مثاله: لو مات رجل عن زوجة، وابن، وبنت، فالمسألة من (أربعة وعشرين سهمًا) للزوجة الثمن (ثلاثة أسهم) والباقي (واحد وعشرون سهمًا) بين البنت والولد لكون الولد عصب البنت، فللولد (أربعة عشر سهمًا) وللبنت (سبعة أسهم). • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأربعة يعصبون أخواتهن فيمنعونهن الفوض ويقتسمون ما ورثوا: لذكر مثل حظ الأنثيين، وهم: البنون وبنوهم وإن نزلوا، والإخوة من الأب والأم، والأخوة من الأب. . فكل هذه الأحكام مما أجمعوا عليه] (¬2). ¬
ابن قدامة (620 هـ) قال: [أربعة من الذكور يعصبون أخواتهم، فيمنعونهن الفرض، ويقتسمون ما ورثوا {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وهم الابن، وابن الابن وإن نزل، والأخ من الأبوين، والأخ من الأب وسائر العصبات ينفرد الذكور بالميراث دون الإناث، وهم بنو الأخ، والأعمام، وبنوهم؛ وذلك لقول اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فهذه الآية تناولت الأولاد، وأولاد الابن، وقال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فتناولت ولد الأبوين، وولد الأب، وإنما اشتركوا؛ لأن الرجال والنساء كلهم وارث، فلو فرض للنساء فرض أفضى إلى تفضيل الأنثى على ذكر، أو مساواتها إياه، أو إسقاطه بالكلية، فكانت المقاسمة أعدل وأولى وسائر العصبات ليس أخواتهم من أهل الميراث، فإنهن لسن بذوات فرض، ولا يرثن منفردات، فلا يرثن مع إخوتهن شيئًا، وهذا لا خلاف فيه، بحمد اللَّه ومنته] (¬1). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): يرث الابن مع البنت مثليها، فالابن فأكثر يعصب البنت فأكثر للذكر مثل حظ الأنثيين بالإجماع، ويرث ابنه أي ابن الابن مع بنت الابن مثليها سواء كانت أخته أو بنت عمه إجماعًا. . . ويرث الأخ لأبوين مع أخت لأبوين مثليها. . . بالإجماع، ويرث الأخ لأب مع أخته مثليها إجماعًا. . . وكل عصبة غيرهم أي غير هؤلاء الأربعة كابن الأخ والعم وابن العم وابن المعتق وأخيه لا ترث أخته معه شيئًا (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). ¬
قال الماوردي (450 هـ): وليس يرث مع أحد من هؤلاء العصبات أخت له إلا أربعة، فإنهم يعصبون أخواتهم ويرثون معهم: الابن يعصب أخته وترث معه للذكر مثل حظ الأنثيين بنص الكتاب، وابن الابن يعصب أخته وإن سفل، ويعصب من لا فرض له من عماته فيشتركون في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين، والأخ للأب والأم يعصب أخته ويقاسمها للذكر مثل حظ الأنثيين، والأخ للأب كذلك أيضًا يعصبها ويقاسمها، ومن سوى هؤلاء الأربعة من العصبات كلهم يسقطون أخواتهم ويختصون بالميراث كبني الإخوة والأعمام من جميع العصبات (¬1). قال الموصلي (683 هـ): وعصبة بغيره، وهم أربع من النساء يصرن عصبة بإخوتهن، فالبنات بالابن، وبنات الابن بابن الابن، والأخوات لأب وأم بأخيهن، والأخوات لأب بأخيهن، وعصبة مع غيره، وهم الأخوات لأبوين أو لأب يصرن عصبة مع البنات وبنات الابن (¬2). قال القرافي (684 هـ): وصنف يرثون تارة بالفرض وتارة بالتعصيب ولا يجمعون بينهما وهم أربع: البنات وبنات الابن والأخوات الأشقاء، والأخوات لأب، لأنهن إذا كان معهن أخ لم يرثن بالفرض بل بالتعصيب، وكذلك بنات الابن يعصبهن ذكر إن كان معهن في درجتهن أو أسفل منهن، ويعصب الأخوات أربعة: الأخ في درجتهن، والجد، وبنات الصلب، وبنات الابن (¬3). قال الخطيب الشربيني (977 هـ): وإنما يعصب الذكر النازل من أولاد الابن عن إناثهم من في درجته كأخته وبنت عمه فيعصبها مطلقًا سواء أفضل لها من الثلثين شيء أم لا، كما يعصب الابن البنات. . . ويعصب من فوقه كبنت عم أبيه إن لم يكن لها شيء من الثلثين كبنتي صلب وبنت ابن وابن ¬
[266 - 74] العصبة لا تكون إلا من قبل الأب
ابن ابن (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أن فيه ذكر الأولاد إذا اجتمعوا في الميراث، فالذكر (الابن) يعصب الأنثى (الابنة) فيكون للذكر حظ الأنثيين، ويقوم الابن وإن نزل مقام أبيه فيعصب أخته التي في درجته. الثاني: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: أن فيه ذكر الأخوة من الأبوين إذا اجتمعوا في الميراث، فالذكر (الأخ الشقيق) يعصب الأنثى (الأخت الشقيقة) فيكون للذكر حظ الأنثيين.Rصحة الإجماع في أن أربعة من الذكور يعصبون أخواتهم وهم: الابن، وابن الابن، والأخ الشقيق، والأخ لأب. [266 - 74] العصبة لا تكون إلا من قبل الأب • المراد بالمسألة: أن القاعدة الفرضية في التعصيب، أن الذكور المتعصبين للإناث لا يكونون من قبل الأم، وإنما من قبل الأب، كالابن، وابنه، والأخ الشقيق، والأخ لأب، ولذلك الأخ لأم لا يعصب أخته، لأنه ¬
من طريق الأم، لا من طريق الأب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن العصبة من قبل الأب ولا تكون من قِبلِ الأم] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). قال الماوردي (450 هـ): فأقرب عصبات الميت إليه بنوه لأنهم بعضه، ولأن اللَّه تعالى قدمهم في الذكر وحجب بهم الأب عن التعصيب حتى صار ذا فرض، ثم بنو البنين لأنهم بعض البنين. . . (¬5). قال الموصلي (683 هـ): العصبات وهم كل من ليس له سهم مقدر ويأخذ ما بقي من سهام ذوي الفروض، وإذا انفرد أخذ جميع المال، وهم نوعان: عصبة بالنسب، وعصبة بالسبب، أما النسبية فثلاثة أنواع: عصبة بنفسه: وهو كل ذكر لا يدخل في نسبته إلى الميت أنثى، وأقربهم جزء الميت وهم بنوه ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم أصله وهو الأب، ثم الجد. . . (¬6). قال ابن مفلح (884 هـ): في الاصطلاح: هو الوارث بغير تقدير، أو من يحرز المال إذا لم يكن معه صاحب فرض، وهم ثلاثة أنواع عصبة بنفسه كالمعتق، وكل ذكر بسبب ليس بينه وبين الميت أنثى كالابن، وعصبة بغيره كالبنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت للأب كل بأخيها وعصبة مع غيره كالأخوات مع البنات (¬7). ¬
[267 - 75] العصبة نصيبهم بعد أصحاب الفروض يقدم الأقرب فالأقرب
قال البهوتي (1051 هـ): وجهات العصوبة ستة: بنوة ثم أبوة ثم جدودة وأخوة ثم بنو الإخوة ثم العمومة ثم الولاء، وإذا اجتمع عاصبان فأكثر قدم الأقرب جهة، فإن استووا فيها فالأقرب درجة. . . فلا يرث أب ولا جد مع فرع ذكر وارث بالعصوبة بل السدس فرضًا لقوله تعالى: " {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ. .} الآية"، ولأنه جزؤه، وجزء الشيء أقرب إليه من أصله (¬1). قال المطيعي (1354 هـ): العصبة كل ذكر لا يدلي إلى الميت بأنثى (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لأولى رجل ذكر) (¬3). • وجه الاستدلال: ما ورد من وصف الرجل (بالذكر) تنبيهًا على سبب استحقاقه، وهي الذكورة التي هي سبب العصوبة، وسبب الترجيح في الإرث، وأن مرد العصوبة الأب والابن (¬4).Rصحة الإجماع في أن الذكور المعصبين للإناث لا يكونون من قبل الأم، وإنما من قبل الأب. [267 - 75] العصبة نصيبهم بعد أصحاب الفروض يقدم الأقرب فالأقرب • المراد بالمسألة: أن الأصل في الميراث إعطاء أصحاب الفروض أولًا، وما بقي من التركة فهو لأقرب رجل ذكر من العصبات، فلا يرث عاصب بعيد مع وجود عاصب قريب. مثاله: لو مات رجل عن: زوجة، وأب، وابن، وعم، فالمسألة من (أربعة وعشرين سهمًا) للزوجة الثمن (ثلاثة أسهم) وللأب السدس (أربعة ¬
أسهم) والباقي (سبعة عشر سهمًا) للابن، والعم محجوب، وإن كان عصبة إلا أنه بعيد ومحجوب بالأب، والابن. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الميت إذا لم يترك من له سهم مسمى أن المال للعصبة] (¬1). وقال: [وثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) وثبت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل المال للعصبة) (¬2)، وأجمع أهل العلم على القول به، وهذا إذا لم يدع الميت أحدًا ممن له فريضة معلومة، فإن ترك الميت من له فريضة أعطي فرضه، فإن فضل من المال فضل؛ كان ذلك الفضل لعصبته من كان عصبته، وإن كثروا إذا كانوا في القعود إلى الميت سواء، وإن كان بعضهم أقرب من بعض؛ كان الأقرب أولى لقوله عليه السلام: (فما بقي فالأولى رجل ذكر) وأجمع أهل العلم على القول بجملة ما ذكرته، واختلفوا في بعض فروعه] (¬3). السرخسي (483 هـ) قال: [والعصوبة كونها سببًا للإرث مجمع عليها بخلاف الرحم؛ فكانت العصوبة أقوى الأسباب] (¬4). وقال: [تقديم العصوبة على ذوي الأرحام ثابت بالنص والإجماع] (¬5). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أنه يبدأ بذوي الفروض فيدفع إليهم فروضهم، ثم يعطى العصبات ما بقي، يقدم في ذلك أقربهم فأقربهم] (¬6). ¬
النووي (676 هـ) قال: [أجمع المسلمون على أن ما بقي بعد الفروض فهو للعصبات يقدم الأقرب فالأقرب؛ فلا يرث عاصب بعيد مع وجود قريب] (¬1). القرافي (684 هـ) قال: [وأصل توريث العصبة الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب ففي ولد الصلب والأب والإخوة فقط كما تقدم صريح الكتاب، ويدل الكتاب بمعناه لا بصريحه على ولد الولد، والجد للأب؛ لأنهم في معنى المنصوص عليه ومن عداهم فلقوله عليه السلام: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت السهام، فلأولى رجل ذكر). وأجمعت الأمة على توريثهم] (¬2). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [فالعصبة من يرث بلا تقدير ويقدم أقوب العصبة) إجماعًا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الصنعاني (¬4). قال ابن مفلح (884 هـ): هو الوارث بغير تقدير. . . وأحقهم بالميراث أقربهم ويسقط به أي بالأقرب من بعد (¬5). قال الصنعاني (1182 هـ): قال ابن بطال: المراد بأولى رجل أن الرجال من العصبة بعد أهل الفرائض إذا كان فيهم من هو أقرب إلى الميت استحق دون من هو أبعد فإن استووا اشتركوا (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لأولى رجل ذكر) (¬7). ¬
• وجه الاستدلال: أن الفرائض أول ما تلحق بأهلها، وما بقي فهو لأولى رجل ذكر من العصبات، فإذا لم يخلف الميت إلا عاصبًا واحدًا أخذ المال كله (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: ابن مسعود، في حالة واحدة، حيث ذهب إلى تقديم الرد وأولي الأرحام على مولى العتاقة (¬2). واحتج بقول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} [الأنفال: 75]. • ووجه الاستدلال: أنها دلت على أن بعضهم أقرب إلى بعض ممن ليس له رحم، والميراث مبني على القرابة (¬3). والجواب عنه من جهتين: الأولى: أن هذه الآية نزلت في الصحابة لما تأخوا فكانوا يتوارثون، ثم نسخت بالموالاة فقط دون التوارث، وبقيت النصرة والنصيحة (¬4). الثاني: عن أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب قالت: (مات مولاي وترك ابنة، فقسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ماله بيني وبين ابنته، فجعل لي النصف، ولها النصف) (¬5). ¬
[268 - 76] العصبة بالنفس إذا انفرد أخذ المال كله
• وجه الاستدلال: أن المولى عصبة، ولذلك قدمه على الرد وعلى ذوي الأرحام.Rصحة الإجماع في أن الأصل في الميراث إعطاء أصحاب الفروض أولًا، وما بقي من التركة فهو لأقرب رجل ذكر من العصبات. [268 - 76] العصبة بالنفس إذا انفرد أخذ المال كله • المراد بالمسألة: أن من أحكام العصبة بالنفس، أنه إذا انفرد العاصب حاز جميع المال، وضابط العصبة بالنفس (كل ذكر ليس في سلسلة النسب الذي يربطه بالميت أنثى) وهم أربعة عشر: الابن، وابن الابن وإن نزل، والأب والجد له وإن علا؛ والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأب، وإن نزلا، والعم الشقيق، والعم لأب، وإن عليا؛ وابن العم الشقيق، وابن العم لأب، وإن نزلا، والمعتق، والمعتقة. مثاله: لو مات رجل عن عم شقيق فقط، فإنه يحوز المال كله. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال بعد أن ذكر العصبة ومن يَحجِب ويُحجَب: [واتفقوا أن كل من ذكرنا إذا تفرد أحاط بالمال كله] (¬1) وقال: [واتفقوا أن من مات وله ابنا عم مستويان في القُعدَد (¬2) والآباء لا وارث له من العصبة غيرهما، وأحدهما أقرب بولادة جده؛ فإنه المنفرد بالميراث] (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [ومن عدا هؤلاء من العصبات فإنه ينفرد ¬
الذكور منهم بالميراث دون الإناث، كبني الأخوة، وكالأعمام وبني الأعمام، وإنما لم يعصب هؤلاء أخواتهم لأن أخواتهم لا يرثن منفردات، فلذا لم يرثن مع الذكور. . فكل هذه الأحكام مما أجمعوا عليه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). قال الجويني (478 هـ): وغرضنا بذكر العصبات بيان من يستغرق التركة إذا انفرد، وله ما أبقت الفرائض والابن بهذه المثابة وهو كما قال المزني: أولى العصبات، إذ لا يتصور معه عصبة، فإن فرض معه غيره من العصبات فالابن يسقطه ويحجبه أو يرده إلى الفرض (¬5). قال السرخسي (483 هـ): أقوى أسباب الإرث العصوبة فإنه يستحق بها جميع المال ولا يستحق بالفريضة جميع المال والعصوبة في كونها سببًا للإرث مجمع عليها بخلاف الرحم فكانت العصوبة أقوى الأسباب (¬6). قال النووي (676 هـ): عصبة بنفسه: وهو كل ذكر يدلي إلى الميت بغير واسطة، أو بتوسط محض الذكور، وهؤلاء يأخذ المنفرد منهم جميع المال والباقي بعد أصحاب الفروض، وربما سقطوا (¬7). قال القرافي (684 هـ): الواحد من بني الصلب يحوز المال إذا انفرد، والاثنين والجماعة يقسمونه بالسواء، والذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين (¬8). ¬
[269 - 77] ترتيب العصبات ومن يحجب ومن يحجب
قال البهوتي (1051 هـ): ومتى أطلق العاصب فالمراد العاصب بنفسه، وله ثلاثة أحكام: إن انفرد أخذ المال كله تعصيبًا. . . (¬1). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): العصبات: . . . وهم كل من لو انفرد لأخذ المال بجهة واحدة كالأب والابن والعم ونحوهم (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَك} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: في قوله سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] فقد ثبت فيها نصيب الأخ العاصب لجميع المال إن انفرد، وغير الأخ كالأخ (¬3). الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لأولى رجل ذكر) (¬4). • وجه الاستدلال: أن العاصب بالنفس قد يحوز المال كله إذا لم يرث معه أحد، وهذا ثبت من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فما بقي فلأولى رجل ذكر).Rصحة الإجماع في أن العاصب بالنفس إذا انفرد أخذ المال كله. [269 - 77] ترتيب العصبات ومن يحجب ومن يحجب • المراد بالمسألة: تقدم فيما سبق من مسائل أن من انفرد من العصبة حاز جميع المال، أو ما أبقت أصحاب الفروض، فإن كان بعضهم أقرب إلى الميت من بعض حجب الأقرب الأبعد، فليس للأبعد حظ من الميراث والإرث للأقرب. ¬
مثاله: الابن يحجب ابن الابن، وكل ابن ابن يحجب من تحته من بني الابن لقربه، والأب يحجب كل جد، وكل جد يحجب من فوقه من الأجداد، والأخ يحجب ابن الأخ، والعم يحجب ابن العم، وكل ابن أخ وابن عم يحجب من تحته، فإن تساوى عاصبان فأكثرُ في القرب بأن اتحدت درجتهما في جهة واحدة؛ فينظر فإن كان أحدهما يدلي إلى الميت بأم وأب، والآخر يدلي إليه بأب فقط، فالمدلي بالأبوين أولى بالإرث من المدلي بالأب، ويكون الإرث للشقيق وحده، وإنما يكون ذلك في الإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم، ولو تساووا مثلًا في الإدلاء إلى الميت بأن كانوا كلهم أشقاء أو كانوا لأب؛ فليس بعضهم أولى من بعض؛ بل يشتركون في الإرث بينهم بالسوية. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [ولا خلاف في أن من ذكرنا لا يرث، ولا يرث مع الأب جد، ولا ترث مع الأم جدة، ولا يرث أخ ولا أخت مع ابن ذكر ولا مع أب، ولا يرث ابن أخ مع أخ شقيق أو لأب، ولا يرث أخ لأم مع أب ولا مع ابن ولا مع ابنة، ولا مع جد، ولا يرث عم مع أب ولا مع جد، ولا مع أخ شقيق أو لأب، ولا مع ابن أخ شقيق أو لأب؛ وإن سفل. . وكل من ذكرنا أيضًا، فلا اختلاف فيه أصلًا] (¬1) وقال: [ومن مات وترك أخًا لأب وابن أخ شقيق؛ فالأخ للأب أحق بالميراث بلا خلاف؛ لأنه أولى رجل ذكر، وابن الأخ الشقيق أولى بالميراث من ابن الأخ للأب؛ لأنه أولى رجل ذكر بلا خلاف] (¬2). وقال: [واتفقوا أن العم أخا الأب لأبيه أو شقيقه يرث إذا لم يكن هناك ولد ذكر يرجع نسبه إليه، ولا أب ولا جد لأب وإن علا، وأخ شقيق أو لأب ممن يرجع نسبه إلى أبي الميت واتفقوا أن العم الذي ذكرنا لا يرث مع أحد ممن ذكرنا شيئًا] (¬3). ¬
وقال: [واتفقوا أن ابن الأخ الشقيق أو للأب يرث وبنوه الذكور وبنوهم وإن بعُدوا إذا كانوا راجعين بأنسابهم إلى الأخ كما ذكرنا، وإن لم يكن هنالك ابن ولا ابن ابن كما قدمنا، وإن بعُدوا ولا أب ولا أخ شقيق ولا جد لأب وإن علا] (¬1). وقال: [واتفقوا أن العم الشقيق يحجب العم للأب، وأن ابن العم الشقيق يحجب ابن العم للأب] (¬2). وقال: [واتفقوا أن بني العم إذا عرفوا أنسابهم ولم يكن دونهم من يحجبهم واجتمعوا في جدٍّ مسلم أنهم يتوارثون] (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [الأخ للأب والأم يحجب الأخ للأب، والأخ للأب يحجب ابن الأخ للأب والأم، وابن الأخ للأب والأم يحجب ابن الأخ لأب، وابن الأخ للأب يحجب ابن ابن الأخ للأب والأم، وهكذا سبيل العصبات من الإخوة وبينهم، وكذلك الأعمام وبنوهم الأقرب يحجب الأبعد، فإذا استووا؛ حجب الشقيق من كان لأب خاصة؛ لأنه قد أدلى بأم زاد بها قربى في القرابة، وهذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم في ذلك] (¬4). وقال: [والأب حجب من فوقه من الأجداد بإجماع كما يحجب الأب الأعمام وبنيهم بإجماع؛ لأنهم به يدلون إلى الميت، ويحجب الإخوة للأم ذكورهم وإناثهم بإجماع، ويحجب بني الإخوة للأب والأم، وبني الإخوة للأب، وبني الإخوة للأم بإجماع] (¬5). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن الأخ الشقيق يحجب الأخ للأب، وأن الأخ للأب يحجب بني الأخ الشقيق، وأن بني الأخ الشقيق يحجبون أبناء الأخ للأب، وبنو الأخ للأب أولى من بني ابن الأخ للأب والأم، وبنو الأخ للأب أولى من العم أخي الأب، وابن العم أخي ¬
الأب الشقيق أولى من ابن العم أخي الأب للأب، وكل واحد من هؤلاء يحجبون بنيهم، ومن يحجب منهم صنفًا؛ فهو يحجب من يحجبه ذلك الصنف، وبالجملة أما الإخوة؛ فالأقرب منهم يحجب الأبعد، فإذا استووا حجب منهم من أدلى بسببين أم وأب من أدلى بسبب واحد وهو الأب فقط، وكذلك الأعمام الأقرب منه يحجب الأبعد، فإن استووا حجب منهم من يدلي منهم إلى الميت بسببين من يدلي بسبب واحد، أعني أنه يحجب العم أخو الأب لأب، وابن العم الذي هو أخو الأب لأب فقط، وأجمعوا على أن الإخوة الشقائق والإخوة للأب يحجبون الأعمام؛ لأن الإخوة بنو أبي المتوفى، والأعمام بنو جده، والأبناء يحجبون بنيهم، والآباء أجدادهم، والبنون وبنوهم يحجبون الإخوة، والجد يحجب من فوقه من الأجداد بإجماع، والأب يحجب الإخوة، ويحجب من تحجبه الإخوة، والجد يحجب الأعمام بإجماع والإخوة للأم، ويحجب بنو الإخوة الشقائق بني الإخوة للأب، والبنات وبنات البنين يحجبن الإخوة للأم] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [هذا في ميراث العصبة وهم الذكور من ولد الميت وآبائه وأولادهم، وليس ميراثهم مقدارًا بل يأخذون المال كله إذا لم يكن معهم ذو فرض، فإن كان معهم ذو فرض لا يسقط بهم؛ أخذوا الفاضل عن ميراثه كله، وأولادهم بالميراث أقربهم، ويسقط به من بعُد، لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬2) وأقربهم البنون ثم بنوهم وإن سفلوا يسقط قريبهم ببعيدهم، ثم الأب ثم آباؤه وإن علَوا الأقرب منهم فالأقرب، ثم بنو الأب وهم الإخوة للأبوين أو للأب، ثم بنوهم وإن سفلوا الأقرب منهم فالأقرب، ويسقط البعيد بالقريب سواءٌ كان القريب من ولد الأبوين أو من ولد الأب وحده، فإن اجتمعوا في درجة واحدة فولد الأبوين أولى لقوة قرابته بالأم، فلهذا قال: ابن الأخ للأب ¬
والأم أولى من ابن الأخ للأب؛ لأنهما في درجة واحدة، وابن الأخ للأب أولى من ابن ابن الأخ للأب والأم؛ لأن ابن الأخ للأب أعلى درجة من ابن ابن الأخ للأب والأم، وعلى هذا أبدًا. ومهما بقي من بني الأخ أحد وإن سفل؛ فهو أولى من العم؛ لأنه من ولد الأب، والعم من ولد الجد، فإذا انقرض الإخوة وبنوهم؛ فالميراث للأعمام، ثم بنيهم على هذا النسق، إن استوت درجتهم؛ قدم من هو لأبوين، فإن اختلفت؛ قدم الأعلى وإن كان لأب، ومهما بقي منهم من أحد وإن سفل، فهو أولى من عم الأب؛ لأن الأعمام من ولد الجد، وأعمام الأب من ولد أب الجد، فإذا انقرضوا؛ فالميراث لأعمام الأب على هذا النسق، ثم لأعمام الجد ثم بنيهم وعلى هذا أبدًا، لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منه، وإن نزلت درجتهم لما مر في الحديث، وهذا كله مجمع عليه بحمد اللَّه ومنِّه] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2). قال الموصلي (683 هـ): العصبات وهم نوعان: عصبة بالنسب، وعصبة بالسبب، أما النسبية فثلاثة أنواع، عصبة بنفسه، وهو كل ذكر لا يدخل في نسبته إلى الميت أنثى وأقربهم جزء الميت وهم بنوه ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم أصله وهو الأب، ثم الجد، ثم جزء أبيه ثم بنوهم، ثم جزء جده، ثم بنوهم، ثم أعمام الأب ثم بنوهم، ثم أعمام الجد ثم بنوهم وهكذا لأنهم في القرب والدرجة على هذا الترتيب فيكونون في الميراث كذلك كما في ولاية الإنكاح، وإذا اجتمعت العصبات فإنه يورث الأقرب فالأقرب لقوله عليه الصلاة والسلام "فللأولى عصبة ذكر" ولأن علة الاستحقاق القرب والعلية في الأقرب أكثر فتقدم كما في النكاح (¬3). ¬
[270 - 78] الابن الواحد وابنه وابن ابنه وإن نزلوا يحوزون جميع المال إذا انفردوا، لأنهم عصبة بالنفس
قال البهوتي (1051 هـ): وأحقهم أي العصبة بالميراث أقربهم إلى الميت. . . ويسقط به أي الأقرب من بعد من العصبات، وجهات العصوبة ستة: بنوة ثم أبوة ثم جدودة وإخوة ثم بنو الإخوة ثم العمومة ثم الولاء، وإذا اجتمع عاصبان فأكثر قدم الأقرب جهة، فإن استووا فيها فالأقرب درجة، فإن استووا فيها فمن لأبوين على من لأب (¬1). قال ابن عابدين (1252 هـ): ثم العصبات بأنفسهم أربعة أصناف: جزء الميت ثم أصله ثم جزء أبيه ثم جزء جده، ويقدم الأقرب فالأقرب منهم بهذا الترتيب فيقدم جزء الميت كالابن ثم ابنه وإن سفل ثم أصله الأب ويكون مع البنت بأكثر عصبة وذا سهم. . . ثم الجد الصحيح وهو أبو الأب وإن علا. . . ثم جزء أبيه الأخ لأبوين ثم لأب ثم ابنه لأبوين ثم لأب وإن سفل تأخير الإخوة عن الجد وإن علا قول أبي حنيفة. . . ثم جزء جده العم. . . (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما روى عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لأولى رجل ذكر) (¬3). • وجه الاستدلال: أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فما بقى فهو لأولى رجل ذكر) دليل على تقديم الأولى فالأولى من العصبات.Rصحة الإجماع في أن العصبات يرثون، ويحجب بعضهم بعضًا، فالأبعد يُحجب بالأقرب كما هو مبين في المراد من المسألة. [270 - 78] الابن الواحد وابنه وابن ابنه وإن نزلوا يحوزون جميع المال إذا انفردوا، لأنهم عصبة بالنفس • المراد بالمسألة: أن الابن الواحد ومن نزل منه إذا انفرد بالميراث؛ فإنه ¬
يستغرق جميع المال، وذلك لأنهم عصبة بالنفس، وضابطهم: كل ذكر لا تدخل في نسبته إلى الميت أنثى غير الزوج، والأخ لأم. - مثاله: لو مات رجل عن: ابن ابن ابنه فقط، فإن له التركة كلها، لأنه عصبة بالنفس انفرد بالميراث. • من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) قال: [فالابن الواحد يستغرق جميع المال بالإجماع، وكذا جماعة الأبناء يستغرقونه] (¬1). الشربيني (977 هـ) قال: [(الابن) المنفرد (يستغرق المال، وكذا) الابنان (والبنون) إجماعًا في الجميع] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال السرخسي (483 هـ): ثم أقوى أسباب الإرث العصوبة فإنه يستحق بها جميع المال (¬6). قال ابن رشد (595 هـ): الابن الواحد إذا انفرد فله جميع المال (¬7). قال الموصلي (683 هـ): العصبات: وهم كل من ليس له سهم مقدر ويأخذ ما بقي من سهام ذوي الفروض، وإذا انفرد أخذ جميع المال (¬8). قال القرافي (684 هـ): الواحد من بني الصلب يحوز المال إذا انفرد (¬9). قال البهوتي (1051 هـ): العصبة من يرث بغير تقدير لأنه متى لم يكن معه ذو فرض أخذ المال كله، وإن كان معه ذو فرض أخذ الباقي واختص ¬
التعصيب بالذكور غالبًا لأنهم أهل الشدة والنصرة (¬1). قال الدردير (1201 هـ): والعاصب هو من ورث المال كله إن انفرد (¬2) • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: أي الولد يحوز المال كله من أمه، إن لم يكن وارث معه ممن لا يحجبهم. الثاني: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أي ولأبيه الباقي، بعد أخذ الأم الثلث، وإذا لم يكن أم حاز الأب جميع المال (¬3). الثالث: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لأولى رجل ذكر) (¬4). • وجه الاستدلال: أن ما بقي بعد أصحاب الفروض فهو لأولى رجل ذكر، وإذا لم يوجد إلا الابن، أو ابن الابن وليس معه وارث، أو معه من يحجبه فإنه يحوز التركة كلها. الرابع: من القواعد المستفيضة أن الأخذ بالتعصيب يستغرق المال إن لم يزاحم، وعلى هذا القياس يجري العصبات أجمعون، والابن أقوى العصبات، فإذا انفرد ولم يكن ذو فرض، ولا وجه إلا أن يستغرق المال، فإن الابن الواحد يستغرق، والابنان يشتركان في الاستحقاق، وكذلك البنون (¬5).Rصحة الإجماع في أن الابن الواحد ومن نزل منه إذا انفرد ¬
[271 - 79] أن الولد من الأمة كالولد من الحرة في الميراث
الواحد منهم بالميراث؛ فإنه يستغرق جميع المال. [271 - 79] أن الولد من الأمة كالولد من الحرة في الميراث • المراد بالمسألة: أن ولد الأمة بالنسبة لأمه وأبيه في الميراث، كالولد من الحرة في الميراث سواء بسواء. مثاله: لو مات رجل عن: ابن له من أمته السرية، ولم يكن وارث غيره، فيحوز المال كله تعصيبًا، ولو مات عن ولد من أمته السرية، وعن ولد وبنت من زوجته الحرة، فيشتركون في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [وولد الحرة والأمة سواءٌ في الميراث، إذا كانت أمه أم ولد أبيه، وكان الولد حرًّا، وإن كانت أمه أمة لغير أبيه، وهذا كله عموم القرآن وإجماع متيقن] (¬1). وقال: [واتفقوا أن الولد من الأمة كالولد من الحرة في الميراث، ولا فرق في كل ما ذكرنا] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [أجمع علماء المسلمين بأن ولد الحر من سُرِّيَّتِه تبع له لا لأمه، وأنه حر مثله] (¬3). ابن تيمية (728 هـ) قال: [بل الأمة أم الولد وأولاده منها أحرار، ولو فرض أنها أمة المدعي في نفس الأمر وكان الواطيء يعتقد أنها أمته فأولاده أحرار باتفاق الأئمة] (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6). قال العمراني (558 هـ) في وطء الجارية: ويكون الولد حرًا ويلحقه نسبه (¬7). ¬
[272 - 80] أولاد الميت يكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، بعد أن يأخذ أصحاب الفرائض فرائضهم إن وجدوا
قال الموصلي (683 هـ): الاستيلاد يتبع النسب ولهذا يضاف إليه، فيقال أم ولده، وهو الذي يثبت لها الحرية، قال عليه الصلاة والسلام: "أعتقها ولدها" ولم يثبت النسب فلا يثبت التبع، وأما حرية الولد فلأنها تثبت بحكم الجزئية (¬1). قال البهوتي (1051 هـ): وإن أولدها صارت أم ولد له وتعتق بموته، وولده حر لأنه من أمته (¬2). قال الدردير (1201 هـ): أم الولد هي الحر حملها من وطء مالكها (¬3). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): إذا أولد حر أمته. . . قد خلق ولده حرًا بأن حملت به في ملكه (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: القياس الصحيح على الولد الحر من الجهتين، كونه حرًا لأنه تابع لأبيه، ووارثًا، لكونه ابنًا للميت (¬5).Rصحة الإجماع أن ولد الأمة بالنسبة لأمه في الميراث، كالولد من الحرة في الميراث سواء بسواء. [272 - 80] أولاد الميت يكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، بعد أن يأخذ أصحاب الفرائض فرائضهم إن وجدوا • المراد بالمسألة: أن أولاد الميت (البنين والبنات) يأخذون ما يتبقى من التركة بعد أخذ أهل الفرائض فرائضهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويطرد الحكم في أولاد الابن إذا لم يحجبوا، لأنهم يقومون مقام آباءهم. مثاله: لو مات رجل عن: زوجة، وابن، وبنت، فالمسألة من (أربعة وعشرين) للزوجة الثمن فرضًا (ثلاثة أسهم) والباقي (واحد وعشرون سهمًا) ¬
بين البنت والولد تعصيبًا، فللولد (أربعة عشر سهمًا) وللبنت (سبعة أسهم). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن مال الميت بين جميع ولده {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إذا لم يكن بينهم أحد من أهل الفرائض، وإذا كان معهم من له فرض معلوم بُدئ بفرضه فأعطيه، وجعل الفاضل من المال بين الولد {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أنه إن كان مع الابنة فصاعدًا ابن ذكر فصاعدًا أن {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] بعد ذوي السهام] (¬2). وقال: [ومن ترك ابنًا وابنةً، أو ابنًا وابنتين فصاعدًا، أو ابنةً وابنًا فأكثر، أو اثنين وبنتين فأكثر؛ فللذكر سهمان، وللأنثى سهم، هذا نص القرآن، وإجماع متيقن] (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [قال مالك: (الأمر المجتمع عليه عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا في فرائض المواريث: أن ميراث الولد من والدهم أو والدتهم أنه إذا توفي الأب أو الأم وتركا ولدًا: رجالًا ونساء، فـ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فإن شركهم أحد بفريضة مسماة، وكان فيهم ذكر؛ بدئ بفريضة من شركهم، وكان ما بقي بعد ذلك بينهم على قدر مواريثهم)] (¬4). وقال: أما ذكره مالك رحمه اللَّه في ميراث البنين ذكرانًا كانوا أو إناثًا من آبائهم أو أمهاتهم، فكما ذكر لا خلاف في شيء من ذلك بين العلماء، إذا كانوا أحرارًا مسلمين، ولم يقتل واحد منهم أباه وأمه عمدًا] (¬5). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أنه إذا استكمل بنات الصلب ¬
الثلثين سقط بنات الابن، إلا أن يكون بإزائهن أو أنزل منهن ذكر، فيعصبهن فيما بقي: للذكر مثل حظ الأنثيين] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع المسلمون على أن ميراث الولد من والدهم ووالدتهم إن كانوا ذكورًا وإناثَا معًا؛ هو أن للذكر منهم مثل حظ الأنثيين، وأن الابن الواحد إذا انفرد؛ فله جميع المال، وأن البناتِ إذا انفردن فكانت واحدة أن لها النصف، وإن كنَّ ثلاثًا فما فوق ذلك؛ فلهن الثلثان] (¬2). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن الأولاد إذا كانوا معهم من له فرض مسمى؛ أعطيه، وكان ما بقي من المال {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] (¬3). ابن تيمية (728 هـ): [{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ} [النساء: 176]، وهذا حكم ولد الأبوين لا الأم باتفاق المسلمين] (¬4) عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [فالابن فأكثر يعصب البنت فأكثر، للذكر مثل حظ الأنثيين بالإجماع] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7). قال السرخسي (483 هـ): اعلم ان الابن الواحد يحرز جميع المال، ثبت ذلك بإشارة النص، فإن اللَّه تعالى قال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ثم جعل للبنت الواحدة النصف بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ¬
[273 - 81] أولاد البنين يقومون مقام البنين ذكورهم كذكورهم وإناثهم كإناثهم
وثبت أن للذكر ضعف هذا، وضعف النصف الجميع (¬1). قال العمراني (558 هـ): ويعصب الابن أخته وأخواته (¬2) بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. قال القرافي (684 هـ): الواحد من بني الصلب يحوز المال إذا انفرد، والاثنان والجماعة يقسمونه بالسواء، والذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: يقول اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أن الميت إذا خلف أولادًا فإن للذكر مثل حظ الأنثيين. الثاني: ولأن عقله مثل عقليهما، وشهادته بشهادتيهما، وديته بديتيهما، فله من الإرث مثلهما، وقيل لأنه يتزوج فيعطي صداقًا وهي تأخذ صداقًا، فيزيد بقدر ما يعطي ويبقى له مثل ما أخذت فيستويان (¬4).Rصحة الإجماع في أن الميت إذا خلف أولادًا فإن الذكر يعصب الأنثى، والمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. [273 - 81] أولاد البنين يقومون مقام البنين ذكورهم كذكورهم وإناثهم كإناثهم • المراد بالمسألة: أن بني الأولاد يقومون مقام آباءهم في حال فقدهم، فالذكر يقوم مقام أبيه في الميراث، والأنثى تقوم مقام أمها في الميراث. مثاله: لو مات رجل عن: زوجة، وابن ابن، وبنت ابن، فالمسألة من ¬
(أربعة وعشرين سهمًا) للزوجة الثمن فرضًا (ثلاثة أسهم) والباقي (واحد وعشرون سهمًا) بين ابن الابن، وبنت الابن تعصيبًا، فللولد (أربعة عشر سهمًا) وللبنت (سبعة أسهم). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [أجمعوا على أن بني الابن وبنات الابن يقومون مقام البنين والبنات، ذكورهم كذكورهم، وإناثهم كإناثهم، إذا لم يكن لميت ولد لصلبه] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن بنات البنين إذا لم يكن هنالك ولد ولا ابنة بمنزلة البنات، وأن ذكور البنين إذا لم يكن هنالك ولد ذكر ولا ابنة؛ فهم بمنزلة البنين] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [في هذا الفصل إجماع أيضًا من علماء المسلمين في أن بني البنين يقومون مقام ولد الصلب، عند عدم ولد الصلب يرثون كما يرثون، ويحجبون كما يحجبون الأنثى] (¬3). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمعوا من هذا الباب على أن بني البنين يقومون مقام البنين عند فقد البنين يرثون كما يرثون، ويحجبون كما يحجبون؛ إلا شيء روي عن مجاهد، أنه قال: ولد الابن لا يحجبون الزوج من النصف إلى الربع، كما يحجب الولد نفسه، ولا الزوجة من الربع إلى الثمن، ولا الأم من الثلث إلى السدس] (¬4). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن بنات الابن بمنزلة البنات عند عدمهن في إرثهن، وحجبهن لمن يحجبه البنات، وفي جعل الأخوات معهن عصبات، وفي أنهن إذا استكملن الثلثين؛ سقط من أسفل منهن بنات الابن، وغير ذلك] (¬5). ¬
ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [وقد أجمعوا أن بني البنين ذكورًا وإناثًا كالبنين عند فقد البنين إذا استووا في التعدد] (¬1). الشربيني (977 هـ) قال: [وأولاد الابن وإن نزل إذا انفردوا كأولاد الصلب، فيما ذكر بالإجماع؛ لتنزيلهم منزلتهم، فلو اجتمع الصنفان أي: أولاد الصلب، وأولاد الابن فإن كان من ولد الصلب ذكر منفردًا أو مع غيره؛ حجب أولاد الابن بالإجماع] (¬2). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [يقول اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وهذا حكم العصبات من البنين وبني البنين إذا اجتمع ذكورهم وإناثهم، أعطي للذكر مثل حظ الأنثيين بلا نزاع بين المسلمين] (¬3). وقال: [دلت السنة على فرض البنتين وبنات الابن بمنزلة البنات عند عدمهن في إرثهن وحجبهن بإجماع أهل العلم] (¬4). المطيعي (1354 هـ) قال: [ولد الابن: لإجماعهم على أنه كولد الصلب في الإرث والتعصيب] (¬5). وقال: [الأمة أجمعت على أن ولد البنين يقومون مقام الأولاد ذكورهم كذكور الأولاد وإناثهم كإناثهم] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬7). قال السرخسي (483 هـ): وأولاد الابن يقومون مقام أولاد الصلب عند عدم أولاد الصلب (¬8). قال القرافي (684 هـ): وولد الابن مع عدم الأبناء للصلب كميراث ولد الصلب (¬9). ¬
[274 - 82] الأخ الشقيق أو لأب إذا انفرد أخذ جميع المال وإذا كان مع أحدهم صاحب فرض فإنه يأخذ ما بقي
قال الخراشي (1101 هـ): والعاصب بنفسه هو الذي يرث جميع المال إذا الفرد ويأخذ ما بقي عن أصحاب الفروض كالابن وابنه عند عدم الابن. . . (¬1) • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أن هذا حكم العصبات من البنين وبني البنين إذا اجتمع ذكورهم وإناثهم، فيعطى الذكر مثل حظ الأنثيين (¬2). • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: مجاهد (¬3). فقد ورد عنه أنه قال في: ولد الابن لا يحجبون الزوج من النصف إلى الربع، كما يحجب الولد نفسه، ولا الزوجة من الربع إلى الثمن، ولا الأم من الثلث إلى السدس.Rصحة الإجماع في أن بني الأولاد يقومون مقام آباءهم في حال فقدهم، فالذكر يقوم مقام أبيه في الميراث، والأنثى تقوم مقام أمها في الميراث، وأما خلاف مجاهد فهو محجوج بالإجماع، وأيضًا هو قد وافق فيما سوى ذلك من أحكامهم فهو دليل عليه. [274 - 82] الأخ الشقيق أو لأب إذا انفرد أخذ جميع المال وإذا كان مع أحدهم صاحب فرض فإنه يأخذ ما بقي • المراد بالمسألة: أن الأخ الشقيق والأخ لأب يرثون عصبة، فإذا كان مع أحدهم صاحب فرض لا يحجب به فإنه يأخذ ما بقي بعد أصحاب الفروض، وإن لم يوجد أخذ جميع المال. مثاله: لو مات رجل عن: زوجة، وأخ شقيق، فإن المسألة من (أربعة ¬
أسهم) للزوجة الربع (سهم واحد) والباقي (ثلاثة) أسهم للأخ الشقيق. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن للأخ من الأب والأم جميعَ المال إذا لم يكن معه من له سهم معلوم] (¬1) ابن حزم (456 هـ) قال: [ومن ترك أختًا شقيقة وأخًا لأب أو إخوة ذكورًا لأب؛ فللشقيقة النصف، وللأخ للأب أو الإخوة من الأب ما بقى وإن كثروا، وهذا إجماع متيقن ونص القرآن والسنة] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). قال السرخسي (483 هـ): فأما بيان ميراث بني الأعيان فنقول أنهم يقومون مقام أولاد الصلب عند عدمهم في التوريث ذكورهم مقام ذكورهم وإناثهم مقام إناثهم. . . وللفرد إذا كان ذكرًا جميع المال (¬7). قال القرافي (684 هـ): العصبة اسم من يحوز جميع المال إذا انفرد أو يأخذ ما فضل، وهم ثلاثة أقسام: عصبة بنفسه، وعصبة بغيره، وعصبة مع غيره، فالأول: كل ذكر لا يدخل في نسبته إلى الميت أنثى وهم أربعة، جد الميت، وأصله، وجد أبيه، وجد جده، يحجب الأقرب الأبعد، فيقدم جد الميت ثم البنون ثم بنوهم وإن سفلوا ثم أصله أي الجد أبو الأب وإن علا، ثم بنو أبيه أي الإخوة ثم بنوهم وإن سفلوا. . . (¬8). قال الخطيب الشربيني (977 هـ): والأخ لأبوين يحجبه ثلاثة: الأب والابن وابن الابن وإن سفل بالإجماع (¬9). ¬
[275 - 83] الأخ الشقيق أو لأب مع البنات أو بنات الابن عصبة
وقال أيضًا: فلو اجتمع كل الرجال ولا يكون إلا والميت أنثى ورث منهم ثلاثة الأب والابن والزوج فقط لأنهم لا يحجبون ومن بقي محجوب بالإجماع (¬1). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): فالعصبة من يرث بلا تقدير ويقدم أقرب العصبة فأقربهم ابن فابنه وإن نزل لأنه جزء الميت ثم الأب لأن سائر العصبات يدلون به ثم الجد أبوه وإن علا لأنه أب وله إيلاد مع عدم أخ لأبوين أو لأب. . . ثم هما أي ثم الأخ لأبوين ثم لأب ثم بنوهما (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد في قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: في قوله قد أخبر اللَّه سبحانه وتعالى {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}، أن الأخ يرث جميع مال الأخت عند الانفراد، وإن كان معه صاحب فرض فأكثر فإنه يأخذ ما أبقت الفروض، لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلهما، فما بقي فلأولى رجل ذكر) (¬3).Rصحة الإجماع في أن الأخ الشقيق والأخ لأب يرثون عصبة، فإذا كان مع أحدهم صاحب فرض لا يحجب به فإنه يأخذ ما بقي بعد أصحاب الفروض، وإن لم يوجد أخذ جميع المال. [275 - 83] الأخ الشقيق أو لأب مع البنات أو بنات الابن عصبة • المراد بالمسألة: أن الأخوة الأشقاء والأخوة لأب، إذا ورثوا مع بنات ¬
الميت، فإنهم عصبة، يرثون ما بقي بعد أخذ أصحاب الفروض نصيبهم. مثاله: لو مات رجل عن: جدة، وبنتين، وأخ شقيق، فالمسألة من (ستة أسهم) للجدة السدس (سهم واحد) وللبنتين الثلثان (أربعة أسهم) والباقي (سهم واحد) للأخ الشقيق تعصيبًا. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا فيمن ترك أختًا شقيقة وأخًا لأب؛ فإن للأخت النصف، وللأخ النصف، واتفقوا فيمن ترك أختين شقيقتين وأخًا لأب أن المال بينهم أثلاثًا] (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [ومن جهة القياس والنظر أن جمهور العلماء -الذي هم الحجة على من شذ عنهم- قد أجمعوا على توريث الإخوة مع البنات، ولم يراعوا قرب البنات فكذلك الأخوات] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأيضًا من جهة النظر لما أجمعوا على توريث الإخوة مع البنات فكذلك الأخوات] (¬3). الزيلعي (743 هـ) قال: [لأن الأمة أجمعت على أن الأخ يرث تعصيبًا مع الأنثى من الأولاد، أو نقول: اشترط عدم الولد إنما كان لإرث الأخ جميع مالها، وذلك يمتنع بالولد إن كان أنثى] (¬4). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [أجمعوا على أن الميت لو ترك بنتًا وأخًا لأب؛ كان للبنت النصف، وما بقي الأخ، ومعنى قوله سبحانه وتعالى: إنما هو ولد يحوز المال كله لا الولد الذي لا يحوز] (¬5). وقال: [كما شرط في ميراث الأخ من أخته عدم الولد وقد أجمعوا على أنه يرثها مع البنت] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنابلة (¬7). ¬
قال الماوردي (450 هـ): والأخ للأب والأم يعصب أخته ويقاسمها للذكر مثل حظ الأنثيين والأخ للأب كذلك أيضًا يعصبها ويقاسمها (¬1). قال ابن قدامة (620): أربعة من الذكور يعصبون أخواتهم فيمنعونهن الفرض، ويقتسمون ما ورثوا للذكر مثل حظ الأنثيين، وهم الابن وابن الابن وإن نزل، والأخ من الأبوين والأخ من الأب (¬2). قال الموصلي (683 هـ): وعصبة بغيره وهم أربع من النساء: . . . والأخوات لأب وأم بأخيهن والأخوات لأب بأخيهن (¬3). قال القرافي (684 هـ): والأخ الشقيق إذا انفرد حاز المال، ويقتسمه الذكور على التسوية، ومع الإناث للذكر مثل حظ الأنثيين. . . وميراث الإخوة للأب إذا انفردوا كالأشقاء (¬4). قال الدردير (1201 هـ): وعصب كل منهما أي الإخوة الأشقاء والإخوة للأب أخته التي في درجته فللذكر مثل حظ الأنثيين (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد عن: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لأولى رجل ذكر) (¬6). • وجه الاستدلال: أن ما بقي بعد أصحاب الفروض فهو لأولى رجل ذكر، وهم العصبة؛ كالأخوة الأشقاء، والأخوة لأب.Rصحة الإجماع في أن الأخوة الأشقاء والأخوة لأب، إذا ورثوا مع بنات الميت أو بنات الابن, فإنهم عصبة، يرثون ما بقي بعد أخذ أصحاب الفروض نصيبهم. ¬
[276 - 84] الأخوات الشقائق أو لأب مع البنات أو بنات الابن عصبة
[276 - 84] الأخوات الشقائق أو لأب مع البنات أو بنات الابن عصبة • المراد بالمسألة: أن من أنواع العصبة بالغير أن يجتمع الأخوات الشقائق، أو لأب، مع البنات الصلبيات، أو مع بنات الابن الصلبي فيعصبنهن، ويأخذن ما أبقته التركة. مثاله: لو مات رجل عن: بنت، وبنت ابن، وأخت شقيقة، فالمسألة من (ستة أسهم) للبنت النصف (ثلاثة أسهم) وللبنت الابن السدس تكملة الثلثين (سهم واحد) والباقي (سهمان) للأخت الشقيقة تعصيبًا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الإخوة من الأب والأم، ومن الأب ذكورًا أو إناثًا لا يرثون مع الابن ولا مع ابن الابن وإن سفَل ولا مع الأب، وأجمع أهل العلم على أنهم مع البنات وبنات الابن عصبة لهم ما فضل عنهم يقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [وهم مجمعون على أن توريثهم الأخت مع البنت وبنت الابن إنما هو بالتعصيب لا بفرض مسمى] (¬2) وقال: [ولا يختلفون في عشر بنات وأخت لأب أن للأخت الثلث كاملًا ولكل واحدة من البنات خمس الثلث] (¬3). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [ومن جهة القياس والنظر أن جمهور العلماء -الذين هم الحجة على من شذ عنهم- قد أجمعوا على توريث الأخوة مع البنات، ولم يرعوا قرب البنات فكذلك الأخوات] (¬4). البغوي (516 هـ) قال: [وفي حديث هزيل دليل على أن الأخت للأب والأم أو الأب مع البنت عصبة، وهو قول عامة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلا ابن عباس فإنه قال: تسقط الأخت بالبنت؛ لأن اللَّه ¬
تعالى يقول: فإنما جعل للأخت النصف إذا لم يكن للميت ولد. . وقول العامة موافق لظاهر الآية من حيث إن اللَّه سبحانه وتعالى بيَّن فرض الأخوات في هذه الآية فقال: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176]، ولا فرض للأخوات مع الولد بحال] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأيضًا من جهة النظر لما أجمعوا على توريث الإخوة مع البنات فكذلك الأخوات] (¬2). - ابن قدامة (620 هـ) قال: [والمراد بالأخوات هاهنا الأخوات من الأبوين أو من الأب؛ لأنه قد ذكر أن ولد الأم لا ميراث لهم مع الولد وهذا قول عامة أهل العلم، يروى ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود ومعاذ وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، وإليه ذهب عامة الفقهاء إلا ابن عباس ومن تابعه؛ فإنه يروى عنه أنه كان لا يجعل الأخوات مع البنات عصبة] (¬3). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [قال ابن بطال: أجمعوا على أن الأخوات عصبة البنات فيرثن ما فضل عن البنات] (¬4). الشوكانى (1255 هـ) قال: [وفيه دليل على أن الأخت مع البنت عصبة تأخذ الباقي، وهذا مجمع عليه] (¬5). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [والأخت فأكثر شقيقة كانت أو لأب واحدة أو أكثر (توث بالتعصيب ما فضل عن فرض البنت) فأكثر يرثن ما فضل إجماعًا] (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد عن: هزيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى -رضي اللَّه عنه- عن بنت وابنة ابن وأخت؟ فقال: (للبنت ¬
النصف، وللأخت النصف، وأتي ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- فسيتابعني، فسئل ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- وأخبر بقول أبي موسى -رضي اللَّه عنه- فقال: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)} [الأنعام: 56]، أقضي فيها بما قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للابنة النصف، ولابنة ابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت). فأتينا أبا موسى -رضي اللَّه عنه- فأخبرناه بقول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم) (¬1). • وجه الاستدلال: أنه حصل إجماع من الصحابة على أن البنت، وبنت الابن يعصبن الأخت، فلها ما بقي بعد أخذ الفرض (¬2). • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في المسألة عن: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- وداود من الظاهرية (¬3). فقد أفتى داود بقول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، فقد روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- مرةً رجل فقال: رجل توفي وترك بنته وأخته لأبيه وأمه؟ فقال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: (لابنته النصف، وليس لأخته شيء، وما بقي هو لعصبته) فقال له الرجل: إن عمر -رضي اللَّه عنه- قد قضى بغير ذلك قد جعل للأخت النصف، وللبنت النصف، فقال ابن عباس أنتم أعلم أم اللَّه؟ قال معمر: فلم أدر ما قوله أنتم أعلم أم اللَّه، حتى لقيت ابن طاوس فذكرت ذلك له، فقال ابن طاوس: أخبرني أبي أنه سمع ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- يقول: قال اللَّه سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] قال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: فقلتم أنتم لها النصف وإن كان له ولد) (¬4). وقد وجه الجمهور الآية التي استدل بها ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- على أن الأخت ¬
[277 - 85] من مات ولا وارث له معلوم فماله يصرف في مصالح المسلمين
ترث مع البنت ما بقي بالتعصيب لا بالفرض، وقد وافق ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- على ثبوت ميراث الأخ مع البنات مع قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176]، وقد تقدم نقل الإجماع على هذا.Rصحة الإجماع في أن الأخوات الشقائق أو لأب مع البنات أو بنات الابن عصبة. [277 - 85] من مات ولا وارث له معلوم فماله يصرف في مصالح المسلمين • المراد بالمسألة: أن من مات، ولا يعلم له وارث قريبًا كان أم بعيدًا، فإن ماله يرد في صالح المسلمين، من خلال بيت المال، أو ما يراه من له نظر على مصالح المسلمين. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن من مات ولا وارث له من ذوي فرض ولا تعصيب ولا رحم؛ فإن ماله لبيت مال المسلمين] (¬1). ابن تيمية (728 هـ) قال: [وكذلك اتفق المسلمون على أنه من مات ولا وارث له معلوم؛ فماله يصرف في مصالح المسلمين مع أنه لا بد في غالب الخلق أن يكون له عصبة بعيد؛ لكن جهلت عينه ولم ترج معرفته؛ فجعل كالمعدوم، وهذا ظاهر، وله دليلان قياسيان قطعيان كما ذكرنا من السنة والإجماع، فإن ما لا يعلم بحال أو لا يقدر عليه بحال هو في حقنا بمنزلة المعدوم؛ فلا نكلف إلا بما نعلمه ونقدر عليه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). ¬
قال الماوردي (450 هـ): وهكذا من مات وليس له وارث صار ماله إلى بيت المال ميراثًا (¬1). قال الموصلي (683 هـ): ومن مات من أهل الذمة ولا وارث له فماله لبيت المال لأنه لا مستحق له (¬2). قال القرافي (684 هـ) عند كلامه عن شروط التوارث: العلم بالقرب والدرجة التي اجتمع فيها، احترازًا من موت رجل من مضر لا يُعلم له قريب، أو من قريش فإن ميراثه لبيت المال مع أن كل قرشي ابن عمه ولا ميراث لبيت المال مع ابن عم، لكنه فات شرطه الذي هو العلم بدرجته، فلعل غيره أقرب منه (¬3). قال النووي (676 هـ): من مات ولم يخلّف وارثًا بالأسباب الثلاثة، وفضل عنه شيء كان ماله لبيت المال، يرثه المسلمون بالعصوبة، كما يحملون ديته هذا هو الصحيح المشهور (¬4). قال الخطيب الشربيني (977 هـ): والرابع الإسلام فتصرف التركة لبيت المال إرثًا إذا لم يكن وارث بالأسباب الثلاثة (¬5). قال الدردير (1201 هـ): فبيت المال أي ثم يليه في الإرث بالعصوبة بيت المال الذي بوطنه مات به أو بغيره من البلاد كان ماله أو بغيره (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة أن مولى للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقع من نخلة فمات وترك شيئًا ولم يدع ولدًا ولا حميمًا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أعطوا ميراثه رجلًا من أهل قريته) (¬7). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى مال هذا الميت الذي لا وارث ¬
[278 - 86] أن المقصود بقوله سبحانه وتعالى: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} [النساء: 176] هم الإخوة الأشقاء أو لأب
له، لأحد أفراد قريته، وهو نوع من أنواع الصرف في مصالح المسلمين. الثاني: وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رجلًا مات على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يدع وارثًا إلا عبدًا هو أعتقه (فأعطاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ميراثه) (¬1). • وجه الاستدلال: ما قاله الترمذي على هذا الحديث: (والعمل على هذا عند أهل العلم في هذا الباب إذا مات الرجل ولم يترك عصبة، أن ميراثه يجعل في بيت مال المسلمين) (¬2).Rصحة الإجماع في أن من مات، ولا يعلم له وارث قريبًا كان أم بعيدًا، فإن ماله يرد في بيت مال المسلمين. [278 - 86] أن المقصود بقوله سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] هم الإخوة الأشقاء أو لأب • المراد بالمسألة: أن الإخوة والأخوات في آية الكلالة الثانية من سورة النساء هم: الأخوة للأب والأم (الأشقاء)، أو الأخوة للأب (¬3). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن مراد اللَّه عز وجل في الآية التي في أول سورة النساء الإخوة من الأم، وبالتي في آخرها الإخوة من الأب والأم] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء على أن الإخوة للأب والأم، أو للأب فقط يرثون في الكلالة أيضًا، أما الأخت إذا انفردت فإن لها النصف، وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان، كالحال في البنات وأنهم إن كانوا ذكورًا وإناثًا فللذكر مثل حظ الأنثيين كحال البنين مع البنات وهذا لقوله ¬
تعالى: (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [(ولا يرث أخ، ولا أخت لأب وأم أو لأب، مع ابن، ولا مع ابن ابن وإن سفل، ولا مع أب) أجمع أهل العلم على هذا بحمد اللَّه. . . والأصل في هذا قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]. والمراد بذلك الإخوة والأخوات من الأبوين أو من الأب بلا خلاف بين أهل العلم] (¬2). القرطبي (671 هـ) قال: [فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في آخر السورة هم إخوة المتوفى لأبيه وأمه أو لأبيه؛ لقوله سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] (¬3). النووي (676 هـ) قال: [وأجمع المسلمون على أن المراد بالإخوة والأخوات في الآية التي في آخر سورة النساء من كان من أبوين أو من أب عند عدم الذين من الأبوين] (¬4). ابن تيمية (728 هـ) قال: [وولد الأبوين والأب في آية في قوله: فجعل لها النصف وله جميع المال، وهكذا حكم ولد الأبوين. . ثم قال: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] وهذا حكم ولد الأبوين لا الأم باتفاق المسلمين] (¬5). ابن القيم (751 هـ) قال بعد أن ذكر أيتي الكلالة: [وهذا يدل على أن أحد الصنفين غير الآخر، فلا يشارك أحد الصنفين الآخر، وهذا الصنف الثاني هو ولد الأبوين أو الأب بالإجماع، والأول هو ولد الأم بالإجماع، ¬
كما فسرته قراءة بعض الصحابة (من أم) وهي تفسير وزيادة إيضاح] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2). قال السرخسي (483 هـ): والثانية قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] إلى آخر السورة، والمراد الإخوة والأخوات لأب وأم أو لأب (¬3). قال العمراني (558 هـ): وكذلك الأخ للأب والأم أو الأخ للأب يعصب أخواته لقوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] إلى قوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] (¬4). قال الموصلي (683 هـ): . . . ثم جزء أبيه وهم الإخوة لقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]، جعله أولى بجميع المال في الكلالة، وهو الذي لا ولد له ولا والد (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن القرآن جعلهم عصبة يأخذون ما بقي إذا كانوا ذكورًا، أو ذكورًا وإناثًا، وهذه حال العصبة، بقوله سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] وإذا تأملنا في أحكام الأخوة لأم فإنهم ليسوا كذلك. الثاني: اتفاق الصحابة وأهل العلم على أن المراد بآية الكلالة التي في آخر سورة النساء هم الأخوة من الأب والأم، أو من الأب، ولا يدخل فيهم الأخوة من الأم (¬6). ¬
[279 - 87] أن المقصود بقوله سبحانه وتعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن} [النساء: 12] هم الأخوة لأم
Rصحة الإجماع في أن المقصود بقوله سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] هم الإخوة الأشقاء أو لأب. [279 - 87] أن المقصود بقوله سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] هم الأخوة لأم • المراد بالمسألة: أن الأخوة المذكورين في آية الكلالة الأولى في سورة النساء المقصود بهم الأخوة لأم، بخلاف آية الكلالة التي في آخر سورة النساء كما سبق، فهي للأشقاء، أو لأب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن مراد اللَّه عز وجل في الآية التي في أول سورة النساء الإخوة من الأم، وبالتي في آخرها الإخوة من الأب والأم] (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [فأما الآية التي في صدر سورة النساء قوله: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] فقد أجمع العلماء على أن الإخوة في هذه الآية عني بهم الإخوةَ للأم ولا خلاف بين أهل العلم أن الإخوة للأب والأم أو للأب ليس ميراثهم هكذا، وقد روي عن بعض الصحابة أنه كان يقرأ وله أخ أو أخت من أم؛ فدل هذا مع ما ذكرنا من إجماعهم على أن المراد في هذه الآية الإخوة للأم خاصة] (¬2). وقال: [فأما الآية التي في صدر سورة النساء قوله عز وجل: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] فقد أجمع العلماء على أن الإخوة في هذه المسألة عنى بهم الإخوة للأم، وأجمعوا أن الإخوة للأب والأم أو للأب ليس ¬
ميراثهم هكذا] (¬1). البغوي (516 هـ) قال: [قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] أراد به الأخ أو الأخت من الأم بالاتفاق، قرأ سعد بن أبي وقاص: (وله أخ أو أخت من أم)] (¬2). ابن رشد (595 هـ) قال: [وهذا كله؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] وذلك أن الإجماع انعقد على أن المقصود بهذه الآية هم الإخوة للأم فقط. وقد قرئ: (وله أخ أو أخت من أمه) (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [والأصل في هذه الجملة قول اللَّه تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] والمراد بهذه الآية الأخ والأخت من الأم بإجماع أهل العلم] (¬4). القرطبى (671 هـ) قال: [فأجمع العلماء على أن الإخوة فيها عنى بها الإخوة للأم؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] (¬5). النووي (676 هـ) قال: [وأجمعوا على أن المراد بالذين في أولها الإخوة والأخوات من الأم في قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] (¬6). - القرافي (684 هـ) قال: [الفائدة الثانية عشرة: في قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} ¬
[النساء: 12]. . وأجمع الناس على أن المراد بالإخوة هاهنا إخوة الأم، وإن كان اللفظ صالحًا لهم ولغيرهم من الإخوة] (¬1). ابن تيمية (728 هـ) قال: [واللَّه تعالى قال: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] وفي قراءة سعد وابن مسعود من الأم، والمراد به ولد الأم بإجماع] (¬2). ابن القيم (751 هـ) قال: [واحتج به مالك والصحابة قبله في فرض الواحد من ولد الأم أنه السدس بقراءة أبى (وإن كان رجل يُورث كلالة، أو امرأة وله أخ، أو أخت من أم، فلكل واحد منهما السدس، فالناسُ كلهم احتجُّوا بهذه القراءة، ولا مستند للإجماع سواها] (¬3). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [وكذا يخرج الأخ والأخت لأم؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] وقد نقل الإجماع على أن المراد بها الإخوة من الأم] (¬4). قال ابن مفلح (884 هـ): "وإن كان رجل يورث كلالة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس. . . "، والمراد به ولد بالإجماع (¬5). - عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [أجمع العلماء على أن المراد هنا ولد الأم] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬7). قال السرخسي (483 هـ) في باب الإخوة والأخوات: الأصل في توريثهم آيتان من كتاب اللَّه تعالى، إحداهما قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ ¬
يورث كلالة وله أخ أو أخت. . . "، معناه أخ أو أخت لأم. . . وتسمى هذه الآية آية النساء لأنها في النساء نزلت (¬1). قال الموصلي (683 هـ): ويسقط بنو الأخياف وهم الإخوة لأم بالولد وولد الابن والأب والجد بالاتفاق، لأن شرط توريثهم كون الميت يورث كلاله بقوله تعالى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} والمراد أولاد الأم (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن قتادة -رضي اللَّه عنه- أن أبا بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- قال في خطبته: (ألا إن هذه الآية التي في أول سورة النساء أنزلها في بيان الفرائض أنزلها اللَّه في الولد والوالد، والآية الثانية من سورة النساء أنزلها اللَّه في الزوج والزوجة والإخوة من الأم، والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها اللَّه في الإخوة من الأم والأب) (¬3). • وجه الاستدلال: أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- قال هذا في محضر من الصحابة، ولم ينكر أحد مع توفر دواعي الإنكار، فكان إجماعًا (¬4). الثاني: ما ورد أن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه قرأ: (وله أخ أو أخت من أم) وكذا ورد عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- (¬5). • وجه الاستدلال: ما قاله الجزري: (فمنها: ما يكون لبيان حكم مجمع ¬
[280 - 88] أن لفظ (الكلالة) هو من لا ولد له ولا والد
عليه كقراءة سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- وغيره (وله أخ أو أخت من أم) فإن هذه القراءة تبين أن المراد بالإخوة هنا هو الإخوة للأم، وهذا أمر مجمع عليه) (¬1).Rصحة الإجماع في أن المقصود بالأخ أو الأخت الوارد ذكرهم في قوله سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] هم الأخوة لأم. [280 - 88] أن لفظ (الكلالة) (¬2) هو من لا ولد له ولا والد • المراد بالمسألة: أن المراد بلفظ الكلالة الوارد في الآيتين من سورة النساء، هو الميت الذي لا ولد له وإن نزل من الذكور والإناث، ولا والد له وإن علا من الأجداد من جهة الأب. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن اسم الكلالة يقع على الإخوة] (¬3). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن من لا يرثه من العصبة إلا إخوته وأخواته الأشقاء أو للأب أو للأم، وليس هناك أب، ولا جد وإن علا من قبل الأب ولا ابن ذكر ولا أنثى ولا ولد ولد ذكر وإن سفل نسبهم، ولا ذكر ولا أنثى فإن هذه الوراثة وراثة كلالة، واتفقوا أن من ورثه ابن له فصاعدًا أنه لم يُورَث كلالة] (¬4). وقال: [فوجدنا من ورثه إخوة ذكور أو إناث أو ¬
كلاهما أشقاء أو للأب أو للأم، ولم يكن للميت ولد ذكر ولا ولد ولد ذكر ولا ابنة، ولا أب وجد لأب؛ فإنه إجماع مقطوع عليه من جميع الأمة على أنه ميراث كلالة] (¬1). وقال: [فوجدنا من يرثه إخوة أو أخوان أو أخ: إما شقيق وإما لأب، وإما لأم ولا ولد له ولا ابنة ولا ولد ابن ذكر وإن سفل، ولا أب ولا جد لأب وإن علا؛ فهو كلالة، ميراثه كلالة بإجماع مقطوع عليه من كل مسلم] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [لاتفاق العلماء على أن الإخوة للأب والأم لا يرثون إلا من يُورث كلالة، ولا يُورث إلا من لا ولد له ولا والد، ألا ترى إلى ما ذكرنا من إجماع السلف أن الكلالة من لا ولد له ولا والد] (¬3). وقال: [قال يحيى بن آدم: قد اختلفوا في الكلالة، وصار المجتمع عليه ما خلا الولد والوالد] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [وكذلك أجمعوا فيما أحسب هاهنا على أن الكلالة هي فقد الأصناف الأربعة التي ذكرنا من النسب أعني: الآباء والأجداد، والبنين وبني البنين] (¬5). ابن كثير (774 هـ) قال في معرض كلامه على الكلالة: [قوله تعالى: ولو كان معها أب لم ترث شيئًا؛ لأنه يحجبها بالإجماع؛ فدل على أنه لا ولد له بنص القرآن، ولا والد بالنص عند التأمل أيضًا؛ لأن الأخت لا يفرض لها النصف مع الوالد، بل ليس لها ميراث بالكلية] (¬6). وقال: [وقال ابن أبي حاتم: في تفسيره: حدثنا محمد بن يزيد، عن سفيان، عن سليمان الأحول، عن طاوس قال: سمعت عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهما- يقول: كنت آخر ¬
الناس عهدًا بعمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- فسمعته يقول: القول ما قلت، قلت: وما قلت؟ قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد، وهكذا قال علي بن أبي طالب وابن مسعود -رضي اللَّه عنه- وصح عن غير واحد عن عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهما- وزيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه-، وبه يقول الشعبي والنخعي، والحسن البصري، وقتادة، وجابر بن زبد، والحكم وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة، وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف بل جميعهم، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد] (¬1). وقال: [(الكلالة من لا ولد له ولا والد. .)، حكى الإجماع على ذلك غير واحد] (¬2). القرطبي (671 هـ) قال: [قال سليمان بن عبد: ما رأيتهم إلا قد تواطئوا وأجمعوا على أن الكلالة من مات ليس له ولد ولا والد] (¬3) وقال: [فإذا مات الرجل وليس له والد ولا ولد، فورثته كلالة، هذا قول أبي بكر الصديق وعمر وعلي وجمهور أهل العلم] (¬4). المطيعي (1354 هـ) قال: [الإجماع: فروي عن أبي بكر وعلي وابن مسعود وابن عمر -رضي اللَّه عنهم- أنهم قالوا: الكلالة من لا ولد له ولا والد ولا مخالف لهم] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6)، والحنابلة (¬7). قال الجويني (478 هـ): الكلالة من لا ولد له ولا والد (¬8) ¬
قال ابن قدامة (620 هـ): والكلالة في قول الجمهور: من ليس له ولد، ولا والد (¬1). قال الموصلي (683 هـ): والكلالة من لا ولد له ولا والد (¬2). قال القرافي (684 هـ): وفي مسماها ثلاثة أقوال: قيل اسم للميت أي هو مع الورثة كالإكليل، وقيل للورثة الذين ليس فيهم ولد ولا أب، وقيل للفريضة التي لا يرث فيها ولد ولا والد (¬3). قال ابن مفلح (884 هـ): فأما الولد والوالد فهما طرفا الرجل، فإذا ذهبا كان بقية النسب كلالة، وقالت طائفة: الكلالة الميت نفسه الذي لا ولد له ولا والد (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: ما ورد عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: مرضت، فأتاني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعودني وأبو بكر، وهما ماشيان، فوجداني أغمي علي، فتوضأ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم صب وضوءه علي، فأفقت، فإذا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: يا رسول اللَّه، كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث) وفي رواية: (فعقلت، فقلت: لا يرثني إلا كلالة، فكيف الميراث؟ فنزلت آية الفرائض). وفي رواية أخرى، (اشتكيت وعندي سبع أخوات) وفي أخرى أيضًا: (فلم يرد علي شيئا حتى نزلت آية الميراث {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} [النساء: 176] (¬5). • وجه الاستدلال: إقرار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جابرًا على قوله، كلالة، وقد كان لا والد له، ولا ولد، وإنما يرثه أخوات. ¬
• الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وابن عباس -رضي اللَّه عنهما- حيث ذهب -رضي اللَّه عنه- عمر إلى أن معنى الكلالة: أنه قال: (الكلالة ما خلا الولد) (¬1). فسمعته يقول: (الكلالة من لا ولد له) (¬2). وحجتهم قوله سبحانه وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} [النساء: 176]. • وجه الاستدلال: أن الآية فيها أن الأخت ترث أخاها إذا لم يكن له ولد، وأن الأخ يرث أخته بشرط عدم الولد، ولم يشترط الوالد.Rصحة الإجماع في أن المقصود بـ (الكلالة) في سورة النساء: من لا والد له ولا ولد. وأما ما ورد عن عمر وابن عباس -رضي اللَّه عنهم- فهو على خلاف قول الجماهير من الصحابة ومن بعدهم فلا يصح عنهم. قال ابن قدامة: (والصحيح عنهما كقول الجمهور) (¬3). قال ابن عبد البر: (ومما يدل على فساد رواية من روى عن ابن عباس في الكلالة أنه من لا ولد له فقط، وأنه ورث الإخوة للأب من كانوا مع الأب إذا لم يكن ولد أنه لم يختلف عنه في أن الجدات تحجب بها الإخوة، وأن الأم لا يحجبها عن الثلث إلى السدس إلا ثلاثة من الإخوة فصاعدا، فجيء على قوله هذا في امرأة خلفت من الورثة زوجًا، وأبوين، وأخوين أن للزوج النصف وللأم الثلث، وللأب السدس، ويسقط الإخوة؛ لأن الأب لا ¬
[281 - 89] الأخ من الأب يرث بالفرض مع الأخت الشقيقة، ولا يعصبها
يحجبه البنون عن السدس فكيف يحجبه عنه الإخوة؟ هذا لا يصح عن ابن عباس من جهة الرواية، ولا من جهة القياس على أصله الذي لم يختلف عليه فيه) (¬1). إلا أن أكثر الروايات عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه ما خلا الولد والوالد، فقد جاء عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (الكلالة من لا ولد له ولا والد) (¬2)، وجاء عنه -رضي اللَّه عنهما- أنه يقول في السدس الذي يحجبه الإخوة للأم: (هو للإخوة لا يكون للأب إنما تقبضه الأم ليكون للإخوة) (¬3). ولهذا رجح البيهقي أن الأصح عن: عمر وابن عباس هي الرواية التي فيها: ما خلا الوالد والولد، واللَّه أعلم (¬4). [281 - 89] الأخ من الأب يرث بالفرض مع الأخت الشقيقة، ولا يعصبها • المراد من المسألة: أن الأخ لأب إذا ورث مع الأخت الشقيقة، فإنه لا يعصبها، لأنه ليس في درجتها، والقاعدة في الفرائض: أن من شروط الذكر المعصب أن يكون في درجة صاحب الفرض. مثاله: لو مات رجل عن: جد، وأخت شقيقة، وأخ لأب، فإن المسألة من (عشرة أسهم) للجد (أربعة أسهم) وللأخت الشقيقة النصف (خمسة أسهم) وللأخ لأب (¬5). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا فيمن ترك أختًا ¬
شقيقة وأخًا لأب؛ فإن للأخت النصف، وللأخ النصف] (¬1). • الموافقون على الإجماع: والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). قال القرافي (684 هـ): كل ذكر عاصب أنثى من نوعه لا بد أن يكون في درجتها إلا ابن الابن يعصّب بنت الابن وهو أسفل منها (¬5). قال الخطيب الشربيني (977 هـ) في كلامه عن العصبات: . . . ولا شيء للإناث الخلص إلا أن يكون أسفل منهن ذكر فيعصبهن، وأولاد ابن الابن مع أولاد الابن كأولاد الابن مع أولاد الصلب وكذا سائر المنازل، وإنما يعصب الذكر النازل من في درجته ويعصب من فوقه إن لم يكن لها شئ من الثلثين (¬6). قال ابن مفلح (884 هـ): وابن الابن يعصب من بإزائه من أخواته وبنات عمه، ويعصب من أعلى منه من عماته وبنات عم أبيه، إذا لم يكن لهن فرض، ولا يعصب من أنزل منه، وكلما نزلت درجته زاد فيمن يعصبه قبيل آخر (¬7). قال الخرشي (1101 هـ): فلو لم يساوها كالأخ للأب مع الشقيقة فإنه لا يعصبها بل تأخذ فرضها وما فضل فهو له تعصيبًا (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. ¬
[282 - 90] الإخوة لأب لا يرثون شيئا مع الإخوة الأشقاء
• وجه الاستدلال: أن الأخت الشقيقة ترث النصف، إذا كانت منفردة عمن يعصبها، وعمن يحجبها، وهنا الأخ لأب لا يعصب الأخت الشقيقة. الثاني: أن الأخت الشقيقة أقوى من الأخ لأب في النسب، فهي تأخذ فرضها، لأنه ليس في درجتها (¬1).Rصحة الإجماع في أن الأخ لأب لا يعصب الأخت الشقيقة، فهي تأخذ النصف إذا شاركها في الميراث. [282 - 90] الإخوة لأب لا يرثون شيئًا مع الإخوة الأشقاء • المراد بالمسألة: أن الأخوة الأشقاء لما كانوا يدلون إلى الميت بطريقين، فإنهم يحجبون الأخوة لأب، لكونهم يتصلون بالميت من طريق واحد. مثاله: لو مات رجل عن: زوجة، وأخ شقيق، وأخ لأب، فالمسألة من (أربعة أسهم) للزوجة الربع (سهم واحد) والباقي (ثلاثة أسهم) للأخ الشقيق، والأخ لأب محجوب بالشقيق. • من نقل الإجماع: الترمذي (279 هـ) قال: [(عن علي قال قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات) هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحق عن الحارث عن علي، وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث، والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [فإن كان أخ شقيق واحد فأكثر ومعه أخت شقيقة فأكثر أو لا أخت معه لم يرث هاهنا الأخ للأب ولا الأخت للأب شيئًا، وهذا نص قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فما أبقيت الفرائض فللأولى رجل ذكر) وإجماع متيقن أيضًا، والأقرب بالأم وقد استويا في الأب أولى ممن لم يقرب بالأم بضرورة الحس] (¬3). ¬
ابن عبد البر (463 هـ) قال: [لإجماع المسلمين أن الإخوة للأب لا يرثون شيئًا مع الإخوة للأب والأم] (¬1). وقال: [وأهل الفرائض لا يختلفون أن الأخ للأب والأم يحجب الأخ للأب إذا اجتمعا؛ فكذلك كل من كان أقرب للمتوفى إذا أدلى بأم مع أب يحجب الذي في منزلته من القرابة إذا لم يدل إلا بأب دون أم] (¬2). وقال: [إجماع من العلماء كلهم يُحجَب الأخ لأب عن الميراث بالأخ الشقيق] (¬3). وقال: [لا خلاف علمته بين علماء السلف والخلف من المسلمين أن الإخوة للأب والأم يحجبون الإخوة للأب عن الميراث] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمع العلماء من هذا الباب على أن الإخوة للأب والأم يحجبون الإخوة للأب عن الميراث قياسًا على بني الابناء مع بني الصلب] (¬5). وقال في معرض كلامه على الجد مع الإخوة الأشقاء والإخوة لأب: [فأما علي -رضي اللَّه عنه-؛ فكان لا يلتفت هنا للإخوة للأب للإجماع على أن الإخوة الشقائق يحجبونهم] (¬6). ابن تيمية (728 هـ) قال: [فهو أخ من أب فلا شيء له باتفاق العلماء] (¬7). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [واحتجوا بالإجماع في أخوين: أحدهما شقيق والآخر لأب؛ أن الشقيق يستوعب المال لكونه أقرب بأم] (¬8). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬9)، والحنابلة (¬10). ¬
قال الجويني (478 هـ): والأخ من الأب يحجبه: الابن. . . . والأخ من الأب والأم (¬1). قال العمراني (558 هـ): وإن اجتمع أخ لأب وأم، وأخ لأب، فالأخ للأب والأم أولى. . . ولأنه يدلي بقرابتين، فكان أولى ممن يدلي بقرابة (¬2). قال الموصلي (683 هـ): ويسقط بنو الأعيان بالابن وابنه وبالأب وفي الجد خلاف، ويسقط بنو العلات بهم وبهؤلاء، ويسقط بنو الأخياف بالولد وولد الابن والأب والجد (¬3). قال القرافي (684 هـ): وإن استووا في الطبقة والقرب ولأحدهم زيادة ترجيح بمعنى مناسب لجهة التعصيب قدم الأرجح، كالأخ الشقيق مع الأخ لأب (¬4). قال ابن مفلح (884 هـ): ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة، وبالأخ من الأبوين (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬6). • وجه الاستدلال: أن الأخ الشقيق يحوز المال كله، ولا شيء للأخ لأب لكونه محجوبًا بالأخ الشقيق. الثاني: عن الحارث عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه قال: (إنكم تقرؤون هذه الآية: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ¬
مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} [النساء: 11 - 12]، وإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى بالدين قبل الوصية، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات: الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه) (¬1).Rصحة الإجماع في أن الأخوة الأشقاء يحجبون الأخوة لأب، لكون الأشقاء يتصلون بالميت من طريقين. * * * ¬
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب ذوي الأرحام ومسائل الرد والعول
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في باب ذوي الأرحام ومسائل الرد والعول [283 - 91] أن ذوي الأرحام يرثون إذا لم يوجد صاحب فرض ولا عاصب • المراد بالمسألة: الأرحام في اللغة: جمع رحم، وهو في الأصل موضوع تكوين الجنين، ووعاؤه في البطن، ومنه قوله: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)} [آل عمران: 6]، ثم أطلق على القرابة تقريبًا للأفهام (¬1). • وفي الاصطلاح: القرابة مطلقًا سواء أكانوا وارثين أم غير وارثين، وعددهم أحد عشر صنفًا: ولد البنات، ولد الأخوات، بنات الأخوة، بنات الأعمام، بنو الأخوة من الأم، العم من الأم، العمات، الأخوال، الخالات، أبو الأم، كل جدة أدلت بأب أمين أعلى من الجد. (¬2). ويطلق العلماء في أبواب المواريث خاصة، الأرحام على: كل قريب لا يرث بفرض ولا تعصيب، وتتوسط أنثى بينه وبين الميت في الغالب (¬3). • والمراد بالمسألة: أن ذوي الأرحام أحد أنواع الورثة الذين يأخذون التركة بعد موت قريبهم، وذلك بشرط عدم الوارث من أصحاب الفروض أو العصبات. • من نقل الإجماع: السرخسي (483 هـ) قال: [. . فإنه حكي أنَّ المعتضد ¬
سأل أبا حزم القاضيَ عن هذه المسألة، فقال: أجمع أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غيرَ زيد بن ثابت على توريث ذوي الأرحام ولا يعتد بقوله بمقابلة إجماعهم، وقال المعتضد: أليس أنه يروى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان؟ فقال: كلا، وقد كذب من روى ذلك عنهم] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنابلة (¬2)، الشوكاني (¬3). قال الماوردي (450 هـ): . . . إذا لم يكن عصبة وإن بعدت ولا ذو فرض برحم ولا مولى معتق، فيصير حينئذ ذوو الأرحام مع وجود بيت المال وأن لهم الميراث مع عدمه وورثته (¬4). قال القرافي (684 هـ): ذوو الأرحام. . . . قال علي وابن مسعود بتوريثهم إذا لم يكن ذو سهم من ذوي الأنساب ولا عصبة ولا مولى نعمة (¬5). قال الشوكانى (1250 هـ): وقد استدل بحديثي الباب وما في معناهما على أن الخال من جملة الورثة، قال الترمذي: واختلف أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فورث بعضهم الخال والخالة والعمة، وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام، وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال، وقد حكى صاحب البحر القول بتوريث ذوي الأرحام عن علي، وابن مسعود، وأبي الدرداء، والشعبي، ومسروق. . . قالوا: إذا لم يكن معهم أحد من العصبة وذوي السهام (¬6). ¬
قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): فمتى لم يوجد وارث صاحب فرض، أو لم يوجد معصب، ورث أولوا الأرحام عند أكثر أهل العلم (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)} [الأحزاب: 1]. • وجه الاستدلال: أن بعض أولي الأرحام أولى ببعض فيما كتب اللَّه سبحانه وتعالى وحكم به، وهو يشمل كل الأقرباء، سواء أكانوا ذوي فروض أم عصبات، أم لا. الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ابن أخت القوم منهم) (¬2). • وجه الاستدلال: جعْلُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ابن الأخت من القوم دليل على توريث ذوي الأرحام. الثالث: عن المقدام بن معد يكرب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من ترك مالًا فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له، أعقل (¬3) عنه وأرثه، والخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه) (¬4). • وجه الاستدلال: أنه ذكر الخال من الورثة، في حال عدم أصحاب الفرض والتعصيب، وهم من ذوي الأرحام. ¬
• الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، وداود وابن حزم الظاهريان (¬3) فذهبوا إلى أن ذوي الأرحام لا يرثون شيئًا. • دليلهم: ويستند المخالفون لمذهبهم بما يلي: الأول: أن اللَّه سبحانه وتعالى ذكر في آيات المواريث نصيب أصحاب الفروض والعصبات، ولم يذكر لذوي الأرحام شيئًا، ولو كان لهم حق لبينه، {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} [مريم: 64]. الثاني: عن أبي أمامة الباهلي -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه أعطى لكل ذي حق حقه) (¬4). • وجه الاستدلال: أن ذوي الأرحام لم يرد لهم ذكر في تقسيم اللَّه سبحانه وتعالى في الورثة. الثالث: عن الشعبي قال: (ما ردَّ زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- على ذوي الأرحام شيئًا قط) (¬5). الرابع: وجاء عن محمد بن مسلم الزهري أنه: (كان يورث المال دون ذوي الأرحام) (¬6).Rعدم صحة الإجماع في توريث ذوي الأرحام وذلك للخلاف القوي في هذه المسألة. ¬
[284 - 92] أن ذوي الأرحام لا يرثون مطلقا
[284 - 92] أنّ ذوي الأرحام لا يرثون مطلقًا • المراد بالمسألة: أنَّ ذوي الأرحام لا يرثون مطلقًا، فإذا مات مورث، وليس له إلا ذو رحم، فلا شيء له، وماله لبيت مال المسلمين. • من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) قال: [الإجماع على أن ولد البنات لا ميراث لهم] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الشافعية (¬2)، وداود وابن حزم الظاهريان (¬3). قال الماوردي (450 هـ): قد مضى الكلام في ذوي الأرحام مع وجود بيت المال وأن لهم الميراث عند عدمه لعدول بيت المال عن حقه هذا إذا لم يكن عصبة وإن بعدت، ولا ذو فرض برحم ولا مولى معتق فيصير حينئذ ذوو الأرحام مع وجود بيت المال وأن لهم الميراث مع عدمه وورثته (¬4). قال ابن حزم (456 هـ): ولا يصح نص في ميراث الخال فما فضل عن سهم ذوي السهام وذوي الفرائض، ولم يكن هنالك عاصب ولا معتق ولا عاصب معتق ففي مصالح المسلمين لا يرد شيء من ذلك على ذي سهم ولا على غير ذي سهم من ذوي الأرحام إذ لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة ولا إجماع، فإن كانوا ذووا الأرحام فقراء أعطوا على قدر فقرهم والباقي في مصالح المسلمين (¬5). قال ابن قدامة (620 هـ): وكان زيد لا يورثهم، ويجعل الباقي لبيت المال، وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وداود وابن جرير (¬6). قال الموصلي (683 هـ): قال زيد بن ثابت: لا ميراث لهم ويوضع في بيت المال وبه قال مالك والشافعي (¬7). ¬
قال القرافي (684 هـ): منعهم زيد وعمر ومالك (¬1). قال ابن مفلح (884 هـ): وكان زيد لا يورثهم ويجعل الباقي لبيت المال، وعن أبي بكر وابن عباس وغيرهما نحوه (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن اللَّه سبحانه وتعالى ذكر في آيات المواريث نصيب أصحاب الفروض والعصبات، ولم يذكر لذوي الأرحام شيئًا، ولو كان لهم حق لبينه جل وعلا {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} [مريم: 64]. الثاني: عن أبي أمامة الباهلي -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه أعطى لكل ذي حق حقه) (¬3). • وجه الاستدلال: أن ذوي الأرحام لم يرد لهم ذكر في تقسيم اللَّه سبحانه وتعالى في الورثة. الثالث: عن الشعبي قال: (ما رد زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- على ذوي الأرحام شيئًا قط) (¬4). الرابع: وجاء عن محمد بن المسلم الزهري أنه: (كان يورث المال دون ذوي الأرحام) (¬5). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية (¬6) الحنابلة (¬7)، ¬
[285 - 93] لا يرث ذوو الأرحام إلا بعد أخذ أصحاب الفروض أو العصبة نصيبهم
والشوكاني (¬1)، فقد ذهوا إلى توريث ذوي الأرحام بعد أصحاب الفروض والعصبات. • دليلهم: ويستند قول المخالفين إلى عدة أدلة: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)} [الأحزاب: 6]. • وجه الاستدلال: أن بعض أولي الأرحام أولى ببعض فيما كتب اللَّه سبحانه وتعالى وحكم به، وهو يشمل كل الأقرباء، سواء أكانوا ذوي فروض أم عصبات، أم لا. الثاني: عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ابن أخت القوم منهم) (¬2). • وجه الاستدلال: جعْلُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ابن الأخت من القوم دليل على توريث ذوي الأرحام. الثالث: عن المقدام بن معد يكرب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من ترك مالًا فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه، والخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه) (¬3). • وجه الاستدلال: فيه التصريح بتوريث ذوي الأرحام، لأن الخال منهم.Rعدم صحة الإجماع في عدم توريث ذوي الأرحام وذلك لخلاف الحنفية والحنابلة، ومن وافقهم، وهو خلاف قوي. [285 - 93] لا يرث ذوو الأرحام إلا بعد أخذ أصحاب الفروض أو العصبة نصيبهم • المراد بالمسألة: أن ذوي الأرحام لما كان الخلاف في توريثهم قويًا، ¬
فإنهم لا يرثون في حال وجود أحد من أصحاب الفروض أو العصبات عند من يرى توريثهم، وأما من لا يرى توريثهم فإنهم يتفق معهم أصلًا. مثاله: لو مات رجل عن: زوجة، وجد، وابن بنت، فالمسألة من (أربعة أسهم) فللزوجة الربع (سهم واحد) والباقي (ثلاثة أسهم) للجد، ولا شيء لولد البنت لأنه من الأرحام. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن ولد البنات لا يرثون ولا يحجبون؛ إلا ما اختلف فيه من ذوي الأرحام] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن بنات البنات، وبنات الأخوات وبناتهن، وبنات الإخوة، والعمات والخالات وبناتهن وبنيهن، والأخوال والأعمام للأم، وبني الإخوة للأم وبناتهم، والجد للأم، والخال وولده وبناته وبنات الأعمام؛ لا يرثون مع عاصب ولا مع ذي رحم أو ذات رحم لها سهم] (¬2). وقال: [ولا يرث ابن أخت، ولا بنت أخت، ولا ابنة أخ، ولا ابنة عم ولا عمة، ولا خالة ولا خال، ولا جد لأم، ولا ابنة ابنة، ولا ابن ابنة، ولا بنت أخ لأم، ولا ابن أخ لأم، ولا خلاف في أن من ذكرنا لا يرث] (¬3). وقال: [ولا خلاف فيمن ترك جدَّه أبا أمه وابن بنته وبنت أخيه وابن أخيه وخاله وخالته وعمته وابن عم له لا يلتقي معه إلا إلى عشرين جدًّا أن هذا المال كله لهذا ابن العم البعيد ولا شيء لكل من ذكرنا، وأين قرابته من قرابتهم، وباللَّه التوفيق] (¬4). وقال: [واتفقوا أن العم أخا الأب لأمه وأخا الجد لأمه، وهكذا ما بعد لا يرثون مع أحد من العصبة، ولا مع ذوي رحم له سهم من النساء والرجال، ولا مع ذي رحم أقرب منهم شيئًا من الرجال والنساء] (¬5) وقال: [واتفقوا أن ابن الأخ للأم لا يرث ما دام ¬
للميت وارث عاصب أو ذو رحم له سهم مفروض من الرجال والنساء] (¬1) وقال: [واتفقوا أن بني الإخوة للأم وبني الأخوات لا يرثون شيئًا مع عاصب أو ذي رحم له سهم] (¬2). وقال: [واتفقوا أن ابن العم للأم لا يرث شيئًا مع عاصب ولا مع ذي رحم له سهم من النساء والرجال، ولا مع ذي رحم هو أقرب منه من النساء والرجال] (¬3). وقال: [وقد صح الإجماع على توريث العم وابن العم وابن الأخ دون العمة وبنت العم وبنت الأخ؛ فهل هذا من قضاء أهل الجاهلية] (¬4). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [وهو ما إذا ترك بنتًا وعمًّا وعمة؛ فإن للبنت النصف، وما بقي للعم دون العمة إجماعًا] وقال: [بخلاف ما لو ترك عمًّا وعمة؛ فإن المال كله للعم دون العمة باتفاقهم] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، الحنابلة (¬7)، والشوكاني (¬8). قال السرخسي (483 هـ): . . . ثم ذوي الأرحام الأقارب الذين لا يستحقون شيئًا بالفريضة والعصوبة من الذكور والإناث (¬9). قال الزيلعي (743 هـ) عن ذوي الأرحام: وفي الحقيقة الوارث لا يخرج من أن يكون ذا رحم وتحته ثلاثة أنواع: قريب هو ذو سهم، وقريب هو عصبة، وقريب هو ليس بذي سهم ولا عصبة، ومضى الكلام في الأولين وبقي في الثالث فنقول: عندنا هم يرثون عند عدم النوعين الأولين، وهو قول عامة الصحابة -رضي اللَّه عنهم- غير زيد بن ثابت فإنه قال: لا ميراث لذوي الأرحام ¬
بل يوضع في بيت المال وبه أخذ مالك والشافعي (¬1). قال الشوكاني (1250 هـ): قال الترمذي واختلف أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فورث بعضهم الخال والخالة والعمة وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الارحام وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال وقد حكى صاحب البحر القول بتوريث ذوي الأرحام عن علي وابن مسعود وأبي الدرداء والشعبي. . . قالوا: إذا لم يكن معهم أحد من العصبة وذوي السهام (¬2). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): وإذا لم يكن للميت عصبة ولا ذو سهم ورثه ذوو أرحامه (¬3). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): فمتى لم يوجد وارث صاحب فرض، أو لم يوجد معصب، ورث أولوا الأرحام عند أكثر أهل العلم منهم عمر وعلي ومعاذ وغيرهم، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، والأصح عند الشافعية إن لم ينتظم بيت المال لعموم قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفَال: 75] وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخال وارث من لا وارث له" (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى رجل ذكر) (¬5). • وجه الاستدلال: أن الميراث يعطى أول ما يعطى لأصحاب الفروض، ثم تلحق بأولى رجل ذكر، وذوو الأرحام ليسوا بعصبة، فلا يرثون إلا في حال عدم وجود أصحاب الفروض والعصبات. ¬
[286 - 94] يقدم الرد على ذوي الأرحام
Rصحة الإجماع في أن ذوي الأرحام لا يرثون في حال وجود أحد من أصحاب الفروض أو العصبات عند الجميع. [286 - 94] يقدم الرد على ذوي الأرحام • الرد في اللغة: الصرف، يقال رد الشيء يرده، إذا صرفه (¬1). وفي الاصطلاح: ما فضل عن فروض ذوي الفروض ولا مستحق له من العصبات فيرد إليهم (¬2). قال ابن قدامة: والمسائل على ثلاثة أضرب: عادلة، وعائلة، ورد. فالعادلة: التي يستوي مالها وفروضها. والعائلة: التي تزيد فروضها عن مالها. والرد: التي يفضل مالها عن فروضها ولا عصبة فيها (¬3). • المراد بالمسألة: إذا فضل شيء من التركة، بعد إعطاء ذوي الفروض فروضهم، فإنه يرد عليهم على حسب نِسب فروضهم، ولا يعطى لذوي الأرحام شيء، لأنهم يحجبون بأصحاب الفروض. • من نقل الإجماع: السرخسي (483 هـ) قال: [ثم لا خلاف أن الرد على أصحاب الفرائض مقدم على توريث بعض الأرحام؛ إلا شيء يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قدم ذوي الأرحام على الرد] (¬4). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). قال الجويني (478 هـ): ومما اتفق عليه المعتبرون المورثون لذوي الأرحام أن قالوا: لا يرث من يتعلق بالرحم المحض، مع ذي فرض يرث ¬
بالفرض والقرابة، فالرد عندهم مقدّم على التوريث المحض (¬1). قال النووي (676 هـ): فإذا قلنا بالرد، فمقصود الفتوى منه أن إن لم يكن ممن يرد عليه من ذوي الفروض إلا صنف، فإن كان شخصًا واحدًا دُفع إليه الفرض، والباقي بالرد، وإن كانوا جماعة فالباقي بينهم بالسوية (¬2). قال الموصلي (683 هـ): والمستحقون للتركة عشرة أصناف مرتبة: ذوو السهام، ثم العصبات النسبية ثم السببية وهو المعتق، ثم عصبته ثم الرد ثم ذوو الأرحام. . . (¬3). قال الدردير (1201 هـ): ولا يدفع المال أو الباقي لذوي الأرحام هذا هو المشهور، ولكن الذي اعتمده المتأخرون: الرد على ذوي السهام، فإن لم يكن فعلى ذوي الأرحام (¬4). قال البهوتي (1051 هـ): وإذا لم تستوعب الفروض المال كما لو كان الوارث بنتًا وبنت ابن ونحو ذلك ولم يكن عصبة مع ذوي الفروض رد الفاضل عن الفروض على ذوي الفروض بقدر فروضهم كالغرماء يقتسمون مال المفلس على قدر ديونهم إلا الزوج والزوجة فلا رد عليهما لأنهما ليسا من ذوي القرابة (¬5). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): . . . ثم إن عدم العصبة رد الباقي بعد ذوي الفروض عليهم، ثم إن عدم ذو فرض يرد عليه، فالمال لذوي الأرحام (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي؛ فهو لأولى ¬
[287 - 95] لا يرد على ذوي الأرحام، وإنما يرد على أصحاب الفروض كل على قدر نصيبه؛ إلا الزوج والزوجة
رجل ذكر) (¬1). • وجه الاستدلال: أن الميراث يعطى أول ما يعطى لأصحاب الفروض، ثم يلحق المتبقي بأولى رجل ذكر، وذوو الأرحام ليسوا بعصبة، فإذا حصل رد في المسألة فإنه يرجع لأصحاب الفروض والعصبات، ولا يرث ذوو الأرحام شيئًا إلا في حال عدم وجود أصحاب الفروض والعصبات. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز (¬2)، فذهبا إلى أن المتبقي من التركة إنما يصرف لذوي الأرحام، ولا يرد على الورثة بالفرض أو التعصيب (¬3).Rصحة الإجماع في أن الرد يقدم على ذوي الأرحام، وأما خلاف عمر بن عبد العزيز فهو ضعيف لا يثبت (¬4). [287 - 95] لا يرد على ذوي الأرحام، وإنما يُردُّ على أصحاب الفروض كلٌّ على قدر نصيبه؛ إلا الزوج والزوجة • المراد بالمسألة: أنه إذا حصل ردٌّ في المسألة، بعد إعطاء ذوي الفروض فروضهم، فإنه لا يرد على ذوي الأرحام، وإنما يكون الرد على أصحاب الفروض على حسب نسب فروضهم، إلا الزوج والزوجة فإنه لا يرد عليهم. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمعوا ألَّا يرد على زوج ولا زوجة إلا شيء روي عن عثمان لا يصح، ولعل ذلك الزوج أن يكون عصبة] (¬5). ابن رشد (595 هـ) بعد أن ذكر الخلاف في الرد ثم ذكر من قال به قال: ¬
[وأجمع هؤلاء الفقهاء على أن الرد يكون لهم بقدر سهامهم، فمن كان له نصف؛ أخذ النصف مما بقي، وهكذا في جزء جزء] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [فأما الزوجان؛ فلا يرد عليهما باتفاق من أهل العلم، إلا أنه روي عن عثمان -رضي اللَّه عنه- أنه رد على زوج، ولعله كان عصبة أو ذا رحم؛ فأعطاه لذلك، أو أعطاه من مال بيت المال لا على سبيل الميراث] (¬2). الزيلعي (743 هـ) قال: [يرد ما فضل من فرض ذوي الفروض إذا لم يكن ثمة محصبة على ذوي الفروض بقدر سهامهم؛ إلا على الزوجين؛ فإنهما لا يرد عليهما، وهو قول عامة الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وبه أخذ أصحابنا رحمهم اللَّه. وقال زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه-: الفاضل لبيت المال] (¬3). القرافي (684 هـ) قال: [قال ابن يونس: أجمع المسلمون على أنه لا يرد على زوج ولا زوجة، والباقي عنهما لذوي الأرحام أو لبيت المال على الخلاف] (¬4). - الشربيني (977 هـ) قال: [وقوله غير الزوجين بجر غير على الصفة أو نصبها على الاستثناء من زيادته؛ لأن علة الرد القرابة وهي مفقودة فيهما، ونقل ابن سريج فيه الإجماع، هذا إن لم يكونا من ذوي الأرحام، فلو كان مع الزوجية رحم كبنت الخالة وبنت العم؛ وجب عند القائلين بالرد الرد عليهما؛ لكن الصرف إليهما من جهة الرحم لا من جهة الزوجية] (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن أهل الرد كلهم من ذوي الأرحام، فيدخلون في عموم قول اللَّه تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 6]، وهؤلاء من ذوي الأرحام، وقد ترجحوا بالقرب إلى ¬
الميت فيكونون أولى من بيت المال, لأنه لسائر المسلمين، وذو الرحم أحق من الأجانب عملًا بالنص (¬1). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، ورواية عن الإمام أحمد (¬4)، وذهبوا إلى أنه لا يرد إلى الورثة مطلقًا، وإنما يرد إلى ذوي الأرحام. • دليلهم: ومستند المخالفين عدة أدلة، منها: الأول: أن اللَّه سبحانه وتعالى فرض نصيب كل واحد من الورثة فلا يزاد عليه، قال سبحانه وتعالى في الأخت: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] ومن ردّ عليها جعل لها الكل (¬5). الثاني: عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: أنه كان: (لا يرد على ستة: على زوج، ولا امرأة، ولا جدة، ولا على أخوات لأب مع أخوات لأب وأم، ولا على بنات ابن مع بنات صلب، ولا على أخت لأم مع أم) (¬6). • وجه الاستدلال: أنه فعل صحابي، خالف فيه غيره، فليس الأخذ بقول أحدهما أولى من الآخر. الثالث: عن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- أنه: (لا يرد على الورثة شيئًا مطلقًا) (¬7). الرابع: أن المواريث لا يمكن إثباتها بالرأي، والتوريث بالرد توريث ¬
[288 - 96] لا يرد على الزوجين
بالرأي، فلا يجوز.Rعدم صحة الإجماع في أنه يُردُّ على أصحاب الفروض كل على قدر نصيبه إلا الزوج والزوجة، وذلك للخلاف القوي في المسألة. [288 - 96] لا يرد على الزوجين • المراد بالمسألة: سبق ذكر معنى الرد، فإذا زاد شيء من التركة، بعد إعطاء ذوي الفروض فروضهم، فإنه يرد عليهم جميعهم على حسب نسب فروضهم، إلا الزوج والزوجة فإنه لا يرد عليهم. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمعوا ألا يرد على زوج ولا زوجة إلا شيء روي عن عثمان لا يصح، ولعل ذلك الزوج أن يكون عصبة] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [فأما الزوجان؛ فلا يرد عليهما باتفاق من أهل العلم، إلا أنه روي عن عثمان -رضي اللَّه عنه- أنه رد على زوج -ولعله كان عصبة أو ذا رحم- فأعطاه لذلك] (¬2). القرافي (684 هـ) قال: [قال ابن يونس: أجمع المسلمون على أنه لا يرد على زوج ولا زوجة، والباقي عنهما لذوي الأرحام، أو لبيت المال على الخلاف] (¬3). الزيلعي (743 هـ) قال: [يرد ما فضل من فرض ذوي الفروض إذا لم يكن ثمة عصبة على ذوي الفروض بقدر سهامهم إلا على الزوجين؛ فإنهما لا يرد عليهما، وهو قول عامة الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وبه أخذ أصحابنا رحمهم اللَّه، وقال زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه-: الفاضل لبيت المال. .] (¬4). الشربيني (977 هـ) قال: [وقوله: (غير زوجين) يجر غير على الصفة أو نصبها على الاستثناء من زيادته؛ لأن علة الرد القرابة، وهي مفقودة فيهما، ¬
ونقل ابن سريج فيه الإجماع، هذا إن لم يكونا من ذوي الأرحام، فلو كان مع الزوجية رحم: كبنت الخالة، وبنت العم؛ وجب عند القائلين بالرد الرد عليهما؛ لكن الصرف إليهما من جهة الرحم لا من جهة الزوجية] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬2). قال الماوردي (450 هـ): فكان علي بن أبي طالب يرد على كل ذي سهم بقدر سهمه إلا على الزوج والزوجة، وهو الذي يعمل عليه ويفتى به (¬3). قال ابن حزم (456 هـ): ولا يصح نص في ميراث الخال فما فضل عن سهم ذوي السهام وذوي الفرائض، ولم يكن هنالك عاصب ولا معتق ولا عاصب معتق ففي مصالح المسلمين لا يرد شيء من ذلك على ذي سهم ولا على غير ذي سهم من ذوي الأرحام إذ لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة ولا إجماع، فإن كانوا ذووا الأرحام فقراء أعطوا على قدر فقرهم والباقي في مصالح المسلمين (¬4). قال السرخسي (483 هـ): قال علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- إذا فضل المال عن حقوق أصحاب الفرائض وليس هناك عصبة من جهة النسب ولا من جهة السبب، فإنه يرد ما بقي عليهم على قدر أنصبائهم إلا الزوج والزوجة، وبه أخذ علماؤنا رحمهم اللَّه (¬5). قال الموصلي (683 هـ): . . . فيرد على ذوي السهام بقدر سهامهم إلا على الزوجين (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما رواه: إبراهيم بن يزيد النخعي ¬
[289 - 97] أول من حكم بالعول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
قال: (لم يكن أحد من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رد على المرأة والزوج شيئًا، قال: وكان زيد يعطي كل ذي فرض فريضته، وما بقي جعله في بيت المال) (¬1). • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في المسألة: عن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-. فقد ورد عنه -رضي اللَّه عنه-: (أنه رد على زوج) (¬2).Rصحة الإجماع في عدم الرد على الزوجين. وأما ما ورد عن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- فقد حمله أهل العلم من ذوي التحقيق على أنه ليس برد، قال ابن عبد البر: (ولعل ذلك الزوج أن يكون عصبة) (¬3). وقال ابن قدامة: (ولعله كان عصبة، أو ذا رحم، فأعطاه لذلك) (¬4). [289 - 97] أول من حكم بالعول عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- • المراد بالمسألة: العول في اللغة: الارتفاع والزيادة يقال: عالت الفريضة إذا ارتفع حسابها، وزادت سهامها، فنقصت الأنصباء (¬5). • وفي الاصطلاح: زيادة سهام الفروض عن أصل المسألة بزيادة كسورها عن الواحد، بمعنى أن يزاد على المخرج شيء من أجزائه، كسدسه أو ثلثه أو نحو ذلك من الكسور الموجودة فيه إذا ضاق المخرج عن فرض (¬6). ¬
والمراد: أن العول لم يعرف في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يحصل في عهد أبي بكر -رضي اللَّه عنه- وقد وقعت مسألة فرضية في عهد عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وهي: زوج وأختان، أو زوج وأم وأخت، فشاور الصحابة فيها، فأشاروا إليه بالعول فأقرهم عمر على ذلك، وقضى به، وتابعه الصحابة عليه، فكان أول من اجتهد فيها (¬1). • من نقل الاتفاق: القرافي (684 هـ) قال: [وعول الفرائض: زيادة الفروض على المال، قال ابن يونس: لم يتكلم عليه في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا في زمن أبي بكر، وأول من نزل به عمر -رضي اللَّه عنه- فقال: لا أدري من قدمه الكتاب فأقدمه ولا آخره فأؤخره، ولكن قد رأيت رأيًا فإن يكن صوابًا؛ فمن اللَّه عز وجل، وإن يكن خطأ فمن عمر، وهو أن يدخل الضرر على جميعهم وينقص كل واحد من سهمه بقدر ما ينقص من سهمه، فحكم بالعول. وأشار به عليه العباس بن عبد المطلب، ولم يخالف إلا ابن عباس فقال: لو أن عمر نظر من قدمه الكتاب فقدمه، ومن آخره فأخره؛ ما سألت فريضة، فقيل له: وكيف يصنع؟ قال: ينظر إلى أسوء الورثة حالًا وأكثرهم تغيرًا فيدخل عليه الضرر، وهم البنات والأخوات] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الشافعية (¬3)، الحنابلة (¬4). قال الماوردي (450 هـ): وأما العول فهو زيادة الفروض في التركة حتى تعجز التركة عن جميعها فيدخل النقص على الفروض بالحصص، ولا يخص به ذوي الفروض من دون بعض، فهذا هو العول، وبه قال جمهور الصحابة، ¬
[290 - 98] إذا كان فى المسألة عول دخل النقص على أصحاب الفروض كل على قدر نصيبه
وأول من حكم به عن رأي جميعهم عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- (¬1). قال الموصلي (683 هـ): العول: هو زيادة السهام على الفريضة فتعول المسألة إلى سهام الفريضة ويدخل النقصان عليهم بقدر حصصهم (¬2). قال الدردير (1201 هـ): العول: زيادة في السهام ونقص في الأنصباء. . . ولم يقع في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا في زمن الصديق، وأول من نزل به عمر بن الخطاب (¬3). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): العول مصدر: عال الشيء إذا زاد أو غلب، والفريضة سألت في الحساب زادت وارتفعت، فالعول زيادة في السهام، نقص في الأنصباء، لازدحام الفرائض، بحيث لا يتسع لها المال (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن اجتهاد عمر -رضي اللَّه عنه- (¬5) كان بمحضر من الصحابة، ولم ينكر أحد، مع توفر دواعي الإنكار، بل حصل التأييد من علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب -رضي اللَّه عنهما- (¬6).Rصحة الإجماع في أن أول من حكم بالعول عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- ذكره عنه ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. [290 - 98] إذا كان فى المسألة عول دخل النقص على أصحاب الفروض كلٌّ على قدر نصيبه • المراد بالمسألة: أنه إذا وجدت مسألة فرضية وعالت، بمعنى حصل فيها نقص في أسهم الورثة، فإن النقص هذا يوزع على جميع الورثة على ¬
قدر أنصبتهم. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا إذا كثرت الفرائض فلم يحملها المال أن من له فرض مسمى في موضع دون موضع؛ لا بد أن ينحط من الفرض المسمى له في غير هذا الموضع] (¬1). السرخسي (483 هـ) قال: [فالحكم في هذا العول في قول أكثر الصحابة: عمر وعثمان وعلي وابن مسعود -رضي اللَّه عنهم- وهو مذهب الفقهاء، وكان ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- ينكر العول في الفرائض أصلًا، وأخذ بقوله محمد ابن الحنفية وعلي بن الحسين وزين العابدين] (¬2). البغوي (516 هـ) قال: [واتفقوا على أن ولد الأب والأم أو ولد الأب إذا كانوا إناثًا يعطى إليهن فرضهن وتعال المسألة] (¬3). - ابن قدامة (620 هـ) قال: [فصل: ولو كان مكان ولد الأبوين عصبة من ولد الأب؛ سقط قولًا واحدًا ولم يورثهم أحد من أهل العلم فيما علمنا؛ لأنهم لم يساووا ولد الأم في قرابة الأم، ولو كان مكانهم أخوات من أبوين أو من أب؛ فرض لهن الثلثان وعالت المسألة إلى عشرة في قول الجميع؛ إلا في قول ابن عباس ومن تابعه ممن لا يرى العول] (¬4). وقال: [وهذا قول عامة الصحابة ومن تبعهم من العلماء -رضي اللَّه عنهم-. . إلا ابن عباس وطائفة شذت يقل عددها نقل ذلك محمد ابن الحنفية، ومحمد بن علي بن الحسين وعطاء وداود فإنهم قالوا: لا تعول المسائل] (¬5). وقال أَيضًا: [ولا نعلم اليوم قائلًا بمذهب ابن عباس ولا نعلم خلافًا بين فقهاء الأمصار في القول بالعول بحمد اللَّه ومنه] (¬6). القرافي (684 هـ) قال: [وانفرد ابن عباس عن الصحابة رضوان اللَّه عليهم ¬
أجمعين بخمس مسائل هي: الغراوان: وهما زوج وأبوان، وزوجة وأبوان؛ فأعطى الأم ثلث جميع المال، وقال الصحابة وعامة الفقهاء بثلث ما بقي، ولم يقل بالعول، وأدخل النقص على البنات وبنات الابن والأخوات الأشقاء أو لأب، ووافقه جماعة من التابعين. ولم يجعل الأخوات عصبة للبنات، وخالفه جميع الفقهاء. ولم يحجب الأم بدون الثلاثة من الإخوة خلافًا للفقهاء] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية (¬2). قال الماوردي (450 هـ): وأما العول فهو زيادة الفروض في التركة حتى تعجز التركة عن جميعها فيدخل النقص على الفروض بالحصص، ولا يخص به ذوي الفروض من دون بعض، فهذا هو العول، وبه قال جمهور الصحابة (¬3). قال الموصلي (683 هـ): العول: هو زيادة السهام على الفريضة فتعول المسألة إلى سهام الفريضة ويدخل النقصان عليهم بقدر حصصهم (¬4). قال الدردير (1201 هـ): عالت الفروض: أي زيد فيها بأن تجعل الفروض بقدر السهام فيدخل النقص على كل واحد من أصحاب الفروض (¬5). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): . . . فالعول زيادة في السهام، نقص في الأنصباء، لازدحام الفرائض، بحيث لا يتسع لها المال (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: الإجماع السكوتي، حيث اجتهد عمر -رضي اللَّه عنه- بمحضر من ¬
الصحابة، ولم ينكر أحد (¬1). الثاني: القياس الصحيح على المفلس إذا ضاق ماله، لحديث: (خذوا ما وجدتم) (¬2)، وهذا محض العدل. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، ومحمد ابن الحنفية، وعطاء، وداود من الظاهرية (¬3). فقد جاء عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: (لا تعول الفريضة) (¬4). وأفتى بقول ابن عباس: عطاء بن أبي رباح (¬5).Rصحة الإجماع في أنه إذا كان في المسألة عول دخل النقص كل على قدر نصيبه؛ لأن ابن عباس محجوج بالإجماع قبله، وأيضًا حصل الاتفاق بعده، وكان قوله هجره أهل العلم. * * * ¬
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب ميراث الحمل
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في باب ميراث الحمل [291 - 99] الحمل إذا خرج حيا فاستهل وَرِث وَوُرِث الحمل في اللغة: يطلق على الولد في البطن، وعلى ثمرة الشجرة عليها (¬1). والحمل في علم الفرائض: ولد المرأة المتوفى عنه في بطنها، وهو يرث، أو يحجب في جميع التقادير، أو بعضها (¬2)، كما سأبينه فيما يأتي من مسائل. • والمراد بالمسألة: أن الجنين تجرى عليه أحكام الأحياء إذا نزل حيًا بشرط أن يستهل صارخًا, لأن الصراخ أصدق العلامات على الحياة، بخلاف الحركة فقد يتحرك الميت. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الرجل إذا مات وزوجته حُبلى أن الولد الذي في بطنها يرث ويورث؛ إذا خرج حيًّا فاستهل] (¬3). قال الماوردي (450 هـ): فمتى استهل المولود صارخًا فلا خلاف بين الفقهاء أنه يرث ويورث (¬4) قال الجويني (478 هـ): إذا مات الإنسان، وكان في بطن الأم جنين، لو كان منفصلًا حالة موته لورث، فإذا كان حملًا يوم الموت فتوريثه ثابت، وليس بين العلماء في هذا الأصل خلاف (¬5). ¬
قال العمراني (558 هـ): وإن مات رجل وخلّف حملًا وارثًا، نظرت: فإن انفصل واستهل صارخًا فإنه يرث، سواء كان فيه روح حال موت مورثه أو كان يومئذ نطفة، لما روى أبو الزبير عن جابر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه" (¬1). قال الشيخ أبو حامد: ولا خلاف في هذا (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [والثاني: أن تضعه حيًّا، فإن وضعته ميتًا؛ لم يرث في قولهم جميعًا، واختلف فيما يثبت به الميراث من الحياة، واتفقوا على أنه إذا استهل صارخًا ورث ووُرِث] (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمع أهل العلم على أن الرجل إذا مات وزوجته حبلى أن الولد الذي في بطنها يرث ويورث إذا خرج حيًّا واستهل] (¬4). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) في كلامه على ميراث الطفل قال: [وقد اتفقوا على أن الميراث يجب له ولو كان ابن ساعة؛ فلا فائدة في تخصيصه بالبالغ دون الصغير] (¬5). الشوكاني (1255 هـ) قال: [والحديثان يدلان على أن المولود إذا وقع منه الاستهلال أو ما يقوم مقامه ثم مات ورثه فرابته وورث هو منهم وذلك مما لا خلاف فيه] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬7). قال السرخسي (483 هـ): أعلم بأن الحمل من جملة الورثة إذا علم بأنه ¬
كان موجودًا في البطن عند موت المورث، وانفصل حيًا، وإنما يعلم وجوده في البطن إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ مات المورث لأن أدنى مدة الحمل ستة أشهر، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر فلا ميراث له إذا كان النكاح قائمًا بين الزوجين، وإن كانت معتدة فحينئذ إذا جاءت به لأقل من سنتين منذ وقعت الفرقة بموت أو طلاق فهو من جملة الورثة وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر منذ مات المورث فإنما يرث إذا انفصل حيًا وطريق معرفة ذلك أن يستهل صارخًا أو يسمع منه عطاس أو يتحرك بعض أعضائه بعد الانفصال (¬1). قال البهوتي (1051 هـ): ويرث الحمل ويورث بشرطين: أحدهما: أن يعلم أنه كان موجودًا حال موت مورثه. . . الثاني: أن تضعه حيًا. . . وتعلم حياته إذا استهل بعد وضع كله صارخًا (¬2). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): ويرث المولود ويورث إن استهل صارخًا (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إذا استهل المولود ورث) (¬4). • وجه الاستدلال: أن استهلال المولود نازلًا علامة الحياة، ولذلك يرث (¬5). الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- والمسور ابن مخرمة -رضي اللَّه عنه- قالا: (قضى ¬
[292 - 100] المولود إذا خرج ميتا لم يرث
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يرث الصبي حتى يستهل) (¬1). • وجه الاستدلال: أن فيه منع إرث الجنين إلا إذا استهل صارخًا (¬2). ورد الخلاف في هذه المسألة عن: ابن حزم من الظاهرية (¬3)، فقد ذهب إلى أن من كان في بطن أمه بعد ولو بطرفة عين قبل موروثه أنه إن ولد حيًّا ورث، ولا يرى الاستهلال، وإنما مجرد خروجه أو بعضه حيًا، بل ذهب أبعد من ذلك حيث رد على المعارضين له فقال: (فإن قيل هلا ورثتموه وإن ولد ميتًا بحياته في البطن! ! قلنا لو أيقنا حياته لورثناه، وقد تكون حركة ريح والجنين ميت، وقد ينفش الحمل ويعلم أنه ليس حملًا، وإنما كان علة فإنما نوقن حياته إذا شاهدناه حيًا) (¬4).Rصحة الإجماع في أن المولود يرث إذا نزل حيًا فاستهل صارخًا، وأما خلاف ابن حزم فهو محجوج بالإجماع قبله، والنص. [292 - 100] المولود إذا خرج ميتًا لم يرث • المراد بالمسألة: أن الحمل إذا نزل ميتًا, ولم يحدث شيئًا يدل على حياته، كالصراخ، والعطاس، والبكاء، وكل ما يدل على حياته، فلا يفرض له شيء. ¬
• من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال [وأجمع أهل العلم على أن الرجل إذا مات وزوجته حبلى أن الولد الذي في بطنها يَرِث ويُورَث إذا خرج حيًّا فاستهل، وقالوا جميعًا: إذا خرج ميتًا لم يُورَّث] (¬1). قال الجويني (478 هـ): فلو انفصل الحمل الذي كنا نتوقعه ميتًا، لم نورثه وفاقًا (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال في كلامه على ميراث الحمل: [والثاني أن تضعه حيًّا فإن وضعته ميتًا؛ لم ترث في قولهم جميعًا، واختلف فيما يثبت به الميراث من الحياة واتفقوا على أنه إذا استهل صارخًا؛ ورث وَوُرِث] (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: [وأجمع أهل العلم على أن الرجل إذا مات وزوجته حبلى أن الولد الذي في بطنها يرث ويورث إذا خرج حيًّا واستهل وقالوا جميعًا: إذا خرج ميتًا؛ لم يرث] (¬4). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [فدل الحديث على أنه لا يرث الحمل إلا إذا ولد حيًا, ولا يرث ميتًا بالاتفاق] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، وابن حزم من الظاهرية (¬8). قال ابن حزم (456 هـ): ومن ولد بعد موت موروثه فخرج حيًا كله أو بعضه أقله أو أكثره ثم مات بعد تمام خروجه أو قبل تمام خروجه عطس أو ¬
لم يعطس وصحت حياته بيقين بحركة عين أو يد أو نفس أو بأي شيء صحت فإنه يرث ويورث ولا معنى للاستهلال (¬1). قال العمراني (558 هـ): وإن خرج ميتًا لم يرث؛ لأنا لا نعلم أنه نفخ فيه الروح وصار من أهل الميراث أو لم ينفخ، وإن انفصل ميتًا وتحرك بعد الانفصال حركة لا تدل على الحياة لم يرث, لأن بهذه الحركة لم تعلم حياته, لأن المذبوح قد يتحرك، واللحم قد يختلج ولا روح فيه، وإن خرج بعضه فصرخ ثم مات قبل أن ينفصل لم يرث؛ لأنه ما لم ينفصل جميعه لا يثبت له أحكام الدنيا (¬2). قال الموصلي (683 هـ): وإن ولد ميتًا لا حكم له ولا إرث، وإنما تعرف حياته، بأن تنفس كما ولد أو استهل بأن سمع له صوت أو عطس أو تحرك عضو منه كعينيه أو شفتيه أو يديه, لأن بهذه الأشياء تعلم حياته، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا استهل الصبي ورث وصلى عليه"، فإن خرج الأكثر حيًا ثم مات ورث، وبالعكس لا اعتبار للأكثر، فإن خرج مستقيمًا فإذا خرج صدره ورث، وإن خرج منكوسًّا يعتبر خروج سرته، وإن مات بعد الاستهلال ورث وورث عنه (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إذا استهل المولود ورث) (¬4). • وجه الاستدلال: أن استهلال المولود نازلًا علامة الحياة، وأما إذا لم يستهل صارخًا فهذه علامة على موته، فلا يفرض له شيء. الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- والمسور ابن مخرمة -رضي اللَّه عنه- قالا: (قضى ¬
[293 - 101] إذا مات الإنسان عن حمل يرثه وقف الأمر حتى يتبين فإن طالب الورثة بالقسمة لم يعطوا كل المال
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يرث الصبي حتى يستهل) (¬1). • وجه الاستدلال: أن فيه نص على منع إرث الجنين إلا إذا استهل صارخًا.Rصحة الإجماع في أن الحمل إذا نزل ميتًا فإنه لا يرث. [293 - 101] إذا مات الإنسان عن حمل يرثه وُقِفَ الأمر حتى يتبين فإن طالب الورثة بالقسمة لم يعطوا كل المال • المراد بالمسألة: إذا مات ميت عن زوجته الحامل فالأصل أن يوقف المال حتى ينزل الحمل، فإن طالب الورثة بقسمة التركة، فإنها تقسم بينهم لمن يختلف مقداره بتقدير وجود الجنين، ولا يعطون كل المال؛ لأن للوارث مع الحمل ثلاث حالات: الأولى: ألا يختلف نصيبه في جميع التقادير، وهذا يعطى نصيبه كاملًا، لأن الحمل لا يؤثر عليه. الثانية: أن يسقط في بعض التقادير، وهذا لا يعطى شيئًا حتى يوضع الحمل، لاحتمال أن يُولَد من يسقطه. الثالثة: أن ينقص في بعض التقادير، ولا يُسْقَط، وهذا يعطى الأقل لاحتمال أن يولد من يُنْقِصُه، واختلفوا في مقدار الموقوف للجنين (¬2). ¬
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [إذا مات الإنسان عن حمل يرثه؛ وقف الأمر حتى يتبين، فإن طالب الورثة بالقسمة؛ لم يعطوا كل المال بغير خلاف؛ إلا ما حكي عن داود، والصحيح عنه مثل قول الجماعة] (¬1) عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [(من خلف ورثة فيهم حمل) يرثه (فطلبوا القسمة) أي إن أبوا ذلك، وطلبوا كلهم أو بعضهم القسمة لم يجبروا على الصبر، ولم يعطوا كل المال بلا نزاع] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال العمراني (558 هـ): إذا ثبت هذا فما حكم مال الميت قبل انفصال الحمل؟ ينظر فيه: فإن كان مع الحمل وارث له فرض لا ينقصه العمل، كالزوج والزوجة والأم والجدة، أعطي صاحب الفرض فرضه، ووقف الباقي من ماله. وإن كان الوارث معه ممن لا سهم له مقدّر كالابن والابنة فاختلف ¬
أصحابنا فيه: فذهب المسعودي وابن اللبان وغيرهما إلى: أنه يُدفع إلى الابن الموجود خمس المال ويوقف الباقي. وحكى الشيخ أبو حامد: أن هذا مذهب أبي حنيفة؛ لأن أكثر ما تلد المرأة في بطن أربعة أولاد. وقال الشيخان -أبو حامد وأبو إسحاق-: لا يعطى الابن الموجود شيئًا من المال، بل يوقف جميعه، وحكى المسعودي أن هذا مذهب أبي حنيفة. وقال محمد بن الحسن: يُدفع إليه ثلث المال؛ لأن أكثر ما تلده المرأة اثنان. وقال أبو يوسف: يُدفع إليه نصف المال؛ لأن الظاهر أنها لا تلد أكثر من واحد. فإذا قلنا: إنه يوقف جميع المال، فوجهه: أنه لا يُعلم أكثر ما تحمله المرأة (¬1). قال الموصلي (683 هـ): روى هشام عن أبي يوسف وهو قول محمد أنه يوقف نصيب ابنين لأنه كثير الوقوع، وما زاد عليه نادر فلا اعتبار به، وروى الخصاف عن أبي يوسف وهو قوله أنه يوقف نصيب ابن واحد وعليه الفتوى لأنه الغالب المعتاد وما فوقه محتمل، والحكم مبني على الغالب دون المحتمل (¬2). قال البهوتي (1051 هـ): فإذا مات إنسان عن حمل يرثه. . . وقف الأمر إليه وهو أولى لتكون القسمة مرة واحدة، وإن طلب بقية الورثة القسمة ¬
[294 - 102] الخنثى يرث من حيث يبول
لم يجبروا عليه ولم يعطوا كل المال، ووقف للحمل الأكثر (¬1). قال الدردير (1201 هـ): ووقف القسم للحمل أي لأجله، فإذا وضع الحمل قسمت التركة واليأس من حملها كالوضع بمضي أقصى أمد الحمل (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن المصلحة قاضية بعدم التأخير، فإذا طلب الورثة نصيبهم فتتأكد القسمة، رفعًا للضرر، والقاعدة: (لا ضرر ولا ضرار) (¬3).Rصحة الإجماع في أن الورثة إذا طلبوا قسمة التركة، التي أحد أفرادها الجنين في البطن فلا يعطون كل المال، وما ذكره ابن قدامة عن داود فقد قال: (إن الصحيح عنه مثل قول الجماعة) (¬4). [294 - 102] الخنثى يرث من حيث يبول • المراد بالمسألة: تعريف الخنثى عند علماء المواريث، هو: الآدمي الذي له آله ذكر وآله أنثى، أو شيء لا يشبه واحدًا منهما (¬5). والمراد أن الخنثى إذا ظهرت فيه علامات الرجل من: بول ومني وغيره، فهو رجل له ميراث الرجل حسب حالة بين التركة، وإن ظهرت فيه علامات الأنثى من حيض وبول وغيره فهو أنثى له ميراث الأنثى حسب حاله بين التركة. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الخنثى يرث من حيث يبول: إن بال من حيث يبول الرجال؛ ورث ميراث الرجال، ¬
وإن بال من حيث تبول المرأة؛ ورث ميراث المرأة] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أنه إن ظهرت علامات المني والإحبال أو البول من الذكر وحده؛ أنه رجل في جميع أحكامه ومواريثه وغيرها، واتفقوا أنه إن ظهرت علامات الحيض المتيقن أو الحبل أو البول من الفرج وحده؛ فإنه أنثى في جميع أحكامه ومواريثه وغيرها] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [الخنثى هو الذي له ذكر وفرج امرأة، أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول. وينقسم إلى مشكل وغير مشكل، فالذي يتبين فيه علامات الذكورية، أو الأنوثية، فيعلم أنه رجل، أو امرأة، فليس بمشكل، وإنما هو رجل فيه خلقة زائدة، أو امرأة فيها خلقة زائدة، في إرثه وسائر أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه، ويعتبر بمباله في قول من بلغنا قوله من أهل العلم] (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: [لما قال تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، تناول الخنثى وهو الذي له فرجان، وأجمع العلماء على أنه يورث من حيث يبول: إن بالمن حيث يبول الرجل؛ ورث ميراث الرجل، وإن بال من حيث تبول المرأة؛ ورث ميراث المرأة] (¬4). الشربيني (977 هـ) قال: [وقد أجمع كل من يحفظ عنه العلم أن الخنثى يرث من حيث يبول] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6)، والشوكاني (¬7). ¬
قال الجويني (478 هـ): أعلم أن الخنثى على ضربين: أحدهما: أن يكون له آلة الرجال وآلة النساء. . . اعتبر أمره أولًا بالبول، فإن بال من الذكر فهو رجل، فإن بال من فرج المرأة فهو أنثى، وإن بال بهما فهو مشكل (¬1). قال السرخسي (483 هـ): وجعل علامة التمييز عند الولادة الآلة إلى أن يتبين سائر العلامات بمضي الزمان، ثم قد يقع الاشتباه عند الولادة من وجهين أحدهما بالمعارضة بأن يوجد في المولود الآلتان جميعًا فيقع الاشتباه إلى أن تترجح إحداهما بخروج البول منه، والوجه الثاني: أن تنعدم آلة التمييز أصلًا بأن لا يكون للمولود آلة الرجال ولا آلة النساء وهذا أبلغ جهات الاشتباه (¬2). قال القرافي (684 هـ): إن كان للخنثى مبالان أعطي حكم ما بال منه، فإن بال منهما اعتبرت الكثرة، فإن استويا اعتبر السبق (¬3). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): والخنثى من له شكل ذكر رجل وفرج امرأة أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول، ويعتبر أمره ببوله من أحد الفرجين (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: سئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن مولود له قُبُل وذكر من أين يورث؟ فقال النبي: -صلى اللَّه عليه وسلم- يُورث من حيث يبول) (¬5). ¬
• وجه الاستدلال: فيه أن مناط توريث الخنثى من حيث يبول (¬1). الثاني: عن الحسن بن كثير أنه سمع أباه قال: شهدت عليًّا -رضي اللَّه عنه- في خنثى قال: (انظروا مسيل البول فورثوه منه) (¬2). الثالث: عن قتادة قال: سجن جابر بن زيد زمن الحجاج فأرسلوا إليه يسألونه عن الخنثى كيف يورث؟ فقال: (تسجنوني، وتستفتوني؟ ! ثم قال: انظروا من حيث يبول فورثه منه قال قتادة فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب قال: فإن بال منهما جميعًا قلت: لا أدري فقال سعيد يورث من حيث يسبق) (¬3).Rصحة الإجماع في أن الخنثى يرث من حيث يبول (¬4). * * * ¬
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في ميراث الغرقى والمفقودين
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في ميراث الغرقى والمفقودين [295 - 103] يرث المتأخر من الغرقى والهدمى إذا عُلِم تأخره عن صاحبه المتأخر • المراد بالمسألة: الغرقى: جمع غريق هم: من ماتوا غرقًا في الماء، والهدمى هم: من ماتوا تحت البنيان (¬1)، وبجري هذا على كل موت جماعي فيه أقارب يتوارثون، كانقلاب السيارات، وغرق السفن، وسقوط الطائرات، وكوارث الزلازل وغيرها. والمراد أنه إذا تيقن سبق موت أحد الغرقى أو الهدمى أو من في حكمهم من يتوارث، فإن المتأخر موتًا يرث المتقدم، أما إذا جهل، أو علم ثم نسي فالمسألة خلافية. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن من مات إثر مورثه بطرفة عين أن حقه في ميراث الأول موروثًا قد ثبت، وأنه يرثه ورثة الميت الثاني] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [في معرض كلامه على المتوارثين إذا ماتوا فجهل أولهم موتًا: ولأن توريث كل واحد منهما خطأ يقينًا؛ لأنه لا يخلو من أن يكون موتهما سبق أحدهما به، وتوريث السابق بالموت والميت معه خطأ يقينًا مخالف للإجماع فكيف يعمل به] (¬3). المطيعي (1354 هـ) قال: [إذا مات متوارثان كالرجل وابنه أو كالزوجين ¬
بالغرق أو الهدم، فإن علم أن أحدهما مات أولًا وعرف عينه ورث الثاني من الأول، وإن علم أن أحدهما مات أولًا وعرف عينه ثم نسي، وقف الأمر إلى أن يتذكر من الأول منهما فيرث منه الثاني, لأن الظاهر ممن علم ثم نسي أنه يتذكر، وهذا لا خلاف فيه] (¬1) عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [. . وإن علم ولو بلحظة ورث المتأخر إجماعًا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4). قال السرخسي (483 هـ): اتفق أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وزيد ابن ثابت -رضي اللَّه عنهم- في الغرقى والحرقى إذا لم يعلم أيهم مات أولًا أنه لا يرث بعضهم من بعض، وإنما يجعل ميراث كل واحد منهم لورثته الأحياء به قضى زيد في قتلى اليمامة حين بعثه أبو بكر لقسمة ميراثهم، وبه قضى زيد في قتلى الحرة، وهكذا نقل عن علي -رضي اللَّه عنه- في قتلى الجمل وصفين، وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه أخذ جمهور الفقهاء (¬5). قال العمراني (558 هـ): وإذا مات متوارثان -كالرجل وابنه، أو كالزوجين- بالغرق أو الهدم، فإن عُلم أن أحدهما مات أولًا وعُرف عينه، ورث الثاني من الأول (¬6). قال الدسوقي (1230 هـ): ولا يرث من جهل تأخر موته عن مورثه بأن ماتا تحت هدم مثلًا أو بطاعون ونحوه بمكان ولم نعلم المتأخر منهما فيقدر أن كل واحد لم يخلف صاحبه وإنما خلف الأحياء من ورثته (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
الأول: عن إياس المزني -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عن قوم وقع عليهم بيت؟ فقال: (يرث بعضهم بعضًا) (¬1). • وجه الاستدلال: أنه نص ظاهر على توريث الهدمى بعضهم من بعض. الثاني: عن عمر -رضي اللَّه عنه- عندما كتب له في طاعون عمواس أنه قال: (ورثوا بعضهم من بعض) (¬2). • وجه الاستدلال: أن فيه دليل على توريث المتأخر من المتقدم (¬3). الثالث: أن حياة كل من الغرقى أو الهدمى كانت ثابتة بيقين، والأصل بقاؤها إلى ما بعد موت الآخر (¬4).Rصحة الإجماع في أنه إذا تيقن موت المتقدم من المتأخر من الغرقى والهدمى الذين يتوارثون، فإن المتأخر يرث المتقدم. ¬
[296 - 104] لا يرث الغرقى والهدمى ومن في حكمهم إذا تحقق موتهم معا
[296 - 104] لا يرث الغرقى والهدمى ومن في حكمهم إذا تحقق موتهم معًا • المراد بالمسألة: والمراد أنه إذا تيقن موت الغرقى أو الهدمى أو من في حكمهم جميعًا, ولم يعرف المتقدم من المتأخر، فإنهم لا يتوارثون. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن من مات إثر موروثه بطرفة عين أن حقه في ميراث الأول موروثًا قد ثبت، وأنه ورثه الميت الثاني، واتفقوا أنه إن تيقن أنهما ماتا معًا أنهما لا يتوارثان، واختلفوا إذا جهل من مات قبل أيتوارثان أم لا؟ ] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال في معرض كلامه على المتوارثين إذا ماتوا فجهل أولهم موتًا: [ولأن توريث كل واحد منهما خطأ يقينًا؛ لأنه لا يخلو من أن يكون موتهما معًا أو سبق أحدهما به، وتوريث السابق بالموت والميت معه خطأ يقينًا مخالف للإجماع فكيف يعمل به] (¬2). المرداوي (885 هـ) قال في كلامه على الغرقى ومن عمي موتهم: [الثانية لو تحقق موتهما معًا لم يتوارثا اتفاقًا] (¬3). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [(إذا مات متوارثان -كأخوين لأب- بهدم، أو غرق أو غربة، أو نار) معًا فلا توارث بينهما إجماعًا] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7). قال الماوردي (450 هـ): والقسم الرابع أن يقع الشك فيهم فلا يعلم هل ماتوا معًا، أو تقدم بعضهم على بعض، ثم لا يعلم المتقدم من المتأخر فمذهب الشافعي أنه يقطع التوارث بين بعضهم من بعض ويدفع ميراث كل ¬
واحد إلى غير من هلك معه من ورثته (¬1). قال السرخسي (483 هـ): اتفق أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وزيد ابن ثابت -رضي اللَّه عنهم- في الغرقى والحرقى إذا لم يعلم أيهم مات أولًا أنه لا يرث بعضهم من بعض، وإنما يجعل ميراث كل واحد منهم لورثته الأحياء به قضى زيد في قتلى اليمامة حين بعثه أبو بكر لقسمة ميراثهم، وبه قضى زيد في قتلى الحرة، وهكذا نقل عن علي -رضي اللَّه عنه- في قتلى الجمل وصفين، وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه أخذ جمهور الفقهاء (¬2). قال العمراني (558 هـ): وإن عُلم أنهما ماتا معًا، أو عُلم أن أحدهما مات أولًا ولم تعرف عينه، قال الشيخ أبو حامد: مثل أن غرقا في ماء فرئي أحدهما يصعد من الماء وينزل ولم يعرف بعينه، والآخر قد نزل ولا يصعد، فإنه يعلم لا محالة أن الذي يصعد وينزل لم يمت، وأن الذي نزل ولم يصعد قد مات، أو لم يعلم: هل ماتا في حالة واحدة، أو مات أحدهما قبل الآخر، فمذهبنا في هذه الثلاث المسائل: أنه لا يرث أحدهما من الآخر، ولكن يرث كل واحد منهما ورثته غير الميت معه (¬3). قال الدسوقي (1230 هـ): ولا يرث من جهل تأخر موته عن مورثه بأن ماتا تحت هدم مثلًا أو بطاعون ونحوه بمكان ولم نعلم المتأخر منهما فيقدر أن كل واحد لم يخلف صاحبه وإنما خلف الأحياء من ورثته (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن: من شروط صحة الإرث، ثبوت حياة الوارث بعد موت المورث، وهنا لم يتبين (¬5).Rصحة الإجماع في أنه إذا لم يعلم المتقدم من المتأخر من الغرقى والهدمى، ومن في حكمهم، أنهم لا يتوارثون. ¬
[297 - 105] لا يرث المفقود إلا الأحياء من ورثته يوم قسم ماله لا من مات قبل ذلك
[297 - 105] لا يرثُ المفقود إلا الأحياء من ورثته يوم قسم ماله لا من مات قبل ذلك • المراد بالمسألة: المفقود، هو: من انقطع خبره، فلم تعلم له حياة، ولا موت (¬1). والمفقود في حكم الأحياء حتى يعلم موته يقينًا، أو تمضي عليه مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش مثلها، وفي هذه الحالة لا تتزوج امرأته، ولا يقسم ماله، ومن مات حال الانتظار الشرعي وقبل الحكم بوفاته من قبل القاضي فإنه لا يرث, لأنه يغلب جانب حياة المفقود، فكأنه موجود. • من نقل الاتفاق: ابن قدامة (620 هـ) قال: [واتفق الفقهاء على أنه لا يرث المفقود إلا الأحياء من ورثته يوم قسم ماله لا من مات قبل ذلك ولو بيوم] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). قال الماوردي (450 هـ): فإذا مضت عليه مدة لا يجوز أن يعيش إليها قسم ماله حينئذ بين من كان حيًا من ورثته، ولو مات للمفقود ميت يرثه المفقود وجب أن يوقف من تركته ميراث المفقود حتى يتبين أمره، فإن بان حيًا كان له وارثًا، وإن بان موته من قبل رُدّ على الباقين من الورثة، وكذلك لو أشكل حال موته (¬6). قال السرخسي (483 هـ): فإذا مضت مدة يعلم أنه لا يعيش إلى تلك المدة فإنه يحكم بموته، ويقسم ميراثه بين ورثته، وإنما يعتبر من ورثته من يكون باقيًا في هذه الحالة، ولا يرثه أحد ممن مات قبل هذا شيئًا, لأنه إنما يحكم بموته في هذه الحالة، وشرط التوريث بقاء الوارث حيًا بعد موت ¬
المورث فلهذا لا يرثه إلا من كان باقيًا من ورثته حين حكم بموته (¬1). قال الموصلي (683 هـ): من مات في حال فقده ممن يرثه المفقود يوقف نصيب المفقود إلى أن يتبين حالة لاحتمال بقائه، فإذا مضت المدة. . . ولم يعلم حاله وحكمنا بموته قسمت أمواله بين الموجودين من ورثته (¬2). قال البهوتي (1051 هـ): ولا يرثه أي المفقود إلا الأحياء من ورثته وقت قسم ماله (¬3). قال الدردير (1201 هـ): فإذا ثبتت حياته أو موته فالأمر واضح، وإن لم يثبت ذلك -بأن مضت مدة التعمير السابقة- فيرثه أحياء ورثته غير المفقود (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قضاء عمر وعثمان في ميراث المفقود أن يقسم من يوم تمضي الأربع سنوات على امرأته، وتستقبل عدتها أربعة أشهر وعشرًا (¬5). الثاني: عمل الصحابة فيمن قتل يوم الجمل، وصفين، والحرة، وقديد (¬6)، فلم يورثوا أحدًا من صاحبه شيئًا إلا من علم أنه قتل قبل ¬
صاحبه (¬1). الثالث: يمكن أن يستدل أَيضًا بالقاعدة المتفق عليها (اليقين لا يزول بالشك) (¬2)، فالأصل بقاء حياة المفقود، والموت مشكوك فيه، فإذا حكم الحاكم بموت المفقود، ورثوه لكون التركة من حقهم، ومن مات قبل الحكم عليه فإنه مات في فترة حياته الشرعية.Rصحة الإجماع في أن المفقود لا يقسم ماله، ومن مات حال الانتظار الشرعي وقبل الحكم بوفاته من قبل القاضي فإنه لا يرث. * * * ¬
الفصل السادس: مسائل الإجماع في ميراث أهل الملل
الفصل السادس: مسائل الإجماع في ميراث أهل الملل [298 - 106] لا يرث الكافرُ المسلمَ • المراد بالمسألة: أن المسلم الذي مات وخلف قريبًا كافرًا ممن يستحق الإرث لو كان مسلمًا؛ كما لابن، والبنت، والأب؛ فإنه لا يرثه، وذلك لاختلاف الدينين (¬1). • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [لأنه إجماع من المسلمين كافة عن كافة أن الكافر لا يرث المسلم وهي الحجة القاطعة الرافعة للشبهة] (¬2). وقال: [مع إجماعهم أن الكافر لا يرث المسلم] (¬3). السرخسي (483 هـ) قال: [لا خلاف أن الكافر لا يرث المسلم بحال، وكذلك لا يرث المسلم الكافر في قول أكثر الصحابة، وهو مذهب الفقهاء] (¬4). البغوي (516 هـ) قال: [لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم. . والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم] (¬5). - ابن رشد (595 هـ) قال: [فمنها أنه أجمع المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ} ¬
[النساء: 141] ولما ثبت من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم) (¬1) واختلفوا في ميراث المسلم الكافر وفي ميراث المسلم المرتد. .] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وأجمع أهل العلم على أن الكافر لا يرث المسلم، وقال جمهور الصحابة والفقهاء: لا يرث المسلم الكافر] (¬3). النووي (676 هـ) قال: [أجمع المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم] (¬4). ابن تيمية (728 هـ) قال: [وقد اتفق المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم، ولا يتزوج الكافر المسلمة] (¬5). الشربيني (977 هـ) قال: [وانعقد الإجماع على أن الكافر لا يرث المسلم] (¬6) وقال أَيضًا: [وهو حاصل بالإجماع في أن الكافر لا يرث المسلم] (¬7). الشوكاني (1255 هـ) قال: [لا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم قال في البحر: إجماعا] (¬8) عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [وعدم إرث الكافر المسلم بالإجماع] (¬9). وقال: [(ولا) يرث (الكافر المسلم. .) باتفاق المسلمين] (¬10). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: ابن حزم من الظاهرية (¬1). قال الماوردي (450 هـ): الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر، وهو قول الجمهور (¬2). قال ابن حزم (456 هـ): ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم المرتد وغير المرتد سواء إلا أن المرتد مد يرتد فكل ما ظفر به من ماله فلبيت مال المسلمين رجع إلى الإسلام أو مات مرتدًا أو قتل مرتدًا أو لحق بدار الحرب، وكل من لم يظفر به من ماله حتى قتل أو مات مرتدًا فلورثته من الكفار، فإن رجع إلى الإسلام فهو له أو لورثته من المسلمين إن مات مسلمًا (¬3). قال البهوتي (1051 هـ): ولا يرث الكافر المسلم إلا بالولاء، فيرث الكافر عتيقه المسلم بالولاء قياسًا على عكسه (¬4). قال الدردير (1201 هـ): ولا يرث. . . ولا مخالف في دين. . . كمسلم مع غيره فلا يرث المسلم غيره ولا يرثه الغير (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يرث المسلم الكافر؛ ولا الكافر المسلم) (¬6). • وجه الاستدلال: أنه نص في منع التوارث بين المسلم والكافر. الثاني: عن أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: يا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أين تنزل في ¬
[299 - 107] المرتد لا يرث قريبه المسلم
دارك بمكة؟ فقال: (وهل ترك عقيل من رباع أو دور) (¬1). • وجه الاستدلال: أن عقيلًا وطالبًا، ورثا أباهما أبا طالب، ولم يرثه جعفر ولا علي -رضي اللَّه عنهما- شيئًا؛ لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين (¬2). الثالث: عن عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يتوارث أهل ملتين شتى) (¬3). • وجه الاستدلال: أن الكافر لا يرث المسلم، والمسلم لا يرث الكافر لقطع الولاية بينهما (¬4). الرابع: ما روي أن عمة الأشعث كانت مشركة وأمها ماتت، فأبى عمر ابن الخطاب أن يورثه، وقال: (يرثها أهل دينها) (¬5).Rصحة الإجماع في أن الكافر لا يرث قريبه المسلم. [299 - 107] المرتد لا يرث قريبه المسلم • المراد بالمسألة: المرتد هو: المنتقل عن الإسلام إلى دين آخر، أو إلى لا دين، وقيل: الردة: كفر المسلم بقول صريح أو لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه (¬6). فإذا مات له قريب مسلم ممن يرثه، فإنه يمنع من توريثه، واختلف ¬
الفقهاء في المرتد إذا مات فهل يرثه قريبه المسلم (¬1). • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واختلفوا في مال المرتد أين يصرف؟ وهل يورث بعد اتفاقهم كما وصفنا من قبل أنه لا يرث] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن المرتد لا يرث أحدًا] (¬3). النووي (676 هـ) قال: [وأما المرتد؛ فلا يرث المسلم بالإجماع] (¬4) القرافي (684 هـ) في كلامه على المرتد قال: [واتفقوا على أنه لا يرث ورثته المسلمين] (¬5) • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، ابن حزم من الظاهرية (¬7)، والشوكاني (¬8). قال ابن حزم (456 هـ): ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم المرتد وغير المرتد سواء إلا أن المرتد مذ يرتد فكل ما ظفر به من ماله فلبيت مال المسلمين رجع إلى الإسلام أو مات مرتدًا أو قتل مرتدًا أو لحق بدار الحرب، وكل من لم يظفر به من ماله حتى قتل أو مات مرتدًا فلورثته من الكفار، فإن رجع إلى الإسلام فهو له أو لورثته من المسلمين إن مات مسلمًا (¬9). قال السرخسي (483 هـ): المرتد ليس من أهل الولاية فلا يرث أحدًا، ولأنه جان بالردة وهذه صلة شرعية فالجاني على حق الشرع يحرم هذه الصلة ¬
[300 - 108] المرتد إذا رجع إلى الإسلام فماله مردود إليه ما لم يلحق بدار الحرب
عقوبة عليه كالقاتل بغير حق (¬1). قال العمراني (558 هـ): المرتد كافر، ولأنه لا يرث بحال، فلم يورث كالكافر (¬2). قال الشوكاني (1250 هـ): قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نرثهم ولا يرثونا" قلنا لعله أراد المرتدين جمعًا بين الأخبار (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يرث المسلم الكافر؛ ولا الكافر المسلم) (¬4). • وجه الاستدلال: أنه نص في منع التوارث بين المسلم والكافر، والمرتد عن الإسلام كافر. الثاني: عن عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يتوارث أهل ملتين شتى) (¬5). • وجه الاستدلال: أن الكافر لا يرث المسلم، والمسلم لا يرث الكافر لقطع الولاية بينهما، والمرتد من الكافرين (¬6).Rصحة الإجماع في أن المرتد لا يرث قريبه المسلم. [300 - 108] المرتد إذا رجع إلى الإسلام فماله مردود إليه ما لم يلحق بدار الحرب • المراد بالمسألة: أن من ارتد عن الإسلام فماله محبوس، فإن عاد إلى الإسلام عاد إليه ماله، وإن لم يعد، أو عاد فلحق بدار الحرب، فماله محل خلاف بين الفقهاء، فالمالكية والشافعية والحنابلة أن ماله فيء لبيت مال المسلمين، وذهب الحنفية أن ما كسبه قبل الردة لورثته، وما كسبه بعدها ¬
لبيت المال (¬1). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمع كل من نحفظ عنه على أن المرتد بارتداده لا يزول ملكه من ماله، وأجمعوا أن برجوعه إلى الإسلام ماله مردود إليه ما لم يلحق بدار حرب] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وابن حزم من الظاهرية (¬7). قال الماوردي (450 هـ) في كلامه عن المرتد: فإن رجع مسلمًا رجع بما وجد من أعيان ماله على ورثته، ولم يرجع بما استملكوه ولا يرجع في عتق أمهات أولاده ومدبريه (¬8). قال ابن حزم (456 هـ): ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم المرتد وغير المرتد سواء إلا أن المرتد مذ يرتد فكل ما ظفر به من ماله فلبيت مال المسلمين رجع إلى الإسلام أو مات مرتدًا أو قتل مرتدًا أو لحق بدار الحرب، وكل من لم يظفر به من ماله حتى قتل أو مات مرتدًا فلورثته من الكفار، فإن رجع إلى الإسلام فهو له أو لورثته من المسلمين إن مات مسلمًا (¬9). قال السرخسي (483 هـ): في ميراث المرتد إذا قتل أو مات أو لحق ¬
[301 - 109] المرتدون لا يرث بعضهم بعضا
بدار الحرب فما اكتسبه في حال إسلامه فهو ميراث لورثته المسلمين ترث زوجته من ذلك إذا كانت مسلمة ومات المرتد وهي في العدة (¬1). قال ابن رشد (595 هـ): وأما مال المرتد إذا قتل أو مات فقال جمهور فقهاء الحجاز: هو لجماعة المسلمين ولا يرثه قرابته، وبه قال مالك والشافعي وهو قول زيد من الصحابة، وقال أبو حنيفة والثوري وجمهور الكوفيين وكثير من البصريين: يرثه ورثته من المسلمين وهو قول ابن مسعود من الصحابة وعلي -رضي اللَّه عنهما- (¬2). قال ابن قدامة (620 هـ): وإن رجع المرتد إلى الإسلام قبل قسم الميراث قُسم له (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن المرتد صار بردته حربًا على المسلمين، فيكون حكم ماله كحكم مال الحربي، هذا إن مات على ردته، وإلا فماله موقوف، فإن عاد إلى الإسلام فهو له، فتجري عليه أحكام المسلمين (¬4).Rصحة الإجماع في أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام فماله مردود إليه ما لم يلحق بدار الحرب. [301 - 109] المرتدون لا يرث بعضهم بعضًا • المراد بالمسألة: أنَّ المرتدين عن الإسلام إذا ارتدوا إلى لا دين فلا يتوارثون فيما بينهم، لو كانوا بعضهم يرث بعضًا، وذلك لأن الردة ليست بملة (¬5)، وأما إذا ارتدوا إلى ملة؛ كاليهودية، والنصرانية فهل يتوارثون؟ فقياس المذاهب القائلين بتوارث أهل الملة الواحدة أنهم يتوارثون. ¬
• من نقل الإجماع: الطحاوي (321 هـ) قال: [فلما رأينا الردة ليست بملة، ورأيناهم مجمعين أن المرتدين لا يرث بعضهم بعضًا, لأن الردة ليست بملة] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الماوردي (450 هـ): فأما إذا ارتد الزوج دونها بعد طلاقه وفي مرضه فمذهب الشافعي لا ترثه، وقال أبو حنيفة ومالك ترثه، وفوق أبو حنيفة بين ردتها وردته، بأن ردتها اختيار منها للفرقة وليس ردته اختيار فيها لذلك، وهذا الفرق فاسد، لاستواء الردتين في إفضائهما إلى حال لو مات فيها لم ترثه فاستوت ردتها في ذلك وردته، ولو ارتدت الزوجة في مرضها ثم ماتت لم يرثها الزوج. وقال أبو حنيفة: يرثها, لأنها متهمة بذلك في إزوائه عن الميراث كما يتهم الزوج في الطلاق في المرض، وهذا خطأ من وجهين: أحدهما: أن المرتد لا يورث. والثاني: أنه لا ينسب العاقل أنه قصد بالردة إزواء وارث وضرره عليه أعظم من ضرره على الوارث وليس كالطلاق الذي لا ضرر عليه فيه (¬6). قال السرخسي (483 هـ) في كلامه على زوجة المرتد: وإن كانت قد ارتدت معه لم يكن لها منه ميراث، كما لا يرثه أقاربه من المرتدين لما بينا أن المرتد ليس من أهل الولاية فلا يرث أحدًا (¬7). قال ابن رشد (595 هـ): وأما مال المرتد إذا قتل أو مات فقال جمهور ¬
[302 - 110] يرث الكفار بعضهم بعضا إذا كانوا أهل ملة واحدة
فقهاء الحجاز: هو لجماعة المسلمين ولا يرثه قرابته، وبه قال مالك والشافعي وهو قول زيد من الصحابة، وقال أبو حنيفة والثوري وجمهور الكوفيين وكثير من البصريين: يرثه ورثته من المسلمين وهو قول ابن مسعود من الصحابة وعلي -رضي اللَّه عنهما- (¬1). قال ابن قدامة (620 هـ): ولو ارتد متوارثان، فمات أحدهما، لم يرثه الآخر، فإن المرتد لا يرث ولا يورث، وإن رجع المرتد قبل قسم الميراث قسم له (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن الردة ليست لها ملة (¬3).Rصحة الإجماع في أن المرتدين لغير ملة لا يتوارثون بينهم. [302 - 110] يرث الكفار بعضهم بعضا إذا كانوا أهل ملة واحدة • المراد بالمسألة: أن للكفار حالتين في الميراث: الأولى: أن يكونوا على دين واحد؛ كاليهودي مثلًا مع اليهودي، والنصراني مع النصراني، ففي هذه الحالة لا خلاف في إرث بعضهم من بعض. والثانية: أن تختلف أديانهم؛ كاليهود مع النصارى أو المجوس أو الوثنيين؛ ففي هذه الحالة اختلف العلماء في حكم توريث بعضهم من بعض، ومبنى الاختلاف هو هل الكفر ملة واحدة أو ملل متعددة؟ وعليه فإن وحدة الدين بالنسبة للكفار بين الوارث والموروث لا تمنع الإرث، فيرث النصراني من النصراني، واليهودي يرث اليهودي، والمجوسي يرث المجوسي. وكذلك اتفقوا على وحدة الدار، فإذا اختلفت الدار فقد اختلف الفقهاء ¬
في حكم توريثهم، وليس فيها إجماع (¬1). • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن النصراني يرث النصراني، وأن المجوسي يرث المجوسي، وأن اليهودي يرث اليهودي] (¬2). البغوي (516 هـ) قال: [فأما الكفار فيرث بعضهم من بعض مع اختلاف مللهم كاليهودي من النصراني، والنصراني من المجوسي والوثني, لأن الكفر كله ملة واحدة، واختلاف الملك فيه كاختلاف المذاهب في الإسلام هذا قول عامة أهل العلم] (¬3). ابن رشد (595 هـ) قال: [وأجمعوا على توريث أهل الملة الواحدة بعضهم بعضًا، واختلفوا في توريث الملل المختلفة] (¬4). ابن قدامة (620 هـ) قال: [فأما الكفار؛ فيتوارثون إذا كان دينهم واحدًا لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافًا] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6). قال السرخسي (483 هـ): الكفار يتوارثون فيما بينهم بالأسباب التي يتوارث بمثلها المسلمون فيما بينهم (¬7). قال العمراني (558 هـ): ويرث الكافر من الكافر إذا اجتمعا في الذمة أو في الحرب (¬8). قال البهوتي (1051 هـ): ويرث الكفار بعضهم بعضًا إن اتحدت ملتهم، وهم ملل شتى مختلفة فلا يرثون مع اختلافها (¬9). ¬
[303 - 111] يأخذ الطفل حكم والديه في أحكام الدنيا
قال الدردير (1201 هـ): غير اليهود والنصارى ملة واحدة فيرث بعضهم بعضًا (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)} [الأنفال: 73]. • وجه الاستدلال: أن الكفار لما كان بعضهم وليًا لبعض، فإنهم يتوارثون فيما بينهم إذا كانوا من ملة واحدة. الثاني: عن عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يتوارث أهل ملتين شتى) (¬2). • وجه الاستدلال: أن فيه منع توارث أهل ملتين مختلفتين، وأما أهل الملة الواحدة فيتوارثون (¬3).Rصحة الإجماع في أن أهل الملة الواحدة من الكفار يتوارثون فيما بينهم. [303 - 111] يأخذ الطفل حكم والديه في أحكام الدنيا • المراد بالمسألة: أنَّ الطفل يتبع والديه في أحكام الدنيا، فإذا كان بين أبوين مسلمين فيرثهم، ويرثونه، وإن كان بين مشركين فحكمه أَيضًا حكمهما في الميراث. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن حكم الطفل حكم أبويه إن كانا مسلمين؛ فحكمه حكم أهل الإسلام، وإن كانا مشركين؛ فحكمه حكم أهل الشرك؛ يرثهم ويرثونه، ويحكم في ديته إن قتل حكم دية أبويه] (¬4). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن من أسلم أبوه وأمه جميعًا وهو غير ¬
بالغ؛ فإن الإسلام يلزمه] (¬1) ابن عبد البر (463 هـ) قال: [أجمع علماء المسلمين أن من ولد بين أبوين مسلمين ولم يبلغ حد الاختيار والتمييز؛ فحكمه حكم المسلم المؤمن في الوراثة والصلاة عليه ودفنه بين المسلمين، وأن ديَته إن قتل مثل دية أحدهم] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال السرخسي (483 هـ): فإن ارتد الزوجان معا ثم ولدت منه ثم مات المرتد فلا ميراث لها منه وإن بقي النكاح بينهما، وأما الولد فإنه إن ولدته لأقل من ستة أشهر منذ يوم ارتد فله الميراث, لأنا تيقنا أنه كان موجودًا في البطن حين كانا مسلمين، فكان محكومًا له بالإِسلام، ثم لا يصير مرتدًا بردة الأبوين ما بقي في دار الإسلام، فإن حكم الإسلام يثبت ابتداء بطريق تبعيته الدار فلأن يبقى أولى، وإذا بقي الولد مسلمًا كان من جملة الورثة، فأما إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر منذ يوم ارتد فلا ميراث، ولأن النكاح قائم بينهما وإنما يستند العلوق إلى أقرب الأوقات، وأقرب الأوقات بعد ردتهما، وإذا علق الولد من ماء المرتد ابتداء يكون مرتدًا معهما لأنه إنما يعتبر تبعية الدار في بقاء حكم الإسلام فأما في الابتداء في الدار لا يعارض الأبوين (¬6). قال ابن قدامة (620 هـ): ولو ارتدا جميعًا ولهما أولاد صغار لم يتبعوهم في ردتهم، ولم يرثوا منهم شيئًا، ولم يجز استرقاقهم سواء لحقوهم بدار الحرب أو لم يلحقوهم (¬7). يستند الإجماع إلى ما ورد: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه، كما تنتج الإبل ¬
[304 - 112] إذا عقد المجوسي على ذات محرم وتحاكموا إلينا لم يتوارثا من طريق الزوجية
بهيمة جدعاء جمعاء، هل تحس من جدعاء؟ قالوا: يا رسول اللَّه، أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: (اللَّه أعلم بما كانوا عاملين) (¬1). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّنَ أن حكم الطفل في الدنيا حكم أبويه، فمن كان بين أبوين كافرين ألحق بحكمهما، ومن كان صغيرًا بين أبوين مسلمين ألحق بحكمهما، وتجري أحكام الدين عليهما (¬2).Rصحة الإجماع في أن حكم الطفل حكم أبويه من جهة الميراث إسلامًا وكفرًا. [304 - 112] إذا عقد المجوسي على ذات محرم وتحاكموا إلينا لم يتوارثا من طريق الزوجية • المراد بالمسألة: أن المجوسي (¬3) إذا عقد على ذات محرم ممن يرثها، ثم أسلما، ومات أحدهما، وتحاكموا إلينا فإنه لا يرثها بالزوجية لأنها باطلة في جميع الشرائع، وإنما يرثها بأصل القرابة كأن تكون أمه، أو أخته. • من نقل الإجماع: قال الماوردي (450 هـ): فإن اجتمع فيه عقد نكاح وقرابة سقط التوريث بالنكاح لفساده، وتوارثوا بالقرابة المفردة بالاتفاق (¬4). ابن قدامة (620 هـ): [فصل في ميراث المجوس ومن جرى مجراهم ممن ينكح ذوات المحارم إذا أسلموا وتحاكموا إلينا لا نعلم بين علماء ¬
المسلمين خلافًا في أنهم لا يرثون بنكاح ذوات المحارم، فأما غيره من الأنكحة؛ فكل نكاح اعتقدوا صحته وأقروا عليه بعد إسلامهم توارثوا به، سواء وجد بشروطه المعتبرة في نكاح المسلمين أم لم يوجد، وما لا يقرون عليه بعد إسلامهم لا يتوارثون به، والمجوس وغيرهم في هذا سواء] (¬1). النووي (676 هـ) قال في معرض في كلامه على ميراث المجوسي: [ينكح بعض محارمه. . قال: ولا يرثون بالزوجية بلا خلاف لبطلانها] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4). قال السرخسي (483 هـ): مجوسي مات عن أم وابنة هي أخته لأم، وصورته فيما إذا تزوج المجوسي أمه فولدت له بنتًا ثم مات المجوسي، فقد مات عن أم هي زوجته وعن بنت هي أخته لأمه، فلا ترث الأم بالزوجية شيئًا، ولا الابنة بالأختية لأم, لأن الأخت للأم لا ترث مع الابنة، ولكن للأم السدس باعتبار الأمومة، وللإبنة النصف، والباقي للعصبة، فإن لم يكن له عصبة فالباقي رد عليهما ارباعًا (¬5). قال الدردير (1201 هـ): وحكم بينهم أي بين الكفار بحكم الإسلام إن ترافعوا إلينا فيجب الحكم بينهم، وأما قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42]، فمنسوخ الحكم (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: ¬
[305 - 113] المجوس يرثون بأقرب القرابتين
الأول: قال سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)} [النساء: 23]. • وجه الاستدلال: أن العبرة بما في عقيدتنا إذا تحاكموا إلينا، وفي شريعتنا حرمة نكاح ذوات المحارم، وبطلان جميع ما يترتب عليه. الثاني: أن الأمة أجمعت على الإرث بإحدى الجهتين، فإذا عدمت أحداهما تعينت الأخرى، وجهة الزوجية هنا باطلة، فيرث بالأخرى (¬1).Rصحة الإجماع على عدم توريث المجوسي، إذا عقد على ذات محرم من طريق الزوجية، ويورث من غيرها. [305 - 113] المجوس يرثون بأقرب القرابتين • المراد بالمسألة: أن المجوس إذا نتج عن نكاح المحارم أكثر من قرابه فإنهم يتوارثون بأقرب القرابتين، إن لم تكن إحدى الجهتين حاجبةً للأخرى؛ كأم هي جدة؛ كأن يطأ مجوسي أمه فتلد ولدًا فهي أمه وأم أَبيه؛ فترث بالأمومة لا بالجدودة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن المجوس يرثون بأقرب القرابتين، واختلفوا في الأخرى أيرثون بها أم لا] (¬2) المطيعي (1354 هـ) قال: [إذا أدلى شخص بنسبين أو سببين إلى مورثه، فإنه يورث بكل واحد منهما فرضًا مقدرًا مثل أن يتزوج المجوسي ابنته فأولدها بنتًا فلا ¬
خلاف أنهما لا يورثان بالزوجية] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4). قال الماوردي (450 هـ): إن اجتمع في الشخص الواحد منهم قرابتان بنسب توجب كل واحدة منهما الميراث، فإن كانت إحداهما تسقط الأخرى كأم هي جدة، أو بنت هي أخت لأم، ورثت بابنتها وألغيت المحجوبة منهما إجماعًا، وإن كانت إحداهما لا تسقط الأخرى كأم هي أخت أو أخت هي بنت فقد اختلف الناس هل تورث بالقرابتين معًا أم لا؟ . . . . قال الشافعي: أورثها بأثبت القرابتين وأسقط الأخرى، ولا أجمع لها بين الميراثين (¬5). قال السرخسي (483 هـ): قال عمر وعلي -رضي اللَّه عنهما- في المجوسي إذا كان له قرابتان فإنه يستحق الميراث بهما، ويكون اجتماع القرابتين في شخص واحد كافتراقهما في شخصين، وهو قول علمائنا رحمهم اللَّه، وكان ابن مسعود رضي عنه يقول: لا يرث الواحد بالقرابتين وإنما يرث بالأقرب منهما. . . فإذا تزوج المجوسي ابنته فولد له ولد، وللمجوسي ابنة أخرى، ثم مات المجوسي، ثم مات هذا الولد، فقد مات عن أم هي أخته لأبيه، وعن أخت أخرى لأب، فلو اعتبرنا السببين في حق شخص واحد لكان للأم السدس بالفريضة فتكون حاجبة لنفسها من الثلث إلى السدس وذلك لا يجوز، إذا عرفنا هذا فنقول لما تعذر توريثه بالسببين رجحنا الأقرب منهما لأن الإرث ¬
[306 - 114] الكافر إذا أسلم بعد قسمة التركة لا يرث
ينبني على القرب فيقدم الأقرب من الأسباب على أبعدها (¬1). قال ابن قدامة (620 هـ): والمسائل التي تجتمع فيها قرابتان: . . . مجوسي تزوج ابنته فأولدها بنتًا ثم مات عنهما فلهما الثلثان لأنهما ابنتان، ولا ترث الكبرى بالزوجية شيئًا في قولهم جميعًا (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الأمة أجمعت على الإرث بإحدى الجهتين، فإذا عدمت أحداهما تعينت الأخرى (¬3). الثاني: بأنهما قرابتان، لا يورث بهما في الإسلام، فلا يورث بهما في غيره، كما لو أسقطت إحداهما الأخرى (¬4). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: أحمد (¬5)، وإسحاق (¬6)، فقد ذهبا إلى أن المجوسي يورث من مكانين. وحجتهم ما روي عن: علي وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما-، أنهما قالا في المجوسي: (يورث من مكانيين) (¬7).Rعدم صحة الإجماع على أن المجوسي إذا نكح بعض محارمه ممن يرثهم فإنه يرث بأقرب القرابتين لوجود الخلاف في المسألة. [306 - 114] الكافر إذا أسلم بعد قسمة التركة لا يرث • المراد بالمسألة: أن من لم يرث بسبب كفره، وقسمت التركة ثم أسلم ¬
بعد ذلك فلا شيء له، لأنه غير مخاطب حال تقسيم التركة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن من كان كافرًا ولم يسلم إلا بعد قسمة الميراث؟ فإنه لا يرث قريبه المسلم] (¬1) المطيعي (1254 هـ) قال: [فإن أسلم الكفار أو أعتق العبد بعد قسمة الميراث لم يشاركوا في الإرث بلا خلاف] (¬2). الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال ابن رشد (595 هـ): واختلفوا في الوارث الذي ليس بمسلم يسلم بعد موت مورثه المسلم وقبل قسم الميراث، وكذلك إن كان مورثه على غير دين الإسلام، فقال الجمهور: إنما يعتبر في ذلك وقت الموت، فإن كان اليوم الذي مات فيه المسلم وارثه ليس بمسلم لم يرثه أصلًا سواء أسلم قبل قسم الميراث أو بعده، وكذلك إن كان مورثه على غير دين الإسلام، وكان الوارث يوم مات غير مسلم ورثه ضرورة سواء كان إسلامه قبل القسم أو بعده، وقالت طائفة منهم الحسن وقتادة وجماعة: المعتبر في ذلك يوم القسم (¬6). قال القرافي (684 هـ): قال ابن يونس: إن أسلم قبل القسم أو عتق العبد لا ميراث عند مالك والأئمة لقيام المانع عند الموت، وعن عمر وعثمان -رضي اللَّه عنهما- يرثان نظرًا لعدم القسمة، واتفقوا بعد القسم على عدم التوريث (¬7). قال ابن قدامة (620 هـ): . . . فأما إذا قسمت التركة، وتعين حق كل ¬
[307 - 115] إذا أسلم الكافر قبل قسمة التركة فإنه يرث
وارث، ثم أسلم، فلا شيء له، وإن كان الوارث واحدًا فإذا تصرف في التركة واحتازها كان بمنزلة قسمتها (¬1). قال ابن عابدين (1252 هـ): إذا أسلم الكافر قبل قسمة التركة ورث (¬2) • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يرث المسلم الكافر؛ ولا الكافر المسلم) (¬3). • وجه الاستدلال: أنه نص فى منع التوارث بين المسلم والكافر، والذي أسلم بعد قسم الميراث كان كافرًا قبل استحقاقه. الثاني: ولأن الملك قد إنتقل بالموت إلى المسلمين، فلم يشاركهم من أسلم بعد ما اقتسموا (¬4).Rصحة الإجماع هي أن الكافر إذا أسلم بعد قسمة الميراث فإنه لا يرث شيئًا. [307 - 115] إذا أسلم الكافر قبل قسمة التركة فإنه يرث • المراد بالمسألة: أن من لم يرث بسبب كفره، ولم تقسم التركة، ثم أسلم بعد ذلك فإنه يرث. • من نقل الإجماع: قال الماوردي (450 هـ): فلو مات مسلم وترك ابنًا مسلمًا وابنًا نصرانيًا أسلم، فإن كان إسلام النصراني قبل موت أَبيه ولو بطرفة عين كان الميراث بينهما وهذا إجماع. . . ومن الفقهاء أبو حنيفة ومالك وأكثر الفقهاء. . . أنهم ورثوا من أسلم أو أعتق على ميراث قبل أن يقسم (¬5). ¬
ابن قدامة (620 هـ) قال: [وروى ابن عبد البر، بإسناده في: التمهيد، عن زيد بن قتادة العنبري، أن إنسانًا من أهله مات على غير دين الإسلام، فورثته أختي دوني، وكانت على دينه، ثم إن جدي أسلم، وشهد مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حنينًا، فتوفي، فلبثت، سنة، وكان ترك ميراثا، ثم إن أختي أسلمت، فخاصمتني في الميراث إلى عثمان -رضي اللَّه عنه- فحدثه عبد اللَّه بن أرقم، أن عمر قضى أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم، فله نصيبه، فقضى به عثمان، فذهبت بذاك الأول، وشاركتني في هذا، وهذه قضية انتشرت فلم تنكر فكانت إجماعًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: أحمد في إحدى الروايتين عنه، وإسحاق (¬2). قال القرافي (684 هـ): قال ابن يونس: إن أسلم قبل القسم أو عتق العبد لا ميراث عند مالك والأئمة لقيام المانع عند الموت، وعن عمر وعثمان -رضي اللَّه عنهما- يرثان نظرًا لعدم القسمة (¬3). قال ابن مفلح (884 هـ): لا يرث. . . ولا الكافر المسلم إلا أن يسلم قبل قسم ميراثه فيرثه (¬4). قال ابن عابدين (1252 هـ): قال أحمد: إذا أسلم الكافر قبل قسمة التركة ورث (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كل قسم في الجاهلية؛ فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه الإسلام؛ فإنه على قسم الإسلام) (¬6). ¬
• وجه الاستدلال: أن ما قسم من الأموال حال إسلام الوارث فهو له. الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من أسلم على شيء فهو له) (¬1). • وجه الاستدلال: أن المانع من الإرث قد زال، وهو الكفر، قبل قسمة التركة، فاستحق أن يرث. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، ورواية عند الحنابلة (¬5)، فذهبوا إلى أنه لا يرث، لأن العبرة بوفاة المورث، لا بتقسيم التركة. • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يرث المسلم الكافر؛ ولا الكافر المسلم) (¬6). • وجه الاستدلال: أنه نص في منع التوارث بين المسلم والكافر، والذي أسلم بعد المورث كان كافرًا قبل استحقاقه، لأن العبرة بموت المورث لا بتقسيم التركة. الثاني: ولأن الملك قد انتقل بالموت إلى المسلمين، فلم يشاركهم من أسلم ولو قبل قسمة التركة (¬7).Rعدم صحة الإجماع في أن الكافر إذا أسلم قبل قسمة الميراث إنه يرث شيئًا. ¬
[308 - 116] الأسير يرث إذا مات له قريب ويورث إذا مات هو
[308 - 116] الأسير يرث إذا مات له قريب ويُورث إذا مات هو • المراد بالمسألة: الأسير هو: المسلم الذي يقع في قبضة العدو الكافر (¬1). فالأسير المسلم الذي لدى العدو، يرث إذا علمت حياته، وأما إذا لم تعلم حياته، فتجري عليه أحكام المفقود. • من نقل الإجماع: البغوي (516 هـ) قال: [والأسير في أيدي الكفار إذا مات يورث منه ويرث إذا مات له قريب عند عامة أهل العلم؛ إلا ما حكي عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يورث الأسير] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [ويرث الأسير الذي مع الكفار إذا علمت حياته في قول عامة الفقهاء، إلا سعيد بن المسيب فإنه قال: لا يرث؛ لأنه عبد وليس بصحيح؛ لأن الكفار لا يملكون الأحرار بالقهر فهو باق على حريته؛ فيرث كالمطلق] (¬3). القرطبي (671 هـ) قال: [ولما قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} دخل فيهم الأسير في أيدي الكفار؛ فإنه يرث ما دام تعلم حياته على الإسلام، وبه قال كافة أهل العلم] (¬4). المطيعي (1354 هـ) قال: [إذا مات رجل وخلف ولدًا أسيرًا في أيدي الكفار فإنه يرث ما دام يعلم حياته، وبه قال أهل العلم كافة] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6). ¬
[309 - 117] فعل الكبائر لا يمنع التوارث بين المسلمين
قال القرافي (684 هـ): المفقود أو الأسير. . . وإن مات له قريب حاضر توقفنا في نصيبه حتى نعلم حياة المفقود فيكون المال له، أو يمضي تعميره فيكون مال الميت لورثته دون المفقود وورثته (¬1). قال ابن مفلح (884 هـ): والحاصل أنه متى بان المفقود حيًا يوم موت موروثه فله حقه، والباقي لمستحقه (¬2). قال ابن عابدين (1252 هـ): . . . حتى أن المسلم التاجر أو الأسير لو مات في دار الحرب ورث منه ورثته الذين في دار الإسلام (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قوله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. • وجه الاستدلال: أنه لم يفرق بين الأسير وغيره، فأما إذا لم تعلم حياته فحكمه حكم المفقود. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: سعيد بن المسيب (¬4)، وإبراهيم النخعي (¬5) فقد جاء عن سعيد بن المسيب أنه: (كان لا يورث الأسير) (¬6)، ويذهب إلى أن الأسير المسلم يُسترق.Rصحة الإجماع في أن الأسير يِرِث إذا مات له قريب ويُورث إذا مات هو. [309 - 117] فعل الكبائر لا يمنع التوارث بين المسلمين • المراد بالمسألة: أن المعاصي والكبائر؛ كالزنا والسرقة وشرب الخمر، ¬
ليست من موانع الإرث ما دام أن أصحابها من أهل الإسلام، فإنهم يتوارثون فيما بينهم. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن الولد من الأمة كالولد من الحرة في الميراث ولا فرق في كل ما ذكرنا، وأن البكر كغير البكر، وأن الصغير كالكبير، والفاسق كالعدل، والأحمق كالعاقل، وأنه من كان في بطن أمه بعد ولو بطرفة عين قبل مورثه أنه إن ولد حيًّا ورث] (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [بدليل الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر إذا صلوا إلى القبلة وانتحلوا دعوة الإسلام من قرابتهم المؤمنين الذي أمِنوا بتلك الأحوال] (¬2). ابن تيمية (728 هـ) قال: [ولم يرد نفي جميع الإيمان عن فاعل ذلك بدليل الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر، إذا صلوا إلى القبلة وانتحلوا دعوة الإسلام من قراباتهم المؤمنين الذين ليسوا بتلك الأحوال] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5). قال القرافي (684 هـ) في معاملة مكتسب الحرام كمتعاطي الربا والغلول وأثمان الغصوب والخمور ونحو ذلك. . . القول الرابع يجوز مبايعته وقبول هبته وأكل طعامه في ذلك المال وفيما اشتراه أو وهب له أو ورثه، وإن كان ما عليه من التبعات استغرقه، قال أبو الوليد: فعلى هذا القول ¬
[310 - 118] ما اقتسمه الكفار الحربيون قبل أن يسلموا فهو على قسمتهم
يجوز أن تورث عنه (¬1). • يستند الإجماع إلى: أن أصحاب الكبائر من جملة المسلمين، وتجري عليهم أحكام المسلمين بإجماع العلماء (¬2).Rصحة الإجماع في أن فعل الكبائر لا يمنع التوارث بين المسلمين. [310 - 118] ما اقتسمه الكفار الحربيون قبل أن يسلموا فهو على قسمتهم • المراد بالمسألة: أن الكفار المحاربين إذا اقتسموا الميراث على عقيدتهم قبل أن يسلموا، ثم أسلموا بعد ذلك، فإن القسمة تمضى على ما كانت، ولا يطالبون بنقضها. • من نقل الاتفاق: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن ما اقتسمه الحربيون قبل أن يسلموا فإنه لا يرد] (¬3). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). قال الماوردي (450 هـ): وإذا تحاكم أهل الحرب إلينا في ميراث ميت منهم وله ورثة من أهل الحرب وورثة من أهل العهد وورثة من أهل الذمة لم يورث أهل الذمة منهم كما لا نورثهم من أهل الذمة وقسمنا ميراثه بين أهل ¬
الحرب وأهل العهد مع اتفاق دارهم واختلافها وتباين أناسهم واتفاقها كالروم والترك والهند والزنج (¬1). قال ابن رشد (595 هـ): المعتبر في ذلك يوم القسم وروي ذلك عن عمر بن الخطاب (¬2) قال البهوتي (1051 هـ): أهل الملة الواحدة يتوارثون، وضبط التوريث بالملة والكفر والإسلام دليل على أن الاعتبار به دون غيره (¬3). قال ابن عابدين (1252 هـ): الكفار يتوارثون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم عندنا؛ لأن الكفر كله ملة واحدة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما ورد: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كل قسم في الجاهلية؛ فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه الإسلام؛ فإنه على قسم الإسلام) (¬5). • وجه الاستدلال: أن ما قسم من الأموال قبل الإسلام فهو على قسمه، ويدخل في ذلك المواريث.Rصحة الإجماع في أن ما اقتسمه أهل الجاهلية قبل أن يسلموا فهو على قسمتهم. * * * ¬
الفصل السابع: مسائل الإجماع في ميراث المطلقات
الفصل السابع: مسائل الإجماع في ميراث المطلقات [311 - 119] المطلقة الرجعية ترث زوجها ويرثها • الطلاق في اللغة: الحل والتخلية ورفع القيد (¬1). • وفي الاصطلاح هو: رفع قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص، أو ما يقوم مقامه (¬2). • والطلاق أقسام، ومنه الطلاق الرجعي، وهو: ما يجوز معه للزوج رد زوجته في عدتها من غير استئناف عقد. • والمراد بالمسألة: أنه إذا مات أحد الزوجين في عدة المطلقة طلاقًا رجعيًا والزواج صحيح؛ فإنهما يتوارثان. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن مطلق زوجته طلاقًا يملك فيه رجعتها ثم تُوفِّي قبل انقضاء العدة أن عليها عدة الوفاة وترثه] (¬3). وقال: [وأجمعوا أن من طلق زوجته مدخولًا بها طلاقًا يملك رجعتها وهو صحيح أو مريض فمات أو ماتت قبل أن تنقضي عدتها؛ فإنهما يتوارثان] (¬4). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن المطلقة طلاقًا رجعيًا ترث زوجها ¬
ويرثها ما دامت في العدة] (¬1). وقال: [واتفقوا أن المطلقة طلاقًا رجعيًا في صحة أو مرض، وقد كان وطِئها في ذلك النكاح، ثم مات أحدهما قبل انقضاء العدة؛ أنهما يتوارثان] (¬2). البغوي (516 هـ) قال: [اتفق أهل العلم على أنه لو طلق امرأته طلاقًا رجعيًا، ثم مات أحدهما قبل انقضاء العدة؛ يرثه الآخر] (¬3). العمراني (558 هـ) قال: [فإن كان الطلاق رجعيًا، فمات وهي في العدة، أو ماتت قبله في العدة، ورث أحدهما صاحبه بلا خلاف] (¬4). ابن قدامة (620 هـ) قال: [إذا طلق الرجل امرأته طلاقًا يملك رجعتها في عدتها؛ لم يسقط التوارث بينهما ما دامت في العدة، سواء كان في المرض أو في الصحة، بغير خلاف نعلمه] (¬5). شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) قال: [(وإن كان الطلاق رجعيًا لم يقطعه -أي التوارث- ما دامت في العدة) سواء كان في المرض أو الصحة بغير خلاف نعلمه] (¬6). القرافي (684 هـ) قال: [اتفق الناس أن المطلقة الرجعية ترث وتُوَرث في العدة، وقع الطلاق في المرض أو الصحة] (¬7) ابن تيمية (728 هـ) قال: [هذه المطلقة إن كانت مطلقة طلاقًا رجعيًا ومات زوجها وهي في العدة ورثته باتفاق المسلمين] (¬8). المطيعي (1354 هـ) قال: [إذا طلق الرجل امرأته في مرض موته، وقع الطلاق رجعيًا فمات وهي في العدة أو ماتت قبله، ورث أحدهما صاحبه بلا ¬
خلاف] (¬1). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [. . ويتوارث به الزوجان من الجانبين، وفي عدة الطلاق الرجعي إجماعًا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3). قال السرخسي (483 هـ): من طلق امرأته ثلاثًا في مرضه ثم مات وهي في العدة فإنها ترث بحكم الفرار (¬4). قال البهوتي (1051 هـ): يتوارثان في طلاق رجعي ما دامت في العدة سواء كان في المرض أو الصحة (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قال سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)} [الطلاق: 1 - 2]. • وجه الاستدلال: فيه أمر المطلقة الرجعية بالبقاء في بيت زوجها, لأنها ما زالت زوجة حتى تنتهي عدتها وهي في هذه الحالة ترث لقيام سبب الإرث وهو الزوجية (¬6). الثاني: أن هذا الحكم مروي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ¬
وابن مسعود -رضي اللَّه عنه- وليس لهم مخالف (¬1). الثالث: أن سبب الإرث قائم، وهو الزوجية، ولذلك الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه، ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد، فما دام سبب الزوجية موجودًا فإنهما يتوارثان. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: عبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنه-، فقد ورد عنه أنه قال: (لو كنت أنا لم أورثها) (¬2).Rصحة الإجماع في أن المطلقة طلاقًا رجعيًا يرثها زوجها وترثه. وأما خلاف ابن الزبير -رضي اللَّه عنه- قد رده أهل العلم من أهل التحقيق: قال ابن قدامة: (وما روي عن ابن الزبير إن صح، فهو مسبوق بالإجماع) (¬3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إنما ظهر الخلاف في خلافة ابن الزبير. . وابن الزبير قد انعقد الإجماع قبل أن يصير من أهل الاجتهاد) (¬4). وقال ابن الهمام: (قول ابن الزبير في خلافته: لو كنت أنا لم أورثها، أراد به لعدم علمي إذ ذاك بأن الحكم الشرعي في حقها ذلك، وهو بعد انعقاد الإجماع فيه فلا يقدح فيه، لا يقال: بل على هذا التقرير لم يكن إجماعًا لأنه كان سكوتيًا، وحين قال ابن الزبير ذلك ظهر أن سكوته لم يكن وفاقًا. لأنا نقول: نعم لو كان إذ ذاك فقيهًا لكنه لم يكن في ذلك الزمان من ¬
[312 - 120] الرجعية إن طالت عدتها بأي سبب مباح فإنها ترث
الفقهاء إذ لم يعرف له قبل ذلك فتوى ولا شهرة بفقه، والحكم في ذلك يتبع ظهور ذلك فخلافه كخلاف ابن عباس في مسألة العول) (¬1). [312 - 120] الرجعية إن طالت عدتها بأي سبب مباح فإنها ترث • المراد بالمسألة: سبق بيان أن المطلقة الرجعية ترث زوجها وترثه إذا كانت في العدة، ولو قُدر أن العدة طالت لسبب ما، كحمل، أو رضاع، أو ارتفاع حيض لا تعلم سببه، فإنها ترث؛ لأنها في العدة (¬2). • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [قال مالك عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان قال: كانت عند جدي حبان امرأتان: هاشمية وأنصارية، فطلق الأنصارية وهي ترضع، فمرت بها سنة ثم هلك عنها ولم تحض فقالت: أنا أرثه؛ لم أحض؛ فاختصمتا إلى عثمان بن عفان؛ فقضى لها بالميراث؛ فلامت الهاشمية عثمان فقال: هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا، يعني: علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- ولا أعلم خلافًا في حكم هذه المرأة، ومن كان على مثل حالها ممن ارتفعت حيضتها في هذا المقام من أَجل الرضاع، لا من أَجل ريبة أرتابتها أن عدتها الأقراء، وإن تباعدت إن كانت من ذوات الأقراء، وهو قضاء علي وعثمان في جماعة من الصحابة من غير نكير، وعليه جماعة العلماء، وهو معنى كتاب ¬
اللَّه في المطلقات ذوات الأقراء، وأن عدة كل واحدة منهن ثلاثة قروء إذا كانت حرة، أو قرء إن كانت أمة] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [إذا طلق الرجل امرأته طلاقًا يملك رجعتها في عدتها لم يسقط التوارث بينهما ما دامت في العدة سواء كان في المرض أو الصحة بغير خلاف نعلمه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال العمراني (558 هـ): فإن كان الطلاق رجعيًا، فمات وهي في العدة، أو ماتت قبله في العدة، ورث أحدهما صاحبه بلا خلاف. . . لأن الرجعية حكمها حكم الزوجة إلا في إباحة وطئها فهي كالحائض (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة: 228]. • وجه الاستدلال: أن عدة المطلقة الرجعية ثلاثة قروء، فمتى تحققت انتهت العدة، ومتى لم تتحقق في ذوات القروء فلا تخرج من العدة وإن طالت. الثاني: قوله سبحانه وتعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} [الطلاق: 4]. • وجه الاستدلال: أن المطلقة الرجعية ¬
[313 - 121] لا يتوارث الزوجان فى الطلاق البائن في حال صحة الزوج
إن كانت حاملًا فعدتها بوضع الحمل، طال العمل أم قصر. الثالث: عن محمد بن يحيى بن حبان قال: كانت عند جدي حبانَ امرأتان: هاشمية وأنصارية، فطلق الأنصارية وهي ترضع، فمرت بها سنة ثم هلك عنها ولم تحض فقالت: أنا أرثه؛ لم أحض؛ فاختصمتا إلى عثمان بن عفان؛ فقضى لها بالميراث؛ فلامت الهاشمية عثمان فقال: هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا، يعني: علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- (¬1). • وجه الاستدلال: أن سبب طول المدة هنا معروف وهو: الرضاع، فلما عرف ورثها عثمان -رضي اللَّه عنه- ووافقه على ذلك علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت -رضي اللَّه عنهما- (¬2). الرابع: أن سبب الإرث قائم، وهو الزوجية، ولذلك الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه، ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد، فما دام سب الزوجية موجودًا فإنها ترثه ما دامت في العدة وإن طالت. • الخلاف في المسألة: خالف في أصل هذه المسألة: ابن الزبير -رضي اللَّه عنه- كما نقلت عنه في المسألة السابقة، وخلصت فيه إلى أنَّ خلافه غير معتبر، وجواب أهل العلم عنه (¬3).Rصحة الإجماع في أن المطلقة طلاقًا رجعيًا ترث وإن طالت عدتها. [313 - 121] لا يتوارث الزوجان فى الطلاق البائن في حال صحة الزوج الطلاق البائن هو: رفع قيد النكاح في الحال، وهو على قسمين، الأول: بائن بينونة صغرى، ويكون بالطلقة البائنة الواحدة، وبالطلقتين ¬
البائنتين، أو قبل الدخول، ولو بطلقة واحدة، فهو بينونة صغرى. والثاني: بائن بينونة كبرى، ويكون الطلاق ثلاثًا، سواء كان أصل كل من الثلاث بائنًا أم رجعيًا بالاتفاق (¬1). • والمراد بالمسألة: فإذا طلق الرجل زوجته طلاقًا بائنًا فمات أحدهما في العدة فلا توارث بينهما لانقطاع العلاقة الزوجية. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ): [لا ترث مبتوتة في عدة كانت أو غير عدة وهو قول ابن الزبير وعبد الرحمن طلق امرأته إن شاء اللَّه على أنها لا ترث وأجمع المسلمون أنه إذا طلقها ثلاثًا ثم آلى منها لم يكن موليا وإن تظاهر لم يكن متظاهرا وإذا قذفها لم يكن له أن يلاعنها ويبرأ من الحد وإن ماتت لم يرثها فلما أجمعوا جميعًا أنها خارجة من معاني الأزواج لم ترثه] (¬2). ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن من طلق زوجته ثلاثًا وهو صحيح في كل قرء تطليقة، ثم مات أحدهما أن لا ميراث للحي منهما من الميت] (¬3). الكاساني (587 هـ): [وإن كانت من طلاق بائن أو ثلاث فإن كان ذلك في حال الصحة فمات أحدهما لم يرثه صاحبه سواء كان الطلاق برضاها أو بغير رضاها وإن كان في حال المرض فإن كان برضاها لا ترث بالإجماع وإن كان بغير رضاها فإنها ترث من زوجها عندنا وعند الشافعي لا ترث] (¬4). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وإن طلقها في الصحة طلاقًا بائنًا أو رجعيًا فبانت بانقضاء عدتها لم يتوارثا إجماعًا] (¬5). ¬
شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) قال: [إذا طلق امرأته في صحته طلاقا بائنا أو رجعيًا فبانت بانقضاء عدتها لم يتوارثا إجماعًا] (¬1). القرافي (684 هـ) قال: [واتفقوا أن المطلقة في المرض طلاقًا بائنًا أنها لا تورث، فإن مات زوجها فورثها مالك وأهل العراق مؤاخذة بنقيض قصده كالقاتل، وقال جماعة: لا ترثه، وورثها مالك بعد العدة وإن تزوجت] (¬2). المطيعي (1354 هـ) قال: [وإن كان الطلاق بائنًا فإن ماتت قبل الزوج لم يرثها الزوج، وهو إجماع أَيضًا لا خلاف فيه] (¬3). ويقول: [إذا علق المريض طلاق امرأته ثلاثًا بصفة ثم وجدت تلك الصفة. . ففعلت ذلك في مرض موته لم ترثه قولًا واحدًا] (¬4). وقال: [وإن طلقها في المرض ثم صح ثم مرض ومات، أو طلقها في مرض ثم ارتدت ثم عادت إلى الإسلام ثم مات لم ترثه قولًا واحدًا, لأنه أتت عليها حالة أو مات سقط إرثها فلم يعد] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬6). قال البهوتي (1051 هـ): إذا أَبان الزوج زوجته في صحته لم يتوارثا (¬7). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): من أَبان زوجته في صحته لم يتوارثا لزوال الزوجية التي هي سبب الميراث (¬8) • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)} [الأحزاب: 49]. • وجه الاستدلال: أنها أفادت انقطاع سبب الإرث ¬
[314 - 122] المبتوتة في مرض زوجها المخوف ترثه
وهو الزوجية، حيث نفى عنها العدة (¬1). الثاني: قوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة: 230]. • وجه الاستدلال: لما حرم عليه نكاحها حتى تنكح زوجًا غيره، دل على انقطاع سبب الإرث وهو الزوجية القائمة. الثالث: عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال واللَّه مالك علينا من شيء فجاءت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فقال: (ليس لك عليه نفقة فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك. .) (¬2). • وجه الاستدلال: أن المبتوتة لا نفقة لها، فالأولى أن لا ترث لانقطاع سبب الإرث (¬3).Rصحة الإجماع في أن الطلاق البائن في الصحة لا توارث فيه بين الزوجين. [314 - 122] المبتوتة في مرض زوجها المخوف ترثه • المراد بالمسألة: أن الرجل إذا طلق زوجته طلاقًا بائنًا في مرضه المخوف فمات عنها فإنها ترثه، وذلك لدفع الضرر عنها، وأن طلاقه لها فيه تهمة. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) قال: [إذا طلق المسلم المريض زوجته الأمة والذمية طلاقًا بائنًا، ثم أسلمت الذمية، وعتقت الأمة، ثم مات ¬
في عدتهما، لم ترثاه؛ لأنه لم يكن عند الطلاق فارًا. وإن قال لهما في المرض: إذا عتقت أنت أو أسلمت أنت، فأنتما طالقتان، فعتقت الأمة، وأسلمت الذمية، ومات، ورثتاه؛ لأنه فارٌّ فإن قال لهما: أنتما طالقتان غدًا. فعتقت الأمة، وأسلمت الذمية، لم ترثاه؛ لأنه غير فارٌّ وإن قال سيد الأمة أنت حرة غدًا، وقال الزوج: أنت طالق غدًا، وهو يعلم بقول السيد ورثته؛ لأنه فارٌّ وإن لم يعلم لم ترثه؛ لعدم الفرار، وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي -رضي اللَّه عنهم- ولم أعلم لهم مخالفًا] (¬1)، وقال: [وإن كان الطلاق في المرض المخوف ثم مات من مرضه ذلك في عدتها، ورثته ولم يرثها. . ثم قال: ولنا أن عثمان -رضي اللَّه عنه- ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف، وكان طلقها في مرضه فبتها. . واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر؛ فكان إجماعًا] (¬2). ابن الهمام (681 هـ) قال: [أما الإجماع فلأن عثمان -رضي اللَّه عنه- ورث تماضر بنت الأصبغ بن زياد الكلبية وقيل بنت عمرو بن الشريد السلمية من عبد الرحمن بن عوف لما بت طلاقها في مرضه ومات وهي في العدة بمحضر من الصحابة فلم ينكر عليه أحد فكان إجماعًا وقال ما اتهمته ولكن أردت السنة] (¬3). ابن تيمية (728 هـ) قال في معرض جوابه على سؤال: [عن رجل زوَّج ابنته وكتب الصداق عليه ثم إن الزوج مرض بعد كذلك فحين قوي عليه المرض فقبل موته بثلاثة أيام طلق الزوجة ليمنعها من الميراث، فهل يقع هذا الطلاق؛ وما الذي يجب لها في تركته؟ فأجاب: هذه المطلقة إن كانت المطلقة مطلقة طلاقًا رجعيًا ومات زوجها وهي في العدة ورثته باتفاق المسلمين، وإن كان الطلاق بائنًا كالمطلقة ثلاثًا ورثته أَيضًا عند جماهير ¬
أئمة الإسلام، وبه قضى أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-. . ثم قال: لأن الطلاق واقع بحيث لو ماتت هي لم يرثها هو بالاتفاق] (¬1). ابن القيم (751 هـ) قال: [أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ورثوا المطلقة المبتوتة في مرض الموت حيث يتهم بقصد حرمانها الميراث بلا تردد إن لم يقصد الحرمان لأن الطلاق ذريعة] (¬2). الزيلعي (1021 هـ) قال: أما روي أن عثمان بن عفان ورث تماضر بنت الأصبغ امرأة عبد الرحمن بن عوف وكان قد أبانها في مرضه بمحضر من الصحابة من غير نكير فصار إجماعًا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬4)، والشافعي في القديم (¬5). قال القرافي (684 هـ): فإن مات زوجها فورثها مالك وأهل العراق مؤاخذة له بنقيض قصده كالقاتل (¬6). قال الشيرازي (476 هـ): واختلف قول الشافعي فيمن بتّ طلاق امرأته في المرض المخوف واتصل به الموت فقال في أحد القولين: إنها ترثه لأنه متهم في قطع إرثها فورثت كالقاتل لما كان متهمًا في استعجال الميراث لم يرث (¬7). قال العمراني (558 هـ): وإن كان الطلاق بائنًا. . . وإن مات الزوج قبلها، فهل ترثه؟ فيه قولان: قال في القديم: ترثه، وبه قال عمر بن الخطاب وعثمان وعلي. . . .، ¬
وقال في الجديد: لا ترثه (¬1). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): وإن أبانها في مرض موته المخوف متهمًا بقصد حرمانها لم يرثها وترثه (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن طلحة بن عبد اللَّه بن عوف، أن عثمان -رضي اللَّه عنه-: (ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف، وكان طلقها في مرضه فبتها) (¬3). • وجه الاستدلال: أن عثمان -رضي اللَّه عنه- ورث امرأة عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه- في محضر من الصحابة فلم ينكر أحدٌ فكان إجماعًا. الثاني: أن تطليقها فيه تهمة الإضرار بها، وهو يدل على قصده حرمانها من الإرث، فيعاقب بنقيض قصده، كما يرد قصد القاتل إذا قتل مورثه بحرمانه من الإرث، فترث المرأة حينئذ بسبب الزوجية دفعًا للضرر عنها. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: علي بن أبي طالب (¬4)، وعبد الرحمن بن عوف (¬5)، وعبد اللَّه بن الزبير (¬6)، والحارث بن يزيد العكلي (¬7) -رضي اللَّه عنه-، والشافعي في الجديد، واختاره المزني (¬8)، وداود وابن ¬
[315 - 123] لا يرث الزوج زوجته المبتوتة في مرضه المخوف
حزم الظاهريان (¬1)، فذهبوا إلى أن المبتوتة لا ترث كما أنه لا يرثها، وسواء طلقها وهو مريض أو صحيح). • دليلهم: وحجة المخالفين: أنها بينونة قبل الموت، فقطعت الإرث كالطلاق في الصحة ولا فرق (¬2).Rعدم صحة الإجماع في أن المبتوتة في مرض زوجها المخوف الذي مات فيه ترث، وذلك للخلاف القوي في المسألة. [315 - 123] لا يرث الزوج زوجته المبتوتة في مرضه المخوف • المراد بالمسألة: أن المرأة المبانة من زوجها بينونة كبرى لا يرثها زوجها, ولو ماتت في العدة, لأن التهمة من جهتها غير متصورة، والطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الزوج لا يرثها إن ماتت في العدة، ولا بعد انقضاء العدة إذا طلقها ثلاثًا، وهو صحيح أو مريض] (¬3). وقال: [وأجمعوا على أن المطلقة ثلاثًا لو ماتت لم يرثها المطلق؛ وذلك لأنها غير زوجة] (¬4). العمراني (558 هـ) قال: [وإن كان الطلاق بائنًا، فإن ماتت قبل الزوج، لم يرثها الزوج، وهو إجماع لا خلاف فيه] (¬5). القرافي (684 هـ) قال: [واتفقوا أن المطلقة في المرض طلاقًا بائنًا أنها لا تورث] (¬6). ¬
ابن تيمية (728 هـ) وقد سئل: [عن رجل زوج ابنته وكتب الصداق عليه، ثم إن الزوج مرض بعد ذلك فحين قوي عليه المرض فقبل موته بثلاثة أيام طلق الزوجة ليمنعها من الميراث، فهل يقع هذا الطلاق؟ وما الذي يجب لها في تركته؟ فأجاب: هذه المطلقة إن كانت طلاقًا رجعيًا، ومات زوجها وهي في العدة؟ ورثته باتفاق المسلمين، وإن كان الطلاق بائنًا كالمطلقة ثلاثًا ورثته أَيضًا عند جماهير أئمة الإسلام، وبه قضى أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-. . لأن الطلاق واقع بحيث لو ماتت هي لم يرثها هو بالاتفاق] (¬1). المطيعي (1354 هـ) قال: [إذا طلقها ثلاثًا في مرضه ثم صح ثم مرض ثم مات فإنها لا ترثه قولًا واحدًا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3). قال ابن عابدين (1252 هـ): وكذا ترث طالبة رجعية أو طلاق فقط طلقت بائنًا أو ثلاثًا لأن الرجعي لا يزيل النكاح حتى حل وطؤها، ويتوارثان في العدة مطلقًا وتكفي أهليتها للإرث وقت الموت بخلاف البائن (¬4). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): وإن أبانها في مرض موته المخوف متهمًا بقصد حرمانها لم يرثها (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن: سبب الإرث بينهما غير قائم، وهو الزوجية الصحيحة, والطلاق البائن حلٌّ لعقد الزوجية، فلا ترث فيه (¬6).Rصحة الإجماع في أن المرأة المبانة من زوجها بينونة كبرى، ¬
[316 - 124] الخلع طلاق بائن لا ميراث بينهما
إذا ماتت في العدة فإن زوجها لا يرثها. [316 - 124] الخلع طلاق بائن لا ميراث بينهما • المراد بالمسألة: الخلع هو: بضم الخاء وفتحها لغة: الإزالة مطلقًا، وبضمها شرعًا الإزالة المخصوصة (¬1). وشرعًا: افتداء المرأة نفسها من زوجها على عوض (¬2). والخلع طلقة بائنة، فإذا خالع الرجل زوجته بلفظ الخلع فقد بانت منه بينونة صغرى، لا تحل له إلا بعقد جديد، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن رشد وغيره (¬3). وعليه فلا ترث منه لو مات بعد الخلع وهي في العدة، وأما إذا خالعها بلفظ الطلاق فهذا محل خلاف بين أهل العلم، هل يسمى طلاقًا كما هو مذهب الجمهور، أو فسخًا كما هو مذهب الحنابلة ووافقهم جمع من أهل العلم (¬4)، إلا أن الجميع متفقون على أن الخلع طلقة بائنة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا في المزوجة زواجًا صحيحًا في صحتهما ودينهما واحد، وهما حران أنهما يتوارثان ما لم يقع ¬
طلاق غير رجعي أو فسخ أو خلع] (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [لم يختلفوا أن الخلع طلاق بائن لا ميراث بينهما فيه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال ابن قدامة (620 هـ): قال إبراهيم النخعي: أخذ المال تطليقة بائنة، ونحو ذلك عن الحسن، وعن علي -رضي اللَّه عنه-: من قبل مالًا على فراق فهي تطليقة بائنة لا رجعة له فيها (¬6). قال الزيلعي (743 هـ): الواقع بالخلع وبالطلاق الصريح إذا كان بعوض يكون بائنًا (¬7). قال المرداوي (885 هـ): لو خالعته فهو كطلاق الصحيح، على الصحيح من المذهب (¬8). قال الخطيب الشربيني (977 هـ): الفرقة بلفظ الخلع طلاق (¬9). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن: سبب الإرث بينهما غير قائم، وهو الزوجية الصحيحة، والخلع فرقة حلت عقد الزوجية، فلا تحل له إلا بعقد جديد.Rصحة الإجماع في أن المختلعة لا ترث إذا مات زوجها في العدة؛ إلا إذا نوى الطلاق، وأما خلاف ابن حزم فهو مسبوق بالإجماع على أن الخلع بينونة صغرى. ¬
[317 - 125] إذا لاعن الرجل امرأته انقطع التوارث بينهما
[317 - 125] إذا لاعن الرجل امرأته انقطع التوارث بينهما • المراد بالمسألة: اللعان هو: شهادات تجري بين الزوجين مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن من جانب الزوج وبالغضب من جانب الزوجة (¬1). فإذا تمت شهادات الزوجة لأنها متأخرة عن شهادات الرجل، ولا يكتمل اللعان إلا بها، وحكم بينهما الحاكم (¬2)، فُرق بينهما فرقة أبدية، وينقطع التوارث بين الزوجين بمجرد إنتهاء اللعان. • من نقل الإجماع: العمراني (558 هـ) قال: [إذا قذف امرأته في صحته، ثم لاعنها في مرض موته، لم ترثه قولًا واحدًا] (¬3). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وجملته: أن الرجل إذا لاعن امرأته ونفى ولدها وفرق الحاكم بينهما؛ انتفى ولدها عنه، وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن؛ فلم يرثه هو ولا أحد من عصباته، وترث أمه، وذوو الفروض منه فروضهم، وينقطع التوارث بين الزوجين، لا نعلم بين أهل العلم في هذه الجملة خلافًا] (¬4). المطيعي (1354 هـ) قال: [إذا طلق امرأته في الصحة ثم لاعنها في مرض موته لم ترثه قولًا واحدًا، قال ابن الصباغ: فإنها لا ترثه قولًا واحدًا] (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، وابن حزم من الظاهرية (¬3). قال ابن حزم (456 هـ): وولد الزنا يرث أمه وترثه أمه، ولها عليه حق الأمومية من البر والنفقة والتحريم وسائر حكم الأمهات، ولا يرثه الذي تخلق من نطفته ولا يرثه هو ولا له عليه حق الإبوة لا في بر ولا في نفقة ولا في تحريم ولا في غير ذلك، وهو منه أجنبي ولا نعلم في هذا خلافًا إلا في التحريم فقط (¬4). قال السرخسي (483 هـ): كان علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت يقولان: ولد الملاعنة بمنزلة من لا قرابة له من قبل أَبيه، وله قرابة من قبل أمه، وهو قول الزهري وسليمان بن يسار وبه أخذ علماؤنا والشافعي (¬5). قال النووي (676 هـ): اللعان يقطع التوارث بين الملاعن والولد لانقطاع النسب، وكذا يقطع التوارث بين الولد وكل من يدلي بالملاعن كابيه وأمه وأولاده (¬6). قال الدردير (1201 هـ): لا توارث بين المتلاعنين إذا التعن والتعنت بعده وإلا فيرثها، والحاصل أنه إن حصل اللعان من كل على الترتيب الشرعي لم يرث أحدهما الآخر (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن سهل بن سعد -رضي اللَّه عنه- قال: (مضت السنة في المتلاعنين أن ¬
[318 - 126] ولد الملاعنة لا توارث بينه وبين الذي نفاه
يفرق بينهما لا يجتمعان أبدًا) (¬1). • وجه الاستدلال: أن حكم الملاعنة فيه: قطع العلاقة بين الزوجين، وأنها تحرم عليه على التأبيد، وتكون كالأجنبية في الميراث. الثاني: ويمكن أن يستدل للإجماع أَيضًا، بأن المبتوتة لا ترث زوجها، ولا يرثها، والملاعنة أولى، لكون الحرمة شديدة فهي على التأبيد.Rصحة الإجماع في أن الرجل إذا لاعن امرأته انقطع التوارث بينهما. [318 - 126] ولد الملاعنة لا توارث بينه وبين الذي نفاه • المراد بالمسألة: أن الولد الذي نفاه الرجل باللعان لا صلة بينه وبين النافي، ولا يطالبان بحقوق الأبوة والبنوة، بمعنى أن قرابة الأبوة تنقطع بينهما, ولا يتوارثان؛ لأنهما أجنبيان بسبب اللعان. • من نقل الإجماع: البغوي (516 هـ) قال: [أما الولد الذي نفاه الرجل باللعان؛ فلا خلاف أن أحدهما لا يرث الآخر؛ لأن التوارث بسبب النسب وقد انتفى النسب باللعان، أما نسبه من جهة الأم؛ فثابت ويتوارثان] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أن الرجل إذا لاعن امرأته ونفى ولدها، وفرّق الحاكم بينهما، انتفى ولدها عنه، وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن فلم يرثه هو ولا أحد من عصباته، وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم، وينقطع التوارث بين الزوجين، لا نعلم بين أهل العلم في هذه الجملة خلافًا] (¬3). ابن تيمية (728 هـ) قال: [وبنت الملاعنة لا تباح للملاعن عند عامة ¬
العلماء، وليس فيه إلا نزاع شاذ، مع أن نسبها ينقطع من أبيها, ولكن لو استلحقها للحقته، وهما لا يتوارثان باتفاق الأئمة] (¬1). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [وقد اختلف السلف في معنى إلحاقه بأمه مع اتفاقهم على أنه لا ميراث بينه وبين الذي نفاه] (¬2). الشوكاني (1255 هـ) قال: [لا يرث ابن الملاعنة من الملاعن له، ولا من قرابته شيئًا. . وهو مجمع على ذلك] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4). قال السرخسي (483 هـ): كان علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت يقولان: ولد الملاعنة بمنزلة من لا قرابة له من قبل أَبيه، وله قرابة من قبل أمه، وهو قول الزهري وسليمان بن يسار وبه أخذ علماؤنا والشافعي. . . وإذا مات ولد الملاعنة وترك ابنة وأخا لأم يكون النصف للابنة والباقي للأخ لأم بالعصوبة وتوريث الأخ لأم بدون أن يكون الميت كلالة خلاف النص، ولأن العصوبة أقوى أسباب الإرث والإدلاء بالإناث أقوى أسباب الإدلاء فلا يجوز أن يستحق به أقوى أسباب الإرث وهو العصوبة، وهذا بخلاف الولاء (¬5). قال النووي (676 هـ): اللعان يقطع التوارث بين الملاعن والولد لانقطاع النسب، وكذا يقطع التوارث بين الولد وكل من يدلي بالملاعن كأبيه وأمه وأولاده (¬6). • يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أدلة المسألة السابقة (¬7). ¬
[319 - 127] ولد الملاعنة وأمه يتوارثان
الثاني: عن سعيد بن جبير -رضي اللَّه عنه- قال سألت ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن حديث المتلاعنين فقال قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للمتلاعنين: (حسابكما على اللَّه أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك) (¬1). الثالث: أن نفي الولد يدل على أنه أجنبي عنه، ومعلوم بأن التوارث لا يكون إلا بأحد ثلاثة أسباب، وهي: نكاح، وولاء، ونسب، ولا شيء منها في مسألة الملاعنة (¬2).Rصحة الإجماع في أن ولد الملاعنة لا توارث بينه وبين الذي نفاه. [319 - 127] ولد الملاعنة وأمه يتوارثان • المراد بالمسألة: أن ولد الملاعنة لما كانت نسبته إلى أمه متيقنه، فإنه يرثها وترثه، وأما الأب فلما نفاه انقطعت بينهما قرابة الأبوة، كما مر معنا. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن ولد الملاعنة إذا توفي وخلف أمه وزوجته وولدًا ذكورًا وإناثًا؛ أن ماله مقسوم بينهم على قدر مواريثهم] (¬3). ابن حزم (456 هـ) قال: [وولد الزنا يرث أمه وترثه أمه، ولها عليه حق الأمومية من البر والنفقة والتحريم وسائر حكم الأمهات. . . ولا نعلم في هذا خلافًا إلا في التحريم فقط] (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). قال السرخسي (483 هـ): إذا مات ولد الملاعنة وترك ابنة وأخا لأم يكون النصف للابنة والباقي للأخ لأم بالعصوبة وتوريث الأخ لأم بدون أن يكون الميت كلالة خلاف النص، ولأن العصوبة أقوى أسباب الإرث والإدلاء بالإناث أقوى أسباب الإدلاء فلا يجوز أن يستحق به أقوى أسباب الإرث وهو العصوبة، وهذا بخلاف الولاء (¬4). قال النووي (676 هـ) في ميراث ولد الملاعنة: وأما الولد مع الأم فيتوارثان توارث سائر الأولاد والأمهات (¬5). قال ابن حجر (852 هـ): وجاء عن علي أن ابن الملاعنة ترثه أمه وإخوته منها فإن فضل شيء فهو لبيت المال، وهذا قول زيد بن ثابت وجمهور العلماء وأكثر فقهاء الأمصار (¬6). قال ابن قدامة (620 هـ): اختلف أهل العلم في ميراث الولد المنفي باللعان، فروي عن أحمد فيه روايتان، إحداهما: أن عصبته عصبة أمه، . . . والرواية الثانية: أن أمه عصبته فإن لم يكن فعصبتها عصبته (¬7). قال عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ): والمنفي بلعان: عصبته -بعد ذكور ولده- عصبة أمه في إرث فقط (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: (أن رجلًا لاعن امرأته في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وانتفى من ولدهما؛ ففرق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما وألحق الولد بالمرأة) (¬9). ¬
[320 - 128] ولد الزنا يرث أمه وترثه
• وجه الاستدلال: أنه لما ألحق بأمه جرت عليه جميع الأحكام، ومنها التوارث. الثاني: عن عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده قال: (جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها) (¬1). • وجه الاستدلال: أنه صريح في التوارث بين الملاعنة وابنها.Rصحة الإجماع في أن ولد الملاعنة وأمه يتوارثان. [320 - 128] ولد الزنا يرث أمه وترثه • المراد بالمسألة: أن ابن الزنا لا تنقطع علاقته بأمه، من حيث الانتساب إليها، وجميع الحقوق التي سببها الأمومة والبنوة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [ولد الزنا يرث أمه وترثه أمه ولها عليه حق الأمومية من البر والنفقة والتحريم وسائر حكم الأمهات. . . ولا نعلم في هذا خلافًا] (¬2). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). قال الماوردي (450 هـ): فأما ولد الزنا فحكمه حكم ولد الملاعنة في نفيه عن الزاني ولحوقه بالأم (¬7). قال الجويني (478 هـ): ولد الزنا لا يرث الزاني ولا يرثه الزاني, إذ لا ¬
نسب بينهما، وهو يرث أمه، لم يختلف العلماء فيه، وترثه أمه (¬1). قال العمراني (558 هـ): إذا قذف رجل امرأته بالزنا وانتفى عن نسب ولدها ونفاه باللعان. . . ولا ينقطع التوارث بين الولد والأم, لأنه لا ينتفي عنها، فإن ماتت الأم ورث ولدها جميع مالها إن كان ذكرًا (¬2). قال ابن قدامة (620 هـ): والحكم في ميراث ولد الزنى في جميع ما ذكرنا كالحكم في ولد الملاعنة على ما ذكرنا من الأقوال والاختلاف (¬3). قال القرافي (684 هـ): والتوأمان خمسة أقسام: من الملاعنة والمغتصبة والمتحملة بأمان والمسبية والزانية، وفي الكل قولان: أحدهما: يتوارثان بأنهما شقيقان، وثانيهما: أخوان لأم إلا الزانية فقول واحد أنهما لأم لتعذر الاستلحاق وانتفاء الشبهة (¬4). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): وعصبة ولد الزنا وولد الملاعنة مولى أمهما لأنه لا نسب لهما من قبل الأب، فيكون ولاؤهما لمولى الأم، والمراد بالمولى ما يعم المعتق والعصبة (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر) (¬6). • وجه الاستدلال: أنه ألحق الولد بالفراش، وهي: الأم، وبصاحبه، وهو: الزوج، أو السيد، ولم يجعل للعاهر إلا الحجر (¬7). الثاني: أن سبب التوارث موجود، وهو النسب، فما دام أنه انتسب ¬
[321 - 129] لا توارث بين ولد الزنا وبين الذي تخلق من نطفته
إليها نسبة صحيحة فهي ترثه وهو يرثها. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحسن بن صالح، فذهب أن ولد الزنا عصبته سائر المسلمين, لأن أمه ليست فراشًا؛ بخلاف ولد الملاعنة (¬1).Rصحة الإجماع في أن ولد الزنا يرث أمه وترثه، وأما قول الحسن بن صالح فشاذ، وجمهور الفقهاء على التسوية بين ولد الزنا وولد الملاعنة، وذلك لإنقطاع نسب كل واحد منهما من أَبيه؛ إلا أن ولد الملاعنة يلحق الملاعن إذا استلحقه وولد الزنا لا يلحق الزاني في قول الجمهور (¬2). [321 - 129] لا توارث بين ولد الزنا وبين الذي تخلق من نطفته • ولد الزنا، هو: الولد الذي أتت به أمه من طريق غير شرعي، أو هو ثمرة العلاقة المحرمة (¬3). • والمراد بالمسألة: أن ولد الزنا ينقطع نسبه بينه وبين الزاني الذي تخلق من نطفته، فليس بينهما أحكام الأبوة والبنوة. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [ولد الزنا يرث أمه وترثه أمه. . ولا يرثه الذي تخلق من نطفته ولا يرثه هو، ولا له عليه حق الأبوة لا في بر ولا في نفقة ولا في تحريم ولا في غير ذلك وهو منه أجنبي، ولا نعلم في هذا خلافًا إلا في التحريم فقط] (¬4). الشوكاني (1255 هـ) قال: [لا يرث ابن الملاعنة من الملاعن له، ولا ¬
من قرابته شيئًا، وكذلك ولد الزنا، وهو مجمع على ذلك] (¬1). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). قال الماوردي (450 هـ): فأما ولد الزنا فحكمه حكم ولد الملاعنة في نفيه عن الزاني ولحوقه بالأم (¬6). قال الجويني (478 هـ): ولد الزنا لا يرث الزاني ولا يرثه الزاني, إذ لا نسب بينهما، وهو يرث أمه، لم يختلف العلماء فيه، وترثه أمه (¬7). قال ابن قدامة (620 هـ): والحكم في ميراث ولد الزنى في جميع ما ذكرنا كالحكم في ولد الملاعنة على ما ذكرنا من الأقوال والاختلاف، إلا أن الحسن بن صالح قال: عصبة ولد الزنى سائر المسلمين, لأن أمه ليست فراشًا، بخلاف ولد الملاعنة، والجمهور على التسوية بينهما، لانقطاع نسب كل واحد منهما من أَبيه، إلا أن ولد الملاعنة يلحق الملاعن إذا استلحقه، وولد الزنى لا يلحق الزاني في قول الجمهور (¬8). قال الدردير (1201 هـ) بعد أن ذكر أنه لا توارث بين المتلاعنين. . . واعلم أن توأمي الملاعنة من العمل الذي لاعنت فيه شقيقان على المشهور كالمستأمنة والمسبية، وأما توأما الزانية والمغتصبة فأخوان لأم على المشهور أَيضًا (¬9). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): وعصبة ولد الزنا وولد الملاعنة مولى أمهما لأنه لا نسب لهما من قبل الأب، فيكون ولاؤهما لمولى الأم، ¬
والمراد بالمولى ما يعم المعتق والعصبة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أيما رجل عاهر (¬2) بحرة أو أمة فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث) (¬3). • وجه الاستدلال: ما قاله أبو عيسى الترمذي: (والعمل على هذا عند أهل العلم أن ولد الزنا لا يرث من أَبيه) (¬4). الثاني: عن عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر) (¬5). • وجه الاستدلال: أنه ألحق الولد بالفراش، وهي: الأم، وبصاحبه، وهو: الزوج، أو السيد، ولم يجعل للعاهر إلا الحجر (¬6). الثالث: إلى أن التوارث لا يكون إلا بأحد ثلاثة أسباب، وهي: نكاح، وولاء، ونسب، ولا شيء منها في مسألة ولد الزنا، مع صاحب النطفة. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: الحسن، وابن سيرين، وإبراهيم النخعي، وعروة وسليمان بن يسار (¬7) فذهبوا إلى أن الزاني إذا ألحق الولد به: لحقه، وجرت بينهما أحكام الأبوة والبنوة، ومنها: الميراث، قال ابن قدامة: (وولد الزنا لا يلحق الزاني في قول الجمهور، ¬
[322 - 130] توءما الزنا يتوارثان
وقال الحسن وابن سيرين: يلحق الواطئ إذا أقيم عليه الحد ويرثه، وقال إبراهيم: يلحقه إذا جلد الحد أو ملك الموطوءة، وقال إسحاق: يلحقه وذكر عن عروة وسليمان بن يسار نحوه، وروى علي بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال: (لا أرى بأسًا إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد ولد أمه) (¬1).Rصحة الإجماع في أن ولد الزنا لا توارث بينه وبين الذي تخلق من نطفته. والخلاف المذكور في المسألة هو فيما لو استلحقه وادعاه فيرثه، وأما إذا لم يستلحقه فلا توارث بينهما. [322 - 130] توءما الزنا يتوارثان • المراد بالمسألة: أن الزنا إذا كان ثمرته توأمان، فإنهما أخوان جمعهما رحمٌ واحد، فيتوارثان، ويكون بينهما من الحقوق ما بين الأخوة لأم. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمعوا في توءمي الزانية أنهما يتوارثان على أنهما أخوة لأم، واختلفوا في توءمي الملاعنة] (¬2) السرخسي (490 هـ) قال: [ثم لا خلاف في الولد من الزنى إذا كانا توأما (¬3) أنهما بمنزلة الأخوين لأم في الميراث بمنزلة ما لو كانا غير توأم واختلفوا في ولد الملاعنة] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الشافعية (¬5)، والشوكاني (¬6). قال الماوردي (450 هـ): توأم الزانية لا يرث إلا ميراث أخ لأم بإجماع أصحابنا ووفاق مالك (¬7). قال الجويني (478 هـ): ولا يتوارث ولدا زنا بأخوة الأب باتفاق الأصحاب واللَّه أعلم (¬8). ¬
ابن قدامة (620 هـ) قال: [ولو كان المنفي باللعان توأمين، ولهما ابن آخر من الزوج لم ينفه، فمات أحد التوأمين، فميراث توأمه منه كميراث الآخر، في قول الجمهور. وقال مالك: يرثه توأمه ميراث أخ لأبوين؛ لأنه أخوه لأبويه، بدليل أن الزوج لو أقر بأحدهما لحقه الآخر. وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي -رضي اللَّه عنه- ولنا، أنهما توأمان، لم يثبت لهما أب ينتسبان إليه، فأشبها توأمي الزانية، ولا خلاف في توأمي الزانية، وفارق هذا ما إذا استلحق أحدهما؛ لأنه يثبت باستلحاقه أنه أبوه] (¬1). قال النووي (676 هـ): التوأمان من الزنا لا يتوارثان إلا بأخوة الأم قطعًا (¬2). قال الشوكاني (1250 هـ): لا يرث ابن الملاعنة من الملاعن له ولا من قرابته شيئًا وكذلك لا يرثون منه وكذلك ولد الزنا وهو مجمع على ذلك ويكون ميراثه لأمه ولقرابتها (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر) (¬4). • وجه الاستدلال: أنه لما نفى النسب عن الولد من جهة الأب، أثبته للفراش وهي الأم، فيكون توأما الزنا أخوين من جهة الأم فيتوارثان (¬5). الثاني: أن التوارث لا يكون إلا بأحد ثلاثة أسباب، وهي: نكاح، وولاء، ونسب، وهنا توأمان بينهما نسب، حيث جمعهما رحم واحد.Rصحة الإجماع في أن التوأمان من الزنا يتوارثان. ¬
الفصل الثامن: مسائل الإجماع في القاتل والمبغض والولاء
الفصل الثامن: مسائل الإجماع في القاتل والمبغض والولاء [323 - 131] يصح إقرار الورثة بوارث يشاركهم في الميراث • المراد بالمسألة: دعوى النسب هذه تصح بأربعة شروط: الأول: أن يكون المقر به مجهول النسب. الثاني: أن يصدقه الحس: بأن يكون المقر به محتمل الثبوت من نسب المقر، بأن يكون ممن يولد مثل المقر به لمثل المقر، وذلك في سن تسمح بأن يكون ابنًا للمقر. الثالث: أن يصدقه المقر له في إقراره إن كان أهلًا للتصديق، بأن يكون بالغًا عاقلًا عند الجمهور، ومميزًا عند الحنفية. الرابع: ألا يكون فيه حمل النسب على الغير: سواء كذبه المقر له أو صدقه؛ لأن إقرار الإنسان حجة قاصرة على نفسه، لا على غيره؛ لأنه على غيره شهادة أو دعوى، وشهادة الفرد فيما لا يطلع عليه الرجال غير مقبولة، والدعوى المفردة ليست بحجة، فإذا ثبت جرت عليه جميع أحكام البنوة النسبية، ومنها التوارث بينهما (¬1). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن الرجل إذا قال: هذا الطفل ابني وليس للطفل نسب معروف ينسب إليه؛ أن نسبه يثبت بإقراره] (¬2). وقال: [وأجمعوا على أنه لو أن رجلًا بالغًا من الرجال قال لرجل بالغ آخر: هذا ابني وأقر له البالغ، ولا نسب للمقر به معروف أنه ¬
ابنه، إذا جاز أن يولد لمثله مثله] (¬1). الكاساني (587 هـ): [وأما الإقرار بوارث فالكلام فيه في موضعين أحدهما في حق ثبات النسب، والثاني في حق الميراث، أما الأول فالأمر فيه لا يخلو من أحد وجهين إما أن كان الوارث واحدًا وإما أن كان أكثر من واحد، بأن مات رجل وترك إبنًا فأقر بأخ هل يثبت نسبه من الميت اختلف فيه، قال أبو حنيفة ومحمد لا يثبت النسب بإقرار وارث واحد، وقال أبو يوسف يثبت، وبه أخذ الكرخي رحمه اللَّه وإن كان أكثر من واحد بأن كانا رجلين أو رجلًا وامرأتين فصاعدًا يثبت النسب بإقرارهم بالإجماع. . . وأما في حق الميراث فإقرار الوارث الواحد بوارث يصح ويصدق في حق الميراث بأن أقر الابن المعروف بأخ وحكمه أنه يشاركه فيما في يده من الميراث لأن الإقرار بالأخوة إقرار بشيئين النسب واستحقاق المال والإقرار بالنسب إقرار على غيره، وذلك غير مقبول لأنه دعوى في الحقيقة أو شهادة، والإقرار باستحقاق المال إقرار على نفسه وأنه مقبول ومثل هذا جائز أن يكون الإقرار الواحد مقبولًا بجهة غير مقبول بجهة أخرى كمن اشترى عبدًا ثم أقر أن البائع كان أعتقه قبل البيع يقبل إقراره في حق العتق ولا يقبل في حق ولاية الرجوع بالثمن على البائع فعلى ذلك ها هنا جاز أن يقبل الإقرار بوارث في حق الميراث ولا يقبل في حق ثبات النسب] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وإن أقر جميع الورثة بوارث، أو أقر به الميت ليثبت نسبه منه، ثبت نسبه، سواء كان الورثة واحدًا، أو جماعة، وبهذا قال النخعي، والشافعي، وقال أبو حنيفة، ومالك، وابن أبي ليلى، والحسن بن صالح: لا يثبت نسبه. والمشهور عن أبي يوسف، أنه لا يثبت النسب إلا بإقرار ابنين ذكرين كانا أو أنثيين، عدلين أو غير عدلين. ونحوه عن مالك، وروى ابن اللبان، قال أشعث بن سوار، عن رجل من أهل ¬
المدينة، قال: جاء رجل وأخته إلى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- ومعهما صبي، فقالا: هذا أخبرنا. فقال عمر: لا ألحق بابيكما من لم يقر به. ولنا، أن عبد اللَّه بن زمعة ادعى نسب ولد وليدة أَبيه، وقال: هذا أخي، ولد على فراش أبي. فقبل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قوله، وأثبت النسب به، ولأن الوارث يقوم مقام موروثه، بدليل أنه يثبت باعترافه ما يثبت باعتراف الموروث على نفسه من الدين، وغيره، كذا النسب، ولأن الوارث يخلف الموروث في حقوقه، وهذا منها. ولا خلاف بينهم في وجوب دفع ميراثه إليه، إلا أن يكون المقر به يسقط المقر، كأخ يقر بابن، أو ابن ابن، أو أخ من أب يقر بأخ من أبوين، فإن الشافعي في ظاهر مذهبه أثبت النسب، ولم يورثه؛ لئلا يكون إقرارا من غير وارث، فثبوت ميراثه يفضي إلى سقوط نسبه وميراثه] (¬1). المطيعي (1354 هـ) قال: [. . أحدهما: أن يدعيه واحد ينفرد بدعواه فينظر، فإن كان المدعى رجلًا مسلمًا حرًا لحق نسبه به بغير خلاف بين أهل العلم إذا أمكن ان يكون منه] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: المالكية (¬3). قال الدردير (1201 هـ): واللعان المذكور مانع من سبب الميراث الذي هو الزوجية، فعدم الإرث فيه لانتفاء السبب لا لوجود المانع، إذ المانع بجامع السبب ولا سبب هنا، وأما بين الزوج وولده فمانع للحكم لأنه لو استلحقه ورث (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: أن ثبوت النسب حق للأب، وليس فيه تهمة، ولذلك يلحقه، وأيضًا لأنَّ الإقرار محض نفع للطفل ¬
[324 - 132] إذا ادعت المرأة طفلا مجهولا لا يقبل قولها إلا ببينة
لاتصال نسبه، ولا مضرة على غيره فيه (¬1).Rصحة الإجماع في أنه إذا ادَّعى الرجل طفلًا وقال إنه ابنه وليس للولد نسب معروف فإنه يلحق به إذا كان ممن يولد لمثله (¬2). [324 - 132] إذا ادَّعت المرأة طفلًا مجهولًا لا يقبل قولها إلا ببينة • المراد بالمسألة: أن المرأة في مسائل الإقرار تختلف عن الرجل وذلك صيانة للفراش والأنساب، فلو ادعت المرأة طفلًا مجهولًا فإنه لا يقبل منها الإقرار، ولا تجري عليهما أحكام الأمومة والبنوة والميراث, لأن فيه حمل النسب على الغير؛ إلا ببينة، وهو: تصديق الزوج لها، أو تشهد قابلة على الولادة (¬3). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن المرأة إذا قالت: هذا ابني لم يقبل إلا ببينة ليست بمنزلة الرجل، وانفرد إسحاق وقال: إقرار المرأة جائز] (¬4). وقال: [وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة لو ادَّعت اللقيط وقالت: هو ابنها أن قولها غير مقبول] (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، ¬
والحنابلة (¬1). قال الكاساني: فإن كانت امرأة فادعته أنه ابنها فإن صدقها زوجها أو شهدت لها القابلة أو قامت البينة صحت دعوتها وإلا فلا (¬2). قال الخطيب الشربيني: وإن استلحقته امرأة حرة لم يلحقها في الأصح إلا ببينة وإن كانت خلية لإمكانها إقامة البينة بالولادة من طريق المشاهدة بخلاف الرجل (¬3). قال المرداوي: وإن أقرت به امرأة ألحق بها، هذا المذهب وعليه الأصحاب. . . قال الأصحاب: لا يسري اللحاق إلى الزوج بدون تصديقه أو قيام بينة بولادته على فراشه (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: قوله سبحانه وتعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5]. • وجه الاستدلال: أن دعوى المرأة نسب الطفل دعوى إلى غير أَبيه، وفيه تهمة؛ إلا أن يصدقها. • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: إسحاق ابن إبراهيم الحنظلي (¬5). فذهب إلى صحة إقرار المرأة بنسب الطفل المجهول. • ودليله: وحجته في ذلك: أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في دعوى النسب (¬6).Rصحة الإجماع في أن المرأة إذا ادَّعت طفلًا مجهولًا لا يقبل قولها إلا ببينة؛ وأما خلاف إسحاق فهو شاذ في مقابل الإجماع. ¬
[325 - 133] الولد إذا ولد على فراش رجل فادعاه آخر فإنه لا يلحقه
[325 - 133] الولد إذا ولد على فراش رجل فادَّعاه آخر فإنه لا يلحقه • المراد بالمسألة: أن القاعدة الشرعية في دعوى الاستلحاق أن الولد ينسب إلى الفراش الذي ولد عليه، فلو ادعاه رجل آخر فلا يصدق، ولا يلحق به. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وأجمعت الجماعة من العلماء أن الحرة فراش بالعقد عليها مع إمكان الوطء وإمكان فإذا كان عقد النكاح يمكن معه الوطء والحمل فالولد لصاحب الفراش لا ينتفي عنه أبدًا بدعوى غيره ولا بوجه من الوجوه إلا باللعان] (¬1). وقال: [المسلمون مجمعون أن حكم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين عبد بن زمعة، وسعد بن أبي وقاص حكم صحيح نافذ في تلك القصة بعينها وفي كل ما يكون مثلها] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [وأجمعوا على أنه إذا ولد على فراش رجل فادَّعاه آخر أنه لا يلحقه، وإنما الخلاف فيما إذا ولد على غير فراش] (¬3). شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): [وأجمعوا على أنه إذا ولد على فراش رجل فادعاه أنه لا يلحقه وإنما الخلاف فيما إذا ولد على غير فراش] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6). قال الكاساني في شرحه لحديث: الولد للفراش. . .: أنه جعل كل جنس الولد لصاحب الفراش فلو ثبت نسب ولد لمن ليس بصاحب الفراش لم يكن كل جنس الولد لصاحب الفراش وهذا خلاف النص، فعلى هذا إذا زنى رجل بامرأة فجاءت بولد فادعاه الزاني لم يثبت نسبه منه لانعدام ¬
الفراش، وأما المرأة فيثبت نسبه منها لأن الحكم في جانبها يتبع الولادة (¬1). قال العمراني: إذا تزوج الرجل امرأة وهو ممن يولد لمثله، وأمكن اجتماعهما على الوطء فأتت بولد لمدة العمل لحقه الولد (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص، عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص، أن ابن وليدة زمعة مني، فاقبضه إليك، قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد، وقال: ابن أخي، قد كان عهد إلى فيه، فقام إليه عبد بن زمعة فقال: أخي، وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فتساوقا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال سعد: يا رسول اللَّه، ابن أخي، قد كان عهد إلى فيه، وقال عبد بن زمعة: أخي، وابن وليدة أبي. ولد على فراشه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: هو لك يا عبد بن زمعة، ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الولد للفراش، وللعاهر الحجر، ثم قال لسودة بنت زمعة احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص، قالت: فما رآها حتى لقي اللَّه عز وجل) (¬3). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الولد للفراش، ولم يقبل دعوى سعد بن أبي وقاص؛ في استلحاقه. الثاني: ولأن أحدًا لا يؤخذ بإقرار غيره عليه، وإنما يؤخذ بإقراره على نفسه، ولا يقر أحد على أحد، ولو قبل استلحاق غير الأب لكان فيه إثبات حقوق على الأب بغير إقراره ولا بينة تشهد عليه وهذا مما تأباه نصوص الشريعة العامة (¬4). ¬
[326 - 134] الرجل إذا عقد على امرأة وأمكن وطؤها فجاءت بولد لستة أشهر فأكثر فإن الولد يلحق بالزوج
Rصحة الإجماع في أن الولود إذا ولد على فراش رجل فادَّعاه آخر فإنه لا يلحقه. [326 - 134] الرجل إذا عقد على امرأة وأمكن وطؤها فجاءت بولد لستة أشهر فأكثر فإن الولد يلحق بالزوج • المراد بالمسألة: أن الرجل إذا عقد على امرأة، فأتت المرأة بالولد لستة أشهر من وقت العقد وإمكان الوطء؛ أن الولد لاحق بالزوج. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الرجل إذا نكح المرأة نكاحًا صحيحًا ثم جاءت بعد عقد نكاحها بولد لستة أشهر أو أكثر؛ فالولد به لاحق إذا أمكن وصوله إليها، وكان الزوج ممن يطأ] (¬1). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن العمل يكون من ستة أشهر إلى تسعة أشهر وهو غير سِقْط؛ فإنه لاحق بالذي هو في عصمته الآن] (¬2). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [أجمع علماء المسلمين بأن الولد لا يلحق إلا في تمام ستة أشهر من يوم النكاح] (¬3). ابن رشد (595 هـ) قال: [واتفقوا على أن الولد لا يلحق بالفراش في أقل من ستة أشهر، إما من وقت العقد، وإما من وقت الدخول، وأنه يلحق من وقت الدخول إلى أقصر زمان العمل، أو إن كان قد فارقها واعتزلها] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). قال الكاساني: وإن ولدت لأكثر من ستة أشهر فهو ولد الزوج لأن الزوج له فراش والولد للفراش على لسان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬8). ¬
قال الخطيب الشربيني: ولو نكحت زوجًا آخر بعد انقضاء العدة نكاحًا صحيحًا فولدت لدون ستة أشهر من النكاح الثاني فكأنها لم تنكح أصلًا. . . وإن كان وضعه لستة من أشهر فأكثر منها فالولد وإن أمكن كونه من الأول منسوب للثاني فيلحقه لأن فراشه موجود وهو أقوى لصحة نكاحه ظاهرًا (¬1). قال المرداوي: فيما يلحق من النسب: من أتت امرأته بولد يمكن كونه منه، وهو أن تأتي به بعد ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر) (¬3). • وجه الاستدلال: دلَّ على أن الولد يلحق بالفراش الذي هو الزوج، متى أمكن ذلك، وستة أشهر وقت إمكان لولادة المولود (¬4). الثاني: أن النسب مما يحتاط له، ولم يوجد ما يعارض هذه الولادة، فوجب إلحاقه به (¬5). • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في هذه المسألة عن: الحنابلة في إحدى الروايتين (¬6)، وابن تيمية (¬7)، وابن القيم (¬8)، حيث ذهبوا إلى أن الولد لا يلحق بالزوج ما لم يتحقق الدخول. واستدلوا بالحديث السابق: (الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر) (¬9). ¬
[327 - 135] المرأة إذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم تزويجها أو وطئها فالولد لا يلحق بالزوج، ولا يترتب عليه آثار النسب، ومنها الإرث
• ووجه الاستدلال: أن أهل العرف واللغة لا يعدون المرأة فراشًا قبل الدخول بها، وإذا لم تكن فراشًا لم يصح إلحاقه به (¬1).Rعدم صحة الإجماع في أن الرجل إذا عقد على امرأة وأمكن وطؤها فجاءت بولد لستة أشهر فأكثر أن الولد يلحق بالزوج ولو لم يتحقق الدخول، وذلك لخلاف الحنابلة في إحدى الروايتين والتي اختارها ابن تيمية وابن القيم. [327 - 135] المرأة إذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم تزويجها أو وطئها فالولد لا يلحق بالزوج، ولا يترتب عليه آثار النسب، ومنها الإرث • المراد بالمسألة: أن من أتت بولد لأقل من ستة أشهر من إمكان وطء الزوج لها عند جمهور الفقهاء، أو من بداية العقد عند الحنفية؛ فإنه لا يلحق به، ولا يترتب عليه آثار النسب (¬2). • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن المرأة إذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم عقد نكاحها أن الولد لا يلحق به] (¬3) ابن رشد (595 هـ) قال: [واتفقوا على أن الولد لا يلحق بالفراش في أقل من ستة أشهر، إما من وقت العقد وإما من وقت الدخول، وأنه يلحق من وقت الدخول إلى أقصر زمان العمل، أو إن كان قد فارقها واعتزلها] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). قال الكاساني: ولو زوجها فولدت لأقل من ستة أشهر فهو من المولى ¬
والنكاح فاسد لأنه تبين أنه زوجها وفي بطنها ولد ثابت النسب منه (¬1). قال الخطيب الشربيني: ولو نكحت زوجًا آخر بعد انقضاء العدة نكاحًا صحيحًا فولدت لدون ستة أشهر من النكاح الثاني فكأنها لم تنكح أصلًا. . . وإن كان وضعه لستة من أشهر فأكثر منها فالولد وإن أمكن كونه من الأول منسوب للثاني فيلحقه لأن فراشه موجود وهو أقوى لصحة نكاحه ظاهرًا (¬2). قال المرداوي: (وإن لم يمكن كونه منه مثل أن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها. . . لم يلحقه نسبه بلا نزاع) (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: ما جاء عن أبي عُبيد مولى عبد الرحمن بن عوف، قال: رفعت إلى عثمان امرأة ولدت لستة أشهر، فقال: إنها رفعت إليَّ امرأة -لا أراه إلا قال: وقد جاءت بشر -أو نحو هذا- ولدت لستة أشهر، فقال ابن عباس: أنزل اللَّه سبحانه وتعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف: 15]. وأنزل: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان: 14]، فالفصال في عامين والحمل في ستة أشهر) (¬4). • وجه الاستدلال: أن أقل مدة الحمل هي ستة أشهر، فإذا أتت به لأقل من ستة أشهر من إمكان وطئها فلا يلحق به (¬5).Rصحة الإجماع في أن المرأة إذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم تزويجها أو وطئها فالولد لا يلحق بالزوج. ¬
[328 - 136] إذا جاءت المرأة بولد من زوج غائب في بلد بعيد لا يمكن لقاؤه فالولد لا يلحقه
[328 - 136] إذا جاءت المرأة بولد من زوج غائب في بلد بعيد لا يمكن لقاؤه فالولد لا يلحقه • المراد بالمسألة: أن الزوجة إذا ولدت لرجل غائب عنها في بلد بعيد، وفي مدة لا يمكن أن تحمل منه، فإن الولد لا يلحقه، وذلك لاستحالة أن يكون منه. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن الزوج إذا علم أنه لم يصل إلى الزوجة، وذلك أن يكونا ببلدين بينهما مسافة فيعلم أنهما لم يلتقيا بعد النكاح فجاءت بولد؛ لم يلحق به] (¬1). • الموافقون على الإجماع: المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). قال الشيرازي (476 هـ): وإن لم يمكن اجتماعهما على الوطء بأن تزوجها وطلقها عقيب العقد، أو كانت بينهما مسافة لا يمكن معها الاجتماع انتفى الولد من غير لعان لأنه لا يمكن أن يكون منه (¬5). قال ابن رشد (595 هـ): وشذ أبو حنيفة فقال من وقت العقد، وإن علم أن الدخول غير ممكن حتى أنه إن تزوج عنده رجل بالمغرب الأقصى امرأة بالمشرق الأقصى فجاءت بولد لرأس ستة أشهر من وقت العقد أنه يلحق به إلا أن ينفيه بلعان وهو في هذه المسئلة ظاهري محض لأنه إنما اعتمد في ذلك عموم قوله عليه الصلاة والسلام: "الولد للفراش" وهذه المرأة قد صارت فراشًا له بالعقد فكأنه رأى أن هذه عبادة غير معللة، وهذا شيء ضعيف (¬6). ¬
[329 - 137] زوجة المجبوب ومن قطعت أنثياه إذا ولدت لا يلحق بالزوج
ابن قدامة (620 هـ): أو نزوج المشرقي بمغربية ثم أتت بولد لم يلحقه ولا تنقضي به العدة (¬1). يستند الإجماع إلى الحديث السابق: (الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر) (¬2). • ووجه الاستدلال: أن أهل العرف واللغة لا يعدون المرأة فراشًا إذا حملت في فترة لم يلتق فيها الزوج بزوجته لغيابه، وإذا لم تكن فراشًا لم يصح إلحاقه به (¬3). • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في المسألة عن: الحنفية (¬4). فهم يذهبون إلى أن مجرد العقد يوجب إلحاق الولد، ولو لم يلتقيما مطلقًا، بحيث كان أحدهما بالشرق والآخر بالغرب. • دليلهم: واحتجوا لقولهم بالحديث السابق: (الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر) (¬5). • وجه الاستدلال: قالوا في الحديث إشارة إلى الاكتفاء بقيام الفراش بلا دخول، وأن مجرد العقد يجعل الزوجة فراشًا صحيحًا (¬6).Rعدم صحة الإجماع في أن المرأة إذا جاءت بولد من زوج غائب في بلد بعيد لا يمكن لقاؤه فالولد لا يلحقه. [329 - 137] زوجة المجبوب ومن قطعت أنثياه إذا ولدت لا يلحق بالزوج • المراد بالمسألة: أن زوجة المجبوب، وهو: مقطوع الذكر أو الأنثيين (¬7)، إذا ولدت له، فإن الولد لا يلحق به، وذلك لما جرت العادة أن ¬
مثله لا يولد له. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أنها إن جاءت بولد ممن قطع ذكره أو أنثياه؛ لم يلحق به الولد] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). قال ابن قدامة (620 هـ): وكذلك إذا طلق الخصي المجبوب امرأته أو مات عنها فأتت بولد لم يلحقه نسبه، ولم تنقض عدتها بوضعه، وتنقضي به عدة الوطء، ثم تستأنف عدة الطلاق أو عدة الوفاة (¬4). قال الخطيب الشربيني (977 هـ): وكذا لو مات ممسوح وهو المقطوع جميع ذكره وأنثييه عن حامل فتعتد بالأشهر لا بالوضع، وعلل ذلك بقوله إذ لا يلحقه ولد على المذهب لأنه لا ينزل (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن: المجبوب لا يُنزل المني أصلًا، وأيضًا لم تجر العادة بأن يخلق له ولد (¬6). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: الحنفية (¬7)، والشافعي في أحد قوليه (¬8)، والقاضي من الحنابلة (¬9). وذهبوا إلى: أن امرأة المجبوب إذا أتت بولد يلحق به ويثبت النسب. • دليلهم: والحجة التي ذهبوا إليها هو توهم شغل رحمها بمائه بالسحق، ¬
[330 - 138] الولد من وطء الشبهة يلحق نسبه بأبيه ويتوارثان
وكذلك الأنساب مما يحتاط لها (¬1).Rعدم صحة الإجماع في أن المرأة إذا جاءت بولد من زوج لها قطع ذكره أو أنثياه أنه لا يلحق الولد بالزوج، وذلك لخلاف الحنف ومن وافقهم. [330 - 138] الولد من وطء الشبهة يلحق نسبه بأبيه ويتوارثان • المراد من المسألة: أن الرجل إذا عقد على من لا يجوز العقد عليها وكان جاهلًا بذلك، فاتت المرأة بالولد لستة أشهر من وقت العقد وإمكان الوطء؛ أن الولد لاحق بالزوج، ويتوارثان، إلا إذا كانت ممن تحرم عليه؛ كأخته. • من نقل الاتفاق: ابن تيمية (728 هـ) قال: [فمن طلق امرأته ثلاثًا ووطئها يعتقد أنه لم يقع به الطلاق؛ إما لجهله، وإما لفتوى مفتٍ مخطئ قلده الزوج، وأما لغير ذلك؛ فإنه يلحقه النسب ويتوارثان بالاتفاق، بل ولا تحسب العدة إلا من حين ترك وطئها، فإنه كان يطؤها يعتقد أنها زوجته؛ فهي فراش له؛ فلا تعتد منه حتى تترك الفراش] (¬2). وقال: [فهؤلاء الذين وطئوا وجاءهم أولاد، لو كانوا قد وطئوا في نكاح فاسد متفق على فساده، وكان الطلاق وقع بهم باتفاق المسلمين، وهم وطئوا يعتقدون أن النكاح باق لإفتاء من أفتاهم أو لغير ذلك؛ كان نسب الأولاد بهم لاحقًا، ولم يكونوا أولاد زنا بل يتوارثون باتفاق المسلمين هذا في المجمع على فساده؛ فكيف في المختلف في فساده] (¬3). وقال: [وكذلك المسلم الجاهل لو تزوج امرأة في عدتها كما يفعل جهال الأعراب ووطئها يعتقدها زوجة؛ كان ولده منها يلحقه نسبه، ويرثه باتفاق المسلمين، ومثل هذا كثير] (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). قال السرخسي (483 هـ): ولو أن أخوين تزوجا أختين فأدخلت امرأة كل واحد منهما على أخيه فوطئها فعلى كل واحد من الواطئين مهر مثل الموطوأة، وعليها العدة، ولا يطأ واحد منهما امرأته حتى تحيض عنده ثلاث حيض لأن كل واحد منهما وطيء امرأة أخيه بشبهة. . . . ولو ولدت كل واحدة منهما ولدًا فإن الولد يلزم الذي وطيء إذا جاءت به لستة أشهر أو أكثر ما بينها وبين أربع سنين ما لم تقر بانقضاء العدة، وهذا الجواب بناء على قول أبي يوسف ومحمد رحمهم اللَّه، فأما عند أبي حنيفة فيثبت نسب ولدها من الزوج لأن فراشه صحيح وفراش الواطيء فاسد (¬4). قال الخطيب الشربيني (977 هـ): لو اشتبه الحمل فلم يدر أمن الزوج هو أم من الشبهة جدّد النكاح قبل وضع الحمل وبعده، بأن يجدده مرتين مرة قبل الوضع ومرة بعده ليصادف التجديد عدته يقينًا، فلا يكفي تجديده مرة لاحتمال وقوعها في عدة غيره، فإن بان بإلحاق القائف أنه وقعت في عدته اكتفى بذلك، وللحامل المشتبه حملها نفقة مدة الحمل على زوجها إن ألحق القائف الولد به (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: أن الأنساب يحتاط لها، ووطء الشبهة خطأ يغتفر فيه ما يحصل عنه من الثمرة. الثالث: ولأنه وطء اعتقد الواطئ حله، فلحق به النسب، قال الإمام أحمد: كل من درأت عنه الحد في وطء ألحقت الولد به (¬6). ¬
[331 - 139] اللقيط حر وليس لمن التقطه ولاؤه
Rصحة الإجماع في أن الولد من وطء الشبهة يلحق نسبه بابيه ويثوارثان. [331 - 139] اللقيط حرَّ وليس لمن التقطه ولاؤه • اللقيط هو: الوليد الذي يوجد ملقى على الطريق لا يعرف أبواه (¬1). فاللقيط حر، فإذا مات وخلف مالًا فهو للمسلمين، وليس لأحد، لا الملتقط ولا غيره، ولاءه عليه. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن اللقيط حرٌّ، وليس لمن التقطه أن يسترقَّه، وانفرد إسحاق فقال: ولاء اللقيط للذي التقطه] (¬2)، وقال: [وأجمعوا أن اللقيط حر] (¬3). ابن حزم (456 هـ) قال: [أجمعوا أن اللقيط إذا أقر ملتقطه بحريته؛ فإنه حر] (¬4). البغوي (516 هـ) قال: [وذهب عامة أهل العلم إلى أن الملتقط لا ولاء له على اللقيط؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يثبت الولاء إلا للمعتق، وكان إسحاق بن راهويه يجعل ولاء اللقيط لملتقطه] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6)، المالكية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وابن حزم من الظاهرية (¬9). قال ابن حزم (456 هـ): واللقيط حر ولا ولاء عليه لأحد لأن الناس ¬
كلهم أولاد آدم وزوجه حواء عليه السلام، وهما حران، وأولاد الحرة أحرار بلا خلاف من أحد فكل أحد فهو حر (¬1). قال الموصلي (683 هـ) في كتاب اللقيط: وهو حر تبعًا للدار ولأن الأصل في بني آدم الحرية (¬2). قال البهوتي (1051 هـ): اللقيط حر في جميع أحكامه حتى في قذف وقود لأنها الأصل في الآدميين، فإن اللَّه خلق آدم وذريته أحرارًا وإنما الرق لعارض، فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل (¬3). قال الدردير (1201 هـ): وهو أي اللقيط حر أي محكوم بحريته شرعًا، ولو أقر اللقيط برقيته لأحد ألغي إقراره سواء التقطه حر أو عبد أو كافر، وإنما حكم بحريته لأن الأصل في الناس الحرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (الولاء لمن أعتق) (¬5). • وجه الاستدلال: أن الإرث لا يستحقه إلا لمن له الولاء، وهو المعتق، واللقيط حر، لا ولاء لأحد عليه. الثاني: عن سنين أبي جميلة أنه وجد منبوذًا في زمان عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: فجئت به إلى عمر فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها. فقال عريفه: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال: كذلك؟ قال: نعم. قال عمر: اذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته) (¬6). ¬
• وجه الاستدلال: أن قوله (لك ولاؤه) أي: أنت الذي تتولى تربيته والقيام بأمره، وهذه ولاية الإسلام لا ولاية العتق. واحتجوا لهذا بالحديث السابق: (الولاء لمن أعتق) وهذا ينفى أن يكون الولاء للملتقط؛ لأن أصل الناس الحرية (¬1). الثالث: أن الأصل في بني آدم الحرية، وأن اللَّه خلق آدم وذريته أحرارًا، والرق لعارض والأصل عدمه (¬2). • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف عن: أحمد في إحدى الروايتين (¬3)، والنخعي (¬4)، وإسحاق (¬5)، وابن تيمية (¬6)، وابن القيم (¬7). فقد ذهبوا إلى: أن اللقيط حر؛ إلا النخعي فيما يروى عنه -وأن الالتقاط سبب من أسباب الإرث، وأن الملتقط أولى بالتركة من بيت المال. • ودليلهم ما يلي: الأول: عن واثلة بن الأسقع -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (تحوز المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت فيه) (¬8). • وجه الاستدلال: فيه أن المرأة تحوز ميراث لقيطها، دل ذلك على أن لها الولاء عليه. الثاني: قال أبو جميلة: وجدت منبوذًا، فلما رآني عمر -رضي اللَّه عنه-: (عسى الغوير أبؤسًا، كأنه يتهمني! قال عريفي: إنه رجل صالح، قال: كذاك! ¬
اذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته) (¬1). • ووجه الاستدلال منه: أنه صريح في جعل ولاءه لمن التقطه، وهو تربيته، لأنه عبر عنه أولًا بأنه حرٌ. الثالث: أن هذا أولى من أن نجعله في بيت المال؛ لأن بيت المال ينتفع به عامة المسلمين، لكن هذا ينتفع به الواجد الذي تعب عليه وحضنه، وربما يكون هو السبب في تحصيل المال. الرابع: لا يلزم من الإرث أن يكون بسبب الولاء، فكما أنه يكون بسبب الولاء، والنكاح، كذلك يكون بسبب الالتقاط.Rعدم صحة الإجماع في أنه ليس للملتقط حق في ميراث اللقيط، وذلك للخلاف في المسألة. * * * ¬
الفصل التاسع: مسائل الإجماع في ميراث الإقرار بمشارك
الفصل التاسع: مسائل الإجماع في ميراث الإقرار بمشارك [332 - 140] الأسباب المانعة من الإرث ثلاثة: رق، وقتل، واختلاف دين • المراد بالمسألة: أن لعدم الإرث موانع ثلاثة، وهي: الرق، والقتل، واختلاف الدين بين الوارث والمورث، فإذا وجد واحد منها امتنع التوارث. • من نقل الإجماع: ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمع المسلمون على أن. . والأسباب التي تمنع التوارث ثلاثة: رق، وقتل، واختلاف دين] (¬1). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [. . أي من موانع الإرث الثلاثة اختلاف الدين. . والثاني الرق، والثالث القتل، ولا نزاع في المنع بهما] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والشوكاني (¬6)، والصنعاني (¬7). قال الجويني (478 هـ): اختلاف الدين إسلامًا وكفرًا، يمنع التوارث من الجانبين، فلا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر وهذا مذهب معظم العلماء. . . . والعبد لا يرث ولا يورث فإنه على الصحيح لا يملك. . . . والقاتلون. . . ولا فرق بين أن يقع القتل بسبب أو مباشرة، كل ذلك يوجب حرمان الميراث. . . . ومن عمي موته، إذا مات اثنان معًا، لم يتوارثا، وإذا ماتا ولم يُدر أماتا معًا أم تقدم موت أحدهما على موت الثاني فلا توارث ¬
بينهما (¬1). قال الموصلي (683 هـ): قد ذكرنا أن الموانع من الإرث: الرق، والقتل، واختلاف المحلتين والدارين حكمًا (¬2) قال الدردير (1201 هـ): ولا يرث رقيق. . . ولا يرث قاتل عمد. . . ولا مخالف في دين. . . ولا من جُهل تأخر موته (¬3). قال الشوكاني (1250 هـ): والحاصل أن أحاديث الباب قاضية بأنه لا يرث المسلم من الكافر من غير فرق بين أن يكون حربيًا أو ذميًا أو مرتدا فلا يقبل التخصيص إلا بدليل. . . وأورد باب ان القاتل لا يرث وذكر حديث عمرو بن شيب قوله: "لا يرث القاتل شيئا" استدل به من قال بان القاتل لا يرث سواء كان القتل عمدًا أو خطأ وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأكثر أهل العلم قالوا: ولا يرث من المال ولا من الدية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: قوله سبحانه وتعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)} [النحل: 75]. • وجه الاستدلال: أن في هذه الآية نفى قدرة العبد المملوك على ملك شيء، والإرث شيء (¬5). الثاني: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبدًا وله مال، فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع) (¬6). • وجه الاستدلال: فيه أن السيد أحق بمنافع عبده وأكسابه في حياته، ¬
[333 - 141] العبد لا يرث شيئا ولا يورث وماله لسيده
فكذلك بعد مماته (¬1). الثالث: وعن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ليس للقاتل شيء، وإن لم يكن له وارث فوارثه أقوب الناس إليه، ولا يرث القاتل شيئًا) (¬2). • وجه الاستدلال: فيه أن القاتل لا يرث شيئًا، لأنه استعجل الميراث قبل أوانه، فيعاقب بنقيض قصده، وهذه النصوص لم تفرق بين العمد والخطأ والبالغ والصغير، وعن المضمون وغير المضمون، ولأنه معنى أسقط إرثه من الدية، فأسقط إرثه من المال، كالرق والردة، وعكسه الجنون والصغر (¬3). الرابع: وعن أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم) (¬4). • وجه الاستدلال: فيه حجة على منع التوارث بين المسلم والكافر.Rصحة الإجماع في أن الأسباب المانعة من الإرث ثلاثة: رق، وقتل، واختلاف دين. [333 - 141] العبد لا يرث شيئًا ولا يورث وماله لسيده • المراد بالمسألة: أن العبد لما كان مالًا باعتبار؛ فإنه لا يرث شيئًا، وما تركه من مال فهو لسيده. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ) قال: [وليس للملوك مال إنما المال للسيد ولسيده أن يأخذه من كل مملوك له أم ولد أو مدبر أو غيرهما ¬
ما خلا المكاتب فإنه محول دون رقبته وماله، وما كان للسيد أن يأخذه فلغرمائه أن يأخذوه ويأخذه السيد مريضا وصحيحا ولو مات قبل أن يأخذه كان مالا من ماله موروثا عنه! إذا عقلنا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبإجماع المسلمين أن له أن يأخذ أموالهم أحياء فقد عقلنا عنه ثم عنهم أنه لا يأخذ إلا ما كان مالكا وما كان مالكا فهو موروث عنه] (¬1). الماوردي (450 هـ) قال: [العبد لا يرث ولا يورث فإذا مات العبد كان ماله لسيده ملكًا ولا حق فيه لأحد من ورثته، وهذا إجماع] (¬2). ابن حزم (456 هـ) قال: [والعبد لا يرث ولا يورث ماله كله لسيده هذا ما لا خلاف فيه] (¬3). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [وأجمعوا على أن العبد والكافر لا يرثان. .] (¬4). ابن قدامة (620 هـ) قال: [لا أعلم خلافًا في أن العبد لا يرث] (¬5) وقال: [وأجمعوا على أن المملوك لا يورث] (¬6). البهوتي (1051 هـ) قال: [وأجمعوا على أن المملوك لا يورث لأنه لا مال له فيورث لأنه لا يملك] (¬7). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشوكاني (¬10)، ¬
[334 - 142] الأمة لا ترث ولا تورث ومالها لسيدها
والصنعاني (¬1). قال ابن رشد (595 هـ): من لا يرث لا يحجب مثل الكافر والمملوك والقاتل عمدًا (¬2). قال النووي (676 هـ): المانع الثاني: الرق، فلا يرث رقيق وإن عتق قبل القسمة، ولا يورث رقيق إذ لا ملك له (¬3). قال البهوتي (1051 هـ): والمدبر والمكاتب وأم الولد ومن علق عتقه بصفة ولم توجد لا يرثون، ولا يورثون، لأن فيهم نقصًا منع كونهم وارثين فمنع كونهم موروثين (¬4). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): ولا يرث أربعة: المملوك. . . (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما سبقت الإشارة إليه من الأدلة في المسألة السابقة من حيث العموم (¬6).Rصحة الإجماع في أن العبد لا يرث ولا يورث، وما تركه فلسيده. [334 - 142] الأَمَةُ لا ترث ولا تورث ومالها لسيدها • المراد بالمسألة: أن الأمة كالعبد في أن مالها لسيدها، فلا ترث ولا تورث. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [اتفقوا أن الأَمَةَ في هذا كالعبد] (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والشوكاني (¬5)، والصنعاني (¬6). قال ابن رشد (595 هـ): من لا يرث لا يحجب مثل الكافر والمملوك. . . (¬7). قال النووي (676 هـ): المانع الثاني: الرق، فلا يرث رقيق وإن عتق قبل القسمة، ولا يورث رقيق إذ لا ملك له (¬8). قال المرداوي (885 هـ): لا يرث العبد (¬9). قال البهوتي (1051 هـ): والمدبر والمكاتب وأم الولد ومن علق عتقه بصفة ولم توجد لا يرثون، ولا يورثون، لأن فيهم نقصًا منع كونهم وارثين فمنع كونهم موروثين (¬10). قال عبد الغني الميداني (1298 هـ): ولا يرث أربعة: المملوك. . . (¬11). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما سبقت الإشارة إليه من الأدلة في المسألة السابقة من حيث العموم (¬12).Rصحة الإجماع في أن الأمة لا ترث ولا تورث، وما تركته فلسيدها (¬13). ¬
[335 - 143] القاتل المتعمد لا يرث من مال من قتله
[335 - 143] القاتل المتعمد لا يرث من مال من قتله • المراد بالمسألة: أن القتل مانع من موانع الإرث، والنصوص الواردة في منع القاتل جاءت عامة، ولذلك يحمل على القاتل المتعمد غير الصبي والمجنون، فيمنع من الميراث معاملة له بنقيض قصده لأنه استعجل الميراث قبل أوانه، فعوقب بحرمانه. • من نقل الإجماع: مالك بن أنس (179 هـ) قال: [الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه: أن قاتل العمد لا يرث من دية من قتل شيئا، ولا من ماله، وأن الذي يقتل خطأ لا يرث من الدية شيئا، وقد اختلف في أن يرث من ماله] (¬1). الشافعي (204 هـ) قال: [ولم أسمع اختلافا في أن قاتل الرجل عمدا لا يرث من قتل من دية ولا مال شيئا، ثم افترق الناس في القاتل خطأ] (¬2). ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن القاتل عمدًا لا يرث من مال من قتله ولا من ديته شيئًا] (¬3). الماوردي (450 هـ) قال: [لا اختلاف بين الأمة أن قاتل العمد لا يرث عن مقتوله شيئًا من المال ولا من الدية] (¬4). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أنه لا يرث قاتل عمدًا بالغ ظالم عالم بأنه ظالم من الدية خاصة، واختلفوا فيما عدا ذلك، وروينا عن الزهري أن القاتل عمدًا يرث من المال لا من الدية] (¬5). البغوي (516 هـ) قال: [القاتل لا يرث. . والعمل عليه عند عامة أهل العلم، أن من قتل مورثه لا يرث عمدًا كان القتل أو خطأ من صبي أو مجنون أو بالغ عاقل] (¬6). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أن القاتل ¬
عمدًا ظلمًا لا يرث من المقتول] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئًا إلا ما حكي عن سعيد بن المسيب وابن جبير أنهما ورثاه، وهو رأي الخوارج] (¬2) القرطبي (671 هـ) قال: [وكذلك لم يدخل القاتل عمدًا لأبيه أو جده أو أخيه أو عمه بالسنة وإجماع الأمة، وأنه لا يرث من مال من قتله ولا من ديته شيئًا] (¬3). القرافي (684 هـ) قال: [واتفق العلماء أن قاتل العمد لا يرث من المال ولا من الدية، وأن قاتل الخطا لا يرث من الدية] (¬4). ابن تيمية (728 هـ) قال: [وأما الوارث كالأب وغيره إذا قتل مورثه عمدًا فإنه لا يرث شيئًا من ماله، ولا ديته باتفاق الأئمة، بل تكون ديته كسائر ماله يحرمها القاتل أبًا كان أو غيره، ويرثها سائر الورثة غير القاتل] (¬5). وقال: [ولهذا لو كان الميت مسلمًا وهؤلاء كفارًا لم يرثوا باتفاق المسلمين، وكذلك لو كان كافرًا وهؤلاء مسلمين لم يرثوا حرًّا وهم عبيد، وكذلك القاتل عمدًا عند عامة المسلمين، وكذلك القاتل خطأ من الدية، وفي غيرها نزاع] (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الشوكاني (¬7). قال الشوكاني (1250 هـ): القاتل لا يرث سواء كان القتل عمدًا أو خطأ وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأكثر أهل العلم (¬8). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (القاتل لا يرث) (¬1). • وجه الاستدلال: فيه التصريح بأن القاتل مطلقًا يمنع من الميراث، وخصه بعض أهل العلم بالمتعمد، للخلاف في المخطئ (¬2). الثاني: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قام يوم فتح مكة فقال: (المرأة ترث من دية زوجها وماله، وهو يرث من ديتها ومالها ما لم يقتل أحدهما صاحبه، فإذا قتل أحدهما صاحبه عمدًا؛ لم يرث من ديته وماله شيئًا، وإن قتل أحدهما صاحبه خطأ؛ ورث من ماله ولم يرث من ديته) (¬3). • وجه الاستدلال: أن فيه منع القاتل المتعمد من الإرث من مال ودية المقتول شيئًا. الثالث: وعن سعيد بن المسيب قال: (قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يرث قاتلٌ من قتل قريبه شيئًا من الدية عمدًا أو خطأ) (¬4). • وجه الاستدلال: فيه منع القاتل المتعمد وغير المتعمد من الإرث. • الخلاف في المسألة: ورد الخلاف في المسألة أيضًا عن: سعيد بن ¬
المسيب، وسعيد بن جبير، وجاء أيضًا عن الزهري أنه ورث: القاتل عمدًا من المال لا من الدية (¬1). • دليلهم: وحجة ما ذهبوا إليه: استصحاب حاله قبل القتل، فما دام أنه يرث قبل القتل، فيبقى وارثًا بعد القتل (¬2). • والجواب عن المخالفين للإجماع بالتالي: أولًا: عد العلماءُ خلافهم شذوذًا، قال ابن قدامة: (ولا تعويل على هذا القول؛ لشذوذه، وقيام الدليل على خلافه) (¬3). ثانيًا: الرواية عن سعيد بن المسيب غير صحيحة، بل ثبت ما يدل على أنه لا يورث القاتل شيئًا، فعن ابن أبي ذئب قال: سألت ابن شهاب عن القاتل يرث شيئًا، فقال: (قال سعيد بن المسيب: مضت السنة أن القاتل لا يرث شيئًا) (¬4). وأما الرواية عن سعيد بن جبير، فلقد روى هو بنفسه عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: (أن رجلًا قتل أخاه خطًا، فسئل عن ذلك ابن عباس؟ فلم يورثه، وقال: لا يرث قاتل شيئًا) (¬5). ثالثًا: انعقد إجماع الصحابة على أن قاتل العمد لا يرث شيئًا، وهو مروي عن عمر، وعلي، وابن عباس، وغيرهم، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه أنكر، فكان إجماعًا، وخلاف هؤلاء متأخر (¬6). رابعًا: ولأن توريث القاتل يفضي إلى تكثير القتل؛ لأن الوارث ربما ¬
[336 - 144] القاتل العمد لا يرث من دية من قتله
استعجل موت موروثه، ليأخذ ماله، كما فعل الإسرائيلي الذي قتل عمه، فأنزل اللَّه سبحانه وتعالى فيه قصة البقرة. وقيل: ما ورث قاتل بعد عاميل، وهو اسم القتيل (¬1).Rصحة الإجماع في أن القاتل المتعمد لا يرث من مال من قتله. [336 - 144] القاتل العمد لا يرث من دية من قتله • المراد بالمسألة: أن القاتل المتعمد، إذا عفي عنه قصاصًا، وطولب بالدية، فإنه لا يرث من دية المقتول، إن كان ممن يرثه قبل المانع، وذلك لأن القتل مانع من موانع الإرث. • من نقل الاتفاق: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن القاتل عمدًا لا يرث من مال من قتله ولا من ديته شيئًا] (¬2). الماوردي (450 هـ) قال: [لا اختلاف بين الأمة أن قاتل العمد لا يرث عن مقتوله شيئًا من المال ولا من الدية] (¬3). ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أنه لا يرث قاتل عمدًا بالغ ظالم عالم بأنه ظالم من الدية خاصة. .] (¬4). القرافي (684 هـ) قال: [واتفق العلماء أن قاتل العمد لا يرث من المال ولا من الدية] (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والشوكاني (¬10). الكاساني (587 هـ): القاتل لا يرث (¬11). ¬
[337 - 145] القاتل خطأ لا يرث من دية من قتله
قال العمراني (558 هـ): القاتل لا يرث المقتول، لا من ماله ولا من ديته سواء قتله عمدًا أو خطا أو مباشرة أو بسبب لمصلحة -كسقي الدواء أو بط الجرح- أو لغير مصلحة، متهمًا كان أو غير متهم، وسواء كان القاتل صغيرًا أو كبيرًا، عاقلًا كان أو مجنونًا (¬1). قال البهوتي (1051 هـ): القاتل بغير حق لا يرث من المقتول شيئًا (¬2). قال الدردير (1201 هـ): ولا يرث قاتل عمدًا عدوانًا ولو صبيًا أو مجنونًا متسببًا أو مباشرًا (¬3). قال الشوكاني (1250 هـ): القاتل لا يرث سواء كان القتل عمدًا أو خطأ وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأكثر أهل العلم (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما سبق من أدلة المسألة السابقة (¬5). • الخلاف في المسألة: الخلاف نفسه في المسألة السابقة، والجواب عنه (¬6).Rصحة الإجماع في أن القاتل المتعمد لا يرث من دية من قتله. [337 - 145] القاتل خطأ لا يرث من دية من قتله • المراد بالمسألة: أن القتل أحد الأمور الثلاثة التي لا تمنع التوارث، وقد أجمع العلماء على أن القاتل خطا يمنع من أن يرث من دية من قتله خطأ، ولكنه يرث من ماله. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن القاتل خطا لا يرث من دية من قتله] (¬7) القرافي (684 هـ) قال: [واتفق العلماء أن ¬
قاتل العمد لا يرث من المال ولا من الدية، وأن قاتل الخطأ لا يرث من الدية] (¬1). ابن تيمية (728 هـ) قال: [ولهذا لو كان الميت مسلمًا وهؤلاء كفارًا لم يرثوا باتفاق المسلمين، وكذلك لو كان كافرًا وهؤلاء مسلمين لم يرثوا بالسنة وقول جماهير المسلمين، وكذلك لو كان عبدًا وهم أحرار أو كان حرًّا وهم عبيد، وكذلك القاتل عمدًا عند عامة المسلمين، وكذلك القاتل خطأ من الدية، وفي غيرها نزاع] (¬2). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [. . وعمر أعطى دية المذحجي لأخيه دون أبيه، وكان حذفه بسيف فقتله، واشتهر فلم ينكر فكان إجماعًا] (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5). قال السرخسي (483 هـ): اعلم بأن القاتل بغير حق لا يرث من المقتول شيئًا عندنا، سواء قتله عمدًا أو خطأ (¬6). قال العمراني (558 هـ): القاتل لا يرث المقتول، لا من ماله ولا من ديته سواء قتله عمدًا أو خطأ (¬7). ¬
قال الدردير (1201 هـ): ولا يرث قاتل عمدًا عدوانًا ولو صبيًا أو مجنونًا متسببًا أو مباشرًا. . . . وإن مع شبهة كمخطيء لا يرث من الدية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى: ما ورد عن عمرو بن شعيب، أن قتادة رجل من بني مدلج (¬2)، قتل ابنه فأخذ منه عمرو به مائة من الإبل: ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة فقال ابن أخي المقتول سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (ليس لقاتل ميراث) (¬3). • وجه الاستدلال: أن فيه منع توريث القاتل الخطأ من دية المقتول، وأن عمر -رضي اللَّه عنه- حكم به بمحضر الصحابة ولم ينكر فكان إجماعًا. • الخلاف في المسألة: الخلاف الوارد هنا هو الخلاف نفسه في المسألة السابقة عن: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير أنهما ورَّثا القاتل العمد، وجاء عن الزهري أنه قال: القاتل عمدًا يرث من المال لا من الدية، فإذا ورثا القاتل العمد فقاتل الخطأ من باب أولى (¬4).Rعدم صحة الإجماع في أن القاتل الخطأ لا يرث من دية قاتله. ¬
[338 - 146] إذا مات المعتق ولا وارث له فإن المال للذي أعتقه ولاء
[338 - 146] إذا مات المعتق ولا وارث له فإن المال للذي أعتقه ولاء • المراد بالمسألة: معنى الولاء: عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيق، وقيل: ثبوت حكم شرعي بعتق، أو تعاطي سببه (¬1). • والمراد: أنه إذا أعتق المرء نسمة صار لها عصبة في جميع أحكام التعصيب عند عدم العصبة، من النسب ومن الميراث، وولاية النكاح، والعقل وغير ذلك. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا أن المسلم إذا أعتق عبدًا مسلمًا ثم مات المعتق ولا وارث له ولا ذو رحم؛ أن ماله لمولاه الذي أعتقه] (¬2). البغوي (516 هـ) بعد أن ذكر حديث قال: (إنما الولاء لمن أعتق) قال: [فيه دليل على أن من أعتق عبدًا يثبت له عليه حق الولاء ويرثه، وقد روي عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (مولى القوم من أنفسهم) وعليه عامة أهل العلم. .] (¬3). وقال: [واتفق أهل العلم على هذا أن الولاء لا يباع ولا يوهب ولا يورث إنما هو سبب يورث به كالنسب يورث به ولا يورث] (¬4). ابن هبيرة (560 هـ) قال: [واتفقوا على أن الرجل أو المرأة، إذا أعتق كل منهما مملوكه عتقًا مطلقًا باشره به متبرعًا، وهو يقول له: أنت حر، فإن ميراث هذا المعتق، إذا مات ولم يخلف وارثًا من عصبة ولا ذي فرض ورحم، لمعتقه، ولورثته الذكور من بعده وما تناسلوا، ثم لورثته على سبيل التعصيب] (¬5). وقال: [واتفقوا على أنه إذا اتفق الدينان بين المعتق والمعتق ¬
فالميراث ثابت] (¬1). ابن رشد (595 هـ) قال: [أجمع العلماء على أن من أعتق عبده عن نفسه؛ فإن ولاءه له، وأنه يرثه إذا لم يكن له وارث، وأنه عصبة له إذا كان هنالك ورثة لا يحيطون بالمال] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [أجمع أهل العلم على أن من أعتق عبدًا أو أعتق عليه، ولم يعتقه سائبة أن له عليه ولاء] (¬3). وقال: [وأجمعوا أيضًا على أن السيد يرث عتيقه إذا مات جميعَ ماله إذا اتفق ديناهما ولم يخلف وارثًا سواه]، (¬4). وقال: [وإن كان للمعتق عصبة من نسبه أو ذو فرض تستغرق فروضهم المال؛ فلا شيء للمولى لا نعلم في هذا خلافًا] (¬5). النووي (676 هـ) قال: [وأجمع المسلمون على ثبوت الولاء لمن أعتق. . وأنه يرث به، أما العتيق فلا يرث سيده عند الجماهير] (¬6). ابن تيمية (728 هـ) قال: [ولهذا إذا أعتق الولد أو أسلم ورث أباه في حياته] (¬7). ابن حجر العسقلاني (852 هـ) قال: [وأنهم أجمعوا على ترك القول بظاهرها؛ فجعلوا ما يخلفه المعتوق إرثًا لعصبته دون مواليه؛ فإن فقدوا فلمواليه دون ذوي رحمه] (¬8). الشربيني (977 هـ) قال: [والمعتق يحجبه عصبة النسب بالإجماع؛ لأن النسب أقوى من الولاء؛ إذ تتعلق به أحكام لا تتعلق بالولاء كالمحرمية، ووجوب النفقة، وسقوط القصاص، وعدم صحة الشهادة ونحوها] (¬9). ¬
عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [فيرث المعتق عتيقه عند عدم عصبة النسب، وعند عدم ذوي فروض تستغرق فروضهم المال. . ومتى وجدوا فلا شيء للمولى بلا خلاف اتفاقًا] (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬2). قال السرخسي (483 هـ): اعلم بأن الولاء نوعان: ولاء عتاقة وولاء موالاة، فصورة ولاء العتاقة أن يعتق الرجل عبدًا أو أمة فيصير المعتق منسوبًا إلى المعتق بالولاء، ويسمى هذا ولاء النعمة وولاء العتاقة، وبهذا الولاء يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى شيئًا (¬3). قال الموصلي (683 هـ): إذا مات المعتق ولا عصبة له من جهة النسب فالمولى المعتق عصبته (¬4). قال المرداوي (885 هـ): كل من أعتق عبدًا، أو عتق عليه برحم، أو كتابة: فله عليه الولاء (¬5). قال الدردير (1201 هـ): وهو أي الولاء ثابت لمن أعتق حقيقة كقوله لعبده: أنت حر (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة، منها: الأول: عن الأسود أن عائشة -رضي اللَّه عنهما-: اشترت بريرة لتعتقها واشترط أهلها ولاءها فقالت: يا رسول اللَّه، إني اشتريت بريرة لأعتقها، وإن أهلها يشترطون ولاءها فقال: (أعتقيها؛ فإنما الولاء لمن أعتق) أو قال: (أعطي الثمن، قال: فاشترتها فأعتقها) (¬7). • وجه الاستدلال: فيه التصريح بأن الولاء للمعتق. الثاني: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إنما الولاء لمن ¬
[339 - 147] الولاء لمن أعتق فإن كان ميتا انتقل المال لعصبتة الأقرب فالأقرب الذكور دون الإناث
أعتق) (¬1). • وجه الاستدلال: فيه التصريح بأن الولاء للمعتق. الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أرادت عائشة أن تشتري جارية تعتقها فأبى أهلها إلا أن يكون لهم الولاء؛ فذكوت ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (لا يمنعك ذلك؛ فإنما الولاء لمن أعتق) (¬2). • وجه الاستدلال: فيه التصريح بأن الولاء للمعتق.Rصحة الإجماع المسلم إذا أعتق عبدًا مسلمًا ثم مات المعتق ولا وارث له فإن المال للذي أعتقه. [339 - 147] الولاء لمن أعتق فإن كان ميتًا انتقل المال لعصبتة الأقرب فالأقرب الذكور دون الإناث • المراد بالمسألة: إذا مات المعتق وله ورثة، ثم مات المُعتق، فإن ماله لعصبة المعتِق الذكور دون الإناث. • من نقل الإجماع: ابن المنذر (318 هـ) قال: [وأجمعوا على أن المُعتِق إذا مات وترك أباه صماخوته لأبيه وأمه أو لأبيه ثم مات المُعتَق؛ فالمال للأب دون الإخوة] (¬3). وقال: [وأجمعوا على أنه إذا مات المولى المُعتِق ولا وارث له ولا ذو رحم، فإن كان للمولى المُعتِق يوم يموت المولى المُعتَق أولادًا ذكور وإناث؛ فماله لولد ذكور المعتق دون إناثهم؛ لأن النساء لا يوثن من الولاء؛ إلا من أعتقن أو أعتق من أعتقن، وانفرد طاوس فقال: ترث النساء] (¬4). ابن رشد (595 هـ) قال: [ولا خلاف بين من يقول بأن الولاء للعصبة فيما أعلم أن الابناء أحق من الآباء، وأنه لا ينتقل إلى العمود الأعلى إلا ¬
إذا فُقد العمود الأسفل؛ بخلاف الميراث؛ لأن البنوة عندهم أقوى تعصيبًا من الأبوة والأب أضعف تعصيبًا، والإخوة وبنوهم أقعد عند مالك من الجد، وعند الشافعي وأبي حنيفة الجد أقعد منهم] (¬1). ابن قدامة (620 هـ) قال: [لإجماع الصحابة ومن بعدهم عليه، ولأن الولاء لحمة كلحمة النسب، والمولى كالنسيب من الأخ والعم ونحوهما، فولده من العتيق بمنزلة ولد أخيه وعمه، ولا يرث منهم إلا الذكور خاصة] (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4). قال السرخسي (483 هـ): والمذهب عندنا أن المراد بالأكبر الأقرب يعني أن أقرب البنين أولى باستحقاق الميراث بالولاء حتى إذا مات المعتق عن ابن وابن ابن فالولاء للابن خاصة لأنه أقرب، فإن مات المعتق عن أب وابن فميراثه لابن المعتق خاصة دون أبيه (¬5). قال الخطيب الشربيني (977 هـ): من لا عصبة له بنسب وله معتق فماله أو الفاضل عن الفروض له رجلًا كان أو امرأة فإن لم يكن فلعصبته بنسب المتعصبين بأنفسهم كابنه وأخيه لا لبنته وأخته ولو مع أخويهما المعصبين لهما لأنهما من أصحاب الفروض ولا للعصبة مع غيره والمعنى فيه كما قاله ابن سريج أن الولاء أضعف من النسب المتراخي، وإذا تراخى النسب ورث الذكور دون الإناث كبني الأخ وبني العم دون أخواتهن (¬6). قال المرداوي (885 هـ): ولا يرث منه ذو فرض إلا الأب والجد يرثان السدس مع الابن وابنه، والجد يرث الثلث مع الإخوة، إذا كان أحظ له ¬
فإذا مات المعتق وخلّف عتيقه وابنين، فمات أحد الابنين بعده عن ابن، ثم مات العتيق فالميراث لابن المعتق (¬1). قال البهوتي (1051 هـ): ويرث ذو الولاء به. . . عند عدم العصبة من النسب وعند عدم ذوي فروض تستغرق فروضهم المال. . . ثم يرث به أي الولاء عصباته أي المعتق من بعده أي بعد موته (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أدلة المسألة السابقة (¬3). • الخلاف في المسألة: خالف في هذه المسألة: أحمد في رواية عنه، وشريح، وطاووس. فذهبوا إلى أن بنات المعتق يرثن بالولاء ولو لم يعتقن (¬4). • دليلهم: واحتجوا بما ذهبوا إليه بما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أنه ورث بنت حمزة من الذي أعتقه حمزة) (¬5). • وجه الاستدلال: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل الولاء مالًا موروثًا.Rصحة الإجماع في أن الولاء لمن أعتق فإن كان ميتًا انتقل المال لعصبته الأقرب فالأقرب الذكور دون الإناث. أما الحديث الذي استدل به المخالفون فهو ضعيف لا تقوم به حجة. وأما الرواية عن أحمد فهي ضعيفة، فقد ساقها ابن قدامة بصيغة التمريض، واعقبها بقوله: (قال القاضي: هذا ظاهر كلام أحمد. والرواية ¬
[340 - 148] ترث المرأة من معتقها
التي ذكرها الخرقي في ابنة المعتق ما وجدتها منصوصة عنه. وقد قال في رواية ابن القاسم، وقد سأله: هل كان المولى لحمزة أو لابنته؟ فقال: لابنته. فقد نص على أن ابنة حمزة ورثت بولاء نفسها؛ لأنها هي المعتقة. وهذا قول الجمهور) (¬1). وأما قول شريح وطاووس فقد تفردا به عن جماهير أهل العلم، وهما مسبوقان بالإجماع. [340 - 148] ترث المرأة من معتقها • المراد بالمسألة: إذا مات المعتق وله ورثة، ثم مات المُعتق، فإن ماله لعصبة المعتِق الذكور دون الإناث، إلا إذا كانت المعتقة امرأة فترث مولاها. • من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) قال: [أجمع جمهور العلماء على أن النساء ليس لهن مدخل في وراثة الولاء إلا من باشرن عتقه بأنفسهن أو ما جر إليهن من باشرن عتقه، إما بولاء أو بنسب] (¬2). ابن قدامة (620 هـ) قال: [فأما توريث المرأة من معتقها، ومعتق معتقها، ومن جر ولاء معتقها، فليس فيه اختلاف بين أهل العلم] (¬3). عبد الرحمن ابن قاسم (1392 هـ) قال: [(ولا يرث من النساء بالولاء إلا من أعتقن) أي باشرن عتقه، وتوريثها من معتقها لا خلاف فيه بين العلماء] (¬4). • وافق على هذا الإجماع: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6). قال السرخسي (483 هـ): فإن اشترت المرأة أباها فعتق عليها استحقت ¬
ولاءه لأنها صارت معتقة له بالشراء، فإن شراء القريب اعتاق، فإن مات الأب بعد ذلك، كان لها المال، نصفه بالفرضية ونصفه بالعصوبة بالولاء، وإنما يتبين هذا فيما إذا كان معها ابنة أخرى، فإنه يكون لهما الثلثان والباقي للمشترية بالعصوبة خاصة (¬1). قال المرداوي (885 هـ): النساء لا يرثن من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن (¬2). قال الخطيب الشربيني (977 هـ): ولا ترث امرأة بولاء إلا معتقها وهو من أعتقته أو منتميًا إليه أي معتقها بنسب كابنه وإن سفل أو ولاء كمعتقه (¬3). قال البهوتي (1051 هـ): ولا يرث النساء بالولاء إلا من اعتقن أي باشرن عتقه أو أعتق من أعتقن أي أو عتيق من باشرن عتقه وأولادهما أى أولاد عتيقهن (¬4). قال الدردير (1201 هـ): ولا ترث به أنثى إلا أن تباشره، بأن تكون هي المعتقة، فإنها ترث المخلف بسبب الولاء أو يجره لها أي الولاء ولاء ملتبس (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة, منها: الأول: عن واثلة بن الأسقع -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (تحوز المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت فيه) (¬6). • وجه الاستدلال: فيه أن المرأة تحوز ميراث عتيقها. الثاني: عن عائشة -رضي اللَّه عنهما- في قصة بريرة، فقال لها: (أعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق) (¬7). ¬
[341 - 149] التوارث بالتبني والمؤاخاة والهجرة منسوخ
• وجه الاستدلال: أنه دل على أن المرأة إذا اعتقت مولاتها، فإنها ترثها بالولاء. الثالث: عن عبد اللَّه بن شداد فال: كان لبنت حمزة مولى أعتقته، فمات، وترك ابنته ومولاته بنت حمزة، فرفع ذلك إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فأعطى ابنته النصف وأعطى مولاته بنت حمزة النصف) (¬1). • وجه الاستدلال: فيه دليل على أن المرأة المعتقة ترث من معتقها (¬2). الرابع: ولأن المعتقة منعمة بالإعتاق، كالرجل، فوجب أن تساويه في الميراث (¬3).Rصحة الإجماع في أن المرأة ترث من معتقها. [341 - 149] التوارث بالتبني والمؤاخاة والهجرة منسوخ • المراد بالمسألة: التبني هو: اتخاذ الشخص ولد غيره ابنًا له (¬4)، وكان الرجل في الجاهلية يتبنى الرجل، فيجعله كالابن المولود له، ويدعوه إليه الناس، ويرث ميراث الأولاد. والهجرة: هي الانتقال من مكان لآخر، والمقصود هنا، ما حصل للمهاجرين الأوليين من التآخي بينهم وبين الأنصار بأمر النبي، حتى كانوا يتوارثون (¬5). والمراد: أن التوارث بالتبني، والمؤاخاة والهجرة قد نسخ. • من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) قال: [واتفقوا أن موارثة الهجرة قد ¬
انقطعت] (¬1). ابن عبد البر (463 هـ) قال: [وقد أجمعوا أن الميراث بالدين لا يكون إلا عند عدم النسب] (¬2). ابن تيمية (728 هـ) قال: [ومن الناس من يقول: تشرع تلك المؤاخاة والمحالفة، وهو يناسب من يقول بالتوارث بالمحالفة، لكن لا نزاع بين المسلمين في أنَّ أحدهما لا يصير ولد الآخر بإرثه مع أولاده، واللَّه سبحانه قد نسخ التبني الذي كان في الجاهلية حيث كان يتبنى الرجل ولد غيره] (¬3). عبد الرحمن بن قاسم (1392 هـ) قال: [قال الوزير: أجمعوا على أن الوصية بالثلث لغير وارث جائزة، وأنها لا تفتقر إلى إجازة الورثة، وعلى أن ما زاد على الثلث إذا أوصى به من ترك ابنين أو عصبة، أنه لا ينفذ إلا الثلث، وأن الباقي موقوف على إجازة الورثة، فإن أجازوه نفذ، وإن أبطلوه لم ينفذ، واتفقوا على أن لا وصية لوارث إلا أن يجيز ذلك الورثة] (¬4). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬5)، المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). قال العمراني (558 هـ): مولى الموالاة لا يرث عندنا بحال، وهو أن يقول رجل لآخر: واليتك على أن ترثني وأرثك، وتنصرني وأنصرك، وتعقل عني وأعقل عنك، ولا يتعلق بهذه الموالاة عندنا حكم إرث ولا عقل ولا غيره (¬9). ¬
قال الموصلي (683 هـ): وكان في ابتداء الإسلام يتوارثون بالعقد والحلف دون النسب والرحم حتى نزل قوله سبحانه وتعالى: فنسخ تقديمه وصار مؤخرا عن ذوي الأرحام، وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي وعبد اللَّه بن مسعود وعبد اللَّه بن عباس وجماعة من التابعين رضوان اللَّه عليهم أجمعين، على أنا نقول بموجب الآية فلا نورثه مع وجود ذوي الأرحام وإنما نورثه عند عدمهم فلا تكون الآية ناسخة وهو مذهب أصحابنا ولأنه جعل ماله له بعقد ولا تعلق للوارث به فصار كالوصية بجميع المال ولا وارث له (¬1). قال البهوتي (1051 هـ): وأسباب التوارث ثلاثة فقط فلا يرث ولا يورث بغيرها كالموالاة أي المؤاخاة والمعاقدة وهي المحالفة وإسلامه على يديه، وكونهما من أهل ديوان واحد (¬2). قال الدردير (1201 هـ): وإن أوصى لشخص بنصيب ابنه، بأن قال: أوصيت لزيد بنصيب ابني أو بمثله بأن قال: أوصيت لزيد بمثل نصيب ابني، فإن لم يكن له إلا ابن فيأخذ الموصى له جميع تركة الميت الموصي إن أجاز الابن الوصية، وإلا فللموصى له ثلث التركة فقط، فإن قال ذلك ومعه ابنان فيأخذ نصف التركة إن أجاز وإلا فالثلث ولا كلام لهم (¬3). • مستند الإجماع: قوله سبحانه وتعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)} [الأحزاب: 5]. • وجه الاستدلال: أنها نص صريح في منع التبني، وكل ما يترتب عليه ¬
من الحقوق النسبية (¬1).Rصحة الإجماع في أن التوارث بالتبني والمؤاخاة والهجرة والوصية منسوخ. * * * ¬
الخاتمة والتوصيات
الخاتمة والتوصيات
الخاتمة
الخاتمة الحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. . أما بعد: فإن تحقيق مسائل الإجماع من أهم ما ينبغي أن تصرف فيه الجهود العلمية، فهو أصل من أصول الأدلة الشرعية، وإليه المرجع في حسم كثير من المسائل والأحكام، ولذلك معرفة الفقيه وطالب العلم للإجماعات، وتتبع مظانها في كتب العلم في مرتبة الضرورة، لا سيما القضاة والمفتون وطلبة العلم الشرعي، وبعد هذا الجهد يمكن أن ألخص النتائج التي خرجت بها من هذه الأطروحة بما يلي: الأول: أن الإجماع حجة من حجج الشرع، وأصل من أصول أدلة الأحكام، وأن ضعف الاهتمام به قديمًا وحديثا راجع -في تقديري- إلى أنه دليل تبعي لا استقلالي، مع أن الحاجة إلى الاطلاع عليه وتحقيقه مهمة بل في مرتبة الضرورة. الثاني: أنَّ مخالفة الواحد والاثنين والثلاثة تخرم الإجماع؛ إلا إذا كانت المخالفة شاذة؛ كمخالفة أهل الظاهر في بعض المسائل الفقهية التي فيها مصادمة للنصوص الظاهرة أو مخالفتهم جماهير أهل العلم قاطبة. الثالث: اختلاف مشارب أهل العلم في التعبير عن الإجماع، فمنهم من يعبر عنه بلفظ الإجماع، ومنهم من يعبر بنفي الخلاف، ومنهم من يعبر بالاتفاق، ومنهم من يحكيه عن الجمهور، وتكمن مهمة الفقيه في التأكد من حقيقة الإجماع، وذلك بالنظر إلى من صدر عنه من أهل العلم، وذلك لاختلافهم من حيث استقراء مسائل الإجماع؛ فابن قدامة يكثر من التعبير
عن الإجماع بنفي الخلاف، وغالبًا ما يكون مصيبًا، وأحيانًا من الفقهاء من يعبر عن الإجماع بلفظة (الإجماع)، وهو في واقع الأمر مجرد اتفاق، وأخطر شيء هو تقليد العلماء بعضهم بعضًا في نقل الإجماع، فتجد أحيانًا العالم لا يكلف نفسه في التحقق من مسائل الإجماع، وإنما يكتفي بمجرد نقلها عن فلان، وقد يكون الإجماع مخرومًا، وهو حاصل في كثير من كتب أهل العلم. الرابع: أن الحكم بالإجماع في المسألة ليس على إطلاقه في الحقيقة، فبعض العلماء يطلق الإجماع ويريد به إجماع المذهب، وهذا كثيرًا ما يسلكه فقهاء الحنفية -رحمهم اللَّه- وبعضهم يعكس ذلك، الاتفاق ومراده الإجماع كما يحصل من تعبيرات ابن رشد، وابن حزم -رحمهما اللَّه- وغيرهما من أهل العلم. الخامس: توصل الباحث إلى أنَّ كثيرًا من الإجماعات المشتهرة والمؤخوذة بالتلقي لا يصح فيها الإجماع، ولذلك كان راسخًا في ذهن الباحث مسائل مقطوعًا فيها بالإجماع، بسبب كثرة ترددها في الكتب المذهبية، وعلى ألسنة العلماء، ولكن بعد الدراسة والتحقيق تبين أنها مسائل خلافية، مثل: كون الوقف دائمًا مؤبدًا، لقطة الحاج، والتقاط ضالة الإبل، وقطع جاحد العارية، وغيرها مما مر في دراستي، فكان المتقرر أنها من الإجماع القطعي، فتبين أن فيها خلافًا قويًا. السادس: توصل الباحث بعدما عاش مع مسائل هذه الدراسة أنها تربي الإنسان على التروي والنظر وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام، وأن أول ما ينبغي لطالب العلم الرجوع إليه هو مسائل الإجماع في المسألة التي يريد النقاش حولها، وأن إهمال مسائل الإجماع، واللجوء إلى الأقوال الشاذة، أو مصادرة الأحكام لقول وارد عن المتقدمين، مسلك غير صحيح في نظر الباحث، وقد يكون سببه التلقي الخاطئ لمسائل العلم، وعدم المنهجية
العلمية الواضحة والسليمة في طريقة التعامل مع المسائل الشرعية، وهذا منهج بدأ يظهر على السطح، ولأجل هذا فإن دراسة مسائل الإجماع، والتحقق منها، والوصول إلى الصحيح منها، يحقق قدرًا كبيرًا من الاجتماع والائتلاف الذي هو أحد مقاصد الشريعة، فالإجماع يعتبر فيصلًا في المسائل التي يقع فيها الخلاف عند المتأخرين، ويسهم أيضًا في إزالة الفكرة التي فرضتها بعض الاجتهادات الخاطئة، والتي تشير إلى طغيان المسائل المختلف فيها على المجمع أو المتفق عليها، حتى ساد اعتقادٌ أن مسائل الخلاف هي الأصل، ودراسة هذه المسائل تبين ضعف هذا التوجه مما يكون له الأثر الطيب على المستوى الفردي والجماعي للأمة. السابع: خلصت من خلال البحث إلى أن ابن المنذر، وابن عبد البر، وهما من أشهر من يحكي الإجماع يكررون الإجماع في أكثر من مكان في كتبهم، فرأيت من المنالسب عدم الاكتفاء بأحد كتبهم، وحاولت الإفادة من التمهيد إلى جانب الاستذكار عند ابن عبد البر، وكذلك الإشراف والأوسط لابن المنذر، إلى جانب كتاب الإجماع له، في توثيق مسائل الإجماع، وفي واقع الأمر لم أقف إلا على موضع أو موضعين. الثامن: إن ابن حزم وابن رشد من أشهر من يعبر عن الإجماع بلفظة الاتفاق، وربما يعكس ابن رشد فيعبر عن الاتفاق بالاتفاق المذهبي، ولذلك حرصت على الرجوع إلى بداية المجتهد لابن رشد، وقارنت كثيرًا بين المحلى وبين مراتب الإجماع لابن حزم؛ فظهر لي أن ابن حزم لم يعتن بحكاية الإجماع في المحلى مثل عنايته بالمراتب؛ ولأجل ذلك جاءت الإجماعات قليلة مقارنة بما في المحلى، وعليه! يمكن القول بأن ابن حزم جعل المراتب متخصص في حكاية الإجماع، ومكمل لما في المحلى مما فاته. التاسع: توصل الباحث إلى أن أغلب أبواب الفقه التي يكثر فيها صحة
الإجماع، أبواب الفرائض، والسبب يرجع إلى أن أغلبها نصوص ظاهرة، وقطعية، وقد حصل الخلاف في مسائل استجدت في عصر الصحابة، ولذلك في أبواب الفرائض بحثت (149) مسألة؛ فكانت المجمع عليها (127) مسألة، والتي لم يتحقق فيها الإجماع (20) مسألة. العاشر: مسائل الوقف من أهم المسائل التي لها ارتباط عملي في واقع المسلمين، ولم أكن أحسب هذا الكم الكبير من المسائل المجمع عليها في هذا الباب، ولذلك أرجوا أن تكون مسائل الإجماع في باب الوقف داعمًا قويًا، وإضافة جيدة لهيئات الوقف في العالم الإسلامي، خاصة وأن أغلب المؤتمرات التي تعقد بخصوص الوقف تفتقد إلى تمييز المسائل المجمع عليها من غيرها. الحادي عشر: توصل الباحث إلى أنَّ جَزم ابن المنذر وابن حزم، رحمهما اللَّه، بعدم وجود إجماع في أبواب اللقطة محل نظر، فلقد بحثت (21) مسألة، تحقق الإجماع فيما ظهر للباحث في (11) مسألة، وهذا يصدق عليه قول بعض أهل العلم: كم ترك الأول للآخر. الثاني عشر: في دراستي هذه كانت المسائل التي تحقق فيها الإجماع أكثر من المسائل التي لم يتحقق فيها الإجماع، فالمسائل التي بحثتها (342) مسألة، وقد صح الإجماع في (267)، والباقي (75) مسألة لم يتحقق فيها الإجماع.
التوصيات
التوصيات تبدا لي بعد هذا البحث التوصية بما يلي: أولًا: تشجيع المشروعات العلمية التي تعنى بدراسة الإجماع ودعمها، وذلك للفائدة الكبيرة التي تعود على المكتبة الإسلامية وعلى العلماء كل حسب اختصاصه، وأن تقوم لجنة المشروع بإخراج مشروع الإجماع من خلال موسوعة تجمع أطراف المسائل في جميع أبواب الفقه، ليطلع عليها أكبر قدر ممكن من العلماء في العالم الإسلامي، لتكون إضافة لجهودهم في الفتوي والقضاء والتعليم، وقد يكون من المهم القيام بعقد مؤتمر أو ندوة يجمع لها غالب علماء العالم الإسلامي، تحت مظلة الجامعة أو إحدي الجهات الرسمية ذات الاختصاص، وذلك بغرض إطلاعهم على مشروع الإجماع، محاولة توحيد الفتوي في كثير من المسائل التي ما تزال محل خلاف لدي بعض الفقهاء، وقد انعقد الإجماع السابق فيها، وكذلك إعانة المشتغلين بالقضاء أو التعليم للوصول إلى مسائل الإجماع بكل سهولة، ولعل ذلك يسهم في تضييق هوة الخلاف الحاصل بين علماء المسلمين. ثانيًا: أوصي اللجنة المشرفة على هذا المشروع العظيم بأن تواصل المسيرة، وذلك بأن تتقدم بمشروع جديد لطلاب الدراسات العليا يحمل الهدف نفسه، وهو الاعتناء بمسائل: الاتفاقات بين المذاهب الفقهية، وكذلك ما عليه جمهور الفقهماء التي يحكيها كثير ممن له عناية بحكاية الاتفاق والخلاف، فإنَّ هذا في تقديري يمثل إنجازًا غير مسبوق، لأنه مع مشروع الإجماع يضبط هذا الباب الكبير من أبواب الفقه، والذي يعتمد عليه جميع المشتغلين بالعلم الشرعي: فتوي، وقضاء، وتعليمًا.
ثالثًا: أوصي الهيئات العامة للأوقاف في العالم الإسلامي بالحرص على مسائل الإجماع في أبوب الوقف، والإفادة من هذه الدراسة وتعميمها على الجهات التابعة لها للاطلاع عليها، ومحاولة تخريج ما يستجد من قضايا تحت هذه المسائل، والوقوف على ما صح فيه الإجماع، وعلى ما لم يصح فيه الإجماع من المسائل. والحمد للَّه أولًا وآخرًا، وصلى اللَّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم * * *
فهرس المصادر والمراجع
فهرس المصادر والمراجع (1) الإجماع لأبي بكر بن محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، تحقيق أبو حماد صغير أحمد ابن محمد حنيف، دار عالم الكتب، الرياض، الطبعة الأولى، 1424 هـ/ 2003 م. (2) الاجماعات الواردة في الفرائض، زايد الوصابي، دار الآثار، الطبعة الأولى. (3) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، ترتيب الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، تقديم كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، عام 1407 هـ/ 1987 م. (4) إحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، تحقيق عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1407 هـ/ 1986 م. (5) أحكام القرآن للإمام عماد الدين بن محمد الطبري، المعروف بإلكيا الهراس، تحقيق: موسى محمد علي والدكتور عزت علي عيد عطية، دار الكتب الحديثة. (6) أحكام القرآن للشيخ أبي بكر محمد بن عبد اللَّه المعروف بابن العربي، تحقيق: علي محمد البجادي، دار المعرفة، بيروت. (7) أحكام الموارث في الشريعة الإسلامية، محمد محي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1404 هـ/ 1984 م. (8) أحكام المواريث والوصايا، الدكتور عبد اللَّه الجبوري، والدكتور عبد الحق حميش، كلية الدراسات العليا والبحث العلمي، جامعة
الشارقة، الطبعة الأولى، 1428 هـ. (9) أحكام أهل الذمة للعلامة شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق الدكتور صبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، 1401 هـ/ 1981 م. (10) الإحكام في أصول الأحكام للحافظ أبي محمد علي بن حزم الأندلسي الظاهري، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، الناشر: زكريا علي يوسف، مطبعة العاصمة، القاهرة، الطبعة الثانية. (11) الإحكام في أصول الأحكام للعلامة علي بن محمد الآمدي، تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1402 هـ. (12) اختلاف العلماء للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن ناصر المرزوي، تحقيق السيد صبحي السامرائي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثانية 1456 هـ/ 1986 م. (13) الاختيار لتعليل المختار للإمام عبد اللَّه بن محمود بن مودود الموصلي، مكتبة ومطبعة محمد علي صبح وأولاده بميدان الأزهر. (14) الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، اختارها العلامة الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي، تحقيق محمد حامد فقي، الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان توزيع دار الباز للنشر والتوزيع عباس أحمد الباز - مكة المكرمة. (15) اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية النميري، تأليف برهان الدين إبراهيم بن الشيخ شمس الدين محمد ابن قيم الجوزية - تقديم ونشر بكر بن عبد اللَّه أبو زيد - توزيع مكتبة الرشد - الرياض - مطابع دار الهلال للأوفست، الرياض الطبعة الأولى عام 1403 هـ. (16) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للعلامة محمد بن علي
الشوكاني، وبهامشه شرح الشيخ أحمد بن قاسم العبادي الشافعي على شرح جلال الدين محمد بن أحمد المحلى الشافعي على الورقات في الأصول لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد اللَّه الجويني الشافعي، دار المعرفة، بيروت لبنان. (17) إرشاد أولي النهي لدقائق المنتهى (حاشية على منتهى الإرادات) للعلامة الشيخ منصور بن يونس بن صلاح الدين البهوتي الحنبلي، تحقيق: الدكتور عبد الملك بن عبد اللَّه بن دهيش، دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1421 هـ/ 2000 م. (18) إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للشيخ محمد ناصر الدين الألباني بإشراف محمد زهير الشاويش، نشر كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى. 1399 هـ/ 1992 م. (19) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار، للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه ابن عبد البر النمري الأندلسي، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، دار قتيبة، دمشق، ودار الوعي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1414 هـ/ 1993 م. (20) الاستيعاب في أسماء الأصحاب للحافظ ابن عبد البر (انظر: الإصابة). (21) أسد الغابة في معرفة الصحابة لعز الدين ابن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري، تحقيق محمد إبراهيم البنا ومحمد أحمد عاشور، طبعة الشعب، مجلة كتاب الشعب. (22) الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، للإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ/ 1983 م.
(23) الإشراف على نكت مسائل الخلاف، القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي، تقديم وتخريج: الحبيب بن طاهر، دا ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1420 هـ/ 1999 م. (24) الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ شهاب الدين أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، ومعه الإستيعاب في أسماء الأصحاب للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه ابن عبد البر القرطبي المالكي، دار الكتاب العربي، بيروت. (25) الاصطلام في الخلاف بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة، لأبي المظفر منصور ابن محمد بن عبد الجبار السمعاني التميمي المروزي، تحقيق: الدكتور نايف بن نافع العمري، دار المنار، القاهرة، الطبعة الأولى، 1412 هـ/ 1983 م. (26) الأصل المعروف بالمبسوط للإمام محمد بن الحسن الشيباني، تحقيق الأستاذ أبو الوفا الأفغاني، مطبعة دار القرآن، كراتشي - نشر إدارة القرآن للعلوم الإسلامية - كراتشي - باكستان. (27) أصول مذهب الإمام أحمد - دراسة أصولية مقارنة للدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الرابعة عام 1416 هـ/ 1996 م. (28) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، تأليف الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي وتتمته لتلميذه عطيه محمد سالم، دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي - بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1417 هـ/ 1996 م. (29) الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت،
الطبعة الخامسة، 1980 م. (30) إعلام الموقعين عن رب العالمين للعلامة شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، شركة الطباعة الفنية المتحدة، 1388 هـ/ 1968 م. (31) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان للأمام أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض. (32) الإفصاح عن معاني الصحاح للفقيه الوزير عون الدين أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الحنبلي، تحقيق الدكتور: محمد يعقوب طالب عبيدى, مركز فجر للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1413 هـ. (33) الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل للشيخ أبي النجا شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي، تعليق عبد اللطيف محمد موسى السبكي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة المصرية بالأزهر. (34) الإقناع في مسائل الإجماع، أبي الحسن علي بن القطان، دراسة وتحقيق الدكتور فاروق حمادة، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1424 هـ/ 2003 م. (35) الإلمام بأحاديث الأحكام، للقاضي تقي الدين أبي الفتح محمد بن علي المصري، المعروف بابن دقيق العيد، تحقيق حسين إسماعيل الجمل، دار المعراج الدولية للنشر، الرياض، الطبعة الأولى، 1414 هـ/ 1994 م. (36) الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، وبهامشه مختصر المزني الشافعي، طبعة دار الشعب عام 1388 هـ/ 1968 م. (37) الانتصار في المسائل الكبار على مذهب الإمام أحمد بن حنبل للعلامة أبي الخطاب محفوظ ابن أحمد بن الحسن الكلوذاني الحنبلي، تحقيق
الدكتور سليمان بن عبد اللَّه العمير، الناشر: مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى عام 1413 هـ/ 1993 م. (38) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل للعلامة علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المراودي، تحقيق محمد حامد فقي - مكتبة السنة المحمدية - توزيع مكتبة ابن تيمية - القاهرة - الطبعة الأولى عام 1374 هـ/ 1955 م. (39) أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء للشيخ قاسم القونوي، تحقيق الدكتور أحمد بن عبد الرحمن الكبيسي، الناشر دار الوفاء للنشر والتوزيع، جدة، طبع مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الثانية، 1407 هـ/ 1987 م. (40) الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف للإمام أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، تحقيق: الدكتور أبي حماد صغير أحمد بن محمد بن حنيف، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1405 هـ/ 1985 م. (41) إيثار الإنصاف في آثار الخلاف، لسبط ابن الجوزي، تحقيق ناصر العلي الناصر الخليفي، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، طبع بدار المدينة للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى 1408 هـ/ 1987 م. (42) إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل للعلامة عبد الرحيم بن عبد اللَّه بن محمد الزريراني الحنبلي، تحقيق الشيخ عمر بن محمد بن عبد اللَّه السبيل، نشر جامعة أم القرى، معهد البحوث لعلمية وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، مطبعة جامعة أم القرى. (43) البحر الرائق شرح كنز الدقائق للعلامة زين الدين ابن نجيم الحنفي، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، الطبعة الثانية.
(44) بداية المجتهد ونهاية المقتصد للحافظ أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد ابن رشد القرطبي، المكتبة التجارية الكبرى - مصر. (45) البداية والنهاية للحافظ أبي الفداء ابن كثير الدمشقي، بتحقيق الدكتور أبو ملحم والدكتور علي نجيب عطوي والأساتذة: فؤاد السيد ومهدي ناصر الدين وعل يعبد الستار - دار الريان للتراث - القاهرة - مصر - الطبعة الأولى 1408 هـ/ 1988 م. (46) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية عام 1402 هـ/ 1982 م. (47) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، تحقيق علي محمد معوض، وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى عام 1418 هـ/ 1989 م. (48) بلغة الساغب وبغية الراغب، للشيخ فخر الدين أبي عبد اللَّه محمد أبي القاسم محمد بن الخضر ابن تيمية، تحقيق الشيخ بكر عبد اللَّه أبو زيد، تقديم معالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1417 هـ/ 1997 م. (49) بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للشيخ أحمد بن محمد الصاوي المالكي على الشرح الصغير لشيخ أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الأخيرة، 1372 هـ/ 1952 م. (50) بلوغ المرام من أدلة الأحكام، للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق محمد حامد فقي، دار الفكر للطباعة والنشر. (51) البناية في شرح الهداية لأبي محمد محمود بن أحمد العيني، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - الطبعة الثانية، 1411 هـ/ 1990 م.
(52) البيان في مذهب الإمام الشافعي شرح المهذب كاملًا والفقه المقارن لأبي الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني الشافعي اليمني، اعتنى به قاسم محمد النوري - دار المنهاج للطباعة والنشر والتوزيع. (53) التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول للشيخ أبي الطيب صديق بن حسن القنوجي، بتصحيح وتعليق عبد الحكيم شرف الدين، دار اقرأ، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1404 هـ/ 1984 م. (54) تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، للحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد ابن عثمان الذهبي، تحقيق الدكتور عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1407 هـ/ 1987 م. (55) تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري) للإمام محمد جرير الطبري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار سويدان، بيروت. (56) تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت. (57) التبصرة في أصول الفقه، للشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي، تحقيق الدكتور محمد هيتو، دار الفكر. (58) تبين الحقائق شرح كنز الدقائق للعلامة فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي، وبهامشه حاشية الشيخ الشلبي، دار االكتاب العربي، الطبعة الثانية. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، عثمان بن علي بن محجن البارعي، فخر الدين الزيلعي الحنفي، ومعه حاشية: شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد الشِّلْبِيُّ، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية - بولاق، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1313 هـ. (59) التحرير في أصول الفقه الجامع بين اصطلاحي الحنفية والشافعية،
للشيخ كمال الدين محمد ابن عبد الواحد بن عبد الحميد، الشهير بابن الهمام الإسكندري الحنفي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1351 هـ. (60) تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، عام 1405 هـ. (61) تحفة المودود بأحكام المولود للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق عبد المنعم العاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ/ 1983 م. (62) التحقيق في مسائل الخلاف للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، ومعه تنقيح التحقيق للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، دار الوعي العربي، القاهرة، مكتبة ابن عبد البر، دمشق، الطبعة الأولى، 1419 هـ/ 1998 م. (63) ترتيب المدارك وتريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض بن موسى السبتي، تعليق محمد بن تاويت الطبخي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، الرباط. (64) التعليق المغني على سنن الدارقطني لشمس الحق العظيم آبادي (انظر: سنن الدارقطني). (65) التفريع لأبي القاسم عبيد اللَّه بن الحسين بن الحسن بن الجلاب البصري، تحقيق الدكتور حسين ابن سالم الدهماني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ/ 1987 م. (66) تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي، تحقيق خالد عبد الرحمن العك ومروان سورا، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1407 هـ/ 1987 م.
(67) تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير، تحقيق الدكتور حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، الرياض، الطبعة الأولى، 1431 هـ. (68) تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير، دار الدعوة، مؤسسة ثقافية للتأليف والطباعة والنشر والتوزيع، استانبول، تركيا، توزيع مكتبة الحرمين بالرياض. (69) تقريب التهذيب للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1395 هـ/ 1975 م. (70) تقرير القواعد وتحرير الفوائد، للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي، دار ابن عفان، الخبر، الطبعة الأولى 1419 هـ/ 1998 م. (71) التلقين في الفقه المالكي للقاضي عبد الوهاب البغدادي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، 1413 هـ/ 1993 م. (72) التمام لما صح في الروايتين والثلاث والأربع عن الإمام، والمختار من الوجهين عن أصحابه العرانين الكرام، للقاضي محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء الحنبلي، الشهير بالقاضي أبي الحسين ابن القاضي أبي يعلى، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن محمد الطيار، والدكتور عبد العزيز بن محمد المد اللَّه، دار العاصمة، الرياض، النشرة الأولى، 1414 هـ. (73) التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للأسنوي، تحقيق: محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، ط 2، 1401 هـ. (74) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد للإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه ابن عبد البر النمري القرطبي، تحقيق الأستاذ مصطفى بن أحمد العلوي، والأستاذ محمد عبد الكبير البكري، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، الطبعة الثالثة، 1402 هـ/
1989 - م. (75) تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق: الدكتور عامر حسن صبري، نشر وتوزيع المكتبة الحديثة بالإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 1409 هـ/ 1989 م. (76) التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع في فقه إمام السنة حمد بن حنبل الشيباني، للشيخ علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، المكتبة السلفية ومطبعتها، القاهرة، الطبعة الثانية، 1406 هـ. (77) تنور المقالة في حل ألفاظ الرسالة، وهو شرح أبي عبد اللَّه محمد بن إبراهيم التتائي المالكي، على الرسالة لأبي محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن القيرواني، تحقيق الدكتور محمد عايش عبد العال شبير، الطبعة الأولى، 1409 هـ/ 1998 م. (78) تهذيب الأسماء واللغات للحافظ الإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، دار الكتب العلمية - بيروت - إدارة الطبعة المنيرية. (79) التهذيب في اختصار المدونة، للإمام أبي سعيد البواذعي خلف بن أبي القاسم القيرواني، تحقيق محمد الأمين ولد سالم بن الشيخ، راجعه الدكتور أحمد بن علي الأزرق، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، الإمارات، دبي، الطبعة الأولى، 1420 هـ/ 1999 م. (80) توضيح الأحكام من بلوغ المرام، للشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، هيئة الإغاثة الإسلامية، جدة، الطبعة الأولى، 1413 هـ/ 1992 م. (81) تيسير العلام شرح عمدة الأحكام للشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، يطلب من مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة بمكة المكرمة، الطبعة الثالثة، 1393 هـ/ 1973 م.
(82) تيسير الفقه الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف الدكتور أحمد موافي، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع بالمملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية/ جمادى الأولى 1416 هـ/ 1995 م. (وهو عبارة عن رسالة ماجستير من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، بإشراف الدكتور محمد حسن بلتاجي). (83) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ العلامة عبد الرحمن ابن ناصر السعدي، تحقيق محمد زهري النجار، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1404 هـ. (84) الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، المكتبة الثقافية، بيروت. (85) جامع الأصول في أحاديث الرسول، للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد ابن الآثير الجرزي، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، نشر وتوزيع مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان. (86) جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الفكر، بيروت، 1405 هـ/ 1984 م. (87) الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 179 هـ) بتحقيق وشرح أحمد بن محمد شاكر، دار الحديث - الأزهر - القاهرة. (88) الجامع الصغير للإمام محمد بن الحسن الشيباني مع شرحه النافع الكبير للعلامة أبي الحسنات عبد الحي اللكوني، نشر إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي، باكستان. (89) جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، للإمام زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب الحنبلى البغدادي، دار المعرفة، بيروت.
(90) الجامع في أحاديث وآثار الفرائض، زايد الوصابي، دار الآثار، صنعاء، الطبعة الأولى 1428 هـ/ 2007 م. (91) الجامع في أحاديث وآثار الفرائض، زايد بن صالح الوصابي، دار الآثار، صنعاء، الطبعة الأولى، 1428 هـ/ 2007 م. (92) الجامع لأحكام القرآن للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد القرطبي، تحقيق الدكتور عبد اللَّه التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1427 هـ/ 2006 م. (93) الجوهر النضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد تأليف الإمام العلامة المحدث يوسف ابن الحسن بن عبد الهادي الدمشقي الصالحي الحنبلي المعروف بابن المبرد، تحقيق الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الأولى، 1407 هـ/ 1988 م. (94) الجوهر النقي لإبن التركماني بذيل السنن الكبرى للبيهقي (انظر: السنن الكبرى للبيهقي). (95) حاشية الخرشي على مختصر خليل للإمام محمد بن عبد اللَّه الخرشي ومعه حاشية الشيخ علي بن أحمد العدوي علي الخرشي، تحقيق: الشيخ زكريا عمرات، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1417 هـ/ 1997 م. (96) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للعلامة شمس الدين محمد عرفة على الشرح الكبير لأبي البركات سيدي أحمد الدردير، وبهامشه تقريرات الشيخ محمد عليش، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاءه. (97) حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع للشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي، الطبعة الثانية، 1403 هـ.
(98) الحاوي في آثار الطحاوي، للحافظ محي الدين أبي محمد عبد القادر بن محمد بن أبي الوفا القرشي الحنفي، تحقيق: السيد يوسف أحمد، منشورات أحمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1419 هـ/ 1999 م. (99) الحجة على أهل المدينة للإمام محمد بن الحسن الشيباني، تحقيق العلامة مهدي ابن حسن الكيلاني القادري، عالم الكتب، الطبعة الثالثة، 1403 هـ/ 1983 م. (100) حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء للشيخ سيف الدين أبي بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال، بتحقيق الدكتور ياسين بن أحمد إبراهم درادكه، مكتبة الرسالة الحيثة، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 1988 م. (101) حلية الفقهاء لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، الشركة المتحدة للتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ/ 1983 م. (102) حواشي ابن قندس على كتاب الفروع لأبن مفلح للشيخ تقي الدين أبي بكر بن إبراهيم ابن يوسف البعلي، المعروف بابن قندس، رسالة دكتوراه، من إعداد/ صالح بن عبد الرحمن بنصالح الفوزان، الجامعة الإسلامية. (103) حواشي التنقيح في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للعلامة شرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد بن يحيى الجردي - دار المنار للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1412 هـ/ 1992 م. (104) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، للحافظ شهاب الدين أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، دار الجيل، بيروت. (105) الذخيرة لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: الدكتور
محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994 م. (106) ذيل تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي ضمن مجموع (انظر: الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون). (107) الذيل على طبقات الحنابلة للحافظ زين الدين أبي فرج عبد الرحمن ابن شهاب الدين أحمد (ابن رجب الحنبلي)، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان. (108) رحمة الأمة في اختلاف الأئمة للشيخ أبي عبد اللَّه محمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي، شركة مكتبة ومطبعة المصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الثانية، 1386 هـ/1967 م. (109) رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة، المعروف (بحاشية ابن عابدين)، دار إحياء التراث العربي، بيروت. (110) رسالة القياس لابن تيمية ضمن المجموع المسمى القياس في الشرع الإسلامي، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الخامسة، 1402 هـ/ 1982 م. (111) الرسالة، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، بيروت - دار الكتب العلمية، (د. ت). (112) الروض المربع شرح زاد المستنقع، تحقيق: الدكتور عبد اللَّه الطيار، والدكتور إبراهيم الغصن، والدكتور خالد المشيقح، وخرج أحاديثه الدكتور عبد اللَّه الغصن، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، 1416 هـ. (113) روضة الطالبين وعمدة المفتين، للإمام محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية عام 1405 هـ/
1985 - م. (114) رؤوس المسائل (المسائل الخلافية بين الحنفية والشافعية) للعلامة جار اللَّه أبي قاسم محمود بن عمر الزمخشري، دراسة وتحقيق عبد اللَّه بن نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1407 هـ/ 1987 م. (115) رؤوس المسائل الخلافية بين جمهور الفقهاء للفقيه أبي المواهب الحسين بن محمد العكبري الحنبلي، تحقيق: الدكتور خالد بن سعد الخشلان، دار إشبيلياء للنشر والتوزيع بالرياض، الطبعة الأولى، 1421 هـ/ 2001 م. (116) رؤوس المسائل في الخلاف على مذهب أبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل للشيخ أبي جعفر عبد الخالق بن عيسى الهاشمي، تحقيق معالي الدكتور عبد الملك بن عبد اللَّه بن دهيش، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ/ 2000 م. (117) زاد المسير في علم التفسير للإمام أبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1407 هـ/ 1987 م. (118) زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، الطبعة الخامسة عشر عام 1407 هـ/ 1987 م. (119) سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام، للعلامة محمد الأمير الصنعاني، تعليق محمد محرز حسن سلامة، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1405 هـ.
(120) السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، تأليف: محمد بن عبد اللَّه بن حميد النجدي ثم المكي، تحقيق: بكر بن عبد اللَّه أبو زيد، والدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1416 هـ/ 1996 م. (121) السلسبيل في معرفة الدليل، حاشية على زاد المستنقع، للشيخ صالح ابن إبراهيم البليهي، مطابع دار الهلال للأوفست، الرياض، الطبعة الثالثة، 1401 هـ. (122) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، تأليف: الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني، طبعة المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، الطبعة الثانية، 1399 هـ/ 1979 م. (123) سنن ابن ماجة، لأبي عبد اللَّه محمد بن يزيد القزويني، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه المحدث محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به مشهور بن حسن سليمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، (د - ت). (124) سنن ابن ماجه للحافظ أبي عبد اللَّه محمد بن يزيد القزويني، حقق نصوصه، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي عام 1395 - 1975 م. (125) سنن أبي داود للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، 202/ 275 هـ ومعه كتاب معالم السنن للخطابي، إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس، نشر وتوزيع محمد علي السيد، حمص، الطبعة الأولى 1388 هـ/ 1969 م. (126) سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه المحدث محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به مشهور بن حسن سليمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض،
الطبعة الأولى، (د - ت). (127) سنن الترمذي (انظر: الجامع الصحيح). (128) سنن الترمذي، للحافظ محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه المحدث محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به مشهور بن حسن سليمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، (د - ت). (129) سنن الداراقطني للإمام الحافظ علي بن عمر الداراقطني، وبذيله التعليق المغني على الداراقطني للمحدث العلامة أبي الطيب شمس الحق العظيم آبادي، تحقيق: السيد عبد اللَّه هاشم يماني المدني، دار المحاسن للطباعة، القاهرة، 1386 هـ/ 1966 م. (130) سنن الدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني، ومؤلف التعليق: محمد شمس الحق العظيم آبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1424 هـ/ 2004 م. (131) سنن الدارمي لأبي محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق: السيد عبد اللَّه هاشم المدني، الناشر: حديث أكادمي نشاط آباد/ فيصل آباد، باكستان، توزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1404 هـ/ 1984 م. (132) السنن الكبرى للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي وفي ذيله الجوهر النقي للعلامة علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني، المشهور بابن التركماني، ويليه فهرس الأحاديث، إعداد: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، لبنان. (133) السنن الكبرى للنسائي (انظر: كتاب السنن الكبرى). (134) سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي، اعتنى به ورقمه وصنع فهارسه عبد الفتاح أبو غدة، الناشر:
مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الثالثة المفهرسة، بيروت 1409 هـ/ 1988 م. قامت بطباعته وإخراجه دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان. (135) سنن النسائي، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه المحدث محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به مشهور بن حسن سليمان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، (د - ت). (136) سنن سعيد بن منصور للحافظ سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ/ 1985 م. (137) سير أعلام النبلاء، للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: حسين الأسد، وتقديم الدكتور بشار عواد معروف، بإشراف: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة 1406 هـ/ 1986 م. (138) السيرة النبوية لابن هشام أبي محمد عبد الملك بن هشام المعافري، تعليق طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، المطبعة الفنية للطبع والنشر والتجليد. (139) شذارات الذهب في أخبار من ذهب للمؤرخ الفقيه الأديب أبي الفلاح عبد الحي ابن العماد الحنبلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. (140) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، وهو شرح سيدي محمد الزرقاني على صحيح الموطأ للإمام مالك بن أنس، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. (141) شرح الزركشي على مختصر الخرقي في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للشيخ شمس الدين محمد بن عبد اللَّه الزركشي المصري
الحنبلي، بتحقيق الشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه الجبرين، طبع بشركة العبيكان للطباعة والنشر، الرياض. (142) شرح العمدة في الفقه لابن تيمية، كتاب الطهارة، تحقيق: الدكتور سعود بن صالح العطيشان، مكتبة العبيكان بالرياض، الطبعة الأولى، 1413 هـ/ 1993 م. (143) شرح العمدة لابن تيمية، كتاب الصلاة، تحقيق: الدكتور خالد بن علي المشيقح، دار العاصمة للنشر والتوزيع بالرياض، الطبعة الأولى، 1418 هـ/ 1997 م. (144) الشرح الكبير للإمام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد ابن أحمد ابن قدامة المقدسي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية الشريعة، الرياض. (145) شرح الكوكب المنير، المسمى بمختصر التحرير أو المختبر المبتكر شرح المختصر في أصول الفقه، للعلامة الشيخ محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي، المعروف بابن النجار، تحقيق: الدكتور محمد الرحيلي والدكتور نزيه حماد، دار الفكر بدمشق، 1402 هـ/ 1982 م، من منشورات جامعة أم القرى. (146) الشرح الممتع على زاد المستنقع للشيخ محمد بن صالح العثيمين، تحقيق الدكتور سليمان ابن عبد اللَّه أبا الخيل والدكتور خالد بن علي المشيقح، مؤسسة آسام للنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1414 هـ. (147) شرح فتح القدير لكمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي، مع تكملته نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار لقاضي زاده على الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني، في الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة، وبهامشه شرح العناية على الهداية للبابرتي وحاشية المحقق سعد الدين عيسى المعروف بسعدي جلبي، المطبعة
الكبرى الأميرية ببولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1315 هـ. (148) شرح مختصر الروضة للعلامة نجيم الدين أبي الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي، تحقيق: الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، الطبعة الثانية، 1419 هـ/ 1998 م. (149) شرح معاني الآثار للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الحنفي، تحقيق محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1399 هـ/ 1979 م. (150) شرح منتهى الإرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهى للعلامة منصور بن يونس ابن إدريس البهوتي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1414 هـ/ 1993 م. (151) شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل، للشيخ محمد عليش، وبهامشه حاشية تسهيل منح الجليل، دار صادر. (152) الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى محمد بن سورة الترمذي، تحقيق محمد عفيف الزعبي، دار المطبوعات الحديثة، جدة، الطبعة الثانية، 1406 هـ/ 1986 م. (153) صحيح ابن خزيمة للحافظ أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي. (154) صحيح البخاري، لأبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، إشراف ومراجعة الشيخ صالح آل الشيخ، دار السلام، الرياض، الطبعة الثانية، 1421 هـ/ 2000 م. (155) صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) تأليف محمد بن ناصر الدين الألباني - أشرف على طبعه زهير الشاويش، المكتب الإسلامي ببيروت ودمشق، الطبعة الثانية، 1406 هـ/ 1986 م.
(156) صحيح سنن ابن ماجه، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1407 هـ/ 1986 م. (157) صحيح سنن أبي داود باختصار السند، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1409 هـ/ 1989 م. (158) صحيح سنن الترمذي باختصار السند، للشيخ ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ/ 1988 م. (159) صحيح سنن النسائي للألباني. (160) صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر وتوزيع: رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، 1400 هـ/ 1980 م. (161) صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، إشراف ومراجعة الشيخ صالح آل الشيخ، دار السلام، الرياض، الطبعة الثانية، 1421 هـ/ 2000 م. (162) طبقات الحنابلة للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. (163) الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعيد البصري الزهري، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1400 هـ/ 1980 م. (164) طريقة الخلاف بين الأسلاف للفقيه علاء الدين محمد بن عبد الحميد السمرقندي، تحقيق الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1413 هـ/ 1992 م.
(165) طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية للشيخ نجم الدين بن حفص النسفي، تحقيق الشيخ خليل الميس، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى، 1406 هـ/ 1986 م. (166) عدة الباحث في أحكام المواريث، عبد العزيز بن ناصر الرشيد. (167) عقود الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، تأليف: جلال الدين عبد اللَّه بن نجم بن شاس، تحقيق الدكتور محمد أبو الأجفان، والأستاذ عبد الحفيظ منصور، بإشراف الشيخ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة، والشيخ الدكتور بكر ابن عبد اللَّه أبو زيد، طبع على نفقة خادم الحرمين الشريفين، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1415 هـ/ 1995 م. (168) العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، تحقيق الأستاذ إرشاد الحق الأثري، إدارة العلوم الأثرية، باكستان، الطبعة الثانية، 1401 هـ/ 1981 م. (169) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعلامة البدر العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت. (170) عون المعبود شرح سنن أبي داود، للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ ابن قيم الجوزية، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: محمد عبد المحسن، صاحب المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية، 1388 هـ/ 1968 م. (171) غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب للعلامة محمد السفاريني، مؤسسة قرطبة. (172) غريب الحديث للإمام أبي الفرج عبد الرحمن علي ابن الجوزي، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ/ 1985 م.
(173) غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1396 هـ/ 1976 م. (174) الفتاوى الكبرى لابن تيمية، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ/ 1987 م. (175) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1413 هـ. (176) الفتاوى الهندية في مذهب الإمام أبي حنفية المسماه بالفتاوى العالكميرية، وبهامشها فتاوى قاضيخان للإمام فخر الدين حسن بن منصور الفرغاني، دار إحياء التراث العربي للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة لعام 1400 هـ/ 1980 م. (177) فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 - 852 هـ) بتحقيق: الشيخ عبد العزيز ابن عبد اللَّه بن باز، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وأشرف على طبعه محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة، 1380 هـ. (178) فتح الباري في شرح صحيح البخاري، للإمام الحافظ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن شهاب الدين البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب الحنبلي، تحقيق أبي معاذ طارق ابن عوض اللَّه بن محمد، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، 1417 هـ/ 1996 م. (179) الفتح الرباني بمفردات ابن حنبل الشيباني للعلامة الشيخ أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن محمد الطيار والدكتور
عبد العزيز بن محمد الحجيلان، دار العاصمة، الرياض، النشرة الأولى، 1415 هـ. (180) الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني مع شرحه بلوغ لأماني من أسرار لفتح الرباني، كلاهما للشيخ أحمد بن عبد الرحمن البنا، دار الشهاب، القاهرة. (181) الفروع للشيخ الإمام شمس الدين المقدسي أبي عبد اللَّه محمد بن مفلح ويليه تصحيح الفروع للشيخ الإمام العلامة أبي الحسن علي بن سليمان المرداوين، راجعه عبد الستار أحمد فراج، طبعه عالم الكتب، بيروت، الطبعة الرابعة عام 1405 هـ/ 1985 م. (182) الفروق على مذهب الإمام أحمد بن حنبل للشيخ أبي عبد اللَّه السامري، تحقيق: محمد بن إبراهيم محمد اليحيى، دار الصميعي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1418 هـ/ 1997 م. (183) الفروق للإمام أحمد بن إدريس القرافي، وبهامشه تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية، عالم الكتب، بيروت. (184) الفصل في الملل والأهواء والنحل للإمام أبي محمد علي بن أحمد ابن حزم الظاهري، وبهامشه الملل والنحل، للإمام أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، دار الفكر، 1400 هـ/ 1980 م. (185) فقه المواريث، الدكتور عبد الكريم اللاحم، المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد، تحت إشراف الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية الإفتاء والدعوة والإرشاد، الطبعة الأولى، 1413 هـ. (186) فيض القدير شرح الجامع الصغير للعلامة محمد المدعو بعبد الرءوف المناوي، المكتبة التجارية بالكبرى، مصر، الطبعة الأولى، 1456 هـ/ 1938 م. (187) قليوبي وعميرة حاشيتا الإمامين شهاب الدين القليوبي والشيخ عميرة
على شرح العلامة جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين للنووي في فقه مذهب الإمام الشافعي، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، مصر. (188) قواعد الفقه، محمد عميم الإحسان البركتي، الناشر الصدف ببلشرز، كراتشي، (د - ن). (189) القواعد النورانية الفقهية، تأليف: شيخ الإسلام ابن تيمية، بتحقيق: محمد حامد فقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1370 هـ/ 1951 م. (190) القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية للشيخ العلامة أبي الحسن علاء الدين ابن اللحام علي بن عباس البعلي الحنبلي، تحقيق محمد حامد فقي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ/ 1983 م. (191) القوانين الفقهية لابن جُزَي، دار القلم - بيروت. (192) الكافي في فقه أهل المدينة المالكي للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي، تحقيق الدكتور محمد محمد أحبد ولد ماديك الموريتاني، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، الطبعة الأولى عام 1398 هـ/ 1978 م. (193) الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، لموفق الدين أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي، الناشر: المكتب الإسلامي، ودار ابن حزم، الطبعة الأولى، عام 1423/ 2003 م. (194) الكامل في التاريخ للإمام أبي الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري الملقب بعز الدين، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1403 هـ/ 1983 م. (195) الكامل في ضعفاء الرجال للحافظ أبي أحمد عبد اللَّه بن عدي
الجرجاني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1404 هـ/ 1984 م. (196) كتاب الأصل المعروف بالمبسوط للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن الحسن الشيباني، بتعليق أبو الوفاء الأفغاني، من منشورات إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، باكستان. (197) كتاب السنن الكبرى، تصنيف الإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: دكتور عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1411 هـ/ 1991 م. (198) الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، للإمام الحافظ عبد اللَّه بن محمد ابن أبي شيبة العبسي، تحقيق: الأستاذ عبد الخالق الأفغاني، نشر مختار أحمد الندوي السلفي، الدار السلفية، الهند، الطبعة الثانية، 1399 هـ/ 1979 م. (199) كشاف القناع للشيخ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، بتعليق الشيخ هلال مصيلحي مصطفى هلال، عالم الكتب، بيروت، عام 1403 هـ/ 1983 م. (200) كشف اللثام شرح عمدة الأحكام، شمس الدين السفاريني، تحقيق نور الدين طالب، دار النوادر، دمشق، الطبعة الأولى، 1428 هـ/ 2007 م. (201) كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، للإمام تقي الدين لأبي بكر بن محمد الحسيني الحصني الدمشقي الشافعي، دار إحياء الكتب العربية، بيروت. (202) اللباب في الجمع بين السنة والكتاب للإمام أبي محمد علي بن زكريا المنبجي، تحقيق: الدكتور محمد فضل عبد العزيز المراد، دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة، جدة، ط 1، 1403 هـ/ 1983 م. (203) اللباب في شرح الكتاب، للشيخ عبد الغني الغنيمي الدمشقي
الميداني، الحنفي، على المختصر المشتهر باسم: الكتاب، الذي صنفه الإمام أبو الحسين أحمد بن محمد القدوري، البغدادي، الحنفي، تحقيق محمود أمين النوادي، مكتبة الرياض الحديثة. (204) لسان العرب لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المصري، دار صادر، بيروت. (205) لسان الميزان للحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثانية، 1390 هـ/ 1971 م. (206) المبدع في شرح المقنع للشيخ أبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه ابن محمد بن مفلح المؤرخ الحنبلي، المكتب الإسلامي، بيروت، عام 1980 م. (207) مجمع الأنهر في شهر ملتقى الأبحر للفقيه عبد اللَّه بن الشيخ محمد بن سليمان المعروف بداماد أفندي، دار إحياء التراث العربي، للنشر والتوزيع. (208) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتاب العرب، بيروت، الطبعة الثالثة، 1402 هـ/ 1982 م. (209) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن ابن محمد بن قاسم وساعده ابنه محمد، طبع بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، طبعت هذه الفتاوى في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، عام 1416 هـ/ 1995 م. (210) المجموع في شرح المهذب للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف
النووي، ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي، وبليه التلخيص الحبير في تخريج الرافعي الكبير للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الفكر. (211) المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للإمام مجد الدين أبي البركات ابن تيمية، ومعه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين ابن تيمية، تأليف: شمس الدين ابن مفلح الحنبلي المقدسي، مطبعة السنة المحمدية، 1369 هـ. (212) المحلى للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، تحقيق: الشيخ أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة. (213) مختار الصحاح، للإمام محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي، عنى بترتيبه محمود خاطر، دار الحديث، القاهرة. (214) المختارات الجلية من المسائل الفقهية للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ويليها كتاب المناظرات الفقهط للمؤلف نفسه، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، الطبعة الثانية، 1405 هـ. (215) مختصر اختلاف العلماء لأبي بكر أحمد بن علي الجصاص الرازي، تحقيق: الدكتور عبد اللَّه نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1995 م. (216) مختصر اختلاف العلماء، لأبي بكر الرازي، دراسة وتحقيق الدكتور عبد اللَّه نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية 1428 هـ/ 2007 م. (217) مختصر الخرقي من مسائل المجبل أحمد بن محمد بن حنبل، للإمام أبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1403 هـ.
(218) مختصر الطحاوي للإمام المحدث الفقيه أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الحنفي، تحقيق: أبو الوفاء الأفغاني، نشر لجنة إحياء المهارف النعمانية بحيدر أباد الدكن الهند، مطبعة دار الكتاب العربي بالقاهرة، بإشراف رضوان محمد رضوان، طبعة عام 1370 هـ. (219) مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري، ومعالم السنن لأبي سليمان الخطابي، وتهذيب الإمام ابن القيم الجوزية، تحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد حامد فقي، دار المعرفة، بيروت، 1400 هـ/ 1980 م. (220) مختصر فتاوى ابن تيمية، وهو مختصر الفتاوى المصرية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف الشيخ بدر الدين أبي عبد اللَّه محمد بن علي الحنبلي البعلي، تحقيق عبد المجيد السلفي، دار الكتب العلمية، بيروت. (221) المدخل إلى مذهب الإمام أحمد للعلامة عبد القادر بن بدران الدمشقي تصحيح وتعليق الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1405 هـ/ 1985 م. (222) المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس برواية سحنون بن سعيد التنوخي، مطبعة السعادة، بمصر، توزيع مكتبة المثنى، بغداد. (223) المذهب الأحمد في مذهب الإمام أحمد، للشيخ محيي الدين يوسف بن الشيخ جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن علي الجوزي، نشر المؤسسة السعيدية، الرياض. (224) مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات للحافظ أبي محمد علي بن أحمد ابن سعيد ابن حزم، ويليه نقد مراتب الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية، بعناية حسن أحمد اسبر، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 هـ/ 1998 م. (225) مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابنه صالح، تحقيق الدكتور فضل
الرحمن دين محمد، الدار العلمية، الهند، بإشراف عبد الوهاب عبد الواحد الخلجي، الطبعة الأولى عام 1408 هـ/ 1988 م. (226) مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد اللَّه، تحقيق الدكتور علي بن سليمان المهنا، مكتبة الدار بالمدينة المنورة، الطبعه الأولى، 1406 هـ/ 1986 م. (227) مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية إسحاق بن إبراهيم ابن هانئ النيسابوري، تحقيق: زهير الشاويش، نشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة من 1394 هـ إلى 1400 هـ. (228) المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى، تحقيق الدكتور عبد الكريم بن محمد اللاحم، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى، 1405 هـ/ 1985 م. (229) المسائل عن أبي عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل وأبي يعقوب إسحاق ابن إبراهيم الحنظلي (المعروف بإسحاق بن راهويه) تأليف الإمام إسحاق بن منصور الكوسج، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد اللَّه الزاحم، دار المنار، القاهرة، الطبعة الأولى، 1412 هـ/ 1992 م. (230) المستدرك على الصحيحين في الحديث للحافظ الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الحاكم النيسابوري، وفي ذيله تلخيص المستدرك للحافظ شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد الذهبي، مكتبة المعارف، الرياض. (231) المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، جمع وترتيب الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، شركة سامو برس غروب، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ. (232) مسند أبي داود الطيالسي سليمان بن داود الجارود، تحقيق: الدكتور
محمد ابن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ش ترعة الزمر، المهندسين، جيزة، بإمبابة، بمصر، الطبعة الأولى، 1419 هـ/ 1999 م. (233) مسند أبي يعلى الموصلي للحافظ أحمد بن علي بن المثنى التميمي، تحقيق حسن سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1404 هـ/ 1984 م. (234) مسند الإمام أحمد بن أحمد وبهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، الطبعة الثانية، 1398 هـ/ 1954 م. (235) المسند للإمام أحمد بن محمد بن حنبل، بشرح الشيخ أحمد محمد شاكر، دار المعارف بمصر، الطبعة الرابعة، 1373 هـ/ 1954 م. (236) المسند للإمام الحافظ أبي بكر عبد اللَّه بن الزيبر الحميدي، تحقيق: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، عالم الكتب، بيروت، مكتبة المتنبي، القاهرة. (237) المسودة في أصول الفقه لآل تيمية، جمعها شهاب الدين أبو العباس البعلي أحمد بن محمد بن أحمد عبد الغني الحراني الدمشقي، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت. (238) مشكاة المصابيح للشيخ محمد بن عبد اللَّه الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1399 هـ/ 1979 م. (239) مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للإمام أحمد بن أبي بكر البوصيري تحقيق موسى محمد علي والدكتور علي عزت عطية، نشر دار الكتب الإسلامية، مصر، مطبعة حسان، القاهرة. (240) المصنف للحافظ أبي بكر عبد الرزاق عبد الرزاق بن همام الصنعاني،
تحقيق: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، نشر: المجلس العلمي، الطبعة الأولى، 1390 هـ/ 1970 م، ويطلب من المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. (241) المطلع على أبواب المقنع للإمام أبي عبد اللَّه شمس الدين محمد أبي الفتح البعلي الحنبلي، ومعه معجم ألفاظ الفقه الحنبلي، صنع محمد بشير الأدلبي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1401 هـ/ 1981 م. (242) المعتمد في أصول الفقه، للشيخ أبي الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، تحقيق: الشيخ خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ/ 1983 م. (243) المعجم الأوسط للحافظ الطبراني، تحقيق الدكتور محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1405 هـ/ 1985 م. (244) معجم البلدان للإمام أبي عبد اللَّه ياقوت الحموي، تحقيق: فريد عبد العزيز الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1310 هـ/ 1990 م. (245) المعجم الكبير للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي ابن عبد المجيد السلفي، مطبعة الزهراء الحديثة، الموصل، شارع النجف، الطبعة الثانية. (246) المعجم الوسيط، قام بإخراجه، إبراهيم مصطفى، وأحمد حسن الزيات وحامد عبد القادر ومحمد علي النجار، مجمع اللغة العربية، مصر، طبع بمطابع دار المعارف، مصر. (247) معرفة السنن والآثار للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البهيقي، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، الناشرون: جامعة الدراسات الإسلامية باكستان، دار قتيبة، دمشق، دار الوعي، القاهرة، دار الوفاء، القاهرة، الطبعة الأولى 1412 هـ/ 1991 م.
(248) المعونة على مذهب عالم المدينة (الإمام مالك بن أنس) للقاضي عبد الوهاب البغدادي، تحقيق عبد الحق حميش، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. (249) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج شرح الشيخ محمد الخطيب الشربيني، على متن منهاج الطالبين للإمام أبي زكريا بن شرف النووي، مع تعليقات للشيخ جويلي بن إبراهيم الشافعي، دار الفكر. (250) المغني لموفق الدين أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي، بتحقيق: الدكتور عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، والدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة، الطبعة الثانية، 1412 هـ/ 1992 م. (251) المقدمات المهمدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيان والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات للإمام أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، تحقيق الدكتور محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ/ 1988 م. (252) المقنع في شرح المختصر الخرقي، للإمام أبي علي الحسن بن أحمد بن البنا، تحقيق الدكتور عبد العزيز بن سليمان البعيمي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1414 هـ/ 1993 م. (253) المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل الشيباني، للإمام موفق الدين عبد اللَّه بن محمد بن عبد الوهاب، المؤسسة السعيدية، الرياض، الطبعة الثالثة. (254) الممتع في شرح المقنع، تأليف: زين الدين المنجي التنوخي الحنبلي، تحقيق: الدكتور عبد الملك ابن عبد اللَّه بن دهيش، الرئيس العام
لتعليم البنات بالمملكة سابقًا، دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع، يطلب من مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، الطبعة الأولى، 1418 هـ/ 1997 م. (255) المنتقى لابن الجارود للحافظ أبي محمد عبد اللَّه بن علي الجارود النيسابوري، ويليه كتاب تيسير الفتاح الودود في تخريج المنتقى لابن الجارود للسيد عبد اللَّه هاشم المدني، مطابع الأشرف، لاهور، باكستان، الطبعة الأولى، 1403 هـ/ 1983 م. (256) المنتقى من أخبار المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- للإمام مجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن تيمية الحراني، بتعليق: الشيخ محمد حامد فقي، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، 1403 هـ/ 1983 م. (257) المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد للعلامة منصور بن يونس البهوتي، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن محمد بن عبد الرحمن المطلق، إدارة إحياء التراث الإسلامي، قطر. (258) منهاج السنة النبوية في نقص منهاج الشيعة والقدرية لابن تيمية، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم، بإشراف جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى، 1406 هـ/ 1986 م. (259) المهذب في فقه الإمام الشافعي، للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيرزآبادي الشيرازي ويليه شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن طالب الركبي، جار الفكر، توزيع شركة نور الثقافة الإسلامية، جاكرتا. (260) المواريث في الشريعة الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة، محمد علي الصابوني، (د. ن) الطبعة الثانية، 1399 هـ/ 1979 م. (261) المواريث في الشريعة الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة، محمد علي
الصابوني، طبع على نفقة السيد حسن عباس شربتلي، الطبعة الثانية 1399 هـ/ 1979 م. (262) الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي وهو إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، بتعليق: الشيخ عبد اللَّه دراز وابنه محمد، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، دار المعرفة، بيروت. (263) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للشيخ أبي عبد اللَّه محمد بن محمد ابن عبد الرحمن المغربي، المعروف بالحطاب الرعيني، تحقيق الشيخ زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1416 هـ/ 1995 م. (264) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، للشيخ أبي عبد اللَّه محمد بن محمد ابن عبد الرحمن المغربي، المعروف بالحطاب الرعيني، بتحقيق: زكريا عمرات، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى عام 1416 هـ/ 1995 م. (265) موسوعة الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب الدكتور عبد اللَّه آل سيف، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1430 هـ/ 2009 م. (266) الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، طباعة ذات السلاسل، الكويت، الطبعة الثانية، 1404 هـ/ 1983 م. (267) موسوعة فقه ابن تيمية، تأصيل وتقعيد، تأليف: الدكتور محمد رواس قلعه جي، أستاذ الفقه بجامعة الملك سعود بالرياض، طبعة دار الفيص الثقافية بالرياض، الطبعة الأولى، 1405 هـ/ 1994 م. (268) موسوعة في الفقه الإسلامي، سعدي أبو جيب، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة عام 1419 هـ/1999 م.
(269) الموطأ للإمام مالك بن أنس، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية. (270) ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت. (271) نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار قي شرح معاني الآثار، بدر الدين العيني، تحقيق ياسر بن ابراهيم، دار النوادر، دمشق، بتمويل الهيئة القطرية للأوقاف، الطبعة الأولى، 1429 هـ/ 2008 م. (272) نصب الراية لأحاديث الهداية للإمام الحافظ جمال الدين أبي محمد عبد اللَّه بن يوسف الحنفي الزيعلي مع حاشيته (بغية الألمعي في تخريج الزيلعي) الطبعة الثانية، المجلس العلمي، جنوب أفريقيا وباكستان والهند. (273) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه على مذهب الإمام الشافعي، للعلامة شمس الدين محمد بن أبي العباس حمزة، ابن شهاب الدين الرملي، ومعه حاشية أبي الضياء نور الدين علي ابن علي الشبراملسي القاهري، وحاشية أحمد بن عبد الرزاق المعروف بالمغربي الرشيدي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الأخيرة، 1386 هـ/ 1967 م. (274) النهاية في غريب الحديث والأثر، للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن أثير، تحقيق: طاهر حمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، الناشر: المكتبة الإسلامية. (275) نوادر الفقهاء للإمام محمد بن الحسن التميمي الجوهري، تحقيق: الدكتور محمد فضل عبد العزيز المراد، دار القلم بدمشق، والدار الشامية ببيروت، الطبعة الأولى، 1414 هـ/ 1993 م. (276) نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، للإمام
محمد ابن علي الشوكاني، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلي، مصر. (277) نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب، ويليه الاختيارات الجلية من المسائل الخلافية للشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، نشر: مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، مطبعة المدني بمصر. (278) هداية الراغب لشرح عمدة الطالب للشيخ عثمان بن أحمد النجدي الحنبلي، تحقيق الأستاذ حسين محمد مخلوف، خرج أحاديثه محمد وهبي سليمان بعناية أحمد عبد العليم البردوني، دار الصابون، حلب، سوريا، ودار الباز للنشر والتوزيع، بيروت، مكة المكرمة. (279) الواضح في شرح مختصر الخرقي للشيخ نور الدين أبي طالب عبد الرحمن بن عمر البصري الضرير، تحقيق معالي الدكتور عبد الملك بن عبد اللَّه بن دهيش، النائر مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، دار خضر للطباعة والنشر التوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ/ 2000 م. (280) الوسيط في المذهب للإمام محمد بن محمد بن محمد أبي حامد الغزالي، تحقيق علي محيى الدين علي القره داغي، نشر اللجنة الوطنية للاحتفال يمطلع القرن الخامس عشر الهجري في الجمهورية العراقية، الطبعة الأولى. (281) الوقوف من مسائل الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، للإمام أحمد بن محمد بن هارون الخلال، تحقيق الدكتور عبد اللَّه بن أحمد الزيد، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1410 هـ/ 1989 م. * * *
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة إن الحمد للَّه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد: فإنّ مصادر التشريع الإسلامي الذي يُستمد منه بيان أحكام هذه الشريعة المطهرة هي الكتاب، والسنة، والإجماع. ولما كان الإجماع هو المصدر الثالث من مصادر التشريع الذي تُبنى عليه الأحكام صار محل اهتمام أهل العلم في بيان موارده، وتعظيم شأنه، والتحذير من مخالفته، بل نص بعض الأئمة على كفر منكر الإجماع القطعي (¬1). ¬
مشكلة البحث
وكان من نعم اللَّه علينا ما خلَّفه لنا أئمتنا من ثروة علمية هائلة، جمعوا فيها أقوال أئمة الإسلام، وأخص هنا علم الفقه؛ حيث ظهرت العديد من المؤلفات التي جمعت مسائله وبينت الأدلة التي استندت إليها، بل كتب فيه بعض الفقهاء مؤلفات مستقلّة، تجمع المسائل التي أجمع عليها أهل العلم (¬1). إلا أن اهتمام أهل العلم بهذا المصدر -أعني الإجماع- لم يُعط حقه بالنظر إلى الاهتمام بالكتاب والسنة؛ إذ أن من ألَّف فيه ككتاب مستقل يجمع فيه شتات مسائل الإجماع هم عدد قليل من أهل العلم، وأكثر من ذكر الإجماعات من أهل العلم كان طريقه في ذلك هو ذكرُها في ثنايا تأليفه لكتاب فقهي أو عقدي أو نحوه. ولذا عنايةً بهذا المصدر وحرصًا على التحقيق فيه، فقد تبنى نخبة من أعضاء هيئة التدريس في مسار الفقه وأصوله من كلية التربية بجامعة الملك سعود مشروعًا لجمع المسائل التي حكي فيها الإجماع وتحقيقها فأحببت أن يكون لي شرف الانضمام إليه، فتقدمت بهذا المخطط وعنوانه: مسائل الإجماع في أبواب: حد الزنا والقذف وشرب الخمر والتعزير" "جمعًا ودراسةً". مشكلة البحث: يمكن إجمال المشكلات التي في هذا البحث فيما يلي: أولًا: لما كانت المسائل المذكورة في الإجماع منثورة في كتب الفقهاء، ومغمورة بين سطور مؤلفات العلماء، اقتضى الأمر جمعها، وحصرها، وذلك عن طريق استقراء تلك الكتب وجردها لاستخراج الألفاظ الإجماعية المحكية في المسائل التي أقوم بدراستها. ثانيًا: اختلاف ألفاظ الفقهاء في حكاية الإجماع، فبعضهم يحكي الإجماع، ¬
حدود البحث
وآخرون الاتفاق، وآخرون ينفون الخلاف، وغيرهم ينفون نفي الخلاف، إلى غير تلك من العبارات، وهذا يستدعي التدقيق في الاستقراء والنظر. ثالثًا: اختلاف مناهج العلماء في مرادهم بألفاظ الإجماع، فبعضهم يحكى الإجماع أو نفي الخلاف ويراد به الإجماع المذهبي، وأنه لا خلاف فيه في المذهب، مع ثبوت الخلاف فيه خارج المذهب. فكان على الباحث في هذا الموضوع أن يجمع شتات هذه الأقوال في بطون الكتب، وثنايا الأسطر والمسائل، مع اختلاف ألفاظها، ثم النظر والتحقيق في تحقق الإجماع فيها من عدمه، وعند التحقق من عدم صحة الإجماع بوجود المخالف لا بد من النظر في سياق الكلام لتحرير مراد المؤلف بحكاية ذلك الإجماع هل أراد به إجماع المذهب الذي ينتمي إليه، أو أنه حكى الإجماع لعدم اعتباره بالمخالف لكونه من قبيل الشاذ مثلًا، أو أنه قد وهم في حكاية الإجماع، وربما أنه قلد غيره دون أن يتحقق من صحة ما نقله. حدود البحث: يتحدد موضوع البحث في المسائل التي حكي فيها الإجماع أو الاتفاق أو نفي الخلاف، أو نفي العلم بالخلاف، والمصطلحات ذات الصلة، ومشتقاتها، وذلك في حد الزنا، وحد القذف، وحد المسكر، والتعزير. وذلك من خلال الكتب المعتمدة في المشروع من قبل اللجنة المشكَّلة من القسم -وفقهم اللَّه-، وعددها ثلاثون كتابًا. مصطلحات البحث: المصطلحات الرئيسة في هذا البحث على سبيل الإجمال هي: الإجماع: وهو اتفاق علماء العصر من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- على أمر من أمور الدين (¬1). ¬
أهمية الموضوع وأسباب اختياره
الحدود: هي عقوبة مقدرة شرعًا في معصية لتمنع الوقوع في مثلها (¬1). الزنا: إتيان المكلف امرأة لا شبهة له فيها (¬2). القذف: هو رمي آدمي بالزنا (¬3). الخمر: هو كل ما أسكر العقل وغطاه عن وعْيه عند جمهور الفقهاء (¬4). وعند الحنفية يخصونه بعصير العنب إذا اشتد وقذف الزبد (¬5). التعزير: هو العقوبة على معصية لا حد فيها ولا كفارة (¬6). أهمية الموضوع وأسباب اختياره: يمكن إجمال بيان أهمية الموضوع فيما يلي: أولًا: المكانة التي يحتلها الإجماع بين أصول الشريعة الإسلامية فهو المصدر الثالث من مصادر أدلة الشريعة الإسلامية. ثانيًا: أهمية معرفة مواضع الإجماع لأهل العلم، وهو أحد الشروط ¬
الواجب توفرها في المجتهد. ثالثًا: أن الإجماع إذا تحقق وكان من قبيل القطعي فإنه يجب قبوله والعمل به، وكان في منزلة نص الكتاب أو السنة. رابعًا: أن معرفة مسائل الإجماع وحصرها في أبواب حد الزنا، والقذف، والمسكر، والتعزير مما يعين القضاة ويساعدهم في الحكم فيما يعرض لهم من قضايا من هذا النوع، فمعرفة الإجماع له أثره في اجتهاد المجتهد، وفتوى المفتي وحكم القاضي، لاسيما أن العلماء يشترطون في بلوغ رتبة الاجتهاد معرفة مواطن الإجماع. خامسًا: أن الإجماعات التي حكيت في أبواب حد الزنا، والقذف، والمسكر، والتعزير كثيرة وتحتاج إلى دراسة وتحقق من صحتها، فكثير من الإجماعات أو ما أطلق فيه الفقهاء الاتفاق أو نفي الخلاف وغيره من الألفاظ التي توحي بالإجماع، تكون محل خلاف معتبر عند الدراسة والتحقيق. سادسًا: أن من الفقهاء من يحكي لفظ الإجماع أو غيره من الألفاظ ذات الصلة، ويكون له مراد خاص بالإجماع، كأن يريد به الإجماع المذهبي، أو يكون له منهج خاص بذلك كأن يكون ممن لا يعتبر خلاف الواحد والاثنين، أو نحو ذلك، فكان لهذه الدراسة أهمية في معرفة مناهج العلماء، ومراداتهم في حكاية الإجماع. سابعًا: الإسهام في دراسة منهجية علمية تخدم الإجماعات في هذه الأبواب. ثامنًا: أهمية هذه الحدود وخطورة الحكم فيها. تاسعًا: عدم وجود دراسة وافية للمسائل التي حكي فيها الإجماع أو الاتفاق بحيث تكون مرجعًا أصيلًا للباحثين في المسائل الإجماعية الفقهية.
أهداف البحث
أهداف البحث: الهدف العام من البحث الإسهام في تقريب المصدر الثالث من مصادر التشريع لدينا، وهو الإجماع، وذلك من خلال بيان المسائل المتحقق فيها الإجماع من غيرها التي حكي فيها الإجماع دون تحققه. أما الأهداف الخاصة فتتلخص فيما يلي: أولًا: استقراء جميع مسائل الإجماع في أبواب حد الزنا، وحد القذف، وحد المسكر، والتعزير، ثم دراستها دراسة علمية وافية للخروج بنتائج، من أهمها: معرفة تحقق الإجماع من عدمه في هذه المسائل. ثانيًا: استقصاء العلماء الذين حكوا الإجماع، أو نقلوه، وارتضوه في المسائل الفقهيّة المتعلقة بمحل البحث. ثالثًا: استقراء جميع آراء العلماء الذين كانت لهم مواقف أخرى من هذا الإجماع، بأن حكوا الخلاف، أو نفوا وقوع الإجماع، أو أظهروا الخلاف في المسألة. رابعًا: العناية ببيان مستند الإجماع في المسألة، ووجه الاستدلال منه. خامسًا: بيان أن الفقه الإسلامي يحوي الكثير من المسائل التي هي محل إجماع أو اتفاق، في أبواب حد الزنا، وحد الفذف، وحد شرب الخمر، والتعزير. سادسًا: تكوين حصيلة علمية مناسبة للباحث، وذلك بالاطلاع على هذا العدد الوفير من مسائل الإجماع الواردة في كتب الفقه في شتى المذاهب. سابعًا: تسهيل وصول الباحثين من المتخصصين وغيرهم إلى مواضع الإجماع في الفقه في باب حد الزنا، وحد القذف، وحد المسكر، والتعزير. أسئلة البحث: تجيب هذه الدراسة عن تساؤلات أهمها: أولًا: ما مسائل الإجماع في أبواب "حد الزنا، وحد القذف، وحد المسكر، والتعزير" من كتاب الحدود؟
إجراءات البحث
ثانيًا: من حكى الإجماع في تلك المسائل من أهل العلم؟ ومن نقل ذلك الإجماع عن غيره وارتضاه؟ ثالثًا: ما المستند الشرعي الذي بني عليه الإجماع، في المسائل التي حكي فيها الإجماع؟ رابعًا: هل هناك من أهل العلم من نفى الإجماع في مسألة من تلك المسائل؟ أو حكى خلافًا في المسألة، أو أظهر خلافًا؟ خامسًا: ما المستند الشرعي لمن قال بالخلاف في المسألة التي حكي فيها الإجماع؟ سادسًا: عند وقوع اختلاف بين من يدّعي وقوع الإجماع، وبين من ينفي وقوعه، أو يحكي خلافًا، فما النتيجة النهائية في المسألة هل هي محل إجماع أو لا؟ سابعًا: إذا حكى أهل العلم إجماعًا في مسألة معينة، ثم وُجد من يذكر قولًا يخالف الإجماع، فما مراد من حكى الإجماع في المسألة؟ ثامنًا: ما الأقوال الشاذّة التي تتعارض مع الإجماع، وما الأدلّة على شذوذها ومخالفتها للإجماع؟ تاسعًا: ما جوانب الاتفاق التي وقعت بين الفقهاء في المسائل المتعلقة بحد الزنا، وحد القذف، وحد المسكر، والتعزير؟ إجراءات البحث: أولًا: إجراءات الجمع: قمت بجمع المسائل التي حكي فيها الإجماع من خلال كتب المشروع، ورتبتها على حسب ترتيب الأبواب الفقهية عند متأخري الحنابلة. ثانيًا: إجراءات الكتابة: سلكت في هذه الرسالة الخطوات التالية: 1 - قمت باستقراء الكتب المعتمدة في المشروع لحصر جميع المسائل التي
حكي فيها الإجماع أو الألفاظ ذات الصلة بالإجماع فيما يختص بالأبواب المعنيَّة بالرسالة. 2 - أعنون للمسألة التي حكي فيها الإجماع بصيغة مناسبة شاملة. 3 - أذكر المراد بالمسألة، وذلك بشرح المسألة وبيان غريب ألفاظها إذا كان ثمة ألفاظ يتطلَّب بيانها. 4 - أذكر من نقل الإجماع في المسألة، فأذكر اسم العالم، ثم تاريخ وفاته، ثم أنقل نص عبارته التي حكى فيها الإجماع، وقد تكون العبارة في معرض كلام له لا يستقيم الكلام إلا بذكر ما يوضحها، فأذكر ما يوضح المراد إما قبل إيراد كلامه، أو أثناء الكلام لكني أميز التوضيح بوضعه بين شرطتين وأفتتحه بكلمة [أي] للدلالة على أن الكلام من الباحث، وألتزم بنقل الإجماع عن العلماء بترتيبهم الزمني حسب وفاتهم. 5 - إذا كان العالم قد حكى الإجماع عن غيره من أصحاب الكتب المعتمدة في المشروع، كأن ينقل ابن قدامة الإجماع عن ابن المنذر مثلًا فإني أكتفي بقولي: (ونقله عنه ابن قدامة) بعد ذكر نص الإجماع لابن المنذر. 6 - عند تكرار الإجماع من عالم واحد في المسألة الواحدة، فإنني أكتفي بذكر نصّ واحد يكون هو أوضحها وأصرحها، وأشير إلى بقيّة النصوص بالهامش. 7 - أذكر من وافق العلماء الذين نقلتُ عنهم الإجماع من المذاهب الأخرى الذين لا ينتمي إليهم العلماء المنقول عنهم الإجماع وذلك بالرجوع إلى كتابين -على الأقل- من كتبهم المعتبرة. فمثلا: إذا انفرد ابن عبد البر بحكاية الإجماع في المسألة، فإني أذكر المذاهب الأخرى التي لا ينتمي إليها ابن عبد البر وهي المذهب الحنفي، ثم الشافعي، ثم الحنبلي، وأذكر المسألة عند ابن حزم من المذهب الظاهري إذا وجدتها صراحة، وإلا فلا، إلا في القليل النادر من المسائل
الظاهرة التي يعلم قوله فيها وإن لم ينص عليه، مبينًا ذلك في الحاشية، واقتصرت على ذكر المذاهب الأربعة دون ذكر مذاهب الصحابة والتابعين وأتباعهم، وغيرهم من العلماء المستقلين عن المذاهب؛ وذلك لأن القول الذي حُكي فيه الإجماع هو الأصل، فذكرهم استكثار لا حاجة له. 8 - إن وجدتُ المسألة في المذهب الموافق منصوصًا عليها فالحمد للَّه، وإلا فإني أجتهد في إلحاق المسألة بنظائرها من مسائل المذهب وما يشبهها من الفروع الفقهية، وأنبه على هذا في الحاشية. 9 - أذكر مستند الإجماع من الأثر والنظر، فإن لم أجد من ذكر دليلًا لشهرة المسألة مثلًا فإني أذكره بطرق الاستنباط الأخرى مراعيًا أن تكون الصيغة شاملة ومختصرة. 10 - أذكر القول المخالف للإجماع المحكي في المسألة، ثم أذكر دليله إن وجد وإلا فأجتهد في استنباط دليل له. 11 - أذكر نتيجة الإجماع المحكي في المسألة هل ثبت أم لا؟ وذلك يكون إما من خلال نصوص العلماء، أو باجتهاد مني مع بيان التعليل باختصار. 12 - عزوت الآيات إلى سورها مع ذكر رقمها. 13 - خرَّجت الأحاديث والآثار من مصادرها وذلك بذكر الكتاب، والباب، ورقم الحديث أو الأثر، فإن كان الحديث في الصحيحين، فأكتفي بالتخريج منهما، معتمدًا على لفظ مسلم؛ وذلك لكونه أشمل فإنه يذكر الحديث بتمامه في موضع واحد، وأكتفي بذكره في موضع واحد عند البخاري، وهو أول ذكر له. وإن كان الحديث في أحدهما فأكتفي بتخريجه منهما فقط، وإن كان غير ذلك فأُخرّج الحديث من المصادر الأخرى مع نقل كلام العلماء الذين يعتمد عليهم في نقد الحديث وبيان درجته صحة وضعفًا.
منهج البحث
14 - وثَّقت أقوال الفقهاء من الكتب المعتمدة في كل مذهب، ولا أذكر معلومات الكتاب اكتفاء بما سيذكر في قائمة المراجع. 15 - عرفت بالمصطلحات الأصولية والفقهية والألفاظ اللغوية الغريبة التي ترد في البحث، موثقة من مصادرها ومراجعها المعتمدة. 16 - ترجمت باختصار لكل علم يرد في صلب البحث ترجمة تتضمن: اسمه، ونسبه، ومذهبه الفقهي، وشهرته، وأهم مؤلفاته، وتاريخ مولده ووفاته، مع ذكر مصادر ترجمته. منهج البحث: سلكت في هذه الرسالة المنهجين العلميين التاليين: أوّلًا: المنهج الاستقرائي: الذي يعتمد على استقراء الكتب المعتمدة في خطة المشروع، وتتبع المسائل التي حكي فيها الإجماع، وجمعها، وتقييدها. ثانيًا: المنهج الاستنتاجي: الذي يعتمد على دراسة تلك المسائل التي حكي فيها الإجماع، وتأكيد الإجماع حال ثبوته، أو تفنيده حال وقوع الخلاف في ذلك. خطة البحث: تتكون الخطة من مقدمة، وتمهيد، وخمسة أبواب وخاتمة بيانها كما يأتي: المقدمة: وتشتمل على بيان مشكلة البحث، وحدوده، ومصطلحاته، وأهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة حوله، وأهدافه، وأسئلة البحث، وإجراءات البحث، ومنهج البحث. التمهيد: وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: تعريف الإجماع. المبحث الثاني: مكانة الإجماع، وطرق نقله. المبحث الثالث: حجية الإجماع. المبحث الرابع: أنواع الإجماع.
المبحث الخامس: ألفاظ العلماء في حكاية الإجماع. المبحث السادس: أثر الخلاف في نقض الإجماع. الباب الأول: مسائل الإجماع العامة في الحدود، وفيه تمهيد وثلاثة فصول: التمهيد: يتضمن تعريف الحدود والحكمة من مشروعيتها، وشروط إقامتها. الفصل الأول: مسائل الإجماع العامة في الحدود. الفصل الثاني: مسائل الإجماع العامة في مسقطات الحدود، وما لا يجب به إقامة الحد. الفصل الثالث: مسائل الإجماع العامة فيما يتعلق بإقامة الحدود. الباب الثاني: مسائل الإجماع في حد الزنا، وفيه تمهيد وستة فصول: التمهيد: يتضمن تعريف الزنا وبيان عقوبته. الفصل الأول: مسائل الإجماع في حقيقة الزنا وحكمه وسبب الحد فيه. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في شروط حد الزنا. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في إثبات حد الزنا. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في عقوبة الزنا. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في إقامة حد الزنا. الفصل السادس: مسائل الإجماع في الجرائم الملحقة بالزنا (اللواط، إتيان البهيمة. . . وغيرها). الباب الثالث: مسائل الإجماع في حد القذف، وفيه تمهيد وخمسة فصول: التمهيد: يتضمن تعريف القذف وعقوبته. الفصل الأول: مسائل الإجماع في حقيقة القذف، وحكمه، وسبب الحد فيه. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في شروط حد القذف. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في إثبات القذف. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في عقوبة القذف.
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في إقامة حد القذف. الباب الرابع: مسائل الإجماع في حد شرب الخمر، وفيه تمهيد وأربعة فصول: التمهيد: يتضمن تعريف الخمر، وبيان عقوبة شاربه. الفصل الأول: مسائل الإجماع في حقيقة الخمر وحكمه وسبب الحد فيه. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في إثبات حد شرب الخمر. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في عقوبة شرب الخمر. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في إقامة حد شرب الخمر. الباب الخامس: مسائل الإجماع في التعزير، وفيه تمهيد وثلاثة فصول: التمهيد: يتضمن تعريف التعزير وبيان حكمه. الفصل الأول: مسائل الإجماع العامة في التعزير. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في العقوبات التعزيرية. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في موجبات التعزير. الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج التي توصلت إليها، والتوصيات التي أرى أهميتها من خلال هذا البحث. المصادر والمراجع الفهارس: وتشمل فهرس المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات. وفي ختام هذه المقدمة أسدي شكري للَّه تعالى أولًا ثم لوالدي العزيزين، ولمن تكرم عليّ بإشرافه على هذه الرسالة الشيخ الدكتور عبد اللَّه بن فهد الحيد وفقه اللَّه، أشكره على ما أعطى من وقته، ومن توجيهات قيمة، وما قدم لي من دعم معنوي لإنجاز هذه الرسالة، فأسال اللَّه أن يجزيه عني خير الجزاء، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته. والشكر موصول لصاحبي الفضيلة وفقهما اللَّه اللذين شرفاني بقبولهم لمناقشة هذا البحث.
ولا يفوتني أن أشكر الشيخ الدكتور عبد اللَّه الناصر على ما قدم من جهد ودعم في اختيار وتسجيل موضوع هذه الرسالة. وكذلك أشكر كل من قدم لي العون لهذا الإنجاز. هذا وما كان من صواب فمن اللَّه وحده وهو صاحب المنة، والخطأ مني ومن الشيطان فأستغفر اللَّه وأتوب إليه.
الباب الأول: مسائل الإجماع العامة في الحدود
الباب الأول: مسائل الإجماع العامة في الحدود وفيه: تمهيد، وثلاثة فصول: التمهيد وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تعريف الحدود لغة واصطلاحًا. المبحث الثاني: الحكمة من مشروعيتها. المبحث الثالث: شروط إقامة الحد. الفصل الأول: مسائل الإجماع العامة في الحدود. الفصل الثاني: مسائل الإجماع العامة في مسقطات الحدود، وما لا يجب به إقامة الحد. الفصل الثالث: مسائل الإجماع العامة فيما يتعلق بإقامة الحدود.
التمهيد
التمهيد المبحث الأول: تعريف الحد لغة واصطلاحًا • أولًا: الحد في اللغة: الحد في اللغة مصدر من حَدَّ يَحُدُّ حدًّا، وجمعه: حدود، قال ابن فارس: "الحاء والدال أصلان: الأوّل المنع، والثاني طَرَف الشيء" (¬1). فأصل هذه المادة ترجع إلى هذين المعنيين: • المعنى الأول: المنع، ومنه قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (¬2)، أي محارمه التي حرمها سبحانه، سميت حدودًا للمنع من ارتكابها، فحدود اللَّه تعالى: الأشياء التي بَيّن تحريمها وتحليلها، ومنع من مخالفتها، فلا يتعدى شيئًا منها بترك المأمور أو فعل المنهي عنه (¬3). ويُقال: هذا أمر حَدَدٌ: أي منيع حرام لا يحل ارتكابه، ودونه حدد أي منيع، وسُمي الحديد بذلك؛ لأنه مَنِيع. ومن هذا إطلاق الحد على الحاجز بين الشيئين؛ سمي حدًا لأنه يمنع اختلاط أحدهما بالآخر (¬4). • المعنى الثاني: طرف الشيء ومنتهاه، ومنه: حد السكين: أي طرفه الحاد (¬5). والمراد بالحدود في هذه الرسالة يرجع للمعنى الأول وهو المنع، فحدود اللَّه تعالى كالزنا والقذف وغيرهما سُميت بذلك حدودًا؛ لأنها تمنع من الوقوع في مثل ذلك الذنب. ¬
وقيل: لأن اللَّه تعالى حددها بأمر مقدَّر، ومنع من الزيادة عليها (¬1). • ثانيًا: الحد في الاصطلاح: الحدود في الشرع محصورة بسبعة حدود هي حد الزنا، والقذف، وشرب الخمر، والسرقة، والحرابة، والبغي، والردة. وقد تنوعت عبارات الفقهاء في وضع حد اصطلاحي للحد بحيث يكون جامعًا مانعًا لهذه الحدود السبعة، وبيان ذلك فيما يلي: قال ابن الهمام من الحنفية عرَّف الحد بأنه: "العقوبة المقدرة حقًا للَّه تعالى" (¬2). وعرَّفه النفراوي (¬3) من المالكية بأنه: "ما وضع لمنع الجاني من عوده لمثل فعله، وزجر غيره" (¬4). وعرَّفه الخطيب الشربيني من الشافعية بأنه: "عقوبة، مقدرة، وجبت حقا للَّه تعالى كما في الزنا، أو لآدمي كما في القذف" (¬5). ¬
وعرَّفه البهوتي (¬1) من الحنابلة بأنه: "عقوبة، مقدرة، شرعًا، في معصية؛ لتمنع من الوقوع في مثلها" (¬2). وبعد عرض هذه الأقوال في شتى المذاهب يمكن أن نخلص إلى تعريف في ضابط الحد فيقال: "هو عقوبة مقدرة في الشرع على معصية يُغلَّب فيها حق اللَّه" (¬3). ¬
• شرح التعريف: عقوبة: العقوبة عرَّفها السرخسي (¬1) بأنها: "التي تجب جزاء على ارتكاب المحظور الذي يستحق المأثم به" (¬2)، وهو لفظ عام يشمل العقوبات المقدرة وغير المقدرة، فمن العقوبات المقدرة: الحدود كحد الزنا، وشرب الخمر، والديات، والقصاص، ونحوها. أما العقوبات غير المقدرة: فهي العقوبات التعزيرية. مقدرة: أي لها مقدار معيَّن، كجلدٍ بعدد معين، أو قتل، أو قتل وصلب، أو نحو ذلك. وهو قيد يخرج به العقوبات التعزيرية؛ لأنها غير مقدَّرة. في الشرع: أي أن أصل تقديرها من قبل الشارع إما بكتاب أو سنة أو إجماع، فخرج بذلك العقوبات التي يقدرها الإمام من باب السياسة الشرعية. على معصية: قيد خرج به الجزاءات المقدرة شرعًا في غير معصية ككفارة اليمين، والفدية في الحج وغيرها. يغلب فيها حق اللَّه تعالى: أي يجتمع في هذه العقوبة حق اللَّه تعالى وحق الآدمي لكن الأغلب هو حق اللَّه تعالى، فلا تسقط بالعفو. وخرج بهذا القيد: العقوبات المقدرة على الجنايات كالقصاص والديات، حيث الغالب فيها حق الآدمي. ¬
المبحث الثاني: الحكمة من مشروعية الحدود
المبحث الثاني: الحكمة من مشروعية الحدود شرعت الحدود لمقاصد نبيلة وحِكم عظيمة وأهداف سامية ومن أهم هذه الحكم: أولًا: حفظ الضرورات الخمس التي جاء الشرع الحنيف بحفظها: فإن الشرع الحنيف جاء بحفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض (أو النسل)، وحفظ المال (¬1). وهذه ضرورات خمس لحفظ بقاء الإنسان كريمًا نافعًا، ويتضح ذلك ببيان هذه الحدود وهي كالتالي: 1 - حد الزنا: لحفظ النسل. 2 - حد القذف: لحفظ العرض. 3 - حد الخمر: لحفظ العقل. 4 - حد السرقة: لحفظ المال. 5 - حد الحرابة: لحفظ النفس والمال والعرض. 6 - حد البغي: لحفظ الدين والنفس. 7 - حد الردة: لحفظ الدين. ثانيًا: ردع المجرم عن الوقوع في جرمه مرة أخرى: فإن المجرم إذا ذاق ألم العقوبة وشعر بالإهانة وما ترتب على فعله من فضيحة له، فسيكون ذلك رادعًا له من العودة إلى مقارفة المعصية مرة أخرى، وقد قال اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ ¬
اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1). ثالثًا: كفارة وتطهير للمذنب: فالحدود كفارات لصاحبها، كما في الصحيحين عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- (¬2) قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مجلس فقال: (تبايعوني على أن لا تشركوا باللَّه شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على اللَّه، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره اللَّه عليه فأمره إلى اللَّه، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه) متفق عليه (¬3)، وكذلك قصة ماعز، والغامدية رضي اللَّه عنهما (¬4). رابعًا: حماية المجتمع وتحقيق الأمن فيه: فإن الناس إذا رأوا ما وقع بالمجرم من عقوبة وإهانة، وأن ذلك هو مصير كل من يفعل فعله، فإنه سيرتدع من تُسول له نفسه الوقوع في المعصية، ولذلك ¬
أمر اللَّه تعالى بإعلان حد الزنا وإقامته أمام الناس لكي يتحقق الردع فقال تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬1). ولو لم تُشرع الحدود لفسد نظام العالم ولاعتدى بعض الناس على بعض، ولأكل القوي الضعيف، فلذلك شرع اللَّه عز وجل العقوبات رحمة بالعباد ليحفظ حقوقهم، وليقيم العدل بينهم. خامسًا: حصول البركة ودفع الأمراض والأوباء عن المجتمع: فما انتشرت المعاصي وفشت في أمة إلا وظهر فيها الفساد كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} (¬2)، وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لَحَدٌّ يقام في الأرض أحبّ إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحًا) (¬3)، قال ابن كثير: "والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت انكفَّ الناس أو أكثرهم أو كثير منهم عن تعاطي المحرمات، وإذا تركت المعاصي كان سببًا في حصول البركات من السماء والأرض" (¬4). ¬
المبحث الثالث: شروط إقامة الحد
المبحث الثالث: شروط إقامة الحد الحدود عند الفقهاء على قسمين: الأول: قسم مجمع عليه أنه حد، وهذا يشمل حد الزنا، والسرقة، والحرابة، والقذف. الثاني: قسم مُختلف فيه، وهذا يشمل البغي، وشرب الخمر، والردة، ولكل حد شروط تخصه، وفي بعض تلك الشروط خلاف بين أهل العلم، لكن المراد هنا هو بيان شروط إقامة الحد فيما يتعلق بمن يقام عليه الحد، ويمكن إجمال ذلك في أربعة شروط هي كما يلي: الشرط الأول: التكليف: والمراد به أن يكون من وجب عليه الحد عاقلًا بالغًا، وهذا الشرط محل إجماع بين أهل العلم، كما حكاه الشافعي (¬1)، وابن حزم (¬2)، وابن عبد البر (¬3)، وابن قدامة (¬4)، وغيرهم (¬5). الشرط الثاني: الاختيار: فإن كان من يجب عليه الحد فعل ما فعله مُكرهًا فلا حد عليه، وهذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء على قولين: القول الأول: أن الاختيار شرط لإقامة الحد. وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية (¬6)، . . . ¬
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، ورواية عند الحنابلة (¬3)، اختارها ابن قدامة (¬4)، وبه قال الظاهرية (¬5)، وابن المنذر (¬6) واستدل أصحاب هذا القول بما يلي: الدليل الأول: قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (¬7). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى لم يؤاخذ من كفر مُكرهًا، وهو أعظم الذنوب، فغيره من المعاصي من باب أولى (¬8). الدليل الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) (¬9). ¬
• وجه الدلالة: الحديث صريح في رفع الحرج عن المُكره، وهو يدل على ¬
عدم مؤاخذته بما فعله بموجب الإكراه (¬1). الدليل الثالث: أن الحدود تدرأ بالشبهات، والإكراه شبهة فتدرأ بها الحدود (¬2). القول الثاني: أن الاختيار ليس شرطًا في جميع الحدود. وأصحاب هذا الرأي قد يرون الإكراه شرطًا في بعض الحدود، لكنهم لا يرونه عامًا في جميع الحدود، من جهة أن بعض الحدود لا يُتصور فيها الإكراه، ومن ذلك حد الزنا في حق الرجل، حيث ذهب الحنابلة إلى أن الرجل إن أكره على الزنا فعليه الحد (¬3)، وهو قول لبعض المالكية (¬4)، وقول للشافعية (¬5)، وبه قال أبو ثور (¬6). واستدلوا لذلك بـ: أن الزنا من الرجل لا يُمكن تحصيله إلا عن انتشار، والانتشار لا يكون إلا عن اختيار (¬7) ونوقش بأمرين. الأول: عدم التسليم بأن الانتشار لا يكون إلا عن قصد واختيار، بدليل أن النائم قد تنتشر آلته من غير قصد منه، وإنما انتشار الآلة دليل على فحولة الرجل (¬8). الثاني: أن الانتشار فطرة فطرها اللَّه تعالى في الرجل عند إثارة شهوته سواء قصد الزنا ذلك الوقت أم لا، وتكليفه عدم انتصاب الذكر قد يكون من تكليف ما لا يُطاق (¬9). ¬
الشرط الثالث: انتفاء الشبهة
وكذا في حد السرقة ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن شرط الاختيار غير معتبر في حد السرقة، فمن سرَق مكرَهًا وجب إقامة الحد عليه. وهو قول عند الشافعية (¬1)، ورواية عن الإمام أحمد (¬2). الترجيح: يظهر -واللَّه أعلم- رجحان القول الأول بأن الاختيار شرط لإقامة الحدود؛ لقوة أدلته، ومناقشة القول الثاني. الشرط الثالث: انتفاء الشبهة: يشترط لإقامة الحد على الشخص ألا يكون له شبهة في ارتكابه لما يوجب الحد، ومن الأدلة على هذا الشرط: الدليل الأول: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) (¬3). ¬
الشرط الرابع: العلم بالتحريم
الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: (ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعًا) (¬1). وهذا الشرط متفق عليه بين المذاهب الفقهية الأربعة على اختلاف بينهم في الصور المندرجة تحتها، وحكاه جمع من أهل العلم إجماعًا منهم ابن المنذر (¬2)، وابن الهمام (¬3)، وغيرهم (¬4)، ولم يخالف فيه إلا الظاهرية حيث ذهبوا إلى أن الحد لا يدرأ بالشبهات (¬5). الشرط الرابع: العلم بالتحريم: فلا يقام الحد على شخص حتى يكون عالمًا بتحريم ما ارتكبه من زنى، أو قذف، أو شرب خمر، أو غير ذلك (¬6)، قال الموفق ابن قدامة: "وبهذا قال ¬
عامة أهل العلم" (¬1). ومن الأدلة على هذا الشرط ما رُوي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي اللَّه عنهما أنهما قالا: "ما الحد إلا على من علمه" (¬2). ويعضده عموم الأدلة الدالة على درء الحدود بالشبهات، والجهل بالتحريم شبهة فيدرأ بها الحد (¬3). ¬
الفصل الأول: مسائل الإجماع العامة في الحدود
الفصل الأول: مسائل الإجماع العامة في الحدود [1/ 1] تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام • المراد بالمسألة: من أتى حدًا من حدود اللَّه الخالصة له تعالى، ثم بلغ أمره إلى الحاكم فإن على الإمام إقامة الحد، ولا يجوز لأحد أن يشفع في إسقاط الحد عنه. ويتبيَّن مما سبق أن الحد إن كان فيه حق للمخلوق وهو حد القذف فهذا غير مراد في المسألة (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن بطال (449 هـ) "أجمع العلماء أنه من أصاب ذنبًا فيه حد أنه لا ترفعه التوبة، ولا يجوز للإمام العفو عنه إذا بلغه" (¬2)، وقال ابن حزم (456 هـ): "عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: "لا عفو عن الحدود، ولا عن شيء منها بعد أن تبلغ الإمام، فإن إقامتها من السنة"، فهذا قول صاحب لا يعرف له مخالف" (¬3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "السلطان لا يحل له أن يعطل حدًا من الحدود التي للَّه عز وجل، إقامتها عليه إذا بلغته، كما ليس له أن يتجسس عليها إذا استترت عنه، وبأن الشفاعة في ذوي الحدود حسنة جائزة وإن كانت الحدود ¬
فيها واجبة إذا لم تبلغ السلطان، وهذا كله لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء" (¬1) ونقله عنه أبو الطيب (¬2) (¬3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "وأجمعوا على أنه -يعني الحد- إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه" (¬4). وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬5) وابن قاسم (1392 هـ) (¬6). وقال أبو العباس القرطبي (656 هـ) (¬7) "تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام، فيَحْرُم على الشافع وعلى المُشَفَّع، وهذا لا يخُتلَف فيه" (¬8) نقله عنه العراقي (¬9) (¬10). وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على تحريم الشفاعة ¬
في الحد بعد بلوغه إلى الإمام" (¬1). وقال ابن تيمية (728 هـ): "قد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ، أو غيره لا يجوز، وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني، والسارق والشارب، والمحارب، وقاطع الطريق ونحو ذلك لتعطيل الحد، مال سحت خبيث" (¬2). وقال الشوكاني (1250 هـ): "العفو بعد الرفع إلى الإمام لا يسقط به الحد، وهو مجمع عليه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬5) الآية بأن المراد عدم الرأفة بإسقاط الحد (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نهى عن الرأفة عند إقامة الحد، ومن الرأفة تعطيل ذلك الحد، كما فسر مجاهد (¬7)، وسعيد بن جُبَيْر، وعطاء بن أبي رباح (¬8). ¬
الدليل الثاني: عن عائشة رضي اللَّه عنها زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1): "أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد (¬2) حب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتي بها رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: (أتشفع في حد من حدود اللَّه)؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، فإذا سرق فيهم الضعبف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها" متفق عليه (¬3). • وجه الدلالة: الحديث دليل على تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام، وذلك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تلون وجهه حين طُلبت منه الشفاعة، وبيَّن حرمة ذلك على الشريف والوضيع. ¬
الدليل الثالث: عن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (من حالت شفاعته دون حد من حدود اللَّه فقد ضاد اللَّه في أمره) (¬1). الدليل الرابع: عن عمرو بن شعيب (¬2) عن أبيه (¬3) عن جده -رضي اللَّه عنه- (¬4) عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (تعافوا الحدود قبل أن تأتوني به، فما أتاني من حد فقد وجب) (¬5). ¬
الدليل الخامس: عن صفوان بن أمية -رضي اللَّه عنه- (¬1) أنه: سُرقت خميصته (¬2) من تحت رأسه وهو نائم في مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخذ اللص، فجاء به إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ¬
فأمر بقطعه، فقال صفوان: أتقطعه؟ قال: (فهلا قبل أن تأتيني به تركته) (¬1). وفي رواية لأبي داود والنسائي بلفظ: قال صفوان: فأتبته فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهمًا، أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، قال: (فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به) (¬2). • وجه الدلالة: أن صفوان أراد أن يرجع عن طلبه بالحد، فبيَّن له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الأمر إذا بلغ الإمام فلا يمكن إبطاله، ولو بتنازل صاحب الحق. الدليل السادس: أن الحدود حق للَّه تعالى، والإمام إنما هو نائب عن اللَّه تعالى في الاستيفاء، ومكلَّف بأخذ حقه تعالى بالحد (¬3). الدليل السابع: أن قبول الشفاعة في الحدود يفضي إلى إبطال الحدود جملة، أو إبطالها عن الشريف وأصحاب الوجاهة، وتخصيصها بالوضعاء الفقراء، وهو ما حذر منه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث عائشة رضي اللَّه عنها السابق (¬4). ¬
• المخالفون للإجماع: حكى العراقي في المسألة خلافًا عن الأوزاعي (¬1) فقال: "وحُكي عن الأوزاعي جواز الشفاعة، والحديث حجة عليه، كذا قال والدي -رحمه اللَّه- في شرح الترمذي، والذي حكاه غيره عن الأوزاعي جواز الشفاعة قبل بلوغ الإمام، كذا حكاه عنه الخطابي (¬2) " (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف فيها. وأما ما حكي عن الأوزاعي من الخلاف فليس محل جزْم، بل حُكي عنه موافقة الجمهور، وهو الأقرب؛ لأن من حكى عنه موافقة الجمهور أكثر كما هو ظاهر كلام العراقي. وعلى فرض صحة النقل عن الأوزاعي في المسألة فإنه يكون من قبيل الشاذ الذي لم يتابع عليه، ولا يعضده نص، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[2/ 1] إذا أقيم الحد على من وجب عليه على الوجه المشروع، فتلف، أو تلف عضو منه، فلا ضمان
[2/ 1] إذا أقيم الحد على من وجب عليه على الوجه المشروع، فتلف، أو تلف عضو منه، فلا ضمان • المراد بالمسألة: إذا ثبت الحد على شخص بما لا يوجب القتل، وأمر الحاكمُ بإقامة الحد عليه، فأقام المأمور الحد كما أمر به الشرع بلا زيادة، ولا نقص، ثم مات المحدود بسبب الحد، فحينئذٍ لا ضمان على الحاكم الذي أمر بالحد، ولا على المباشر. ويتبين مما سبق أن من أقام الحد لو زاد في الحد ولو بطريق الخطأ، فذلك غير مراد في مسألة الباب. وكذا لو كان الموت بسبب غير الحد، كأن يموت بسبب سراية القود، أو التعزير، أو نحو ذلك فكل ذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا على أن السارق لو مات من قطع يده أنه لا شيء فيه" (¬1)، وقال الطحاوي (321 هـ) (¬2): "اتفاقهم في المقطوع في السرقة مات أنه لا شيء فيه؛ لأنه قطع بحق" (¬3). وقال البغوي (516 هـ): "اتفق أهل العلم على أن الإمام إذا أقام حدًا على إنسان، فمات فيه، أنه لا ضمان عليه" (¬4). ¬
وقال القاضي عياض (544 هـ) (¬1): "لم يختلف العلماء فيمن مات من ضرب حد وجب عليه أنه لا دية فيه على الإمام ولا على بيت المال" (¬2). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن الإمام إذا قطع السارق فسرى ذلك إلى نفسه أنه لا ضمان عليه" (¬3)، وقال الكاساني (587 هـ): "لو قطع الإمام يد السارق فمات منه لا ضمان على الإمام ولا على بيت المال، وكذلك الفصَّاد، والبزَّاغ (¬4)، والحجَّام، إذا سرت جراحاتهم لا ضمان عليهم بالإجماع" (¬5). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ) (¬6) "إجماعهم على أن السارق إذا مات من قطع يده أنه لا شيء على الذي قطع يده" (¬7). وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في سائر الحدود، أنه إذا أُتي بها على الوجه المشروع، من غير زيادة، أنه لا يضمن مَن تَلِف ¬
بها" (¬1)، ونقله عنه ابن قاسم (¬2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3). وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمعوا أن السارق لو مات من قطع يده أنه لا شيء فيه" (¬4). وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على أن من وجب عليه الحد فجلده الإمام أو جلاده الحد الشرعي فمات فلا دية فيه ولا كفارة لا على الإمام ولا على جلاده ولا في بيت المال" (¬5) ونقله عنه الصنعاني (¬6). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "اتفق العلماء على أن الواجب المقدر كالحد لا تضمن سرايته" (¬7). وقال ابن القيم (751 هـ): "سراية الجناية مضمونة بالاتفاق، وسراية الواجب مهدرة بالاتفاق" (¬8). وقال ابن حجر (852 هـ): "اتفقوا على أن من مات من الضرب في الحد لا ضمان على قاتله إلا في حد الخمر" (¬9). وقال ابن حجر الهيتمي (974 هـ) (¬10): "ولو حُد فمات، فلا ضمان ¬
إجماعًا" (¬1). وقال الخطيب الشربيني (977 هـ) "ولو حد الإمام حيث كان الاستيفاء مقدرًا بنص فيه كحد قذف فمات المحدود، فلا ضمان بالإجماع" (¬2). وقال أبو الطيب (1329 هـ): "لم يختلف العلماء فيمن مات من ضرب حد وجب عليه أنه لا دية فيه على الإمام ولا على بيت المال" (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: "ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر؛ فإنه لو مات وديته؛ وذلك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يسنَّه" متفق عليه (¬4). وفي رواية للبيهقي بلفظ: "ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئًا؛ الحقُّ قتَلَه" (¬5). الدليل الثاني: أن إقامة الحد مما أمر الشارع به، فيفعلها الإمام بأمر من اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يؤاخذ به، وقد تقرر عند الفقهاء قاعدة أن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون (¬6)، ولذا كان حدوث التلف عن الحدود الواجبة هدر لا يضمن (¬7). الدليل الثالث: أن إيجاب الضمان يفضي إلى امتناع بعض الأئمة من إقامة ¬
الحدود خوفًا من سريان الحد، ولزوم الضمان، وهو طريق لإبطال الحدود. • المخالفون للإجماع: ذكر الكاساني عن أبي حنيفة رواية في وجوب الضمان على الإمام إن مات السارق بسبب قطع يده (¬1). وبه قال ابن أبي ليلى (¬2) (¬3). • دليل المخالف: يدل تضمين الإمام ما أتلفه بموجب الحد أن الإمام قد استوفى أكثر من حقه الذي شرعه اللَّه؛ فالسارق مثلًا الواجب فيه قطع اليد، والإمام تعدى إلى القتل، فوجب عليه الضمان، وكان القياس أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة فتجب الدية (¬4).Rلمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لوجود ¬
[3/ 1] إذا أقيم الحد وزاد عليه فتلف المحدود أو عضو منه وجب الضمان
خلاف ابن أبي ليلى، ورواية عن أبي حنيفة، وقد أشار إلى الخلاف الشوكاني بعد نقله لكلام النووي في الإجماع ثم تعقَّبه بقوله: "فيه نظر؛ فإنه قد قال أبو حنيفة وابن أبي ليلى: إنها تجب الدية على العاقلة" (¬1)، ولعل من حكى الإجماع اعتبر الخلاف من قبيل الشاذ، واللَّه تعالى أعلم. [3/ 1] إذا أقيم الحد وزاد عليه فتلف المحدود أو عضو منه وجب الضمان • المراد بالمسألة: إذا وجب الحد على شخص، فأمر به الإمام، وأقيم الحد على غير الوجه الشرعي (¬2)، بأن حصل فيه زيادة، ولو بطريق الخطأ، ونتج عنه تلف للمحدود أو بعضه، فيجب الضمان حينئذٍ. والمراد بالمسألة تقرير وجوب الضمان بموجب الزيادة في الحد، أما من الذي يجب عليه الضمان، وهل هو من ماله أو من بيت المال، فكل ذلك محل خلاف غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "إن زاد على الحد فتلف وجب الضمان بغير خلاف نعلمه" (¬3) وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬4). وقال ابن القيم (751 هـ): "وقاعدة الباب إجماعًا ونزاعًا: أن سراية الجناية مضمونة بالاتفاق وسراية الواجب مهدرة بالاتفاق" (¬5). ¬
[4/ 1] عدم إقامة الحدود في دار الحرب
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: "ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر؛ فإنه لو مات وديته؛ وذلك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يسنَّه" متفق عليه (¬3). • وجه الدلالة: أن عليًا -رضي اللَّه عنه- أوجب الدية في شارب الخمر بسبب أنه ليس ثمة سُنّة متَّبعة في حده بمقدار معيَّن، وذلك يدل على أن كل زيادة على الحد المقدَّر تجب فيه الدية. الدليل الثاني: أن الذي تعدى في إقامة الحد لم يأذن له الشارع بذلك، والمحدود تلف بسبب ذلك التعدي، فيلزم الضمان على المتعدي، كما لو في غير الحد، بجامع أن كلًا منهما تعدٍ غير مأذون به شرعًا (¬4).Rسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [4/ 1] عدم إقامة الحدود في دار الحرب • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف دار الحرب: المراد بدار الحرب بلاد العدو من الكفار الحربيين، الذين ليس بيننا وبينهم صلح (¬5). قال المرداوي: "دار الحرب: ما يغلب فيها حكم الكفر" (¬6). ¬
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (¬1): "هل يحكم على أهل البلد بأنها بلاد كفر بظهور الشرك فيهم، أو بإطباقهم عليه، أو بولايتهم؟ " فأجاب بقوله: "إذا ظهر الشرك ولم يُنكر ويزال حُكِم عليها بالكفر، ودعوى الإسلام لا تنفع، فمتى وجد الشرك ظاهرًا ولم يزال حُكم عليها بالكفر" (¬2). ثانيًا: صورة المسألة: ذا ثبت الحد على شخص بما يوجب الحد، وكان قد قام بموجب الحد من زنا أو سرقة أو غيرهما في دار الحرب، فإنه لا يُقام عليه الحد ما دام في دار الحرب. وينبَّه إلى أن من نقل الإجماع هنا مراده إذا قام بموجب الحد في غير المعسكر، فإن كان المسلمون في معسكر بدار الحرب، وقام أحد من في المعسكر بسرقة أو زنى، فإقامة الحد عليه هنا غير مرادة (¬3). ويتبيَّن كذلك أنه لو أتى بالحد في دار الإسلام ثم خرج لدار الحرب، فذلك غير مراد. وكذا مسألة هل يُقام عليه الحد إن رجع لدار الإسلام أو أن الحد يسقط عنه ¬
مطلقًا؟ ، فهذا غير مراد، وإنما المراد تحقيق الإجماع في أن الحد لا يُقام عليه ما دام في أرض العدو. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ): "من أتى حدًا من الغزاة، أو ما يوجب قصاصًا، في أرض الحرب، لم يقم عليه حتى يقفل، فيقام عليه حده. . .؛ لأنه إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" ثم ذكر ما روي عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في ذلك ثم قال: "وهذا اتفاق لم يظهر خلافه" (¬1). ونقله عنه ابن القيم (¬2). وابن قاسم (¬3). وبمثله قال ابن قدامة نقل الإجماع شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬4). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ) (¬5): "وإن أتى حدًا في الغزو لم يستوف منه حتى يخرج من دار الحرب. . .؛ لأنه إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬6). وبمثله قال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ) (¬7) (¬8). . . ¬
ونقله عن ابن مفلح البهوتي (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، وذكر النووي أنه المشهور عند الشافعية (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- (¬4) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقام الحدود في دار الحرب) (¬5). • وجه الدلالة: الحديث صريح في النهي عن إقامة الحدود في دار الحرب. الدليل الثاني: عن بسر بن أبي أرطاة -رضي اللَّه عنه- (¬6) قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
يقول: (لا تقطع الأيدي في الغزو) (¬1). • وجه الدلالة: أن هذا قطع اليد للسارق حد من حدود اللَّه تعالى، وقد نهى -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إقامته في الغزو، أي غزو دار الحرب، فكذا سائر الحدود (¬2). الدليل الثالث: أنه مروي عن جماعة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كعمر بن الخطاب، وحذيفة بن اليمان، وأبي الدرداء (¬3) -رضي اللَّه عنهم- (¬4)، ولا مخالف لهم (¬5). الدليل الرابع: أنه إذا جاء تأخير الحدود لأمر عارض من مرض، أو برد، أو حر، أو حمل ونحو ذلك مما فيه مصلحة للمحدود، فإن تأخير الحد عن المجاهد إلى الرجوع إلى دار الإسلام لمصلحة الإسلام، كحاجة المسلمين إلى ¬
المحدود في القتال، أو الخوف من ارتداده ولحوقه بالكفار جائز من باب أولى (¬1). الدليل الخامس: أن الذي يقيم الحد هو الإمام أو نائبه، وفي دار الحرب فإن الإمام لا ولاية له لأجل أن يقيم الحد على من وجب عليه، بخلاف من أتى بالحد في المعسكر فإنه تحت ولاية الإمام فيقيم الحد عليه حينئذٍ (¬2). الدليل السادس: أن في إقامة الحد على من هو في دار الحرب مفسدة تزيد على مصلحة إقامة الحد؛ إذ قد يترتب عليه لحوق صاحبه بالمشركين خوفًا، أو حمية وغضبًا (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يجب على الإمام إقامة الحد ولو في دار الحرب، إلا إن خيف على من وجب عليه الحد الفتنة، فهنا يؤخر عنه الحد حتى يرجع. هو قول المالكية (¬4)، والشافعية (¬5). ونسب الخطابي هذا القول لأكثر الفقهاء حيث قال: "أما أكثر الفقهاء فإنهم لا يفرقون بين أرض الحرب وغيرها" (¬6). ¬
[5/ 1] تقام الحدود في الثغور
وللمالكية قول هو خلاف الظاهر حاصله إقامة الحدود بدار الحرب، حتى لو خيف عليه من الردة أو لحاقه بدار الحرب (¬1). • أدلة المخالفين: استدل القائلون [بإقامة الحد] (*) في دار الحرب بعموم النصوص الشرعية الموجبة لإقامة الحد كقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬2)، وقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬3)، وهذه نصوص جاءت مطلقة، لم تحدد الزمان ولا المكان الذي تقام فيه الحدود، فبقي الحكم علي الأصل، وليس ثمة دليل صريح يستثني دار الحرب (¬4).Rالمسألة فيما يظهر أن الإجماع حاصل في عدم إقامة الحد في دار الحرب إن خيف الفتنة من ذلك. أما مع عدم الفتنة فالمسألة ليست محل إجماع، بل هي محل خلاف مشهور بين أئمة المذاهب الأربعة، لثبوت خلاف المالكية والشافعية. وما حكاه ابن قدامة وغيره من إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على المسألة فإنما هو من باب الإجماع السكوتي الظني، واللَّه تعالى أعلم. [5/ 1] تقام الحدود في الثغور • المراد بالمسألة: أولًا: معنى الثغور لغة واصطلاحًا: الثغور في اللغة: جمع ثغر -بفتح الثاء وإسكان الغين-، قال ابن فارس: "الثاء والغين والراء أصل واحد يدل على تفتح وانفراج" (¬5). ويطلق الثغر على فم الإنسان، وما تقدم من الأسنان، والثلمة في الشيء، ¬
وموضع المخافة من فروج البلدان، وما يلي دار الحرب من ديار المسلمين (¬1). وجميع هذه المعاني تدل على التفتّح، كما ذكره ابن فارس. • الثغور في اصطلاح الفقهاء: الثغور عند الفقهاء هي الموضع الذي يكون حَدًّا فاصلا بين بلاد المسلمين والكفار، ويُخاف دخول العدو منه (¬2). ثانيًا: صورة المسألة: لو وُجد شخص مقيم بالثغور لحماية المسلمين أو لغير ذلك، وثبت عند الإمام أنه ارتكب ما يوجب الحد، فإن على الإمام إقامة الحد عليه. • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ): "تقام الحدود في الثغور بغير خلاف نعلمه" (¬3). وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬4)، وإبراهيم ابن مفلح (884 هـ) (¬5). ونقله البهوتي عن ابن مفلح (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- كتب إلى أبي ¬
[6/ 1] عدم إقامة الحدود في المساجد
عبيدة -رضي اللَّه عنه- أن يجلد من شرب الخمر ثمانين، وهو بالشام، وهو من الثغور (¬1). الدليل الثاني: أن الثغور من بلاد الإسلام، فيقام فيها الحد كغيرها من بلاد الإسلام (¬2). الدليل الثالث: أن من مقصود شرعية الحدود الزجر والردع، والحاجة داعية إلى زجر من بالثغور بالحدود، كالحاجة إلى زجر غيرهم (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [6/ 1] عدم إقامة الحدود في المساجد • المراد بالمسألة: لو ثبت الحد على شخص، فإن الحد لا يقام عليه في المسجد الذي تقام في الفروض. والمراد نقل الإجماع على المنع من إقامة الحد في المسجد، بغض النظر عن النهي في ذلك هل هو للتحريم فيأثم فاعله، أو هو للكراهة فلا يأثم فاعله. ويتبين مما سبق أن الحد لو كان في مصلى معد لغير الفروض، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: ابن القطان (628 هـ): "أجمع الفقهاء أنه لا ينبغي للحاكم أن يضرب حدًا أحدًا في المسجد، إلا ابن أبي ليلى، فإنه أباحه وفعله" (¬4). القرطبي (671 هـ): "لا تقام الحدود فيه -أي المسجد- إجماعًا" (¬5). وقال ابن الهمام (861 هـ): "ولا يقام حد في مسجد بإجماع الفقهاء" (¬6) ¬
ونقله عنه ابن يونس الشلبي (¬1) (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية في غير الجلد (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقام الحدود في المساجد) (¬6). الدليل الثاني: عن حكيم بن حزام (¬7) -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقام الحدود في المساجد، ولا يستقاد (¬8). . . ¬
فيها) (¬1). • وجه الدلالة من الحديثين: الحديثان صريحان في النهي عن إقامة الحدود في المساجد. الدليل الثالث: أنه مروى عن جماعة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، فعن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه أُتي برجل في حد فقال: "أخرِجاه من المسجد، ثم اضرباه" (¬2). وكذا جاء نحوه عن علي -رضي اللَّه عنه- (¬3)، لكن في سنده مقال، كما قاله ابن حجر (¬4). • وجه الدلالة: أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبى طالب رضي اللَّه عنهما كل منهما أمر بإخراج الرجل من المسجد لإقامة الحد عليه، وهو دليل على أنه متقرر عندهم النهي عن إقامتها فيه، وإلا لو كان جائزًا لما أمر عمر -رضي اللَّه عنه- ¬
بإخراجه من المسجد. الدليل الرابع: أن إقامة الحد لا يؤمن منه تلويث المسجد، من دمٍ ونحوه، والشارع أمر بتطييب المساجد وتطهيرها، كما في قوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (¬1) (¬2). الدليل الخامس: أنه لا يؤمن من إقامة الحد في المسجد أن يرفع المحدود صوته في المسجد، وقد نهي عن ذلك (¬3). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: يجوز إقامة جميع الحدود في المساجد. وبه قال ابن أبي ليلى (¬4)، وهو مروي عن الحسن البصري (¬5)، وشريح، ¬
والشعبي (¬1) (¬2). القول الثاني: يجوز إقامة حد الجلد في المسجد فقط، أما غيره من الحدود فلا يجوز. وبه قال ابن حزم الظاهري (¬3). • دليل المخالف: استدل القائلون بجواز إقامة الحد في المسجد بما يلي: الدليل الأول: أن الأصل هو الإباحة، حتى يرد الدليل على المنع، وقد قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (¬4). فلو كان إقامة الحدود بالجلد في المساجد حرام لفصَّل اللَّه لنا ذلك مبينًا في القرآن أو على لسان رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5). الدليل الثاني: أن إقامة الحد قربة وطاعة، والمساجد أُعدت للقرب والطاعات (¬6). الدليل الثالث: أن إقامة الحد هو من جملة ما يجب على القاضي فعله في القضاء، وإذا كان له أن يجلس في المسجد للقضاء كان له أن يتم القضاء بإقامة الحدود فيها (¬7). ¬
[7/ 1] الحدود كفارات لمن أقيمت عليه
Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف في ذلك عن بعض التابعين في جميع الحدود، وعن ابن حزم في حد الجلد، ولعل من نقل الإجماع لم يعتبر قول المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [7/ 1] الحدود كفارات لمن أقيمت عليه • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وأقيم عليه الحد الذي فرضه اللَّه تعالى، فإنه يكون له كفارة، يسقط به عنه إثم ذلك الذنب. • من نقل الإجماع: ابن رشد الجد (450 هـ): "الرجم كفارة للزنا بإجماع" (¬1). وقال النووي (676 هـ): "الحد يكفر ذنب المعصية التي حُد لها. . . . ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬2). وقال ابن حجر (852 هـ): "قام إجماع أهل السنة على أن من أقيم عليه الحد من أهل المعاصي كان ذلك كفارة لإثم معصيته" (¬3) وقال الصنعاني (1182 هـ): "ورد أن هذه الحدود كفارات لمن أقيمت عليه، وهذا إجماع" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنابلة (¬5)، وابن حزم باستثناء حد الحرابة (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مجلس فقال: (تبايعوني على أن لا تشركوا باللَّه شيئًا، ¬
ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على اللَّه، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره اللَّه عليه فأمره إلى اللَّه، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه) متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: الحديث نص صريح في أن إقامة الحدود كفارات لأهلها. الدليل الثاني: عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أصاب حدًا فعُجِّل عقوبته في الدنيا، فاللَّه أعدل من أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدًا فستره اللَّه عليه وعفا عنه فاللَّه أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه) (¬2). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن العقوبة لا تثنى على العبد في الآخرة ما دام قد عوقب في الدنيا، وهذا من عدل اللَّه تعالى؛ ومن ثم فالحدود كفارات. ¬
الدليل الثالث: عن بريدة بن الحصيب -رضي اللَّه عنه- (¬1) أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قومه فقال: (أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا)، فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضًا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم. قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . . الحديث (¬2). • وجه الدلالة: أن ماعز بن مالك صرح بأن الحد تطهير للذنب بقوله: "إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني"، وكذا الغامدية في قولها: ¬
"قد زنيت فطهرني"، وقد أقرهما النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ذلك (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في المسألة جماعة من الفقهاء وهم على ثلاثة أقوال: القول الأول: قالوا بأن الحد لا يُسقط إثم تلك المعصية، بل لابد من التوبة، فإن حد ولم يتب بقي عليه إثم تلك المعصية حتى يتوب. وهو قول الحنفية (¬2)، وبه قال سعيد بن المسيب (¬3)، وصفوان بن سليم (¬4)، واختاره البغوي (¬5). القول الثاني: أن الحدود كفارات لمن أقيمت عليه باستثناء الحرابة فإنه لا يُكفرها مجرد الحد، بل لا بد أن تقترن بالتوبة. وبه قال ابن حزم (¬6). ¬
القول الثالث: ذهب طائفة إلى التوقف في المسألة (¬1). • أدلة المخالفين: أما الحنفية فاستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أن المحاربين بعد إقامة الحد عليهم فإن لهم عذاب عظيم في الآخرة، وهو يدل على أن الحد لم يُسقط عنهم الإثم والعقوبة في الآخرة، وإنما استثنى من ذلك من تاب فقط (¬3). وأما ابن حزم فاستثنى المحاربين بدليل آية الحرابة السابقة. • وجه الدلالة: في الآية دلالة على أن المحاربين معذبون في الآخرة حتى بعد إقامة الحد عليهم، هو يدل على إخراج المحاربين من النصوص الدالة على أن الحدود كفارات، ويبقى ما عداها من المعاصي على التكفير بالحد بموجب الأحاديث الدالة على ذلك (¬4). • أما من توقف في المسألة فاستدلوا بحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال ¬
[8/ 1] الحدود لا يجوز فيها قضاء القاضي بعلمه
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما أدري أتبع كان لعينًا (¬1) أم لا؟ ، وما أدري أذو القرنين كان نبيًا أم لا؟ ، وما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا؟ ) (¬2).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيها عن الحنفية وبعض التابعين، ولهذا لما ذكر ابن حجر المسألة قال: "إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور، وقيل: لا بد من التوبة وبذلك جزم بعض التابعين" (¬3)، فنسب القول بأن الحد كفارة للجمهور، ثم حكى الخلاف، ولعل من نقل الإجماع في المسألة أراد مع وجود التوبة، أو أن قول المخالف لم يبلغه، واللَّه تعالى أعلم. [8/ 1] الحدود لا يجوز فيها قضاء القاضي بعلمه • المراد بالمسألة: إذا رُفعت للقاضي قضية تتعلق بالحدود، ولم يثبت ما يوجب إقامة الحد من بيِّنة أو إقرار، لكن كان القاضي ذا علمٍ بيِّن في القضية، بان رأى السارق وهو يسرق، أو رأى الزنا عيانًا، فإن القاضي في هذه الحال لا يجوز له أن يحكم بعلمه المجرد عن البينة أو الشهود. ¬
ويتبيّن مما سبق أن قضاء القاضي بعلمه في غير الأمور المتعلقة بإقامة الحد كالحقوق المالية، أو المتعلقة بالقصاص فكل ذلك غير مراد في الباب. ومن ذلك لو أقر عند القاضي بالسرقة فقضاء القاضي بعلمه في إثبات المال الذي أقر به السارق غير مراد، وإنما المراد إثبات إقامة حد السرقة (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن العربي (543 هـ): "اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه" (¬2) ونقله عنه ابن حجر (¬3). وقال القرطبي (671 هـ): "وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه" (¬4) ونقله عنه ابن كثير (¬5)، والسندي (¬6) (¬7). وقال ابن عابدين (1253 هـ): "وأما في حد الشرب والزنا، فلا ينفذ قضاؤه بعلمه اتفاقًا" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا ¬
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬1). • وجه الدلالة: الآية تدل على أن القاضي لا يحكم بعلمه؛ لأنه لو جاز له الحكم بعلمه لكان شاهدًا واحدًا، وهو في حكم القذف؛ إذ الآية نصت على منع القضاة بإقامة حد الزنا إلا أن يتوافر لديهم أربعة شهود (¬2). الدليل الثاني: عن أم سلمة رضي اللَّه عنها (¬3) أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إنما أنا بشر، وانكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فاقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئًا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار) متفق عليه (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر أن قضاءه يكون بموجب ما سمعه، ولم يذكر أنه بموجب ما يعلمه (¬5). الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رأى عيسى بن مريم رجلًا يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا واللَّه الذي لا اله إلا هو، فقال ¬
عيسى: آمنت باللَّه وكذبت عيني) متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: أن عيسى بن مريم عليه السلام لم يحكُم على السارق بما رآه، مع أنه شاهده وهو يسرق (¬2). الدليل الرابع: أنه مروي عن جماعة من الصحابة كأبي بكر، وعمر، وابن عباس، ومعاوية (¬3) -رضي اللَّه عنهم- (¬4). الدليل الخامس: أن في إباحة قضاء القاضي بعلمه طريق لمن أراد ظلمًا ¬
بأن يقضي بالظلم، بحجة أنه يقضي بعلمه، فالمنع من القضاء بالعلم سد للذريعة، ودفع للتهمة عن القاضي (¬1). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: للقاضي أن يحكم بعلمه في حد القذف دون غيره من الحدود. وهو قول الحنفية (¬2)، وأبو ثور (¬3) (¬4). القول الثاني: للقاضي أن يقضي بعلمه في جميع الحدود. وهو قول بعض الشافعية (¬5)، ورواية عند الحنابلة (¬6)، وبه قال ابن حزم الظاهري (¬7). ¬
• دليل المخالف: الدليل الأول: عموم الآيات الدالة على وجوب الحكم بالعدل، كقول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} (¬1). • وجه الدلالة: يفيد عموم هذه الآية وما في معناها أن القاضي يحكم بين الناس بالعدل والقسط، فلو كان في علمه ما يؤدي إلى العدل والقسط وجب عليه تأديته، وإلا لأدى ذلك إلى عدم العدل والقسط (¬2). الدليل الثاني: عموم النصوص الدالة على وجوب تغيير المنكر، كحديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- (¬3) قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) (¬4). • وجه الدلالة: الحديث يدل على أن القاضي إذا علم بالمنكر ولم يغيره بالحكم، فقد ترك الواجب مع علمه به (¬5). الدليل الثالث: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخلت هند بنت عتبة (¬6) ¬
امرأة أبي سفيان (¬1) على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك) متفق عليه (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى للمرأة بعلمه بحال أبي سفيان، ولم يطلب من المرأة من يشهد لها بذلك (¬3). الدليل الرابع: أنه إذا جاز للقاضي أن يحكم بما شهد به الشهود، وهو من قولهم على ظن، فمن باب أولى جواز أن يحكم بما سمعه، أو رآه لأنه في حقه يقين وقطعي (¬4).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيها، ولذا حين حكى ابن عبد البر المسألة قال: "والسلف من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- والتابعين مختلفون في قضاء القاضي بعلمه" (¬5). ¬
[9/ 1] الحدود لا تسقط بالأعمال الصالحة
وقد تعقَّب ابن حجر حكاية ابن العربي للإجماع في المسألة، فقال بعد نقله لكلام ابن العربي: "فجرى على عادته في التهويل والإقدام على نقل الإجماع مع شهرة الاختلاف" (¬1). فلعل ابن العربي لم يبلغه الخلاف، وأما القرطبي فقد نقل الإجماع اتباعًا لابن العربي، وأما ابن عابدين فإنما أراد الاتفاق المذهبي عند الحنفية، واللَّه تعالى أعلم. [9/ 1] الحدود لا تسقط بالأعمال الصالحة • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخصٌ ما يوجب الحد، فإن مجرَّد الأعمال الصالحة من حج وصلاة وصيام ونحوها لا تُسقط الحد، بدون توبة عن المعصية الموجبة للحد، أو إقامة الحد. ويتبيَّن مما سبق أن الأعمال الصالحة إن كان معها توبة، أو إقامة للحد فكل ذلك غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن بطال (449 هـ) (¬2): "وقد أجمعت الأمة أن كل من ركب من أهل بدر ذنبًا بينه وبين اللَّه فيه حد، أو بينه وبين الخلق من القذف أو الجرح أو القتل فإنه عليه فيه الحد والقصاص" (¬3). وقال ابن حزم (456 هـ): "لا يختلفون ولا أحد نعلمه في أن الحج ¬
لا يسقط حدًا أصابه المرء قبل حجه ولم يتب منه" (¬1). وقال النووي (676 هـ): "قد أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة" (¬2) ونقله عنه الشوكاني (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم - قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر) (¬6). • وجه الدلالة: في الحديث دلالة على أن الكبائر لا تُكفر بالأعمال الصالحة، فإن أهل العلم في تفسير الحديث على قولين، قال ابن رجب: "في معنى هذا الحديث قولين: أحدهما: عن جمهور أهل السنة أن اجتناب الكبائر شرط لتكفير هذه الفرائض للصغائر، فإن لم يجتنب لم تكفر هذه الفرائض شيئًا بالكلية. والثاني: أنها تكفر الصغائر مطلقًا، ولا تكفر الكبائر إن وجدت، لكن يشترط التوبة من الصغائر وعدم الإصرار عليها" (¬7). وعلى كلا التفسيرين فهو دليل على أن الكبائر لا تُكفر بهذه الأعمال الصالحة. ¬
[10/ 1] عدم جواز الكفالة في الحدود
الدليل الثاني: قصة الغامدية التي جاءت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . . الحديث (¬1). • ووجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ردَّ المرأة حتى تضع، ثم ردَّها حتى تفطمه، وهي في هذه الفترة لا شك أنها تؤدي أعمالًا صالحة منها الصلوات الخمس ومع ذلك لم يسقط النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنها الحد، بل أقامه عليها.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه أعلم (¬2). [10/ 1] عدم جواز الكفالة في الحدود • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الكفالة: الكفالة لغة: أصل الكفالة في اللغة بمعنى الضم، كما قال ابن فارس: "الكاف والفاء واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تضمُّنِ الشَّيء للشيء" (¬3). يُقال: كَفَله يَكْفُله وكَفَّله إِيّاه، أي ضمنه، والكافل: هو القائم بأمر من ¬
يكفُله، العائل له، ومنه قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} (¬1)، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) "وأشار بالسبابة والوسطى" (¬2). ويقال أيضًا: كفل المال وكفل بالمال، أي ضمنه، وتكفل بالشيء ألزم نفسه به وتحمَّله (¬3). والحمالة في اللغة والكفالة والضمان والزعامة كل ذلك بمعنى واحد (¬4). الكفالة شرعًا: اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفهم للكفالة، ولكن لعل أقرب التعاريف لما نحن بصدد الكلام عنه أن يقال: "ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق" (¬5). ثانيًا: صورة المسألة: إذا ثبت الحد على شخصِ، فإنه لا يجوز لأحد أن يضمن من وجب عليه الحد، بحيث أنه لو تعذَّر إقامة الحد عليه فإن الحد يُقام على الكفيل. ويتبيَّن مما سبق أن المراد: الكفالة في العقوبة أي الموجبة لإقامة الحد على الكفيل في حال تعذُّر حضور المكفول، أما الكفالة بالبدن التي تتضمن الالتزام بإحضار المكفول فقط، فهذه غير مرادة في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه لا يجوز ¬
الكفالة في الحدود" (¬1). وقال ابن القطان (628 هـ): "كل من يحفظ عنه من أهل العلم يقول أنه لا تجوز الكفالة في الحدود" (¬2). وقال القرطبي (671 هـ): "إذ الحمالة في الحدود ونحوها -بمعنى إحضار المضمون فقط- جائزة مع التراضي، غير لازمة إذا أبى الطالب، وأما الحمالة في مثل هذا على أن يلزم الحميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة، فلا يجوز إجماعًا" (¬3). وقال ابن حجر (852 هـ) "الكفالة بالنفس قال بها الجمهور (¬4) ولم يختلف من قال بها أن المكفول بحد، أو قصاص إذا غاب، أو مات أن لا حد على الكفيل" (¬5). • الموافقون على الإجماع: الحنفية (¬6)، الحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)} (¬9). • وجه الدلالة: في الآية دلالة على أن الإنسان لا يعاقب على ذنب فعله غيره، فلا يُقام على الشخص حدٌ على معصية لم يرتكبها. ¬
[11/ 1] تحريم الرشوة في الحدود
الدليل الثاني: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (لا كفالة في حد) (¬1). الدليل الثالث: أن الكفالة استيثاق والحدود مبناها على الإسقاط والدرء بالشبهات، فلا يدخل فيها الاستيثاق (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [11/ 1] تحريم الرشوة في الحدود [12/ 1] تحريم الفداء والصلح في الحدود، بعد بلوغها الإمام المراد بالمسألتين: أولًا: تعريف الرشوة لغة واصطلاحًا: الرشوة لغة: الرشوة: بكسر الراء وضمها وفتحها ثلاث لغات، يُقال: رَشاه يرشوه رَشوًا، فهي رَشوة ورِشوة، ومفردها رُشًا ورِشًا، والجمع أَرْشِيَة، وهي في أصل اللغة بمعنى التوصل إلى الشيء بالمصانعة (¬3)، كما قال ابن فارس: "الراء والشين والحرف المعتل أصل يدل على سبب أو تسبب لشيء برفق وملاينة" (¬4). ¬
ومنه الرِّشاء، وهو حبل الدلو؛ لأنه يوصل به إلى الماء. ويقال: رشاه يرشوه رشوًا: أي أعطاه الرشوة، وارتشى: أي أخذ الرشوة، واسترشى: طلب الرشوة، والرائش: هوالذي يتوسط بين الراشي والمرتشي (¬1). الرشوة اصطلاحًا: تنوعت عبارات الفقهاء في حد الرشوة لاختلاف صورها، فقيل: هي ما يُعطى لقضاء مصلحة أو لإبطال حق، أو لإحقاق باطل (¬2). وقيل: ما يعطيه الشخص الحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد (¬3). وقيل: هي كل هديَّة قُصد بها التوصل إلى باطل (¬4). وقيل: هي ما يتوصل به إلى ممنوع (¬5). ومن خلال التعاريف السابقة يظهر أن ما يُعطى توصلًا إلى أخذ حق، أو دفع ظلم، ولا يمكن تحصيله إلا بذلك، فغير داخل في الرشوة التي حرَّمها اللَّه تعالى (¬6). ثانيًا: تعريف الفداء: قال الجرجاني (¬7): "الفداء: البدل الذي يتخلص به ¬
المكلف عن مكروه توجه إليه" (¬1). ثالثًا: صورة المسألة: إذا ثبت الحد على شخصٍ، فإنه لا يجوز للإمام أو غيره أخذ المال مقابل إسقاط الحد الذي ثبت، وكذا لو أراد من وجب عليه الحد أن يفتدي بمبلغ من المال لأجل إسقاط الحد عنه، أو الافتداء بشخص آخر، بأن يقيم غيره مكانه في الحد، فهنا لا يقبل منه الفداء. وكذا لا يجوز إسقاط الحد بموجب الصلح، كأن يسرق شخص من آخر، ثم بعد رفعه للإمام وثبوت الحد، يتصالح من وجب عليه الحد والمسروق منه ويطلبان إسقاط الحد، وكذا لو تصالح الزاني مع المزني بها، فكل ذلك غير جائز. • من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "اتفق جميع المتأولين لهذه الآية (¬2) على أن قبول الرشا محرم، واتفقوا على أنه من السحت الذي حرمه اللَّه تعالى. . . . ولا خلاف في تحريم الرُّشا على الأحكام، وأنها من السحت الذي حرمه اللَّه في كتابه، . . . . فلما حرم اللَّه أخذ الرُّشا على الأحكام، واتفقت الأمة عليه، دل ذلك على فساد قول القائلين بجواز أخذ الأبدال على الفروض والقرب" (¬3). وقال بن حزم (456 هـ): "اتفقوا على تحريم الرشوة على قضاء بحق، أو باطل، أو تعجيلًا لقضاء بحق، أو باطل" (¬4). وقال الكاساني (587 هـ): "لا خلاف في حد الزنا، والشرب، والسكر، ¬
والسرقة، أنه لا يحتمل العفو، والصلح، والإبراء، بعد ما ثبت بالحجة" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "فأما الرشوة في الحكم ورشوة العالم فحرام بلا خلاف" (¬2). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "الرشوة في الحكم حرام بلا خلاف" (¬3). وقال ابن تيمية (728 هـ): "وقد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ، أو غيره لا يجوز، وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني، والسارق والشارب، والمحارب وقاطع الطريق ونحو ذلك لتعطيل الحد، مال سحت خبيث" (¬4) ونقله عنه السفاريني (¬5) (¬6). وقال ابن حجر (852 هـ): "الحد لا يقبل الفداء، وهو مجمع عليه في الزنا، والسرقة، والحرابة، وشرب المسكر" (¬7). وقال الصنعاني (1099 هـ): "والرشوة حرام بالإجماع، سواء كانت للقاضي، أو للعامل على الصدقة، أو لغيرها" (¬8). وقال الزرقاني (1122 هـ) (¬9): (الحد لا يقبل الفداء وهو مجمع عليه ¬
في الزنا" (¬1). وقال الشوكاني (1250 هـ): "وتحرم رشوة الحاكم إجماعًا" (¬2). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "دل الحديث (¬3) على تحريم الرشوة، وهو إجماع" (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: الأدلة الدالة على تحريم الرشوة عمومًا ومنها: أ- قول اللَّه تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} (¬5). ب- قوله تعالى في وصف أهل الكتاب: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (¬6). قال ابن كثير: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} أي: الحرام، وهو الرشوة كما قاله ابن مسعود وغير واحد" (¬7)، فالرشوة داخلة في السحت باتفاق المفسرين كما حكاه أبو بكر الجصاص (¬8). ج- عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- قال: (لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الراشي والمرتشي في الحكم) (¬9). ¬
والنصوص في ذلك كثيرة. الدليل الثاني: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني (¬1) رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه-: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا (¬2) على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ¬
ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرجمت" متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ففي هذا الحديث أنه لما بذل عن المذنب هذا المال لدفع الحد عنه، أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بدفع المال إلى صاحبه، وأمر بإقامة الحد" (¬2). الدليل الثالث: عن صفوان بن أمية -رضي اللَّه عنه- أنه: "سرقت خميصته من تحت رأسه وهو نائم في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأخذ اللص، فجاء به إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر بقطعه، فقال صفوان: أتقطعه؟ قال: (فهلا قبل أن تأتيني به تركته) (¬3). وفي رواية لأبي داود والنسائي بلفظ: "قال صفوان: فأتيته فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهمًا، أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، (قال: فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به) (¬4). وفي رواية لابن ماجه (¬5) بلفظ: "فقال صفوان: يا رسول اللَّه لم أرد، هذا ردائي عليه صدقة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فهلا قبل أن تأتيني به) (¬6). ¬
• وجه الدلالة: أن صفوان -رضي اللَّه عنه- أراد إسقاط الحد عن طريق الصلح منه للسارق، بإهداء المسروق للسارق، أو ببيعه له، فبيَّن له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ذلك غير جائز، وأن الحدود إذا بلغت السلطان وجب إقامتها (¬1). الدليل الرابع: الأحاديث الدالة على تحريم الشفاعة في الحدود بعد ثبوتها عند الحاكم (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منع من الشفاعة في إسقاط الحد بعد ثبوته، فكيف بمن منع الحدود واعتاض عن المجرمين بسحت من المال يأخذه، فإنه يكون جمع بين إسقاط الحد، وأكل السحت (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض أهل العلم إلى أن جلد شارب الخمر ليس من باب الحد، وإنما هو من باب التعازير (¬4). وعلى هذا يكون للإمام أن يعفو عن شارب الخمر، ولو بعد بلوغه للإمام. دليل المخالف: الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: "ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر؛ فإنه لو مات وديته؛ وذلك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يسنَّه" متفق عليه (¬5). وفي رواية للبيهقي بلفظ: "ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئًا؛ ¬
الحقُّ قَتَله" (¬1). • وجه الدلالة: الحديث صريح في أن من جلد صاحب الخمر ثم مات من الجلد أن الجلاد يضمن التلف، وهو يدل على أن هذا الجلد غير مأذون به شرعًا. الدليل الثاني: عن عقبة بن الحارث (¬2) قال: "جيء بالنعيمان أو ابن النعيمان شاربًا فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من كان بالبيت أن يضربوه، قال فكنت أنا فيمن ضربه، فضربناه بالنعال والجريد" (¬3). الدليل الثالث: عن السائب بن يزيد -رضي اللَّه عنه- (¬4) قال: "كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإمرأة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين" (¬5). الدليل الرابع: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- برجل قد شرب، قال: (اضربوه)، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللَّه، قال: (لا تقولوا هكذا؛ لا تعينوا عليه الشيطان) (¬6). ¬
[13/ 1] من أتى ما يوجب الحد داخل الحرم، فيقام عليه الحد فيه
• وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: ظاهر الأحاديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحد لشارب الخمر عددًا معينًا في الجلد، والحدود لا بد أن تكون مقدَّرة، وهو يدل على أن جلد شارب الخمر إنما كان من باب التعزير (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم في الجملة؛ لعدم وجود المخالف، وإنما وقع الخلاف في شارب الخمر، واللَّه تعالى أعلم. [13/ 1] من أتى ما يوجب الحد داخل الحرم، فيقام عليه الحد فيه • المراد بالمسألة: من ارتكب ما يوجب الحد داخل حدود الحرم (¬2)، فإن على الإمام إقامة الحد عليه ولو في الحرم، ولا يعتبر ذلك انتهاكًا لحرمة الحرم. ويتبيَّن من هذا أن من أتى ما يوجب الحد خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم فإقامة الحد عليه في الحرم غير مرادة في الباب، كما سيأتي بيانه في المسألة التالية (¬3). • من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "اتفاق أهل العلم على أنه إذا قتل في الحرم قتل" (¬4). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا أن من قتل في الحرم وكذلك من أتى حدًا أقيم عليه في الحرم" (¬5). وقال القرطبي (671 هـ): "وقد أجمعوا أنه لو قتل في الحرم قتل به، ولو ¬
أتى حدًا أقيد منه فيه" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "من انتهك حرمة الحرم بجناية فيه توجب حدًا أو قصاصًا فإنه يقام عليه حدها، لا نعلم فيه خلافًا" (¬2) وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3). وقال العبدري (897 هـ) (¬4): "تُقام الحدود في الحرم ويقتل بقتل النفس في الحرم. . . ولا خلاف فيه بين فقهاء الأمصار. . . إن قتل في الحرم قتل فيه إجماعًا" (¬5). وقال الخازن (741 هـ) (¬6): "أجمعوا على أنه لو قتل في الحرم، أو سرق، أو زنى، فإنه يستوفى منه الحد في الحرم عقوبة له" (¬7). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "وإن فعل ذلك في الحرم استوفي منه فيه بغير خلاف نعلمه" (¬8) ونقله عنه البهوتي (¬9) والرحيباني (¬10). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ ¬
الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أباح قتل عند قاتل في الحرم، لأنهم لا حرمة لهم بعد انتهاكهم لحرمة الحرم، وكذلك مرتكب ما يوجب الحد في الحرم حيث أنه هتك حرمة الحرم (¬2). الدليل الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- (¬3) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه مِغْفَر (¬4)، فلما نزعه جاءه رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة؟ فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اقتلوه) متفق عليه (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بقتل ابن خطل وهو في الحرم متعلق بأستار الكعبة، وهو يدل على أن حرمة القتل في الحرم، وكونه آمنًا، ليست على عمومه (¬6). الدليل الثالث: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم -: (خمس فواسق يقتلن في الحرم: الفأرة، والعقرب، والحُديَّا (¬7)، والغراب، ¬
والكلب العقور) (¬1) متفق عليه (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علل إباحة قتل هذه الأشياء في الحرم بفسقهن وعدوانهن، ومرتكب ما يوجب الحد فيه فسق وعدوان، فيعم الحكم بعموم العلة (¬3). الدليل الرابع: أن أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عن ارتكاب المعاصي كغيرهم؛ حفظًا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فلو لم يشرع الحد في حق من ارتكب الحد في الحرم لتعطلت حدود اللَّه تعالى في حقهم، وفاتت هذه المصالح التي لا بد منها ولا يجوز الإخلال بها (¬4). • المخالفون للإجماع: خالف ابن حزم فذهب إلى أنه لا يُقام حدٌ في الحرم، ولو كان من وجب عليه الحد قد أتى ما يوجب الحد في الحرم (¬5)، وهو مروي عن عمر بن الخطاب، وعبد اللَّه بن عمر، وابن عباس، وأبي شريح (¬6)، ¬
وعبد اللَّه بن الزبير (¬1)، والشعبي، وسعيد بن جبير (¬2)، وعطاء (¬3). • دليل المخالف: استدل ابن حزم بما يلي: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (¬4). الدليل الثاني: قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (¬5). • وجه الدلالة من الآيتين: في الآيتين دليل على أن الحرم أمان لكل أحد، وهو عام يدخل فيه الأمن من إقامة الحد على من وجب عليه (¬6). الدليل الثالث: عن أبي شريح (¬7) أنه قال لعمرو بن سعيد (¬8) -وهو يبعث ¬
[14/ 1] من أتى ما يوجب الحد داخل الحرم، فلا يقام عليه الحد حتى يخرج من الحرم
البعوث إلى مكة-: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولًا قام به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي، حين تكلم به، حمد اللَّه، وأثنى عليه، ثم قال: (إن مكة حرمها اللَّه، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا. . .) الحديث متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: في الحديث تصريح بحرمة مكة، وحرمة سفك الدم فيها، وهذا عام يدخل فيه الحدود التي فيها سفك للدم كالرجم، وقطع اليد، والقتل.Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع متحقق عند أهل العلم؛ لخلاف بعض الصحابة والتابعين، وابن حزم، واللَّه تعالى أعلم، ومن نقل الإجماع فجعل خلاف بعض الصحابة وبعض التابعين في مسألة من أتى حدًا خارج الحرم ثم لجأ إليه وبيانها في المسألة التالية. [14/ 1] من أتى ما يوجب الحد داخل الحرم، فلا يقام عليه الحد حتى يخرج من الحرم • المراد بالمسألة: من ارتكب ما يوجب الحد داخل حدود الحرم، فإن على الإمام إقامة الحد عليه، إلا أنه لا يقام عليه الحد حتى يَخرج من الحرم. وبهذا يتبيَّن أن هذه المسألة هي حكاية للإجماع على خلاف المسألة السابقة. كما يتبيَّن أن من أتى ما يوجب الحد خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم فإقامة الحد عليه في الحرم غير مرادة في الباب، كما سيأتي بيانه في المسألة التالية (¬2). ¬
[15/ 1] من أتى ما يوجب الحد خارج الحرم، ثم لجأ للحرم، فلا يقام عليه الحد
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) بعد أن ذكر عدم إقامة الحد في الحرم عن خمسة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-: "فهؤلاء من الصحابة: عمر بن الخطاب، وابنه عبد اللَّه، وابن عباس، وابن الزبير، وأبو شريح، ولا مخالف لهم من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- (¬1). • مستند الإجماع: سبق بيان مستند الإجماع والمخالفين، مع أدلتهم، في المسألة السابقة. فأدلة المخالفين في المسألة السابقة هي أدلة مستند الإجماع في هذه المسألة. وأدلة مستند الإجماع في المسألة السابقة هي أدلة المخالفين في هذه المسألة.Rأن المسألة محل خلاف بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. [15/ 1] من أتى ما يوجب الحد خارج الحرم، ثم لجأ للحرم، فلا يقام عليه الحد • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد خارج الحرم، ثم لجأ للحرم، فإنه لا يُقام عليه الحد حتى يخرج من الحرم. ويتبيَّن من هذا أن من أتى الحد داخل الحرم فذلك غير مراد، وقد سبق بيانه (¬2). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) بعد أن ذكر عدم إقامة الحد في الحرم عن خمسة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-: "فهؤلاء من الصحابة: عمر بن الخطاب، وابنه عبد اللَّه، وابن عباس، وابن الزبير، وأبو شريح، ولا مخالف لهم من ¬
الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬1). وقال ابن القيم (751 هـ): "من أتى حدًا أو قصاصًا خارج الحرم يوجب القتل، ثم لجأ إليه، لم يجز إقامته عليه فيه. . . وهذا قول جمهور التابعين ومن بعدهم، بل لا يحفظ عن تابعي ولا صحابي خلافه" (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (¬3). الدليل الثاني: قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (¬4). • وجه الدلالة من الآيتين: في الآيتين دلالة على أن الحرم أمان لكل أحد، وهو عام يدخل فيه الأمن من إقامة الحد على من وجب عليه (¬5). الدليل الثالث: عن أبي شريح أنه قال لعمرو بن سعيد -وهو يبعث البعوث إلى مكة-: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولًا قام به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي، حين تكلم به، حمد اللَّه، وأثنى عليه، ثم قال: (إن مكة حرمها اللَّه، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا. . . . الحديث) متفق عليه (¬6). • وجه الدلالة: في الحديث تصريح بحرمة مكة، وحرمة سفك الدم فيها، وهذا عام يدخل فيه الحدود التي فيها سفك للدم كالرجم، وقطع اليد، والقتل. • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن من أتى حدًا خارج الحرم ثم لجأ للحرم فيقام عليه الحد في الحرم. ¬
وهو مذهب المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، ورواية عن أحمد (¬3). • دليل المخالف: الدليل الأول: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (خمس فواسق يقتلن في الحرم: الفأرة، والعقرب، والحُديَّا، والغراب، والكلب العقور) متفق عليه (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علل إباحة قتل هذه الأشياء في الحرم بفسقهن وعدوانهن، ومرتكب ما يوجب الحد فيه فسق وعدوان، فيُعم الحكم بعموم العلة (¬5). الدليل الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة؟ فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اقتلوه) متفق عليه (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بقتل ابن خطل وهو في الحرم متعلق بأستار الكعبة، وهو يدل على أن حرمة القتل في الحرم، وكونه آمنًا، ليست على عمومه (¬7). الدليل الثالث: أن أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عن ارتكاب المعاصي كغيرهم؛ حفظًا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فلو لم يشرع الحد في حق من ارتكب الحد في الحرم لتعطلت حدود اللَّه تعالى في حقهم، وفاتت هذه ¬
[16/ 1] إذا اجتمع في شخص حدود خالصة لله تعالى من أجناس مختلفة ليس فيها قتل، فإن جميعها يستوفى
المصالح التي لا بد منها ولا يجوز الإخلال بها (¬1).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم، بل الخلاف فيها مشهور بين فقهاء المذاهب الأربعة، ولذا لما ذكر القرطبي المسألة قال: "والجمهور من العلماء على أن الحدود تقام في الحرم" (¬2). وتوجيه ما حكاه ابن حزم وابن القيم أنهما إنما نفوا المخالف في المسألة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، والتابعين، وإلا فهم مثبتون لخلاف من بعدهم، واللَّه تعالى أعلم. [16/ 1] إذا اجتمع في شخص حدود خالصة للَّه تعالى من أجناس مختلفة ليس فيها قتل، فإن جميعها يستوفى • المراد بالمسألة: إذا ثبت عند الإمام أن ثمة شخص عليه أكثر من حد، وليس فيها ما يوجب القتل، كان يثبت عليه حد شرب المسكر، والزنا وهو غير محصن، والسرقة، فإنه يستوفى لكل معصية حدها، فيجلد حد الزاني غير المحصن، ويُجلد حد شارب الخمر، وتقطع يده للسرقة. ويظهر مما سبق أنه لو كان عليه ضمن تلك الحدود ما يوجب القتل، كالردة أو الحرابة، أو زنى المحصن، فذلك غير مراد في المسألة. وكذا لو كان الحد قد تعدَّد لكنه من جنس واحد، كان يسرق مرارًا، أو يشرب الخمر مرارًا، فكل ذلك غير مراد (¬3). • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ) في معرض كلامه على أنواع الحدود: "النوع الثاني: أن لا يكون فيها قتل، فإن جميعها يستوفى من غير خلاف نعلمه" (¬4). وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬5)، وإبراهيم ابن ¬
مفلح (884 هـ) (¬1) ونقله عن ابن مفلح ابن قاسم (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أنه لو حُد في واحد من الحدود، ربما اعتقد أنه لا حد للباقي، فلا ينزجر عنها، لذلك تقام عليه كلها (¬5). الدليل الثاني: لأن مقصود حد كل جنس يختلف عن الجنس الآخر، فإن المقصود من حد الخمر صيانة العقول، والمقصود من حد الزنا صيانة الأنساب، ومن حد القذف صيانة الأعراض، وقد ثبت كل واحد بنص خاص به، فلو جعلنا لكل هذه الحدود حدًا واحدًا عطلنا نصًا من النصوص عن موجبه (¬6). الدليل الثالث: أن في إقامة حد واحد عليها كلها تعطيل لبعض النصوص عما يوجبها (¬7). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الحد إن اتحد موجَبه فإن الحد يتداخل، فمثلًا لو ثبت على شخص غير محصن حد الزنا، وحد شرب الخمر، فإنه يكفيه حد واحد، لأن موجب الحد واحد، وهو الجلد. وهو مذهب المالكية (¬8). • دليل المخالف: استدل المالكية لقولهم بأن الحدود التي اتحد موجبها تتداخل قياسًا على من زنى مرارًا قبل أن يُحد، أو سرق مرارًا قبل أن يحد، فإنه ¬
[17/ 1] من اجتمعت عليه حدود من أجناس مختلفة، وفيها قتل، فإنه يقتل
لا يجب عليه إلا حد واحد، لاتحاد موجبه، فكذا هنا (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم إذا كانت الحدود مختلفة الموجب، كحد سرقة وحد زنا لغير المحصن، فيستوفى منه جميعها، أما إن اتحد موجب الحد فالمسألة محل خلاف كما سبق، واللَّه تعالى أعلم. [17/ 1] من اجتمعت عليه حدود من أجناس مختلفة، وفيها قتل، فإنه يقتل • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب أكثر من حد فيها القتل، كأن يزني وهو محصن، ويسرق، فإن القتل عليه واجب، بغض النظر، هل تقطع يده بموجب حد السرقة أو لا. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "أجمعوا أن من اجتمع عليه حد الزنا والخمر والقذف والقتل أن القتل عليه واجب" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن القتل حد ثبت على الشخص، فوجب إقامته عليه (¬7).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[18/ 1] إذا اجتمعت في شخص حدود، فيها ما يوجب القتل، ولا حق لآدمي فيها فإنه يكتفى بالقتل
[18/ 1] إذا اجتمعت في شخص حدود، فيها ما يوجب القتل، ولا حق لآدمي فيها فإنه يكتفى بالقتل • المراد بالمسألة: إذا ثبت عند الإمام أن شخصًا ارتكب ما يوجب أكثر من حد، وكانت الحدود كلها خالصة للَّه، وفيها ما يوجب القتل، كمن سرق، وشرب خمرًا، وزنى وهو محصن، فإنه في هذه الحال تتداخل جميع الحدود تحت حد القتل، ويُكتفى بقتله، دون قطع يده، أو جلده. ويتبيَّن مما سبق أن الحدود لو كان فيها حد غير خالص للَّه، بل فيه حق لآدمي وهو حد القذف فذلك غير مراد، فإنه لو ثبت على شخص حد الزنا وهو محصن، وحد القذف، فذلك غير داخل في المسألة. وكذا لو كانت الحدود لا يوجد فيها ما يوجب القتل، فذلك غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ) بعد أن حكى هذا القول عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- وبعض التابعين: "هذه أقوال انتشرت في عصر الصحابة -رضي اللَّه عنهم- والتابعين، ولم يظهر لها مخالف، فكانت إجماعًا" (¬1). وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). وقال المرداوي (885 هـ): "إذا اجتمعت حدود للَّه فيها قتل استوفي وسقط سائرها بلا خلاف أعلمه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: (ما كانت حدود فيها قتل إلا أحاط القتل بذلك كله) (¬6). ¬
• وجه الدلالة: أنه لم يثبت قول مخالف لابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، فيكون إجماعًا سكوتيًا من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على قوله (¬1). الدليل الثاني: أن المقصود من تطبيق الحدود الزجر، وهو يحصل بالقتل، ولا فائدة تشرع بعد ذلك من تطبيق غيره معه، فيكتفى به (¬2). الدليل الثالث: أنها حدود للَّه تعالى تضمنت قتلًا، فسقط ما دونها، قياسًا على المحارب إذا قتل وأخذ المال، فإنه يكتفى بقتله ولا يقطع بجامع حصول الزجر في الكل (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا تتداخل الحدود الخالصة للَّه إذا اجتمعت، وكانت مختلفة الجنس، وتضمنت قتلًا، بل يبدأ بالأخف حتى تُستوفى جميع الحدود. وهو مذهب الشافعية (¬4). • أدلة المخالف: استدل للشافعية بالقياس على قطع اليد في القصاص مع القتل؛ لأن ما وجب مع غير القتل وجب مع القتل حيث إنه لكل جريمة عقوبة خاصة لها (¬5).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت خلاف الشافعية فيه، وما حكاه ابن قدامة من الإجماع في المسألة إنما هو من قبيل الإجماع السكوتي، ونفي المخالف من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وإلا فهو يُثبت خلاف الشافعية، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[19/ 1] يباح للإنسان أن يستر على نفسه الحد
[19/ 1] يباح للإنسان أن يستر على نفسه الحد • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وكانت من الحدود الخالصة للَّه، فإن له أن يستر على نفسه، ولا يجب عليه أن يرفع أمره للحاكم حتى يُقام عليه الحد. والمراد بالمسألة تقرير الإجماع على إباحة الستر في الحدود لمن تاب من ذلك، أما مسألة التفضيل بين أن يستر الإنسان على نفسه أو أن يُبلغ عن نفسه، وكذا مسالة من عَلم أن شخصًا قد وجب عليه الحد فهل له أن يكتم عنه، أم يجب عليه أن يشهد، وكذا إن كان الحد ليس حدًا خالصًا للَّه وهو حد القذف فكل ذلك غير مراد (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "جميع الأمة متفقون على أن الستر مباح، وأن الاعتراف مباح، وإنما اختلفوا في الأفضل، ولم يقل أحد من أهل الإسلام: إن المعترف بما عمل مما يوجب الحد عاص للَّه تعالى في اعترافه، ولا قال أحد من أهل الإسلام قط: إن الساتر على نفسه ما أصاب من حد: عاص للَّه تعالى" (¬2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "السلطان لا يحل له أن يعطل حدًا من الحدود التي للَّه عز وجل، إقامتها عليه إذا بلغته، كما ليس له أن يتجسس عليها إذا استترت عنه، وبأن الشفاعة في ذوي الحدود حسنة جائزة، وإن كانت الحدود فيها واجبة إذا لم تبلغ السلطان، وهذا كله لا أعلم فيه خلافا بين العلماء، وحسبك بذلك علمًا" (¬3). وقال ابن الهمام (861 هـ): "هذه الأخبار الواردة في طلب الستر بلغت مبلغًا لا تنحطُّ به عن درجة الشهرة، لتعدد متونها، مع قبول الأمة لها، فصح ¬
التخصيص بها، أو هي مستند الإجماع على تخيير الشاهد في الحدود، فثبوت الإجماع دليل ثبوت المخصص" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: كنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مجلس فقال: (تبايعوني على أن لا تشركوا باللَّه شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على اللَّه، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره اللَّه عليه فأمره إلى اللَّه، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه) متفق عليه (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمر من ستره اللَّه بالاعتراف أن يعترف بجرمه. الدليل الثاني: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قام بعد أن رُجم الأسلمي فقال: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى اللَّه عنها، فمن ألمَّ فليستتر بستر اللَّه، وليتب إلى اللَّه؛ فإنه من يُبد لنا صفحته نقم عليه كتاب اللَّه عز وجل) (¬5). ¬
• وجه الدلالة: الحديث صريح في الأمر بالاستتار لمن أصاب حدًا (¬1). الدليل الثالث: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (تعافوا الحدود قبل أن تأتوني به، فما أتاني من حد فقد وجب) (¬2). • وجه الدلالة: في الحديث إرشاد إلى العفو عن الحدود وعدم رفعها للحاكم، وهو يدل على إباحة التستر وعدم وجوب رفع الحد للحاكم (¬3). ¬
الدليل الرابع: عن عبد اللَّه بن بريدة (¬1) عن أبيه -رضي اللَّه عنه- قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال: (ويحك ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويحك، ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه طهرني؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فيم أطهرك)؟ فقال: من الزنا، فسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أبه جنون)؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: (أشرب خمرًا)؟ فقام رجل فاستنكهه (¬2) فلم يجد منه ريح خمر، قال فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أزنيت)؟ فقال: نعم، فأمر به فرجم (¬3). وفي بعض الروايات أن ماعزًا استشار هزال بن يزيد (¬4)، فأاشار عليه هزال بأن يذهب للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيُخبره، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويلك يا هزال لو كنت سترته ¬
بثوبك كان خيرًا لك) (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رد ماعزًا حين أقر بالزنا، وأمره أن يرجع إلى اللَّه فيستغفره ويتوب إليه، وهو يدل على أن ذلك خير له من أن يرفع نفسه للحاكم ليُقام عليه الحد (¬2). الدليل الخامس: عموم الأحاديث الدالة على الستر ومنها: أ- عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يستر اللَّه على عبد في الدنيا إلا ستره اللَّه يوم القيامة) (¬3). ب- عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا ستره اللَّه يوم القيامة) (¬4). ج- عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من ستر مسلمًا ستره اللَّه يوم القيامة) متفق عليه (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشد أمته إلى الستر في المعاصي، وأنها سبيل للستر في الآخرة، وهذا عام يدخل في الحدود، قال ابن عبد البر: "وإذا كان ستر المسلم على المسلم مندوبًا إليه مرغوبًا فيه فستر المرء على نفسه أولى به، وعليه التوبة مما وقع فيه" (¬6). ¬
الدليل السادس: أنه مروي عن أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، قال الشافعي: "روي أن أبا بكر أمر رجلًا في زمان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أصاب حدًا بالاستتار، وأن عمر أمره به، وهذا حديث صحيح عنهما" (¬1). الدليل السابع: أنه قد ثبت جواز تلقين المُقر بالحد ليرجع عن إقراره، وهو مروي عن جمع من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كأبي بكر، وعمر، وعلي، وأبي هريرة، وأبي مسعود، وأبي الدرداء، وعمرو بن العاص، وأبي واقد الليثي (¬2) -رضي اللَّه عنهم- (¬3)، وهو ثابت عن بعضهم كما قال ابن حجر: "ثبت عن جماعة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- تلقين المقر بالحد" (¬4). بل نقل النووي الاتفاق على مشروعية تلقين المقر ليرجع عن إقراره فقال: "قد جاء تلقين الرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعن الخلفاء الراشدين، ومن بعدهم، واتفق العلماء عليه" (¬5)، وإذا جاز تلقينه ليرجع عن إقراره، فسكوته عن الاعتراف بنفسه جائز من باب أولى. ¬
[20/ 1] يباح للإنسان أن يرفع أمر نفسه للحاكم
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم، لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [20/ 1] يباح للإنسان أن يرفع أمر نفسه للحاكم • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، فله أن يرفع أمر نفسه للحاكم؛ ليقيم عليه الحد. والمراد بالمسألة تقرير الإجماع على إباحة أن يُبلغ الإنسان عن نفسه، أما مسألة هل الأفضل الستر أو الإبلاغ، وكذا مسألة من عَلم أن شخصًا قد وجب عليه الحد فهل له أن يكتم عنه، أم يجب عليه أن يشهد، فكل ذلك غير مراد (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "جميع الأمة متفقون على أن الستر مباح، وأن الاعتراف مباح، وإنما اختلفوا في الأفضل، ولم يقل أحد من أهل الإسلام: إن المعترف بما عمل مما يوجب الحد عاص للَّه تعالى في اعترافه، ولا قال أحد من أهل الإسلام قط: إن الساتر على نفسه ما أصاب من حد: عاص للَّه تعالى" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قصة ماعز والغامدية (¬7) حيث أقروا ¬
[21/ 1] التوبة لا ترفع الحد، عدا الحرابة قبل بلوغها للإمام
عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يُنكر عليهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [21/ 1] التوبة لا ترفع الحد، عدا الحرابة قبل بلوغها للإمام • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف التوبة لغة واصطلاحًا: التوبة لغة: قال ابن فارس: التاء والواو والباء كلمةٌ واحدةٌ تدل على الرُّجوع، يقال: تابَ مِنْ ذنبه، أي رَجَعَ عنه" (¬1) التوبة اصطلاحًا: التوبة في اصطلاح الفقهاء هي الرجوع إلى اللَّه تعالى بترك المعاصي والذنوب (¬2). ولها شروط خمسة هي: 1 - الإقلاع عن الذنب. 2 - الندم على ما فعل. 3 - العزم على عدم العودة للذنب (¬3). 4 - أن تكون التوبة قبل فوات وقتها، وذلك بطلوع الشمس من مغربها، أو بلوغ الغرغرة. 5 - رد المظالم إلى أهلها، إن كان الذنب يتعلق بحقوق الآخرين (¬4). ثانيًا: صورة المسألة: من ارتكب ما يوجب عليه إقامة الحد، ثم تاب من ذنبه، فإن توبته لا تُسقط عنه حدَّه، بل لو قُبض عليه بعد توبته فإنه يقام عليه ¬
الحد، سواء كانت توبته قبل بلوغ أمره للإمام، أو بعده، وإنما يستثنى من ذلك حد الحرابة لمن تاب قبل بلوغ أمره للإمام، فتوبته تُسقط الحد حينئذٍ. ولبيان المسألة فهي على قسمين: القسم الأول: إن كان الحد غير الحرابة، فالتوبة لا تُسقط الحد حينئذ سواء كانت التوبة قبل بلوغها الإمام أو بعده. القسم الثاني: إن كان الحد حرابة، فالتوبة تُسقط الحد إن كانت قبل بلوغها للإمام، ولا تسقطه بعد بلوغها للإمام. • من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "قد اتفقنا أن التوبة لا تُسقط الحد" (¬1). وقال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء أنه من أصاب ذنبًا فيه حد أنه لا ترفعه التوبة، ولا يجوز للإمام العفو عنه إذا بلغه" (¬2). وقال القاضي عياض (544 هـ): "وقد أجمع العلماء أن التوبة لا تسقط حدًا من حدود اللَّه إلا الحرابة" (¬3). وقال ابن رشد (595 هـ): "اتفقوا على أن التوبة لا ترفع الحد" (¬4) ونقله عنه ابن قاسم (¬5). وقال القرطبي (671 هـ): "لا خلاف فيما أعلمه أن التوبة لا تُسقط حدًا" (¬6). وقال القرافي (684 هـ): "الحدود لا تسقط بالتوبة على الصحيح، إلا الحرابة والكفر فإنهما يسقط حدهما بالتوبة إجماعًا" (¬7). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "اتفق العلماء فيما أعلم على أن قاطع الطريق واللص ونحوهما إذا رفعوا إلى ولي الأمر ثم تابوا بعد ذلك لم ¬
يسقط الحد عنهم، بل تجب إقامته وإن تابوا" (¬1). وقال ابن القيم (751 هـ): "الحدود لا تسقط بالتوبة بعد القدرة اتفاقًا" (¬2). وقال ابن المرتضى (840 هـ) (¬3): "ولا يسقط -أي الحد- بالتوبة بعد الرفع إجماعًا" (¬4). وقال ابن الهمام (861 هـ): "للإجماع على أن التوبة لا تسقط الحد في الدنيا" (¬5). وقال ابن نجيم (970 هـ): "الإجماع على أن التوبة لا تسقط الحد في الدنيا" (¬6). • مستند الإجماع: سبق أن المسألة على قسمين: أما القسم الأول وهو كون التوبة في غير الحرابة لا تُسقط الحد، فأدلته ما يلي: الدليل الأول: النصوص العامة في وجوب إقامة الحد، كقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬7)، وقوله جل وعلا: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} (¬8). • وجه الدلالة: أن الآيات عامة، ولم تفرِّق بين التائب وغيره، فتبقى على عمومها. ¬
الدليل الثاني: عن ثعلبة بن سعد الأنصاري -رضي اللَّه عنه- (¬1): "أن عمرو بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس (¬2) جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه إني سرقت جملًا لبني فلان فطهرني، فأرسل إليهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: إنا افتقدنا جملًا لنا، فأمر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقطعت يده، قال ثعلبة: أنا أنظر إليه حين وقعت يده وهو يقول: الحمد للَّه الذي طهرني منك، أردت أن تدخلي جسدي النار" (¬3). • وجه الدلالة: أن عمرو بن سمرة جاء تائبًا يطلب الحد، ومع ذلك أقام عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الحد، ولم يسقطه بالتوبة. الدليل الثالث: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام الحد على ماعز بن مالك بعدما جاء تائبًا يطلب تطهيره من الزنا، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- برجمه ثم قال: (لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم) (¬4)، وأقامه كذلك على الغامدية مع أنه قال فيها: (فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) (¬5)، وأقام الحد على الجهينية بعدما جاءت تائبة وقال: (لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها للَّه تعالى) (¬6). ¬
الدليل الرابع: أن الحد له كفارة تُسقط عنه إثم ما ارتكبه، فلا يسقط بالتوبة المجردة عن الكفارة، ككفارة اليمين والقتل. وأما القسم الثاني: وهو أن حد الحرابة يَسقط بالتوبة قبل بلوغه للإمام، فدليله قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (¬1) (¬2). • المخالفون للإجماع: القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى أن التوبة مسقطة للحد مطلقًا، سواء تاب قبل أن يُرفع أمره للإمام، أو بعده، وسواء كان في حد الحرابة أو غيره من الحدود. وهو قول بعض الشافعية كالماوردي، والروياني (¬3)، . . . ¬
والمحاملي (¬1) (¬2)، واختاره ابن القيم من الحنابلة (¬3). القول الثاني: أن الحدود تسقط بالتوبة قبل القدرة أما بعدها فلا، وبه قال ابن حزم (¬4)، وهو رواية عند الحنابلة اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية (¬5). القول الثالث: أن التوبة تسقط الحد سواء قبل بلوغ أمره للإمام أو بعده، باستثناء حد الحرابة بعد القدرة عليه، وهو رواية عند الحنابلة اختارها أبو الخطاب (¬6) (¬7). ¬
• أدلة المخالفين: أما من قال بأن التوبة مسقطة للحد مطلقًا فاستدل بما يلي: الدليل الأول: جاء في القرآن الكريم التصريح بإسقاط حد الزنا بالتوبة في قوله تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)} (¬1)، وكذا جاء إسقاط حد السرقة أيضًا في قوله سبحانه: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)} (¬2). وهذا يفيد أن الحد يسقط بالتوبة. الدليل الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: كنت عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فجاءه رجل، فقال: يا رسول اللَّه إني أصبت حدًا فأقمه عليّ، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة فصلى مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصلاة قام إليه رجل، فقال: يا رسول اللَّه إني أصبت حدًا فأقم فيّ كتاب اللَّه قال: (أليس ¬
قد صليت معنا؟ ) قال: نعم، قال: (فإن اللَّه قد كفر لك ذنبك -أو قال حدك (¬1) -) متفق عليه (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقم الحد على الرجل الذي أصاب الحد، بل أخبره بأن اللَّه قد غفر له حدَّه بتوبته وصلاته. الدليل الثالث: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) (¬3). • وجه الدلالة: فيه دلالة على أن التائب من الذنب مساوٍ لمن لا ذنب له، ويدخل في ذلك من تاب من الذنب الذي بموجبه وجب عليه الحد. ¬
الدليل الرابع: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لماعز حين أقيم عليه الحد وجد مس الحجارة، فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل، فضربه به، وضربه الناس، حتى مات، فذكروا ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه فر حين وجد مس الحجارة، ومس الموت، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب اللَّه عليه) (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشد الصحابة -رضي اللَّه عنهم- إلى أن الأفضل حين هرب ماعز أن يتركوه لتوبته، ولا يقيموا عليه الحد، وهو ظاهر في أن التوبة تسقط عنه الحد (¬2). الدليل الخامس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتي برجل أكره امرأة على الزنا، ثم جاء تائبًا، فلم يرجمه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال له: (اذهب فقد غفر اللَّه لك) (¬3). وأما القائلون بأن الحدود تسقط بالتوبة قبل القدرة أما بعدها فلا فاستدلوا ¬
بما يلي: الدليل الأول: قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أن المحارب إن تاب قبل القدرة عليهم فإنه يسقط عنه الحد، وهو يدل على أنه بعد القدرة عليه يقام عليه الحد بمفهوم المخالفة، ويقاس على ذلك سائر الحدود (¬2). الدليل الثاني: أن من إذا تاب قبل القدرة فالظاهر أنها توبة إخلاص، أما بعد القدرة عليه فقد تكون تقية من إقامة الحد عليه (¬3). الدليل الثالث: أن من تاب قبل القدرة عليه ففي قبول التوبة وإسقاط الحد عنه ترغيبًا له في التوبة، فناسب ذلك الإسقاط عنه، وأما بعدها فلا حاجة إلى ترغيبه؛ لأنه قد عجز عن الفساد والمحاربة (¬4). الدليل الرابع: أن قبول توبة المحارب بعد القدرة عليه يفضي إلى انتهاك المحارم، وسد باب العقوبة؛ من جهة كونه ذريعة لكل مجرم قُبض عليه أن يتظاهر بالتوبة، مما ينتج عنه تعطيل حد اللَّه تعالى في الحرابة (¬5). أما القائلون بأن التوبة تسقط الحد سواء قبل بلوغ أمره للإمام أو بعده، باستثناء حد الحرابة بعد القدرة عليه، فاستدلوا على سقوط الحد بأدلة القول الأول، واستدلوا على استثناء الحرابة قبل القدرة عليه بآية الحرابة التي استدل بها أصحاب القول الثاني.Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الفقهاء بسقوط الحد بالتوبة سواء قبل الرفع أو بعده وهو قول بعض الشافعية كالماوردي، والروياني، والمحاملي، واختاره ابن القيم، ¬
[22/ 1] العلم بالعقوبة ليس شرطا لإقامة الحد.
واستثنى بعضهم الحرابة منهم أبو الخطاب من الحنابلة. وخصَّ بعض الفقهاء سقوط الحد بالتوبة قبل القدرة وهو قول ابن حزم، ورواية عند الحنابلة اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية. [22/ 1] العلم بالعقوبة ليس شرطًا لإقامة الحد. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وكان عالمًا بتحريم ما ارتكبه، من زنى، أو سرقة، أو شرب خمر، أو غير ذلك، لكنه يجهل العقوبة، فإنه يقام الحد عليه، وجهْله بالعقوبة لا يُلغي عنه الحد. • من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "من زنى أو شرب أو سرق عالمًا تحريم ذلك، جاهلًا وجوب الحد، فيجب الحد بالاتفاق" (¬1). وقال القرافي (684 هـ): "إن علم التحريم وجهل الحد حُد اتفاقًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: ما جاء في قصة ماعز حين رُجم قال: "ردوني إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غير قاتلي" (¬5). • وجه الدلالة: ظاهر القصة أن ماعزًا لم يكن يعلم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سيقيم عليه حد الرجم، ولم يكن ذلك مُسقطًا عنه العقوبة (¬6). ¬
[23/ 1] أحكام المسلمين في الحدود على وتيرة واحدة.
الدليل الثاني: لأنه إذا علم التحريم كان الواجب عليه الامتناع عن فعل المعصية (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [23/ 1] أحكام المسلمين في الحدود على وتيرة واحدة. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وثبت ذلك عند الإمام، فإنه يقام عليه الحد، ويُعامل معاملة غيره من المسلمين، فلا يسقط الحد، أو يخفف عن أحد من المسلمين لأجل نسبه، أو جاهه، أو منصبه، أو غير ذلك، كما أنه لا يزاد على أحد في حده لأجل تلك الأمور. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "فقد ثبت أن القرشي كغير القرشي في أن يقتل إذا وجب عليه القتل صبرًا، كما يقتل غيره، وأن الحدود تقام عليه، كما تقام على غير قرشي، ولا فرق، مع أن هذا أمر مجمع عليه بيقين لا شك فيه" (¬2). وقال القرطبي (656 هـ) عند كلامه على حديث: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) (¬3): "تهديد، ووعيد شديد على ترك القيام بالحدود، وعلى ترك التسوية فيما بين الدنيء والشريف، والقوي والضعيف، ولا خلاف في وجوب ذلك" (¬4). وقال ابن تيمية (728 هـ): "فلا يفضل عربي على عجمي ولا قرشي، أو هاشمي على غيره من المسلمين ولا حر أصلي على مولى عتيق ولا عالم، أو ¬
أمير على أمي، أو مأمور، وهذا متفق عليه بين المسلمين بخلاف ما كان عليه أهل الجاهلية وحكام اليهود" (¬1). وقال أبو العباس الهنتاتي (833 هـ) (¬2): "بلا فرق أن يكون الجاني بدويًا، أو أعرابيًا، أو حضريًا، ببلاد قريبة من الحواضر، أو بعيدة عنها، لأن الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أن أحكام المسلمين في هذه الجنايات على وتيرة واحدة" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الاتفاق الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عائشة رضي اللَّه عنها زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتي بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: (أتشفع في حد من حدود اللَّه)؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت ¬
[24/ 1] من أتى حدا من الحدود فأقيم عليه، ثم تاب وأصلح، فإن شهادته مقبولة، إلا القاذف.
يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها" متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: الحديث صريح في وجوب إقامة الحد دون محاباة، أو تفريق بين شريف، أو وضيع. الدليل الثاني: عموم الأحاديث التي تدل على النهي عن الشفاعة في الحدود بعد بلوغها للإمام، وقد سبق بيانها (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [24/ 1] من أتى حدًا من الحدود فأقيم عليه، ثم تاب وأصلح، فإن شهادته مقبولة، إلا القاذف. • المراد بالمسألة: من ارتكب ما يوجب الحد، ثم أقيم عليه الحد، كزانٍ غير محصن جُلد، أو سارق قُطعت يده، ثم تاب وحسنت توبته، فإنه يكون عدلًا، تقبل شهادته إذا أراد الشهادة في أمر ديني أو دنيوي، ويستثنى من ذلك القذف فقبول شهادته محل خلاف وليست من الإجماع. وبهذا يظهر أن استثناء القذف ليس المراد منه أن القاذف إن أقيم عليه الحد فالإجماع على أن شهادته غير مقبولة، وإنما المراد أن من أقيم عليه الحد ثم تاب فشهادته مقبول بالإجماع، باستثناء القاذف فقبول شهادته بعد إقامة الحد عليه وتوبته محل خلاف (¬3). وينبَّه إلى أن المسألة هي فيمن توفر فيه ثلاثة أمور: ¬
الأول: إقامة الحد عليه، الثاني: التوبة، الثالث: الإصلاح. أما من وجب عليه الحد ثم تاب وأصلح ولم يُقَم عليه الحد فذلك غير مراد، وكذا لو أقيم عليه الحد ولم يتُب، أو تاب ولم يَصلح حاله، فكل ذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه من أتى حدًا من الحدود فأقيم عليه ثم تاب وأصلح أن شهادته مقبولة إلا القاذف" (¬1). وقال الطحاوي (321 هـ): "ووجدنا أهل العلم لا يختلفون في قبول شهادة المقطوعين في السرقات إذا تابوا، ولا في قبول شهادة الزناة الأبكار المحدودين إذا تابوا" (¬2) ونقله عنه ابن حجر (¬3). وقال البيهقي (458 هـ): "وروينا عن الحسن. "أن رجلًا من قريش سرق ناقة، فقطع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يده، وكان جائز الشهادة" (¬4)، وهذا مرسل، وهو قول الكافة إذا تاب وأصلح" (¬5). وقال ابن رشد الجد (520 هـ) (¬6): "فإن تاب ¬
وظهرت توبته قبلت شهادته باتفاق إلا أن يكون حدًا في قذف" (¬1). وقال الكاساني (587 هـ): "وأما المحدود في الزنا والسرقة والشرب فتقبل شهادته بالإجماع إذا تاب" (¬2). وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن من أتى حدًا من الحدود فأقيم عليه ثم تاب وأصلح أن شهادته مقبولة إلا القاذف" (¬3). وقال ابن القيم (751 هـ): "ليس يختلف المسلمون في الزاني المجلود أن شهادته مقبولة إذا تاب" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر عن الذين يرمون المحصنات بعدم قبول شهادتهم، ثم استثنى من ذلك من تاب وأصلح، فدل على قبول شهادته بذلك (¬7). الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)} (¬8). • وجه الدلالة: دلت الآية على أن التوبة توجب القبول والعفو، ومن قبلت توبته وعفي عن سيئته، فهو مقبول الشهادة (¬9). الدليل الثالث: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (التائب من ¬
الذنب كمن لا ذنب له) (¬1). • وجه الدلالة: عموم الحديث دل على أن من تاب من ذنب، فإنه يرجع حكمه كأنه لا ذنب له، وهو يدل على أن شهادته ترجع مقبولة كما كانت قبل الذنب (¬2). الدليل الرابع: ما رواه الحسن البصري: "أن رجلًا من قريش سرق ناقةً، فقطع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يده، وكان جائز الشهادة" (¬3). الدليل الخامس: ما روي عن شريح "أنه أجاز شهادة أقطع" (¬4)، والمراد أنه أقطع بسبب سرقة (¬5). • وجه الدلالة: أن شريحًا تابعي أجاز شهادة المحدود في السرقة، ولم يُنقل عن أحد خلافه (¬6). الدليل السادس: أن المحدود صار بتوبته عدلًا، والعدل مقبول الشهادة، فتقبل شهادته لذلك (¬7). الدليل السابع: أن ردَّ شهادة من وجب عليه الحد كان موجبه الفسق، وليس الحد، وقد ارتفع الفسق بالتوبة، فرجع قبول شهادته (¬8). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى عدم قبول شهادة من أقيم عليه حد. ¬
وهو قول الأوزاعي، والحسن بن حي (¬1) (¬2). القول الثاني: ذهب بعض الفقهاء إلى عدم قبول شهادة المحدود فيما حد فيه، ولو تاب، وتقبل في غير ذلك، فلو جُلد في حد الزنا وتاب فتقبل شهادته في كل شيء إلا الزنا، وكذا لو حُد في السرقة فتقبل شهادته في كل شيء إلا السرقة، وهكذا. وهو مذهب المالكية في الرواية المشهورة (¬3). • دليل المخالف: استدل من رد شهادة المحدود بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود في الإسلام ولا محدودة ولا ذى غمر (¬4) على أخيه) (¬5). ¬
واستدل المالكية على عدم قبول شهادة المحدود فيما حد فيه، ولو تاب بما يلي: الدليل الأول: أنها استرابة يقتضي الدفع عن الشهادة، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} (¬1) (¬2). الدليل الثاني: ما روي عن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "ود السارق أن يكون الناس سراقًا، وود الزاني أن يكون الناس زناة"، وإنما كان كذلك لينفي المعرة عن نفسه بمشاركة غيره (¬3). ¬
[25/ 1] مرتكب الحدود لا يكفر، إلا بالردة.
Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم، لوجود الخلاف في المسألة عن المالكية، والأوزاعي، والحسن بن حي، وقد أشار إلى الخلاف في ذلك ابن عبد البر فقال: "قال مالك: فالأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الذي يجلد الحد، ثم تاب وأصلح، تجوز شهادته، وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك. قال أبو عمر: هذا يدل على أنه قد سمع الاختلاف في هذه المسألة" (¬1). ويوجه كلام من نقل الإجماع على أنهم لم يعتبروا خلاف الأوزاعي والحسن بن حي في القول بعدم القبول مطلقًا، أما خلاف المالكية فإنه خلاف في صورة واحدة، والإجماع لعل من حكاه أراد العموم في الجملة، واللَّه تعالى أعلم. [25/ 1] مرتكب الحدود لا يكفر، إلا بالردة. • المراد بالمسألة: المسلم إذا ارتكب حد من زنى، أو قذف، أو شرب خمر، أو سرقة، أو بغي، أو حرابة، غير مستحل لذلك، فإنه لا يكفر بمجرد ارتكابه المعصية، سواء تاب منها أو لم يتب، وإنما يستثنى منه حد الردة. ويتحصل مما سبق أن مرتكب الحد إن كان مستحلًا لما فعله، فذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال الترمذي (279 هـ): "لا نعلم أحدًا كفَّر أحدًا بالزنا، أو السرقة، وشرب الخمر" (¬2) ونقله عنه ابن حجر (¬3). وقال أبو الحسن الأشعري (324 هـ) (¬4): "أجمعوا على أن المؤمن باللَّه تعالى وسائر ما دعاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الإيمان به لا يخرجه عنه شيء من ¬
المعاصي، ولا يحبط إيمانه إلا الكفر، وأن العصاة من أهل القبلة مأمورين بسائر الشرائع، غير خارجين عن الإيمان بمعاصيهم" (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم، وإن كانوا أصحاب كبائر" (¬2). وقال النووي (676 هـ): "إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك، بل هم المؤمنون ناقصوا الإيمان، إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة، فإن شاء اللَّه تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولًا، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة" (¬3) ونقله عنه العراقي (¬4)، المباركفوري (¬5). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "أئمة المسلمين أهل المذاهب الأربعة وغيرهم مع جميع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- والتابعين لهم بإحسان متفقون على أن المؤمن لا يكفر بمجرد الذنب" (¬6). ¬
وقال ابن أبي العز (792 هـ) (¬1): "أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرًا ينقل عن الملة بالكلية" (¬2). وقال ابن حجر (852 هـ): "إجماع أهل السنة على أن مرتكب الكبائر لا يكفر إلا بالشرك" (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول قول اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أن ما دون الشرك من المعاصي فإنه تحت مشيئته سبحانه، إن شاء غفر، وإن شاء عاقب، فلو كانت الكبائر كفرًا وصاحبها كافرًا ما كان أهلًا للمغفرة؛ لأنه قد تقرر أن الكفر لا يغفره اللَّه تعالى، ولا يصح حمل الآية على التائب؛ لأن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وما دونه من المعاصي (¬5). الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه بين أن الطائفة الباغية على الأخرى مؤمنة مع ¬
بغيها واعتدائها (¬1). الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه جعل المعاصي ضروبًا، منها الكفر، ومنها الفسوق، ومنها العصيان، فعلم تغايرها وإلا لم يكن للعطف فائدة (¬3)، وفي ذلك يقول محمد بن نصر المروزي: "لما كانت المعاصي بعضها كفرًا وبعضها ليس بكفر، فرق بينهما، فجعلها ثلاثة أنواع: نوع منها كفر، ونوع فسق وليس بكفر، ونوع عصيان وليس بكفر ولا فسوق، وأخبر أنه كرهها كلها إلى المؤمنين، ولما كانت الطاعات كلها داخلة في الإيمان وليس شيء منها خارجًا منه لم يفرق بينهما فيقول: حبب الإيمان والفرائض وسائر الطاعات، بل أجمل ذلك فقال: حبب إليكم الإيمان" (¬4). الدليل الرابع: قال اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه أمر من يرمي زوجته بالزنا باللعان، مما يدل على أن الرمي والزنا ليس كفرًا، إذ لو كان كفرًا لبانت منه عند رميه؛ لأنه إما أن تكون زانية أو بريئة، فإن كانت زانية كفرت، وتبين منه، وإن كانت بريئة كفر هو ¬
برميها وبانت منه لكفره (¬1). الدليل الخامس: قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى خاطب المؤمنين في الآية وبين سبحانه أن القاتل عمدًا، وولي المقتول أخوان، والأخوة ليست إلا لمن معه إيمان، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬3) (¬4). الدليل السادس: إيجاب حد القطع على السارق في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬5). وكذا حد الجلد في الزاني غير المحصن، كما في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} (¬6). وحد القذف على القاذف في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬7). • وجه الدلالة: أن كل واحد من السارق، والزاني، والقاذف قد أتى بكبيرة، ولو كانت السرقة، أو الزنا، أو القذف كفرًا، لأمَر تعالى بقتل أصحابها ردة، ولم يكتف فيه بالجلد أو القطع (¬8). ¬
الدليل السابع: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مجلس فقال: (تبايعوني على أن لا تشركوا باللَّه شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على اللَّه، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره اللَّه عليه فأمره إلى اللَّه، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه) متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: بين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن من أصاب معصية وستره اللَّه فأمره إليه، وهو تحت المشيئة، فقد يعفو اللَّه عنه، وقد يعاقبه عليه، وقد تقرر أنه سبحانه لا يعفو عن الكفر (¬2). الدليل الثامن: عن عمر بن الخطاب أن رجلًا على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان اسمه عبد اللَّه (¬3)، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تلعنوه؛ فواللَّه ما علمت إلا أنه يحب اللَّه ورسوله) (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن لعن شارب الخمر، مع أنه قد أُتي به في ذلك أكثر من مرة، وهو يدل على أن شربه للخمر لا يُخرجه عن دائرة الإسلام. الدليل التاسع: أحاديث الشفاعة وهي من الأحاديث المتواترة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمن ذلك ما رواه مسلم من حديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال: بخطاياهم - فأماتهم إماتة، حتى إذا ¬
كانوا فحمًا أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر (¬1)، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل) (¬2). • وجه الدلالة: الحديث ظاهر في أن اللَّه تعالى يخرج من النار قومًا قد استوجبوا النار بذنوبهم، لكنهم لا يُخلدون فيها، وهو يدل على أن الكبائر لا توجب تكفير صاحبها والحكم عليه بالخلود في النار. الدليل العاشر: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) متفق عليه (¬3). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن السارق منفي عنه كمال الإيمان، فهو فاسق بكبيرته مؤمن بإيمانه. قال ابن عبد البر في تعليقه على الحديث: "يريد مستكمل الإيمان، ولم يرد به نفي جميع الإيمان عن فاعل ذلك، بدليل الإجماع على توريث الزاني، والسارق، وشارب الخمر، إذا صلوا للقبلة" (¬4).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم (¬5). ¬
لكن ينبَّه هنا إلى مسألة قد يُظن أنها مخالفة للإجماع في المسألة، وهي أن الحسن البصري وقتادة (¬1) ذكرا أن مرتكب الكبيرة يسمى منافقًا، وقد ظن بعض من نقل هذا عنهما كابن حزم وغيره أنهما خرجا عن قول أهل السنة والجماعة، وأن الحسن يرى أن مرتكب الكبيرة خارج عن الإسلام (¬2)، وقد تعقَّب ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وبيَّن أن الحسن لم يخرج عن قول أهل السنة، وذلك حين تكلَّم على مسألة أن الإنسان قد يجتمع فيه إيمان ونفاق قال: "ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعًا واحدًا، بل فيهم المنافق المحض، وفيهم من فيه إيمان ونفاق، وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق. . . . ومن هذا الباب ما يروى عن الحسن البصري ونحوه من السلف أنهم سموا الفساق منافقين، فجعل أهل المقالات هذا قولًا مخالفًا للجمهور، إذا حكوا تنازع الناس في الفاسق الملي، هل هو كافر؟ أو فاسق ليس معه إيمان؟ أو مؤمن كامل الإيمان؟ أو مؤمن بما معه من الإيمان فاسق بما معه من الفسق؟ أو منافق؟ والحسن رحمه اللَّه لم يقل ما خرج به عن الجماعة" (¬3). وبيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية أن الحسن البصري أراد بالنفاق هنا: النفاق ¬
[26/ 1] يصلى على كل من مات بسبب الحد، إلا المرتد.
الأصغر، وذلك في مناظرته لابن المرحل (¬1)، حين قال ابن المرحل: "الحسن البصري يُسمي الفاسق منافقًا، وأصحابك لا يسمونه منافقًا"، فقال ابن تيمية: "بل يسمى منافقًا النفاق الأصغر، لا النفاق الأكبر" (¬2). ومما سبق يتبيَّن أن الحسن البصري موافق لمذهب أهل السنة في أن مرتكب الكبيرة لا يكفر، وأن ما حكاه عنه ابن حزم وغيره بأنه خالف أهل السنة، فيه نظر، وغير دقيق، واللَّه تعالى أعلم. [26/ 1] يصلى على كل من مات بسبب الحد، إلا المرتد. • المراد بالمسألة: إذا مات شخص بسبب حد من الحدود، كزان محصن مات بسبب رجمه، أو محارب قتل بسبب حرابته، أو سارق قُطعت يده فمات بسبب القطع، ونحو ذلك فإنه يصلى على كل من مات بموجب الحد، كغيره من المسلمين، ولا يستثنى من ذلك إلا من مات بموجب حد الردة. ومما سبق ينبه إلى أمرين: الأول: من مات بسبب حد الردة، فذلك لا يُصلى عليه لكفره، وغير داخل في المسألة. الثاني: أن الإمام أو أهل الفضل إن تركوا الصلاة على أحد ممن مات بسبب الحد من باب التغليظ، فإن ذلك غير داخل في مسألة الباب وإنما المراد ترك الصلاة عليه مطلقًا. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن سيرين (110 هـ) (¬1): "ما أعلم أن أحدًا من أهل العلم من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ولا التابعين ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثمًا" (¬2). وقال قتادة (117 هـ): "لا أعلم أحدًا من أهل العلم اجتنب الصلاة على من قال لا إله إلا اللَّه" (¬3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم وإن كانوا أصحاب كبائر" (¬4). وقال القاضي عياض (544 هـ): "لم يختلف العلماء في الصلاة على أهل الفسوق والمعاصي المقتولين في الحدود" (¬5) ونقله عنه ابن حجر (¬6). ويمكن أن يضاف إليها نقولات أهل العلم في أن مرتكب الحدود مسلم لا يَكفر بمجرد المعصية الموجبة للحد، كما سبق بيانه في مسألة: "مرتكب الحدود لا يكفر، إلا بالردة". • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن جابر -رضي اللَّه عنه-: "أن رجلًا من أسلم جاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى شهد على نفسه أربع مرات، قال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أبك جنون؟ )، قال: لا، قال: (آحصنت؟ ) قال: نعم، فأمر به فرجم بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة فر، فأدرك، فرُجم حتى مات، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خيرًا، وصلى عليه" (¬1). الدليل الثاني: ما جاء في قصة الغامدية التي رُجمت وفيه: "فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتنضح الدم على وجه خالد، فسبها، فسمع نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سبه إياها، فقال: (مهلًا يا خالد؛ فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) ثم أمر بها، فصلى عليها، ودفنت" (¬2). الدليل الثالث: عن عمران بن حصين: أن امرأة من جهينة أتت نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهي حبلى من الزنا فقالت يا نبي اللَّه أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وليها فقال (أحسن إليها فإذا وضعت فائتني بها)، ففعل، فأمر بها نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها، فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي اللَّه وقد زنت؟ فقال: (لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها للَّه تعالى) (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شرع الصلاة على الذين رُجموا بسبب حد الزنا، وفي روايات لا خلاف فيها، إلا في الصلاة على ماعز فقد اختلفت الروايات هل صُلَّي عليه أو لا، ولذا قال ابن حزم بعد ذكره لهذه الأحاديث: "في هذه الآثار صلاة رسول اللَّه على الجهينية بنفسه بلا خلاف، وأمره بالصلاة ¬
على الغامدية بلا خلاف، وصلاته على ماعز -رضي اللَّه عنه- باختلاف" (¬1). الدليل الرابع: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا على كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر) (¬2). الدليل الخامس: أن هؤلاء وإن كانوا أصحاب كبائر لكنهم من جملة المسلمين فهم داخلون في عموم الأحاديث الدالة على الصلاة على المسلم، وليس ثمة دليل يمنع من الصلاة عليهم، فنبقى على الأصل حتى يرد الدليل المانع من ذلك (¬3). الدليل السادس: لأن من أقيم عليه الحد مسلم، لو مات قبل الحد صلي عليه فيصلى عليه بعده كذلك (¬4). ¬
• المخالفون للإجماع: القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يصلى على البغاة وقطاع الطريق إذا قُتِلوا حال المحاربة والبغي. وهو قول الحنفية (¬1). القول الثاني: ذهب الزهري (¬2) إلى أنه لا يُصلى على المرجوم (¬3). تنبيه: حكى ابن قدامة عن مالك القول بترك الصلاة على من قُتل في حد حيث قال: "قال مالك: لا يصلى على من قتل في حد" (¬4)، وهذا النقل فيه توسع في العبارة، فإن مذهب المالكية الصلاة على من قتل في حد أو قصاص، أو مظهر لكبيرة، لكن لا يصلي عليه الإمام وأهل الفضل من باب الردع، أما عموم الناس فيصلون عليهم (¬5). وجاء في المدونة: "فهل يُصلَّى على المرجوم ويغسل ويكفن ويدفن؟ قال: قال مالك: نعم، إلا إن الإمام لا يصلي عليه" (¬6). ولذا كان الخطابي أدقَّ في العبارة حيث قال: "وقال مالك: من قتله الإمام في حد من الحدود فلا يصلي عليه الإمام، ويصلي عليه أهله إن شاؤوا أو غيرهم" (¬7). • دليل المخالف: استدل الحنفية على ترك الصلاة على البغاة وقطاع الطريق ¬
[27/ 1] ليس للسلطان أن يتجسس على الحدود إذا استترت عنه.
بأن عليًا -رضي اللَّه عنه- لم يغسل أهل النهروان ولم يصل عليهم، وكان ذلك بمحضر الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ولم ينكر عليه أحد، فكان كالإجماع، وإذا ثبت هذا في البغاة الذين أفسدوا بتأويل فيلحق بهم قطاع الطريق من باب أولى، لأنهم أفسدوا بلا تأويل (¬1).Rيظهر -واللَّه أعلم- أن المسألة على ثلاثة أحوال: الحال الأولى: الصلاة على من مات في حد الحرابة والبغي، فهذه المسألة على قسمين: الأول: إن ماتوا في حال الحرابة أو البغي: فهذه ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم فيما إذا ماتوا حال الحرابة أو حال البغي؛ للخلاف فيه عن الحنفية. الثاني: إن ماتوا في غير حال الحرابة والبغي فالصلاة عليهم مشروعة بالإجماع؛ لعدم المخالف. الحال الثانية: الصلاة على من مات بسبب الرجم في حد الزنا، فهذه المسألة عليها عامة العلماء، ولم يخالف فيه إلا الزهري، ولعلَّه خلاف شاذ، لمخالفته للأحاديث الصحيحة. الحال الثالثة: سائر الحدود، فهذا فيما يظهر هو محل إجماع بين أهل العلم على الصلاة على من مات في غيرها من الحدود؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [27/ 1] ليس للسلطان أن يتجسس على الحدود إذا استترت عنه. • المراد بالمسألة: أولًا: المراد بالتجسس: التجسس في اللغة: تتبع الأخبار، يقال: جس الأخبار وتجسسها: إذا تتبعها، ومنه الجاسوس؛ لأنه ¬
يتتبع الأخبار ويفحص عن بواطن الأمور، ثم استعير لنظر العين (¬1). والتجسس في الاصطلاح الشرعي لا يخرج عن المعنى اللغوي إذ هو بمعنى التفحص عن الأخبار وتتبعها (¬2). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، ولم يكن ثمة حقوق متعلقة لآدمي، وليس في ستر ذلك الذنب مفسدة، فإن الإمام حينئذٍ ليس له أن يتجسس الأخبار عن فعل الحد الفلاني حتى يقيمه، بل يحاول ستر صاحبه ما استطاع، وكذا لو شك الإمام أو المحتسب في شخص وليس في ستره مفسدة، فليس له أن يتتبع عوراته بحجة كشف جُرمه وإثمه. ويتبين مما سبق أن ثمة أمورًا ليست من مسألة الباب منها: الأول: إن كان في الحد أمور متعلقة بالآدمي، كقذف، أو سرقة أموال لم تُرد لأصحابها، أو زنى بامرأة وهي مكرهة وتريد حقَّها من الاغتصاب، أو نحو ذلك. الثاني: إن كان في ترك صاحب الحد مفسدة فهنا ترك التجسس غير مراد، كأن يكون في ترك التجسس انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلًا خلا برجل ليقتله، أو امرأة ليزني بها، فيجوز له في هذه الحال أن يتجسس ويقدم على الكشف والبحث حذرًا من فوات ما لا يستدرك ¬
من انتهاك المحارم وارتكاب المحظورات، وهكذا لو عَرَف ذلك قوم من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار، أو كان في ترك صاحب الحد زيادة تماديه وارتكابه، كزانٍ لا يتوب من فعله، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "السلطان لا يحل له أن يعطل حدًا من الحدود التي للَّه عز وجل إقامتها عليه إذا بلغته، كما ليس له أن يتجسس عليها إذا استترت عنه، وبأن الشفاعة في ذوي الحدود حسنة جائزة وإن كانت الحدود فيها واجبة إذا لم تبلغ السلطان، وهذا كله لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء" (¬2) ونقله عنه أبو الطيب (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: الدليل الأول: الأدلة العامة التي تدل على تحريم التجسس، ومنها: أ - قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} (¬8). ب - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب ¬
الحديث، ولا تجسَّسوا، ولا تحسَّسوا. . .) متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: النصوص صريحة في تحريم التجسس على الغير، ومنه التجسس على أصحاب المعاصي، فهو داخل في العموم، فيما لا مفسدة فيه تخرجه من هذا العموم (¬2). الدليل الثاني: عن معاوية -رضي اللَّه عنه- قال سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم)، فقال أبو الدرداء -رضي اللَّه عنه-: كلمة سمعها معاوية من رسول اللَّه -رضي اللَّه عنه- نفعه اللَّه تعالى بها (¬3). الدليل الثالث: عن أبي أمامة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم) (¬4). • وجه الدلالة من الحديثين: في الحديث إرشاد لولي الأمر ألا يتتبع عورات المسلمين، ومحال الريبة لديهم، وأن ذلك سبيل لفسادهم. الدليل الرابع: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قومه فقال: (أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا)، فقالوا: ما نعلمه إلا وفيَّ العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه ¬
الثالثة، فأرسل إليهم أيضًا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم، قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ردَّ ماعز بن مالك والغامدية أول الأمر حتى رجعا إليه يريدان الحد، ولم يبعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أثرهما يتتبع ما فعلاه، ولم يبحث عن المرأة التي وقع عليها ماعز، أو الرجل الذي وقع على الغامدية. الدليل الخامس: عموم الأحاديث الدالة على استحباب ستر الإنسان على نفسه، وستره على غيره (¬2)، حيث أن عمومها يدخل فيه ستر الإمام على رعيته. الدليل السادس: أن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أتي برجل، فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرًا، فقال عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-: "إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به" (¬3). ¬
[28/ 1] لا يحلف المدعى عليه في الحدود.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [28/ 1] لا يُحلَّف المدّعى عليه في الحدود. • المراد بالمسألة: إذا ادُّعي على رجل أنه ارتكب حدًا من حدود اللَّه تعالى الخالصة، التي لا يتعلق بها حق لآدمي، فأنكر ذلك، فإنه لا يُطلب منه اليمين على إنكاره. ويتبيَّن من ذلك أمور: الأول: أن الحد إن لم يكن بمجرَّد دعوى، بل كان بإقرار منه، ثم أراد الرجوع عن إقراره، فإن تحليفه حينئذٍ غير مراد (¬1). الثاني: أنه لو تعلق بالإقرار حقٌ لآدمي، فذلك غير مراد، وذلك في صور منها: الصورة الأولى: أن يتعلق به حق مالي، كمن ادُّعي عليه أنه سرق مالًا، فأنكر المدعَى عليه، فهنا في تحليف السارِق أنه ما سرق خلاف ليس مرادًا في المسألة (¬2). الصورة الثانية: أن يتعلق به عتق، كان يعلَّق شخصٌ عتق عبده على فعل الزنا، بأن يقول لعبده: إن زنيتُ فأنت حر، فادُّعي عليه بالزنا، فهنا تحليف المدعى عليه أنه ما زنى مسألة خلافية غير مرادة (¬3). ¬
الصورة الثالثة: أن يتعلق به تخلص من حد القذف، وصورتها: إذا قذف شخصٌ آخر بزنا وثبت ذلك، وأنكر المقذوف، فطلب القاذف من الإمام أن يُحلِّف المقذوف، فهنا تحليف المقذوف أنه ما زنى يتعلق به نجاة القاذف من حد القذف، ومسألة تحليفه خلافية غير مرادة (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن مازة (536) (¬2): "الحدود لا يستحلف فيها بالإجماع"، نقله عنه الزيلعي (¬3) (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ) في معرض كلامه على أنواع الحقوق: "حقوق اللَّه تعالى، وهي نوعان: أحدهما: الحدود، فلا تشرع فيها يمين، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬5)، وبمثله قال شمس الدين بن قدامة (682 هـ) (¬6). ¬
وقال أبو بكر العبادي (800 هـ) (¬1): "وأما الحدود فأجمعوا أنه لا يستحلف فيها إلا في السرقة فإنه يستحلف فيها لأجل المال" (¬2). وقال ابن فراموز (885 هـ) (¬3): "قال في النهاية: لا يستحلف في الحدود بالإجماع" (¬4). وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): "إذا ادعى على آخر أنك قذفتني بالزنا وعليك الحد، لا يستحلف بالإجماع" (¬5). وقال ابن نجيم (970 هـ): "ويستحلف السارق فإن نكل ضمن ولم يقطع. . . . قيد بعد السرقة لأنه لا يستحلف في غيره من الحدود إجماعًا، ولو كان حد القذف" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع المالكية إلا في حد القذف (¬7)، والشافعية (¬8)، والظاهرية (¬9). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عموم النصوص الدالة على أن للإنسان أن يستر على نفسه ما ارتكبه من حدود اللَّه تعالى الخالصة (¬1). • وجه الدلالة: أن النصوص دلَّت على أن الأفضل للمرء أن يستر على نفسه الحد، وترك تحليفه طريق إلى ذلك الستر (¬2). الدليل الثاني: عموم الأدلة الدالة على أن من أقرَّ بحد ثم رجع عنه فإنه يُقبل رجوعه (¬3). • وجه الدلالة: حيث دلَّت النصوص على أن الزاني لو رجع عن إقراره لقُبل منه رجوعه، وخلي سبيله من غير يمين، فمن باب أولى ألَّا يُستحلف مع عدم الإقرار (¬4). الدليل الثالث: عموم الأدلة الدالة على درأ الحدود بالشبهات، وهنا شبهة يدرأ بها الحدود، ووجه ذلك أن المقصود من اليمين هو النكول، وهذا النكول لا يعدو أن يكون إما بذلًا أو إقرارًا فيه شبهة، والحدود لا بذل فيها، فبقي أن تكون إقرارًا بشبهة، والحدود لا تقام مع وجود الشبهات (¬5). الدليل الرابع: أن تحليف صاحب الحد، وإقامة الحد عليه بموجب يمينه يفضي إلى القضاء في الحد بيمين وشاهد، وقد أجمع أهل العلم على أنه ¬
لا يُقضى في الحدود بيمين وشاهد (¬1). • المخالفون للإجماع: القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى التحليف في حد القذف دون غيره من الحدود، فمن ادَّعى على آخر أنه قذفه فحينئذٍ يحلف المدعى عليه أنه ما قذفه. وهو قول للحنفية (¬2)، وبه قال المالكية بشرط أن تكون ثمة بيِّنة كوجود منازعة وتشاجر بينهما (¬3). القول الثاني: ذهب الشافعية في قول إلى أن المدَّعى عليه في حد السرقة يستحلف على أنه لم يسرق، فإن نكل وحَلَف المدَّعي فإنه يثبت عليه الحد (¬4). • دليل المخالف: أما ما يتعلق بعد القذف فعللوا ذلك بأن القذف فيه حق للمخلوق فيصح فيه الاستحلاف كسائر حقوق الآدميين. أما الشافعية فعللوا قولهم بأن اليمين المردودة هي بمنزلة البيِّنة أو الإقرار، وكل منهما يوجب القطع (¬5).Rالمسألة فيما يظهر على قسمين: القسم الأول: حد القذف، وحد السرقة، فهذه ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية في قول، والمالكية فيما يتعلق بعد القذف، ولخلاف الشافعية في قول فيما يتعلق بحد السرقة. القسم الثاني: سائر الحدود غير القذف والسرقة، فهذه محل إجماع بين ¬
[29/ 1] تجوز الشهادة بالحد ولو لم يدعى الشاهد للشهادة.
أهل العلم أنه لا يُطلب اليمين على المنكِر؛ لعدم المخالف. ولعل من حكى الإجماع في المسألة أراد الإجماع في حيث العموم، واللَّه تعالى أعلم. [29/ 1] تجوز الشهادة بالحد ولو لم يُدعى الشاهد للشهادة. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وكان لشخص آخر شهادة بتلك الجريمة، فإنه يجوز للشاهد أن يدلي بشهادته، ولو لم يُطلب ذلك منه، فيذهب للحاكم ويقول: أشهد على فلان أنه ارتكب الحد الفلاني، فأَحضرْه ليُقر بذلك. ويتبيَّن مما سبق أن المراد هنا تقرير أن للشاهد أن يشهد بالحد ولو لم يُدع لذلك، أما هل الأفضل الشهادة أو الستر، فمسألة أخرى. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "تجوز الشهادة بالحد من غير مدع، لا نعلم فيه اختلافًا" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "وتجوز الشهادة بالحد من غير مدع، بلا خلاف" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية في غير حد القذف (¬6). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: أن أبا بكرة -رضي اللَّه عنه- (¬1) وأصحابه شهدوا على المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- بزنا، وذلك في عهد عمر -رضي اللَّه عنه-، ومن غير تقدم دعوى، ولم ينكر عمر عليهم شهادتهم لكونها من غير تقدم دعوى (¬2). الدليل الثاني: أن الجارود -سيد عبد القيس- (¬3)، شهد على قدامة بن مظعون -رضي اللَّه عنه- (¬4) بشرب الخمر، وذلك في عهد عمر -رضي اللَّه عنه-، ولم ينكر عليه عمر شهادته لكونه لم يتقدمه دعوى (¬5). ¬
[30/ 1] من ارتكب الموجب للحد مرارا قبل إقامة الحد عليه فعليه حد واحد.
الدليل الثالث: أن الحد حق للَّه تعالى فلم تفتقر الشهادة به إلى تقدم دعوى (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب الشافعية إلى أن حد القذف لا يُقبل فيها شهادة الشاهد بدون دعوى، وتقبل في سائر الحدود (¬2). • دليل المخالف: أن القذف فيه حق للمخلوق، فإذا لم يطالب المقذوف بحقه، فإنه لا يقام الحد على القاذف (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع فيما سوى حد القذف من الحدود، وليست محل إجماع بين أهل العلم فيما يتعلق بحد القذف؛ لثبوت الخلاف عن الشافعية. ومن حكى الإجماع فلعله أراد ذلك من حيث العموم، واللَّه تعالى أعلم. [30/ 1] من ارتكب الموجب للحد مرارًا قبل إقامة الحد عليه فعليه حد واحد. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد من جنس واحد، كأن زنى أكثر من مرة، أو سرق أكثر من مرة، وفي كل مرة توفرت شروط الحد، وبعد عدة مرات ثبت زناه أو سرقته عند الحاكم، وأقر بالزنا أو السرقات في المرات السابقة، أو ثبت ذلك عليه ببيَّنة، فإنه لا يجب عليه إلا حدٌّ واحد. ويُنبه إلى أمرين: الأول: لو زنى أو سرق ثم أقيم عليه الحد، ثم زنى أو سرق مرة أخرى فمسألة أخرى غير مرادة. ¬
الثاني: لو كانت الحدود ليست من جنس واحد، كأن زنى وسرق وشرب خمرًا قبل إقامة الحد عليه، فهذه حدود مختلفة ليست من جنس واحد، وهي غير مرادة هنا. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم"، نقله عنه ابن قدامة (¬1)، وشمس الدين ابن قدامة (¬2)، والبهوتي (¬3)، وبهاء الدين المقدسي (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ): "ما يوجب الحد من الزنا والسرقة والقذف وشرب الخمر، إذا تكرر قبل إقامة الحد، أجزأ حد واحد، بغير خلاف علمناه" (¬5). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "إن زنى أو سرق أو شرب مرارًا قبل إقامة الحد عليه أجزأ حد واحد بغير خلاف علمناه" (¬6). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "فإن كانت من جنس مثل إن زنى أو سرق أو شرب مرارًا أجزأ حد واحد، بغير خلاف علمناه" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، وابن حزم (¬10). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن الحد لا يثبت بمجرد فعل ما يوجبه من زنى أو سرقة أو نحو ذلك، بل لا بد من إضافة شرط آخر وهو ثبوت ذلك عند ¬
الحاكم، أما إذا لم يثبت عند الحاكم فلا يلزمه الحد، وحينئذ فإن جميع ما فعله من الزنا وغيره مما يوجب الحد إذا لم تثبت عند الحاكم إلا مرة واحدة كان كزنى واحد، فوجب فيها حد واحد (¬1). الدليل الثاني: القياس على الأيمان، فكما أن الأيمان تتداخل في كفاراتها، فكذا الحدود. الدليل الثالث: أن المقصود من الحد هو الزجر والارتداع، وهذا يكون بالحد مرة واحدة (¬2). • المخالفون للإجماع: القول الأول: ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن الحدود لا تتداخل، وعليه لكل زنى ارتكبه حد مستقل. وهو قول الظاهرية (¬3). القول الثاني: أن الحدود تتداخل باستثناء حد السرقة، فعليه لكل سرقة اجتمعت فيه شروط القطع إقامة حد مستقل. وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد حكاها عنه القاضي أبو يعلى الفراء، إلا أنه شرط أن يأتوا إلى الحاكم متفرقين (¬4). • دليل المخالف: استدل من أوجب الحد لكل مرة ارتُكب فيها الموجب للحد بما يلي: الدليل الأول: عموم النصوص الموجبة لإقامة الحد على الزاني أو السارق ونحوهما، وليس فيها التفريق بين كون الزنا حدث قبل إقامة الحد أو بعده (¬5). الدليل الثاني: قياسًا على حد القذف، فكما أنه من قذف أكثر من شخص خد لكل شخص حد مستقل، فكذا سائر الحدود (¬6). ¬
[31/ 1] من ارتكب ما يوجب الحد وأقيم عليه، ثم ارتكبه مرة أخرى فعليه الحد ثانية.
الدليل الثالث: أن القول بتداخل الحد يفضي إلى فتح باب فساد بارتكاب الزنا، والتجرؤ عليه أكثر من مرة قبل إقامة الحد عليه (¬1).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لخلاف الظاهرية، في جميع الحدود، ورواية عند الحنابلة في حد السرقة. ويوجه كلام من حكى الإجماع أن ابن المنذر أراد الإجماع في عصره من حيث العموم، وخلاف ابن حزم جاء متأخرًا عنه، وأما كلام ابن قدامة ومن تبعه أنه لا يعلم فيه خلافًا فهو اتباع لابن المنذر في ذلك، ولعلهم لم يعتبروا خلاف ابن حزم، واللَّه تعالى أعلم. [31/ 1] من ارتكب ما يوجب الحد وأقيم عليه، ثم ارتكبه مرة أخرى فعليه الحد ثانية. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد كزنى أو سرقة، وأقيم عليه الحد، ثم ارتكب نفس الموجب لذلك الحد كزنى آخر، أو سرقة أخرى، فعليه حد آخر. • من نقل الإجماع: وقال ابن قدامة (620 هـ): "وإن أقيم عليه الحد، ثم حدثت منه جناية أخرى، ففيها حدها، لا نعلم فيه خلافًا" (¬2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والظاهرية (¬7). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (¬1). الدليل الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: (جيء بسارق إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه) فقطع، ثم جيء به الثانية فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، فقطع فأتي به الثالثة فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، ثم أتي به الرابعة فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، فأتي به الخامسة قال: (اقتلوه) (¬2). الدليل الثالث: عن عمر بن الخطاب أن رجلًا على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان اسمه عبد اللَّه، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان النبي ¬
-صلى اللَّه عليه وسلم- قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تلعنوه؛ فواللَّه ما علمت إلا أنه يحب اللَّه ورسوله) (¬1). وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: في الأحاديث السابقة دلالة على إقامة الحد ثانية على من أتى به، حيث أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بجلد الأمة إن زنت ثانية أو ثالثة، وبقطع السارق إن تكررت سرقته، وجلَد حمارًا أكثر من مرة بسبب شربه للخمر. • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة إلى أن من سرق وأقيم عليه الحد، ثم سرق ثانيةً نفس العين، ولم تتغير العين بأن كانت خشبًا فصارت بابًا، أو خيطًا فصارت ثوبًا، فإنه لا يُحد مرة أخرى. أما إن كانت العين قد تغيَّرت، أو كانت عينًا أخرى فيجب الحد ثانية. وهو قول الحنفية (¬2). وذكر ابن حزم خلافًا فيمن سرق ثانية هل يُقام عليه الحد أو لا فقال: "واختلفوا فيمن سرق ثانية أيجب عليه القطع أم لا" (¬3). ¬
[32/ 1] الحدود يقاد بها الحر السليم، وإن كان المجني عليه صاحب عاهة جسدية.
• دليل المخالف: علل الحنفية لعدم القطع من العين التي سُرقت ثانية أنه من باب الاستحسان (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف؛ إلا في بعض صور السرقة فيما لو سرق نفس العين؛ لخلاف الحنفية في ذلك. ويوجه كلام من حكى الإجماع أن ذلك من حيث العموم، واللَّه تعالى أعلم. [32/ 1] الحدود يقاد بها الحر السليم، وإن كان المجني عليه صاحب عاهة جسدية. • المراد بالمسألة: أولًا: المراد بالعاهات الجسدية: تعريف العاهة: العاهة في لغة العرب بمعنى الآفة، وعلى هذا المعنى نص أهل اللغة والفقه، منهم أبو عبيد القاسم بن سلام (¬2)، وابن الأثير (¬3) (¬4)، وغيرهم (¬5)، قال ابن منظور (¬6): ¬
"العاهة: البلايا والآفاتُ" (¬1). • تعريف الجسدية: الجسد في لغة العرب يدل على اجتماع، قال ابن فارس: "الجيم والسين والدال يدل على تجمُّع الشيء أيضًا واشتدادِه، من ذلك جَسَدُ الإنسان، والمِجْسَد: الذي يلي الجَسَد من الثَّياب، والجَسَدُ والجَسِد من الدم: ما يَبِسَ، فهو جَسَدٌ وجاسد" (¬2). وقال الخليل (¬3): "الجسد للإنسان، ولا يقال لغير الإنسان جسد من خلق الأرض، وكل خلق لا يأكل ولا يشرب من نحو الملائكة والجن مما يعقل فهو جسد" (¬4). تعريف العاهات الجسدية: مما سبق يتحصَّل أن المراد بالعاهات الجسدية: "هي الآفات والعيوب التي تصيب جسد الشخص"، وهي في الجملة سبع عاهات: الأولى: عاهة الشلل: وهي تعطّل العضو عن الحركة (¬5). ¬
الثانية: عاهة العمى: وهي فقدان بصر كلتا العينين (¬1). ومما يرادف الأعمى عند جماعة من أهل العلم: الأكمه، فثمة من يطلق على من فقد بصر عينيه بالأكمه، وإليه ذهب ابن فارس (¬2). ومن أهل العلم من خص الأكمه بمن ولد أعمى خِلقة، أما من كان يبصر ثم فقد البصر بالكلية فهو أعمى، وبه قال ابن عباس -رضي اللَّه عنه- (¬3)، واختاره الجوهري (¬4) (¬5). بينما رأى آخرون أن الأكمه هو الأعمش الذي يرى نهارًا ولا يرى ليلًا، وإلى هذا الرأي ذهب عكرمة (¬6) (¬7)، وقيل: الأكمه هو ممسوح العين، ذكره الزمخشري (¬8) ¬
في تفسيره (¬1). الثالثة: عاهة العور: وهي فقدان بصر إحدى العينين (¬2). الرابعة: عاهة الصمم: وهي فقد حاسة السمع (¬3). وقد يطلق على من فقد السمع بالأطرش، وقيل: الأطرش: هو أهون الصمم (¬4). الخامسة: عاهة البكم: هو من فقد حاسة المنطق (¬5). ومما يرادف الأبكم عند جماعة من أهل العلم: الأخرس. وبه قال ابن فارس (¬6)، والخليل (¬7)، والفيومي (¬8)، وابن منظور (¬9). واختاره الزبيدي (¬10) (¬11)، وهو المستعمل عند الفقهاء (¬12). ¬
وفرَّق آخرون بين الأبكم والأخرس، واختلفوا في وجه الفرق على أقوال: فقيل: الأخرس الذي خُلق ولا نطق له، كالبهيمة العجماء، والأبكم: الذي للسانه نطق وهو لا يعقل الجواب ولا يحسن وجه الكلام، قاله الأزهري (¬1) (¬2). وقيل: الأبكم من ولد ولا نطق له، والأخرس من أصابته عاهة البكم بعد أن كان ينطق، فكل أبكم أخرس لا العكس (¬3). قال أبو بكر الأنباري (¬4): "يقال: قد بَكِمَ الرجل يَبْكَمُ بَكَمًا، ويقال: رجال بُكْمٌ، وامرأة بكماء، ونساء بَكْماوات، وبُكْمٌ" (¬5). السادسة: عاهة العرج: هي آفة في الرِّجل تجعل الماشي يميل إلى أحد جانبيه في مشيته (¬6). ¬
السابعة: عاهة البتر: وهي قطع العضو أو بعضه (¬1). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص حر سليم الأعضاء ما يوجب الحد، وكان المجني عليه به عاهة جسدية، كان يزنى شخص سليم بامرأة عمياء، أو عوراء، أو مشلولة، أو يقذف أحدهم ممن يمكنه حصول ذلك منه، فإن الحد حينئذٍ تجب إقامته، ولا يسقط الحد باختلاف الصحة بين الجاني والمجني عليه. ومما سبق يتبيَّن استثناء ثلاث مسائل: الأولى: إن كان المجني عليه به عاهة نفسية وليست جسدية كأن يكون مجنونًا، فالمسألة غير مرادة. الثانية: إن قذف شخصًا يستحيل منه الوقوع في الزنا، فالمسألة غير مرادة. الثالثة: إن كان الجاني مملوكًا فالمسألة غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن الحد يقاد به الحر، وإن كان المجني عليه مقعدًا أو أعمى أو أشل، والآخر سوي الخلق" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والمالكية، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عموم النصوص التي أوجبت إقامة ¬
الحدود، ومنها: قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1). {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} (¬2). • وجه الدلالة: الآيات عامة في وجوب إقامة الحد، ولم تستثن من ذلك ما إذا كان المجني عليه معيب الخلقة أو سوي الخلقة. • المخالفون للإجماع: ذهب الحنفية إلى أن قذف الخرساء لا يوجب الحد (¬3). • دليل المخالف: استدل من قال بعدم الحد على قاذف الخرساء بأن الخرساء قد تصدِّقه بما قذفها به لو كانت تنطق، لكنها لا تقدر على إظهار هذا التصديق بإشارتها، وهذه شبهة تدرأ بها الحدود (¬4).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم في الجملة؛ باستثناء ما إذا كان المقذوف أخرسًا لا يتكلم، فهذه الصورة ليست محل إجماع؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية. ويوجه كلام من حكى الإجماع أنه أراد ذلك من حيث العموم، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الثاني: مسائل الإجماع العامة في مسقطات الحدود وما لا يجب به إقامة الحد
الفصل الثاني: مسائل الإجماع العامة في مسقطات الحدود وما لا يجب به إقامة الحد [33/ 1] درء الحدود بالشبهات. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الدرء: الدَّرء: بمعنى الدفع، يقال: دَرَأت فلانًا عنّي: أي دَفَعْته، ودفعت الحد: أي أسقطته (¬1)، ومنه قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} (¬2)، أي يدفع عنها الحدّ (¬3). • ثانيًا: تعريف الشبهات: الشبهات في اللغة: جمع شبهة، وهي: الالتباس والاختلاط (¬4). الشبهة في اصطلاح الفقهاء: تعددت عبارات الفقهاء في تعريف الشبهة فمنهم من عرفها بأنها: التعارض بين أدلة التحريم والتحليل (¬5). ومنهم من قال إن الشبهة هي: ما يشبه الثابت، وليس بثابت (¬6). ومنهم من قال بأنها: ما التبس أمره حتى لا يمكن القطع فيه أحلال هو أم حرام، وحق هو أم باطل (¬7). ¬
والحاصل أن المعنى الشرعي لا يخرج عن المعنى اللغوي، فالشبهة في الشرع شامل لكل أمر حصل فيه التباس وشك، وهي على أنواع منها: الأول: شبهة العقد: وهو ما وجد فيه العقد صورة لا حقيقة، كالزواج بغير شهود، ونكاح المحلل. الثاني: شبهة الفعل: ويطلق عليها شبهة الاشتباه، وهي أن يظن الحرام حلالًا فيأتيه، كمن وطئ المعتدة من طلاق الثلاث ظانًا أنها تحل له. الثالث: شبهة في المحل: وتسمى الشبهة الحكمية، وهي أن يظن المحل محلًا مباحًا، فإذا هو ليس كذلك، كما إذا وطئ امرأة في فراشه ظانًا أنها امرأته، فإذا هي أجنبية. الرابع: شبهة الملك: أن يملك من الشيء جزءًا يظن أن له الأخذ منه أو من أكثر منه، كسرقة الشريك من مال الشركة، أو من مال ابنه، أو كوطء الأمة المشتركة (¬1). • ثالثًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وثبت ذلك عند الإمام، وكان لصاحب الحد شبهة يمكن أن يُدفع عنه الحد بموجبها، فكان الحد يدرأُ بتلك الشبهة. وهنا ينبَّه إلى أن المراد هو تقرير الإجماع على عموم قاعدة "درء الحدود بالشبهات"، أما الصور التي تندرج تحت هذه القاعدة فهي محل خلاف، فثمة صور يراها بعض الفقهاء شبهة دارئة للحد، لا يراها آخرون من الشبه التي تدرأ الحدود مع اتفاق الطرفين على أن الحدود تدرأ بالشبهات، وإنما وقع اختلافهم في الصور المندرجة تحتها. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن درء الحد ¬
بالشبهات" (¬1) ونقله عنه ابن قدامة (¬2). وقال ابن الهمام (861 هـ): "ولا شك أن هذا الحكم، وهو درء الحد، مجمع عليه" (¬3). وقال البابرتي (786 هـ) (¬4): "الحدود تندرئ بالشبهات بالاتفاق" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الاتفاق المالكية (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) (¬7). الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعًا) (¬8). الدليل الثالث: أن الحد عقوبة كاملة فتستدعي جناية كاملة ووجود الشبهة ينفي تكامل الجناية (¬9). ¬
[34/ 1] البلوغ شرط لوجوب الحدود.
• المخالفون للإجماع: خالف في مضمون هذه القاعدة الظاهرية حيث لا يرون درء الحدود بالشبهات (¬1). أدلة المخالفين: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (¬2). • وجه الدلالة: في الآية النهي عن تعدي أوامر اللَّه ونواهيه التي منع الشرع من مجاوزتها، ودرء الحد بلا دليل شرعي فيه تعدٍ، وقد نُهي عنه (¬3). الدليل الثاني: أن في درء الحدود بالشبهات طريق إلى إبطال الحدود جملة، وذلك أن كل من أراد إسقاط الحد ادَّعى أن ثمة شبهة دارئة للحد (¬4).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الظاهرية. ومن نقل الإجماع لعله لم يعتبر خلاف الظاهرية، واللَّه تعالى أعلم. [34/ 1] البلوغ شرط لوجوب الحدود. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف البلوغ: البلوغ في اللغة: هو الوصول إلى الشيء المراد، أو مقاربته ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} (¬5)، أي ما هم بنائلين وواصلين إلى ما يطمعون إليه من دفع الآيات وغلبة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6). ويُطلق أيضًا على مقاربة الوصول إلى الشيء كما في قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (¬7)، أي إذا ¬
قاربن انقضاء العدة فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان (¬1). البلوغ في الاصطلاح: هو انتهاء حد الصغر ليحكم عليه الشارع بالتكاليف الشرعية (¬2)، وقيل: هو نضج الأعضاء التناسلية (¬3). ويتوافق التعريف اللغوي والاصطلاحي بأن الاصطلاحي هو الوصول إلى حد السن الذي ينتهي به الصغر (¬4). ¬
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وثبت ذلك عليه سواء ببينة أو إقرار، وكان ذلك الشخص ارتكب معصيته حال كونه غير بالغ، فإنه لا يُقام عليه الحد؛ لأن من شرط ثبوت الحد أن يكون حين ارتكابه ¬
لموجِب الحد بالغًا (¬1). • من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): ". . . "أن عليًا -رضي اللَّه عنه- أُتي بصبي قد سرق بيضة (¬2)، فشك في احتلامه، فأمر به، فقطعت بطون أنامله" (¬3)، وليسوا (¬4)، ولا أحدًا علمته يقول بهذا، يقولون: ليس على الصبي حد حتى ¬
يحتلم، أو يبلغ خمس عشرة" (¬1). وقال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام" (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد" (¬3)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬4). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل، ولا خلاف في اعتبارهما" (¬5). وقال ابن حجر (852 هـ): "أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬9). ¬
وفي رواية عند أحمد بلفظ: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ. . .) الحديث (¬1)، وعند أبي داود بلفظ: (وعن الصبي حتى يبلغ) (¬2). • وجه الدلالة: دلالة الحديث ظاهرة على أن البلوغ شرط للتكليف، وأن الصبي مرفوع عنه القلم فلا يؤاخذ بالعقوبات الشرعية المتعلقة بحق اللَّه تعالى. الدليل الثاني: أنه إذا سقط عنه التكليف في العبادات والمآثم في المعاصي فلأن يسقط الحد ومبناه على الدرء والإسقاط أولى (¬3). الدليل الثالث: لأن الحد عقوبة محضة فتستدعي جناية محضة، وفعل الصبي لا يوصف بالجناية فلا حد عليه لعدم الجناية منه (¬4). ¬
[35/ 1] العقل شرط لوجوب الحدود.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [35/ 1] العقل شرط لوجوب الحدود. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف العقل: العقل لغةً: العقل مفرد جمعه عقول، وهو الحِجْر والنُهى (¬1)، قال ابن فارس: "العين والقاف واللام: أصلٌ واحد منقاس مطرد، يدلُّ عُظْمُه على حُبْسة في الشَّيء أو ما يقارب الحُبْسة، من ذلك العَقْل، وهو الحابس عن ذَميم القَول والفِعل" (¬2). وقال الخليل: "العَقْل: نقيض الجَهْل" (¬3). العقل اصطلاحًا: اختلف أهل العلم من المتكلمة والأصوليين والفقهاء وغيرهم في حد العقل وموضعه على أقوال: فقيل: العقل هو علوم ضرورية (¬4). والمراد بذلك أن كل من أدرك العلم الضروري الذي لا يحتاج لنظر وتفكر، ككون النار حامية مُحرقة، فإنه يسمى عاقلًا. وقد تُعقِّب هذا التعريف من جهة أن الأعمى قد لا يدرك بعض الأمور الضرورية مع أنه يسمى عاقلًا، ولهذا قيّد بعضهم هذا التعريف بقوله: "هو صفة غريزية يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات" (¬5). وقيل: العقل هو خالص الروح ولبُّها؛ لأن لب كل شيء خلاصته، وقد سمى اللَّه العقل لُبًّا في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (¬6)، يعني أولي العقول. ¬
وقيل: هو غريزة للتمييز والإدراك بين حسن الأشياء وقبيحها (¬1). وقيل: هو نور في الصدر به يُبصر القلب عند النظر في الحجج (¬2). وموجب الاختلاف في هذه التعريفات هو اختلافهم في هل العقل غريزة، أو جوهر، وهل هو ضروري، أو مكتسب. وقد بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "العقل لا يمكن إحاطته برسم واحد، ولكن العقل يقع على أربعة معانٍ: 1 - ضروري، وهو الذي عنَاه من قال: إنه بعض العلوم الضرورية، قلت: وهذا العقل ما يتعلق به التكليف. 2 - غريزة تقذف في القلب، وهذا النوع ينمو بنمو الإنسان، وبه يقع الاختلاف بين الناس، فهذا بليد وذاك ذكي. 3 - ما به ينظر صاحبه في عواقب الأمور، فلا يغتر بلذة عاجلة تعقبها ندامة. 4 - ما يستفاد من التجارب في حياة الإنسان، وهذا ما عناه من قال: "إن العقل مكتسب" (¬3). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وكان حال ارتكابه لذلك فاقدًا لعقله بغير اختياره، كمجنون، أو معتوه، أو نائم، أو مغمى عليه، فإنه لا يُحد. ويظهر مما سبق أنه لو كان ممن يُجن أحيانًا ويفيق أخرى، وكان قد ارتكب موجب الحد حال إفاقته، فذلك غير مراد. وكذا لو كان فقده لعقله باختياره كأن كان بسكرٍ، فذلك غير مراد أيضًا. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا يقام عليه -أي المجنون- ¬
في حال عقله كل حد كان منه في حال جنونه، بلا خلاف من الأمة" (¬1). وقال ابن عبد البر (643 هـ): "وهذا إجماع أن المجنون المعتوه لا حد عليه والقلم عنه مرفوع" (¬2). وقال القاضي عياض (544 هـ): "أن إقرار المجنون في حال جنونه لا يلزم، وأن الحدود عنه حينئذٍ ساقطة، وهو مما أجمع عليه العلماء" (¬3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد" (¬4)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬5). وقال النووي (676 هـ): "إقرار المجنون باطل، وأن الحدود لا تجب عليه، وهذا كله مجمع عليه" (¬6). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل ولا خلاف في اعتبارهما" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬9). الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه -رضي اللَّه عنه- قال: جاء ماعز بن مالك ¬
[36/ 36] لا تقبل شهادة النساء في الحدود.
إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال: (ويحك ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويحك، ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه طهرني؟ فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فيم أطهرك)؟ فقال: من الزنا، فسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أبه جنون)؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: (أشرب خمرًا)؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، قال: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أزنيت)؟ فقال: نعم، فأمر به فرجم (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [36/ 36] لا تقبل شهادة النساء في الحدود. • أولًا: تعريف الشهادة: الشهادة لغةً: الشهادة مصدر شهد يشهد شهادة، فهو شاهد، وذكر ابن فارس أن أصل هذه المادة ترجع إلى ثلاثة أصول فقال: "الشين والهاء والدال أصلٌ يدلُّ على حضور، وعلم، وإعلام، لا يخرُج شيءٌ من فروعه" (¬2). وتطلق الشهادة في اللغة على عدة أمور، منها: الأول: بمعنى الحضور: قال الفيومي (¬3): "شهدتُ المجلس: حضرتُه" (¬4)، ¬
ومنه قوله تعالى: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)} (¬1)، أي حضور (¬2). الثاني: بمعنى العلم والبيان: قال الأزهري: "الشاهد: هو العالم الذي يبين ما علمه" (¬3)، ومنه قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (¬4)، فقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أن الشهادة هنا بمعنى بيَّن وأعلم، منهم القرطبي (¬5)، والبغوي (¬6). الثالث: بمعنى المشاهدة والمعاينة: قال الفيومي: "شهدت الشيء: اطلعت عليه وعاينته، فأنا شاهد" (¬7)، ومنه قوله تعالى: (¬8)، عند جماعة من أهل التفسير منهم ابن كثير حيث قال: "أي: مشاهدون لما يُفعل بأولئك المؤمنين" (¬9). الرابع: بمعنى وصى، ومنه قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ} (¬10) (¬11). الخامس: بمعنى الإخبار خبر قاطع، تقول: شهد فلان على كذا: أي أخبر، قال الفيروز آبادي: "الشهادة: خبر قاطع" (¬12)، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ ¬
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (¬1). السادس: بمعنى الحلف، قال ابن منظور: "قولهم: اشهدْ بكذا: أي احلفْ" (¬2)، ومنه قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)} (¬3)، أي أن تحلف (¬4)، وقال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} (¬5). قال ابن الجوزي (¬6): "وهذه الآية تدل على أن قول القائل: "أشهد" يمين؛ لأنهم قالوا: {نَشْهَدُ} فجعله يمينًا بقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} (¬7) " (¬8). السابع: بمعنى أقر، ومنه قوله تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ} (¬9)، أي يقرون، كما قاله القرطبي (¬10). ¬
الشهادة اصطلاحًا: تنوعت عبارات الفقهاء في تعريف الشهادة فقيل: هي إخبار عن عيان بلفظ الشهادة في مجلس القاضي بحق للغير على آخر (¬1). وقيل: هي الإخبار عن كون ما في يد غيره لغيره (¬2). وقيل: هي خبر خاص قصد به ترتيب فصل القضاء عليه (¬3). والشهادة إما أن تكون مأخوذة من المشاهدة التي هي المعاينة، وعلى هذا المعنى فتسمية الإخبار في حضور القاضي عن صفة وكيفية المدعى به شهادة يكون من قبيل المجاز حيث أطلق اسم السبب على المسبب. وإما أن تكون مأخوذة من الشهود، ومعنى الشهود الحضور؛ لأن الشاهد يحضر بعد مجلس المحاكمة مجلس القاضي للشهادة فيطلق بطريق المجاز عليها شهادة (¬4). وللشهادة حالان: الحال الأولى: حال تحمل، وهو أن يدعى الشخص ليشهد ويحفظ الشهادة. الحال الثانية: حال أداء، وهو أن يدعى الشخص ليشهد بما علمه (¬5). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وثبت ذلك عند الحاكم بموجب الشهود، فإنه يشترط أن يكون الشهود كلهم رجال، ¬
ولا تصح شهادة النساء. وثمة تنبيهان في صورة المسألة: الأول: لو ثبت الحد بالإقرار، كأن أقرت المرأة على نفسها بالحد، فذلك غير مراد. الثاني: المراد بالمسألة تقرير عدم إقامة الحد بموجب شهادة النساء، أما مسألة الضمان فغير مرادة، فلو شهد رجل وامرأتان على سرقة شخص مثلًا فالمراد أنه لا يُقام عليه الحد بموجب الشهادة، أما مسألة هل يضمن ما شُهد عليه به، فتلك مسألة أخرى غير مرادة. • من نقل الإجماع: نقل ابن حجر عن أبي عبيد القاسم بن سلّام (214 هـ) اتفاق الفقهاء على عدم قبول شهادة النساء في الحدود (¬1). وقال المروزي (294 هـ): "وأجمعوا أنّه لا تجوز شهادتهن في الحدود" (¬2). وقال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن شهادتهن لا تقبل في الحدود" (¬3). وقال ابن بطال (449 هـ): "أجمع أكثر العلماء على أن شهادتهن لا تجوز في الحدود والقصاص" (¬4). والماوردي (450 هـ): "واتفقوا على أن شهادة النساء في الحدود غير مقبولة" (¬5). وابن عبد البر (463 هـ): "ولا مدخل عندهم لشهادة النساء في النكاح ¬
والطلاق، كما لا مدخل لها عند الجميع في الحدود" (¬1). وقال في بينة الزنا: "لا يجوز عند الجميع في ذلك شهادة النساء" (¬2). وقال علاء الدين السمرقندي (531 هـ) (¬3): "ولا تقبل فيها شهادة النساء مع الرجال بلا خلاف" (¬4). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن النساء لا تقبل شهادتهن في الحدود والقصاص" (¬5) ونقله عنه ابن قاسم (¬6). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أن يكونوا رجالًا كلهم، ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬7)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬8). وقال ابن القطان (628 هـ): "اتفق الجميع أن شهادة النساء لا تجوز إلا حيث أجازها اللَّه، وذلك في الديون، ولا تجوز في الحدود باتفاق لا مع رجل ولا مفردات" (¬9). وقال ابن الهمام (861 هـ): "ولا تقبل فيه شهادة النساء مع الرجال ولا نعلم في ذلك خلافًا" (¬10). وقال ابن أمير الحاج (879 هـ) (¬11): "في ¬
الحدود والقصاص اشتراط الرجلين إجماع" (¬1). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (¬2). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (¬3). • وجه الدلالة: في الآية إشارة إلى أن الشهادة للرجال العدول، لأنه جاء بها بلفظ التذكير (¬4). الدليل الثالث: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدقن؛ فإني أريتكن أكثر أهل النار) فقلن: وبم يا رسول اللَّه؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول اللَّه؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ ) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ ) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان دينها) متفق عليه (¬5). • وجه الدلالة: في هذه النصوص تصريح بأن شهادة النساء عُرضة للخطأ، وهي ناقصة عن شهادة الرجال، وهذا نوع شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات (¬6). الدليل الرابع: قال الزهري: "مضت السنة من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والخليفتين ¬
من بعده ألا تجوز شهادة النساء في الحدود" (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف في المسألة بعض الفقهاء وهم على قولين: القول الأول: جواز شهادة النساء في جميع الحدود عدا الزنا، وهو محكي عن طاووس (¬2) أنه قال: "تجوز شهادة النساء في كل شيء مع الرجال إلا الزنا؛ من أجل أنه لا ينبغى أن ينظرن إلى ذلك" (¬3). القول الثاني: جواز شهادة النساء في جميع الحدود بلا استثناء، والمرأتان تقومان مقام الرجل، وهو مروي عن عطاء، وحماد بن أبي سليمان (¬4). فروي عن عطاء أنه قال: "تجوز شهادة النساء مع الرجال في كل شيء، وتجوز على الزنا امرأتان وثلاثة رجال" (¬5). ¬
[37/ 1] عدم جواز قضاء النساء في الحدود.
وإليه ذهب ابن حزم فقال: "ولا يقبل في سائر الحقوق كلها من الحدود، والدماء، وما فيه القصاص، والنكاح، والطلاق، والرجعة، والأموال، إلا رجلان مسلمان عدلان، أو رجلان وامرأتان كذلك، أو أربع نسوة كذلك" (¬1). • دليل المخالف: استدل القائلون بقبول شهادة النساء في الحدود بما يلي: الدليل الأول: القياس على الأموال، فكما تُقبل شهادة النساء في الأموال، فكذا الحدود (¬2). الدليل الثاني: أن الأصل استواء الرجال والنساء في الأحكام، ولا يوجد نص صريح صحيح يخرج النساء عن قبول شهادتهن في الحدود.Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لخلاف عطاء وطاووس وابن حزم، ولذا حين ذكر ابن رشد المسألة قال: "فالذي عليه الجمهور أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود لا مع رجل ولا مفردات" (¬3)، فنسبه للجمهور، ولم يذكره إجماعًا. ويوجه كلام من حكى الإجماع أنه لم يعتبر الخلاف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [37/ 1] عدم جواز قضاء النساء في الحدود. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف القضاء: القضاء في اللغة بمعنى القطع والفصل، قال ابن الأثير: "أصلُه: القَطْع والفَصْل، يقال: قَضَى يَقْضِي قَضاءً فهو قاضٍ: إذا حكَم وفَصَل" (¬4). وقال ابن فارس: "القاف والضاد والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على ¬
إحكام أمرٍ وإتقانهِ وإنفاذه لجهته" (¬1). ويطلق في اللغة على عدة معان منها: الحكم والإلزام، والخلق والصنع، والإبلاغ، والعهد والوصية، والمضي في الشيء، والفراغ منه، والقضاء المقارن للقدر (¬2). أما في الاصطلاح: فهو تبيين الحكم الشرعي والإلزام به وفصل الحكومات (¬3). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، ورفع أمره للإمام، فإن الذي يأمر بإقامة الحد عليه هو الإمام أو نائبه كالقاضي ونحوه، ويشترط أن يكون رجلًا، ولا ينفذ قضاء المرأة في ذلك. ويتبين مما سبق أن قضاء المرأة إن كان في غير الحدود، فذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال الماوردي (450 هـ) في ردِّه لمن قال بتولي المرأة للقضاء: "ولا اعتبار بقول يرُدُّه الإجماع" (¬4). وقال البغوي (516 هـ): "اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إمامًا، ولا قاضيًا" (¬5). وقال ابن حجر (852 هـ): "اتفقوا على اشتراط الذكورية في القاضي إلا عند الحنفية، واستثنوا الحدود" (¬6) ونقله عنه الشوكاني (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬1)، المالكية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (¬4). • وجه الدلالة: دلت الآية على حصر القوامة في الرِّجال دون النساء، واستُفيد الحصر من تعريف الرِّجال بلام الجنس؛ إذ إن لام الجنس إذا دخلتْ ¬
على المبتدأ قصرته على الخبر، كما تقول: الخطيب فلان، وهذا الحصر يسمى حصرًا إضافيًا؛ أي: بالنسبة للنساء، ويستفاد من هذا الحصر أنَّ اللَّه -سبحانه- جعل الرِّجال قوامين على النساء ولا عكس، فعلى هذا لا تصح ولاية المرأة القضاء؛ لأن هذا يستلزم أن تكون المرأة هي القوَّامة، وهو مخالف للآية (¬1). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (¬2). • وجه الدلالة: في الآية دلالة على أن شهادة المرأة الواحد غير مقبولة، وسبب ذلك كثرة غفلتها وعرضتها للنسيان، وهذه الصفة مؤثرة في تولي القضاء، فإنها -أي عدم الغفلة- أحد شروط تولي القضاء عند جماعة من أهل العلم (¬3). الدليل الثالث: قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى بيَّن أن الرجل يزيد على المرأة بدرجة، قال ابن كثير: " {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} أي: في الفضيلة في الخُلُق، والمنزلة، وطاعة الأمر، والإنفاق، والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة" (¬5) وكون ¬
المرأة قاضية على الرجل يخالف مقتضى الآية، لأنها تجعل المرأة أعلى من الرجل في المنزلة والفضيلة ونحو ذلك (¬1). الدليل الرابع: عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- قال: لما بلغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنت كسرى قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) (¬2). • وجه الدلالة: الحديث صريح بعدم جواز تولية المرأة شيء من الولايات العامة، لأنه جاء بصيغة النكرة في سياق النفي، وهو يفيد العموم، ويدخل فيه ولاية القضاء، كما أنه خبر جاء بمعنى الأمر (¬3). الدليل الخامس: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار)، فقلن: وبم يا رسول اللَّه؟ قال: (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول اللَّه؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل)، قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم)، قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان دينها) متفق عليه (¬4). • وجه الدلالة: في الحديث نص، على أن المرأة ناقصة في عقلها ودينها، وأن هذا أمر فطري ملازم لها، ولا يناسب من هذه حالها أن تتولى إمارة عامة كالقضاء، تحتاج إلى كمال في الرأي، ونباهة، وذكاء، وفطنة (¬5). ¬
الدليل السادس: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار) (¬1). • وجه الدلالة: فيه التنصيص على أن القاضي رجلًا، وهو يدل بمفهومه على خروج النساء من ذلك (¬2). الدليل السابع: إذا كانت المرأة لا تصلح لإمامة الصلاة مع جواز إمامة الفاسق، فالمنع من توليها القضاء الذي لا يصلح له الفاسق من باب أولى (¬3). الدليل الثامن: القياس على الإمامة العظمى بجامع أن كلًا منهما ولاية، فكما لا يصلح للمرأة تولي الإمامة العظمى، فكذلك لا يصح أن تتولى القضاء، لأن كليهما ولاية (¬4). الدليل التاسع: أن المرأة تغلب عليها العاطفة، وسرعة التأثر، ولا تستطيع غالبًا تحمل المواقف الصعبة والقوية التي يتطلبها مجلس القضاء، وهذه العاطفة تمنعها من القضاء لا سيما في باب الحدود الذي يُدرأ بالشبهات (¬5). ¬
الدليل العاشر: أن قضاء المرأة قد يفضي إلى الفتنة، وهو ضرر، والضرر يجب منعه، قال ابن فرحون: "ولأن كلامها ربما كان فتنة وبعض النساء تكون صورتها فتنة" (¬1). الدليل الحادي عشر: أن حضور المرأة لمجلس القضاء مع الرجال ليس من آداب الإسلام التي تحث على الحشمة والبعد عن الرجال (¬2). الدليل الثاني عشر: عمل المسلمين؛ فإنه منذ عصر النبوة والولاية العامة مقصورة على الرجال، ولم يثبت في عصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابة -رضي اللَّه عنهم- والتابعين ومن بعدهم أن أحدًا من النساء قد أُسند إليها الولاية العامة من القضاء وغيره، رغم أنه قد كان ثمة نساء ذات فضل ودين وعبادة وعلم تفضل كثيرًا من الرجال، كعائشة رضي اللَّه عنها. قال أبو الوليد الباجي (¬3): "ويكفي في ذلك عندي عمل المسلمين من عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، لا نعلم أنه قُدِّم لذلك في عصر من الأعصار، ولا بلد من البلاد امرأة، كما لم يقدم للإمامة امرأة" (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى جواز تولية المرأة للقضاء في ¬
جميع الأمور من الحدود وغيرها، ولو قضت نفذ حكمها. وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية (¬1) (¬2)، وابن القاسم من المالكية (¬3) (¬4)، وابن حزم (¬5). وهو محكي عن ابن جرير الطبرى (¬6)، لكن من أهل العلم من تعقب هذه النسبة، منهم ابن العربي حيث قال: "نقل عن محمد بن جرير الطبري إمام الدين أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية، ولم يصح ذلك عنه، ولعله كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه" (¬7). • أدلة المخالفين: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ ¬
كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} (¬1). • وجه الاستدلال: أن اللَّه أمر بأداء الأمانات، ومن أعظم الأمانات أمانة القضاء ثم إن اللفظ عام فيشمل المرأة والرجل على حد سواء (¬2). الدليل الثاني: عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) متفق عليه (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أثبت للمرأة ولاية على بيت زوجها وأمواله وأولاده، وهذا نوع ولاية، وهو يدل على أنها في الأصل أهل للولاية، ويدخل في ذلك ولاية القضاء (¬4). الدليل الثالث: أن عمر -رضي اللَّه عنه- ولى امرأة الحسبة على السوق، تُدعى "الشِّفاء" (¬5) (¬6). • وجه الدلالة: قياس الحسبة علي القضاء لأن كلًا منهما ولاية فدل ذلك على صحة تولية المرأة القضاء، لأن كلًا من ولاية الحسبة وولاية القضاء ¬
[38/ 1] لا تقبل شهادة المجنون في الحدود.
ولاية عامة (¬1). الدليل الرابع: أن الأصل الجواز حتى يرد الدليل على المنع، وليس ثمة دليل صريح يمنع من تولية المرأة للقضاء (¬2). الدليل الخامس: قياس القضاء على الفتيا بجامع أن كلًا منهما مُخبر عن اللَّه تعالى، فكما يجوز أن تكون المرأة مفتية، فكذا يجوز أن تكون قاضية (¬3). الدليل السادس: قياس القضاء على الوكالة والوصية بجامع أن كلًا منهم ولاية، فكما يجوز أن تكون المرأة وكيلة ووصية، فكذا يجوز أن تكون قاضية، لأن كل ذلك وكالة (¬4).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقَّق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن ابن حزم، وابن القاسم، وهو محكي عن محمد بن الحسن. ومن حكى الإجماع فلم يعتبر قول المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [38/ 1] لا تقبل شهادة المجنون في الحدود. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وثبت ذلك عند الحاكم بموجب شهادة رجل مجنون فاقد العقل، فإن الحد لا يثبت على المشهود عليه، لأن شهادة المجنون غير مقبولة. • من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): "الإجماع يدل على أنه لا تجوز إلا شهادة عدل حر بالغ عاقل لما يشهد عليه" (¬5). وقال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن لا شهادة للمجنون في حال جنونه" (¬6) ونقله عنه ابن قدامة (¬7)، ¬
وشمس الدين ابن قدامة (¬1)، والزركشي (¬2) (¬3)، وإبراهيم ابن مفلح (¬4). وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "لا تقبل شهادة مجنون بالإجماع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تجوز شهادة ذي الخلة، ولا ذي الجنة) (¬8). • وجه الدلالة: الحديث صريح بعدم قبول شهادة صاحب الجنة، وهو من به جنون. الدليل الثاني: أن المجنون لا يعقل ما يقوله، ولا ما يشهد به، فقوله غير معتبر (¬9). الدليل الثالث: لأن المجنون لا يؤتمن على حفظ نفسه وماله، فمن باب أولى ألَّا يؤتمن على حفظ حقوق غيره (¬10). ¬
[39/ 1] لا تقبل شهادة العبد في الحدود.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [39/ 1] لا تقبل شهادة العبد في الحدود. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف العبد: العبد لغة: قال ابن فارس: "العين والباء والدال أصلانِ صحيحان، كانَّهما متضادَّان، والأول من ذينك الأصلينِ يدلُّ على لين وذُلّ، والآخر على شِدّة وغِلَظ. فالأوّل العَبد، وهو المملوك، والجماعةُ العبيدُ" (¬1). وقال ابن منظور: "العبد الإِنسان حرًّا كان أَو رقيقًا، يُذْهَبُ بذلك إلى أَنه مربوب لباريه جل وعز. . . والعَبْدُ المملوك خلاف الحرّ" (¬2). العبد اصطلاحًا: العبد: هو الرقيق المملوك لغيره. والرِّق: هو عجز حكمي شُرِع في الأصل جزاء عن الكفر (¬3). وبيان ذلك: قوله: "عجز" لأنه لا يملك ما يملكه الحر من الشهادة، والقضاء، وغيرهما. قوله: "حكمي" لأن العبد قد يكون أقوى في الأعمال الحسيَّة من الحر. قوله: "جزاء عن الكفر" فلأن أساس موجبه أن يُسبى الشخص -ذكرًا أو أنثى- وهو كافر (¬4). ويسمى بالرقيق، والقِن، والمملوك. • ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وثبت ذلك عند الحاكم بموجب الشهادة، فإنه يشترط لقبول شهادة الشاهد أن يكون حرًا، فلا تقبل شهادة العبد. ¬
• من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): "الإجماع يدل على أنه لا تجوز إلا شهادة عدل حر بالغ عاقل لما يشهد عليه" (¬1). وقال يحيى بن أكثم (240 هـ) (¬2): "اتفق العلماء على أن العبد لا شهادة له"، نقله عنه السرخسي (¬3). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن شهادة العبيد لا تصح على الإطلاق، إلا أحمد فإنه أجازها فيما عدا الحدود والقصاص على المشهور من مذهبه" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (¬6). • وجه الدلالة: الآية دلت على أنه يجب على كل من دُعي إلى الشهادة أن يجيب، وقد دل الإجماع على أن العبد لا تلزمه الإجابة؛ لأنه لا يتصرف في نفسه إلا بإذن سيده، فيتحصل من ذلك أن العبد خارج عن الخطاب في الآية وأنه ليس من أهل الشهادة (¬7). ¬
الدليل الثاني: قال اللَّه تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل للعبد المملوك نهاية المثل في عدم القدرة على شيء، والشهادة من جملة الأشياء، فلا يقدر على أدائها، فمن كانت هذه صفته -عدم القدرة على شيء- فإنه لا يصح أن يكون قوله نافذًا على الغير في الدماء والفروج وغيرها (¬2). الدليل الثالث: قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬3). • وجه الدلالة: قوله {مِنْ رِجَالِكُمْ} حيث أضاف الشهداء إليهم، والخطاب للأحرار، لأنها تتكلم عن البيع والشراء، والذي يملك ذلك هو الحر (¬4). الدليل الرابع: قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل أداء الشهادة قيام على الغير، والعبد ليس من أهل القيام على غيره، لأنه لا ولاية له على نفسه، فلا ولاية له على غيره (¬6). الدليل الخامس: أن العبد مختلف في شهادته في سائر الحقوق فيكون ذلك شبهة تمنع من قبول شهادته في الحد؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات (¬7). الدليل السادس: قياس العبد على الكافر، بجامع أن كلًا من الرق والكفر ¬
مانع من الميراث، فكما لا تُقبل شهادة الكافر، فكذا لا تقبل شهادة العبد (¬1). الدليل السابع: أن الرق أثر من آثار الكفر فمنع قبول الشهادة كالفسق (¬2). الدليل الثامن: أنه يستغرق الزمان بخدمة سيده فليس له وقت يملك فيه أداء الشهادة ولا يملك عليه (¬3). الدليل التاسع: أن الشهادة نوع ولاية والعبد ليس من أهل الولاية على غيره فلا تقبل شهادته (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة من أهل العلم إلى قبول شهادة العبيد في الحدود. وبه قال علي بن أبي طالب وأنس بن مالك رضي اللَّه عنهما، وشريح، وإسحاق بن راهويه (¬5)، وأبو ثور، وزرارة بن أوفى (¬6)، وعثمان ¬
البتي (¬1)، وابن سيرين. وهو مذهب الحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • دليل المخالف: استدل القائلون بقبول شهادة العبيد بما يلي: الدليل الأول: قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬4). • وجه الدلالة: عموم الآية تدل على قبول شهادة من نرضى شهادته لعدالته، إن كان من رجالنا بإسلامه، ولم تستثن العبد، فإذا كان العبد مسلِمًا عدلًا فهو مقبول الشهادة (¬5). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل وصف الوسطية -أي الخيار العدول- هو المعيار في قبول الشهادة، والعبد داخل في هذا الخطاب، فيدل على قبول شهادة العبد إن كان عدلًا حتى يرد دليل صريح صحيح يُخرجه من ذلك، وليس ثمة دليل (¬7). ¬
الدليل الثالث: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} (¬1)، وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى خاطب المؤمنين عمومًا بالقيام بالشهادة، والعبد من جملة المؤمنين، فيكون مقبول الشهادة (¬3). الدليل الرابع: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} (¬4). • وجه الدلالة: أخبر تعالى أن المؤمن الذي يعمل الصالحات هو من خير البريَّة، وهذا عام يشمل العبد، فإن كان العبد قد حقق هذا الوصف من الإيمان والعمل الصالح، فكيف ترد شهادته وهو من خير البريَّة عند اللَّه تعالى (¬5). الدليل الخامس: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (¬6). • وجه الدلالة: عموم الآية في تحريم كتمان الشهادة، والعبد داخل في الخطاب حتى يرد دليل صريح صحيح على استثنائه من ذلك (¬7). الدليل السادس: إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على قبول شهادتهم، كما قال ابن القيم في معرض تصويب القول بقبول شهادة العبد: "وقد حكى الإمام أحمد عن أنس بن مالك إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، على شهادته، فقال: "ما علمت أحدًا رد شهادة العبد"" (¬8) الدليل السابع: إجماع أهل العلم على أن العبد مقبول الشهادة على رسول ¬
اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حكم يلزم الأمة إذا روى عنه الحديث، فمن باب أولى أن تقبل شهادته على واحد من الأمة في حكم جزئي (¬1). الدليل الثامن: أن العبد تقبل شهادته على حكم اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الفروج والدماء والأموال في باب الفتوى، فمن باب أولى أن تقبل شهادته على واحد من الناس في ذلك (¬2). الدليل التاسع: أن المقتضي لقبول شهادة المسلم عدالته، وغلبة الظن بصدقه، وعدم تطرق التهمة إليه، وهذا بعينه موجود في العبد، والرق لا يزيل مقتضى العدالة، ولا يتطرق لصاحبه التهمة (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم، بل هي محل خلاف مشهور؛ لثبوت الخلاف عن الحنابلة، والظاهرية، وبعض التابعين، بل حُكي إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على قبول شهادة العبد. ولذا ردَّ هذا الإجماع جمع من أهل العلم فقال ابن الهمام في مسألة شهادة العبد: "وأما ادعاء الإجماع على عدم قبوله فلم يصح" (¬4). وقال ابن القيم: "وقبول شهادة العبد، هو موجب الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وأصول الشرع، وليس مع من ردها كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس" (¬5). قد تبيَّن مما سبق أن ثمة من حكى الإجماع على قبول شهادة العبد، وثمة من حكى إجماع الصحابة على عدم قبول شهادة العبد، وقد حقق ابن القيم المسألة فقال بعد أن ذكر القول بقبول شهادة العبد: "وقد حكي إجماع قديم، ¬
[40/ 1] قبول شهادة العبد في الحدود.
حكاه الإمام أحمد عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "ما علمت أحدًا رد شهادة العبد" وهذا يدل على أن ردَّها إنما حدث بعد عصر الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، واشتهر هذا القول لما ذهب إليه مالك والشافعي وأبو حنيفة، وصار لهم أتباع يفتون ويقضون بأقوالهم، فصار هذا القول عند الناس هو المعروف" (¬1). [40/ 1] قبول شهادة العبد في الحدود. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وثبت ذلك عند الحاكم بموجب الشهادة، فإنه لا يشترط لقبول الشهادة أن يكون الشهود كلهم أحرار، بل لو كان الشهود أرقاء صحت شهادتهم. • من نقل الإجماع: قال ابن القيم (751 هـ): "وقد حكى الإمام أحمد عن أنس بن مالك إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على شهادته، فقال: "ما علمت أحدًا رد شهادة العبد"" (¬2). وقد سبق في المسألة السابقة من قال بقبول شهادة العبد في الحدود، وأدلته، ومن خالف في ذلك فمنع شهادة العبد في الحدود، وبيان أدلته، ونتج عن ذلك أن المسألة محل خلاف معتبر بين أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم. [41/ 1] لا تقبل شهادة الأخرس في الحدود. • المراد بالمسألة: إذا ثبت الحد على شخص، وكان موجب ثبوت الحد هو البيِّنة بشهادة الأخرس، فإن الحد لا يُقام حينئذٍ، وشهادة الأخرس غير مقبولة مطلقًا حتى لو كانت شهادته بإشارة مفهومة أو كان كتبها بخط مقروء. ¬
• من نقل الإجماع: قال القرطبي (671 هـ) حكاية عن الحنفية: "وشهادة الأخرس لا تقبل بالإجماع" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "وفي المبسوط (¬2): أنه لا تجوز شهادة الأخرس بإجماع الفقهاء" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والشافعية في الأصح (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: سُئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الشهادة، قال: (هل ترى الشمس)؟ قال: نعم، قال: (على مثلها ¬
فاشهد، أو دع) (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل من شرط الشهادة أن تكون عن يقين لا شك فيه، وإشارة الأخرس لا يحصُل بها اليقين، حيث قد تُفهم على غير مراده، وبالتالي فلا تكون مقبولة لعدم حصول اليقين بها (¬2). ¬
الدليل الثاني: أن من شرط الشهادة أن يأتي بها الشاهد بلفظ "أشهد"، فلو قالها بلفظ غير الشهادة، كـ "أعلم" أو "أتيقن"، ونحو ذلك لم يصح، والإتيان بلفظ الشهادة في حق الأخرس متعذِّرة (¬1). الدليل الثالث: أن المعتبر في الشهادة اليقين، وهذا لا يمكن تحصيله من الأخرس؛ لأن الإشارة تحتمل الخطأ في فهم المقصود على وجه التمام، فهو من الشبهات التي تدرأ بها الحدود (¬2). الدليل الرابع: قياس شهادة الأخرس بالإشارة على شهادة الناطق بالإشارة، فكما أن الناطق لا تصح شهادته بالإشارة بإجماع أهل العلم، فكذا لا تصح شهادة الأخرس، بجامع أن كلًا منهما شهادة تفتقر لليقين (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في عدم قبول شهادة الأخرس جماعة من أهل العلم، وحاصل الأقوال المخالفة على قولين: القول الأول: قبول شهادة الأخرس إذا أدَّاها بإشارة مفهومة، أو كتابة مقروءة. وهو قول المالكية (¬4)، وبعض الشافعية (¬5). القول الثاني: تقبل شهادة الأخرس إن أدَّاها بخطه، ولا تقبل في غير ذلك من إشارة مفهومة أو نحوه. ¬
وهو قول بعض الحنابلة، وتوقف فيه الإمام أحمد (¬1). • أدلة المخالفين: أما الذين قالوا بقبول شهادة الأخرس إن كانت له إشارة مفهومة فاستدلوا بما يلي: الدليل الأول: قال تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل الرمز -وهو الإشارة- مستثنى من الكلام، والأصل أن المستثنى من جنس المستثنى منه، فيدل ذلك على أن الرمز من جنس الكلام، وإذا كانت الشهادة معتبرة من الناطق فكذلك تعتبر الشهادة بالإشارة، لأن الإشارة نوع من الكلام كما بيَّنت الآية (¬3). الدليل الثاني: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: صلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيته وهو شاك (¬4)، فصلى جالسًا، وصلى وراءه قوم قيامًا، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا) متفق عليه (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر أصحابه بالجلوس عن طريق الإشارة، فدل على أن الإشارة طريق يحصل به العلم عند تعذُّر النطق، ولولا ذلك لما اكتفى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالإشارة إلى أصحابة أن يجلسوا (¬6). ¬
الدليل الثالث: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "خرجَتْ جارية عليها أوضاح (¬1) بالمدينة، فرماها يهودي بحجر، فجيء بها إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبها رمق، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فلان قتلك)؟ فرفعت رأسها، فأعاد عليها، قال: (فلان قتلك)؟ فرفعت رأسها، فقال لها في الثالثة: (فلان قتلك)؟ فخفضت رأسها، فدعا به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقتله بين الحجرين" متفق عليه (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اعتبر إشارة المرأة، وأقامها مقام العبارة المنطوقة (¬3). الدليل الرابع: قياس إشارة الأخرس المفهومة في طلاقه، ونكاحه، وظهاره، وإيلائه، على إشارته المفهومة في شهادته، بجامع أن كلًا منهما إشارة مفهومة معتبرة، فكما أن إشارة الأخرس إذا فُهمت فإنه يُعمل بها في كثير من الأحكام، كطلاقه، ونكاحه، وظهاره، وإيلائه، فكذا يُعمل بها في شهادته (¬4). الدليل الخامس: أن الشهادة علم يؤديه الشاهد إلى الحاكم، فإذا فُهم هذا العلم عن طريق الإشارة فإنها تُقبل منه كالناطق إذا أداها بصوت، وإنما اختلفت الآلة، فآلة الناطق اللسان، وآلة الأخرس الإشارة (¬5). الدليل السادس: أن عدم قبول شهادة الأخرس مطلقًا يؤدي إلى ضياع ¬
[42/ 1] لا تقبل شهادة الأعمى في الحدود.
الحقوق على أصحابها (¬1). أما الذين قالوا بجواز شهادة الأخرس إن أدَّاها بخط مقروء، ولا تقبل في غير ذلك، فاستدلوا عليه بـ: أن موجب منع شهادة الأخرس هو احتمال الخطأ في فهم مراده بالإشارة، وهذا الاحتمال قد انتفى بكتابتها؛ لأن خطه صريح في الدلالة على مقصده، ويمكن نقاشه وطرح الأسئلة عليه عن طريق الكتابة، فيكون حكمه كالناطق (¬2).Rالمسألة فيما يظهر على قسمين: الأول: إن كان الأخرس ليس له إشارة مفهومة أو خط مقروء: فعدم قبول شهادته محل إجماع بين أهل العلم. الثاني: إن كان للأخرس إشارة مفهومة أو خط مقروء: فعدم قبول شهادته ليست محل إجماع بين أهل العلم، بل الخلاف فيها مشهور ومعتبر، وهو بين المذاهب الفقهية الأربعة فضلًا عن غيرهم، ولذا حين ذكر القرطبي ما نقله من الإجماع تعقَّبه بقوله: "وما ذكروه من الإجماع في شهادة الأخرس فغلط" (¬3)، وكذلك قال ابن بطال: "وما حكوه من الإجماع في شهادة الأخرس، فهو غلط" (¬4). ويوجه كلام الحنفية في نقل الإجماع أنهم أرادوا الإجماع المذهبي، واللَّه تعالى أعلم. [42/ 1] لا تقبل شهادة الأعمى في الحدود. • المراد بالمسألة: إذا شهد الأعمى حال التحمل والأداء على شخص بما يوجب الحد، كزنى، أو سرقة، أو قذف، فإن شهادته غير مقبولة. ¬
ويتبيَّن مما سبق أنه لو كان بصيرًا حال الجريمة، ثم أصيب بالعمى قبل أداء الشهادة، فهي مسألة غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال البابرتي: (786 هـ): "شهادة الأعمى إما أن تكون في الحدود والقصاص أوْ لا، فإن كان الأول فليست بمقبولة بالاتفاق" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "شهادة الأعمى لا تقبل فيها -أي الحدود- بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة في رواية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: سُئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الشهادة، قال: (هل ترى الشمس)؟ قال: نعم، قال: (على مثلها فاشهد، أو دع) (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل من شرط الشهادة المعاينة لما يشهد عليه، بل صرَّح بأن تكون المعاينة جليَّة لا مرية فيها، كمعاينة الشمس، والأعمى لا يمكنه معاينة المشهود، فلا تصح شهادته (¬7). ¬
الدليل الثاني: أنه قضاء علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، حيث روي عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه شهد عنده رجل أعمى، فردَّ عليٌ -رضي اللَّه عنه- شهادته (¬1). • وجه الدلالة: أن عليًا -رضي اللَّه عنه- رد شهادة الأعمى، وهو من الخلفاء الراشدين، الذين أمرنا باتباعهم، وهذا يُحتمل أن يكون في حد، ويؤيده رواية البيهقي بلفظ: "أن عليًا -رضي اللَّه عنه- رد شهادة أعمى في سرقة لم يجزها" (¬2). وإن كان في الحقوق فردُّها في الحدود هو من باب أولى لدرئها بالشبهات (¬3). الدليل الثالث: أن من شروط الشهادة أن يأتي بها الشاهد بلفظ الشهادة، أي: "أشهد"، فلو قالها بلفظ غير الشهادة، كـ "أعلم" أو "أتيقن"، ونحو ذلك لم يصح، ولفظ الشهادة يقتضي المعاينة والمشاهدة، وتخصيص الشهادة بهذا اللفظ يدل على شرطية المشاهدة، والأعمى فاقد لذلك، فلا تصح شهادته (¬4). الدليل الرابع: أن الأعمى إنما يعتمد في شهادته على تمييز الأصوات، وهذا محتمل للخطأ، فإن الأصوات قد تتشابه، وقد تُقلَّد، وتلك شبهة تدرأ بها الحدود (¬5). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: ظاهر كلام ابن حزم هو قبول شهادة الأعمى في الحدود إذا ¬
تيقَّن ذلك، فإذا سمع رجلًا قذف آخر، فتيقَّن أنه صوت فلان فله الشهادة في ذلك (¬1). القول الثاني: استثنى الشافعية فيما يتعلق بشهادة الأعمى في الحدود حالة واحدة، وهي الشهادة على الزنا فيما إذا وضع يده على ذكر رَجُلٍ داخلٍ في فرج امرأة أو دبر صبي، فأمسكهما ولزمهما، حتى شهد عند الحاكم بما عرفه بمقتضى وضع اليد (¬2). • دليل المخالف: الدليل الأول: عموم آيات الشهادة ومن ذلك: أ - قول اللَّه تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬3). ب - قول اللَّه تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} (¬4). ج - قول اللَّه تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (¬5). ¬
• وجه الدلالة: أن الآيات ذكرت الشهادة، وفي بعضها اشتراط رجلين، واشتراط العدالة، ولم يرد في شيء منها اشتراط البصر، فيكون الأعمى داخل في عموم الشهداء إذا كان عدلًا (¬1). الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)، ثم قال: "وكان رجلًا أعمى لا ينادي حتى يُقال له: أصبحت أصبحت" متفق عليه (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علق الإمساك عن الصيام بأذان ابن أم مكتوم -رضي اللَّه عنه-، وكان أعمى، وذلك يدل على اعتبار قوله، فكذا تُقبل شهادته بجامع أن كلًا منهما إخبار (¬3). الدليل الثالث: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا يقرأ في المسجد، فقال: (رحمه اللَّه، لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن من سورة كذا وكذا). وزاد عباد بن عبد اللَّه (¬4) عن عائشة رضي اللَّه عنها: تهجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيتي، فسمع صوت عباد يصلي في المسجد، فقال: (يا عائشة أصوت عبّاد (¬5) ¬
هذا)؟ قلت: نعم، قال: (اللهم ارحم عبّادًا) متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا للقارئ عبّاد بن بشر -رضي اللَّه عنه- دون أن يراه، وإنما اعتمد على الصوت في معرفته والدعاء، مما يدل على صحة الاعتماد على الصوت وكونه وسيلة لمعرفة الشيء، فيما يمكن تحصيله بالصوت (¬2). الدليل الرابع: عن المسور بن مخرمة رضي اللَّه عنهما (¬3) قال: قدِمتْ إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَقْبِية (¬4)، فقال لي أبي مخرمة (¬5): انطلق بنا إليه عسى أن يعطينا منها شيئًا، فقام أبي على الباب، فتكلَّم، فعرف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صوته، فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعه قِباء، وهو يريه محاسنه، وهو يقول: (خبأتُ هذا لك، خبأت هذا لك) متفق عليه (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عرف صوت مخرمة -رضي اللَّه عنه- قبل أن يراه، وإنما اعتمد على هذه المعرفة بالصوت، فخرج ومعه القباء ليُريه محاسنه، ويُهديه له، وذلك ¬
يدل على قبول الاعتماد على الصوت، فيما يمكن معرفته عن طريق السماع (¬1). الدليل الخامس: قياس قبول الشهادة على قبول الرواية، بجامع أن كلًا منهما إخبار عما سمعه، فكما تُقبل رواية الأعمى، فكذا تُقبل شهادته فيما طريقه السماع إذا تيقَّن الصوت (¬2). الدليل السادس: أن عدم قبول شهادة الأعمى يلزم منه رد شهادة جملة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ممن أصيب بالعمى، كجابر بن عبد اللَّه، وابن أم مكتوم، وابن عباس، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، وهذا غاية البطلان (¬3). الدليل السابع: أن الشرع أجاز للأعمى أن يعتمد على الصوت في كثير من القضايا، فله أن يطأ امرأته بناء على معرفة صوتها، وله أن يحلف على حقه بدلالة معرفة صوت مبايعه (¬4). وأما استثناء الشافعية لصورة الأعمى إن أمسك ذكر الرجل في الفرج، ثم لزمهما حتى قام عند القاضي فعللوا لذلك بأن الشهادة في هذه الحال أبلغ من الشهادة بالرؤية (¬5).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ للخلاف عن ابن حزم، وعن الشافعية في الصورة المذكورة. ومن حكى الإجماع فإما أنه أراد الإجماع المذهبي عند الحنفية، أو أنه أراد الإجماع من حيث العموم، ولم يعتبر قول ابن حزم، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[43/ 1] شهادة الكفار على المسلمين في الحدود غير مقبولة.
[43/ 1] شهادة الكفار على المسلمين في الحدود غير مقبولة. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص مسلم ما يوجب الحد، وكان ثبوت الحد عليه بموجب شهادة كافر، فإن الحد لا يُقام حينئذٍ، لأن شهادة الكافر غير مقبولة. ويتبيَّن مما سبق أن شهادة الكافر على المسلم إن كانت في غير الحدود فذلك غير مراد، وكذا إن كانت شهادة الكافر على كافر فذلك غير مراد. وينبَّه إلى أنه يُستثنى من ذلك شهادة الكافر على المسلم في الوصية في السفر، فهذه محل خلاف غير مرادة في المسألة (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا على أنه لا يقبل مشرك على مسلم في غير الوصية في السفر" (¬2). وقال ابن رشد (595 هـ): "وأما الإسلام فاتفقوا على أنه شرط في القبول، وأنه لا تجوز شهادة الكافر" (¬3). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "ويكونوا مسلمين، ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬4). وقال أبو العباس القرطبي (656 هـ): "وأقوال الكفار في الحدود وفي شهاداتهم عليها غير مقبولة بالإجماع" (¬5). وقال القرطبي (671 هـ): "أقوال الكفار في الحدود وفي شهادتهم عليها غير مقبولة بالإجماع" (¬6). وقال ابن تيمية (728 هـ): "فلا تقبل شهادة الكفار على المسلمين، وهذا لا نزاع فيه" (¬7). ¬
وقال ابن المرتضى (840 هـ): "لا تصح من كافر حربي وثني أو ملحد أو مرتد مطلقًا إجماعًا، ولا من غيرهم على مسلم إجماعًا" (¬1) ونقله عنه الشوكاني (¬2). وقال الدسوقي (1230 هـ) (¬3): "اعلم أن شهادة الكافر على المسلم لا تقبل إجماعًا" (¬4). وقال عليش (1299 هـ) (¬5): "لا كافر على مسلم إجماعًا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬7)، والشافعية (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (¬9). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر فيمن نقيمه للشهادة أن يكون عدلًا، ¬
والكافر ليس بعدل، فلا تُقبل شهادته (¬1). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى شرط في الشاهد أن يكون ممن نرتضيه، والكافر غير مرضي لاحتمال الكذب في خبره (¬3). الدليل الثالث: قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نفى أن يكون للكافر سبيل على المسلمين، والشهادة فيها معنى الولاية، ومن ثم لا تجوز شهادة غير المسلم على المسلم لانعدام الولاية عليه (¬5) (¬6). الدليل الرابع: عموم الآيات التي جعلت الكافر فاسقًا، ومنها: أ - قال تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} (¬7). ب - قال تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬8). ج - قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬9). د - قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬10). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى سمى الكافر فاسقًا، والفاسق لا تقبل شهادته باتفاق الفقهاء (¬11)، فكذلك لا تقبل شهادة الكافر؛ لأن الكفر أشد فسقًا من ¬
فسق المسلم (¬1). الدليل الخامس: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مناديًا في السوق: أنه لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، قيل: وما الظنين؟ قال: المتهم في دينه" (¬2). • وجه الدلالة: دل الحديث على عدم قبول شهادة من به تهمة، والكافر داخل في ذلك. الدليل السادس: أن الكافر لا يؤمن منه أن يكذب على المسلم، وأن يتقوَّل عليه، لما فيه من الغيظ على الإسلام (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[44/ 1] الحدود لا تثبت بيمين وشاهد.
[44/ 1] الحدود لا تثبت بيمين وشاهد. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخصٌ ما يوجب الحد، وكان ثبوتها ببينة الشهود، وكان شاهدًا واحدًا، مع يمينه، فإن ذلك لا يوجب إقامة الحد عليه. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن الحد لا يجب بيمين وشاهد" (¬1). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أنه لا يصح الحكم بالشاهد واليمين فيما عدا الأموال وحقوقها" (¬2). وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمع القائلون باليمين مع الشاهد أنه لا يقضى باليمين مع الشاهد إلا في الأموال: الديون وغيرها، مما يقضي فيه شهادة النساء مع الرجال دون ما عداها" (¬3). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "ويحكم بشاهد ويمين. . . ولا يحكم بذلك إلا في حق لآدمي محض، لا في الحد والقصاص إجماعًا" (¬4). وقال الصنعاني (1182 هـ): "لا يخرج من الحكم بالشاهد واليمين إلا الحد والقصاص؛ للإجماع أنهما لا يثبتان بذلك" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬6). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بما يلي: الدليل الأول: أن الحدود تدرأ بالشبهات، والحد بشاهد واحد مع يمينه فيه شبهة، فيدرأ به الحد (¬7). الدليل الثاني: لأن الحدود إذا لم تثبت بشهادة رجل وامرأتين، فمن باب أولى ألا تثبت بشهادة واحد مع يمينه (¬8). ¬
[45/ 1] يشترط في إقامة الحد بموجب الإقرار أن يكون المقر بالغا.
الدليل الثالث: أن اللَّه تعالى أوجب القضاء في الحدود بالبينة أو الشهود، وفي الشهود لا بد من أربعة في الزنا، أو اثنان في غيره، ولا يوجد نص على استثناء ذلك، بقبول الشهادة مع اليمين (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [45/ 1] يشترط في إقامة الحد بموجب الإقرار أن يكون المقر بالغًا. • المراد بالمسألة: إذا أقر شخص غير بالغ على نفسه بأنه ارتكب ما يوجب الحد، فإنه لا يقام عليه الحد بموجب الإقرار، لأن إقرار الصبي على نفسه غير مقبول. وينبَّه إلى أن المراد عدم إقامة الحد عليه بموجب الإقرار، أما الأمور المتعلقة بغير الحد فغير مرادة، فمن أقر على نفسه بسرقة مال معيَّن فإنه لا يقام عليه حد السرقة، أما ما يتعلق بالمال الذي أقر بسرقته فمسألة أخرى غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال الموفق ابن قدامة (620 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد، وصحة الإقرار" (¬2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
والشافعية (¬1). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬2). وفي رواية عند أحمد بلفظ: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ. . .) الحديث (¬3)، وعند أبي داود بلفظ: (وعن الصبي حتى يبلغ) (¬4). • وجه الدلالة: دلالة الحديث ظاهرة على أن البلوغ شرط للتكليف، وأن الصبي مرفوع عنه القلم فلا يؤاخذ بالعقوبات الشرعية المتعلقة بحق اللَّه تعالى. الدليل الثاني: أنه إذا سقط التكليف عن الصبي في العبادات، والمآثم في المعاصي، فلأن يسقط عنه الحد بإقراره من باب أولى، لأن الحدود مبناها على الدرء والإسقاط (¬5). الدليل الثالث: أن سبب عقوبة الحد لا بد أن تكون جناية محضة، وفعل الصبي حتى لو ثبت بإقراره فإنه لا يوصف بالجناية المحضة، فلا حد عليه لعدم الجناية منه (¬6). الدليل الرابع: أن أهل العلم أجمعوا على أنه لا يقام على الصبي حد، فقبول إقراره لا فائدة منه (¬7). ¬
[46/ 1] يشترط في إقامة الحد بموجب الإقرار أن يكون المقر عاقلا.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [46/ 1] يشترط في إقامة الحد بموجب الإقرار أن يكون المُقر عاقلًا. • المراد بالمسألة: إذا أقر شخص مجنون على نفسه بأنه ارتكب ما يوجب الحد، فإنه لا يقام عليه الحد بموجب الإقرار، لأن إقرار المجنون على نفسه غير مقبول. • من نقل الإجماع: الموفق ابن قدامة (620 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد، وصحة الإقرار" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬6). وفي رواية عند أحمد بلفظ: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ. . .) الحديث (¬7)، وعند أبي داود بلفظ: (وعن الصبي حتى يبلغ) (¬8). ¬
• وجه الدلالة: دلالة الحديث ظاهرة على أن البلوغ شرط للتكليف، وأن الصبي مرفوع عنه القلم فلا يؤاخذ بالعقوبات الشرعية المتعلقة بحق اللَّه تعالى. الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه -رضي اللَّه عنه- قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال: (ويحك ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويحك، ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه طهرني؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فيم أطهرك)؟ فقال: من الزنا، فسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أبه جنون)؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: (أشرب خمرًا)؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، قال فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أزنيت)؟ فقال: نعم، فأمر به فرجم (¬1). الدليل الثالث: أنه إذا سقط التكليف عن المجنون في العبادات، والمآثم في المعاصي، فلأن يسقط عنه الحد بإقراره من باب أولى، لأن الحدود مبناها على الدرء والإسقاط (¬2). الدليل الرابع: أن الحد عقوبة محضة فتستدعي جناية محضة، وفعل المجنون حتى لو ثبت بإقراره فإنه لا يوصف بالجناية، فلا حد عليه لعدم الجناية منه (¬3). الدليل الخامس: إن أهل العلم أجمعوا على أنه لا يقام على المجنون حد، فقبول إقراره لا فائدة منه (¬4).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[47/ 1] إقرار المكره لا يجب به حد.
[47/ 1] إقرار المُكْرَه لا يجب به حد. • المراد بالمسألة: إذا أُكره شخصٌ على أن يعترف على نفسه بأنه ارتكب ما يوجب الحد، فإن إقراره غير معتبر، ولا يُقام عليه الحد بموجب مجرد الإقرار. والمراد هنا تقرير الإجماع على أن الإكراه من موانع قبول الإقرار، أما ضابط هذا الإكراه فمسألة أخرى غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم من أهل العلم خلافًا في أن إقرار المكره لا يجب به حد" (¬1) ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3). وقال الزركشي (772): "لا يصح إقرار المكره، ولا نزاع في ذلك" (¬4). وقال الشنقيطي (1393 هـ) (¬5): "لا يصح إقرار المكره، فلو أكره الرجل بالضرب أو غيره من أنواع التعذيب ليقر بالزنا فأقر به مكرهًا، لم يلزمه إقراره به، فلا يحد، ولا يثبت عليه الزنا، ولا نعلم من أهل العلم من خالف في هذا" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (¬7)، والظاهرية (¬8). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} (¬1). • وجه الدلالة: أن من تكلم بالكفر مكرهًا فلا يؤاخذ بما قال، ولا يُحد حد الردة، وحُكي الإجماع على ذلك، فمن باب أولى عدم المؤاخذة بالإكراه فيما دون ذلك من الحدود (¬2). ¬
الدليل الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) (¬1). • وجه الدلالة: في الحديث دليل على عدم مؤاخذة العبد بما يتكلم به بموجب الإكراه (¬2). الدليل الثالث: أن الإقرار مع الإكراه فيه شبهة تدرأ بها الحدود (¬3). الدليل الرابع: أن إقرار المكرَه قول أكره عليه بغير حق، فلم يصح منه، كالبيع (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من أقر بالسرقة مكرهًا فإنه يقام عليه الحد بموجب إقراره. وهو قول بعض متأخري الحنفية (¬5). وذهب بعض الفقهاء إلى أن السارق إن أقر مُكرهًا، وكان ثمة قرينة على أنه هو السارق، من تهمة معيَّنة، فإنه يقام عليه الحد، ويُقبل إقراره. وهو مذهب المالكية (¬6). ¬
[48/ 1] يشترط لإقامة الحد بالشهادة عدم التقادم، باستثناء حد القذف.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم في جميع الحدود سوى السرقة؛ لعدم المخالف، أما في حد السرقة فليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض متأخري الحنفية، ومذهب المالكية. ومن حكى الإجماع فلعله أراد ذلك من حيث العموم، واللَّه تعالى أعلم. [48/ 1] يشترط لإقامة الحد بالشهادة عدم التقادم، باستثناء حد القذف. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، كزنى، أو سرقة، أو غيرهما، ثم مضى على جريمته أكثر من شهر، وبعد مضي الشهر شهد عليه الشهود بتلك الجريمة من زنا أو غيره، فإنه لا يُقام عليه الحد بموجب الشهادة، لأن من شرط قبول الشهادة في الحدود ألَّا يكون الفعل قد تقادم، أي صار قديمًا بمدة تزيد على الشهر (¬1). ويستثنى من ذلك حد القذف فإنه لو شُهد على شخص بما يوجب حد القذف ولو بعد مضي شهر فالمسألة غير مرادة. وبهذا يتبيَّن أن الحد إن كان ثبوته بموجب الإقرار فالمسألة غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "عدم التقادم: وأنه شرط في حد الزنا. . . . لما روي عن سيدنا عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته، فإنما شهدوا عن ضغن ولا شهادة لهم" (¬2)، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر، فيكون إجماعًا" (¬3). وقال المرغياني (593 هـ): "فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق" (¬4). ¬
وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): "التقادم في الحدود إلا في حد القذف مانع عن قبول الشهادة بالاتفاق" (¬1). وقال ابن نجيم (970 هـ): "التقادم يمنع من قبول الشهادة بالاتفاق" (¬2). وقال دامان (1078 هـ): "التقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق" (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مناديًا في السوق: أنه لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، قيل: وما الظنين؟ قال: المتهم في دينه" (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى برد شهادة الخصم، والشاهد بعد التقادم فيه تهمة بأنه حملته الخصومة على أداء الشهادة؛ لأن الشاهد إذا عاين الجريمة فهو مخير بين أداء الشهادة وبين الستر على أخيه المسلم، فإذا لم يشهد على فور المعاينة حتى تقادم العهد، كان ذلك دليلًا على اختياره جهة الستر، فإذا شهد بعد ذلك فإن شهادته لا تكون إلا عن ضغينة حملته على أدائها، فترد شهادته للتهمة في احتمال وجود الضغينة (¬5). الدليل الثاني: أنه مروي عن عمر -رضي اللَّه عنه-، ولم يُنكَر عليه، فيكون إجماعًا (¬6). الدليل الثالث: أن الحدود تدرأ بالشبهات، واحتمال الضغينة في الشهادة بالتقادم شبهة تدرأ بها الحدود (¬7). ¬
• المخالفون للإجماع: ذهب جمهور العلماء إلى قبول الشهادة بحد الزنا ولو كانت قديمة. وبه قال زفر من الحنفية (¬1)، وهو الظاهر من مذهب المالكية (¬2). وعليه نص الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • دليل المخالف: الدليل الأول: عموم النصوص الدالة على قبول الشهادة في الحدود، وليس فيها تقييد بقبول الشهادة بزمن معيَّن. الدليل الثاني: أن قبول الشهادة ثبت بدليل شرعي، فلا يمكن إبطاله إلا بدليل شرعي (¬5).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم، بل الخلاف فيها مشهور بين المذاهب الأربعة. وما حكاه الكاساني من الإجماع أراد به الإجماع السكوتي الظني، الذي طريقه حدوث الواقعة دون العلم بالمنكر، وأما حكاية غيره من الأحناف للاتفاق في المسألة فالظاهر أنهم أرادوا به الاتفاق المذهبي، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الثالث: مسائل الإجماع العامة فيما يتعلق بإقامة الحدود
الفصل الثالث: مسائل الإجماع العامة فيما يتعلق بإقامة الحدود [49/ 1] لا يباح كسر العظام في ضرب الحدود. • المراد بالمسألة: إذا وجب الجلد على شخص سواء كان ذلك بموجب حد كزنى غير المحصن، أو شرب خمر، أو قذف، أو بموجب التعزير، فإنه لا يباح أن يُكسر عظمٌ في ذلك الجلد. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "أما كسر العظام: فلا يقول بإباحته في ضرب الحدود أحد من الأمة بلا شك" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: الأول: عن زيد بن أسلم (¬6): "أن رجلًا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدعا له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بسوط، فأُتي بسوط مكسور، فقال: (فوق هذا)، فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال: (بين ¬
هذين)، فأتي بسوط قد لان ورُكِبَ به (¬1)، فأمر به، فجُلد" (¬2). • وجه الدلالة: إذا كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الشديد كيلا يجرح، فمن باب أولى النهي عن ما يكسر العظم (¬3). الدليل الثاني: عن أبي عثمان النهدي (¬4) قال: أُتي عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في حد -ما أدري ما ذلك الحد-، فأُتي بسوط فيه شدة، فقال: أريد ما هو ¬
[50/ 1] لا خلاف في اتقاء الوجه والفرج والمقاتل في حد الجلد.
ألين، فأتي بسوط لين، فقال: أريد أشد من هذا، فأُتي بسوط بين السوطين، فقال: "اضرب ولا يرى إبطك" (¬1). الدليل الثالث: أن المقصود من إقامة الحد بالجلد هو الردع والزجر، لا الانتقام والإتلاف (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [50/ 1] لا خلاف في اتقاء الوجه والفرج والمقاتل في حد الجلد. • المراد بالمسألة: إذا ثبت حد الجلد على شخص، فإن الجلد يكون على الظهر والأكتاف والإليتين، والفخذين، ونحو ذلك، ويُجتنب في الجلد الوجه، والفرج، والمقاتل كالخصي، والذكر، والخواصر، والبطن. ويتبين مما سبق أن الحد إن كان في غير الجلد كالرجم في الزنا، فذلك غير مراد. كما ينبه إلى أن المراد هو تقرير الإجماع على اتقاء المقاتل في حد الجلد، مع اختلاف الفقهاء في ضابط العضو الذي هو من المقاتل (¬3). • من نقل الإجماع: أبو بكر الجصاص (370 هـ): "اتفق الجميع على ترك ضرب الوجه والفرج" (¬4)، وقال أيضًا: "وأما اجتناب الفرج فمتفق عليه" (¬5). ¬
وقال ابن العربي (543 هـ): "ويفرق عليه الضرب في ظهره، وتجتنب مقاتله، ولا خلاف فيه" (¬1). وقال القرطبي (656 هـ): "اتفقوا على أنه لا يضرب في الوجه. . . . فيجب أن تُتَّقَى المقاتل كلُّها، كالدماغ، والقلب، وما أشبه ذلك، وهذا لا يُخْتَلف فيه إن شاء اللَّه تعالى" (¬2). وقال ابن عطية (542 هـ) (¬3): "ويجتنب من المضروب الوجه والفرج والقلب والدماغ والخواصر بإجماع" (¬4) ونقله عنه القرطبي (¬5). وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "اتفقوا على أنه يتقي المهالك كالوجه والبطن والفرج" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع في هذه المسائل الحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) (¬9). • وجه الدلالة: في الحديث دلالة على أنه لا يحل ضرب الوجه، وهو عام ¬
[51/ 1] الجلد في الحدود لا يكون إلا بالسوط، باستثناء حد شرب الخمر.
فيشمل حد الجلد (¬1). الدليل الثاني: عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه أتي برجل سكران، أو في حد، فقال: "اضرب، وأعط كل عضو حقه، واتق الوجه والمذاكير (¬2) " (¬3). الدليل الثالث: أن الوجه هو مجمع المحاسن، وفيه المنافع التي هي ضرورية للإنسان، كالبصر، والشم، والتنفس، والأسنان، واللسان، والضرب في الوجه قد يؤدي إلى تلفها (¬4). الدليل الرابع: أن الغرض من الجلد في الحدود الزجر والردع، لا الإتلاف، وبضرب المقاتل لا يؤمن أن يحدث معه إتلاف، وهو أكثر مما هو مستحق بالفعل (¬5).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [51/ 1] الجلد في الحدود لا يكون إلا بالسوط، باستثناء حد شرب الخمر. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف السوط: السوط مصدر من ساطه يسوطه ¬
سوطًا، أي خلط، فهو سائط، وأصل السين والواو والطاء يدل خَلْطُ الشيء بَعْضِه ببعض. ومنه السُّوَيطاء: وهي مرقة كثر ماؤها وخليطها من بصلها وحمصها وسائر الحبوب. ومنه السويطة: أي المختلطة، يُقال: أموالهم سويطة بينهم، أي مشتركة ومختلطة. ومنه المِسواط: وهي خشبة أو غيرها يحرك بها ما في القدر ليختلط. ومن هذا الباب السوط: وهو ما يُضرب به من العيدان أو الجِلد، وهو مفرد، جمعه أسواط وسياط، وقد يكون مضفورًا، وقد لا يكون كذلك، سمي بذلك لأنه يسوط اللحم بالدم، أي يخلطه، وهذا المعنى هو المراد في المسألة (¬1). وقد ورد ذِكره في القرآن في قوله تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} (¬2)، قيل: أي عذابًا يخالط اللحم والدم، وقيل: أي ألم سوط عذاب، لأن السَّوط كان عندهم نهاية ما يعذب به، ولأنه يقتضي من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره (¬3). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا وجب حد الجلد على شخص سليم، فإن جلده يكون بالسوط الذي يُتخذ من عيدان الشجر، أو من الجِلد، ولا يجوز أن يجلد بغير ذلك كالحديد، أو الخشب، أو النعال، أو الجريد، أو الحبال، ونحو ذلك، ما لم يكن ثمة ضرر يمكن أن يلحقه إذا جُلد بالسوط، أو كان الجلد بموجب حد شرب الخمر. ¬
ومما سبق يتضح ثلاثة أمور: الأول: أن من وجب عليه الحد إن كان مريضًا يضرُّه السوط، فهذا غير مراد. الثاني: أن الحد إن كان موجبه شرب الخمر، فذلك غير مراد، والمراد تقرير الإجماع أن الحدود غير حد الخمر يجب الجلد فيه بالسوط، أما حد الخمر فالضرب فيه هل يجب بالسوط، أو يجوز بغيره هو محل خلاف غير مراد في مسألة الباب. الثالث: إن كان موجب الجلد ليس حدًا، وإنما التعزير، فغير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن الجلد بالسوط يجب" (¬1). وقال الجصاص (370 هـ): "اتفاقهم على أن ضرب الحدود بالسوط" (¬2). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن حد الشرب يقام بالسوط" (¬3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "الضرب بالسوط، ولا نعلم بين أهل العلم خلافًا في هذا في غير حد الخمر. . . . والخلفاء الراشدون ضربوا بالسياط، وكذلك غيرهم، فكان إجماعًا" (¬4). وقال القرطبي (671 هـ): "أجمع العلماء على أن الجلد بالسوط يجب" (¬5). وقال ابن عاشور (1393 هـ) (¬6): "اتفق فقهاء الأمصار على: أن ضرب الجلد بالسوط" (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬1). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن زيد بن أسلم: "أن رجلًا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدعا له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بسوط، فأُتي بسوط مكسور، فقال: (فوق هذا)، فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال: (بين هذين)، فأتي بسوط قد لان ورُكِبَ به، فأمر به، فجُلد" (¬2) • وجه الدلالة: قال ابن عبد البر: "في هذا الحديث من الفقه أن الحدود لا تقام إلا بسوط قد لان" (¬3). الدليل الثاني: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه -رضي اللَّه عنهم- لم يؤثر عن أحد منهم أنه ضرب في الحدود بغير السوط، وكذا الصحابة -رضي اللَّه عنهم- إنما جلدوا بالسوط، فكان منهم إجماعًا (¬4). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة الظاهرية فقالوا بأن الضرب في الحدود لا يشترط أن يكون بالسوط فقط، بل يجوز أن يكون بسوط، أو بحبل، أو كتان، أو صوف، وغير ذلك مما يحصل به المقصود (¬5). • دليل المخالفين: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬6). الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (¬7). ¬
[52/ 1] أدنى أقدار الضرب في الحد أن يؤلم.
الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (¬1). وجه الدلالة من الآيتين والحديث: أن هذه الآيات والأحاديث مطلقة في وصف الجلد، ولم تشترط أن يكون الجلد بالسوط (¬2). الدليل الرابع: أن اللَّه سبحانه وتعالى لو أراد أن يكون الجلد خاصًا بالسوط دون غيره لبينه لنا على لسان نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، بنص صريح، كما بين حضور طائفة من المؤمنين للعذاب (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لثبوت الخلاف عن ابن حزم. ومن حكى الإجماع فمن كان قبل ابن حزم كابن المنذر والجصاص فظاهر أنهم حكوا الإجماع لعدم المخالف لهم، أما من حكاه ممن جاء بعد ابن حزم فإما أنه لم يبلغه الخلاف أو أنه م يعبر قول المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [52/ 1] أدنى أقدار الضرب في الحد أن يؤلم. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الألم: الأَلَم: مصدر من الفعل أَلِمَ يَأْلَمُ أَلَمًا، والمراد به الوجع، والأليم والمؤلم هو ما بلغ غاية الوجع (¬4). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد جلدًا، كزان غير محصن، أو قاذف، وثبت ذلك عليه، وأمر الإمام بجلده، فإن أدنى حد للجلد ¬
[53/ 1] حد الجلد ليس فيه ربط ولا مد.
من حيث القوة هو حصول الألم للمجلود، فإن كان الجلد خفيفًا بحيث لا يجد المجلود ألمًا من الجلد فإنه لا يكون جلدًا شرعيًا. وليس المراد هنا الألم الشديد، وإنما المراد أقل الألم. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) في مقدار حد الجلد: "أدنى أقداره أن يؤلم، فما نقص عن الألم فليس من أقداره، وهذا ما لا خلاف فيه من أحد" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: أن القصد من الحد هو الزجر والردع للمحدود، فإذا لم يحصل الألم للمجلود لم يحصل المقصود من الحد (¬6).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [53/ 1] حد الجلد ليس فيه ربط ولا مد. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب الحد، وكان حده الجلد، كزان غير محصن، أو شارب خمر، أو قاذف، فإن صفة إقامة حد الجلد عليه ألا توثق يداه، ولا يُمد جسده على الأرض أثناء الجلد. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "أنه لا يُمد، ولا يُربط، ¬
ولا نعلم عنهم في هذا خلافًا" (¬1) ونقله عنه ابن قاسم (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، المالكية (¬4)، الشافعية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "لا يحل في هذه الأمة تجريد (¬6)، ولا مد (¬7)، ولا غل (¬8)، ولا صفد (¬9) " (¬10). الدليل الثاني: أن التوثيق والمد عقوبة زائدة لم يرد بها الشرع، وتحتاج إلى دليل، ولم ينقل عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا عن أحد من الخلفاء الراشدين التوثيق والمد أثناء الجلد (¬11).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[54/ 1] ليس لمن أصاب حدا أن يقيمه على نفسه.
[54/ 1] ليس لمن أصاب حدًا أن يقيمه على نفسه. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وأراد أن يُقيم الحد على نفسه بدون إذن الإمام، فإن ذلك لا يجوز، وفاعله عاصٍ للَّه عز وجل. ويتبيَّن مما سبق أمران: الأول: المراد تحقيق الإجماع أن إقامته للحد على نفسه معصية، أما هل يجزئ عنه إن أقام الحد أم لا يجزئ، فمسألة أخرى غير مرادة. الثاني: أنه إن فعل ذلك بإذن الإمام فذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "أما إقامته الحد على نفسه فحرام عليه ذلك بإجماع الأمة كلها، وأنه لا خلاف في أنه ليس لسارق أن يقطع يد نفسه، بل إن فعل ذلك كان عند الأمة كلها عاصيًا للَّه تعالى" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن ابن محيريز (¬6) قال: "الجمعة والحدود والزكاة والفيء إلى السلطان" (¬7). ¬
وأخرج ابن حزم نحوه عن مسلم بن يسار (¬1) عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). • وجه الدلالة: في الأثر أن الحدود إلى السلطان، فمن أقامها دون إذن الإمام، فهو مخالف لما ورَد، وقد حُكي الإجماع على ذلك، كما قال أبو بكر الجصاص: "ثبت باتفاق الجميع أن المأمورين بإقامة هذه الحدود على الأحرار هم الأئمة" (¬3). الدليل الثاني: أن الحد لو كان واجبًا على من ارتكبه بنفس فعله، لما أحل اللَّه الستر لمن ارتكب ذلك، والإجماع قائم على أنه يباح له الستر على نفسه (¬4). الدليل الثالث: أن الذي ارتكب ما يوجب الحد قد لا يكون عالمًا بشروط إقامة الحد، فقد يظن أن عليه حد الزنا مع أنه لا تنطبق عليه الشروط الموجبة لحد الزنا، أو يظنه سرق ما يوجب القطع وتكون سرقته مما لا توجب الحد إما لشبهة فيها، أو لعدم بلوغها النصاب، أو لكونها من غير حرز، أو لغير ذلك، فيوجب على نفسه حدًا لم يوجبه اللَّه تعالى. ¬
[55/ 55] على الإمام إقامة الحد على من وجب عليه، ولو كان الذي وجب عليه الحد والدا للإمام.
الدليل الرابع: لأنه في الجلد قد لا يؤلم نفسه ويوهم الإيلام، فلا يتحقق حصول المقصود (¬1). الدليل الخامس: أن الحد حق للغير يستوفى منه، فلم يجز أن يكون هو مستوفيه (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [55/ 55] على الإمام إقامة الحد على من وجب عليه، ولو كان الذي وجب عليه الحد والدًا للإمام. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وثبت ذلك عند الإمام، وكان من وجب عليه الحد والدًا للإمام، فإن على الإمام أن يقيم حد السرقة -سواء بنفسه أو نائبه-، ولو كان من وجب عليه الحد والدًا له. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا يختلف الناس في أن إمامًا له والد قدم إليه في قذف، أو في سرقة، أو في زنى، أو في قود، فإن فرضًا على الولد إقامة الحد على والده في كل ذلك" (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عموم النصوص التي أوجبت إقامة الحدود، ومنها: قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬4). {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} (¬5). ¬
• وجه الدلالة: الآياتان عامة في وجوب إقامة الحد، ولم تستثنيا من ذلك ما إذا كان من وجب عليه الحد أبًا للإمام. الدليل الثاني: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أراد أسامة بن زيد أن يشفع في حد وجب على امرأة مخزومية، فغضب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) (¬1). • وجه الدلالة: الحديث يدل على أن الإمام يقيم الحد على والده من جهتين: الأولى: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بإقامة الحدود على الشريف والوضيع، فليس ثمة فرق بين أن يكون والدًا للإمام، أو أجنبيًا عنه. الثانية: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر أن ابنته فاطمة لو سرقت لأقيم عليها الحد، فكذا الوالد، ولا فرق. الدليل الثالث: عموم النصوص الواردة في تحريم الشفاعة في الحدود، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (تعافوا الحدود قبل أن تأتوني به، فما أتاني من حد فقد وجب) (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر بأن الحد إذا بلغ الإمام وجبت إقامته، وهي عامة سواء كان من وجب عليه الحد والدًا للإمام أو لا (¬3). الدليل الرابع: إن إسقاط الحد عن والد الإمام طريق للفساد، حيث أنه ليس عليهم حد يردعهم. ¬
[56/ 56] إقامة الحدود على الأحرار للإمام دون غيره.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [56/ 56] إقامة الحدود على الأحرار للإمام دون غيره. • المراد بالمسألة: إذا ثبت الحد على شخص حر، فإن الذي يقيم الحد عليه هو الإمام، أو نائبه، وليس لآحاد الرعية أن يقيم الحد عليه. ويتبين مما سبق أن من وجب عليه الحد إن كان رقيقًا، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "أما من يقيم هذا الحد -يعني المسكر- فاتفقوا على أن الإمام يقيمه، وكذلك الأمر في سائر الحدود" (¬1). وقال ابن العربي (543 هـ): "لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر بالجلد (¬2) الإمام، ومن ناب عنه" (¬3). وقال الرازي (606 هـ): "أجمعت الأمة على أنه ليس لآحاد الرعية إقامة الحدود على الجناة، بل أجمعوا على أنه لا يجوز إقامة الحدود على الأحرار الجناة إلا الإمام" (¬4). وقال القرطبي (671 هـ): "لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر الإمام، ومن ناب منابه" (¬5). وقال ابن عادل (880 هـ) (¬6): "وأجمعت الأمة ¬
[57/ 1] ليس للسيد إقامة الحد على الرقيق.
على أنه ليس لآحاد الرعية إقامة الحدود على الأحرار الجناة إلا الإمام" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أنه لم يقم حد على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا بإذنه، ولا في أيام الخلفاء من بعده إلا بإذنهم (¬3). الدليل الثاني: لأن الحد حق للَّه تعالى يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن فيه الحيف، فلم يجز بغير إذن الإمام (¬4). الدليل الثالث: أن إقامة الحدود تحتاج إلى قوة وسلطة، فلو تولاها غير الإمام لوقع من النزاع ما لا يحصى، إذ لا يرضى أحد بإقامة الحد عليه (¬5).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [57/ 1] ليس للسيد إقامة الحد على الرقيق. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص مملوك ما يوجب الحد، فإنه ليس لسيده أن يقيم عليه الحد دون إذن الإمام. ويتبيَّن مما سبق أن الإمام لو أمر بإقامة الحد، وأوكل ذلك للسيد، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الطحاوي (321 هـ) في تقرير أنه ليس للسيد إقامة الحد على مملوكه: "عن مسلم بن يسار عن أبي عبد اللَّه -رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة، إلى السلطان"، ¬
ولا نعلم عن أحد من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- خلافه" (¬1) ونقله عنه ابن حجر (¬2). وقال أبو بكر الجصاص (370 هـ) بعد أن ذكر أقوالًا للسلف في أن إقامة الحدود للسلطان وليست للسيد على مملوكه، ثم قال: "فهؤلاء قد روي عنهم ذلك، ولا نعلم عن أحد من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- خلافه" (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن ابن محيريز قال: "الجمعة، والحدود، والزكاة، والفيء إلى السلطان" (¬4). وأخرج ابن حزم نحوه عن مسلم بن يسار عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬5). الدليل الثاني: عموم الأدلة الدالة على أن إقامة الحدود للإمام، وهي لم تفرِّق بين الأحرار والعبيد (¬6). الدليل الثالث: أن السيد متهم في إقامة الحد على مملوكه، لأن إقامة الحد على المملوك ينقص من قيمته، فقد لا يقيم السيد الحد على مملوكه خوفًا من نقصان قيمته، وذلك يفضي إلى تعطيل الحد عن المملوك (¬7). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن للسيد إقامة جميع الحدود على مملوكه. وهو قول الشافعية (¬8)، ورواية عند الحنابلة (¬9)، ¬
وبه قال ابن حزم (¬1). وذهب آخرون إلى أن للإمام أن يقيم حد الجلد على رقيقه، دون غيره من الحدود، فللسيد إقامة حد الزنا على غير المحصن، وحد القذف، وحد شرب الخمر، أما القطع، والقتل بالردة فلا. وهو مذهب المالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وبه قال الليث (¬4) (¬5). إلا أن الحنابلة استثنوا في ذلك الأمة المزوجة، فليس للسيد إقامة الحد عليها (¬6). وقد ذكر ابن بطال أن القول بجواز إقامة السيد الحد على رقيقه لا مخالف فيه من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، حيث قال: "وروي عن ابن عمر، وابن مسعود، وأنس، وغيرهم، أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم، ولا مخالف لهم من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬7). وكذا قال ابن عبد البر: "وروي عن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم منهم ابن عمر، وابن مسعود، وأنس، ولا مخالف لهم من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬8). وقال ابن رشد الحفيد: "ولأنه أيضًا مروي عن جماعة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، ولا مخالف لهم" (¬9). ¬
ونسب ابن قدامة القول بجواز أن يقيم السيد حد الجلد على مملوكه لأكثر أهل العلم، فقال: "للسيد إقامة الحد بالجلد على رقيقه القن، في قول أكثر العلماء" (¬1). • دليل المخالف: استدل القائلون بأن للإمام أن يقيم الحد على مملوكه بما يلي: الدليل الأول: عن أبي عبد الرحمن (¬2) قال: خطب علي -رضي اللَّه عنه- فقال: "يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: (أحسنت، اتركها حتى تماثل) (¬3) (¬4). الدليل الثاني: عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي اللَّه عنهما: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: (إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير) متفق عليه (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجه الخطاب لمالكي الأرقاء بأن يجلد كل أمته إن زنت، وهو يدل على أن للسيد إقامة ذلك على مملوكه (¬6). ¬
الدليل الثالث: أنه فعل الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، ومن ذلك: أن ابن عمر قطع يد غلام له سرق (¬1)، وجلد أمة له (¬2). عن فاطمة رضي اللَّه عنها أنها حدت جارية لها (¬3). وعن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قطعت يد غلام لها سرق (¬4). وعن حفصة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنها قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها، فأمرت بها فقتلت (¬5).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم. وإن كان الطحاوي والجصاص إنما نفيا الخلاف عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وهذا غير صواب أيضًا، فإنها ليست محل إجماع بين الصحابة رضوان اللَّه تعالى ¬
[58/ 1] للسيد إقامة الحد على مملوكه.
عليهم، ولذا تعقب ابن حزم ما ذكره الطحاوي بأنه ثمة اثنا عشر من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أقاموا الحدود على أرقائهم (¬1). وذكر ابن عبد البر وابن بطال أن الذي لا خلاف فيه بين الصحابة -رضي اللَّه عنهم- هو أنه يباح للسيد إقامة الحد على مملوكه. فالحاصل أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم، كما قال ابن عبد البر: "اختلف العلماء في إقامة السادة الحدود على عبيدهم" (¬2). [58/ 1] للسيد إقامة الحد على مملوكه. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب المملوك ذكرًا كان أو أنثى، ما يوجب الحد، فإن للسيد أن يقيم الحد على مملوكه. ويتحصل مما سبق أن إقامة الحد على غير مملوكه غير مراد. وكذا يُستثنى من ذلك إقامة الحد على الأمة المزوجة (¬3). • من نقل الإجماع: قال ابن بطال (449 هـ): "وروي عن ابن عمر، وابن مسعود، وأنس، وغيرهم، أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم، ولا مخالف لهم من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬4). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وروي عن جماعة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أنهم أقاموا الحدود على ما ملكت أيمانهم، منهم ابن عمر، وابن مسعود، وأنس، ولا مخالف لهم من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬5). وقال القرطبي (671 هـ): "وروي عن جماعة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم منهم ابن عمر وأنس، ولا مخالف لهم من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬6). ¬
[59/ 1] ليس للسيد إقامة الحد على أمته المزوجة.
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع، والمخالف للإجماع، ودليل المخالف: سبق بيان مستند الإجماع، والمخالف، مع دليل المخالف في المسألة السابقة، فأدلة المخالفين في المسألة السابقة هي مستند الإجماع في هذه المسألة، ومن حكى الإجماع في المسألة السابقة هم المخالفون في هذه المسألة. • والحاصل في نتيجة المسألة: أن المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية. ومن حكى الإجماع فإنما أراد الإجماع السكوتي عن الصحابة، واللَّه تعالى أعلم. [59/ 1] ليس للسيد إقامة الحد على أمته المزوجة. • المراد بالمسألة: إذا ارتكبت أمة مملوكة ما يوجب الحد، وكانت تلك الأمة متزوجة، فإنه ليس لسيدها أن يقيم عليه الحد دون إذن الإمام. ويتبيَّن مما سبق أن الإمام لو أمر بإقامة الحد، وأوكل ذلك للسيد، فذلك غير مراد في مسألة الباب. وكذا لو كانت الأمة غير متزوجة فمسألة أخرى سبق بيانها. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ) مستدلًا للمنع من إقامة السيد الحد على أمته المزوجة: "روي عن ابن عمر أنه قال: "إذا كانت الأمة ذات زوج رفعت إلى السلطان، وإن لم يكن لها زوج جلدها سيدها نصف ما على ¬
المحصن"، ولم نعرف له مخالفًا في عصره، فكان إجماعًا" (¬1) وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). وقال البهوتي (1051 هـ) في حد الجلد: "لا يُقيمه سيد على أمة مزوجة؛ لقول ابن عمر: "إذا كانت الأمة مزوجة رفعت إلى السلطان، فإن لم يكن لها زوج جلدها سيدها نصف ما على المحصن"، ولا يعرف له مخالف من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬3)، وبمثله قال الرحيباني (1243 هـ) (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قول ابن عمر -رضي اللَّه عنه-: "الأمة إذا كانت ليست بذات زوج فزنت جلدت نصف ما على المحصنات من العذاب، يجلدها سيدها، فإن كانت من ذوات الأزواج رفع أمرها إلى السلطان" (¬6). • وجه الدلالة: أن عدم جلد الأمة المزوَّجة قول ابن عمر -رضي اللَّه عنه-، ولا يُعرف له مخالف من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-. • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن للسيد أن يقيم الحد على مملوكته، ولو كانت متزوجة. ¬
وهو مذهب المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، ورواية عند الحنابلة (¬3)، وهو ظاهر قول بن حزم (¬4). إلا أن المالكية يخصونه بحد الجلد، وغيرهم عمموه في جميع الحدود. • دليل المخالف: استدل من أجاز إقامة السيد الحد على مملوكته المزوجة بعموم الأدلة التي سبق ذكرها في جواز إقامة السيد الحد على مملوكته، وهي عامة لم تفرق بين الأمة المتزوجة وغيرها (¬5).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن المالكية، والشافعية، والحنابلة في رواية. وما ذكره ابن قدامة وغيره من الإجماع إنما هو من قبيل الإجماع السكوتي من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- الذي لا يُعرف له مخالف، وهو ظني ليس بقطعي، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الباب الثاني: مسائل الإجماع في حد الزنا
الباب الثاني: مسائل الإجماع في حد الزنا وفيه تمهيد وستة فصول: التمهيد: وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف الزنا لغة واصطلاحًا. المبحث الثاني: عقوبة الزان. . الفصل الأول: مسائل الإجماع في حقيقة الزنا وحكمه وسبب الحد فيه. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في شروط حد الزنا. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في إثبات حد الزنا. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في عقوبة الزنا. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في إقامة حد الزنا. الفصل السادس: مسائل الإجماع في الجرائم الملحقة بالزنا (اللواط، إتيان البهيمة. . . وغيرها).
التمهيد
التمهيد المبحث الأول: تعريف الزنا لغة واصطلاحًا • أولًا: تعريف الزنا لغة: الزنا مصدر من زَنَى يَزْني زِنًا وزِناءً، ويطلق في اللغة على عدة معان: الأول: بمعنى الفجور والبغاء، وهو إتيان المرأة من غير عقد شرعي، يقال للذكر زانٍ، من: زانَى مُزاناةً وزِناءً، ويقال للمرأة زانية، من: تزاني مزاناة وزناءً، والجمع: زُناة. والزنا بهذا المعنى يُمد في لغة أهل نجد، فتكتب "زنا"، والنسبة إليه زِنائي، ويُقصر في لغة أهل الحجاز فتكتب "زنى"، والنسبة إليه زنوي. الثاني: الصعود، يقال: زنا في الجبل إذا صعد. الثالث: الضيق، يقال: زنا عليه إذا ضيق عليه، ووعاء زَنِي: أي ضيق (¬1). • ثانيًا: الزنا في الاصطلاح: اختلف الفقهاء في ضابط الزنا الموجب للحد على أقوال، وذلك لاختلافهم في الشروط المتعلقة به، فمن ذلك: عند الحنفية: "وطء الرجل المرأة في القبل في غير الملك، وشبهة الملك" (¬2). وعند المالكية: "وطء مكلف مسلم، فرج آدمي، لا ملك له فيه، باتفاقٍ عمدًا" (¬3). وعند الشافعية: "إيلاج الذكر بفرج محرَّم لعينه خال عن الشبهة مشتهى" (¬4). ¬
وعند الحنابلة: "فعل الفاحشة في قُبُلٍ أو دبر" (¬1). وعند ابن حزم الظاهري: "هو من وطئ من لا يحل له النظر إلى مجرَّدها (¬2)، وهو عالم بالتحريم" (¬3). ومن خلال ما سبق من التعريفات يظهر أن ثمة أمور متفق عليها في اعتبار الفعل زنا منها: إتيان الرجل للمرأة في القبل، وأن يكون إتيانه لها في غير عقد نكاح أو ملك، ولا يكون له شبهة في ذلك، وأن يكون عالمًا بالتحريم، غير مكره، وثمة أمور أخرى هي محل خلاف منها: اعتبار إتيان دبر المرأة أو دبر رجل آخر من الزنا كما هو في تعريف المالكية والحنابلة، بخلاف الحنفية والشافعية فخصوه بفرج المرأة. ¬
المبحث الثاني: عقوبة الزنا
المبحث الثاني: عقوبة الزنا كان حد الزاني في صدر الإسلام الحبس في حق الثيب حتى الموت، والأذى بالكلام من التقريع والتوبيخ في حق البكر، وقيل: الحبس هو في حق النساء، والأذى في حق الرجال، وقيل: الحبس في حكم الزنا، والأذى في حكم اللواط (¬1)، ودليل ذلك قول اللَّه تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)} [النساء: 15, 16] (¬2). ثم نُسخ ذلك الحكم برجم المحصن وجلد البكر، وأجمع أهل العلم على ذلك (¬3)، وإنما اختلفوا في طريق نسخه، فقيل بأنه نُسخ بالسنة فيما رواه عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬4). وقيل: نسخُ ذلك كان بالقرآن، أما في حق المحصن فكان نسخ حكمه بآية الرجم التي نُسخ رسمها وبقي حكمها، وهي: "والشيخ والشيخة إذا زنيا ¬
فارجموهما البته"، وأما البكر فكان نسخه بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} [النور: 2] (¬1). وبعد هذا العرض يمكن بيان عقوبة الزنا على قسمين: القسم الأول: أن يكون الزاني محصنًا، فهذا عقوبته الرجم بالحجارة حتى يموت، ويدل على ذلك ما يلي: الدليل الأول: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي -رضي اللَّه عنه- أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قومه فقال: (أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا)، فقالوا: ما نعلمه إلا وفيّ العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضًا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرُجم، قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال: (إِمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث" (¬2). الدليل الثاني: عن عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه-: أن امرأة من جهينة أتت نبي اللَّه ¬
-صلى اللَّه عليه وسلم- وهي حبلى من الزنا فقالت يا نبي اللَّه أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وليها فقال (أحسن إليها فإذا وضعت فائتني بها)، ففعل، فأمر بها نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها، فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر -رضي اللَّه عنه-: تصلي عليها يا نبي اللَّه وقد زنت؟ فقال: (لقد ثابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها للَّه تعالى) (¬1). الدليل الثالث: عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت" متفق عليه (¬2). الدليل الرابع: عن البراء بن عازب -رضي اللَّه عنه- (¬3) قال: مُرّ على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيهودي ¬
محمَّمًا (¬1) مجلودًا، فدعاهم -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ )، قالوا: نعم، فدعا رجلًا من علمائهم، فقال: (أنشدك باللَّه الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ ) قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه) فأمر به فرُجم. . . الحديث (¬2). الدليل الخامس: إجماع أهل العلم على أن الزاني المُحصن حدُّه الرجم وممن حكى الإجماع عليه ابن المنذر (¬3)، وابن بطال (¬4)، والماوردي (¬5)، وابن حزم (¬6)، وابن عبد البر (¬7)، والمرغيناني (¬8) (¬9)، والقاضي عياض (¬10)، وابن ¬
رشد الحفيد (¬1)، وابن قدامة (¬2)، والنووي (¬3)، وابن الهمام (¬4)، وشمس الدين ابن قدامة (¬5)، وابن تيمية (¬6)، وغيرهم (¬7). القسم الثاني: أن يكون الزاني غير محصن، فهذا عليه عقوبتان: العقوبة الأولى: جلد مائة: وهذه العقوبة محل إجماع بين أهل العلم كما حكاه ابن بطال (¬8)، وابن حزم (¬9)، وابن عبد البر (¬10)، وابن رشد الحفيد (¬11)، والنووي (¬12)، وابن حجر (¬13)، وغيرهم (¬14). العقوبة الثانية: التغريب لمدة عام: وقد اختلف الفقهاء في هذه العقوبة على أقوال ثلاثة أذكرها على سبيل الإجمال: القول الأول: النفي ليس عقوبة على الزاني غير المحصن، وإنما هو من باب السياسة الشرعية للإمام أن ينفيه وله ألا ينفيه، وهو مذهب الحنفية (¬15). القول الثاني: أن النفي عقوبة على الزاني غير المحصن الذكر، أما الأنثى ¬
فلا تغريب عليها، وهو مذهب المالكية (¬1). القول الثالث: النفي عقوبة على الزاني المحصن ذكرًا كان أو أنثى، وهو مذهب الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم (¬4). وسيأتي بيان الأقوال في المسألة والأدلة مفصلّة ضمن مسائل هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى (¬5). ولإتمام هذه المسألة أختم بضابط الإحصان في حد الزنا: المحصن في حد الزنا هو من اجتمعت فيه الشروط التالية: الأول: أن يكون بالغًا، فمن وطء وهو غير بالغ، فإنه لا يكون محصنًا، وهذا الشرط محل إجماع بين أهل العلم، كما حكاه ابن عبد البر (¬6)، والكاساني (¬7)، وغيرهما (¬8). الثاني: أن يكون عاقلًا، فمن وطء وهو مجنون، فلا يكون محصنًا، وهذا الشرط محل إجماع بين أهل العلم، كما حكاه ابن عبد البر (¬9)، والكاساني (¬10)، وغيرهما (¬11). ¬
الثالث: أن يكون حرًا، فالرقيق لا يكون محصنًا، ولا يُقام عليه حد الرجم. وهذا الشرط عليه الجمهور من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4) (¬5). الرابع: أن يطأ في نكاح صحيح، فإن وطء بغير نكاح كزنا، أو ملك يمين، أو وطئ امرأة يظنها زوجته فبانت بخلافه، فلا يكون محصنًا، وهذا محل إجماع بين أهل العلم وسيأتي بيانه (¬6). وكذا لو عقد على امرأة لكنه لم يطأها فإنه لا يكون محصنًا؛ لعدم حصول الوطء منه، وهذا محل إجماع بين أهل العلم وسيأتي بيانه (¬7). وكذا لو وطء في نكاح لكنه نكاح فاسد، كنكاح المتعة، فلا يكون صاحبه محصنًا، وهذا قول الجمهور من الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، ¬
والحنابلة (¬1) (¬2). الخامس: أن يكون الوطء في القبل، فإن وطء في غير القُبل كالدبر، أو الفم، أو بين الفخذين، ونحوه فلا يكون محصنًا (¬3). السادس: أن يكون مسلمًا، فالكافر كالذمي ونحوه لا يكون محصنًا، ولا يُقام عليه حد الرجم، وهذا الشرط محل خلاف بين أهل العلم على قولين أذكرهما على سبيل الإجمال: القول الأول: الإسلام ليس شرطًا في الإحصان، فإذا وطئ الذمي البالغ العاقل امرأته في نكاح صحيح، ثم زنى، فإنه يُقام عليه حد الرجم. وهو قول الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). القول الثاني: الإسلام شرط للإحصان، فلا يقام حد الرجم على الذمي لو زنى، لعدم إحصانه. وهو قول الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7). وسيأتي بيان المسألة بأدلتها مفصلة في مسألة مستقلة (¬8). السابع: أن تتوفر في كليهما شروط الإحصان، فلو وطئ العاقل امرأته الصغيرة في نكاح صحيح لم يكن محصنًا، وقد اختلف أهل العلم في هذا ¬
الشرط على قولين: القول الأول: لا يشترط توفر شروط الإحصان في الزوجين. وهو قول المالكية (¬1)، والشافعية في الصحيح (¬2)، ووجه عند الحنابلة (¬3). وعللوا ذلك بأنه حر مكلف وطئ في نكاح صحيح، فلم يؤثر نقص الموطوءة (¬4). القول الثاني: يشترط توفر شروط الإحصان في الزوجين. وهو قول الحنفية (¬5)، والحنابلة (¬6). وعللوا ذلك بأنه وطء لم يُحصن أحد الزوجين فلا يُحصن الآخر، قياسًا على التسري (¬7). ولأن من شرط الإحصان الوطء، والوطء هنا غير كامل، لعدم توفر الشرط في الزوج الآخر (¬8). وبناء على ما سبق من الشرط السابع والثامن فإن من تزوج بامرأة كتابية ووطئها في نكاح صحيح وهما حران عاقلان بالغان، فإحصانهما على ثلاثة أقوال: القول الأول: يكون الزوجان محصنين، الرجل المسلم والمرأة الكتابية، ¬
وهو قول الشافعية والحنابلة, لأنهم لا يشترطون الإسلام في الإحصان. القول الثاني: يكون الزوج محصنًا، والمرأة غير محصنة، وهو قول المالكية, لأنهم يشترطون الإسلام في الإحصان، والمرأة كتابية فلا تكون محصنة، ولا يشترطون توفر شروط الإحصان في الطرفين فعلى ذلك يكون الرجل محصنًا. القول الثالث: لا يكون أحد من الزوجين محصنًا, لأن من شرط الإحصان الإسلام، والمرأة كتابية غير مسلمة، ومن شرطه أيضًا توفر الشروط في كلا الزوجين، والمرأة هنا لم تتوفر فيها جميع الشروط، فلا يكون الزوج محصنًا.
الفصل الأول: مسائل الإجماع في حقيقة الزنا وحكمه وسبب الحد فيه
الفصل الأول: مسائل الإجماع في حقيقة الزنا وحكمه وسبب الحد فيه [60/ 2] الزنا حرام، وهو من الكبائر. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الكبائر: أجمع أهل السنة على أن المعاصي كبائر وصغائر، وهذا القول حكاه ابن القيم إجماعًا للصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم والتابعين بعدهم والأئمة (¬1)، وحكاه في موضع آخر إجماعًا للسلف (¬2). ¬
والأدلة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر كثيرة منها: أ - قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)} (¬1). ب - قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} (¬2). ج - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن، إذا اجتنب الكبائر) (¬3). إذا تبيَّن ذلك فقد اختلف أهل العلم في ضابط الكبيرة على أقوال كثيرة، ذكر منها ابن القيم ثلاثة عشر قولًا (¬4)، وأكثر تلك الأقوال لا تخلو من اعتراض، ولذا قال العز بن عبد السلام (¬5): "لم أقف لأحد من العلماء على ضابط" (¬6)، أي ضابط سالم من الاعتراض. ¬
والذي يظهر أن أجود التعاريف في ضابط الكبيرة هو: كل ذنب فيه حد في الدنيا، أو نفي إيمان، أو فيه وعيد خاص في الآخرة كلعنة أو غضب أو نار. وهذا الضابط ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره أنه هو المأثور عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه-، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد (¬1). واختاره القرطبي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والذهبي، وجماعة (¬2). • ثانيًا: صورة المسألة: مما استقرت عليه نصوص الشريعة تحريم الزنا، وأنه من كبائر الذنوب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على تحريم الزنا" (¬3). وقال ابن بطال (449 هـ): "أجمعت الأمة أن الزنا من الكبائر" (¬4). وقال الماوردي (450 هـ): "والذي لا يعلم تحريم الزنا -مع النص الظاهر فيه، وإجماع الخاصة والعامة عليه- أحد ثلاثة: إما مجنون أفاق بعد بلوغه فزنا لوقته، أو حديث عهد بإسلام لم يعلم أحكامه، أو قادم من بادية لم يظهر فيها تحريمه" (¬5). وقال ابن قدامة (620 هـ): "من اعتقد حل شيء أُجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين، وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه، كلحم الخنزير، والزنا، وأشباه هذا، مما لا خلاف فيه، كُفِّر" (¬6). ¬
وقال أبو البركات ابن تيمية (652 هـ) (¬1): "من جحد وجوب عبادة من الخمس، أو تحريم الزنا، أو الخمر، أو حل اللحم، والخبز، ونحوه من الأحكام الظاهرة المجمع عليها؛ لجهل، عُرِّف ذلك، وإن كان مثله لا يجهله كفر" (¬2). وقال القرطبي (671 هـ): "الزنا من الكبائر، ولا خلاف فيه" (¬3). وقال النووي (676 هـ): "من جحد مجمعًا عليه، فيه نص، وهو من أمور الإسلام الظاهرة، التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة، أو الزكاة، أو الحج، أو تحريم الخمر، أو الزنا، ونحو ذلك فهو كافر" (¬4). وقال القرافي (684 هـ): "وأصل تحريمه الكتاب والسنة والإجماع" (¬5). وقال الفاكهاني (734 هـ) (¬6) "لا خلاف بين الأئمة أن الزنا مُحرَّم، ومن أكبر الكبائر" (¬7). وقال ابن رجب (795 هـ) (¬8): . . . ¬
"الزنا المجمع على تحريمه" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "الزنا حرام في جميع الأديان، والملل لا تختلف في هذه المسألة" (¬2). وقال زكريا الأنصاري (926 هـ) (¬3): "وأجمع أهل الملل على تحريمه" (¬4). وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ): "أجمعت الملل على عظيم تحريمه" (¬5). وقال الرملي (1004 هـ) (¬6): "أجمع على تحريمه سائر الملل" (¬7). وقال المناوي (1031 هـ) (¬8): "فالزنا كبيرة إجماعًا وبعضه. . . ¬
أفحش من بعض" (¬1). وقال البهوتي (1051 هـ): "وهو من أكبر الكبائر وأجمعوا على تحريمه" (¬2). وقال الخرشي (1102 هـ) (¬3): "وهو مُحرَّم كتابًا وسنةً وإجماعًا، وجاحد حرمته كافر" (¬4) (¬5). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "وهو حرام، بالكتاب والسنة والإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الظاهرية (¬7). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عدة أدلة من القرآن والسنة النبوية، ومنها: أولًا من القرآن الكريم: الدليل الأول: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نهى عن الاقتراب من الزنا، وهذا يدل على تحريم ارتكابه من باب أولى، ثم وصفه تعالى بأنه فاحشة، والفاحشة أقبح المعاصي، قال القرطبي: "قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] (¬2) أبلغ من أن يقول: ولا تزنوا، فإن معناه لا تدنوا من الزنا" (¬3). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه توعد من فعل الزنا بالإثم ومضاعفة العذاب له يوم القيامة، وقد قرنه جل وعلا بالشرك وقتل النفس وهذا يدل على تحريمه. الدليل الثالث: قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى رتب الحد على فعل الزنا, ولا يكون ذلك إلا على كبيرة. ثانيًا: من السنة النبوية: الدليل الأول: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قلت: يا رسول اللَّه أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل للَّه ندًا وهو خلقك)، قلت: ثم أي؟ قال: (أن نقتل ولدك من أجل أن يطعم معك)، قلت: ثم أي؟ ¬
[61/ 2] الزنا أعظم من أن يكفر.
قال: (أن تزاني حليلة جارك) متفق عليه (¬1). الدليل الثاني: عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه (¬2). الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ثلاثة لا يكلمهم اللَّه يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل (¬3) مستكبر) (¬4). الدليل الرابع: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: يا رسول اللَّه وما هن؟ قال: (الشرك باللَّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المومنات الغافلات) متفق عليه (¬5). والأدلة في ذلك كثيرة يطول استقصاؤها، وفيما ذُكر كفاية في تحصيل المقصود، واللَّه أعلم.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، بل إن تحريمه مما اتفقت عليه جميع الملل السابقة. [61/ 2] الزنا أعظم من أن يكفَّر. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص فاحشة الزنا، فإن كفارة إثم ما فعله ¬
يكون بالتوبة أو إقامة الحد عليه، ولا توجد في الشريعة كفارة محدّدة من صيام أو إطعام أو عتق أو غير ذلك، تُزيل عنه إثم الزنا، كما هو الحال في كفارة اليمين، والظهار، والجماع في نهار رمضان. ويتبيَّن من ذلك أن المراد هو: أنه ليس ثمة كفارة محدَّدة من قبل الشرع على معصية الزنا، أما مسألة كون الحسنات يُذهبن السيئات، وأن مطلق الأعمال الصالحة تُكفِّر الذنب، فهذه مسألة أخرى غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "اتفقوا كلهم على أن الزنا أعظم من أن يُكفَّر" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب على الزاني إقامة الحد عليه، ولم يذكر في ذلك كفارة تُسقط عنه إثم المعصية. الدليل الثاني: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه-: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (قل) قال: إن ابني ¬
[62/ 2] من وطئ امرأة من قبلها ولا شبهة له في وطئها فهو زان يجب عليه الحد.
كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت" متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: أن الأعرابي دفع كفارة عن ابنه مائة شاة ووليدة، فأبطل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك، وحكَم أنه لا كفارة لما فعل من الزنا، وإنما عليه الحد بالجلد والتغريب -لكونه بكرًا، وعلى المرأة المحصنة الرجم (¬2). الدليل الثالث: عموم النصوص الشرعية الموجبة لحد الزنا، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجم ماعزًا والغامدية (¬3)، والجهنية (¬4) -رضي اللَّه عنهم-، واليهودي (¬5)، ولم يُنقل أنه دلَّ أحدًا منهم على كفارة عن فعلهم.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم، لعدم المخالف واللَّه تعالى أعلم. [62/ 2] من وطئ امرأة من قبلها ولا شبهة له في وطئها فهو زان يجب عليه الحد. • المراد بالمسألة: إذا وطئ الرجل امرأة ليست امرأته ولا ملك يمينه، وكان وطؤه لها في قبلها, ولا شبهة له في ذلك، فإنه يُطبق عليه حد الزاني بالرجم إن كان محصنًا، والجلد إن كان غير محصن. ¬
ويظهر مما سبق أنه إن وطئ رجلًا، أو امرأة في دبرها، أو كان له شبهة كأن ظنها زوجته، فكل ذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "الزنا فهو كل وطئ، وقع على غير نكاح صحيح، ولا شبهة نكاح، ولا ملك يمين، وهذا متفق عليه بالجملة من علماء الإسلام" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا خلاف بين أهل العلم في أن من وطئ امرأة من قبلها حرامًا، ولا شبهة له في وطئها، أنه زانٍ، يجب عليه حد الزنا إذا كملت شروطه" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3) (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: جاء الأسلمي إلى نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فشهد على نفسه أنه أصاب امرأةً حرامًا أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأقبل في الخامسة، فقال: (أنكتها؟ ) قال: نعم، قال: (حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ ) قال: نعم، قال: (كما يغيب المرود (¬6) في المكحلة، والرشاء في البئر؟ ) قال: نعم، قال: (فهل تدري ما الزنا؟ ) قال: نعم، أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من امرأته حلالًا" (¬7). ¬
[63/ 2] من زنى بامرأة ثم تزوجها أقيم عليه الحد.
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: "لما أتى ماعز بن مالك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت)، قال: لا يا رسول اللَّه، قال: (أنكتها)، لا يكني، قال فعند ذلك أمر برجمه" متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استفسر من ماعز -رضي اللَّه عنه- عن حقيقة الزنا، وأنه قد وقع منه صريح الجماع، بتغييب الحشفة في قبل المرأة، فلما تقرر له ذلك أُقيم عليه الحد، وهو يدل على أن وطء المرأة في قبلها وبلا شبهة، يعتبر زنا يوجب الحد. الدليل الثالث: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬2). • وجه الدلالة: أن الثيابة تحصل بالوطء في القبل، فدل على أن وطء المرأة في قبلها بلا شبهة، زنا يوجب الحد (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [63/ 2] من زنى بامرأة ثم تزوجها أُقيم عليه الحد. • المراد بالمسألة: إذا زنى شخص بامرأة حُرَّة، وكان زناه موجب لإقامة الحد عليه لتوفر الشروط، ثم تزوج بالمرأة التي زنى بها، فإن زواجه بها لا يُسقط عنه الحد. ويتبيَّن مما سبق أنه لو زنى بأمة ثم تزوجها فمسألة أخرى غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن نجيم (970 هـ): "لو زنى بحرة ثم نكحها ¬
[64/ 2] إن زفت إليه غير زوجته وقيل: هذه زوجتك فوطئها يعتقدها زوجته فلا حد عليه.
لا يسقط الحد بالاتفاق" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "لو زنى بحرة ثم نكحها لا يسقط الحد بالاتفاق" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن الزاني حين فِعله للزنا لم تكن له شبهة تدفع عنه الحد، فإنه زنى بامرأة أجنبية عنه، وإباحة الفرج بعد وجوب الحد لا يُسقط الحد (¬7).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [64/ 2] إن زفت إليه غير زوجته وقيل: هذه زوجتك فوطئها يعتقدها زوجته فلا حد عليه. • المراد بالمسألة: لو زفت امرأة إلى رجل وقالوا له: هذه زوجتك التي عقدتَ عليها، فوطئها بناءً على قولهم أنها زوجته، فتبيَّن أنها ليست كذلك، فإنه لا يُحد حد الزنا. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا يختلف اثنان من الأمة أن من دُست إليه غير امرأته فوطئها، وهو لا يدري من هي، يظن أنها زوجته، فلا حد عليه" (¬8). وقال ابن قدامة (620 هـ): "فإن زُفت إليه غير زوجته وقيل: ¬
هذه زوجتك فوطئها يعتقدها زوجته فلا حد عليه، لا نعلم فيه خلافًا" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). وقال الكمال بن الهمام (861 هـ): "ومن زُفَّت -أي بعثت - إليه غير امرأته، وقال النساء: هي زوجتك، فوطئها, لا حد عليه وعليه المهر، وهذه إجماعية لا يعلم فيها خلاف" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عموم النصوص الدالة على عدم العقوبة على الإثم بالخطأ، ومنها: أولًا: قول اللَّه تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (¬6). ثانيًا: قول اللَّه تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (¬7). وثبت أن اللَّه سبحانه استجاب لهذا الدعاء فقال سبحانه: قد فعلت (¬8). ثالثًا: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) (¬9). رابعًا: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (للَّه أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من ¬
[65/ 2] من غابت حشفته في فرج امرأة وجب عليه الحد.
راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة من النصوص السابقة: النصوص دلت على أن العبد غير مؤاخذ بما يفعله عن طريق الخطأ، وأن اللَّه قد عفى عن أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك، ومن زُفَّت إليه امرأة يظنها زوجته، فوقع عليها، غير عالم بأنها لا تحل له، فإنه مخطئ داخل في عموم النصوص السابقة. الدليل الثاني: عموم الأحاديث الدالة على درء الحدود بالشبهات ومنها: أولًا: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) (¬2). ثانيًا: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعًا) (¬3). • وجه الدلالة: أن وطء الرجل للمرأة التي زُفت إليه وقيل له بأنها امرأته فيه شبهة تدرأ عنه الحد، لكونه يظنها حلالًا له عند وطئها، والحدود تدرأ بالشبهات (¬4).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [65/ 2] من غابت حشفته في فرج امرأة وجب عليه الحد. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الحشفة: الحشفة في اللغة: الحَشَفة -بفتح الحاء والشين- تطلق في اللغة على عدة معان منها: ¬
1 - أردأ التمر، ومنه قولهم في المثل: أحشفًا وسوء كيلة"، وهو مثل للرجل الذي يجمع بين أمرين رديئين (¬1). 2 - اليابس: ومنه يقال للضرع الذي تقلَّص وارتفع عنه اللبن: قد أحشف الضرع. وكذا يطلق على الخميرة اليابسة، والمرأة العجوز، والأذن اليابسة، وأصول الزرع التي تبقى بعد الحصاد. 3 - الثوب الخلِق، ومنه يقال: تحفَّش الرجل إذا لبس الثوب حفيش، أي البالي. 4 - الصخرة الرخوة في سهل من الأرض. 5 - جزيرة في البحر لا يعلوها الماء. 6 - رأس الذكر (¬2). وقد جمع ابن فارس هذه المعاني فقال: "الحاء والشين والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على رَخَاوة، وضعف، وخلوقة" (¬3). الحشفة في الاصطلاح: الحشفة في اصطلاح الفقهاء هي رأس الذكر، وحدُّها هو القسم المكشوف من رأس الذكر بعد الختان (¬4). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا وطئ رجل امرأة لا تحل له، وكان قد غيَّب حشفته في قُبل المرأة، فإنه يكون قد ارتكب الزنا، ووجب عليه الحد إذا اكتملت باقي الشروط. ¬
• من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): "لم تختلف العامة أن الزنا الذي يجب به الحد الجماع دون الإنزال، وأن من غابت حشفته في فرج امرأة وجب عليه الحد" (¬1). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن بإيلاج مرة للحشفة وحده يجب الحد" (¬2). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وقع الإجماع على أن مجاورة الختانين توجب الحد" (¬3). وقال النووي (676 هـ): "والاعتبار في الجماع بتغييب الحشفة من صحيح الذكر بالاتفاق" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الحنفية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: جاء الأسلمي إلى نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فشهد على نفسه أنه أصاب امرأةً حرامًا أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأقبل في الخامسة، فقال: (أنكتها؟ ) قال: نعم، قال: (حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ ) قال: نعم، قال: (كما يغيب المرود في المكحلة، والرشاء في البئر؟ ) قال: نعم، قال: (فهل تدري ما الزنا؟ ) قال: نعم، أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من امرأته حلالًا" (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استفسر من ماعز عن الزنا الذي أقر به، وأنه غيَّب ذكره في فرج من وقع عليها، مما يدل على أن هذا هو المعتبر في الحد، وإلا لم يكن لسؤال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فائدة. ¬
الدليل الثاني: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: جاءت امرأة رفاعة (¬1) إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: كنت عند رفاعة، فطلقني، فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزَّبِير (¬2)، وإنَّ ما معه مثل هُدبة الثوب (¬3)، فتبسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) متفق عليه (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يعتبر في إحلال المرأة المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول إلا بحصول العسيلة، وذلك لا يتم إلا بإيلاج الذكر في فرج المرأة، وأقل ذلك إيلاج الحشفة (¬5). الدليل الثالث: أن الحشفة هي القدر الذي يثبت به حكم وجوب الغسل، ¬
[66/ 2] الزنا الذي يجب به الحد هو تغييب الحشفة دون الإنزال.
فيكون هو القدر الذي يتعلق به حكم الوطء (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [66/ 2] الزنا الذي يجب به الحد هو تغييب الحشفة دون الإنزال. • المراد بالمسألة: سبق في المسألة السابقة أن تغييب الحشفة موجب للحد، والمراد هنا تقرير أن الحد يجب بتغييب الحشفة دون اشتراط أن يحصل إنزال المني. فمجرد الجماع ولو لم يحصل إنزال يعتبر زنى يجب به الحد. • من نقل الإجماع: الشافعي (204 هـ): "لم تختلف العامة أن الزنا الذي يجب به الحد الجماع دون الإنزال" (¬2)، ونقله عنه ابن حجر (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع في المسألة الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: جاء الأسلمي إلى نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فشهد على نفسه أنه أصاب امرأةً حرامًا أربع مرات، كل ذلك يعرص عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأقبل في الخامسة، فقال: (أنكتها؟ ) قال: نعم، قال: (حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ ) قال: نعم، قال: (كما يغيب المرود في المكحلة، والرشاء في البئر؟ ) قال: نعم، قال: (فهل تدري ما الزنا؟ ) قال: نعم، أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من امرأته حلالًا" (¬7). ¬
[67/ 2] من زنى بخالته أو بحماته أو ذوات رحم محرم عليه فهو زان وعليه الحد.
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: "لما أتى ماعز بن مالك -رضي اللَّه عنه- النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت)، قال: لا يا رسول اللَّه، قال: (أنكتها)، لا يكني، قال فعند ذلك أمر برجمه" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يستفسر من ماعز هل أنزل أم لم ينزل؟ فدل على أن الإنزال ليس بشرط في اعتبار الزنا.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [67/ 2] من زنى بخالته أو بحماته أو ذوات رحم محرم عليه فهو زان وعليه الحد. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكان قد وقع على امرأة ذات محرم منه كخالته أو عمته، دون عقد زواج، عالمًا بالتحريم، فإنه يُقام عليه الحد حينئذٍ. ويُنبَّه هنا إلى أمور ثلاثة: الأول: أن المراد تقرير الإجماع على أن الوقوع بذوات المحارم زنا يوجب الحد، بغض النظر عن الحد الواجب في ذلك، فإنها مسألة خلاف ليست مرادة (¬2). الثاني: لو كان الرجل غير عالم بالتحريم، أو كان قد عقد على قريبته عقد نكاح وجامعها بموجبه، فكل ذلك غير مراد (¬3). • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه من زنى: ¬
بخالته، أو بحماته، أو ذوي رحم محرم عليه، أنه زان، وعليه الحد" (¬1). وقال ابن القيم (751 هـ): "قد اتفق المسلمون على أن من زنى بذات محرَم فعليه الحد" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حرم نكاح ذوات المحارم، وهو يدل على أنه فرج لا يستباح بحال، فوجب الحد بالوطء. الدليل الثاني: قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)} (¬7). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى وصف نكاح زوجة الأب بأنه فاحشة، وأنه مقت، وأنه ساء سبيلًا، فجمع هذه الأوصاف للدلالة على أنه من أقبح أنواع الزنا. ¬
الدليل الثالث: عن البراء بن عازب -رضي اللَّه عنه- قال: "لقيت عمي (¬1) ومعه راية، فقلت له أين تريد؟ قال بعثني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى رجل نكح امرأة أبيه (¬2)، فأمرني أن أضرب عنقه" (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بقتل رجل وقع على امرأة أبيه، وهو يدل على أن نكاح ذوات المحارم بمنزلة الزنا في وجوب الحد (¬4). الدليل الرابع: أنه إذا وجب الحد في فرج قد يستباح بالنكاح، فلأن يجب الحد في فرج لا يستباح بحال من باب أولى. الدليل الخامس: أنه وطء في فرج مجمع على تحريمه من غير ملك ولا شبهة ملك (¬5).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[68/ 2] من وطئ جارية ذات محرم من النسب تعتق عليه بمجرد ملكها فإنه يحد.
[68/ 2] من وطئ جارية ذات مَحْرم من النسب تعتق عليه بمجرد ملكها فإنه يحد. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكانت المرأة التي وقع عليها هي أمة قريبة منه، لو ملكها لعتقت بموجب ملكه لها، فإنه يقام عليه الحد (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن الرجل إذا وطئ جارية ذات محرم عليه أنه زانٍ" (¬2). وقال ابن رشد الجد (520 هـ) بعد أن ذكر مسألة أن من وطئ امرأة بالملك ممن تحرم عليه بالنسب وتعتق عليه بالملك إذا ملكها مثل البنت والأم والأخت والجدة وما أشبههن عامدًا عالمًا فإن عليه الحد ثم قال: "هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها لا اختلاف في شيء منها" (¬3). ¬
[69/ 2] الزنا بالأمة حرام وموجب للحد، كالزنا بالحرة.
وقال ابن قدامة (620 هـ): "فأما إن اشترى ذات محرمه من النسب ممن يعتق عليه، ووطئها، فعليه الحد، لا نعلم فيه خلافًا" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3). • مستند الإجماع: قول اللَّه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} (¬4). • وجه الدلالة: أن الآية عامة في تحريم وطئ من ذكر فيها سواء كان بنكاح أو ملك يمين، وكل من حرم نكاحها، حرم وطؤها بملك اليمين؛ لأنه إذا حرم النكاح لكونه طريقًا إلى الوطء فتحريم الوطء أولى (¬5). بالإضافة إلى الأدلة التي ذُكرت في المسألة السابقة.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [69/ 2] الزنا بالأمة حرام وموجب للحد، كالزنا بالحرة. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الأَمَة: الأمة هي الرقيقة المملوكة لغيرها. والرِّق: هو عجز حكمي شُرِع في الأصل جزاء عن الكفر (¬6). وتسمى بالرقيقة، والقِن، والمملوكة. • ثانيًا: صورة المسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب حد الزنا، وكان الزاني قد ثبت إحصانه فإنه لا فرق بين أن يكون من وقع عليها حرة أو أمة، فكل ذلك حرام وموجب للحد. ¬
ويتضح من ذلك أن الزاني إن كان عبدًا، أو كان حرًا لكن تحته أمة، فذلك غير مراد، لعدم تحقق الإحصان في حقه. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريمه بالأمة، وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة، ولا فرق" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عموم الآيات الدالة على تحريم الزنا ووجوب الحد فيه، كقول اللَّه تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حرم الزنا, ولم يفرَّق فيه بين الحرة والأمة، فالزنا كله حرام وفاحشة. الدليل الثاني: أن دين اللَّه واحد، والخلقة والطبيعة واحدة، كل ذلك في الحرائر والإماء سواء، حتى يأتي نص في الفرق بينهما, ولا نص هنا، فعمّ تحريم الزنا بكليهما (¬7).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[70/ 2] العبد إذا وطئ أمة سيده فإنه زان.
[70/ 2] العبد إذا وطئ أمة سيده فإنه زان. • المراد بالمسألة: إذا وقع العبد على جارية سيده فإنه قد ارتكب فاحشة الزنا. ويُنبَّه إلى أن المراد هو أن وطء العبد لأمة سيده محرَّم، وهو زنا، أما إقامة الحد عليه أو سقوطه بالشبهة، فمسألة أخرى غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف بين أحد في أن العبد إن وطئ أمة سيده فإنه زان" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، إلا أنهم اختلفوا في وجوب الحد (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} (¬7). ¬
[71/ 2] ليس للسيد أن يعفو عن الزاني الذي زنى بأمته.
• وجه الدلالة: أن وطء العبد لجارية سيده لم يصادف ملكًا فكان بذلك من العادين. الدليل الثاني: أن الأصل هو وجوب الحد على من أتى الفاحشة حتى يرد الدليل على الاستثناء، وليس ثمة دليل يخرجه عن ذلك.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [71/ 2] ليس للسيد أن يعفو عن الزاني الذي زنى بأمته. • المراد بالمسألة: إذا زنى شخص بامرأة مملوكة، وثبت ذلك عند الحاكم، وأراد سيِّدها أن يعفو عن الزاني، فإنه ليس له ذلك، ووجب إقامة الحد على الزاني. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "فلم يختلفوا في أنه ليس للرجل أن يعفو عن الزنا بأمته فيسقط عنه حد الزنا بذلك" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} (¬6). • وجه الدلالة: الآية عامة في وجوب إقامة الحد على من وجب عليه ذلك، ¬
ويدخل فيه الزنا بالأمة. الدليل الثاني: عن عائشة رضي اللَّه عنها زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتي بها رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (أتشفع في حد من حدود اللَّه)؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها" متفق عليه (¬1). الدليل الثالث: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (تعافوا الحدود قبل أن تأتوني به، فما أتاني من حد فقد وجب) (¬2). الدليل الرابع: عن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (من حالت شفاعته دون حد من حدود اللَّه فقد ضاد اللَّه في أمره) (¬3). • وجه الدلالة: الأحاديث السابقة صريحة في أن الحد إن بلغ الإمام وجب إقامته، وهذا عام سواء كان المزني بها أمة أو حرة، وأن إسقاط الحد بعد وجوبه معارض لأمر للَّه تعالى. الدليل الخامس: أن حد الزنا حق للَّه تعالى، فليس لأحد إسقاطه، سواء ¬
[72/ 2] من وطئ امرأة أجنبية في دبرها فإنه يحد.
كان ذلك السيد، أو المزني بها، أو الإمام (¬1). الدليل السادس: أن قبول عفو السيد يفضي إلى التجرؤ على الزنا بالإماء بإذن سيدهن، وفي ذلك مفاسد عظيمة من اختلاط الأنساب وغيرها (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [72/ 2] من وطئ امرأة أجنبية في دبرها فإنه يُحد. • المراد بالمسألة: من وقع على امرأة في دبرها, ولم تكن مملوكة له، ولا زوجة، فإنه يقام عليه الحد. ويتبيَّن مما سبق أمران: الأول: أن المرأة إن كانت زوجته، أو كان هو سيدها، فذلك غير مراد. الثاني: أن المراد هو وجوب الحد عليه، أما نوع الحد هل هو كالزنا، أو هو القتل، فذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال أبو بكر العبادي (800 هـ): "إذا أتى أجنبية في دبرها يحد إجماعًا" (¬3). وقال ابن الهمام (861 هـ): "أما لو وطئ امرأة في دبرها حد بلا خلاف" (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك صاحبا أبي حنيفة (¬1)، والمالكية (¬2) والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80)} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى سمى إتيان الرجل للرجل فاحشة، والفاحشة هي الزنا كما في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} (¬6). الدليل الثاني: أنه إذا وجب الحد بالوطء في القبل، وهو مما يستباح، فلأن يجب بالوطء في الدبر وهو مما لا يستباح أولى (¬7). الدليل الثالث: أن الدبر فرج مقصود تحصل به قضاء الشهوة بسفح الماء، فتعلقَ الحد بالإيلاج فيه؛ كالقبل (¬8). الدليل الرابع: أن الوطء في الدبر هو وطء في فرج امرأة لا ملك له فيها ولا شبهة ملك فكان زنا كالوطء في القبل (¬9). • المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة الإمام أبو حنيفة (¬10) والظاهرية (¬11) فذهبا إلى أن من وطئ امرأة في دبرها فانه لا يحد حد الزنا وإنما يعزر. ¬
[73/ 2] إذا وطئ الأب جارية ولده فلا حد عليه.
• دليل المخالف: الدليل الأول: أنه استمتاع لا يفضي إلى فساد النسب (¬1). الدليل الثاني: أنه ليس ثمة دليل شرعي صحيح صريح في وجوب الحد على من أتى المرأة في الدبر، وأحكام الزاني إنما هي في القبل، ولا يصح قياس الدبر بالقبل (¬2).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن أبي حنيفة، والظاهرية، لا سيما إذا علمنا أن من نقلوا الإجماع وهم العبادي والكمال ابن الهمام إنما نقلوه لنقده لا لتقريره واللَّه تعالى أعلم. [73/ 2] إذا وطئ الأب جارية ولده فلا حد عليه. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكان التي وقع عليها أمةٌ لولده، ووقع عليها في القبل؛ فإنه لا يقام عليه الحد حينئذٍ. ويتبيَّن مما سبق أنه لو وقع عليها في الدبر فذلك غير مراد (¬3). • من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ): "القائلين بانتفاء الحد -أي: عن الأب إذا وطئ جارية ولده - في عصر مالك والأوزاعي ومن وافقهما، قد اشتهر قولهم، ولم يعرف لهم مخالف، فكان ذلك إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬5)، والمالكية في المعتمد (¬6)، والشافعية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عموم الأحاديث الدالة على درء الحدود ¬
بالشبهات ومنها: أولًا: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) (¬1). ثانيًا: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعًا) (¬2). • وجه الدلالة: أن وطء الأب لجارية ولده فيه شبهة للملك تدرأ عنه الحد، ووجه تمكن الشبهة هي في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي اللَّه عنه-: "أن رجلًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخاصم أباه فقال: يا رسول اللَّه إن هذا قد احتاج إلى مالي؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أنت ومالك لأبيك) (¬3). ¬
فأضاف مال ولده إليه وجعله له، فإذا لم تثبت حقيقة الملك فلا أقل من جعله شبهة دارئة للحد (¬1). • المخالفون للإجماع: وذهب بعض الفقهاء إلى أن الأب إن وطئ جارية ابنه فعليه الحد. وهو رواية عند الحنابلة (¬2)، وقول الظاهرية (¬3)، وبه قال الروياني وابن المنذر من الشافعية (¬4)، وأبو ثور (¬5). وثمة قول للمالكية هو خلاف المعتمد أن الأب إن علم أن الابن قد وطئ جاريته فإنه يُحد إذا وطئها (¬6). • دليل المخالف: الدليل الأول: أنه وطء في غير ملك أشبه وطء جارية أبيه (¬7). الدليل الثاني: لأن جارية الابن التي وطئها الابن محرمة على الأب مطلقًا، ولا تحل له حتى بنكاح، فهي كوطء ذات المحرم (¬8).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لثبوت الخلاف عن الظاهرية، والحنابلة في رواية, وبعض المالكية، وبعض ¬
[74/ 2] من وطئ فراشا مباحا في حال محرمة فهو عاص ولا حد عليه.
الشافعية، ولذا قال ابن عبد البر في المسألة: "على هذا جمهور العلماء أنه لا حد على من وطئ أمة من ولده" (¬1)، فنسب القول للجمهور. ويوجه كلام ابن قدامة أنه أراد الإجماع السكوتي في عصر مالك والأوزاعي الذي لا يُعلم له مخالف، وهذا لا ينفي الخلاف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [74/ 2] من وطئ فراشًا مباحًا في حال محرَّمة فهو عاص ولا حد عليه. • المراد بالمسألة: إذا وطئ الرجل امرأة تحل له كزوجته أو ملك يمينه، لكن كان وطؤه لها في حال محرَّمة كأن يكون في حيض أو إحرام أو صيام فرض ونحو ذلك، فإن فاعل ذلك لا يُعد زانٍ، ولا يقام عليه حد الزنا. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "من وطئ فراشًا مباحًا في حال محرمة، كواطئ الحائض، والمُحرِمة، والمُحرِم، والصائم فرضًا، والصائمة كذلك، والمعتكف، والمعتكفة، والمشرَّكة - فهذا عاصٍ وليس زانيًا بإجماع الأمة كلها" (¬2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "ليس كل من وطئ فرجًا محرمًا عليه وطؤه يلزمه الحد؛ لإجماعهم أن لا حد على من وطئ صائمةً، أو معتكفةً، أو ¬
محرمةً، أو حائضًا، وهي له زوجة أو أمة" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: هلكت يا رسول اللَّه! قال: (وما أهلكك؟ ) قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: (هل تجد ما تعتق رقبة؟ )، قال: لا، قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ )، قال: لا، قال: (فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟ )، قال: لا، قال: ثم جلس، فأُتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعَرَق (¬5) فيه تمر، فقال: (تصدق بهذا)، قال: أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: (اذهب فأطعمه أهلك) متفق عليه (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دل الرجل على كفارة معصيته بجماع أهله في نهار رمضان، وليس فيه إيجاب الحد عليه، وكذا جاء في الشريعة بيان أحكام من وطئ امرأته وهي حائض، أو حال الإحرام أو الاعتكاف أو نحو ذلك، ولم يأت في شيء منها إيجاب الحد، وإنما جاءت بالكفارة، أو إبطال العبادة من صوم أو إحرام واعتكاف ونحوه. ¬
الدليل الثاني: أن الزنا إنما هو وطء امرأة بغير عقد أو ملك، والرجل الذي جامع في حال محرِّمة قد ملك المرأة بالنكاح أو ملك اليمين، فحرمة وطئها عليه ليست أصلية، وإنما هي لعارض (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في شروط حد الزنا
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في شروط حد الزنا [75/ 2] اعتبار البلوغ في وجوب حد الزنا. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، فإن من شرط إقامة الحد عليه أن يكون الزاني بالغًا وقت ارتكابه للزنا. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "ولا خلاف في أن العاقل البالغ إذا زنى بصبية أو مجنونة أنه يجب عليه الحد، ولا حد عليها" (¬1). وقال المرغيناني (593 هـ): "وإن زنى صحيح بمجنونة أو صغيرة يجامع مثلها حد الرجل خاصة وهذا بالإجماع" (¬2). وقال ابن عرفة (803 هـ) (¬3) في شروط إيجاب الحد على الزاني: "تكليفُ الزاني: إجماعًا" (¬4). وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ) (¬5): " (إذا زنى البالغ العاقل بصبية أو مجنونة حيث يجب الحد على الرجل) أي دون المرأة، وهذا بالإجماع" (¬6). ¬
وقال دامان (1078 هـ) (¬1): "وإن زنى مكلف بمجنونة أو صغيرة يجامَع مثلها حُدَّ المكلِّف خاصة بالإجماع" (¬2). وقال الزيلعي (702 هـ) (¬3): "إذا زنى صحيح بمجنونة، أو صغيرة يجامَع مثلها، حُدَّ الرجل خاصة، وهذا بالإجماع" (¬4). ويضاف إليه النقولات التي سبقت في تقرير الإجماع على أن البلوغ شرطٌ في وجوب إقامة الحد، ومنها: قال الشافعي (204 هـ): ". . . أن عليًا -رضي اللَّه عنه- أُتي بصبي قد سرق بيضة، فشك في احتلامه، فأمر به، فقطعت بطون أنامله، وليسوا (¬5)، ولا أحد علمته يقول بهذا، يقولون: ليس على الصبي حد حتى يحتلم، أو يبلغ خمس عشرة" (¬6). وقال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الظاهرية (¬8). ¬
[76/ 2] اعتبار العقل في وجوب حد الزنا.
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬1). وفي رواية عند أحمد بلفظ: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ. . .) الحديث (¬2)، وعند أبي داود بلفظ: (وعن الصبي حتى يبلغ) (¬3). • وجه الدلالة: دلالة الحديث ظاهرة على أن البلوغ شرط للتكليف، وأن الصبي مرفوع عنه القلم فلا يؤاخذ بالعقوبات الشرعية المتعلقة بحق اللَّه تعالى. الدليل الثاني: أنه إذا سقط عنه التكليف في العبادات والمآثم في المعاصي فلأن يسقط الحد ومبناه على الدرء والإسقاط أولى (¬4). الدليل الثالث: لأن الحد عقوبة محضة، فتستدعي جناية محضة, وفعل الصبي لا يوصف بالجناية فلا حد عليه لعدم الجناية منه (¬5).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [76/ 2] اعتبار العقل في وجوب حد الزنا. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، فإن من شرط إقامة الحد عليه أن يكون الزاني عاقلًا وقت ارتكابه للزنا. وتبيَّن مما سبق أنه لو أتى الزنا حال كونه عاقلًا، ثم أصيب بالجنون حين إقامة البيِّنة عليه فذلك غير مراد. ¬
• من نقل الإجماع: قال المهلب بن أبي صفرة (435 هـ) (¬1): "أجمع العلماء أن المجنون إذا أصاب الحد في حال جنونه أنه لا يجب عليه حد"، نقله عنه ابن بطال (¬2). وابن عبد البر (463 هـ) في معرض استدلاله بسؤال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لماعز -رضي اللَّه عنه- هل به جنون حين أقر بالزنا: "وهذا إجماع أن المجنون المعتوه لا حد عليه والقلم عنه مرفوع" (¬3). وقال القاضي عياض (544 هـ) في الاستدلال بذلك: "أن إقرار المجنون في حال جنونه لا يلزم، وأن الحدود عنه حينئذٍ ساقطة، وهو مما أجمع عليه العلماء" (¬4). وقال الكاساني (587 هـ): "ولا خلاف في أن العاقل البالغ إذا زنى بصبية أو مجنونة أنه يجب عليه الحد ولا حد عليها" (¬5). وقال المرغيناني (593 هـ): "وإن زنى صحيح بمجنونة أو صغيرة يجامع مثلها حد الرجل خاصة وهذا بالإجماع" (¬6). وقال النووي في الاستدلال بذلك: "إقرار المجنون باطل، وأن الحدود لا تجب عليه، وهذا كله مجمع عليه" (¬7). وقال ابن عرفة (803 هـ) في شروط إيجاب الحد على الزاني: "تكليفُ الزاني: إجماعًا" (¬8). وقال ابن حجر: "قوله: باب لا يرجم المجنون والمجنونة: أي: إذا وقع في الزنا في حال الجنون وهو إجماع" (¬9). ¬
وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): " (إذا زنى البالغ العاقل بصبية أو مجنونة حيث يجب الحد على الرجل) أي دون المرأة، وهذا بالإجماع" (¬1). وقال دامان (1078 هـ): "وإن زنى مكلف بمجنونة أو صغيرة يجامَع مثلها حُدَّ المكلِّف خاصة بالإجماع" (¬2). وقال جمال الدين الزيلعي (702 هـ): "إذا زنى صحيح بمجنونة، أو صغيرة يجامَع مثلها، حُدَّ الرجل خاصة، وهذا بالإجماع" (¬3). ويمكن أن يضاف إليه النقولات في تقرير الإجماع على أن العقل شرط في وجوب إقامة الحد، ومنها: قال ابن حزم (456 هـ): "لا يقام عليه -أي المجنون - في حال عقله كل حد كان منه في حال جنونه، بلا خلاف من الأمة" (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد، وصحة الإقرار" (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبر أن المجنون مرفوع عنه التكليف فلا يؤاخذ بفعله. الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه -رضي اللَّه عنه- قال: جاء ماعز بن مالك -رضي اللَّه عنه- إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال: (ويحك ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال ¬
[77/ 2] لو زنى عاقل بمجنونة أو بصغيرة فإنه يجب الحد على الزاني دون المزني بها.
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويحك، ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه طهرني؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فيم أطهرك)؟ فقال: من الزنا، فسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أبه جنون)؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: (أشرب خمرًا)؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، قال فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أزنيت)؟ فقال: نعم، فأمر به فرجم (¬1). • وجه الدلالة: أن سؤال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له عن عقله كان من أجل التحقق من حاله أهو ممن يؤاخذ بالحد أم لا. الدليل الثاني: أنه إذا سقط عنه التكليف في العبادات والمآثم في المعاصي فلأن يسقط الحد ومبناه على الدرء والإسقاط أولى (¬2). الدليل الثالث: لأن الحد عقوبة محضة فتستدعي جناية محضة وفعل الصبي لا يوصف بالجناية فلا حد عليه لعدم الجناية منه (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [77/ 2] لو زنى عاقل بمجنونة أو بصغيرة فإنه يجب الحد على الزاني دون المزني بها. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص عاقل بالغ ما يوجب حد الزنا، وكانت المرأة التي وقع عليها الزنا صغيرة أو مجنونة، فإن الحد هنا يجب على الرجل، أما المرأة فلا حد عليها. وينبَّه إلى أن عكس المسألة وهي إن كانت المرأة بالغة عاقلة والرجل صغير أو مجنون، فذلك غير مراد. ¬
• من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "ولا خلاف في أن العاقل البالغ إذا زنى بصبية أو مجنونة أنه يجب عليه الحد ولا حد عليها" (¬1). وقال المرغيناني (593 هـ): "وإن زنى صحيح بمجنونة أو صغيرة يجامع مثلها حد الرجل خاصة وهذا بالإجماع" (¬2). وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): " (إذا زنى البالغ العاقل بصبية أو مجنونة حيث يجب الحد على الرجل) أي دون المرأة، وهذا بالإجماع" (¬3). وقال دامان (1078 هـ): "وإن زنى مكلف بمجنونة أو صغيرة يجامَع مثلها حُدَّ المكلِّف خاصة بالإجماع" (¬4). وقال الزيلعي (702 هـ): "إذا زنى صحيح بمجنونة، أو صغيرة يجامَع مثلها، حُدَّ الرجل خاصة، وهذا بالإجماع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الشافعية (¬6)، والحنابلة في وجه عندهم (¬7). • مستند الإجماع: استدل من أوجب الحد على الزاني بأنه حر مكلف حصل منه الوطء في قبل محرَّم، مع تغييب الحشفة، وتحصَّل منه المقصود من حصول الشهوة، فلم يؤثر فيه نقص صاحبه (¬8). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا حد على من وطئ الصغيرة التي لا يوطأ مثلها, ولو كان الزاني بالغًا عاقلًا. ¬
[78/ 2] من كان يجن مرة ويفيق أخرى، وزنى حال إفاقته، فإنه يقام عليه الحد.
وهو قول المالكية (¬1)، والحنابلة (¬2). • دليل المخالف: استدل المخالف بأن الصغيرة لا يشتهى مثلها، فأشبه ما لو أدخل إصبعه في فرجها (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيها عن المالكية والحنابلة. ومن حكى الإجماع في المسألة فإنما أراد الإجماع المذهبي عند الحنفية، واللَّه تعالى أعلم. [78/ 2] من كان يُجن مرة ويفيق أخرى، وزنى حال إفاقته، فإنه يقام عليه الحد. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكان من حال الشخص أنه يُجن أحيانًا ويفيق أحيانًا، فثبت أنه فعل الزنا حال إفاقته، إما بأن أقر حين إفاقته بأنه فعل ذلك حين أفاق، أو ثبت ذلك عليه ببينة الشهود، ففي هذه الحال يُقام عليه الحد. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "إن كان يجن مرة ويفيق أخرى فأقر في إفاقته أنه زنى وهو مفيق أو قامت عليه بينة أنه زنى في إفاقته فعليه الحد، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬4). وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬5). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "فإن كان يفيق في وقت فأقر فيه أنه زنى وهو يفيق فعليه الحد بغير خلاف نعلمه" (¬6) ونقله عنه البهوتي (¬7). ¬
[79/ 2] المستكرهة على الزنا لا حد عليها.
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن الزنا الموجب للحد وجد منه في حال تكليفه، وإفاقته (¬4).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [79/ 2] المُسْتَكرَهة على الزنا لا حد عليها. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكانت المرأة الموطوءة مُكرهة غير مطاوعة، وأثبتت ذلك ببينة أو شهود، فإنه لا يقام عليها الحد. ويُنبَّه هنا إلى أمرين: الأول: أن المرأة إن ادعت أنها مُكرَهة ولم تُقم البيِّنة على ذلك فذلك غير مراد (¬5). الثاني: المراد هنا المرأة المُكرَهة، أما إكراه الرجل فمسألة أخرى. • من نقل الإجماع: قال الترمذي (279 هـ): "العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وغيرهم أن ليس على المستكَرَهة حد" (¬6). وقال ابن بطال (449 هـ): "العلماء متفقون على أنه لا حد على امرأة مستكَرَهة" (¬7). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "ولا نعلم خلافًا بين العلماء أن المستكرهة لا حد عليها" (¬8). ¬
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "لا خلاف بين أهل الإسلام أن المستكرهة لا حد عليها" (¬1)، ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا يجب الحد على مكرهة على الزنا في قول عامة أهل العلم روي ذلك عن عمر، والزهري، وقتادة، والثوري (¬3)، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفًا" (¬4)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬5). وقال القرطبي (671 هـ): "العلماء متفقون على أنه لا حد على امرأة مستكرهة" (¬6). وقال ابن الهمام (861 هـ) بعد أن ذكر حكم الرجل إذا أكره على الزنا والخلاف في وجوب الحد عليه من عدمه قال: "بخلاف إكراه المرأة على الزنا فإنه بالتمكين وليس مع التمكين دليل الطواعية فلا تحد إجماعًا" (¬7). وقال الخرشي (1101 هـ): "المكرهة على الوطء لا حد عليها اتفاقًا" (¬8). وقال الزرقاني (1122 هـ): "ولا خلاف أنه لا حد عليها ولا عقوبة" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الشافعية (¬10) والظاهرية (¬11). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى عذر المُكره في الكفر، لمن باب أولى أن يكون معذورًا فيما يتعلق بالزنا الذي هو أخف من الكفر (¬2). الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬3). • وجه الدلالة: في الآية دلالة على أنه لا إثم على المكَرَهة على الزنا فيلزم أن لا يجب عليها الحد (¬4). الدليل الثالث: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) (¬5). • وجه الدلالة: الحديث نص في عدم معاقبة المخطئ والناسي، والمُكرَه، وعدم لحوق الإثم بهم (¬6). الدليل الرابع: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتي بامرأة أكْرهت على الزنا، فلم يُقم عليها الحد (¬7). • وجه الدلالة: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أسقط العقوبة عن المرأة المكرهة على الزنا. ¬
[80/ 2] من زنى بامرأة كرها فعليه الحد.
الدليل الخامس: أنه فعل عمر -رضي اللَّه عنه- حيث أنه لم يكن يقيم الحد على المكرهة (¬1). الدليل السادس: أن الإكراه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [80/ 2] من زنى بامرأة كرها فعليه الحد. • المراد بالمسألة: إذا اغتصب رجلٌ امرأة وأكرهها على الزنا، فإنه يجب إقامة الحد عليه، ولو سقط الحد عنها. فإن كان هو أيضًا مُكره على اغتصاب المرأة فذلك غير مراد (¬3). • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "قد أجمع العلماء على أن على المستكرِه المغتصِب عليه الحد إن شهدت البينة عليه بما يوجب الحد، أو أقر بذلك" (¬4). وقال الكاساني (587 هـ): "إذا أَكره رجل امرأة على الزنا وثبت الإكراه أُقيم الحد على الرجل: الدليل على التفرقة بينهما: أنا لو تيقنا بالإكراه، يقام الحد على الرجل بالإجماع" (¬5). وقال الزرقاني (1122 هـ): "أجمعوا على ¬
[81/ 22] إذا أقر الرجل بالزنا، وادعت المرأة الإكراه، فيقام الحد على الرجل.
أن المُغتصِب المُستكرِه عليه الحد إن شهدت البينة عليه بما يوجبه أو أقر" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتي بامرأة أكْرهت: على الزنا، فأقام الحد على الزاني، ولم يُقمه على المزني بها (¬5). الدليل الثاني: أنه فعل عمر -رضي اللَّه عنه- (¬6). الدليل الثالث: أن الأصل إقامة الحد على الزاني، وليس ثمة ما يمنع إقامة الحد عليه، وسقوط الحد عن المرأة لا أثر له في سقوطه عنه، ولذا قال محمد بن الحسن الشيباني "الحد متى لم يجب على المرأة أو تعذر استيفاءه، لا يمنع وجوب الحد على الرجل بالإجماع" (¬7).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم، لعدم المخالف؛ واللَّه تعالى أعلم. [81/ 22] إذا أقر الرجل بالزنا، وادعت المرأة الإكراه، فيقام الحد على الرجل. • المراد بالمسألة: إذا أقر شخص بأنه ارتكب ما يوجب حد الزنا، وادَّعت المرأة المزني بها أنها كانت مُكرهة على الزنا، فإن على الإمام إقامة الحد على الزاني بموجب إقراره، وسقوط الحد على المرأة بدعوى الإكراه لا يؤثر في إيجاب الحد على الرجل. ¬
[82/ 2] العلم بحرمة الزنا شرط في وجوب الحد.
• من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لو أقر الرجل بالزنا بفلانة فادعت المرأة الاستكراه -يحد الرجل بالاتفاق" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى الأدلة في المسألة السابقة الموجبة لإقامة الحد على من استكره امرأة على الزنا، وذلك لأنه إذا وجب الحد على الرجل الذي استكره المرأة على الزنا فمن باب أولى ثبوته عليه إذا ادعت المرأة الإكراه.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [82/ 2] العلم بحرمة الزنا شرط في وجوب الحد. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، فإن من شرط إقامة الحد عليه أن يكون عالمًا بالتحريم. ويُنبه إلى أن المراد علمه بتحريم الزنا، أما العلم بالعقوبة فذلك غير مراد (¬6). ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "ولا حد على من لم يعلم بتحريم الزنا. . . وبهذا قال عامة أهل العلم" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). وقال الكمال ابن الهمام (861 هـ): "نُقل في اشتراط العلم بحرمة الزنا إجماع الفقهاء" (¬3) ونقله عنه ابن أمير الحاج (¬4) والزيلعي (¬5) وابن نجيم (¬6) وابن عابدين (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع المالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: جاء الأسلمي إلى نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فشهد على نفسه أنه أصاب امرأةً حرامًا أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأقبل في الخامسة، فقال: (أنكتها؟ ) قال: نعم، قال: (حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ ) قال: نعم، قال: (كما يغيب المِرود في المكحلة، والرشاء في البئر؟ ) قال: نعم، قال: (فهل تدري ما الزنا؟ ) قال: نعم، أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من امرأته حلالًا" (¬11). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سأل ماعزًا -رضي اللَّه عنه- عن حكم الزنا، حتى قال: أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من أهله حلالًا، فدل على أن الحد لا يجب ¬
[83/ 2] من تزوج امرأة ذات محرم وهو غير عالم بأنها من محارمه، فإنه لا يقام عليه الحد
على جاهل بالتحريم وإلا لما كان لسؤاله -صلى اللَّه عليه وسلم- فائدة (¬1). الدليل الثاني: ما رُوي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي اللَّه عنهما أنهما قالا: "ما الحد إلا على من علمه" (¬2). الدليل الثالث: أن الجهل بالتحريم شبهة دارئة للحد، والحدود تدرأ بالشبهات (¬3). الدليل الرابع: أنا الحكم في الشرعيات لا يثبت إلا بعد العلم (¬4).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [83/ 2] من تزوج امرأة ذات محرَم وهو غير عالم بأنها من محارِمه، فإنه لا يُقام عليه الحد • المراد بالمسألة: إذا عقد شخص على امرأة من محارِمه التي يحرُم عليه نكاحها؛ كأمَّه، أو أخته، أو عمَّته، وهو لا يعلم بصلة القرابة تلك، وجامعها بموجب النكاح، فإنه لا يقام عليه الحد. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) "من دخل بلدًا فتزوج امرأة لا يعرفها، فوجدها أُمَّه أو ابنته: فهذا يلحق فيه الولد، ولا يحد فيه حد بالإجماع" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، ¬
[84/ 2] يشترط لإقامة حد الزنا بالشهادة عدم التقادم.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عموم الأدلة في المسألة السابقة التي فيها أن شرط إقامة الحد العلم بالتحريم (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [84/ 2] يشترط لإقامة حد الزنا بالشهادة عدم التقادم. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، ثم مضى على زناه أكثر من شهر، وبعد مضي الشهر شهد عليه الشهود بالزنا، فإنه لا يُقام عليه الحد بموجب الشهادة، لأن من شرط قبول الشهادة في الزنا ألَّا يكون الفعل قد تقادم، أي صار قديمًا بمدة تزيد على الشهر. ويتبين مما سبق أن الزنا لو ثبت بالإقرار بعد مضي الشهر فذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "عدم التقادم: وأنه شرط في حد الزنا. . . لما روي عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته، فإنما شهدوا عن ضغن ولا شهادة لهم" (¬4)، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر، فيكون إجماعًا" (¬5). ويمكن أن يضاف إليها النقولات التي سبق ذكرها في مسألة: "يشترط لإقامة الحد بالشهادة عدم التقادم، باستثناء حد القذف" (¬6). • مستند الإجماع: المسألة سبق بيان أدلتها، والمخالفين للمسألة، وأدلة ¬
[85/ 26] من أقيم عليه حد الزنا، ثم تاب وأصلح، فإن شهادته مقبولة.
المخالفين، في مسألة مستقلة بعنوان: "يشترط لإقامة الحد بالشهادة عدم التقادم، باستثناء حد القذف"، وإنما أضيفت المسألة هنا لنص الكاساني عليها فيما يخص حد الزنا. حاصلRأن المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم، بل الخلاف فيها مشهور بين المذاهب الأربعة، وما حكاه الكاساني من الإجماع أراد به الإجماع السكوتي الظني، الذي طريقه حدوث الواقعة دون العلم بالمنكر، واللَّه تعالى أعلم. [85/ 26] من أقيم عليه حد الزنا، ثم تاب وأصلح، فإن شهادته مقبولة. • المراد بالمسألة: من ارتكب ما يوجب حد الزنا، ثم أقيم عليه الحد، كزانٍ غير محصن جُلد، ثم تاب وحسنت توبته، فإنه يكون عدلًا، تقبل شهادته إذا أراد الشهادة في أمر ديني أو دنيوي. ويتبيَّن أن المسألة هي فيمن أقيم عليه الحد، ثم تاب وأصلح. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "وأما المحدود في الزنا والسرقة والشرب فتقبل شهادته بالإجماع إذا تاب" (¬1). وقال ابن القيم (751 هـ): "ليس يختلف المسلمون في الزاني المجلود أن شهادته مقبولة إذا تاب" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: سبق بيان مستند الإجماع، والمخالف، ودليل المخالف، في المسائل العامة في الحدود تحت عنوان: "من أتى حدًا من الحدود فأقيم ¬
عليه، ثم تاب وأصلح، فإن شهادته مقبولة إلا القاذف" (¬1). وإنما ذكرت المسألة هنا لوجود من نص عليها في حد الزنا. وحاصلRالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لوجود الخلاف في المسألة عن المالكية حيث يرون عدم جواز شهادته في الزنا، وكذا خالف الأوزاعي، والحسن بن حي حيث يريان عدم قبول شهادة المحدود بالزنا مطلقًا سواء شهد على الزنا أو على أمر آخر، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في إثبات حد الزنا
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في إثبات حد الزنا [86/ 2] ثبوت حد الزنا بالشهادة. • المراد بالمسألة: المراد بهذه المسألة تقرير أن الشهادة طريق من طرق إثبات حد الزنا. • من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): "ولم أعلم الناس اختلفوا في أن لا يقام الحد في الزنا بأقل من أربعة شهداء" (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "فأجمع العلماء أن البينة في الزنا أربعة شهداء رجال عدول يشهدون بالصريح من الزنا لا بالكناية، وبالرؤية كذلك، والمعاينة" (¬2). وقال ابن العربي (543 هـ): "قوله تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (¬3): وهذا حكم ثابت بإجماع من الأمة" (¬4). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن البيِّنة التي يثبت بها الزنا أن يشهد له أربعة عدول رجال ويصفون حقيقة الزنا" (¬5). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "أجمع العلماء على أن الزنا يثبت بالإقرار وبالشهادة" (¬6). وقال النووي (676 هـ): "أجمعوا على أن البينة أربعة شهداء ذكور عدول" (¬7). وقال الشوكاني (1250 هـ) في بيان بيِّنة الزنا: "أي شهادة أربعة ¬
شهود ذكور بالإجماع" (¬1). وقال الشنقيطي (1393 هـ): وأجمع العلماء أن بينة الزنا، لا يقبل فيها أقل من أربعة عدول ذكور" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (¬5). الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬6) الدليل الثالث: قول اللَّه تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)} (¬7). • وجه الدلالة: الآيات صريحة في إثبات حد الزنا بالشهادة. الدليل الرابع: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه-: أن هلال بن أمية (¬8) قذف امرأته عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بشريك بن سحماء (¬9) فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (البينة أو حد في ظهرك)، ¬
فقال: يا رسول اللَّه، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (البينة وإلا حد في ظهرك) (¬1). الدليل الخامس: عن سعد بن عبادة -رضي اللَّه عنه- (¬2) أنه قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لو وجدتُ مع امرأتي رجلًا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: (نعم) (¬3). الدليل السادس: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: "كان فيما أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه تعالى، والرجم في كتاب اللَّه حق على من أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف" متفق عليه (¬4). • وجه الدلالة من الأحاديث: أن المقصود بالبينة في الحديث هي الشهادة لإثبات الزنا (¬5).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[87/ 28] يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الشهادة أن لا يقل الشهود عن أربعة.
[87/ 28] يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الشهادة أن لا يقل الشهود عن أربعة. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكان ثبوت الزنا عند الحاكم ببيِّنة الشهادة، فإن من شرط قبول شهادتهم أن يكونوا أربعة شهود فأكثر. • من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): "ولم أعلم الناس اختلفوا في أن لا يقام الحد في الزنا بأقل من أربعة شهداء" (¬1). وقال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن الشهادة على الزنا أربعة لا يقبل أقل منهم" (¬2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "فأجمع العلماء أن البينة في الزنا أربعة شهداء رجال عدول يشهدون بالصريح من الزنا لا بالكناية وبالرؤية كذلك والمعاينة" (¬3). ابن حزم (456 هـ): "فأما وجوب قبول أربعة في الزنا فبنص القرآن، ولا خلاف فيه" (¬4). وقال ابن العربي (543 هـ): "قوله تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (¬5) وهذا حكم ثابت بإجماع من الأمة" (¬6). وقال القاضي عياض (544 هـ): "لا خلاف بين العلماء في أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة" (¬7). ¬
وقال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن البيِّنة التي يثبت بها الزنا أن يشهد له أربعة عدول رجال ويصفون حقيقة الزنا" (¬1). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما ثبوت الزنا بالشهود فإن العلماء اتفقوا على أنه يثبت الزنا بالشهود" (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أجمع المسلمون أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة شهود" (¬3). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "أجمع المسلمون أنه لا يُقبل في الزنا إلا أربعة" (¬4). وقال النووي (676 هـ): "أجمعوا على أن البينة أربعة شهداء ذكور عدول، هذا إذا شهدوا على نفس الزنا، ولا يقبل دون الأربعة" (¬5). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) ضمن شروط شهود الزنا: "أن يكونوا أربعة، وهذا إجماع ليس فيه اختلاف بين أهل العلم" (¬6). وقال ابن القيم (751 هـ): "الحكم بأربعة رجال أحرار، وذلك في حد الزنا واللواط، أما الزنا فبالنص والإجماع" (¬7) ونقله عنه ابن قاسم (¬8). وقال شمس الدين الزركشي (772 هـ): "إن ثبت الزنا بالبينة اعتبر أن يكون أربعة، وهذا إجماع في الجملة والحمد للَّه" (¬9). ¬
وقال ابن فرحون (799 هـ): "في الشهادة على إثبات الزنا، وهي على أربعة أوجه: الوجه الأول: الشهادة على رؤية الزنا عيانًا، فهذا الوجه هو المتفق على أنه لا بد فيه من أربعة شهود" (¬1). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "أن يشهد عليه -أي على فعله- أربعة إجماعًا" (¬2). وقال المرداوي (885 هـ): "فلا يقبل فيه إلا شهادة أربعة رجال أحرار بلا نزاع" (¬3). وقال الشوكاني (1250 هـ) في شرحه لحديث عمر -رضي اللَّه عنه- وفيه: (والرجم في كتاب اللَّه حق على من أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف) (¬4): " (إذا قامت البينة) أي شهادة أربعة شهود ذكور بالإجماع" (¬5). وقال الشنقيطي (1393 هـ): "وأجمع العلماء أن بينة الزنا، لا يقبل فيها أقل من أربعة عدول ذكور" (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (¬7). الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ¬
[88/ 29] يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الشهادة أن يكون الشهود رجالا.
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬1) الدليل الثالث: قول اللَّه تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)} (¬2). • وجه الدلالة: في الآيات الثلاث نص على اشتراط أربعة شهود في الزنا. الدليل الرابع: عن سعد بن عبادة -رضي اللَّه عنه- أنه قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: لو وجدتُ مع امرأتي رجلًا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: (نعم) (¬3). • وجه الدلالة: أن جواب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لسعد بن عبادة -رضي اللَّه عنه- يدل على اشتراط العدد في إثبات الزنا. الدليل الخامس: أن الزنا من أغلظ الفواحش فغلظت الشهادة فيه ليكون أستر (¬4). الدليل السادس: أن الزنا لا يكون إلا من اثنين فصارت الشهادة عليه كالشهادة على فعلين (¬5).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [88/ 29] يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الشهادة أن يكون الشهود رجالًا. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وثبت عليه الحد بموجب شهادة الشهود، فإن من شرط الشهود أن يكونوا رجالًا، ولا تقبل فيه شهادة النساء. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "فأجمع العلماء أن البينة في الزنا أربعة شهداء رجال عدول يشهدون بالصريح من الزنا لا بالكناية وبالرؤية ¬
كذلك والمعاينة" (¬1). وقال السمرقندي (450 هـ): "ولا تقبل فيها (¬2) شهادة النساء مع الرجال بلا خلاف" (¬3). وقال البيهقي (458 هـ): "لم أعلم أحدًا من أهل العلم خالف في أن لا يجوز في الزنا إلا الرجال" (¬4). وقال ابن العربي (543 هـ) عند تفسير قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (¬5): "قوله تعالى: {مِنْكُمْ} المراد به ها هنا الذكور دون الإناث؛ لأنه سبحانه ذكر أولًا {مِنْ نِسَائِكُمْ} ثم قال: {مِنْكُمْ} فاقتضى ذلك أن يكون الشاهد غير المشهود عليه، ولا خلاف في ذلك بين الأمة" (¬6). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن البيِّنة التي يثبت بها الزنا أن يشهد له أربعة عدول رجال ويصفون حقيقة الزنا" (¬7). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "فإن المسلمين اتفقوا على أنه لا يثبت الزنا بأقل من أربعة عدول ذكور" (¬8)، ونقله عنه ابن قاسم (¬9). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أن يكونوا رجالًا كلهم ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال ولا نعلم فيه خلافًا. . . ولا خلاف في أن الأربعة إذا كان بعضهم نساء أنه لا يكتفى بهم" (¬10)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬11). ¬
وقال القرطبي (671 هـ) عند تفسير قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (¬1): "ولا بد أن يكون الشهود ذكورًا؛ لقوله: {مِنْكُمْ} ولا خلاف فيه بين الأمة" (¬2). وقال النووي (676 هـ): "أجمعوا على أن البينة أربعة شهداء ذكور عدول، هذا إذا شهدوا على نفس الزنا، ولا يقبل دون الأربعة" (¬3). وقال ابن القيم (751 هـ): "الحكم بأربعة رجال أحرار، وذلك في حد الزنا واللواط، أما الزنا فبالنص والإجماع" (¬4) ونقله عنه ابن قاسم (¬5). وقال المرداوي (885 هـ): "فلا يقبل فيه إلا شهادة أربعة رجال أحرار بلا نزاع" (¬6). وقال الشوكاني (1250 هـ) في بيان بيِّنة الشهود في الزنا: "أي شهادة أربعة شهود ذكور بالإجماع" (¬7). وقال الشنقيطي (1393 هـ): "وأجمع العلماء أن بينة الزنا، لا يقبل فيها أقل من أربعة عدول ذكور" (¬8). ويمكن أن يضاف إليها النقولات التي ذكرت في منع قبول شهادة النساء في الحدود (¬9). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (¬10). • وجه الدلالة: أنه سبحانه ذكر أولًا {مِنْ نِسَائِكُمْ} فجعل المشهود عليه من الإناث، ثم قال: {مِنْكُمْ} أي من الرجال، لأن الآية تقتضي أن يكون ¬
الشاهد غير المشهود عليه (¬1). الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى ذكر أن المرأة عرضة للنسيان والضلال في أداء الشهادة، وهذا فيه شبهة تدرأ به الحد (¬3). ويضاف إلى ذلك الأدلة التي سبقت في منع قبول شهادة النساء في الحدود (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى جواز شهادة النساء في حد الزنا، والمرأتان تقومان مقام الرجل، وهو مروي عن عطاء، وحماد. وإليه ذهب ابن حزم فقال: "ولا يقبل في سائر الحقوق كلها من الحدود، والدماء، وما فيه القصاص، والنكاح، والطلاق، والرجعة، والأموال، إلا رجلان مسلمان عدلان، أو رجلان وامرأتان كذلك، أو أربع نسوة كذلك" (¬5). • دليل المخالف: الدليل الأول: القياس على الأموال، فكما تُقبل شهادة النساء في الأموال، فكذا الحدود (¬6) الدليل الثاني: أن الأصل استواء الرجال والنساء في الأحكام، ولا يوجد نص صريح صحيح يخرج النساء عن قبول شهادتهن في الحدود. ¬
[89/ 2] يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الشهادة أن يكون الشهود عدولا.
Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لخلاف عطاء وشريح وحماد وابن حزم، ولذا حين ذكر ابن رشد المسألة قال: "فالذي عليه الجمهور أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود لا مع رجل ولا مفردات" (¬1)، فنسبه للجمهور، ولم يذكره إجماعًا. وكذا قال ابن قدامة في بعض المواضع: "وجمهور العلماء على أنه يشترط أن يكونوا رجالًا" (¬2). ولعلَّ من حكى الإجماع في المسألة لم يعتبر قول المخالف، وجعله من قبيل الشاذ، كما وصفه ابن قدامة بقوله في صفة شهود الزنا: "أن يكونوا رجالًا كلهم، ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال، ولا نعلم فيه خلافًا، إلا شيئا يروى عن عطاء، وحماد، أنه يقبل فيه ثلاثة رجال وامرأتان، وهو شذوذ لا يعول عليها" (¬3). [89/ 2] يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الشهادة أن يكون الشهود عدولًا. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف العدالة لغة واصطلاحًا: العدالة في اللغة: يطلق العدل في اللغة على معنيين: الأول: الحق، ومنه الاستقامة والتوسط في الأمور، وهو ضد الجور، ومنه: تعديل الشيء تقويمه، يقال عدلته فاعتدل، أي قومته فاستقام، وهو التوسط بين أمرين، قال الجرجاني: "العدل عبارة عن الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط" (¬4)، ومنه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (¬5) أي عدولًا، كما بينه أهل التفسير (¬6). ويقال عدل عليه في القضية فهو عادل، وبسط الوالي عدله ومَعْدِلَتَه -بكسر ¬
الدال وفتحها، وفلان من أهل المَعْدَلَة -بفتح الدال-، أي: من أهل العدل، ورجل عدل، أي: رضا ومقنع في الشهادة. الثاني: المِثل، ومنه قوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} (¬1). ولفظ "عدل" لا يُثنى ولا يجمع ولا يؤنث، يقال: رجل عدل ورجلان عدل، ورجال عدل، وامرأة عدل، ونسوة عدل، كل ذلك على معنى رجال ذوو عدل، ونسوة ذوات عدل، فهو لا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث، فإن رأيته مجموعًا، أو مثنى أو مؤنثًا، فعلى أنه قد أجرى مجرى الوصف الذي ليس بمصدر (¬2). العدالة اصطلاحًا: العدالة في الاصطلاح الشرعي عند الفقهاء هي: "الصلاح في الدين واستعمال المروءة"، وحاصل هذا التعريف يتلخص في أمور ثلاثة: الأول: اجتناب الكبائر. الثاني: عدم الإصرار على الصغائر. الثالث: البعد عن كل ما يخل بالمروءة. وقد بيَّن هذه الأمور الثلاثة العز بن عبد السلام وذَكر أن ما زاد على هذه الصفات الثلاث فهو من الزيادات المستحبة، ولكنها ليست شرطًا في العدالة (¬3). ونص عليها أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "أما تفسير العدالة المشروطة في هؤلاء الشهداء: فإنها الصلاح في الدين والمروءة. ¬
والصلاح في أداء الواجبات وترك الكبيرة والإصرار على الصغيرة. والصلاح في المروءة استعمال ما يجمله ويزينه واجتناب ما يدنسه ويشينه. فإذا وجد هذا في شخص كان عدلًا في شهادته" (¬1) وقال الشافعي: "وليس للعدل علامة تفرق بينه وبين غير العدل في بدنه ولا لفظه وإنما علامة صدقه بما يختبر من حاله في نفسه، فإذا كان الأغلب من أمره ظاهر الخير قُبل، وإن كان فيه تقصير عن بعض أمره، لأنه لا يعرى أحد رأينا من الذنوب" (¬2). وقال الماوردي: "العدالة: أن يكون صادق اللهجة، ظاهر الأمانة، عفيفًا عن المحارم، متوقيًا للمآثم، بعيدًا عن الريب، مأمونًا في الرضا والغضب، مستعملًا لمروءة مثله في دينه" (¬3). وليس المقصود من العدل أن يكون بريئًا من كل ذنب، وإنما المراد أن يكون الغالب عليه التدين، والتحري في فعل الطاعات، ولذا فقد ذكر الشافعي أنه لو كان العدل من لا ذنب له لم نجد عدلًا، ولو كان كل مذنب عدلًا لم نجد مجروحًا، ولكن العبرة بالأغلب، فقال: "لا نعلم أحدًا أعطي طاعة اللَّه تعالى حتى لم يخلطها بمعصية، إلا يحيى بن زكريا، ولا عصى اللَّه عز وجل فلم يخلط بطاعة، فإذا كان الأغلب الطاعة، فهو المُعدَّل، وإذا كان الأغلب المعصية، فهو المجرَّح" (¬4). ¬
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وثبت ذلك عند الحاكم بموجب الشهادة عليه، فإن من شرط قبول الشهادة أن يكون الشهود كلهم عدول. بذلك يتبيَّن أن المراد اشتراط العدالة في الشهادة بحد الزنا، ويُلحق به غيره من الحدود، أما ما سوى ذلك مما يتعلق بالأموال، أو النكاح، أو رؤية الهلال، ونحو ذلك فهو غير مراد. • من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): "الإجماع يدل على أنه لا تجوز إلا شهادة عدل حر بالغ عاقل لما يشهد عليه" (¬1). وقال مسلم بن الحجاج (261 هـ) (¬2): "خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم كما أن شهادته مردودة عند جميعهم" (¬3). وقال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء على رد شهادة الفاسق" (¬4). وقال الماوردي (450 هـ): "لا خلاف في رد شهادة الفاسق" (¬5). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "أما العدالة: فإن المسلمين اتفقوا على اشتراطها في قبول شهادة الشاهد" (¬6). ¬
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وقد أجمعوا في الشهادة في الزنا وغيره أنه لا يجوز في ذلك كله إلا العدول" (¬1). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن البيِّنة التي يثبت بها الزنا أن يشهد له أربعة عدول رجال ويصفون حقيقة الزنا" (¬2). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "فإن المسلمين اتفقوا على أنه لا يثبت الزنا بأقل من أربعة عدول ذكور" (¬3)، ونقله عنه ابن قاسم (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ): "الشرط الرابع: العدالة ولا خلاف في اشتراطها" (¬5)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬6). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "أن يكونوا عدولًا، ولا خلاف في اشتراطها" (¬7). وقال القرطبي (671 هـ): "وقد أجمع المسلمون على أن شهادة الفساق لا تجوز" (¬8). ¬
وقال النووي (676 هـ): "أجمعوا على أن البينة أربعة شهداء ذكور عدول" (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "شهادة الفاسق مردودة بنص القرآن واتفاق المسلمين. وقد يجيز بعضهم الأمثل فالأمثل من الفساق عند الضرورة، إذا لم يوجد عدول ونحو ذلك، وأما قبول شهادة الفاسق فهذه لم يقلها أحد من المسلمين" (¬2). وقال الخازن (741 هـ): "إجماع الأمة على أن شهادة الفاسق لا تجوز" (¬3). وقال الزركشي الشافعي (794 هـ) في معرض كلامه على شهادة الفاسق: "لا خلاف في رده" (¬4). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ) في شروط الشهود: "عدول: ولا خلاف في اشتراطها" (¬5). وقال العبدري (897 هـ): "شهادة الفاسق مردودة اتفاقًا" (¬6). وقال الشنقيطي (1393 هـ): "لا خلاف بين العلماء في رد شهادة الفاسق وعدم قبول خبره" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (¬8)، ¬
والظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر في أصحاب الشهادة أن يكونوا عدولًا، والفاسق غير عدل، فلا تقبل شهادته (¬3). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر باختيار من نرتضيه من الشهداء، والفاسق غير مرضي لاحتمال الكذب في خبره (¬5). الدليل الثالث: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بالتوقف والتبيين عند نبأ الفاسق، والشهادة نبأ، فيجب التوقف في قبولها (¬7). الدليل الرابع: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مناديًا في السوق أنه لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، قيل: وما الظنين؟ قال: المتهم في ¬
دينه" (¬1). • وجه الدلالة: دل الحديث على عدم قبول شهادة من به تهمة، والفاسق متهم في خبره بين الصدق والكذب؛ لانتفاء العدالة عنه. الدليل الخامس: أنه مأثور عن عمر -رضي اللَّه عنه- حيث قال: "لا يؤسر رجل بغير العدول" (¬2). والمراد أنه لا يُحبس رجُل في حكم الإسلام بغير شهادة العدول (¬3). الدليل السادس: أن اللَّه عز وجل شرط العدالة في سائر الشهادات كالبيوع، والرجعة، فالشهادة على الزنا أعظم وتحتاج إلى مزيد احتياط، فكان اشتراط الشهادة لها من باب أولى (¬4). الدليل السابع: أن الفاسق متهم بالكذب في شهادته، فإن كثرة ارتكابه للمحرَّمات تدل على قلة الخوف منه تعالى، فيحتمل منه الشهادة بالزور، وهذا من الشبهات التي تدرأ بها الحدود (¬5). • المخالف للإجماع: ثمة قول بأن الفاسق لا تقبل شهادته إلا إن كان صاحب وجاهة ومروءة، فحينئذ تقبل شهادته (¬6). وبه قال أبو يوسف من الحنفية (¬7) (¬8). ¬
[90/ 2] لا يكتفى بظاهر العدالة في الشهود
• دليل المخالف: علل أبو يوسف لقوله بأن صاحب المروءة لا يجرؤ أحدٌ على أن يستأجره في الشهادة؛ لوجاهته، ويمتنع عن الكذب لمروءته، فالتهمة في حقه بعيدة (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لشذوذ الخلاف في المسألة، فإنه لم يخالف في ذلك إلا أبو يوسف في الفاسق الذي له وجاهة، وهو قول ليس عليه مستند، ولذا أجاب عنه فقهاء الحنفية أنفسهم، وذكروا بأن ما علل به أبو يوسف هو تعليل فاسد الاعتبار لا يصح؛ لأنه في مقابلة النص (¬2). [90/ 2] لا يكتفى بظاهر العدالة في الشهود • المراد بالمسألة: المراد بظاهر العدالة هو المسلم الذي ظاهره عدل وليس بفاسق، لكن لا تعرف عدالة باطنه (¬3)، فظاهره العدالة، أما عدالة باطنه فلم تظهر بمعرفةٍ سابقة، أو تزكية، أو نحو ذلك، قال النووي: "والمستور من عرفت عدالته ظاهرًا لا باطنًا" (¬4). ويتبيَّن أن المراد في المسألة هو فيما يتعلق بحد الزنا، أما ما سوى ذلك مما يتعلق بالأموال، أو النكاح، أو رؤية الهلال، ونحو ذلك فكل ذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال السمرقندي (539 هـ): "ولا يجوز القضاء بظاهر العدالة بالاتفاق" (¬5). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أجمعوا على أنه يشترط كونهم عدولًا ظاهرًا وباطنًا" (¬6) ونقله عنه الزركشي (¬7). وبمثله قال شمس الدين ابن ¬
قدامة (682 هـ) (¬1). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "ولا نعلم خلافًا في أنه لا تقبل فيه إلا شهادة العدول ظاهرا وباطنًا" (¬2). وقال ابن نجيم (970 هـ): "ولم يُكتف بظاهر العدالة اتفاقًا" (¬3). وقال ابن عابدين (1253 هـ): "ولم يُكتف بظاهر العدالة اتفاقًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع المالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) (¬7). الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعًا) (¬8). • وجه الدلالة: الحديثان دليلان على درء الحدود بالشبهات، فلا بد في الشهاد من معرفة عدالته على سبيل اليقين من باب الاحتياط، وكونه غير معلوم العدالة شبهة تدرأ بها الحدود (¬9). الدليل الثاني: أن من ظاهره العدالة فيجوز أن يكون فاسقًا، والفاسق لا تقبل شهادته (¬10). ¬
[91/ 2] يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الشهادة أن يكون الشهود أحرارا.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [91/ 2] يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الشهادة أن يكون الشهود أحرارًا. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وثبت ذلك عند الحاكم بموجب الشهادة، فإنه يشترط لقبول الشهادة أن يكون الشهود كلهم أحرار، ولا تُقبل شهادة المملوكين الأرقاء في الزنا. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ) في شروط شهود الزنا: "الشرط الثالث: الحرية، فلا تقبل شهادة العبيد، ولا نعلم في ذلك خلافًا، إلا رواية حكيت عن أحمد وهو قول أبي ثور" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). ويضاف إليها النقولات السابقة في الإجماع على اشتراط الحرية في قبول الشهادة في الحدود (¬3). مستند الإجماع، والمخالف، ودليل المخالف: سبق بيان مستند الإجماع، ومن خالف، وأدلتهم، ونتيجة المسألة، وذلك في المسائل العامة في الحدود، في المسألة تحت عنوان: "لا تقبل شهادة العبد في الحدود". وإنما أضيف في هذه المسألة نصوص أهل العلم ممن نص على الإجماع على اشتراط الحرية للشهادة في الزنا. • والحاصل أن نتيجة المسألة هي: عدم صحة الإجماع؛ لثبوت الخلاف عن الحنابلة، والظاهرية، وبعض التابعين، بل حُكي إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على قبول شهادة العبد، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[92/ 2] يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الشهادة أن يصف الشهود حقيقة الزنا برؤية ذكره في قبلها.
[92/ 2] يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الشهادة أن يصف الشهود حقيقة الزنا برؤية ذكره في قبلها. • المراد بالمسألة: إذا شهد شهود على شخص بما يوجب حد الزنا، فإن من شرط قبول شهادتهم أن يصفوا الزنا بأنهم رأو ذكره دخل في قبلها، حتى غابت الحشفة. ويتبيَّن مما سبق أن غير ذلك من الأوصاف كالمكان، أو الزمان، أو تحديد عين الزاني، أو الزانية، وغير ذلك، فكل ذلك غير مراد (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا يختلف اثنان من الأمة في أن شهادتهم التي يكلفونها هي أن يشهدوا بأنهم رأوا فرجه في فرجها والجًا خارجًا، والإجماع قد صح بأن ما عدا هذه الشهادة ليست شهادة بزنا ولا يبرأ بها القاذف من الحد" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: جاء الأسلمي إلى نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فشهد على نفسه أنه أصاب امرأةً حرامًا أربع مرات، كل ذلك ¬
[93/ 2] الشهادة في الحال تسمع على حد الزنا.
يعرض عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأقبل في الخامسة، فقال: (أنكتها؟ ) قال: نعم، قال: (حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ ) قال: نعم، قال: (كما يغيب المرود في المكحلة، والرشاء في البئر؟ ) قال: نعم، قال: (فهل تدري ما الزنا؟ ) قال: نعم، أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من امرأته حلالًا" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استفسر من ماعز عن حقيقة الزنا، وأنه قد غاب منه في فرجها كما يغيب المرود في المكحلة. الدليل الثاني: يحتمل أن يكون المشهود به لا يوجب حد الزنا، فوجب على الحاكم أن يستفسر عن حقيقة الزنا (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [93/ 2] الشهادة في الحال تسمع على حد الزنا. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وثبت عليه ذلك بموجب شهادة الشهود، وكانت شهادتهم قد أُديت بعد الجريمة بمدة أقل من شهر، فإنه على الإمام أن يسمع شهادتهم، ويقبلها، إذا توفرت سائر الشروط. ويتبيَّن من ذلك أنه إن تقادمت الشهادة بأن أدُّوها بعد شهر أو أكثر من وقت الجريمة فذلك غير مراد (¬3). • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن الشهادة في الحال تسمع على القذف والزنا وشرب الخمر" (¬4). ¬
[94/ 35] إذا شهد اثنان أنه زنا بها مكرهة وشهد أثنان أنه زنى بها مطاوعة فلا حد على واحد منهما.
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن الأصل في الشهادة قبولها حتى يرد الدليل على المنع، فإن أُديت الشهادة بعد وقوع الجريمة بزمن قليل فالأصل قبولها حتى يرد الدليل على المنع، وليس ثمة دليل يمنع من ذلك.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [94/ 35] إذا شهد اثنان أنه زنا بها مكرهة وشهد أثنان أنه زنى بها مطاوعة فلا حد على واحد منهما. • المراد بالمسألة: إذا شهد أربعة على امرأة بما يوجب حد الزنا، فادعت المرأة الإكراه، وكان اثنان منهما شهدا أنها كانت مطاوعة على فعل الزنا، وشهد الآخران بأنها كانت مُكرهة على ذلك، فإنه لا يُقام حد الزنا على الرجل، ولا على المرأة. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لو شهد أربعة بالزنا بامرأة، فشهد اثنان أنه استكرهها، واثنان أنها طاوعته، لا حد على المرأة بالإجماع" (¬4). وقال ابن هبيرة (650 هـ): "اتفقوا على أنه إذا شهد نفسان أنه زنا ¬
بها وهي مطاوعة، وآخران أنه زنا بها وهي مكروهة، فلا حد على واحد منهما" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "إن شهد أنه زنى بها مطاوعة، وشهد آخران أنه زنى بها مكرهة، فلا حد عليها إجماعًا" (¬2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (620 هـ) (¬3). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "وإن شهدا أنه زنى بها مطاوعة، وشهد آخران أنه زنى بها مكرهة، لم تكمل شهادتهم على الأشهر؛ لأن فعل المطاوعة غير المكرهة، فعلى هذا لا يحد الرجل اختاره أكثر الأصحاب، ولا المرأة بغير خلاف نعلمه" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وابن حزم (¬7). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)} (¬8). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬9). الدليل الثالث: قال تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)} (¬10). ¬
وجه الدلالة من الآيات السابقة: الآيات دلَّت على اشتراط أربعة شهود لإقامة حد الزنا بموجب الشهادة، فإذا شهد اثنان بأنها مكرهة، وشهد آخران بأنها كانت مطاوعة، فالشهادة هنا صارت على فعلين، ولم يكتمل العدد في كل فعل (¬1). الدليل الرابع: أن كل شاهدين منهما يكذبان الآخرين، وذلك يمنع قبول الشهادة، لأنه يكون من جملة الشبهة التي تدرأ بها الحدود (¬2). الدليل الخامس: لأن شاهدي المطاوعة قاذفان لها؛ لأنهما تكمل البينة عليها، فلا تقبل شهادتهما على غيرها (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه يجب الحد على الرجل دون المرأة. وبه قال أبو يوسف ومحمد من الحنفية (¬4)، وبعض المالكية (¬5)، وبعض الشافعية (¬6)، واختاره أبو الخطاب من الحنابلة (¬7)، وابن حزم من الظاهرية (¬8). • دليل المخالف: استدل من أوجب الحد على الرجل بأن الشهادة كملت على وجود الزنا منه، واختلاف الشهود إنما هو في حق المرأة، أما في حق الرجل فلا خلاف في صفتها (¬9).Rيتحصل مما سبق أن المسألة على قسمين: الأول: في حق ¬
[95/ 2] ثبوت حد الزنا بالإقرار.
المرأة، يظهر صحة الإجماع على سقوط الحد عن المرأة؛ لعدم المخالف. الثاني: في حق الرجل، فالمسألة فيه ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الحنفية، وبعض المالكية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة. وعلى هذا فما سبق من نقل ابن هبيرة وابن قدامة وغيرهما صواب؛ لأن ابن هبيرة حكى الاتفاق على سقوط الحد في حق الرجل والمرأة وأراد اتفاق المذاهب الأربعة، وأما ابن قدامة فحكى الإجماع على سقوط الحد عن المرأة فقط، واللَّه تعالى أعلم. [95/ 2] ثبوت حد الزنا بالإقرار. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الإقرار: الإقرار لغة: الإقرار مشتق من أقرَّ يقرُّ إقرارًا، وأصله في اللغة يطلق على معنيين: الأول: القَر، وهو البرد. الثاني: الثبات، والاستقرار، والتمكن. قال ابن فارس: "القاف والراء أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدهما على بَرْد، والآخر على تمكُّن" (¬1). ولفظ الإقرار في هذا الفصل هو من الأصل الثاني الذي يدل على التمكن والثبوت، ومن ذلك: يقال: تقرر الأمر على كذا: أي ثبت، ومنه قوله تعالى: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (¬2). ويقال: أقَرّ اللَّه عينَك: أي بَلّغَك أُمْنيَّتك حتى تَرْضى نفْسُك وتَسْكُن عيْنُك فلا تستشرف إلى غيره. ويطلق الإقرار على الاعتراف والإذعان، وهو ضد الجحود، يُقال: أقر ¬
بالحق: أي اعترف به، وهو من مادة التمكن، أي تمكن الأمر وثبت عليه، وذلك أنه إذا أقَرَّ بحقٍّ فقد أقرَّهُ قرارَهُ، وثبّته. ويطلق أيضًا على البيان والتوضيح، يُقال: أقر الكلام له: أي بيّنه له حتى عرفه، وهو من معنى الثبوت أيضًا، والمراد أن المعنى ثبت عنده مبينًا موضحًا (¬1). الإقرار اصطلاحًا: تنوعت عبارات الفقهاء في حد الإقرار بالمعنى الشرعي، وإن كانت تؤدي لمعنى واحد، وحاصل تلك التعاريف أن يقال: هي: الإخبار عن حق ثابت على المُخبِر (¬2). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، ثم أقر على نفسه بارتكاب ذلك الفعل، فإنه يثبت عليه حد الزنا، إذا توفرت سائر الشروط. والمراد هنا تقرير الإجماع على أن الإقرار يثبت به حد الزنا في الجملة، أما ما يتعلق بمسائل الإقرار من العدد المشترط فيه، ونحو ذلك فكل ذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال الماوردي (450 هـ) في أن من أقر على نفسه مرة أقيم عليه الحد: "لأنه قول أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، ولا مخالف لهما في الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، فكان إجماعًا" (¬3). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من ¬
أقر بالزنا، وهو حر، بالغ، غير سكران، ولا مكره، في أربع مجالس متفرقة، وثبت على إقراره حتى أقيم عليه جميع الحد، فإنه قد أقيم عليه الحد الواجب" (¬1) ونقله عنه المطيعي (¬2) (¬3). وقال ابن رشد (595 هـ): "أجمع العلماء على أن الزنا يثبت بالإقرار وبالشهادة" (¬4). وقال الزيلعي (743 هـ): "أما الإجماع فلأن الأمة أجمعت على أن الإقرار حجة في حق نفسه، حتى أوجبوا عليه الحدود والقصاص بإقراره" (¬5). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "والإقرار كالشهادة إجماعًا" (¬6)، أي في ثبوت الحد به. وقال عليش (1299): "ثبت الزنا على المكلف بإقرار منه به على نفسه، رجلًا كان أو امرأة، مرة واحدة، اتفاقًا" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنابلة (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن ¬
مالك الأسلمي -رضي اللَّه عنه- أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قومه فقال: (أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا)، فقالوا: ما نعلمه إلا وفيّ العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم، قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام على ماعز والغامدية الحد بموجب إقرارهما. الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: "كان فيما أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه تعالى، والرجم في كتاب اللَّه حق على من أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، ¬
[96/ 2] يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الإقرار أن يكون الإقرار صريحا.
أو كان الحبل، أو الاعتراف" متفق عليه (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [96/ 2] يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الإقرار أن يكون الإقرار صريحًا. • المراد بالمسألة: إذا أقر شخص على نفسه بما يوجب الحد، فإن من شرط قبوله أن يصرح بصفة زناه، بكونه أدخل ذكره في فرجها حتى غابت الحشفة. ويتبيَّن من ذلك أن تفصيل الفعل في غير ذلك كالمكان أو الزمان أو غيره غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ): "وأما الاعتراف فهو الإقرار من البالغ العاقل بالزنا صراحًا، لا كناية، فإذا ثبت على إقراره، ولم ينزع عنه، وكان محصنًا وجب عليه الرجم، وإن كان بكرًا جلد مائة، وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: جاء الأسلمي إلى نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فشهد على نفسه أنه أصاب امرأةً حرامًا أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأقبل في الخامسة، فقال: (أنكتها؟ ) قال: نعم، قال: (حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ ) قال: نعم، قال: كما يغيب المرود في ¬
[97/ 38] إن رجع المقر بالزنا عن إقراره سقط عنه الحد.
المكحلة، والرشاء في البئر؟ ) قال: نعم، قال: (فهل تدري ما الزنا؟ ) قال: نعم، أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من امرأته حلالًا" (¬1). الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: "لما أتى ماعز بن مالك -رضي اللَّه عنه- النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت)، قال: لا يا رسول اللَّه، قال: (أنكتها)، لا يكني، قال فعند ذلك أمر برجمه" (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- استفسر من ماعز إقراره حتى فصَّل ما أقر به بأنه ارتكب ما يوجب الحد بتغييب الحشفة في الفرج (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [97/ 38] إن رجع المقر بالزنا عن إقراره سقط عنه الحد. • المراد بالمسألة: إذا أقر شخص على نفسه بما يوجب حد الزنا، ثم رجع عن إقراره صريحًا قبل إقامة الحد عليه، أو أثناء إقامة الحد عليه، فحينئذ يبطل إقراره الأول، ويسقط عنه الحد. ويتبين مما سبق أنه لو لم يصرِّح بالرجوع كأن هرب حين رجموه، أو قال: لا تحدُّوني فسقوط الحد حينئذ محل خلاف غير مراد في المسألة (¬4). • من نقل الإجماع: قال الطحاوي (321 هـ): "قد رأيناهم جميعًا لما رووا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المقر بالزنا لمَّا هرب فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لولا خليتم سبيله) فكان ذلك عندهم على أن رجوعه مقبول، واستعملوا ذلك في سائر حدود اللَّه عز وجل، فجعلوا من أقر بها ثم رجع، قُبل رجوعه، ولم يخصُّوا الزنا بذلك ¬
دون سائر حدود اللَّه" (¬1). وقال الماوردي (450 هـ): "روي أن رجلًا أقر عند عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- بالزنا ثم رجع عنه، فتركه وقال: "لأن أترك حدًا بالشبهة أولى من أن أقيم حدًا بالشبهة" (¬2). ووافق أبا بكر رضي اللَّه عنه على مثل هذا، وليس لهما في الصحابة -رضي اللَّه عنهم- مخالف، فكان إجماعًا" (¬3). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أنه إذا أقر بالزنا ثم رجع عنه فإنه يسقط الحد عنه ويقبل رجوعه، إلا مالكًا" (¬4)، ونقله عنه ابن قاسم (¬5). وقال أبو الحسن الشاذلي (939 هـ) (¬6): " (وإن رجع المقر بالزنا أُقيل وتُرك) ولا تتعرض له، ظاهره سواء رجع إلى شبهة مثل أن يقول وطئت في نكاح فاسد فظننت أنه زنا أو لا، مثل أن يكذب نفسه من غير أن يبدي عذرًا، وهو كذلك في الأول اتفاقًا، وعلى المشهور في الثاني" (¬7). ¬
وقال دامان (1078 هـ): "صحة الرجوع بعد الإقرار: إجماعًا" (¬1). وقال عليش (1299 هـ): " (ويثبت بإقرار مرة، إلا أن يرجع مطلقًا) إلا أن يرجع المقر بالزنا عن إقراره فيقبل رجوعه ولا يحد رجوعًا (مطلقًا) (¬2) عن تقييده بكونه لشبهة، مثال رجوعه لشبهة: قوله وطئتُ حليلتي حائضًا فظننت أنه زنا فاعترفت به فلا يُحد اتفاقًا" (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: ما جاء في قصة ماعز حين أقر على نفسه بالزنا، وأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بإقامة الحد عليه، فلما وجد مس الحجارة، فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل (¬4)، فضربه به، وضربه الناس، حتى مات، فذكروا ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه فر حين وجد مس الحجارة، ومس الموت، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب اللَّه عليه) (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشد الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أن الأفضل لهم لو كانوا تركوه حين هرب، وهو يدل على أن ماعزًا لو رجع عن إقراره لسقط عنه الحد. الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد ¬
أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قومه فقال: (أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا)، فقالوا: ما نعلمه إلا وفيّ العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم، قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (¬1). الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت) قال: لا يا رسول اللَّه، قال: (أنكتها) لا يَكْني، قال: فعند ذلك أمر برجمه (¬2). الدليل الرابع: عن أبي أمية المخزومي (¬3) أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي بلص اعترف اعترافًا ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما إخالك سرقت) قال: بلى، قال: (اذهبوا به فاقطعوه)، ثم جيئوا به، فقطعوه، ثم جاءوا به، ¬
فقال له: (قل أستغفر اللَّه وأتوب إليه) فقال: أستغفر اللَّه وأتوب إليه، قال: (اللهم تب عليه) (¬1). • وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عرَّض لماعز والغامدية والسارق ليرجعوا عن إقرارهم، ولو كان الحد لا يسقط برجوعهم لم يكن لتعريضه -صلى اللَّه عليه وسلم- فائدة. الدليل الخامس: ما ثبت عن بعض الصحابة -رضي اللَّه عنهم- من تلقين المقر ليرجع عن إقراره، وهو مروي عن أبي أبكر، وعمر، وعلي، وابنه الحسن، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وعمرو بن العاص، وأبي واقد الليثي رضي اللَّه عنهم، كما قال ابن حجر: "ثبت عن جماعة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- تلقين المقر بالحد" (¬2). بل نقل النووي الاتفاق على مشروعية تلقين المقر ليرجع عن إقراره فقال: "قد جاء تلقين الرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعن الخلفاء الراشدين، ومن بعدهم، واتفق العلماء عليه" (¬3)، ولو لم يُقبل رجوع المقر عن ¬
إقراره لما كان في تلقينه فائدة. الدليل السادس: أن رجوعه عن الإقرار خبر يحتمل الصدق، فهو يورث شبهة في إقامة الحد، والحدود تدرأ بالشبهات (¬1). الدليل السابع: أن الحد ثبت بقول من أقر على نفسه، فجاز أن يسقط برجوعه، كالردة (¬2). الدليل الثامن: القياس على رجوع الشهود عن شهادتهم. قال ابن عبد البر: "وقد أجمع العلماء على أن الحد إذا وجب بالشهادة وأقيم بعضه ثم رجع الشهود قبل أن يقام الحد أو قبل أن يتم أنه لا يقام عليه، ولا يتم ما بقي منه بعد رجوع الشهود، فكذلك الإقرار والرجوع" (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في المسألة جماعة من أهل العلم وهم على قولين: القول الأول: لا يقبل رجوع المقر في إقراره، إن كان رجوعه إلى غير شبهة. فإن تبيَّن أنه رجع لشبهة فيقبل رجوعه، وكأن يقول: وطئتُ المرأة وظننت أنها زوجتي، فبانت بخلافه، فيقبل منه ذلك الرجوع، أما إن كان رجوعه ليس فيه بيان لعذر الرجوع فلا يُقبل منه. وهو قول للمالكية (¬4). القول الثاني: لا يُقبل رجوع المقر عن إقراره مطلقًا. وهو قول في مذهب الشافعي (¬5)، . . . ¬
وقول في مذهب أحمد (¬1)، والظاهرية (¬2). وبه قال الحسن البصري، وسعيد بن جبير، وابن أبي ليلى (¬3). • دليل المخالف: الدليل الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قام بعد أن رُجم الأسلمي فقال: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى اللَّه عنها، فمن ألمَّ فليستتر بستر اللَّه، وليتب إلى اللَّه؛ فإنه من يُبد لنا صفحته نقم عليه كتاب اللَّه عز وجل) (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر بأنه من أبدى صفيحته بالمعصية، فإنه يقام عليه الحد، ولم يذكر أن له الرجوع عن ذلك (¬5). الدليل الثاني: أن المقر قد ثبت في حقه الحد بإقراره، فادعاء سقوطه يحتاج إلى برهان وبينة، فإن لم يكن له بينة حُكم عليه بما أقر أولًا (¬6). الدليل الرابع: القياس على حقوق الآدميين، فكما أن من أقر بشيء لآدمي، لم يُقبل رجوعه، فكذا في حقوق اللَّه تعالى من الزنا ونحوه.Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض التابعين، وهو قول للمالكية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة، وابن حزم، وما حكي من إجماع الصحابة فهو من قبيل ¬
[98/ 2] لو قذف الرجل زوجته فصدقته، وأقرت بالزنا أربع مرات، ثم رجعت عن إقرارها، سقط عنها الحد.
الإجماع السكوتي الظني، وما نقله ابن هبيرة رحمه اللَّه من الاتفاق فهو يريد الأئمة الثلاثة لذلك استثنى مالكا رحمه اللَّه من الاتفاق، وأما علماء الحنفيه فأرادوا به الاتفاق المذهبي، واللَّه تعالى أعلم. [98/ 2] لو قذف الرجل زوجته فصدَّقته، وأقرت بالزنا أربع مرات، ثم رجعت عن إقرارها، سقط عنها الحد. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص امرأته بالزنا، فصدقته المرأة، وثبت عليها الحد بأن أقرت بذلك أربع مرات، ثم رجعت عن إقرارها، فإنه لا يُقام عليها الحد، ويُقبل رجوعها عن إقرارها. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "الرجل إذا قذف امرأته، فصدقته، وأقرت بالزنا مرة، أو مرتين، أو ثلاثًا، لم يجب عليها الحد؛ لأنه لا يثبت إلا بإقرار أربع مرات. . . ولو أقرت أربعًا، وجب الحد، ولا لعان بينهما إذا لم يكن ثَمَّ نسبٌ يُنفى، وإن رجعَتْ سقط الحد عنها، بغير خلاف علمناه" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) فيما لو قذف الرجل امرأته فصدَّقته: "ولو أقرت أربعًا وجب الحد ولا لعان بينهما، إذا لم يكن ثَم نسبٌ يُنتفى، وإن رجعت سقط الحد عنها بغير خلاف علمناه" (¬2). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ) فيما لو قذف الرجل امرأته فصدَّقته: "وإن أقرَّت أربعًا وجب الحد ولا لعان، إذا لم يكن ثَمَّ نسبٌ يُنفى، وإن رجعت سقط الحد عنها بغير خلاف علمناه" (¬3). ويمكن أن يضاف إلى ذلك نقولات أهل العلم التي سبق ذِكرها في حكاية الإجماع على جواز رجوع المقر عن إقراره (¬4). ¬
[99/ 2] العبد إذا أقر بالزنا يجب عليه الحد سواء أقر بذلك السيد أو أنكره.
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع، والمخالف، ودليل المخالف معRهذه المسألة هي فرع عن المسألة السابقة: "إن رجع المقر بالزنا عن إقراره سقط عنه الحد" (¬3). وقد سبق فيها ذكر مستند الإجماع فيها، والمخالف، مع أدلة المخالف، وإنما ذكرتُها هنا لوجود من نص عليها في هذا الباب. • وحاصل النتيجة في المسألة: المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض التابعين، وهو قول للمالكية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة، وابن حزم، واللَّه تعالى أعلم. [99/ 2] العبد إذا أقر بالزنا يجب عليه الحد سواء أقر بذلك السيد أو أنكره. • المراد بالمسألة: إذا أقر العبد بما يوجب على نفسه حد الزنا، فإنه يجب على الإمام إقامة الحد عليه، سواء أقر سيد العبد بأن عبده زنى، أو أنكر ذلك. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن العبد إذا أقر بالزنا أن الحد يجب عليه، أقر بذلك المولى أو أنكر" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وابن حزم من الظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عموم الأدلة الدالة على وجوب إقامة الحد ¬
بالإقرار، ولم يأت في شيء من النصوص استثناء العبد من ذلك (¬1). • وجه الدلالة: أمر اللَّه بقبول إقرار المرء على نفسه، وهو عام في العبد والحر. الدليل الثاني: أن وجوب الحد مبني على ثبوت الجناية، وصحة الحكم بالجناية مبني على كونه مكلفًا، والعبد مكلَّف، فيصح إقراره (¬2). الدليل الثالث: أن العبد باق على أصل الحرية في بدنه، بدليل أنه ليس للسيد أن يسفك دم عبده، ولا أن يشهد عليه بشيء بدون بينة، فبدن العبد ليس ملكًا لسيده، ولذا فالعبد ليس بمملوك من حيث إنه آدمي، وإنما هو مملوك من حيث إنه مال (¬3). الدليل الرابع: لأن طبع الإنسان يمنعه عن الكذب على نفسه بما يوجب قتله، أو قطع جزء من بدنه، فتهمة الكذب في إقراره منتفية (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة إلى عدم صحة إقرار العبد على نفسه بما يوجب الحد. وهو قول الظاهرية (¬5)، وبه قال محمد بن الحسن (¬6)، وهو قول عند الحنابلة (¬7). • دليل المخالف: استدل المانعون من قبول العبد على نفسه بأن العبد مسترق لسيده، وفي إقراره إتلاف لحقوق سيده (¬8).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ ¬
[100/ 2] إذا وجب الحد بالشهادة وأقيم بعضه ثم رجع الشهود قبل أن يقام الحد أو قبل إتمامه فإنه لا يقام ولا يتم ما بقي منه بعد رجوع الشهود.
لثبوت الخلاف عن الظاهرية ومحمد بن الحسن، وهو قول عند الحنابلة، ولعل ابن المنذر لم يعتبر الخلاف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [100/ 2] إذا وجب الحد بالشهادة وأقيم بعضه ثم رجع الشهود قبل أن يقام الحد أو قبل إتمامه فإنه لا يقام ولا يتم ما بقي منه بعد رجوع الشهود. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص حد الزنا بموجب الشهود، ثم تراجع الشهود أو بعضهم عن شهادتهم وكذَّبوا أنفسهم، قبل إقامة حد الزنا، فإن حد الزنا يسقط حينئذٍ، وكذا لو رجعوا عن شهادتهم في أثناء الحد فإنه لا يُكمل الحد عليه، ويسقط عنه باقي الحد. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "وقد أجمع العلماء على أن الحد إذا وجب بالشهادة وأقيم بعضه ثم رجع الشهود قبل أن يقام الحد أو قبل أن يتم أنه لا يقام عليه، ولا يتم ما بقي منه بعد رجوع الشهود، فكذلك الإقرار والرجوع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن رجوع الشهود أورث شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات (¬6). الدليل الثاني: أن اللَّه تعالى أوجب الحد بموجب الشهادة أو الإقرار، فإذا ¬
[101/ 2] إن شهدوا على رجل بالزنا وقالوا تعمدنا النظر إلى فرجيهما للتلذذ لا تقبل شهادتهم.
رجع الشهود عن شهادتهم فقد تناقض كلامهم، وصار غير معتبر، ولم يبق ما يوجب الحد (¬1). • المخالفون للإجماع: حكي عن أبي ثور أنه إن أدَّى شهادته، فليس له الرجوع فيها، ولو رجع لم يُقبل رجوعه (¬2). • دليل المخالف: أنها شهادة قد أدَّاها الشاهد وقُبلت، فلا تبطل إلا بدليل شرعي، ولا يبطلها رجوع الشاهد (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم، وخلاف أبي ثور هو من قبيل الشاذ، كما وصفه بذلك الموفق ابن قدامة بقوله: "وحكي عن أبي ثور أنه شذ عن أهل العلم وقال: يحكم بها؛ لأن الشهادة قد أديت، فلا تبطل برجوع من شهد بها" (¬4)، واللَّه تعالى أعلم. [101/ 2] إن شهدوا على رجل بالزنا وقالوا تعمدنا النظر إلى فرجيهما للتلذذ لا تقبل شهادتهم. • المراد بالمسألة: إذا شهد أربعة على شخص بما يوجب حد الزنا، وقالوا في شهادتهم بأنهم تعمَّدوا النظر إلى فرجيهما بقصد التلذذ، فحينئذٍ ترد شهادتهم، ولا تقبل. ويتبيَّن مما سبق أنهما لو تعمَّدا النظر لغير قصد التلذذ وإنما لأجل إثبات الشهادة، أو نحو ذلك فهو غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "لو قالوا: تعمدنا النظر للتلذذ لا تقبل إجماعًا" (¬5) ونقله عنه دامان (¬6). وقال ابن نجيم (970 هـ): "لو قالوا: ¬
تعمدنا النظر للتلذذ لا تقبل شهادتهم إجماعًا" (¬1) ونقله البدر العيني (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع المالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن الشهود لا بد أن يكونوا عدولًا، وإذا تعمد الشهود النظر إلى فرجيهما بقصد التلذّذ دل ذلك على فسقهما، وشهادة الفاسق مردودة بالاتفاق (¬5). • المخالف للإجماع: ذكر بعض الفقهاء أن من نظر إلى الزانيين بقصد التلذذ فإن ذلك لا يرُد شهادتهم مطلقًا، وإنما يُنظر في حالهم، فإن لم يتكرر منهم ذلك الفعل، وكان غالب حالهم الطاعة قبلت شهادتهم. وبه قال بعض الشافعية (¬6). • دليل المخالف: أن النظر للزانيين من صغائر الذنوب، فإن لم يصر عليها الشاهد، وكان مجتنبًا للكبائر، فإنه يكون من العدول (¬7). ¬
[102/ 43] ولد الزنا لا تقبل شهادته في الزنا.
Rيظهر واللَّه أعلم أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الشافعية. ومن حكى الإجماع إما أنه لم يعتبر قول المخالف، أو أراد الإجماع المذهبي عند الحنفية، واللَّه تعالى أعلم. [102/ 43] ولد الزنا لا تقبل شهادته في الزنا. • المراد بالمسألة: إذا ثبت حد الزنا على شخص بموجب الشهادة، وكان الشهود الأربعة أو واحدًا منهم ولد زنا، فإن الشهادة تُرد، ولا يُقام الحد على المشهود عليه. ويتبيَّن مما سبق أن شهادة ولد الزنا في غير الزنا غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال القرطبي (671 هـ): "اتفقوا على ولد الزنا أن شهادته لا تجوز في الزنا" (¬1). • مستند الإجماع: علل القائلون بعدم جواز شهادة ولد الزنا على الزنا بالتهمة، وهي شبهة تدرأ بها الحدود. ووجه التهمة في ذلك من جهة أن ولد الزنا متهم بالحرص على التأسي ووجود من يكون مثله في كونه ولد زنا، كما قيل: "ودت الزانية لو أن النساء كلهن يزنين" (¬2)، وذلك حتى يشتهر الزنا ويصير كالنكاح، فلا معرة تلحقه فيما ينشأ عنه (¬3). ¬
• المخالفون للإجماع: ذهب جمهور أهل العلم إلى قبول شهادة ولد الزنا في الزنا. وهو مذهب الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4). • دليل المخالف: الدليل الأول: عموم النصوص الشرعية في قبول العدل قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (¬5). • وجه الدلالة: أن الآيات عامة في قبول شهادة العدل، ولم يُفرق بين ولد الزنا وغيره، وولد الزنا لم يفعل ما يستوجب عليه الفسق (¬6). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬7). • وجه الدلالة: أن ولد الزنا لم يفعل أمرًا قبيحًا، ولا يؤاخذ بما فعل والداه (¬8). الدليل الثالث: قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (¬9). • وجه الدلالة: أن اللَّه جعل من لم يُعرف أبوه إخوة لنا، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا (¬10). ¬
الدليل الرابع: أنه وُلِد عدل مقبول الشهادة في غير الزنا بالاتفاق، فيقبل في الزنا كغيره (¬1). الدليل الخامس: أن فسق الأبوين بالزنا لا يربو على كفرهما، وكفرهما غير مانع لشهادة الولد ولا موجب لفسقه، ففسقهما أولى (¬2). الدليل السادس: أن ولد الزنا تقبل شهادته في القتل، ففي الزنا من باب أولى (¬3). الدليل السابع: أن الزاني تقبل شهادته إذا تاب وهو فاعل الذنب، فقبول شهادة الولد من باب أولى؛ إذ لا يجوز أن يلزم الولد من الوزر أكثر مما لزم الأب (¬4). الدليل الثامن: أن ولد الزنا تقبل روايته فكذلك تقبل شهادته (¬5).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ بل الجمهور على قبول شهادة ولد الزنا، ولعل مراد القرطبي بالاتفاق على عدم قبول شهادة ولد الزنا في الزنا هو اتفاق المذهب المالكي على ذلك، واللَّه تعالى أعلم (¬6). ¬
[103/ 2] يقام حد الزنا على من زنا عالما تحريم الزنا، جاهلا عقوبته.
[103/ 2] يقام حد الزنا على من زنا عالمًا تحريم الزنا، جاهلًا عقوبته. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكان عالمًا بتحريم ما ارتكبه، لكنه يجهل عقوبة ذلك من الجلد أو الرجم، فإنه يُقام الحد عليه، وجهْله بالعقوبة لا يرفع عنه الحد. • من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "من زنى أو شرب أو سرق عالمًا تحريم ذلك، جاهلًا وجوب الحد، فيجب الحد بالاتفاق" (¬1). وقال القرافي (684 هـ): "إن علم التحريم وجهل الحد حُد اتفاقًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: ما جاء في قصة ماعز حين رُجم قال: "ردوني إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غير قاتلي" (¬5). • وجه الدلالة: ظاهر القصة أن ماعزًا لم يكن يعلم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سيقيم عليه حد الرجم، فلم يكن ذلك مُسقطًا للعقوبة عنه (¬6). الدليل الثاني: لأنه إذا علم التحريم كان الواجب عليه الامتناع عن فعل المعصية (¬7).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في عقوبة الزنا
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في عقوبة الزنا [104/ 2] ثبوت حد الزنا. • المراد بالمسألة: إذا أتى شخص امرأة لا تحل له، وفعل معها الزنى بتغييب حشفته في قُبلها، فقد أجمع أهل العلم على أن هذا الفعل موجب لإقامة الحد عليه، وأن هذا الحد شامل للأحكام الخاصة بالحدود، من تحريم تعطيلها أو الشفاعة فيها إذا بلغت الإمام. فإذا ثبت على شخص أنه ارتكب حد الزنا، وتوفَّرت فيه شروط إقامة الحد، فإن إقامة الحد عليه حينئذ محل إجماع. • من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): "نزلت: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬1)، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (قد جعل اللَّه لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬2) ودل اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أن هذا الحد إنما هو على الزناة دون غيرهم لم أعلم في ذلك مخالفًا من أهل العلم" (¬3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع فقهاء المسلمين وعلماؤهم من أهل الفقه والأثر من لدن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- إلى يومنا هذا أن المحصن من الزناة حده الرجم" (¬4). وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "الحد هو الجلد والتغريب على غير ¬
المحصن، والرجم على المحصن بالنص والإجماع" (¬1). وقال الرملي (1004 هـ) في مسألة إذا صال شخص على صبي بلواط، وصال آخر على امرأة بزنا فأيُّهما يُدفع أولًا: "قيل: يقدم الأول إذ لا يتصور إباحته، وقيل: الثاني للإجماع على وجوب الحد فيه" (¬2). وقال أبو بكر البكري (1310 هـ) (¬3) "حد الزنا مجمع عليه" (¬4). وقال محمد الجاوي (1316 هـ) (¬5): "حد الزنا مجمع عليه" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬7)، والحنابلة (¬8)، والظاهرية (¬9). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن البراء بن عازب -رضي اللَّه عنه- قال: مر على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيهودي محمَّمًا مجلودًا، فدعاهم -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (هكذا تجدون حد الزاني ¬
في كتابكم؟ )، قالوا: نعم، فدعا رجلًا من علمائهم، فقال: (أنشدك باللَّه الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ ) قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه) فأمر به فرجم. . . الحديث (¬1). • وجه الدلالة: في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هكذا تجدون حد الزاني) دليل على ثبوت حد الزنا. الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) (¬2). • وجه الدلالة: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فليجلدها الحد) دليل على أنه حد. الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه (¬3). الدليل الرابع: عن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا من أسلم يقال له ماعز بن مالك، أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إني أصبت فاحشة فأقمه عليّ، فرده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرارًا قال ثم سأل قومه؟ فقالوا: ما نعلم به بأسًا إلا أنه أصاب شيئًا يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد، قال فرجع إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمرنا أن نرجمه، ¬
[105/ 2] الرجم مجمع عليه كعقوبة في الزنا.
قال: فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد، قال، فما أوثقناه ولا حفرنا له، قال: فرميناه بالعظم والمدر والخزف، قال فاشتد واشتددنا، خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة - يعني الحجارة - حتى سكت، قال ثم قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطيبًا من العشي فقال: (أو كلما انطلقنا غزاة في سبيل اللَّه تخلف رجل في عيالنا له نبيب كنبيب التيس (¬1)، عليّ أن لا أوتى برجل فعل ذلك إلا نكلت به)، قال: فاستغفر له، ولا سبه (¬2). • وجه الدلالة: في قول الصحابة -رضي اللَّه عنهم- "يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد" دليل على أن الزنا من الحدود.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [105/ 2] الرجم مجمع عليه كعقوبة في الزنا. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص محصن ما يوجب حد الزنا، فإن من العقوبات المقررة على الزاني هي رجمه حتى يموت جزاء على معصيته. وينبَّه إلى أن المراد هنا تقرير أن الرجم كعقوبة في حد الزنا محل إجماع بين أهل العلم، أما شروط وجوب الرجم بكون الزاني محصنًا فمحل بحث آخر تأتي في مسألة مستقلة إن شاء اللَّه تعالى (¬3). • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن الحر إذا تزوج تزويجًا صحيحًا، ووطئها في الفرج، أنه محصن، يجب عليهما ¬
الرجم إذا زنيا" (¬1). وقال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "وقد ثبت الرجم عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، بفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبنقل الكافة، والخبر الشائع المستفيض الذي لا مساغ للشك فيه، وأجمعت الأمة عليه" (¬2). وقال ابن بطال (449 هـ): "فالرجم ثابت بسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبفعل الخلفاء الراشدين، وباتفاق أئمة أهل العلم" (¬3) ونقله عنه ابن حجر (¬4). وقال الماوردي (450 هـ): "والدليل على وجوب الرجم. . . . انعقاد الإجماع عليه حتى صار حكمه متواترًا" (¬5). وقال ابن حزم الظاهري (456 هـ): "اتفقوا كلهم -حاش من لا يعتد به بلا خلاف وليس هم عندنا من المسلمين- فقالوا إن على الحر والحرة إذا زنيا وهما محصنان الرجم حتى يموتا" (¬6). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع فقهاء المسلمين وعلماؤهم من أهل الفقه والأثر من لدن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- إلى يومنا هذا أن المحصن حده الرجم" (¬7). ¬
وقال القاضي عياض (544 هـ): "لا خلاف أنه لا يرجم غير المحصن" (¬1). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "فأما الثُيَّب الأحرار المحصنون، فإن المسلمين أجمعوا على أن حدهم الرجم" (¬2) وقال ابن قدامة (620 هـ): "وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلًا كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفًا إلا الخوارج" (¬3). وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمع الجمهور من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ومن بعدهم أن المحصن حده الرجم، وأما المبتدعة كالخوارج والمعتزلة فإنهم لا يرون رجم الزاني وإن أحصن، وإنما حده عندهم الجلد، ولا يعرج عليهم ولا يعدون خلافًا" (¬4). وقال أبو العباس القوطبي (656 هـ): "إذا زنى المحصن وجب الرَّجم بإجماع المسلمين" (¬5). وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة، ورجم المحصن وهو الثيب، ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة، إلا ما حكى القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة، كالنظام، وأصحابه، فإنهم لم يقولوا بالرجم" (¬6). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلًا كان أو امرأة، هذا قول عامة أهل العلم من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع ¬
الاعصار، ولا نعلم أحدًا خالف فيه إلا الخوارج" (¬1). وقال ابن تيمية (728 هـ): "ثبت الرجم بالسنة المتواترة، وإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬2). وقال العيني (855 هـ): "استحقاق الزاني المحصن للقتل وهو الرجم بالحجارة، وأجمع المسلمون على ذلك" (¬3). وقال ابن الهمام (861 هـ): "عليه إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ومن تقدم من علماء المسلمين" (¬4) ونقله عنه الملا علي القاري (¬5) (¬6). وقال ابن نجيم (970 هـ) في معرض كلامه على وجوب رجم الزاني المحصن: "وعلى هذا إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وإنكار الخوارج الرجم باطل" (¬7). والخطيب الشربيني (977 هـ): "الحد هو الجلد والتغريب على غير المحصن، والرجم على المحصن بالنص والإجماع" (¬8). وقال الملا علي القاري (1014 هـ): "الرجم عليه إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، ومن تقدم من علماء الأمة" (¬9). وقال المناوي (1031 هـ): "فرجم المحصن واجب بإجماع المسلمين" (¬10). وقال الزرقاني (1122 هـ): "قال الخوارج والمعتزلة: لا رجم مطلقًا، ¬
وإنما الحد الجلد لثيب أو بكر، وهو خلاف إجماع أهل الحق والسنة" (¬1). وقال الشوكاني (1255 هـ): "الرجم فهو مجمع عليه" (¬2). وقال الشنقيطي (1393 هـ): "أجمع أهل العلم على أن من زنى وهو محصن يرجم، ولم نعلم بأحد من أهل القبلة خالف في رجم الزاني المحصن، ذكرًا كان أو أنثى، إلا ما حكاه القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه" (¬3). وقال ابن عاشور (1393 هـ): "الزاني المحصن حده الرجم بالحجارة حتى يموت. وكان ذلك سنة متواترة في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورجم ماعز ابن مالك، وأجمع على ذلك العلماء" (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه-: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت" متفق عليه (¬5). ¬
الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه -رضي اللَّه عنه- قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال: (ويحك ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويحك، ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه طهرني؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فيم أطهرك)؟ فقال: من الزنا، فسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أبه جنون)؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: (أشرب خمرًا)؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، قال فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أزنيت)؟ فقال: نعم، فأمر به فرجم (¬1). الدليل الثالث: قصة الغامدية التي جاءت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (¬2). الدليل الرابع: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: "كان فيما أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان ¬
أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه تعالى، والرجم في كتاب اللَّه حق على من أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف" متفق عليه (¬1). الدليل الخامس: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬2). الدليل السادس: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف. وإنما خالف في ذلك طوائف من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة، وخلافهم ليس بمعتبر كما سبق بيانه (¬4)، وعلى ذلك درج الفقهاء في هذه المسألة، كما نص عليه غير واحد منهم أبو بكر الجصاص حيث قال: "قد أنكرت طائفة شاذة لا تعد خلافًا الرجم، وهم الخوارج" (¬5)، وقال ابن القطان: "أجمع الجمهور من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ومن بعدهم أن المحصن حده الرجم، وأما المبتدعة كالخوارج والمعتزلة فإنهم لا يرون رجم الزاني وإن أحصن، وإنما حده عندهم الجلد، ولا يعرج عليهم ولا يعدون خلافًا" (¬6)، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[106/ 2] الجلد مجمع عليه كعقوبة للزنا.
[106/ 2] الجلد مجمع عليه كعقوبة للزنا. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، فإن من المقرر في الشريعة أن الجلد من العقوبات التي شرعها اللَّه تعالى لحد الزنا. والمراد بهذه المسألة تقرير كون الجلد مما يجب به حد الزنا، أما تفصيل متى يجب الجلد، ومتى لا يجب فمسألة أخرى يأتي بيانها إن شاء اللَّه تعالى (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن به الجلد" (¬2). وقال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء أن قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬3)، في زنا الأبكار خاصة" (¬4). وقال ابن حزم (456 هـ): "الناس قد أجمعوا على أن الحر الزاني والحرة الزانية إذا كانا غير محصنين فإن حدهما مائة جلدة" (¬5). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "الزاني إذا لم يحصن حده الجلد دون الرجم، وهذا ما لا خلاف بين أحد من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ قال اللَّه عز وجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬6)، وأجمعوا أن الأبكار داخلون في هذا الخطاب (¬7). وقال السرخسي (483 هـ): "فأما الجلد فهو متفق عليه بين العلماء" (¬8). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "أجمعوا على أن حد البكر في الزنا جلد مائة" (¬9). وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا خلاف في وجوب الجلد على الزاني إذا لم ¬
يكن محصنًا" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). وقال ابن القطان (628 هـ): "الزاني إذا لم يحصن حده الجلد دون الرجم، ولا خلاف بين الأمة فيه؛ قال اللَّه عز وجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬3)، وأجمعوا أن الأبكار داخلون في هذا الخطاب" (¬4). وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة" (¬5). وقال الزركشي (773 هـ): "وإذا زنى الحر بالبكر جلد مائة جلدة، وغرب عامًا. . . وقد حصل اتفاق العلماء -وللَّه الحمد- على الجلد، بشهادة الكتاب والسنة بذلك" (¬6). وقال ابن حجر (852 هـ): "الجلد ثابت بكتاب اللَّه، وقام الإجماع ممن يعتد به على اختصاصه بالبكر، وهو غير المحصن" (¬7). وقال العيني (855 هـ): "أجمعوا على أن الزاني الذي ليس بمحصن حده جلد مائة" (¬8). وقال الرحيباني (1243 هـ) (¬9): "إن زنى غير محصن حر جلد مائة بلا خلاف" (¬10). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "لا خلاف في وجوب الجلد على الزاني، إذا لم يكن محصنًا" (¬11). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬1). الدليل الثاني: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬2). الدليل الثالث: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه-: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت" متفق عليه (¬3). الدليل الرابع: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه (¬4). ¬
الدليل الخامس: عن أبي عبد الرحمن قال: خطب علي -رضي اللَّه عنه- فقال: "يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: (أحسنت، اتركها حتى تماثل) (¬1). الدليل السادس: أنه مروي عن جملة من الصحابة رضي اللَّه عنهم فعن ابن عمر -رضي اللَّه عنه-: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ضرب وغرَّب، وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب" (¬2). ¬
[107/ 2] النفي مجمع عليه كعقوبة للزنا.
كما أن الضرب مروي عن عثمان وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وأبو ذر، وعبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنهم (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [107/ 2] النفي مجمع عليه كعقوبة للزنا. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف النفي لغة واصطلاحًا: النفي لغة: النفي هو الطرد والإبعاد، قال الزبيدي: "نفاه، ينفيه، نفيًا: نحَّاه وطرده وأبعده" (¬2). ويطلق عليه التغريب، وهما بمعنى واحد. النفي اصطلاحًا: اختلف الفقهاء في المراد بالنفي أو التغريب في حق الزاني غير المحصن ذكرًا كان أو أنثى على أقوال، أذكرها على سبيل الإجمال: ¬
القول الأول: النفي هو حبس الزاني في السجن، ذكرًا كان أو أنثى. وهو قول الحنفية (¬1)، ورواية عند الحنابلة (¬2). القول الثاني: إخراجه إلى بلد آخر غير البلد الذي زنى بها مسافة قصر، ويُحبس في تلك البلد، وهو خاص بالذكر، أما الأنثى فلا تغريب عليها. وهو قول المالكية (¬3). القول الثالث: هو إخراجه من بلده التي زنى فيها، إلى بلد آخر مسافة قصر، دون حبسه في ذلك البلد، وهو عام في الذكر والأنثى، إلا أن المرأة يكون معها محْرَم لها. وهو قول الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). القول الرابع: هو إخراجه من بلده إلى مسافة القصر في حق الرجل، أما المرأة فتغريبها يكون على دون مسافة القصر. وهو رواية عند الحنابلة (¬6). ¬
القول الخامس: النفي هو إخراجه من بلده إلى مكان آخر، ولو دون مسافة القصر. وهو قول أبي ثور، وابن المنذر، وإسحاق بن راهويه، وذكره ابن قدامة احتمالًا عن الإمام أحمد (¬1). • من نقل الإجماع: قال الترمذي (279 هـ): "وقد صحّ عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النّفي. . . والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬2). وقال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن على البكر النفي، وانفرد النعمان وابن الحسن (¬3) فقالا: لا يغربان" (¬4). وقال ابن حزم الظاهري (456 هـ) بعد أن ذكر بعض الآثار عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في الجلد والتغريب ثم قال: "ولم يرو عن أحد من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- خلاف ذلك" (¬5). وقال ابن قدامة (620 هـ): "التغريب فعله الخلفاء الراشدون -رضي اللَّه عنهم-، ولا نعرف لهم في الصحابة مخالفًا، فكان إجماعًا" (¬6)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬7). وقال ابن القطان (628 هـ): "اتفقوا. . . إن غرب غير المحصن عن بلده وسجن حيث يغرب عامًا أنه قد أقيم عليه الحد كله" (¬8). وقال البهوتي (1051 هـ): "وإذا زنى الحر غير المحصن من رجل أو امرأة جلد مائة وغُرِّب عامًا. . .؛ لأن الخلفاء الراشدين فعلوا ذلك بالحر غير ¬
المحصن وانتشر، ولم يعرف لهم مخالف، فكان كالإجماع" (¬1). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬2). الدليل الثاني: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه-: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت" متفق عليه (¬3). الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه (¬4). الدليل الرابع: أنه مروي عن جملة من الصحابة رضي اللَّه عنهم فعن ابن عمر -رضي اللَّه عنه-: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ضرب وغرَّب، وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ¬
ضرب وغرب" (¬1). كما أنه مروي عن عثمان وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وأبو ذر، وعبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنهم (¬2). • المخالفون للإجماع: ذهب الحنفية إلى أن النفي ليس عقوبة على الزاني غير المحصن، وإنما هو من باب السياسة الشرعية للإمام أن ينفيه وله ألا ينفيه (¬3). • دليل المخالف: الدليل الأول: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬4). • وجه الدلالة: دلت الآية على أن النفي ليس بحد من وجهين: الأول: أن اللَّه تعالى ذكر الجلد، ولم يذكر النفي في موجب عقوبة الزنا، وإيجاب الجلد في حد الزنا يفضي إلى نسخ الآية، وهذا باطل، فهو يدل على أن النفي ليس من الحد، وإنما هو أمر موكل للإمام. الثاني: لو كان النفي من الحد لبيَّنه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد تلاوته للآية، حتى لا يعتقد الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أن الحد قد كمل بالجلد (¬5). الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يذكر النفي في بيان الحد، فدل على أنه ليس ¬
بأصل في حد الزنا (¬1). الدليل الثالث: عموم الأحاديث الدالة على النهي عن سفر المرأة بدون محرم، ومنها: أ - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم) متفق عليه (¬2). ب - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها أو ذو محرم) متفق عليه (¬3). ج - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم) متفق عليه (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن سفر المرأة بغير محرم، والنفي يلزم منه الوقوع في ذلك النهي، فإذا انتفى التغريب في حق المرأة، فإنه ينتفي أيضًا في حق الرجل (¬5). الدليل الرابع: أنه مروي عن علي -رضي اللَّه عنه- حيث قال: "حسبهما من الفتنة أن يُنفيا" (¬6).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية. ¬
[108/ 2] حبس الزاني والزانية منسوخ.
وقد نص على الخلاف جمع من أهل العلم، منهم البغوي حيث قال في كلامه على المسألة "عند أبي حنيفة رضي اللَّه عنه التغريب أيضًا منسوخ في حق البكر، وأكثر أهل العلم على أنه ثابت" (¬1). وغالب من حكى الإجماع في المسألة أراد به الإجماع السكوتي عند الصحابة، كما هو ظاهر من كلام الترمذي وابن حزم وابن قدامة والبهوتي، واللَّه تعالى أعلم. [108/ 2] حبس الزاني والزانية منسوخ. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف النسخ: النسخ لغة: النسخ في اللغة الرفع والنقل، ومنه نسخت الريح الأثر أي أزالته، ونسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه إلى غيره (¬2). النسخ في الشرع: النسخ عند أهل الفقه والأصول يُراد به: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه (¬3). • ثانيًا: صورة المسألة: كانت عقوبة الزاني في أول الإسلام هي الحبس في حق المحصن حتى الموت، والأذى بالكلام من التقريع والتوبيخ والضرب في حق البكر، وقيل: الحبس هو في حق النساء، والأذى في حق الرجال، وقيل: الحبس في حكم الزنا، والأذى في حكم اللواط (¬4)، ويدل عليه قول اللَّه تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ ¬
يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)} (¬1). وقد اتفق أهل العلم على ذلك الحكم في صدر الإسلام كما حكاه الجصاص (¬2)، ثم نُسخ ذلك الحكم برجم الزاني المحصن، وجلد البكر. والمراد هنا تقرير الإجماع على أن حكم الآية المقرَّر بالحبس في كونه حد للزنى قد نُسخ حكمه ورُفِع بحد جديد هو الجلد أو الرجم، دون اعتبار هل رفع حكمها كان بطريق النسخ، أو بيان المجمل، أو هو من باب انتهاء الحد والغاية (¬3)، وأما رفع حكم الأذى بالجلد والتوبيخ والتقريع فغير مراد. • من نقل الإجماع: قال الجصاص (370 هـ): "اتفق السلف من أهل العلم بالتفسير منهم ابن عباس وغيره أن حد الزانيين المحصن وغير المحصن كان الحبس والأذى المذكورين في هذه الآية ثم نسخ ذلك عنهما بالجلد لغير المحصن والرجم للمحصن" (¬4). قال ابن حزم (456 هـ): "قول اللَّه تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (¬5)، فإن هذا حكم منسوخ بإجماع الأمة" (¬6). ¬
وقال ابن عطية (542 هـ): "وأما الحبس فمنسوخ بإجماع" (¬1). وقال القرطبي (671 هـ): "وأما الحبس فمنسوخ بإجماع" (¬2). وقال الخازن (741 هـ): "اتفق العلماء على أن هذه الآية منسوخة" (¬3)، ونقله عنه أبو الطيب (¬4). وقال ابن جزي (741) (¬5) في تفسير قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬6) وهذه الآية ناسخة بإجماع لما في سورة النساء من الإمساك في البيوت في الآية الواحدة، ومن الأذى في الأخرى" (¬7). وقال ابن كثير (774 هـ): "وهو -أي نسخ الآية- أمر متفق عليه" (¬8). وقال الثعالبي (875 هـ) (¬9): "قوله تعالى الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد ¬
منهما مائة جلدة الآية هذه الآية ناسخة لآية الحبس باتفاق" (¬1). وقال ابن عادل (880 هـ): "فأما الحبس فمنسوخ بالإجماع" (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬3). الدليل الثاني: عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬4). الدليل الثالث: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- قال: في قوله: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} إلى قوله: {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ} (¬5) قال: "كن يحبسن في البيوت فإن ماتت ماتت، وإن عاشت عاشت، حتى نزلت هذه الآية التي في النور {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬6) ونزلت سورة الحدود، فمن عمل شيئًا جُلد وأرسل" (¬7). الدليل الرابع: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: "كان فيما أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة ¬
أنزلها اللَّه تعالى، والرجم في كتاب اللَّه حق على من أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف" متفق عليه (¬1).Rالمسألة محل إجماع بين أهل العلم على رفع حكم الحبس من باب كونه حدًا في حق الزنا، وإن كان ثمة من يقول بحبسه حتى يُقام عليه الحد، لكن حبسه هنا ليس من باب الحد الواجب، فإن تركه لا يُعد نقصًا في الحد، وفعلُه فقط دون الرجم أو الجلد لا يكفي بالإجماع. لكن حصل الخلاف بين أهل العلم في طريق رفع حكم الحبس، على قولين: القول الأول: أن آية النساء الموجبة بالحبس منسوخة، وأصحاب هذا الرأي اختلفوا فيما نسخها على رأيين: الأول: الناسخ لها هو قول اللَّه تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬2)، وبه قال الموفق ابن قدامة (¬3)، والشوكاني (¬4)، وغيرهم. الثاني: الناسخ هو حديث عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة ونغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬5)، وبه قال أبو بكر الجصاص (¬6)، والبغوي (¬7)، وغيرهم (¬8). ¬
القول الثاني: أن رفع حكمها ليس عن طريق النسخ، واختلفوا في طريقه على رأيين: الأول: أنه من باب بيان المجمل، فحديث عبادة بن الصامت في بيان السبيل هو بيان للسبيل المُجمل في قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (¬1)، وبهذا قال أبو حيان الأندلسي (¬2) (¬3) وأبو سليمان الخطابي (¬4)، وغيرهم (¬5). الثاني: أنه من باب انتهاء الحد والغاية؛ فإن اللَّه تعالى جعل حد الزنا الحبس والأذى، وجعل لهذا الحد غاية ينتهي إليها، وهو أن يجعل اللَّه لهن سبيلًا، ثم جاء ذلك السبيل في حديث عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- بالجلد أو الرجم، ومن رجَّح هذا الرأي علل له النسخ لا يُصار إليه إلا عند تعذُّر الجمع، والجمع هنا ممكن، بأن يحبس ويؤذى بالكلام حتى يقام عليه الجلد أو الرجم، وأمثاله في الشرع قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (¬6)، فإن ارتفاع وجوب الصيام بمجيء الليل لا يسمى نسخًا. وعلى هذا الرأي فإن الزاني يحبس حتى يُقام عليه الحد الجديد من الجلد ¬
[109/ 2] حد الزاني البكر الجلد مائة جلدة.
أو الرجم، وهذا القول اختاره ابن العربي (¬1)، ونسب ابن حجر الهيتمي هذا القول للمحققين من المتأخرين حيث قال: "فلا نسخ في الآية عند المحققين من المتأخرين؛ لأنها على حد {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فيه يرتفع حكم الصيام لانتهاء غايته لا نسخه، وأيضا فشرط النسخ تعذر الجمع، وهنا الجمع ممكن بين الحبس والتغريب والجلد أو الرجم، فإطلاق المتقدمين النسخ هنا تجوز" (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. [109/ 2] حد الزاني البكر الجلد مائة جلدة. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف البكر: البكر في اللغة: الباء والكاف والراء يطلق في اللغة على معان: الأول: يطلق على أول الشيء وابتداؤه، ومنه: البُكر والتبكير والبُكور والابتكار: المُضِيُّ في ذلك الوقت، والبُكرة: أول النهار، والبِكر: هو أوّل ولد الرّجل غلامًا كان أو جاريةً. الثاني: البَكَراتُ، وهي الحَلَق التي في حِلية السيف، كأنها فُتُوخ النِّساء. الثالث: البَكر -بفتح الباء- الولد من الإبل، فالذكر منه يسمى بَكرًا، ¬
الأنثى بَكرة. الثالث: البِكر -بكسر الباء- المرأة العذراء التي لم يمسها رجل بجماع، ولم تفتض بكارتها. الرابع: البِكْرُ -بكسر الباء- خلاف الثيب رجلًا كان أو امرأة، وهو الذي لم يتزوج، وجمعه أبكار (¬1). البِكر شرعًا: المراد بالبكر عند الفقهاء في حد الزنا: هو من لم يحصل له دخول في نكاح صحيح، أو في عقد فاسد جارٍ مجرى الصحيح، رجلًا كان أو امرأة (¬2). ويتبين من هذا التعريف الاصطلاحي أنه موافق للمعنى اللغوي الرابع وهو: من لم يتزوج رجلًا كان أو امرأة. أما المعنى الثالث الذي هو بمعنى المرأة العذراء التي لم تفتض بكارتها فليس موافقًا للمعنى الشرعي، ولذا قال الكاساني: "لا خلاف في أن كل من زالت عذرتها بوثبة، أو طفرة، أو حيضة، أو طول التعنيس، أنها في حكم الأبكار، تزوج كما تزوج الأبكار" (¬3). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب البكر وهو من لم يحصل له وطء في نكاح صحيح ما يوجب حد الزنا؛ فإنه يجلد مائة جلدة. ويتبيَّن مما سبق أن الزاني إن كان ثيبًا فذلك غير مراد، وكذا إن كان زِناه ¬
بامرأة من محارمه فذلك غير مراد أيضًا (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء أن قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬2)، في زنا الأبكار خاصة" (¬3). وقال ابن حزم (456 هـ): "الناس قد أجمعوا على أن الحر الزاني والحرة الزانية إذا كانا غير محصنين فإن حدهما مائة جلدة" (¬4). وقال ابن عبد البر (463 هـ) في شرحه لحديث العسيف (¬5): "فلا خلاف بين علماء المسلمين أن ابنه كان بكرًا، وأن الجلد حد البكر مائة جلدة" (¬6). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "أجمعوا على أن حد البكر في الزنا جلد مائة" (¬7). وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة" (¬8). وقال ابن حجر (852 هـ): "الجلد ثابت بكتاب اللَّه، وقام الإجماع ممن يعتد به على اختصاصه بالبكر، وهو غير المحصن" (¬9). وقال العيني (855 هـ): "أجمعوا على أن الزاني الذي ليس بمحصن حده جلد مائة" (¬10). وقال الرحيباني (1243 هـ): "إن زنى غير محصن حر جلد مائة ¬
بلا خلاف" (¬1). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬2). الدليل الثاني: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬3). الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه (¬4). الدليل الرابع: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه -: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت" متفق عليه (¬5). ¬
[110/ 51] البكر لا رجم عليه.
• وجه الدلالة من النصوص السابقة: النصوص السابقة صريحة في أن حد البكر في الزنا هو الجلد مائة جلدة.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [110/ 51] البكر لا رجم عليه. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب البكر ما يوجب حد الزنا؛ فإنه لا يُعاقب بقتله رجمًا حتى يموت. ويتبيَّن مما سبق أن الزاني إن كان محصنًا فذلك غير مراد، وكذا إن كان زناه بامرأة من محارمه فذلك غير مراد أيضًا، وكذا الحكم عليه بالقتل بغير الحجارة غير مراد أيضًا (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء أن قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬2)، في زنا الأبكار خاصة" (¬3). وقال ابن عبد البر: (463 هـ): "إجماع من المسلمين أن البكر لا رجم عليه" (¬4). وقال القاضي عياض (544 هـ): "لا خلاف أنه لا يرجم غير المحصن" (¬5). وقال ابن قدامة (620 هـ): "الرجم لا يجب إلا على المحصن بإجماع أهل ¬
العلم" (¬1)، وبمثله قال بهاء الدين المقدسي (624 هـ) (¬2)، وشمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3). وقال ابن القطان (628 هـ): "الزاني إذا لم يحصن حده الجلد دون الرجم، ولا خلاف بين الأمة فيه؛ قال اللَّه عز وجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬4)، وأجمعوا أن الأبكار داخلون في هذا الخطاب" (¬5). وقال ابن حجر (852 هـ): "الجلد ثابت بكتاب اللَّه، وقام الإجماع ممن يعتد به على اختصاصه بالبكر، وهو غير المحصن" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬9). الدليل الثاني: عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬10). الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه (¬11). الدليل الرابع: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه -: ¬
[111/ 2] حد الزاني المحصن الرجم.
نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت" متفق عليه (¬1). وجه الدلالة من النصوص السابقة: الأحاديث السابقة تصريح بأن الجلد هو في حق البكر، وأن الرجم إنما هو في حق الثيب. الدليل الخامس: أنه مروي عن جماعة من الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي اللَّه عنهم في جلد من زنى وهو بِكر، ولم يأت عن أحد منهم رجم البكر (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [111/ 2] حد الزاني المحصن الرجم. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب حد الزنا، وكان محصنًا، فإن الحد الواجب في حقه هو الرجم. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن الحر إذا تزوج تزويجًا صحيحًا، ووطئها في الفرج، أنه محصن، يجب عليهما الرجم إذا زنيا" (¬3). وقال ابن بطال (449 هـ): "فالرجم ثابت بسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبفعل الخلفاء ¬
الراشدين، وباتفاق أئمة أهل العلم" (¬1) ونقله عنه ابن حجر (¬2). وقال الماوردي (450 هـ): "والدليل على وجوب الرجم. . . انعقاد الإجماع عليه حتى صار حكمه متواترًا" (¬3). وقال ابن حزم الظاهري (456 هـ): "اتفقوا كلهم -حاشا من لا يعتد به بلا خلاف وليس هم عندنا من المسلمين- فقالوا إن على الحر والحرة إذا زنيا وهما محصنان الرجم حتى يموتا" (¬4). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع فقهاء المسلمين وعلماؤهم من أهل الفقه والأثر من لدن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- إلى يومنا هذا أن المحصن حده الرجم" (¬5). وقال المرغيناني (593 هـ): "وإذا وجب الحد وكان الزاني محصنًا رجمه بالحجارة حتى يموت. . . وعلى هذا إجماع الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم" (¬6). وقال القاضي عياض (544 هـ): "لا خلاف أنه لا يرجم غير المحصن" (¬7). ¬
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "فأما الثيب الأحرار المحصنون، فإن المسلمين أجمعوا على أن حدهم الرجم" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلًا كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفًا إلا الخوارج" (¬2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "الرجم لا يجب إلا على المحصن بإجماع أهل العلم" (¬4). وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمع الجمهور من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ومن بعدهم أن المحصن حده الرجم، وأما المبتدعة كالخوارج والمعتزلة فإنهم لا يرون رجم الزاني وإن أحصن، وانما حده عندهم الجلد، ولا يعرج عليهم ولا يعدون خلافًا" (¬5). وقال أبو العباس القرطبي (656 هـ): "إذا زنى المحصن وجب الرَّجم بإجماع المسلمين" (¬6). وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة، ورجم المحصن وهو الثيب، ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة، إلا ما حكى القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة، كالنظام، وأصحابه، فإنهم لم يقولوا بالرجم" (¬7). ¬
وقال ابن مودود الموصلي (683 هـ) (¬1) "حد الزاني إن كان محصنًا الرجم بالحجارة حتى يموت. . . . وعلى ذلك إجماع العلماء" (¬2). وقال ابن تيمية (728 هـ): "ثبت الرجم بالسنة المتواترة، وإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬3). وقال العيني (855 هـ): "استحقاق الزاني المحصن للقتل وهو الرجم بالحجارة، وأجمع المسلمون على ذلك" (¬4). وقال ابن الهمام (861 هـ): "عليه إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ومن تقدم من علماء المسلمين" (¬5) ونقله عنه الملا علي القاري (¬6). وقال ابن نجيم (970 هـ): "وعلى هذا -أي: رجم الزاني- إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وإنكار الخوارج الرجم باطل؛ لأنهم إن أنكروا حجية إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬7). والخطيب الشربيني (977 هـ): "الحد هو الجلد والتغريب على غير المحصن، والرجم على المحصن بالنص والإجماع" (¬8). وقال الملا علي القاري (1014 هـ): "الرجم عليه إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، ومن تقدم من علماء الأمة" (¬9). وقال المناوي (1031 هـ): "فرجم المحصن واجب بإجماع المسلمين" (¬10). وقال الزرقاني (1122 هـ): "قال الخوارج والمعتزلة: لا رجم مطلقًا، وإنما ¬
الحد الجلد لثيب أو بكر، وهو خلاف إجماع أهل الحق والسنة" (¬1). وقال الشوكاني (1255 هـ): "الرجم فهو مجمع عليه" (¬2). وقال الشنقيطي (1393 هـ): "أجمع أهل العلم على أن من زنى وهو محصن يرجم، ولم نعلم بأحد من أهل القبلة خالف في رجم الزاني المحصن، ذكرًا كان أو أنثى، إلا ما حكاه القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه" (¬3). وقال ابن عاشور (1393 هـ): "الزاني المحصن حده الرجم بالحجارة حتى يموت، وكان ذلك سنة متواترة في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورجم ماعز بن مالك، وأجمع على ذلك العلماء" (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه-: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا ¬
عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت" متفق عليه (¬1). الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أتى رجل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسول اللَّه إني زنيت، فأعرض عنه، حتى ردد عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (أبك جنون؟ )، قال: لا، قال: (فهل أحصنت؟ )، قال: نعم، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اذهبوا به فارجموه) متفق عليه (¬2). الدليل الثالث: قصة الغامدية التي جاءت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (¬3). الدليل الرابع: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: "كان فيما أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه تعالى. والرجم في كتاب اللَّه حق على من أحصن من الرجال ¬
[112/ 2] من وجب عليه الرجم فإنه يرجم حتى الموت.
والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف" متفق عليه (¬1). الدليل الخامس: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬2). الدليل السادس: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف. وإنما خالف في ذلك طوائف من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة، وخلافهم ليس بمعتبر كما سبق بيانه (¬4). [112/ 2] من وجب عليه الرجم فإنه يرجم حتى الموت. • المراد بالمسألة: سبق في المسألة السابقة أن الواجب في حد الزاني المحصن هو الرجم، والمراد بهذه المسألة بيان أن هذا الرجم يستمر حتى يموت الشخص المحدود بالرجم. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن المرجوم يداوم عليه الرجم حتى يموت" (¬5) ونقله عنه ابن قدامة (¬6) وبهاء الدين ¬
المقدسي (¬1) وشمس الدين ابن قدامة (¬2) وإبراهيم ابن مفلح (¬3). وقال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أنه إذا زنى وكان قد تزوج قبل ذلك أن عليه الرجم بالحجارة حتى يموت" (¬4)، وحكاه عنه البهوتي (¬5)، والرحيباني (¬6). وقال المرغيناني (593 هـ): "وإذا وجب الحد وكان الزاني محصنًا رجمه بالحجارة حتى يموت. . . وعلى هذا إجماع الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم" (¬7). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أنه من زنى وكان قد تزوج. . . أن عليه الرجم بالحجارة حتى يموت" (¬8). وقال ابن مودود الموصلي (683 هـ): "حد الزاني إن كان محصنًا الرجم بالحجارة حتى يموت. . . . وعلى ذلك إجماع العلماء" (¬9). وقال ابن الهمام (861 هـ): "رجمه بالحجارة حتى يموت: عليه إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، ومن تقدم من علماء المسلمين" (¬10). وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "وحد الزاني المحصن من رجل أو امرأة الرجم حتى يموت بالإجماع" (¬11). ¬
وقال الرملي (1004 هـ): "وحد المحصن رجلا أو امرأة الرجم إلى موته بالإجماع" (¬1). وقال محمد الجاوي (1316 هـ): " (ويَرجم) أي الإمام أو نائبه (محصنًا) رجلًا كان أو امرأة، حتى يموت إجماعًا" (¬2). وقال ابن عاشور (1393 هـ): "الزاني المحصن حده الرجم بالحجارة حتى يموت. وكان ذلك سنة متواترة في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورجم ماعز ابن مالك، وأجمع على ذلك العلماء" (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث رجم ماعزًا، والغامدية حتى ماتا، وقد جاء في قصة رجم ماعز، قال ابن شهاب: فأخبرني من سمع جابر بن عبد اللَّه قال: "فكنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة هرب، فأدركناه بالحرة فرجمناه" متفق عليه (¬4). الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه (¬5). الدليل الثالث: أن إطلاق الرجم يقتضي القتل به، فلو أن الرجم لا يُراد به الرجم المفضي للقتل لبُيِّن ذلك (¬6).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[113/ 2] المرأة المسلمة العاقلة غير المكرهة كالرجل المحصن وأن غير المحصنة كغير المحصن.
[113/ 2] المرأة المسلمة العاقلة غير المكرهة كالرجل المحصن وأن غير المحصنة كغير المحصن. • المراد بالمسألة: تقرر فيما سبق أن حد الزنا هو الرجم على المحصن، وجلد مائة على غير المحصن مع التغريب، والمراد هنا بيان أن هذا الحد عام في المرأة والرجل سواء. ويُنبه هنا إلى أمرين: الأول: المراد هنا تقرير أن الواجب في حد الرجل هو الواجب في حد المرأة، مع مراعاة خلاف أهل العلم في الحد الواجب، وذلك أنه قد سبق بيان أن ثمة من خالف في التغريب ولم يره من الحد كما هو مذهب الحنفية (¬1)، فهؤلاء كما ينفون التغريب في حق الرجل فهو كذلك في حق المرأة. الثاني: المراد هو استواء الرجال والنساء في أصل الحد من الجلد مائة والتغريب في حق البكر، أو الرجم في حق المرأة، أما صفة إقامة الحد فذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن المرأة الحرة المسلمة المحصنة العاقلة غير المكرهة فيما ذكرنا كالرجل المحصن، وأن غير المحصنة كغير المحصن" (¬2). وقال أيضًا: "الناس قد أجمعوا على أن الحر الزاني والحرة الزانية إذا كانا غير محصنين فإن حدهما مائة جلدة" (¬3). ¬
وقال ابن قدامة (620 هـ): "وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلًا كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفًا إلا الخوارج" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). وقال ابن القطان (628 هـ): "اتفقوا أن المرأة الحرة المسلمة العاقلة غير المكرهة، كالرجل المحصن وأن غير المحصنة كغير المحصن" (¬3). وقال الشنقيطي (1393 هـ): "أجمع أهل العلم على أن من زنى وهو محصن يرجم، ولم نعلم بأحد من أهل القبلة خالف في رجم الزاني المحصن، ذكرًا كان أو أنثى، إلا ما حكاه القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة، كالنظام، وأصحابه" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬7). • وجه الدلالة: الآية صريحة في أن إقامة حد الجلد عام في حق الرجال والنساء. الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده ¬
الثانية، فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قومه فقال: (أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا)، فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم، قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام الحد على ماعز من الرجال، وأقامه أيضًا على الغامدية، وهو الرجم لكونهما محصنين، وهو يدل على استواء الرجال والنساء في ذلك. الدليل الثالث: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه -: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين ¬
بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت" متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة من الحديثين: الحديثان صريحان في إقامة الحد على الرجل والمرأة، حيث أقام حد الرجم على ماعز من الرجال، وأقامه على الغامدية، والمرأة التى زنى بها العسيف. الدليل الرابع: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب غام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬2). الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: "كان فيما أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه تعالى، والرجم في كتاب اللَّه حق على من أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف" متفق عليه (¬3). الدليل السادس: أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- جلدوا الرجال والنساء غير المحصنين بموجب الزنا، كما هو مروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي اللَّه عنهم (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الزاني البكر عليه جلد ¬
مائة وتغريب عام، إلا أن هذا الحكم خاص بالرجال، أما النساء فإن عليها جلد مائة، ولا تغريب عليها. وهو قول المالكية (¬1). • دليل المخالف: استدل من قال بعدم تغريب المرأة بعموم الأحاديث الدالة على النهي عن سفر المرأة بغير محرم، ومنها: أ - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم) متفق عليه (¬2). ب - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها أو ذو محرم) متفق عليه (¬3). ج - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم) متفق عليه (¬4). الدليل الثاني: لأن في تغريبها إعانة على فسادها، وتعريضها للخطر، إذ لا بد من محرَم معها يحميها، وإلزام المحرم بالتغريب معها فيه إنزال العقوبة به بدون ذنب ارتكبه (¬5).Rالمسألة فيما يظهر على قسمين: الأول: حد الرجم والجلد فهذا استواء الرجال والنساء في الحد محل إجماع بين أهل العلم. الثاني: التغريب بنفي سنة، فهذا استواء الرجال والنساء فيه ليس محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن المالكية، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[114/ 2] إن كان أحد الزانيين محصنا والآخر غير محصن فلكل واحد منهما حكمه.
[114/ 2] إن كان أحد الزانيين محصنًا والآخر غير محصن فلكل واحد منهما حكمه. • المراد بالمسألة: إذا زنى رجل بامرأة، وثبت ذلك عليهما بما يوجب الحد، وكان الرجل مُحصنًا والمرأة غير محصنة أو العكس، فإن لكل واحد منهما الحد الخاص به، الجلد لغير المحصن، والرجم للمحصن. ويتبين مما سبق أنه إن ثبت حد الزنا على أحدهما ولم يجب على الآخر إما لإنكاره، أو لصغره أو جنونه، أو غير ذلك، فمسألة أخرى غير مرادة (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أنه إن كان أحد الزانيين محصنًا والآخر غير محصن أن لكل واحد منهما حكمه" (¬2). وقال ابن القطان (628 هـ): "اتفقوا أنه إن كان أحد الزانيين محصنًا والآخر غير محصن أن لكل واحد منهما حكمه" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع في المسألة إلى ما في الصحيحين عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه -: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن ¬
[115/ 56] يشترط للإحصان البلوغ والعقل.
لي، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)، قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت" متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: الحديث ظاهر في المسألة فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر برجم المرأة لكونها محصنة، وجلد الرجل لكونه غير محصن (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [115/ 56] يشترط للإحصان البلوغ والعقل. صورة المسألة الأولى: إذا ارتكب شخص مُحصن ما يوجب حد الزنا، وكان ذلك الشخص قد وطئ في نكاح صحيح قبل بلوغه، ولم يفعل ذلك بعد البلوغ، فإنه لا يُقام عليه حد المحصن المقرر بالرجم، سواء فعل زناه قبل بلوغه أو بعده؛ لأن من شرط الإحصان أن يطأ في نكاح صحيح وهو بالغ. صورة المسألة الثانية: وكذا لو وطئ في نكاح صحيح وهو غير عاقل، فإنه لا يقام عليه حد المحصن، سواء كان زناه حال جنونه أو إفاقته، لأن من شرط الإحصان أن يطأ في نكاح صحيح وهو عاقل. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "لا يثبت عند الجميع لصبي ¬
ولا مجنون إحصان" (¬1). وقال الكاساني (587 هـ): "أما إحصان الرجم فهو عبارة في الشرع عن اجتماع صفات اعتبرها الشرع لوجوب الرجم، وهي سبعة: العقل، والبلوغ، والحرية، والإسلام، والنكاح الصحيح، وكون الزوجين جميعًا على هذه الصفات. . . ولا خلاف في هذه الجملة إلا في الإسلام" (¬2). وقال ابن القطان (628 هـ): "لا يثبت عند الجميع إحصان لصبي ولا مجنون" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية في الأصح (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى رفع القلم عن الصغير حتى يبلغ، ومن رُفع عنه القلم فإنه لا يؤاخذ فيما يتعلق بحقوق اللَّه تعالى. الدليل الثاني: أنه إذا سقط التكليف عن الصغير في العبادات والمآثم في المعاصي فلأن يسقط الحد الذي مبناه على الدرء والإسقاط أولى (¬7). الدليل الثالث: لأن الحد عقوبة محضة فتستدعي جناية محضة، وفعل ¬
الصبي لا يوصف بالجناية فلا حد عليه لعدم الجناية منه (¬1). الدليل الرابع: أن الإحصان يكون بوجود الكمال في الوطء، بأن يطأ في نكاح صحيح في القبل وهو حر، والعقل والبلوغ من صفات الكمال، فلا يحصل الإحصان إلا بالوطء حال البلوغ والعقل (¬2). • المخالفون للإجماع: ذهب الشافعية في خلاف الأصح إلى أن من وطئ في نكاح صحيح وهو غير بالغ، فإنه يكون محصنًا (¬3). • دليل المخالف: استدل من اعتبر الوطء قبل البلوغ بحصول الإحصان إذا بلغ أن الوطء قبل البلوغ وطء كامل يتحقق به تمام اللذة بدليل أنه يحصل به تحليل الزوجة المطلَّقة ثلاثًا لزوجها الأول، فيحصل به الإحصان (¬4).Rالمسألة الأولى: يشترط للإحصان البلوغ: هذه على قسمين: القسم الأول: من وطئ في نكاح صحيح وهو غير بالغ، ثم زنى قبل البلوغ، فهذا غير محصن، ولا يُقام عليه حد المحصن بلا خلاف (¬5). القسم الثاني: من وطئ في نكاح صحيح وهو غير بالغ، ثم زنى وهو بالغ، فهذا القول بأنه غير محصن ليس محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الشافعية في خلاف الأصح عندهم. المسألة الثانية: يشترط للإحصان العقل: هذه محل إجماع بين أهل العلم في أن من وطئ في نكاح صحيح وهو غير عاقل، فإنه لا حد عليه سواء كان زناه حال جنونه أو إفاقته؛ لعدم المخالف. ¬
[116/ 2] يشترط للإحصان الحرية.
[116/ 2] يشترط للإحصان الحرية. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكان الزاني مملوكًا قد وَطئ في نكاح صحيح فإنه لا يُقام عليه حد الرجم، سواء كان زناه حال كونه مملوكًا، أو بعد عِتقه؛ لأن الرجم إنما يكون للمحصن، ومن الشروط الواجب توفرها في الشخص المحصن أن يكون وطئ في نكاح صحيح وهو حر. وكذا الحكم في المرأة المملوكة، لا يُقام عليها حد الرجم إلا أن تكون وُطئت في نكاح صحيح وهي حرة. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "أما إحصان الرجم فهو عبارة في الشرع عن اجتماع صفات اعتبرها الشرع لوجوب الرجم، وهي سبعة: العقل، والبلوغ، والحرية، والإسلام، والنكاح الصحيح، وكون الزوجين جميعًا على هذه الصفات. . . ولا خلاف في هذه الجملة إلا في الإسلام" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "الحرية وهي شرط في قول أهل العلم كلهم، إلا أبا ثور: قال العبد والأمة هما محصنان، يرجمان إذا زنيا، إلا أن يكون إجماع يخالف ذلك، وحكي عن الأوزاعي في العبد تحته حرة: هو محصن، يرجم إذا زنى، وإن كان تحته أمة: لم يرجم، وهذه أقوال تخالف النص والإجماع" (¬2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (628 هـ) (¬3). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ) في شروط الإحصان: "الحرية في قول الجميع إلا أبا ثور. . . والرجم لا يتنصف، وإيجابه كله يخالف النص مع مخالفة الإجماع" (¬4). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬1)، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى في حق الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى ذكر في عقاب الإماء أن عليهن نصف ما على الأحرار، ومعلوم أن الرجم لا يمكن تنصيفه، لأن الموت لا يتنصف، وذلك يدل على أنه لا رجم على الإماء، وأن الحرية شرط في الإحصان (¬4). الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر في الأمة الزانية أن تُجلد، ولم يُفرق بين كونها محصنة أو غير محصنة (¬6). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على أربعة أقوال: القول الأول: أن العبد إذا تزوج بامرأة حرة، فإنه يكون محصنًا، وكذا المرأة المملوكة إذا تزوجت بحر، فإنها تكون محصنة، ويجب عليهما الرجم إذا زنيا. وهذا قول مجاهد، والأوزاعي، وبه قال الظاهرية (¬7). وأخرج ابن حزم في ذلك عن مجاهد قال: "قدمت المدينة وقد أجمعوا على عبد زنى، وقد أحصن بحرة، أنه يرجم، إلا عكرمة فإنه قال: ¬
عليه نصف الحد" (¬1). القول الثاني: أن العبد والأمة حكمهما حكم الأحرار، فيجب عليهما الرجم إن زنيا، والحرية ليست بشرط في الإحصان. وبه قال أبو ثور إلا أن يمنع منه إجماع (¬2). القول الثالث: أن من وَطئ أو وُطئت في نكاح صحيح وهو مملوك، ثم أُعتق فإنه يكون محصنًا بإعتاقه، ولو لم يطأ بعد عِتقه. وهو قول للشافعية خلاف الأصح عندهم (¬3). القول الرابع: أن الأمة لا يُقام عليها حد الرجم، أما العبد فيُقام عليه حد الرجم، فالحرية من شروط الإحصان في حق الأمة، وليس شرطًا في حق العبد. وبه قال ابن حزم (¬4). • دليل المخالف: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى في حق الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬5). الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبيَّن زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (¬6). وجه الدلالة من الآية والحديث: أن الآية والحديث نصَّا على الأَمة، فبقي العبد على الأصل من إقامة الحد عليه، ولو أراد اللَّه تعالى إلحاق العبد ¬
[117/ 2] يشترط للإحصان النكاح، وأن يكون النكاح صحيحا، وأن يطأ في النكاح الصحيح.
بالأمة لذكره وبيَّنه (¬1).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض السلف، والظاهرية، وقول للشافعية مقابل الأصح عندهم، ولعل من حكى الإجماع لم يعتبر الخلاف في المسألة. إلا أنه يمكن مما سبق تحصيل مسألة هي محل إجماع بين أهل العلم وحاصلها: الأمة إن تزوجت بعبد مثلها، ثم زنت وهي أمة، ولم تُعتق، فعدم الرجم عليها محل إجماع بين أهل العلم؛ فإنه لم يخالف فيه إلا أبا ثور، وشرط في خلافه ألا يكون ثمة إجماع في المسألة، وقد تحقق الإجماع، فيكون قول أبي ثور منفي، واللَّه تعالى أعلم. [117/ 2] يشترط للإحصان النكاح، وأن يكون النكاح صحيحًا، وأن يطأ في النكاح الصحيح. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكان ذلك الشخص مسلمًا بالغًا عاقلًا حرًا، إلا أنه لم يتزوج، فإنه لا يُعتبر محصنًا، فإن زنى فإنه لا يُقام عليه حد الرجم، لأن من شرط الإحصان أن يكون الزاني قد تزوج. كما يُشترط أيضًا أن يكون النكاح صحيحًا، أما إن كان النكاح فاسدًا فلا يُعتبر صاحبه محصنًا. كما يُشترط أيضًا أن يطأ في النكاح الصحيح، فإن كان الزاني قد تزوج في نكاح صحيح، لكنه لم يطأ زوجته بتغييب حشفته في فرجها فإنه فلا يُعتبر محصنًا، ولا يُقام عليه حد المحصن بالرجم حتى يموت (¬2). ¬
ويتبيَّن مما سبق أمور: الأول: يستثنى من شرط النكاح، من وطئ في ملك يمين، أو وطء شبهة، فجميع ذلك لا يُعتبر محصنًا. الثاني: يستثنى من شرط النكاح الصحيح، من طئ في نكاح فاسد، كنكاح المتعة، أو نكاح المحارم، أو غير ذلك، فجميع ذلك لا يُعتبر صاحبه محصنًا. الثالث: يستثنى من شرط الوطء في النكاح الصحيح، من تزوج بنكاح صحيح لكنه لم يطأ زوجته، فذلك لا يُعتبر محصنًا. الرابع: المراد في المسألة الوطء الصحيح، أما الوطء الفاسد كمن وطئ امرأته وهي حائض أو كان هو مُحرِمًا، أو غير ذلك، فحصول الإحصان بالوطء الفاسد محل خلاف غير مراد في المسألة (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه لا يكون الإحصان بالنكاح الفاسد، ولا بالشبهة"، نقله عنه ابن حجر (¬2). وقال أيضًا: "أجمعوا على أن المرء لا يكون بعقد النكاح محصنًا حتى يكون معه الوطء" (¬3) ونقله عنه ابن حجر (¬4). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "قالوا جميعًا الوطء الفاسد لا يقع به إحصان" (¬5). وقال ابن حزم (456 هـ): "ما نعلم الإحصان في اللغة العربية والشريعة يقع إلا على معنيين: على الزواج الذي يكون فيه الوطء، فهذا إجماع لا خلاف فيه. . . " (¬6). ¬
وقال الكاساني (587 هـ): "أما إحصان الرجم فهو عبارة في الشرع عن اجتماع صفات اعتبرها الشرع لوجوب الرجم، وهي سبعة: العقل، والبلوغ، والحرية، والإسلام، والنكاح الصحيح، وكون الزوجين جميعًا على هذه الصفات. . . ولا خلاف في هذه الجملة إلا في الإسلام" (¬1). وقال ابن قدامة (628 هـ): "ولا خلاف في أن عقد النكاح الخالي عن الوطء، لا يحصل به إحصان" (¬2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (628 هـ) (¬3). وقال ابن قدامة أيضًا في بيان شروط الإحصان: "أن يكون في نكاح. . . ولا خلاف بين أهل العلم في أن الزنا، ووطء الشبهة، لا يصير به الواطئ محصنًا، ولا نعلم خلافًا في أن التسري لا يحصل به الإحصان" (¬4)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (628 هـ) (¬5). وقال ابن القطان (628 هـ): "وأجمع أهل العلم على أن المرء لا يكون بعد محصنًا حتى يكون معه الوطء" (¬6). وقال الزركشي (773 هـ) في بيان شروط الإحصان: "أن يكون بنكاح، فلا إحصان لواطئ بشبهة، أو ملك يمين، ونحو ذلك، إجماعًا" (¬7). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "فلا إحصان بمجرد العقد إجماعًا" (¬8). وقال أيضًا في شرطية النكاح الصحيح للإحصان: ¬
"فلا إحصان بباطل إجماعًا" (¬1). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ) في شروط الإحصان: "أن تكون في نكاح. . . ولا خلاف أن وطء الزنا والشبهة لا يصير به الواطئ محصنًا، وأن التسري لا يحصل به الإحصان" (¬2). وقال المطيعي (1404 هـ): "ولا خلاف بين أهل العلم في أن الزنا، ووطئ الشبهة، لا يصير به أحدهما محصنًا، ولا نعلم بينهم خلافًا في أن التسرى لا يحصل به الاحصان لواحد منهما" (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع أن المعتبر في الإحصان هو الوطء على حال الكمال وتمام النعمة، وذلك إنما يكون بالوطء في نكاح صحيح (¬4). • المخالفون: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من وطء في نكاح فاسد فإنه يكون محصنًا. وهو قول أبي ثور، والليث، والأوزاعي (¬5). • دليل المخالف: أن النكاح الفاسد أُعطي أحكام النكاح الصحيح في كثير من المسائل كوجوب المهر، والعدة، ولحوق الولد، وتحريم الربيبة، وغير ذلك، فكذا يُعطى حكمه في الإحصان (¬6).Rيتبين مما سبق أن ثمة ثلاث مسائل: المسألة الأولى: يشترط للإحصان النكاح: فهذه فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف. المسألة الثانية: يشترط للإحصان أن يكون النكاح صحيحًا: فهذه فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لخلاف أبي ثور، والليث بن سعد، والأوزاعي، ولذا قال إبراهيم ابن مفلح ضمن شروط الإحصان ومنها ¬
[118/ 2] يشترط للإحصان حصول الوطء في القبل.
صحة النكاح، فقال: "أن يكون صحيحًا: وهو قول أكثرهم" (¬1). المسألة الثالثة: يشترط للإحصان أن يطأ في النكاح الصحيح: فهذه فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [118/ 2] يشترط للإحصان حصول الوطء في القبل. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص مُحصن ما يوجب حد الزنا، وكان ذلك الشخص مسلمًا بالغًا عاقلًا حرًا، قد تزوج في نكاح صحيح، فإنه لا يُعتبر محصنًا إلا إن وطئ زوجته في قبلها. فإن كان وطئها في دبرها، أو فخذيها أو نحو ذلك فإنه لا يكون مُحصنًا. • من نقل الإجماع: الموفق ابن قدامة (620 هـ): "للإحصان شروط سبعة أحدهما: الوطء في القبل ولا خلاف في اشتراطه. . . ولا خلاف في أن عقد النكاح الخالي عن الوطء لا يحصل به إحصان سواء حصلت فيه خلوة أو وطء فيما دون الفرج أو في الدبر أو لم يحصل شيء من ذلك" (¬2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (628 هـ) (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬7). ¬
[119/ 2] يشترط للإحصان الإسلام.
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أوجب حد الرجم على الثيب، والثيابة إنما تحصل بالوطء في القبل، فوجب اعتباره (¬1). الدليل الثاني: أن غير القبل كالدبر أو غيره ليس محلًا للوطء، والوطء عند الإطلاق فإنما يراد به الوطء الشرعي وهو القبل (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [119/ 2] يشترط للإحصان الإسلام. • المراد بالمسألة: إذا وطء شخص بالغ عاقل حر امرأته في نكاح صحيح في قُبلها، لكنه كان كافرًا، ثم زنى بعد ذلك؛ فإنه لا يكون محصنًا، ولا يُقام عليه حد الرجم؛ لأن من شرط الإحصان أن يطأ امرأته وهو مسلم. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "وكلهم يشترط في الإحصان الموجب للرجم الإسلام هذا من شروطه عند جميعهم" (¬3) ونقله عنه العراقي (¬4)، والشوكاني (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن كعب بن مالك -رضي اللَّه عنه- (¬7) أنه أراد أن ¬
يتزوج يهودية أو نصرانية، فسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فنهاه عنها وقال: (إنها لا تحصنك) (¬1). الدليل الثاني: أن الرق أثر من آثار الكفر، فإذا كان الإحصان لا يثبت بوطء الأمة بالنكاح لما فيه من الرق؛ فلأن لا يثبت بوطء الكافرة أولى (¬2). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الإسلام ليس شرطًا للإحصان. وهو قول الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • دليل المخالف: استدل من قال بإحصان الذمي وغيره من غير أهل الإسلام بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجم اليهوديين كما في الصحيحين عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أن اليهود جاؤوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما تجدون في التوراة في شأن الرجم)، فقالوا: ¬
نفضحهم ويجلدون، فقال عبد اللَّه بن سلام (¬1): كذبتم، إن فيها الرجم، فأَتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد اللَّه بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرُجما، قال عبد اللَّه: فرأيت الرجل يجنأ (¬2) على المرأة يقيها الحجارة" متفق عليه (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الشافعية، والحنابلة، وقد تعقَّب ابن عبد البر في نقله لهذا الإجماع جماعة من أهل العلم منهم: العراقي حيث قال: "قال ابن عبد البر: "وكلهم أي الفقهاء يشترط في الإحصان الموجب للرجم الإسلام هذا من شروطه عند جميعهم ومن رأى رجم أهل الذمة منهم إذا أحصنوا إنما رآه من أجل أنهم إذا تحاكموا إلينا لزمنا أن نحكم بينهم بحكم اللَّه فينا وكذلك فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- باليهوديين المذكورين" انتهى. وهو مردود نقلًا ومعنى، فنقْله عن جميع الفقهاء اشتراط الإسلام في الإحصان مخالف لمذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، وقوله: "إذا ترافعوا إلينا ¬
[120/ 2] التسري لا يحصل به إحصان للسيد، ولا إحصان للأمة.
لزمنا أن نحكم فيهم بحكم الإسلام" يقال له حكم الإسلام عندك أن لا رجم على الكافر لعدم إحصانه، فكيف تقول إن رجمهم بحكم الإسلام مع اشتراطه الإسلام في الإحصان" (¬1). وابن حجر حيث قال: "وقد ذهل ابن عبد البر فنقل الاتفاق على أن شرط الإحصان الموجب للرجم الإسلام، ورُدَّ عليه بأن الشافعية وأحمد لا يشترطان ذلك" (¬2). وكذلك الشوكاني فقال: "قد بالغ ابن عبد البر فنقل الاتفاق على أن شرط الإحصان الموجب للرجم هو الإسلام، وتُعقَّب بأن الشافعي وأحمد لا يشترطان ذلك" (¬3). فلعلَّ حكاية ابن عبد البر للإجماع وهْم وذهول منه كما وصفه بذلك ابن حجر، واللَّه تعالى أعلم. [120/ 2] التسري لا يحصل به إحصان للسيد، ولا إحصان للأمة. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف التسري: التسرَّي هو اتخاذ الأمة للاستمتاع بها. واختلف في أصل هذه التسمية على قولين: الأول: أصله السُّرِّيَّةُ، من السِّر، فهو مأخوذ من السِّر وهو الجماع؛ لأن المقصود من التسرَّي هو الاستمتاع بالجماع. الثاني: أصله تسرَّرْتُ، من السرور، فأبدلوا من إحدى الراءات ياء، فهو مأخوذ من السرور، لأن الأمة تسر المستمتع بها (¬4). ¬
• ثانيًا: بيان الصورة للمسألة: سبق أن من ارتكب ما يوجب الحد، فإن من شرط كونه محصنًا ليقام عليه حد الرجم أن يكون قد وطئ في نكاح صحيح، وهاتان المسألتان هما أمثلة لتخلُّف هذا الشرط، فمن وطئ أمته فإنه لا يكون محصنًا، لأنه لم يطأها في نكاح، وكذا المرأة المملوكة التي وطئها سيدها الحر فلا تصير محصنة بوطء سيدها لها. وينبَّه هنا إلى أن من وطئ أمة هي زوجته فإنه غير داخل في مسألة الباب. وكذا ينبَّه إلى أن إتيان المملوك سيدته الحرة غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (628 هـ): "ولا نعلم خلافًا في أن التسري لا يحصل به الإحصان لواحد منهما" (¬1)، وبمثله قال بهاء الدين المقدسي (624 هـ) (¬2)، وشمس الدين ابن قدامة (628 هـ) (¬3). وقال الزركشي (773 هـ) في بيان شروط الإحصان: "أن يكون بنكاح، فلا إحصان الواطئ بشبهة، أو ملك يمين، ونحو ذلك، إجماعًا" (¬4). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ) في شروط الإحصان: "أن تكون في نكاح ولا خلاف أن وطء الزنا والشبهة لا يصير به الواطئ محصنًا، وأن التسري لا يحصل به الإحصان" (¬5). وقال المطيعي (1404 هـ): "ولا نعلم بينهم خلافًا في أن التسرى لا يحصل ¬
به الإحصان لواحد منهما" (¬1). ويضاف إلى ذلك النقولات التي سبقت في مسألة: "يشترط للإحصان النكاح" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن التسري ليس بنكاح، ولا تثبت فيه أحكام النكاح، وقد تقرر الإجماع أن النكاح من شروط الإحصان (¬5). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من وُطئت في نكاح صحيح وهي أمة، ثم أُعتقت فإنها تكون محصنة، ولو لم توطأ بعد عِتقها. وهو قول للشافعية خلاف الأصح عندهم (¬6). وثمة قول أن الأمة حُكمها حكم الأحرار، فيجب عليها الرجم إن زنت، والحرية ليست بشرط في الإحصان. وبه قال أبو ثور إلا أن يمنع منه إجماع (¬7).Rيظهر مما سبق أن ثمة مسألتان: المسألة الأولى: أن التسري لا يصير به السيد محصنًا، فهذه محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف. ¬
[121/ 2] الزنا ووطء الشبهة لا يحصل بهما الإحصان.
المسألة الثانية: أن التسري لا تصير به الأمة محصنة، فهذه على قسمين: القسم الأول: الأمة التي وطئها سيدها ثم أُعتقت، فإن القول بأنها غير محصنة ليس محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الشافعية. القسم الثاني: الأمة التي وطئها سيَّدها فإنها غير محصنة ما دامت مملوكة، وعدم إحصانها حينئذٍ محل إجماع بين أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم. [121/ 2] الزنا ووطء الشبهة لا يحصل بهما الإحصان. • المراد بالمسألة: سبق أن من ارتكب ما يوجب الحد، فإن من شروط كونه محصنًا ليقام عليه حد الرجم أن يكون قد وطئ في نكاح صحيح، وهاتان المسألتان هما أمثلة لتخلَّف هذا الشرط. فمن وطئ امرأة ليست زوجته فانه لا يكون محصنًا؛ لأنه لم يطأها في نكاح. وكذا وطء الشبهة كمن وطء في نكاح فاسد، أو وطء امرأة ظنها امرأته، فإنه لا يكون محصنًا. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه لا يكون الإحصان بالنكاح الفاسد، ولا بالشبهة" (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "قالوا جميعًا الوطء الفاسد لا يقع به إحصان" (¬2). وقال ابن قدامة (628 هـ) في بيان شروط الإحصان: "أن يكون في نكاح. . . ولا خلاف بين أهل العلم في أن الزنا، ووطء الشبهة، لا يصير به الواطئ محصنًا" (¬3)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (628 هـ) (¬4). ¬
وقال الزركشي (773 هـ) في بيان شروط الإحصان: "أن يكون بنكاح، فلا إحصان لواطئ بشبهة، أو ملك يمين، ونحو ذلك، إجماعًا" (¬1). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ) في شروط الإحصان: "أن تكون في نكاح. . . ولا خلاف أن وطء الزنا والشبهة لا يصير به الواطئ محصنًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع أن المعتبر في الإحصان هو الوطء على حال الكمال وتمام النعمة، وذلك إنما يكون بالوطء في نكاح صحيح (¬4). ذهب بعض الفقهاء إلى أن من وطء في نكاح فاسد فإنه يكون محصنًا. وهو قول أبي ثور، والليث، والأوزاعي (¬5). • دليل المخالف: أن النكاح الفاسد أُعطي أحكام النكاح الصحيح في كثير من المسائل كوجوب المهر، والعدة، ولحوق الولد، وتحريم الربيبة، وغير ذلك، فكذا يُعطى حكمه في الإحصان (¬6).Rأما المسألة الأولى: أن الزاني لا يعتبر مُحصنًا، فهذا محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف. وأما المسألة الثانية: أن وطء الشبهة لا يُعتبر به صاحبه محصنًا، فهذه ليست ¬
[122/ 2] ثبوت الإحصان بالإقرار.
محل إجماع محقق في جميع صورها، لخلاف بعض السلف في أن الوطء في النكاح الفاسد موجب للإحصان، واللَّه تعالى أعلم. [122/ 2] ثبوت الإحصان بالإقرار. [123/ 2] إذا تزوج الشخص وأقام مع زوجته زمانًا فإن ذلك لا يكون كافيًا في ثبوت الإحصان، حتى يثبت الوطء بإقرار أو بيِّنة. • المراد بالمسألتين: سبق أن من شروط إقامة الحد على الشخص أن يكون محصنًا، وشرط الإحصان أن يطأ في نكاح صحيح، والمراد هنا: أن من الأمور التي يثبت بها الوطء هو الإقرار. وأن من أقام مع زوجته زمانًا ولو مدة طويلة، كعشرين سنة أو أكثر، ولم يأت منها بولد، ثم زنى أحدهما، فإن مجرد إقامتهما معًا ليست كافية في ثبوت الإحصان، بل لا بد من وجود ما يدل على الوطء كالإقرار، ونحوه. يتبيَّن مما سبق أن من أقام مع زوجته مدة طويلة، وجاء منها بولد، فمسألة غير مرادة (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه وإن دخل عليها، وأقام معها زمانًا، ثم مات أو ماتت، فزنا الباقي منهما، لم يُرجم حتى يُقر بالجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن من شرط الإحصان تحقق الوطء، ¬
[124/ 2] ثبوت الإحصان بالشهادة.
والبقاء مع الزوجة يتحصل منه إمكان الوطء لا حقيقته (¬1).Rالمسألتان فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [124/ 2] ثبوت الإحصان بالشهادة. [125/ 2] إذا شهد الشهود على شخص بأنه قد جامع أو باضع فإنهما لفظان يثبت بهما الإحصان. • المراد بالمسألتين: أولًا: معنى باضع: البُضْعُ -بالضم- يطلق على الفرج والجماع والنكاح، وجمعه أَبْضَاعٌ. والبِضَاعُ اسم من بَاضَعَ مُبَاضَعَةً: أي جامع، ويقال: بَضَعَها ويَبْضَعُهَا -بفتحتين-: إذا جامعها، ويقال: مَلَكَ بُضْعَهَا أي جماعها. فالبِضَاعُ بمعنى الجماع وزنًا ومعنى (¬2). • ثانيًا: صورة المسألة: سبق أن من شرط الإحصان أن يكون الشخص قد وطء في نكاح صحيح، فإذا شهد شهود كالزوجة مثلًا على شخص بأنه قد جامع في نكاح صحيح، أو باضع في نكاح صحيح فإن هذين اللفظين صريحان في معنى الجماع، وبه يثبت الإحصان، وكذا يُلحق بهما جميع الألفاظ التي هي صريحة في الجماع، لا تحتمل غيره. ويتبين من ذلك أن غير هذين اللفظين من الألفاظ المحتملة للجماع وغيره ليست مرادة، كلفظ: "لمسها"، أو "باشرها"، أو "خلَى بها"، أو "أتاها" ونحو ذلك. ¬
[126/ 2] إذا شهد الشهود على شخص بأنه قد دخل بزوجته، وكان له منها ولد، فإن الشهادة بلفظ الدخول حينئذ مما يثبت به الإحصان.
• من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "ولو شهدت بينة الإحصان أنه دخل بزوجته، فقال أصحابنا: يثبت الإحصان به. . . فأما إذا قالت جامعها أو باضعها فلا نعلم خلافًا في ثبوت الإحصان" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن لفظ الجماع والبضاع صريح في الوطء الذي هو تغييب الحشفة في الفرج، فهو لفظ لا يحتمل معنى غيره (¬6).Rالمسألتان فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم بأن الإحصان يثبت بالشهادة، وأن لفظ الجماع والبضاع يثبت به الإحصان؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [126/ 2] إذا شهد الشهود على شخص بأنه قد دخل بزوجته، وكان له منها ولد، فإن الشهادة بلفظ الدخول حينئذٍ مما يثبت به الإحصان. • المراد بالمسألة: سبق أن الإحصان يثبت بشهادة الشهود، إلا أن هذه الشهادة لا بد لها من ألفاظ صريحة في الجماع، فإن شهد الشهود بلفظ الدخول، بأن قال: "أشهد أني رأيته دخل بها"، فقد اختلف أهل العلم في ثبوت الإحصان بموجب الشهادة بلفظ الدخول، لكنهم مع ذلك أجمعوا على أنه إن كانت الشهادة بلفظ الدخول، وكان للمشهود عليه ولد من زوجته، فإن ¬
[127/ 2] حد الأمة خمسون جلدة سواء كانت وطئت في نكاح صحيح أو لا.
شهادتهم تكون مقبولة في ثبوت الإحصان. ويتبيَّن مما سبق أنهم لو شهدوا بأنه قد دخل بزوجته، ولم يكن له منها ولد، فتلك مسألة أخرى غير مرادة (¬1). وكذا لو كان له منها ولد، ولم يشهد شهود بأنه دخل بها، فمسألة أخرى غير مرادة (¬2). • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لو شهدوا على الدخول وكان له منها ولد، هو محصن بالإجماع، وكفى بالولد شاهدًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن وجود الولد من هذه المرأة يدل على أنه قد جامعها في قُبلها، وأن لفظ الدخول أراد به الشهود هو الجماع.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [127/ 2] حد الأمة خمسون جلدة سواء كانت وُطئت في نكاح صحيح أو لا. [128/ 2] حد العبد خمسون جلدة، سواء كان وَطئ في نكاح صحيح أو لا. [129/ 2] لا رجم على العبد والأمة، سواء حصل منهما وطء في نكاح صحيح أو لا. • المراد بالمسائل: إذا زنى العبد أو الأمة فإنه لا رجم على واحد منهما، سواء كانا محصنين أو لا، وسواء حصل منهما وطء في نكاح صحيح أو لا، ¬
وحَّدهما الواجب هو نصف حد الأحرار الأبكار، وهو خمسون جلدة. والمراد بإحصان العبد والأمة محل خلاف بين الفقهاء على ثلاثة أقوال: القول الأول: المراد به الزواج، فإذا تزوجت الأمة فهي محصنة، وكذا العبد، وإذا لم يحصل الزواج لم يحصل الإحصان. وهو قول ابن عباس -رضي اللَّه عنه-، وسعيد بن جبير. القول الثاني: المراد به الإسلام. وهو قول عبد اللَّه بن مسعود، وابن عمر، وأنس، وزر بن حُبَيْش (¬1)، والأسود بن يزيد (¬2)، وسعيد بن جُبَير، وعطاء، وإبراهيم النَّخعي (¬3)، والشعبي. القول الثالث: إحصان الأمة أن تتزوج بِحُر، وإحصان العبد أن يتزوج بحرة، وهو قول مجاهد (¬4). • من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): "ولم يختلف من لقيت أن لا رجم على عبد ثيب" (¬5). وقال أيضًا: "ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم ¬
على مملوك في الزنا" (¬1) ونقله عنه ابن كثير (¬2). وقال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "لم يختلفوا في أن حد العبد في الزنا خمسون على النصف من حد الحر" (¬3). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن الأمة المحصنة بالزواج خاصة إذا ثبت زناها كما قدمنا في الحرة وإنه ليس عليها إلا خمسون جلدة" (¬4). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وأجمع العلماء على أن الأمة إذا تزوجت فزنت أن عليها نصف ما على الحرة البكر من الجلد" (¬5). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "العلماء أجمعوا على أن الأمة إذا تزوجت وزنت أن حدها خمسون جلدة" (¬6). وقال أيضًا في كلامه على العبد: "أن المسلمين اتفقوا على تنصيف حده في الزنا، أعني أن حده نصف حد الحر" (¬7). وقال الرازي (606 هـ): "اتفقوا على أن الرقيق لا يرجم، واتفقوا على أنه يجلد، وثبت بنص الكتاب أن على الإماء نصف ما على المحصنات من العذاب، فلا جرم: اتفقوا على أن الأمة تجلد خمسين جلدة" (¬8). وقال ابن قدامة (620 هـ): "حد العبد والأمة خمسون جلدة بكرين كانا أو ثيبين في قول أكثر الفقهاء. . . وقال أبو ثور: إذا لم يحصنا بالتزويج فعليهما نصف الحد، وإن ¬
أحصنا فعليهما الرجم. . . وجعل داود عليها مائة إذا لم تحصن، وخمسين إذا كانت محصنة. . . أما أبو ثور، فخالف نص قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬1)، وعمل به فيما لم يتناوله النص، وخرق الإجماع في إيجاب الرجم على المحصنات، كما خرق داود الإجماع في تكميل الجلد على العبيد، وتضعيف حد الأبكار على المحصنات" (¬2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3). وقال ابن القطان (628 هـ): "وأجمع العلماء أن الأمة إذا تزوجت فزنت أن عليها نصف ما على الحرة البكر من الجلد" (¬4). وقال النووي (676 هـ) في الأمة المزوجة: "وقد أجمعوا على أنها لا ترجم" (¬5). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "وإن كان الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة. . . وخرق أبو ثور الإجماع في إيجاب الرجم على المحصنات كما خرق داود الإجماع في تكميل الحد على العبد وتضعيف حد الأبكار على المحصنات" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬7). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى في حق الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬8). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل عقاب الإماء المحصنات نصف عقاب الأحرار، والحرة عقوبتها مائة جلدة، فيكون عقوبة الأمة نصف ذلك خمسون جلدة، وأما الحرة المحصنة فعقوبتها الرجم والرجم لا يتنصف، وذلك يدل ¬
على أنه لا رجم على الإماء والعبيد (¬1). الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر في الأمة الزانية أن تُجلد، ولم يُفرق بين كونها محصنة أو غير محصنة، وهذا إذا ثبت في حق الإماء فكذا في حق العبيد، حتى يرد الدليل على التفريق بين الذكر والأنثى، فإن الأصل في الحدود استواء الرجال والنساء حتى يرد الدليل على التفريق (¬3). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على أربعة أقوال: القول الأول: أن الأمة لا يُقام عليها حد الرجم وإنما تجلد خمسون جلدة، أما العبد فيُقام عليه الحد كالحر، فإن كان محصنًا رجم، وإن كان غير محصن جُلد مائة. وبه قال ابن حزم (¬4). القول الثاني: أن الأمة إذا لم تتزوج فلا حد عليها، وإنما عليها التعزير فقط، فإذا تزوَّجت فعليها نصف ما على الأحرار، خمسون جلدة. وهو مروي عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، وأبي الدرداء، وطاووس، وعطاء، وأبي عبيد، وقوَّاه ابن القيم (¬5). القول الثالث: أن العبد إذا تزوج بامرأة حرة فإنه يكون محصنًا، وكذا المرأة المملوكة إذا تزوجت بِحُر، فإنها تكون محصنة، ويجب عليهما الرجم إذا زنيا. ¬
وهذا قول مجاهد، والأوزاعي، وبه قال الظاهرية (¬1). وأخرج ابن حزم في ذلك عن مجاهد قال: "قدمت المدينة وقد أجمعوا على عبد زنى، وقد أحصن بحرة، أنه يرجم، إلا عكرمة فإنه قال: عليه نصف الحد" (¬2). القول الرابع: إذا لم يحصنا بالتزوج فعليهما نصف الحد، وإن أحصنا فعليهما الرجم. وبه قال أبو ثور (¬3). • دليل المخالف: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى في حق الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬4). الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبيَّن زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (¬5). • وجه الدلالة من الآية والحديث: أن الآية والحديث نصَّا على الأمة، فبقي العبد على الأصل من إقامة الحد عليه، ولو أراد اللَّه تعالى إلحاق العبد بالأمة لذكره وبيَّنه (¬6). أما من قال بأنه لا حد على من لم تتزوج فاستدل بقوله تعالى في حق الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬7). ¬
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب الحد على الإماء المحصنات، فدل ذلك على أن غير المحصنات لا حد عليهن (¬1). أما من قال بجلد المحصنة ورجم غير المحصنة فاستدل بالآية أيضًا، فإن اللَّه تعالى أوجب على المحصنات نصف ما على الحرائر، فبقي حكم غير المحصنات على الأصل وهو الرجم (¬2).Rمما سبق يتبيَّن أن ثمة ثلاث مسائل: المسألة الأولى: حد الأمة خمسون جلدة سواء كانت وُطئت في نكاح صحيح أو لا، فهذه ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف في ذلك عن مجاهد، والأوزاعي، والظاهرية فيما إذا تزوَّجت بِحُرّ، ولثبوت خلاف من قال بأنه لا حد عليها إذا لم تتزوج. وقد أشار إلى الخلاف في ذلك ابن حزم فقال: "واختلفوا في الأمة غير المحصنة عليها جلد أم لا" (¬3). أما المسألة الثانية: حد العبد خمسون جلدة، سواء كان وَطئ في نكاح صحيح أو لا، فهذه ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم لثبوت الخلاف عن مجاهد، والأوزاعي، والظاهرية. وأشار إلى الخلاف في هذه المسألة جماعة منهم ابن حزم حيث قال: "واختلفوا في العبد غير المحصن بالزواج، وفي المحصن أيضًا، إذا زنى، عليه خمسون جلدة، أم تمام المائة، والتغريب، والرجم، ومقدار التغريب، أم لا حد عليه" (¬4). أما المسألة الثالثة: لا رجم على العبد والأمة، سواء حصل منهما وطء في نكاح صحيح أو لا، وسواء كانا محصنين أو غير محصنين، فهذه على قسمين: ¬
[130/ 2] الأمة إذا زنت ثم أعتقت حدت حد الإماء.
القسم الأول: الأمة التي لم تتزوج بِحرّ، فعدم الرجم عليها محل إجماع بين أهل العلم، وإن كان ابن حزم لم يجزم بذلك الإجماع حيث قال: "وجدنا الأمة قد اتفقت -بلا خلاف من أحد منهم-: على أن الأمة إذا أحصنت فعليها خمسون جلدة؟ قال أبو محمد رحمه اللَّه: ولا ندري أحدا أوجب عليها مع ذلك الرجم، ولا يقطع على أن المنع من رجمها إجماع" (¬1). القسم الثاني: إن كان الزاني هو العبد، والأمة التي تزوَّجت بِحُر، فعدم رجمهما ليس محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن مجاهد، والأوزاعي، والظاهرية، واللَّه تعالى أعلم. [130/ 2] الأمة إذا زنت ثم أعتقت حدت حد الإماء. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب المملوك ذكرًا كان أو أنثى ما يوجب الحد، ثم أُعتق قبل إقامة الحد عليه، فإنه يُعامل في إقامة الحد عليه حد الإماء، على خلاف سبق بيانه فيما هو حد الإماء. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن الأمة إذا زنت ثم أعتقت حُدَّت حد الإماء" (¬2) ونقله عنه القرطبي (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إذا رنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (¬6). ¬
[131/ 2] إذا زنت الأمة بعد العتق قبل أن تعلم به، ثم علمت وقد حدت حد الإماء أقيم عليها تمام حد الحرة.
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علق الحد على الزنا، وإذا زنت الأمة ثم أُعتقت فإن وقت وجوب الحد عليها هو حال كونها أمة، والاعتبار هو بوقت الوجوب (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [131/ 2] إذا زنت الأمة بعد العتق قبل أن تعلم به، ثم علمت وقد حدت حد الإماء أقيم عليها تمام حد الحرة. المراد المسألة: إذا أعتق السيد أمته، ولم تَعلم الأمة بذلك، ثم ارتكبت ما يوجب حد الزنا بعد عتقها وقبل أن تعلم بالعتق، فإنه يقام عليها حد المرأة الحرة، فإن كان قد أُقيم عليها حد الأمة بخمسين جلدة مثلًا فإنه يُكمل لها كحد الحرة. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن الأمة إذا زنت ثم أعتقت حدت حد الإماء، وإذا زنت وهي لا تعلم بالعتق، ثم علمت وقد حدت حد الإماء أقيم عليها تمام الحد" (¬2) ونقله عنه القرطبي (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن العبرة بحال الوجوب، والحد وجب على الأمة حال كونها حرة (¬6). الدليل الثاني: أنه ليس من شروط إقامة الحد العلم بالحرية، كما أنه ليس من شرط إقامة الحد العلم بالعقوبة، فمن ارتكب ما يوجب الحد وهو عالم ¬
[132/ 73] الأمة الزانية ليس بيعها بواجب على سيدها.
بالتحريم، لكنه جاهل بماهية العقوبة، فإن العقوبة تُطبق في حقه (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [132/ 73] الأمة الزانية ليس بيعها بواجب على سيدها. • المراد بالمسألة: إذا ارتكبت الأمة ما يوجب حد الزنا، وتكرر ذلك منها، فإن الشرع أمر ببيعها كما في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (¬2). إلا أن هذا الأمر من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس محمولًا على الوجوب والإلزام. • من نقل الإجماع: قال ابن بطال (449 هـ): "أوجب أهل الظاهر بيع الأمة إذا زنت الرابعة وجُلِدت، والأُمَّة كلها على خلافهم، وكفى بقولهم جهلًا خلاف الأمة له" (¬3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وأجمع الفقهاء أن الأمة الزانية ليس بيعها بواجب لازم على ربها وإن اختاروا له ذلك" (¬4). وقال القرطبي (671 هـ): "وأجمع العلماء على أن بيع الأمة الزانية ليس بواجب لازم على ربها" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع في المسألة إلى أن حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- محمول على الاستحباب، واختلفوا في الصارف له على أقوال: فقيل: الإجماع على أنه للاستحباب. وقيل: أن الحديث منسوخ، وبه قال بعض الشافعية (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن الحديث في الأمر بالبيع محمول على الوجوب. وهو قول أبي ثور (¬2)، وبه قال الظاهرية (¬3)، واستظهره الصنعاني (¬4). • دليل المخالف: استدل من أوجب بيع الأمة إن زنت أربعًا بظاهر حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، فإنه أمر ظاهره الوجوب، ولا يوجد ما يَصرفه للاستحباب (¬5).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف أبي ثور والظاهرية، ولذا قال النووي في حكاية المسألة: "وهذا البيع المأمور به مستحب ليس بواجب عندنا وعند الجمهور، وقال داود وأهل الظاهر: هو واجب" (¬6)، فنسب القول باستحباب البيع للجمهور، ولم يجعله إجماعًا. ولعل من حكى الإجماع لم يعتبر قول المخالف، كما هو صريح قول ابن بطال، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في إقامة حد الزنا
الفصل الخامس: مسائل الإجماع في إقامة حد الزنا [133/ 2] لا يقام حد على حامل حتى تضع. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على امرأة ما يوجب حد الزنا، ثم تبيَّن أنها حامل، فإنه لا يُقام عليها الحد حتى تضع حمْلها، سواء كان ذلك الحد رجمًا، أو جلدًا، وسواء كان حملها بفعل الزنا، أو بطريق شرعي. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن المرأة إذا اعترفت بالزنا وهي حامل أنه لا ترجم حتى تضع حملها" (¬1) ونقله عنه ابن قدامة (¬2) وشمس الدين ابن قدامة (¬3). وقال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء أن الحبلى من الزنا لا رجم عليها حتى تضع" (¬4). وقال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن الحد لا يقام عليها وهي حبلى" (¬5). وقال ابن قدامة (620 هـ): "ولا يقام الحد على حامل حتى تضع، سواء كان الحمل من زنا أو غيره، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬6). وقال ابن القطان (628 هـ): "اتفقوا أن الحد لا يقام على زانية وهي حبلى" (¬7). وقال النووي (676 هـ): "لا ترجم الحبلى حتى تضع سواء كان حملها من زنا أو غيره، وهذا مجمع عليه؛ لئلا يقتل جنينها، وكذا لو كان حدها ¬
الجلد وهي حامل لم تجلد بالإجماع حتى تضع" (¬1) ونقله عنه أبو الطيب (¬2). وقال ابن حجر (852 هـ): "وقد استقر الإجماع على أنها لا ترجم حتى تضع" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قصة الغامدية التي جاءت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حنى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (¬5). • وجه الدلالة: الحديث ظاهر في أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُقم الحد على المرأة الحبلى حتى وضعت حمْلها. الدليل الثاني: أنه المروي عن الصحابة رضي اللَّه عنهم، وذلك أن عمر -رضي اللَّه عنه- رفعت له امرأة قد غاب عنها زوجها سنتين، فجاء وهي حبلى، فهم عمر برجمها، فقال له معاذ بن جبل: يا أمير المؤمنين! إن يك لك السبيل عليها فلا سبيل لك على ما في بطنها، فتركها عمر حتى ولدت غلامًا قد نبتت ثناياه، فعرف زوجها شبهه به، قال عمر: "عجز النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ ¬
[134/ 2] إذا كانت المرأة الزانية حاملا, فإنه لا يقام عليها الحد حتى تفطم ولدها.
هلك عمر" (¬1). الدليل الثالث: أن في إقامة الحد على الحبلى تعريض لولدها للهلاك، وحملها له حق وحرمة، ولا يجوز قتله تبعًا لأمه لعموم قوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬2) (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [134/ 2] إذا كانت المرأة الزانية حاملًا, فإنه لا يُقام عليها الحد حتى تفطم ولدها. • صورة المسألة: إذا ثبت على امرأة الزنا، وكانت حاملًا، فإنه يجب على الإمام عدم إقامة الحد عليها حتى تضع حملها، وتفطم ولدها، ما لم يمُت الولد. فإن مات الولد قبل ذلك لم يجب ترك المرأة حتى وقت تمام الفطام. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أنها إن حملت من زنا. . . أن تمام فطامها لِما تضع وقت لإقامة الحد عليها، ما لم يمت الولد قبل ذلك" (¬4). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أنها إن حملت من زنا. . . أن تمام فطامها وقت لإقامة الحد عليها، ما لم يمت الولد قبل ذلك" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية في رواية (¬6) وهو قول ¬
المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). إلا أن الجميع قيَّد ذلك بحد الرجم إذا لم يوجد للطفل من يقوم على تربيته ورضاعه. • مستند الإجماع: الدليل الأول: قصة الغامدية التي جاءت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (¬4). الدليل الثاني: ما أخرجه ابن ماجه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (المرأة إذا قتلت عمدًا لا تُقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملًا، وحتى تكفل ولدها، وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها، وحتى تكفل ولدها) (¬5). ¬
الدليل الثالث: أنه لما أُخِّر الاستيفاء من الحامل لحفظ الولد وهو حمل جنين في بطن أمه، فلأن يؤخر لحفظه بعد وضعه أولى (¬1). • المخالفون للإجماع: اتفق الفقهاء على أن الحامل لا يُقام عليه الحد على تضع حملها، ثم اختلفوا فيما بعد ذلك على أقوال: القول الأول: إن كان الحد رجمًا فإنه يُقام عليها الحد بعد الولادة، إن وُجد لصبيِّها من يقوم بتربيته ورضاعه، فإن لم يوجد فإنه يؤخر عنها الحد حتى تفطم ولدها. وإن كان جلدًا فإنه لا يُقام عليها الحد حتى تضع وتطهر من نفاسها. وهو قول الحنفية (¬2) والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). إلا أن الشافعية والحنابلة قالوا: بأنه لا يقام عليها حد الرجم بعد الولادة حتى تسقي الولد اللبأ، وهو أول الحليب، لأنه أجود غذاء المولود، ويتضرر الولد بتركه تضررًا كثيرًا، حتى قيل إنه لا يعيش إلا به، بل قال إبراهيم ابن مفلح: "حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ: بغير خلاف نعلمه" (¬5)، ولم يشترط الحنفية ذلك. القول الثاني: كالقول الأول، إلا إن كان الحد جلدًا فإنها تُجلد، ولا ينتظر حتى تطهر من نفاسها، وهو قول المالكية (¬6)، وبعض الحنابلة (¬7). ¬
القول الثالث: إن وضعت المرأة الحمل فيُقام عليها حد الرجم، حتى لو لم تجد من يَكفل الطفل ويرعاه. وهو وجه عند الشافعية (¬1). • دليل المخالف: استدل من قال بإقامة حد الرجم على المرأة إن وُجد من يَكفل الولد بقصة الغامدية في حديث بريدة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول اللَّه طهرني، فقال: (ويحك، ارجعي فاستغفري اللَّه وتوبي إليه)، فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك، قال: (وما ذاك؟ )، قالت: إنها حبلى من الزنا، فقال: (آنت؟ )، قالت: نعم، فقال لها: (حتى تضعي ما في بطنك)، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: قد وضَعَت الغامدية، فقال: (إذا لا نرجمها وندع لها ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه) فقام رجل من الأنصار فقال: إليَّ رضاعه يا نبي اللَّه، قال: فرجمها" (¬2) (¬3). ¬
[135/ 2] الزاني إن كان رجلا فإنه يرجم قائما، ولا يوثق ولا يحفر له أثناء رجمه، سواء ثبت زناه ببينة أو إقرار.
أما من قال بإقامة حد الجلد بعد طهر المرأة من نفاسها فاستدل بما رواه مسلم عن أبي عبد الرحمن قال: خطب علي -رضي اللَّه عنه- فقال: "يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: (أحسنت، اتركها حتى تماثل) (¬1).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف في المسألة. لكن يمكن أن يُقال: بأن المرأة إن كان حدُّها الرجم، ولم يوجد لصبيِّها من يُرضعه ويَكفله، فإن ترك إقامة الحد عليها حتى تفطم ولدها عليه إجماع أهل العلم؛ إذ لا خلاف فيه إلا في وجه عند الشافعية، يمكن القول بشذوذه لعدم متابعته، وعدم الدليل له في ذلك، ومعارضته النصوص الصريحة، واللَّه تعالى أعلم. [135/ 2] الزاني إن كان رجلًا فإنه يرجم قائمًا، ولا يوثق ولا يحفر له أثناء رجمه، سواء ثبت زناه ببينة أو إقرار. • المراد بالمسائل: إذا ارتكب رجل ما يوجب حد الزنا، وثبت ذلك عند الإمام، فإن من صفة إقامة الحد عليه أن يُرجم وهو قائم، وألا يوثق برباط ونحوه أثناء رجمه، وألَّا يُحفر له أيضًا. وبهذا يتبيَّن أن الحد إن كان على امرأة، أو كان الحد جلدًا لا رجمًا فكل ذلك غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن الرجل ¬
المرجوم لا يحفر له" (¬1) ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "إذا كان الزاني رجلًا أقيم قائمًا، ولم يوثق بشيء، ولم يحفر له، سواء ثبت الزنا ببينة أو إقرار، لا نعلم فيه خلافًا" (¬3) ونقله عنه ابن قاسم (¬4). وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬5). وقال ابن قاسم (1392 هـ): " (ولا يحفر للمرجوم في الزنا رجلًا كان أو امرأة) أما الرجل فبالاتفاق" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬7)، المالكية في عدم الحفر (¬8)، والشافعية (¬9). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا من أسلم يقال له ماعز بن مالك، أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إني أصبت فاحشة فأقمه علي، فرده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرارًا قال ثم سأل قومه؟ فقالوا: ما نعلم به بأسًا إلا أنه أصاب شيئًا يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد، قال فرجع إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمرنا أن نرجمه، قال: فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد، قال، فما أوثقناه ولا حفرنا له، قال: فرميناه بالعظم والمدر والخزف، قال فاشتد واشتددنا، خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة - يعني الحجارة ¬
- حتى سكت. . . الحديث (¬1). • وجه الدلالة: الحديث ظاهر حيث فيه نص أنهم لم يوثقوا ماعزًا، ولا حفروا له، وأنه هرب حين رجمه وهو يدل على عدم توثيقه، والحفر له، وإلا لما استطاع الهرب (¬2). الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أن اليهود جاؤوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما تجدون في التوراة في شأن الرجم)، فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد اللَّه بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأَتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد اللَّه بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرُجما، قال عبد اللَّه: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة" متفق عليه (¬3). • وجه الدلالة: انحناء الرجل على المرأة ليقيها من الحجارة دليل على أنه لم يُحفر لهما، ولم يوثقا، وإلا لما استطاع أن ينحني عليها (¬4). الدليل الثالث: قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "لا يحل في هذه الأمة تجريد، ولا مد، ولا غل، ولا صفد" (¬5). الدليل الرابع: أن الحفر والتوثيق عقوبة زائدة لم يرد بها الشرع، وتحتاج ¬
إلى دليل (¬1). • المخالفون للإجماع: ثمة ثلاث مسائل: أولًا: رجم الزاني وهو قائم: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرجل يرجم قاعدًا، أو قائمًا. وبه قال ابن حزم (¬2). وقيل: يُرجم قاعدًا. وهو منسوب إلى مالك (¬3). ثانيًا: عدم توثيق الزاني أثناء الرجم: ذهب طائفة إلى أن الزاني إن حُفر له فالأولى عدم ربط يديه. وهو قول لبعض المالكية (¬4). والظاهر في مذهب المالكية أن للإمام توثيقه وعدم توثيقه كما هو الحال في القيام والقعود (¬5). ثالثًا: الحفر للمرجوم: خالف بعض الفقهاء في مسألة الحفر للرجل الزاني على ثلاثة أقوال: القول الأول: يحفر للرجل. وهو قول للمالكية (¬6)، وبه قال قتادة وأبو ثور (¬7)، ونسبه النووي إلى أبي ¬
يوسف وأبي حنيفة في رواية (¬1). القول الثاني: أن الحفر للرجل على التخيير إن شاء الإمام حَفر له، وإن شاء لم يُحفر له. وهو قول لبعض المالكية (¬2)، وبعض الشافعية (¬3)، ونسبه بعض أهل العلم للشافعي (¬4). القول الثالث: إن كان زناه ثبت ببينة فإنه يحفر له، وإن كان بإقرار فلا يُحفر له. وهو قول لبعض الشافعية (¬5). • دليل المخالف: أما من أجاز الحفر فاستدل بما ثبت عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه: أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قومه فقال: (أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا؟ )، فقالوا: ما نعلمه إلا وَفِيَّ العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضًا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابعة، حفر له حفرة، ثم أمر به فرجم" (¬6). • وجه الدلالة: في الحديث نص على أنه قد حُفر لماعز حين رُجم. ¬
[136/ 2] ما فعله الحربي في دار الحرب من زنى فإنه لا يؤاخذ به بعد إسلامه.
وأما من فَّرق بين من ثبت زناه ببينة وبين من ثبت زناه بإقرار: فعلل لذلك بأن من ثبت زناه بإقرار فله الرجوع عن إقراره، والهرب أثناء رجمه، ويجوز تركه حينئذ، لذا ينبغي ألا يُربط ولا يُحفر له، بخلاف من ثبت زناه ببينة فإنه لو أنكر الزنا لم ينفعه ذلك ويجب إقامة الحد عليه حتى لو حاول الهروب (¬1).Rالمسائل السابقة فيما يظهر ليست محل إجماع محقّق بين أهل العلم؛ وذلك لثبوت الخلاف في الحفر، عن بعض المالكية، وبعض الشافعية، وغيرهم. وثبوت الخلاف في القيام عن ابن حزم. وأما عدم التوثيق فحكى بعض المالكية أن الأفضل عدم ربطه إذا حفر له، وهو يدل على أن ذلك ليس هو المقدّم عند المالكية في كل حال، واللَّه تعالى أعلم. [136/ 2] ما فعله الحربي في دار الحرب من زنى فإنه لا يؤاخذ به بعد إسلامه. [137/ 2] ما فعله الذمي في دار الكفر من زنى فإنه لا يؤاخذ به بعد إسلامه. • المراد بالمسألتين: أولا: تعريف الحربي: الحرب في اللغة نقيض السلم (¬2). والحربي في اصطلاح الفقهاء هو يشمل الكافر الذي ليس بيننا وبينه عهد وأمان، أو الكافر الذي بيننا وبين بلاده حرب. وكل من حارب المسلمين من الكفار، بأي نوع من أنواع القتال فهو حربي (¬3). ثانيًا: تعريف الذمي: الذمة في اللغة: بمعنى العهد والأمان والكفالة. والمراد بالذمي: هو من كان بيننا وبينه عهد على أن يقيم في بلادنا معصوم الدم والمال (¬4). ¬
ثالثًا: صورة المسألتين: إذا ثبت حد الزنا على شخص، وكان قد فعل زِناه في دار الحرب أثناء كونه كافرًا حربيًا، ثم تاب وأسلم، أو صار من أهل الذمة، فإنه لا يؤخذ بما فعل حال حربيَّته أو كفره من زنا. وكذا الذمي إذا زنى في دار الكفر، ثم أسلم فإنه لا يؤاخذ بزناه، ولا يُحد عليه بعد إسلامه. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "وقد صح النص والإجماع بإسقاطه، وهو ما أصابه أهل الكفر ما داموا في دار الحرب قبل أن يتذمموا أو يسلموا فقط، فهذا خارج بفعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كل من أسلم منهم، فلم يؤاخذهم بشيء مما سلف لهم من قتل، أو زنى، أو قذف، أو شرب خمر، أو سرقة، وصح الإجماع بذلك" (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وقد أجمع علماء المسلمين على أن الكفار إذا انتهوا وتابوا من كفرهم غفر لهم كل ما سلف، وسقط عنهم كل ما كان لزمهم في حال الكفر، من حقوق اللَّه عز وجل وحقوق المسلمين قبل أن يقدروا عليهم، وبعد أن يقدروا عليهم ويصيروا في أيدي المسلمين فلا يحل قتلهم بإجماع ¬
المسلمين، ولا يؤخذ بشيء جنوه في مال أو دم، فدل ذلك على أن الآية تنزل في أهل الشرك والكفر" (¬1). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن الذمي لا يقام عليه بعد ذمته أو إسلامه حد زنا كان منه قبل ذلك" (¬2). وقال القرطبي (671 هـ): "أما الكافر الحربي فلا خلاف في إسقاط ما فعله في حال كفره في دار الحرب" (¬3). وقال محمد ابن مفلح (763 هـ) (¬4): "أما الحربي الكافر فلا يؤخذ بشيء في كفره إجماعًا" (¬5) وبمثله قال: إبراهيم ابن مفلح (884 هـ) (¬6) والمرداوي (885 هـ) (¬7) والحجاوي (968 هـ) (¬8) (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬10)، والشافعية (¬11). ¬
[138/ 2] الحربي غير المحصن يجلد إن زنى.
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} (¬1). • وجه الدلالة: قال البغوي في تفسير الآية: "فمن ذهب إلى أن الآية نزلت في الكفار، قال معناه: إلا الذين تابوا من شركهم وأسلموا قبل القدرة عليهم فلا سبيل عليهم بشيء من الحدود ولا تبعة عليهم فيما أصابوا في حال الكفر من دم أو مال" (¬2). الدليل الثاني: عن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله) (¬3). • وجه الدلالة: الحديث دل على أن من أسلم فإن الإسلام يهدم ويمحو أثر ما فعله الشخص في الكفر، قال النووي: "الدخول في الإسلام بالظاهر والباطن جميعًا، وأن يكون مسلمًا حقيقيًا، فهذا يُغفر له ما سلف في الكفر بنص القرآن العزيز، والحديث الصحيح: (الإسلام يهدم ما قبله)، وباجماع المسلمين" (¬4).Rالمسألتان فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [138/ 2] الحربي غير المحصن يجلد إن زنى. • المراد بالمسألة: إذا زنى الحربي في دار الإسلام فان على الإمام أن يقيم عليه حد الجلد إن كان بكرًا، وهذا عام سواء زنى بمسلمة أو بغير مسلمة. ويتبين مما سبق أن المسألة في جلد البكر أما رجم المحصن فمسألة أخرى. وكذا لو زنى الحربي في دار الحرب، أو كان دخل بلاد المسلمين بأمان فكل ذلك غير مراد. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن المرتضى (840 هـ): "يجلد الحربي إجماعًا" (¬1) ونقله عنه الشوكاني (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك أبو يوسف من الحنفية (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬4). الدليل الثاني: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) (¬5). • وجه الدلالة: عموم النصوص بوجوب الحد على الزاني، ولم تشترط كونه ليس من دار الحرب (¬6). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن الحربي لا يُجلد إن ثبت زناه. وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8) (¬9)، والحنابلة (¬10). • دليل المخالف: أن الحربي غير ملتزم بأحكام المسلمين فلم تجب عليه أحكام المسلمين المتعلقة بحقوق اللَّه تعالى (¬11). ¬
[139/ 2] من زنى مرارا ولم يحد فإنه يحد حدا واحدا.
Rالمسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، فتحصل من ذلك أن جمهور أهل العلم على أن الحربي غير المحصن لا يُقام عليه الجلد، ولعل من نقل الإجماع وهِم في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [139/ 2] من زنى مرارًا ولم يحدّ فإنه يحدّ حدًا واحدًا. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا أكثر من مرة، وفي كل مرة توفرت شروط الحد، وبعد عدة مرات في الثانية أو أكثر ثبت زناه عند الحاكم، وأقر بالزنا في المرات السابقة، أو ثبت ذلك عليه ببيَّنة، فإنه لا يجب عليه إلا حد واحد، فإن كان غير محصن جُلد مائة، وإن كان محصنًا فعليه الرجم. ويُنبه إلى أمرين: الأول: أنه لو زنى ثم أقيم عليه الحد، ثم زنى أخرى فمسألة أخرى غير مرادة. الثاني: لا بد أن يكون الزنا موجب لحد واحد، فإن كان موجب الحد مختلف كأن زنى وهو بكر، ثم زنى أخرى وهو محصن، فهذه مسألة غير مرادة (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "لم يختلفوا فيمن وطئ مرارًا قبل الحد أنه ليس عليه إلا حد واحد" (¬2) ونقله عنه الزرقاني (¬3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "ما يوجب الحد من الزنا والسرقة والقذف وشرب الخمر، إذا تكرر قبل إقامة الحد، أجزأ حد واحد، بغير خلاف علمناه" (¬4). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "إن زنى أو سرق أو شرب مرارًا قبل إقامة الحد عليه أجزأ حد واحد، بغير خلاف علمناه" (¬5). وقال ابن ¬
[140/ 2] من تحرك في الزنا وفي وطء واحد حركات كثيرة لزمه حد واحد.
المرتضى (840 هـ): "لا يتكرر الحد بتكرر الزنا في واحدة أو أكثر إجماعًا" (¬1). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "فإن كانت من جنس مثل إن زنى أو سرق أو شرب مرارًا أجزأ حد واحد، بغير خلاف علمناه" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع، والمخالف، ودليل المخالف: سبق بيان مستند الإجماع، والمخالف، مع أدلته، مفصلًا في باب المسائل العامة في الحدود، تحت عنوان: "من ارتكب الموجب للحد مرارًا قبل إقامة الحد عليه فعليه حد واحد" (¬6). إلا أنه في هذه المسألة ذكرت نصوص أهل العلم في حكاية الإجماع الخاصة بمسألة من كرر الزنا قبل الحد. • وحاصل النتيجة في المسألة: أن المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف الظاهرية، واللَّه تعالى أعلم. [140/ 2] من تحرك في الزنا وفي وطء واحد حركات كثيرة لزمه حد واحد. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكان قد أولج ذكره في فرج المزني بها ثم أدخله أكثر من مرة أثناء ذلك الوطء، فإنه لا يجب عليه إلا حد واحد، ولا يجب بكل مرة غيَّب فيها الحشفة حد مستقل. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن من تحرك في الزنا في وطء واحد حركات كثيرة أن حدًا واحدًا يلزمه" (¬7). ¬
[141/ 2] لا يجوز رجم الزاني المحصن بغير الحجارة.
وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن من تحرك في الزنا في وطء واحد حركات كثيرة، أن حده حد واحد" (¬1). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "لا يتكرر الحد بتكرر الزنا في واحدة أو أكثر إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع في هذه المسألة إلى أدلة الإجماع في المسألة التي قبلها. ووجه ذلك: أنه إذا كان من تكرر منه الزنا في أوقات مختلفة بامرأة واحدة أو أكثر قبل وجوب الحد عليه، فإنه لا يجب عليه إلا حد واحد، ففي هذه المسألة من باب أولى.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [141/ 2] لا يجوز رجم الزاني المحصن بغير الحجارة. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكان محصنًا، وثبت عليه الرجم عند الحاكم، فإن رجمه يكون بالحجارة، ولا يجوز رجمه بغير الحجارة، كالحديد، والخشب، ونحو ذلك. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أنه لا يجوز قتله بغير الحجارة" (¬6). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أنه لا يجوز قتل المرجوم ¬
بغير الحجارة" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: كان نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أنزل عليه كرب لذلك وتربد له وجهه قال فأنزل عليه ذات يوم فلقي كذلك فلما سري عنه قال (خذوا عني فقد جعل اللَّه لهن سبيلا الثيب بالثيب والبكر بالبكر الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة) (¬3). الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أتى رجل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسول اللَّه إني زنيت، فأعرض عنه، حتى ردد عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (أبك جنون؟ )، قال: لا، قال: (فهل أحصنت؟ )، قال: نعم، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اذهبوا به فارجموه). قال ابن شهاب: فأخبرني من سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: "فكنت فيمن رجمه، فرجمناه بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة هرب، فأدركناه بالحرة، فرجمناه" متفق عليه (¬4). • وجه الدلالة: الحديث ظاهر في أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- رجموا ماعزًا بالحجارة. • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن الرجم يجوز أن يكون بالحجارة وغيرها، ولا يتعين الرجم بالحجارة. وهو قول الشافعية (¬5)، ¬
[142/ 2] المرأة لا ترجم إلا قاعدة.
والحنابلة (¬1). • دليل المخالف: استدل من أجاز الرجم بغير الحجارة بما يلي: عن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا من أسلم يقال له ماعز بن مالك، أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إني أصبت فاحشة فأقمه علي، فرده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرارًا قال ثم سأل قومه؟ فقالوا: ما نعلم به بأسًا إلا أنه أصاب شيئًا يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد، قال فرجع إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمرنا أن نرجمه، قال: فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد، قال، فما أوثقناه ولا حفرنا له، قال: فرميناه بالعظم والمدر والخزف، قال فاشتد واشتددنا، خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة - يعني الحجارة - حتى سكت. . . الحديث (¬2). قال النووي: "قوله: (فرميناه بالعظام والمدر والخزف) هذا دليل لما اتفق عليه العلماء أن الرجم يحصل بالحجر، أو المدر، أو العظام، أو الخزف، أو الخشب، وغير ذلك مما يحصل به القتل، ولا تتعين الأحجار" (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الشافعية والحنابلة، بل حكى النووي اتفاق العلماء على إجزاء الرمي بغير الحجارة، فلعل ابن حزم وهِم في ذلك. ويمكن أن يُحرر الإجماع في ذلك فيقال: أجمع أهل العلم على مشروعية الرجم بالحجارة، واختلفوا فيما عداها، واللَّه تعالى أعلم. [142/ 2] المرأة لا ترجم إلا قاعدة. • المراد بالمسألة: إذا ثبت حد الزنا على امرأة محصنة، فإن من صفة إقامة الحد عليها، أن تُرجم وهي جالسة. ¬
• من نقل الإجماع: قال القاضي عياض: "اتفق العلماء أنها لا تحد إلا قاعدة" (¬1) ونقله عنه الشوكاني (¬2). وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمع الفقهاء أن المرأة تضرب في الزنا جالسة، إلا ابن أبي ليلى فإنه قال: بل تضرب قائمة" (¬3). وقال النووي (676 هـ): "واتفق العلماء على أنه لا ترجم إلا قاعدة" (¬4). وقال الصنعاني (1182 هـ): "واتفق العلماء أنها ترجم المرأة قاعدة" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن المرأة عورة، وكونها جالسة أستر لها (¬8). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن المرأة تُحد قائمة. وهو قول ابن أبي ليلى، وأبي يوسف (¬9). • دليل المخالف: استدل من قال بأن المرأة تُحد قائمة بالقياس على اللعان، فكما أن المرأة تُلاعن وهي قائمة، فكذا الحد (¬10).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف ابن أبي ليلى وأبي يوسف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[143/ 2] إذا ثبت الزنا بالإقرار استحب أن يبدأ الإمام بالرجم، وإذا ثبت بالبينة استحب أن يبدأ الشهود بالرجم.
[143/ 2] إذا ثبت الزنا بالإقرار استحب أن يبدأ الإمام بالرجم، وإذا ثبت بالبينة استحب أن يبدأ الشهود بالرجم. • المراد بالمسألة: إذا أقر شخص على نفسه بما يوجب حد الزنا، وثبت ذلك عند الإمام، فإنه يستحب أن يبدأ الإمام بالرجم، ثم يرجم بعده الحاضرون. وإذا كان ثبوت الحد ببينة الشهود فإنه يُستحب أن يبدأ الشهود بالرجم، ثم يرجم الناس بعدهم. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أنه إن صف الناس صفوفًا كصفوف الصلاة فرجم الشهود أولًا ثم الناس، ورجم الإمام في المقر أولًا ثم الناس أن الرجم قد وفى حقه" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "قال أحمد: سنة الاعتراف أن يرجم الإمام ثم الناس، ولا نعلم خلافًا في استحباب ذلك" (¬2). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أنه إن صف الناس صفوفًا كصفوف الصلاة فرجم الشهود أولًا ثم الناس، ورجم الإمام في المقر أولًا ثم الناس، وحفرت له حفيرة إلى صدره، أن الرجم قد وفي حقه" (¬3). وقال ابن دقيق العيد (702 هـ) (¬4): "الفقهاء قد استحبوا أن يبدأ الإمام بالرجم إذا ثبت الزنا بالإقرار، ¬
ويبدأ الشهود به إذا ثبت بالبينة" (¬1) ونقله عنه أبو الطيب (¬2)، والشوكاني (¬3). وقال المرداوي (885 هـ): "وإن ثبت بالإقرار استحب أن يبدأ الإمام بلا نزاع" (¬4) ونقله عنه ابن قاسم (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة، ثم رماها بحصاة مثل الحمصة، ثم قال: (ارموا واتقوا الوجه) (¬6). الدليل الثاني: أن هذا القول مروي عن علي -رضي اللَّه عنه- (¬7). الدليل الثالث: أن إيجاب الرجم على الشهود أولًا أبعد لهم من التهمة في الكذب عليه (¬8). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: ذهب الحنفية (¬9) إلى أنه إن ثبت الزنا بالإقرار فيشترط أن ¬
يبدأ الإمام أو نائبه بالرجم، وإن كان ببينة الشهود فيشترط أن يبدأ الشهود بالرجم، فإن غاب الإمام أو الشهود سقط الحد ولا يُقام إلا بحضورهما. القول الثاني: أن البداءة بالإمام في الرجم بموجب الإقرار، وببينة الشهود في الرجم بموجب الشهادة، ليس فيه سنة مستحبة. وهو قول المالكية (¬1). • دليل المخالف: أما من أوجب أن يبدأ الإمام بحد الإقرار، والشهود بحد البينة فاستدل بما سبق في مستند الإجماع، وحملوا ذلك على الوجوب. وأما من لم ير في ذلك سنة متَّبعة فاستدل بأنه لم يرد أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجم، وإنما كان يأمر أصحابه بذلك، ومن ذلك: أ - قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الرجل الذي كان عسيفًا عند آخر وزنى بامرأته، وفيه قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرُجمت" متفق عليه (¬2). ب - ما جاء في قصة ماعز -رضي اللَّه عنه- حين أقر على نفسه بالزنا، وأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بإقامة الحد عليه، فلما وجد مس الحجارة، فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل، فضربه به، وضربه الناس، حتى مات، فذكروا ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه فر حين وجد مس الحجارة، ومس الموت، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب اللَّه عليه) (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية، والمالكية، ولعل ابن حزم حينما نقل الاتفاق لم ¬
[144/ 2] لا يجمع بين الجلد والرجم على الزاني المحصن.
يقصد الإجماع (¬1)، وابن قدامة لم يجزم بنفي الخلاف، والمرداوي أراد نفي النزاع في المذهب، واللَّه تعالى أعلم. [144/ 2] لا يجمع بين الجلد والرجم على الزاني المحصن. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، ذكرًا كان أو أنثى، وكان الزاني محصنًا، فإن الواجب عليه الرجم، ولا يُجلد قبل الرجم. ويتبيَّن مما سبق أن المراد في المسألة الزاني المحصن، أما إن زنى وهو بكر، ثم زنى أخرى وهو محصن، فمسألة أخرى غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "فقهاء الأمصار متفقون على أن المحصن يرجم ولا يجلد" (¬2). قال ابن بطال (449 هـ): "رجم الثيب بلا جلد وعلى هذا فقهاء الأمصار" (¬3). وقال علاء الدين السمرقندي (539 هـ): "ولا يجمع بين الجلد والرجم بالاتفاق" (¬4). وقال ابن الهمام (861 هـ): "أما جلد علي -رضي اللَّه عنه- شراحة ثم رجمها؛ فإما لأنه لم يثبت عنده إحصانها إلا بعد جلدها، أو هو رأي لا يقاوم إجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬5). وقال الزيلعي (743 هـ): "لا يجمع بين الجلد والرجم على المحصن بالإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في المرأة التي زنت مع الأجير: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرجمت" متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر برجم المرأة إذا اعترفت ولم يذكر الجلد، ولم يُنقل أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- جلدها قبل الرجم (¬2). الدليل الثاني: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رجم ماعزًا والغامدية (¬3)، ولم يُنقل أنه جلدهما قبل الرجم، قال ابن حجر: "قصة ماعز جاءت من طرق متنوعة بأسانيد مختلفة، لم يذكر في شيء منها أنه جلد، وكذلك الغامدية، والجهنية، وغيرهما، وقال في ماعز: (اذهبوا فارجموه) وكذا في حق غيره، ولم يذكر الجلد، فدل ترك ذكره على عدم وقوعه، ودل عدم وقوعه على عدم وجوبه" (¬4). الدليل الثالث: أنه المروي عن الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، من القول والفعل، فمن الفعل أن أبا بكر، وعمر رضي اللَّه عنهما فرجما ولم يجلدا (¬5). وأما من القول فمن ذلك: أ - قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: "كان فيما أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه تعالى، والرجم في كتاب اللَّه ¬
حق على من أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف" متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- ذكر أن الفريضة التي أنزلها تعالى في المحصن هي الرجم، ولم يذكر الجلد، وهو يدل على أن حد الزاني المحصن الرجم دون الجلد (¬2). ب - قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "ما كانت حدود فيها قتل إلا أحاط القتل بذلك كله" (¬3). الدليل الرابع: أن المقصود من الجلد هو الردع والانزجار، وهذا حاصل بالقتل (¬4). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المحصن الذي وجب عليه حد الزنا فإنه يُجلد ثم يُرجم. وهو قول علي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبي بن كعب، وأبو ذر رضي اللَّه عنهم، وبه قال الحسن بن حي، وإسحاق، وداود، وابن المنذر (¬5)، وهو قول الظاهرية (¬6)، ورواية عند الحنابلة (¬7). القول الثاني: وهو أنه يجب الجمع بينهما إذا كان الزاني شيخًا ثيبًا، فإن ¬
كان شابًا ثيبًا اقتصر على الرجم. وهو قول طائفة من أهل الحديث (¬1). • أدلة المخالفين: أما من قال بالجمع بين الجلد والرجم فاستدل بما يلي: الدليل الأول: عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: كان نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أنزل عليه كرب لذلك وتربد له وجهه (¬2)، قال: فأُنزل عليه ذات يوم، فلقي كذلك، فلما سُري عنه قال: (خذوا عني فقد جعل اللَّه لهن سبيلا الثيب بالثيب والبكر بالبكر الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة) (¬3). • وجه الدلالة: الحديث صريح أن حد الثيب هو الجمع بين الجلد والرجم. الدليل الثاني: أن عليًا -رضي اللَّه عنه- جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال: "جلدتها بكتاب اللَّه، ورجمتها بسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬4). الدليل الثالث: أن في الرجم والجلد إعمالًا للأدلة، فالجلد ثابت بكتاب اللَّه، والرجم بسنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجب الجمع بينهما عملًا بدلالة الكتاب والسنة معًا (¬5). الدليل الرابع: أن اللَّه تعالى شرع في كل من المحصن والثيب عقوبتان: أما عقوبتا الثيب فهما الجلد والرجم، وأما عقوبتا البكر فهما الجلد والتغريب (¬6). وأما من قال بالتفريق بين الشيخ وغيره فاستدل بالآية المنسوخة في قوله تعالى: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) (¬7). ¬
[145/ 2] حد الزنا لا يقبل الفداء.
Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، والتابعين، والظاهرية، والحنابلة في رواية، ولذا قال البغوي في المسألة: "عامة العلماء على أن الثيب لا يجلد مع الرجم" (¬1)، قال الكاساني: "لا يجمع بين الجلد والرجم عند عامة العلماء" (¬2)، فجعله قول العامة، ولم يجعله إجماعًا، وهو من الخلاف المعتبر، وأما من فرَّق بين الشاب والشيخ فإن القرطبي وصف هذا القول بالشذوذ فقال: "وشذت طائفة فقالت: يجمع الجلد والرجم على الشيخ، ويجلد الشاب" (¬3)، واللَّه تعالى أعلم. [145/ 2] حد الزنا لا يقبل الفداء. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وثبت ذلك عند الإمام، فإنه لا يجوز للإمام أو غيره إسقاط الحد الذي ثبت، ولو أراد من وجب عليه الحد أن يفتدي بمبلغ من المال لأجل إسقاط الحد عنه، أو الافتداء بشخص آخر، بأن يقيم غيره مكانه في الحد، فلا يقبل منه الفداء. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لا خلاف في حد الزنا، والشرب، والسكْر، والسرقة، أنه لا يحتمل العفو، والصلح، والإبراء، بعد ما ثبت بالحجة" (¬4). وقال ابن تيمية (728 هـ): "وقد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ، أو غيره لا يجوز، وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني، والسارق والشارب، والمحارب وقاطع الطريق ونحو ذلك لتعطيل الحد، مال سحت خبيث" (¬5) ونقله عنه السفاريني (¬6). وقال ابن حجر (852 هـ): "الحد لا يقبل الفداء، وهو مجمع عليه في ¬
[146/ 2] يصلى على المرجوم في حد الزنا، ويغسل، ويدفن.
الزنا، والسرقة، والحرابة، وشرب المسكر" (¬1). وقال الزرقاني (1122 هـ): "الحد لا يقبل الفداء وهو مجمع عليه في الزنا" (¬2). • مستند الإجماع: سبق بيان مستند الإجماع مفصلًا في المسألة تحت عنوان: "تحريم الفداء والصلح في الحدود، بعد بلوغها الإمام" (¬3).Rالمسألة محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [146/ 2] يصلَّى على المرجوم في حد الزنا، ويغسَّل، ويدفن. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص مُحصن ما يوجب حد الزنا، وثبت ذلك عند الحاكم، وأمر برجمه حتى مات، فإنه بعد موته يصلى عليه كسائر موتى المسلمين، سواء كان المحدود رجلًا أو امرأة. ويُنبَّه إلى أن الإمام أو أهل الفضل إن تركوا الصلاة عليه من باب التغليظ، فإن ذلك غير داخل في مسألة الباب وإنما المراد ترك الصلاة عليه مطلقًا. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن المسلمين يصلون على المرجوم" (¬4). قال ابن قدامة (620 هـ): في حق المرجومين في الزنا: "لا خلاف في تغسيلهما ودفنهما" (¬5). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن المسلمين يصلون على المرجوم" (¬6). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "أما غسلهما ودفنهما فلا خلاف فيه بين أهل العلم" (¬7). ويمكن أن يضاف إليها نصوص أهل العلم التي سبق نقلها في مسألة: ¬
"يصلى على كل من مات بسبب الحد، إلا المرتد" (¬1). وكذا نصوص أهل العلم التي سبقت في مسألة: "مرتكب الحدود لا يكفر، إلا بالردة" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن حزم (¬5). • مستند الإجماع، وبيان المخالف: سبق بيان مستند الإجماع، والمخالف، على سبيل التفصيل في المسألة تحت عنوان: "يصلى على كل من مات بسبب الحد، إلا المرتد" (¬6)، وأنه لم يخالف فيه إلا الزهري حيث قال بأن المرجوم لا يُصلى عليه. وزيد في هذه المسألة ذِكر نصوص الإجماع الخاصة بالصلاة على من مات بموجب الرجم في حد الزنا. • وحاصل النتيجة في المسألة: أن ثمة مسألتان: المسألة الأولى: تغسيل المرجوم ودفنه، فهذه محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف. المسألة الثانية: الصلاة على المرجوم، فهذه خالف فيها الزهري فلم ير الصلاة على المرجوم؛ وقد اعتبر ابن قدامة هذا الخلاف فقال في الزانيين بعد رجمهما: "ويغسلان، ويكفنان، ويصلى عليهما، ويدفنان" لا خلاف في تغسيلهما ودفنهما، وأكثر أهل العلم يرون الصلاة عليهما" (¬7). ¬
الفصل السادس: مسائل الإجماع في الجرائم الملحقة بالزنا (اللواط، إتيان البهيمة. . . وغيرها)
الفصل السادس: مسائل الإجماع في الجرائم الملحقة بالزنا (اللواط، إتيان البهيمة. . . وغيرها) [147/ 2] اللواط حرام، وهو من الكبائر. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف اللواط: اللواط لغةً: قال ابن فارس: "اللام والواو والطاء كلمةٌ تدل على اللُّصوق" (¬1). قال ابن منظور: "لاط الحوْضَ بالطين لَوْطًا طَيَّنه. . . وكل شيء لَصِق بشيء فقد لاطَ به يَلوط لَوْطًا ويَليطُ لَيْطًا ولِياطًا. . . ولاط بحقه ذهب به، واللَّوْطُ الرِّداء. . . ولاطَ الرجلُ لِواطًا ولاوطَ أَي عَمِل عَمَل قومِ لُوطٍ. . . واللِّياطُ الرِّبا وجمعه: لِيطٌ". اللواط شرعًا: اللواط في الشرع: هو إتيان الذَّكر الذَّكر بإيلاج الحشفة أو قدرها في دبره (¬2). • ثانيًا: صورة المسألة: المراد بالمسألة أن اللواط الذي هو إتيان الذكر الذكر بتغييب حشفته في دبره، هو مما حرمه اللَّه تعالى. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن وطء الرجل الرجل جرم عظيم" (¬3). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن اللواط حرام، وأنه من الفواحش" (¬4). ¬
وقال ابن قدامة (620 هـ): "أجمع أهل العلم على تحريم اللواط" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن وطء الرجل الرجل جرم عظيم" (¬3). وقال القرطبي (671 هـ): "واختلف العلماء فيما يجب على من فعل ذلك بعد إجماعهم على تحريمه -يعني اللواط-" (¬4). وقال الذهبي (748 هـ): "أجمع المسلمون على أن التلوط من الكبائر التي حرم اللَّه تعالى" (¬5). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "وبالجملة فالإجماع منعقد على تحريمه -أي اللواط-" (¬6). وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ) في ذكره لبعض كبائر الذنوب: "اللواط، وإتيان البهيمة، والمرأة الأجنبية في دبرها. . . عدُّ هذه الثلاثة هو ما أجمعوا عليه" (¬7). وقال ابن قاسم (1352 هـ): "تحريم اللواط معلوم بالكتاب والسنة والإجماع" (¬8). وقال الشوكاني (1250 هـ): "اختلف أهل العلم في عقوبة الفاعل للواط والمفعول به، بعد اتفاقهم على تحريمه، وأنه من الكبائر" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬10). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ ¬
أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)} (¬1). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)} (¬2). الدليل الثالث: قال تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)} (¬3). • وجه الدلالة من الآيات السابقة: الآيات صريحة في تحريم اللواط، وأنه سبب لعقوبته تعالى على قوم لوط، وقد سماه تعالى في الآيات السابقة إسرافًا، واعتداءً، وجهلًا (¬4). الدليل الرابع: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط) (¬5). الدليل الخامس: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لعن اللَّه من عمل عمل قوم لوط، ولعن اللَّه من عمل عمل قوم لوط، ولعن اللَّه من عمل عمل قوم لوط) (¬6). • وجه الدلالة من الحديثين: الحديث صريح أن اللواط مما يوجب استحقاق ¬
[148/ 2] من استحل التلوط بملك اليمين فهو كافر.
لعن صاحبه، وأنه مما خافه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تقع فيه أمته، وهذا يدل على تحريمه، وأنه من الكبائر. الدليل السادس: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في الذي يعمل عمل قوم لوط: (ارجموا الأعلى والأسفل، ارجموهما جميعًا) (¬1). الدليل السابع: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) (¬2). • وجه الدلالة من الحديثين: في الحديثين بيان عقوبة شرعية لمن عمل اللواط، وذلك يدل صراحةً على تحريمه، وأنه من الكبائر.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم على أن اللواط محرم، وهو من الكبائر؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [148/ 2] من استحل التلوط بملك اليمين فهو كافر. • المراد بالمسألة: تبيَّن في المسألة السابقة إجماع أهل العلم على تحريم اللواط، فمن استحل إتيان اللواط بملك يمينه الذكر فهو كافر، إذا توفرت الشروط، وانتفت الموانع. ¬
وينبه هنا إلى أمرين: الأول: أن المراد في المسألة تحريم ذلك، وأن من استحله فقد استحل محرَّمًا، أما إقامة الحد على من فعل ذلك فمسألة أخرى (¬1). الثاني: المراد بالمسألة ملك اليمين الذكر، أما إن كانت ملك يمينه أنثى وأتاها في دبرها فذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "ومن هؤلاء من يستحل بعض الفواحش، كاستحلال مؤاخاة النساء الأجانب، والخلو بهن، زعمًا منه أنه يحصل لهن البركة بما يفعله معهن، وإن كان محرمًا في الشريعة، وكذلك من يستحل ذلك من المردان، ويزعم أن التمتع بالنظر إليهم ومباشرتهم هو طريق لبعض السالكين، حتى يترقى من محبة المخلوق إلى محبة الخالق، ويأمرون بمقدمات الفاحشة الكبرى، وقد يستحلون الفاحشة الكبرى، كما يستحلها من يقول إن التلوط مباح بملك اليمين، فهؤلاء كلهم كفار باتفاق المسلمين" (¬2). وقال أيضًا: "وقد اتفق المسلمون على أن من استحلها -أي فاحشة اللواط- بمملوك أو غير مملوك فهو كافر مرتد" (¬3). وقال ابن القيم (751 هـ): "أجمع المسلمون على أن حكم التلوط مع المملوك كحكمه مع غيره" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[149/ 2] التلذذ بمس الأمرد؛ كمصافحته، ونحو ذلك، حرام، وكذا التلذذ بالنظر إليه بشهوة حرام.
والشافعية (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عموم الأدلة السابقة في تحريم اللواط، وهي عامة في ملك اليمين وغيره.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [149/ 2] التلذذ بمس الأمرد؛ كمصافحته، ونحو ذلك، حرام، وكذا التلذذ بالنظر إليه بشهوة حرام. • المراد بالمسألة: المراد بالأمرد هنا هو الشاب الوسيم، ذو الوجه الحسن. قال ابن منظور: "المَرَدُ: نَقاءُ الخدين من الشعر، ونَقاء الغُصْن من الوَرَق، والأَمْرَدُ الشابُّ الذي بلغَ خروج لِحْيته، وطَرَّ شاربه، ولم تبد لحيته" (¬2). صورة المسألة: مما هو مقرر ضرورة إباحة نظر الرجل للرجل، وإباحة مصافحة الرجل للرجل، ولمسه، لكن هذا مقيد بألا يكون اللمس أو النظر بشهوة، وقصد التلذذ، فإن كان لشهوة وتلذذ فهو حرام. • من نقل الإجماع: قال ابن القطان (628 هـ): "أجمعوا على أنه يحرم النظر إلى غير الملتحي بقصد التلذذ بالنظر وتمتع البصر بمحاسنه"، نقله عنه ابن عابدين (¬3). وقال ابن تيمية (728 هـ): "والتلذذ بمس الأمرد، كمصافحته، ونحو ذلك، حرام بإجماع المسلمين" (¬4). وقال أيضًا: "والنظر إلى وجه الأمرد بشهوة كالنظر ¬
إلى وجه ذوات المحارم، والمرأة الأجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء أو كانت شهوة التلذذ بالنظر، كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية، كان معلومًا لكل أحد أن هذا حرام، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة" (¬1). وقال ابن الحاج (737 هـ) (¬2): "النظرة إلى الأمرد بشهوة حرام إجماعًا" (¬3). وقال محمد ابن مفلح (763 هـ): "ويحرم النظر بشهوة -أي إلى الأمرد-، ومن استحله كفر إجماعًا" (¬4). وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ): "ويحرم ولو على أمرد نظر شيء من بدن أمرد بشهوة، إجماعًا" (¬5). وقال الشربيني (977 هـ): "ويحرم نظر أمرد بشهوة بالإجماع" (¬6). وقال الرملي (1004): " (والنظر بشهوة حرام لكل منظور إليه من محرم وغيره غير زوجته وأمته) الأمة والصغيرة والأمرد بشهوة متفق عليه" (¬7). وقال النفراوي (1125): "لا يحل له النظر لأجنبية، ولا لأمرد على وجه الالتذاذ للإجماع على حرمة النظر بقصد الشهوة لغير الزوجة والأمة" (¬8). ¬
[150/ 2] السحاق حرام.
• مستند الإجماع: يستند الإجماع في المسألة إلى أن النظر إلى الأمرد بشهوة طريق للوقوع في فاحشة اللواط، وإذا كان اللَّه تعالى نهى عما يقرب للزنى في قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} (¬1)، فتحريم ما يدعوا للواط من باب أولى؛ لأن اللواط أقبح منه (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [150/ 2] السحاق حرام. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف السحاق: السَّحق في اللغة مصدر من سحَق الشَّيء يَسْحَقُه سحْقا: دَقَّه أشدَّ الدَّقّ. وقيل: السَّحْقُ: الدَّقُّ الرقيقُ. وقيل: هو مُطلق الدَّقُّ بعد الدَّقِّ (¬3). والمراد به هنا هو إتيان المرأة امرأة مثلها، بدلك فرجها بفرجها. • ثانيًا: صورة المسألة: إذا ساحقت المرأة امرأة مثلها، بأن دلكت فرجها بفرج امرأة أخرى، فإن ذلك حرام شرعًا. ويتبين مما سبق أن إدخال المرأة إصبعها أو غير ذلك في فرجها ليس من مسألة الباب، وإنما المراد حصول ذلك من امرأة معها (¬4). ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن سحق المرأة للمرأة حرام" (¬1). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن سحق المرأة للمرأة حرام" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} (¬6). الدليل الثاني: عن أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- (¬7) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان، وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان) (¬8). ¬
[151/ 2] لا حد في السحاق.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [151/ 2] لا حد في السحاق. • المراد بالمسألة: إذا تساحقت امرأتان فإنه ليس عليهما شيء من الحد، فلا يشملهما حد الزنا. ويتبيَّن أن المراد هو نفي الحد المقدر في من فعلت السحاق، أما مسألة عقوبتهما بالتعزير فمسألة أخرى. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن سحق المرأة للمرأة حرام. . . واتفقوا أنه لا حد في شيء من ذلك" (¬1). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن سحق المرأة للمرأة حرام. . . واتفقوا أنه لا حد في شيء من ذلك" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن السحاق لم يرد له في الشرع عقوبة مقدَّرة، ولا يصح إلحاقه بالزنا لأنه ليس فيه إيلاج (¬6). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن السحاق فيه مائة جلدة. وهو قول ابن شهاب الزهري، ونسبه إلى غيره من أهل العلم، حيث قال: "أدركتُ علماءنا يقولون في المرأة تأتي المرأة بالرفغة (¬7) وأشباهها: تجلدان ¬
[152/ 2] وطء البهيمة حرام.
مائة مائة الفاعلة والمفعولة بها" (¬1). • دليل المخالف: استدل من أوجب مائة جلدة على من فعلت السحاق بالقياس على حد الزنا (¬2).Rالمسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الزهري، وقد نسبه إلى علمائه، ومن المعلوم أن الزهري قد أدرك بعض الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وكبار التابعين. ومن نقل الاتفاق في المسألة أراد اتفاق المذاهب الأربعة، واللَّه تعالى أعلم. [152/ 2] وطء البهيمة حرام. • المراد بالمسألة: من الأمور التي حرَّمها الشارع أن يطأ الإنسان بهيمة من الحيوانات. والمراد هنا تقرير تحريم وطء البهيمة، أما الواجب في ذلك فمسألة أخرى. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "ولا خلاف بين أحد من الأمة أنه لا يحل أن تؤتى البهيمة أصلًا" (¬3). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن إتيان البهائم حرام" (¬4). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "والبهيمة محرَّمة إجماعًا" (¬5) ونقله عنه الشوكاني (¬6). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نص على أن تحريم الفروج إلا في حق الزوجة أو ملك اليمين، وما عداها فيبقى على التحريم المنصوص في الآية (¬5). الدليل الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه) (¬6). ¬
[153/ 2] قبول توبة الزاني، واللوطي.
الدليل الثالث: أنه إيلاج للحشفة في فرج محرَّم، فأشبه إتيان بني آدم (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [153/ 2] قبول توبة الزاني، واللوطي. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص جريمة الزنا أو اللواط، ثم تاب من ذلك الفعل، فإن توبته تُقبل فيما بينه وبين اللَّه تعالى. ويتبين مما سبق أن المراد سقوط إثم الزنا فيما بينه وبين اللَّه تعالى، أما سقوط الحد، أو سقوط حق المزني بها، أو الملوط به، فمسألة أخرى. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن التوبة من الكفر مقبولة ما لم يوقن الإنسان بالموت بالمعاينة، ومن الزنا، ومن فعل قوم لوط، ومن شرب الخمر" (¬2). وقال ابن عطية (542 هـ): "لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عامل في الكافر والزاني" (¬3). وقال القرطبي (671 هـ): "لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء (¬4) عامل في الكافر والزاني" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬6)، ¬
الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} (¬3). • وجه الدلالة: الآية صريحة في قبول توبة الزاني، وأنه مستثنى من العذاب المستحق لمن ارتكب الزنا. الدليل الثاني: عموم النصوص الدالة على مغفرة اللَّه تعالى لجميع الذنوب ومن ذلك: أ - قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} (¬4). ب - قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} (¬5). الدليل الثالث: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) (¬6). • وجه الدلالة: فيه دلالة على أن التائب من الذنب مساوٍ لمن لا ذنب له، ¬
ويدخل في ذلك من تاب من الزنا أو اللواط. الدليل الرابع: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لماعز حين أقيم عليه الحد وجد مس الحجارة، فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل، فضربه به، وضربه الناس، حتى مات، فذكروا ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه فر حين وجد مس الحجارة، ومس الموت، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب اللَّه عليه) (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشد الصحابة -رضي اللَّه عنهم- إلى أن الأفضل حين هرب ماعز -رضي اللَّه عنه- أن يتركوه لتوبته، ولا يقيموا عليه الحد، وهو دليل على قبول التوبة منه (¬2). الدليل الخامس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتي برجل أكره امرأة على الزنا، ثم جاء تائبًا، فلم يرجمه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال له: (اذهب فقد غفر اللَّه لك) (¬3). الدليل السادس: عموم الأدلة الدالة على إباحة ستر الإنسان على نفسه ما ارتكبه مما يوجب الحد (¬4).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. وهنا يُنبَّه إلى أن ما يُطلقه بعض الفقهاء من عدم قبول توبة الزاني أو المحارب وغيره من أهل الحدود لا يريدون بذلك عدم غفران الذنب عنهم، وإنما يريدون عدم رفع العقوبة في الدنيا، كما نبَّه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "وأما الذنوب التي يطلق الفقهاء فيها نفي قبول التوبة، مثل قول ¬
أكثرهم: لا تقبل توبة الزنديق -وهو المنافق-، وقولهم: إذا تاب المحارب قبل القدرة عليه تسقط عنه حدود اللَّه، وكذلك قول كثير منهم أو أكثرهم في سائر الجرائم، كما هو أحد قولي الشافعي وأصح الروايتين عن أحمد، وقولهم في هؤلاء إذا تابوا بعد الرفع إلى الإمام لم تقبل توبتهم، فهذا إنما يريدون به رفع العقوبة المشروعة عنهم، أي لا تقبل توبتهم بحيث يخلى بلا عقوبة، بل يعاقب، إما لأن توبته غير معلومة الصحة، بل يظن به الكذب فيها، وإما لأن رفع العقوبة بذلك يفضي إلى انتهاك المحارم وسد باب العقوبة على الجرائم، ولا يريدون بذلك أن من تاب من هؤلاء توبة صحيحة، فإن اللَّه لا يقبل توبته في الباطن، إذ ليس هذا قول أحد من أئمة الفقهاء، بل هذه التوبة لا تمنع إلا إذا عاين أمر الآخرة" (¬1). ¬
الباب الثالث: مسائل الإجماع في حد القذف
الباب الثالث: مسائل الإجماع في حد القذف وفيه تمهيد وخمسة فصول: التمهيد: وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف القذف لغة واصطلاحًا. المبحث الثاني: عقوبة القاذف. الفصل الأول: مسائل الإجماع في حقيقة القذف، وحكمه، وسبب الحد فيه. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في شروط حد القذف. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في إثبات القذف. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في عقوبة القذف. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في إقامة حد القذف.
التمهيد
التمهيد المبحث الأول: تعريف القذف • أولًا: تعريف القذف لغة: القذف -بفتح القاف- في اللغة مصدر قذَفَ بالشيء يَقْذِف قَذْفًا فانْقَذَف: بمعنى رمى، قال ابن فارس: "القاف والذال والفاء أصلٌ يدلُّ على الرَّمي والطَّرح" (¬1). فالقذف هو الرَّمْي بأي شيء كان، فيشمل، الرمي بالسهم، والحصى، والكلام، وغير ذلك. ومنه سميت القذيفة بذلك، وهي ما يرمى به من سلاح ونحوه. ومن هذا الباب قوله: إبل مقذوفة: أي كثيرة اللحم، وكأن اللحم رُمي بها (¬2). • ثانيًا: تعريف القذف اصطلاحًا: القذف في اصطلاح الفقهاء هو رمي آدمي بالزنا (¬3). وبهذا يظهر أن المعنى الشرعي موافق للمعنى اللغوي، وهو الرمي، إلا أنه في الشرع رمي خاص. ¬
المبحث الثاني: عقوبة القاذف
المبحث الثاني: عقوبة القاذف يمكن تقسيم عقوبة القاذف إلى قسمين: • القسم الأول: قذف غير الزوجة: إذا كان القذف من غير الزوج لزوجته، وليس عند القاذف بيِّنة على قذفه، فهو على حالين: الحال الأولى: إن كان القاذف حرًا: اتفق الفقهاء على أن القذف الموجب للحد عقوبته ثمانون جلدة، إن كان القاذف حرًا، وهذا عام سواء كان القاذف رجلًا، أو امرأة، وقد حكى الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم منهم الماوردي (¬1)، وابن حزم (¬2)، وابن رشد الحفيد (¬3)، وابن قدامة (¬4)، وشمس الدين ابن قدامة (¬5)، والمرداوي (¬6)، والشوكاني (¬7) (¬8). ومستند ذلك قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬9). الحال الثانية: إن كان القادف مملوكًا: إذا قذف العبد حرًا فاختلف الفقهاء في مقدار حدِّه على ثلاثة أقوال أذكرها على سبيل الإجمال: القول الأول: أن حدَّه أربعون جلدة. القول الثاني: أن حدَّه ثمانون جلدة. ¬
القول الثالث: إن كان القاذف رجلًا فعليه ثمانون جلدة، وإن كانت امرأة فأربعون جلدة. وسيأتي بيان القائلين بهذه الأقوال، وأدلتهم، مفصَّلة ضمن مسائل هذا الباب (¬1). • القسم الثاني: قذف الزوجة: إذا قذف الزوج زوجته وليس لديه بيَّنة، فإنه يُقام عليه حد القذف، إلا أن الشَّرع جعل له خلاصًا من الحد باللعان، وهو أن يلاعن زوجته، ثم يُفرِّق الحاكم بينهما، وتكون محرَّمة عليه أبدًا، كما سيأتي بيانه (¬2). ¬
الفصل الأول: مسائل الإجماع في حقيقة القذف وحكمه، وسبب الحد فيه
الفصل الأول: مسائل الإجماع في حقيقة القذف وحكمه، وسبب الحد فيه [154/ 3] الرمي بالزنا هو من القذف الموجب للحد. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بلفظ الزنا، بأن قال له: يا زان، أو نحو ذلك، فإن هذا من القذف الموجب للحد. والمراد هنا بيان أن هذا اللفظ موجب للحد، وأنه من الألفاظ الصريحة في القذف، وليس المراد تخصيص حد القذف بهذا اللفظ، فمن رمى آخر باللواط أو نحو ذلك، فهذه مسألة أخرى غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال الجصاص (370 هـ): "واتفق الفقهاء على أن قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ ألْمُحْصَنَاتِ} (¬1)، قد أريد به الرمي بالزنا" (¬2). وقال ابن حزم (456 هـ): "وكذلك لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن الرمي المذكور في الآية المذكورة (¬3) الموجب للجلد والفسق، وسقوط الشهادة هو الرمي بالزنا بين الرجال والنساء" (¬4). وقال السرخسي (483 هـ): "اتفق أهل التفسير أن المراد بالرمي الرمي بالزنا" (¬5). وقال المرغيناني (593 هـ): قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} إلى قوله: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}، والمراد الرمي بالزنا بالإجماع" (¬6). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "أما القذف الذي يجب به الحد فاتفقوا ¬
على وجهين: أحدهما: أن يرمي القاذف المقذوف بالزنا. والثاني: أن ينفيه عن نسبه إذا كانت أمه حرة مسلمة" (¬1). وقال الرازي (606 هـ): "أجمع العلماء على أن المراد الرمي بالزنا" (¬2). وقال ابن مودود الموصلي (683 هـ): " {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} والمراد بالرمي القذف بالزنا، إجماعًا" (¬3). وقال الزيلعي (743 هـ): "قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} إلى قوله: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}، والمراد الرمي بالزنا بإجماع العلماء" (¬4). وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ): "أجمع العلماء على أن المراد من الرمي في الآية الرمي بالزنا" (¬5). وقال أبو بكر العبادي (800 هـ): " {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً. . .} الآية والمراد بالرمي الرمي بالزنا بالإجماع دون الرمي بغيره من الفسوق" (¬6). وقال العيني (855 هـ): " (والمراد الرمي بالزنا بالإجماع) أي بإجماع العلماء" (¬7). وقال الغنيمي (1298 هـ) (¬8) "لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}، والمراد الرمي بالزنا بالإجماع" (¬9). ¬
[155/ 3] القذف حرام وهو من الكبائر.
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}. • وجه الدلالة: الآية صريحة في أن المراد بها هو القذف بالزنا، من جهة أنه تعالى شرط أربعة شهداء، وهو من خصائص الزنا (¬2). الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بشريك بن سحماء فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (البينة أو حد في ظهرك)، فقال: يا رسول اللَّه، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (البينة وإلا حد في ظهرك) (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حكم على هلال بن أمية بحد القذف حين رمى امرأته بالزنا مع شريك، وهو يدل على أن الرمي بالزنا هو من القذف.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [155/ 3] القذف حرام وهو من الكبائر. • المراد بالمسألة: مما هو مقرر في الشريعة تحريم أن يقذف الإنسان غيره بالزنا، وهو من كبائر الذنوب التي رتَّب اللَّه عليها العقوبة (¬4). • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "القذف: هو الرمي بالزنا، وهو محرم بإجماع الأمة" (¬5)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬6). ¬
وقال العيني (855 هـ): "والقذف من الكبائر بإجماع الأئمة" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "والقذف لغة الرمي بالشيء. . . وهو من الكبائر بإجماع الأمة" (¬2)، ونقله عنه ابن يونس الشلبي (¬3)، والغنيمي (¬4)، وبمثله قال ابن فراموز (885 هـ) (¬5). وقال ابن نجيم (970 هـ): "القذف: هو في اللغة الرمي بالشيء. . . وهو من الكبائر بإجماع الأمة" (¬6). وقال دامان (1078 هـ): "والقذف لغة الرمي مطلقًا. . . وهو من الكبائر بإجماع الأئمة" (¬7). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "والقذف محرم بالكتاب والسنة والإجماع. . . وأجمع المسلمون على تحريمه، بل عدّوه من الكبائر" (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬9)، والشافعية (¬10) والظاهرية (¬11). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬12). • وجه الدلالة: أن معاقبتهم بالجلد حدًا، ورد شهادتهم، ووصفهم بالفسق لا يكون إلا على أمر محرم بل كبيرة من الكبائر. ¬
[156/ 3] من نفى رجلا عن أبيه وكانت أمه حرة مسلمة عفيفة فعليه الحد.
الدليل الثاني: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى توعد القاذف باللعن وتوعده بالعذاب العظيم وذلك لا يكون إلا على أمر محرم وكبيرة من الكبائر. الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: يا رسول اللَّه وما هن؟ قال: (الشرك باللَّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) متفق عليه (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [156/ 3] من نفى رجلًا عن أبيه وكانت أمه حرة مسلمة عفيفة فعليه الحد. • المراد بالمسألة: من صور القذف عند الفقهاء أن ينفي الرجل شخصًا عن أبيه، بأن يقول له: أنت لست بابن فلان، وتكون أُمُّه محصنة. ويتبيَّن مما سبق أنه إن كانت أمه غير محصنة بكونها ليست حرةً، أو ليست مسلمة، أو ليست عفيفة، فالمسألة غير مرادة (¬3). • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "لا خلاف بين السلف والخلف من العلماء فيمن نفى رجلًا عن أبيه وكانت أمه حرة مسلمة عفيفة، أن عليه الحد، ثمانين جلدة، إن كان حرًا" (¬4). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "أما القذف الذي يجب به الحد فاتفقوا على وجهين: أحدهما: أن يرمي القاذف المقذوف بالزنا. والثاني: أن ينفيه عن ¬
نسبه إذا كانت أمه حرة مسلمة" (¬1). وقال ابن القطان (628 هـ): "الحد على من نفى رجلًا عن أبيه وإن كانت أم المنفي مملوكة، ولا خلاف بينهم أنه يُحد إن كانت أم المنفي حرة عفيفة" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن الأشعث بن قيس قال: أتيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في وفد كندة، ولا يروني إلا أفضلهم، فقلت: يا رسول اللَّه، ألستم منا؟ فقال: (نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمُّنا (¬6)، ولا ننتفي من أبينا) قال: فكان الأشعث بن قيس يقول: "لا أوتى برجل نفى رجلًا من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد" (¬7). ¬
الدليل الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- في قصة هلال بن أمية حين لاعن امرأته وفرَّق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما وفيه قال ابن عباس: "ففرق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما، وقضى أن لا يُدعى ولدُها لأب، ولا تُرمى، ولا يُرمى ولدُها، ومن رماها أو رمى ولدَها فعليه الحد" (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى بأن من رمى ولدها بأن عليه الحد، والمراد بقوله: "رمى ولدها" أي دعاه ابن زنا (¬2). الدليل الثالث: عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "لا جلد إلا في اثنين؛ رجل قذف محصنة، أو نفى رجلًا عن أبيه، وإن كانت أُمُّه أمة" (¬3). وهذا القول من ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- لا يقوله إلا توقيفًا (¬4). الدليل الرابع: أن القذف بنفي الأب هو في الحقيقة قذف للأم، فكأنه قال: أمك زانية؛ لأن قوله: لست بابن فلان، يقتضي إما أن تكون أمه قد ¬
تزوجت غير أبيه وأتت منه بذلك الولد، أو تكون أمه قد أتت به بطريق غير شرعي وهو الزنا، فإذا لم يكن الأول، فبالضرورة يكون الثاني (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أنه إن رُمى شخص بنفي أبيه، كأن قيل له: أنت لست بابن فلان، فإنه لا يُعتبر قذفًا. وهو مروي عن الشعبي، وبه قال الظاهرية (¬2). • دليل المخالف: استدل الظاهرية على أن نفي النسب لا يُعتبر قذفا بما يلي: الدليل الأول: أن آية القذف إنما وردَت في القذف بالزنا، فيُقتصر عليه، ولا يُقاس عليه غيره من الألفاظ إلا بدليل. الدليل الثاني: أن قول الشخص "لست بابن فلان" لا يلزم منه قذف الأم بالزنا؛ إذ يُحتمل أنه أراد أن الولد كان لقيطًا، أو أن أُمه اُستكرهت على الزنا، أو أنها حملت به في حالة لا يكون للزنا فيه دخول، كالنائمة توطأ، أو السكرى، أو المغمى عليها، أو الجاهلة، وبهذا يبطل أن يكون النافي قاذفًا (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لمخالفة الظاهرية. ومن حكى الاتفاق فأراد اتفاق المذاهب الأربعة في الجملة (¬4)، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[157/ 3] لو قال لأجنبية: "ليس هذا الذي ولدتيه من زوجك"، لا يصير قاذفا، ما لم يقل إنه من الزنا.
[157/ 3] لو قال لأجنبية: "ليس هذا الذي ولدتيه من زوجك"، لا يصير قاذفًا، ما لم يقل إنه من الزنا. • المراد بالمسألة: إذا قال شخص لامرأة أنجبت ولدًا يُعرف نسبه إلى زوجها: ولدك هذا ليس من زوجك، فإن هذا لا يكون قذفًا موجبًا للحد، حتى يُصرَّح بأنه جاء عن طريق الزنا فهنا يكون قذفًا موجبًا للحد. وهذه المسألة عند التأمل هي كالمسألة السابقة، إلا أن الإجماع فيها محكي على خلاف الإجماع المحكي في المسألة السابقة. • من نقل الإجماع: قال الزيلعي (743 هـ): "قال في النهاية: وأجمعوا أنه لو قال لأجنبية: ليس هذا الذي ولدتيه من زوجك، لا يصير قاذفًا، ما لم يقل إنه من الزنا" (¬1) وبمثله قال ابن الهمام (861 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن صاحب هذه المقالة لم يُصرَّح بالزنا، فقد تكون حملت به من رجل آخر عن طريق وطء شبهة، أو نحو ذلك، ولا يلزم أن يكون رميًا بالزنا (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن نفي النسب قذف موجب للحد. وهو مذهب الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). ¬
[158/ 3] من قال لامرأة "يا زاني" وجب عليه الحد.
• دليل المخالف: استدل من أوجب الحد في المسألة بان هذه اللفظ هي في الحقيقة من باب نفي الابن عن أبيه، وهذا موجب للحد كما سبق بيان أدلته في المسألة السابقة.Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ بل حكي الإجماع على خلافها، كما هو في المسألة السابقة، ولذا لمَّا ذكر الزيلعي هذا القول تعقَّبه متعجَّبًا له بقوله: "ومن أين هذا الإجماع؟ ! " (¬1)، وكذا تعقَّبه ابن الهمام بأن المذهب قد قرر الحد في هذه المسألة (¬2)، واللَّه تعالى أعلم [158/ 3] من قال لامرأة "يا زاني" وجب عليه الحد. • المراد بالمسألة: الأصل في قذف المرأة أن يقال لها يا زانية، فإذا قذف الرجل المرأة بلفظ المذكَّر بأن قال لها: "يا زاني" فإنه يُعتبر قذفًا يجب به الحد. ويتبيَّن مما سبق أن المسألة في قذف المرأة بلفظ المذكَّر، أما إن قَذف الرجل بلفظ المؤنث بأن قال للرجل "يا زانية" فهذه مسألة أخرى محل خلاف وغير مرادة. • من نقل الإجماع: قال السرخسي (483 هـ): "ولو قال لامرأة يا زان فعليه الحد بالاتفاق" (¬3). وقال الكاساني (587 هـ): "حتى لو قال لامرأة: يا زاني يجب الحد بالإجماع" (¬4). وقال ابن القطان (628 هـ): "وأجمعوا أن من قال لامرأته: يا زان، أنه يُحد لها" (¬5). وقال القرطبي (671 هـ): "واتفقوا أنه إذا قال لامرأته يا زان أنه قذف" (¬6). وقال أبو بكر العبادي (800 هـ): "ولو قال لامرأة يا زاني بغير الهاء فإنه ¬
يحد بالإجماع" (¬1). وقال ابن فراموز (885 هـ): "ولو قال لامرأة يا زاني حد: هذا بالاتفاق" (¬2). وقال الحطاب (954 هـ) (¬3): "واتفقوا على أنه إذا قال لامرأة يا زان أنه قذف" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن القاذف قد أتى باللفظ الصريح للقذف، وإنما حذف هاء التأنيث، وهذه الهاء قد تحذف في استعمالها للنساء كالحائض والطالق والحامل ونحو ذلك (¬7). الدليل الثاني: أن حذف الهاء للمؤنث سائغ في لغة العرب، وهو من باب الترخيم (¬8). الدليل الثالث: لأن الأصل في الكلام التذكير، وإلحاق هاء التأنيث إنما هو للفصل بين المذكر والمؤنث، والفصل هنا حاصل بالإشارة فلا يخرج بإسقاط حرف التأنيث من أن يكون قذفًا، وهو كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} (¬9)، وقوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} (¬10)، فحذفت الهاء ¬
[159/ 3] إذا قال: (زنأت) وسكت، فإنه يحد.
هنا للعلم بأن الخطاب موجه للنساء (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أنه ليس بقذف، إلا أن يُفسَّر اللفظ بما يدل عليها. وهو وجه عند الحنابلة، قال به ابن حامد (¬2) (¬3). • دليل المخالف: أن قول الرجل للمرأة يا زان، ليس صريحًا في قذفها، لأن الخطاب ليس للمؤنث، فهو من باب الكناية الذي لا يكون قذفًا إلا بأن يُفسِّره بما يدل على القذف (¬4).Rالمسألة فيما يظهر على قسمين: القسم الأول: أن يفسَّر اللفظ بما يدل على أنه خطاب للمرأة بالزنا، فهذا قذف بإجماع أهل العلم؛ لعدم المخالف. القسم الثاني: أن لا يُفسره، فالذي يظهر أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الحنابلة، واللَّه تعالى أعلم. [159/ 3] إذا قال: (زنأت) وسكت، فإنه يُحد. • المراد بالمسألة: الزنا في اللغة العربية قد يُهمز وقد لا يُهمز، فيُقال: "زنا" و"زنأ"، وهو يُطلق على الفجور الذي بمعنى الزنا الشرعي بتغييب الحشفة في الفرج، ويُطلق أيضًا على معنى الصعود، كما سبق بيانه (¬5). وعلى هذا فإذا قال شخص لغيره: "زنأتَ" -بالهمز- فيحتمل أنه أراد به ¬
صعدت، ويُحتمل أنه أراد فعلتَ فاحشة الزنا. وقد تقرَّر عند الفقهاء أن لفظ الزنا من الألفاظ الصريحة في القذف (¬1). إذا ثبَت ذلك فإن المراد بالمسألة هو: إذا قال شخص لآخر: "أنتَ زنأتَ" ولم يقْرنها بكلمة غيرها، فإنه يُعتبر قذفًا موجبًا للحد، واحتمال اللفظ لمعنى الصعود لا يؤثر في إيجاب الحد. ومما سبق ينبَّه إلى أمرين: الأول: أن المسألة هي في لفظ "زنأت" أما لو قال "زنيت" فإنها غير داخلة، لأنها صريحة في الزنا الشرعي، ولا تحتمل معنى الصعود. الثاني: إذا قال "زنأتَ" مقرونًا بما يدل على أن المراد به غير الزنا الشرعي، فإنه غير مراد، كأن يقول: "أنت زنأت على الجبل"، فإنه يُحتمل أنه أراد معنى الصعود، وليست مرادة في الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "فكان كما لو قال يا زاني أو زنأت فإنه يحد اتفاقًا" (¬2). وقال ابن نجيم (970 هـ): "إذ لو اقتصر على قوله" "زنأتَ" يُحد اتفاقًا" (¬3). وقال دامان (1078 هـ): "لو اقتصر على قوله: "زنأتَ" يُحد اتفاقًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬5)، الحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن الأصل في استعمال الزنا بين الناس هو ¬
الزنا الشرعي المعروف حتى يقترن به ما يدل على معنى الصعود، وهنا لم يقترن بالكلمة ما يصرفها إلى معنى آخر. الدليل الثاني: أن المهموز منه لا ينافي معنى الفاحشة؛ وعامة الناس لا يفهمون من ذلك إلا القذف، فكان قذفًا، كما لو قال: زنيت (¬1). • المخالفون للإجماع: المخالف في المسألة على قولين: القول الأول: من قال لآخر: "زنأتَ" فإنه لا يكون قذفًا. وهو قول الشافعية (¬2). القول الثاني: من قال لآخر: "زنأتَ" فإن كان عاميًا فهو قذف، وإن كان عالمًا بالعربية فإنه ليس بقذف. وهو وجه عند الحنابلة (¬3). • دليل المخالف: استدل الشافعية على قولهم بأنه لا يكون قذفًا: بأن لفظ "زنأت" يحتمل معنى الصعود ومعنى الزنا الشرعي، فهو غير صريح في القذف (¬4). واستدل من فرَّق بين العامي والعالم بالعربية بأن العامي لا يفهم من لفظ "زنأت" إلا معنى الزنا الشرعي، بخلاف العالم بالعربيَّة فإنه يُحتمل أن يكون أراد معنى الصعود (¬5).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقَّق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الشافعية، وبعض الحنابلة. ¬
[160/ 3] ولو قال: "رنأت على الجبل"، وقال: عنيت به الصعود، لا يصدق، وعليه الحد.
ومن حكى الاتفاق في المسألة فلعله أراد الاتفاق المذهبي عند الحنفية، واللَّه تعالى أعلم. [160/ 3] ولو قال: "رنأت على الجبل"، وقال: عنيتُ به الصعود، لا يُصدَّق، وعليه الحد. • من نقل الإجماع: جاء في المسألة السابقة أن قول الشخص للآخر: "زنأتَ" يُحتمل معنى الصعود، فإذا قال شخص لآخر: "أنت زنأتَ على الجبل" ثم قال: أردتُ معنى الصعود، فإنه لا يُصدَّق في ذلك، ويجب عليه الحد. ويُنبَّه إلى أنه لو عدَّاه بغير حرف (على) بأن قال "زنأتَ في الجبل" فهذا لفظ آخر غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال السمرقندي (540 هـ): "ولو قال: "زنأت على الجبل" يُحد بالإجماع" (¬1). وقال الكاساني (587 هـ): "ولو قال: "زنأت على الجبل" وقال: عنيت به الصعود، لا يصدق بالإجماع" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬3) والشافعية (¬4)، ¬
[161/ 3] إذا قال لآخر: "يا ابن الكافر" وأبواه مؤمنان قد ماتا، فعليه الحد.
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن أهل اللغة يستعملون حرف "في" في الصعود فيقولون: صعد في الجبل، وزنأ في الجبل، ولا يستعملون حرف "على" فلا يصح عندهم صعد على الجبل (¬2). • المخالف للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يُحد. وبه قال بعض الحنفية (¬3). • دليل المخالف: استدل المخالف بأن الكثير لا يُفرَّق بين حرفي "في" و"على" في مثل هذا الاستعمال، لا سيما وأن الحرف "على" قد تستعمل في الصعود والفوقية، فيقال: قعد زيد على الفرس، أو زَيد عليه ثوب أبيض، فمن قال: "زنأ على الجبل" قد يتوهم صحة اللفظ بمعنى الصعود، وهذه شبهة تدرأ عنه الحد (¬4).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الحنفية، بل جزم ابن الهمام أن الخلاف في المسألة هو فيما إذا كان قد قالها في حال الغضب، فأما إن كان قالها في حال الرضى فإنه لا يُحد، وأن ذلك من المسلَّمات، واللَّه تعالى أعلم. [161/ 3] إذا قال لآخر: "يا ابن الكافر" وأبواه مؤمنان قد ماتا، فعليه الحد. • المراد بالمسألة: إذا قال شخص لآخر يا ابن الكافر، أو يا ابن النصراني، أو يا ابن اليهودي، ونحو ذلك، وكان ذلك الشخص المقذوف قد مات أبواه على الإسلام، فإن هذا يُعتبر قذفًا موجبًا للحد، لأنه نسبه إلى شخص كافر غير ¬
أبيه الذي مات على الإسلام. ويتبيَّن مما سبق أن الشخص إن كان أبواه أو أحدهما لم يمت بعد فالمسألة غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه إذا قال الرجل للرجل: يا ابن الكافر، وأبواه مؤمنان قد ماتا، أن عليه الحد" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن قوله للشخص الذي أبواه مسلمان يا ابن الكافر فيه نفي نسبه عن أبيه الذي مات على الإسلام، فكأنه قال: "أنت لست ولد أبيك، وإنما أنت ابن شخص آخر كافر". • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى أنه إن قال يا ابن الكافر فإنه لا يكون قذفًا، وإنما يجب فيه التعزير. وهو قول الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). القول الثاني: ذهب بعض الفقهاء إلى أنه يُحلَّف فإن حلف أنه لم يُرد نفيًا فلا حد عليه. وهو قول للمالكية (¬6). • دليل المخالف: الدليل الأول: أن آية القذف إنما وردَت في القذف بالزنا، ¬
[162/ 3] إذا قذف الرجل زوجته بلا بينة فله لعانها، سواء دخل بها أو لم يدخل.
فيُقتصر عليه، ولا يُقاس عليه غيره من الألفاظ إلا بدليل (¬1). الدليل الثاني: المقصود بالحد في القذف بالزنا إزالة العار، وهذا غير موجود في القذف بابن الكافر، لأن من كان إسلامه معروف ومعلوم عند الناس فلا يضره مثل ذلك (¬2). الدليل الثالث: أن القذف إنما ورد في الزنا، فلا يُقاس عليه غيره، وقول يا ابن الكافر ليس صريحًا في الزنا، ولا يلزم منه القذف، فقد يريد أي: يا من أفعاله كأفعال ابن الكافر، وقد يريد أنه ابن شخص كافر حقيقة لكنه وُلد بطريقة شرعية ثم كان لقيطًا، إلى غير ذلك من الاحتمالات، وهي شبهات تدرأ بها الحدود (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية، والحنابلة، والظاهرية، وبعض المالكية. ونقل ابن المنذر للإجماع لعله وهم، واللَّه تعالى أعلم. [162/ 3] إذا قذف الرجل زوجته بلا بيِّنة فله لعانها، سواء دخل بها أو لم يدخل. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف اللعان: اللعان لغة: اللعن لغة مصدر لاعن يلاعن ملاعنةً ولعانًا، بمعنى الطرد والإبعاد، كما قال ابن فارس: "اللام والعين والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على إبعادٍ وإطرادٍ" (¬4)، يقال: لَعَنه يَلْعَنه لَعْنًا: أي طَرَدَه وأَبعده (¬5). اللعان شرعًا: اللعان والملاعنة والتلاعن بمعنى واحد، وهو ملاعنة الرجل امرأته إذا قذفها بالزنا أو أراد نفي الولد عنه، وهي مشروعة إذا قذف الرجل زوجته بالزنا، ولم يكن له بينة، فأراد إسقاط الحد عن نفسه، فإنه يلاعن ¬
زوجته بألفاظ مخصوصة، ثم يفرَّق بينهما، فلا تحل له أبدًا. وقد عرَّف الفقهاء اللعان بأنه: شهادات مؤكدة باليمين، المقرونة باللعن والغضب، قائمة مقام حد القذف في حق الزوج، ومقام حد الزنا في حق الزوجة (¬1). قال النووي: "وسمي لعانًا لما فيه من قول الرجل وعليَّ لعنة اللَّه إن كنت من الكاذبين. وقيل: يجوز أن يكون سمي لعانًا لما فيه من الطرد والإبعاد لكل واحد منهما عن صاحبه، ووقوع الحرمة المؤبدة" (¬2). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا قذف رجل امرأته بالزنا، ولم يكن له بينة على قذفه، وطالبت المرأة بالحد، فإن له إسقاط الحد عنه باللعان، وهذا عام سواء ¬
كان قد دخل بزوجته، أو لم يدخل بها. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن الرجل إذا قذف زوجته قبل أن يدخل بها أنه يلاعنها"، ونقله عنه ابن قدامة (¬1) وشمس الدين ابن قدامة (¬2) وابن حجر (¬3). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا على أن الزوج، الصحيح عقد الزواج، الحر، المسلم، العاقل، البالغ، الذي ليس بسكران، ولا محدود في قذف، ولا أخرس، ولا أعمى، إذا قذف بصريح الزنا زوجته، العاقلة، البالغة، المسلمة، الحرة، التي ليست محدودة في زنا ولا قذف، ولا خرسى، وقذفها وهي في عصمته، بزنا، ذكر أنه رآه منها بعد نكاحه لها، مختارة للزنا، غير سكرى، وكان الزوج قد دخل بها ووطئها، أو لم يدخل بها ثم لم يطأها، بعد ما ذكر من اطلاعه على ما اطلع، ولم يطلقها بعد قذفه لها، ولا ماتت، ولا ولدت، ولا اتضح نكاحها، فإن اللعان بينهما واجب" (¬4). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "وأجمعوا على أن من قذف امرأته بالزنا ولا شاهد له عليها سوى نفسه، أنه يكرر اليمين أربع مرات باللَّه أنه لمن الصادقين، ثم يقول في الخامسة: ولعنة اللَّه عليه إن كان من الكاذبين، فحينئذ يلزمها الحد. والذي يدرؤه عنها أن تشهد أربع شهادات باللَّه إنه لمن الكاذبين، ¬
[163/ 3] يحد من قذف الملاعنة.
ثم يقول في الخامسة: أن غضب اللَّه عليها إن كانت من الكاذبين" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} (¬5). • وجه الدلالة: الآية صريحة في لعان الرجل لزوجته إذا قذفها ولم يكن له بيَّنة على ذلك، وهو عام في كل زوجة سواء كان مدخولًا بها أو غير مدخول بها (¬6).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [163/ 3] يُحد من قذف الملاعنة. • المراد بالمسألة: إذا قذف رجل زوجته بالزنا، وأنكرت زوجته ذلك، فإن الشرع قد جعل في ذلك أن يُلاعن الرجل زوجته ثم يُفرَّق بينهما. فإذا لاعن الرجل زوجته، ثم جاء شخص آخر وقذف هذه المرأة التي لاعنت زوجها، فإما أن يُقيم البيَّنة بالشهود الأربعة، أو يقام عليه حد القذف. ويُنبَّه هنا إلى أنه إن قذَفها زوجها بعد لعانها فذلك غير مراد (¬7). ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "ويحد من قذف الملاعنة. . . ولا نعلم فيه خلافًا" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية فيمن لاعنت بغير ولد (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- في قصة هلال بن أمية -رضي اللَّه عنه- حين لاعن امرأته وفرَّق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما وفيه قال ابن عباس -رضي اللَّه عنه-: "ففرق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما، وقضى أن لا يُدعى ولدُها لأب، ولا تُرمى، ولا يُرمى ولدُها، ومن رماها أو رمى ولدَها فعليه الحد" (¬5). • وجه الدلالة: الحديث ظاهر في أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى بأنه من رمى المرأة بعد الملاعنة فعليه الحد (¬6). الدليل الثاني: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنه-، قال: "قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ولد المتلاعنين، أنه يرث أمه، وترثه أمه، ومن قفاها به جلد ثمانين، ومن دعاه ولد زنا جلد ثمانين" (¬7). ¬
[164/ 3] يصح قذف الأعمى لزوجته، وله ملاعنتها.
الدليل الثالث: أن حصانة المرأة الملاعِنة لم تسقط باللعان، ولم يثبت عليها الزنا بلعانها، فكان قذفها موجب للحد كقذف غيرها (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الملاعِنة إن كان معها ولد، ولاعنها زوجها مع نفي ولدها فإنَّ قَذفها حينئذٍ لا يوجب الحد، سواء كان القاذف زوجها أو غيره. وهو قول الحنفية (¬2). • دليل المخالف: علل الحنفية لقولهم بأن المرأة التي لاعنت مع ولدها قد قام فيها أمارة الزنا، وصارت في صورة الزانيات من جهة أن في حجرها ولد لا يُعرف له والد، ففاتت العفة بذلك، والعفة شرط من شروط الإحصان (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم فيما إذا كانت الملاعنة معها ولد قد نفاه الملاعِن؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية. أما إن لم يكن معها ولد فالمسألة محل إجماع كما سيأتي تقريره (¬4). [164/ 3] يصح قذف الأعمى لزوجته، وله ملاعنتها. • المراد بالمسألة: إذا قذف الأعمى زوجته بالزنا، ولم يُقم على ذلك بيَّنة، فإن قذفه صحيح، وله ملاعنة زوجته، أو يقام عليه حد القذف. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا أن الأعمى يلاعن إذا قذف زوجته ولا تصح منه الرؤية" (¬5). وقال القرطبي (671 هـ): "أجمعوا أن الأعمى يلاعن إذا قذف امرأته" (¬6). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)} (¬5). • وجه الدلالة: الآية عامة في أن كل من رمى زوجته، فإنه يلاعنها، وليس ثمة دليل يستثني الأعمى من ذلك (¬6). الدليل الثاني: أن الأعمى قد يُدرك زنا زوجته، إما بالصوت المُشعر بالجماع، أو بوضع يده على ذكر الرجل وفرج زوجته، فكان لعانه كلعان غيره (¬7).Rيظهر واللَّه تعالى أعلم صحة الإجماع في المسألة؛ لعدم المخالف واللَّه تعالى أعلم. تنبيه: نقل بعض الفقهاء عن مالك وأبي الزناد ويحيى بن سعيد الأنصاري (¬8) القول بأن من شرط اللعان الرؤية، وأن لعان الأعمى لا يصح إلا إذا أنكر الحمل وادعى الاستبراء. وممن نقله ابن قدامة في "المغني" (¬9)، وابن العربي في "أحكام ¬
[165/ 3] لو قذف امرأة لاعنت بغير ولد، فعليه الحد.
القرآن" (¬1)، إلا أن هذا القول لم أجعله من مواطن المخالفين في المسألة؛ لأن ابن عبد البر حقَّق قول مالك في المسألة فقال: "فالمشهور من مذهبه أن اللعان لا يجب حتى يقول الرجل لامرأته رأيتك تزنين، أو ينفي حملًا بها، أو ولدًا منها، إلا أن الأعمى عنده يلاعن إذا قذف امرأته، لم يختلف عنه في ذلك، لأنه شيء يدركه بالحس واللمس. وقول أبي الزناد (¬2)، ويحيى بن سعيد، وعثمان البتي، والليث بن سعد، في ذلك كقول مالك" (¬3)، ويؤيد ذلك أيضًا حكاية القرطبي للإجماع تبعًا لابن عبد البر، وهو من المحققين لمذهب المالكية، مع أن القرطبي ذكر كلام ابن العربي، لكنه أخذ بتحقيق ابن عبد البر، فالذي يظهر أن قول مالك ومن تبعه في اشتراط الرؤية هو في غير الزوج، واللَّه تعالى أعلم. [165/ 3] لو قذف امرأة لاعنت بغير ولد، فعليه الحد. • المراد بالمسألة: إذا قذف الرجل زوجته بالزنا، ولم يكن لديه بيِّنة على ذلك، فلاعنها، ولم يكن لها ولد ينفيه زوجها الملاعن، فإنه إذا قذفها شخص آخر غير الزوج وجب عليه الحد. ويتبيَّن من ذلك أنه إن كان القاذف هو زوجها الأول الذي لاعنها فالمسألة غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "ويحد من قذف الملاعنة. . . ولا نعلم فيه خلافًا" (¬4). وقال العيني (855 هـ): فيما لو قذف امرأة لاعنت بغير ¬
ولد فعليه الحد: "به قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وجمهور العلماء -رحمهم اللَّه-، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "ولو قذف امرأة لاعنت بغير ولد فعليه الحد. . . ولا يعلم خلاف في ذلك" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- في قصة هلال بن أمية -رضي اللَّه عنه- حين لاعن امرأته وفرَّق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما وفيه قال ابن عباس -رضي اللَّه عنه-: "ففرق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما، وقضى أن لا يُدعى ولدُها لأب، ولا تُرمى، ولا يُرمى ولدُها، ومن رماها أو رمى ولدَها فعليه الحد" (¬5). • وجه الدلالة: الحديث ظاهر في أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قضى بأنه من رمى المرأة بعد الملاعنة فعليه الحد (¬6). الدليل الثاني: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي اللَّه عنه-، قال: "قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ولد المتلاعنين، أنه يرث أمه، وترثه أمه، ومن قفاها به جلد ثمانين، ومن دعاه ولد زنا جلد ثمانين" (¬7). الدليل الثالث: أن حصانة المرأة الملاعِنة لم تسقط باللعان، ولم يثبت عليها الزنا بلعانها، ولا يوجد ما يدل على أمارة الزنا كولد لها لا أب له، فكان ¬
[166/ 3] إذا قذف الرجل امرأة ثم تزوجها، فإنه يحد ولا يلاعن.
قذفها موجب للحد كقذف غيرها (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [166/ 3] إذا قذف الرجل امرأة ثم تزوَّجها، فإنه يُحد ولا يلاعِن. • المراد بالمسألة: من المقرر عند الفقهاء أن من قذف امرأته بالزنا وليس عنده بيَّنة، فإنه يمكنه الخروج عن حد القذف بملاعنته لزوجته. فإذا قذف شخص امرأة ليست زوجة له، ثم تزوَّجها بعد القذف، وطالبت المرأة بالحد، فإن الإمام يطالب القاذف حينئذٍ بالبيَّنة أو الحد، ولا يصح له أن يلاعن. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن الرجل إذا قذف امرأة ثم تزوج بها، أنه يحد ولا يلاعن" (¬2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا أنه إن قذفها وهي أجنبية ثم تزوجها لم يلاعنها" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن القذف حصل حال كون المرأة ¬
[167/ 3] من قذف زوجته برجل سماه، ولاعن المرأة فإن الرجل المسمى لا يحد.
أجنبية عنه، فكان الاعتبار بوقت القذف، لا بوقت المرافعة (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [167/ 3] من قذف زوجته برجل سمَّاه، ولاعن المرأة فإن الرجل المُسمَّى لا يُحد. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص زوجته بالزنا، وسمَّى من زنى بها، كأن يقول: زنى بك فلان بن فلان، فهنا إن لاعن الرجل زوجته، فلا يُقام حد الزنا على من قُذف بالزنا مع زوجته. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "لا يختلفون أن من قذف امرأته برجل فلاعن، لم يحد الرجل" (¬2). وقال ابن القطان (628 هـ): "لا يختلفون في رجل قذف امرأته برجل فلاعن أنه لا يُحد الرجل" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن لعان الرجل لزوجته إنما هو لإسقاط حد القذف عنه، وليس معناه صدقه فيما قاله.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[168/ 3] إذا قذف الصبي امرأته فإنه ليس عليه لعان.
[168/ 3] إذا قذف الصبي امرأته فإنه ليس عليه لعان. • المراد بالمسألة: إذا قذف الصبي امرأته بالزنا، وطالبت المرأة بالحد أو اللعان، فإن الإمام لا يُلزم الصبي بلعان زوجته (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا أن الصبي إذا قذف امرأته، أنه لا يضرب، ولا يلاعن" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3) والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬6). • وجه الدلالة: الحديث ظاهر أن البلوغ شرط للتكليف، وأن الصبي مرفوع عنه القلم، فلا يؤاخذ بالعقوبات الشرعية لفقدان شرط العقل. الدليل الثاني: أن الصبي لا يُحد إذا ارتكب ما يوجب حد الزنا، فمن باب أولى ألَّا يطبَّق عليه موجَب الحد إذا قذف شخصًا بالزنا، فإن ارتكاب الزنا أعظم من القذف به (¬7). ¬
[169/ 3] من قذف محصنا فهو كمن قذف محصنة في وجوب الحد.
الدليل الثالث: أن الصبي إذا سقط عنه التكليف في العبادات والمآثم في المعاصي؛ فلأن يسقط عنه الحد الذي مبناه على الدرء والإسقاط من باب أولى (¬1). الدليل الرابع: أن الحد عقوبة محضة، فتستدعي جناية محضة، وفعل الصبي لا يوصف بالجناية فلا حد عليه لعدم الجناية منه (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [169/ 3] من قذف محصنًا فهو كمن قذف محصنة في وجوب الحد. • المراد بالمسألة: من المعلوم أن وجوب جلد القاذف في القرآن الكريم جاء في حق قذف المحصنات من النساء، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬3). والمراد هنا تقرير أن هذا التخصيص غير مراد، فالآية عامة في وجوب الحد على من قذف المحصنات من النساء، أو المحصنين من الرجال. فمن قذف رجلًا بالزنا ولم يأت بالبيَّنة وجب عليه الحد، كمن قذف المرأة المحصنة. • من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "ولا خلاف بين المسلمين أن الحد واجب على قاذف الرجل المحصن كوجوبه على قاذف المحصنة" (¬4). وقال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن الحر العاقل البالغ المسلم غير ¬
المكره إذا قذف حرًا، عاقلًا، بالغًا، مسلمًا، عفيفًا، لم يُحد قط في زنا، أو حرة بالغة، عاقلة، مسلمة، عفيفة، غير ملاعنة، لم تُحد في زنا قط، بصريح الزنا. . . أنه يلزمه ثمانون جلدة" (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "والمحصنون في حكم المحصنات بإجماع" (¬2). وقال ابن رشد الجد (520 هـ): "ويدخل تحت قَوْله تَعَالَى: {الْمُحْصَنَاتِ} (¬3) الرجال والنساء، لأنه لما كانت لا تزني امرأة إلا برجل اكتفى اللَّه عز وجل بذكر المحصنات عن المحصنين، وهو أمر متفق عليه، لا اختلاف عند أحد من المسلمين أن قذف المحصن كقذف المحصنة في وجوب الحد ولحوق الإثم" (¬4). وقال الرازي (606 هـ): " {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (¬5). . . الإجماع دل على أنه لا فرق في هذا الباب بين المحصنين والمحصنات" (¬6). وقال ابن القطان (628 هـ): "من قذف حرًا مسلمًا عفيفًا كمن قذف حرة مسلمة عفيفة بإجماع" (¬7). وقال القرطبي (671 هـ): "ذكر اللَّه تعالى في الآية النساء من حيث هن أهم، ورميهن بالفاحشة أشنع، وأنكى للنفوس، وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى، وإجماع الأمة على ذلك" (¬8). وقال الزيلعي (743 هـ): "والنص وإن ورد في المحصنات لكن الحكم يثبت في المحصنين أيضًا؛ لأن المعنى ¬
وهو دفع العار يشملهما فكان متناولًا لهم دلالة، وعليه الإجماع" (¬1). وقال أبو حيان الأندلسي (745 هـ) عند تفسير قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬2): "فائدةُ قولِه: {مِنَ النِّسَاءِ} أنّ المحصنات تقع على الأنفس فقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (¬3) لو أريد به النساء خاصة، لما حدّ مَن قذف رجلًا بنص القرآن، وأجمعوا على أن حده بهذا النص" (¬4). وقال ابن كثير (774 هـ): " {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (¬5). . . هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة، وهي الحرة البالغة العفيفة، فإذا كان المقذوف رجلًا فكذلك يجلد قاذفه أيضًا، ليس في هذا نزاع بين العلماء" (¬6). وقال ابن حجر (852): "وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة من النساء" (¬7). وقال ابن عادل (880 هـ): {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (¬8). . . المراد بهن النساء والرجال للإجماع على أن حكمهم حكمهن" (¬9). وقال الشوكاني (1250 هـ): " {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (¬10) قد مر تفسير المحصنات وذكرنا الإجماع على أن حكم المحصنين من الرجال حكم المحصنات من النساء في حد القذف" (¬11). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن المقصود من حد القذف هو دفع العار ¬
[170/ 3] إذا قذف الرجل أباه أو جده أو أحدا من أجداده أو جداته بالزنا عليه الحد.
عن المقذوف، وهذا شامل للرجال والنساء (¬1). الدليل الثاني: أن الأصل اشتراكُ المكلَّفين مِن الرِّجَال والنِّساء في الأحكام؛ إلا ما قام الدَّليلُ على تخصيصه، وليس ثمة دليل على التخصيص (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [170/ 3] إذا قذف الرجل أباه أو جده أو أحدًا من أجداده أو جداته بالزنا عليه الحد. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص أحدًا من أصوله كأبيه، أو جده، وإن علوا، أو أمه، أو جدته، وإن علوا، فإنه يجب الحد على القاذف. ويتبيَّن أن المراد هو أن قذف الأصل موجب للحد، أما من قذف الفرع كمن قذف ابنه وإن نزل فمسألة أخرى. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أنه إذا قذف الرجل أباه أو جده أو أحدًا من أجداده أو جداته بالزنا، أن عليه الحد" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬2). • وجه الدلالة: عموم الآية ولم يستثن قذف الفرع لأصوله (¬3). الدليل الثاني: القياس على القصاص، فكما أن الفرع إذا قَتل الأصل فيُقتل به، فكذا يُحد به (¬4). الدليل الثالث: أن المقصود من حد القذف دفع العار عن نفسه، وهذا موجود في قذف الفرع للأصل (¬5). الدليل الرابع: القياس على حد الزنا، فكما أن من زنى بأحد من أصوله وجب عليه الحد، فكذا القذف (¬6). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يحد الشخص بقذفه لأبيه. وهو قول عند الحنابلة (¬7). • دليل المخالف: لم يذكر الحنابلة تعليلًا لهذا القول، ولا من نص عليه من الحنابلة، ويمكن أن يُستدل له بأن من قذف أبوه فإنه ألحق الضرر بنفسه، وكأنه اتهم نفسه بأنه ولد زنا، فيكون القذف حق له.Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الحنابلة، ولعل ابن المنذر لم يعتبر الخلاف في المسألة باعتبار أنه قول في مذهب الحنابلة وليس المذهب واللَّه تعالى أعلم. ¬
[171/ 3] الحربي والذمي والمستأمن الذين لم يسلموا إذا أوقع أحدهم قذف المسلم في دار الإسلام فعليه ما على المسلم من الحد.
[171/ 3] الحربي والذمي والمستأمن الذين لم يُسلموا إذا أوقع أحدهم قذف المسلم في دار الإسلام فعليه ما على المسلم من الحد. • المراد بالمسألة: المراد بالذمي: هو من كان بيننا وبينه عهد على أن يقيم في بلادنا معصوم الدم والمال. أما الحربي فقد سبق أنه من ليس بيننا وبينه ذمة ولا عهد ولا أمان، فإن دخل بأمان فهو مستأمن (¬1). • ثانيًا: صورة المسألة: الذمي الذي بيننا وبينه عهد، أو الحربي الذي ليس بيننا وبينه عهد إذا قذف أحدهم شخصًا مسلمًا في دار الإسلام، فإنه يجب عليه حد القذف ثمانون جلدة. ويتبيَّن مما سبق أنه لو قذف في غير دار الإسلام فذلك غير مراد. كما ينبَّه إلى أن هذا في الحربي والذمي إذا لم يُسلم أحد منهما، فإذا أسلم فالمسألة غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن النصراني إذا قذف المسلم الحر، أن عليه ما على المسلم إذا قذف المسلم" (¬2). وقال القرطبي (671 هـ): "وإذا قذف النصراني المسلم الحر فعليه ما على المسلم ثمانون جلدة، لا أعلم في ذلك خلافًا" (¬3). وقال الزيلعي (743 هـ): "لا يقام على المستأمن والمستأمنة شيء من الحدود. . . وحدُّ القذف يجب بالاتفاق" (¬4). وقال أبو بكر العبادي (800 هـ): "وحد القذف، والقصاص يقام عليه [أي المستأمن] بالإجماع، أما الذمي فهو ¬
فيما سوى حد الشرب كالمسلم إجماعًا" (¬1). وقال العيني (855 هـ): "والحربي إذا قذف مسلمًا يجب عليه بالاتفاق" (¬2). وقال ابن الهمام (861 هـ) في بيان حكم الحربي: "وحد القذف يجب اتفاقًا" (¬3). وقال ابن نجيم (970 هـ): "وأما الذمي فيجب عليه جميع الحدود اتفاقًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية في الذمي (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية في الذمي (¬7). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن صفوان بن عسال -رضي اللَّه عنه- (¬8) قال: "قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال له صاحبه: لا تقل نبي، لو سمعك كان له أربعة أعين (¬9)، فأتيا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وسألاه عن تسع آيات بينات، فقال لهم: (لا تشركوا باللَّه شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا المحصنة، ولا تولوا يوم الزحف، وعليكم خاصة ¬
يهود أن لا تعدوا في السبت) فقبلوا يديه ورجليه، وقالوا: نشهد أنك نبي، قال: (فما يمنعكم أن تتبعوني؟ ) قالوا: إن داود دعا بأن لا يزال من ذريته نبي، وإنَّا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود" (¬1). ¬
• وجه الدلالة: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لليهوديين: (ولا تقذفوا المحصنة) يدل على أنه استوى المسلم والذمي في التحريم، فوجب عليه الحد إذا قذف مسلمًا. الدليل الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة، فرماها يهودي بحجر، فجيء بها إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبها رمق، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فلان قتلك)؟ فرفعت رأسها، فأعاد عليها، قال: (فلان قتلك)؟ فرفعت رأسها، فقال لها في الثالثة: (فلان قتلك)؟ فخفضت رأسها، فدعا به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقتله بين الحجرين" متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام الحد على اليهودي، فدل على أن الحدود التي تقام على المسلمين تُقام على الذِّمي (¬2). الدليل الثالث: أن القذف فيه حق للعبد، وعقد الهدنة اقتضى الكف عن أموالنا وأعراضنا وأموالهم وأعراضهم، فإذا لم يكفوا وجب عليهم الحد (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الحربي والمستأمن إذا قذف المسلم فإنه لا يُقام عليه الحد. وهو قول أبي حنيفة القديم ثم رجع عنه (¬4)، وبه قال الشافعية (¬5). • دليل المخالف: علل الشافعية لعدم إقامة حد القذف على الحربي بأنه لم ¬
[172/ 3] الكافر إذا أسلم فلا يؤاخذ بما فعله حال كفره من القذف في دار الحرب.
يلتزم أحكام المسلمين، ولذا لم تلزمه أحكام الإسلام (¬1).Rثمة مسألتان: الأولى: الذمَّي إذا قذف مسلمًا أقيم عليه الحد، فهذه محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف. الثانية: الحربي والمستأمن إذا قذف المسلم أقيم عليه الحد، فهذه ليست محل إجماع بين أهل العلم، لثبوت الخلاف عن الشافعية، واللَّه تعالى أعلم. [172/ 3] الكافر إذا أسلم فلا يؤاخذ بما فعله حال كفره من القذف في دار الحرب. • المراد بالمسألة: إذا ثبت حد القذف على شخص، وكان قد فعل القذف في دار الحرب أثناء كونه كافرًا، ثم تاب وأسلم، أو صار من أهل الذمة، فإنه لا يؤخذ بما فعل حال حربيَّته أو كفره من القذف. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "وقد صح النص والإجماع بإسقاطه، وهو ما أصابه أهل الكفر ما داموا في دار الحرب قبل أن يتذمموا أو يسلموا فقط، فهذا خارج بفعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كل من أسلم منهم، فلم يؤاخذهم بشيء مما سلف لهم من قتل، أو زنى، أو قذف، أو شرب خمر، أو سرقة، وصح الإجماع بذلك" (¬2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وقد أجمع علماء المسلمين على أن الكفار إذا انتهوا وتابوا من كفرهم غفر لهم كل ما سلف، وسقط عنهم كل ما كان لزمهم في حال الكفر، من حقوق اللَّه عز وجل وحقوق المسلمين قبل أن يقدروا عليهم، وبعد أن يقدروا عليهم ويصيروا في أيدي المسلمين فلا يحل قتلهم بإجماع المسلمين، ولا يؤخذ بشيء جنوه في مال أو دم، فدل ذلك على ¬
أن الآية تنزل في أهل الشرك والكفر" (¬1). ويمكن أن يضاف إليها النقولات التي سبقت في مسألة "ما فعله الحربي في دار الحرب من زنى فإنه لا يؤاخذ به بعد إسلامه"، ومسألة: "ما فعله الذمي في دار الكفر من زنى فإنه لا يؤاخذ به بعد إسلامه" (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} (¬3). قال البغوي في تفسير الآية: "فمن ذهب إلى أن الآية نزلت في الكفار، قال معناه: إلا الذين تابوا من شركهم وأسلموا قبل القدرة عليهم فلا سبيل عليهم بشيء من الحدود ولا تبعة عليهم فيما أصابوا في حال الكفر من دم أو مال" (¬4). الدليل الثاني: عن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله) (¬5). • وجه الدلالة: الحديث دل على أن من أسلم فإن الإسلام يهدم ويمحو أثر ما فعله الشخص في الكفر، قال النووي: "الدخول فى الإسلام بالظاهر والباطن جميعًا، وأن يكون مسلمًا حقيقيًا، فهذا يُغفر له ما سلف فى الكفر بنص القرآن العزيز، والحديث الصحيح: (الإسلام يهدم ما قبله)، وباجماع المسلمين" (¬6).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[173/ 3] لو قذف رجلا فحد، ثم قذف آخر، فإنه يحد ثانية للثاني.
[173/ 3] لو قذف رجلًا فحد، ثم قذف آخر، فإنه يحد ثانية للثاني. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخصٌ آخر، وأقيم عليه حد القذف، ثم قَذف شخصًا آخر، فإنه يقام عليه الحد مرة أخرى، بسبب قذفه للشخص الثاني. ويتبيَّن مما سبق أمران: الأول: أنه إن قذف نفس الشخص الذي حُد بسببه في المرة الأولى فذلك غير مراد (¬1). الثاني: لو قذف شخصًا، ثم قذف آخر قبل إقامة الحد عليه، فمسألة أخرى غير مرادة (¬2). • من نقل الإجماع: الكاساني (587 هـ): "لو قذف رجلًا فحُدَّ، ثم قذف آخر، يُحد للثاني بلا خلاف" (¬3). • الموافقون: وافق على ذلك المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن قذفه الثاني قذفٌ مستقل لشخص آخر، فلا تعلُّق له بالقذف الأول (¬7). الدليل الثاني: أن المقصود من الحد دفع العار الذي لحقه بالقذف، وهذا متحصل لكل مقذوف على حدة، فإن كل واحد منهم قد لحقه العار، ولا ينتفي إلا بحد مستقل (¬8).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[174/ 3] لا حد على من قذف محدودا في الزنا، إذا رماه بذلك الزنا.
[174/ 3] لا حد على من قذف محدودًا في الزنا، إذا رماه بذلك الزنا. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب عليه حد الزنا، وأقيم عليه حد الجلد لزناه، فإن من رماه بذلك الزنا الذي أقيم عليه الحد بسببه لا يكون قاذفًا له، ولا يجب الحد على القاذف حينئذٍ. ويتبيَّن أنه لو رماه بزنا آخر غير الزنا الذي حُد فيه، فمسألة أخرى. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن من قذف من قد ثبت عليه الزنا من الرجال والنساء بالزنا الذي قد ثبت على المقذوف، لا بغيره، أنه لا حد عليه" (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وأجمعوا أنه لا حد على من قذف محدودًا أو محدودة في زنا، إذا رماها بذلك الزنا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3) والشافعية (¬4) والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل حد القذف فيمن رمى المحصن، وقد تقرر عند الفقهاء أن من شرط الإحصان أن يكون عفيفًا عن الزنا (¬7)، فالزاني غير محصن، وعلى هذا فقاذف من حُد في الزنا قد قذف غير محصن، ¬
[175/ 3] لفظ "لم أجدك عذراء" ليس من الألفاظ الصريحة الموجبة لحد القذف.
فلا يدخل في الآية (¬1). الدليل الثاني: أن المقصود من حد القذف دفع العار بما قُذف به، وتكذيب القاذف، والزاني قد لحقه ذلك العار بالحد الذي أقيم عليه، والقاذف لم يكذب في قوله، وله بيِّنة على قوله بالحد الذي أقيم على الزاني، وقد أسقط اللَّه تعالى حد القذف لمن أقام البينة (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [175/ 3] لفظ "لم أجدكِ عذراء" ليس من الألفاظ الصريحة الموجبة لحد القذف. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف العذراء: العُذْرة -بضم العين وسكون الذال- يطلق على بكارة المرأة، وجمعها عُذَر. فإذا افتضت البكارة فهي ثيب، وإن لم تفض فهي عذراء، وتُجمع على عَذَارٍ وعَذَارَى، قال الزبيدي: "العذراء: البكر، يُقال: جارية عذراء: بكر لم يمسها رجل" (¬3). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا قال الرجل لزوجته "لم أجدك عذراء"، أو قال لامرأة أخرى غير زوجته "لست بعذراء" وهي غير متزوجة، فإن هذا اللفظ لا يعتبر من الألفاظ الصريحة الموجبة لحد القذف. ويتبيَّن هنا أن المرأة بالمسألة هو أن هذا اللفظ ليس من الألفاظ الصريحة في القذف، فلا يُقام على الرجل حد القذف بموجب هذا اللفظ، ولا يأخذ أحكام القذف بقول: "يا زانية". ¬
أما مسألة هل يُسأل الرجل عن مُراده أو لا يُسأل، فمسألة أخرى غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن الرجل إذا قال لزوجته: "لن آخذك عذراء"، أن لا حد عليه، وانفرد ابن المسيب، فقال: يجلد" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن ذهاب العذرة لا يلزم منها الزنا، فإن العذرة قد تذهب من المرأة بغير الجماع، إذ قد تزول بالوقعة، أو بالحيض، أو بأن تدخل المرأة إصبعها في فرجها، ونحو ذلك (¬6). • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة إلى أن لفظ: "لم أجدك عذراء" قذف صريح موجب للحد. وهو قول سعيد بن المسيب، ونسبه ابن حزم لطائفة (¬7). • دليل المخالف: استدل من أوجب الحد بلفظ "لم أجدك عذراء" بحديث ابن عباس -رضي اللَّه عنه- قال: "تزوج رجل من الأنصار امرأة من بلعجلان (¬8)، فبات عندها ليلة، فلما أصبح لم يجدها عذراء، فرفع شأنها إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدعا ¬
[176/ 3] لو اشترى أمة وطئها أبوه أو وطئ هو أمها ووطئها فقذفه إنسان فلا حد على القاذف.
الجارية، فقالت: بل كنت عذراء، فأمر بهما فتلاعنا، وأعطاها المهر" (¬1).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن ابن المسيب وغيره. وابن المنذر حين حكى الإجماع استثنى من ذلك قول سعيد بن المسيب، واللَّه تعالى أعلم. [176/ 3] لو اشترى أمة وطئها أبوه أو وطئ هو أمها ووطئها فقذفه إنسان فلا حد على القاذف. • المراد بالمسألة: من اشترى أمةً كان قد وطئ أمها فإنه يَحرم عليه وطؤها، وكذا لو كانت الأمة قد وطئها أبوه، فإنه يحرم عليه وطؤها، فإذا كان المُشتري عالمًا بالتحريم، ثم وطئ هذه الأمة التي هي ملك له، فإنه يزول إحصانه، لزوال العفة عنه، ومن قذفه فإنه لا حد عليه، لأنه قذف شخصًا غير محصن. ¬
ويُلحق بذلك كل أمة تحت ملكه يحرم عليه وطؤها على التأبيد، كما لو كانت الأمة أخته من الرضاع. ويتبيَّن مما سبق أنه إن كان غير عالم بتحريم وطء الأمة أو كانت الأمة ممن تحرم عليه تحريمًا مؤقتًا، كأن يكون عنده أختين ملْك يمين، فكل ذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن نجيم (970 هـ): "ولو اشترى أمة وطئها أبوه أو وطئ هو أمها ووطئها فقذفه إنسان فلا حد على القاذف بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنابلة (¬2)، والشافعية (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن من شرط الإحصان العفة، ومن وطئ أمة قد وطئها أبوه، أو أمة قد وطئ أمها فإنه لا يكون عفيفًا، لأن الأمة تكون ممن يَحرُم عليه وطؤها في الحالين السابقين، ووطؤها يكون زنًا (¬4). الدليل الثاني: أن القاذف لم يكذب في قوله، فالمقذوف زانٍ في الحقيقة، ومن أسقط عنه الحد فإنما هو بموجب الشبهة التي تُدرأ بها الحدود (¬5). • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن من وطء أمته التي يحرم عليه وطؤها فإنه لا يزول عنه الإحصان، وعلى من قذفه الحد. وهو قول للحنفية (¬6)، وبه قال المالكية (¬7)، وهو قول للشافعية (¬8). ¬
[177/ 3] حد القذف فيه حق الشرع وحق العبد.
• دليل المخالف: أن الواطئ مع حُرمة فعله إلا أن له شبهة في ذلك الفعل وهو الملك، وهذه الشبهة كما تدفع عنه الحد، فإنها توجب عفَّته، وعدم زوال إحصانه (¬1).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الحنفية، والمالكية، وبعض الشافعية. وحكاية ابن نجيم للإجماع في المسألة لعلَّه وْهم، واللَّه تعالى أعلم. [177/ 3] حد القذف فيه حق الشرع وحق العبد. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخصٌ آخر بما يوجب الحد، فإن هذا القذف تعلَّق به حقَّان: الأول: حق للعبد، وذلك في إيذائه بما قُذف به، فشرع له الحد دفعًا للعار عن نفسه. الثاني: حقٌ للَّه تعالى، وذلك بإيجاب الحد على القاذِف، زجرًا له ولغيره عن هذا الفعل. والمراد هنا تقرير أن القذف تعلَّق به هذين الحقين، أما أيُّهما يُغلب فمسألة أخرى غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال المرغيناني (593 هـ): "ولا خلاف أن فيه حق الشرع وحق العبد" (¬2) ونقله عنه أبو بكر العبادي (¬3) وبمثله قال الزيلعي (743 هـ) (¬4)، وابن الهمام (861 هـ) (¬5). وقال العيني (855 هـ): " (ولا خلاف أن فيه) أي في حد القذف (حق الشرع وحق العبد) وهذا لا خلاف فيه" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬7)، ¬
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن المقصود من تشريع حد القذف هو دفع العار عن المقذوف، فمن هذا الوجه كان الحد حقًا له، ومن مقاصده الزجر والتطهير، ومن هذا الوجه كان حقًا له تعالى (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن حد القذف حق للَّه تعالى لا مدخل للمقذوف فيه. وبه قال الظاهرية (¬4). • دليل المخالف: استدل ابن حزم لقوله بما يلي: الدليل الأول: قصة الإفك في قذف عائشة رضي اللَّه عنها، وإقامة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الحد على من قذفها بالزنا (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام حد القذف على من رمى عائشة بالزنا، ولم يسأل عائشة هل تريد المطالبة بحقها أو لا، وهل ستعفوا عنهم أو لا. الدليل الثاني: أن حد القذف من جملة الحدود، والحدود حق محض للَّه تعالى ولو كان فيه إساءة للمخلوق. الدليل الثالث: القياس على حد السرقة والحرابة، فكما أن حدي السرقة والحرابة حق خاص باللَّه تعالى، مع أن فيه إساءة للمسروق منه أو من تعرَّض للحرابة، فكذا القذف (¬6). ¬
[178/ 3] إن أضمر قذفا ولم ينطق به فلا حد في ذلك.
Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت خلاف الظاهرية، وإن كانت محل اتفاق بين المذاهب الأربعة (¬1). والظاهر أن من نفى الخلاف في المسألة إنما أراد به الاتفاق المذهبي عند الحنفية، واللَّه تعالى أعلم. [178/ 3] إن أضمر قذفًا ولم ينطق به فلا حد في ذلك. • المراد بالمسألة: إذا حدَّث شخص نفسه بقذف شخص آخر بالزنا، ولم يتكلم بذلك، فإنه لا يُعتبر قاذفًا، وليس عليه حد القذف. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن من ادعى على آخر أنه أضمر قذفه ولم يقذفه، فإنه لا تحليف في ذلك؛ لصحة الإجماع على أن من أضمر قذفًا ولم ينطق به، فإنه لا حد في ذلك أصلًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، ¬
[179/ 3] لو أن ألف عدل قذفوا امرأة أو رجلا بالزنا مجتمعين أو متفرقين فالحد عليهم كلهم إن لم يأتوا بأربعة شهداء.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به) متفق عليه (¬3). الدليل الثاني: أن الحد هو عقوبة على جناية، والذي حدَّث نفسه بالحد دون فعله، لم تصدر منه جناية توجب العقوبة (¬4).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [179/ 3] لو أن ألف عدل قذفوا امرأة أو رجلًا بالزنا مجتمعين أو متفرقين فالحد عليهم كلهم إن لم يأتوا بأربعة شهداء. • المراد بالمسألة: إن قذف شخصان أو أكثر شخصًا آخر بالزنا، ولم يُقيموا أربعة شهداء يشهدون على ذلك الزنا، ولم تُقر المرأة بالزنا، فإنه يُقام عليهم حد القذف، على كل شخص منهم حد مستقل، ثمانون جلدة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "أجمعوا بلا خلاف من أحد منهم لو أن ألف عدل قذفوا امرأة أو رجلا كذلك بالزنا مجتمعين، أو مفترقين: أن الحد عليهم كلهم حد القذف إن لم يأتوا بأربعة شهداء" (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬5). • وجه الدلالة: الآية صريحة في وجوب حد القذف على الذين يرمون المحصنات، وأن الحد لا يسقط إلا بأربعة شهداء على الزنا الذي رُمي به المقذوف. الدليل الثاني: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام حد القذف على مسطح بن أثاثة (¬6)، وحسان بن ثابت (¬7)، وحمنة بنت جحش (¬8) رضي اللَّه عنهم، حين قذفوا عائشة ¬
رضي اللَّه عنها (¬1). الدليل الثالث: أن عمر -رضي اللَّه عنه- جلد أبا بكرة -رضي اللَّه عنه-، وشبل بن معبد (¬2)، ونافعًا (¬3) بقذفهم للمغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- (¬4) (¬5). وجه الدلالة من الحديث والأثر: فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يدل على أن القذفة إن تعدَّدوا في شخص واحد فعليهم لكل شخص منهم حد مستقل، وكذا فعل عمر -رضي اللَّه عنه- في قذفة المغيرة، وهو يدل على أن القذفة إن تعدَّدوا فإنه يُحد كل واحد منهم حد مستقل. الدليل الرابع: القياس على سائر الحدود، فكما أنه لو زنى اثنان بامرأة، وجب عليهما الحد، فكذا القذف.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[180/ 3] مطلق السب بما لا يدل على الزنا؛ مثل: يا كاذب، أو يا أعور، أو يا منافق، لا يوجب الحد.
[180/ 3] مطلق السَّب بما لا يدل على الزنا؛ مثل: يا كاذب، أو يا أعور، أو يا منافق، لا يوجب الحد. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف السب: السب: أصله القطع، يُقال: سبّه سبًا: أي قطعه، والمراد به هنا الشتم، وسُمي الشتم سبًا؛ لأنه يقطع ما بينه وبين من شتمه (¬1). وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية حقيقة السب بأنه: "الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح، ونحوه" (¬2). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا رمى شخص آخر بلفظ ليس فيه ما يدل على الزنا بأن وصفه بالكذب، أو الخيانة، أو الكفر، أو بشيء من الحيوانات كيا كلب، أو يا حمار، أو بشيء من صفات الجسد المعيبة كيا أعور، أو يا أعرج، أو نحو ذلك، فإن ذلك لا يكون لفظًا موجبًا لحد القذف. ويتبيَّن من ذلك أنه لو كان لفظًا صريحًا في الزنا، مثل: يا زان، أو يدل عليه، مثل: يا لوطي، أو يا فاسق، أو يا فاجر، أو رماه بإتيان البهيمة، أو نحو ذلك، فهو غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن قول الرجل للرجل: يا فاسق، يا خبيث، أنه لا يؤخذ منه الحد" (¬3). وقال البغوي (516 هـ): "النسبة إلى غير الزنا من الفواحش إنما فيه التعزير. . . وهذا قول العلماء" (¬4). ¬
وقال ابن قدامة (620 هـ): "لو قال: يا كافر، يا فاسق، يا سارق، يا منافق، يا فاجر، يا خبيث، يا أعور، يا أقطع، يا أعمى، يا ابن الزَّمِن (¬1)، الأعمى الأعرج، فلا حد في ذلك كله. . . كما لو قال يا كاذب، يا نمام، ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم" (¬2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3). وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن قول الرجل للرجل: يا فاجر، يا فاسق، يا خبيث، لا يوجب الحد" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬5) والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬9). • وجه الدلالة: أن الآية الموجبة للقذف جاءت في حق من رمى بالزنا بدليل شرطية الشهداء الأربعة لسقوط الحد، ولا يقاس عليه غيره، فإنه لا مدخل ¬
للقياس في الحدود، لأنها مبنية على الدرء بالشبهات (¬1). الدليل الثاني: عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه سُئل عن قول الرجل للرجل: يا فاجر يا خبيث يا فاسق، قال: "هن فواحش، فيهن تعزيز، وليس فيهن حد" (¬2). • وجه الدلالة: أن عليًا -رضي اللَّه عنه- قضى بأن رمي الشخص بالفجور أو الفسق ليس من القذف الموجب للحد، مع أنها ألفاظ محتملة لمعنى الزنا، فمن باب أولى ما دونها من الألفاظ التي لا تدل على معنى الزنا ألا تكون قذفًا موجبًا للحد. الدليل الثالث: لأن الرامي هنا قد رماه بما لا يوجب الحد، فأشبه ما لو قذفه باللمس والنظر (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في شروط حد القذف
الفصل الثاني: مسائل الإجماع في شروط حد القذف [181/ 3] يشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف عفيفًا عن الزنا. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، فإن من شرط إقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف عفيفًا عن الزنا، بمعنى أنه لم يأت بزنا قبل ذلك، ولم يُحد في زنا، فإن زنى الشخص أو أقيم عليه حد الزنا، ولم يتب من ذلك فإنه لا يكون عفيفًا، ولا حد على قاذفه. ويُنبه هنا إلى أمرين: الأول: المراد أنه لا حد على من قذفه بذلك الزنا، أما إن قذفه بزنا آخر، فهذه مسألة أخرى غير مرادة. الثاني: المسألة مقيَّدة بما إذا لم يتب الزاني، فإن زنى أو أقيم عليه الحد، ثم تاب من بعد ذلك وأصلح فهذه مسألة غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما المقذوف فاتفقوا على أن من شرطه أن يجتمع فيه خمسة أوصاف وهي: البلوغ، والحرية، والعفاف، والإسلام، وأن يكون معه آلة الزنا، فإن انخرم من هذه الأوصاف وصف، لم يجب الحد" (¬1) ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "وشرائط الإحصان الذي يجب الحد بقذف صاحبه، خمسة: العقل، والحرية، والإسلام، والعفة عن الزنا، وأن يكون كبيرا يجامع مثله، وبه يقول جماعة العلماء قديمًا وحديثًا، سوى ما روي عن داود، أنه أوجب الحد على قاذف العبد" (¬3). ¬
وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "والمحصن من وجدت فيه خمس شرائط: أن يكون حرًا، مسلمًا، عاقلًا، بالغًا، عفيفًا، وهذا إجماع وبه يقول جملة العلماء قديمًا وحديثًا، سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "والمحصن هو الحر، المسلم، العاقل، العفيف، الذي يجامع مثله. . . فهذه الخمسة شروط الإحصان وبه يقول جماعة الفقهاء قديمًا وحديثًا سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد" (¬2). وقال العيني (855 هـ): " (أن يكون المقذوف حرًا، عاقلًا، بالغًا، مسلمًا، عفيفًا عن فعل الزنا) هذا باتفاق العلماء" (¬3). وقال المطيعي (1404 هـ) عند مسألة أن من قذف زانيًا فلا حد عليه: "هذا ما لا خلاف فيه في حالة ثبوت الزنا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب الحد على القاذف إذا لم يأت بأربعة شهداء، فأسقط الحد إذا ثبت أنه زنى، وهو يدل على أن من ثبت عليه الزنا فانه لا حد على من قذفه (¬7). الدليل الثاني: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)} (¬8). ¬
[182/ 3] من وطئ امرأة في نكاح صحيح ثم تزوج ابنتها أو أمها سقطت عفته، ولا يحد قاذفه.
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى ذم القذف في حق المحصنات أي العفيفات (¬1)، وهو يدل على أن قذف غير العفيفة لا يدخل في الوعيد، ولا يجب به الحد (¬2). الدليل الثالث: أن غير العفيف لا يلحقه العار بنسبته إلى الزنا؛ لأنه قد لحقه قبل ذلك، والقاذف لم يكذب فيما قاله، بل هو صدق وحق، وحد القذف إنما يقام لدفع العار وبيان كذب القاذف (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [182/ 3] من وطئ امرأة في نكاح صحيح ثم تزوَّج ابنتها أو أمَّها سقطت عفَّته، ولا يُحد قاذفه. • المراد بالمسألة: أجمع أهل العلم على أن للرَّجل نساء محرَّمٌ عليه نكاحهن على التأبيد، كأمِّه، وأخته، وأم زوجته، وابنته التي في حجره إن دخل بأمها. فمن تزوَّج امرأة من هؤلاء ووطئها في نكاحه، عالمًا بالتحريم، فإنه يزول عنه وصف العفة، فمن قذفه بالزنا في هذا الأمر فإنه لا يكون قاذفًا. ويتبيَّن مما سبق أنه لو كان الرجل غير عالم بالتحريم، أو كان القاذف قد قذفه بزنا آخر غير زناه بزوجته التي تحرم عليه على التأبيد، فكل ذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (578 هـ): "فأما إذا تزوج امرأة فوطئها، ¬
[183/ 3] يشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف عاقلا, بالغا.
ثم تزوج ابنتها أو أمها فوطئها سقطت عفته بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع المالكية (¬2)، والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن هذا نكاح مجمع على فساده، ولا مجال للاجتهاد فيه، فهو كمن وقع في الزنا صراحة، وتحيَّل على ذلك بعقد الزوجية (¬5). الدليل الثاني: أن القاذف لم يكذب في قوله، فالمقذوف زانٍ في الحقيقة، ومن أسقط عنه الحد فإنما هو بموجب الشبهة التي تُدرأ بها الحدود (¬6).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [183/ 3] يشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف عاقلًا, بالغًا. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، فإن من شرط إقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف بالغًا حين القذف، وأن يكون عاقلًا، فلا حد على من قذف الصبي أو الصبية اللذين لم يبلغا, ولا حد على من قذف المجنون. • من نقل الإجماع: قال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما المقذوف فاتفقوا على أن من شرطه أن يجتمع فيه خمسة أوصاف وهي: البلوغ، والحرية، والعفاف، والإسلام، وأن يكون معه آلة الزنا، فإن انخرم من هذه الأوصاف ¬
وصف، لم يجب الحد" (¬1) ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "وشرائط الإحصان الذي يجب الحد بقذف صاحبه، خمسة: العقل، والحرية، والإسلام، والعفة عن الزنا، وأن يكون كبيرًا يجامع مثله. وبه يقول جماعة العلماء قديمًا وحديثًا، سوى ما روي عن داود، أنه أوجب الحد على قاذف العبد" (¬3). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "والمحصن من وجدت فيه خمس شرائط: أن يكون حرًا، مسلمًا، عاقلًا، بالغًا، عفيفًا، وهذا إجماع وبه يقول جملة العلماء قديمًا وحديثًا، سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد" (¬4). وقال ابن الهمام (861 هـ): "وأما العقل والبلوغ ففيه إجماع، إلا ما عن أحمد أن الصبي الذي يجامع مثله محصن فيحد قاذفه" (¬5). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "والمحصن هو الحر، المسلم، العاقل، العفيف، الذي يجامع مثله. . . فهذه الخمسة شروط الإحصان وبه يقول جماعة الفقهاء قديمًا وحديثًا سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد" (¬6). وقال العيني (855 هـ): " (أن يكون المقذوف حرًا، عاقلًا، بالغًا، مسلمًا، عفيفًا عن فعل الزنا) هذا باتفاق العلماء" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الشافعية (¬8)، والحنابلة في رواية (¬9). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬1). • وجه الدلالة: أن البلوغ والعقل شرطان للتكليف، والصبي أو المجنون إن ثبت زناه فلا يجب عليه الحد، فلا يجب الحد بقذفه (¬2). الدليل الثاني: أن حد القذف المراد منه دفع المعرَّة عن المقذوف، ولا معرة على غير البالغ؛ لأن فعله للوطء لا يوصف بأنه زنا (¬3). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: لا يشترط لإقامة حد القذف أن يكون المقذوف بالغًا، فمتى كان الصبي أو الصبية يطيق أحدهما الوطء، فعلى من قذفه الحد. وهو قول المالكية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وبهذا يتبين أن أصحاب هذا القول قيدوه بإطاقة الوطء. القول الثاني: أن قذف من لم يبلغ يوجب الحد مطلقًا، أطاق الوطء أو لم يطقه، وكذا قذف المجنون يوجب الحد. وهو قول الظاهرية (¬6). • دليل المخالف: أما من قال بأن شرط المقذوف إطاقته للوطء فعلل ذلك ¬
[184/ 3] يشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف مسلما.
بأن المقصود من الحد دفع المعرَّة التي لحقت المقذوف بالقذف، وبيان كذب القاذف، ومن كان غير مطيق للوطء لا يحتاج إلى ذلك، للعلم بكذب القاذف بكونه لا يطيق الوطء (¬1). وأما من أوجب الحد مطلقًا على من قذف الصغير أو المجنون فاستدل بـ: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬2). • وجه الدلالة: عموم الآية تدل على وجوب الحد على من قذف المحصنة، والإحصان في اللغة هو بمعنى المنع، فكل من منعت نفسها من الحرام فتشملها هذه الآية (¬3).Rثمة مسألتان: الأولى: يشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف بالغًا: فهذه المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم، لثبوت الخلاف عن المالكية، والظاهرية، والحنابلة في رواية. وفي نقل الإجماع في المسألة تساهل خصوصًا من ابن رشد رحمه اللَّه. الثانية: يشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف عاقلًا: فهذه المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الظاهرية، ومن نقل الإجماع لم يعتبر قولهم في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [184/ 3] يشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف مسلمًا. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، وكان المقذوف كافرًا، سواء كان ذميًا، أو حربيًا، أو غير ذلك، فإن هذا القذف غير موجب للحد. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "إجماعهم أنه ليس على من ¬
قذف ذمية أو مملوكة حد" (¬1). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما المقذوف فاتفقوا على أن من شرطه أن يجتمع فيه خمسة أوصاف وهي: البلوغ، والحرية، والعفاف، والإسلام، وأن يكون معه آلة الزنا، فإن انخرم من هذه الأوصاف وصف، لم يجب الحد" (¬2) ونقله عنه ابن قاسم (¬3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "وشرائط الإحصان الذي يجب الحد بقذف صاحبه، خمسة: العقل، والحرية، والإسلام، والعفة عن الزنا، وأن يكون كبيرًا يجامع مثله، وبه يقول جماعة العلماء قديمًا وحديثًا، سوى ما روي عن داود، أنه أوجب الحد على قاذف العبد" (¬4). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "والمحصن من وجدت فيه خمس شرائط: أن يكون حرًا، مسلمًا، عاقلًا، بالغًا، عفيفًا، وهذا إجماع وبه يقول جملة العلماء قديمًا وحديثًا، سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد" (¬5). وقال ابن القطان (628 هـ): "ولم يختلفوا أن من قذف مملوكة أو كافرة أنه لا يُحد للقذف" (¬6). وقال ابن الهمام (861 هـ): " (قوله: ومن قذف عبدًا أو أمة أو أم ولد أو كافرًا بالزنا عزر) بالإجماع" (¬7). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "والمحصن هو الحر، المسلم، العاقل، العفيف، الذي يجامع مثله. . . فهذه الخمسة شروط الإحصان وبه يقول جماعة الفقهاء قديمًا وحديثًا سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد" (¬8). ¬
وقال العيني (855 هـ): " (أن يكون المقذوف حرًا، عاقلًا، بالغًا، مسلمًا، عفيفًا عن فعل الزنا) هذا باتفاق العلماء" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (¬2)، والظاهرية (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)} (¬4). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬5). الدليل الثالث: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "من أشرك باللَّه فليس بمحصن" (¬6). • وجه الدلالة من الآية والأثر: أن الآية شرطت في حد القذف أن يكون المقذوف محصنًا، وقد بيَّن الأثر أن الكافر ليس بمحصن، وعلى ذلك فلا يكون قذفه داخلًا في الآية الموجبة للحد (¬7). الدليل الرابع: أن الكافر لا حرمة له، فكما لا تؤخذ نفس المسلم بنفس الكافر، فكذا لا يؤخذ عرضه بعرضه (¬8). ¬
[185/ 3] يشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف معه آلة الزنا.
الدليل الخامس: أن الحد إنما وجب بالقذف دفعا لعار الزنا عن المقذوف، وما في الكافر من عار الكفر أعظم (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [185/ 3] يشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف معه آلة الزنا. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، وكان المقذوف لا يمكن أن يحصل منه زنا، لفقد آلة الزنا، كأن يكون الرجل مقطوع الذكر، أو تكون المرأة رتقاء، أو نحو ذلك فحينئذٍ، لا يقام حد القذف على من قذف فاقد آلة الزنا. • من نقل الإجماع: قال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما المقذوف فاتفقوا على أن من شرطه أن يجتمع فيه خمسة أوصاف وهي: البلوغ، والحرية، والعفاف، والإسلام، وأن يكون معه آلة الزنا، فإن انخرم من هذه الأوصاف وصف، لم يجب الحد" (¬2) ونقله عنه ابن قاسم (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن المقصود من حد القذف دفع العار، وبيان كذب القاذف، وهذا ظاهر فيمن ليس معه آلة الزنا، لاستحالة الزنا في حقه (¬6). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من قذف من ليس معه آلة الزنا فإنه يُحد. ¬
[186/ 3] لا حد على قاذف العبد، ولا على قاذف الأمة.
وهو قول الحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2). • دليل المخالف: استدل من أوجب الحد على من قذف من ليس معه آلة الزنا بعموم قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬3). • وجه الدلالة: عموم الآية تدل على وجوب الحد على من قذف المحصنة، والإحصان في اللغة هو بمعنى المنع، فكل من منعت نفسها من الحرام فتشملها هذه الآية (¬4).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنابلة، والظاهرية. ونقل ابن رشد للاتفاق في المسألة لعلَّه وهْم، واللَّه تعالى أعلم. [186/ 3] لا حد على قاذف العبد، ولا على قاذف الأمة. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، فإن من شرط إقامة حد القذف على القاذف أن يكون المقذوف حرًا، فأما إن قذف مملوكًا فإنه لا حد عليه في الدنيا، سواء قذف مملوكه، أو مملوك غيره، وسواء كان المملوك مُسلمًا أو كافرًا، ذكرًا أو أنثى. ويتبيَّن أن المراد نفي الحد عنه في الدنيا، أما إقامة الحد عليه يوم القيامة فغير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه إذا افترى أحد على عبد فلا حد عليه" (¬5). وقال المهلب بن أبي صفرة (435 هـ): "أجمعوا ¬
على أن الحُر إذا قذف عبدًا لم يجب عليه الحد"، نقله عنه ابن حجر (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "إجماعهم أنه ليس على من قذف ذمية أو مملوكة حد" (¬2). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن من قذف عبدًا فإنه لا حد عليه سواء كان المقذوف للقاذف أو لغيره" (¬3). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما المقذوف فاتفقوا على أن من شرطه أن يجتمع فيه خمسة أوصاف وهي: البلوغ، والحرية، والعفاف، والإسلام، وأن يكون معه آلة الزنا، فإن انخرم من هذه الأوصاف وصف، لم يجب الحد" (¬4) ونقله عنه ابن قاسم (¬5). وقال ابن قدامة (620 هـ): "وشرائط الإحصان الذي يجب الحد بقذف صاحبه، خمسة: العقل، والحرية، والإسلام، والعفة عن الزنا، وأن يكون كبيرًا يجامع مثله. وبه يقول جماعة العلماء قديمًا وحديثًا، سوى ما روي عن داود، أنه أوجب الحد على قاذف العبد" (¬6). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "والمحصن من وجدت فيه خمس شرائط: أن يكون حرًا، مسلمًا، عاقلًا، بالغًا، عفيفًا، وهذا إجماع وبه يقول جملة العلماء قديمًا وحديثًا، سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد" (¬7). وقال ابن القطان (628 هـ): "ولم يختلفوا أن من قذف مملوكة أو كافرة أنه لا يُحد للقذف" (¬8). وقال القرطبي (671 هـ): "وأجمع العلماء على أن الحر لا يجلد للعبد إذا ¬
افترى عليه، لتباين مرتبتهما" (¬1). وقال النووي (676 هـ): "لا حد على قاذف العبد في الدنيا وهذا مجمع عليه" (¬2). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "والمحصن هو الحر، المسلم، العاقل، العفيف، الذي يجامع مثله. . . فهذه الخمسة شروط الإحصان وبه يقول جماعة الفقهاء قديمًا وحديثًا سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد" (¬3). وقال العيني (855 هـ): " (أن يكون المقذوف حرًا، عاقلًا، بالغًا، مسلمًا، عفيفا عن فعل الزنا) هذا باتفاق العلماء" (¬4). وقال ابن الهمام (861 هـ): " (قوله: ومن قذف عبدًا أو أمة أو أم ولد أو كافرًا بالزنا عزر) بالإجماع" (¬5). وقال الصنعاني (1182 هـ): "إذا قذف غير مالكه فإنه أيضًا أجمع العلماء على أنه لا يحد قاذفه" (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت أبا القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (من قذف مملوكه، وهو بريء مما قال، جلد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال) متفق عليه (¬7). • وجه الدلالة: دل الحديث بمفهومه أن من قذف مملوكه فلا حد عليه في الدنيا، وكذا يُلحق به كل عبد (¬8). الدليل الثاني: أن فعل الزنا أغلظ من القذف، فإذا كان نقص الرق يمنع ¬
كمال الحد، فمن باب أولى أن يمنع وجوب الحد على قاذفه (¬1). الدليل الثالث: أن الحر لا تؤخذ نفسه بنفس العبد، فكذا لا يؤخذ عرضه بعرضه. • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الحرية ليست شرطًا في الإحصان، فمن قذف العبد وجب عليه الحد. وبه قال الظاهرية (¬2). • دليل المخالف: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬3). • وجه الدلالة: عموم الآية يدل على وجوب الحد على كل من رمى المحصن، ولا يوجد دليل يُخرج العبد عن كونه من المحصنين (¬4). الدليل الثاني: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى بيَّن استواء المسلمين، وأنه ليس بينهم فرق بالرق والحرية، وإنما يتفاضل الناس بأخلاقهم وأديانهم، لا بأعراقهم، ولا بأبدانهم (¬6). الدليل الثالث: عموم الأحاديث الدالة على تحريم عرض المسلم، ومن ذلك: أ - عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) متفق عليه (¬7). ب - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (كل المسلم على المسلم حرام: ¬
[187/ 3] لا حد على قاذف المكاتب، وأم الولد.
دمه، وماله، وعرضه) (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن حرمة العرض لكل مسلم، ولم يُفرِّق بين العبد وغيره (¬2). الدليل الرابع: أنه مروي عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه-، حيث سُئل عن رجل قذف أم ولد لرجل؟ فقال ابن عمر: "يضرب الحد صاغرًا" (¬3). الدليل الخامس: أن العبد يُقام عليه حد الزنا إذا ارتكبه، فكذا يُحد له القاذف بالزنا، كالحر (¬4).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت خلاف الظاهرية. ومن نقل الإجماع في المسألة لعله لم يعتبر الخلاف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [187/ 3] لا حد على قاذف المكاتب، وأم الولد. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف المكاتب: المكاتبة هي معاقدة بين العبد وسيِّده، وذلك بأن يُكاتب الرقيق سيَّده على أن يبذل له مالًا منجَّما على فترات، فإذا أدى إليه جميع المال عتق العبد (¬5). ثانيًا: تعريف أم الولد: المراد بأم الولد، هي الأمة التي يكون لها ولد من سيِّدها في ملكه (¬6). ثالثًا: صورة المسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، وكان المقذوف مكاتبًا ¬
لم يؤد جميع ما عليه إلى سيَّده، أو كانت أم ولد لسيدها، فإنه لا يقام حد القذف على القاذف؛ لأن من شرط المقذوف أن يكون حرًا. • من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "لا حد على قاذف العبد في الدنيا وهذا مجمع عليه، لكن يعزر قاذفه, لأن العبد ليس بمحصن، وسواء في هذا كله من هو كامل الرق، وليس فيه سبب حرية، والمدبر، والمكاتب، وأم الولد، ومن بعضه حر، هذا في حكم الدنيا" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "ولو قذف مكاتبًا مات وترك وفاء لا حد عليه، لتمكن الشبهة في شرط الحكم، وهو الإحصان لاختلاف الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في أنه مات حرًا أو عبدًا، فأورث شبهة في إحصانه، وبه يسقط الحد ولا يعلم فيه خلاف بين من يعتبر الحرية من الإحصان" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما سبق من الأدلة التي تدل على أن العبد لا يُحد قاذفه، وأم الولد هي أمة غير حرَّة، وكذا المكاتب له أحكام العبد بدليل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) (¬5). ¬
قال الخطابي: "أجمع عامة الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته والجناية عليه" (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من قذف المكاتب، أو أم والولد وجب عليه الحد. وبه قال الظاهرية (¬2)، وهو رواية عند الحنابلة في أم الولد (¬3). • دليل المخالف: أما الرواية عند الحنابلة بإيجاب الحد على قاذف أم الولد فاستدلوا بما يلي: الدليل الأول: أنه مروي عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه-، حيث سُئل عن رجل قذف أم ولد لرجل؟ فقال ابن عمر: "يضرب الحد صاغرًا" (¬4). الدليل الثاني: أن قذف أم الولد قذفٌ لولدها الحر، وفيها معنى يمنع بيعها، فأشبهت الحرة (¬5). وأما الظاهرية الذين أوجبوا الحد على قاذف المكاتب فاستدلوا بما سبق من أدلة إيجاب الحد على من قذف العبد (¬6).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الظاهرية، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[188/ 3] يشترط لإقامة حد القذف أن يكون القاذف بالغا عاقلا.
[188/ 3] يشترط لإقامة حد القذف أن يكون القاذف بالغًا عاقلًا. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، فلا يقام حد القذف إلا بتوفر وصفين: الوصف الأول: أن يكون عاقلًا يعي ما يقوله حين قذفه، فأما إن كان مجنونًا، أو في غير وعيه بحيث لا يدري ما يقوله كالنائم، والمغمى عليه، فإنه غير مؤاخذ بالقذف، ولا يقام عليه الحد بموجب قذفه. ويتبيَّن من ذلك أن فاقد العقل كالمجنون إن كان يفيق أحيانًا ويفقد العقل أحيانًا، وكان قذفه حال وعيه، فذلك غير مراد (¬1). وكذا السكران، كشارب الخمر ونحوه فقذفه غير مراد في المسألة (¬2). الوصف الثاني: أن يكون بالغًا، فأما إن كان صبيًا لم يَبلغ فإنه لا يُقام عليه الحد. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا أن الصبي إذا قذف امرأته، أنه لا يضرب، ولا يلاعن" (¬3). قال ابن حزم (456 هـ): "إجماعهم على أن من هذى فلا حد عليه ولو كفر، أو قذف" (¬4). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "فأما القاذف فإنهم اتفقوا على أن من شرطه وصفين، وهما البلوغ والعقل، وسواء أكان ذكرًا أو أنثى، حرًا أو عبدًا، مسلمًا أو غير مسلم" (¬5). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬1) والشافعية (¬2) والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬4). • وجه الدلالة: الحديث ظاهر أن العقل والبلوغ شرطان للتكليف، وأن المجنون والصبي مرفوع عنهما القلم، فلا يؤاخذان بالعقوبات الشرعية لفقدان شرط العقل. الدليل الثاني: أن الصبي والمجنون لا يُحد أحدهما إذا ارتكب ما يوجب حد الزنا، فمن باب أولى ألَّا يُحد إذا قذف شخصًا بالزنا، فإن ارتكاب الزنا أعظم من القذف به (¬5). الدليل الثالث: أن الصبي والمجنون إذا سقط عنه التكليف في العبادات والمآثم في المعاصي؛ فلأن يسقط عنه الحد الذي مبناه على الدرء والإسقاط من باب أولى (¬6). الدليل الرابع: أن الحد عقوبة محضة، فتستدعي جناية محضة، وفعل الصبي والمجنون لا يوصف بالجناية فلا حد عليه لعدم الجناية منه (¬7).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[189/ 3] إن قذف الرجل زوجته فيشترط لإقامة حد القذف عليه أن لا يلاعن.
[189/ 3] إن قذف الرجل زوجته فيشترط لإقامة حد القذف عليه أن لا يلاعن. • المراد بالمسألة: إذا قذف الرجل زوجته، ولم يُقم على ذلك بيَّنة، فإنه يُقام عليه حد القذف، كما لو قذف الأجنبية، إلا إن طلب لعان زوجته، فحينئذٍ يسقط عنه الحد باللعان. والمراد هنا تقرير الإجماع أن من قذف زوجته دون بيِّنة فإنه لا يُقام عليه حد القذف إلا إذا امتنع عن اللعان. أما سقوط الحد باللعان فتقرير الإجماع عليه ليس مرادًا في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم: "واتفقوا أنه إن قال في اللعان يوم الجمعة بعد العصر في الجامع بحضرة الحاكم، الواجب نفاذ حكمه، باللَّه الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة: إني لصادق فيما رميت به فلانة زوجتي هذه -ويشير إليها وهي حاضرة- من الزنا، وأن حملها هذا ما هو مني، ثم كرر ذلك أربع مرات، ثم قال الخامسة: وعلي لعنة اللَّه إن كنت من الكاذبين، فقد التعن، وسقط عنه حد القذف" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "يعتبر لإقامة الحد بعد تمام القذف بشروطه شرطان؛ . . . إن كان القاذف زوجًا، اعتبر شرط ثالث، وهو امتناعه من اللعان، ولا نعلم خلافًا في هذا كله" (¬2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬4) والشافعية (¬5) والظاهرية (¬6). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬1). • وجه الدلالة: عموم الآية يدل على أن من رمى امرأة محصنة دون بيِّنة فعليه حد القذف، وقد جعل اللَّه تعالى الالتعان للزوج مقام الشهود، فوجب إذا نكل أن يكون بمنزلة من قذف، ولم يكن له شهود (¬2). الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بشريك بن سحماء فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (البينة أو حد في ظهرك)، فقال: يا رسول اللَّه، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (البينة وإلا حد في ظهرك) (¬3). • وجه الدلالة: الحديث ظاهر في أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أوجب على هلال بن أمية الحد عند عدم البيِّنة، مع أنه قاذف لامرأته. • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من قذف زوجته فإنه ليس عليه حد للقذف أصلًا، فإذا قذفها وليس عنده بيِّنة، وامتنع عن اللعان فإنه يُحبس حتى يلاعن أو يُكذِّب نفسه. وهو قول الحنفية (¬4). • دليل المخالف: الدليل الأول: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب على من قذف زوجته ولم يكن له بيّنة الشهود أن يلاعن بالشهادة على نفسه أربع مرات إنه لمن الصادقين، وهو يدل على أن الواجب في الزوج مع زوجته اللعان، ولا حد للقذف بينهما، ومن ¬
[190/ 37] يحد القريب بقذف قريبه.
أوجب القذف فقد خالف الآية (¬1). الدليل الثاني: أن الزوج قد يمتنع من اللعان لا لكذبه وإنما صيانة على نفسه من اللعن والغضب، فإذا كان هذا الاحتمال واردًا فكيف يقام عليه حد القذف، مع قيام هذه الشبة الدارئة للحد (¬2).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية. والذي يظهر واللَّه أعلم أن ابن قدامة إنما أراد نفي العلم بالخلاف عند القائلين بوجوب الحد على الزوج فيما إذا قذف زوجته، لا أنه خفي عليه خلاف الحنفية؛ وذلك لأنه قبل ذكره لهذه المسألة ذكر خلاف الحنفية فيما إذا امتنع الزوج عن اللعان، مع بيان أدلتهم ومناقشتها (¬3)، واللَّه تعالى أعلم. [190/ 37] يحد القريب بقذف قريبه. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، وكان بينهما رحم، كأن يكون القاذف من فروع المقذوف، كابنه أو ابن ابنه أو نحو ذلك، أو يكون عمًا، أو خالًا، أو ابن عم، أو غير ذلك من أنواع القرابة غير الأصول، فإنه يقام عليه حد القذف، والقرابة لا تمنع إقامة الحد. ويتبيَّن مما سبق أن القاذف إن كان من أصول المقذوف كالأب أو الجد ونحوه فهذا غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) بعد نقله للخلاف في قذف الأب لابنه: "ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن ذا القربى يحد في قذف ذي القربى" (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ) بعد نقله للخلاف في الحد بقذف الأب ¬
[191/ 3] يشترط لإقامة حد القذف على القاذف عدم إقرار المقذوف بما قذف به.
لابنه: "أما قذف سائر الأقارب، فيوجب الحد على القاذف في قولهم جميعًا" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4) والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬6). • وجه الدلالة: أن الآية عامة في قذف كل محصنة، ولم تستثن قريبًا معينًا. الدليل الثاني: أن القاذف واجب في حقه حد، والحدود لا تُسقطها القرابة (¬7). الدليل الثالث: لأن المقذوف يلحقه العار بالقذف، فكان محتاجًا إلى دفعه وبيان كذب القاذف بالحد (¬8).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [191/ 3] يشترط لإقامة حد القذف على القاذف عدم إقرار المقذوف بما قُذف به. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، وأقر المقذوف بذلك الزنا، فإن حد القذف يسقط عن القاذف؛ لأن من شرط إقامة الحد على القاذف ألا يُقر المقذوف بما قُذف به. ¬
[192/ 3] يشترط لإقامة حد القذف على القاذف ألا يقيم بينة على قذفه.
• من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): في شروط إقامة حد القذف على القاذف: "وكذلك يشترط عدم الإقرار من المقذوف. . . ولا نعلم خلافًا في هذا كله" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) في شروط إقامة حد القذف على القاذف: "ولذلك يشترط عدم إقرار المقذوف. . . ولا نعلم في هذا كله خلافًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن سبب إقامة الحد على القاذف هو تكذيبه، ودفع المعرَّة عن المقذوف، فإذا اعترف المقذوف بما رُمي به، كان القاذف صادقًا، والمقذوف قد أثبت على نفسه المعرَّة (¬6).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [192/ 3] يشترط لإقامة حد القذف على القاذف ألا يقيم بينة على قذفه. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بما يوجب حد القذف، فإنه يطالب بالبيِّنة على ما قاله، أو يُقام عليه حد القذف، فإن أقام البيِّنة بالشهود، فإنه يسقط عنه حد القذف. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن القاذف إذا أتى ببينة على ما ذَكر، أن الحد سقط عنه" (¬7). وقال ابن قدامة (620 هـ) في شروط إقامة حد القذف على القاذف: ¬
"الثاني: ألا يأتي ببيِّنة. . . ولا نعلم خلافًا في هذا كله" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) في شروط إقامة حد القذف على القاذف: "الثاني: أن لا يأتي ببينة. . . ولا نعلم في هذا كله خلافًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬7). • وجه الدلالة: الآية دلت على أن من قذف محصنة ولم يأت بأربعة شهداء فإن عليه القذف، وهي تدل بمفهومها على أن من أتى بأربعة شهداء فإنه لا حد عليه. الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بشريك بن سحماء فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (البينة أو حد في ظهرك)، فقال: يا رسول اللَّه، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (البينة وإلا حد في ظهرك) (¬8). • وجه الدلالة: في الحديث بيان أن من قذف آخر بالزنا، فإما أن يأتي بالبيِّنة ليسقط عنه الحد، أو لا يأتي بالبينة ويُقام عليه الحد.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[193/ 3] من قذف بكلام لا يدري معناه فإنه لا يكون قاذفا.
[193/ 3] من قذف بكلام لا يدري معناه فإنه لا يكون قاذفًا. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، وكان القاذف قد تكلم بالكلمة وهو لا يدري معناها، كأن يكون لا يعرف العربية، وسمع شخصًا يقول يا زان، فقالها هو لغيره، وهو لا يدري معناها، فهنا لا يُعتبر كلامه قذفًا، ولا يُقام عليه حد القذف. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "ولم يختلف أحد من الأمة في أن امرأ لو نطق بلفظ لا يدري معناه، وكان معناه كفرًا، أو قذفًا، أو طلاقًا، فإنه لا يؤاخذ بشيء من ذلك" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (¬7). وقد ثبت في صحيح مسلم أن اللَّه تعالى قد أجاب ذلك لأمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما جاء عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: لما نزلت هذه الآية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} (¬8)، قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (قولوا سمعنا وأطعنا وسلَّمنا) قال: ¬
[194/ 3] يشترط لعدم إقامة الحد على نفي العبد عن أبيه وأمه ألا يكون أبواه حرين مسلمين.
فألقى اللَّه الإيمان في قلوبهم، فأنزل اللَّه تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (¬1)، قال: "قد فعلت"، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (¬2)، قال: "قد فعلت"، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (¬3)، قال: "قد فعلت" (¬4). الدليل الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (¬5). • وجه الدلالة مما سبق: أن من تلفظ بالقذف وهو لا يدري معناه، فهو داخل في جملة الخطأ المعفو عنه.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم [194/ 3] يشترط لعدم إقامة الحد على نفي العبد عن أبيه وأمه ألا يكون أبواه حرين مسلمين. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص عبدًا بنفي النسب، وكان أبواه قد ماتا وهما محصنين، فهنا لا يسقط الحد عن القاذف. فما سبق من أنه لا حد على من قذف عبدًا ليس على إطلاقه، فإنه يشترط لسقوط الحد على قاذف العبد بنفي النسب ألا يكون أبوي العبد محصنين، فإن كانا كذلك لم يسقط الحد، ووجب الحد لهما. ويتبين مما سبق أمران: الأول: أن المسألة خاصة بالقذف بنفي النسب ¬
نحو "لست لأبيك"، أو "يا ابن الزانية"، أو يا ولد الزاني، ونحو ذلك، أما إن قذفه بغير نفي النسب، بأن قال له يا زان، فهذا غير داخل في المسألة. الثاني: أنه إن كان أحد أبويه مسلمًا والآخر كافرًا، أو أحدهما حر والآخر أمة فذلك غير مراد. الثالث: أن المسألة هي فيما إذا كان الأبوان ميتين، أما إن كانا أحياء فمسألة أخرى. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "لا خلاف بين السلف والخلف من العلماء فيمن نفى رجلًا عن أبيه وكانت أمه حرة مسلمة عفيفة أن عليه الحد ثمانين جلدة إن كان حرًا" (¬1). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "أما القذف الذي يجب به الحد فاتفقوا على وجهين: أحدهما: أن يرمي القاذف المقذوف بالزنا، والثاني: أن ينفيه عن نسبه إذا كانت أمه حرة مسلمة" (¬2). وقال الدسوقي (1230 هـ): " (لا حد على قاذف عبد) أي بزنا أو بنفي نسبه، إلا أن يكون أبواه حرين مسلمين، فيحد لهما اتفاقًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4) والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن من نفى نسب العبد إلى أمه أو أبيه فهو في الحقيقة قاذف للأم أو الأب، فإذا كانا محصنين بالحرية والإسلام فكأنه قذف شخصًا محصنًا، ووجب عليه حد القذف (¬6). ¬
الدليل الثاني: أن العبرة هي بإحصان المقذوف، والمقذوف هنا محصن، فوجب الحد (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن قاذف العبد بنفي نسبه لا حد عليه ولو كان أبواه محصنين. وهو قول الحنابلة (¬2). • دليل المخالف: الدليل الأول: أن القاذف لو قذف العبد نفسه لم يكن للعبد أن يطالب بالحد، فمن باب أولى ألا يطالب بالحد لغيره. الدليل الثاني: أن القاذف أراد قذف العبد، فالعبرة بإحصانه دون إحصان والديه (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنابلة، وكذا سبق أن ابن حزم في الأصل لا يرى الحد على نفي النسب (¬4). فلعل من حكى الإجماع أو الاتفاق في المسألة إما أنه أراد الاتفاق المذهبي وهو الظاهر في كلام الدسوقي، أو أنه وهِم في ذلك وهو الظاهر من كلام ابن عبد البر وابن رشد، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في إثبات القذف
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في إثبات القذف [195/ 3] الشهادة في الحال تسمع على القذف. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بما يوجب حد القذف، وثبت عليه ذلك بموجب شهادة الشهود، وكانت شهادتهم قد أُديت بعد فعل القذف بمدة أقل من شهر، فإنه على الإمام أن يسمع شهادتهم، ويقبلها. ويتبيَّن من ذلك أنه إن تقادمت الشهادة بأن أدُّوها بعد شهر أو أكثر فذلك غير مراد (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن الشهادة في الحال تسمع على القذف والزنا وشرب الخمر" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن الأصل قبول الشهادة حتى يرد الدليل على المنع، فإن أُديت الشهادة بعد وقوع الجريمة بزمن قليل فالأصل ¬
[196/ 3] العدد في الإقرار بالقذف ليس بشرط.
قبولها حتى يرد الدليل على المنع، وليس ثمة دليل يمنع من ذلك.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [196/ 3] العدد في الإقرار بالقذف ليس بشرط. • المراد بالمسألة: إذا أقر شخص على نفسه بقذف شخص بما يوجب الحد، فإنه إقراره معتبر، ويكفي أن يُقر مرة واحدة، ولا يشترط إقراره مرتين أو أربعًا. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "وأما العدد في الإقرار بالقذف فليس بشرط بالإجماع" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن القذف فيه حق متعلق بالمخلوق المقذوف، فهو كمن أقر على نفسه بحق مالي لآخر (¬6).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [197/ 3] إذا لم يتم الشهود أربعة في الزنا فعليهم حد القذف. • المراد بالمسألة: إذا شهد ثلاثة فأقل على شخص بالزنا، فيُقام عليهم حد القذف، حتى يأتوا بشاهد رابع، ولا يسقط عنهم الحد حتى لو لم يقصدوا القذف وإنما أرادوا الإدلاء بالشهادة. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن رشد الجد (520 هـ): "فإن شهد على معاينة الزنا أقل من أربعة شهود حُدُّوا ولم يعذروا بأنهم جاءوا على وجه الشهادة لا على وجه القذف، ولا اختلاف في هذا" (¬1). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أنه إذا لم يكمل شهود الزنا أربعة، فإنهم قذفة يحدون، إلا ما روي عن الشافعي في أحد قوليه: أنهم لا يحدون" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب الحد على القاذف حتى يأتي بأربعة شهداء، فإذا لم يأت بالأربعة فالحد واجب عليه (¬6). الدليل الثاني: أن عمر -رضي اللَّه عنه- جلد أبا بكرة -رضي اللَّه عنه-، وشبل بن معبد، ونافعًا، بقذف المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- (¬7) (¬8). الدليل الثالث: أنه لو لم يجب الحد بشهادة أقل من ثلاثة، لكان القذف بلفظ الشهادة طريقًا إلى القذف مع عدم الحد (¬9). • المخالفون للإجماع: هب بعض الفقهاء إلى التفريق بين القاذف والشاهد، فلا يُحد الشاهد بالزنا أبدًا سواء كان معه شهود أو لم يكن، فمن شهد على شخص بأنه زنى فإنه لا يكون قاذفًا، ولا يُقام عليه حد القذف، سواء أقام البيِّنة ¬
بشهود أو لا. وهو قول أبي ثور (¬1)، وقول للشافعية (¬2)، وبه قال الظاهرية (¬3). • دليل المخالف: استدل من أسقط الحد عن الشاهد بالزنا عموم الأدلة الدالة على حرمة دم المسلم ومن ذلك: أ - عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) متفق عليه (¬4). ب - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه) (¬5). • وجه الدلالة: الأحاديث دالة على أن الأصل في المسلم حرمة دمه، ولم يأت نص صريح يبيح جلد الشاهد، والحد إنما ورد في حق الرامي بالقذف لا في حق الشاهد (¬6).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن أبي ثور، والشافعية في قول، والظاهرية، وهذا موافق لما نقله ابن هبيرة، أما كلام ابن رشد فلعله لم يبلغه الخلاف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في عقوبة القذف
الفصل الرابع: مسائل الإجماع في عقوبة القذف [198/ 3] ثبوت حد القذف. • المراد بالمسألة: من الحدود التي قرَّرها الشرع حد القذف، فمن قذف محصنًا وجب عليه حد القذف، ومن أنكر هذا الحد فقد أنكر حدًا مجمعًا عليه بين أهل العلم. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "الأمة مجمعة على تسمية الجلد المأمور به في القذف حدًا" (¬1). وقال ابن تيمية (728 هـ): "ومن الحدود التي جاء بها الكتاب والسنة وأجمع عليها المسلمون حد القذف" (¬2). وقال البابرتي (786 هـ): "فهذا إجماع منهم على وجوب حد القذف" (¬3). وقال الحصني (829 هـ) (¬4): "إذا قذف البالغ العاقل المختار وهو مسلم أو ذمي أو مستأمن أو مرتد محصنًا ليس بوالد وجب عليه الحد للنص والإجماع" (¬5). ¬
[199/ 3] وجوب الحد على العبد إذا قذف الحر المحصن.
وقال الشوكاني (1250 هـ): "أجمع العلماء على ثبوت حد القذف" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع المالكية (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬3). • وجه الدلالة: الآية صريحة في ثبوت حد القذف. الدليل الثاني: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام حد القذف على مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش حين قذفوا عائشة رضي اللَّه عنها (¬4). الدليل الثالث: أن عمر -رضي اللَّه عنه- جلد أبا بكرة وشبل بن معبد، ونافعًا، بقذف المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- (¬5).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [199/ 3] وجوب الحد على العبد إذا قذف الحر المحصن. • المراد بالمسألة: العبد المملوك إذا قذف حرًا محصنًا فإنه يُقام على العبد حد القذف، والمراد هنا تقرير الإجماع على أن العبد يُحد بقذفه للحر، أما مقدار القذف فمسألة أخرى يأتي بيانها. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "أجمع أهل العلم على وجوب الحد على العبد إذا قذف الحر المحصن" (¬6)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة ¬
[200/ 47] حد القاذف ثمانون جلدة إذا كان حرا.
(682 هـ) (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬5). • وجه الدلالة: الآية عامة في حد كل من قذف محصنًا، ولم تستثن العبد من غيره (¬6).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [200/ 47] حد القاذف ثمانون جلدة إذا كان حرًا. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بما يوجب الحد، وكان القاذف حرًا، فإن الحد الواجب عليه هو ثمانون جلدة، سواء كان المقذوف رجلًا، أو امرأة. • من نقل الإجماع: قال الماوردي (450 هـ): "حد القذف بالزنا ثمانون جلدة، ورد النص بها وانعقد الإجماع عليها" (¬7). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن الحر العاقل البالغ المسلم غير المكره إذا قذف حرًا عاقلًا بالغًا مسلمًا عفيفًا لم يُحد قط في زنا، أو حرة بالغةً عاقلةً مسلمةً عفيفةً غير ملاعنةً لم تحد في زنا قط، بصريح الزنا، وكانا في غير دار ¬
الحرب، المقذوف أو المقذوفة، فطلب الطالب منهما القاذف هو بنفسه لا غير. . . أنه يلزمه ثمانون جلدة" (¬1)، ونقله عنه المطيعي (¬2). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفقوا على أنه ثمانون جلدة للقاذف الحر" (¬3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "قدر الحد ثمانون، إذا كان القاذف حرًا؛ للآية والإجماع" (¬4). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "وقد أجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف محصنًا وأن حده ثمانون إن كان حرًا" (¬5). وقال المرداوي (885 هـ): "ومن قذف محصنًا فعليه جلد ثمانين جلدة، إن كان القاذف حرًا، وأربعين إن كان عبدًا. . . وهو المذهب، ولا أعلم فيه خلافًا" (¬6). وقال الشوكاني (1250 هـ): "وأجمعوا أيضًا على أن حده [يعني القذف] ثمانون جلدة" (¬7). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬8). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬9). • وجه الدلالة: الآية صريحة بأن حد القذف ثمانون جلدة.Rالمسألة محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[201/ 3] لا يزاد على ثمانين جلدة في حد القذف.
[201/ 3] لا يزاد على ثمانين جلدة في حد القذف. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب حد القذف، فإن الحد الواجب في حقِّه ثمانون جلدة، ولا يجوز الزيادة على ذلك من باب الحد. ويتبيَّن مما سبق أن الزيادة إن كانت من باب التعزير فمسألة أخرى غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن لا مزيد في ذلك [يعني حد القذف] على ثمانين" (¬1). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن لا مزيد في الثمانين" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬7). • وجه الدلالة: الآية صريحة بأن حد القذف ثمانون جلدة، وهذا التحديد يدل على أنها مرادة بنفس ذلك العدد.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[202/ 3] توبة القاذف لا ترفع عنه الحد.
[202/ 3] توبة القاذف لا ترفع عنه الحد. [203/ 3] توبة القاذف تزيل عنه الفسق. • المراد بالمسألتين: إذا قذف شخص آخر بما يوجب حد القذف، فإنه يترتب على ذلك ثلاثة أمور: الأول: إقامة حد القذف عليه. الثاني: الحكم عليه بالفسق. الثالث: عدم قبول شهادته. فإن تاب من القذف فإن هذه التوبة يترتب عليها سقوط اسم الفسق عنه، أما الحد فإنه لا يسقط بتوبته، وبهذا يتبيَّن أن مسألة قبول شهادته من عدمها ليست مرادة هنا، وسيأتي ذكرها في مسألة مستقلة (¬1). • من نقل الإجماع: قال الماوردي (450 هـ): "فإن من قذف لم يسقط عنه بالتوبة الجلد باتفاق، وزال فسقه باتفاق" (¬2). وقال ابن العربي (543 هـ): "ولا خلاف في أن التوبة تسقط الفسق" (¬3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "فإن تاب لم يسقط عنه الحد، وزال الفسق، بلا خلاف" (¬4)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (628 هـ) (¬5). وقال ابن عطية (542 هـ) في آية حد القذف: "فتضمنت الآية ثلاثة أحكام في القاذف: جلده، ورد شهادته أبدًا، وفسقه، فالاستثناء غير عامل في جلده بإجماع، وعامل في فسقه بإجماع" (¬6). وقال القرطبي (671 هـ) في آية حد القذف: "فتضمنت الآية ثلاثة أحكام في القاذف: جلده، ورد شهادته أبدًا، وفسقه، فالاستثناء غير عامل في جلده بإجماع، إلا ما روى عن الشعبي على ما يأتي، وعامل في فسقه بإجماع" (¬7). ¬
وقال الثعالبي (875 هـ) في آية حد القذف: "ثم استثنى تعالى من تاب وأصلح من بعد القذف، فالاستثناء غير عامل في جلده بإجماع، وعامل في فسقه بإجماع" (¬1). وقال الشوكاني (1350 هـ) في آية حد القذف: "اتفاقهم على أنه لا يعود إلى جملة الجلد بل يجلد التائب كالمصر وبعد إجماعهم أيضًا على أن هذا الاستثناء يرجع إلى جملة الحكم بالفسق" (¬2). ويضاف إليها نقولات أهل العلم التي سبقت في أن التوبة لا ترفع الحد (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن القذف فيه حق لآدمي، وهو دفع العار عنه، فلا يزول حد الجلد بالتوبة، بخلاف رد شهادته فإنها مبنية على فسقه بالقذف، فإذا تاب زال عنه سبب فسقه (¬6). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الحدود تسقط بالتوبة، ولم يُفرِّقوا بين حد القذف وغيره، وهو قول الشعبي (¬7)، وبعض الشافعية كالماوردي، والروياني، والمحاملي (¬8)، وهو ظاهر اختيار ابن القيم من الحنابلة (¬9). • دليل المخالف: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا ¬
[204/ 3] القاذف إن أقيم عليه الحد ولم يتب من القذف فإنه تسقط شهادته.
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه استثنى ذكر عقوبات القاذف بالجلد ورد الشهادة والفسق، ثم استثنى من ذلك التائب، وهذا الاستثناء الأصل عوده إلى جميع ما سبق من العقوبات (¬2). الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) (¬3). • وجه الدلالة: فيه دلالة على أن التائب من الذنب مساوٍ لمن لا ذنب له، ويدخل في ذلك من تاب من الذنب الذي بموجبه وجب عليه الحد.Rثمة مسألتان: الأولى: أن توبة القاذف تزيل عنه اسم الفسق، فهذه فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف. الثانية: أن توبة القاذف تزيل عنه الحد، فهذه فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الشعبي، وبعض الشافعية، واللَّه تعالى أعلم. [204/ 3] القاذف إن أقيم عليه الحد ولم يتب من القذف فإنه تسقط شهادته. • المراد بالمسألة: إن ثبت على شخص حد القذف، وأقيم عليه الحد، ولم يتب من ذلك الفعل، فإن شهادته تكون مردودة لا تقبل. ويتبيَّن مما سبق أمران: الأول: أن القاذف إن ثبت عليه الحد لكنه لم يُقم عليه الحد، فمسألة غير مرادة. ¬
الثاني: القاذف إن أقيم عليه الحد، ثم تاب من القذف، فمسألة غير مرادة (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن القاذف ما لم يتب لا تقبل له شهادة" (¬2). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفقوا على أنه يجب على القاذف مع الحد سقوط شهادته ما لم يتب" (¬3). وقال ابن جزي (741 هـ): "وتسقط شهادة القاذف إذا حد اتفاقًا" (¬4). وقال ابن القيم (751 هـ): "القاذف إذا حد للقذف لم تقبل شهادته بعد ذلك، وهذا متفق عليه بين الأمة قبل التوبة" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬9). • وجه الدلالة: الآية صريحة بأن القاذف مردود الشهادة. الدليل الثاني: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- لما شهد عنده أبو بكرة -رضي اللَّه عنه- ونافع بن الحارث، وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- بالزنا، فحدَّهم حد القذف ثم قال لهم: "توبوا تقبل شهادتكم" (¬10). ¬
[205/ 3] إذا تاب القاذف قبلت شهادته.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [205/ 3] إذا تاب القاذف قبلت شهادته. • المراد بالمسألة: من ثبت عليه ما يوجب حد القذف، وأقيم عليه حد القذف، ثم تاب من بعد ذلك، فإن شهادته تكون مقبولة. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ) مستدلًا على قبول شهادة القاذف إن تاب: "إجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم؛ فإنه يُروى عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه كان يقول لأبي بكرة -رضي اللَّه عنه- حين شهد على المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه-: "تب، أقبل شهادتك"، ولم ينكر ذلك منكر، فكان إجماعًا" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر عن الذين يرمون المحصنات بعدم قبول شهادتهم، ثم استثنى من ذلك من تاب وأصلح، فدل على قبول شهادته بذلك، ¬
ولذا قال ابن عباس -رضي اللَّه عنه- في الآية: "فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب اللَّه تقبل" (¬1). الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)} (¬2). • وجه الدلالة: دلت الآية على أن التوبة توجب القبول والعفو، ومن قبلت توبته وعفي عن سيئته، فهو مقبول الشهادة (¬3). الدليل الثالث: أنه مروي عن جمع من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- منهم عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- لما شهد عنده أبو بكرة -رضي اللَّه عنه- ونافع بن الحارث، وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- بالزنا، فحدَّهم حد القذف ثم قال لهم: "توبوا تقبل شهادتكم" (¬4). وكذا ابن عباس -رضي اللَّه عنه-، كما هو مبيَّن في الدليل الأول. • وجه الدلالة: قال ابن القيم: "قد قبل شهادته بعد التوبة عمر وابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، ولا يعلم لهما في الصحابة -رضي اللَّه عنهم- مخالف" (¬5). الدليل الرابع: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) (¬6). • وجه الدلالة: عموم الحديث دل على أن من تاب من الذنب، فإنه يرجع ¬
حكمه كأنه لا ذنب له، وهو يدل على أن شهادته ترجع مقبولة كما كانت قبل الذنب (¬1). الدليل الخامس: أن ردَّ شهادة من وجب عليه الحد كان موجبه الفسق، وليس من الحد، وقد ارتفع الفسق بالتوبة، فرجع قبول شهادته (¬2). الدليل السادس: أن التائب من الزنا، أو قتل النفس التي حرم اللَّه، وغيرها من الذنوب التي هي أعظم من القذف تقبل شهادتهم، قبولها في التوبة من القذف من باب أولى (¬3). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: لا تُقبل شهادة المحدود في القذف. وهو مذهب الحنفية (¬4)، وبه قال شريح القاضي، وإبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان، ومعاوية بن قرة (¬5)، ومكحول (¬6)، والأوزاعي، والحسن بن حي (¬7). ¬
القول الثاني: ذهب المالكية في الرواية المشهورة إلى عدم قبول شهادة المحدود فيما حد فيه، ولو تاب، وتقبل في غير ذلك (¬1). • أدلة المخالفين: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نهى عن قبول شهادة المحدود في القذف، وجعل ذلك النهي مؤبدًا (¬3). الدليل الثاني: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- في قصة هلال بن أمية -رضي اللَّه عنه- حين قذف امرأته فقالت الأنصار: "الآن يضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هلال بن أمية، ويبطل شهادته في المسلمين" (¬4). • وجه الدلالة: أن الصحابة من الأنصار رضوان اللَّه عنهم قد تقرَّر عندهم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إن أقام الحد على هلال بن أمية -رضي اللَّه عنه- فإن شهادته ستكون باطلة بموجب الحد الذي أقيم عليه. ¬
[206/ 3] من أقر على نفسه بالكذب فيما قذف به غيره وتاب من ذلك فقد تاب.
الدليل الثالث: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا محدود في الإسلام، ولا محدودة، ولا ذي غمر على أخيه) (¬1). واستدل المالكية على عدم قبول شهادة المحدود فيما حد فيه، ولو تاب بما يلي: الدليل الأول: أنها استرابة تقتضي الدفع عن الشهادة؛ لقوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} (¬2) (¬3). الدليل الثاني: عن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "ود السارق أن يكون الناس سراقًا، وود الزاني أن يكون الناس زناة"، وإنما كان كذلك لينفي المعرفة عن نفسه بمشاركة غيره (¬4).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لوجود خلاف الأوزاعي، والحسن بن حي، والحنفية، والمالكية. وما نقله ابن قدامة من إجماع الصحابة فهو من قبيل الإجماع السكوتي، واللَّه تعالى أعلم. [206/ 3] من أقر على نفسه بالكذب فيما قذف به غيره وتاب من ذلك فقد تاب. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب حد القذف، فإن توبته من ذلك الحد يكون بأمرين: الأول: أن يتوب من القذف. الثاني: هو أن يُكذِّب نفسه، بأن قذفه كان كذبًا. ¬
والمراد هنا بيان طريق التوبة من القذف، أما التوبة التي تُقبل بها الشهادة وهل يشترط معها إصلاح العمل فمسألة أخرى. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أنه إن أقر على نفسه بالكذب، وتاب من ذلك، أنه قد تاب" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬2)، والشافعية في قول (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى سمى القاذف كاذبًا إذا لم يأت بأربعة شهداء، فتكذيب الصادق نفسه يرجع إلى أنه كاذب في حكم اللَّه، وإن كان في نفس الأمر صادقًا (¬6). الدليل الثاني: أن القاذف عرَّض المقذوف إلى تلويث عِرضه، وتعريضه للعار، وتكذيبه لنفسه يزيل ذلك التلويث، فتكون التوبة به (¬7). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على ثلاثة أقوال: القول الأول: التوبة هي أن يتوب من القذف بالاستغفار وإصلاح الحال، سواء أكذب نفسه أو لا. ¬
وهو قول المالكية (¬1)، واختاره ابن جرير الطبري (¬2). القول الثاني: إن كان كاذبًا في قذفه فتوبته إكذاب نفسه، بأن يقول قذفي باطل، أو أنا كاذب في قذفي، ونحو ذلك، أما إن كان صادقًا فتوبته أن يقول: القذف باطل وحرام، ولن أعود إلى ما قلت، ولا يؤمر بإكذاب نفسه حينئذٍ. وهو قول الشافعية (¬3)، وقول للحنابلة اختاره الموفق ابن قدامة، والمرداوي (¬4). القول الثالث: أن القذف إن كان سبًا بأن صدر من الشخص قذف لغيره فالتوبة منه إن يُكذِّب نفسه، أما إن كان عن طريق الشهادة فالتوبة منه أن يقول: القذف باطل وحرام ولن أعود إلى ما قلت. وهو وجه عند الحنابلة قال به أبو يعلى القاضي (¬5). • دليل المخالف: أما المالكية القائلين بأن توبته هي إصلاح حالة فاستدلوا بظاهر الآية في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (¬6). • وجه الدلالة: الآية عامة في التوبة، ولم تبيَّن طريقة التوبة بتكذيب النفس ¬
[207/ 3] العبد القاذف للحر يلزمه أربعون جلدة.
أو عدمه، فمن تاب توبة ظاهرة، وصلح حاله فقد حقق التوبة المرادة في الآية. وأما أصحاب القول الثاني القائلين بأن القاذف إن كان كاذبًا: فتوبته تكذيب نفسه، وإن كان صادقًا: فتوبته القول ببطلان القذف وحُرمته وعدم عودته لذلك فاستدلوا عليه بأن القاذف قد يكون صادقًا في قذفه، فتكذيبه لنفسه أمر له بالكذب، وهذا ممنوع شرعًا. وأما الذين فرَّقوا بين الشهادة بالقذف، والشتم بالقذف فلأن الشتم أشد فكانت توبته تكذيب نفسه (¬1).Rالمسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن المالكية، والشافعية، وبعض الحنابلة، ولعل ابن حزم حينما نقل الإجماع اعتبر رأي الأكثر في رأيه لذلك عبر بلفظ: (اتفقوا)، واللَّه تعالى أعلم. [207/ 3] العبد القاذف للحر يلزمه أربعون جلدة. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على عبد مملوك ما يوجب حد القذف، فإن الحد الواجب في حقه أربعون جلدة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن القاذف غير الحر كما ذكرنا يلزمه أربعون جلدة" (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "إن كان القاذف عبدًا أو أمةً جلد أربعين. . . للإجماع المنقول عن الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬3). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن العبد القاذف للحر يلزمه أربعون جلدة" (¬4). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "وإن كان القاذف عبدًا فحده أربعون جلدة. . . للإجماع المنقول عن الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬5). ¬
وقال المرداوي (885 هـ): "ومن قذف محصنًا فعليه جلد ثمانين جلدة، إن كان القاذف حرًا، وأربعين إن كان عبدًا. . . وهو المذهب، ولا أعلم فيه خلافًا" (¬1). وقال زكريا الأنصاري (926 هـ): "ويُحد من فيه رق، ولو مبعضًا أو أم ولد، أربعين جلدة، على النصف من الحر؛ لإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬2). وقال ابن حجر الهيتمي (974): "والرقيق ولو مبعضًا، ومكاتبًا، وأم ولده، حدُّه أربعون جلدة إجماعًا" (¬3). وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "والرقيق القاذف، والمكاتب، والمدبر، وأم الولد، والمبعض، حد كل منهم أربعون جلدة، على النصف من الحر، بالإجماع" (¬4). وقال الرملي (1004 هـ): "والرقيق ولو مكاتبًا، ومبعضًا، حده أربعون جلدة إجماعًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬8). • وجه الدلالة: الآية نص أن عقوبة الأمة نصف الحرة، فيقاس عليها عقوبة العبد (¬9). الدليل الثاني: أنه فعل الصحابة رضي اللَّه عنهم، فعن عبد اللَّه بن عامر بن ¬
ربيعة (¬1) قال: "لقد أدركت أبا بكر وعمر وعثمان رضي اللَّه عنهم، ومن بعدهم من الخلفاء، فلم أرهم يضربون المملوك في القذف إلا أربعين" (¬2). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض أهل العلم إلى أن العبد حدّه في القذف ثمانون جلدة. وهو قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وعمر بن عبد العزيز (¬3)، والليث، والزهري، والأوزاعي (¬4)، وبه قال الظاهرية في حق العبيد (¬5)، وإليه يميل الصنعاني (¬6). دليل المخالف: استدل من أوجب على العبد في القذف ثمانين جلدة ¬
[208/ 3] قاذف الفاسق يلزمه الحد كقاذف الفاضل ولا فرق.
بعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1). • وجه الدلالة: عموم الآية حيث أوجبت الحد ثمانون جلدة، ولم تفرِّق بين الحر والعبد (¬2).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ ولا بين الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم؛ لثبوت الخلاف عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وبعض السلف، والظاهرية في العبيد. وقد نص على الخلاف غير واحد من أهل العلم منهم ابن رشد الحفيد حيث قال: "اختلفوا في العبد يقذِف الحر كم حده" (¬3)، وإنما هو قول أكثر أهل العلم كما حرَّره ابن قدامة بقوله: "أجمع أهل العلم على وجوب الحد على العبد إذا قذف الحر المحصن. . . وحده أربعون في قول أكثر أهل العلم" (¬4)، إلا أنه نسب الإجماع للصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وهو مُتعقب كما سبق. وممن حرَّر المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في حد القذف: "هو ثمانون جلدة إن كان القاذف حرًا، وأربعون إن كان رقيقًا عند الأئمة الأربعة" (¬5)، واللَّه تعالى أعلم. [208/ 3] قاذف الفاسق يلزمه الحد كقاذف الفاضل ولا فرق. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الفسق: الفسق لغة: أصل الفِسق -بكسر الفاء- في كلام العرب بمعنى الخروج، يقال: فسقت الرطبة: إذا خرجت من ¬
قشرها، ومنه: سميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها (¬1). وكل معصية للَّه تعالى بفعل محظور، أو ترك مأمور فإنه يطلق عليه الفسق، قال الزبيدي: "والفسق يقع بالقَليل من الذنوب وبالكثير، ولكن تعورف فيما إذا كان بكَثيره" (¬2). وقد حكى ابن فارس عن بعض أهل اللغة أنه لم يسمعْ قَطُّ في كلامِ الجاهلية أو شِعرهم لفظ فاسِقٌ في وصف الإنسان، وإنّما قالوا إذا خرجت الرطَبَة من قشرِها: فسَقَت الرُطَبَةُ عن قِشْرِها. ثم تعجَّب من ذلك أن تكون كلمة عربية لم تأتِ في شِعْر جاهليٍّ (¬3). والفسق في الاصطلاح: هو الخروج عن طاعة اللَّه تعالى، قال القرطبي: "الفسق في عرف الاستعمال الشرعي: الخروج من طاعة اللَّه عز وجل، فقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان" (¬4). ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (¬5)، أي خرج عن أمر ربه وطاعته (¬6). إلا أن الفقهاء يعبِّرون بلفظ الفاسق على من جاهر بمعصية حرَّمها اللَّه، إما ¬
بإتيان كبيرة، أو بإصرار على صغيرة، أما مطلق الذنب فلا يُعتر فسقًا؛ لأنه ليس أحد يسلم من ذلك (¬1). ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد القذف، وكان المقذوف فاسقًا، فإنه يقام حد القذف على القاذف، ولا فرق بين أن يكون المقذوف فاسقًا، أو عدلًا فاضلًا. وينبَّه هنا إلى أنه يستثنى من المسألة إن كان فسق المقذوف سببه أنه زنى وأقيم عليه الحد في ذلك، ثم قذف القاذف في ذلك الأمر، فهذا غير مراد، كما سبق بيانه (¬2). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف في أن قاذف الفاسق يلزمه الحد، كقاذف الفاضل، ولا فرق" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن المقصود من حد القذف دفع العار بما قُذف به، وتكذيب القاذف، والمقذوف إن كان عفيفًا عن الزنا، فإنه يلحقه ¬
[209/ 3] قاذف النبي صلى الله عليه وسلم يجب قتله.
العار بالقذف، ولو كان فاسقًا، فيحتاج إلى دفع العار عنه وتكذيب القاذف (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [209/ 3] قاذف النبي صلى اللَّه عليه وسلم يجب قتله. • المراد بالمسألة: لو أن مسلمًا سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقذفه، فإن على الإمام أن يقتله، سواء تاب من القذف، أو لم يتب، وكذا الذمي، والمعاهد، إذا قذف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يسلم. ويتبين مما سبق أمور ثلاثة: الأول: لو كان القاذف للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حربيًا، فذلك غير مراد. الثاني: لو كان القذف من ذمي أو معاهد لكنه أسلم بعد سبه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذلك غير مراد في مسألة الباب. الثالث: المسألة هي في قتله، أما في الحكم بكفره من عدمه فمسألة أخرى يأتي بيانها (¬2). • من نقل الإجماع: قال ابن القاسم (191 هـ) (¬3): "من سبه، أو شتمه، أو عابه، أو تنقصه، فإنه يقتل، وحكمه عند الأمة: القتل"، نقله عنه القاضي عياض (¬4). وقال محمد بن سحنون (256 هـ) (¬5): "أجمع العلماء على أن شاتم ¬
النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والمتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب اللَّه له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر"، نقله عنه القاضي عياض (¬1) وشيخ الإسلام ابن تيمية (¬2). وحكى الإجماع على ذلك أبو بكر الفارسي (305 هـ) (¬3) حيث نقله عنه ابن تيمية (728 هـ) فقال: "وقد حكى أبو بكر الفارسي -من أصحاب الشافعي- إجماع المسلمين على أن حد من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- القتل، كما أن حد من سب غيره الجلد، وهذا الإجماع الذي حكاه هذا محمول على إجماع الصدر الأول من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، والتابعين، أو أنه أراد به إجماعهم على أن ساب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يجب قتله إذا كان مسلمًا" (¬4) نقله عن أبي بكر الفارسي ابن حجر (¬5)، والمطيعي (¬6) والشوكاني (¬7). وقال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له القتل"، نقله عنه القرطبي (¬8)، وابن حجر (¬9)، وأبو الطيب (¬10)، والشوكاني (¬11). وقال الخطابي (388 هـ): "لا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في وجوب قتله" (¬12) ونقله عنه القاضي ¬
عياض (¬1) وابن تيمية (¬2) وابن حجر (¬3)، والمطيعي (¬4). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "روي عن ابن عمر أنه قيل له في راهب سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "لو سمعته لقتلته" ولا مخالف له من الصحابة علمته" (¬5). وقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه" (¬6). وقال ابن تيمية (728 هـ): "أذى الرسول من أعظم المحرمات؛ فإن من آذاه فقد آذى اللَّه، وقتل سابه واجب باتفاق الأمة" (¬7). وقال ابن القيم (751 هـ) لما ذكر جملة من الأدلة على قتل من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وفي ذلك بضعة عشر حديثًا ما بين صحاح وحسان ومشاهير وهو إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬8). وهذه النقولات وإن كان بعضها لم ينص على القذف وإنما هي في مطلق السب والشتم والتنقُّص للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أن القذف يدخل في ذلك من باب الأولوية، فإن القذف أشد من مطلق السب، ولذا جعل اللَّه تعالى له حدًا، دون غيره من أنواع السب فجعل له الشرع التعزير. • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- "أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتشتمه، فأخذ المغول (¬9) فوضعه في ¬
بطنها، واتكأ عليها، فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذُكر ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجمع الناس فقال: (أنشد اللَّه رجلًا فعل ما فعل، لي عليه حق إلا قام) فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنْهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المِغول، فوضعته في بطنها، واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألا اشهدوا أن دمها هدر) (¬1). الدليل الثاني: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بقتل كعب بن الأشرف (¬2)؛ وعلَّل ذلك بأذيِّته للَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما في الصحيحين من حديث جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من لكعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى اللَّه ورسوله)؟ فقال محمد بن ¬
مسلمة (¬1): يا رسول اللَّه أتحب أن أقتله، قال: (نعم)، قال: ائذن لي فلْأقل، قال: (قل)، فأتاه فقال له -وذكر ما بينهما- وقال: إن هذا الرجل قد أراد صدقة، وقد عنانا، فلما سمعه قال: وأيضًا واللَّه لتملنه، قال: إنا قد اتبعناه الآن، ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره، قال: وقد أردت أن تسلفني سلفًا، قال: فما ترهنني، قال: ما تريد، قال: ترهنني نساءكم، قال: أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا؟ قال له: ترهنوني أولادكم، قال: يُسب ابن أحدنا فيقال رُهن في وسقين من تمر، ولكن نرهنك اللْأمة -يعني السلاح-، قال: فنعم، وواعده أن يأتيه بالحارث (¬2)، وأبي عبس بن جبر (¬3)، وعباد بن ¬
بشر (¬1)، قال: فجاءوا فدعوه ليلًا، فنزل إليهم، قالت له امرأته: إني لأسمع صوتًا كأنه صوت دم، قال: إنما هذا محمد بن مسلمة، ورضيعه وأبو نائلة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلًا لأجاب، قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه، فإذا استمكنت منه فدونكم، قال: فلما نزل نزل وهو متوشح (¬2)، فقالوا: نجد منك ريح الطيب، قال: نعم، تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب، قال: فتأذن لي أن أشُمَّ منه، قال: نعم فشُم، فتناول فشَم ثم قال: أتأذن لي أن أعود، قال: فاستمكن من رأسه ثم قال: دونكم، قال: فقتلوه" متفق عليه (¬3). الدليل الثالث: عن علي -رضي اللَّه عنه-: "أن يهودية كانت تشتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دمها" (¬4). ¬
• وجه الدلالة: قال ابن تيمية: "فرتَّب علي -رضي اللَّه عنه- إبطال الدم على الشتم بحرف الفاء، فعلم أنه هو الموجب لإبطال دمها؛ لأن تعليق الحكم بالوصف المناسب بحرف الفاء يدل على العلِّية" (¬1). الدليل الرابع: أنه المروي عن جماعة من الصحابة رضي اللَّه عنهم، فمن ذلك: أ - عن أبي برزة -رضي اللَّه عنه- (¬2) قال: "أتيت على أبي بكر -رضي اللَّه عنه- وقد أغلظ الرجل، فرد عليه، فقلت: ألا أضرب عنقه؟ فانتهرني، فقال: إنها ليست لأحد بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬3). • وجه الدلالة: أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- أخبر أنه لا يجوز قتل الرجل الذي رد عليه، وأخبر أن هذا لا يكون إلا في حق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ب- عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه أَصْلت (¬4) على راهب سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالسيف، وقال: "إنا لم نصالحكم على شتم نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬5). ¬
والأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة، قال ابن القيم: "وفي ذلك بضعة عشر حديثًا، ما بين صحاح، وحسان، ومشاهير، وهو إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الذمي إن سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فإنه لا ينتقض عهده، ولا يقتل، ولكن يعزر. وهو قول أبي ثور، وبه قال الحنفية (¬2). • دليل المخالف: الدليل الأول: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أناس من اليهود فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، قال: وعليكم، قالت عائشة: قلت: بل عليكم السام والذام، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يا عائشة، لا تكوني فاحشة) فقالت: ما سمعتَ ما قالوا؟ فقال: (أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلت: وعليكم) متفق عليه (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علم أن اليهود قد سبوه في السلام، ومع ذلك اكتفى بالرد عليهم، ولم يحكم بقتلهم. الدليل الثاني: أن سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كُفر من الذمي، كما هو ردة من المسلم، والكفر المقارن لعقد الذمة لا يمنع عقد الذمة في الابتداء، فالكفر الطارئ لا يرفعه في حال البقاء بطريق أولى (¬4).Rالمسألة فيما يظهر على قسمين: القسم الأول: المسلم إذا سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقذف فإنه يقتل بإجماع أهل العلم. ¬
[210/ 3] قاذف النبي صلى الله عليه وسلم كافر.
القسم الثاني: الذمي إذا سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقذف فإن الذي عليه الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم قتل من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منهم، ثم حصل خلاف بعد ذلك، وأكثر أهل العلم على قتله، وقد حرر هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "وتحرير القول فيه: أن الساب إن كان مسلمًا فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف. . . وإن كان ذميًا فإنه يقتل أيضًا في مذهب مالك وأهل المدينة. . . وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث" (¬1)، واللَّه تعالى أعلم. [210/ 3] قاذف النبي صلى اللَّه عليه وسلم كافر. • المراد بالمسألة: المسلم إذا قذف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالزنا فإنه يحكم بكفره إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، ويكون مرتدًا عن الإسلام. • من نقل الإجماع: قال إسحاق بن راهويه (238 هـ): "أجمع المسلمون على أن من سب اللَّه عز وجل، أو سب رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو دفع شيئًا مما أنزل اللَّه تعالى، أو قتل نبيًا من أنبياء اللَّه تعالى، أنه كافر بذلك، وإن كان مقرًا بكل ما أنزل اللَّه" (¬2). وقال محمد بن سحنون (256 هـ): "أجمع العلماء على أن شاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والمتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب اللَّه له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر"، نقله عنه القاضي عياض (¬3) وشيخ الإسلام ابن تيمية (¬4). وقال أبو بكر الفارسي (305 هـ): "من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء"، نقله عنه ابن حجر (¬5). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "الساب إن كان مسلمًا فإنه يكفر، ¬
[211/ 3] من قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه كفر.
ويقتل، بغير خلاف" (¬1). وهذه النقولات وإن كان بعضها لم ينص على القذف وإنما هي في مطلق السب، إلا أن القذف يدخل في ذلك من باب الأولوية. • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع في المسألة إلى الأدلة التي ذُكرت في المسألة السابقة، فإنه إنما أبيح قتل قاذف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لكفره.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [211/ 3] من قذف عائشة رضي اللَّه عنها بما برأها اللَّه منه كفر. • المراد بالمسألة: مما هو مُقرَّر أن عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنها زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رميت بالزنا في حياتها، حتى برَّأها اللَّه تعالى من ذلك في كتابه، فمن رمى عائشة بالزنا بعد نزول هذه الآيات، أو شك في براءتها من الزنا فإنه كافر. ويتبين مما سبق أن من سب عائشة بغير القذف بالزنا، أو قذف أحدًا من نساء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غير عائشة، فكل ذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "براءة عائشة رضي اللَّه عنها من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز، فلو تشكك فيها إنسان -والعياذ باللَّهِ- صار كافرًا مرتدًا بإجماع المسلمين" (¬3). وقال ابن تيمية (728 هـ): "قال القاضي أبو يعلى: من قذف عائشة بما برأها اللَّه منه كفر بلا خلاف، وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد، وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم" (¬4). ¬
وقال ابن كثير (774 هـ): "وقد أجمع العلماء، رحمهم اللَّه، قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية، فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن" (¬1). وقال الزركشي (794 هـ): "الطاعن في عائشة رضي اللَّه عنها بالقذف كافر إجماعًا" (¬2). وقال العراقي (806 هـ): "براءة عائشة رضي اللَّه عنها من الإفك براءة قطعية بنص القرآن، فلو شك فيها إنسان -والعياذ باللَّه تعالى- صار كافرًا، مرتدًا، بإجماع المسلمين" (¬3). وقال الحجاوي (960 هـ): "من قذف عائشة رضي اللَّه عنها بما برأها اللَّه منه: كفَر بلا خلاف" (¬4). وقال البهوتي (1051 هـ): "قذف عائشة رضي اللَّه عنها بما برأها اللَّه منه كفر بلا خلاف" (¬5). وقال الرحيباني (1243 هـ): "قذف عائشة رضي اللَّه عنها بما برأها اللَّه منه كفر بلا خلاف" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، وابن حزم (¬9). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي ¬
تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)} (¬1). • وجه الدلالة: القرآن صرح ببراءة أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها، ونهى عن قذفها في قوله تعالى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} أي أن تعودوا لقذف عائشة رضي اللَّه عنها، كما قرَّره أهل التفسير (¬2)، فمن شك في براءتها أو أنكر ذلك فقد شك في القرآن. الدليل الثاني: قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل الخبيثات للخبيثين، والطيبات للطيبين، فإن كانت عائشة زانية فهي خبيثة، ويقتضي ذلك أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خبيثًا -والعياذ باللَّه-، وذلك كفر (¬4). الدليل الثالث: ما ثبت في السنة من قصة الإفك وبراءة عائشة رضي اللَّه ¬
عنها مما رميت به في حديث طويل ولفظ مسلم: أن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- معه، قالت عائشة فاقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذلك بعد ما أنزل الحجاب، فانا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا، حتى إذا فرغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من غزوه وقفل (¬1)، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمتُ حين آذنوا بالرحيل، فمشيتُ حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرجل، فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار (¬2) قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافًا لم يهبلن (¬3) ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام (¬4)، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه، ورفعوه، وكنت ¬
جارية حديثة السنن, فبعثوا الجمل وساروا، ووجدتُ عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني (¬1) قد عرس (¬2) من وراء الجيش، فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يُضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، وواللَّه ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته، فوطن على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة (¬3)، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد اللَّه بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرًا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيسلم ثم يقول كيف تيكم، فذاك يريبني، ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع -وهو متبرزنا- ولا نخرج إلا ليلًا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا، وأمْرُنا أمر العرب الأول في التنزه، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح -وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب- فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قِبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلتِ، أتسبين رجلًا قد شهد بدرًا، قالت: أي هنتاه، أوَلم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضًا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي، فدخل علي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسلم، ثم قال: كيف تيكم؟ قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي، قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجئت أبوي فقلت لأمي يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ فقالت: يا بنية هوني عليك، فواللَّه لقلَّما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثَّرن عليها. قالت: قلت: سبحان اللَّه، وقد تحدث الناس بهذا؟ ! قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، ودعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال يا رسول اللَّه: هم أهلك ولا نعلم إلا خيرًا، وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق اللَّه عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول اللَّه
-صلى اللَّه عليه وسلم- بريرة (¬1)، فقال: (أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة) قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرًا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله، قالت: فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على المنبر فاستعذر من عبد اللَّه بن أبي ابن سلول، قالت: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو على المنبر: (يا معشر المسلمين: من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي، فواللَّه ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي) فقام سعد بن معاذ الأنصاري (¬2) فقال: أنا أعذرك منه يا رسول اللَّه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج وكان رجلًا صالحًا، ولكن اجتملته الحمية-، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر اللَّه لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير (¬3) وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال: لسعد بن عبادة كذبت، لعمر اللَّه ¬
لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيَّان الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائم على المنبر، فلم يزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخفِّضهم حتى سكتوا، وسكت، قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي، قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فتشهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين جلس، ثم قال: (أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللَّه، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري اللَّه وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب اللَّه عليه). قالت: فلما قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما قال، فقال: واللَّه ما أدري ما أقول لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: واللَّه ما أدري ما أقول لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت -وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن-: إني واللَّه لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به، فإن قلت لكم إني بريئة واللَّه يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر واللَّه يعلم أني بريئة لتصدقونني، كأني واللَّه ما أجد لي ولكم مثلًا إلا كما قال أبو يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (¬1)، قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا واللَّه حينئذ أعلم أني بريئة، وأن اللَّه مبرئي ببراءتي، ولكن واللَّه ما كنت أظن أن ينزل ¬
في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول اللَّه على في النوم رؤيا يبرئني اللَّه بها, قالت: فواللَّه ما رام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ على نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء (¬1) عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشات، من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سُري عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: (أبشري يا عائشة أما اللَّه فقد برأك) فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: واللَّه لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا اللَّه، هو الذي أنزل براءتي، قالت: فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}، عشر آيات فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هؤلاء الآيات براءتي. . . " الحديث متفق عليه (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. وقبل ختام المسألة ثمة تنبيهان: الأول: بعض أهل العلم كابن العربي حكى عن الشافعية قولًا حاصله أن من قذف عائشة رضي اللَّه عنها بالزنا فإنه لا يكفر، وهذا فيه نظر، وإنما الذي حكاه بعض الشافعية قولان هما في مسألة من سب عائشة رضي اللَّه عنها, لا في مسألة القذف، وثمة فرق بين القذف والسب (¬3). الثاني: لم أعتبر الخلاف الصادر من أهل البدع، فإن الشيعة يرون قذف ¬
عائشة بالزنا، بل يرون كفرها -عياذًا باللَّه- إلا أني لم أعتبره قولًا، لكونه مذهبًا لا يُعتد به في الخلاف، لا سيما فيما يتعلق في باب العقائد، واللَّه تعالى أعلم (¬1). ¬
الفصل الخامس مسائل الإجماع في إقامة حد القذف
الفصل الخامس مسائل الإجماع في إقامة حد القذف [212/ 3] للمقذوف طلب ما يجب له من الحد على القاذف. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، وكان المقذوف عفيفًا عن الزنا، فإن المقذوف له المطالبة بحقه من القاذف، لإقامة الحد عليه بموجب قذفه. ويتبيَّن مما سبق أن المقذوف إن كان يعلم من نفسه أنه زان، وأن القاذف قذفه بذلك الزنا الذي لم يُقم عليه فيه حد، فحقُّه في طلب القذف حينئذ غير مراد (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن للمقذوف طلب ما يجب له الحد من القاذف" (¬2). وقال ابن القطان (628 هـ): "وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن للمقذوف طلب ما يجب له من الحد على القاذف" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬7). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب على القاذف الحد إذا لم يأت ببينة، وهو يدل على أن للمقذوف حقًا شرعيا بإقامة الحد على قاذفه. ¬
[213/ 3] لا يقام حد القذف إلا بطلب المقذوف.
• الدليل الثاني: أن المقذوف قد أصيب بالعار بسبب القذف، فكان له الحق في مطالبة القاذف لدفع العار عن نفسه (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [213/ 3] لا يقام حد القذف إلا بطلب المقذوف. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، فإنه ليس للإمام أن يقيم حد القذف إلا إذا طالب المقذوف بذلك، ورفع أمره للإمام. أما مسألة إن مات المقذوف فهل يسقط الحد، أو ينتقل الحق لورثته في المطالبة، فهي مسألة خلافية غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن العربي (543 هـ): "وحد القذف لا يقيمه الإمام إلا بعد المطالبة إجماعا" (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "يعتبر لإقامة الحد بعد تمام القذف بشروطه شرطان: أحدهما: مطالبة المقذوف. . . ولا نعلم خلافًا في هذا" (¬3). وقال القرطبي (671 هـ): "ولا تجوز إقامة حد القذف بإجماع من الأمة إلا بعد المطالبة بإقامته" (¬4). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "يشترط لإقامة الحد على القاذف شرطان: أحدهما: مطالبة المقذوف. . . ولا نعلم في هذا كله خلافًا" (¬5). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "وهذا الحد يستحقه المقذوف، ¬
فلا يستوفى إلا بطلبه، باتفاق الفقهاء" (¬1) ونقله عنه البهوتي (¬2) والرحيباني (¬3) وابن قاسم (¬4). وقال ابن الهمام (861 هـ): "أما اشتراط مطالبة المقذوف فبإجماع" (¬5). وقال ابن حجر الهيتيمي (973 هـ) في معرض كلامه على أن حد القذف تعلق به حق للَّه وحق للآدمي ثم قال: "وإن غَلَب حق الأدمي في توقف استيفائه على طلبه اتفاقًا" (¬6). وقال الرملي (1004 هـ) في معرض كلامه على أن حد القذف تعلق به حق للَّه وحق للآدمي: "وإن غَلَب حق الآدمي في توقف استيفائه على طلبه بالاتفاق" (¬7). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن في القذف حق للآدمي بدفع العار عن نفسه، فلا يستوفى قبل طلبه، كسائر حقوقه (¬8). الدليل الثاني: أن القاذف قد يكون صادقًا في قوله، فإعراض المقذوف عن طلب حد القذف قد يكون لصدق القاذف (¬9). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن القاذف يحده الإمام وإن لم يطالب المقذوف بالحد. وبه قال ابن أبي ليلى (¬10)، والظاهرية (¬11). • دليل المخالف: استدل القائلون باستيفاء حد القذف ولو لم يطلب المقذوف ذلك بما يلي: الدليل الأول: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- جلد أبا بكرة -رضي اللَّه عنه-، ونافعًا، وشبل بن معبد، حين رآهم قذفة، ولم يشاور في ذلك المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه-. ¬
[214/ 3] من قذف جماعة بكلام مفترق أو بكلام واحد فعليه حد واحد للجميع.
• الدليل الثاني: أن حد القذف كغيره من الحدود التي لا يشترط فيها مطالبة المجني عليه فيها، فالسرقة لا يشترط فيها مطالبة المسروق منه بالحد، والزنا لا يشترط مطالبة المزني بها بالحد، وكذا سائر الحدود التي من جملتها حد القذف (¬1).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن ابن أبي ليلى، والظاهرية. ولعل من نقل الإجماع جعل الخلاف من قبيل الشاذ، واللَّه تعالى أعلم. [214/ 3] من قذف جماعة بكلام مفترق أو بكلام واحد فعليه حد واحد للجميع. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص جماعة من الناس، فعليه حد واحد فقط لجميع ذلك القذف، وهذا على حالين: الحال الأولى: أن يقذفهم بكلام واحد، كان يقول لأشخاص مجتمعين: كلكم زناة، أو يا زناة، ونحو ذلك. الحال الثانية: أن يقذفهم بكلام متفرق، كان يقول لكل شخص منهم أنت زان، أو يا زان. ففي كلا الحالتين لا يلزم القاذف إلا حد واحد، بشرط ألا يكون القذف لبلد معيَّن، أو لجماعة لا يتصور زناهم عادة، أو لزوجاته، وأن لا يكون تكرار القذف بعد إقامة الحد عليه. فلو قذف جماعة يتصور زناهم غير أهل بلد وغير زوجاته، ثم طالب أحدُ المقذوفين بحقه، وأقيم على القاذف الحد بموجب ذلك، ثم جاء مقذوفٌ آخر وطالب بحقِّه فلا يُقام الحد مرة ثانية على القاذف. ويتبين مما سبق استثناء أربع مسائل: الأولى: أنه لو قذف شخصًا ثم أقيم عليه الحد، ثم قذف شخصًا آخر فالمسألة غير مرادة. الثانية: لو قذف شخصًا ¬
واحدًا أكثر من مرة، سواء قذفه بزنا واحد أو بأكثر من زنا، فهي مسألة غير مرادة (¬1). الثالثة: لو قذف أهل بلد، أو قذف جماعة لا يتصور الزنا من جميعهم عادة، فالمسألة غير مرادة (¬2). الرابعة: لو قذف نساءه اللاتي في عصمته بكلام واحد أو متفرق، فطالبوا بالحد، فالمسألة غير مرادة (¬3). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من قذف جماعة بكلام متفرق أو بكلام واحد أن حدًا واحدًا قد لزمه" (¬4). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن من قذف جماعة بكلام مفترق أو كلام واحد أن حدًا واحدًا يلزمه" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة في رواية (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬9). • وجه الدلالة: عموم الآية حيث دلت على أن القاذف عليه ثمانين جلدة على فعله للقذف، ولم تُفرق بين أن يكون المقذوف واحدًا أو جماعة (¬10). الدليل الثاني: أن من قذف المحصنة فإنه في الحقيقة قاذف لها ولمن زنى بها، ومع ذلك لم يوجب اللَّه تعالى عليه إلا حدًا واحدًا (¬11). ¬
الدليل الثالث: أن الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- قذفوه بامرأة، ولم يحدهم عمر -رضي اللَّه عنه- إلا حدًا واحدًا (¬1). الدليل الرابع: أن الحد إنما وجب على فعل القذف، والقذف إن كان بكلام واحد فهو فعل واحد، فلم يجب به إلا حد واحد (¬2). الدليل الخامس: أن المقصود من الحد هو دفع المعرَّة عن المقذوف وبيان كذب القاذف، وهذا يمكن تحصيله بعد واحد على القاذف (¬3). الدليل السادس: القياس على من زنى مرارًا بأكثر من امرأة، أو سرق مرارًا من أكثر من شخص قبل أن يقام عليه الحد، فكما أنه لا يقام عليه إلا حد واحد، فكذا من قذف أكثر من شخص قبل أن يقام عليه الحد (¬4). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من قذف جماعة فيجب لكل واحد منهم حد، سواء قذفهم بكلمة واحدة أو بكلام متفرق. وهو قول الشافعية (¬5)، ورواية عند الحنابلة (¬6)، وبه قال عثمان البتي، وأبو ثور، وابن المنذر (¬7). القول الثاني: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من قذف جماعة بكلام متفرق فعليه لكل واحد منهم حد، أما إن قذفهم بكلام واحد فيلزمه حد واحد فقط. وهو قول الحنابلة (¬8)، وبه قال عطاء، والشعبي، وقتادة، وابن أبي ليلى (¬9). ¬
[215/ 3] من قذف جماعة فعفوا إلا واحدا منهم طالب بالحد، فلا يسقط الحد.
• دليل المخالف: استدل من أوجب تعدد الحد بقذف الجماعة بما يلي: الدليل الأول: أن القاذف قد ألحق العار بقذف كل واحد منهم، فلزمه لكل واحد منهم حد، كما لو أفرد كل واحد منهم بالقذف (¬1). الدليل الثاني: أن القاذف لو أقام بيِّنة الزنا على من قذفهم فإنه يُحد كل واحد منهم حد الزنا، فكذا إذا لم يأت ببيِّنة وجب أن يُحد هو حد القذف لكل واحد منهم؛ لأن حد القذف في جهته في مقابلة حد الزنا في جهتهم (¬2).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الشافعية، والحنابلة، ومن نقل الاتفاق لعله لم يبلغه الخلاف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم. [215/ 3] من قذف جماعة فعفوا إلا واحدًا منهم طالب بالحد، فلا يسقط الحد. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص جماعة كعشرة أشخاص مثلًا، فعفا أكثرهم، أو كلُّهم إلا واحدًا، طالب بإقامة حد القذف على القاذف، فإنه يُطلب من القاذف البينة، فإن لم يكن له بينة، فإنه يقام الحد على القاذف، وعفو التسعة الباقين لا يُسقط عنه الحد. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "إجماعهم على أنه لو عفا أحد المقذوفين كان لمن جمعه القذف معه أن يقوم -إن شاء- بحده، ولو كانوا عشرة أو أكثر، فعفا التسعة، كان للباقي القيام في حَدِّه، وحُدَّ القاذف له" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، ¬
[216/ 3] المقذوف أن كان غائبا فليس لأبيه ولا لأمه أن يطلب حد القذف ما دام المقذوف حيا.
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن القذف فيه حق للآدمي، والمقصود منه دفع العار، والمقذوف هنا الذي لم يعفُ قد لحقه العار بالقذف، فإذا طلب دفع العار عنه بإقامة حد القذف كان له ذلك (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. لكن يُنبَّه إلى أن ابن مفلح في "الفروع" ذكر عن الحنابلة قولًا حاصله: أنه إن عفا بعض الورثة سقط الحد، حيث قال: "وإن مات وورث حد القذف فلوارثه المطالبة. . . وإن عفا بعضهم حدَّه الباقون كاملًا، وقيل: يسقط" (¬3). إلا أن فقهاء الحنابلة ذكروا أن ما نقله صاحب الفروع لم يذكره غيره من الحنابلة، وأنه سبق قلم منه، وصوابه: "وقيل: بقسطه"؛ لما في بعض نصوص الحنابلة قولهم: "إن مات بعد طلبه: ملكه وارثه، فإن عما بعضهم حُد لمن طلب بقسطه، وسقط قسط من عفا" (¬4)، واللَّه تعالى أعلم. [216/ 3] المقذوف أن كان غائبًا فليس لأبيه ولا لأمه أن يطلب حد القذف ما دام المقذوف حيًّا. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بما يوجب الحد، وكان المقذوف حيًا لكنه كان غائبًا عن البلد، فإن المطالبة بالحد خاصة بالمقذوف، ولا يَحق لوالديه من أب أو أم وإن علوا أن يُطالبوا بالحد بدلًا عن المقذوف. ويتبين مما سبق أنه لو كان المقذوف ميتًا، أو قُذف وهو حي ثم مات قبل ¬
المطالبة، فمطالبة الورثة في هاتين المسألتين غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن المقذوف إذا كان غائبًا، فليس لأبيه، ولا لأمه أن يطلبا بالقذف ما دام المقذوف حيًّا" (¬1). وقال ابن القطان (628 هـ): "وأجمعوا على المقذوف إذا كان غائبًا، فليس لأبيه، ولا لابنه أن يطلب بالقذف ما دام المقذوف حيًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن في القذف حق للآدمي بدفع العار عن نفسه، فلا يستوفى قبل طلبه، كسائر حقوقه (¬5). الدليل الثاني: أن القاذف قد يكون صادقًا في قوله، فإعراض المقذوف عن طلب حد القذف قد يكون لصدق القاذف (¬6). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن حد القذف لا يختص بطلبه المقذوف، فمن رفع أمر القاذف للإمام وجب على الإمام قبوله، وإقامة الحد على المقذوف ولو لم يطلب المقذوف إقامة الحد. وبه قال ابن أبي ليلى (¬7)، والظاهرية (¬8). • دليل المخالف: استدل القائلون باستيفاء حد القذف ولو لم يطلب المقذوف ذلك بما يلي: الدليل الأول: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- جلد أبا بكرة -رضي اللَّه عنه-، ونافعًا، وشبل بن معبد، حين رآهم قذفة، ولم يشاور في ذلك المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه-. ¬
[217/ 3] من قذف ميتا فلولده ذكرا كان أو أنثى، ولأولاد الابن، وإن سفلوا, ولوالده وإن علا، أن يخاصم القاذف في القذف.
الدليل الثاني: أن حد القذف كغيره من الحدود التي لا يشترط فيها مطالبة المجني عليه فيها، فالسرقة لا يشترط فيها مطالبة المسروق منه بالحد، والزنا لا يشترط مطالبة المزني بها بالحد، وكذا سائر الحدود التي من جملتها حد القذف (¬1).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن ابن أبي ليلى، والظاهرية، ولعل ابن المنذر لم يبلغه الخلاف، أو لم يعتبر الخلاف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [217/ 3] من قذف ميتًا فلولده ذكرًا كان أو أنثى، ولأولاد الابن، وإن سفلوا, ولوالده وإن علا، أن يخاصم القاذف في القذف. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بما يوجب الحد، وكان المقذوف ميتًا، فإن لأولاده من الذكور والإناث، ولأولاد الابن أن يطالبوا بالحد. وكذا للأب والجد وإن علا أن يطالب بالحد. ويتبين مما سبق أنه لو قذف شخصًا حيًا ثم مات المقذوف قبل المطالبة فمسألة أخرى غير مرادة (¬2). • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "إذا كان ميتًا فلا خلاف في أن لولده ذكرًا كان أو أنثى، ولابن ابنه وبنت ابنه وإن سفلوا, ولوالده وإن علا، أن يخاصم القاذف في القذف" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، ¬
والحنابلة (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن الحكمة من حد القذف هو ما يُحدثه القاذف من إلحاق العار بالمقذوف، والأصل أن الميت ليس بمحل لإلحاق العار به، فلم يكن معنى القذف راجعًا إليه بل إلى فروعه وأصوله؛ لأنه يلحقهم العار بقذف ميتهم، والأصول والفروع هم جزء من هذا الميت، فالعار لاحق بهم لوجود الجزئية والبعضية، فشُرع لهم المطالبة بالقذف لدفع العار عنهم (¬2). • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة إلى أن من قذف ميتًا فلا حد عليه، وليس لوارثه المطالبة بالحد. وهو وجه عند الحنابلة (¬3). ¬
[218/ 3] من قذف ميتا فالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات لا يملكون الخصومة.
• دليل المخالف: استدل من قال بأن قذف الميت لا يجب به الحد أنه قذْف بمن لا تصح منه المطالبة، فأشبه قذف المجنون (¬1).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الحنابلة. ولعل الكاساني أراد نفي الخلاف في المذهب الحنفي بدليل ما سيأتي في المسألة التالية، واللَّه تعالى أعلم. [218/ 3] من قذف ميتًا فالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات لا يملكون الخصومة. • المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بما يوجب الحد، وكان المقذوف ميتًا، فإنه ليس لأحد من إخوانه، أو أخواته، أو أعمامه، أو عماته، أو أخواله، أو خالاته أن يطالبوا بالحد. ويتبيَّن مما سبق أمران: الأول: أنه لو قذف شخصًا حيًا ثم مات المقذوف قبل المطالبة فمسألة أخرى غير مرادة (¬2). الثاني: أن المطالبة خاصة بالأخوال والأعمام والإخوان، أما غيرهم كالأصول والفروع، فالمطالبة من أحدهم غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "ولا خلاف في أن الإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات لا يملكون الخصومة" (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن المقصود بالحد دفع العار عن المقذوف، وهؤلاء من الأعمام والأخوال والإخوان علاقتهم بالميت ليست علاقة الجزئية والبعضية، فلا يلحقهم العار كما يلحق الأبناء أو الآباء (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن من قذف ميتًا ¬
فلجميع الورثة المطالبة بالحد، ويدخل فيهم الإخوة والأخوات، والأخوال والأعمام، والأخوال والخالات. وهو قول المالكية في الجملة (¬1)، وبه قال الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4). • دليل المخالف: استدل من قال بأن من قذف ميتًا للورثة من الأخوة والأعمام وغيرهم أن يطالبوا بالحد بما يلي: الدليل الأول: أن المراد بالحد هو دفع العار، وهؤلاء الورثة قد لحقهم العار بقذف ميِّتهم، فشُرع لهم المطالبة بالحد (¬5). الدليل الثاني: أن حد القذف هو حق للمقذوف، فكان للورثة المطالبة به كسائر الحقوق من الديون والقصاص وغيرهما (¬6). ¬
[219/ 3] المجلود في حد القذف لا يجرد من ملابسه أثناء الجلد.
Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن المالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية. ولعل مراد الكاساني بنفي الخلاف في المسألة هو نفي الخلاف المذهبي، واللَّه تعالى أعلم. [219/ 3] المجلود في حد القذف لا يجرد من ملابسه أثناء الجلد. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب حد القذف، فإن صفة إقامة الحد على القذف أنه لا يُجرد عن ملابسه، فلا يكون الجلد مباشر للجسد بدون ملابس، وإنما يمكَّن من لبس قميص ونحوه، ويُنزع عنه ما يمنع وصول الألم من فروة ونحوها. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "ولا يجرَّد في حد القذف بلا خلاف" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "لا يحل في هذه الأمة تجريد، ولا مد، ولا غل، ولا صفد" (¬4). الدليل الثاني: أن وجوب حد القذف سببه متردد محتمل، فإنَّ القاذف قد يكون صادقًا لكن ليس معه بينة، ولذا فيراعى فيه التخفيف بترك التجريد (¬5). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن المحدود بالجلد إن كان ¬
رجلًا فإنه يجرَّد من ملابسه سواء كان حد قذف أو غيره. وهو قول المالكية (¬1). • دليل المخالف: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬2). • وجه الدلالة: الآية فيها أمر بجلد القاذف، وهذا يقتضي المباشرة بالضرب. الدليل الثاني: أن حد القذف حد واجب فوجب إعراؤه عن الثياب كالزنا وغيره من الحدود (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم في حق الرجل؛ لثبوت الخلاف عن المالكية، وقد نص على الخلاف جماعة من أهل العلم منهم ابن هبيرة حيث قال: "واختلفوا هل يجرَّد: فقال أبو حنيفة: لا يجرد في حد القذف خاصة، ويجرد فيما عداه. وقال الشافعي: لا يجرد على الإطلاق. وقال أحمد: لا يجرد في الحدود كلها بل تضرب فيما لا يمنع ألم الضرب كالقميص والقميصين. وقال مالك: يجرَّد في الحدود كلها" (¬4). وهذا الخلاف في الرجل أما في حق المرأة فالمسألة محل إجماع بين أهل العلم أنها لا تُجرَّد من ملابسها. ولعل مراد بالكاساني نفي الخلاف في المذهب الحنفي، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الباب الرابع مسائل الإجماع في حد شرب الخمر
الباب الرابع مسائل الإجماع في حد شرب الخمر وفيه تمهيد وأربعة فصول: التمهيد: وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف الخمر لغة واصطلاحًا. المبحث الثاني: عقوبة شارب الخمر. الفصل الأول: مسائل الإجماع في حقيقة الخمر، وحكمه، وسبب الحد فيه. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في إثبات حد شرب الخمر. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في عقوبة شرب الخمر. الفصل الرابع: مسائل الإجماع في إقامة حد شرب الخمر.
التمهيد
التمهيد المبحث الأول: تعريف الخمر لغة واصطلاحًا: • أولًا: تعريف الخمر لغة: أصل مادة الخاء والميم والراء بمعنى التغطية والمخالطة، قال ابن فارس: "الخاء والميم والراء أصلٌ واحد يدلُّ على التغطية، والمخالطةِ في سَتْر" (¬1)، ومنه الخمار: وهو ما يُغطي وجه المرأة، والمخامرة: بمعنى المخالطة، ومنه يقال: رجل خَمر: أي خالطه داء. ومنه شراب الخمر، وهو يُذكر ويؤنث، فيقال: هو الخمر، وهي الخمر، والتأنيث أشهر (¬2). والخمر: كل ما أسكر العقل، وقيل: هو ما أسكر من عصير العنب خاصة، قال الفيروزآبادي: "الخمر: ما أسكر من عصير العنب، أو عام، والعموم أصح" (¬3). سميت الخمر خمرًا؛ لأنها تخامر العقل، أي تخالطه، وتُخمِّره: أي تغطيه وتستره (¬4). ومما سبق يتبيَّن أن حقيقة الخمر اللغوية وقع فيها الخلاف هل هي خاصة بعصر العنب، أو هي عامة بكل مُسكر. • ثانيًا: تعريف الخمر اصطلاحًا: اختلف الفقهاء في حقيقة الخمر الشرعية، بناء على اختلافهم في حقيقتها اللغوية، على قولين: القول الأول: أن الخمر هو اسم للنيئ من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد. وهو مذهب الحنفية (¬5)، وبه ¬
قال بعض الشافعية (¬1). القول الثاني: أن الخمر هو كل ما أسكر من كل شراب، سواء أكان من عصير العنب، أو الشعير، أو الزبيب، أو التمر، أو القمح، أو الأرز، أو غيره، وسواء أسكر قليله أو كثيره. وهو قول المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وابن حزم (¬5). • ثمرة الخلاف بين القولين: من القولين السابقين يمكن تحصيل ما يلي: أولًا: اتفق الفقهاء على أن عصير العنب النيئ إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، فإنه خمر، ويحرم شرب قليله وكثيره، وقد حكى الإجماع على ذلك جماعة من أهل العلم منهم الطحاوي (¬6)، وأبو بكر الجصاص (¬7)، وابن حزم (¬8)، والبيهقي (¬9)، وابن عبد البر (¬10)، والقاضي عياض (¬11)، وابن هبيرة (¬12)، وابن حجر (¬13)، وغيرهم (¬14). ¬
ثانيًا: اختلف الفقهاء فيما سوى ذلك من الأشربة المُسكرة على قولين: فذهب الحنفية إلى التفريق بين الخمر وبين المُسكر، فالخمر خاص بعصر العنب، والمسكر عام في بعصر العنب ويُحد بشرب القدر المسكر منها وغير المسكر. وأما ما عداها من الأشربة فلا يُحد إلا بشرب القدر المسكر منها. أما الجمهور فلم يذهبوا إلى هذه التفرقة، فما أسكر كثيره، فالقليل منه حرام، ويجب به الحد، سواء كان من عصير العنب أو غيره. • الترجيح: يظهر -واللَّه أعلم- ترجيح القول الثاني، وهو قول الجمهور؛ لما يلي من الأدلة: الدليل الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) (¬1). الدليل الثاني: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت عمر -رضي اللَّه عنه- على منبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أما بعد، أيها الناس: إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة، من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل" متفق عليه (¬2). الدليل الثالث: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: "نزل تحريم الخمر، وإن في المدينة يومئذ لخمسة أشربة، ما فيها شراب العنب" (¬3). الدليل الرابع: عن جابر -رضي اللَّه عنه-: أن رجلًا قدم من جيشان -وجيشان من اليمن- فسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له المِزْر، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أوَمسكر هو)؟ قال: نعم، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كل مسكر حرام، إن على اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة ¬
الخبال)، قالوا: يا رسول اللَّه وما طينة الخبال؟ قال: (عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار) (¬1). • وجه الدلالة: الأحاديث صريحة في تحريم كل مسكر من العنب، أو التمر، أو العسل، أو الذرة، أو غيره. ¬
المبحث الثاني عقوبة شارب الخمر
المبحث الثاني عقوبة شارب الخمر كان الخمر في أول الإسلام مباحًا، يحل شربه، وبيعه، وغير ذلك، كسائر الأشربة المباحة، وكان شرب الخمر مشهورًا في الجاهلية لا يكاد يسلم منه إلا القليل، فكان من حكمة الشارع أن تدرج في تحريم الخمر على مراحل ثلاث هي كالتالي: المرحلة الأولى: قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)} (¬1). وذلك أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عن الخمر فنزلت هذه الآية مبيِّنة أن ضررها أكثر من نفعها، وأن الترك أفضل لما فيه من الضرر الزائد على المنفعة، دون التصريح بتحريم الخمر، وإنما ذكر أن فيه إثم لما يحصل فيه من تغييب للعقل، والذي يحصل بسببه فعل للمحظور وترك للمأمور، وذكر أن فيه منافع وهو ما يحصل بشربها من اللذة، والتجارة في بيعها، ونحو ذلك. فلما نزلت هذه الآية ترك بعض الصحابة -رضي اللَّه عنهم- شرب الخمر؛ لكون الإثم فيها أكبر من النفع، بينما استمر آخرون على شربها؛ لعدم النهي عنها (¬2). المرحلة الثانية: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (¬3). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذه الآية نزلت باتفاق العلماء قبل أن تحرم ¬
الخمر" (¬1)، فهذا الآية جاء فيها النهي صراحة عن شرب الشرب قبيل الصلاة، حتى لا يحضر الشخص الصلاة وهو فاقد للعقل لا يدري ما صلى، فترك قوم شرب الخمر مطلقًا لكونها تُشغل عن الصلاة، واستمر آخرون على شربها، واجتنابها أوقات الصلاة فقط، على موجب النهي في الآية. المرحلة الثالثة: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} (¬2). فلما أنزل تعالى هذه الآية كانت صريحة في النهي عن شرب الخمر، وعندها أراق الصحابة رضي اللَّه عنهم الخمور فجرت في سكك المدينة. ولما كان في تعاطي الخمر إفساد للعقل، وتضييع للمال، جعلت الشريعة شرب الخمر من المحرَّمات الكبائر، وأوجب على شاربها حدًا يردعه عن ذلك (¬3)، وقد اختلف أهل العلم في حد شارب الخمر على أقوال: القول الأول: جلد شارب الخمر ثمانون جلدة إن كان حرًا، وأربعون جلدة إن كان عبدًا. وهو قول الحنفية (¬4)، . . . ¬
والمالكية (¬1)، والحنابلة (¬2). القول الثاني: جلد شارب الخمر أربعون جلدة إن كان حرًا، وعشرون جلدة إن كان عبدًا. وهو قول الشافعية (¬3)، ورواية عند الحنابلة (¬4) وبه قال الظاهرية (¬5). القول الثالث: وجوب جلد شارب الخمر، إلا أنه ليس في جلد شارب الخمر عددٌ معيَّن (¬6). وسيأتي بيان أدلة كل فريق مفصلًا، في ثنايا مسائل هذا الباب (¬7). ¬
الفصل الأول مسائل الإجماع في حقيقة المسكر وحكمه وسبب الحد فيه
الفصل الأول مسائل الإجماع في حقيقة المسكر وحكمه وسبب الحد فيه [220/ 4] تحريم الخمر. • المراد بالمسألة: من الأمور التي حرَّمها اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- شرب الخمر، وهذا التحريم لم يخالف فيه أحد من أهل العلم. والمراد هنا بيان تحريم الخمر، على خلاف بينهم في ضابط الخمر المحرَّم، هل هو خاص بعصير العنب، أو عام في كل عصير، كما سبق بيانه (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على تحريم الخمر" (¬2). وقال المهلب بن أبي صفرة (435 هـ): "تحريم الخمر في الكتاب والسنة والإجماع"، نقله عنه ابن بطال (¬3). وقال ابن حزم (456 هـ): "الخمر حرام بنص القرآن، وسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإجماع الأمة" (¬4). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "تحريم الخمر المجتمع على تحريمها" (¬5). وقال ابن العربي (543 هـ): "وقد ثبت تحريم الخمر باتفاق من الأئمة" (¬6). ¬
وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن الخمر حرام قليلها وكثيرها، وفيها الحد" (¬1). وقال المرغينانى (593 هـ): "جاءت السنة متواترة أن النبي عليه الصلاة والسلام حرم الخمر، وعليه انعقد الإجماع" (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "وثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تحريم الخمر بأخبار تبلغ بمجموعها رتبة التواتر، وأجمعت الأمة على تحريمه" (¬3) وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬4). وقال القرطبي (671 هـ): "اتفق العلماء على تحريم قليل الخمر وإن كان لا يسكر" (¬5). وقال النووي (676 هـ): "أجمع المسلمون على تحريم شرب الخمر" (¬6). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "فإن خمر العنب قد أجمع المسلمون على تحريم قليلها وكثيرها" (¬7). وقال الزركشي (773 هـ): "تحريم الخمر إجماع أو كالإجماع" (¬8). وقال ابن حجر (852 هـ): "قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره حرام" (¬9). وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ): "أما شرب ما يسكر بالفعل فهو حرام وفسق بالإجماع" (¬10). وقال البهوتي (1051 هـ): "وأجمع المسلمون على تحريم الخمر" (¬11). ¬
وقال البجيرمي (1221 هـ) (¬1): "وانعقد الإجماع على تحريم الخمر" (¬2). وقال الرحيباني (1243 هـ): "السكْر اختلاط العقل. . . وهو محرَّم بالإجماع" (¬3). وقال الشوكاني (1250 هـ): "وقد أجمع على ذلك المسلمون إجماعًا لا شك فيه ولا شبهة، وأجمعوا أيضًا على تحريم بيعها والانتفاع بها ما دامت خمرا" (¬4). وقال ابن عابدين (1253 هـ): "وقد جاءت السنة متواترة أن النبي عليه الصلاة والسلام حرَّم الخمر، وعليه انعقد إجماع الأمة" (¬5). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "والخمر محرم بالكتاب والسنة والإجماع" (¬6). وقال الشنقيطي (1393 هـ): "لإجماع جميع المسلمين، ودلالة الكتاب والسنة على تحريم الخمر" (¬7). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} (¬8). • وجه الدلالة: أن اللَّه بيَّن أن الخمر رجس وأنه من عمل الشيطان، وأمر باجتنابه (¬9). الدليل الثاني: قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ¬
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى بين أن في الخمر إثم، والإثم محرّم كما صرَّح اللَّه به في قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} (¬2). الدليل الثالث: عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ (¬3)، فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مناديًا ينادي: "ألا إن الخمر قد حُرمت"، فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم: قد قتل قوم وهي في بطونهم، فأنزل اللَّه: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)} (¬4) متفق عليه (¬5). الدليل الرابع: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت عمر -رضي اللَّه عنه- على منبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أما بعد، أيها الناس: إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل" متفق عليه (¬6). الدليل الخامس: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: "نزل تحريم الخمر، وإن في المدينة يومئذٍ لخمسة أشربة، ما فيها شراب العنب" (¬7). الدليل السادس: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رجلًا أهدى لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
راوية (¬1) خمر، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هل علمت أن اللَّه قد حرمها)، قال: لا، فسارّ إنسانًا، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (بم ساررته)؟ فقال: أمرته ببيعها، فقال: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، قال: فَفَتح المزادة حتى ذهب ما فيها (¬2). الدليل السابع: عن جابر -رضي اللَّه عنه-: أن رجلًا قدم من جيشان -وجيشان من اليمن- فسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له المِزْر، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أوَمسكر هو)؟ قال: نعم، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كل مسكر حرام، إن على اللَّه عز وجل عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)، قالوا: يا رسول اللَّه وما طينة الخبال؟ قال: (عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار) (¬3). الدليل الثامن: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له" (¬4). وجه الدلالة مما سبق: النصوص السابقة صريحة في تحريم الخمر، وأنها من الكبائر للوعيد الشديد في حق شاربها، من دخول النار، واستحقاق اللعنة، وغير ذلك (¬5). ¬
[221/ 4] من استحل الخمر كفر، ويقتل
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [221/ 4] من استحل الخمر كفر، ويقتل • المراد بالمسألة: تقرر في المسألة السابقة الإجماع على تحريم الخمر، ودلالة الكتاب، والسنة، والإجماع على ذلك، فمن استحله فقد استحل ما حرمه اللَّه تعالى ورسوله وأجمعت عليه الأمة، ويطبَّق في حقه أمران: الأول: الحكم بكفره، الثاني: الحكم بقتله. إلا إن تاب من ذلك وأقر بتحريمه، فيرتفع عنه الحكم بالكفر والقتل. وينبه هنا إلى أمرين: الأول: أن تطبيق هذين الأمرين مقيَّد بتوفر الشروط وانتفاء الموانع. الثاني: أن المراد بالمسألة هو في الخمر المجمع على تحريمه، وهو عصير العنب الذي لم يطبخ، إذا غلي وقذف بالزبد وأسكر، أما ما كان موضع خلاف كعصير غير العنب من المسكرات، إذا شرب منه قدرًا لا يحصل به الإسكار، فلا يدخل في المسألة. • من نقل الإجماع: قال الطحاوي (321 هـ): "فاتفقت الأمة أن عصير العنب الذي اشتد وغلى وقذف بالزبد فهو خمر، وأن مستحلَّه كافر" (¬1). وقال الجصاص (370 هـ): "لا خلاف أن مستحل الخمر كافر" (¬2). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن عصير العنب الذي لم يطبخ، إذا غلى وقذف بالزبد وأسكر، أن كثيره وقليله والنقطة منه حرام على غير المضطر والمتداوي من علة ظاهرة، وأن شاربه وهو يعلمه فاسق، وأن مستحله كافر" (¬3). ¬
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا أن مستحل خمر العنب المسكر كافر، رادٌ على اللَّه عز وجل خبره في كتابه، مرتد، يستتاب، فإن تاب ورجع عن قوله، وإلا استبيح دمه" (¬1). وقال ابن رشد الجد (520 هـ): "أما من جحد فرض الوضوء، والصلاة، والزكاة، أو الصيام، أو الحج، أو استحل شرب الخمر، أو الزنا، أو غصب الأموال، أو جحد سورة، أو آية من القرآن، أو ما أشبه ذلك، فلا اختلاف في أنه كافر" (¬2). وقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل، أو شرب الخمر، أو الزنا، مما حرم اللَّه بعد علمه بتحريمه" (¬3) ونقله عنه عليش (¬4) والخرشي (¬5) والعبدري (¬6). وقال القرطبي (671 هـ): "اتفقت الأمة على أن عصير العنب إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد فهو خمر، ومستحله كافر" (¬7). وقال ابن تيمية (728 هـ): "اتفق الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على أن من استحل الخمر قتلوه" (¬8). وقال العيني (855 هـ): "لو اعتقد حل بعض المحرمات المعلومة من ¬
[222/ 4] الخمر نجس
الدين ضرورة كالخمر كفر بلا خلاف" (¬1). وقال الشنقيطي (1393 هـ): "ومن زعم أن الخمر حلال فهو كافر بلا نزاع بين العلماء" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع في المسألة إلى الأدلة السابقة في تحريم الخمر، ونقل الإجماع على ذلك، فمن استحل الخمر فقد استحل ما حرمه نص الكتاب والسنة وأجمع أهل العلم على تحريمه، قال ابن حجر: "قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره حرام. . . ومن استحل ما هو حرام بالإجماع كفر" (¬4).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [222/ 4] الخمر نجس • المراد بالمسألة: الخمر الذي أجمع أهل العلم على تحريمه نجس يجب اجتنابه، وإزالته. ومما سبق يظهر أن ما وقع الخلاف فيه هل هو خمرٌ يحرم شربه أو لا، فليس مرادًا في المسألة. • من نقل الإجماع: قال الماوردي (450 هـ): "فأما الخمر فنجس بالاستحالة، وهو إجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬5). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وقد أجمع علماء المسلمين في كل عصر وبكل مصر فيما بلغنا وصح عندنا أن عصير العنب إذا رمى بالزبد وهدأ وأسكر الكثير منه أو القليل أنه خمر، وأنه ما دام على حاله تلك حرام، كالميتة، ¬
والدم، ولحم الخنزير، رجس نجس، كالبول، إلا ما رُوي عن ربيعة في نقط من الخمر شيء لم أر لذكره وجهًا" (¬1). وقال ابن العربي (543 هـ) بعد أن ذكر القول بنجاسة الخمر: "ولا خلاف في ذلك بين الناس، إلا ما يؤثر عن ربيعة أنه قال: إنها محرمة، وهي طاهرة" (¬2). وقال القاضي عياض (544 هـ): "كافة السلف والخلف على نجاسة الخمر، والدليل على نجاستها مع إجماع الكافة عليها قديمًا وحديثًا، إلا من شذ تحريم بيعها" (¬3). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفق المسلمون على تحريم بيعها وهي الخمر، وأنها نجسة، إلا خلافًا شاذًا في الخمر أعني في كونها نجسة" (¬4) ونقله عنه ابن قاسم (¬5). وقال ابن قدامة (620 هـ): "والخمر نجسة في قول عامة أهل العلم" (¬6). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "الخمر يخمر العقل أي يغطيه ويستره وهي نجسة إجماعًا" (¬7) ونقله عنه ابن قاسم (¬8). وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ): "قليل عصير العنب أو الرطب إذا اشتد وغلا من غير عمل النار فيه، فهو حرام ونجس، إجماعًا" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬10)، والظاهرية (¬11). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} (¬1). • وجه الدلالة: دلت الآية على نجاسة الخمر من أوجه منها: الأول: أن اللَّه تعالى نص على أن الخمر رجس. الثاني: أمْره تعالى باجتنابه، وهذا عام يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع به بوجه من الوجوه (¬2). الدليل الثاني: قوله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى وصف شراب الجنة بأنه طهور، وهذا إشارة بمفهوم المخالفة إلى نجاسة خمر الدنيا (¬4). الدليل الثالث: عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مناديًا ينادي: "ألا إن الخمر قد حُرمت"، فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة. . . " الحديث متفق عليه (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بإراقة الخمر، وهو يدل على نجاسته، إذ لو كان طاهرًا لأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالانتفاع به، وعدم إلقائه في الطرق (¬6). ¬
الدليل الرابع: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له" (¬1). الدليل الخامس: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رجلًا أهدى لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- راوية خمر، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هل علمت أن اللَّه قد حومها)، قال: لا، فسارّ إنسانًا، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (بم ساررته)؟ فقال: أمرته ببيعها، فقال: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، قال: فَفَتح المزادة حتى ذهب ما فيها (¬2). • وجه الدلالة من الحديثين: الحديث صريح في تحريم بيع الخمر، وتحريم بيعها يدل على نجاستها؛ لأن تحريمه لا يخلو أن يكون سببه من أحد أمرين: إما أن يكون لحرمة عينه كالكلب، وإما أن يكون لنجاسته، والخمر ليس محرَّم العين، فبقي أن يكون نجسًا (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض أهل العلم إلى طهارة الخمر. وهو قول ربيعة الرأي، والليث بن سعد، والمزني (¬4)، والحسن، وبعض المتأخرين من البغداديين (¬5)، . . . ¬
وبه قال الصنعاني (¬1)، وابن عثيمين (¬2) (¬3). • دليل المخالف: استدل من قال بطهارة الخمر بما يلي: الدليل الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} (¬4). • وجه الدلالة: أن المذكورات مع الخمر في الآية هي مال الميسر، ومال القمار، والأنصاب، والأزلام، وهذه الأشياء ليست نجسة العين، فدل على أن اللَّه تعالى لم يُرد بالنجاسة هنا النجاسة العينية، وإنما هي كغيرها من المذكورات لها نجاسة حكمية فقط من حيث تحريم الاستعمال (¬5). الدليل الثاني: قوله تعالى في صفة شراب الجنة: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل الخمر من شراب أهل الجنة، وهو يدل عل طهارتها في الدنيا (¬7). الدليل الثالث: حديث أنس -رضي اللَّه عنه- أن الخمر لما حرمت خرج الناس، ¬
وأراقوها في السكك (¬1). • وجه الدلالة: دل الحديث على طهارة الخمر من وجهين: الأول: أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أراقوا الخمر في طرق المدينة، ولو كانت نجسة لنهاهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، كما نهاهم عن التخلي في الطرق (¬2). الثاني: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمر الصحابة -رضي اللَّه عنهم- بغسل الأواني بعد إراقة الخمر منها، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. الدليل الرابع: عبن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رجلًا أهدى لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- راوية خمر، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هل علمت أن اللَّه قد حرمها)، قال: لا، فسار إنسانًا، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (بم ساررته)؟ فقال: أمرته ببيعها، فقال: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، قال: فَفَتح المزادة حتى ذهب ما فيها (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمر الرجل بغسل الراوية مع أن الظاهر عن حال الرجل الجهل بالأحكام المتعلقة بالخمر (¬4). الدليل الخامس: أن الأصل في المائعات الطهارة حتى يقوم دليل على النجاسة، وليس ثمة دليل على النجاسة (¬5).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض السلف. وأما عن نقل الإجماع فلعله لم يعتبر قول المخالف كما نص على ذلك ابن رشد وجعل القول بطهارة الخمر شاذًا، أو أنه أراد عامة أهل العلم بالأغلبية ¬
[223/ 4] كل ما يغيب العقل فإنه حرام
لا جميعهم كما هو نص ابن قدامة، واللَّه تعالى أعلم. [223/ 4] كل ما يغيب العقل فإنه حرام • المراد بالمسألة: كل شراب يُغطي على العقل، ويصير شاربه فاقدًا للوعي، لا يدري ما يقوله، ولا ما يفعله، فإنه يحرم شرب ما يبلغ به حد الإسكار الذي يُغيب العقل. وهنا يُنبَّه إلى أن الشراب إن كان يُسكر ويغطي العقل، لكنه شرب منه مقدارًا لا يبلغ حد الإسكار فذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: وقال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن السكر حرام" (¬1). وقال ابن بطال (449 هـ): "الخمر ما خامر العقل، وخطب بذلك على منبر النبي -عليه السلام- بحضرة الصحابة -رضي اللَّه عنهم- من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ولم ينكره أحد منهم فصار كالإجماع" (¬2). قال ابن تيمية (728 هـ): "وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب فإن تغييب العقل حرام بإجماع المسلمين" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت عمر -رضي اللَّه عنه- على منبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أما بعد، أيها الناس: إنه نزل تحريم الخمر، وهي ¬
[224/ 4] عصير العنب النيئ إذا غلى واشتد وقذف الزبد فهو خمر.
من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل" متفق عليه (¬1). الدليل الثاني: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) (¬2). الدليل الثالث: عن جابر -رضي اللَّه عنه-: أن رجلًا قدم من جيشان -وجيشان من اليمن- فسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له المِزْر، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أوَمسكر هو)؟ قال: نعم، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كل مسكر حرام. . . الحديث) (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [224/ 4] عصير العنب النيئ إذا غلى واشتد وقذف الزبد فهو خمر. • المراد بالمسألة: عصير العنب النيئ إذا غلى وقذف بالزبد فإنه هو الخمر الذي جاء ذِكر تحريمه وذمِّه في الكتاب والسنة. ويتبين مما سبق أن عصير العنب إن طُبخ، أو لم يشتد ويقذف الزبد فهو غير مراد. • من نقل الإجماع: قال الطحاوي (321 هـ): "فاتفقت الأمة أن عصير العنب الذي اشتد وغلى وقذف بالزبد فهو خمر، وإن مستحله كافر" (¬4) ونقله عنه ابن عبد البر (¬5) والقرطبي (¬6). وقال الجصاص (370 هـ): "والخمر هي عصير العنب النَّي المشتد، ¬
وذلك متفق عليه أنه خمر" (¬1). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن عصير العنب الذي لم يطبخ، إذا غلى وقذف بالزبد وأسكر، أن كثيره وقليله والنقطة منه حرام على غير المضطر والمتداوي من علة ظاهرة، وأن شاربه وهو يعلمه فاسق، وأن مستحله كافر" (¬2). وقال البيهقي (458 هـ): "الخمر وهي ما غلى من عصير العنب، فهذا ما لا اختلاف فى تحريمه بين المسلمين" (¬3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا أن عصير العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد وأسكر الكثير منه أو القليل أنه الخمر المحرمة بالكتاب، والسنة المجتمع عليها. وأن مستحلها كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، هذا كله ما لا خلاف فيه بين أئمة الفتوى وسائر العلماء" (¬4). وقال القاضي عياض (544 هـ): "قد حصل الاتفاق على تحريم عصير العنب الني إذا اشتد فأسكر" (¬5). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن عصير العنب التي إذا اشتد وتغير طعمه وقذف بزبده، فهو خمر حرام" (¬6). وقال ابن حجر (852 هـ): "والمجمع على تحريمه عصير العنب إذا اشتد، فإنه يحرم تناول قليله وكثيره بالاتفاق" (¬7). وقال الصنعاني (1182 هـ): "فالخمر تطلق على عصير العنب المشتد حقيقة إجماعًا" (¬8). وقال الشوكاني (1250 هـ): "الخمر يطلق على عصير العنب المشتد إطلاقًا حقيقًا إجماعًا" (¬9). ¬
[225/ 4] يحرم قليل خمر العنب وكثيرها.
وقال المازري (536) (¬1): "أجمعوا على أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال وعلى أنه إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد حرم قليله وكثيره"، ونقله عنه ابن حجر (¬2)، والزرقاني (¬3) والمناوي (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى اتفاق أهل اللغة على أن الخمر في أصل المعنى اللغوي يُطلق على عصير العنب إذا غلى وقذف بالزبد، وهو في هذه الحال يكون مسكرًا، وإنما وقع الخلاف في غير عصير العنب هل يدخل في حقيقة الخمر عند أهل اللغة، كما قال الفيروزآبادي: "الخمر: ما أسكر من عصير العنب، أو عام، والعموم أصح" (¬5).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [225/ 4] يحرم قليل خمر العنب وكثيرها. [226/ 4] من شرب من خمر العنب ما لا يحصل به الإسكار، ولو قطرة واحدة، أقيم عليه الحد. • المراد بالمسألتين: الخمر المتخذ من عصير العنب يحرم شرب القليل منه، والكثير، حتى لو كان القليل منه لا يُسكر فيحرم شربه، ويقام الحد على من شرب القليل منه ولو لم يحصل له به سكر. ¬
وينبَّه إلى أن المسألة هي في عصير العنب، أما الخمر المتخذ من غير العنب فغير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعت الأمة على أن خمر العنب إذا غلت ورمت بالزبد أنها حرام، وأن الحد واجب في القليل منها والكثير"، نقله عنه أبو الطيب (¬1). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن عصير العنب الذي لم يطبخ، إذا غلى وقذف بالزبد وأسكر، أن كثيره وقليله والنقطة منه حرام على غير المضطر، والمتداوي من علة ظاهرة، وأن شاربه وهو يعلمه فاسق، وأن مستحله كافر" (¬2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وأجمعت الأمة على أن خمر العنب حرام في عينها قليلها وكثيرها" (¬3). وقال أيضًا: "أن المسلمين مجمعون على تحريم خمر العنب، ووجوب الحد على شارب قليلها" (¬4). وقال علاء الدين السمرقندي (531 هـ): "يجب الحد بشرب قليلها وكثيرها بإجماع الصحابة عليه" (¬5). وقال القاضي عياض (544 هـ): "اتفقوا على إقامة الحد على شارب القليل من خمر العنب وكثيره، سكر أو لم يسكر" (¬6). وقال أيضًا: "إجماع المسلمين منعقد على تحريم خمر العنب النيئ، قليله وكثيره" (¬7). ¬
قال ابن قدامة (620 هـ): "يجب الحد على من شرب قليلًا من المسكر أو كثيرًا، ولا نعلم بينهم خلافًا في ذلك، في عصير العنب غير المطبوخ" (¬1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬2). وقال النووي (676 هـ): "أجمعوا على تحريم عصير العنب وإن لم يُسكر" (¬3). وقال ابن تيمية (728 هـ): "فإن خمر العنب قد أجمع المسلمون على تحريم قليلها" (¬4). وقال العراقي (806 هـ): "أجمعوا على تحريم عصير العنب وإن لم يُسكر" (¬5). وقال ابن حجر (852 هـ): "وقد انعقد الإجماع على أن القليل من الخمر المتخذ من العنب يحرم قليله وكثيره" (¬6). وقال أبو الطيب (1329 هـ): "أجمعت الأمة على أن خمر العنب إذا غلت ورمت بالزبد أنها حرام، وأن الحد واجب في القليل منها والكثير" (¬7). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ ¬
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} (¬1). • وجه الدلالة: في الآية الأمر باجتناب الخمر، وهذا عام يشمل قليله وكثيره. الدليل الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) (¬2). الدليل الثالث: عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- (¬3) عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره) (¬4). الدليل الرابع: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كل ¬
مسكر حرام، ما أسكر الفرَق (¬1) منه فملء الكف منه حرام) (¬2). ¬
[227/ 4] يحرم قليل الخمر وكثيره.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [227/ 4] يحرم قليل الخمر وكثيره. [228/ 4] من شرب من الخمر ما لا يحصل به الإسكار، ولو قطرة واحدة، أقيم عليه الحد. • المراد بالمسألتين: هاتان المسألتان أعم من المسألتين السابقتين، فالسابقتان هما في الخمر المتخذ من عصير العنب، أما هاتان المسألتان فهما في كل خمر، وهي عند الحنفية خاصة بعصير العنب إذا اشتد وقذف بالزبد، وعند الجمهور هي كل مسكر. فمن شرب من هذا الخمر -على الخلاف في ضابطه-، فإنه قد ارتكب محرَّمًا، ووجب عليه الحد. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "كل شيء أسكر كثيره أحدًا من الناس فالنقطة منه فما فوقها إلى أكثر المقادير خمر، حرام ملكه، وبيعه، وشربه، واستعماله على أحد، وعصير العنب، ونبيذ التين، وشراب القمح، والسيكران (¬1)، وعصير كل ما سواها، ونقيعه، وشرابه، طُبخ كل ذلك أو لم يطبخ ذهب أكثره أو أقله، سواء في كل ما ذكرنا، ولا فرق، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي سليمان وغيرهم، وفي هذا اختلاف قديم وحديث، بعد صحة الإجماع على تحريم الخمر قليلها وكثيرها" (¬2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا على أن قليل الخمر من العنب فيه من الحد مثل ما في كثيرها ولا يراعى السكر فيها" (¬3). ¬
وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن الخمر حرام قليلها وكثيرها، وفيها الحد" (¬1). وقال الكاساني (587 هـ): "يحد شاربها قليلًا أو كثيرًا لإجماع الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم على ذلك" (¬2). وقال ابن رشد (595 هـ): "فأما الموجِب فاتفقوا على أنه شُرْب الخمر دون إكراه، قليلها وكثيرها" (¬3). وقال ابن القطان (628 هـ): "وأجمعوا أن في شرب قليل الخمر وكثيرها الحد، لا أعلم فيه خلافًا بين الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، والتابعين، وفقهاء المسلمين" (¬4). وقال النووي (676 هـ): "وأما الخمر فقد أجمع المسلمون على تحريم شرب الخمر، وأجمعوا على وجوب الحد على شاربها، سواء شرب قليلًا أو كثيرًا" (¬5). وقال الشوكاني (1250 هـ): "أجمع المسلمون على وجوب الحد على شاربها سواء شرب قليلًا أو كثيرًا، ولو قطرة واحدة" (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب في الرابعة فاقتلوه) (¬7). ¬
• وجه الدلالة: الحديث عام بعقاب شارب الخمر، ولم يقيده بشرب ما أسكر منه، فكل خمر يحرم شربه مطلقًا (¬1). الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) (¬2). • وجه الدلالة: الحديث أمر بأن ما نهى عنه الشارع فيجب اجتنابه كلَّه، والخمر من جملة ما نهى عنه الشارع.Rالمسألتان فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، مع التنبيه إلى أن الإجماع هو في تحريم قليل الخمر مع خلافهم فيما يقع عليه اسم الخمر (¬3)، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[229/ 4] الخمر إذا تخللت من ذاتها فهي حلال.
[229/ 4] الخمر إذا تخللت من ذاتها فهي حلال. • المراد بالمسألة: من كان لديه عصير عنب أو تمر أو غيره، وكان ذلك العصير قد تخمَّر، ثم تحوَّل هذا الخمر بنفسه، حتى صار خلًا، فإنه ينقلب حكمه من النجاسة إلى الطهارة، ومن تحريم طعامه إلى الحل، سواء كان العصير قد عصَرَه لقصد الخمر، أو لقصد الخل. ويتبيَّن مما سبق أنه إن كان تخلله ليس بنفسه، بل بفعل آدمي كأن وضع فيه ملحًا، أو مادة أخرى تحوله إلى خل، أو حوَّله من مكان الظل إلى الشمس، ونحو ذلك من طرق تخليل الخمر، فكل ذلك غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "بالإجماع على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها طهرت وطابت" (¬1). وقال ابن رشد الجد (520 هـ): "لا اختلاف في أن الخمر إذا تخللت تؤكل" (¬2). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن الخمر إذا انقلبت خلا من غير معالجة الآدمي طهرت" (¬3). وقال الكاساني (587 هـ): "إذا تخللت بنفسها يحل شرب الخل بلا خلاف" (¬4). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأجمعوا على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها جاز أكلها" (¬5). وقال ابن قدامة (620 هـ): "فأما إذا انقلبت بنفسها فإنها ¬
تطهر وتحل في قول جميعهم" (¬1). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "وإن تخللت الخمر طهرت وحلت، وهذا إجماع" (¬2). وقال النووي (676 هـ): "إذا انقلبت بنفسها خلا فيظهر عند جميعهم إلا ما حكي عن سحنون المالكي أنه قال لا يطهر" (¬3) ونقله عنه الحصني (¬4). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "فأما الخمرة إذا انقلبت بنفسها خلًا فإنها تطهر لا نعلم في ذلك خلافًا" (¬5) ونقله عنه إبراهيم ابن مفلح (¬6). وقال القرافي (684 هـ): "فأما لو خللت بنفسها مع العلم بتحريمها فلا خلاف في جواز أكلها" (¬7). وقال ابن تيمية (728 هـ): "فإذا تخللت بفعل اللَّه من غير قصد لتخليلها كانت خل خمر حلالًا طاهرًا باتفاق العلماء" (¬8). وقال الشنقيطي (1393 هـ): "فإن تخللت بنفسها من غير تسبب لها في ذلك فهي حلال إجماعًا" (¬9). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الظاهرية (¬10). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن جابر -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خير ¬
خلِّكم خلُّ خمركم) (¬1). الدليل الثاني: أن العلة من تحريم الخمر هو الإسكار، وإذا صار الخمر خلًا زالت هذه العلة من غير نجاسة خلفتها، فيرجع الحكم إلى الأصل وهو الطهارة، كالماء الذي يتنجس بالتغيير إذا زال تغييره بنفسه (¬2). الدليل الثالث: أن العصير غالبًا لا يمكن تحصيل الخل منه إلى بعد التخمر، فالقول بعدم طهارة الخمر إذا صار خلًا بنفسه يفضي إلى تعذِّر اتخاذ الخل (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الخمرة لا تطهر مطلقًا، حتى لو تخللت بنفسها. وهو قولٌ للحنابلة (¬4)، وبه قال سحنون من المالكية (¬5). ¬
[230/ 4] جواز شرب الخمر لدفع الغصة.
• دليل المخالف: الدليل الأول: عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل عن الخمر تتخذ خلًا؟ فقال: (لا) (¬1). الدليل الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن أبا طلحة -رضي اللَّه عنه- سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أيتام ورثوا خمرًا قال: (أهرقوها)، قال أفلا أجعلها خلًا؟ قال: (لا) (¬2). • وجه الدلالة: الأحاديث السابقة فيها النهي عن جعل الخمر خلًا، وهو عام سواء تخلل بنفسه أو بفعل فاعل (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنابلة في قول، وسحنون من المالكية، وقد أشار لعدم الإجماع النووي حيث قال: "أما إذا انقلبت بنفسها خلا فتطهر عند جمهور العلماء" (¬4)، فنسب القول للجمهور، وكذا ذكر الصنعاني المسألة على أنها خلافية (¬5). ومن نقل الإجماع لعله لم يبلغه الخلاف في المسألة، أو لم يعتبر قول المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [230/ 4] جواز شرب الخمر لدفع الغُصة. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الغصة: الغُصة -بضم الغين- هي ما اعترض في الحلق من طعام، وجمعه غُصص. قال ابن فارس: "الغين والصاد ليس فيه إلَّا الغَصَص بالطَّعام" (¬6). ¬
ثانيًا: صورة المسألة: إذا غص الإنسان بلقمة في حلقه ولم يتمكن من بلعها أو إخراجها إلا بشرب الخمر، فيجوز له في هذه الحال شرب الخمر بقدر ما تندفع به غصته. ويتبين من ذلك أمور ثلاثة: الأول: أن شرب ما زاد على دفع الغصة غير مراد. الثاني: أن شرب الخمر لضرورة غير الغصة، كعطش، أو للتداوي غير مراد. الثالث: إن كان يستطيع دفع الغصة بغير الخمر، فالمسألة غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن من غص بلقمة وخاف الموت ولم يجد ما يدفعها به سوى الخمر، فإنه يجوز أن يدفعها بها" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "فأما شربها لدفع الغصة فيجوز، كما يجوز أكل الميتة في حال المخمصة، ولا نعلم في ذلك خلافًا" (¬2). وقال النووي (676 هـ): "لو غص بلقمة ولم يجد شيئًا يسيغها به إلا الخمر، فله إساغتها به بلا خلاف، نص عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب وغيرهم" (¬3). وقال ابن تيمية (728 هـ): "وكذلك الخمر يباح لدفع الغصة بالاتفاق" (¬4). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "من غص بلقمة ولم يجد ما يسوغها إلا الخمر، جاز له إجماعًا" (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، ¬
والظاهرية (¬1). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬2) • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أباح أكل المحرمات عند الضرورة، وشرب الخمر لدفع الغصة هو من باب الضرورة (¬3). الدليل الثاني: لأنه يدفع به الضرر عن نفسه، فصار كما لو أكره على شربها (¬4). الدليل الثالث: أن حفظ النفس من الضروريات الخمس التي حث عليه الشارع، وأباح المحرمات عند الضرورة لأجلها، وشرب الخمر لدفع الغصة فيه حماية وإنقاذ للنفس من الموت والهلاك (¬5). • المخالف للإجماع: ثمة قول أن من غُص بالطعام فلا يحل له أن يُسيغها بالخمر، ولو لم يجد غيره. وهو قول للمالكية (¬6). • دليل المخالف: استدل من منع إساغة اللقمة بالخمر بأن ذلك ذريعة لأن يدعي الشارب أنه يريد إساغة اللقمة، فيكون ذلك سبيلًا له لشرب الخمر وهو غير مضطر إليه (¬7).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم إذا تحققت الضرورة وانتفى التحايل، وعليه يُحمل قول من حكى الإجماع. ¬
[231/ 4] لا بأس بالفقاع.
أما إن لم تتحقق الغصة وعدم التحايل فالمسألة ليست محل إجماع، لخلاف بعض المالكية، واللَّه تعالى أعلم. [231/ 4] لا بأس بالفقاع. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الفقاع: الفقاع هو شراب يتخذ من الشعير أو القمح أو نحو ذلك، وليس بمُسكر، وسُمي بالفقاع لما يعلوه من الفقاعات، خاصة إذا رُجَّ ثم فتح سداد كوزه فيزيد خروج الفقاعات منه (¬1). ثانيًا: المراد بالمسألة: العصائر من شراب الشعير أو القمح أو غيره مما لا يُسكر قليله وكثيره، يباح شربها، ولو كان لها فقاعات في أعلاها، فإن هذا لا يؤثر في حلِّها. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "ولا بأس بالفقاع، وبه قال إسحاق، وابن المنذر، ولا أعلم فيه خلافا" (¬2) ونقله عنه شمس الدين ابن قدامة (¬3). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "ولا بأس بالفقاع: أي يباح، ولا أعلم ليه خلافًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "كنا ننبذ ¬
لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سقاء يوكَى أعلاه (¬1) وله عَزْلاء (¬2) ننبذه غدوة فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه غدوة" (¬3). • وجه الدلالة: الحديث صريح في أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يشرب النبيذ قبل أن يصير مُسكرًا، والفقاع هو كذلك، فإنه كالنبيذ (¬4). الدليل الثاني: قول أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- حين سئل عن الفقاع: "إذا لم يُسكر فلا بأس" (¬5). الدليل الثالث: أن الفقاع لا يُسكِر، وإذا طالت مدته فإنه لا يصير خمرًا، وإنما يفسد نهائيًا، لا يصلح خمرًا ولا غيره (¬6). الدليل الرابع: أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد الدليل على النهي، على مقتضى قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (¬7)، والفقاع ليس فيه دليل على النهي عنه؛ لأنه ليس من المسكرات، فيبقى على عموم الإباحة (¬8). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى المنع من الفقاع. وهو قول للمالكية (¬9)، وقول للحنابلة (¬10). ¬
[232/ 4] جواز شرب الأقسما إذا كانت من زبيب ثلاثة أيام ما لم يشتد.
• دليل المخالف: استدل من حرَّم الفقاع بما روي عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه مر على بائع فُقَّاع فقال: "من خمَّار ما أوقحك" (¬1).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقَّق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض المالكية، وبعض الحنابلة، واللَّه تعالى أعلم. وابن قدامة رحمه اللَّه نفى علمه بالخلاف فقط فلا يكون إجماعًا قطعيًا. [232/ 4] جواز شرب الأَقْسِما إذا كانت من زبيب ثلاثة أيام ما لم يشتد. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الأقسماء: الأقسماء هي ماء يوضع فيه الزبيب (¬2). ثانيًا: صورة المسألة: إذا صنع شخص نبيذ زبيب، فإنه يباح له شُربه إذا لم يخلطه بغيره، وإباحته تكون لمدة ثلاثة أيام أو يشتد، لأنه في هذه الحال يتحول إلى خمر ويكون حرامًا. ويتبين مما سبق أنه إن خلط نبيذ الزبيب بغيره كنبيذ تمر ونحوه، وكذا لو اشتد النبيذ وصار مسكرًا، وكذا إذا صار له ثلاثة أيام فكل ذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ) حين سئل: هل يجوز شرب الأقسما؟ فأجاب: "إذا كانت من زبيب فقط فإنه يباح شربه ثلاثة أيام إذا لم يشتد باتفاق العلماء" (¬3) ونقله عنه إبراهيم ابن مفلح (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
والشافعية (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من شرب النبيذ منكم فليشربه زبيبًا فردًا، أو تمرًا فردًا، أو بسرًا فردًا) (¬3). الدليل الثاني: عن أبي قتادة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تنتبذوا الزهو (¬4) والرطب جميعًا، ولا ننتبذوا الزبيب والتمر جميعًا، وانتبذوا كل واحد منهما على حدته) (¬5). الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الزبيب والتمر والبسر والتمر وقال: (ينبذ كل واحد منهما على حدته) (¬6). الدليل الرابع: عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "كنا ننبذ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سقاء يوكى أعلاه وله عزلاء ننبذه غدوة فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه غدوة" (¬7) • وجه الدلالة مما سبق: الأحاديث السابقة ظاهرة في إباحة نبيذ الزبيب.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[233/ 4] من شرب كأسا بعد كأس من الخمر حتى سكر لزمه حد واحد.
[233/ 4] من شرب كأسًا بعد كأس من الخمر حتى سكر لزمه حد واحد. • المراد بالمسألة: إذا شرب شخص خمرًا حتى سكر، وتكرر منه ذلك الفعل قبل إقامة الحد عليه، ثم ثبت أمره عند الحاكم، فإنه يحد حدًا واحدًا على جميع ما شربه قبل ذلك. ويتبين مما سبق أنه لو شرب وأقيم عليه الحد، ثم شرب مرة أخرى فذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن من شرب كأسا بعد كأس من الخمر حتى سكر أن حدًا واحدًا يلزمه" (¬1). وقال أبو الوليد الباجي (474 هـ): "فإذا تكرر من الرجل شرب الخمر لزمه حد واحد، فإن شربه بعد ذلك لزمه حد آخر، قاله مالك وأصحابه، ولا نعلم في ذلك خلافًا بينهم" (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "ما يوجب الحد من الزنا والسرقة والقذف وشرب الخمر، إذا تكرر قبل إقامة الحد، أجزأ حد واحد، بغير خلاف علمناه" (¬3). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن من شرب كأسا بعد كأس من الخمر حتى سكر أن حدًا واحدًا يلزمه" (¬4). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "إن زنى أو سرق أو شرب مرارًا قبل إقامة الحد عليه أجزأ حد واحد بغير خلاف علمناه" (¬5). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "فإن كانت من جنس مثل إن زنى أو سرق أو شرب مرارًا أجزأ حد واحد، بغير خلاف علمناه" (¬6). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: أن الحد لا يثبت بمجرد فعل ما يوجبه من زنى أو سرقة أو نحو ذلك، بل لا بد من إضافة شرط آخر وهو ثبوت ذلك عند الحاكم، أما إذا لم يثبت عند الحاكم فلا يلزمه الحد، وحينئذ فإن جميع ما فعله من شرب الخمر مما يوجب الحد إذا لم تثبت عند الحاكم إلا مرة واحدة كان كشرب مرة واحدة، فوجب فيها حد واحد (¬3). الدليل الثاني: القياس على الأيمان، فكما أن الأيمان تتداخل في كفاراتها، فكذا الحدود. الدليل الثالث: أن المقصود من الحد هو الزجر والارتداع، وهذا يكون بالحد مرة واحدة (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن الحدود لا تتداخل، وعليه لكل مرة شرب فيها الخمر، حد مستقل. وهو قول الظاهرية (¬5). • دليل المخالف: الدليل الأول: عموم النصوص الموجبة لإقامة الحد سواء على الزاني أو السارق أو شارب الخمر، وليس فيها التفريق بين كون الشرب حدث قبل إقامة الحد أو بعده (¬6). الدليل الثاني: قياسًا على حد القذف، فكما أنه من قذف أكثر من شخص حُد لكل شخص حد مستقل، فكذا سائر الحدود (¬7). ¬
[234/ 4] تحريم خل الخمر إذا ظهرت رائحة أو طعم أو لون الخمر منها.
الدليل الثالث: أن القول بتداخل الحد يفضي إلى فتح باب فساد بارتكاب الزنا، والتجرؤ عليه أكثر من مرة قبل إقامة الحد عليه (¬1).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الظاهرية. ولعل من حكى الإجماع لم يعتبر قول المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [234/ 4] تحريم خل الخمر إذا ظهرت رائحة أو طعم أو لون الخمر منها. [235/ 4] تحريم الطعام المعمول بالخمر إذا ظهرت رائحة أو طعم أو لون الخمر منه. • المراد بالمسألتين: سبق أن الخمر إن صارت خلًا بنفسها فإنها تكون حلالًا طاهرة، يباح أكلها (¬2)، والمراد هنا بيان أن الخل إن كانت رائحة الخمر ظاهرة فيه، فإنه لا يباح ويكون محرمًا شربه. وكذا من صنع أي طعام بالخمر، وظهرت رائحة الخمر في الطعام فإنه يحرم أكله. ويتبيَّن مما سبق أن الخمر أو الطعام الذي عمل بالخمر وكان قد اختفى منه لون وطعم ورائحة الخمر فذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اختلفوا في خل الخمر وفي طعام عمل بالخمر إلا أنه ليس له فيها لون ولا طعم ولا رائحة أيحل أم لا واتفقوا إذا ظهرت الرائحة منها واللون أو الطعم فإنه حرام" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬4)، ¬
[236/ 17] تحريم الحشيشة إذا سكر منها.
والمالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن الخمر نجسة، يحرم شربها، وبقاء لون الخمر أو طعمه أو ريحه يدل على بقاء أثر العين.Rالمسألتان فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [236/ 17] تحريم الحشيشة إذا سكر منها. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الحشيشة: الحشيشة نوع من النباتات البريَّة الضارة، وهي من النباتات المعمِّرة الحولية، وزهرتها صفراء، وتنتشر غالبًا بكثرة من حوض البحر الأبيض المتوسط إلى شمال غرب الهند، وهي أنواع كثيرة جدًا، منها حشيش الأفيون الذي يُستخرج من أزهاره أنواع المخدرات كالهيروين، والمورفين، وغيرها. ثانيًا: المراد بالمسألة: الحشيشة من النباتات الضارة التي تؤدي إلى الإسكار، فمن تناول منها ما يبلغ حد الإسكار، فإنه قد ارتكب أمرًا محرمًا. ويُنبه إلى أمرين: الأول: أن المراد التحريم أما وجوب الحد به فمسألة أخرى غير مرادة. الثاني: التحريم متعلق بالسكر منها، أما إن شرب ما لا يبلغ حد الإسكار فغير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "هذه الحشيشة الصلبة حرام، سواء سكر منها أو لم يسكر، والسكر منها حرام باتفاق المسلمين" (¬4) ونقله عنه ¬
المرداوي (¬1) والصنعاني (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) (¬6). الدليل الثاني: عن جابر -رضي اللَّه عنه-: أن رجلًا قدم من جيشان -وجيشان من اليمن- فسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له المِزْر، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أوَمسكر هو)؟ قال: نعم، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كل مسكر حرام. . . الحديث) (¬7). • وجه الدلالة: الحديثان صريحان في تحريم كل مسكر، والحشيشة مُسكرة فتدخل في عموم النهي (¬8). الدليل الثالث: عن أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت: "نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ¬
[237/ 4] قبول توبة شارب الخمر.
كل مُسكِر ومفتِّر (¬1) " (¬2). • وجه الدلالة: الحديث صريح في النهي عن كل مفتِّر، والحشيشة إن لم تُسكر فهي من المفترات (¬3). الدليل الرابع: أن العلة من تحريم الخمر هي الإسكار، وهذه العلة موجودة في الحشيشة إذا أسكرت، فالضرر الحاصل بالحشيشة كالضرر الحاصل في الخمر، وربَّما أشد (¬4).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [237/ 4] قبول توبة شارب الخمر. • المراد بالمسألة: إذا شرب شخص الخمر حتى سكر منه، سواء فعل ذلك مرة أو مرارًا، ثم تاب من ذلك الفعل، فإن توبته تُقبل عند اللَّه تعالى. ويتبين مما سبق أن المراد سقوط إثم الشرب المحرَّم فيما بينه وبين اللَّه تعالى، أما سقوط الحد، فمسألة أخرى. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن التوبة من الكفر مقبولة ما لم يوقن الإنسان بالموت بالمعاينة، ومن الزنا، ومن فعل قوم لوط، ومن شرب الخمر" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬2)، الشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عموم الأدلة الدالة على عفو اللَّه تعالى ومغفرته للذنوب بالتوبة، ومنها: أ- قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} (¬5). ب- قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} (¬6). ج- قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} (¬7). الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (التائب من ¬
الذنب كمن لا ذنب له" (¬1). • وجه الدلالة: فيه دلالة على أن التائب من الذنب مساوٍ لمن لا ذنب له، ويدخل في ذلك من تاب من شرب الخمر. الدليل الرابع: ما جاء في قصة ماعز -رضي اللَّه عنه- حين أقيم عليه الحد، ووجد مس الحجارة، ففرَّ يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل، فضربه به، وضربه الناس، حتى مات، فذكروا ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه فر حين وجد مس الحجارة، ومس الموت، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب اللَّه عليه) (¬2). الدليل الخامس: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتي برجل أكره امرأة على الزنا، ثم جاء تائبًا، فلم يرجمه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال له: (اذهب فقد غفر اللَّه لك) (¬3). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشد الصحابة -رضي اللَّه عنهم- إلى أن الأفضل حين هرب ماعز -رضي اللَّه عنه- أن يتركوه لتوبته، ولا يقيموا عليه الحد، وكذا لم يُقم الحد على من أكره المرأة على الزنا، وهو دليل على قبول التوبة منه، وهذا إن كان في الزنا ففي شرب الخمر من باب أولى؛ لأنه أخف من الزنا (¬4). الدليل السادس: عموم الأدلة الدالة على إباحة ستر الإنسان على نفسه ما ارتكبه مما يوجب الحد، ويدخل في ذلك حد شرب الخمر (¬5).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في إثبات السكر
الفصل الثاني مسائل الإجماع في إثبات السكر [238/ 4] يثبت حد الخمر على من أقر على نفسه بشرب الخمر مرتين. • المراد بالمسألة: من طُرق إثبات حد شرب الخمر الإقرار، ومن صور الإقرار المجمع على إثبات الحد بها أن من أقر على نفسه مرتين عند الإمام أنه شرب الخمر المُسكر، ولم يرجع عن إقراره، فإنه يقام عليه الحد بموجب إقراره. ويُنبه إلى أنه ليس المراد أن الإقرار مرتين شرط في الحد، وأن من أقر مرة لم يجب عليه الحد، وإنما المراد أن الإقرار مرتين موجب للحد، أما الإقرار مرة واحدة فهو موضع خلاف غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أنه إن أقر مرتين كما قلنا في إقراره بالزنا، وثبت، أنه يُحد" (¬1). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أنه إن أقر بشرب الخمر مرتين، وثبت، أنه يُحد" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن من أقر على نفسه بالشرب فقد ثبت ارتكابه لما أوجب الحد، ولا يوجد نص في اشتراط عدد معين في الإقرار كما هو في الزنا. ¬
[239/ 20] يثبت حد الخمر بشهادة عدلين.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [239/ 20] يثبت حد الخمر بشهادة عدلين. [240/ 21] يثبت حد الخمر إذا شهد الشاهدان أنهما رأياه يشرب الخمر. • المراد بالمسألتين: الشهادة من طرق إثبات حد شرب الخمر، ومن صور إثبات الحد بالشهادة أن يشهد اثنان عدلان على شخص أنهما رأياه يشرب الخمر. ويتبين مما سبق أن شهادتها إن كانت ليست معتمدة على الرؤية وإنما وجدا منه رائحة الخمر، أو رأياه يتقيأ الخمر، ذلك غير مراد (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن عدلين يقبلان في الخمر إذا ذكرا أنهما رأياه يشرب خمرًا" (¬2). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن عدلين يقبلان في الخمر إذا ذكرا أنهما رأياه يشرب الخمر" (¬3) • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن حد الشرب كسائر الحدود، فيثبت بشهادة العدلين، وليس ثمة دليل على اشتراط أكثر من شاهدين كما هو في حد الزنا. ¬
[241/ 4] يثبت الحد على شارب الخمر إذا وجدت منه ريح خمر، أو إذا تقيأ الخمر.
Rالمسألتان فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم، [241/ 4] يثبت الحد على شارب الخمر إذا وُجدت منه ريح خمر، أو إذا تقيأ الخمر. • المراد بالمسألة: من طرق إثبات حد شرب الخمر ما يلي: أولًا: أن يتقيأ الشخص خمرًا. ثانيًا: أن تظهر من فم الشخص رائحة خمر. فإذا وُجد شخصٌ قد تقيأ الخمر من فمه، أو ظهرت من فمه ريح خمر، فإنَّ هذا دلالة على شربه للخمر، وللإمام إقامة الحد عليه بموجب الرائحة أو القيء. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ) بعد ذِكره لأثر عثمان -رضي اللَّه عنه- في جلد شارب الخمر بموجب القيء (¬1): "هذا بمحضر من علماء الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وسادتهم، ولم يُنكر، فكان إجماعًا" (¬2). قال شمس ابن قدامة (682 هـ) بعد ذِكره لأثر عثمان في جلد شارب الخمر بموجب القيء: "هذا بمحضر من علماء الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وسادتهم، ولم ينكر، فكان إجماعًا" (¬3). وقال ابن القيم (751 هـ): "إقامة الحدود بالرائحة والقيء كما اتفق عليه الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬5). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قال عمر -رضي اللَّه عنه-: "وجدت من عبيد اللَّه (¬1) ريح شراب، وأنا سائل عنه، فإن كان يُسْكر، جلدُته" (¬2). الدليل الثاني: أن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- "قرأ سورة يوسف فقال رجل، ما هكذا أنزلت، قال: قرأتُ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: (أحسنت)، ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجمع أن تكذب بكتاب اللَّه وتشرب الخمر؟ فضربه الحد" متفق عليه (¬3). الدليل الثالث: عن حضين بن المنذر أبو ساسان (¬4) قال: شهدتُ عثمان بن ¬
عفان -رضي اللَّه عنه- وأُتي بالوليد (¬1) قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران (¬2) أنه شرب الخمر، وشهد آخر أن رآه يتقيأ، فقال عثمان: "إنه لم يتقيأ حتى شربها"، فقال يا علي قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن (¬3) فاجلده، فقال الحسن: "ولِّ حارَّها من تولَّى قارَّها" (¬4) -فكأنه وجد عليه-، فقال: يا عبد اللَّه بن جعفر (¬5) قم فاجلده، فجلده وعليٌّ يعُد، حتى بلغ أربعين، فقال: أمسِك، ثم قال: "جلد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أربعين، وجلد ¬
أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي" (¬1). • وجه الدلالة: أن جلد شارب الخمر بقرينة الرائحة أو القيء ثابت عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي اللَّه عنهم، ولا مخالف لهم من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-. الدليل الرابع: أن تقيأ الخمر إنما يكون إذا شرِبها، فهو قرينة صريحة في الشرب (¬2). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على ثلاثة أقوال: القول الأول: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا حد بموجب الرائحة، أو القيء. وهو قول الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). ونسبه ابن قدامة لأكثر أهل العلم (¬6)، وهو مروي عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- (¬7). القول الثاني: أن الذي يجب عليه الحد بالرائحة هو المشهور بين الناس بشرب الخمر وإدمانها. وهذا القول محكي عن بعض السلف (¬8)، منهم عمر بن الخطاب (¬9)، وعبد اللَّه بن الزبير (¬10). ¬
القول الثالث: أنه لا يحد بمجرد الرائحة بل لا بد أن ينضم معها قرينة أخرى، مثل أن يوجد جماعة شهروا بالفسق، ويوجد معهم خمر، ويوجد من أحدهم رائحة الخمر. وهذا القول مروي عن عطاء (¬1)، وحكاه ابن حجر عن الموفَّق ابن قدامة (¬2). • دليل المخالف: استدل من منع الحد بالرائحة بـ: أن الرائحة قد يكون سببها أن الرجل تمضض بها، أو شربها يحسبها ماء، أو شرابًا مباحًا ريحه كريح الخمر، أو نحو ذلك من الشُبَه المحتملة التي تدرأ بها الحدود (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وهي كما قال ابن حجر: "والمسألة خلافية شهيرة" (¬4). وأما من نقل الإجماع فيها فإنما نقل إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في ذلك من باب الإجماع السكوتي الذي لا يُعرف له مخالف، وهذا منازع من وجهين: ¬
[242/ 4] لا تقبل شهادة النساء في إثبات حد الخمر.
الأول: أن الخلاف قد ورد عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه لا يرى الجلد بمجرَّد الرائحة، وكذا عن عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه عنهما إنما يرى الجلد بالرائحة مع القرينة، فدعوى عدم المخالف غير محققة. الثاني: أن دعوى كون عمر وعثمان وابن مسعود -رضي اللَّه عنهم- رأوا الجلد بمجرَّد الرائحة والقيء منازع فيها، فأما أثر عمر -رضي اللَّه عنه- فإنه قد جاء في بعض الروايات أن عمر -رضي اللَّه عنه- إنما جلده بموجب إقراره (¬1). وأما أثر عثمان -رضي اللَّه عنه- فإنه إنما أقامه بشهادة حمران أنه رآه يشربها، فكان الجلد لا بموجب القيء، وإنما لما اعتضد معها من شهادة حمران بالرؤية. وأما أثر ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- فليس صريحًا في أن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أقام الحد بموجب الرائحة، كما قال النووي بعد ذكره للحديث: "ويحمل أيضًا أن الرجل اعترف بشرب خمر بلا عذر" (¬2). [242/ 4] لا تُقبل شهادة النساء في إثبات حد الخمر. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب حد شرب الخمر، وكان ثبوته بموجب الشهادة، فإنه يشترط أن يكون الشهود كلهم رجال، ولا تصح شهادة النساء. وهنا ينبه إلى أمرين: الأول: لو ثبت الحد بالإقرار، كأن أقرت المرأة على نفسها بشرب الخمر، فغير مراد. الثاني: إن كان موجب الحد وقع في مجمع نسائي محض، كالحمام، فعدم قبول شهادة النساء حينئذٍ غير مراد. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "ويثبت الشرب بشهادة شاهدين، ويثبت بالإقرار مرة واحدة. . . ولا تقبل فيه شهادة النساء مع الرجال، ولا نعلم في ذلك خلافًا" (¬1). ويضاف إلى ذلك ما سبق من النقولات في الإجماع على عدم قبول شهادة النساء في الحدود (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (¬3). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (¬4). • وجه الدلالة: في الآية إشارة إلى أن الشهادة خاصة بالرجال العدول، لأنه جاء بها بلفظ التذكير (¬5). الدليل الثالث: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدقن؛ فإني أريتكن أكثر أهل النار) فقلن: وبم يا رسول اللَّه؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول اللَّه؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ ) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ ) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان دينها) ¬
متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: في الحديث أن شهادة النساء عُرضة للخطأ، وهي ناقصة عن شهادة الرجال، وهذا نوع شبهة، وجلد شارب الخمر من جملة الحدود التي تدرأ بالشبهات (¬2). الدليل الرابع: قال الزهري: "مضت السنة من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والخليفتين من بعده ألا تجوز شهادة النساء في الحدود" (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى جواز شهادة النساء في حد شرب الخمر. وبه قال طاووس، وعطاء، وحماد بن أبي سليمان، والظاهرية (¬4). • دليل المخالف: استدل القائلون بقبول شهادة النساء في الخمر بما يلي: الدليل الأول: القياس على الأموال، فكما تُقبل شهادة النساء فى الأموال، فكذا الخمر (¬5). الدليل الثاني: أن الأصل استواء الرجال والنساء في الأحكام، ولا يوجد نص صريح صحيح يخرج النساء عن قبول شهادتهن في الحدود.Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لخلاف عطاء وطاووس وابن حزم، ولذا حين ذكر ابن رشد المسألة قال: "فالذي عليه الجمهور أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود لا مع رجل ولا مفردات" (¬6)، فنسبه للجمهور، ولم يذكره إجماعًا. ¬
[243/ 4] الشهادة في الحال تسمع على حد شرب الخمر.
وقول ابن الهمام في عدم الخلاف إما وهم، أو أنه لم يعتبر قول المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [243/ 4] الشهادة في الحال تسمع على حد شرب الخمر. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب حد شرب الخمر، وكان ثبوتها عليه بموجب شهادة الشهود، وكانت شهادتهم قد أُديت بعد الجريمة بمدة أقل من شهر، فإنه على الإمام أن يسمع شهادتهم، ويقبلها، إذا توفرت سائر الشروط. ويتبيَّن من ذلك أنه إن تقادمت الشهادة بأن أدُّوها بعد شهر أو أكثر من وقت الجريمة فذلك غير مراد (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن الشهادة في الحال تسمع على القذف، والزنا، وشرب الخمر" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن الأصل قبول الشهادة حتى يرد الدليل على المنع، فإن أُديت الشهادة بعد وقوع الجريمة بزمن قليل فالأصل قبولها حتى يرد الدليل على المنع، وليس ثمة دليل يمنع من ذلك. ¬
[244/ 4] يقام حد شرب الخمر على من شرب الخمر عالما تحريمه، جاهلا عقوبته.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [244/ 4] يقام حد شرب الخمر على من شرب الخمر عالمًا تحريمه، جاهلًا عقوبته. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب حد شرب الخمر، وكان عالمًا بتحريم الخمر، لكنه يجهل عقوبة ذلك من الجلد، فإنه يُقام الحد عليه، وجهْله بالعقوبة لا يُعفيه من الحد. • من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "من زنى أو شرب أو سرق عالمًا تحريم ذلك، جاهلًا وجوب الحد، فيجب الحد بالاتفاق" (¬1). وقال القرافي (684 هـ): "إن علم التحريم وجهل الحد حُد اتفاقًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: ما جاء في قصة ماعز حين رُجم قال: "ردوني إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غير قاتلي" (¬5). • وجه الدلالة: ظاهر القصة أن ماعزًا -رضي اللَّه عنه- لم يكن يحلم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سيقيم عليه حد الرجم، ومع ذلك لم يكن ذلك مُسقطًا عنه للعقوبة، وهذا في الزنا فيقاس عليه حد الشرب (¬6). الدليل الثاني: أنه إذا علم التحريم كان الواجب عليه الامتناع عن فعل المعصية (¬7). ¬
[245/ 4] من شرب الخمر ثم تاب من ذلك، ولم يقم عليه الحد، فإنه مقبول الشهادة.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [245/ 4] من شرب الخمر ثم تاب من ذلك، ولم يُقم عليه الحد، فإنه مقبول الشهادة. • المراد بالمسألة: إذا شرب شخص الخمر حتى سكر، سواء فعل ذلك مرة أو أكثر، ثم تاب من الشرب، ولم يُقم عليه الحد، فإن شهادته تكون مقبولة. ويتبين مما سبق أنه لو حُد لشرب الخمر، ثم تاب، فالمسألة غير مرادة (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن الرجل إذا كان يشرب الخمر من الشراب حتى يسكر ثم تاب، فشهد بشهادة، وجب أن تقبل شهادته إذا كان عدلًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (¬7). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر عن الذين يرمون المحصنات بعدم قبول شهادتهم، ثم استثنى من ذلك من تاب وأصلح، فدل على قبول شهادته بذلك، ¬
وهذا في القذف فغيره من الحدود من باب أولى (¬1). الدليل الثاني: عموم الأدلة الدالة على مغفرة اللَّه تعالى لجميع الذنوب، ومنها: أ- {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} (¬2). ب- قول اللَّه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)} (¬3). • وجه الدلالة: دلت الآية على أن التوبة سبب للقبول والعفو، ومن قبلت توبته وعفي عن سيئته، فهو كمن لا ذنب له، فيكون بذلك مقبول الشهادة (¬4). الدليل الثالث: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) (¬5). • وجه الدلالة: عموم الحديث دل على أن من تاب من ذنب، فإنه يرجع حكمه كأنه لا ذنب له، وهو يدل على أن شهادته ترجع مقبولة كما كانت قبل الذنب (¬6). الدليل الرابع: أن ردَّ شهادة من وجب عليه الحد كان موجبه الفسق، وليس الحد، وقد ارتفع الفسق بالتوبة، فرجع قبول شهادته (¬7).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[246/ 4] من أقيم عليه حد شرب الخمر، ثم تاب وأصلح، فإن شهادته مقبوله.
[246/ 4] من أقيم عليه حد شرب الخمر، ثم تاب وأصلح، فإن شهادته مقبوله. • المراد بالمسألة: من ارتكب ما يوجب حد شرب الخمر، ثم أقيم عليه حد الجلد، ثم تاب وحسنت توبته، فإنه يكون عدلًا، تقبل شهادته إذا أراد الشهادة في أمر ديني أو دنيوي. ويتبيَّن أن المسألة هي فيمن أقيم عليه الحد، ثم تاب وأصلح. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "وأما المحدود في الزنا والسرقة والشرب فتقبل شهادته بالإجماع إذا تاب" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4). • مستند الإجماع: سبق بيان مستند الإجماع، والمخالف، ودليل المخالف، في المسائل العامة في الحدود تحت عنوان: "من أتى حدًا من الحدود فأقيم عليه، ثم تاب وأصلح، فإن شهادته مقبولة إلا القاذف" (¬5). وإنما ذكرت المسألة هنا لوجود من نص عليها في حد الشرب.Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لوجود الخلاف في المسألة عن المالكية حيث يرون عدم جواز شهادته فيما يتعلق بحد شرب الخمر، وكذا خالف الأوزاعي، والحسن بن حي حيث يريان عدم قبول شهادة المحدود بشرب الخمر مطلقًا سواء شهد على شرب الخمر أو على أمر آخر. ¬
[247/ 4] من أكره على شرب الخمر فلا حد عليه، ولا إثم.
وحكاية الكاساني للإجماع لعلَّه أراد به الإجماع المذهبي عند الحنفية، واللَّه تعالى أعلم. [247/ 4] من أكره على شرب الخمر فلا حد عليه، ولا إثم. • المراد بالمسألة: من أُكرِه على شرب الخمر بأن فُتح فمُه إجبارًا عنه وصُب في فيه خمرًا، فإنه غير مؤاخذ في ذلك، ولا حد عليه. ويتبيَّن مما سبق أنه إن كان شربه للخمر باختياره لكنه لحاجة كأن شرِبه لجوع، أو عطش، أو تداوٍ، أو دفع غصة في حلقه، فكل ذلك غير مواد. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "من أكره على شرب الخمر، ففتح فمه كرهًا بأكاليب، وصب فيه الخمر حتى سكر، فإن هذا لا خلاف في أنه غير آثم" (¬1). وقال ابن العربي (543 هـ): "فإن اضطر إلى خمر فإن كان بإكراه شرب بلا خلاف" (¬2). وبمثله قال القرطبي (671 هـ) (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (¬7). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى عذر المُكره في الكفر، فمن باب أولى أن يكون معذورًا فيما يتعلق بشرب الخمر الذي هو أخف من الكفر (¬8). ¬
الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬1). • وجه الدلالة: الآية دلالة على أنه لا إثم على المكرهة على الزنا فيلزم أن لا يجب عليها الحد، فمن باب أولى العفو عن الإكراه في شرب الخمر، لأنه لا يتعلق به حق للغير (¬2). الدليل الثالث: عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) (¬3). • وجه الدلالة: الحديث نص في عدم معاقبة المخطئ والناسي، والمُكرَه، وعدم لحوق الإثم بهم، وهذا عام يدخل فيه شارب الخمر (¬4). الدليل الرابع: أن الإكراه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات (¬5). الدليل الخامس: أن المقصود من الحد هو الردع والزجر له حتى لا يعود، والمُكره هو منزجر في الأصل (¬6).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الثالث مسائل الإجماع في عقوبة المسكر
الفصل الثالث مسائل الإجماع في عقوبة المسكر [248/ 4] ثبوت حد الخمر. • المراد بالمسألة: مما تقرر في الشريعة الإسلامية إقامة الحد على شارب الخمر، وقد قام الإجماع على ثبوت هذا الحد، وأنه داخل ضمن الأحكام الخاصة بالحدود، من تحريم تعطيلها أو الشفاعة فيها إذا بلغت الإمام، ونحو ذلك، وتعطيل هذا الحد هو تعطيل لحدٍ ثابت. • من نقل الإجماع: قال أبو منصور البغدادي (429 هـ): "وقد أجمع فقهاء الأمة على تكفير من أنكر حد الخمر" (¬1). قال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر" (¬2). وقال ابن دقيق العيد (702 هـ): "لا خلاف في الحد على شرب الخمر" (¬3). وقال ابن تيمية (728 هـ): "أما حد الشرب، فإنه ثابت بسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وإجماع المسلمين" (¬4). وقال ابن حجر (852 هـ): "وقد استقر الإجماع على ثبوت حد الخمر" (¬5). ويضاف إليها النقولات التي سبقت في مسألة: "من شرب من خمر العنب ما لا يحصل به الإسكار، ولو قطرة واحدة، أقيم عليه الحد" (¬6). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه) (¬3). • وجه الدلالة: الحديث صريح في الأمر بجلد شارب الخمر، وهذا إنما يكون من باب الحد. الدليل الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، فلما كان عمر -رضي اللَّه عنه- استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه- (¬4): أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر -رضي اللَّه عنه-" (¬5). الدليل الثالث: عن حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدتُ عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- وأُتي بالوليد بن عقبة -رضي اللَّه عنه- قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أن رآه يتقيأ، فقال عثمان: "إنه لم يتقيأ حتى شربها"، فقال يا علي قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: "ولِّ حارَّها من تولى قارَّها"، -فكأنه ¬
وجد عليه-، فقال يا عبد اللَّه بن جعفر، قم فاجلده، فجلده وعليٌّ يعُد، حتى بلغ أربعين، فقال: أمسِك، ثم قال: "جلد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحبُّ إلي" (¬1). • وجه الدلالة: الأحاديث السابقة صريحة في ثبوت جلد شارب الخمر من فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبي بكر، وعمر، وعلي رضي اللَّه عنهم. • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن جلد شارب الخمر هو من باب التعزير. وهو قول طائفة من أهل العلم (¬2)، واختاره ابن عثيمين (¬3). • دليل المخالف: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب في الرابعة فاقتلوه) (¬4). • وجه الدلالة: الحديث دليل على أن عقوبة شارب الخمر تتدرج حتى تصل إلى القتل، ولو كان حدًا محدودًا لكان الحد فيه لا يتغيَّر (¬5). الدليل الثاني: عن عقبة بن الحارث -رضي اللَّه عنه- قال: "جيء بالنعيمان أو ابن النعيمان شاربًا فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من كان بالبيت أن يضربوه، قال فكنت أنا ¬
فيمن ضربه، فضربناه بالنعال والجريد" (¬1). الدليل الثالث: عن السائب بن يزيد -رضي اللَّه عنه- قال: "كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإمرة أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، وصدرًا من خلافة عمر -رضي اللَّه عنه-، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين" (¬2). الدليل الرابع: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- برجل قد شرب، قال: (اضربوه)، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللَّه، قال: (لا تقولوا هكذا؛ لا تعينوا عليه الشيطان) (¬3). • وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: ظاهر الأحاديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحد لشارب الخمر عددًا معينًا في الجلد (¬4). الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يوقت في الخمر حدًا" (¬5).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف. • ومن نقل الإجماع في المسألة لعله لم يعتبر قول المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[249/ 4] حد شارب الخمر لا ينقص عن أربعين جلدة.
[249/ 4] حد شارب الخمر لا ينقص عن أربعين جلدة. • المراد بالمسألة: إذا ثبت عند الإمام على شخص ما يوجب حد شرب الخمر، فإن الإمام يجلده أربعين جلدة فما فوق، ولا يجوز له أن يجلده دون الأربعين. والمراد هنا تقرر الإجماع أن شارب الخمر يُجلد أربعين جلدة، أما ما زاد عن الأربعين فهو موضع خلاف غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن الحد أن يكون مقدار ضربه في ذلك أربعين، واختلفوا في إتمام الثمانين" (¬1). قال ابن المرتضى (840 هـ): "ولا ينقص حده عن الأربعين إجماعًا" (¬2) ونقله عنه الشوكاني (¬3). وقال المطيعي (1404 هـ): "ولا ينقص حد الشرب عن الأربعين إجماعًا" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدتُ عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- وأُتي بالوليد بن عقبة -رضي اللَّه عنه- قد صلى الصبح ¬
ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أن رآه يتقيأ، فقال عثمان: "إنه لم يتقيأ حتى شربها"، فقال يا علي قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: "ولِّ حارَّها من تولى قارَّها"، -فكأنه وجد عليه-، فقال يا عبد اللَّه بن جعفر، قم فاجلده، فجلده وعليٌّ يعُد، حتى بلغ أربعين، فقال: أمسِك، ثم قال: "جلد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحبُّ إليّ" (¬1). الدليل الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، فلما كان عمر -رضي اللَّه عنه- استشار الناس، فقال عبد الرحمن -رضي اللَّه عنه-: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر -رضي اللَّه عنه-" (¬2). وفي رواية: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين" (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن شارب الخمر يصح جلده دون الثمانين، على خلاف بينهم في موجب الجلد على قولين: القول الأول: أن جلد شارب الخمر ليس من باب الحد، وإنما هو من باب التعازير (¬4). القول الثاني: أن جلد شارب الخمر من باب الحد، لكن جلده ليس له ¬
عدد معيَّن (¬1). • دليل المخالف: استدل من أجاز جلد شارب الخمر أقل من أربعين جلدة بما يلي: الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: "ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر؛ فإنه لو مات وديته؛ وذلك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يسنَّه" متفق عليه (¬2). وفي رواية للبيهقي بلفظ: "ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئًا؛ الحقُّ قَتَله" (¬3). • وجه الدلالة: الحديث صريح في أن من جلد صاحب الخمر ثم مات من الجلد أن الجلاد يضمن التلف، وهو يدل على أن هذا الجلد غير مأذون به شرعًا. الدليل الثاني: عن عقبة بن الحارث قال: "جيء بالنعيمان أو ابن النعيمان شاربًا فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من كان بالبيت أن يضربوه، قال: فكنت أنا فيمن ضربه، فضربناه بالنعال والجريد" (¬4). الدليل الثالث: عن السائب بن يزيد -رضي اللَّه عنه- قال: "كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإمرة أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، وصدرًا من خلافة عمر -رضي اللَّه عنه-، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر -رضي اللَّه عنه-، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين" (¬5). الدليل الرابع: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- برجل قد شرب، قال: (اضربوه)، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، ¬
[250/ 4] حد شارب الخمر ثمانون جلدة إن كان حرا.
والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللَّه، قال: (لا تقولوا هكذا؛ لا تعينوا عليه الشيطان) (¬1). • وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: ظاهر الأحاديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحد لشارب الخمر عددًا معينًا في الجلد (¬2).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الفقهاء. ومن نقل الإجماع فيه ذلك لعله لم يعتبر قول المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [250/ 4] حد شارب الخمر ثمانون جلدة إن كان حرًا. • المراد بالمسألة: إذا ثبت حد الشرب على شخص، فإن مقدار جلده إن كان حرًا ثمانون جلدة. • من نقل الإجماع: قال ابن بطال (449 هـ): "فثبت بهذا كله أن التوقيف في حد الخمر على ثمانين إنما كان في زمن عمر وانعقاد إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على ذلك" (¬3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "انعقد إجماع الصحابة رضوان اللَّه عليهم في زمن عمر رضي اللَّه عنه على الثمانين في حد الخمر، ولا مخالف لهم منهم، وعلى ذلك جماعة التابعين، وجمهور فقهاء المسلمين، والخلاف في ذلك كالشذوذ المحجوج بالجمهور" (¬4). وقال الباجي (474 هـ): "وقع الاجتهاد في ذلك في زمن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، ولم يوجد عند أحد منهم نص على تحديد. . . ثم أجمعوا واتفقوا أن الحد ثمانون، وحكم بذلك على ملأ منهم، ولم يعلم لأحد فيه مخالفة فثبت أنه إجماع" (¬5). ¬
وقال السرخسي (483 هـ): "فلما كان زمان عمر رضي اللَّه عنه جعل ذلك ثمانين سوطًا، والخبر وإن كان من أخبار الآحاد فهو مشهور، وقد تأكد باتفاق الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬1). وقال الكاساني (587 هـ): "حد شرب الخمر وحد السكر مقدر بثمانين جلدة في الأحرار؛ لإجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬2). وقال المرغيناني (593 هـ): "وحدُّ الخمر والسكر في الحر ثمانون سوطًا؛ لإجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "في قدر الحد وفيه روايتان، إحداهما: أنه ثمانون، وبهذا قال مالك، والثوري، وأبو حنيفة، ومن تبعهم؛ لإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬4). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "حدُّه ثمانون؛ لإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬5). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "وحدُّه ثمانون في إحدى الروايتين، وبهذا قال مالك، والثوري، وأبو حنيفة، ومن تبعهم؛ لإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬6). وقال ابن مودود الموصلي (683 هـ): "وعدده ثمانون سوطًا في الحر بإجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬7). وقال الزيلعي (743 هـ): "حد السكر والخمر ولو شرِب قطرة ثمانون سوطًا. . . وعليه إجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬8). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "الحد ثمانون جلدة؛ لإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬9). وقال ابن نجيم (907 هـ): "وحد السكر والخمر ولو شرِب قطرة ثمانون سوطًا؛ لإجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬10). ¬
وقال البهوتي (1051 هـ): "وإذا شربه -أي المسكر- فعليه الحد ثمانون جلدة؛ لإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬1). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "وإذا شربه -أي المسكر- فعليه الحد ثمانون جلدة مع الحرية؛ لإجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم-" (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، فلما كان عمر -رضي اللَّه عنه- استشار الناس، فقال عبد الرحمن -رضي اللَّه عنه-: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر -رضي اللَّه عنه-" (¬3). الدليل الثاني: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-: "نرى أن تجلده ثمانين؛ فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى" (¬4). ¬
• وجه الدلالة: الحديث ظاهر في أن عمر -رضي اللَّه عنه- استشار الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في جلد شارب الخمر بعد أن كان يجلد أربعين، فاشار عليه عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما بثمانين جلدة، وفعله عمر -رضي اللَّه عنه- بمحضر الصحابة -رضي اللَّه عنهم- فكان منهم كالاتفاق عليه (¬1). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الواجب في حد الخمر هو أربعون جلدة، وهو قول الشافعية (¬2)، ورواية عند الحنابلة (¬3) وبه قال الظاهرية (¬4). القول الثاني: أن جلد شارب الخمر ليس له عدد معيَّن، مع خلافهم في ¬
موجب الجلد في شرب الخمر، على قولين: فقيل: أن جلد شارب الخمر ليس من باب الحد، وإنما هو من باب التعازير. وقيل: أن جلد شارب الخمر من باب الحد، لكن جلده ليس له عدد معيَّن (¬1). • دليل المخالف: أما الذين حدُّوا الجلد بأربعين، فاستدلوا بما يلي: الدليل الأول: عن حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدتُ عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- وأتي بالوليد -رضي اللَّه عنه- قد صلّى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أن رآه يتقيأ، فقال عثمان: "إنه لم يتقيأ حتى شربها"، فقال يا علي قم فاجلده، فقال علي -رضي اللَّه عنه-: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن -رضي اللَّه عنه-: "ولِّ حارَّها من تولى قارَّها"، -فكأنه وجد عليه-، فقال يا عبد اللَّه بن جعفر، قم فاجلده، فجلده وعليٌّ -رضي اللَّه عنه- يعُدّ، حتى بلغ أربعين، فقال: أمسِك، ثم قال: "جلد النبي -رضي اللَّه عنه- أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحبُّ إلي" (¬2). الدليل الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، فلما كان عمر -رضي اللَّه عنه- استشار الناس، فقال عبد الرحمن -رضي اللَّه عنه- أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر -رضي اللَّه عنه-" (¬3). • وجه الدلالة: الأحاديث صريحة أن جلد شارب الخمر في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما كان أربعين جلدة، وكذا فعله أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، وإنما زاده عمر -رضي اللَّه عنه- حين زاد الناس في شرب الخمر، فتكون زيادة عمر -رضي اللَّه عنه- من باب التعزير (¬4). ¬
وأما الذين قالوا بأنه ليس لشارب الخمر حدٌّ معيَّن فاستدلوا بما يلي: الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: "ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر؛ فإنه لو مات وديته؛ وذلك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يسنَّه" متفق عليه (¬1). وفي رواية للبيهقي بلفظ: "ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئًا؛ الحقُّ قَتَله" (¬2). • وجه الدلالة: الحديث صريح في أن من جلد صاحب الخمر ثم مات من الجلد أن الجلاد يضمن التلف، وهو يدل على أن هذا الجلد غير مأذون به شرعًا. الدليل الثاني: عن عقبة بن الحارث -رضي اللَّه عنه- قال: "جيء بالنعيمان أو ابن النعيمان شاربًا فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من كان بالبيت أن يضربوه، قال فكنت أنا فيمن ضربه، فضربناه بالنعال والجريد" (¬3). الدليل الثالث: عن السائب بن يزيد -رضي اللَّه عنه- قال: "كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإمرة أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، وصدرًا من خلافة عمر -رضي اللَّه عنه-، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر -رضي اللَّه عنه-، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين" (¬4). الدليل الرابع: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- برجل قد شرب، قال: (اضربوه)، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللَّه، قال: (لا تقولوا ¬
[251/ 4] يجوز جلد شارب الخمر ثمانين جلدة.
هكذا؛ لا تعينوا عليه الشيطان) (¬1). • وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: ظاهر الأحاديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحد لشارب الخمر عددًا معينًا في الجلد (¬2). الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يوقّت في الخمر حدًا" (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم. ومن حكى الإجماع في المسألة فإنما حكى إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنه-، وقد ثبت خلاف علي -رضي اللَّه عنه- وأنه جلد أربعين، فهي ليست محل إجماع حتى بين الصحابة -رضي اللَّه عنهم-. ولذا تعقَّب الإجماع الشوكاني بقوله: "الحاصل أن دعوى إجماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- غير مسلَّمة؛ فإن اختلافهم في ذلك قبل إمارة عمر -رضي اللَّه عنه- وبعدها وردت به الروايات الصحيحة، ولم يثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الاقتصار على مقدار معين، بل جلد تارة بالجريد، وتارة بالنعال، وتارة بهما فقط، وتارة بهما مع الثياب، وتارة بالأيدي والنعال" (¬4). وأما قول ابن عبد البر بأن الخلاف فيه شذوذ، فغير مسلَّم، بل الخلاف فيه معتبر؛ لثبوته عن الشافعية، والحنابلة في رواية، والظاهرية، واللَّه تعالى أعلم. [251/ 4] يجوز جلد شارب الخمر ثمانين جلدة. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص شرب الخمر، وجلده الإمام ثمانون جلدة، فإنَّ فعل الإمام صحيح، ولا يُعتبر آثمًا في ذلك. ¬
والمراد هنا بيان صحة جلد شارب الخمر ثمانين جلدة، أما كون هذا الجلد بهذا العدد هو من باب الحد، أو فيه تعزير، فهذه مسألة أخرى غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "حده أربعون جلدة، أو ثمانون جلدة، فإن جلده ثمانين جاز باتفاق الأئمة" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3) والشافعية (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدتُ عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- وأُتي بالوليد بن عقبة -رضي اللَّه عنه- قد صلّى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أن رآه يتقيأ، فقال عثمان -رضي اللَّه عنه-: "إنه لم يتقيأ حتى شربها"، فقال يا علي قم فاجلده، فقال علي -رضي اللَّه عنه-: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن -رضي اللَّه عنه-: "ولّ حارها من تولى قارها" -فكأنه وجد عليه-، فقال: يا عبد اللَّه بن جعفر قم فاجلده، فجلده وعليٌّ -رضي اللَّه عنه- يعُد، حتى بلغ أربعين، فقال: أمسِك، ثم قال: "جلد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أربعين، وجلد أبو بكر -رضي اللَّه عنه- أربعين، وعمر -رضي اللَّه عنه- ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي" (¬6). الدليل الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر ¬
[252/ 4] شارب الخمر لا يلزمه أكثر من ثمانين جلدة إن كان حرا.
استشار الناس، فقال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر" (¬1). الدليل الثالث: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي بن أبي طالب: "نرى أن تجلده ثمانين؛ فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى" (¬2). • وجه الدلالة: أن جلد الثمانين ثابت من فعل عمر -رضي اللَّه عنه-، وعليه اتفق الصحابة -رضي اللَّه عنهم- حين استشارهم عمر -رضي اللَّه عنه- (¬3).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [252/ 4] شارب الخمر لا يلزمه أكثر من ثمانين جلدة إن كان حرًا. • المراد بالمسألة: إذا ثبت حد الشرب على شخص حر غير مملوك، فإن أهل العلم اختلفوا في مقدار الحد الواجب في حقه، لكنهم اتفقوا على أنه لا يجب جلده أكثر من ثمانين جلدة. وهنا يُنبَّه إلى أن المراد أنه لا يلزمه أكثر من الثمانين من باب الحد، أما الزيادة على ذلك من باب التعزير فمسألة أخرى. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أنه لا يلزمه أكثر من ثمانين" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، ¬
[253/ 4] المرأة الحرة كالرجل في مقدار حد شرب الخمر.
والشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى الأدلة التي سبقت في المسائل الثلاث السابقة، وليس فيها ما يدل على الزيادة على الثمانين، وإنما وقع الخلاف في الثمانين فما دون.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [253/ 4] المرأة الحرة كالرجل في مقدار حد شرب الخمر. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على المرأة شرب الخمر بما يوجب الحد، فإنه يقام عليها حد الجلد، كما يُقام على الرجل، ولا فرق بينهما في ذلك. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) بعد ذكره لحد شارب الخمر على الرجل: "واتفقوا أن الحرة البالغة العاقلة كذلك" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وأفق على الإجماع الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن الأصل استواء الرجال والنساء في الأحكام، وليس ثمة دليل يدل على استثناء النساء من حد الجلد.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[254/ 4] العبد والأمة يلزمهما فى شرب الخمر عشرون جلدة.
[254/ 4] العبد والأمة يلزمهما فى شرب الخمر عشرون جلدة. • المراد بالمسألة: إذا ثبت حد الشرب على شخص مملوك، فإن مقدار جلده هو عشرون جلدة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن العبد والأمة يلزمهما من ذلك عشرون" (¬1). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن العبد والأمة تلزمهما في شرب الخمر عشرون" (¬2). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك والشافعية (¬3)، والحنابلة في رواية (¬4). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عموم قول اللَّه تعالى في حق الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬5). • وجه الدلالة: الآية دلت على أن حد الأمة في الزنا هو نصف حد الحرة، فكذا يقاس عليها سائر الحدود التي يمكن تبعيض الحد فيها، ومنها حد شرب الخمر، والواجب في حد شرب الخمر على الحر أربعون جلدة، فيكون حد العبد والأمة نصفها، وهو وعشرون جلدة (¬6). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: الواجب في حد العبد هو أربعون جلدة. وهو قول الحنفية (¬7)، المالكية (¬8)، والحنابلة (¬9). ¬
[255/ 4] شارب الخمر إذا تكرر منه الشرب لا يقتل.
القول الثاني: أن جلد شارب الخمر هو من باب التعزير ولا يحدَّد بعدد في حق الحر والعبد. وهو قول طائفة من أهل العلم (¬1). • دليل المخالف: استدل من قال بأن حد العبد أربعون جلدة بعموم قول اللَّه تعالى في حق الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬2). • وجه الدلالة: الآية دلت على أن حد الأمة في الزنا هو نصف حد الحرة، فكذا يقاس عليها سائر الحدود التي يمكن تبعيض الحد فيها، ومنها حد شرب الخمر، والواجب في حد شرب الخمر على الحر ثمانون جلدة، فيكون حد العبد والأمة نصفها وهو أربعون جلدة (¬3). أما من قال أن حد الشارب ليس له عدد معيَّن، فسبق بيان أدلته قريبًا (¬4).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وغيرهم. ومن حكى الاتفاق في المسألة فالظاهر أنه وهم، واللَّه تعالى أعلم. [255/ 4] شارب الخمر إذا تكرر منه الشرب لا يقتل. • المراد بالمسألة: إذا ثبت حد شرب الخمر على شخص، وأقيم عليه الحد، ثم أقيم عليه ثانية، ثم ثالثة، ثم ثبت عليه الشرب مرة رابعة، فإنه يقام عليه الحد بالجلد، ولا يُقتل، حتى لو تكرر الحد عليه أكثر من ثلاث مرات. وينبَّه إلى أن المراد عدم قتل شارب الخمر من باب الحد، أما إن رأى ¬
الإمام قتله من باب التعزير، فهذه مسألة أخرى غير مرادة (¬1). • من نقل الإجماع: قال الشافعي (254 هـ) في حد الخمر: "والقتل منسوخ. . . وهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم علمته" (¬2)، ونقله عنه ابن حجر (¬3)، والشوكاني (¬4)، والصنعاني (¬5). وقال الترمذي (279 هـ): "لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك في القديم والحديث" (¬6) ونقله عنه النووي (¬7)، وابن القيم (¬8)، وابن حجر (¬9) والمناوي (¬10)، والشوكاني (¬11). وقال الخطابي (288 هـ): "يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبًا، ثم نسخ؛ لحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل" (¬12) ونقله عنه ابن حجر (¬13)، والشوكاني (¬14). وقال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن السكران في المرة الرابعة لا يجب عليه القتل، إلا شاذًا من الناس لا يعد خلافًا" (¬15) ونقله عنه ابن حجر (¬16)، والشوكاني (¬17). وقال أبو حامد الغزالي (505 هـ): "ولا خلاف أن القتل منسوخ في الشرب" (¬18). وقال البغوي (516 هـ): "عن معاوية قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه) (¬19) وهذا أمر لم يذهب ¬
إليه أحد من أهل العلم قديمًا وحديثًا أن شارب الخمر يُقتل" (¬1). وقال القاضي عياض (544 هـ): "وأجمعوا أنه لا يقتل إذا تكرر منه ذلك، إلا طائفة شاذة قالوا: يقتل بعد حده أربع مرات" (¬2). وقال النووي (676 هـ): "وأجمعوا على أنه لا يقتل بشربها، وإن تكرر ذلك منه" (¬3). وقال ابن حجر (852 هـ): "وقد استقر الإجماع على ثبوت حد الخمر وأن لا قتل فيه" (¬4) ونقله عنه المناوي (¬5). وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "وحديث الأمر بقتل الشارب في الرابعة منسوخ بالإجماع" (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬7). • مستند الإجماع: الدليل الأول: النصوص العامة الدالة على حرمة دم المسلم، ومنها: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} (¬8). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا: يا رسول اللَّه، وما هن؟ قال: (الشرك باللَّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، وأكل الربا، وكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) متفق عليه (¬9). ¬
3 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: سُئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الكبائر، قال: (الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور) متفق عليه (¬1). 4 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة) متفق عليه (¬2). • وجه الدلالة: في النصوص السابقة دلالة على تحريم قتل النفس المعصومة بغير حق، وليس ثمة حديث صحيح صريح مُحْكم يدل على إباحة قتل شارب الخمر (¬3). الدليل الثاني: عن قبيصة بن ذؤيب (¬4) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب في الرابعة فاقتلوه). "فأتي برجل قد شرب الخمر فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به في الرابعة فجلده، فرفع القتل عن الناس وكانت رخصة" (¬5). ¬
الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب في الرابعة فاقتلوه). قال محمد بن المنكدر (¬1): "قد ترك ذلك بعد، أُتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بابن النعيمان فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به في الرابعة فجلده، ولم يزد على ذلك" (¬2). الدليل الرابع: عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه)، قال: "ثم أتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد ذلك برجل قد شرب الخمر في الرابعة فضربه ولم يقتله" (¬3). وفي رواية: قال جابر -رضي اللَّه عنه-: "فضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- النعمان أربع مرات فرأى المسلمون أن الحد قد وقع، وأن القتل قد أخِّر" (¬4). • وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: الأحاديث السابقة صريحة في نسخ ¬
الأمر بقتل شارب الخمر، وترك العمل به. الدليل الخامس: عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان اسمه عبد اللَّه، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تلعنوه؛ فواللَّه ما علمت إلا إنه يحب اللَّه ورسوله) (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جلد حمارًا مع كثرة ما يؤتى به، والظاهر أن التعبير بالكثرة يدل على أنه أكثر من ثلاث مرات (¬2). الدليل السادس: أن كل معصية لا توجب القتل في الابتداء فإنه لا يوجب تكرارها القتل حدًا، كالزنا والقذف (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن شارب الخمر يُقتل في المرة الرابعة. وهو مروي عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- (¬4)، وبه قال الظاهرية (¬5). • دليل المخالف: استدل من أوجب قتل شارب الخمر في المرة الرابعة بما يلي: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب في ¬
الرابعة فاقتلوه) (¬1). الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- قال: "ائتوني برجل قد جلد في الخمر أربع مرات، فإن لكم عليّ أن أضرب عنقه" (¬2).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الظاهرية. ولعل من نقل الإجماع اعتبر خلاف الظاهرية من قبيل الشاذ، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الرابع مسائل الإجماع في إقامة حد المسكر
الفصل الرابع مسائل الإجماع في إقامة حد المسكر [256/ 4] الاكتفاء بالجلد بالجريد والنعال وأطراف الثياب في حد شرب الخمر. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص حد شرب الخمر، فإنه يصح أن يكون في صفة إقامة الحد عليه أن يُضرب بالجريد، والنعال، وأطراف الثياب، ولا يُشترط أن يكون جلده بالسوط. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وثبت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جلد في الخمر بالنعال والجريد أربعين، ثم جلد أبو بكر أربعين، ولم يختلف في ذلك" (¬1). وقال ابن القطان (628 هـ): "وثبت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جلد في الخمر بالنعال والجريد أربعين، ثم جلد أبو بكر أربعين، ولم يختلف في ذلك" (¬2). قال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على حصول حد الخمر بالجلد بالجريد والنعال وأطراف الثياب" (¬3) ونقله عنه ابن حجر (¬4) والصنعاني (¬5) والشوكاني (¬6). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عقبة بن الحارث -رضي اللَّه عنه- قال: "جيء بالنعيمان أو ابن النعيمان شاربًا فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من كان بالبيت أن يضربوه، قال فكنت أنا فيمن ضربه، فضربناه بالنعال والجريد" (¬9). ¬
الدليل الثاني: عن السائب بن يزيد -رضي اللَّه عنه- قال: "كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإمرة أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، وصدرًا من خلافة عمر -رضي اللَّه عنه-، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر -رضي اللَّه عنه-، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين" (¬1). الدليل الثالث: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- برجل قد شرب، قال: (اضربوه)، قال أبو هريرة -رضي اللَّه عنه-: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللَّه، قال: (لا تقولوا هكذا؛ لا تعينوا عليه الشيطان) (¬2). • وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: الأحاديث ظاهرة في أن جلد شارب الخمر كان بالجريد، والنعال، وأطراف الثياب (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن حد الخمر إنما يكون بالسوط. وهو قول الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، وقول للشافعية (¬6)، ورواية عند الحنابلة (¬7). وثمة قول آخر ذكره ابن حجر بقوله: "وتوسط بعض المتأخرين فعيَّن السوط للمتمردين، وأطراف الثياب والنعال للضعفاء، ومن عداهم بحسب ما يليق بهم، وهو متَّجه" (¬8). ¬
[257/ 38] حد الشرب يقام بالسوط.
• دليل المخالف: الدنيل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من شرب الخمر فاجلدوه) (¬1). • وجه الدلالة: أن الجلد عند إطلاقه يُفهم منه ما كان بالسوط (¬2). الدليل الثاني: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، فلما كان عمر -رضي اللَّه عنه- استشار الناس، فقال عبد الرحمن -رضي اللَّه عنه-: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر -رضي اللَّه عنه-" (¬3). • وجه الدلالة: أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- اتفقوا على فعل عمر -رضي اللَّه عنه- وهو الجلد ثمانين سوطًا، وعليه استمر فعل الخلفاء، قال ابن قدامة: "والخلفاء الراشدون ضربوا بالسياط، وكذلك غيرهم، فكان إجماعًا" (¬4). الدليل الثالث: أن جلد شارب الخمر هو جلد في حد، فيكون بالسوط؛ قياسًا على سائر الحدود (¬5).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية، والمالكية، والحنابلة في رواية، بل نقل ابن قدامة الإجماع على وجوب كون الجلد بالسوط (¬6)، واللَّه تعالى أعلم. [257/ 38] حد الشرب يقام بالسوط. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص حد شرب الخمر، فإنه يشترط في ¬
[258/ 4] حد الشرب لا يقبل العفو والإبراء، ولا الصلح.
صفة إقامة الحد عليه أن يكون جلده بالسوط، ولا يصح جلده بغير ذلك كالثياب، والنعال، والجريد، ونحو ذلك. وبهذا يتبيَّن أن هذه المسألة هي نقل الإجماع على خلاف المسألة السابقة. • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن حد الشرب يقام بالسوط، إلا ما روي عن الشافعي: أنه يقام بالأيدي والنعال وأطراف الثياب" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "والخلفاء الراشدون ضربوا بالسياط، وكذلك غيرهم، فكان إجماعًا" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية في قول (¬5). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى جواز جلد شارب الخمر بالجريد والنعال وأطراف الثياب. وهو قول الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8). وقد سبق بيان أدلة الفريقين في المسألة السابقة.Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الشافعية، والحنابلة، والظاهرية، واللَّه تعالى أعلم. [258/ 4] حد الشرب لا يقبل العفو والإبراء، ولا الصلح. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد شرب الخمر، وثبت ¬
[259/ 4] الخصومة ليست بشرط في حد الشرب.
ذلك عند الإمام، فإنه لا يجوز للإمام أن يعفو عن شارب الخمر دون إقامة الحد عليه، وكذا ليس له إسقاط الحد بموجب الصلح، بأن يصالح الإمام بمبلغ أو غير ذلك على أن يترك إقامة الحد عليه. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لا خلاف في حد الزنا، والشرب، والسكر، والسرقة، أنه لا يحتمل العفو، والصلح، والإبراء، بعد ما ثبت بالحجة" (¬1). وقال ابن تيمية (728 هـ): "وقد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ، أو غيره لا يجوز، وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني، والسارق والشارب، والمحارب وقاطع الطريق ونحو ذلك لتعطيل الحد، مال سحت خبيث" (¬2) ونقله عنه السفاريني (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع المالكية (¬4)، والشافعية (¬5). • مستند الإجماع: سبق بيان أدلة المسألة مفصَّلة، والمخالفين، مع بيان الأدلة، عند مسألة: "تحريم الفداء والصلح في الحدود، بعد بلوغها الإمام" (¬6). وإنما أفردت لها مسألة مستقلة لوجود من نص عليها في شارب الخمر. وحاصلRالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن طائفة، واللَّه تعالى أعلم. [259/ 4] الخصومة ليست بشرط في حد الشرب. • المراد بالمسألة: إذا ثبت عند الإمام أن شخصًا شرب الخمر بما يوجب ¬
[260/ 4] الحربي لا يقام عليه بعد ذمته أو إسلامه حد الخمر.
إقامة الحد عليه، فإنه يجب على الإمام إقامة الحد، ولا يشترط لإقامة الحد أن يأتي شخص يخاصم عند الحاكم، أي يطالب بإقامة الحد. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "وأما الخصومة فهل هي شرط ثبوت الحد بالشهادة والإقرار؛ فلا خلاف في أنها ليست بشرط في حد الزنا والشرب" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع في المسألة إلى أن حد شرب الخمر هو من الحدود الخالصة للَّه تعالى، ليس فيها تعلق لآدمي، فلا يتوقف ثبوتها على دعوى العبد.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [260/ 4] الحربي لا يقام عليه بعد ذمته أو إسلامه حد الخمر. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص حد شرب الخمر، وكان قد فعل شرب الخمر في دار الحرب أثناء كونه كافرًا حربيًا، ثم تاب وأسلم، أو صار من أهل الذمة، فإنه لا يؤخذ بما فعل حال حربيَّته أو كفره من شرب الخمر. ويتبين من هذا أن المسلم، أو الكافر غير الحربي، كالمرتد، والمعاهد، والمستأمن، وغيرهم، غير داخلين في مسألة الباب. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "وقد صح النص والإجماع بإسقاطه، وهو ما أصابه أهل الكفر ما داموا في دار الحرب قبل أن يتذمموا أو يسلموا فقط، فهذا خارج بفعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كل من أسلم منهم، فلم يؤاخذهم بشيء مما سلف لهم من قتل، أو زنا، أو قذف، أو شرب خمر، أو سرقة، وصح الإجماع بذلك" (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وقد أجمع علماء المسلمين على أن الكفار إذا انتهوا وتابوا من كفرهم غفر لهم كل ما سلف، وسقط عنهم كل ما كان لزمهم في حال الكفر، من حقوق اللَّه عز وجل وحقوق المسلمين قبل أن يقدروا عليهم، وبعد أن يقدروا عليهم ويصيروا في أيدي المسلمين فلا يحل قتلهم بإجماع المسلمين، ولا يؤخذ بشيء جنوه في مال أو دم، فدل ذلك على أن الآية تنزل في أهل الشرك والكفر" (¬2). وقال القرطبي (671 هـ): "أما الكافر الحربي فلا خلاف في إسقاط ما فعله في حال كفره في دار الحرب" (¬3). وقال محمد ابن مفلح (763 هـ): "أما الحربي الكافر فلا يؤخذ بشيء في كفره إجماعًا" (¬4) وبمثله قال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ) (¬5) والمرداوي (885 هـ) (¬6) والحجاوي (968 هـ) (¬7). ¬
[261/ 42] المستأمن لا يحد في شرب الخمر.
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} (¬3). قال البغوي في تفسير الآية: "فمن ذهب إلى أن الآية نزلت في الكفار، قال معناه: إلا الذين تابوا من شركهم وأسلموا قبل القدرة عليهم فلا سبيل عليهم بشيء من الحدود ولا تبعة عليهم فيما أصابوا في حال الكفر من دم أو مال" (¬4).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [261/ 42] المستأمن لا يحد في شرب الخمر. • المراد بالمسألة: المستأمن: هو الكافر الذي ليس بيننا وبينه ذمة ولا عهد، لكن المسلمين جعلوا له أمانًا في وقت محدد، كرجل حربي دخل إلى دار الإسلام بأمان للتجارة أو نحوها أيامًا معدودة (¬5). فإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان وشرب الخمر فإنه لا يقام عليه حد شرب الخمر. • من نقل الإجماع: قال الزيلعي (743 هـ): "لا يقام على المستأمن والمستأمنة شيء من الحدود، إلا حد القذف. . . والحاصل أن حد الخمر ¬
لا يجب عليه بالاتفاق" (¬1). وقال أبو بكر العبادي (800 هـ): "وحد الشرب لا يقام عليه [أي المستامن] بالإجماع" (¬2). وقال ابن الهمام (861 هـ) في بيان حكم المستأمن: "فحد الشرب لا يجب اتفاقًا" (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن المستأمن لا يَعتقد تحريم الخمر، ولم يلتزم بأحكام الإسلام، وليس في شرب الخمر اعتداء على أحد، فلا يقام عليه الحد، قياسًا على عدم إقامة حد الكفر عليه (¬7).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الباب الخامس مسائل الإجماع في التعزير
الباب الخامس مسائل الإجماع في التعزير وفيه تمهيد وثلاثة فصول: التمهيد: وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف التعزير لغة واصطلاحًا. المبحث الثاني: حكم التعزير. الفصل الأول: مسائل الإجماع العامة في التعزير. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في العقوبات التعزيرية. الفصل الثالث: مسائل الإجماع في موجبات التعزير.
التمهيد
التمهيد المبحث الأول: تعريف التعزير • أولًا: تعريف التعزير في اللغة: التعزير في اللغة مصدر عَزرَهُ يَعْزِره عَزْرًا أو تعزيرًا، وهو في اللغة يُطلق على معنيين، كما قال ابن فارس: "العين والزاء والراء كلمتان: إحداهما: التَّعظيم والنَّصر. والكلمة الأخرى جنسٌ من الضَّرب" (¬1). وبهذا يظهر أن التعزير في اللغة من أسماء الأضداد حيث يُطلق على النصرة، والإعانة، والتقوية، والتعظيم، ويطلق على الضرب والتأديب، وهما متضادان. فأما إطلاقه على النصرة، فمنه قوله تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬2). وقوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (¬3). وأما إطلاقه على الضرب والتأديب، فمنه قولهم: أعزر اللَّه به، أي خسف به (¬4). وذكر بعض أهل اللغة أن معان التعزير ترجع إلى معنى واحد، وهو الرَّد والمنع، كما قال الجرجاني: "أصله من العَزْر وهو المنع" (¬5)، فأما النصرة فلأن من نصرته فقد ردَدْت عنه أعداءه ومنعتهم من أذاه، وأما التأديب فلأنها تمنعه ¬
من الوقوع في المعصية مرة أخرى (¬1). • ثانيًا: تعريف التعزير في الشرع: التعزير في الاصطلاح الشرعي يُطلق على: التأديب غير المقدَّر شرعًا في معصية لا حد فيها ولا كفارة. وهذا التعريف متفق عليه بين الفقهاء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قد أجمع العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة" (¬2). وهذا يشمل المعصية التي هي فعل محظور كمباشرة المرأة الأجنبية فيما دون الفرج، والشتم بغير القذف، وشهادة الزور، ونحو ذلك، ويشمل المعصية التي هي ترك المأمور، كترك الصلاة تكاسلًا، ومنع الزكاة بُخلًا، وعقوق الوالدين، ونحو ذلك. والذي يظهر -واللَّه أعلم- أن هذا التعريف يرد عليه إيرادات، منها أن التعزيرات قد تدخل على ما يجب فيه الحد، ومن ذلك أن جلد شارب الخمر ثمانون جلدة، وهي عند جماعة من أهل العلم أربعون منها من باب الحد، وما زاد فهو من باب التعزير، وهو يدل على أن التعزيرات تدخل في الحدود. وكذا يُقال فيما فيه الكفارة، فإن ابن حزم وجماعة لا يُقيَّدون التعزير بما لا كفارة فيه (¬3). ومما سبق يمكن أن يقال في التعريف الاصطلاحي المختار للتعزير: هو عقوبة غير مقدَّرة شرعًا تجب في معصية اللَّه تعالى. ¬
• الموافقة بين المعنى اللغوي والشرعي: يتبيَّن مما سبق أن المعنى الشرعي موافق للمعنى اللغوي مع بعض القيود، فيتفقان في معنى التأديب، وخص الشرع التأديب بما لا حد فيه ولا كفارة (¬1). ¬
المبحث الثاني حكم التعزير والحكمة من مشروعيته
المبحث الثاني حكم التعزير والحكمة من مشروعيته • المسألة الأولى: حكم التعزير: اختلف الفقهاء فيما إذا فعل شخصٌ معصية لا حد فيها ولا كفارة، ورأى الإمام أن المصلحة هي في تعزيره، فهل التعزير عليه واجب أو مستحب على قولين: القول الأول: إن كان التعزير في حق للَّه تعالى فيجب التعزير على الإمام فيما شرع فيه التعزير، إذا رأى الإمام المصلحة فيه، وإن كان فيه حق لآدمي فيجب التعزير إذا طلبه المجني عليه. وهو قول الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3). واستدل أصحاب هذا القول بما يلي: الدليل الأول: أن التعزير إن كان مشروعًا لحق اللَّه تعالى كما في تارك الصلاة فإنه يكون واجبًا، قياسًا على الحد، وإن كان في حق آدمي كالشتم بغير الزنا فإنه يكون قد تعلَّق فيه حق آدمي، فلا يجوز إسقاطه بدون رضى المجني عليه، كالقصاص. الدليل الثاني: أن التعزير شُرع للإمام بما يراه مصلحة لرعيته، فإن كان التعزير هو الذي تقتضيه المصلحة للفرد أو المجتمع فترْكه حينئذ يكون فعل لغير الأصلح، وهذا لا يجوز (¬4). القول الثاني: يستحب التعزير للإمام فيما شُرع فيه التعزير، سواء كان حقًا للَّه أو لآدمي، حتى لو كانت المصلحة في التعزير، وأراد الإمام ترك التعزير فله ذلك. ¬
وهو قول الشافعية (¬1)، ورواية عند الحنابلة (¬2). واستدل أصحاب هذا القول بما يلي: الدليل الأول: عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كنت عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فجاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه إني أصبت حدًا فأقمه علَيَّ، قال: ولم يسأله عنه، وحضرت الصلاة، فصلّى مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصلاة قام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه إني أصبت حدًا فأقم فيَّ كتاب اللَّه، قال: (أليس قد صليت معنا؟ ) قال: نعم، قال: (فإن اللَّه قد غفر لك ذنبك) متفق عليه (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُعزِّر صاحب الذنب الذي طلب إقامة الحد عليه، وهو يدل على أن الإمام له ترْك التعزير (¬4). ويناقش: بأن التعزير إنما شُرع للزجر، والرَّجل هنا قد جاء تائبًا، فلا حاجة للتعزير حينئذٍ لحصول الزجر بالتوبة. الدليل الثاني: عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، إلا الحدود) (¬5). ¬
• وجه الدلالة: الحديث دليل على العفو عن ذوي الهيئات الذين وقعوا في المعاصي وهم غير معروفين بالشر، وهو يدل على أن للإمام ترك التعزير (¬1). ويناقش: بأن الحديث صريح في أن الترك إنما هو إن كان ثمة مصلحة ككون الجاني من أهل المروءة الغير معروفين بالشر، وإنما وقعت منه المعصية زلة وعثرة منه، فترك تعزيره حينئذٍ هو المصلحة، والتقييد بذوي الهيئات يدل على عدم إقالة غيرهم. الدليل الثالث: عن عبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنه-: أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير (¬2) عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في شِراج الحرَّة (¬3) التي يسقون بها النخل، فقال ¬
الأنصاري: سرِّح الماء يمر، فأبى عليهم، فاختصموا عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للزبير: (اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك)، فغضب الأنصاري فقال: يا رسول اللَّه أن كان ابن عمتك، فتلون وجه نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: (يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر)، فقال الزبير: واللَّه إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬1) متفق عليه (¬2). الدليل الرابع: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قسمًا، فقال رجل: إنها لقسمة ما أريد بها وجه اللَّه، قال: فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فساورته، فغضب من ذلك غضبًا شديدًا واحمرَّ وجهه حتى تمنيت أني لم أذكره له، قال: ثم قال: (قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر) متفق عليه (¬3). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ترك تعزير الأنصاري، مع أنه اتهمه في عدْله، وأنه حابى ابن عمته، وترك تعزير من اتهمه بعدم العدل في القسمة، وترْك تعزيرهما يدل على عدم وجوبه (¬4). ويناقش الاستدلال: باحتمال أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ترك تعزيرهما لأن المصلحة كانت تقتضي ذلك. الترجيح: الذي يظهر -واللَّه أعلم- أن القول الأول هو الراجح، لأمرين: الأول: أن التعزير إن كان لحقوق الآدميين، وطلب المجني عليه إقامته ¬
وجبت إقامته؛ لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة، فلا يجوز العفو عنها إلا من قبل صاحبها، فهو الذي يملك العفو أو المطالبة. أما إذا كان الحق للَّه تعالى وظهرت المصلحة في إقامة التعزير وجبت أيضًا إقامته؛ لأن جلب المصالح، ودفع المفاسد واجب في الشريعة الإسلامية، فإذا كان العاصي لا يرتدع ولا ينزجر إلا بتعزيره، وجب ذلك لينقطع دابر الفساد وتخف الجرائم، أما إذا لم يكن هناك مصلحة في تعزير العاصي، ولم يظهر شيء من ذلك فإن الإمام مخير إن شاء أقام وإن شاء ترك. الثاني: لورود المناقشة على أدلة القول الثاني.
الفصل الأول مسائل الإجماع العامة في التعزير
الفصل الأول مسائل الإجماع العامة في التعزير [262/ 5] الإجماع منعقد على جملة التعزير. • المراد بالمسألة: الشريعة جاءت بعقوبات مقدَّرة على معاص مختلفة، كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وجعل جملة من المعاصي ليس فيها حد، ولا كفارة، وإنما جعل الأمر فيها راجع إلى ما يراه الإمام مصلحة في نوع العقوبة في ذلك، وهو التعزير، فيعزِّر الإمام في هذه المعاصي بما يراه، وهذا جائز للإمام بالإجماع في الجملة، أي مع بعض الخلاف في نوع العقوبة الجائزة من الممنوعة، أما أصل التعزير فهو جائز. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن للإمام أن يُعزّرَ في بعض الأشياء" (¬1). وقال ابن القيم (751 هـ): "اتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية، ليس فيها حد" (¬2). وقال الزيلعي (743 هـ): "التعزير. . . وهو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة" (¬3). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "والتعزير بمعنى التعظيم. . . والإجماع منعقد على جملته" (¬4). وقال ابن الهمام (861 هـ): "شرعية التعزيز وأجمع عليه الصحابة -رضى اللَّه عنهم-" (¬5). وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ. . .} (¬6) الآية (¬7). ¬
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع المالكية (¬1)، والظاهرية (¬2). • مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (¬3). الدليل الثاني: عن جابر -رضي اللَّه عنه- في صفة حج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في خطبته يوم عرفة: (ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح) (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه أباح للزوج ضرب زوجته عند نشوزها عن طاعته، وهذا من باب التعزير والتأديب، وهذا إذا شُرع في حق الزوج لولايته عليها، فجوازه للإمام من باب أولى بموجب ولايته العامة (¬5). الدليل الثالث: أن جملة من المعاصي يحتاج الإمام إلى ردع الناس عنها، ولا يمكن ذلك إلا بعقوبتهم، فإن كانت المعصية ليس فيها حد مقَّدر كان من لوازم الاستقرار أن يطبِّق الإمام ما يراه رادعًا للناس عن ذلك. الدليل الرابع: تتابع المسلمون على العمل بالتعزير من غير نكير، كما قال ابن القيم: "وقد فعله الخلفاء الراشدون ومن بعدهم من الأئمة" (¬6). ¬
[263/ 5] التعزير في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [263/ 5] التعزير في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص معصية لا حد فيها، ولا كفارة، فإن للإمام أن يُعزره في ذلك، إن رأى المصلحة في التعزير. ويتبيَّن من ذلك أنه إن كان في المعصية حد، كالزنا، أو السرقة، أو شرب الخمر، أو القذف، فجواز التعزير مع الحد مسألة غير مرادة. وكذا لو كان فيها كفارة، كالظهار، أو الجماع في نهار رمضان، فذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "قد أجمع العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة" (¬1). وقال الزيلعي (743 هـ): "وأجمعت الأمة على وجوبه في كبيرة لا توجب الحد، أو جناية لا توجب الحد" (¬2) ونقله عنه ابن نجيم (¬3). ¬
[264/ 5] التعزير يخالف الحدود.
وقال ابن القيم (751 هـ): "واتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد" (¬1) ونقله عنه القرافي (¬2) وابن الشاط (¬3) وعلاء الدين الطرابلسي (¬4) (¬5). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الشافعية (¬6)، والظاهرية (¬7). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن ما كان فيه حد أو كفَّارة فإن الشرع قدَّر العقوبة فيه، أما غيرها من المعاصي فإنه ليس فيها عقوبة مقدَّرة، وقد يحتاج الإمام للعقوبة، للرد عن المعصية، فكان التعزير مشروعًا في ذلك.Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [264/ 5] التعزير يخالف الحدود. [265/ 5] التعزير موكل إلى الإمام من حيث التشديد والتخفيف. • المراد بالمسألتين: التعزير يخالف الحدود في كثير من الأحكام، ومن ذلك أن الحدود هي عقوبات مقدَّرة شرعًا، وتقديرها جاء من عند اللَّه تعالى، أما التعازير فأمرها إلى الإمام، فيُعزر بما يرى فيه المصلحة إما بالجلد، أو القتل، أو التوبيخ بالكلام، أو غير ذلك. ¬
وكذا يُرجع إلى اجتهاده في قوة الضرب، أو تخفيفه بحسب ما تقتضيه المصلحة (¬1). • من نقل الإجماع: قال الطحاوي (321 هـ): "لم يختلفوا في أنه [أي التعزير] موكول إلى اجتهاد الإمام فيخفف تارة ويشد تارة" (¬2). وقال ابن حجر (852 هـ): "الإجماع على أن التعزير يخالف الحدود" (¬3). وقال أيضًا: "بالإجماع على أن التعزير موكول إلى رأي الإمام فيما يرجع إلى التشديد والتخفيف" (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، إلا الحدود) (¬8). • وجه الدلالة: في الحديث دليل على التفريق بين الحدود والتعازير فيما إذا بلغ الأمر للسلطان، فالحدود لا تجوز الشفاعة فيها مطلقًا، بخلاف التعازير فتجوز فيها الشفاعة سيما في أهل المروءة والصلاح الغير معروفين بالشر (¬9). ¬
[266/ 5] الشفاعة فيما يقتضي التعزير جائزة، إن رأى الإمام العفو، ولم تتعلق المعصية بحق شخص آخر.
الدليل الثاني: أنه لم يرد في الكتاب أو السنة تقدير معين للعقوبات التعزيرية، فكان الرجوع فيها للإمام بحسب ما يراه مصلحة راجحة، بخلاف الحدود، فإنه جاء الشرع بتقديرها.Rفيما يظهر أن المسألتين محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [266/ 5] الشفاعة فيما يقتضي التعزير جائزة، إن رأى الإمام العفو، ولم تتعلَّق المعصية بحق شخص آخر. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص معصية لا حد فيها ولا كفَّارة، وغير متعلَّقة بالجناية على شخص معيَّن، كان قبَّل امرأة أجنبية لا تحل له، وبلغ أمره للإمام، فأراد الإمام تعزيره، فإنه يجوز لشخص أن يشفع لأجل ترك العقوبة، وللإمام قبول الشفاعة فيه، إذا كان الجاني يمكن أن ينزجر عن جريمته بدون التعزير، ورأى الإمام العفو عنه، ولا يجب على الإمام إقامة التعزير بموجب بلوغ الأمر إليه. ويُنبه إلى أمرين: الأول: إن كان الإمام يرى أن المصلحة في إقامة التعزير وعدم العفو، كأن يكون الجاني لا يمكن أن ينزجر إلا بالتعزير، فهذه مسألة أخرى (¬1). الثاني: إن كان الجاني قد جنى على شخص معيَّن، بأن لطمه، أو شتمه، ¬
فترْك تعزيره حينئذٍ بموجب الشفاعة غير مراد (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن حجر (852 هـ): "جواز الشفاعة فيما يقتضي التعزير، وقد نقل بن عبد البر وغيره فيه الاتفاق" (¬2). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول عن عبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنهما-: أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرِّح الماء يمر، فأبى عليهم، فاختصموا عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للزبير: (اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك)، فغضب الأنصاري فقال: يا رسول اللَّه أن كان ابن عمتك، فتلون وجه نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: (يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر)، فقال الزبير: واللَّه إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬7) متفق عليه (¬8). ¬
الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قسم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قسمًا، فقال رجل: إنها لقسمة ما أريد بها وجه اللَّه، قال: فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فساورته، فغضب من ذلك غضبًا شديدًا واحمرَّ وجهه حتى تمنيت أنِّي لم أذكره له، قال: ثم قال: (قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر) متفق عليه (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُعزر الرجل الذي قال له: "أن كان ابن عمتك"، وكذا الذي قال له: "إنها لقسمة ما أريد بها وجه اللَّه"، مع أن هذا قدح في عدل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أصحابه في الحكم، وهذا يدل على أن للإمام ترك العقوبة بالتعزير، ولا فرق بين أن يتركها بموجب الشفاعة أو بغير ذلك، إن رأى العفو (¬2). الدليل الثالث: عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: كنت عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فجاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه إني أصبت حدًا فأقمه علَيَّ، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما قضى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصلاة قام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه إني أصبت حدًا فأقم فيَّ كتاب اللَّه، قال: (أليس قد صليت معنا؟ ) قال: نعم، قال: (فإن اللَّه قد غفر لك ذنبك -أو قال حدك-) متفق عليه (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُعزَّر صاحب الذنب الذي أراد إقامة الحد عليه، وهو يدل على أن الإمام له العفو عن صاحب المعصية، ولا فرق أن يكون ذلك بموجب الشفاعة أو من قبل الإمام ابتداء (¬4). الدليل الرابع: عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أقيلوا ¬
[267/ 5] للإمام أن يجلد في التعزير من جلدة إلى عشر جلدات.
ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) (¬1). • وجه الدلالة: الحديث دليل على أن للإمام أن يترك العقوبة في بعض الحالات، بل هو أمر إرشاد إلى ذلك، فإن كان ترك العقوبة بموجب الشفاعة، ورأى الإمام العفو فله ذلك كما لو عفى عنه بلا شفاعة (¬2).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم على جواز الشفاعة في التعزير من حيث الأصل، واللَّه تعالى أعلم. [267/ 5] للإمام أن يجلد في التعزير من جلدة إلى عشر جلدات. • المراد بالمسألة: إذا فعل شخص معصية لا حد فيها ولا كفارة، فرأى الإمام جلده تعزيرًا، فله أن يجلده من جلدة إلى عشر جلدات، ولا يُعتبر الإمام آثما بذلك، وتعزيره صحيح. ويتبيَّن مما سبق أن الجلد فوق عشر جلدات مسألة خلافية غير مرادة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن التعزير يجب فيه من جلدة إلى عشرة، واختلفوا في أكثر" (¬3). • الموافقون للإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). ¬
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عدم وجود دليل شرعي على التحديد بأقل التعزير. الدليل الثاني: أن المراد بالتعزير هو الرح والزجر، وهذا يختلف باختلاف الناس، ومن الناس من تكفيه جلدة، ومنهم من تكفيه دون ذلك، كتوبيخ ونحوه. الدليل الثالث: أن التعزير لو كان لأقله قدر شرعي محدَّد لكان حدًا وليس تعزيرًا (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة إلى أن أقل التعزير بالجلد ثلاث جلدات. وهو قول لبعض الحنفية (¬2). • دليل المخالف: علل القائلون بأن أقل التعزير في الجلد هو ثلاث جلدات بأن ما دونها لا يقع به الزجر والردع (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الحنفية، ومراد ابن حزم هو اتفاق المذاهب الأربعة، وليس الإجماع، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في العقوبات التعزيرية
الفصل الثاني مسائل الإجماع في العقوبات التعزيرية [268/ 5] نسخ العقوبة بالمال. • المراد بالمسألة: من التعزيرات التي كانت مشروعة العقوبة بالمال، إما بتحريقه، أو بمنعه، إلا أن هذا النوع من التعزير قد نُسخ حكمه، فلا يجوز للإمام التعزير به. والتعزير بالمال له أربع صور: أولًا: التعزير بإتلاف المال، ومن ذلك شق أوعية الخمر، وتحريق أمكنة الخمارين، الأمر بقطع من لبس ثوب الحرير. ثانيًا: التعزير بتغيير المال، مثل تقطيع الستر الذي فيه صورة إلى وسادتين، وإلزام من آذى جاره ولم ينته بأن يبيع داره. ثالثًا: التعزير بتمليك المال، مثل مضاعفة الغرم على السارق من غير حرز بأن يرُدَّ ما سرقه ومثله معه، وتعزير مانع الزكاة بدفع الزكاة، ونصف ما وجب عليه من الزكاة. رابعًا: التعزير بحبس المال، وذلك بأن يحبس الإمام عن صاحب المعصية ماله حتى يتوب، فإن تاب ردَّ إليه ماله. وجميع هذه الصور لا يجوز للإمام أن يعاقب بها. • من نقل الإجماع: قال الشوكاني (1250 هـ): "قد نقل الطحاوي والغزالي الإجماع على نسخ العقوبة بالمال" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬2)، والمالكية في ¬
قول (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). • مستند الإجماع: عموم الأدلة الدالة على النهي عن إضاعة المال ومنها حديث المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) متفق عليه (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من الفقهاء إلى جواز العقوبة بالمال. وبه قال بعض الحنفية منهم أبو يوسف (¬5)، وهو قول للمالكية في بعض الصور (¬6)، وقول في مذهب أحمد اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (¬7) وابن القيم (¬8). • دليل المخالف: استدل من أجاز العقوبة بالمال بفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن بعده ¬
وذلك في عدة مواطن ومنها: الدليل الأول: عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- أنه ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد عبدًا يقطع شجرًا أو يخبطه، فسلبه، فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم، فقال: "معاذ اللَّه أن أرد شيئًا نفَّلنيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأَبَى أن يرد عليهم" (¬1). • وجه الدلالة: الحديث ظاهر أن من قطع شجر حرم المدينة، فإنه يُباح سلَبه، وهذا من باب العقوبة بالمال. الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- قال: رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليّ ثوبين معصفرين (¬2) فقال: (أأمُّك أمرتك بهذا؟ ) قلت: أغسلهما، قال: (بل أحرقهما) (¬3). الدليل الثالث: عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنه حرّق نخل بني النضير" متفق عليه (¬4). • وجه الدلالة من الحديثين: الحديثين السابقين ظاهرين في العقوبة بإتلاف المال. الدليل الرابع: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ ¬
خبنة (¬1) فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين (¬2) فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (¬3). ¬
• وجه الدلالة: في الحديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عاقب السارق بدفع ضعفي ما سرق، وهذا من باب العقوبات المالية (¬1). الدليل الخامس: عن عبد الرحمن بن حاطب (¬2): "أن رقيقًا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، فأمر عمر -رضي اللَّه عنه- كثير بن الصلت (¬3) أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر -رضي اللَّه عنه-: "أراك تجيعهم"، ثم قال عمر: "واللَّه لأغرمنك غرمًا يشق عليك"، ثم قال للمزني (¬4): "كم ثمن ناقتك" فقال المزني: قد كنت واللَّه أمنعها من أربع مائة درهم، فقال عمر: "أعطه ثمان مائة درهم" (¬5). • وجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- أوجب على حاطب مثلي قيمة الناقة المسروقة، ¬
[269/ 5] عقوبة المسلمين بتحريق الدور ممنوعة.
عقوبة له، حيث كان قيمتها أربعمائة درهم، فغرمه عمر -رضي اللَّه عنه- ثمانمائة درهم، وهذا من باب العقوبات المالية، وهو من فعل عمر -رضي اللَّه عنه- مما يدل على عدم نسخه.Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الحنفية، وبعض المالكية، وبعض الحنابلة، وقد تعقَّب ابن القيم دعوى الإجماع في المسألة فقال: "من قال: إن العقوبات المالية منسوخة، وأطلق ذلك، فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلًا واستدلالًا، فأكثر هذه المسائل سائغ في مذهب أحمد وغيره، وكثير منها سائغ عند مالك، وفعل الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لها بعد موته -صلى اللَّه عليه وسلم- مبطل أيضًا لدعوى نسخها، والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب، ولا سنة، ولا إجماع يصحح دعواهم" (¬1)، واللَّه تعالى أعلم. [269/ 5] عقوبة المسلمين بتحريق الدور ممنوعة. • المراد بالمسألة: هذه المسألة هي صورة من صور المسألة السابقة، وهي التعزير بإتلاف المال، فإذا ارتكب شخص معصية لا حد فيها ولا كفارة، وأراد الإمام أن يعاقب الجاني تعزيرًا، فليس له أن يعاقب بحرق دار الجاني. • من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ) عن بعض أهل العلم: "أجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة، والغال من الغنيمة" (¬2). وقال ابن حجر (852 هـ) عن بعض أهل العلم: "قد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك" (¬3)، أي بتحريق بيوتهم. • مستند الإجماع: سبق بيان مستند الإجماع، والمخالف، ودليل المخالف في المسألة السابقة. ¬
[270/ 5] من وجب عليه حق وهو قادر على آدائه وامتنع عن ذلك فللإمام تعزيره بالحبس والضرب.
Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الحنفية، وبعض المالكية، وبعض الحنابلة، واللَّه تعالى أعلم. [270/ 5] من وجب عليه حق وهو قادر على آدائه وامتنع عن ذلك فللإمام تعزيره بالحبس والضرب. • المراد بالمسألة: إذا كان لشخص غرماء يطالبونه بأموال لهم، وهو موسِر، قادر على أداء دينه، فأراد الغرماء أموالهم، وأبى أن يعطيهم ذلك، فإن للإمام معاقبته بالحبس والضرب حتى يؤدي ما عليه. ويتبين مما سبق أن المدين إن كان مُعسِرًا أو ادعى الإعسار، فإنه غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "من وجب عليه حق وهو قادر على أدائه وامتنع من أدائه فإنه يعاقب بالضرب والحبس مرة بعد مرة حتى. . . وهذا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع. . . وقد ذكر هذه المسألة الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم ولا أعلم فيه خلافًا" (¬1). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "ويجب حبس من عليه الحق للإيفاء اجماعًا" (¬2) ونقله عنه الشوكاني (¬3). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والمالكية (¬6). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
قال: (مطل الغني ظلم، فإذا أُتبع أحدكم على ملي فليتْبع) متفق عليه (¬1). الدليل الثاني: عن الشريد بن سويد -رضي اللَّه عنه- (¬2) عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لَيُّ الواجد (¬3) يُحِل عرضه وعقوبته) (¬4). • وجه الدلالة: في الحديث الأول بيان أن مماطلة الغني الذي يستطيع قضاء الناس أموالهم نوع من الظلم، وهذا الظلم يبيح للإمام عقوبته عليه، والسجن عقوبة تعزيرية، يُمكن بها أن يرتدع المدين ويرُد الأموال للغرماء (¬5). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من امتنع من أداء الناس أموالهم وهو قادر على ذلك فإنه لا يجوز حبسه، وإنما يباع ماله، ويُعطى الغرماء أموالهم. وهو قول عمر بن عبد العزيز، وعبد اللَّه بن جعفر، والليث بن ¬
سعد، وبه قال الظاهرية (¬1). • دليل المخالف: استدل من منع الحبس بما يلي: الدليل الأول: عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: أصيب رجل في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (تصدقوا عليه) فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لغرمائه: (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك) (¬2). • وجه الدلالة: في الحديث بيان أن من عليه دين فإنه يُعطى الغرماء مما عنده من المال، ولا يُشرع حبسه، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحبس الأنصاري بسبب دينه (¬3). الدليل الثاني: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (مطل الغني ظلم، فإذا أُتبع أحدكم على مليء فليتبع) متفق عليه (¬4). • وجه الدلالة: أن فعل الدائن القادر على السداد ظلم، فيجب ردعه عن ظلمه، وذلك ببيع شيء من متاعه مما يُمكن به سداد الناس أموالهم (¬5). الدليل الثالث: ما روي عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "حبس الرجل في السجن بعد ما يعرف ما عليه من الدين ظلم" (¬6). • وجه الدلالة: أن حبس الدائن فيه ظلم للغرماء لأنهم لا يستفيدون من ذلك فحبسه قد لا ينفع في سداد ديونهم، وظلم للمدين من جهتين: ¬
الأول: أنه معارض لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)} (¬1). الثاني: أن الحبس يؤدي إلى ترك الجمعة والجماعة، والإنسان مأمور بحضورهما (¬2). الدليل الرابع: أن الحبس على الدَّين ليس له دليل شرعي، ولم يفعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا أحد من الخلفاء الراشدين، كما قال ابن القيم: "ولم يحبس الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- طول مدته أحدًا في دين قط، ولا أبو بكر بعده، ولا عمر، ولا عثمان رضي اللَّه عنهم، وقد ذكرنا قول علي -رضي اللَّه عنه-" (¬3).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن عمر بن عبد العزيز، وعبد اللَّه بن جعفر، والليث، والظاهرية، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الثالث مسائل الإجماع في موجبات التعزير
الفصل الثالث مسائل الإجماع في موجبات التعزير [271/ 5] تعزير من وجد مع امرأة أجنبية في بيت والباب مغلق عليهما. • المراد بالمسألة: إذا خلا رجل بامرأة أجنبيَّة في دار، وأغلقا الأبواب عليهما، فإنها معصية لا حد فيها، وللإمام أن يُعزر في ذلك. • من نقل الإجماع: قال ابن حجر (852 هـ): "أجمعوا على تأديب من وجد مع امرأة أجنبية في بيت والباب مغلق عليهما" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكر له ذلك، قال: فنزلت: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} (¬5)، قال: فقال الرجل: ألِي هذه يا رسول اللَّه؟ قال: (لمن عمل بها من أمتي) متفق عليه (¬6). • وجه الدلالة: الحديث دليل على أن من أصاب المرأة دون الجماع فإنه لا حد عليه، وأنه معصية، والتعزير هو العقاب على معصية لا حد فيها. الدليل الأول: لأنها معصية ليس فيها شيء مقدر، فكان فيها التعزير (¬7). ¬
[272/ 5] شاهد الزور يعزر بالضرب.
Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. [272/ 5] شاهد الزور يُعزَّر بالضرب. • المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص أنه شهد زورًا، فإن للإمام أن يُعزِّره جلدًا. وهنا يُنبه إلى أنه يستثنى من ذلك شهادة الزور على الزنا، فإن شهد ثلاثة فأقل على شخص بالزنا، فهنا يكونون قذَفَة (¬1)، أما عدا هذه المسألة فشاهد الزور يستحق التعزير. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "وجوب التعزير في عموم الشهادات سوى الشهادة على الزنا، بأن تعمد شهادة الزور، وظهر عند القاضي بإقراره؛ لأن قول الزور جناية ليس فيها فيما سوى القذف حد مقدر، فتوجب التعزير بلا خلاف بين أصحابنا. . . أما إذا لم يتُب وأصرَّ على ذلك بأن قال: "إني شهدت بالزور وأنا على ذلك قائم" فإنه يعزر بالضرب بالإجماع" (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "متى ثبت عند الحاكم عن رجل أنه شهد بزور عمدًا عزَّره وشهَّره في قول أكثر أهل العلم. . . لأنه قول عمر رضي اللَّه عنه ولم نعرف له في الصحابة -رضي اللَّه عنهم- مخالفًا" (¬3)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (¬4). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (¬5)، والشافعية (¬6). ¬
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عموم الأدلة الدالة على تحريم شهادة الزور، ومنها: أ- قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (¬1). ب- عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألا أنبئكم بكبر الكبائر-ثلاثًا-)، قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: (الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، -وجلس وكان متكئًا فقال: - ألا وقول الزور)، قال: "فما زال يكررها حتى قلنا ليته يسكت" متفق عليه (¬2). • وجه الدلالة: دلت النصوص على تحريم شهادة الزور، وأنها من أكبر الكبائر، والشرع لم يجعل لها حدًا مقدَّرًا، فكان فيها التعزير، لكونها معصية لا حد فيها ولا كفارة (¬3). الدليل الثاني: أنه فعل عمر -رضي اللَّه عنه-، حيث أُتي بشاهد زور فجلده (¬4). الدليل الثالث: عن شريح القاضي: "أنه كان إذا أُتي بشاهد الزور خفقه خفقات (¬5). . . ¬
ونزع عمامته" (¬1). • المخالف للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن شاهد الزور يُشهَّر فقط، ولا يُعزَّر بالجلد. وهو قول أبي حنيفة، وعليه الفتوى عند الحنفية. وذكر الكاساني وغيره من الحنفية أن قول أبي حنيفة هذا هو فيمن تاب من شهادته، أما إن كان مُصرًا على شهادة الزور فإنه يُجلد حتى عند أبي حنيفة (¬2). • دليل المخالف: استدل أبو حنيفة بتشهير شاهد الزور دون الجلد بما يلي: الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أنه أتي بشاهد زور فبعث به إلى عشيرته فقال: "إن هذا شاهد زور فاعرفوه" ثم خلّى سبيله ولم يجلده (¬3). الدليل الثاني أنه فعل القاضي شُريح، حيث أُتي بشاهد زور فشهَّر به، ولم يجلده (¬4). • وجه الدلالة: أن شُريحًا كان قاضيًا في زمن عمر وعلي رضي اللَّه عنهما، وقد قضى بذلك في زمنهما، ولا تخفى قضاياه عنهما، ولم يُنكر عليه أحد منهم (¬5).Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن أبي حنيفة. ¬
[273/ 5] إذا فعل الصغير المميز أو المجنون الفاحشة فعليهما التعزير.
لكن يُقال: إن كان الشاهد مصرًا على شهادة الزور فجلْده حينئذٍ بالتعزير محل إجماع، وهو مراد الكاساني، واللَّه تعالى أعلم. [273/ 5] إذا فعل الصغير المميَّز أو المجنون الفاحشة فعليهما التعزير. • المراد بالمسألة: إذا ارتكب صبي لم يبلغ أو المجنون فاحشة الزنا، فإنه لا يقام الحد عليه؛ لأنه غير مكلَّف، لكن للإمام أن يُعزره، إن كان في تعزيره ردع له، ورأى الإمام المصلحة في تعزيره. وبهذا يتبين أن الصبي غير المميز غير مراد في المسألة، وكذا الصبي المميز والمجنون إن كانت العقوبة لا تردعه لعدم إدراكه بذلك، فهذا غير مراد (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "ولا نزاع بين العلماء أن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيرًا بليغًا، وكذلك المجنون يضرب على ما فعله لينزجر" (¬2)، ونقله عنه محمد ابن مفلح (¬3) وإبراهيم ابن مفلح (¬4) والمرداوي (¬5) والبهوتي (¬6) والرحيباني (¬7) وابن قاسم (¬8). • الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11). • مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها ¬
[274/ 5] تارك الصلاة يستحق العقوبة.
لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع) (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شرع تأديب غير البالغ على ترك المأمور، وهو يدل على إباحة تعزيره في المعصية، إن رأى الإمام المصلحة في ذلك. الدليل الثاني: أن الصبي والمجنون يحتاجان إلى زاجر يردعهما، عن أذية الآخرين. • المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الصبي غير البالغ لا يعزَّر. وهو قولٌ للمالكية (¬2)، فمن باب أولى المجنون. • دليل المخالف: أن العقوبة التعزيرية إنما تكون على معصية، وفعل الصبي لا يُعتبر جناية، وهو غير معاقب في معصيته، فلا تعزير عليه (¬3). وفعل المجنون من باب أولى.Rالمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن المالكية في قول، واللَّه تعالى أعلم. وابن تيمية رحمه اللَّه في نقله للإجماع اعتبر المذهب عند المالكية فقط. [274/ 5] تارك الصلاة يستحق العقوبة. • المراد بالمسألة: إذا ترك شخص مسلم الصلاة عمدًا حتى خرج وقتها، ¬
وهو معتقد وجوبها، فإن للإمام أن يُعزِّره على ذلك حتى يتوب من ترك الصلاة. ويتبيَّن مما سبق أمران: الأول: إن كان تارك الصلاة غير مسلم، كالذمي، والمعاهد، والمستأمن، والحربي، فذلك غير مراد. الثاني: إن ترك المسلم الصلاة معتقدًا عدم وجوبها فمسألة أخرى غير مرادة (¬1). ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لأنهم مقرون معنا بلا خلاف من أحدهم، ولا من أحد من الأمة، في أن من تعمد ترك صلاة فرض، ذاكرًا لها، حتى يخرج وقتها، فإنه فاسق مجرح الشهادة، مستحق للضرب والنكال" (¬1). • الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عموم الأدلة الدالة على وجوب الصلاة وهي كثيرة منها: الدليل الأول: قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (¬6). الدليل الثاني: قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)} (¬7). الدليل الثالث: قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)} (¬8). ¬
الدليل الرابع: عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) (¬1). الدليل الخامس: عن بريده بن الحصيب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) (¬2). الدليل السادس: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان) متفق عليه (¬3). الدليل السابع: عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بارزًا يوما للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: (أن تؤمن باللَّه، وملائكته، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث)، قال: ما الإسلام؟ قال: (الإسلام أن تعبد اللَّه ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. . . الحديث) متفق عليه (¬4). الدليل الثامن: عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أمرت أن أقاتل ¬
الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه) (¬1). الدليل التاسع: عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: (من حافظ عليها كانت له نورًا، وبرهانًا، ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور، ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأبي بن خلف) (¬2). الدليل العاشر: ما أُثر عن جمع من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- في تهديد من تركها، فعن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، وعن علي رضي اللَّه عنه قال: "من لم يصل فهو كافر"، وعن عبد اللَّه بن مسعود قال: "من لم يصل فلا دين له" (¬3). • وجه الدلالة من النصوص السابقة: دلت النصوص السابقة على أن الصلاة فرض واجب، فمن تركها فقد ارتكب معصية لا حد فيها ولا كفارة، فوجب ¬
التعزير؛ لما سبق أن التعزير مشروع في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة (¬1).Rالمسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الخاتمة
الخاتمة في ختام هذه الرسالة، أدوِّن أهم النتائج التي توصَّلت إليها في البحث، ومع بيان بعض الوصايات التي تخدم هذا المشروع، وهي كالتالي: أولًا: النتائج: خلص للباحث نتائج يمكن إجمالها فيما يلي: أولًا: أن مجموع المسائل التي تحقق الإجماع فيها لدى الباحث هي ست وثمانون ومائة مسألة (186) من أصل أربعة وسبعين ومأتي مسألة (274)، وهي على النحو التالي: - (40) مسألة في باب مسائل الإجماع العامة في الحدود من أصل (59) مسألة. - (69) مسألة في باب حد الزنا من أصل (94) مسألة. - (41) مسألة في باب حد القذف من أصل (66) مسألة. - (28) مسألة في باب حد شرب الخمر من أصل (42) مسألة. - (8) مسائل في باب التعزير من أصل (13) مسألة. ولم يتحقق الإجماع في (97) مسألة، وقد وضعت فهرسًا مستقلًا للمسائل التي تحقق فيها الإجماع، والتي لم يتحقق فيها؛ حتى يسهل الرجوع إليها. ثانيًا: أن المسائل الإجماعية المتعلقة بكتاب الحدود في الفقه الإسلامي كثيرة نسبيًا حيث أني لم أبحث إلا جزءًا من باب الحدود وتحصل فيه (186) مسألة مما يدل على عناية الشريعة وعمقها في هذا الباب. ثالثًا: أن الإجماعات المنقولة في باب التعزير قليلة جدًا بالنسبة لغيرها من أبواب الفقه، حتى أن الكتب المختصة بالإجماع لم تذكر شيئًا في هذا الباب إلا نزرًا يسيرًا، فابن هبيرة في كتابه "الإفصاح عن معاني الصحاح" لم يذكر أي
مسألة في هذا الباب، واكتفى ابن المنذر في كتابه "الإجماع" بمسألة واحدة فقط، وكذا ابن حزم في "مراتب الإجماع" لم يذكر سوى مسألة واحدة، ولعل السبب في ذلك أن فقهاء الحنفية والمالكية لا يذكرون للتعزير بابًا مستقلًا، وإنما يُدرجونه تحت حد القذف، فلا يتوسعون في ذكر مسائله، وتحقيقها. رابعًا: أن الإجماع السكوتي المعتمد على فعل أو قول بعض الصحابة -رضي اللَّه عنهم- دون نكير، لا يتحقق فيه الإجماع غالبًا، بل الخلاف فيه حاصل بين فقهاء المذاهب الأربعة فضلا عن غيرهم، وذكره في موارد الإجماع لا يُراد به الإجماع المتحقق الذي لا يجوز خلافه، وإنما يُراد به تقوية القول، وإيراده كدليل من أدلة القول، مع تسويغ الخلاف فيه. خامسًا: أكثر الإجماعات التي نقلتها لم تكن إلا من الثلاثمائة هجرية فما بعدها، وهذا يدل على أن حكاية الإجماعات في الصدر الأول كانت قليلة جدًا، وقد يعود ذلك لتعسر ضبط واستقراء الأقوال قبل تدوينها. سادسًا: أن العالم مهما بلغت رتبتُه في العلم والاستقراء كابن المنذر وغيره، فإنه لا يخلو من خطأ في حكاية الإجماع، وإن كان حكايته للإجماع تدل على كثرة القائلين به، وقلة المخالفين، ونقض إجماع العالم في المسألة لا يدل على ضعف اطلاعه، أو قلة علمه، وإنما هو جهد بشر، والكمال إنما يكون للَّه وحده، وقد يكون على اطلاع بالمخالف؛ لكنه لم يعتبره مناقضًا للإجماع لشذوذه، ونحو ذلك. سابعًا: أن أكثر من خالف الإجماع في المسائل هو ابن حزم الظاهري. ثامنًا: اتفق الفقهاء من أهل السنة والجماعة على أن خلاف المذاهب المبتدعة كالخوارج والروافض ونحوهم غير معتبَر في نقض الإجماع. تاسعًا: تبين للباحث عند جمع نقولات أهل العلم في الإجماع أن كثيرًا من
الفقهاء يذكرون الإجماع نقلا عن غيرهم وهم في ذلك قد يصرحون عمن نقلوا عنه، وقد لا يصرحون. عاشرًا: أن من أكثر الاطلاع والنظر في مسائل الإجماع استفاد ملكة قوية في معرفة مظان وجود بعض النقولات التي لم يصرح أصحابها عن مصدرها الأصلي، ومن الأمثلة على ذلك أن القرطبي في تفسيره غالب نقولاته للإجماع تكون عن ابن العربي في "أحكام القرآن" أو عن ابن عطية في "المحرر الوجيز" وقد يحكي الإجماع ابتداءً، وكذا شمس الدين ابن قدامة في "الشرح الكبير" يأخذ غالب نقولاته من الموفق ابن قدامة في كتابه "المغني" كما صرَّح بذلك في المقدَّمة، ولا ينفرد بالإجماع إلى في نزر يسير، وأما النووي في شرحه على مسلم فإنه ينقل الإجماع ابتداء في مواضع كثيرة، لكنه يُكثر من النقل عن القاضي عياض في كتابه "إكمال المعلم" وقد يصرَّح بالنقل وقد لا يصرَّح بذلك، وأما العراقي في "طرح التثريب" فإنه يأخذ من مصادر شتى فينقل كلام ابن عبد البر والقاضي عياض والقرطبي والنووي وابن حزم وغيرهم، لكنه يتميَّز بالتصريح بالنقل، وينقل النص بحرفه، وأما العيني في "عمدة القاري" والشوكاني في "نيل الأوطار" والصنعاني في "سبل السلام" فغالب إجماعاتهم هي من "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني، وفي أغلب الأحيان لا يصرحون بالنقل. الحادي عشر: من أبرز من اهتم بحكاية الإجماع ابتداء ابن المنذر وهو إمام أهل العلم في هذا الفن، كما يظهر ذلك في كتبه كـ "الإشراف"، و"الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف"، و"الإجماع"، والناظر في كتبه يظهر له جليًا عمق علم ابن المنذر وسعة اطلاعه واستقرائه لأقوال أهل العلم،
ثانيا: التوصيات
ولذا يقول ابن القيم: "هو من أعلم الناس بالإجماع والاختلاف" (¬1). ولا تكاد تجد أحدًا من أهل العلم ممن له اهتمام بالإجماعات إلا وينقل عن ابن المنذر في كثير من المواضع، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "عليه اعتماد كثير من المتأخرين في نقل الإجماع والخلاف" (¬2). وتبع ابن المنذر في ذلك جماعة من أهل العلم منهم ابن حزم كما في كتابه "مراتب الإجماع" ومواضع كثيرة من "المحلى"، وابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح"، وابن عبد البر في كتابيه "التمهيد" و"الاستذكار". ثانيًا: التوصيات: بعد الانتهاء من هذا البحث -بحمد اللَّه وتوفيقه- يرى الباحث جملة من التوصيات لإتمام هذا المشروع هي كالتالي: أولًا: تكملة المشروع في جميع أبواب الفقه، حتى يكتمل في كتاب واحد يجمع شتات المسائل الإجماعية الفقهية، على سبيل التقصي والاستقراء، مما يسهل على الباحثين الحصول على بغيتهم في المسألة الإجماعية، ونقولات أهل العلم لها. ثانيًا: تحديد منهجية موحَّدة في البحث، من خلال وضع ضوابط في اعتبار الإجماع من عدمه، إن أمكن إستدراكه فيما بقي من المشروع، أو الاهتمام به بعد نهاية المشروع بإسناده إلى نخبة من العلماء ووضع منهجية موحدة له في جميع الأبواب، يتم من خلالها اعتماد الإجماع في المسألة أو عدمه، واعتبار الخلاف أو ردِّه بالشذود ونحوه. ¬
لأن الباحثين في هذا المشروع يختلفون في ضابط الإجماع فمنهم من لا يعتبر خلاف الظاهرية، ومنهم من يعتبره، ومنهم من لا يعتبر خلاف الواحد والاثنين، ومنهم من يعتبره ناقضًا للإجماع، فكان لابد من توحيد المنهجية في اعتبار تحقق الإجماع من عدمه حتى تكمل الفائدة. ثالثًا: بعد الانتهاء من المشروع بأكمله يتم استخلاص المسائل المُجمع عليها ثم إخراجها في كتاب مختصر، يكون المنهج فيه على طريقة ابن المنذر في كتابه "الإجماع"، وابن حزم في "مراتب الإجماع". وفي ختام هذا البحث أنتهي به كما بدأت، بحمد اللَّه تعالى على العون في إتمام هذا البحث، فله الحمد كله، وأسأله سبحانه التوفيق والسداد، وثبات الأجر عنده يوم المعاد. وصلى اللَّه على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهرس المصادر والمراجع
فهرس المصادر والمراجع 1 - القرآن الكريم. 2 - أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم، لصديق بن حسن القنوجي، تحقيق: عبد الجبار زكار، دار الكتب العلمية، بيروت، 1978 م. 3 - الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي، لعلي بن عبد الكافي السبكي، تحقيق: جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1404 هـ. 4 - إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، لأحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري، طبعة دار الوطن، 1420 هـ، 1999 م. 5 - الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام، لمحمد بن أحمد الفاسي "ميارة" دار المعرفة. 6 - الإجماع عند الأصوليين دراسة وتطبيقًا على المسائل التي حكى فيها ابن قدامة الإجماع ونفى علمه بالخلاف فيها من كتاب المغني من أول كتاب الحدود إلى نهاية كتاب قطاع الطريق، لصالح بن سليمان الحميد، وهي رسالة ماجستير في اْصول الفقه كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى عام 1419 هـ. 7 - الإجماع، لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، تحقيق: د. فؤاد عبد المنعم أحمد، دار الدعوة، الإسكندرية، الطبعة الثالثة، 1402 هـ. 8 - إجماعات ابن عبد البر جمعًا ودراسة (الجنايات والديات والحدود)، لمنى بنت عبد العزيز المبارك، وهي رسالة ماجستير في قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1426 هـ. 9 - إجمال الإصابة في أقوال الصحابة، خليل بن كيكلدي العلائي، تحقيق: د. محمد سليمان الأشقر الكويت، جمعية إحياء للتراث الإسلامي، الطبعة الأولى، 1407 هـ.
10 - إحكام الاْحكام شرح عمدة الأحكام، محمد بن علي تقي الدين ابن دقيق، مطبعة السنة المحمدية. 11 - أحكام القرآن الكريم، محمد بن عبد اللَّه الأندلسي (ابن العربي)، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى. 12 - أحكام القرآن، أبو بكر بن علي الرازي (الجصاص)، دار الفكر، 1414 هـ، 1393 م. 13 - الإحكام في أصول الأحكام، علي بن أحمد بن حزم الأندلسي أبو محمد، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1404 هـ. 14 - الإحكام في أصول الأحكام، علي بن محمد الآمدي، تحقيق: د. سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1404 هـ. 15 - اختلاف الحديث، لمحمد بن إدريس الشافعي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ، 1985 م. 16 - الاختيار لتعليل المختار، لعبد اللَّه بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، تحقيق: عبد اللطيف محمد عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1426 هـ، 2005 م. 17 - آداب الشافعي ومناقبه، لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1424 هـ، 2003 م. 18 - الآداب الشرعية والمنح المرعية، محمد بن مفلح بن محمد المقدسي، عالم الكتب. 19 - أدب المفتي والمستفتي، لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوي، تحقيق: موفق عبد اللَّه عبد القادر، لبنان، بيروت، مكتبة العلوم والحكم، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1407 هـ. 20 - الأدب المفرد، لمحمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثالثة، 1409 هـ، 1989 م.
21 - إرسال الشواظ على من تتبع الشواذ، لصالح بن علي الشمراني، دار المنهاج، الرياض، الطبعة الأولى، 1428 هـ. 22 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، المحقق: الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق، كَفَر بطنا، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، 1419 هـ، 1999 م. 23 - الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد الجو، لإمام الحرمين الجويني، تحقيق: محمد يوسف موسى علي عبد الحميد، مكتبة الخانجي، 1369 هـ. 24 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، إشراف، زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1405 هـ، 1985 م. 25 - الاستذكار، يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر النمري، تحقيق: سالم محمد عطا ومحمد علي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ، 2000 م. 26 - الاستقامة، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، أبو العباس، تحقيق: محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1403 هـ. 27 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البر، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، مطبوع بهامش الإصابة، الطبعة الأولى. 28 - أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير، علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 29 - إسعاف المبطأ برجال الموطأ، لعبد الرحمن ابن أبي بكر أبو الفضل السيوطي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، 1389 هـ، 1969 م. 30 - أسنى المطالب شرح روض الطالب، زكريا بن محمد زكريا الأنصاري، مع حاشية عليه لأحمد الرملي، دار الكتاب الإسلامي.
31 - الأشباه والنظائر، لتاج الدين عبد الوهاب بن علي ابن عبد الكافي السبكي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411 هـ، 1991 م. 32 - الأشباه والنظائر، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1403 هـ، 1983 م. 33 - الإشراف على مذاهب العلماء، لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق: صغير أحمد الأنصاري، الإمارات، رأس الخيمة، مكتبة مكة الثقافية، الطبعة الأولى، 1425 هـ، 2004 م. 34 - الإصابة في تمييز الصحابة، لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، تحقيق: علي محمد البجاوي، بيروت، دار الجيل، الطبعة الأولى، 1412 هـ. 35 - أصول البزدوي، "كنز الوصول إلى معرفة الأصول"، علي بن محمد البزدوي الحنفي، مطبعة جاويد بريس، كراتشي. 36 - أصول الدين، لأبي منصور عبد القاهر البغدادي، الكتب العلمية، الطبعة الأولى. 37 - أصول السرخسي، لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي، تحقيق: أبو الوفاء الأفغاني، لجنة إحياء المعارف النعمانية بحيدرأباد، ودار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1414 هـ، 1993 م. 38 - أصول السرخسي، لمحمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي أبو بكر، المكتبة الأحمدية. 39 - أصول الشاشي، أحمد بن محمد بن إسحاق الشاشي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1402 هـ. 40 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1415 هـ، 1995 م.
41 - إعلام الموقعين عن رب العالمين، لأبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973 م. 42 - أعلام النساء، لعلي محمد علي دخيل التوفر، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2001 م. 43 - الأعلام، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الخامسة، 1980 هـ. 44 - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، لأبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1395 هـ، 1975 م. 45 - الإفصاح عن معاني الصحاح في الفقه على المذاهب الأربعة، لأبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، لبنان، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1417 هـ، 1996 م. 46 - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، لمحمد الشربيني الخطيب، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، بيروت، 1415 هـ. 47 - الإقناع في مسائل الإجماع، لابي الحسن ابن القطان، تحقيق: حسن فوزي الصعيدي، مصر، القاهرة، دار الفاروق، 1424 هـ، 2004 م. 48 - إكمال المعلم بفوائد مسلم، لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض الحمصي، تحقيق: يحيى إسماعيل، الطبعة الأولى، 1419 هـ، 1998 م. 49 - الإكمال بمن في مسند أحمد من الرجال سوى من ذكر في تهذيب الكمال، لشمس الدين محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني. 50 - إكمال تهذيب الكمال الجزء الأول والثاني، لعلاء الدين مغلطاي بن قليج الحنفي، تحقيق: عادل بن محمد وأبو محمد أسامة بن إبراهيم، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1422 هـ، 2001 م.
51 - الإلمام بأحاديث الأحكام، تقي الدين محمد بن أبي الحسن على بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري المصري، تحقيق: حسين إسماعيل الجمل، دار المعراج الدولية، بيروت، دار ابن حزم، الطبعة الثانية، 1423 هـ، 2002 م. 52 - الأم، محمد بن إدريس الشافعي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1400 هـ، 1980 م، والطبعة الثانية، 1403 هـ، 1983 م. 53 - إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ، لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: د. محمد عبد المعيد خان، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1406 هـ، 1986 م. 54 - الأنساب، لأبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني، تقديم وتعليق: عبد اللَّه عمر البارودي، مركز الخدمات والأبحاث الثقافية، دار الجنان. 55 - الإنصاف، علي بن سليمان بن أحمد المروداوي، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية. 56 - أنوار البروق في أنواع الفروق، أحمد بن إدريس القرافي، عالم الكتب. 57 - أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، لقاسم بن عبد اللَّه بن أمير علي القونوي، تحقيق: أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي، جدة، دار الوفاء، الطبعة الأولى، 1406 هـ. 58 - إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد، لمحمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمى، المشهور بابن الوزير، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1987 م. 59 - الإيمان الكبير، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الأردن، عمان، الطبعة الخامسة، 1416 هـ، 1996 م. 60 - بحار الأنوار، للمجلسي، طبعة: كمباني.
61 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن إبراهيم بن نجيم، وعليه حاشية عبد اللَّه بن أحمد النسفي، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية. 62 - البحر الزخار، أحمد بن يحيى بن المرتضى، دار الكتاب العربي. 63 - بحر العلوم، لأبي الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه الحنفي، تحقيق: محمود مطرحي، دار الفكر، بيروت. 64 - البحر المحيط في أصول الفقه، بدر الدين بن محمد بهادر الزركشي، دار الكتبي، الطبعة الأولى، 1414 هـ، 1994 م. 65 - البحر المحيط في أصول الفقه، بدر الدين محمد بن عبد اللَّه بن بهادر الزركشي، تحقيق: محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1421 هـ، 2000 م. 66 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مسعود بن أحمد الكاساني، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1406 هـ، 1986 م. 67 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، الشهير بابن رشد الحفيد، أبو الوليد، مطبعة مصر، مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الرابعة، 1395 هـ، 1975 م. 68 - البداية والنهاية، لإسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء، مكتبة المعارف، بيروت. 69 - البدر الطالع في محاسن القرن السابع، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: محمد حسن حلاق، سورية، دمشق، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 1427 هـ، 2006 م. 70 - البدر الطالع في محاسن القرن السابع، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: محمد حسن حلاق، سورية، دمشق، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 1427 هـ، 2006 م.
71 - البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، لسراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي، ابن الملقن، تحقيق: مصطفى أبو الغيط، وعبد اللَّه بن سليمان، وياسر بن كمال، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، الطبعة الأولى، 1425 هـ، 2004 م. 72 - بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية، لأبي سعيد الخادمي، دار إحياء الكتب العربية، 1348 هـ. 73 - بلغة السالك لأقرب المسالك (حاشية الصاوي على الشرح الصغير)، أحمد بن محمد الصاوي، أبو العباس، دار المعرفة. 74 - البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة، لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي، تحقيق: محمد المصري، جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت، الطبعة الأولى، 1407 هـ. 75 - بلوغ المرام من أدلة الأحكام، لأحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، مكتبة دار الفيحاء، دمشق، 1414 هـ، 1993 م. 76 - البناية في شرح الهداية، لمحمود بن أحمد العيني، دار الفكر، د: ت. 77 - بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام، لعلي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، بن القطان، تحقيق: الحسين آيت سعيد، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى، 1418 هـ، 1997 م. 78 - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، لأبي الوليد محمد ابن أحمد بن رشد القرطبي، تحقيق: د محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1408 هـ، 1988 م. 79 - تاج التراجم، لأبي الفداء زين الدين قاسم بن قطلوبغا السودوني، تحقيق: محمد خير رمضان، الطبعة الأولى، دار القلم، دمشق، سوريا، 1413 هـ، 1992 م.
80 - تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقب بمرتضى، الزَّبيدي، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية. 81 - التاج والإكليل شرح مختصر خليل، محمد بن يوسف العبدري (المواق)، دار الكتب العلمية. 82 - تاريخ ابن الوردي، لزين الدين عمر بن مظفر الشهير بابن الوردي، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، 1417 هـ، 1996 م. 83 - تاريخ الأزهر في ألف عام، لسنية قراعة، مكتب الصحافة الدولى للصحافة والنشر، القاهرة، 1968 م. 84 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، لمحمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: بشار بن عواد معروف الناشر، جامعة بغداد، الطبعة الثانية، 1397 هـ. 85 - تاريخ الأمم والرسل والملوك، محمد بن جرير الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1407 هـ. 86 - التاريخ الكبير، لمحمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي، أبو عبد اللَّه، تحقيق: السيد هاشم الندوي، دار الفكر، بيروت. 87 - تاريخ بغداد، لأحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت. 88 - تاريخ دمشق، لابن عساكر، دار الفكر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1419 هـ، 1998 م. 89 - تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، لعبد الرحمن الجبرتي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 2005 هـ 90 - تأويل مختلف الحديث، لعبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري، تحقيق: محمد زهري النجار، لبنان، بيروت، دار الجيل، 1393 هـ، 1972 م.
91 - تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، إبراهيم بن علي بن فرحون اليعمري المالكي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1406 هـ، 1986 م. 92 - التبصرة في أصول الدين على مذهب الإمام الجليل ناصر السنة وقامع البدعة أحمد بن حنبل، لأبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي، تحقيق: إبراهيم بن محمد الدوسري، رسالة ماجستير في قسم العقيدة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مطبوع على الآلة الكاتبة. 93 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، لعثمان بن علي الزيلعي، وعليه حاشية أحمد بن يونس الشلبي، دار الكتاب الإسلامي. 94 - التجريد لنفع العبيد (حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب)، سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي، دار الفكر العربي. 95 - تحرير ألفاظ التنبيه، ليحيى بن شرف بن مري النووي، تحقيق: عبد الغني الدق، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1408 هـ. 96 - التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، لبنان، بيروت، مؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الأولى، 1420 هـ، 2000 م. 97 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، أبو العلا، دار الكتب العلمية، بيروت. 98 - تحفة الحبيب على شرح الخطيب (البجيرمي على الخطيب)، لسليمان بن محمد بن عمر البجيرمي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1417 هـ، 1996 م. 99 - تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب، لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق: عبد الغني بن حميد بن محمود الكبيسي، مكة المكرمة، دار حراء، 1406 هـ. 100 - تحفة الفقهاء، السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1414 هـ، 1994 م.
101 - تحفة المحتاج في شرح المنهاج، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، دار إحياء التراث العربي. 102 - التحقيق في أحاديث الخلاف، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج، تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 هـ. 103 - تذكرة الحفاظ، لشمس الدين أبي عبد اللَّه محمد الذهبي، بيروت، لبيان، دار إحياء التراث العربي. 104 - تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج، ابن الملقن لسراج الدين عمر بن علي بن أحمد الشافعي، المحقق: حمدي عبد المجيد السلفي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994 هـ. 105 - تذكرة الموضوعات، لمحمد طاهر بن علي الهندي الفتني. 106 - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، عبد العظيم بن عبد القوي المنذري تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1417 هـ. 107 - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: إكرام اللَّه إمداد الحق، لبنان، بيروت، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى. 108 - التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، لسليمان بن خلف بن سعد أبو الوليد الباجي، تحقيق: د. أبو لبابة حسين، دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1406 هـ، 1986 م. 109 - التعريفات، لعلي بن محمد بن علي الجرجاني، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ. 110 - تعظيم قدر الصلاة، محمد بن نصر بن الحجاج المروزي، أبو عبد اللَّه، تحقيق: د. عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، المدينة المنورة، مكتبة الدار،
الطبعة الأولى، 1406 هـ. 111 - تغليق التعليق على صحيح البخاري، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: سعيد عبد الرحمن موسى القزقي، المكتب الإسلامي، دار عمار، بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ. 112 - تفسير البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي، دار الفكر. 113 - تفسير البيضاوى، للبيضاوي، دار الفكر، بيروت. 114 - تفسير الخازن المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل، علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي الشهير بالخازن، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1399 هـ، 1979 م. 115 - تفسير السراج المنير، لمحمد بن أحمد الشربيني، دار الكتب العلمية، بيروت. 116 - تفسير الفخر الرازي الموسوم بـ "مفاتيح الغيب"، محمد بن عمر بن الحسين الرازي الشافعي المعروف بالفخر الرازي، دار إحياء التراث العربي. 117 - تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1420 هـ، 1999 م. 118 - تفسير القمي، للقمي، طبعة: إيران. 119 - تفسير اللباب، لعمر بن على ابن عادل الدمشقي الحنبلي، دار الكتب العلمية، بيروت. 120 - تفسير روح البيان، إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي، دار إحياء التراث العربي. 121 - التقرير والتحبير في شرح التحرير، محمد بن محمد ابن أمير الحاج، تحقيق: عبد اللَّه محمود محمد عمر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 هـ، 1999 م.
122 - التقرير والتحبير في شرح التحرير، محمد بن محمد بن محمد ابن أمير الحاج، دار الكتب العلمية، الطبعة الثالثة، 1403 هـ، 1983 م. 123 - تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني، تحقيق: السيد عبد اللَّه هاشم اليماني المدني، المدينة المنورة، 1384 هـ، 1964 م. 124 - التلخيص الحبير، أحمد بن علي بن حجر، أبو الفضل العسقلاني، مؤسسة قرطبة، دار المشكاة، الطبعة الأولى، 1416 هـ، 1995 م. 125 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ليوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر النمري، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب 1387 هـ. 126 - تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، لمحمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، تحقيق: مصطفى أبو الغيط عبد الحي عجيب، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، 1421 هـ، 2000 م. 127 - تنقيح تحقيق أحاديث التعليق، محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق: سامي بن محمد بن جاد اللَّه، وعبد العزيز بن ناصر الخباني، أضواء السلف، الرياض، الطبعة الأولى، 1428 هـ، 2007 م. 128 - تنقيح تحقيق أحاديث التعليق، محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق: أيمن صالح شعبان، دار الكتب العلمية، بيروت، 1998 م. 129 - تهذيب الأسماء واللغات، محيي الدين يحيى شرف الدين النووي، دار الكتب العلمية للنشر، لبنان، 2007 م. 130 - تهذيب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1404 هـ، 1984 م. 131 - تهذيب الكمال، ليوسف بن الزكي عبد الرحمن أبو الحجاج المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1400 هـ، 1980 م.
132 - تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2001 م. 133 - التوقيف على مهمات التعاريف، لمحمد عبد الرؤوف المناوي، تحقيق: محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1410 هـ. 134 - تيسير التحرير، لمحمد أمين المعروف بأمير بادشاه، دار الفكر. 135 - تيسير العلام شرح عمدة الأحكام، لعبد اللَّه عبد الرحمن البسام، دار أولي النهى، بيروت، الطبعة الثامنة، 1414 هـ، 1994 م. 136 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبد الرحمن بن ناصر بن السعدي، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة، الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ، 2000 م. 137 - الثقات، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1395 هـ، 1975 م. 138 - الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب، محمد ناصر الدين الألباني، غراس للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى. 139 - جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ، 2005 م. 140 - جامع التحصيل في أحكام المراسيل، لأبي سعيد بن خليل بن كيكلدي أبو سعيد العلائي، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، بيروت، عالم الكتب، الطبعة الثانية، 1407 هـ، 1986 م. 141 - جامع الرسائل، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، الرياض، دار العطاء، الطبعة الأولى، 1422 هـ، 2001 م.
142 - الجامع الصحيح المختصر، لمحمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، تحقيق: مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1407 هـ، 1987 م. 143 - الحامع الصحيح، سنن الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 144 - جامع العلوم والحكم، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ. 145 - جامع المسائل، لأبي العَباس أحمد بن عبد الحليم بن ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، تحقيق: محمد عزير شمس، إشراف: بكر بن عبد اللَّه أبو زيد، دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى، 1422 هـ. 146 - جامع بيان العلم وفضله، ليوسف بن عبد البر النمري، دار الكتب العلمية، بيروت، 1398 هـ. 147 - الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، أبو عبد اللَّه، تحقيق: أحمد البردوني، وإبراهيم أطفيش، القاهرة، دار الكتب المصرية، الطبعة الثانية، 1384 هـ، 1964 م. 148 - الجرح والتعديل، لعبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس أبو محمد الرازي التميمي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1271 هـ، 1952 م. 149 - الجرح والتعديل، لعبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس أبو محمد الرازي التميمي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1271 هـ، 1952 م. 150 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: د. علي حسن ناصر، د. عبد العزيز إبراهيم العسكر، د. حمدان
محمد، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، 1414 هـ. 151 - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (الداء والدواء)، لمحمد بن أبي بكر أيوب الزرعي ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، دار الكتب العلمية، بيروت. 152 - الجوهرة النيرة، لمحمد بن علي الحدادي العبادي، المطبعة المخيرية، 1322 هـ. 153 - حاشية ابن القيم على سنن أبي داود، محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1415 هـ. 154 - حاشية إعانة الطالبين، لأبي بكر بن محمد شطا الدمياطي، على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين لزين الدين بن عبد العزيز المعبري المليباري، الطبعة الأولى، 1418 هـ، 1997 م. 155 - حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب، سليمان بن عمر بن محمد البجيرمى، المكتبة الإسلامية، ديار بكر، تركيا. 156 - حاشية الجمل على المنهج، لسليمان الجمل، لبنان، بيروت، دار الفكر. 157 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، دار إحياء الكتب العربية. 158 - حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي، الطبعة الرابعة، 1410 هـ. 159 - حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي، علي الصعيدي العدوي، دار الفكر، 1414 هـ، 1994 م. 160 - حاشية العطار على جمع الجوامع، لحسن العطار، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، الطبعة الأولى، 1420 هـ، 1999 م. 161 - حاشيتا القليوبي وعميرة، أحمد سلامة القليوبي، وأحمد البرلسي عميرة، إحياء الكتاب العربي، 1415 هـ، 1995 م.
162 - الحاوى الكبير، أبو الحسن الماوردي، دار النشر، دار الفكر، بيروت. 163 - الحاوي في فقه الشافعي لأبي الحسن الشافعي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1414 هـ، 1994 م. 164 - حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار، لمحمد بن عمر بحرق الحضرمي الشافعي، تحقيق محمد غسان نصوح عزقول، دار الحاوي، بيروت، 1998 م. 165 - الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، لزكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري، تحقيق: د. مازن المبارك، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الأولى، 1411 هـ. 166 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصبهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1405 هـ. 167 - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، لمحمد أمين فضل اللَّه المحبي، تحقيق: محمد حسن محمد إسماعيل، لبنان، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1427 هـ، 2006 م. 168 - الدارس في تاريخ المدارس، لعبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1410 هـ، 1990 م. 169 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور، لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: مركز هجر للبحوث، دار هجر، مصر، 1424 هـ، 2003 م. 170 - درء تعارض العقل والنقل، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، أبو العباس، تحقيق: محمد رشاد سالم، دار الكنوز الأدبية، الرياض، 1391 هـ. 171 - الدرة فيما يجب اعتقاده، لأبي محمد ابن حزم، تحقيق: أحمد الحمد وسعيد القزق، مكتبة التراث، الطبعة الأولى. 172 - درر الحكام شرح غرر الأحكام، محمد بن فرموزا (منلاخسرو)، دار إحياء الكتب العربية.
173 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، للحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، تحقيق: محمد عبد المعيد ضان، مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، 1392 هـ، 1972 م. 174 - الدرر في اختصار المغازي والسير، لأبي عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البر النمري، تحقيق: الدكتور شوقي ضيف، وزارة الأوقاف المصري، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1415 هـ، 1995 م. 175 - دستور العلماء أو جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، للقاضي عبد رب النبي بن عبد رب الرسول الأحمد نكري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1421 هـ، 2000 م. 176 - دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (شرح منتهى الإرادات)، منصور بن يونس البهوتي، عالم الكتب. 177 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لابن فرحون، تحقيق: مأمون بن محيي الدين الجنّان، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، سنة 1417 هـ، 1996 م. 178 - الذخيرة، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد حجي، بيروت، دار الغرب، 1994 م. 179 - ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد، لمحمد بن أحمد بن علي، تقي الدين، أبو الطيب المكي الحسني الفاسي، المحقق: كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1410 هـ، 1990 م. 180 - ذيل تذكرة الحفاظ، لأبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن الحسيني الدمشقي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1419 هـ، 1998 م. 181 - ذيل طبقات الحنابلة، لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق: محمد حامد فقي، مطبعة السنة المحمدية، 1372 هـ، 1952 م.
182 - رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر (ابن عابدين)، دار الكتب العلمية، 1412 هـ، 1992 م. 183 - رسالة إلى أهل الثغر، علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل الأشعري، تحقيق: عبد اللَّه شاكر محمد الجنيدي، مكتبة العلوم والحكم، دمشق، الطبعة الأولى، 1988 هـ. 184 - الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، لمحمد بن إبراهيم الوزير، تقديم: بكر بن عبد اللَّه أبو زيد، اعتنى به: علي بن محمد العمران، دار عالم الفوائد. 185 - روضة الطالبين وعمدة المفتين، لمحي الدين النووي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية. 186 - روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ابن قدامة المقدسي، مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1423 هـ. 187 - رياض الصالحين، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1421 هـ، 2000 م. 188 - زاد المسير في علم التفسير، عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1404 هـ. 189 - زاد المعاد في هدي خير العباد، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، أبو عبد اللَّه، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، عبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار الإسلامية، بيروت، الطبعة الرابعة عشر، 1407 هـ، 1986 م. 190 - الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري الهروي أبو منصور، تحقيق: د. محمد جبر الألفي، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، الطبعة الأولى، 1399 م. 191 - الزواجر عن اقتراف الكبائر، لأحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1414 هـ، 1994 م.
192 - سبل السلام، محمد بن إسماعيل الكحلاني الصنعاني، دار الحديث. 193 - السراج الوهاج على متن المنهاج، لمحمد الزهري الغمراوي، دار المعرفة، لبنان، بيروت. 194 - سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، 1415 هـ، 1995 م. 195 - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني، دار المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1412 هـ، 1992 م. 196 - سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، لمحمد خليل المرادي، دار ابن حزم، بيروت. 197 - سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد أبو عبد اللَّه القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت. 198 - سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر. 199 - سنن البيهقي الكبرى، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكة المكرمة، مكتبة دار الباز، 1414 هـ، 1994 م. 200 - سنن الدارقطني، علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، تحقيق: السيد عبد اللَّه هاشم يماني المدني، دار المعرفة، بيروت، 1386 هـ، 1966 م. 201 - السياسة الشرعة في إصلاح الراعي والرعية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، مكتبة ابن تيمية. 202 - سير أعلام النبلاء، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وجماعة، الرياض، مؤسسة الرسالة، 1401 هـ.
203 - السيرة النبوية، لأبي الفداء إسماعيل ابن كثير، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية. 204 - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار ابن حزم، الطبعة الأولى. 205 - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد مخلوف، القاهرة، المكتبة السلفية، 1349 هـ. 206 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي، ابن العماد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 207 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، هبة اللَّه بن الحسن بن منصور اللالكائي، أبو القاسم، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان، دار طيبة، الرياض، 1402 هـ. 208 - شرح الأصول الخمسة، للقاضي عبد الجبار الهمذاني، تحقيق: عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1384 هـ، 1965 م. 209 - شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، لمحمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411 هـ. 210 - شرح الزركشي على مختصر الخرقي، شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الزركشي المصري الحنبلي، تحقيق: عبد المنعم خليل إبراهيم، لبنان، بيروت، دار الكتب العلمية، 1423 هـ، 2002 م. 211 - شرح السنة، لحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 هـ، 1983 م. 212 - شرح العقيدة الطحاوية، لمحمد بن علاء الدين عليّ بن محمد ابن أبي العز الحنفي، الأذرعي الصالحي الدمشقي، تحقيق: أحمد شاكر، الرياض، وزارة الشؤون الإسلامية، والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
213 - الشرح الكبير، لأبي البركات أحمد الدردير، طبع إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاء. 214 - الشرح الكبير، لشمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار الكتاب العربي. 215 - شرح الكوكب المنير، لأبي البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي (ابن النجار)، تحقيق: محمد الزحيلي ونزيه حماد، المملكة العربية السعودية، مكتبة العبيكان، الطبعة الثانية، 1418 هـ، 1997 م. 216 - الشرح الممتع على زاد المستقنع، لمحمد بن صالح بن محمد العثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1422 هـ، 1428 هـ. 217 - شرح تنقيح الفصول، لشهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي، إعداد: ناصر بن علي بن ناصر الغامدي، 1421 هـ، 2005 م. 218 - شرح حدود ابن عرف، محمد بن قاسم الرصاع، دار الكتب العلمية، 1350 هـ. 219 - شرح صحيح البخاري، علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، أبو الحسين، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، الرياض، مكتبة الرشد، الطبعة الثانية، 1423 هـ، 2003 م. 220 - شرح فتح القدير، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي، دار الفكر، بيروت. 221 - شرح مختصر الروضة، سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع، المحقق: عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1407 هـ، 1987 م. 222 - شرح مسند أبي حنيفة، لملا علي القاري، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت. 223 - شرح معاني الآثار، أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، دار المعرفة، الطبعة الأولى، 1399 هـ، 1979 م.
224 - شعب الإيمان، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410 هـ. 225 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي، عليه حاشية لأحمد بن محمد بن محمد الشمني. 226 - الصارم المسلول على شاتم الرسول، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، تحقيق: محمد عبد اللَّه عمر الحلواني ومحمد كبير أحمد شودري، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، 1417 هـ. 227 - الصحاح؛ تاج اللغة وصحاح العربية، لإسماعيل بن حماد الجوهري، دار العلم، بيروت، الطبعة الرابعة، يناير 1990 م. 228 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، لمحمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1414 هـ، 1993 م. 229 - صحيح أبي داود، لمحمد ناصر الدين الألباني، مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة الأولى، 1423 هـ، 2002 م. 230 - صحيح الترغيب والترهيب، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الخامسة. 231 - صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير)، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1408 هـ، 1988 م. 232 - صحيح سنن أبي داود، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1419 هـ، 1998 م. 233 - صحيح سنن الترمذي، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1420 هـ، 2000 م. 234 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
235 - صفة الصفوة، لعبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج، تحقيق: محمود فاخوري، د. محمد رواس قلعجي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1399 هـ - 1979 م. 236 - الضعفاء الصغير، لمحمد بن إسماعيل أبو عبد اللَّه البخاري الجعفي، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، الطبعة الأولى، 1396 هـ. 237 - الضعفاء والمتروكين، لعبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، تحقيق: عبد اللَّه القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406 هـ. 238 - الضعفاء، لمحمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، دار المكتبة العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1404 هـ، 1984 م. 239 - ضعيف الترغيب والترهيب، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض. 240 - ضعيف الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير)، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1408 هـ، 1988 م. 241 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، دار الجيل، الطبعة الأولى، 1412 هـ، 1992 م. 242 - طبقات الحفاظ، لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي أبو الفضل، دار الكتب العلمية، ببيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ. 243 - طبقات الحنابلة، لأبي الحسين محمد بن محمد ابن أبي يعلى، المحقق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت. 244 - الطبقات السنية في تراجم الحنفية، لعبد القادر التميمي الغزي المصري، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو، الرياض، دار الرفاعي، الطبعة الأولى، 1403 هـ، 1983 م. 245 - طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي، د. عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر
والتوزيع، الطبعة الثانية، 1413 هـ. 246 - طبقات الشافعية، لأبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة، تحقيق: د. الحافظ عبد العليم خان، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1407 هـ. 247 - طبقات الفقهاء، لأبي إسحاق الشيرازي، تهذيب: محمد بن جلال الدين المكرم ابن منظور، تحقيق: إحسان عباس، الطبعة الأولى، دار الرائد العربي، بيروت، لبنان، 1970 م. 248 - الطبقات الكبرى، لأبي عبد اللَّه محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1968 م. 249 - طبقات المفسرين، لأحمد بن محمد الأدنروي، تحقيق: سليمان بن صالح الخزي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1997 م. 250 - طبقات المفسرين، لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: علي محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1396 هـ. 251 - طرح التثريب، عبد الرحمن بن الحسين العراقي، دار إحياء الكتب العربية. 252 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد اللَّه، تحقيق: د. محمد جميل غازي، مطبعة المدني، القاهرة. 253 - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، لنجم الدين بن حفص النسفي، دار القلم، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1406 هـ. 254 - ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1413 هـ، 1993 م. 255 - عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي، أبو بكر محمد بن عبد اللَّه بن العربي، تحقيق: جمال المرعشلي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ.
256 - العبر في خبر من غبر، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: د. صلاح الدين المنجد، لناشر مطبعة حكومة الكويت، الكويت، 1984 م. 257 - العدة شرح العمدة، عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد، أبو محمد بهاء الدين المقدسي، تحقيق: صلاح بن محمد عويضة، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1426 هـ، 2005 م. 258 - العدة في أصول الفقه، القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء، تحقيق: د أحمد بن علي بن سير المباركلي، الطبعة الثانية، 1410 هـ، 1990 م. 259 - العرف الشذي شرح سنن الترمذي، لمحمد أنور شاه ابن معظم شاه الكشميري الهندي، المحقق: محمود أحمد شاكر، مؤسسة ضحى للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى. 260 - علل الترمذي الكبير، لأبي طالب القاضي، تحقيق: صبحي السامرائي، أبو المعاطي النوري، محمود الصعيدي، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1409 هـ. 261 - علل الحديث، لابن أبي حاتم، أبو محمد عَبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن مهران الرازي، تحقيق: الدكتور سعد بن عبد اللَّه الحميد. 262 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق: خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ. 263 - العلل الواردة في الأحاديث النبوية، لأبي الحسن علي بن عُمَر ابن أحمد بن مهدي الدارقطني، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين اللَّه دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى، 1405 هـ، 1985 م. 264 - العلل ومعرفة الرجال، أحمد بن حنبل أبو عبد اللَّه الشيباني، تحقيق: وصي اللَّه بن محمد عباس، المكتب الإسلامي، دار الخاني، بيروت، الطبعة الأولى،
1408 - هـ، 1988 هـ. 265 - علماء نجد خلال ستة قرون، لعبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، الطبعة الأولى، 1398 هـ. 266 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين محمود بن أحمد العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 267 - العناية شرح الهداية، محمد بن محمد بن محمود البابرتي، دار الفكر. 268 - عنوان المجد في تاريخ نجد، لعثمان بن عبد اللَّه بن بشر، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، من مطبوعات دارة الملك عبد العزيز، الطبعة الرابعة، 1403 هـ. 269 - عون المعبود شرح سنن أبي داود، محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1415 هـ. 270 - العين، لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال. 271 - غاية البيان شرح زبد ابن رسلان، لمحمد بن أحمد الرملي الأنصاري، دار المعرفة، بيروت. 272 - غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، أحمد بن محمد بن سالم السفاريني، مؤسسة قرطبة، الطبعة الثانية، 1414 هـ، 1993 م. 273 - الغرر البهية شرح البهجة الوردية، زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري، المطبعة الميمنية. 274 - غريب الحديث لابن سلام، طبع بإعانة: وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية، الطبعة الأولى، بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، الدكن، 1384 هـ، 1964 م. 275 - غريب الحديث، القاسم بن سلام الهروي أبو عبيد، تحقيق: د. محمد عبد المعيد خان، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1396 هـ.
276 - غريب الحديث، حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي أبو سليمان، تحقيق: عبد الكريم إبراهيم العزباوي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1402 هـ. 277 - غريب الحديث، عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري أبو محمد، تحقيق: د. عبد اللَّه الجبوري، مطبعة العاني، بغداد، الطبعة الأولى، 1397 هـ 278 - غريب الحديث، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي ابن عبيد اللَّه بن حمادي بن أحمد بن جعفر بن الجوزي، أبو الفرج، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1985 هـ. 279 - غمز عيون البصائر، أحمد بن محمد الحموي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405 هـ، 1985 م. 280 - غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة، لخلف بن عبد الملك بن بشكوال، تحقيق: عز الدين علي السيد، محمد كمال الدين عز الدين، عالم الكتب، بيروت، 1407 هـ. 281 - الفتاوى الكبرى، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1408 هـ، 1987 م. 282 - الفتاوى الهندية، لجنة علماء برئاسة نظام الدين البلخي، دار الفكر، 1411 هـ، 1991 م. 283 - فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ، جَمع وترتيب وتحقيق: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1399 هـ. 284 - فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، 1379 هـ. 285 - فتح الباري، زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن شهاب الدين البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب، تحقيق: أبو معاذ طارق بن عوض اللَّه بن محمد، دار ابن الجوزي، الدمام، السعودية، الطبعة الثانية، 1422 هـ.
286 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، مصر، دار الوفاء، الطبعة الثانية، 1418 هـ، 1997 م. 287 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار الفكر، بيروت. 288 - فتح القدير، كمال الدين بن عبد الواحد بن الهمام، دار الفكر. 289 - الفتح المبين في طبقات الأصوليين، لعبد اللَّه مصطفى المراغي، مطبعة أنصار السنة المحمدية، مصر، 1366 هـ، 1947 م. 290 - فرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1982 م. 291 - الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي، بيروت، دار الآفاق الجديدة، الطبعة الثانية، 1977 م. 292 - الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، مكتبة محمد علي صبيح. 293 - الفروع، محمد بن مفلح بن محمد المقدسي، عالم الكتب، الطبعة الرابعة، 1405 هـ، 1985 م. 294 - الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم، تحقيق: محمد إبراهيم نصر، عبد الرحمن عميرة، شركة مكتبات عكاظ، جدة، الرياض، الطبعة الأولى، 1402 هـ، 1982 م. 295 - الفصول في الأصول، لأحمد بن علي الرازي الجصاص، تحقيق: د. عجيل جاسم النشمي، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، دولة الكويت، الطبعة الأولى، الجزء 12، 1405 هـ، الطبعة الثانية، الجزء 3، 1408 هـ، الجزء 4، 1414 هـ.
296 - الفقه الإسلامي وأدلته الشامل للأدلة الشرعية والآراء المذهبية وأهم النظريات الفقهية وتحقيق الأحاديث النبوية وتخريجها، لوهبة الزحيلي، دار الفكر، سورية، دمشق، الطبعة الرابعة. 297 - فقه السنة، لسيد سابق، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 298 - الفقه على المذاهب الأربعة، لعبد الرحمن الجزيري، دار الفكر، 1406 هـ، 1986 م. 299 - الفقيه والمتفقه، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، المعروف بالخطيب البغدادي، المحقق: عادل بن يوسف العزازي، دار ابن الجوزي، السعودية، 1417 هـ. 300 - الفوائد البهية في تراجم الحنفية، لمحمد عبد الحي اللكنوي الهندي، تحقيق: أحمد الزعبي، دار الأرقم للطباعة، الطبعة الأولى. 301 - فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر الكتبي، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1973 م، الطبعة الأولى. 302 - الفواكه الدواني شرح رسالة أبي زيد القيرواني، أحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي، دار الفكر، 1415 هـ، 1995 م. 303 - فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير، لمحمد عبد الرؤوف المناوي، ضبطه وصححه: أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1415 هـ، 1994 م. 304 - فيض القدير شرح الجامع الصغير، لمحمد عبد الرؤوف المناوي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى، 1356 هـ. 305 - القاموس الفقهي لغة واصطلاحا، لسعدي أبو جيب، دمشق، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1408 هـ، 1988 م. 306 - القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت.
307 - القضاء في الشريعة الإسلامية حكمه وشروطه وآدابه دراسة مقارنة، لفاروق عبد العليم مرسي، 1404 هـ، 1983 م. 308 - قواعد الأحكام في مصالح الأنام، لأبي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، تحقيق: محمود بن التلاميد الشنقيطي، دار المعارف، بيروت، لبنان. 309 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، حمد بن أحمد الذهبي الدمشقي، أبو عبد اللَّه، تحقيق: محمد عوامة، جدة، دار القبلة للثقافة الإسلامية، مؤسسة علو، الطبعة الأولى، 1413 هـ، 1992 م. 310 - الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل، عبد اللَّه بن قدامة المقدسي، أبو محمد، لبنان، دار الفكر، 1412 هـ، 1992 م. 311 - الكامل في التاريخ، لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني، تحقيق: عبد اللَّه القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1415 هـ. 312 - الكامل في ضعفاء الرجال، عبد اللَّه بن عدي الجرجاني، أبو أحمد، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1418 هـ، 1997 م. 313 - الكامل في ضعفاء الرجال، عبد اللَّه بن عدي الجرجاني، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1409 هـ، 1988 م. 314 - الكبائر، لمحمد بن عثمان الذهبي، دار الندوة الجديدة، بيروت. 315 - كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، لمحمد علي التهانوى، بيروت، مكتبة لبنان، 1996 م. 316 - كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي، دار الفكر، 1402 هـ، 1982 م. 317 - كشف الأسرار شرح أصول البروذي، عبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري، دار الكتاب الإسلامي.
318 - كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الاحاديث على ألسنة الناس، لإسماعيل بن محمد الجراحي العجلوني، دار إحياء التراث العربي. 319 - كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات، لعبد الرحمن بن عبد اللَّه البعلي، تحقيق: محمد بن ناصر العجمي، لبنان، بيروت، دار البشائر الإسلامية، 1423 هـ، 2002 م. 320 - كشف المشكل من حديث الصحيحين، لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن، الرياض، 1418 هـ، 1997 م. 321 - الكشف والبيان، لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1422 هـ. 322 - الكفاية في علم الرواية، لأحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي، تحقيق: أبو عبد اللَّه السورقي، وإبراهيم حمدي المدني، المكتبة العلمية، المدينة المنورة. 323 - الكليات، لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفومي، تحقيق: عدنان درويش، محمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1419 هـ، 1998 م. 324 - اللآلئ الحسان بذكر محاسن الدعاة والأعلام، جَمعه وأعدّه مهنا نعيم مصطفى نجم، الطبعة الأولى، 1425 هـ. 325 - اللباب في تهذيب الأنساب، لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني الجزري، دار صادر، بيروت، لبنان، 1400 هـ، 1980 م. 326 - اللباب في شرح الكتاب، لعبد الغني الغنيمي الدمشقي الميداني، تحقيق: محمود أمين النواوي، دار الكتاب العربي. 327 - اللباب في علوم الكتاب، لعمر بن علي ابن عادل الدمشقي الحنبلي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1419 هـ، 1998 م.
328 - لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر، بيروت، طبعة: الأولى. 329 - لسان الميزان؛ لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، تحقيق: دائرة المعرف النظامية، الهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثالثة، 1406 هـ، 1986 م. 330 - لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضيّة في عقد الفرقة المرضية، لشمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي، مؤسسة الخافقين ومكتبتها، دمشق، الطبعة الثانية، 1402 هـ، 1982 م. 331 - المؤتلف والمختلف للدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي، تحقيق: موفق بن عبد اللَّه بن عبد القادر، دار الغرب الإسلام. 332 - المبدع شرح المقنع، إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، الرياض، دار عالم الكتب، 1423 هـ، 2003 م. 333 - المبسوط، محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، دار المعرفة، 1409 هـ، 1989 م. 334 - المجتبى من السنن، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة الثانية، 1406 هـ، 1986 م. 335 - المجروحين، أبو حاتم محمد بن حبان البستي، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب. 336 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن شيخي زاده (ابن دامان)، دار إحياء التراث العربي. 337 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الفكر، بيروت، 1412 هـ.
338 - مجموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: أنور الباز، وعامر الجزار، دار الوفاء، الطبعة الثالثة، 1426 هـ، 2005 م. 339 - المجموع شرح المهذب، يحيى بن شرف النووي، مطبعة المنيرية. 340 - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة الأولى، 1413 هـ، 1993 م. 341 - المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لعبد السلام بن عبد اللَّه بن أبي القاسم بن تيمية الحراني، مكتبة المعارف، الرياض، 1404 هـ. 342 - المحصول في علم أصول الفقه، القاضي أبو بكر بن العربي المعافري المالكي، تحقيق: حسين علي اليدري، دار البيارق - الأردن، الطبعة الأولى، 1420 هـ، 1999 م. 343 - المحصول في علم الأصول، محمد بن عمر بن الحسين الرازي، تحقيق: طه جابر فياض العلواني جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، الطبعة الأولى، 1400 هـ. 344 - المحكم والمحيط الأعظم، لعلي بن إسماعيل بن سيده، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 2000 م. 345 - المحكم والمحيط الأعظم، لعلي بن إسماعيل بن سيده، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج، معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، الطبعة الأولى، 1377 هـ. 346 - المحلى بالآثار، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، دار الفكر. 347 - المحيط في اللغة، لأبي القاسم إسماعيل ابن عباد بن العباس بن أحمد بن إدريس الطالقاني، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، بيروت، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1414 هـ، 1994 م.
348 - مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، تحقيق: محمود خاطر، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، طبعة جديدة، 1415 هـ، 1995 م. 349 - مختصر اختلاف العلماء، أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، تحقيق: د. عبد اللَّه نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية، 1417 هـ. 350 - مختصر الفتاوى المصرية، لأبي عبد اللَّه محمد بن علي الحنبلي البعلي، تحقيق: محمد حامد الفقي، المملكة العربية السعودية، الدمام، دار ابن القيم، 1406 هـ، 1986 م. 351 - المخصص، لأبي الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي المعروف بابن سيده، تحقيق: خليل إبراهيم جفال، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1417 هـ، 1996 م. 352 - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن القيم، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد اللَّه، تحقيق: محمد حامد الفقي، بيروت، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، 1393 هـ، 1973 م. 353 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، عبد القادر بن بدران الدمشقي، تحقيق: د. عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1401 هـ. 354 - المدخل، محمد بن محمد العبدري (ابن الحاج)، دار التراث. 355 - المدونة، للإمام مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415 هـ، 1995 م. 356 - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، بعناية: حسن أحمد إسبر، بيروت، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1419 هـ، 1998 م. 357 - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، دار الكتب العلمية، بيروت.
358 - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي بن سلطان محمد القاري، تحقيق: جمال عيتاني، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، الطبعة الأولى، 1422 هـ، 2001 م. 359 - مسائل الإجماع في عقود المعاوضات المالية، لعلي بن عبد العزيز بن أحمد الخضيري، رسالة لنيل درجة الدكتوراة قسم الفقه وأصوله قسم الثقافة الإسلامية بكلية التربية جامعة الملك سعود، عام 1428 هـ، 1429 هـ. 360 - المسائل التي حكى النووي فيها الإجماع في كتاب القصاص والديات والحدود جمعًا ودراسة، لمحمد جوهر بشير الجوهر، وهو بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء، عام 1425 هـ. 361 - المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع جمعًا ودراسة، لخالد الجعيد وعلي العلياني وناصر الجهني، المملكة العربية السعودية، دار الفضيلة، الطبعة الأولى، 1428 هـ، 2007 م. 362 - المستدرك، الحاكم، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411 - 1990 م. 363 - المستصفى في علم الأصول، محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1413 هـ. 364 - مسند ابن المبارك، لعبد اللَّه بن المبارك بن واضح، تحقيق: صبحي البدري السامرائي، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1407 هـ. 365 - مسند الإمام أحمد بن حنبل، لأحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د. عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001 م. 366 - مسند أبي يعلى، أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، الطبعة الأولى، 1404 هـ، 1984 م.
367 - مسند البزار (البحر الزخار)، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، تحقيق: محفوظ الرحمن زين اللَّه، وعادل بن سعد، وصبري عبد الخالق الشافعي، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الأولى، 1988 م. 368 - مسند الشافعي، محمد بن إدريس الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت. 369 - المسودة في أصول الفقه، لآل تيمية، حيث بدأ بتصنيفها الجدّ: مجد الدين عبد السلام بن تيمية، ثم أضاف إليها الأب: عبد الحليم بن تيمية، ثم أكملها الابن الحفيد: أحمد بن تيمية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المدني، القاهرة. 370 - مشاهير أعلام المسلمين، لعلي بن نايف الشحود. 371 - مشاهير علماء الأمصار، لمحمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، تحقيق: فلايشهمر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1959 م. 372 - مشاهير علماء نجد وغيرهم، لعبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد اللَّه آل الشيخ، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الطبعة الأولى، 1392 هـ، 1972 م. 373 - مشكاة المصابيح، محمد بن عبد اللَّه الخطيب التبريزي، تحقيق: تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1405 هـ، 1985 م. 374 - مشكل الآثار، أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1333 هـ. 375 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني، تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي، بيروت، دار العربية، 1403 هـ. 376 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المكتبة العلمية، بيروت. 377 - مصنف عبد الرزاق، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 هـ.
378 - المصنف، عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة، دار الفكر، 1414 هـ، 1994 م. 379 - مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد بن عبدة الرحيباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1414 هـ، 1993 م. 380 - مطالع التمام ونصائح الأنام ومنجاة الخواص والعوام في رد إباحة إغرام ذوي الجنايات والإجرام زيادة على ما شرع اللَّه من الحدود والأحكام، للقاضي أبي العباس أحمد الشماع الهنتاتي، دراسة وتحقيق: عبد الخالق أحمدون. 381 - المطلع على أبواب الفقه، لمحمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي، تحقيق: محمد بشير الأدلبي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1401 هـ، 1981 م. 382 - معالم التنزيل، الحسين بن مسعود البغوي، أبو محمد، حققه وخرج أحاديثه، محمد عبد اللَّه النمر، عثمان جمعة ضميرية، سليمان مسلم الحرش، دار طيبة للنشر التوزيع، الطبعة الرابعة، 1417 هـ، 1997 م. 383 - معالم السنن "شرح سنن أبي داود"، أبو سليمان أحمد بن محمد الخطابي البستي، المطبعة العلمية، حلب، الطبعة الأولى، 1351 هـ، 1932 م. 384 - معالم القربة في معالم الحسبة، لمحمد بن محمد بن محمد القرشي، دار الفنون. 385 - المعتمد في أصول الفقه، محمد بن علي بن الطيب البصري أبو الحسين، تحقيق: خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ. 386 - المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد الطبراني، أبو القاسم تحقيق: طارق بن عوض اللَّه بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة 1415 هـ. 387 - معجم الصحابة، لأبي القاسم عبد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز البغوي، تحقيق: محمد الأمين بن محمد الجكني، مكتبة دار البيان، الكويت، الطبعة الأولى، 1421 هـ، 2000 م.
388 - المعجم الصغير، لسليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، تحقيق: محمد شكور محمود الحاج أمرير، المكتب الإسلامي، دار عمار، بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ، 1985 م. 389 - معجم الفروق اللغوية، لأبي هلال العسكري، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، الطبعة الأولى، 1412 هـ. 390 - المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، الطبعة الثانية، 1404 هـ، 1983 م. 391 - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، مكتبة المثنى، بيروت دار إحياء التراث العربي، بيروت. 392 - معجم المحدثين، لمحمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، تحقيق: محمد الحبيب الهيلة، المملكة العربية السعودية، الطائف، مكتبة الصديق، الطبعة الأولى، 1408 هـ. 393 - معجم المطبوعات العربية والمعرَّبة، ليوسف إليان سركيس، مطبعة سركيس، مصر، 1346 هـ، 1928 م. 394 - المعجم الوسيط، لإبراهيم مصطفى، وأحمد الزيات، وحامد عبد القادر، ومحمد النجار، دار الدعوة، تحقيق: مجمع اللغة العربية. 395 - معجم لغة الفقهاء، لمحمد قلعجي، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ، 1985 م. 396 - معرفة الثقات، لأحمد بن عبد اللَّه بن صالح أبو الحسن العجلي الكوفي، تحقيق: عبد العليم عبد العظيم البستوي، مكتبة الدار، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1405 هـ، 1985 م. 397 - معرفة الصحابة، لأبي نعيم أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر،
الرياض، الطبعة الأولى، 1419 هـ، 1998 م. 398 - المعلم بفوائد مسلم، لمحمد بن علي المازري، تحقيق: محمد الشاذلي، المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات، بيت الحكمة، الدار التونسية للنشر، تونس، الطبعة الثانية، 1987 م. 399 - معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام، لعلاء الدين علي بن خليل الطرابلسي الحنفي، مصر، مطبعة مصطفى البابي وأولاده، الطبعة الثانية، 1393 هـ، 1973 م. 400 - مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، لشمس الدين محمد بن أحمد الشربيني الخطيب، دار الكتب العلمية. 401 - المغني شرح مختصر الخرقي، موفق الدين عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1405 هـ، 1985 م. 402 - مفاتيح العلوم، لمحمد بن أحمد الخوارزمي، مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة الثانية، 1401 هـ. 403 - مفاتيح الغيب، فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1421 هـ، 2000 م. 404 - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر القرطبي، دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب، دمشق، وبيروت، الطبعة الأولى، 1417 هـ، 1996 م. 405 - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، عبد الرحمن السخاوي، دار الكتاب العربي. 406 - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، لعبد الرحمن السخاوي، دار الكتاب العربي. 407 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، علي بن إسماعيل الأشعري، أبو الحسن، تحقيق: هلموت ريتر، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة.
408 - مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا، تحقيق: عبد السَّلام محمد هَارُون، اتحاد الكتاب العرب، 1423 هـ، 2002 م. 409 - المقدمات المهمات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات، والتحصيلات المحكمات، لأبي الوليد محمد بن رشد، مكتبة المثنى، بغداد. 410 - ملتقى أهل التأويل www.attweel.com عبر الشبكة العنكبوتية في الإنترنت. 411 - ملتقى أهل الحديث www.ahlalhadeeth.com عبر الشبكة العنكبوتية في الإنترنت. 412 - الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، بيروت، دار المعرفة، 1404 هـ. 413 - منار السبيل في شرح الدليل، إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان، تحقيق: عصام القلعجي، مكتبة المعارف، الرياض، 1405 هـ. 414 - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم؛ لعبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1358 م. 415 - المنتقى شرح الموطأ، لسليمان بن خلف الباجي، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية. 416 - المنتقى من السنن المسندة، لعبد اللَّه بن علي بن الجارود أبو محمد النيسابوري، تحقيق: عبد اللَّه عمر البارودي، مؤسسة الكتاب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ، 1988 م. 417 - المنثور في القواعد الفقهية، بدر الدين بن محمد بهادر الزركشي، وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة الثانية، 1405 هـ، 1985 م. 418 - منح الجليل شرح مختصر خليل، محمد بن أحمد بن محمد (عليش)، دار الفكر، 1409 هـ، 1989 م. 419 - منهاج السنة النبوبة، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، أبو العباس، تحقيق: محمد رشاد سالم، مؤسسة قرطبة، الطبعة الأولى، 1406 هـ.
420 - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1392 هـ. 421 - المهذب في فقه الإمام الشافعي، لإبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، دار الفكر، بيروت. 242 - الموافقات، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي، تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، الطبعة الأولى، 1417 هـ، 1997 م. 423 - موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، لسعدي أبو جيب. 424 - موسوعة الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية، لعبد اللَّه البوصي. 425 - الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، وزارة الأوقاف الكويتية. 426 - موطأ الإمام مالك، ، مالك بن أنس أبو عبد اللَّه الأصبحي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، مصر. 427 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، أبو عبد اللَّه، تحقيق: علي محمد البجاوي، لبنان، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر. 428 - النافع الكبير شرح الجامع الصغير، لمحمد بن الحسن الشيباني. 429 - النبذة الكافية في أحكام أصول الدين، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد، تحقيق: محمد أحمد عبد العزيز، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ. 430 - نسب قريش؛ لأبي عبد اللَّه المصعب بن عبد اللَّه بن المصعب الزبيري، تحقيق: ليفي بروفسال، دار المعارف، القاهرة. 431 - نصب الراية لأحاديث الهداية، لجمال الدين أبو محمد عبد اللَّه بن يوسف بن محمد الزيلعي، تحقيق: محمد عوامة، لبنان، بيروت، مؤسسة الريان للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1418 هـ، 1997 م.
432 - نظام القضاء في الشريعة الإسلامية، لفالح عبد الرحمن فالح الصغير، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير بمعهد القضاء العالي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1399 هـ، 1979 م. 433 - نظم العقيان في أعيان الأعيان؛ لجلال الدين السيوطي، دار النشر، المكتبة العلمية، بيروت. 434 - نقد مراتب الإجماع، تقي الدين أبو العَباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد اللَّه بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، بعناية: حسن أحمد إسبر، بيروت، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1419 هـ، 1998 م. 435 - نهاية الزين في إرشاد المبتدئين، لمحمد بن عمر بن علي بن نووي الجاوي، دار الفكر، بيروت. 436 - نهاية السول شرح منهاج الوصول، لجمال الدين عبد الرحيم الإسنوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1420 هـ، 1999 م. 437 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، محمد بن شهاب الدين الرملي، دار الفكر، طبعة أخيرة، 1404 هـ، 1984 م. 438 - النهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، 1399 هـ، 1979 م. 439 - النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، المكتبة العلمية، بيروت، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، 1399 هـ، 1979 م. 440 - نيل الأوطار، محمد بن علي الشوكاني، دار الحديث، الطبعة الأولى، 1413 هـ، 1993 م.
441 - الهداية شرح بداية المبتدي، لأبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغياني، المكتبة الإسلامية. 442 - الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد؛ لأحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن، أبو نصر البخاري الكلاباذي، تحقيق: عبد اللَّه الليثي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، 1407 هـ. 443 - هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، لإسماعيل باشا البغدادي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، سنة 1951 م. 444 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان؛ لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت. 445 - الوفيات، للحافظ الخطيب البغدادي، تحقيق سعد الدين فرج الحاوي، مؤسسة صوت القلم العربي للنشر والتوزيع.
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة الحمد للَّه الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على النبي الأكرم، الذي بُعث بين يدي الساعة إلى جميع الأمم، صلّى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ما غرّد طير وترنّم، أمّا بعد: فإنّ منزلة الإجماع في الفقه الإسلامي ذات أهميّة بالغة، لا تخفى على أحد، إذ أنّه أحد المصادر الأربعة لأدلّة المسائل الفقهيّة. وما أجمع عليه المسلمون فهو يقين ثابت، وأمر مقطوع به، ولا يجوز مخالفته، ولا يحتاج معه إلى اجتهاد، بل إنّ الإجماع أقوى الأدلّة من ناحية الحجّة والدلالة، إذ إنّ الإجماع القطعي مقدّم على الكتاب والسنّة في المواضع التي ظاهرها التعارض (¬1)؛ لقوّته المستمدّة من كونه يعتمد على نصوص شرعيّة؛ ولأنّ الإجماع حجّة قاطعة لا يدخله النسخ، ثمّ إنّ الإجماع دليل على وجود دليل فرعي يعتمد عليه، وإن خفي علينا؛ لأنّ الإجماع لا بد له من مستند عند الجمهور (¬2). وبهذا تظهر مكانة الإجماع من بين الأدلّة الشرعيّة، وتبرز أهمّيته في المسائل الفقهيّة، إذا ذكر. ولهذا عني به العلماء، وكتب فيه الفقهاء بعض المؤلّفات المستقلّة، كابن حزم، وابن المنذر، وغيرهما، ومن الفقهاء من كان يعنى بذكر مواضع الإجماع في كتبه عند عرضه للمسائل، كأمثال الموفّق ابن قدامة، وابن عبد البر، ¬
مشكلة البحث
والنووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم. وقد تبنَّى قسم الثقافة الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك سعود مشروعًا لجمع المسائل التي حُكي فيها الإجماع ودراستها، فرغبت المشاركة في هذا المشروع وتقدمت بهذه الخطة لبحث: "مسائل الإجماع في أبواب حد السرقة وقطاع الطريق والبغي والردة جمعًا ودراسة". مشكلة البحث: لما كانت المسائل المذكورة في الإجماع منثورة في كتب الفقهاء، ومغمورة بين سطور مؤلّفات العلماء، اقتضى الأمر جمعها، وحصرها، وترتيبها، وتبويبها، ومن بعد ذلك النظر فيما أطلق عليه لفظ الإجماع من المسائل الفقهيّة، والتدقيق، والمقارنة، والتحقيق؛ لأنه يوجد مواضع كثيرة أطلق عليها الإجماع، ولكن عند النظر، والتتبع، والتدقيق، والمقارنة، والتحقيق، نرى أنّ الإطلاق كان فيه نوع توسّع، وشيء من التساهل أو ربّما الخطأ، والعصمة لمن عصمه اللَّه تعالى، ولرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبهذا يتبيّن الحاجة إلى التحقُّق من صحة وقوع الإجماع من عدمه. حدود البحث: يتحدد موضوع البحث في المسائل التي حُكي فيها الإجماع أو الاتفاق أو نفي الخلاف، والمصطلحات ذات الصلة ومشتقاتها في أبواب حد السرقة، وحد قطاع الطريق، وحد البغي، وحد الردة. مصطلحات البحث: المصطلحات الرئيسة في هذا البحث على سبيل الإجمال هي: الإجماع: الإجماع هو اتفاق علماء العصر من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- على أمر من أمور الدين (¬1). ¬
أهمية الموضوع
الحدود: هي عقوبة مقدرة شرعًا في معصية لتمنع الوقوع في مثلها (¬1). السرقة: أخذ مال على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه (¬2). قطاع الطريق -الحرابة-: الذين يعرضون للناس بالسلاح فيغصبونهم المال مجاهرة لا سرقة (¬3). البغي: صِفة للظَلَمَة الخارجين عن طاعة الإمام المعتدين عليه (¬4). الردة: الإتيان بما يخرج به عن الإسلام إمًا فعلًا أو نطقًا أو اعتقادًا أو شكًّا ينقل عن الإسلام (¬5). أهميّة الموضوع: تتجلّى أهميّة الموضوع، وتبرز مكانته من خلال الأمور الآتية: أوّلًا: مكانة الإجماع عمومًا في الفقه الإسلامي لما يلي: أ- أنّ الإجماع مصدر أساس من مصادر التشريع الإسلامي المتّفق عليها. ب- أنّ معرفة المسائل المجمع عليها من أهم الشروط الواجب توافرها في المجتهد. ¬
ج- أنّه إذا تحقق الإجماع في مسألة، فإنّه يجب التسليم به وعدم مخالفته. د- أنّ الإجماع إذا تحقق؛ فإنّه يشترك مع الكتاب والسنّة في تكفير منكر القطعي منها. ثانيًا: أهميّة تحقق وقوع الإجماع من عدمه في المسألة: أ- كثيرًا ما يطلق في كتب الفقه لفظ الإجماع أو الاتفاق وعند المقارنة والتحقيق نجد أنّ اللفظ فيه كثير من التساهل، وأنّ الأمر ليس على إطلاقه. ب- بعض الفقهاء يطلق الإجماع أو الاتفاق، ويقصد به الإجماع في المذهب. ج- هناك من الفقهاء من يحكي الإجماع في مسائل قد عرف الخلاف فيها بل اشتهر. د - تحرير مسائل الإجماع تنقطع المنازعات الفقهيّة، والردود المتضاربة في المسائل الفقهيّة. هـ- إظهار أنّ مسائل إجماع الأمّة ليست بالمسائل النادرة، أو الشاذّة، كما يطلق عليها بعض الباحثين. و- إذا حُرِّرت مسائل الإجماع وبُيّن موضع الالتقاء بين فقهاء الأمة، اتّضح أنّ ما يجمع أعظم مما يفرّق، مما يُمهّد لالتقاء القلوب وتآلفها وتقاربها، ويضعف نزعة التعصّب المذهبي، وبهذا نُسهم في جمع المسلمين على كلمة سواء. ز- أن الكتب المؤلّفة في هذا الفن قليلة، مع أهميّة الموضوع. ثالثًا: أهميّة ذكر مسائل الإجماع في حدود السرقة، وقطاع الطرق، والبغي، والردّة: أ- حاجة المحاكم الجنائيّة الشرعيّة، والقضاء الشرعي إلى تحرير المسائل المتعلّقة بإجماع الأمّة في حدود السرقة، وقطاع الطريق، والبغي، والردّة، خصوصًا في هذه البلاد المباركة والتي تحكم بشرع اللَّه تعالى، وتتحاكم إليه في محاكمها، فيستفيد منها القضاة ومن هم في سلك القضاء، وأعوان القضاة، ومن يترافعون للقضاء، من هيئات التحقيق والادّعاء العام،
أسباب الاختيار
والمحامين، ومن في سلكهم، وعليه فإنّ هذه الدراسة ستكون معينة -بإذن اللَّه تعالى- لهؤلاء جميعًا ولغيرهم في معرفة مسائل الإجماع في هذا الباب. ب- إنّ جريمة السرقة من الجرائم المتكررة التي لا يخلو منها مجتمع مهما كان. ج- حصول ظاهرة سلبيّة عند بعض شباب المسلمين ممن أخذهم الحماس الزائد، وتشرّبوا بعض الأفكار الخاطئة، بباعث الغيرة على الدّين! ! فشطّت بهم تلك الأفكار عن سواء السبيل، الأمر الذي أدى بهم إلى تكفير المسلمين، ثمّ رفع السلاح عليهم! ! ، فتحقيق مسائل الإجماع فيما يتعلق ببابي البغي والردة يساهم في رد الشبه عن شباب المسلمين، ومن ثمّ دفع الفتن عن الأمّة. د- عدم وجود دراسة أكاديميّة متخصصة تناولت جمع مسائل الإجماع في أبواب (السرقة، وقطاع الطريق، والبغي، والردّة) من كتاب الحدود بهذا التفصيل الذي تناولته هذه الرسالة. هـ - قلّة الدراسات والمؤلّفات غير الأكاديميّة المطبوعة في هذا الباب. أسباب الاختيار: من أهم الأسباب التي دفعتني لاختيار الكتابة في هذا الموضوع: أوّلًا: ما أشرت إليه آنفًا من أهميّة هذا الباب من العلم، وجدارته بأن تعمل فيه أنظار الباحثين درسًا وتحريرًا. ثانيًا: التزوّد من العلم الشرعي والفقه في الدين، طمعًا في نيل الخيريّة، التي بشّر بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: (من يرد اللَّه به خيرًا يفقهه في الدين) متفق عليه (¬1). ثالثًا: طبيعة عملي، حيث سبق لي العمل قاضيًا في المحكمة العامّة في المملكة العربيّة السعوديّة، والآن أعمل محاميًا، وقد لمست أهمية دراسة هذه الأبواب من كتاب الحدود خصوصًا في القضايا الجنائيّة -وقد أشرت سابقًا في أهمية البحث أنّ الموضوع يهم القضاة ومن يترافعون للقضاء الشرعي من ¬
أهداف البحث
المحامين وغيرهم- فالدراسة لها عندي عناية خاصّة، وتشوّقًا للبحث والمعرفة في هذا الباب. رابعًا: ندرة المؤلّفات المطبوعة في هذا الموضوع، فاتّجهت الهمّة للبحث فيه، تمهيدًا لطبعه وإخراجه؛ ليقدّم شيئًا جديدًا، يسهم في إثراء المكتبة الإسلاميّة، وإمدادها بالكتب الموسوعيّة. أهداف البحث: أوّلًا: استيعاب جميع المسائل التي حكي فيها الإجماع في باب حد (السرقة، وقطاع الطريق، والبغي، والردّة) من كتاب الحدود. ثانيًا: تحرير المسائل التي حكي فيها الإجماع، وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف فيها إن وجد. ثالثًا: استقصاء العلماء الذين حكوا الإجماع، أو نقلوه، وارتضوه في المسائل الفقهيّة المتعلقة بمحل البحث. رابعًا: استقراء جميع آراء العلماء الذين كانت لهم مواقف أخرى من هذا الإجماع، بأن حكوا الخلاف، أو نفوا وقوع الإجماع، أو أظهروا الخلاف في المسألة. خامسًا: الموازنة بين الاتّجاهين -من أثبت الإجماع، وادّعى وقوعه، وبين من نفاه-؛ وذلك للوصول إلى نتيجة نهائيّة واضحة، ترجح هذا الرأي، أو الرأي الآخر. سادسًا: توضيح المستند الذي اعتمد عليه الإجماع من الكتاب والسنّة. أسئلة البحث: تجيب هذه الدراسة عن جملة من التساؤلات، أهمّها: أوّلًا: ما المسائل التي حُكي فيها الإجماع في أبواب (حد السرقة، حد قطاع الطريق، حد البغي، حد الردّة): من كتاب الحدود؟ ثانيًا: من حكى الإجماع في تلك المسائل من أهل العلم؟ ومن نقل ذلك
إجراءات البحث
الإجماع عن غيره وارتضاه؟ ثالثًا: هل هناك من أهل العلم من نفى الإجماع في مسألة من تلك المسائل؟ أو حكى خلافًا في المسألة، أو أظهر خلافًا؟ رابعًا: عند وقوع اختلاف بين من يدّعي وقوع الإجماع، وبين من ينفي وقوعه، أو يحكي خلافًا فأي القولين أحق بالصواب؟ وما الأدلّة على ذلك؟ خامسًا: ما الأقوال الشاذّة التي تتعارض مع الإجماع، وما الأدلّة على شذوذها ومخالفتها للإجماع؟ سادسًا: ما المستند الشرعي من الكتاب والسنّة، الذي بني عليه الإجماع، في المسائل التي حكي فيها الإجماع؟ إجراءات البحث: سلكت في هذه الدراسة الخطوات التالية: أوّلًا: قمت باستقراء الكتب المعتمدة في المشروع، في باب محل الدراسة بغية حصر الإجماعات الواردة. ثانيًا: ذكرت المسألة التي حكي فيها الإجماع بصيغة مناسبة شاملة. ثالثًا: حرَّرتُ المسألة المراد بحثها، موضحًا حد المسألة الذي يفصل بين ما يكون داخلًا فيها وخارجًا عنها، أخذًا من السياق العام للمسألة في مواردها التي ذُكرت فيه. رابعًا: أذكر أوّل من نقل الإجماع، ثمّ أذكر من نقل الإجماع بعده، مراعيًا الترتيب الزمني، على أن أذكر النصّ بعينه، وعند تكرار ذلك الإجماع لعالم واحد في المسألة الواحدة، فإنني أكتفي بذكر نصّ واحد يكون هو أوضحها وأصرحها، وأشير إلى بقيّة النصوص بالهامش ذاكرًا الكتاب والجزء والصفحة. خامسًا: عند سلامة الإجماع أذكر النتيجة، مبيّنًا زمن انعقاد الإجماع إن وجد، وقوّته، من حيث كثرة القائلين به.
منهج البحث
سادسًا: عند وجود من نقد الإجماع من أهل العلم، أو من حكى الخلاف في المسألة، فإنني أجتهد في التحقق منه، وأعزوه إلى الكتب المعتمدة. ثمّ أوازن بين من قال بالإجماع ومن نفاه، لأصل إلى نتيجة نهائيّة، أخلص من خلالها إلى إثبات سلامة الإجماع أو نفيه، موضّحًا الأسباب التي جعلتني أصل إليها. سابعًا: أذكر مستند الإجماع من الكتاب والسنّة إن علم، وإلا ذكرته بطرق الاستنباط الأخرى مراعيًا الصيغة الشاملة المختصرة. ثامنًا: أقوم بترتيب الأبواب والفصول والمسائل، حسب الترتيب الفقهي، الذي درج عليه متأخروا الحنابلة، وذلك بحسب الإمكان. تاسعًا: الحواشي والملحقات. أ. أعزو الآيات إلى سورها، وأخرّج الأحاديث فما كان في الصحيحين أو في أحدهما فأكتفي بتخريجه منهما، وما كان في غيرهما فأخرجه من كتب السنّة، مع بيان درجة الحديث، وأخرج الآثار من مصادرها. ب. أعمل ترجمة مختصرة للأعلام في الهامش. ج. أشرح المصطلحات والكلمات الغامضة. د. أقوم بالتعريف بالأماكن والبلدان. منهج البحث: اتبعت في دراستي هذه المنهجين العلميين التاليين: أوّلًا: المنهج الاستقرائي: الذي يقوم على استقراء وتصفّح وتتبع المسائل الفقهيّة، التي حكي فيها الإجماع، وجمعها وتقييدها، من خلال استقراء الكتب المعتمدة في خطّة المشروع. ثانيًا: المنهج الاستنتاجي: الذي يعتمد على دراسة تلك المسائل التي حكي فيها الإجماع، وتأكيد الإجماع حال ثبوته، أو تفنيده حال وقوع الخلاف في ذلك.
خطة البحث
خطّة البحث: وتتضمن: مقدّمة، وأربعة أبواب، وخاتمة. المقدّمة: وتشمل: بيان أهميّة الموضوع، وسبب الاختيار، والدراسات السابقة، وأهداف البحث، وحدوده، ومنهجه. تمهيد: وتشتمل على عرض مختصر عن الإجماع، وتعريفه، وحجّيته، ومكانته من التشريع. الباب الأوّل: مسائل الإجماع في باب حد السرقة: وفيه تمهيد وسبعة فصول. تمهيد: يتضمّن تعريف السرقة وحدها. الفصل الأوّل: مسائل الإجماع العامّة في حد السرقة. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في شروط حد السرقة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع فيما يثبت به حد السرقة. الفصل الرابع: مسائل الإجماع فيما يوجب حد السرقة. الفصل الخامس: مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد السرقة. الفصل السادس: مسائل الإجماع فيما يسقط حد السرقة. الفصل السابع: مسائل الإجماع في صفة إقامة حد السرقة. الباب الثاني: مسائل الإجماع في باب حد الحرابة (قطاع الطريق): وفيه تمهيد وخمسة فصول. تمهيد: يتضمّن التعريف بحد قطاع الطريق، وحكمه، وأدلّة مشروعيّته. الفصل الأوّل: مسائل الإجماع العامّة في حد قطاع الطريق. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في صفة حد قطاع الطريق. الفصل الثالث: مسائل الإجماع فيما يوجب حد قطاع الطريق. الفصل الرابع: مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد قطاع الطريق. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في مسقطات حد قطاع الطريق.
الباب الثالث: مسائل الإجماع في باب حد البغي: وفيه تمهيد وخمسة فصول. تمهيد: يتضمّن التعريف بحد البغي، وحكمه، وأدلّة مشروعيّته. الفصل الأوّل: مسائل الإجماع العامّة في حد البغي. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في ضابط البغاة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع فيما يوجب حد البغاة. الفصل الرابع: مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد البغاة. الفصل الخامس: مسائل الإجماع فيما يسقط حد البغاة. الباب الرابع: مسائل الإجماع في باب حد الردّة: وفيه تمهيد وأربعة فصول. تمهيد: يتضمّن التعريف بحد الردّة، وحكمها، وأدلّة مشروعيّته. الفصل الأوّل: مسائل الإجماع العامّة في حد الردة. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في صفة حد الردّة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع فيما يوجب حد الردّة. الفصل الرابع: مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد الردّة. الخاتمة: فيها عرض نتائج البحث والتوصيات التي أرى أهمّيتها. المراجع والمصادر. فهرس الموضوعات.
الباب الأول مسائل الإجماع في باب حد السرقة
الباب الأول مسائل الإجماع في باب حد السرقة وفيه: تمهيد، وسبعة فصول: الفصل الأول: مسائل الإجماع العامة في حد السرقة. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في شروط حد السرقة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع فيما يثبت به حد السرقة. الفصل الرابع: مسائل الإجماع فيما يوجب حد السرقة. الفصل الخامس: مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد السرقة. الفصل السادس: مسائل الإجماع فيما يسقط حد السرقة. الفصل السابع: مسائل الإجماع في صفة إقامة حد السرقة.
التمهيد
التمهيد المبحث الأول: تعريف الحد لغة واصطلاحًا: • أولًا: تعريف الحد لغةً: الحد مصدر من حَدَّ يَحُدُّ حدًّا، وجمعه: حدود، وأصل هذه المادة يطلق على أمرين: قال ابن فارس: "الحاء والدال أصلان: الأوّل المنع، والثاني طَرَف الشيء" (¬1). فهذان أصلان لهذه المادة، فالأول المنع، ومنه: حدود اللَّه: أي محارمه، كما قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (¬2)، ومنه الحديد سُمي بذلك به لأنه مَنِيع. ومنه حدود اللَّه تعالى كحد السرقة وغيره، سُميت بذلك لأنها تمنع من الوقوع في مثل ذلك الذنب، وقيل: لأن اللَّه تعالى حددها بأمر مقدَّر، ومنع من الزيادة عليها (¬3). والأصل الثانى: طرف الشيء ومنتهاه، ومنه: حد السكين: أي طرفه الحاد (¬4). • ثانيًا: تعريف الحد اصطلاحًا: تنوعت عبارات الفقهاء في ضابط الحد، على النحو الآتي: فعند الحنفية: قال الكاساني: "عقوبة، مقدرة، واجبة، حقًا للَّه تعالى" (¬5). ¬
وعند المالكية: قال النفراوي (¬1): "ما وضع لمنع الجاني من عوده لمثل فعله، وزجر غيره" (¬2). وعند الشافعية: قال الشربيني: "عقوبة، مقدرة، وجبت حقا للَّه تعالى كما في الزنا، أو لآدمي كما في القذف" (¬3). وعند الحنابلة: قال البهوتي (¬4): "عقوبة، مقدرة، شرعًا، في معصية؛ لتمنع من الوقوع في مثلها" (¬5). وبالنظر إلى التعاريف السابقة يتبيَّن أن ثمة تقارب في التعريف الاصطلاحي بين المذاهب، عدا المالكية فإن التعريف الذي ذكروه فيه قصور بيِّن (¬6). والمختار في ضابط الحد اصطلاحًا أن يقال: هو عقوبة مقدرة شرعًا على ¬
معصية يُغلَّب فيها حق اللَّه (¬1). • بيان محترزات التعريف: عقوبة: جنس في التعريف، يشمل العقوبة المقدرة وغير المقدرة، فمن العقوبات المقدرة: حد الزنا، وشرب الخمر، والقصاص، والديات، والكفارات مثل كفارة اليمين والظهار وغيرها، أما العقوبات غير المقدرة: فهي العقوبات التعزيرية. وخرج بهذا القيد الجزاءات الشرعية المقدرة التي لا تعد عقوبة مثل كفارة اليمين، وكفارة الظهار. مقدرة: أنها لها مِقدار معيَّن، وخرج بهذا القيد العقوبات غير المقدرة، وهي التعزيرية، فإنه لا يسمى حدًا بالمعنى الاصطلاحي، وإن كان يُعد حدًا بالمعنى الشرعي العام. شرعًا: المقصود أن أصل تقديرها من قبل الشارع إما بكتاب أو سنة أو إجماع، فخرج بذلك العقوبات التي يقدرها الإمام من باب السياسة الشرعية. على معصية: قيد خرج به الجزاءات المقدرة شرعًا على غير معصية، مثل كفارة اليمين، والفدية في الحج، وكفارة القتل الخطأ، ونحوها. يغلب فيها حق اللَّه: أي يجتمع في هذه العقوبات حق اللَّه وحق الآدمي لكن الأغلب هو حق اللَّه، فلا تسقط بالعفو، وخرج بهذا القيد العقوبات المقدرة على الجنايات كالقصاص والديات، إذ المغلب فيها هو حق الآدمي. وهذه الحدود في الشرع هي سبعة، وتشمل المقاصد الضرورية الخمسة، وهي: ¬
1 - حد الزنا: لحفظ النسل. 2 - حد القذف: لحفظ العرض. 3 - حد الخمر: لحفظ العقل. 4 - حد السرقة: لحفظ المال. 5 - حد الحرابة: لحفظ النفس، والمال، والعرض. 6 - حد البغي: لحفظ الدين، والنفس، والمال، والعرض. 7 - حد الردة: لحفظ الدين.
المبحث الثاني تعريف السرقة لغة واصطلاحا
المبحث الثاني تعريف السرقة لغةً واصطلاحًا • أولًا: تعريف السرقة لغة: يقال: سَرَق الشيء يسْرِقه سَرَقًا، وسَرِقًا واستَرَقَه، وقد بيَّن ابن فارس أصل هذه المادة فقال: "السين والراء والقاف: أصل يدل على أخذ شيء في خفاء وستر، . . . ومما شذ عن هذا الباب: السَّرَق: جمعَ سَرَقة، وهي القطعة من الحرير" (¬1). ومنه يُقال: استراق فلان السمع: إذا سمعه مختفيًا، ويُقال: فلان يُسارِق النظَر إليه: إذا ترصَّد غَفلتَه لينظر إليه (¬2). والسرقة عند أهل اللغة: نقل ابن منظور (¬3) والزبيدي (¬4) أن السارق عند ¬
العرب: "من جاء مُسْتَتِرًا إلى حِرْزٍ فأخذ منه ما ليس له" (¬1). وقال الفيروزآبادي (¬2): "سرق منه الشيء يسرق سَرَقًا. . .: جاء مستترا إلى حرز فأخذ مالًا لغيره" (¬3). وقال التهانوي (¬4): "سرق منه شيئًا: أي جاء مستترًا إلى حرز فأخذ مال غيره" (¬5). وبهذا يتبيَّن أن السرقة في الإطلاق اللغوي تتضمن ثلاثة أمور: الأول: أن يأخذ الإنسان ما ليس له. الثاني: أن يكون الأخذ بخفية. الثالث: أن يأخذه من حرز. أما ما زاد على هذه القيود الثلاثة كتقدير الشيء المسروق بنصاب معيَّن فغير وارد في حد السرقة عند أهل اللغة، بل تطلق حتى على أخذ الشيء التافه. وقد نقل ابن حزم إجماع أهل اللغة على عدم اعتبار الحرز في تعريف ¬
السرقة من حيث اللغة، حيث قال: "أما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، والسارق هو المختفي بأخذ ما ليس له" (¬1). وقال: "باللغة يدري كل أحد يدري اللغة أن من سرق -من حرز أو من غير حرز- فإنه سارق، وأنه قد اكتسب سرقة، لا خلاف في ذلك" (¬2). وما ادعاه ابن حزم فيه نظر، والصواب اعتبار قيد الحرز عند العرب كما سبق من كلام أهل اللغة، وقد أشار إلى هذا بعض الفقهاء، منهم الصنعاني حيث قال في الاستدلال لكون الحرز معتبر في قطع السارق: "الإحراز مأخوذ في مفهوم السرقة، فإن السرقة والاستراق هو المجيء مستترًا في خفية؛ لأخذ مال غيره من حرز، كما في القاموس وغيره، فالحرز مأخوذ في مفهوم السرقة لغة، ولذا لا يقال لمن خان أمانته: سارق" (¬3). وقال الشوكاني: "مما يؤيد اعتباره -أي الحرز- قول صاحب القاموس: "السرقة والاستراق: المجيء لأخذ مال غيره من حرز"، فهذا إمام من أئمة اللغة جعل الحرز جزءًا من مفهوم السرقة" (¬4). • ثانيًا: تعريف السرقة اصطلاحًا: ختلفت عبارات الفقهاء في ضابط السرقة الموجبة للحد، وذلك لاختلافهم في الشروط الموجبة للقطع، أذكرها على سبيل الإجمال، ثم أذكر تعريفًا جامعًا للسرقة مع بيان محترزاته، ثم أذكر في محتزاته من خالف فيه من أهل العلم. ¬
فعند الحنفية: قال الزيلعي (¬1) هي أخذ مكلف، خفية، قدر عشرة دراهم مضروبة، محرزة بمكان أو حافظ" (¬2). وعند المالكية: قال ابن عرفة (¬3): "أخْذ مكلفٍ، حرًا لا يعقل لصغره، أو مالًا محترمًا، لغيره، نصابًا، أخرجه من حرزه، بقصد واحد، خفية، لا شبهة له فيه" (¬4). وعند الشافعية: قال ابن حجر الهيتمي (¬5): "أخذ المال خفية من حرز مثله" (¬6). ¬
وعند الحنابلة: قال الحجاوي (¬1): "أخْذ مال، محترم، لغيره، وإخراجه من حرز مثله، لا شبهة له فيه، على وجه الاختفاء" (¬2). والمختار في تعريف السرقة في الاصطلاح الشرعي أن يُقال: هي أخذ المكلف، مالًا، محترمًا، محرزًا، يبلغ نصابًا، ملكًا للغير، لا شبهة له فيه، على وجه الخفية (¬3). • بيان محترزات التعريف: أَخْذ: أي أن يأخذ الشخصُ ذلك الشيء المسروق، ويخرج بهذا القيد أمران: الأول: ما لو أُعطي ذلك الشيء عن طريق الهبة ونحوه، وهذا القيد ظاهر في جهة المعنى اللغوي والشرعي. الثاني: ما لو هتك الحرز أو دخله، ولم يُخرج المتاع منه، بأن قُبض عليه وهو في الحرز. فهذا لا قطع عليه باتفاق الأئمة الأربعة (¬4)، وخالف فيه ابن حزم بناءً على أن الحرز ليس شرطًا في الأصل (¬5). ¬
العاقل: خرج بهذا القيد المجنون، والمعتوه، والنائم، والمغمى عليه، فإنه لا حد على أحد من هؤلاء بإجماع أهل العلم كما حكاه ابن حزم (¬1)، وابن عبد البر (¬2)، وابن قدامة (¬3)، والنووي (¬4)، وغيرهم (¬5). البالغ: خرج بهذا القيد ما لو سرق غير البالغ (¬6)، فإنه لا حد عليه بإجماع ¬
أهل العلم. ¬
كما نقله الشافعي (¬1)، وابن قدامة (¬2)، وشمس الدين ابن قدامة (¬3). مالًا: أن أن يكون المسروق مما يجوز أن يجري عليه البيع والشراء، ويخرج بهذا القيد ما ليس بمال مما لا يُباع ويُشترى، إما لحرمة بيعه وشراءه شرعًا كالإنسان الحر، وإما لكونه من التافه الذي لا قيمة له، ولا يلتفت إليه أحد، وهذا القيد هو محل اتفاق بين المذاهب الأربعة (¬4). إلا أن المالكية وابن حزم استثنوا من ذلك سرِقة الحر الصغير فأوجبوا فيها القطع (¬5). محترمًا: أي أن يكون المال المسروق محترمًا من جهة الشرع، بكونه مباحًا غير محرَّم، وخرج به ما كان محرم شرعًا كآلات المعازف، والخمر ونحوهما، وكذا مال الحربي الذي ليس له أمان، فإنه لا حرمة له، وهذا القيد محل اتفاق بين المذاهب الأربعة (¬6). محرزًا: أي أن يكون في حرز، هو ما نُصب لحفظ أموال الناس عادة (¬7)، وخرج بهذا القيد ما لو كان المال غير محرز، فإن أخذه حينئذٍ لا يوجب الحد، ¬
وهذا القول حَكى عليه الإجماع جماعة من أهل العلم منهم ابن المنذر (¬1)، وأبو بكر الجصاص (¬2)، وابن عبد البر (¬3)، وابن العربي (¬4)، وابن هبيرة (¬5)، وابن قدامة (¬6)، وغيرهم (¬7). وخالف في ذلك ابن حزم فلم ير للحرز اعتبارًا في وجوب الحد (¬8). يبلغ نصابًا: أي أن يبلغ المال المسروق نصابًا (¬9)، وهذا الشرط نقل فيه غير واحد من أهل العلم الإجماع عليه، منهم الطحاوي (¬10)، والكاساني (¬11)، وابن قدامة (¬12)، وشمس الدين ابن قدامة (¬13)، ¬
وابن مفلح (¬1) (¬2)، وغيرهم (¬3). وخالف فيه ابن حزم فلم ير لحد السرقة نصابًا، واختار القطع في سرقة القليل والكثير (¬4). ملكًا للغير: أي يشترط أن يكون المال المسروق ليس ملكًا لمن سرقه، وخرج بهذا القيد ما لو سرق ما هو ملك له في الأصل، كأن يودِع ماله عند شخص ما، ثم يسرقه، فلا يُقام عليه الحد حينئذٍ، أو أن يُؤخذ منه مال عن طريق السرقة أو الاغتصاب أو غير ذلك، فيسترجعه عن طريق السرقة، فلا قطع حينئذ باتفاق المذاهب الأربعة (¬5). لا شبهة له فيه: خرج بهذا القيد ما فيه شبهة، كسرقة الوالد من مال ولده، وسرقة العبد من سيده، والسرقة وقت المجاعة، حكى ابن المنذر الإجماع عليه (¬6)، وذلك على اختلاف بين الفقهاء في بعض الصور هل تدخل في حد ¬
الشبهة أم لا (¬1). وخالف ابن حزم فذهب إلى وجوب القطع ولو كان ثمة شبهة تدرؤ الحد، إلا ما وُجد فيه نص على عدم القطع فيمتنع القطع لا لأجل الشبهة، ولكن لأجل النص المانع من إقامة الحد (¬2). على وجه الخفية: أي أن السارق فعل سرقته خفية عن أنظار الناس، وخرج بهذا القيد ثلاثة أمور: أولًا: الغاصب والمنتهب: وهو من أخذ المال من صاحبه جهارًا، قهرًا (¬3). فهذا لا قطع عليه بإجماع أهل العلم كما حكاه ابن العربي (¬4)، وابن حجر (¬5)، وغيرهم (¬6). ثانيًا: الاختلاس: وهو أخذ الشيء غير المُحرَز بحضرة صاحبه جهرًا مع الهرب به، ويكون باستغفال صاحب المال بدون غلبة، وقد يتفطن له صاحب المال ويكون ثمة مغالبة (¬7). ¬
فلو سرق المختلس فلا قطع عليه، وحكى عليه الإجماع كثير من أهل العلم منهم ابن المنذر (¬1)، وابن حزم (¬2)، وابن عبد البر (¬3)، وابن العربي (¬4)، وغيرهم (¬5). ثالثًا: الخائن: هو الذي يؤتمن على شيء بطريق العارية أو الوديعة أو نحو ذلك، فيأخذه ويدعي ضياعه، أو ينكر أنه كان عنده وديعة أو عارية، فإن هذا لا قطع عليه، وحكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬6)، وابن عبد البر (¬7)، وابن حجر (¬8)، وغيرهم (¬9). وخالف فيه ابن حزم فذهب إلى وجوب الحد على الخائن (¬10)، وعن أحمد رواية -هي المذهب- بوجوب الحد على جاحد العارية (¬11). • موافقة التعريف اللغوى للاصطلاحى: يمكن القول بأن السرقة على قسمين: أولًا: ما يتعلق به التحريم: فهذا النوع يتوافق فيه المعنى اللغوي والمعنى الشرعي، فكل من أخذ مال غيره من حرز خفية، فإنه سارق لغةً، فاعل لمحرّم شرعًا. ¬
ثانيًا: ما يتعلق به حد القطع: فهذا النوع يزيد المعنى الشرعي عن اللغوي قيودًا يجب توفرها (¬1). تنبيه: المراد بالسرقة هنا: السرقة الصغرى؛ إذ السرقة عند الفقهاء تطلق على قسمين: الأول: سرقة صغرى، وهي السرقة المرادة بهذا الباب. الثاني: سرقة كبرى، وهي تطلق على قطاع الطريق، أما كونه "سرقة" فباعتبار أن قاطع الطريق يأخذ المال خفية عن عين الإمام الذي عليه حفظ الطريق، وأما كونه "كبرى" فلأن ضرره يعم عامه المسلمين حيث ينقطع عليهم الطريق بزوال الأمن بخلاف السرقة الصغيرة فإن ضررها خاص، ولأن حد قطاع الطريق بالقطع من خلاف أغلظ من حد السرقة الصغري بقطع اليد اليمنى (¬2). ¬
المبحث الثالث الأصل في مشروعية حد السرقة
المبحث الثالث الأصل في مشروعية حد السرقة قطع يد السارق كان معمولًا به في الجاهلية، وكان أول من حَكَمَ به في الجاهلية الوليد ابن المغيرة (¬1). فأقر اللَّه تعالى ذلك الحكم في الإسلام، وأمر به، وحذّر من التهاون فيه. وكان أول سارق قطع من الرجال في الإسلام الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف (¬2). أما من النساء فمُرَّة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم (¬3) (¬4). والأصل في مشروعية حد السرقة الكتاب والسنة والإجماع: • أولًا: من الكتاب: يدل على حد السرقة من الكتاب قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬5). ¬
• ثانيًا: من السنة: 1 - عن عائشة رضي اللَّه عنها زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد (¬1) حب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتي بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: (أتشفع في حد من حدود اللَّه)؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها" متفق عليه (¬2). 2 - عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقطع السارق في ربع دينار فصاعدًا" متفق عليه (¬3). وفي لفظ لمسلم (¬4) أيضًا عن عائشة رضي اللَّه ¬
عنها عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا) (¬1). 3 - عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قطع في مجن (¬2) قيمته ثلاثة دراهم" متفق عليه (¬3). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- (¬4) عن عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لعن اللَّه السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده) متفق عليه (¬5). والأدلة في هذا الباب كثيرة جدًا، سيأتي جملة منها فيما يأتي من هذا الباب. ثالثًا: الإجماع: أجمع أهل العلم على وجوب حد السرقة، على خلاف بينهم في الضابط الذي يعتبر السارق فيه ممن يجب عليه الحد، وقد نقل الإجماع جماعة من أهل العلم منهم ابن حزم حيث قال: "وجب القطع في السرقة بنص القرآن، ونص السنة، وإجماع الأمة" (¬6). ¬
وقال أبو الوليد الباجي (¬1): "وبه قال جماعة العلماء" (¬2). وقال القرطبي: "لا خلاف فيه" (¬3). وقال النووي: "أجمع المسلمون على قطع السارق في الجملة وإن اختلفوا في فروع منه" (¬4). وقال ابن قدامة: "أجمع المسلمون على وجوب قطع السارق في الجملة" (¬5). وقال العراقي: "وجوب قطع السارق في الجملة، وهو مجمع عليه" (¬6). وإجماعات أهل العلم في بعض مسائل السرقة التي سترد في هذا الباب، تدخل في الإجماع على وجوب الحد في السرقة من حيث العموم. ¬
المبحث الرابع ماهية الحد الواجب بالسرقة
المبحث الرابع ماهية الحد الواجب بالسرقة من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ المال الذي جعله اللَّه أمانة في يد الإنسان ليستعين به على طاعة ربه، وعمارة الأرض التي استخلفه باريه فيها ليقيم فيها شرعه، فحث اللَّه على التجارة المشروعة، وحرم المكاسب المحرمة، كالغصب والظلم والربا، وأبشع ذلك وأشنعه: السرقة، فهي مال خبيث مأخوذ بجريمة مستبشعة، توجب زعزعة الأمن، وإدخال الرعب في قلوب الناس، ولذا شرع اللَّه تعالى على من سرق، وتوفرت فيه شروط الحد السابقة بأن تقطع يده اليمنى، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع: • أولًا: من الكتاب: قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1). • ثانيًا: من السنة: 1 - حديث عائشة رضي اللَّه عنها السابق في شأن المخزومية التى سرقت وفيه: "قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها" (¬2). 2 - عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقطع السارق فى ربع دينار فصاعدًا" (¬3). وفي لفظ لمسلم أيضًا عن عائشة رضي اللَّه عنها عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا ¬
تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا) (¬1). 3 - عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم (¬2). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لعن اللَّه السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده) (¬3). والأدلة في هذا الباب كثيرة جدًا، سيأتي جملة منها فيما يأتي من هذا الباب. • ثالثًا: الإجماع: نقل جماعة من الفقهاء الإجماع على أن حد السرقة هو قطع اليد اليمنى، وممن حكى الإجماع عليه أو بكر الجصاص (¬4)، وابن حزم (¬5)، وابن عبد البر (¬6)، والبغوي (¬7)، وابن هبيرة (¬8)، وابن قدامة (¬9)، والقرطبي (¬10)، والنووي (¬11)، وشمس الدين ابن قدامة (¬12)، وابن تيمية (¬13)، وابن كثير (¬14)، وابن حجر (¬15)، وغيرهم (¬16). ¬
أما محل القطع من الكف: فمن مفصل الكف: الفاصل بين الكف والساعد، وهو ما يُسمى بالرِّسغ، ويعبر عنه آخرون بالكوع، ولا منافاة؛ فإن الرسغ هو مفصل الكف، وله طرفان، هما عظمان، فالذي يلي الإبهام كوع، والذي يلي الخنصر كرسوع (¬1)، وقد نقل الإجماع على أن محل القطع هو مفصل الكف جماعة من أهل العلم منهم: أبو بكر الجصاص (¬2)، وابن هبيرة (¬3)، وابن قدامة (¬4)، وشمس الدين ابن قدامة (¬5)، وابن الهمام (¬6)، وغيرهم (¬7). ¬
الفصل الأول مسائل الإجماع العامة في حد السرقة
الفصل الأول مسائل الإجماع العامة في حد السرقة [1/ 1] المسألة الأولى: السارق يقال له فاسق، فاجر، ما لم يظهر منه خشوع التوبة مما ركب من المعصية. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص، فإنه يطلق عليه اسم الفسق، غير المخرج من الملة، إلا إن ظهر منه توبة من السرقة. وينبه إلى أن المراد بالمسألة هو إطلاق اسم الفسق عليه، لا أن ينادى بـ (يا فاسق)، أو (يا فاجر). • من نقل الإجماع: قال ابن جرير الطبري (310 هـ): "الصواب من القول في ذلك عندنا في معنى قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن) (¬1). قول من قال: يزول عنه الاسم الذي هو معنى المدح إلى الاسم الذي هو بمعنى الذم، فيقال له: فاسق، فاجر، زان، سارق، وذلك أنه لا خلاف بين جميع علماء الأمة أن ذلك من أسمائه، ما لم يظهر منه خشوع التوبة مما ركب من المعصية" (¬2) ونقله عنه ابن بطال (¬3) (¬4) وابن حجر (¬5). ¬
وقال ابن كثير (774 هـ): "أجمع أهل السنة على أن من أكل مالًا حرامًا ولو ما يصدق عليه اسم المال أنه يفسق" (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أدلة منها: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) (¬2). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن السارق منفي عنه كمال الإيمان، فهو فاسق بكبيرته مؤمن بإيمانه، قال ابن عبد البر في تعليقه على الحديث: "يريد مستكمل الإيمان، ولم يرد به نفي جميع الإيمان عن فاعل ذلك، بدليل الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر إذا صلوا للقبلة" (¬3). 2 - أن نصوص الشارع متوافرة في تحريم السرقة، وأنها من كبائر الذنوب، وعليه أجمع أهل العلم. وقد تقرر إجماع أهل السنة والجماعة على أن فاعل الكبيرة فاسق بكبيرته، وإن كان معه أصل الإيمان، ولا يكفر بكبيرته، وممن نقل الإجماع عليه: قال الترمذي: "لا نعلم أحدًا كفر أحدًا بالزنا أو السرقة وشرب الخمر" (¬4). وقال ابن عبد البر: "وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم وإن كانوا أصحاب كبائر" (¬5). وقال النووي: "إجماع أهل الحق على أن الزاني، والسارق، والقاتل، وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك بل هم المؤمنون ¬
ناقصو الإيمان، إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة، فإن شاء اللَّه تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولًا، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة" (¬1). • تنبيه: أصل هذه المسألة مسألة عقدية مشهورة يعبر عنها باسم "مرتكب الكبيرة"، مِن سرقةٍ أو زنا، أو غير ذلك. فأجمع أهل السنة على أن مرتكب الكبيرة فاسق بما ارتكب، وهذا الإجماع من أهل السنة عليه تنبيهات ثلاث: الأول: نقل ابن حزم وغيره ممن تكلم في اسم مرتكب الكبيرة قولًا نسبوه للحسن البصري (¬2) وقتادة (¬3)، محصله أن مرتكب الكبيرة منافق، وظنوا أن هذا القول يخالف مذهب أهل السنة في تسمية المنافق بالفاسق، حيث أن مراد ¬
الحسن بكونه منافقًا أنه خارج من الملة (¬1). وقد اعتذر له شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه، فمن ذلك لما تكلم ابن تيمية على مسألة أن الإنسان قد يجتمع فيه إيمان ونفاق قال: "ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعًا واحدًا، بل فيهم المنافق المحض، وفيهم من فيه إيمان ونفاق، وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق. . . . ومن هذا الباب ما يروى عن الحسن البصري ونحوه من السلف أنهم سموا الفساق منافقين، فجعل أهل المقالات هذا قولًا مخالفًا للجمهور، إذا حكوا تنازع الناس في الفاسق الملي، هل هو كافر؟ أو فاسق ليس معه إيمان؟ أو مؤمن كامل الإيمان؟ أو مؤمن بما معه من الإيمان فاسق بما معه من الفسق؟ أو منافق؟ والحسن -رحمه اللَّه- لم يقل ما خرج به عن الجماعة" (¬2). وفي مناظرة ابن تيمية لابن المرحل (¬3)، قال ابن المرحل: "الحسن البصري يسمي الفاسق منافقًا، وأصحابك لا يسمونه منافقًا"، فقال ابن تيمية: "بل يسمي منافقًا النفاق الأصغر، لا النفاق الأكبر" (¬4). ويتحصل من هذا أن قول الحسن البصري لا يعد مخالفًا لمذهب أهل السنة، فإنه أراد النفاق الأصغر غير المخرج من الملة، وهو نوع من الفسق. ¬
الثاني: ذكر أبو الحسن الأشعري في كتابه "مقالات الإسلاميين" خلافًا عن المعتزلة في هل يطلق على السارق فاسق أم لا (¬1)، وفائدة الخلاف عند المعتزلة أنه إذا أطلق عليه اسم "فاسق" فإنه يكون مخلدًا في النار، خلافًا لمذهب أهل السنة، وبهذا تعلم أن إطلاق لفظ الفسق على السارق لا يعني كفره عند أهل السنة والجماعة، كما هو معتقد الخوارج (¬2)، ولا أنه بمنزلة بين الكفر والإيمان كما هو معتقد المعتزلة، وإنما هو مؤمن ناقص الإيمان بما ارتكب من الكبيرة، وعلى هذا إجماع أهل السنة والجماعة. الثالث: ذكر الأشعرية (¬3) في كتبهم أن فاعل المعصية يسمى فاسقًا، بل نقل التفتازاني (¬4) الإجماع عليه، لكن لا يعنى هذا أنهم موافقون لمذهب أهل السنة ¬
والجماعة في هذا الباب، فإنهم يرون أن فاعل المعصية يطلق عليه اسم "فاسق" لكنه مع ذلك هو كامل الإيمان، فهم مرجئة في هذا الباب، وإنما يجيزون تسميته بالفاسق لما نقصه عندهم من شرائع الإسلام، لا أن الإيمان ينقص بما ارتكبه من الفسق كما هو مذهب أهل السنة والجماعة. والتحقيق في هذا المقام أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، ونصوص الكتاب والسنة مستقرة في تحصيل ذلك، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)} (¬1). وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} (¬2)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا اللَّه، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) (¬3)، وليس الكتاب موضع بحث في هذه المسألة وإنما أردت الإشارة والتنبيه، واللَّه ولي التوفيق.Rلم أجد من خالف في المسألة من أهل السنة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع عند أهل السنة والجماعة. ¬
[2/ 1] المسألة الثانية: السارق إذا سرق مرات وقدم إلى الحاكم في آخر السرقات، أن قطع يجزئ من ذلك كله.
[2/ 1] المسألة الثانية: السارق إذا سرق مرات وقدم إلى الحاكم في آخر السرقات، أن قطع يجزئ من ذلك كله. • المراد بالمسألة: لو سرق شخص عينًا من آخر، ثم سرق عينًا أخرى من نفس الشخص أو من شخص آخر، ثم سرق ثالثةً ورابعةً، وكل سرقة تجتمع فيه شروط القطع، وبعد عدة سرقات، تثبت عليه الجناية عند الحاكم، ويقر بسرقة ما سبق من المرات، أو يُشهد عليه بذلك، فهل يقام عليه حد سرقة واحدة، أم يقام عليه حد كل سرقة على حدة؟ ويتبين مما سبق أنه لو سرق ثم أقيم عليه الحد، ثم سرق أخرى فتلك مسألة أخرى غير مرادة في الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن السارق إذا سرق مرات إذا قدم إلى الحاكم في آخر السرقات أن قطع يده يجزئ عن ذلك كله" (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "قال مالك: الأمر عندنا في الذي يسرق مرارًا ثم يستعدى عليه: أنه ليس عليه إلا أن تقطع يده لجميع من سرق منه، إذا لم يكن أقيم عليه الحد، فإن كان قد أقيم عليه الحد قبل ذلك ثم سرق ما يجب فيه القطع قُطع أيضًا. قال أبو عمر: لا أعلم في هذه المسألة خلافًا بين أهل الفقه الذين تدور على مذاهبهم الفتوى بالأمصار ولا على من قبلهم" (¬2). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بتعليلات من النظر: 1 - أن القطع في السرقة حد للَّه عز وجل وحدود اللَّه تعالى إذا اجتمعت تداخلت؛ لأن مبنى الحدود على التداخل، إذ المقصود منها الزجر، كالزنى، فإن الزاني لو زنى مرارًا لم يكن عليه إلا حد واحد، فكذا السرقة، ¬
وقياسًا على الأيمان كذلك إذا اجتمعت أيمان على أمر معيَّن، فإنه تلزم فيه كفارة واحدة. 2 - أن حد السرقة لا يثبت ويجب إقامته بمجرد السرقة، بل لا بد من إضافة شرط آخر وهو ثبوت ذلك عند الحاكم، أما إذا لم يثبت عند الحاكم فلا يلزمه قطع، وحينئذ جميع السرقات إذا لم تثبت عند الحاكم إلا مرة واحدة كانت كسرقة واحدة، فوجب فيها حد واحد (¬1). • المخالفون للإجماع: ذكر ابن حزم عن أصحابه قولًا حاصله أن الحدود لا تتداخل، وعليه لكل سرقة اجتمعت فيه شروط القطع إقامة حد مستقل (¬2). وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد حكاها عنه القاضي (¬3)، إلا أنه شرط أن يأتوا إلى الحاكم متفرقين (¬4). • دليل المخالف: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - أن اللَّه تعالى أوجب على السارق القطع، فظاهره القطع بكل سرقة، ولا فرق بين أن يسرق مرة أخرى قبل إقامة الحد على السرقة الأولى أو بعد الحد، فالآية عامة ولا دليل على التفريق. 2 - قياسًا على حد القذف فإنه لا يتداخل، فكذا السرقة. 3 - في القول بالتداخل فتح باب لأن يتجرأ السارق لفعل السرقة مرات قبل ¬
[3/ 1] المسألة الثالثة: لو أقيم الحد على السارق، ثم سرق ثانية ما يجب فيه القطع، قطع أيضا.
إقامة الحد عليه (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع متحقق؛ لوجود خلاف عن الظاهرية، ورواية عن الإمام أحمد تخالف مسألة الباب. [3/ 1] المسألة الثالثة: لو أُقيم الحد على السارق، ثم سرق ثانية ما يجب فيه القطع، قُطع أيضًا. • المراد بالمسألة: لو سرق شخص عينًا من آخر، وأقيم عليه حد السرقة، ثم سرق مرةً أخرى نفس العين، أو غيرها، فهل عليه الحد للسرقة الثانية أم لا؟ • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا في أن قطع يد السارق إذا شهد عليه بالسرقة شاهدان عدلان مسلمان حران ووصفا ما يجب فيه القطع ثم عاد أنه يقطع" (¬2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "قال مالك: الأمر عندنا في الذي يسرق مرارًا ثم يستعدى عليه: أنه ليس عليه إلا أن تقطع يده لجميع من سرق منه، إذا لم يكن أقيم عليه الحد، فإن كان قد أقيم عليه الحد قبل ذلك ثم سرق ما يجب فيه القطع قُطع أيضًا. قال أبو عمر: لا أعلم في هذه المسألة خلافًا بين أهل الفقه الذين تدور على مذاهبهم الفتوى بالأمصار ولا على من قبلهم" (¬3). • مستند الإجماع: مما يستدل به على مسألة الباب: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬4). • وجه الدلالة: أن الآية عامة، وهذا الذي سرق ثانية داخل في هذا العموم. 2 - أن ذلك هو الوارد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في قطع السارق ¬
ثانية أحاديث لكنها لا تخلو من مقال، فمنها: ما رواه أبو داود والنسائي عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- (¬1) قال: (جيء بسارق إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه) فقطع، ثم جيء به الثانية فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، فقطع فأتي به الثالثة فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، ثم أتي به الرابعة فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال. (اقطعوه)، فأتي به الخامسة قال: (اقتلوه) (¬2) (¬3). ¬
3 - أن هذا هو المنقول عن جملة الصحابة كعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب وغيرهما، بل نقل ابن أبي شيبة (¬1) في مصنفه أن عليه إجماع الصحابة فقال: "كان عليٌ يقول في السارق إذا سرق: قُطعت يده، فإن عاد قُطعت رجله، فإن عاد استودعته السجن. وعن سماك (¬2) عن بعض أصحابه: أن عمر استشارهم في سارق، فأجمعوا على مثل قول علي" (¬3). وإنما وقع الخلاف في أي شيء يقطع في السرقة الثانية، وهل يقطع أو يحبس في السرقة الثالثة وما بعدها. • المخالفون للإجماع: خالف الحنفية في بعض صور المسألة، حيث ذهبوا إلى أن من سرق وأقيم عليه الحد، ثم سرق ثانيةً فعليه الحد، إلا إن كان قد سرق نفس العين، فإنه لا يقطع بسرقة شيء كان قد سرقه من قبل وقُطع فيه، إذا لم يتغير عن حالته الأولى، وإن تغير بأن كان غزلًا فسرقه فقُطع فيه، ثم رده إلى صاحبه فنسجه أو نحو ذلك ثم سرقه ثانية، فهنا عليه القطع، وبهذا فهم يخالفون الجمهور من هذه الحيثية في المسألة لا في عمومها (¬4). ¬
ومن المخالفين في المسألة أيضًا ما أشار إليه ابن حزم حيث قال: "واختلفوا فيمن سرق ثانية أيجب عليه القطع أم لا" (¬1)، ولم يذكر ابن حزم من هو المخالف، ولعله أشار بذلك إلى قول عطاء بن أبي رباح (¬2) حيث أخرج عنه ابن حزم أثرا حاصله أن الواجب على السارق قطع يده في السرقة الأولى فقط، ثم لا يقطع منه شيء، قال ابن حزم: "عن ابن جريج (¬3) قلت لعطاء: سرَق الأولى؟ قال: تقطع كفه، قلت: فما قولهم: أصابعه، قال: لم أدرك إلا قطع الكف كلها، قلت لعطاء: سرق الثانية؟ قال: ما أرى أن تقطع إلا في السرقة الأولى اليد فقط، قال اللَّه تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬4) ولو شاء أمر بالرجل، ولم يكن اللَّه تعالى نسيًا" (¬5). وفي هذا النقل عن عطاء تردد، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن عطاء ما يدل على أنه موافق للجمهور في إن من سرق ثانية قطع ثانية، فقال في مصنفه: "عن عبد الملك عن عطاء سئل: أيقطع السارق أكثر من يده ورجله؟ قال: لا، ولكنه يحبس" (¬6). ¬
[4/ 1] المسألة الرابعة: لو كان السارقون جماعة لم يسقط القطع عن واحد.
وظاهر هذا الأثر أن عطاء يرى الحبس فيما إذا سرق ثالثة، بعد قطع اليد والرجل. ويؤيد ذلك أن ابن عبد البر نقل عن عطاء القول بقطع اليدين دون الأرجل (¬1)، وهو يدل على أنه يقول بوجوب القطع في السرقة الثانية بغض النظر فيما يقطع.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع متحقق؛ وذلك لثبوت الخلاف مع الحنفية فيمن سرق عينًا وأقيم عليه الحد بها، ثم سرق نفس العين ثانيةً. ولما ذكره ابن حزم من الخلاف في المسألة. [4/ 1] المسألة الرابعة: لو كان السارقون جماعة لم يسقط القطع عن واحد. • المراد بالمسألة: أن يشترك جماعة في سرقة ما تقطع فيه اليد، بأن يشترك اثنان أو أكثر بإخراج المال من الحزر، وكان المال لو قسم عليهم لبلغ لكل واحد منهم نصابًا يجب فيه القطع، ولم يسقط حد السرقة عن أحد الشركاء، كأن يكون أحدهم صبيًا، أو مجنونًا، أو ذا رحم محرم، أو كان ثبوت السرقة بإقرارهم ثم تراجع أحدهم. فإذا وجدت هذه المسألة بهذه الضوابط وجب إقامة الحد على الجميع. ويتبين مما سبق أن لو كان المال لم يبلغ نصابًا لكل واحد منهم لو قسم عليهم، أو كانوا لم يشتركوا في إخراج المال من الحرز، بل فتح أحدهما الحرز، وأخرج الآخر المال، وكان الثالث مراقبًا للمكان مثلًا، أو كان أحد الشركاء ممن يسقط عنه حد السرقة كالمجنون، فكل هذه الصور غير مرادة في مسألة الباب (¬2). ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (650 هـ): "اتفقوا على أنه إذا اشترك جماعة في سرقة، ويحصل لكل واحد نصاب أن على كل واحد منهم القطع" (¬1). وقال الجزيري (1360 هـ) (¬2): "اتفق الأئمة -رحمهم اللَّه تعالى- على أنه لو اشترك جماعة من اللصوص في سرقة شيء من المال، ونال كل واحد منهم نصاب السرقة، فإنه يجب إقامة الحد على كل واحد منهم، فتقطع يده" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬4). • وجه الدلالة: عموم الآية بوجوب القطع على كل سارق، وكل واحد من السارقين يطلق عليه لفظ السارق عرفًا وشرعًا. 2 - من النظر: أ- أنه لو سقط القطع بسبب الشراكة لأدى ذلك إلى أن يتخذ السارق وسيلة وحيلة بإسقاط الحد عليه بالسرقة. ب- أن سرقة الجماعة أشد خطرًا على المجتمع من سرقة الشخص، فكان شرعية الردع في حقهم بالقطع أولى. ¬
[5/ 1] المسألة الخامسة: لو اشترك جماعة في سرقة ما يوجب القطع، وكان المال لو قسم على الشركاء لم ييلغ لكل واحد نصابا، فإنه لا قطع حيننذ على أحد منهم.
ج- أن السرقة فعل توجب القطع، فاستوى فيها الواحد والجماعة (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم بالضوابط المذكورة في صورة المسألة. [5/ 1] المسألة الخامسة: لو اشترك جماعة في سرقة ما يوجب القطع، وكان المال لو قسم على الشركاء لم ييلغ لكل واحد نصابًا، فإنه لا قطع حيننذٍ على أحد منهم. • المراد بالمسألة: قبل بيان المسألة لا بد من بيان المراد بالنصاب، ثم بيان صورة المسألة: • أولًا: المراد بالنصاب لغة واصطلاحًا: النصاب لغة: قال ابن فارس: "النون والصاد والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على إقامةِ شيءٍ وإهدافٍ في استواء. . . وبَلغَ المالُ النِّصاب الذي تجِب فيه الزَّكاة، كأنَّه بلغَ ذلك المبلغَ وارتفعَ إليه" (¬2). ونصاب الشيء: أصله الذي يرجع إليه (¬3). واصطلاحًا: هو المقدار الذي يتعلق به الواجب، ويستعمله الفقهاء في نصاب الزكاة، ونصاب السرقة، وغيرهما (¬4). والذي يتعلق بمسألة الباب هو نصاب السرقة، هو عند الفقهاء محل خلاف على أقوال: القول الأول: ذهب الحنفية إلى أن النصاب عشرة دراهم؛ لما في بعض الروايات "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قطع في مجن قيمته عشرة دراهم" (¬5). ¬
ولأن اليد محترمة فلا تقطع إلا بما كان يقينًا، وأكثر ما ورد فيه هو عشرة دراهم، فيؤخذ به احتياطًا (¬1). القول الثاني: ذهب المالكية إلى أن من سرق ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الورِق، أو ما يساوي الثلاثة دراهم من سائر المال قطعت يده (¬2). ¬
القول الثالث: ذهب الشافعية إلى ظاهر حديث عائشة رضي اللَّه عنها (¬1) فلا قطع إلا في ربع دينار، أو ما قيمته كذلك (¬2). القول الرابع: ذهب الحنابلة إلى مذهب المالكية لكن قالوا: ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الورق، أو ما يساوي أحدهما (¬3)؛ لما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم" (¬4). وفي الصحيحين أيضًا واللفظ لمسلم من حديث عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا" (¬5). القول الخامس: ذهب الظاهرية إلى أنه لا نصاب في السرقة فكل ما له قيمة يجب به القطع (¬6). وقيل غير ذلك، حتى أوصلها العراقي إلى ستة عشرة قولًا (¬7)، وزادها ابن حجر إلى تسعة عشرة قولًا (¬8)، لكن ذكرتُ أقواها دليلًا، وأعرضتُ عن الباقي؛ إذ المقصود الإشارة لا تحقيق المسألة. • ثانيًا: صورة المسألة: أن يشترك اثنان فأكثر في سرقة مال، ويشتركان في هتك الحرز وإخراج المال منه، وكان المال لو قسم على كل واحد من الشركاء ¬
لم يبلغ نصابًا سقط حد القطع عنهم. ويتبين مما سبق أنهما لو لم يشتركان في هتك الحرز وأخذ المال منه، بأن هتك الحرز وأخرج المال منه أحدهما، والآخر كان في مهمة المراقبة فقط، فهذه غير مرادة في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حجر (852 هـ): "لو اشترك جماعة في سرقة ربع دينار لم يقطعوا اتفاقًا" (¬1). • مستند الإجماع: استُدل لهذا القول من النظر بالآتي: 1 - أن نصيب كل واحد منهم لم يبلغ نصابًا، فكما أنه لا قطع عليه لو انفرد بسرقة حصته من السرقة فكذا لا يقطع بما سرقه مع الجماعة. 2 - لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وهنا شبهة في درأ الحد هي عدم بلوغ النصاب (¬2). • المخالفون للإجماع: خالف المالكية، والحنابلة، وأبو ثور (¬3) في مسألة الباب، فالحنابلة يرون وجوب القطع على الجميع في مثل هذه الصورة، وكذا المالكية لكنهم يفصلون فقالوا: إن انفرد كل واحد منهما بإخراج جزء من المال فإنه لا قطع، وإن اشتركوا في إخراج المال جملة فعليهم القطع. وعن المالكية رواية أخرى أن المسروق إن كان ثقيلًا وأخرجوه من الحرز جميعًا لعجزهم أن يحملها أحدهم، ولا يمكن حملها إلا إذا اجتمعوا، فهنا ¬
[6/ 1] المسألة السادسة: إن وجدت العين المسروقة بذاتها لم تتغير، ولا غيرها السارق، ولا أحدث فيها عملا، ولا باعها، فإنها ترد إلى المسروق منه.
عليهم القطع إذا بلغ المسروق نصابًا، ولو كان لو قسم عليهم لم يبلغ نصابًا لكل واحد، أما إن كان المسروق خفيفًا وخرج بها جميعهم مع القدرة على أن يخرج بها أحدهم، فهنا لا قطع إلا إذا كان المال لو قسم عليهم لبلغ لكل واحد منهم نصابًا (¬1). • دليل المخالف: من أدلة المخالفين: 1 - أن سرقة الجميع للمال المسروق تعتبر سرقة واحدة، فإذا توفرت فيها شروط السرقة وجب القطع، وهنا بلغ المسروق نصابًا فوجب القطع، وبه استدل الحنابلة (¬2). 2 - قياسًا على ما لو اشترك جماعة في قطع يد شخص وانفرد كل واحد منهم بقطع جزء منها، فإنه لا قطع عليهم حينئذ، وإنما الدية، فكذا هنا لا قطع، وبه استدل المالكية (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف مشهور بين أهل العلم، وليست محل إجماع، أو حتى اتفاق بين المذاهب الأربعة، ولعل مراد ابن حجر نقل الاتفاق المذهبي عند الشافعية. [6/ 1] المسألة السادسة: إن وُجدت العين المسروقة بذاتها لم تتغير، ولا غيَّرها السارق، ولا أحدث فيها عملًا، ولا باعها، فإنها ترد إلى المسروق منه. • المراد بالمسألة: لو سرق شخص من آخر عينًا، ثم وجد من سرق منه المال عين ماله، سواء قبل قطع يد السارق أو بعده، فهنا للمسروق منه أن يأخذ ¬
ماله، بشرط ألا يكون ماله قد تغير. أما إن تغير المسروق بتلف، أو غيَّرها السارق، أو أحدث فيها عملًا، كأن يكون المسروق حديدًا أو نحاسًا ثم غيره السارق إلى أواني، أو كان قماشًا فخاطه السارق ثوبًا، أو حنطةً فطحنها، أو نحو ذلك، وكذا لو باعها السارق فإن لها حكمًا آخر غير مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن السارق إذا قطع، أن المتاع يرد على المسروق منه" (¬1). وقال الماوردي (450 هـ) (¬2): "إذا كانت السرقة باقية فإنها ترد على مالكها وحكمها إذا كانت تالفة، ويقطع سارقها، وهو إجماع" (¬3). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أنه إن وجدت السرقة بعينها لم تتغير، ولا غيَّرها السارق، ولا أحدث فيها عملًا، ولا باعها، أنها ترد إلى المسروق منه" (¬4). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع الفقهاء على أن السرقة إذا وجدها صاحبها بعينها بيد السارق قبل أن يقطع، أو بعد ذلك كله أخَذَها، وأنها ماله، لا يزيل ملكها عنه قَطْعُ يد السارق" (¬5). ¬
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ) (¬1): "أجمعوا على أخذه منه إذا وجد بعينه" (¬2) ونقله عنه ابن المواق (¬3) (¬4). وقال الرازي (606 هـ): "لو كان المسروق باقيًا وجب ردُّه بالإجماع" (¬5). وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا يختلف أهل العلم في وجوب رد العين المسروقة على مالكها إذا كانت باقية" (¬6). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ) (¬7): "لا يختلف أهل العلم في وجوب رد العين على مالكها إن كانت باقية" (¬8). وقال ابن القطان (628): "أجمعوا على أن السارق إذا وجب قطع يده فقطعت ووجد المتاع بيعنه عنده أن ذلك ¬
يجب على السارق للمسروق منه" (¬1) وقال ابن هبيرة (650 هـ): "اتفقوا على أنه إذا كانت العين المسروقة قائمة فإنه يجب ردها" (¬2) ونقله عنه ابن قاسم (¬3). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا يختلف أهل العلم في وجوب رد العين المسروقة على مالكها إذا كانت باقية" (¬4). وقال ابن القيم (751 هـ): "وأجمعوا على أن من شرط صحة توبته أداؤها إليه إذا كانت موجودة بعينها" (¬5). وقال ابن الهمام (861 هـ): "ولا خلاف إن كان -أي المسروق- باقيًا أنه يرد على المالك، وكذا لو باعه أو وهبه" (¬6) ونقله عنه الزيلعي (¬7). وقال ابن مفلح (884 هـ): "ترد العين المسروقة إلى مالكها بغير خلاف نعلمه إن كانت باقية" (¬8). وقال ابن ميارة (1072 هـ) (¬9): "أجمع أهل العلم على أن السلعة المسروقة إذا وجدت بعينها قائمة بيد السارق أنها ترد إلى صاحبها بإجماع" (¬10). ¬
وقال الخرشي (1101 هـ) (¬1): "إذا كان قائمًا بعينه وجب رده بإجماع" (¬2). وقال علي العدوي (1189 هـ) (¬3): "إذا كان قائمًا بعينه وجب رده بإجماع" (¬4). وقال الدسوقي (1230 هـ) (¬5): "المسروق إن كان موجودًا بعينه وجب رده لربه إجماعًا" (¬6). وقال المطيعي (1404 هـ) (¬7): "أجمعوا على أخذه منه إذا ¬
وجد بعينه" (¬1). • مستند الإجماع: من الأدلة على رد العين المسروقة إلى صاحبها إذا وجدها بعينها: 1 - عن سمرة بن جندب (¬2) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به) (¬3). ¬
[7/ 1] المسألة السابعة: السارق ضامن للمال إن سقط القطع، وبعد القطع يرد الباقي.
2 - عن سمرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إذا سُرق من الرجل متاع، أو ضاع له متاع، فوجده بيد رجل بعينه، فهو أحق به، وبرجع المشترى على البائع بالثمن) (¬1). 3 - من النظر: يمكن أن يستدل له بأن المال المسروق لم يخرج عن ملك صاحبه بالسرقة، فوجب رده إليه.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [7/ 1] المسألة السابعة: السارق ضامن للمال إن سقط القطع، وبعد القطع يرد الباقي. • المراد بالمسألة: لو سرق شخص من آخر عينًا، ثم تلفت العين, أو بعضها فعلى حالين: الأولى: إن لم تقطع يد السارق لمانع ما، كان رجع السارق عن إقراره، أو كان المال لم يبلغ نصابًا، أو لم يخرج من حرز، أو ما أشبه ذلك مما يمنع القطع، فإن السارق يضمن ما سرقه، سواء ما تلف منه وما لم يتلف. الثانية: إن قطعت يد السارق، وكان بقي من العين التي قطع بسببها شيء فإنه يجب عليه رد ما بقي بعينه. ويتبين مما سبق أنه لو تلفت العين، أو تلف بعضها، ثم قطعت يد السارق بسبب العين المسروقة، فضمان ما تلف مسألة خلاف بين أهل العلم، وليست هي من مسألة الباب. • من نقل الإجماع: أما الحال الأولى: فقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع العلماء على أن كل سرقة لا قطع فيها فالغرم واجب على من سرقها موسرًا كان أو معسرًا" (¬2). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفقوا على أن الواجب فيه ¬
القطع من حيث هي جناية، والغرم إذا لم يجب القطع" (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (676 هـ): "لو سرق سرقة ثم سقط عنه القطع لم يسقط عنه الغرم بإجماع المسلمين" (¬2). وقال المطيعي (1404 هـ): "اتفقوا على أنه إذا ثبتت أركان الجريمة فقد وجب القطع، والغرم إذا لم يجب القطع" (¬3). وأما الحال الثانية: فقال ابن عبد البر (463 هـ): "قد أجمعوا أنه لو وجده ربه بيد السارق أخذه، وإن قطعت يده به، وكذلك إذا استهلكه يغرمه في حال اليسر والعسر؛ كسائر المستهلكات من أموال المسلمين" (¬4). وقال ابن المرتضى (840 هـ) (¬5): "السارق ضامن قبل القطع إجماعًا، وبعده يرد الباقي إجماعًا" (¬6) وقال ابن الهمام (861 هـ): "لا خلاف إن كان -أي المسروق- باقيًا أنه يرد على المالك. . . وهذا كله بعد القطع" (¬7). • مستند الإجماع: التحقيق أن المسألة على وجهين: فالوجه الأول: أن من سرق وأتلف المسروق أو تلف، ولم تقطع يده فإن السارق يضمن ما سرق. ¬
والوجه الثاني: إن قطعت اليد وبقي شيء من العين، فهنا عليه رد ما بقي. ودليلهما من الأثر والنظر ما يلي: 1 - ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه (¬1) من رواية الحسن عن سمرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (على اليد ما أخذت حتى تودي) (¬2). 2 - أن ملك المسروق لا يزول عن صاحبه الأصلي بالسرقة، فيجب إرجاع المسروق إليه لأنه المالك له. • المخالفون للإجماع: خالف بعض الشافعية في قول لهم في المسألة فقالوا: السرقة إن ثبتت بإقرار السارق، ثم رجع عن إقراره فإن الحد يسقط مع المال المسروق الذي أقر به (¬3).Rالمسألة على شقين: الأولى: من قُطعت يده وبقي عنده شيء من ¬
[8/ 1] المسألة الثامنة: يجوز تغريم السارق زيادة عن قيمة المال المسروق إذا تلف بسببه.
العين المسروقة، فهنا عليه رد ما بقي بإجماع أهل العلم؛ لعدم المخالف. الثانية: من سقط عنه القطع، فهنا عليه رد العين المسروقة أو ضمانها إن كانت تالفة بإجماع أهل العلم؛ لعدم المخالف، إلا في صورة واحدة، وهي من ثبتت سرقته بإقراره ثم سقط عنه الحد بموجب رجوعه عن إقراره، فهنا ضمان العين المسروقة مع سقوط الحد ليست محل إجماع محقق لوجود الخلاف عن بعض الشافعية. [8/ 1] المسألة الثامنة: يجوز تغريم السارق زيادة عن قيمة المال المسروق إذا تلف بسببه. • المراد بالمسألة: لو سرق شخص مالًا أو عينًا، فإن للإمام أن يلزم السارق برد قيمة ما سرق وزيادة معه، كأن يلزمه برد ضعفي ما سرق، أو نحو ذلك. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قد حكم بها -الزيادة- بحضرة الصحابة رضي اللَّه عنهم، ولا يعرف منهم له مخالف، ولا يدرى منهم عليه منكر، فأضعف قيمة الناقة المنتحرة للمزني على رقيق حاطب التي سرقوها وانتحروها" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - عن عمرو بن شعيب (¬2) عن أبيه (¬3). . . ¬
عن جده (¬1) عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة (¬2) فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين (¬3) فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (¬4). ¬
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أوجب غرامة مثلي ما أخذ، فدل على جواز مثل ذلك. 2 - ما أخرجه مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن حاطب (¬1): "أن رقيقًا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمر عمر كثير بن الصلت (¬2) أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر: "أراك تجيعهم"، ثم قال عمر: "واللَّه لأغرمنك غرمًا يشق عليك"، ثم قال للمزني (¬3): "كم ثمن ناقتك" فقال المزني: قد كنت واللَّه أمنعها من أربع ¬
مائة درهم، فقال عمر: "أعطه ثمان مائة درهم" (¬1). • وجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- أوجب على حاطب مثلي قيمة الناقة المسروقة، عقوبة له، حيث كان قيمتها أربعمائة درهم، فغرمه عمر -رضي اللَّه عنه- ثمانمائة درهم، فدل على جواز مثل ذلك. • المخالفون للإجماع: القول بتغريم السارق زيادة على قيمة المال المسروق هو قول الإمام أحمد (¬2)، وأما جمهور أهل العلم فعلى خلاف مسألة الباب، وأنه لا يغرم إلا ما سرق (¬3)، حتى قال ابن عبد البر: "في هذا الحديث كلمة منسوخة وهي قوله: (وغرامة مثليه) لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بها، إلا ما جاء عن عمر رضي اللَّه عنه في رقيق حاطب بن أبي بلتعة، حين انتحروا ناقة رجل من مزينة، ورواية عن أحمد بن حنبل، ومحمل هذا عندنا على العقوبة والتشديد، والذي عليه الناس العقوبة في الغرم بالمثل" (¬4). • دليل المخالف: استدل ابن عبد البر على عدم الزيادة على قيمة المسروق بما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (¬5). 2 - قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (¬6). ¬
[9/ 1] المسألة التاسعة: إذا سرق العبد الآبق فيجب عليه القطع.
• وجه الدلالة من الآيتين: أن اللَّه تعالى شرع لمن أراد الانتقام لحقه المساواة دون تعدٍ وزيادة (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم؛ لما سبق من ذكر خلاف الجمهور. [9/ 1] المسألة التاسعة: إذا سرق العبد الآبق فيجب عليه القطع. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف العبد لغة واصطلاحًا: العبد لغة: قال ابن فارس: "العين والباء والدال أصلانِ صحيحان، كأنَّهما متضادَّان، والأول من ذينك الأصلينِ يدلُّ على لِين وذُلّ، والآخر على شِدّة وغِلَظ. وقال ابن منظور: "العبد الإِنسان حرًّا كان أَو رقيقًا، يُذْهَبُ بذلك إِلى أَنه مربوب لباريه جل وعز. . . والعَبْدُ المملوك خلاف الحرّ" (¬2). • العبد اصطلاحًا: العبد: هو الرقيق المملوك لغيره. والرِّق: هو عجز حكمي شُرع في الأصل جزاء عن الكفر (¬3). وبيان ذلك: أما أنه عجز: فلأنه لا يملك ما يملكه الحر من الشهادة، والقضاء، وغيرهما. وأما أنه حكمي: فلأن العبد قد يكون أقوى في الأعمال الحسيَّة من الحر. أما كونه جزاء عن الكفر: فلأن أساس موجبه أن يُسبى الشخص -ذكرًا أو أنثى- وهو كافر (¬4). ويسمى بالرقيق، والقِن، والمملوك. ¬
• ثانيًا: تعريف الآبق: الآبق: قال الخليل: "الإِباق: ذهابُ العَبْد من غَيْر خَوْفٍ ولا كَدّ عَمَلٍ، والحكْمُ فيه أن يُرد، فإذا كان من كدِّ عَمَلٍ، أو خوفٍ، لم يُرَد" (¬1). فيتحصل مما سبق أن العبد الآبق هو المملوك الذي هرب من سيده. • ثالثًا: صورة المسألة: إذا أبق عبد من سيده، وفي إباقه سرق من سيده أو من غيره ما يجب فيه الحد، فإنه يقطع. ويتحصل مما سبق أن العبد إن لم يكن آبقًا، أو كان آبقًا لكن سرقته كانت قبل إباقه، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "قال مالك: وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا: أن العبد الآبق إذا سرق ما يجب فيه القطع قُطع. قال أبو عمر: على هذا قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأصحابهم، والثوري، والأوزاعي، والليث (¬2)، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وداود، وجمهور أهل العلم اليوم بالأمصار، وإنما وقع الاختلاف فيه قديمًا، ثم انعقد الإجماع بعد ذلك" (¬3). وقال ابن رشد (595 هـ): "وأما السارق الذي يجب عليه حد السرقة فإنهم اتفقوا على أن من شرطه أن يكون مكلفًا، وسواء كان حرًا أو عبدًا، ذكرًا أو أنثى، أو مسلمًا أو ذميًا، إلا ما روي في الصدر الأول من ¬
الخلاف في قطع يد العبد الآبق إذا سرق وروي ذلك عن ابن عباس وعثمان ومروان وعمر بن عبد العزيز ولم يختلف فيه بعد العصر المتقدم" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على قطع السارق من سيده إذا سرق وقت إباقه ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بإقامة حد السرقة على السارق، وليس ثمة ما يدل على أخراج العبد الآبق، فبقي النص على عمومه (¬3). 2 - أنه مروي عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- حيث قال في العبد الآبق يسرق: "يُقطع" (¬4). • المخالفون للإجماع: روي عن جماعة من السلف كعثمان بن عفان، وعائشة، وابن عباس، وسعيد بن العاص رضي اللَّه عنهم، ومروان بن الحكم، وداود الظاهري، أن العبد الآبق إن سرق من سيده فإنه لا قطع (¬5). • دليل المخالف: من أدلة القائلين بعدم قطع السارق الآبق إذا سرق من سيده: 1 - عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ليس على العبد الآبق إذا سرق قطْع، ولا على الذمي) (¬6). ¬
[10/ 1] المسألة العاشرة: السارق إذا مات من قطع يده فلا شيء على الذي قطعها.
2 - من النظر: أن العبد غير الآبق كما أنه لا يقطع بموجب ما سرقه من مال سيده، فكذا العبد السابق (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة كانت محل خلاف بين أهل العلم، ثم بعد ذلك انعقد الإجماع (¬2). [10/ 1] المسألة العاشرة: السارق إذا مات مِنْ قَطْع يدِهِ فلا شيء على الذي قطعها. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع بإقرار أو بينة، وأمر الحاكمُ بقطع يد السارق، فقطع المأمور يد السارق كما أمره الشرع بلا زيادة، ولا نقص، ولا تفريط، ومات السارق بسبب القطع، فإنه لا ضمان على القاطع ولا على الحاكم الذي أمر بالقطع. ويتبين مما سبق أنه لو قطعت يد السارق، على غير أمر الشارع، كأن بدأ بيده اليسرى، أو كان على أمر الشارع لكنه زاد في الحد، فكل هذا ليس من مسألة الباب. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا على أن السارق لو مات من قطع يده أنه لا شيء فيه" (¬1). وقال الطحاوي (321 هـ): "اتفاقهم في المقطوع في السرقة مات أنه لا شيء فيه؛ لأنه قطع بحق" (¬2). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن الإمام إذا قطع السارق فسرى ذلك إلى نفسه أنه لا ضمان عليه" (¬3). وقال الكاساني (587 هـ): "لو قطع الإمام يد السارق فمات منه لا ضمان على الإمام ولا على بيت المال، وكذلك الفصَّاد، والبزَّاغ (¬4)، والحجَّام، إذا سرت جراحاتهم لا ضمان عليهم بالإجماع" (¬5). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "إجماعهم على أن السارق إذا مات من قطع يده أنه لا شيء على الذي قطع يده" (¬6). وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في سائر الحدود، أنه إذا أتي بها على الوجه المشروع، من غير زيادة، أنه لا يضمن مَن تَلِف بها" (¬7) ونقله عنه ابن قاسم (¬8). وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمعوا أن السارق لو مات من قطع يده أنه لا شيء فيه" (¬9). وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على أن من وجب عليه الحد فجلده الإمام أو جلاده الحد الشرعي فمات فلا دية فيه ولا كفارة لا على الإمام ولا على جلاده ولا في بيت المال" (¬10) ونقله عنه الصنعاني (¬11). وقال شمس ¬
الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في سائر الحدود أنه إذا أتي بها على الوجه المشروع من غير زيادة أنه لا يضمن من تلف بها" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: "ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر؛ فإنه لو مات وديته؛ وذلك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يسنَّه" (¬2). وفي رواية للبيهقي (¬3) بلفظ: "ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئًا؛ الحق قتله" (¬4). 2 - من النظر: أن قطع يد السارق مأمور به شرعًا، والحاكم فعل ما أذن له الشرع، وقد تقرر عند الفقهاء قاعدة أن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون (¬5). • المخالفون للإجماع: ثمة رواية عن أبي حنيفة حاصلها وجوب الضمان ¬
[11/ 1] المسألة الحادية عشرة: عدم قتل السارق إذا تكررت سرقته.
على الإمام إن مات السارق بسبب قطع يده (¬1)، وهو قول ابن أبي ليلى (¬2). ولذا لما نقل الشوكاني كلام النووي في الإجماع تعقبه بقوله: "فيه نظر؛ فإنه قد قال أبو حنيفة وابن أبي ليلى: إنها تجب الدية على العاقلة" (¬3). • دليل المخالف: علل الكاساني لقول أبي حنفية بأن الإمام استوفى غير حقه؛ لأن حقه في القطع، وهو أتى بالقتل، فيضمن، وكان القياس أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة فتجب الدية (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف أبي ليلى، ورواية عن أبي حنيفة. [11/ 1] المسألة الحادية عشرة: عدم قتل السارق إذا تكررت سرقته. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد فقُطعت يده، ثم سرق أخرى فقُطع، ثم ثالثة، ورابعة، فقُطعت جميع أطرافه الأربع، فهل يُقتل فيما لو سرق في المرة الخامسة، أم لا. • من نقل الإجماع: قال الخطابي (388 هـ): "لا أعلم أحدًا من الفقهاء يبيح دم السارق وإن تكررت منه السرقة" (¬5)، ونقله عنه أبو الطيب (¬6) (¬7)، ¬
والقاري (¬1) (¬2). وقال الماوردي (450 هـ): "الصحابة بعده -أي بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجمعوا على ترك القتل -أي في الخامسة-" (¬3)، ونقل ابن العربي (543 هـ) الاتفاق عن بعضهم (¬4). وحكى المنذري (656 هـ) (¬5) الإجماع، نقله عنه ابن حجر (¬6) ونقل الزيلعي (743 هـ) الإجماع فقال: "قال في المبسوط: "يقتل في الخامسة عند أصحاب الظواهر" قلت: "لا يلتفت إليه لكونه خرقًا للإجماع"" (¬7). وأشار إليه ابن رجب (795 هـ) (¬8) فقال: "واعلم أن من هذه الأحاديث ¬
المذكورة ما لا يصحُّ ولا يُعرف به قائلٌ معتبر، كحديث: "مَنْ ضرب أباه فاقتلوه"، وحديث: "قتل السارق في المرة الخامسة"" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب جميع الأحاديث الدالة على حرمة دم المسلم، ومنها: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} (¬2). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا: يا رسول اللَّه، وما هن؟ قال: (الشرك باللَّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) (¬3). 3 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- (¬4) قال: سُئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الكبائر، قال: (الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور) (¬5). 4 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة) (¬6). ¬
• وجه الدلالة: في النصوص السابقة دلالة على تحريم قتل النفس المعصومة بغير حق، ولم يأت نص شرعي صحيح صريح في إباحة دم السارق، فبقي على الأصل. 5 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في السارق: (إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله) (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن حكم السارق فيما لو سرق أربع مرات، ولو وجب القتل في الخامسة لبيَّنه عليه الصلاة والسلام (¬2). 6 - أن كل معصية لا توجب القتل في الابتداء فإنه لا يوجب تكرارها القتْل حدًا، كالزنا والقذف (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة من أهل العلم إلى خلاف مسألة الباب، فذهب أبو مصعب المالكي (¬4) إلى أن المسارق يقتل في الخامسة، ونقله أبو مصحب عن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، وعمر بن ¬
عبد العزيز (¬1)، ومالك، وجماعة من أهل المدينة (¬2). وهو محكي أيضًا عن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه (¬3)، وعطاء (¬4). • دليل المخالف: استدل القائلون بقتل السارق في الخامسة بما يلي: 1 - عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: جيء بسارق إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (اقتلوه)، فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق، فقال: (اقطعوه)، قال: فقطع ثم جيء به الثانية فقال: (اقتلوه)، فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق، فقال: (اقطعوه)، قال: فقطع ثم جيء به الثالثة فقال: (اقتلوه)، فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق، فقال: (اقطعوه)، ثم أتي به الرابعة فقال: (اقتلوه)، فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق، فقال: (اقطعوه)، فأتى به الخامسة فقال: (اقتلوه) (¬5). ¬
2 - عن عبد اللَّه بن زيد الجهني -رضي اللَّه عنه- (¬1) أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من سرق متاعًا فاقطعوا يده، فإن سرق فاقطعوا رجله، فإن سرق فاقطعوا يده، فإن سرق فاقطعوا رجله، فإن سرق فاضربوا عنقه) (¬2). • وجه الدلالة: الحديثان صريحان بقتل السارق في المرة الخامسة. وثمة تنبيهات ثلاثة أبينها قبل ذكر نتيجة البحث في المسألة: الأول: نقل بعض أهل العلم عن الشافعي أنه لا يعلم خلافًا في أن حديث قتل السارق في الخامسة منسوخ (¬3)، والتحقيق أن الشافعي وإن كان يقول بأن حديث قتل السارق منسوخ، لكن ذكره لعدم الخلاف في المسألة لم يكن في حق السارق، وإنما هو في شارب الخمر، ونص الشافعي في الأم قال: "أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب يرفعه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: " (إن شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه)، فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به الثانية فجلده، ثم أتي به الثالثة فجلده، ثم أتي به الرابعة فجلده، ووضع القتل، فكانت رخصة". . . قال الشافعي: والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره وهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم علمته" (¬4). فلعل من نقل كلام الشافعي في حق السارق، حمل الحرف على العموم، وهذا ¬
وإن كان له حظه من النظر، لكني لم أذكره لعدم الصراحة فيه، واللَّه تعالى أعلم. الثاني: ذكر ابن مفلح (¬1) في كتابه "الفروع" (¬2) أن القول بقتل السارق في الخامسة هو قياس قول شيخ الإسلام ابن تيمية في قتل شارب الخمر في الخامسة، إذا لم ينته إلا بالقتل، لكن التحقيق في المسألة أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يوافق أبا مصعب، ويخالف ما عليه عامة أهل العلم، فإن رأي شيخ الإسلام بقتل السارق ليس من باب كونه حدًا على السارق أن يقتل في الخامسة، وإنما هو من باب السياسة الشرعية على وجه التعزير الذي مردُّه إلى الإمام حيث يرى المصلحة في ذلك، وهذا كما تعلم باب واسع، وذهب إليه طائفة من أهل العلم (¬3)، وهو خارج عن مسألة الباب. الثالث: ذكَر ابن حزم في "المحلى" أن القول بقتل السارق لكونه مرتدًا لا يقول به أحد من أهل العلم، ومعلوم أن ما قاله ابن حزم حق، فإن الإجماع قائم عند أهل السنة أن السارق لا يقتل لكونه مرتدًا، لكنا لم نذكره لأنه ليس من مسألة الباب، فإن مسألة الباب هي في قتل السارق في الخامسة من باب الحد، وليس من باب كونه مرتدًا، واللَّه تعالى أعلم (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل ¬
[12/ 1] المسألة الثانية عشرة: السارق إذا دخل البيت ولم يخرج بالمتاع لا يقطع.
العلم، وأن أكثر أهل العلم على أن السارق لا يقتل من باب الحد، لكن ليس ذلك محل إجماع متحقق، ولذا لمَّا ذكر ابن عبد البر المسألة وخلاف أبي مصعب فيها, لم يجعل المسألة إجماعًا، وإنما نسبها للجمهور، فقال بعد قوله بعدم القتل: "وعلى هذا جمهور أهل العلم" (¬1). واعتذر ابن حجر عمن نقل الإجماع بأن مرداهم أنه قد استقر الإجماع بعد ذلك على عدم القتل، وهذا التوجيه حسن؛ إذ هو أولى من تجهيل الأئمة، واللَّه تعالى أعلم. [12/ 1] المسألة الثانية عشرة: السارق إذا دخل البيت ولم يخرج بالمتاع لا يُقطع. • المراد بالمسألة: لو أن شخصًا دخل دار شخص آخر، وجمع متاعًا، ثم قُبض عليه قبل أن يُخرِج المتاع من الدار، فهنا لا حد عليه، لكن للإمام أن يعزره. ويتبين من ذلك أنه لو أخرج المتاع من الحرز، فهذه مسألة أخرى غير مسألة الباب، وإنما المراد هنا جمع المال في الحرز قبل إخراجه. • من نقل الإجماع: هذه المسألة مبنية على مسألة اشتراط الحرز في السرقة، فمن اشترط إخراج المسروق من الحرز لإقامة حد السرقة، لم يقل بالقطع في مسألة الباب، وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على أنه يشترط لإقامة حد القطع أن يكون المسروق محروزًا. قال ابن هبيرة (560 هـ): "أجمعوا على أن الحرز معتبر في وجوب القطع" (¬2). فهذا نص في اشتراط الحرز على العموم، ونص جماعة على الإجماع في عين مسألة الباب: ¬
قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن القطع يجب على من سرق ما يجب فيه القطع من الحرز، وانفرد الحسن البصري فقال فيمن جمع المتاع في البيت عليه القطع، ورواية أخرى مثل قول الجميع" (¬1). وقال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "اتفق فقهاء الأمصار على أن القطع غير واجب إلا أن يفرق بين المتاع وبين حرزه، والدار كلها حرز واحد، فكما لم يخرجه من الدار لم يجب القطع" (¬2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "قال مالك: "الأمر المجتمع عليه عندنا في السارق يوجد في البيت قد جمع المتاع لم يخرج به، أنه ليس عليه قطع". . . هذا مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف، وبه قال أئمة الفتوى بالأمصار وأصحابهم إلى اليوم وذلك دليل على مراعاتهم الحرز أنه لا قطع إلا على من سرق من حرز، والخلاف في هذا شذوذ لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه" (¬3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "هذا قول أكثر أهل العلم، وهذا مذهب عطاء، والشعبي (¬4)، وأبي الأسود الدؤلي (¬5)، وعمر بن عبد العزيز، ¬
والزهري (¬1)، وعمرو بن دينار (¬2)، والثوري (¬3)، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن أحد من أهل العلم خلافهم، إلا قولًا حكي عن عائشة، والحسن، والنخعي (¬4)، فيمن جمع المتاع ولم يخرج به من الحرز عليه القطع، وعن الحسن مثل قول الجماعة، وحكي عن داود أنه لا يعتبر الحرز" ثم رد عليهم ابن قدامة بأن قولهم مخالف للإجماع (¬5). ¬
وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "الشرط الرابع: أن يخرجه من الحرز، كل أهل العلم على اشتراطه، ولا نعلم عن أحد خلافهم" (¬1). وقال القرطبي (671 هـ): "اتفق جمهور الناس على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج من حرز ما يجب فيه القطع، وقال الحسن بن أبي الحسن: إذا جمع الثياب في البيت قطع، وقال الحسن بن أبي الحسن أيضًا في قول آخر: مثل قول سائر أهل العلم، فصار اتفاقًا صحيحًا" (¬2). وحكاه النووي (676 هـ) إجماعًا (¬3). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) في سياق شروط قطع السارق: "الرابع: أن يخرجه من الحرز، يشترط أن يسرق من حرز ويخرجه منه وهذا قول أكثر أهل العلم منهم عطاء، والشعبي، وأبو الأسود الدؤلي، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وعمرو بن دينار، والثوري، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن أحد من أهل العلم خلافهم، إلا قولًا حكي عن عائشة، والحسن، والنخعي، فيمن جمع المتاع فلم يخرج به من الحرز عليه القطع، وعن الحسن مثل قول الجماعة، وحكي عن داود أنه لا يعتبر الحرز؛ لأن الآية لا تفصيل فيها، وهذه أقوال شاذة غير ثابتة عمن نقلت عنه، قال ابن المنذر: ليس في خبر ثابت ولا مقال لأهل العلم إلا ما ذكرناه، فهو كالإجماع" (¬4). وقال ابن الهمام (861 هـ): "الإخراج من الحرز شرط عند عامة أهل العلم، وعن عائشة، والحسن، والنخعي، أن من جمع المال في الحرز قطع، وإن لم يخرج به، وعن الحسن مثل قول الجماعة، وعن داود لا يعتبر الحرز أصلًا، وهذه الأقوال غير ثابتة عمن نقلت عنه، ولا مقال لأهل العلم إلا ما ذكرنا، فهو كالإجماع" (¬5) ونقله عنه ابن نجيم (¬6). ¬
وقال الجزيري (1360 هـ): "اتفق الأئمة على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج من حرز ما يجب فيه القطع من المال، فإذا جمع الثياب في البيت ثم ضبط قبل أن يحملها فلا قطع عليه" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (¬2). وفي رواية أخرى للنسائي: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل في كم تقطع اليد؟ قال: (لا تقطع اليد في ثمر معلق، فهذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن، ولا تقطع في حريسة الجبل (¬3)، فإذا آوى المراح قطعت في ثمن المجن) (¬4). • وجه الدلالة: أن الشارع جعل من شرط القطع أن يكون المال مُحرزًا، وذلك يدل على أن من شرط القطع هتك الحرز وإخراج المتاع منه (¬5). 2 - من النظر: أن من لم يُخرِج من الحرز لا يعد سارقًا حقيقة، وإنما هو كمن وضع بين يديه خمرًا ليشربها, ولم يفعل، أو كرجل جلس بين يدي امرأة ¬
يريد أن يصيبها، ثم لم يفعل، فليس على أحد من هؤلاء حد، والمقصود بالسرقة هو إخراج المال، لا هتك الحرز، فإذا لم يتحقق المقصود فلا يُعد الشخص سارقًا حقيقة (¬1). • المخالفون للإجماع: المتأمل في كلام ابن عبد البر، وابن قدامة وغيرهم يلحظ أن ثمة مخالفًا في المسألة. والمخالف في مسألة اشتراط الحزر لوجوب القطع هم الظاهرية (¬2)، حيث ذهبوا إلى وجوب القطع في مسألة الباب بناءً على أن الحرز غير شرط في القطع، فلو أخذ المتاع ثم قبض قبل أن يُخرجه من الدار وجب عليه الحد، ونقله ابن حزم عن عائشة رضي اللَّه عنها، والنخعي، وسعيد بن المسيب (¬3)، وعبيدالله بن عبد اللَّه بن عتبة (¬4)، والحسن البصري (¬5). • دليل المخالف: علل ابن حزم لمسألة الباب بأنه ليس من شرط القطع في السرقة أن يأخذه من حرز.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع متحقق بين ¬
[13/ 1] المسألة الثالثة عشرة: من سرق شيئا فإنه لا يلزم برد مثليه.
أهل العلم، وإنما هي قول عامة أهل العلم. ونظرُ أهل العلم في المخالفين للمسالة أنهم على ثلاثة أوجه: الأول: جماعة من أهل العلم كابن المنذر وابن عبد البر وابن قدامة وغيرهم جعلوا قول المخالف في المسألة من قبيل الشاذ الذي لا عبرة به. الثاني: من أهل العلم من جعل ما نُقل عن بعض السلف في الخلاف غير ثابت عنهم أصلًا، فليس ثمة خلاف إلا من الظاهرية، ونَسَبَ قول الظاهرية للشذوذ المخالف للإجماع. الثالث: جماعة من أهل العلم اعتبروا المخالف في المسألة وجعلوا اشتراط الحرز هو قول الجمهور، وليس محل إجماع، كما فعله ابن حجر حيث قال: "والسرقة: الأخذ خفية، وعرفت في الشرع: بأخذ شيء خفية، ليس للآخذ أخذه، ومن اشترط الحرز -وهم الجمهور- زاد فيه من حرز مثله" (¬1). وكذا فعله ابن عبد البر في بعض المواضع حيث قال: "وجمهور أهل العلم على أن السارق لا قطع عليه إلا أن يسرق شيئًا محروزًا يخرجه من حرزه، وعلى ذلك جماعة الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار" (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. [13/ 1] المسألة الثالثة عشرة: من سرق شيئًا فإنه لا يُلزَم برد مثليه. • المراد بالمسألة: من سرق شيئًا معينًا، فإن الواجب عليه رد ما سرقه أو مثله، ولا يلزمه رد مثليه مرتين. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع فقهاء الأمصار على أن لا تضعيف في شيء من الغرامات" (¬3). ¬
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن الأصل براءة ذمة الإنسان، وتكليفه رد ما أخذه، أما تضعيف الغرامة عليه فأمر زائد يحتاج إلى دليل شرعي، وليس ثمة دليل يوجب ذلك. • المخالفون للإجماع: خالف الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه فذهبوا إلى أن من سرق الثمر المعلق وخرج به من مكانه، فإن عليه غرامة مثليه، وبه قال الشافعي في القديم، ثم رجع عنه إلى قول الجمهور (¬1). • دليل المخالف: استدل القائلون بأن من سرق من الثمر المعلق فعليه غرامة مثلي ما سرق بما يلي: 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذٍ خِبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (¬2). • وجه الدلالة: الحديث صريح في وجوب رد مثلي ما سرق، قال الإمام أحمد عن الحديث: "لا أعلم سببًا يدفعه" (¬3). 2 - ما أخرجه مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقًا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر: "أراك تجيعهم"، ثم قال عمر: "واللَّه لأغرمنك غرمًا يشق عليك" ثم قال للمزني: "كم ثمن ¬
[14/ 1] المسألة الرابعة عشرة: إن فعل السارق سرقته مستخفيا عن كل من حضر فهو سارق وعليه القطع.
ناقتك" فقال المزني: قد كنت واللَّه أمنعها من أربع مائة درهم، فقال عمر: "أعطه ثمان مائة درهم"، وترك عمر قطع العبيد (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لما سبق من خلاف الإمام أحمد وإسحاق [14/ 1] المسألة الرابعة عشرة: إنْ فَعل السارق سرقته مستخفيًا عن كل من حضر فهو سارق وعليه القطع. • المراد بالمسألة: لو أن شخصًا وجد العين فأخذها مستخفيًا عن الناس لا يراه أحد، وتوافرت فيه شروط القطع الباقية، فهنا يجب عليه القطع. ويخرج من هذه الصورة ما لو أخذ العين بطريق الغصب، أو الاختطاف والهروب، أو بطريق استغفال الغير، أو الخدعة، أو أخذها بطريق الأمانة أو العارية ثم جحدها، أو نحو ذلك، فهذه ليست من مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "القول في المختلس لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون اختلس جهارًا غير مستخف من الناس، فهذا لا خلاف فيه أنه ليس سارقًا، ولا قطع عليه، أو يكون فعل ذلك مستخفيًا عن كل من حضر، فهذا لا خلاف بيننا وبين الحاضرين من خصومنا في أنه سارق، وأن عليه القطع" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على المسألة قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب القطع على السارق، والسرقة في لغة العرب هو ما تحقق فيه الاختفاء، كما قال ابن منظور: "السارق عند العرب من جاء مستترًا إلى حرز، فأخذ منه ما ليس له، فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس، ¬
[15/ 1] المسألة الخامسة عشرة: حد السرقة لا يقبل الفداء.
ومستلب، ومنتهب، ومحترس، فإن منع مما في يديه فهو غاصب" (¬1). بل حكاه ابن حزم إجماعًا فقال: "أما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له" (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، وسيأتي مزيد توضيح للمسألة في الكلام على المنتهب، والمختلس، إن شاء اللَّه تعالى. [15/ 1] المسألة الخامسة عشرة: حد السرقة لا يقبل الفداء. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الفداء: قال الجرجاني: "الفداء: البدل الذي يتخلص به المكلف عن مكروه توجه إليه" (¬3). ثانيًا: صورة المسألة: إذا ثبتت السرقة عند الإمام على شخص بما يوجب القطع، فأراد أن يفتدي بمبلغ من المال أو غيره، لأجل ترك قطع يده، أو يقيم غيره مكانه لتقطع يده دونه، فهنا لا يقبل منه الفداء. ويتبين مما سبق أن الفداء إن كان قبل بلوغ الأمر للحاكم فمسألة أخرى ليست مرادة في الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "قد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ، أو غيره لا يجوز، وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني، والسارق والشارب، والمحارب، وقاطع الطريق ونحو ذلك لتعطيل ¬
الحد، مال سحت خبيث" (¬1)، وهذا الكلام من ابن تيمية وإن لم يكن فيه التصريح بالفداء، إلا أنه عام لكل مال مأخوذ لإسقاط الحد سواء كان عن طريق الفداء، أو غيره. وقال ابن حجر (852 هـ): "الحد لا يقبل الفداء وهو مجمع عليه في الزنا والسرقة والحرابة وشرب المسكر" (¬2). ولهذا السبب منع أهل العلم الكفالة في الحدود، كما نقله ابن المنذر إجماعًا حيث قال: "أجمعوا على أنه لا يجوز الكفالة في الحدود" (¬3)؛ وذلك لأن الحدود لا تستوفى من الكفيل عند تعذر إقامتها على المكفول، وإن كان ما نقله ابن المنذر ليس محل إجماع متحقق، فقد أجاز الكفالة في الحدود طائفة، كأبي يوسف (¬4) ومحمد (¬5) صاحبي أبي حنيفة (¬6)، لكن محل الجواز هو في كونه ¬
[16/ 1] المسألة السادسة عشرة: من سرق فأقيم عليه الحد، ثم تاب وأصلح، فإنه تقبل شهادته.
ضامن له بإحضار المكفول، لا أنه يتحمل عنه عقوبته، قال القرطبي: "إذ الحمالة في الحدود ونحوها -بمعنى إحضار المضمون فقط- جائزة مع التراضي، غير لازمة إذا أبي الطالب، وأما الحمالة في مثل هذا على أن يلزم الحميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة، فلا يجوز إجماعًا" (¬1)، وذكر ابن حجر في الفتح نحوًا من كلام القرطبي (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬3). • وجه الدلالة: أن قطع السارق حد، والحدود إذا ثبتت عند الحاكم بما يوجب القطع وجب إقامتها وحرم إسقاطها بشفاعة أو فداء أو غيره، كما سيأتي بيان أدلته قريبًا (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [16/ 1] المسألة السادسة عشرة: من سرق فأقيم عليه الحد، ثم تاب وأصلح، فإنه تقبل شهادته. • صورة المسألة: إذا سرق شخص ما يوجب الحد، وأقيم عليه الحد، ثم تاب من السرقة وأصلح العمل، فإنه يكون عدلًا مقبول الشهادة. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ). "أجمعوا على أنه من أتى حدًا من الحدود فأقيم عليه ثم تاب وأصلح أن شهادته مقبولة إلا القاذف" (¬5) وقال ابن حجر (852 هـ): "نقل الطحاوي الإجماع على قبول شهادة ¬
السارق إذا تاب" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- (¬2) قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مجلس فقال: (تبايعوني على أن لا تشركوا باللَّه شيئًا، ولا تزنوا, ولا تسرقوا, ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على اللَّه، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره اللَّه عليه فأمره إلى اللَّه، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه) (¬3). • وجه الدلالة: في الحديث أن الحدود كفارة لأهلها، فمن أقيم عليه الحد فقد كُفِّر عنه حدُّه. 2 - عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) (¬4). ¬
[17/ 1] المسألة السابعة عشرة: السارق إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه.
• وجه الدلالة: في الحديث أن التائب من الذنب كمن لم يُذنب، فمن أقيم عليه الحد وتاب من سرقته فإنه يرجع عدلًا تقبل شهادته كمن لم يذنب.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [17/ 1] المسألة السابعة عشرة: السارق إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب إقامة الحد عليه، ورفع أمره إلى الحاكم أو نائبه، وكان ثبوت السرقة بالبينة، وجب إقامة الحد عليه، ولا تجوز الشفاعة في العفو عنه، حتى لو عفى عنه صاحب المال المسروق، ما لم يكن الحاكم الذي رفعت إليه القضية هو صاحب المال المسروق. ويتبين من هذه الصورة أن ثمة أربع صور غير داخلة في مسألة الباب: أحدها: لو كانت السرقة غير موجبة للحد، وإنما الواجب فيها التعزير، فهذه عامة أهل العلم على جواز الشفاعة حينئذ. الثانية: لو كانت السرقة موجبة للحد لكن، لم يرفع الأمر للحاكم أو نائبه، فهذه غير مسألة الباب، وأكثر أهل العلم على جواز الشفاعة حينئذ. الثالثة: لو رفع الأمر إلى الحاكم وكان بإقرار الجاني، لا بالبينة، كما في قصة ماعز والغامدية، فهذه مسألة محل نزاع، وهي غير مرادة في مسألة الباب (¬1). الرابعة: لو كان صاحب المال المسروق هو الحاكم الذي رفعت له القضية. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "عن عمر بن الخطاب قال: "لا عفو عن الحدود، ولا عن شيء منها بعد أن تبلغ الإمام، فإن إقامتها من السنة"، فهذا قول صاحب لا يعرف له مخالف" (¬2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): ¬
"السلطان لا يحل له أن يعطل حدًا من الحدود التي للَّه عز وجل، إقامتها عليه إذا بلغته، كما ليس له أن يتجسس عليها إذا استترت عنه، وبأن الشفاعة في ذوي الحدود حسنة جائزة وإن كانت الحدود فيها واجبة إذا لم تبلغ السلطان، وهذا كله لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء" (¬1) ونقله عنه أبو الطيب (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أجمعوا على أنه إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه" (¬3)، وذكر أبو العباس القرطبي (656 هـ) (¬4): "تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام، فيَحْرُم على الشافع وعلى الْمُشَفَّع، وهذا لا يختلف فيه" (¬5) نقله عنه العراقي (¬6). وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على تحريم الشفاعة في الحد بعد بلوغه إلى الإمام" (¬7) وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "أجمعوا على أنه إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه" (¬8). وقال ابن تيمية (728 هـ): "قد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ، أو غيره لا يجوز، وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني، والسارق والشارب، والمحارب، وقاطع الطريق ونحو ذلك لتعطيل الحد، مال سحت خبيث" (¬9). وقال الشوكاني (1250 هـ): ¬
"العفو بعد الرفع إلى الإمام لا يسقط به الحد، وهو مجمع عليه" (¬1) وقال ابن قاسم (1392 هـ): "أجمعوا على أنه إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه" (¬2). • مستند الإجماع: مما يدل على مسألة الباب: 1 - عن عائشة رضي اللَّه عنها زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتي بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: (أتشفع في حد من حدود اللَّه)؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها" (¬3). 2 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (تعافوا الحدود قبل أن تأتوني به، فما أتاني من حد فقد وجب) (¬4). ¬
3 - عن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (من حالت شفاعته دون حد من حدود اللَّه فقد ضاد اللَّه في أمره) (¬1). 4 - من النظر: أن حد السرقة حق اللَّه تعالى، والإمام مكلف بأخذ حقه تعالى بإقامة الحدود، ولو كان الإمام مخيرًا بإقامة الحد أو تركه بعد بلوغه إليه لكان ذلك سبيل إلى إبطال الحدود جملة. • المخالفون للإجماع: أشار العراقي إلى خلاف الأوزاعي (¬2) في مسألة الباب فقال: "وحكي عن الأوزاعي جواز الشفاعة، والحديث حجة عليه، كذا قال والدي -رحمه اللَّه- في شرح الترمذي، والذي حكاه غيره عن الأوزاعي جواز الشفاعة قبل بلوغ الإمام، كذا حكاه عنه الخطابي" (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، وما حكي عن الأوزاعي من الخلاف ليس بمتحقق؛ حيث حكي عنه موافقة ¬
[18/ 1] المسألة الثامنة عشرة: يقطع المسلم بسرقة مال المسلم والذمي، ويقطع الذمي بسرقة مالهما.
الجمهور، وهو الأولى، ويعضده أن من حكى عنه موافقة الجمهور أكثر كما هو ظاهر كلام العراقي السابق. [18/ 1] المسألة الثامنة عشرة: يقطع المسلم بسرقة مال المسلم والذمي، ويقطع الذمي بسرقة مالهما. • المراد بالمسألة: لو أن مسلمًا سرق مالًا محترمًا شرعًا من مسلم أو ذمي، وثبتت عليه السرقة بما يوجب القطع، فيجب إقامة الحد عليه، وكذا لو سرق الذمي من مسلمٍ، أو من ذمي مالًا محترمًا شرعًا، بما يوجب الحد، وجب القطع، إذا ترافع الذميون إلى شرعنا. ويتبين من هذا أن المسلم أو الذمي لو سرق أحدهما من كافر غير ذمي، كالحربي، فهي غير مسألة الباب، ولو كان ذلك الحربي مستأمنًا، وكذا لو سرق المسلم أو الذمي مالًا غير محترم شرعًا، كما لو سرق صليبًا، أو خمرًا، أو خنزيرًا، أو نحوه، مما هو محترم عند الذمي، لكنه غير محترم شرعًا، فهذه مسألة خلاف وليست هي مسألة الباب، وكذا لو سرق ذمي من ذمي ولم يتحاكموا إلى شرعنا، فهذه غير مسألة الباب. • من نقل الإجماع: هذه المسألة على أربع صور: الأولى: سرقة المسلم من مال المسلم. الثانية: سرقة المسلم من مال الذمي. الثالثة: سرقة الذمي من مال المسلم. الرابعة: سرقة الذمي من مال الذمي. • أما الصورة الأولى: وهي سرقة المسلم من مال المسلم، فأجمع أهل العلم على أن المسلم إذا سرق من مسلم، وثبتت السرقة بما يوجب الحد، فإن المسلم يقطع به:
قال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم فيه مخالفًا" (¬1)، وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "أما قطع المسلم بمال المسلم فبإجماع" (¬2)، وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ): "يقطع مسلم وذمي -ولو سكران- بمال مسلم وذمي، إجماعًا في مسلم بمسلم" (¬3). • مستند الإجماع لهذه الصورة: مما يدل على قطع المسلم بما سرقه من مال المسلم: 1 - عموم قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬4). 2 - حديث عائشة رضي اللَّه عنها في شأ المرأة المخزومية التي سرقت في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقطع يدها وقال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قطع يد المخزومية، وهي مسلمة وسرقت من مسلم. 3 - من النظر: أن مال المسلم محترم، فوجب القطع بأخذ ماله حفظًا لحرمته. • أما الصورة الثانية: وهي سرقة المسلم من مال الذمي: حكى ابن حزم (456 هـ) عن الحنفية القول بأنه لا خلاف في قطع المسلم بسرقة مال الذمي، ولم يتعقبه (¬6) ونقل فيها ابن عبد البر (463 هـ) الإجماع عن الحنفية حيث قال: ¬
"وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى (¬1) وعثمان البتي (¬2): "يُقتل المسلم بالذمي. . . واحتجوا بالإجماع على أن المسلم تقطع يده إذا سرق من مال ذمي، فنفسه أحرى أن تؤخذ بنفسه" (¬3) وقال فيه ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم فيه مخالفًا" (¬4) ونقله عنه ابن قاسم (¬5). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "أما قطع المسلم بالسرقة من مال الذمي فلا نعلم فيه خلافًا" (¬6) وكذا نقل العيني (855 هـ) عن بعض الحنفية الإجماع فقال: "قال بعض الحنفية: وقع الإجماع على أن المسلم تقطع يده إذا سرق من مال الذمي" (¬7). وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "يقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي بغير خلاف نعلمه" (¬8). • مستند الإجماع لهذه الصورة: ليس في هذه الصورة نص صريح من الكتاب أو السنة لكن يعلل له بأن الذمي ملتزم للأحكام كالمسلم، فمالُه محترم كمال المسلم. • المخالف في هذه الصورة: الخلاف في هذه الصورة محكي عن جماعة من ¬
أهل العلم، وممن حكى الخلاف الخطيب الشربيني حيث قال: "وأما قطعه -أي المسلم- بمال الذمي فعلى المشهور؛ لأنه معصوم بذمته، وقيل: لا يقطع كما لا يقتل به" (¬1). • دليل المخالف: استدل القائلون بعدم قطع المسلم بما سرقه من مال الذمي بالقياس على القتل، فكما أن المسلم لا يقتل بالذمي، فكذا السرقة. • أما الصورة الثالثة: وهي سرقة الذمي من مال المسلم: فقال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم فيه مخالفًا" (¬2) ونقله ابن قاسم (¬3) قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "قطع الذمي بالسرقة من مال مسلم فلا نعلم فيه خلافًا" (¬4). • مستند الإجماع لهذه الصورة: علل الفقهاء لهذا الوجه أنه لما وجب قطع المسلم من مال المسلم، كان قطع الذمي من مال المسلم واجبًا من باب أولى، لأن الذمي ملتزم بالأحكام الإسلامية، فله حكم المسلم في إقامة الحدود (¬5). • المخالف في هذه الصورة: قال الشيرازي (¬6): "لا يقطعان -أي الذمي والمستأمن- بسرقة مال مسلم"، نقله عنه المرداوي (¬7)، وابن مفلح المقدسي (¬8). ¬
[19/ 1] المسألة التاسعة عشرة: من سرق ثوبا فصبغه أحمرا يقطع.
• أما الصورة الرابعة: وهي سرقة الذمي من مال الذمي: قال فيه ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم فيه مخالفًا" (¬1). • مستند الإجماع لهذه الصورة: يدل على قطع الذمي بسرقة مال الذمي أنه قد ثبت في الصحيحين أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر برجم اليهودي واليهودية اللذين زنيا (¬2)، فكذا السرقة، ويدل عليه من النظر أن كلًا منهما صاحب مال محترم، فالسرقة من مال الذمي، كالسرقة من مال المسلم، بجامع أن كلًا منهما صاحب مال محترم بالتزامه الأحكام.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن الصورة الثانية وهي قطع المسلم بسرقة مال الذمي ليست محل إجماع. أما الصورة الأولى وهي: سرقة المسلم من مال المسلم، والصورة الثالثة وهي: سرقة الذمي من مال المسلم، والصورة الرابعة وهي: سرق سرقة الذمي من مال الذمي فهي محل إجماع بين أهل العلم. [19/ 1] المسألة التاسعة عشرة: من سرق ثوبًا فصبغه أحمرًا يُقطع. • المراد بالمسألة: لو سرق شخص ثوبًا يجب فيه القطع، ثم صبغه بلون من الألوان، وثبتت عليه السرقة بما يوجب القطع، فإنه يُحد، ولا يسقط الحد بكونه زاد في المسروق، وكذا لو سرق أي شيء كان مما يجب فيه القطع وزاد فيه أي زيادة، كان يسرق بابًا ويزيد فيه بعض الزخارف، أو ما أشبه ذلك، فكل هذا يجب فيه القطع، وإنما الخلاف في ردِّه هل يجب أم لا. • من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "من سرق ثوبا فصبغه أحمر يقطع به بإجماع العلماء" (¬3). ¬
[20/ 1] المسألة العشرون: حد السرقة لا يقبل الصلح.
• مستند الإجماع: يستدل على مسألة الباب قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1). ومن سرق شيئا فصبغه فإنه داخل في عموم الآية، فإن الزيادة في المسروق لا تدرأ الحد.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [20/ 1] المسألة العشرون: حد السرقة لا يقبل الصلح. • المراد بالمسألة: لو سرق شخص من آخر ما يوجب القطع، وثبتت السرقة عند الحاكم، ثم تصالح السارق مع صاحب المال المسروق على مال معين يدفعه السارق، أو على أي شيء آخر، ويسقط الحد عنه، فإن الصلح هنا باطل، ويجب على الإمام إقامة الحد. ويتبيَّن مما سبق أن الصلح لو حدث قبل بلوغ الأمر للإمام فإن ذلك غير مراد من مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لا خلاف في حد الزنا، والشرب، والسكر، والسرقة، أنه لا يحتمل العفو، والصلح، والإبراء، بعد ما ثبت بالحجة" (¬2). وقال ابن تيمية (728 هـ): "قد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ، أو غيره لا يجوز. وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني، والسارق، والشارب، والمحارب، وقاطع الطريق، ونحو ذلك؛ لتعطيل الحد، مال سحت خبيث" (¬3). وقال ابن حجر (852 هـ): "الحد لا يقبل الفداء، وهو مجمع عليه في الزنا، والسرقة، والحرابة، وشرب المسكر" (¬4). ¬
وهذه المسألة قريبة من المسألة الخامسة عشرة التي تنص على أن حد السرقة لا يقبل الفداء، إلا أن هذه أخص من جهة أنها فداء عن طريق الصلح. • مستند الإجماع: مما يدل على مسألة الباب: 1 - عن صفوان بن أمية -رضي اللَّه عنه- (¬1) أنه: "سرقت خميصته من تحت رأسه وهو نائم في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأخذ اللص، فجاء به إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر بقطعه، فقال صفوان: أتقطعه؟ قال: (فهلا قبل أن تأتيني به تركته) (¬2). وفي رواية لأبي داود والنسائي بلفظ: قال صفوان: فأتيته فقلت: أتقطعه كان أجل ثلاثين درهمًا، أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، (قال: فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به) (¬3). وفي رواية لابن ماجه بلفظ: "فقال صفوان: يا رسول اللَّه لم أرد، هذا ردائي عليه صدقة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فهلا قبل أن تأتيني به) (¬4). ¬
[21/ 1] المسألة الحادية والعشرون: رد المسروق بعد رفعه للإمام لا يسقط الحد.
• وجه الدلالة: أن ما فعله صفوان من إهداء الرداء للسارق نوع من الصلح، لكن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقبله، لكون الأمر بلغ إليه، والحدود إذا بلغت السلطان وجب إقامتها. 2 - أن القطع في السرقة حد للَّه تعالى، والحدود إذا بلغت السلطان وجب إقامتها، كما سبق بيانه (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [21/ 1] المسألة الحادية والعشرون: رد المسروق بعد رفعه للإمام لا يسقط الحد. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، ورفع الأمر للحاكم أو نائبه، ثم بعد ذلك رد السارق المسروق كاملًا إلى صاحبه، فلا يسقط عنه الحد بردِّ المسروق. وبهذا يتبين أن السارق لو رد المسروق قبل الترافع للإمام، سواء رفع الأمر للإمام بعد رد المسروق أو لا، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لا خلاف في أن الرد بعد المرافعة لا يسقط الحد" (¬2). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "اتفق العلماء فيما أعلم على أن قاطع الطريق واللص ونحوهما إذا رُفعوا إلى ولي الأمر، ثم تابوا بعد ذلك، لم ¬
يسقط الحد عنهم، بل تجب إقامته وإن تابوا" (¬1). • ووجه الدلالة من كلام ابن تيمية: أنه من المعلوم أن من شروط توبة السارق رد ما سرقه إلى أصحابه، فكل تائب يلزم منه أن يرد المال المسروق لصاحبه، وليس كل من رد المال لصاحبه يلزم منه أن يكون تائبًا. وعلى ذلك فمسألة الباب أخص من الكلام على مسألة التوبة، فمن حكى الإجماع على التوبة فقد حكى الإجماع على مسألة الباب، وليس العكس (¬2). وإن كان ما نقله ابن تيمية من الكلام حول توبة من عليه الحد، أنها لا تسقط الحد، ليست محل إجماع متحقق، كما سيأتي بيانه إن شاء اللَّه تعالى (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: حديث صفوان بن أمية -رضي اللَّه عنه- أنه: سُرقت خميصته من تحت رأسه وهو نائم في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأخذ اللص، فجاء به إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر بقطعه، فقال صفوان: أتقطعه؟ قال: (فهلا قبل أن تأتيني به تركته) (¬4). • وجه الدلالة: عموم الحديث يدل على أن الأمر إذا بلغ الإمام فيجب إقامة الحد، سواء رد المال المسروق لصاحبه، أو استغنى عنه صاحبه وأسقط حقه منه. • المخالفون للإجماع: التحقيق في مسألة الباب أنها محل تفصيل على حالين: الحال الأولى: إن رد السارق المسروق لصاحبه مع توبة صادقة، فعدم سقوط الحد هو قول عامة أهل العلم، وليست محل إجماع، فإن عن الإمام ¬
[22/ 1] المسألة الثانية والعشرون: السرقة لغة هي أخذ الإنسان ما ليس له عن طريق الخفية، ولا يشترط الحرز في السرقة من جهة اللغة.
أحمد رواية بأن الحد يسقط بالتوبة مطلقًا، ولو بعد الترافع للحاكم، وردَّ ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وقرر في كتابه "الصارم المسلول" أن مذهب الإمام أحمد في المسألة على التفصيل الآتي: أولًا: أن يتوب بعد ثبوت الحد عند الإمام، فهنا لا يسقط قولًا واحدًا عن الإمام أحمد. ثانيًا: أن يتوب قبل أن يقر بالحد، بأن يجيء للإمام تائبًا، فهذه لا حد فيها عند الإمام أحمد. ثالثًا: أن يتوب بعد أن يقر، بأن يقر ثم يتوب، ففي هذه الحال روايتان عن أحمد، فكان يقول بسقوط الحد عنه، ثم رجع وقال بعدم سقوط الحد (¬1). الحال الثانية: إن رد السارق المسروق مع غير توبة، فكون الحد لا يسقط محل إجماع، واللَّه تعالى أعلم.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع فيما إذا رد المسروق بلا توبة، أما مع التوبة فالإجماع فيها غير محقق كما سيأتي -إن شاء اللَّه تعالى- (¬2). [22/ 1] المسألة الثانية والعشرون: السرقة لغة هي أخذ الإنسان ما ليس له عن طريق الخفية، ولا يشترط الحرز في السرقة من جهة اللغة. • المراد بالمسألة: المراد بالمسألة أن اسم السرقة في لغة العرب إنما يطلق على من أخذ الشيء عن طريق الخفية، أما باقي شروط القطع كاشتراط الحرز أو النصاب أو غيرها فإنها مما لا يمكن اعتمادها إلا بدليل شرعي، لا بمقتضى اللغة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "أما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، والسارق ¬
هو المختفي بأخذ ما ليس له" (¬1). وقال: "باللغة يدري كل أحد يدري اللغة أن من سرق -من حرز أو من غير حرز- فإنه سارق، وأنه قد اكتسب سرقة، لا خلاف في ذلك" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على ذلك أن أهل اللغة ذكروا السرقة على أنها الأخذ عن طريق الخفية، فقال ابن فارس: "السين والراء والقاف أصلٌ يدلُّ على أخذ شيء في خفاء وسِتر، يقال سَرَقَ يَسْرق سَرِقَةً، والمسروق سَرَقٌ، واستَرَقَ السَّمع، إذا تسمَّع مختفيًا" (¬3). • المخالفون للإجماع: نقل ابن منظور، والزبيدي، أن السارق عند العرب: "من جاء مُسْتَتِرًا إلى حِرْزٍ فأخذ منه ما ليس له" (¬4). وقال الفيروزآبادي: "سرق منه الشيء يسرق سَرَقًا. . .: جاء مستترًا إلى حرز فأخذ مالًا لغيره" (¬5). وقال التهانوي: "سرق منه شيئًا: أي جاء مستترًا إلى حرز فأخذ مال غيره" (¬6). كما ذكر الصنعاني في الاستدلال لكون الحرز معتبر في قطع السارق: "الإحراز مأخوذ في مفهوم السرقة، فإن السرقة والاستراق هو المجيء مستترًا في خفية؛ لأخذ مال غيره من حرز، كما في القاموس وغيره، فالحرز مأخوذ في مفهوم السرقة لغة، ولذا لا يقال لمن خان أمانته: سارق" (¬7). وقال الشوكاني: "مما يؤيد اعتباره قول صاحب القاموس: "السرقة والاستراق: المجيء لأخذ مال غيره من حرز"، فهذا إمام من أئمة اللغة جعل الحرز جزءًا من مفهوم السرقة" (¬8). ¬
[23/ 1] المسألة الثالثة والعشرون: على الإمام إقامة الحد على السارق، ولو كان السارق والدا للإمام.
فيتبين مما سبق من كلام أهل اللغة أن اعتبار الحزر مذكور في التعريف اللغوي للفظ السرقة.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لوجود المخالف. [23/ 1] المسألة الثالثة والعشرون: على الإمام إقامة الحد على السارق، ولو كان السارق والدًا للإمام. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان السارق والدًا للإمام، فإن على الإمام أن يقيم حد السرقة -سواء بنفسه أو نائبه-، ولو كان السارق والدًا له. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا يختلف الناس في أن إمامًا له والد قدم إليه في قذف، أو في سرقة، أو في زنى، أو في قود، فإن فرضًا على الوالد إقامة الحد على والده في كل ذلك" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بإقامة حد السرقة على السارق، دون تفريق بين ما إذا كان السارق والدًا للإمام، أو لا. 2 - عن عائشة رضي اللَّه عنها زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتي بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ¬
[24/ 1] المسألة الرابعة والعشرون: يجب القطع إن كانت السرقة في غير دار الحرب.
فقال: (أتشفع في حد من حدود اللَّه)؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاختطب، فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بإقامة الحدود على الشريف والوضيع، ثم ضرب بذلك مثلًا بفلذة كبده، وأعز الناس عنده، مما يدل على أنه لا فرق بين الوالد والولد. 3 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (تعافوا الحدود قبل أن تأتوني به، فما أتاني من حد فقد وجب) (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر بوجوب إقامة الحد إذا بلغ الإمام، دون التفريق بين الأب وغيره. 4 - أن الحد حق اللَّه تعالى، فإذا بلغ الإمام وجب إقامته، وليس حق للإمام يسقطه عمن يشاء، أو عمن له عليه حق.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [24/ 1] المسألة الرابعة والعشرون: يجب القطع إن كانت السرقة في غير دار الحرب. • أولًا: المراد بدار الحرب: المراد بدار الحرب دار الكفر، قال المرداوي: "دار الحرب: ما يغلب فيها حكم الكفر. ¬
زاد بعض الأصحاب منهم: صاحب الرعايتين، والحاويين: أو بلد بغاة أو بدعة، كرفض واعتزال" (¬1). وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (¬2): "هل يحكم على أهل البلد بأنها بلاد كفر بظهور الشرك فيهم، أو باطباقهم عليه، أو بولايتهم؟ " فأجاب -رحمه اللَّه- بقوله: "إذا ظهر الشرك ولم ينكر ويزال حكم عليها بالكفر، ودعوى الإسلام لا تنفع فمتى وجد الشرك ظاهرًا ولم يزال حكم عليها بالكفر" (¬3). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان قد قام بالسرقة في دار الإسلام، لا في دار الحرب، فإنه يجب حينئذ إقامة الحد عليه. • من نقل الإجماع: نقل ابن حزم الاتفاق على أن السرقة إن كانت في غير دار الحرب فإنه يجب القطع (¬4). • مستند الإجماع: يدل على المسألة أن الأصل إقامة حد السرقة على كل سارق إلا ما استثناه الشارع، ومن سرق في دار الإسلام فإنه ليس فيه ما يمنع ¬
[25/ 1] المسألة الخامسة والعشرون: من سرق وهو سليم العقل غير سكران فإنه يحد.
إقامة الحد عليه، فبقي حكمه على الأصل.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [25/ 1] المسألة الخامسة والعشرون: من سرق وهو سليم العقل غير سكران فإنه يحد. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وكان حين سرقته سليم العقل غير سكران، فإنه يجب عليه الحد. • من نقل الإجماع: نقل ابن حزم الاتفاق على أن من سرق وهو غير سكران فإن عليه الحد (¬1). • مستند الإجماع: يدل على المسألة أن الأصل إقامة حد السرقة على كل سارق إلا ما استثناه الشارع، ومن كان سليم العقل غير سكران، فإنه ليس فيه ما يمنع إقامة الحد عليه، فبقي حكمه على الأصل.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [26/ 1] المسألة السادسة والعشرون: من سوق مختارًا غير مكره، وجب عليه القطع. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان قد قام بالسرقة اختيارًا دون إكراه، فإنه يجب حينئذ إقامة الحد عليه. • من نقل الإجماع: نقل ابن حزم الاتفاق على أن من سرق غير مكره فيجب عليه القطع (¬2). • مستند الإجماع: دليل هذه المسألة ما يلي: 1 - عن أبي ذر الغفاري -رضي اللَّه عنه- (¬3) قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه تجاوز عن ¬
أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) (¬1). ¬
[27/ 1] المسألة السابعة والعشرون: من سرق خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم، فلا يقام عليه الحد حتى يخرج من الحرم.
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر أن المكره قد تجاوز اللَّه عنه خطأه، فدل على أن غير المكره مؤاخذ بفعله. 2 - أن الأصل وجوب إقامة الحد على كل سارق ولا يستثنى منه إلا ما دل الدليل عليه.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [27/ 1] المسألة السابعة والعشرون: من سرق خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم، فلا يقام عليه الحد حتى يخرج من الحرم. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكانت سرقته في غير الحرم، ثم لجأ إلى الحرم، فإنه لا يُحَد حتى يخرج من الحرم. ¬
ويتبين من هذا أن من سرق في الحرم فإنه غير داخل في مسألة الباب؛ لأن من سرق في الحرم، فإنه يُحد في الحرم، كما حكاه ابن عبد البر إجماعًا فقال: "أجمعوا أن من قتل في الحرم وكذلك من أتى حدًا أقيم عليه في الحرم" (¬1). وقال القرطبي: "وقد أجمعوا أنه لو قتل في الحرم قتل به، ولو أتى حدًا أقيد منه فيه" (¬2)، وقال ابن قدامة: "من انتهك حرمة الحرم بجناية فيه توجب حدًا أو قصاصًا فإنه يقام عليه حدها، لا نعلم فيه خلافًا" (¬3). وكذا نقله شمس الدين ابن قدامة بنفس أحرف ابن قدامة (¬4). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم بعد أن ذكر المسألة عن خمسة من الصحابة: "هؤلاء من الصحابة: عمر بن الخطاب، وابنه عبد اللَّه، وابن عباس، وابن الزبير (¬5)، وأبو شريح (¬6). ولا مخالف لهم من الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬7). وقال ابن القيم: "من أتى حدًا أو قصاصًا خارج الحرم يوجب القتل، ثم لجأ إليه، لم يجز إقامته عليه فيه. . . وهذا قول جمهور التابعين ومن بعدهم، بل ¬
لا يحفظ عن تابعي ولا صحابي خلافه" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (¬2). 2 - قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (¬3). • وجه الدلالة من الآيتين: أن اللَّه تعالى أخبر أن الحرم أمن لكل أحد، فكل من دخله فهو آمن، ولم يستثن تعالى من كان عليه الحد، فبقي على الأصل من كون الحرم أمانًا له. 3 - عن أبي شريح أنه قال لعمرو بن سعيد -وهو يبعث البعوث إلى مكة-: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولًا قام به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي، حين تكلم به، حمد اللَّه، وأثنى عليه، ثم قال: (إن مكة حرمها اللَّه، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يومن باللَّه واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا. . . الحديث) (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر أنه لا يحل لأحد أن يسفك دمًا في الحرم، وهو عام يدخل فيه قطع يد السارق. • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى جواز إقامة حد السرقة في الحرم، سواء كان السارق قد سرق في الحرم، أو سرق خارج الحرم ثم لجأ للحرم، وهو مذهب المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، ورواية عن أحمد (¬7). ¬
[28/ 1] المسألة الثامنة والعشرون: من سرق وهو غير مضطر بجوع فعليه القطع.
• دليل المخالف: استدل من أجاز إقامة بما ثبت من أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة (¬1) وهو يدل على أن حرمة القتل في الحرم، وكونه آمنًا، ليست على عمومها. كما استلوا بأمره - صلى اللَّه عليه وسلم- بقتل خمس فواسق يقتلن في في الحل والحرم (¬2)؛ حيث علل -صلى اللَّه عليه وسلم- إباحة قتل هذه الأشياء في الحرم بفسقهن وعدوانهن، ومرتكب ما يوجب الحد فيه فسق وعدوان، فيُعم الحكم بعموم العلة (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف مشهور بين أئمة المذاهب الأربعة، ولذا لما ذكر القرطبي المسألة قال: "والجمهور من العلماء على أن الحدود تقام في الحرم" (¬4). ولكن ابن حزم وابن القيم إنما نفوا المخالف في المسألة من الصحابة والتابعين، وإلا فهم مثبتون لخلاف من بعدهم. ومعلوم أن عدم ذكر المخالف لا يدل على نفيه، ولا على أن المسألة محل إجماع، وإلا لما حسُن خلاف من خالف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم [28/ 1] المسألة الثامنة والعشرون: من سرق وهو غير مضطر بجوع فعليه القطع. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، ولم يكن حين سرقته مضطرًا لما سرقه، إما لجوع أو نحو ذلك، فيجب عليه الحد حينئذ. • من نقل الإجماع: نقل ابن حزم الاتفاق على أن من سرق غير مضطر بجوع فعليه القطع (¬5) • مستند الإجماع: يدل على المسألة أن الأصل إقامة حد السرقة على كل ¬
[29/ 1] المسألة التاسعة والعشرون: إذا وصف الشاهدان السرقة والحرز وجنس المال المسروق وقدره، أقيم الحد على السارق.
سارق إلا ما اسثناه الشارع، ومن كان غير مضطر بجوع، فإنه ليس فيه ما يمنع إقامة الحد عليه، فبقي حكمه على الأصل.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [29/ 1] المسألة التاسعة والعشرون: إذا وصف الشاهدان السرقة والحرز وجنس المال المسروق وقدرُه، أقيم الحد على السارق. • المراد بالمسألة: إذا شهد شاهدان على شخص بسرقة ما يوجب القطع، ووصف الشاهدان كيفية السرقة، والحرز، وجنس المال المسروق، وقدره، فإنه يجب على الإمام حينئذ إقامة الحد إذا توفرت شروط القطع. يتبين مما سبق أن هذه المسألة متعلقة بالوصف، أي أنه إذا وقع الوصف وجب إقامة الحد، أما اشتراط الوصف أو اشتراط اتفاق الوصف فمسألة أخرى ستأتي في فصل شروط القطع (¬1)، وليست مرادة في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا في أن قطع يد السارق إذا شهد عليه بالسرقة شاهدان، عدلان، مسلمان، حران، ووصفا ما يجب فيه القطع، أنه يقطع" (¬2) ونقله عنه ابن قاسم (¬3). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن في وصف الشاهدين للسرقة، والحرز، وجنس المال المسروق، وقدرُه، دليل على صحة الشهادة وضبطها.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع متحقق بين أهل العلم. وإنما وقع الخلاف فيما إذا لم يصف الشاهدان ذلك، فابن حزم يرى أن ¬
[30/ 1] المسألة الثلاثون: إذا شهد الشهود على شخص بالسرقة قبل مضي الشهر من السرقة، فيجب إقامة الحد.
ذكر الزمان، أو المكان، أو الحرز، أو جنس المال المسروق، ليس من الشروط في القطع، بل لو اختلف الشاهدان في تعيين ذلك لم يسقط القطع، كما سيأتي بيانه مفصلًا (¬1). [30/ 1] المسألة الثلاثون: إذا شهد الشهود على شخص بالسرقة قبل مضي الشهر من السرقة، فيجب إقامة الحد. • المراد بالمسألة: إذا شهد الشهود على شخص بسرقة، وثبتت السرقة بما يوجب القطع، وكان الشهود قد أدوا الشهادة قبل مضى شهر على السرقة، فإنه يحد. يتبين مما سبق أنه لو مضى على سرقته شهر فأكثر، ثم شهد الشهود بالسرقة، فإنه غير داخل في مسألة الباب. وتقييد صورة المسألة بالشهود لا يراد به إخراج الإقرار، فإنه لو أقر قبل مضي الشهر أقيم عليه الحد، وإنما قيدنا بالشهادة لأنها هي موضع الخلاف فيما لو كانت قبل الشهر أو بعده، أما الإقرار فلا خلاف أنه معتبر سواء أقر قبل مضي الشهر أو بعده. • من نقل الإجماع: المسألة نقل ابن حزم (456 هـ) فيها الاتفاق حيث قال: "اتفقوا أنه من سرق من حرز. . . ولم يمض للسرقة شهر. . . فقد وجب عليه حد السرقة" (¬2). • مستند الإجماع: الدليل على المسألة عدم الدليل، فإن تحديد الشهادة بمدة معينة يحتاج إلى دليل. ولم أجد من نقل الاتفاق في المسألة غير ابن حزم، إلا أنه بعد البحث في كتب أهل العلم لم أجد من خالف في المسألة، وإنما خالف الحنفية في مسألة ¬
[31/ 1] المسألة الحادية والثلاثون: إذا ثبت القطع في السرقة ولم يدع السارق ملك ما سرق وجب إقامة الحد.
ما لو لم يشهد الشهود إلا بعد أن مضى على السرقة شهر، وكان تأخرهم لغير عذر، فقالوا يضمن ما شُهد به عليه، ولا قطع، وهذا رأي محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وهو رواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف، والرواية الأخرى أن حد ذلك ستة أشهر (¬1). والجمهور على أن الشهادة معتبرة، ولو تقادم الزمان. أما إن كان ثبوت السرقة بالإقرار فلم يخالف فيه أحد، سواء كان إقراره قبل مضي الشهر أم بعده فإنه يُحد.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم إذا كان قبل مضي الشهر. [31/ 1] المسألة الحادية والثلاثون: إذا ثبت القطع في السرقة ولم يدَّع السارقُ مُلْك ما سرق وجب إقامة الحد. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت السرقة بما يوجب القطع، سواء كان بإقرار أو بينة، ولم يدع السارق ملك ما سرقه بشراء أو هبة أو نحو ذلك فإنه يقام عليه الحد. يتبيَّن من ذلك أنه لو ادعى مُلْك ما سرقه بأي أنواع الملك، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتَّفَقُوا أَنه من سرق من حرز. . . وَلَا ادّعى هُوَ ملك مَا سرقِ. . . فقد وجب عليه حد السرقة" (¬2) وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفقوا على أن من شرط المسروق الذي يجب فيه القطع أن لا يكون للسارق فيه شبهة ملك" (¬3). وقال المطيعي (1404 هـ): "اتفقوا على أن من شرط المسروق الذي يجب فيه القطع أن لا يكون للسارق فيه شبهة ملك" (¬4). ¬
[32/ 1] المسألة الثانية والثلاثون: إذا أخرج السارق المسروق بيده وجب القطع.
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قول الة تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1). • وجه الدلالة: الآية نصَّت على قطع السارق، وإذا ثبتت السرقة ولم يدع السارق ملك ما سرق، بقي على الأصل وهو أنه أخذ ما ليس له، فيجب في حقه إقامة حد السرقة.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [32/ 1] المسألة الثانية والثلاثون: إذا أخرج السارق المسروق بيده وجب القطع. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان من صفة السرقة أن السارق قد نقب الحرز وأخذ المال وأخرجه من الحرز بنفسه، إما بيده أو برجله أو بغير ذلك من أعضائه، ، فإنه يجب عليه القطع. ويتبيَّن مما سبق أنه لو لم يُخرِج المال من الحرز بنفسه، بأن أخرجها شخص آخر، ثم وضعها في يد السارق، أو كان السارق وضعها في نهر جار حتى خرجت من الحرز، أو نحو ذلك من الصور فكل ذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتَّفَقُوا أَنه من سرق من حرز. . . وَتَوَلَّى إخراجه من حرزه بِيَدِهِ. . . فقد وجب عليه حد السرقة" (¬2). • مستند الإجماع: المسألة ظاهرة من حيث الدليل فإن من أخرج المال من الحرز بيده فإنه الذي يتحقق فيه المباشرة للسرقة، فيكون هو المراد بقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬3). ¬
[33/ 1] المسألة الثالثة والثلاثون: حكم المرأة في حد السرقة حكم الرجل.
Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [33/ 1] المسألة الثالثة والثلاثون: حكم المرأة في حد السرقة حكم الرجل. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على امرأة حرة بما يوجب القطع ولم يكن ثمة مانع من القطع، فيجب إقامة الحد حينئذ. وتبين مما سبق أن سرقة الأمة ليست من مسألة الباب، وكذا لو كان ثمة مانع من القطع، كما لو سرقة الزوجة من زوجها، أو غير ذلك مما هو محل خلاف بين الفقهاء فإن ذلك ليس من مسألة الباب، وإنما المراد أن المرأة في الجملة لها حكم الرجل في القطع. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "تقطع المرأة كالرجل، لإجماع الأمة كلها على أن حكم الرجل في ذلك كحكم المرأة" (¬1). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما السارق الذي يجب عليه حد السرقة: فإنهم اتفقوا على أن من شرطه أن يكون مكلفًا، وسواء كان حرًا أو عبدًا، ذكرًا أو أنثى، أو مسلمًا، أو ذميًا" (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أما الحر والحرة: فلا خلاف فيهما" (¬3)، أي في قطعهما في الحد. وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا خلاف في وجوب الحد على الحر والحرة" (¬4). • مستند الإجماع: من الأدلة على مسألة الباب: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا ¬
[34/ 1] المسألة الرابعة والثلاثون: حد العبد والأمة في السرقة سواء كالحر والحرة.
مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1). • وجه الدلالة: أن الآية نصت على قطع السارقة، وهذا نص في الموضوع. 2 - حديث عائشة رضي اللَّه عنها في شأن المرأة المخزومية التي سرقت، وفيه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطب الناس فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [34/ 1] المسألة الرابعة والثلاثون: حد العبد والأمة في السرقة سواء كالحر والحرة. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت السرقة على شخص رقيق، بما يوجب الحد، وكان قد سرق من غير سيده، ومن غير رقيق آخر لسيده، ومن غير من لو من سرق منه سيده لم يقطع السيد، فإنه يجب إقامة الحد عليه حينئذ، كما أنه يجب إقامة الحد على الحر. وينبه إلى أن المراد إقامة الحد، بغض النظر عن نوع الحد الذي يقام عليه، بكونه بقطع جميع الكف أو نصفها، فإن هذه مسألة أخرى غير مرادة في مسألة الباب. ويتحصل مما سبق أن العبد لو سرق من مال سيده، أو من رقيق آخر لسيده، أو من شخص آخر لو سرق منه السيد لم يقطع، فكل ذلك غير مراد. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "لم يختلف العلماء فيمن أخرج الشيء المسروق من حرزه سارقًا له، وبلغ المقدار الذي تقطع فيه يده، أن عليه القطع، حرًا كان أو عبدًا، ذكرًا كان أو أنثى" (¬1). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما السارق الذي يجب عليه حد السرقة، فإنهم اتفقوا على أن من شرطه أن يكون مكلفًا، وسواء كان حرًا أو عبدًا، ذكرًا أو أنثى" (¬2). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "يقطع العبد لغير سيده إجماعًا" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - عموم قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب على السارق القطع، والآية عامة في الحر والعبد، ولا يوجد نص يخصص الحر دون العبد. 2 - عن أبي عبد الرحمن (¬5) قال: خطب علي -رضي اللَّه عنه- فقال: "يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: (أحسنت، اتركها حتى تماثل) (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بإقامة حد الزنى على الأمة، فيقاس عليه ¬
[35/ 1] المسألة الخامسة والثلاثون: السرقة من المرضعة كالسرقة من الأجنبية.
حد السرقة، لأن كلًا منهما حد أوجب اللَّه إقامته على العموم، دون التفريق بين الحر والعبد. 3 - عن عبد الرحمن بن حاطب "أن رقيقًا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر: "أراك تجيعهم"، ثم قال عمر: "واللَّه لأغرمنك غرمًا يشق عليك"، ثم قال للمزني: "كم ثمن ناقتك" فقال المزني: قد كنت واللَّه أمنعها من أربع مائة درهم، فقال عمر: "أعطه ثمان مائة درهم" (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [35/ 1] المسألة الخامسة والثلاثون: السرقة من المرضعة كالسرقة من الأجنبية. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وكان المال المسروق لقريب له من الرضاع، كأمه من الرضاع، أو أخته من الرضاع، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا قطع عليه، ما لم يكونوا ساكنين في بيت واحد. ويتبين مما سبق أن الرجل لو كان ساكنًا مع أمه، أو أخته من الرضاع في بيت واحد، فإن أخذه لشيء من مالها، خارج عن مسألة الباب، وهي محل خلاف (¬2). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا كلهم أنه يقطع فيما سرق من ذي رحمه غير المحرمة، وفيما سرق من أمه من الرضاعة، وابنته وابنه من الرضاعة" (¬3). وحكى ابن المرتضى (840 هـ) الاتفاق على كون السرقة من المرضعة كالسرقة من الأجنبية (¬4). ¬
[36/ 1] المسألة السادسة والثلاثون: تلقين المقر بالسرقة ليرجع عن الإقرار لا بأس به.
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أنه ليس ثمة مانع من القطع، والشبهة منتفية في هذه الصورة، والأصل القطع عند توفر الشروط، حتى يرد المانع. • المخالفون للإجماع: ثمة رواية عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، يرى فيها أن من سرق من أمه من الرضاع فإنه لا يقطع (¬1). • دليل المخالف: استند أبو يوسف لعدم القطع في السرقة من الأم من الرضاع بأن السرقة من الأم من الرضاع فيه شبهة دارئة للحد، والحدود تدرأ بالشبهات (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع متحقق في الأم من الرضاع، أما في غيرها فالمسألة محل إجماع؛ فإن أبا يوسف خص الخلاف في الأم من الرضاع دون غيرها، واللَّه تعالى أعلم. [36/ 1] المسألة السادسة والثلاثون: تلقين المقر بالسرقة ليرجع عن الإقرار لا بأس به. • المراد بالمسألة: لو أقر شخص على نفسه بسرقة ما يوجب الحد، فإن للإمام أن يلقنه الرجوع، على سبيل التعريض، كأن يقول له: ما أظنك سرقت، أو لعلك أخذت من غير حرز، أو نحو ذلك. ويتبيَّن مما سبق أن السرقة لو ثبتت عليه بطريق بينة الشهود، أو كان التلقين على سبيل التصريح، فكل ذلك ليس من مسائل الباب، وكذا لو كان التلقين من غير القاضي، فهي مسألة أخرى، ليست مرادة في الباب، واللَّه تعالى أعلم. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "قال أحمد: "لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره"، وهذا قول عامة الفقهاء" (¬3). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "قال أحمد: "لا بأس بتلقين ¬
السارق ليرجع عن اقراره"، وهذا قول عامة الفقهاء" (¬1). قال النووي (676 هـ): "قد جاء تلقين الرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعن الخلفاء الراشدين، ومن بعدهم (¬2)، واتفق العلماء عليه" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - عن أبي أمية المخزومي (¬4) أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي بلص اعترف اعترافًا ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما إخالك سرقت) قال: بلى، قال: (اذهبوا به فاقطعوه)، ثم جيئوا به، فقطعوه، ثم جاءوا به، فقال له: (قل أستغفر اللَّه وأتوب إليه) فقال: أستغفر اللَّه وأتوب إليه، قال: (اللهم تب عليه) (¬5). ¬
2 - عن عبد اللَّه بن بريدة (¬1) عن أبيه (¬2) أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، واني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قومه فقال: (أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا)، فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم، قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (¬3). ¬
3 - عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت) قال: لا يا رسول اللَّه، قال: (أنكتها) لا يَكْني، قال: فعند ذلك أمر برجمه (¬1). 4 - أن التلقين مروي عن جماعة من الصحابة رضي اللَّه عنهم كأبي بكر، وعمر، وعلي، وابنه الحسن، وأبي هريرة، وأبي مسعود، وأبي الدرداء، وعمرو بن العاص، وأبو واقد الليثي رضي اللَّه عنهم (¬2)، وهو ثابت عنهم كما قال ابن حجر: "ثبت عن جماعة من الصحابة تلقين المقر بالحد" (¬3). • المخالفون للإجماع: هذا القول وإن كان عليه عامة أهل العلم، إلا أن ثمة قولًا للشافعية أنه لا يجوز للقاضي التعريض للمقر بالسرقة ليرجع عن إقراره (¬4). وثمة أقوال أخرى لا تنافي نقل الاتفاق، لكنها تخصص الجواز بحالات وتمنعه في غيرها، فمن ذلك: القول بجواز التعريض إن كان المقر لا يعلم أن له الرجوع، وإلا فلا، وهو قول للشافعية أيضًا (¬5). وكذلك القول بتخصيص إباحة التلقين لمن كان يجهل الحكم، وبه قال أبو ثور (¬6). وكذلك القول باستثناء تلقين المشتهر بانتهاك الحرمات، وجواز تلقين ¬
[37/ 1] المسألة السابعة والثلاثون: حد السرقة لا يقبل الإبراء.
غيره، فقد حكاه ابن حجر قولًا للمالكية (¬1). وسيأتي أن ابن حزم لا يرى قبول رجوع المقر أصلًا، فلا فائدة من التعريض عنده، لأنه لا فائدة من الرجوع. • دليل المخالف: استدل المانعون من التلقين بأن الأصل إقامة الحد على المقر، وفي التلقين بالرجوع إسقاط حد وجب للَّه تعالى (¬2). أما من استثنى المشتهر بانتهاك الحرمات فلم ير تلقينه بخلاف غيره فذلك من باب الردع والزجر (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم. [37/ 1] المسألة السابعة والثلاثون: حد السرقة لا يقبل الإبراء. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الإبراء: الإبراء في اللغة: قال ابن فارس: "الباء والراء والهمزة: أصلان إليهما توجع فُروع الباب: أحدهما الخَلْق، يقال بَرَأَ اللَّه الخلقَ يَبْرَؤُهم بَرْءًا، والبارئ اللَّه جَلَّ ثناؤه. . . والأصل الآخَر: التباعُد مِن الشيء ومُزايَلَتُه، من ذلك البُرْءُ، وهو السَّلامة من السُّقم، يقال بَرِئْت وبرَأْتُ" (¬4). ¬
وأرْجَع أبو البقاء أصل البرء إلى معنى واحد فقال: "أصل البرء: خلوص الشيء عن غيره، إما على سبيل التقصي، كقولهم: برئ المريض من مرضه، والبائع من عيوب مبيعه، وصاحب الدين من دينه، ومنه استبرأء الجارية، أو على سبيل الإنشاء، كقولهم: برأ اللَّه الخلق" (¬1). • الإبراء اصطلاحًا: هو إسقاط الشخص حقًا له أو بعض حقه من ذِمَّة آخر (¬2). فيكون المراد بالإبراء هنا هو إسقاط حد السرقة عن السارق بموجب إسقاط صاحب المال المسروق حقه من المال المسروق. • ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة عند الإمام على شخص بما يوجب الحد، فأراد صاحب المال المسروق أن يبرئ السارق من القطع فليس له ذلك. بهذا يتضح أن الإبراء لو كان قبل بلوغه الإمام، فليس ذلك مرادًا في مسألة الباب، وكذا يتبيَّن أن الإبراء الذي لا يصح هو الإبراء عن الحد، لا الإبراء عن المال المسروق. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لا خلاف في حد الزنا والشرب والسكر والسرقة أنه لا يحتمل العفو والصلح والإبراء بعد ما ثبت بالحجة" (¬3). • مستند الإجماع: استدل الفقهاء للمسألة بأن حد السرقة حق للَّه تعالى، فإذا ثبت عند الإمام لم يملك أحد أن يسقطه، وقد نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت السلطان، ونُقل فيه إجماع أهل العلم على ذلك -كما سبق بيانه- (¬4)، والإبراء كذلك. ¬
[38/ 1] المسألة الثامنة والثلاثون: لو سرق حديدا أو رصاصا أو صفرا وجعله أواني، فإن كان يباع عددا فهو للسارق.
Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [38/ 1] المسألة الثامنة والثلاثون: لو سرق حديدًا أو رصاصًا أو صفرًا وجعله أواني، فإن كان يباع عددًا فهو للسارق. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الحديد والرصاص والصُّفر: الحديد: هو عنصر كيميائيّ، فلزي، فضي اللون، ويتم الحصول عليه من بعض أنواع الصخور أو الخامات، وقلَّما يظهر هذا الفِلِز في حالة نقية (¬1). الرصاص: عنصر كيميائي فلِزِّي، ليِّن، ثقيل، لونه رماديٌّ يميل إلى الزُّرقة، يستخرج من المناجم التي في باطن الأرض (¬2). ¬
الصُّفْر: قال ابن منظور: "الصُّفْر النُّحاس الجيد، وقيل الصُّفْر ضرْب من النُّحاس، وقيل هو ما صفر منه، واحدته صُفْرة" (¬1). والحاصل أن الصُّفر -بضم الصاد، وكسرها لغة- يطلق عند العرب على النحاس، أو على ضرب من النحاس وهو النحاس الأصفر، والواحد والجمع فيه سواء، ويجمع أيضًا على أصفار (¬2). • والمراد به اصطلاحًا: هو ما يعرف في العصر الحديث بالنحاس الأصفر، وسبيكة من النحاس والخارصين (¬3). • ثانيًا: صورة المسألة: لو سرق شخص مالًا غير ذهب وفضة، ثم غيَّر في المال بأن سرق حديدًا ثم جعله آنية أو بابًا أو نحو ذلك، وكان بيع ذلك عن طريق العدد، لا الوزن، فإن المال المسروق لا يرجع إلى صاحبه وإنما على من سرق ضمانها. ويتبين مما سبق أن المال المسروق لو كان ذهبًا أو فضةً فإنه غير داخل في مسألة الباب، وكذا لو كان الحديد أو غيره من المال المسروق مما يباع وزنًا، فإنه غير مراد في مسألة الباب. ¬
• من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لو غصب صفرًا، أو نحاسًا، أو حديدًا، فضربه آنية يُنظر: إن كان يُباع وزنًا فهو على الخلاف الذي ذكرنا في الذهب والفضة؛ لأنه لم يخرج بالضرب والصناعة عن حد الوزن، وإن كان يباع عددًا ليس له أن يسترده بلا خلاف" (¬1)، وحكى الإجماع في موضع آخر فقال: "لو سرق حديدًا، أو صفرًا، أو نحاسًا، أو ما أشبه ذلك، فضرَبها أواني، يُنظر إن كان بعد الصناعة والضرب تباع وزنًا فهو على الاختلاف الذي ذكرنا، وإن كانت تباع عددًا فيقطع حق المالك بالإجماع" (¬2). وقال ابن نجيم (970 هـ): "في الحديد، والرصاص، والصفران جعله -أي السارق- أواني: فمان كان يباع عددًا فهو للسارق بالإجماع" (¬3). وقال دامان (1078 هـ): "لو جعل -أي السارق- الحديد، والرصاص أواني، فإن كان يباع عددا فهو للسارق بالإجماع" (¬4). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن فعل الغاصب في المال المسروق يعتبر استهلاكًا للمال، أو هو في معنى الاستهلاك، فكأن السارق استهلك ما سرقه، وحينئذ فيستحق صاحب المال المسروق القيمة (¬5). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى وجوب رد المال المسروق لصاحبه فيما لو سرق حديدًا أو نحاسًا أو رصاصًا أو نحوه وجعله أواني، وكان مما يباع بالعدد، وهو مذهب الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). • دليل المخالف: علل القائلون بوجوب الرد بأن السارق متعد بسرقته وعمله في المال المسروق، فهو قد تصرف فيما ليس له، لذا يجب عليه رد ما أخذ (¬8).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم. ¬
بل إن المسألة ليست محل اتفاق بين المذاهب الفقهية الأربعة؛ لوجود الخلاف من الشافعية، والحنابلة، ويُحمل كلام الكاساني، وابن نجيم، ودامان على أن المراد نقل الإجماع المذهبي، أي في مذهب الحنفية.
الفصل الثاني مسائل في شروط حد السرقة
الفصل الثاني مسائل في شروط حد السرقة [39/ 1] المسألة التاسعة والثلاثون: من شروط إقامة حد السرقة أن يكون السارق بالغًا. • المراد بالمسألة: إذا ثبت حد السرقة بما يوجب القطع، على شخص لم يبلغ، سواء كان ببينة أو إقرار، فإنه لا يحد؛ لأن البلوغ شرط من شروط إقامة الحد على السارق، ولا يقام الحد إلا بعد توفر هذا الشرط (¬1). • من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): ". . . أن عليًا -رضي اللَّه عنه- أُتي بصبي قد سرق بيضة، فشك في احتلامه، فأمر به، فقطعت بطون أنامله، وليسوا (¬2)، ولا أحد علمته يقول بهذا، يقولون: ليس على الصبي حد حتى يحتلم، أو يبلغ خمس عشرة" (¬3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد، وصحة الإقرار" (¬4). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد وصحة الإقرار" (¬5). • مستند الإجماع: من الأدلة على اشتراط البلوغ للقطع أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬6). ¬
• وجه الدلالة: أن المراد بقوله: "حتى يشب" أي يبلغ كما بيَّنَته بعض الروايات عند أحمد بلفظ: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ. . .) الحديث (¬1)، وعند أبي داود بلفظ: (وعن الصبي حتى يبلغ) (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، على خلاف بينهم في ضابط البلوغ كما سبق بيانه. ¬
[40/ 1] المسألة الأربعون: من شروط إقامة حد السرقة أن يكون السارق عاقلا.
[40/ 1] المسألة الأربعون: من شروط إقامة حد السرقة أن يكون السارق عاقلًا. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف العقل لغةً واصطلاحًا: العقل لغةً: قال ابن فارس: "العين والقاف واللام: أصلٌ واحد منقاس مطرد، يدلُّ عُظْمُه على حُبْسة في الشَّيء أو ما يقارب الحُبْسة، من ذلك العَقْل، وهو الحابس عن ذَميم القَول والفِعل" (¬1). وقال ابن منظور: "العَقْلُ: الحِجْر والنُّهى، ضِدُّ الحُمْق، والجمع: عُقولٌ" (¬2). وقال الخليل (¬3): "العَقْل: نقيض الجَهْل" (¬4). العقل اصطلاحًا: اختلف أهل العلم من المتكلمة والفقهاء وغيرهم في حد العقل وتقسيمه وموضعه على أقوال: فقيل: هو غريزة للتمييز والإدراك بين حسن الأشياء وقبيحها (¬5). وقيل: هو نور في الصدر به يُبصر القلب عند النظر في الحجج (¬6). وقيل: العقل علوم ضرورية (¬7). والمراد أن من يدرك العلوم الضرورية التي لا تحتاج لنظر وتفكر فإنه يسمى عاقلًا، وهذا التعريف فيه نظر؛ فإن الأعمى قد لا يدرك بعض الأمور الضرورية ¬
مع أنه يسمى عاقلًا، ولهذا قيّد بعضهم هذا التعريف بقوله: "هو صفة غريزية يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات" (¬1). وقيل: العقل هو خالص الروح ولبُّها. واحتُج له بأن لب كل شيء هو خلاصته، وقد سمى اللَّه العقل لُبًّا في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (¬2)، يعني أولي العقول. واختِلاف هذه التعريفات لاختلافهم في العقل هل هو غريزة، أو جوهر، وهل هو ضروري، أو مكتسب، وقد بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "العقل لا يمكن إحاطته برسم واحد، ولكن العقل يقع على أربعة معانٍ: 1 - ضروري، وهو الذي عنَاه من قال: إنه بعض العلوم الضرورية، قلت: وهذا العقل ما يتعلق به التكليف. 2 - غريزة تقذف في القلب، وهذا النوع ينمو بنمو الإنسان، وبه يقع الاختلاف بين الناس، فهذا بليد وذاك ذكي. 3 - ما به ينظر صاحبه في عواقب الأمور، فلا يغتر بلذة عاجلة تعقبها ندامة. 4 - ما يستفاد من التجارب في حياة الإنسان، وهذا ما عناه من قال: "إن العقل مكتسب" (¬3). ¬
• ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب إقامة الحد عليه، وكان السارق حين سرقته فاقدًا لعقله، من غير إرادته، كمجنون، أو معتوه، أو نائم، أو مغمى عليه، فإنه لا يُحد، لأن العقل شرط من شروط إقامة حد السرقة. ويتبين مما سبق أن السارق لو كان مجنونًا أو معتوهًا في الأصل، لكنه يفيق أحيانًا، وكان حين سرقته في حال الإفاقة، فهذه غير مسألة الباب. وكذا لو كان فقدانه لوعيه بسببه كالسكران، فإنه غير داخل في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا يقام عليه -أي المجنون- في حال عقله كل حد كان منه في حال جنونه، بلا خلاف من الأمة" (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ) في شرحه لحديث ماعز بن مالك -رضي اللَّه عنه- (¬2) حين سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنه "هل به جنون؟ ": "هذا إجماع أن المجنون المعتوه لا حد عليه" (¬3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما ¬
في وجوب الحد، وصحة الإقرار" (¬1). وقال النووي (676 هـ): "إقرار المجنون باطل، وأن الحدود لا تجب عليه، وهذا كله مجمع عليه" (¬2). وقال ابن قدامة (682 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد، وصحة الإقرار" (¬3). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "ولا يحد صبي ولا مجنون إجماعًا" (¬4). • مستند الإجماع: من الأدلة على مسألة الباب: 1 - عن عبد اللَّه بن بريدة أن أبيه -رضي اللَّه عنه- قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال: (ويحك ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويحك، ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه طهرني؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فيم أطهرك)؟ فقال: من الزنى، فسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أبه جنون)؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: (أشرب خمرًا)؟ فقام رجل فاستنكهه (¬5) فلم يجد منه ريح خمر، قال فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أزنيت)؟ فقال: نعم، فأمر به فرجم (¬6). 2 - عن علي -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى ¬
[41/ 1] المسألة الحادية والأربعون: من شروط إقامة حد السرقة أن تكون السرقة من حرز.
يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [41/ 1] المسألة الحادية والأربعون: من شروط إقامة حد السرقة أن تكون السرقة من حرز. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الحرز لغة واصطلاحًا: الحرز لغة: قال ابن فارس: "الحاء والراء والزاء أصلٌ واحد، وهو من الحِفْظ والتَّحفظ، يقال: حَرَزْتُه واحترزَ هو: أي تحفَّظَ. وناسٌ يذهبون إلى أنّ هذه الزّاءَ مبدلةٌ مِن سين، وأنَّ الأصل: الحَرْس، وهو وجهٌ" (¬2). وقال الفيومي (¬3): "الحِرْز: المكان الذي يحفظ فيه، والجمع "أَحْرَازٌ"، مثل: حِمْل وأحمال، وأَحْرَزْتُ المتاع: جعلته في الحرز، ويقال: حِرْزٌ حَرِيزٌ: للتأكيد، كما يقال: حصن حصين" (¬4). الحرز اصطلاحًا: اختلفت عبارات الفقهاء في ضابط الحرز: ¬
قال السرخسي (¬1) من الحنفية: "كل مكان معد لحفظ الأمتعة فهو حرز" (¬2). وعرفه المالكية بأنه: "ألا يُعد الواضع فيه مضيعًا عرفًا" (¬3). وقال الرملي (¬4) من الشافعية: "ضابط الحرز: ما لا يُنسب المودَع بوضع الوديعة فيه إلى تقصير" (¬5). وقال ابن قدامة من الحنابلة: "الحرز ما عد حرزًا في العرف" (¬6). ويتحصل مما سبق أن الحرز عند الفقهاء هو ما نُصب لحفظ أموال الناس عادة، كالدار، والصندوق، وما أشبه ذلك، وتحديد الحرز يرجع إلى العرف، ¬
فهو يختلف باختلاف المال، والزمان، والمكان، والسلطان، كما صرح بذلك الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). • ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، فإن من شرط إقامة الحد أن يكون السارق أخذ المال من الحرز الذي يحفظ فيه المال، وأخرجه من الحرز، فإن كان المال غير محرز فلا قطع. ويتبين مما سبق أنه لو أخذ المال من الحرز بأن جمعه ولم يخرجه، فإنها غير مسألة الباب، وهي مسألة سبق ذكرها في الفصل الأول (¬5). • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن القطع يجب على من سرق ما يجب فيه القطع من الحرز" (¬6). وقال الجصاص (370 هـ): "لا خلاف بين فقهاء الأمصار في أن الحرز شرط في القطع" (¬7). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "واتفق الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار وأتباعهم على مراعاة الحرز في ما يسرقه السارق، فقالوا: ما سرقه السارق من ¬
غير حرز فلا قطع عليه، بلغ المقدار الذي يجب فيه القطع أم لم يبلغ" (¬1). وقال ابن العربي (543 هـ): "والأمة متفقة على اعتبار الحرز في القطع في السرقة؛ لاقتضاء لفظها، ولا تضمن حكمتها وجوبه، ولم أعلم من ترك اعتباره من العلماء، ولا تحصَّل لي من يهمله من الفقهاء، وإنما هو خلاف يذكر، وربما نسب إلى من لا قدر له، فلذلك أعرضت عن ذكره" (¬2). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "وأجمعوا على أن الحرز معتبر في وجوب القطع" (¬3) ونقله عنه ابن قاسم (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ): "هذا قول أكثر أهل العلم -أي اشتراط الحرز-، وهذا مذهب عطاء، والشعبي، وأبي الأسود الدؤلي، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وعمرو بن دينار، والثوري، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن أحد من أهل العلم خلافهم، إلا قولا حكي عن عائشة، والحسن، والنخعي، فيمن جمع المتاع ولم يخرج به من الحرز عليه القطع، وعن الحسن مثل قول الجماعة، وحكي عن داود أنه لا يعتبر الحرز" (¬5)، ثم تعقب المخالف بأن المسألة محل إجماع، فلا يعتد بمن خالف، وكذا بعد هذه المسألة ذكر ابن قدامة مسألة أنه لا بد من إخراج المتاع من الحرز، وأشار في هذه المسألة إلى أن الحرز محل إجماع (¬6). وقال أبو العباس القرطبي (656 هـ): "لا قطع على من سرق شيئًا من غير حرز بالإجماع، إلا ما شذَّ فيه الحسن، وأهل الظاهر" (¬7). وقال القرطبي (671 هـ): "اتفق جمهور الناس على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج من حرز ما يجب فيه القطع، وقال الحسن بن أبي الحسن: إذا ¬
جمع الثياب في البيت قطع، وقال الحسن بن أبي الحسن أيضًا في قول آخر مثل قول سائر أهل العلم، فصار اتفاقًا صحيحًا" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "الإخراج من الحرز شرط عند عامة أهل العلم، وعن عائشة، والحسن، والنخعي، أن من جمع المال في الحرز قطع، وإن لم يخرج به، وعن الحسن مثل قول الجماعة، وعن داود لا يعتبر الحرز أصلًا، وهذه الأقوال غير ثابتة عمن نقلت عنه، ولا مقال لأهل العلم إلا ما ذكرنا، فهو كالإجماع" (¬2). وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ) في معرض ذكره لشروط القطع في السرقة: "الرابع: كونه محرزًا، إجماعًا" (¬3) وذكره الخطيب الشربيني (977 هـ) كذلك في "مغني المحتاج": "إجماعًا" (¬4). وقال الرملي (1004 هـ) في معرض ذكره لشروط القطع في السرقة: "الرابع: كونه محرزًا، بالإجماع" (¬5) وقال ابن قاسم (1392 هـ): "الإجماع على أن الحرز معتبر في وجوب القطع" (¬6). وقال المطيعي (1404 هـ): "الشرط في وجوب هذا الحد فهو الحرز، وذلك أن جميع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وأصحابهم متفقون على اشتراط الحرز في وجوب القطع" (¬7). • مستند الإجماع: استدل القائلون باشتراط الحرز في وجوب القطع بأدلة منها: 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء ¬
عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (¬1). 2 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كم تقطع اليد؟ قال: (لا تقطع اليد في ثمر معلق، فإذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن، ولا تقطع في حريسة الجبل، فإذا آوى المراح قطعت في ثمن المجن) (¬2). • المخالفون للإجماع: يتبين مما سبق ممن نقل الإجماع أن ثمة مخالفا لوجوب الحرز في القطع، وهو مذهب الظاهرية، فإنهم لم يشترطوا الحرز، وذهبوا إلى أن من سرق ولو من غير حرز وجب عليه القطع، فلو أخذ المتاع ثم قبض قبل أن يخرجه من الدار وجب عليه الحد، ونقله ابن حزم عائشة رضي اللَّه عنها، والنخعي، وسعيد بن المسيب، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، والحسن البصري (¬3). لكن ثمة مسألة حاصلها: هل من نَقل عنهم ابن حزم القول بعد اشتراط الحرز يرون عدم شرطية الحرز جملة، أم أنهم يرون عدم اشتراط إخراج المال من الحرز، وإن كانوا يرون الحرز في أصله؟ ظاهر كلام ابن حزم عدم الاشتراط جملة، فإنه استدل بأقوالهم على انتفاء شرطية الحرز، لكن ظاهر نصوصهم أنهم لم يشترطوا الإخراج، ولم يذكروا ¬
مسألة كونه محروزًا أم لا، ولذا تجد جماعة من أهل العلم لما نقلوا الخلاف في المسألة فصلوا بين قول الظاهرية، وقول عائشة ومن تبعها. وعلى كل فابن حزم يُعتبر مخالفًا للجمهور في مسألة اشتراط الحرز، وأما عائشة ومن تبعها فإن النقل عنهم في عدم اشتراط الحرز بالكلية، فيه تردد، لا سيما أن جماعة من أهل العلم كابن المنذر وغيره يرون أنه لا يصح في هذا الباب شيء عن السلف، واللَّه تعالى أعلم. • دليل المخالف: استدل ابن حزم لمسألة الباب أنه ليس ثمة دليل شرعي صحيح من كتاب أو سنة أو قول صاحب على اشتراط الحرز (¬1). كما استدل على المسألة من حيث اللغة فنقل الإجماع على أن السرقة تطلق على الآخذ بخفية، وليس في لغة العرب أن يكون المال محرزًا، فقال: "أما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له، وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الاسم، فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز فقد خالف الإجماع على معنى هذه اللفظة في اللغة، وادعى في الشرع ما لا سبيل له إلى وجوده، ولا دليل على صحته" (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن عامة أهل العلم على اشتراط الحرز، لكن المسألة ليست محل إجماع متحقق، ولذا تجد أن جماعة من أهل العلم كابن عبد البر، وابن قدامة وغيرهما مع نقلهم للإجماع ذكروا مخالفًا في المسألة، لكنهم لم يعتدُّوا بخلافه وجعلوه من قبيل الشاذ الذي لا عبرة به. لكن ثمة جملة من أهل العلم اعتبروا المخالف في المسألة وجعلوا اشتراط ¬
[42/ 1] المسألة الثانية والأربعون: من شرط إقامة حد السرقة ألا تكون السرقة من بيت المال.
الحرز هو قول الجمهور، كما فعله ابن حجر حيث قال: "والسرقة: الأخذ خفية، وعرفت في الشرع: بأخذ شيء خفية ليس للآخذ أخذه، ومن اشترط الحرز -وهم الجمهور- زاد فيه: من حرز مثله" (¬1). وكذا سبقه ابن عبد البر في بعض المواضع حيث قال: "وجمهور أهل العلم على أن السارق لا قطع عليه إلا أن يسرق شيئًا محروزًا يخرجه من حرزه، وعلى ذلك جماعة الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار" (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. [42/ 1] المسألة الثانية والأربعون: من شرط إقامة حد السرقة ألا تكون السرقة من بيت المال. • أولا: المراد ببيت المال: هو المكان المعد لحفظ المال، خاصًا كان أو عامًا. • وأما في الاصطلاح: فقد استعمل لفظ "بيت مال المسلمين"، أو "بيت مال اللَّه" في صدر الإسلام للدلالة على المبنى والمكان الذي تحفظ فيه الأموال العامة للدولة الإسلامية من المنقولات، كالفيء، وخمس الغنائم، ونحوها، إلى أن تصرف في وجوهها، ثم اكتفي بكلمة "بيت المال" للدلالة على ذلك، حتى أصبح عند الإطلاق ينصرف إليه. وتطور لفظ "بيت المال" في العصور الإسلامية اللاحقة إلى أن أصبح يطلق على الجهة التي تملك المال العام للمسلمين، من النقود، والعروض، والأراضي الإسلامية، وغيرها. والمال العام هنا: هو كل مال ثبتت عليه اليد في بلاد المسلمين، ولم يتعين مالكه، بل هو لهم جميعًا (¬3). ¬
وقد جمع القاضي بدر الدين بن جماعة (¬1) الجهات السبع التي هي أصول بيت المال في بيتين فقال: جهات أموال بيت المال سبعتها ... في بيت شعر حواها فيه كاتبه خمس وفيء خراج جزية عشر ... وإرث فرد ومال ضل صاحبه (¬2). • ثانيًا صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص حر مسلم بما يوجب الحد، وكان المال المسروق لبيت المال، فإن السارق لا يحد. ويتبين مما سبق أن غير المسلم، كالذمي والحربي وغيرهما لو سرق من بيت المال، فإنه غير داخل في مسألة الباب، وكذا لو كان المسلم عبدًا، فإن مسألته محل خلاف، وليست هي مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) بعد نقله عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب أنه لا قطع على من سرق من بيت المال: "إنما احتج من لم ير القطع في ذلك بحجتين: أحداهما: أن له فيه نصيبًا مشاعًا. والثانية: أنه قول صاحبين لا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬3). وقال ابن المرتضى (840 هـ) بعد ذكره الخلاف في قطع من سرق من بيت المال: "لنا: قول عمر ولم ينكر. . . ولا قطع في الخمس والغنيمة إجماعًا ولو من غير الغانمين" (¬4). ¬
وقال المرداوي (858) فيمن لا يقام عليهم الحد: "ولا مسلم بالسرقة من بيت المال. . . لا خلاف في ذلك إذا كان حرًا" (¬1). وقال الصنعاني (1182 هـ): "اتفقوا على أنه لا يقطع من سرق من الغنيمة، والخمس وإن لم يكن من أهلها" (¬2). • مستند الإجماع: استدل الحنفية والحنابلة على أن المسلم إذا سرق من بيت المال فإنه لا يقطع، بأدلة منها: 1 - عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن عبدًا من رقيق الخمس سرق من الخمس، فرفع ذلك إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يقطعه، وقال: (مال اللَّه عز وجل سرق بعضه بعضًا) (¬3). 2 - أن هذا الرأي مروي عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة (¬4). 3 - من النظر: أن لكل مسلم حقًا في بيت المال، غنيًا كان أو فقيرًا، فيكون هذا الحق شبهة تدرأ عنه الحد (¬5). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المسلم إذا سرق ¬
من بيت المال فعليه القطع، وهو مذهب المالكية (¬1)، والشافعية في الأصح (¬2)، وبه قال حماد (¬3)، وابن المنذر، وابن حزم (¬4)، إلا أن الشافعية جعلوا السرقة من بيت المال على ثلاثة أحوال: الحال الأولى: إن كان المال محرزًا لطائفة، هو منها، أو أحد أصوله أو فروعه منها، فلا قطع؛ لوجود الشبهة. الحال الثانية: إن كان المال محرزًا لطائفة ليس هو ولا أحد أصوله أو فروعه منها، فيجب القطع، لضعف الشبهة. الحال الثالثة: إن كان المال غير محرز لطائفة بعينها، فالأصح أنه إن كان له حق في المسروق، كمال المصالح، ومال الصدقة وهو مستحق لها بالفقر أو الغرم أو نحو ذلك، فلا قطع؛ للشبهة، وإن لم يكن له فيه حق قطع؛ لضعف الشبهة (¬5).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع، لوجود الخلاف من المالكية، والشافعية، وحماد، وابن المنذر، وابن حزم، وقد نص ابن حزم على عدم الإجماع حيث قال: "ليست هذه القضية مما جاء به القرآن، ولا مما صح عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا مما أجمعت عليه الأمة" (¬6). ¬
[43/ 1] المسألة الثالثة والأربعون: من شرط إقامة حد السرقة أن يكون المسروق بلغ حد النصاب.
[43/ 1] المسألة الثالثة والأربعون: من شرط إقامة حد السرقة أن يكون المسروق بلغ حد النصاب. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، فإنه لا يحد السارق إلا إذا كان المسروق بلغ نصابًا، ومقدار النصاب محل خلاف بين أهل العلم سبق بيانه (¬1). • من نقل الإجماع: الإجماع في هذه المسألة نقل على وجهين: الوجه الأول: أن الإجماع كان في عصر الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم: قال الكاساني (587 هـ): "وأما الإجماع فإن الصحابة -رضوان اللَّه عليهم- أجمعوا على اعتبار النصاب، وإنما جرى الاختلاف بينهم في التقدير، واختلافهم في التقدير إجماع منهم على أن أصل النصاب شرط" (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ) في سياق شروط القطع في السرقة: "الشرط الثاني: أن يكون المسروق نصابًا ولا قطع في القليل في قول الفقهاء كلهم، إلا الحسن، وداود، وابن بنت الشافعي، والخوارج، قالوا: يقطع في القليل والكثير. . . ولنا: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا) متفق عليه (¬3)، وإجماع الصحابة" (¬4). قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا يجب القطع بسرقة دون النصاب في قول الفقهاء كلهم، إلا الحسن، وداود، وابن بنت الشافعي، والخوارج، فإنهم قالوا: يقطع في القليل والكثير. . . ولنا: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقطع اليد إلا ¬
في ربع دينار فصاعدًا) متفق عليه (¬1)، وإجماع الصحابة" (¬2). وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "لا قطع بسرقة دون النصاب. . . وهو إجماع الصحابة" (¬3). وقال ابن قاسم (1392 هـ) في معرض الكلام على شروط القطع: "أن يكون المسروق نصابًا. . . فلا قطع بسرقة ما دون ذلك عند عامة الفقهاء المعتد بقولهم، ولإجماع الصحابة" (¬4). الوجه الثاني: أن اشتراط النصاب محل إجماع، ولم يقيد بزمن دون غيره: فهذا حكاه الطحاوي (321 هـ) حيث قال: "أجمعوا أن اللَّه عز وجل لم يعن بذلك كل سارقٍ، وأنه إنما عنى به خاصًا من السراق لمقدار من المال معلوم. فلا يدخل فيما قد أجمعوا عليه أن اللَّه تعالى عنى به خاصًا إلا ما قد أجمعوا أن اللَّه تعالى عناه" (¬5). وقال الطرابلسي (844 هـ) (¬6): "لا خلاف في أن النصاب في باب السرقة شرط لوجوب القطع" (¬7)، ونقل الإجماع على ذلك في موضع آخر (¬8). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "اتفق أهل العلم أن من سرق نصابًا وجب قطعه بشرطه" (¬9). ¬
• مستند الإجماع: من الأدلة على اشتراط النصاب: 1 - عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقطع السارق في ربع دينار فصاعدًا" (¬1). وفي لفظ لمسلم أيضا عن عائشة رضي اللَّه عنها عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا) (¬2). 2 - عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف في اشتراط النصاب جماعة من أهل العلم، فذهب الحسن البصري، وابن بنت الشافعي (¬4)، وعليه مذهب الظاهرية، إلى قطع السارق في القليل والكثير (¬5). كذا نقله غير واحد من أهل العلم. إلا أن التحقيق في مذهب ابن حزم أنه يرى القطع في كل ما له قيمة، سواء قلت قيمته أو كثرت، باستثناء الذهب فاشترط أن يبلغ ربع دينار بوزن مكة. وعلى هذا فابن حزم لا يرى القطع في سرقة التافه الذي لا قيمة له، وقد نص على ذلك في كتابه "المحلى" (¬6). ¬
وإذا تقرر هذا فإن ما أطلقه بعض الفقهاء من القول بأن ابن حزم يرى القطع في القليل والكثير فيه توسع. • دليل المخالف: استدل القائلون بعدم اشتراط النصاب بما يلي: 1 - قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1). • وجه الدلالة: أن الآية عامة في وجوب قطع السارق، وليس ثمة ما يدل على تحديد النصاب، وحديث ابن عمر وعائشة في النصاب يدل على القطع في ربع دينار أو ثلاثة دراهم، لا على عدم القطع فيما دون ذلك. 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لعن اللَّه السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده) (¬2). • وجه الدلالة: في الحديث إشارة إلى وجوب القطع في سرقة البيضة، أو الحبل، ومن المعلوم أن قيمة البيضة، أو الحبل، لا يساوي ما حده الفقهاء من النصاب.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم، ومن حكى إجماع الصحابة فهو من قبيل الإجماع غير القطعي المجزوم به، فإن الوارد عن الصحابة أنهم قطعوا فيما قيمته ثلاثة دراهم، أو درهمين، أو نحو ذلك، لا أنه لا قطع في أقل من نصاب معين، وقد ثبت الخلاف عمن بعد ¬
[44/ 1] المسألة الرابعة والأربعون: سارق ربع دينار وسارق أكثر من ذلك سواء في الحد.
الصحابة كالحسن البصري، وابن بنت الشافعي، وداود الظاهري، ولعل من أطلق الإجماع في المسألة، أو أنه لا خلاف فيها، لم يعتبر قول المخالف وعدَّه من قبيل الشاذ الذي لا يعول عليه، واللَّه تعالى أعلم. [44/ 1] المسألة الرابعة والأربعون: سارق ربع دينار وسارق أكثر من ذلك سواء في الحد. • المراد بالمسألة: يراد بمسألة الباب أن السرقة إن بلغت نصابًا فإن حد من سرق النصاب دون زيادة لا يختلف عن حد من سرق زيادة على النصاب ولو بأضعاف مضاعفة، بل الحد واحد متى توفرت شروط القطع. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "قد صح الإجماع بأن سارق ربع دينار وسارق أكثر من ذلك سواء" (¬1). وينبه إلى أن ابن حزم لم يرد بالتحديد بربع دينار نفي ما دونه، لأن ابن حزم كما سبق لا يرى شرطية النصاب أصلًا فيقطع بالقليل والكثير مما له قيمة، لكن مقصود ابن حزم في من اشترط النصاب، فمتى بلغت السرقة نصابًا فإن حد السارق فيما إذا سرق النصاب دون زيادة لا يختلف عن حده فيما إذا سرق زيادة على النصاب ولو بأضعاف. • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - أن اللَّه تعالى أوجب القطع على السارق والسارقة، ولم يفصل بين من سرق النصاب ومن سرق أكثر من النصاب. 2 - أن أحاديث السنة جاءت ببيان تحديد النصاب الذي يجب فيه القطع، ولم يأت نص من الكتاب أو السنة بالتفرقة بين ما بلغ النصاب وما زاد عليه، فبقي على الأصل وهو التساوي. ¬
[45/ 1] المسألة الخامسة والأربعون: من سرق من بيت دار غير مشتركة السكنى، لا يقطع حتى يخرج من الدار.
Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [45/ 1] المسألة الخامسة والأربعون: من سرق من بيت دار غير مشتركة السكنى، لا يقطع حتى يخرج من الدار. • المراد بالمسألة: لو سرق شخص من دار خاصة لرجل، وقبض عليه وهو لم يخرج منها فإنه لا يقطع. ويتحصل من هذا أمران: الأول: أن الدار لو كانت مشتركة، كالفنادق والشقق، وخرج من باب غرفة الفندق، أو من باب الشقة إلى الممر العام، فإن هذه غير مسألة الباب، والقطع فيها حكاه القرطبي بغير خلاف (¬1). الثاني: لو كانت الدار خاصة وقُبض عليه قبل أن يخرج منها، فإن هذه غير مسألة الباب، إذ قد سبق الكلام عليها في أول الكتاب (¬2). • من نقل الإجماع: قال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما الحرز عند الذين أوجبوه فإنهم اتفقوا منه على أشياء واختلفوا في أشياء. . . مثل اتفاقهم على من سرق من بيت دار غير مشتركة السكنى أنه لا يقطع حتى يخرج من الدار" (¬3). وقال المطيعي (1404 هـ): "وأما الحرز عند الذين أوجبوه فإنهم اتفقوا منه على أشياء واختلفوا في أشياء. . . مثل اتفاقهم على من سرق من بيت دار غير ¬
مشتركة السكنى أنه لا يقطع حتى يخرج من الدار" (¬1). ويمكن أن يضاف لهذه النقولات ما ذكرناه في المسألة الثانية عشرة بعنوان: "السارق إذا دخل البيت ولم يخرج بالمتاع لا يُقطع"، فإنها تدل على أن من أخذ المال من الدار المحرزة ولم يخرج المال من الحرز فلا قطع عليه. • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (¬2). وفي رواية أخرى للنسائي أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل في كم تقطع اليد؟ قال: (لا تقطع اليد في ثمر معلق، فإذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن، ولا تقطع في حريسة الجبل، فإذا آوى المراح قطعت في ثمن المجن) (¬3). • وجه الدلالة: أن الشارع جعل من شرط القطع أن يكون المال محرزًا، وذلك يدل على أن من شرط القطع هتك الحرز وإخراج المتاع منه (¬4). 2 - من النظر: أن من لم يخرج من الحرز لا يعد سارقًا حقيقة، وإنما هو كمن وضع بين يديه خمرًا ليشربها، ولم يفعل، أو كرجل جلس بين يدي امرأة يريد أن يصيبها، ثم لم يفعل، فليس على أحد من هؤلاء حد، والمقصود ¬
بالسرقة هو إخراج المال، لا هتك الحرز، فإذا لم يتحقق المقصود فلا يعد الشخص سارقًا حقيقة (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف الظاهرية في مسألة الباب (¬2)، حيث ذهبوا إلى وجوب القطع بناءً على أن الحرز غير شرط في القطع، ونقل ابن حزم هذا القول عن عائشة رضي اللَّه عنها، والنخعي، وسعيد بن المسيب، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، والحسن البصري (¬3). • دليل المخالف: علل ابن حزم لمسألة الباب بأنه ليس من شرط القطع في السرقة أن يأخذه من حرز، وليس في نصوص الشارع نص صريح صحيح على اشتراط الحرز، كما أنه ليس في لغة العرب ما يدل على أن الحرز معتبر في السرقة، بل نقل الإجماع على أن السرقة تطلق على الآخذ بخفية، وليس في لغة العرب أن يكون المال محرزًا، فقال: "أما الإجماع فينه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له، وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الاسم، فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز فقد خالف الإجماع على معنى هذه اللفظة في اللغة، وادعى في الشرع ما لا سبيل له إلى وجوده، ولا دليل على صحته" (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لوجود الخلاف من الظاهرية. ¬
[46/ 1] المسألة السادسة والأربعون: يشترط للحد ألا يكون للسارق في المال المسروق شبهة ملك.
[46/ 1] المسألة السادسة والأربعون: يشترط للحد ألا يكون للسارق في المال المسروق شبهة ملك. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، ولم يكن للسارق شبهة ملك بالمال المسروق فإنه لا يقطع، ومن صور شبهة الملك سرقة الأب من ابنه، وهي محل اتفاق بين الأئمة الأربعة، ومنها سرقة الزوج من زوجته، أو العبد من سيده، أو السرقة من بيت المال، أو سرقة الشريك من مال شريكه في المال المشترك بينهما وما أشبه ذلك، وإن كانت هذه الصور محل خلاف بين أئمة المذاهب الفقهية الأربعة. • من نقل الإجماع: هذه المسألة تندرج قحت قاعدة كلية مشهورة عند أهل الفقه، يعبر عنها بمسألة "درأ الحدود بالشبهات"، ومعلوم أن هذه القاعدة متفق عليها عند أئمة المذاهب الأربعة على اختلاف بينهم في الصور المندرجة تحتها، بل نقل ابن المنذر فيها الإجماع، فقال: "وأجمعوا على أن درء الحد بالشبهات" (¬1). وأما نص المسألة: قال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفقوا على أن من شرط المسروق الذي يجب فيه القطع أن لا يكون للسارق فيه شبهة ملك" (¬2). وقال المطيعي (1404 هـ): "اتفقوا على أن من شرط المسروق الذي يجب فيه القطع أن لا يكون للسارق فيه شبهة ملك" (¬3). • مستند الإجماع: جاء في نصوص الشرع أدلة كثيرة تقرر درأ الحدود بالشبهات فمنها: 1 - عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ادرءوا الحدود عن ¬
المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) (¬1). 2 - عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعًا) (¬2) (¬3). ¬
[47/ 1] المسألة السابعة والأربعون: لا يشترط لإقامة الحد مطالبة صاحب المال المسروق بالحد.
• المخالفون للإجماع: خالف الظاهرية في مسألة الباب وذهبوا إلى أن الحد لا يدرأ بالشبهات، وهذا هو مذهب الظاهرية، كما بينه ابن حزم فقال: "ذهب قوم إلى أن الحدود تدرأ بالشبهات، فأشدهم قولًا بها واستعمالًا لها أبو حنيفة وأصحابه، ثم المالكيون، ثم الشافعيون. وذهب أصحابنا إلى أن الحدود لا يحل أن تدرأ بشبهة، ولا أن تقام بشبهة، وإنما هو الحق للَّه تعالى ولا مزيد، فان لم يثبت الحد لم يحل أن يقام بشبهة؛ لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام) (¬1)، وإذا ثبت الحد لم يحل أن يدرأ بشبهة؛ لقول اللَّه تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (¬2) " (¬3). وعليه فمذهب الظاهرية أن من سرق من مال أبيه، أو مال ابنه، فإن عليه الحد إذا توفرت فيه شروط القطع، ولا يدرأ الحد بالشبهة حينئذ (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة من حيث العموم ليست محل إجماع متحقق، لكن ينبه إلى أن بعض الصور المندرجة تحت القاعدة قد تكون محل إجماع، لا لكونها شبهة تدرأ به الحد، بل لدليل آخر يكون نصًا في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [47/ 1] المسألة السابعة والأربعون: لا يشترط لإقامة الحد مطالبة صاحب المال المسروق بالحد. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص، لكن صاحب المال المسروق لم يطالب بالحد، فإنه يجب إقامة الحد حينئذٍ، ولا عبرة بمطالبة صاحب المال المسروق بإقامة الحد من عدمه في إقامة حد السرقة. ¬
ويتنبه إلى أن ثمة مسألة وهي مطالبة صاحب المال المسروق بماله، وهذه مسألة أخرى محل خلاف ليست مسألة الباب، ومسألة الباب هي فيما لو ثبت الحد، فهل يشترط مطالبة صاحب المال المسروق بإقامة الحد أم لا. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في قطع يد السارق: هل يفتقر إلى مطالبة المسروق بماله؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره، لكنهم يتفقون على أنه لا يحتاج إلى مطالبة المسروق" (¬1)، أي مطالبته بالحد. • مستند الإجماع: مما يدل على مسألة الباب: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬2). • وجه الدلالة: عموم الآية، وليس في نصوص الشريعة دليل على اشتراط مطالبة صاحب المال المسروق، وقد أقام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام حد السرقة وكذا الصحابة بعده، ولم يرد عن أحد منهم اشتراط مطالبة صاحب المال المسروق بالحد. 2 - حديث عائشة رضي اللَّه عنها في شأن المرأة المخزومية التي سرقت -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر بتلك بها فقطعت يدها (¬3). • وجه الدلالة: أن حد السرقة حد للَّه عز وجل، فإذا ثبت عند الإمام وجب إقامته، ولا يملك صاحب المال المسروق إقامته أو إبطاله بالعفو.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
الفصل الثالث مسائل الإجماع فيما يثبت به حد السرقة
الفصل الثالث مسائل الإجماع فيما يثبت به حد السرقة [48/ 1] المسألة الثامنة والأربعون: يثبت حد السرقة بشهادة رجلين. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الشهادة لغةً واصطلاحًا: • الشهادة لغةً: تطلق الشهادة في لغة العرب على عدة معان هي: أولًا: بمعنى العلم والبيان: قال ابن فارس: "يقال: شهد فلان عند القاضي: إذا بيَّن لمن الحق وعلى من هو، فالشاهد هو الذي يبين ما علمه" (¬1)، ومنه قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (¬2)، فقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أن الشهادة هنا بمعنى بيَّن وأعلم، منهم القرطبي حيث قال: {شَهِدَ اللَّهُ}: أي بيَّن وأعلم، كما يقال: شهد فلان عند القاضي: إذا بين وأعلم لمن الحق، أو على من هو" (¬3)، وقال البغوي: {شَهِدَ اللَّهُ}، أي: بيّن اللَّه، لأن الشهادة تبيين" (¬4). ثانيًا: بمعنى الحضور: قال الفيومي: "شهدتُ المجلس: حضرتُه" (¬5)، ومنه قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬6)، أي كان حاضرًا في البلد حين دخل شهر رمضان (¬7)، وكذا قوله تعالى: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} (¬8)، ¬
أي حضور (¬1). ثالثًا: بمعنى المشاهدة والمعاينة: تقول: شهد فلان زيدًا: أي شاهده وعاينه، قال الفيومي: "شهدت الشيء: اطلعت عليه وعاينته، فأنا شاهد" (¬2)، ومنه قوله تعالى: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)} (¬3)، عند جماعة من أهل التفسير منهم ابن كثير حيث قال: "أي: مشاهدون لما يُفعل بأولئك المؤمنين" (¬4). رابعًا: بمعنى الحلف، قال ابن منظور: "قولهم: اشهدْ بكذا: أي احلفْ" (¬5)، ومنه قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)} (¬6)، أي أن تحلف (¬7)، وقال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} (¬8)، قال ابن الجوزي (¬9): "وهذه الآية تدل على أن قول القائل: "أشهد" يمين؛ لأنهم قالوا: {نَشْهَدُ} فجعله يمينًا بقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} (¬10) " (¬11). ¬
خامسًا: بمعنى الإخبار خبر قاطع، تقول: شهد فلان على كذا: أي أخبر، قال الفيروزآبادي: "الشهادة: خبر قاطع" (¬1)، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (¬2). سادسًا: بمعنى العلم، قال الأزهري: "الشاهد: هو العالم الذي يبين ما علمه" (¬3)، ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)} (¬4) (¬5)، وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (¬6)، أي كتم علمًا بلغه من اللَّه تعالى (¬7). وقد جمع ابن فارس هذه المعاني الست في معان ثلاث أصول فقال: "الشين والهاء والدال أصلٌ يدلُّ على حضور، وعلم، وإعلام، لا يخرُج شيءٌ من فروعه عن الذي ذكرناه" (¬8). • الشهادة اصطلاحًا: قال الجرجاني: "الشهادة هي في الشريعة: إخبار عن عيان بلفظ الشهادة في مجلس القاضي بحق للغير على آخر" (¬9). وقال الكاساني: "هو الإخبار عن كون ما في يد غيره لغيره" (¬10). وقيل: هي خبر ¬
خاص قصد به ترتيب فصل القضاء عليه (¬1). والشهادة إما أن تكون مأخوذة من المشهادة التي هي المعاينة، وعلى هذا المعنى فتسمية الإخبار في حضور القاضي عن صفة وكيفية المدعى به شهادة يكون من قبيل المجاز حيث أطلق اسم السبب على المسبب. وإما أن تكون مأخوذة من الشهود، ومعنى الشهود الحضور؛ لأن الشاهد يحضر بعد مجلس المحاكمة مجلس القاضي للشهادة فيطلق بطريق المجاز عليها شهادة (¬2). وللشهادة حالان: الحال الأولى: حال تحمل، وهو أن يدعى الشخص ليشهد ويحفظ الشهادة. الحال الثانية: حال أداء، وهو أن يدعى الشخص ليشهد بما علمه (¬3). • ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وكان ثبوت السرقة بالبينة، فيشترط في الشهود شرطان: أحدها: كونهم رجال. والثاني: أن يكونوا اثنين، فأكثر. فإن اختل أحد الشرطين فلا قطع، ما لم تكن السرقة حصلت في مجمع خاص بالنساء، كالحمام، أو مكان عرس خاص بالنساء، أو نحو ذلك. ويتبين مما سبق أن الحد لو ثبت بإقرار المرأة على نفسها بالسرقة، أو كان بالشهود وكانت السرقة في مجمع نسائي محض، كالحمام، فكل ذلك ليس من مسائل الباب، وكذا مسألة الضمان غير مرادة كما لو كان الشهود رجل ¬
وامرأتان، فإنه لا قطع من حيث الحد، أما مسألة هل يضمن المال المدعى عليه بالسرقة أو لا، فمسألة أخرى. • من نقل الإجماع: هذه المسألة حاصلها التقسيم إلى مسألتين: • المسألة الأولى: أن يكون الشهود رجالًا: قال الزهري (124 هـ): "مضت السنة من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والخليفتين من بعده ألا تجوز شهادة النساء في الحدود" (¬1). ونقل ابن حجر عن أبي عبيد القاسم بن سلام (214 هـ) اتفاق الفقهاء على عدم قبول شهادة النساء في الحدود (¬2). وقال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن شهادتهن -أي النساء- لا تقبل في الحدود" (¬3). • مستند الإجماع: القرآن قول اللَّه تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (¬4). • وجه الدلالة: 1 - أن اللَّه تعالى بين أن في شهادة النساء ضرب من الشبهة، من جهة أن الضلال والنسيان يغلب عليهن، ويقل معهن معنى الضبط والفهم. 2 - عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- (¬5) قال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أضحى أو ¬
فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدقن؛ فإني أريتكن أكثر أهل النار) فقلن: وبم يا رسول اللَّه؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول اللَّه؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ ) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ ) قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان دينها) (¬1). • وجه الدلالة: الحديث صريح في كون المرأة ناقصة في الشهادة عن شهادة الرجال، وأنها معرضة للضلال والنسيان في شهادتها، وهذا من جملة الشبهات التي تدرأ بها الحدود (¬2). • المخالفون للإجماع: القول باشتراط الرجال عليه عامة أهل العلم، لكن نُقل فيه الخلاف عن عطاء حيث قال: "تجوز شهادة النساء مع الرجال في كل شيء، وتجوز على الزنا امرأتان وثلاثة رجال" (¬3). وحكي عن طاووس (¬4) أنه قال: "تجوز شهادة النساء في كل شيء مع ¬
الرجال إلا الزنا؛ من أجل أنه لا ينبغى أن ينظرن إلى ذلك" (¬1). وممن خالف أيضًا ابن حزم فأجاز شهادة النساء، حيث قال: "ولا يقبل في سائر الحقوق كلها من الحدود، والدماء، وما فيه القصاص، والنكاح، والطلاق، والرجعة، والأموال، إلا رجلان مسلمان عدلان، أو رجلان وامرأتان كذلك، أو أربع نسوة كذلك" (¬2). • دليل المخالف: استدل القائلون بقبول شهادة النساء في الحدود أن الأصل قبول والشهادة، ليس ثمة نص من كتاب أو سنة يمنع ذلك. • المسألة الثانية: أن يكون الشهود اثنان فأكثر: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا في أن قطع يد السارق إذا شهد عليه بالسرقة شاهدان عدلان مسلمان حران ووصفا ما يجب فيه القطع ثم عاد أنه يقطع" (¬3). ونقل ابن حزم (456 هـ) الاتفاق على القطع بشاهدين (¬4). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفقوا على أن السرقة تثبت بشاهدين عدلين" (¬5). وقال صاحب تكلمة المجموع: "اتفقوا على أن السرقة تثبت بشاهدين عدلين" (¬6). • المخالفون للإجماع: الذي يظهر -والعلم عند اللَّه تعالى- أن عدم قبول شهادة الواحد محل إجماع؛ فإنه لا مخالف في المسألة فيما اطلعت عليه من كتب أهل العلم، ولا أشار أحد من أهل العلم إلى قول، أو رواية، أو وجه يبيح شهادة الواحد. ¬
[49/ 1] المسألة التاسعة والأربعون: يثبت حد السرقة بالشهادة إذا لم يختلف الشاهدان أو يتراجعا عن شهادتهما.
أما الاكتفاء بالاثنين فحكي عن الحسن البصري أنه لا تقبل شهادة أقل من أربعة قياسًا على الزنا (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن اشتراط الرجال للشهادة بحد السرقة ليس محل إجماع متحقق، ولذا لما ذكر ابن رشد الحفيد المسألة نسب القول باشتراط الرجال للجمهور فقال: "واختلفوا في قبولهما في الحدود، فالذي عليه الجمهور أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود لا مع رجل ولا مفردات" (¬2)، وكذا صنع ابن حجر (¬3)، وهو في ذلك متبع لابن بطال حيث قال في شرحه: "أجمع أكثر العلماء على أن شهادتهن لا تجوز في الحدود والقصاص" (¬4)، فلم يجزم بالإجماع وإنما جعله للأكثر. أما عدد الشهود فعامة أهل العلم على أنه يكفي اثنين، وعند الحسن لا بد من أربعة، وثمة أجماع على أنه لا يكفي الواحد، واللَّه تعالى أعلم. [49/ 1] المسألة التاسعة والأربعون: يثبت حد السرقة بالشهادة إذا لم يختلف الشاهدان أو يتراجعا عن شهادتهما. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان ثبوتها بشاهدة شاهدين، فيشترط حينئذ شرطان: أحدهما: أن لا تختلف شهادتهما في تعيين السارق، أو في المكان، أو الزمان، أو جنس المسروق. فإن اختلفت، بأن شهد الأول بأن السارق فلان، وشهد الثاني بأنه فلان آخر، أو شهد الأول بأن السرقة كانت صباحًا، وشهد الآخر أنها كانت مساءً، أو شهد الأول أنها من منزل فلان، وشهد الثاني أنها من منزل فلان آخر، أو ¬
شهد الأول أن المسروق بقرة، وشهد الآخر أنه حمارًا، فلا قطع. الثاني: ألا يتراجع أحد عن أداء الشهادة، فإن تراجع أحد الشاهدين عن الشهادة فمسألة أخرى. فإذا توفر الشرطان، وتوفرت شروط السرقة الباقية قطع بالإجماع، وإن تراجعا أو اختلفت شهادتهما لم يقطع. ويتبين مما سبق أن الاختلاف في لون المسروق ليس من مسألة الباب؛ فإن الخلاف فيها مشهور بين أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم. • من نقل الإجماع: يظهر مما سبق أن مسألة الباب على شقين: أحدها: وجوب قطع من شهد عليه شاهدان، لم يتراجعا عن شهادتهما. الثاني: اشتراط الاتفاق في الوصف، فإن اختلفت شهادتهما في المكان أو الزمان أو جنس المسروق. وهذه نصوص أهل العلم في نقل الإجماع: حكى ابن حزم (456 هـ) الاتفاق أن من سرق ما يوجب القطع، وشهد عليه شاهدان ولم يتراجعا أو يختلفا في الشهادة فإنه يُقطع (¬1). ونقل ابن قدامة (620 هـ) الإجماع على أنه لو اختلف الشاهدان في جنس المسروق أو مكانه أو زمانه فإنه لا قطع، فقال: "إذا اختلف الشاهدان في الوقت، أو المكان، أو المسروق، فشهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس، والآخر أنه سرق يوم الجمعة، أو شهد أحدهما أنه سرق من هذا البيت، وشهد الآخر أنه سرق من هذا البيت، أو قال أحدهما: سرق ثورا، وقال الآخر: سرق بقرة، أو قال: سرق ثورًا، وقال الآخر: سرق حمارًا، لم يقطع في قولهم جميعًا" (¬2). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "وإذا اختلف الشاهدان في الوقت ¬
أو الزمان أو المسروق فشهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس والآخر أنه سرق يوم الجمعة، أو شهد أحدهما أنه سرق من هذا البيت والآخر أنه سرق من هذا البيت الآخر، أو قال أحدهما: سرق ثورًا، وقال الآخر: سرق بقرة، أو قال الآخر: سرق حمارًا، لم يقطع في قولهم جميعًا" (¬1). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "مما يُسقط الحد اختلاف الشهود في المكان مع التباين الكبير كالبصرة وبغداد، فلا حد عليه إجماعًا" (¬2). • مستند الإجماع: أما وجوب الحد على من شهد عليه شاهدان ولم يتراجعا فعلَّته ظاهرة من حيث أن الأصل إقامة الحد بالشهود، واتفاقهما على الشهادة مع عدم التراجع من أحدهما يدل على ضبطها. وأما سقوط الحد إن اختلفت شهادتهما أو تراجع أحدهما فسببه أن تراجع أحدهما، أو اختلاف شهادتهما، إشعار على عدم ضبط الشهادة، ويكون في إقامة الحد شبهة حينئذ، والحدود تدرأ بالشبهات. • المخالفون للإجماع: خالف ابن حزم في بعض الصور المندرجة في مسألة الباب، فيرى مثلًا أن اختلاف الشهود في تعيين السارق يسقط القطع، أما اختلافهما في المكان، أو الزمان، أو جنس المسروق، فلا يسقط الحد، وفي ذلك يقول: "الذي نقول به: أن كل ما تمت به الشهادة، ووجب القضاء بها، فإن كل ما زاده الشهود على ذلك فلا حكم له، ولا يضر الشهادة اختلافهم، كما لا يضرها سكوتهم عنه، وأن كل ما لا تتم الشهادة إلا به فهذا هو الذي يفسدها اختلافهم، فالشهادة إذا تمت من أربعة عدول بالزنى على إنسان، بامرأة يعرفونها أجنبية، لا يشكون في ذلك، ثم اختلفوا في المكان، أو في الزمان، أو في المزني بها، فقال بعضهم: أمس بامرأة سوداء، وقال بعضهم: بامرأة ¬
[50/ 3] المسألة الخمسون: يكفي في الإقرار، الإقرار المجرد دون إحضار المال المسروق.
بيضاء اليوم، فالشهادة تامة، والحد واجب؛ لأن الزنى قد تم عليه، ولا يحتاج في الشهادة إلى ذكر مكان ولا زمان، ولا إلى ذكر التي زنى بها، فالسكوت عن ذكر ذلك وذكره سواء، وكذلك في السرقة، ولو قال أحدهما: أمس، وقال الآخر: عام أول، أو قال أحدهما: بمكة، وقال الآخر: ببغداد، فالسرقة قد صحت، وتمت الشهادة فيها، لا معنى لذكر المكان، ولا الزمان، ولا الشيء المسروق منه، سواء اختلفا فيه، أو اتفقا فيه، أو سكتا عنه؛ لأنه لغو، وحديث زائد، ليس من الشهادة في شيء" (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، في أنه لو اتفقت شهادتهما ولم يتراجعا فيجب القطع. أما اشتراط اتفاق الشهود فعلى قسمين: الأول: الاتفاق في تعيين السارق، فهذا محل إجماع. الثاني: الاتفاق في الزمان، أو المكان، أو جنس المسروق، فذلك ليس بمحل إجماع، واللَّه تعالى أعلم. [50/ 3] المسألة الخمسون: يكفي في الإقرار، الإقرار المجرد دون إحضار المال المسروق. • المراد بالمسألة: إذا أقر شخص على نفسه مختارًا بما يوجب حد السرقة، فإنه لا يشترط لإقامة الحد أن يحضر المال المسروق. ويتحصل مما سبق أن السرقة لو ثبتت ببينة، أو كان إقرار السارق فيه نوع وإكراه كأن يمتحن بالضرب أو الحبس، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "قد روينا عن أبي بكر الصديق بحضرة عمر بن الخطاب وسائر الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أنه قَطَع [إلا ¬
قطع] (¬1) بإقرار مجرد دون إحضار السرقة" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬3). • وجه الدلالة: أن الآية عامة، وليس فيها اشتراط أن يكون السارق معه المال المسروق. 2 - عن أبي أمية المخزومي أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي بلص اعترف اعترافًا ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما إخالك سرقت) قال: بلى، قال: (اذهبوا به فاقطعوه)، ثم جيئوا به، فقطعوه، ثم جاءوا به، فقال له: (قل أستغفر اللَّه وأئوب إليه) فقال: أستغفر اللَّه وأتوب إليه، قال: (اللهم تب عليه) (¬4). • وجه الدلالة: قوله: "ولم يوجد معه متاع"، ومع ذلك أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقطعه حين أقر. 3 - نصوص السنة الدالة على القطع؛ إذ ليس في شيء منها اشتراط إحضار المال المسروق. • المخالفون للإجماع: نقل ابن حزم عن المالكية خلافًا في مسألة الباب، وأن من أقر بسرقة مال معين، فلا بد من إحضار المال المسروق ليقبل إقراره (¬5). • دليل المخالف: استدل المخالف بأنه مروي عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه-، بما رواه ¬
[51/ 1] المسألة الحادية والخمسون: السرقة تثبت بالإقرار.
ابن حزم أن ابن عمر استفتي في إنسان متهم بسرقة فجُلد حتى اعترف بها، فقال -رضي اللَّه عنه-: "لا تُقطع يده حتى يبرزها" (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، وإن كنت لم أجد عن المالكية شيئًا في أن المقر لا يقبل إقراره إلا بإحضار المال المسروق، فإن ثبت كلام ابن حزم في خلاف المالكية، فإن المسألة حينئذ ليست بإجماع، وإن لم يثبت كلام ابن حزم فالمسألة حينئذ محل إجماع؛ لأن من نقل الخلاف في المسألة إنما يذكرها فيما لو أكره الشخص على الإقرار، فقال طائفة لا يقبل الإقرار إلا بما يدل على سرقته كأن يحضر المال المسروق (¬2). وأما جعل إحضار المال المسروق شرطًا عامًا في كل اعتراف فلم أجده لأحد من أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم. [51/ 1] المسألة الحادية والخمسون: السرقة تثبت بالإقرار. • المراد بالمسألة: لو أقر شخص حر على نفسه بالسرقة، دون تهديد من غيره، وكان ممن يصح إقراره، فإن الحد يثبت عليه. ويتخرج من ذلك أن الشخص لو كان عبدًا، أو كان أقر على نفسه بموجب التهديد والعذاب، أو كان ممن لا يصح إقراره، كالصغير، والمجنون، ¬
ونحوهما، فكل ذلك غير داخل في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من أقر على نفسه بسرقة، في مجلسين مختلفين، وثبت على إقراره، أو أحضر ما سرق، أن القطع يجب عليه" (¬1). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفقوا على أن السرقة تثبت بشاهدين عدلين، وعلى أنها تثبت بإقرار الحر" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على المسألة ما في صحيح مسلم عن بريدة -رضي اللَّه عنه- قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال: (ويحك ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويحك، ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه طهرني؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فيم أطهرك)؟ فقال: من الزنى، فسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أبه جنون)؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: (أشَرِب خمرًا)؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، قال فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أزنيت)؟ فقال: نعم، فأمر به فرُجِم. ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول اللَّه طهرني؟ فقال: (ويحك، ارجعي فاستغفري اللَّه وتوبي إليه) فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك، قال: (وما ذاك؟ )، قالت: إنها حبلى من الزنى، فقال: (آنت؟ ) قالت: نعم، فقال لها: (حتى تضعي ما في بطنك) قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: قد وضعت الغامدية، فقال: (إذا لا نرجمها وندع لها ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه)، فقام رجل ¬
[52/ 1] المسألة الثانية والخمسون: باب البيت وغلقه حرز.
من الأنصار فقال إلى رضاعه يا نبي اللَّه، قال: فرجمها (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقام على ماعز والغامدية الحد بموجب إقرارهما، مما يدل على اعتبار الإقرار في الحد، ويندرج تحته حد السرقة.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [52/ 1] المسألة الثانية والخمسون: باب البيت وغلقه حرز. • المراد بالمسألة: من كان عنده مال فوضعه في بيته وأغلق الباب، أو عقله إن غاب عنه، فإن ماله يعتبر محرزًا. ويتبين من هذا أن ثمة مسألتين غير مرادتين هنا: • المسألة الأولى: لو أغلق الباب، ثم غاب عنه، ولم يكن قد عقل الباب بقفل أو نحوه، فهذه مسألة أخرى هي محل خلاف بين أهل العلم هل يعتبر حرزًا أم لا، كما سيأتي في كلام ابن عبد البر قريبًا. • المسألة الثانية: لو كان البيت عبارة عن عمارة ولها أبواب لكل شخص باب خاص به، كما هو الحال في الشقق والفنادق، فإن إغلاق الباب العام للعمارة لا يعتبر من مسألة الباب، وكذا لو لم يضع المال في البيت، بل وضعه في الممر العام داخل العمارة، فأخذه شخص آخر فإنه غير داخل في مسألة الباب، ويوضح ذلك ما قاله القرطبي في تفسيره: "لا خلاف أن الساكنين في دار واحدة كالفنادق التي يسكن فيها كل رجل بيته على حدة، يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا أخذ وقد خرج بسرقته إلى قاعة الدار وإن لم يدخل بها بيته ولا خرج بها من الدار. ولا خلاف في أنه لا يقطع من سرق منهم من قاعة الدار شيئًا، وإن أدخله بيته أو أخرجه من الدار؛ لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء، إلا أن تكون ¬
دابة في مربطها أو ما يشبهها من المتاع" (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "لم يختلفوا أن من فتح باب دار أو بيت وسرق منه ما يبلغ المقدار أنه يقطع، وقد أبى كثير من الفقهاء أن يجعلوا ذلك حرزًا إذا غاب عنه صاحبه، ولم يكن عقله، ولا تحت حرزه وقفله" (¬2). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما الحرز عند الذين أوجبوه فإنهم اتفقوا منه على أشياء واختلفوا في أشياء، مثل اتفاقهم على أن باب البيت وغلقه حرز" (¬3). وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ): "لو نقب الحائط أو كسر الباب أو فتحه وأخذ النصاب فإنه يقطع باتفاق" (¬4). وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "لو نقب الحائط أو كسر الباب أو فتحه وأخذ النصاب فإنه يقطع باتفاق" (¬5). وقال المطيعي (1404 هـ): "وأما الحرز عند الذين أوجبوه فإنهم اتفقوا منه على أشياء واختلفوا في أشياء مثل اتفاقهم على أن باب البيت وغلقه حرز" (¬6). • مستند الإجماع: يدل على المسألة ما يلي: 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه ¬
بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (¬1). وفي رواية أخرى للنسائي أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل في كم تقطع اليد؟ قال: (لا تقطع اليد في ثمر معلق، فإذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن، ولا تقطع في حريسة الجبل، فإذا آوى المراح قطعت في ثمن المجن) (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أوجب القطع فيمن سرق من الثمر بعد وضعه في الجرين؛ لأن الجرين موضع حفظ للطعام وحرزه، وكذلك هنا فإن وضع باب للبيت وغلقه يعتبر حرزًا له. 2 - من النظر: أن المذاهب الأربعة متفقة على أن مرجع الحرز إلى العرف (¬3)، وقد تعارف المسلمون على أن باب البيت وغلقه يُعتبر حرزًا للبيت.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، ولا يشكل عليه أن ثمة من لم ير الحرز أصلًا؛ لأن من لا يرى الحرز فإنه يرى القطع في هذه المسألة أيضًا من باب أولى، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل الرابع مسائل الإجماع فيما يوجب حد السرقة
الفصل الرابع مسائل الإجماع فيما يوجب حد السرقة [53/ 4] المسألة الثالثة والخمسون: من سرق عبدًا صغيرًا فعليه القطع. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان المسروق عبدًا صغيرًا لا يعبِّر عن نفسه، وتوفرت فيه شروط القطع كبلوغ قيمه النصاب، وكونه أخذ من حرز وغير ذلك، فإن فيه الحد. ويتبيَّن مما سبق أن المسروق لو كان حرًا، أو كان عبدًا كبيرًا، أو صغيرًا لكنه يفهم، فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه من سرق عبدًا صغيرًا من الحرز أن عليه القطع" (¬1) ونقله عنه ابن قدامة (¬2)، وابن قاسم (¬3). وقال ابن حزم (456 هـ): "لا نعلم خلافًا في أن من سرق عبدًا صغيرًا لا يفهم أن عليه القطع" (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ): "إن سرق عبدًا صغيرًا فعليه القطع في قول عامة أهل العلم" (¬5)، وقال ابن القطان (628 هـ): "وأجمعوا على أن من سرق عبدًا صغيرًا من الحرز قطع" (¬6). وقال ابن قدامة (682 هـ): "ويقطع بسرقة العبد الصغير في قول عامة أهل العلم" (¬7). وحكاه ابن الهمام (861 هـ) إجماعًا (¬8). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب أن العبد مال يبلغ قيمته نصابًا، فيكون سارقه في حكم من سرق مالًا (¬9). ¬
[54/ 1] المسألة الرابعة والخمسون: من سرق تبرا فضرب دراهم أو دنانير فإنه يقطع.
• المخالفون للإجماع: المسألة وإن كان عليها جمهور أهل العلم إلا أن أبا يوسف صاحب أبي حنيفة روي عنه القول بعدم القطع، وروي عنه أنه استحسن عدم القطع (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف أبي يوسف، لذا فإن ابن قدامة لما ذكر المسألة نسب القول بالقطع لعامة أهل العلم، ولم يذكرها إجماعا (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. [54/ 1] المسألة الرابعة والخمسون: من سرق تبرًا فضرب دراهم أو دنانير فإنه يقطع. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف التِّبْر: التِّبْر في لغة العرب: هو فتات الذهب والفضة قبل أن يُصاغا، فإن صيغا سميا ذهبًا وفضة، فإن ضُربا دراهم ودنانير سميا عينًا. وقيل: لا يقال تبر إلا في الذهب أما الفضة فلا، وقيل بل يطلق على الذهب والفضة وجميع معادن الأرض من رصاص ونحاس ونحوه (¬3). والمراد به هنا هو الذهب أو الفضة قبل أن تُضرب. • ثانيًا: صورة المسألة: لو سرق شخص تبرًا، فضربه ذهبًا أو فضة وبلغت قيمته بعد الضرب نصابًا فإنه يجب القطع، سواء كان قبل الضرب يبلغ النصاب أو لا. ويتبين مما سبق أن التبر لو كان يبلغ نصابًا، لكن قيمته بعد الضرب لا تبلغ النصاب فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المرتضى (840 هـ): "لو سرق تبرًا فضرب دراهم أو دنانير قطع إجماعًا" (¬4). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "اتفق أهل العلم أن من سرق نصابًا وجب ¬
[55/ 1] المسألة الخامسة والخمسون: إذا كانت العين المسروقة تبلغ نصابا ثم نقصت بعد إخراجها من الحرز، فلا قطع.
قطعه بشرطه، وأن يكون النقد المسروق خالصًا من الغش، وسواء كان النقد مضروبًا، أو تبرًا، أو حليًا" (¬1). • مستند الإجماع: المسألة ظاهرة من حيث الدليل فإن سارق التبر الذي بلغت قيمته نصابًا، توفرت فيه شروط القطع، فالأصل القطع، ومن منَع يحتاج إلى دليل.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [55/ 1] المسألة الخامسة والخمسون: إذا كانت العين المسروقة تبلغ نصابًا ثم نقصت بعد إخراجها من الحرز، فلا قطع. • المراد بالمسألة: أن يسرق شخص من الحرز مالًا يبلغ النصاب كدراهم أو غيرها، ثم بعد إخراجها من الحوز، ينقص عين المال المسروق عن النصاب، بأن يقطِّع الدراهم، أو يشق الثوب نصفين، أو يتلفه، أو غير ذلك مما ينقص عين المال المسروق عن النصاب. ويتبين مما سبق أنه لو نقصت قيمة المال المسروق مع بقاء عينه كما أخرجه من الحرز، فهذه مسألة أخرى ليست مرادة في الباب. • من نقل الإجماع: هذه المسألة يُعبَّر بها بما لو نقصت العين المسروقة عن النصاب بعد إخراجها من الحوز: فقال الكاساني (587 هـ): "نقصان المسروق لا يخلو: إما أن كان نقصان العين بأن دخل المسروق عيب، أو ذهب بعضه، وإما أن كان نقصان السعر، فإن كان نقصان العين يقطع السارق، ولا يعتبر كمال النصاب وقت القطع، بل وقت السرقة بلا خلاف" (¬2). ¬
[56/ 1] المسألة السادسة والخمسون: من سرق من ذي رحم غير محرم فإنه يقطع.
وقال البابرتي (786 هـ): "المعتبر في قيمة المسروق أن يكون يوم السرقة ويوم القطع عشرة دراهم، فإن نقص عن ذلك قبل القطع في العين لم يمنع عن الاستيفاء بالاتفاق" (¬1). وحكى ابن الهمام (861 هـ) الاتفاق على ذلك (¬2). وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ) (¬3): "إذا كانت ذات العين ناقصة وقت الاستيفاء والباقي منها لا يساوي عشرة يقطع بالاتفاق" (¬4). • مستند الإجماع: يعلل الفقهاء لهذه المسألة بأمور: 1 - أن العبرة اعتباره حين الأخذ من الحرز. 2 - إن ما أخذه يُعد دينًا في ذمته، ولا يمكن أن يسقط القطع بتصرفه فيما هو عليه دين في ذمته، ولو سقط الحد بإتلافه لكان كل سارق أراد إسقاط الحد أتلف ما سرقه.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [56/ 1] المسألة السادسة والخمسون: من سرق من ذي رحم غير محرم فإنه يقطع. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان السارق قد سرق المال من قريب له ذي رحم، لكنه غير محرم، كابن عمه، أو ¬
ابن خاله، أو غيرهما، فينه يجب عليه القطع، ولا يعتبر مجرد كونه ذي رحم أن ذلك من جملة الشُّبه التي تدرأ بها الحدود. ويتحصل مما سبق أن لو كان ثمة شبهة دارئة للحد كأن يكونا في مسكن واحد، أو بينهما مال مشترك، أو نحو ذلك، فليس هذا مردًا في مسألة الباب، وإنما المقصود أن مجرد السرقة من القريب غير ذي الرحم لا يعد شبهة دارئة للحد. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا كلهم أنه يقطع فيما سرق من ذي رحمه غير المحرمة" (¬1). وقال الكاساني: "لو سرق من ذي رحم غير محرم يقطع بالإجماع" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬3). • وجه الدلالة: عموم الآية، ويدخل فيها من سرق من ذي الرَّحِم غير المحرمة، وليس ثمَّة دليل يخرجه من هذا العموم. 2 - من النظر: أن من سرق من ذي رحم غير محرم فكأنه سرق من أجنبي، فإن المباسطة بالدخول عليه ليست كالمباسطة بدخول ذي الرحم، ولا يوجد ما يدل على شبهة يُدرأ بها الحد، فبقي الحكم على أصله من وجوب الحد (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[57/ 1] المسألة السابعة والخمسون: من سرق من الفسطاط شيئا قيمته ما يقطع فيه اليد قطع.
[57/ 1] المسألة السابعة والخمسون: من سرق من الفسطاط شيئًا قيمته ما يقطع فيه اليد قُطع. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الفسطاط لغةً: الفسطاط فى اللغة يطلق على عدة معان: 1 - على ضرب من الأبنية في السفر. 2 - على البيت من الشَّعر. 3 - على مصر قديمًا وعلى البصرة، والفسطاط هي عاصمة الديار المصرية القديمة يوم أن فتحها عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- في عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- سنة (20 هـ)، وتقع بين النيل وجبل المقطم، وهي اليوم إحدى أحياء مدينة القاهرة، وبها يقع جامع عمرو بن العاص الذي صار من أكبر جوامع مصر. 4 - على كل مدينة جامعة. 5 - على كل مجتمع للناس. ويجمع على فَسَاطِيطُ، والفَسَاسِيْطُ (¬1). وفي الفسطاط ست لغات، قال النووي: "الفسطاط بيت من شعر كذا قاله أهل اللغة، وفيه ست لغات: فسْطاط، وفسْتاط، وفسّاط، بضم الفاء فيهن وكسرها، والضم أجود وأفصح" (¬2). • الفسطاط اصطلاحًا: الفسطاط في اصطلاح الفقهاء هو الخيمة، أو البيت ¬
من الشعر (¬1). • ثانيًا: صورة المسألة: لو أن شخصًا نصب الفسطاط في مكان غير محروز، ووضع فيه متاعا، فسرق شخص المتاع الذي في الفسطاط، وكان مما يجب به الحد كبلوغ النصاب ونحوه، فإنه يقطع، بناء على أن الفسطاط حرز. ويتبين من هذا أنه لو سرق الفسطاط بما فيه، أو كان الفسطاط في حرز، فإن ذلك غير مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن من سرق من الفسطاط شيئًا قيمته ما يقطع منه اليد أن عليه القطع" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (¬3). • وجه الدلالة: دل الحديث على اعتبار الحرز في السرقة، والفسطاط يعتبر حرزًا للمتاع، فمن أخذ من الفسطاط فقد أخذ من الحرز. • المخالفون للإجماع: القول بقطع يد السارق من الفسطاط هو مذهب الحنفية (¬4)، . . . ¬
[58/ 1] المسألة الثامنة والخمسون: يقطع في سرقة الحنطة والسكر.
والمالكية (¬1). أما الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3) فيرون أن الفسطاط ليس بحرز، إلا إن كان فيها أحد مضطجعًا، أو منتبهًا عليه، وبناء على ذلك فلا قطع في السرقة من داخل الفسطاط، إلا إن كان صاحبه مضطجعًا، أو منتبهًا عليه. • دليل المخالف: علل القائلون بعدم القطع في صورة المسألة بأن الفسطاط لا يعتبر حرزًا، ومن شروط القطع أن يكون المال محرزًا (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم، بل ولا اتفاق بين المذاهب الأربعة، لوجود الخلاف من الشافعية، والحنابلة. [58/ 1] المسألة الثامنة والخمسون: يقطع في سرقة الحِنْطة والسُّكَّر. • المراد بالمسألة: أولًا: المراد بالحِنْطة، والسُّكَّر: الحِنْطة: نوع من الحبوب، ويقال له: البر، أو القمح، وجمعه حِنَط (¬5). السُّكَّر: يطلق السُّكَّر على أمور منها: 1 - نوع من الحَلْوَى، معروف، وهو فارسي مُعَرّبُ مِن: شَكَرَ. 2 - عنب يصيبه آفة فيَنْتَثِر فلا يبقى في العنقود منه إلا أَقَلّه، وعَنَاقِيدُه أَوْسَاطٌ، وهو أبيض رطب، ذو حلاوة، ويمكن تزبيبه. 3 - ماء بالقادسية؛ سمي بالسكَّر لحلاوته (¬6). ¬
والإطلاق الأول هو المراد بمسألة الباب. • صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وكان المسروق حنطةً وسكرًا ففيه القطع، ما لم تكن الحنطة في سنبلها. ويتبين مما سبق أن الحنطة إن كانت في سنبلتها، فإن ذلك غير داخل غير مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال المرغيناني (593 هـ) (¬1): "يُقطع في الحنطة والسكر إجماعًا" (¬2). وقال البابرتي (786 هـ): "يُقطع في الحنطة والسكر بالإجماع" (¬3). وقال ابن الهمام (861 هـ): "الإجماع على أنه يقُطع في الحنطة والسكر" (¬4). وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): "وجوب القطع في الحنطة والسكر بالإجماع" (¬5). وقال ابن نجيم (970 هـ): "يُقطع في الحنطة والسكر إجماعًا" (¬6). وقال دامان (1078 هـ) (¬7): "كالحنطة والسكر فإنه يقطع فيه إجماعًا" (¬8). ¬
[59/ 1] المسألة التاسعة والخمسون: يقطع في العسل والخل.
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1). • وجه الدلالة: عموم الآية حيث أوجبت القطع بكل سرقة، فيدخل في ذلك الحنطة والسكر، ولا يوجد دليل يُخرِج السكر والحنطة من هذا العموم. 2 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (¬2). • وجه الدلالة: في الحديث دلالة على وجوب القطع في الثمر الذي يؤوى في الجرين، أي مما لا يتسارع إليه الفساد، والحنطة والسكر من هذا النوع (¬3). 2 - أن السكر والحنطة مال متقوم، وليس ثمة دليل على منع القطع به، فيبقى على الأصل.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [59/ 1] المسألة التاسعة والخمسون: يقطع في العسل والخل. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف العسل والخل: العَسَل: يُذكر ويُؤنث، ¬
والتأنيث أكثر (¬1) ويطلق العسل في لغة العرب على أحد أصلين: الأول: بمعنى الحرَكة والاضطراب. الثاني: الطعام الحلو. قال ابن فارس: "العين والسين واللام، الصحيح في هذا الباب أصلان، وبعدهما كلماتٌ إن صحّت، فالأول من الأصلين دالٌّ على الاضطراب، والثاني: طعامٌ حُلْو" (¬2). وهذا المعنى الثاني هو المراد به في هذا البحث، إلا أنه طعام مخصوص وهو: سائل حلو تصنعه النحل من الرحيق الذي تجمعه من الأزهار، وتُحوِّل السكروز من الرحيق إلى سكر محوَّل -مزيج متعادل من الفركتوز والجلوكوز-. والسُّكَّر المحول هو المكوِّن الرئيسي في العسل الذي يحتوي أيضًا على كميات قليلة من فيتامينات وعناصر مغذية أخرى (¬3). واختُلِف في العسل في مصدر العسل من النحل على قولين: فقيل: هو لعاب النحل، تخرجه من أفواهها، وذلك أنها تأكل من الأزهار والأوراق ما يملأ بطونها، ثم إنه تعالى يقلب تلك الأجسام في داخل أبدانها عسلًا، ثم تلقيه من أفواهها. وقال آخرون: تخرج من أدبارها (¬4). أما الخل: الخل مفرد جمعه خُلُول، وهو يطلق في اللغة على ثلاثة معان: الأول: ما حَمُض من عصير العنب وغيره، وهو لفظ عربي صحيح. الثاني: الطريق النافذ بين رملتين، أو النافذ في الرمل المتراكم، وكذا على ¬
الثوب البالي إذا ظهرت فيه طُرُقًا. الثالث: عِرْق في العنق متصل بالرأس (¬1). والمراد بالخل هنا فهو المعنى الأول وهو سائل حمضي يُستخدم لتتبيل الأطعمة وحفظها، ويَنْتُج الخل بتفاعل الخميرة مع البكتيريا في المنتجات الزراعية، التي تشمل الفواكه والحبوب والمحاليل السكرية مثل العسل والدبس، وتأخذ مختلف أنواع الخل أسماءها من المواد الخام المستخدمة، فمثلًا يأتي خل النبيذ من العنب، وخل التفاح من التفاح، وخل المِلْت من الشعير (¬2). ¬
• ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وكان المسروق خلًا أو عسلًا، فإن على الإمام إقامة حد القطع على السارق. • من نقل الإجماع: قال الزيلعي (743 هـ): "في الخل يقطع إجماعًا. . . وكذا في العسل" (¬1) ونقله عنه ابن نجيم (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬3). • وجه الدلالة: عموم الآية حيث أوجبت القطع بكل سرقة، فيبقى هذا العموم على الأصل حتى يرد الدليل إخراج شيء منه، وليس ثمة دليل يُخرِج العسل أو الخل من هذا العموم. 2 - أن العسل والخل كلٌ منهما مال محترم متقوَّم، وليس ثمة دليل على منع القطع به، فيبقى على الأصل (¬4). • المخالفون للإجماع: هذا الإجماع تعقبه ابن نجيم وغيره بأن ثمة قول عن أبي حنيفة بأن الخل لا قطع فيه؛ لأنه صار خمرًا (¬5). وحمل بعض الحنفية قول أبي حنيفة إما على أن أنه رواية، أو أن الإجماع ¬
[60/ 1] المسألة الستون: إذا أحرز المضارب مال المضاربة، أو الوديع أو المستعير العارية، أو المال الذي وكل فيه الوكيل، فسرقه أجنبي من هؤلاء، فعليه القطع.
منقول في الخل الذي لم يصر خمرًا بعد (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق في الخل؛ للخلاف فيه عن أبي حنيفة، وهي محل إجماع في العسل؛ لعدم المخالف فيه. [60/ 1] المسألة الستون: إذا أحرز المضارب مال المضاربة، أو الوديع أو المستعير العارية، أو المال الذي وكل فيه الوكيل، فسرقه أجنبي من هؤلاء، فعليه القطع. • المراد بالمسألة: لو كان المال عند غير صاحبه بطريق مباح، كأن يكون صاحب المال وضع ماله عند شخص، وديعة، أو عارية، أو ليضارب به، فوضع الشخص المال في حرز، فإن جاء غير ذلك الشخص وأخذ المال من الحزر، فعليه القطع. ويتبين مما سبق أن المال لو كان عند غير مالكه بطريق غير مباح، كأن يأخذه بطريق السرقة أو الغصب، أو نحو ذلك، ثم يضعه في حرز، فإن سرقة الأجنبي في مثل هذه الصورة غير مرادة في مسألة الباب، وكذا لو كان المال عند غير مالكه بطريق مباح لكن السارق لم يكن أجنبيًا بل كان من وُضع عنده المال، وكذا لو أخذه صاحب المال المالك له، فإن كل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "إذا أحرز المضارب مال المضاربة، أو الوديعة، أو العارية، أو المال الذي وكل فيه، فسرقه أجنبي، فعليه القطع، لا نعلم فيه مخالفًا" (¬2). وقال ابن قدامة (682 هـ): "وإذا أحرز المضارب مال المضاربة، أو الوديعة، أو العارية، أو المال الذي وكل فيه، فسرقه أجنبي، فعليه القطع، لا نعلم فيه مخالفًا" (¬3). ¬
[61/ 1] المسألة الحادية والستون: لو كان في الدار نهر جار فألقي المسروق فيه، وكان راكدا، أو جريه ضعيفا، فأخرجه بتحريك الماء قطع.
• مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب أن من وُضع عنده المال فإنه ينوب مناب المالك في حفظ المال وإحرازه، فالسرقة منه كالسرقة من المالك (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [61/ 1] المسألة الحادية والستون: لو كان في الدار نهر جار فألقي المسروق فيه، وكان راكدًا، أو جريه ضعيفًا، فأخرجه بتحريك الماء قطع. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف النهر لغة: قال ابن فارس: "النون والهاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تفتُح شيءٍ أو فتحِه، وأنْهَرْتُ الدَّم: فتحتُه وأرسلْته، وسمِّي النّهرُ؛ لأنه يَنْهَر الأرض أي يشقُّها" (¬2). والنهر عند أهل اللغة بسكون الهاء وفتحها، مفرد، جمعه أنهار، أَنْهُر، ونُهُر، ونُهُورٌ، وقال الزبيدي: "النَّهْرُ، بالفتح ويُحَرَّكُ: مَجرى الماءِ، وهذا قول الأَكثر، وقيل: هو الماءُ نفسُه" (¬3). وقال الفيومي: "النَّهْرُ: الماء الجاري المتسع والجمع "نُهُرٌ" بضمتين، و"أَنْهُرٌ"، و"النَّهَرُ" بفتحتين: لغة، والجمع "أَنْهَارٌ"، مثل سبب وأسباب، ثم أطلق "النَّهْرُ" على الأخدود مجازًا للمجاورة" (¬4). • النهر اصطلاحًا: هو مسطح مائي ينساب على اليابسة في مجرى طويل، ويقع مصبه في نهايته، حيث تصب مياهه في نهر أكبر، أو في بحيرة، أو في أحد المحيطات. وتبدأ معظم الأنهار من أعالي الجبال أو التلال، وقد يكون منبع النهر مثلجة، أو نهرًا جليديًا ينصهر، أو ينبوعًا، أو بحيرة تفيض مياهها (¬5). ¬
والمراد بالنهر في المسألة هو كل ماء جارٍ سواء كان مُتَّسِعًا أو ضيقًا، صغيرًا أو كبيرًا. • ثانيًا: صورة المسألة: لو أخذ شخص مالًا من الدار، وفي الدار نهر راكد، أو جريه ضعيف، لا يمكن أن يخرج المال بسبب هذا الجري، فألقى السارق ما سرقه في النهر، ثم أخرجه من النهر بتحريك الماء، فإنه يُقطع. ويتبين من هذا أن النهر لو كان خارج الدار، أو كان ماء النهر هو الذي أخرج المال بنفسه، لقوة جريانه، فإن ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "لو كان في الدار نهر جار فرمى المال في النهر ثم خرج فأخذه، إن خرج بقوة الماء لا يقطع؛ لأنه لم يخرجه، وقيل: يُقطع. . . ولو كان راكدًا أو جريه ضعيفًا فأخرجه بتحريك الماء، قُطع بالإجماع" (¬1). • مستند الإجماع: علل الفقهاء ذلك بأنه الذي أخرج المال من الحرز، واستعمال الماء كآلة لإكمال الإخراج لا يضر، ولا يغير من الحكم شيئًا، كما لو دخل الدار وأخرج المال بعصا أو نحوه (¬2). • المخالفون للإجماع: يتحصل مما سبق أن المسألة لها تعلق بالحرز، وإخراج المال من الحرز، وسبق أن الظاهرية لا يرون اشتراط الحرز أصلًا، وسبق أن ثمة طائفة نُقل عنهم القول بعدم اشتراط إخراج المال من الحرز، حيث نقله ابن حزم عن عائشة رضي اللَّه عنها، والنخعي، وسعيد بن المسيب، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، والحسن البصري (¬3). ¬
[62/ 1] المسألة الثانية والستون: من سرق ثوبا فشقه في الدار قبل أن يخرجه نصفين، ثم أخرجه وهو يساوي عشرة دراهم بعد الشق، قطع.
إذا تقرر هذا، فتخريج المسألة على قولهم: أن فيها القطع بمجرد أخذ المتاع سواء أخرجه أو لا. • دليل المخالف: أنه لا دليل صريح صحيح على اشتراط الحرز، أو اشتراط إخراج المتاع من الحرز، كما أنه ليس في لغة العرب ما يدل على أن الحرز معتبر في السرقة، بل نقل الإجماع على أن السرقة تطلق على الآخذ بخفية، وليس في لغة العرب أن يكون المال محرزًا، فقال: "أما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له، وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الاسم، فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز فقد خالف الإجماع على معنى هذه اللفظة في اللغة، وادعى في الشرع ما لا سبيل له إلى وجوده، ولا دليل على صحته" (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لوجود خلف الظاهرية. [62/ 1] المسألة الثانية والستون: من سرق ثوبا فشقه في الدار قبل أن يخرجه نصفين، ثم أخرجه وهو يساوي عشرة دراهم بعد الشق، قُطع. • المراد بالمسألة: لو أن شخصًا أخذ مالًا من حرزه، فأتلف المال وهو في الحرز تلفًا فاحشًا، ثم أخرجه، لكن الحرز لم ينقص عن النصاب حتى بعد تلفه، فيجب القطع في هذه الصورة. ومثاله: لو وجد ثوبًا في الحرز فشقه نصفين، ولم ينقص الثوب عن النصاب بعد شقه، ثم أخرجه من الحرز بعد الشق، فيجب القطع. ¬
ويتبين من هذا أن المال لو نقصت قيمته أو عينه عن النصاب بعد تلفه، أو كان التلف يسيرًا فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال السرخسي (483 هـ): "أما إذا شق الثوب في الحرز ثم أخرجه، وهو يساوي عشرة، فإن كان هذا العيب يمكن نقصانًا يسيرًا فعليه القطع بالاتفاق" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "من سرق ثوبًا فشقه في الدار قبل أن يخرجه من الحرز نصفين ثم أخرجه، وهو يساوي عشرة بعد الشق قُطع. . . وإن كان لا يساوي عشرة بعده لم يقطع بالاتفاق" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬3). • وجه الدلالة: عموم الآية حيث أوجبت القطع بكل سرقة، والمال المسروق في مسألة الباب مما توفرت فيه شروط القطع حتى بعد إتلافه، وليس ثمة ما يمنع القطع، فبقي الحكم على ما هو عليه. • المخالفون للإجماع: نقل جمع من الحنفية عن أبي يوسف عدم القطع في مسألة الباب. وزاد بعض الحنفية فجعل القول بعدم القطع رواية عن أبي حنيفة (¬4). • دليل المخالف: علل الحنفية لقول أبي يوسف بأن السارق له في المسروق سبب الملك، وهو الخرق الفاحش، فإنه يوجب القيمة، وتملك المضمون. وقد بيَّن ذلك الكاساني فذكر دليل أبي يوسف بقوله: "أن السارق وجد منه ¬
سبب ثبوت الملك قبل الإخراج، وهو الشق؛ لأن ذلك سبب لوجوب الضمان، ووجوب الضمان يوجب ملك المضمون من وقت وجود السبب على أصل أصحابنا، وذلك يمنع وجوب القطع: ولهذا لم يقطع إذا كان المسروق شاة فذبحها، ثم أخرجها كذا هذا" (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن أبي يوسف، ورواية عن أبي حنيفة. ¬
الفصل الخامس مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد السرقة
الفصل الخامس مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد السرقة [63/ 1] المسألة الثالثة والستون: لا قطع على المضارب إذا سرق من مال مضاربه. • المراد بالمسألة: أولا: تعريف المضاربة: المضاربة لغة: المضاربة مصدر ضارب، قال ابن منظور: "ضَرَبَ في الأَرضِ يَضرِبُ ضَرْبًا وضَرَبانًا ومَضْرَبًا -بالفتح-: خرج فيها تاجِرًا، أَو غازِيًا، وقيل: أَسْرَعَ، وقيل: ذَهَب فيها، وقيل: سارَ في ابْتِغاءِ الرزق. . . وضَرَبْتُ في الأَرض: أَبْتَغِي الخَيْرَ من الرزق، قال اللَّه عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} (¬1) أَي سافرتم، وقوله تعالى: {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} (¬2)، يقال ضَرَبَ في الأَرض إِذا سار فيها مسافرًا، فهو ضارِبٌ. والضَّرْبُ يقع على جميع الأَعمال إِلا قليلًا، ضَرَبَ في التجارة، وفي الأَرض، وفي سبيل اللَّه، وضارَبه في المال: من المُضارَبة، وهي القِراضُ، والمُضارَبةُ: أَن تعطي إِنسانًا من مالك ما يَتَّجِرُ فيه على أَن يكون الربحُ بينكما، أَو يكونَ له سهمٌ معلومٌ من الرّبْح، وكأَنه مأخوذ من الضَّرْب في الأَرض لطلب الرزق، قال اللَّه تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (¬3). . . وعلى قياس هذا المعنى يقال للعامل ضارِبٌ لأَنه هو الذي يَضْرِبُ في الأَرضِ، وجائز أَن يكون كل واحد من رب المال ومن العامل يسمى مُضاربًا؛ لأَنَّ كل واحد منهما يُضارِبُ صاحِبَه" (¬4). • المضاربة اصطلاحًا: هو عقد يتضمن دفع مال خاص -وما في معناه-، ¬
معلوم قدره، ونوعه، وصفته، من جائز التصرف، لعاقل مميز رشيد، يتجر فيه، بجزء مشاع معلوم من ربحه له (¬1). قال النووي: "سُمِّيت مضاربة لأن كل واحد منهما يضرب في الربح بسهم، وقيل: لما فيه من الضرب بالمال والتقليب" (¬2) • ثانيًا: صورة المسألة: إذا كان بين اثنين شراكة في مال، وكان المال بينهما على الشيوع، فسرق أحد الشريكين من حرز شريكه أو من حرزه مالًا من مال الشراكة بينهما، بقدر نصيبه، فإنه لا قطع حينئذ على السارق. ويتحصل مما سبق أن الشريك لو سرق من شريكه من غير مال الشراكة، أو سرق من المال المشترك بينهما قدرًا زائدًا عن نصيبه، أو كانت أموال الشراكة مميزة غير شائعة، أو كان المال ليس في حرز شريكه، بل كان مودعًا عند شخص آخر أجنبي، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع العلماء أنه لا قطع على المضارب من مال مضاربه، وكذلك المودع عنده الوديعة" (¬1). وقال الكاساني: "لا خلاف في أنه إذا كان فيهم شريك المسروق منه أنه لا قطع على أحد" (¬2). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن المال المسروق ملك الشريكين على الشيوع، فما سرقه الشريك له فيه حق، وهذا يعد شبهة دارئة للحد، والحدود تدرأ بالشبهات (¬3)، ولذا كان من شروط القطع عند بعض الفقهاء هو أن يكون الملك تامًا قويًا لا شبهة فيه (¬4). • المخالفون للإجماع: خالف ابن حزم في المسألة فذهب إلى أن من سرق من شريكه مالًا فإن عليه القطع (¬5). • دليل المخالف: علل ابن حزم ذلك بأن أخذ الشريك من مال شريكه حرام، وليس له فعل ذلك، فكان أخذه للمال سرقة تجب فيها القطع، وقد أوجب اللَّه قطع يد السارق، ولم يستثن سرقة الشريك من شريكه، وليس ثمة دليل على عدم القطع، أما كونه حد يدرأ بالشبهات فقد سبق أن الظاهرية لا يرون درأ الحدود بالشبهات (¬6).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق، واللَّه تعالى أعلم؛ لخلاف ابن حزم. ¬
[64/ 1] المسألة الرابعة والستون: المسلم إذا سرق من أخيه المسلم خمرا لا قطع عليه.
[64/ 1] المسألة الرابعة والستون: المسلم إذا سرق من أخيه المسلم خمرًا لا قطع عليه. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص مسلم بما يوجب القطع، وكان السارق قد سرق خمرًا من مسلم فإنه لا قطع. تبين من هذا أن السارق لو لم يكن مسلمًا، أو كان المسروق منه الخمر غير مسلم كذمي أو معاهد، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن المسلم إذا سرق من أخيه خمرًا أن لا قطع عليه" (¬1). وابن الهمام لما ذكر مسألة سرقة الشراب المسكر نقل أنه لا قطع في سرقته بلا خلاف (¬2)، فالخمر من باب أولى (¬3). • مستند الإجماع: استدل الفقهاء لمسألة الباب أن الخمر محرم شرعًا، فهو لا يعتبر مالًا محترمًا، ومن شروط القطع أن يكون المسروق مالًا محترمًا شرعًا.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [65/ 1] المسألة الخامسة والستون: لا قطع في سرقة إنسان حر كبير. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان المسروق حرًا كبيرًا يُعبِّر عن نفسه، فلا قطع، والمراد بالإنسان هو الآدمي، ذكرًا كان أو أنثى، من بنى آدم (¬4). ويتبين مما سبق أن المسروق لو كان عبدًا، أو كان حرًا صغيرًا، أو غير ¬
[66/ 1] المسألة السادسة والستون: من سرق الماء فلا قطع عليه.
مميز، أو كان حرًا كبيرًا لكنه أخذه حالة فقدان لعقله، بجنون، أو نوم، أو إغماء، فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المرتضى (840 هـ): "لا قطع في سرقة حرٍ كبير إجماعًا" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "لو كان -أي الصبي الحر- يمشي، ويتكلم، ويميز، لا يقطع إجماعًا (¬2). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لهذه المسألة بما يلي: 1 - أن الحر ليس بمال، من شرط القطع كونه مالًا. 2 - أن الكبير لا يمكن سرقته وإنما يؤخذ عن طريق الخداع ونحوه (¬3). • المخالفون للإجماع: نقل ابن حزم مخالفًا في المسألة فقال: "اختلف الناس فيمن سرق عبدًا كبيرًا يتكلم، وفيمن سرق حرًا صغيرًا أو كبيرًا"، ثم لم يذكر القائلين به صريحًا (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، لعدم وجود المخالف، وما نقله ابن حزم، لم أجد من قال به، ولا من أشار إلى الخلاف غير ابن حزم. [66/ 1] المسألة السادسة والستون: من سرق الماء فلا قطع عليه. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان المسروق ماءً سائلًا، فإنه لا قطع حينئذٍ، ولو بلغ قيمة الماء النصاب، وسواء كان محرزًا أو لا. ويتبين مما سبق أن الماء لو كان ثلجًا، فمسألة أخرى غير مرادة في الباب، ¬
وكذا لو كان الماء في آنية تبلغ قيمته نصابًا. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "إن سرق ماءً، فلا قطع فيه. . . ولا أعلم في هذا خلافًا" (¬1)، ونقله عنه المرداوي (¬2)، وابن قاسم (¬3). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "إن سرق ماءً فلا قطع فيه. . . ولا نعلم فيه خلافًا" (¬4)، ونقله المرداوي (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - عن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: غزوت مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثًا أسمعه يقول: (المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ، والماء، والنار) (¬6). • وجه الدلالة: في الحديث أن الماء حق لكل أحد، ولا يتملكه أحد ملكية تامة، بل هو حق مشاع لكل أحد، فمن سرق منه فقد أخذ ما فيه حق له، أو ما فيه شبهة في أحقية أخذه من الماء. ¬
[67/ 1] المسألة السابعة والستون: من سرق الطير فلا قطع عليه.
2 - من النظر: أن الماء مما لا يتمول عادة (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم القطع بسرقة الماء إذا بلغ النصاب، وهو مذهب المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، ووجه عند الحنابلة، وقيل رواية، حكاهما المرداوي في "الإنصاف" فقال: "لا يقطع بسرقة الماء على الصحيح من المذهب. . . وقال ابن عقيل (¬4): يقطع، وقدمه في الرعايتين، وجزم به ابن هبيرة، قاله في تصحيح المحرر، وأطلقهما في المحرر، والحاوي الصغير، وقال في الروضة: إن لم يتمول عادة كماءٍ وكلأ محرز، فلا قطع في إحدى الروايتين" (¬5).Rظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيه عن المالكية، والشافعية، ووجه عند الحنابلة، ولذا فإن ابن قدامة عندما ذكر المسألة لم ينقل إجماعًا أو اتفاقًا، ولا نفى الخلاف المطلق، وإنما نفى علمه من الخلاف، وهذا مقام فاضل لأهل العلم، لا يحسنه كل أحد، واللَّه ولي التوفيق. [67/ 1] المسألة السابعة والستون: من سرق الطير فلا قطع عليه. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وكان المسروق طيرًا، أخذه من حرزه، فإن الحد لا يقام حينئذ. ¬
ويتبين من هذا أن الطير لو لم يكن محرزًا كأن يكون خرج للطيران، وفي أثناء ذلك أخذه السارق فإن ذلك مسألة أخرى. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "نظرنا من احتج يقول من لم ير القطع فيه -أي الطير-، فوجدناهم يقولون: إن إبطال القطع فيه قد روي عن عثمان بن عفان، ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة" (¬1). وقال الكاساني (587 هـ): "روي عن سيدنا عثمان، وسيدنا علي رضي اللَّه عنهما أنهما قال: "لا قطع في الطير" ولم ينقل عن غيرهما خلاف ذلك، فيكون إجماعًا" (¬2). • مستند الإجماع: استدل أصحاب هذا القول لقولهم بأدلة من الأثر والنظر: فمن الأثر: 1 - ما أخرجه ابن أبي شيبة: "أن عمر بن عبد العزيز أتي برجل سرق طيرًا، فاستفتى في ذلك السائب بن يزيد، فقال: ما رأيت أحدًا قطع في الطير، وما عليه في ذلك قطع، فتركه عمر بن عبد العزيز ولم يقطعه" (¬3). 2 - أنه مروي عن جماعة من الصحابة كعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي الدرداء (¬4) (¬5). وروي مرفوعًا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا قطع في الطير"، لكنه لا يصح (¬6). ¬
[68/ 1] المسألة الثامنة والستون: من قلع شيئا من البقول القائمة والشجر القائمة فلا قطع على سارقها.
ومن النظر: أ- لأن الطير مباح الأصل، غير مرغوب فيه، ولا يتم إحرازه في الناس عادة. ب- لأن فعل السارق اصطياد من وجه، والاصطياد مباح (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب أبو يوسف إلى وجوب الحد (¬2). ونسبه ابن حزم إلى مالك والشافعي إذا سُرق من حرز (¬3). وبه قال ابن شهاب الزهري، كما نقله ابن حزم فقال: "وعن ابن شهاب أنه قال: إنما السرقة فيما أحصن، فما كان محصنًا في دار، أو حرز، أو حائط، أو مربوط، فاحتل رباطه فذهب به، فتلك من السرقة التي يقطع فيها، قال: فمن سرق طيرًا من حرز له معلق، فعليه ما على السارق" (¬4). وثمة قول آخر محصله وجوب الحد ولو سُرق من غير حرز، وهو اختيار ابن حزم (¬5). • دليل المخالف: أن الطير مال متقوَّم شرعًا، فالأصل وجوب القطع بسرقته، حتى يرد دليل على المنع، ولا دليل (¬6).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت المخالف. [68/ 1] المسألة الثامنة والستون: من قلع شيئًا من البقول القائمة والشجر القائمة فلا قطع على سارقها. • المراد بالمسألة: تعريف البقل والشجر: البقل في اللغة يستعمل بمعنى الظهور، يقال: بقل فلان إذا ظهرت لحيته (¬7). والبقل المراد به هنا: هو كل نبات اخضرت به الارض، وقيل: هو كل ¬
عشب ينبت من بذر، وقيل: منابتة في أول ما تنبت فهو البقل، مفرده: بَقْلة، وجمعه: وبُقول (¬1). أما الشجر: فقال ابن منظور: "الشَّجَرَة الواحدة تجمع على الشَّجَر، والشَّجَرَات، والأَشْجارِ. . . والشَّجَر من النبات ما قام على ساق، وقيل: الشَّجَر كل ما سما بنفسه دَقَّ أَو جلَّ، قاوَمَ الشِّتاءَ أَو عَجَزَ عنه، والواحدة من كل ذلك: شَجَرَة" (¬2). • صورة المسألة: من سرق شيئًا من البقول أو الشجر القائمة من بستان غير محرز، فإنه لا قطع. ويتبين من هذا أن الشجر أو البقول إن كانت قد قُلعت ووضعت في الأرض، وكذا إن كانت قائمة في الدار أو ما هو حرز عادة، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "لم يختلفوا في من قلع شيئًا من البقول القائمة والشجر القائمة أنه لا قطع على سارقها" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: إما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك ¬
فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (¬1). 2 - من النظر: أ- لأن الشجر أو البقول القائمة في البستان لا تعتبر محرزة. ب- أن أصل النخلة أو الشجرة مما لا يتمول، فأشبه سرقة التافه، والتافه لا قطع فيه إجماعًا (¬2). • المخالفون للإجماع: خالف الظاهرية في مسألة الباب فذهبوا إلى أن من سرق شيئًا من البقول أو الشجر القائمة فعليه القطع (¬3). • دليل المخالف: استدل القائلون بوجوب القطع بأن الأصل قطع من سرق خفية، ولا دليل على منع قطع من سرق الشجر أو البقول القائمة، فيبقى الحكم على الأصل (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت خلاف ابن حزم. وإن كان ظاهر سياق كلام ابن عبد البر أنه أراد نفي الخلاف في مذهبه - ¬
[69/ 1] المسألة التاسعة والستون: لا تقطع يد الوالد بالسرقة من ولده وإن نزل، وسواء في ذلك الأب، والأم، والابن، والبنت، والجد، والجدة من قبل الأم والأب.
مذهب المالكية-، فإنه نص على الخلاف في المسألة، ثم ذكر الخلاف مع تحرير محل النزاع في مذهب المالكية، فقال: "واختلف الفقهاء فيمن سرق شجرة مقلوعة أو غير مقلوعة. . . قال مالك: لا قطع في النخلة الصغيرة ولا الكبيرة إذا قلعها من موضعها. واختلف أصحابه في الشجرة تقلع وتوضع في الأرض فقال بعضهم: وضعها في الأرض حرز لها إذا كان في موضع محروز، واللَّه أعلم. وقال بعضهم: لا قطع فيها على حال، ولم يختلفوا في من قلع شيئًا من البقول القائمة والشجر القائمة أنه لا قطع على سارقها" (¬1)، واللَّه تعالى أعلم. [69/ 1] المسألة التاسعة والستون: لا تقطع يد الوالد بالسرقة من ولده وإن نزل، وسواء في ذلك الأب، والأم، والابن، والبنت، والجد، والجدة من قبل الأم والأب. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وكان السارق قد سرق من أصوله، كأبيه أو جده من جهة الأم أو الأب، أو من فروعه كابنه، أو بنته فإنه لا قطع حينئذ. والمراد بالقرابة هنا سواء في الأصول أو الفروع قرابة النسب، فأما إن كان من الرضاع، كالأب أو الأم من الرضاع، أو الابن والبنت من الرضاع فليس ذلك داخلا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أنه لا يقطع الوالدان وإن علوا فيما سرقوه من مال أولادهم" (¬2) ونقله عنه ابن قاسم (¬3). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "لإجماعهم على أنه لا يقطع فيما سرق من مال ولده" (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ): "الوالد لا يقطع بالسرقة من مال ولده، وإن سفل وسواء في ذلك الأب والأم والابن والبنت، والجد والجدة من قبل الأب ¬
والأم، وهذا قول عامة أهل العلم" (¬1) ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "لا يقطع والد لولده وإن سفل. . . والأم كالأب اتفاقًا" (¬3). • مستند الإجماع: 1 - يدل على منع القطع في سرقة الأصول من الفروع ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن رجلا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يخاصم أباه فقال: يا رسول اللَّه إن هذا قد احتاج إلى مالي؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أنت ومالك لأبيك) (¬4). • وجه الدلالة: دل الحديث أن مال الولد للوالد، ويترتب عليه أن في سرقة الأصل من الفرع شبهة ملك المال، والحدود تدرأ بالشبهات. 2 - سرقة الفرع من الأصل موجب القول بعدم القطع أنها شبهة، فإن الإنسان غالبًا يتبسط بمال والده وإن علا، فلما وجدت الشبهة درئ الحد بها. ¬
• المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الفرع يقطع بسرقة مال الأصل، فيقطع الولد إذا سرق من مال أبيه أو جده وإن علا، وهو مذهب المالكية (¬1)، ورواية عن الإمام أحمد (¬2)، وهي ظاهر قول الخرقي (¬3) (¬4). وتوسع الظاهرية فذهبوا إلى وجوب القطع بسرقة الأصول من الفروع وسرقة الفروع من الأصول (¬5)، وبه قال أبو ثور وابن المنذر (¬6). وثمة قول في مذهب أحمد أن عدم القطع خاص بالأب دون غيره (¬7). ويرى أشهب من المالكية (¬8) أنه خاص بالأب والأم دون غيرهما، فلا يدخل الجد والجدة (¬9). • دليل المخالف: علل المخالف في مسألة الباب أن اللَّه تعالى أوجب حد ¬
[70/ 1] المسألة السبعون: الرقيق إذا سرق من مال سيده فلا قطع.
السرقة، وليس ثمة دليل يدل على إخراج ما سرقه كل الأصل من الفروع، الشبهة منتفية في السرقة، فيجب إقامة الحد. أما ابن حزم فسبق أنه لا يعتبر الشبهات دارئة للحد أصلًا.Rيتحصل مما سبق أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيها، ولذا لما ساق ابن قدامة المسألة قال: "الوالد لا يقطع بالسرقة من مال ولده، وإن سفل وسواء في ذلك الأب والأم والابن والبنت، والجد والجدة من قبل الأب والأم، وهذا قول عامة أهل العلم" (¬1)، ثم ذكر المخالف في المسألة، وهو كما قال، واللَّه تعالى أعلم. [70/ 1] المسألة السبعون: الرقيق إذا سرق من مال سيده فلا قطع. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الرقيق لغةً واصطلاحًا: • الرقيق لغةً: قال ابن منظور: "الرَّقِيقُ نقيض الغَلِيظ والثَّخِينِ، والرِّقَّةُ ضدُّ الغِلَظ، رَقَّ يَرِقُّ رِقَّة فهو رَقِيقٌ، ورُقاقٌ، وأَرَقَّه ورَقَّقه، والأُنثى رَقيقةٌ، ورُقاقةٌ، . . . والرِّقُّ -بالكسر-: المِلك والعُبوديَّةُ، والجمع: أرقَّاء" (¬2). • الرقيق اصطلاحًا: الرِّق: هو عجز حكمي شُرع في الأصل جزاء عن الكفر (¬3). وبيان ذلك: أما أنه عجز: فلأنه لا يملك ما يملكه الحر من الشهادة، والقضاء، وغيرهما. وأما أنه حكمي: فلأن العبد قد يكون أقوى في الأعمال الحسيَّة من الحر. أما كونه جزاء عن الكفر: فلأن أساس موجبه أن يُسبى الشخص -ذكرًا أو ¬
أنثى- وهو كافر (¬1). والحاصل: أن لفظ الرقيق يطلق على الواحد والجمع، وهو الشخص المملوك لغيره، فاقد التصرف بذاته ومكاسبه. ويسمى بالرقيق، والعبد، والقِن، والمملوك. • ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان السارق رقيقًا غير آبق قد سرق من مال سيده، فإنه لا قطع حينئذٍ. ويتحصل مما سبق أن العبد إن كان آبقًا من سيده الذي سرق منه، أو سرق من غير سيده، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن لا قطع على العبد إذا سرق من مولاه" (¬2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "الجمهور من العلماء الذين هم حجة على من شذ عنهم أجمعوا على أن العبد لا يقطع في ما سرق من مال سيده وسيدته، وكذلك الأمة لا قطع عليها في ما سرقت من مال سيدها وسيدتها مما يؤتمن عليه ومما لا يؤتمنون عليه. . . ثبت عن عمر بمحضر من الصحابة قوله: "خادمكم سرق متاعكم" فجعلوا العلة المانعة من القطع في الغلام الذي شكا بن الحضرمي وهو غلامه أنه سرق مرآة امرأته قوله: "خادمكم سرق متاعكم"، وثبت عن ابن مسعود أنه قال في عبد سرق من مال سيده: "مالك سرق بعضه بعضًا"، ولا أعلم لعمر وابن مسعود مخالفًا من الصحابة، ولا من التابعين بعدهم، إلى ما ذكرنا من اتفاق العلماء أئمة الفتوى بالأمصار على ذلك" (¬3). وقال ابن العربي (543 هـ): "إذا سَرق العبدُ من مال سيده، أو السيد من ¬
عبده: فلا قطع بحال؛ لأن العبد وماله لسيده، فلم يقطع أحدٌ بأخذ مال عبده لأنه أخْذٌ لماله، وإنما إذا سَرَق العبدُ يسقط القطع بإجماع الصحابة" (¬1). وقال الكاساني (587 هـ): "لا يقطع عبد في سرقة من مولاه مكاتبًا كان العبد، أو مدبرًا، أو تاجرًا عليه دين، أو أم ولد سرقت من مال مولاها: لأن هؤلاء مأذونون بالدخول في بيوت ساداتهم للخدمة، فلم يكن بيت مولاهم حرزًا في حقهم، وذكر في الموطأ أن عبد اللَّه ابن سيدنا عمر، والحضرمي جاءا إلى عمر -رضي اللَّه عنه- بعبد له فقال: اقطع هذا فإنه سرق فقال: وما سرق قال: مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهمًا، فقال سيدنا عمر -رضي اللَّه عنه-: أرسله ليس عليه قطع، خادمكم سرق متاعكم، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر: فيكون إجماعًا" (¬2). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "العبد يسرق مال سيده، فإن الجمهور من العلماء على أنه لا يقطع. . . ويدرء الحد، قال عمر -رضي اللَّه عنه- وابن مسعود ولا مخالف لهما من الصحابة" (¬3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أما العبد إذا سرق من مال سيده، فلا قطع عليه في قولهم جميعًا -أي الأئمة الأربعة- ووافقهم أبو ثور فيه، وحكي عن داود أنه يقطع؛ لعموم الآية، ولنا ما روى السائب بن يزيد قال: "شهدت عمر بن الخطاب، وقد جاءه عبد اللَّه بن عمرو بن الحضرمي بغلام له فقال: إن غلامي هذا سرق، فاقطع يده، فقال عمر: ما سرق؟ قال: سرق مرآة امرأتي، ثمنها ستون درهما، فقال: أرسله، لا قطع عليه، خادمكم أخذ متاعكم، ولكنه لو سرق من غيره قطع"، وفي لفظ قال: "مالكم سرق بعضه بعضا، لا قطع عليه" رواه سعيد، وعن ابن مسعود: "أن رجلا جاءه فقال: عبد لي سرق قباء لعبد لي آخر، فقال: لا قطع؛ مالك سرق ¬
مالك"، وهذه قضايا تشتهر، ولم يخالفها أحد، فتكون إجماعا، وهذا يخص عموم الآية، ولأن هذا إجماع من أهل العلم؛ لأنه قول من سمينا من الأئمة ولم يخالفهم في عصرهم أحد، فلا يجوز خلافه يقول من بعدهم، كما لا يجوز ترك إجماع الصحابة يقول واحد من التابعين" (¬1)، ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال القرطبي (671 هـ): "لا يقطع العبد إن سرق من مال سيده. . . وسقط قطع العبد بإجماع الصحابة" (¬3). وكذا قال ابن قدامة (682 هـ) نفس أحرف ابن قدامة (¬4). وقال ابن الهمام (861 هـ) بعد أن نقل أثر عمر -رضي اللَّه عنه-: "وعن ابن مسعود مثله، ولم ينقل عن أحد من الصحابة شيء خلافه، فحل محل الإجماع" (¬5). وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ): "لا قطع بسرقة من فيه رق ولو مبعضًا ومكاتبًا مال سيد، أو أصله، أو فرعه، أو نحوهما، من كل من لا يقطع السيد بسرقة ماله إجماعًا" (¬6). وقال المطيعي (1404 هـ): "واختلفوا إذا سرق العبد من مال سيده، فالجمهور على أنه لا يقطع. . . قال عمر وابن مسعود ولا مخالف لهما من الصحابة" (¬7). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - ما أخرجه مالك وعبد الرزاق (¬8). . . ¬
عن السائب بن يزيد (¬1): "أن عبد اللَّه بن عمرو ابن الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له: اقطع يد غلامي هذا؛ فإنه سرق، فقال له "عمر: ماذا سرق؟ فقال: سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهمًا، فقال عمر: أرسله فليس عليه قطع؛ خادمكم سرق متاعكم" (¬2). • وجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- لم يقطع العبد حين سرق من مال سيده، ولم ينكر عليه ذلك أحد (¬3). 2 - أنه مروي عن جماعة من الصحابة ولا مخالف لهم، كما سبق في كلام ابن قدامة، وابن عبد البر، وابن العربي، والكاساني. 2 - من النظر: أ- لئلا يجتمع على السيد عقوبتان، ضياع ماله، وقطع غلامه (¬4). ب- لشبهة استحقاق النفقة، والحدود تدرأ بالشبهات (¬5). • المخالفون للإجماع: حكي عن داود، وأبي ثور أن العبد يقطع إن سرق من مال سيده (¬6). إلا أن ابن عبد البر قال في نقل أبي ثور: "قال أبو ثور: يقطع العبد إذا سرق من سيده إلا أن يمنع منه إجماع" (¬7). ¬
[71/ 1] المسألة الحادية والسبعون: من سرق شيئا من الحمام ولا حافظ له، فلا قطع عليه.
• دليل المخالف: يدل على قطع العبد إن سرق من مال سيده قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1). • وجه الدلالة: عموم الآية، وليس فيها تخصيص العبد فيما إذا سرق من سيده، أو من غيره.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع سكوتي في بين الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، ثم ظهر الخلاف بعد ذلك من أبي ثور وداود، والجمهور على ما نُقل عن الصحابة، ولذا لما ذكر ابن رشد الحفيد المسألة قال. "اختلفوا فيما هو شبهة يدرأ من ذلك مما لا يدرأ منها، فمنها العبد يسرق مال سيده، فإن الجمهور من العلماء على أنه لا يقطع" (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. [71/ 1] المسألة الحادية والسبعون: من سرق شيئًا من الحمَّام ولا حافظ له، فلا قطع عليه. • المراد بالمسألة: أولًا: المراد بالحمَّام: الحمَّام لفظ مفرد مذكر، جمعه حمَّامات، وأنثه بعضهم، والمراد به البناء الذي أُعد للاغتسال، سمي بالحمّام؛ لأنه مكان للاستحمام، قال ابن الأثير (¬3): "المسْتَحَمُّ: الموضع الذي يُغْتَسل فيه بالحَميم وهو في الأصل: الماء الحارُّ ثم قيل للاغتِسال بأيِّ ماء كان ¬
اسْتِحْمامٌ" (¬1). • ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان السارق قد سرق من حمَّام لا حافظ له، دخله من بابه العام، فإنه لا قطع. ويتبين مما سبق أن الحمام إن كان له حافظ، أو كان قد دخله من غير بابه، بل نقبه أو نحو ذلك ثم دخل، فمسألة أخرى ليست مرادة في الباب. • من نقل الإجماع: ذكر ابن حزم (456 هـ) أن القول بعدم قطع من سرق من الحمَّام أنه قول أبي الدرداء -رضي اللَّه عنه- ثم قال: "ولا يعرف له من الصحابة مخالف" (¬2). وقال ابن قدامة (628 هـ): "إذا سرق من الحمام ولا حافظ فيه فلا قطع عليها في قول عامتهم" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: ¬
[72/ 1] المسألة الثانية والسبعون: لا يقطع في سرقة محرم، وآلة لهو.
1 - عن بلال بن سعد (¬1): "أن رجلًا سرق برنسًا (¬2) من الحمام فرفع إلى أبي الدرداء؟ فلم ير عليه قطع" (¬3). 2 - لأن الحمام عرضة للخطأ بأن يأخذ الإنسان ثوبًا يظنه ثوبه، أو نحو ذلك. • المخالفون للإجماع: خالف الظاهرية في مسألة الباب وذهبوا إلى وجوب القطع (¬4). • دليل المخالف: تعليل الظاهرية للقطع بأن الحرز غير معتبر في القطع (¬5).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع، لثبوت الخلاف مع الظاهرية. [72/ 1] المسألة الثانية والسبعون: لا يقطع في سرقة محرم، وآلة لهو. • المراد بالمسألة: تعريف آلة اللهو: الآلة: قال الجرجاني: "الآلة: اسم الآلة هو ما يعالج به الفاعل المفعول بوصول الأثر إليه" (¬6). ويختلف المعنى المراد بالآلة باختلاف استخدامها، فيقال: آلة التصوير، وآلة الخياطة، وآلة القتال، وآلة الطَّرَب. . . إلخ (¬7). ¬
المراد بالآلة هنا: أداة الطرب. اللهو: قال ابن فارس: "اللام والهاء والحرف المعتلّ أصلانِ صحيحان: أحداهما يدلُّ على شُغْل عن شَيء بشيء، والآخر على نَبْذِ شيء من اليد، فالأوَّل اللَّهْو، وهو كلُّ شيءٍ شَغَلك عن شيء، فقد ألهاك" (¬1). وقال الفيومي: "أصل اللَّهْوِ: الترويح عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة" (¬2)، وقيل: اللهو: اللعب (¬3)، وقيل: هو ما يشغل عن الخير، من هوى، أو طراب، ونحوه (¬4). والمراد به هنا هو الأداة التي تستخدم للهو المحرم شرعًا، كمزمار ونحوه. • صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان القياس محرمًا في شريعة المسروق منه، كخمر، أو خنزير، أو نحوه، أو كان من آلات اللهو المحرمة بإطلاق كمزماز ونحوه، ولم يتصل بها ما يبلغ قيمته نصابًا من حلية ذهبا أو غيره، ولم يبلغ قيمتها بعد كسرها نصابًا، فلا قطع في ذلك. ويتبين كما سبق أن ثمة خمس مسائل غير مرادة في مسألة الباب، وهي: • المسألة الأولى: لو كان المسروق محرمًا شرعًا، لكن المسروق منه يعتقد حله في شرعه، كمن سرق خمرًا أو صليبًا من ذمي. • المسألة الثانية: إن كان في آلة اللهو المسروقة حلية من ذهب أو غيره تبلغ نصابًا، أو كان نفسه ذهبا أو فضة، كأن يكون الصليب أو الصنم من ذهب أو فضة تبلغ نصابًا، أو كان قيمة المسروق بعد زوال تأليفه يبلغ نصابًا، بأن يكون قيمة ما يبقى منها بعد إفساد صورتها وإذهاب المنفعة المقصودة بها يبلغ ¬
النصاب، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب (¬1). • المسألة الثالثة: لو كانت آلة اللهو غير محرمة شرعًا، فإن بعض ما ورد تسميته في الشرع مما يلتهى قد يحث عليه الشارع؛ لما فيه من المنافع، فمن ذلك السهام، حيث أخرج مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر (¬2) رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (ستفتح عليكم أرضون، ويكفيكم اللَّه، فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه) (¬3)، أي في تعلم الرمي. وجاءت النصوص في الحث على تعلم الرمي متوافرة مع أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعلها من اللهو، فمن ذلك في صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو على المنبر يقول: ({وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (¬4) ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي) (¬5). ويلتحق ذلك كل ما كان من اللهو المباح كآلات الألعاب الرياضية وغيرها. • المسألة الرابعة: ما لو كان التحريم غير مطلق، أو كان في تحريمه خلاف معتبر بين أهل العلم، كالدف مثلًا، أو الطبل حيث أباحه طائفة من أهل العلم للغزاة في المعارك (¬6)، فلو سرق شيئًا مما فيه خلاف معتبر، أو مما أباحه ¬
[73/ 1] المسألة الثالثة والسبعون: ليس على خائن قطع.
الشارع في أحوال، ومنعه في أحوال أخرى، فسرقته غير مرادة في مسألة الباب. • المسألة الخامسة: لو كان المسروق يبلغ قيمته بعد كسره نصابًا، فذلك غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "لا قطع في الأشربة المطربة. . . ولا في الطنبور ونحوه من آلات الملاهي بلا خلاف" (¬1). • مستند الإجماع: علل الفقهاء عدم القطع بسرقة الملاهي وكل محرم، إما لأنها أشياء غير متقومة شرعًا، أو لأن للآخذ بها شبهة في سرقتها، والحدود تدرأ بالشبهات، ومن شبهة الآخذ أن يسرق الخمر لإراقته، أو يسرق المزمار لكسره من باب النهي عن المنكر، أو غير ذلك من الشبه الذي تُدرؤ بها الحدود (¬2). • المخالفون للإجماع: لم أجد من خالف في المسألة، إلا كلامًا لأبي بكر الجصاص يؤخذ سنه خلاف أبي يوسف حيث قال: "لا قطع في شيء من الخمر، ولا في شيء من آلات الملاهي، وقال أبو يوسف: يقطع في كل شيء سرق من حرز" (¬3). والذي ورد عن أبي يوسف القطع في مسألة من سرق الصليب من الحرز (¬4)، ولعل قياس هذا القول هو القطع في كل محرم إذا سرق من حرز، ولذا ذكره الجصاص على عمومه.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل، العلم، لخلاف أبي يوسف. [73/ 1] المسألة الثالثة والسبعون: ليس على خائن قطع. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الخائن: الخائن: هو الذي يخون ما في يده ¬
من الأمانات، يقال: خَانَ الرجل الأمانة، يَخُونُهَا، خوْنًا، وخِيَانَةً، ومَخَانَةً (¬1). فالخائن في السرقة: هو الذي يؤتمن على شيء بطريق العارية أو الوديعة أو نحو ذلك، فيأخذه ويدعي ضياعه، أو ينكر أنه كان عنده وديعة أو عارية (¬2). • ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص، بما يوجب الحد، وكان قد أخذ المال المسروق عن طريق الخيانة، فلا قطع حينئذ. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن لا قطع على الخائن" (¬3). وقال مكي القيرواني (437 هـ) (¬4): "لا قطع على مختلس أو خائن عند جماعة العلماء" (¬5). قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع علماء المسلمين أنه ليس على خائن قطع" (¬6). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن المختلس والمنتهب والغاصب والخائن على عظم جنايتهم وآثامهم، فإنهم لا قطع على واحد منهم" (¬7)، ونقله عنه ابن قاسم (¬8). ¬
وقال ابن قدامة (620 هـ): "فأما جاحد الوديعة وغيرها من الأمانات، فلا نعلم أحدًا يقول بوجوب القطع عليه" (¬1) ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "ولا يقطع جاحد الوديعة ولا غيرها من الأمانات، لا نعلم فيه خلافًا" (¬3): وقال ابن حجر (852 هـ): "حديث: "ليس على خائن ولا مختلس أولا منتهب قطع". . . وقد أجمعوا على العمل به إلا ما ذكر من قطع جاحد العارية، وأجمعوا على أن لا قطع على الخائن في غير ذلك" (¬4)، أي في غير جحد العارية. وقال ابن الهمام (861 هـ): ""ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع". . . وقد حكي الإجماع على هذه الجملة" (¬5). وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ) في معرض كلامه على الخائن: "لا قطع فيه بإجماع العلماء وفقهاء الأمصار" (¬6). • مستند الإجماع: استدل الفقهاء لمسألة الباب من الأثر والنظر: 1 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ليس على خائن، ولا منتهب، ولا مختلس قطع) (¬7). ¬
2 - علله بعض الفقهاء بقصور الحرز؛ لأن المال المسروق كان في يد الخائن وحرزه. 3 - أن السرقة مأخوذة من المسارقة وهي الاختفاء، فيخرج منها ما كان عن طريق المجاهرة أو الجحد (¬1). • المخالفون للإجماع: المسألة خالف فيها جماعة من أهل العلم، فذهب الظاهرية إلى وجوب القطع على الخائن (¬2). كما خالف الحنابلة إلى صورة من صور المسألة، وهي جحد العارية، حيث ذهب الإمام أحمد في رواية -وهي المذهب عند الحنابلة-، وبه قال إسحاق بن راهويه، إلى قطع جاحد العارية دون غيرها من الأمانات، فجاحد الوديعة وغيرها من الأمانات لا يقطع (¬3). • دليل المخالف: استدل القائلون بوجوب القطع في جحد العارية بما رواه مسلم وأصله في الصحيحين عن عائشة قالت: "كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تقطع يدها، فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه، فكلم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها، فتلون وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: (أتشفع في حد من حدود اللَّه)؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي، قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت ¬
[74/ 1] المسألة الرابعة والسبعون: لا تقطع يد المختلس.
محمد سرقت لقطعت يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بقطع المرأة التي كانت تستعير المتاع ثم تجحده، وعُدَّ ذلك من السرقة.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف الظاهرية في الخائن، وخلاف الحنابلة في صورة من صور المسألة وهي قطع جاحد العارية. [74/ 1] المسألة الرابعة والسبعون: لا تقطع يد المختلس. • المراد بالمسألة: أولا: تعريف الاختلاس لغة وصطلاحًا: • الاختلاس لغة: قال ابن منظور: "الخَلْسُ: الأَخذ في نُهْزَةٍ ومُخاتلة خَلَسَه يَخلِسُه خَلْسًا وخَلَسَة إِياه فهو خالِسٌ وخَلَّاس" (¬2). ويطلق الخلْس أيضًا في اللغة على الكلأ اليابس ينبت في أصلِه الرَّطِب فيختَلِط (¬3). • الاختلاس اصطلاحًا: الاختلاس هو أخذ الشيء غير المُحرَز بحضرة صاحبه جهرًا مع الهرب به، ويكون باستغفال صاحب المال بدون غلبة، وقد يتفطن له صاحب المال ويكون ثمة مغالبة (¬4). • ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وكان الساراق قد أخذ المال اختلاسًا، فلا قطع حينئذ. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن لا قطع على المختلس وانفرد إياس بن معاوية (¬1) فقال: أقطعه" (¬2). وقال مكي القيرواني (437 هـ): "لا قطع على مختلس أو خائن عند جماعة العلماء" (¬3). وقال ابن حزم (456 هـ): "القول في المختلس لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون اختلس جهارًا غير مستخف من الناس، فهذا لا خلاف فيه أنه ليس سارقًا، ولا قطع عليه. أو يكون فعل ذلك مستخفيًا عن كل من حضر، فهذا لا خلاف بيننا وبين الحاضرين من خصومنا في أنه سارق، وأن عليه القطع" (¬4). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أنه ليس في الخلسة قطع بلغ ثمنها ما يقطع فيه أو لم يبلغ. قال أبو عمر: هذا كما ذكره مالك أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه" (¬5). وقال في موضع آخر: "أجمعوا أنه ليس على الغاصب ولا على المكابر الغالب قطع إلا أن يكون قاطع طريق" (¬6). وقال ابن العربي (543 هـ): "أجمعت الأمة أنه لا قطع على المختلس والمنتهب" (¬7). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "أجمعوا أنه ليس في الخيانة ولا في الاختلاس قطع إلا إياس بن معاوية" (¬8). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على ¬
أن المختلس والمنتهب والغاصب والخائن على عظم جنايتهم وآثامهم، فإنهم لا قطع على واحد منهم" (¬1)، ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "فإن اختطف أو اختلس لم يكن سارقًا، ولا قطع عليه عند أحد علمناه غير إياس بن معاوية، قال: أقطع المختلس: لأنه يستخفي بأخذه، فيكون سارقا، وأهل الفقه والفتوى من علماء الأمصار على خلافه" (¬3). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا يقطع مختطف ولا مختلس عند أحد علمناه غير إياس بن معاوية. . . وأهل الفقه والفتوى من علماء الأمصار على خلافه" (¬4). وقال ابن حجر (852 هـ): "حديث: "ليس على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع". . . وقد أبي أجمعوا على العمل به، إلا من شذ" (¬5)، . وقال ابن الهمام (861 هـ): ""ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع". . . وقد حكي الإجماع عنى هذه الجملة" (¬6). وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): "الاختلاس أن يأخذ من البيت سرعة جهرًا، لا قطع فيه بإجماع العلماء وفقهاء الأمصار" (¬7). • مستند الإجماع: استدل الفقهاء لمسألة الباب: 1 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ليس على خائن، ولا منتهب، ولا مختلس قطع) (¬8). 2 - ما ورد عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت رضي اللَّه عنهم أنه لا قطع على مختلس، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف (¬9). ¬
[75/ 1] المسألة الخامسة والسبعون: ليس على المنتهب قطع.
3 - من النظر: علله بعض الفقهاء بعدم الحرز، فلما لم يهتك فيه الحرز لم يجب القطع (¬1). • المخالفون للإجماع: المسألة حكي فيها خلاف عن إياس بن معاوية، حيث قال بقطع المختلس (¬2). • دليل المخالف: دخول المختلس في عموم السارق بكونه أخذ خفية (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، وقول المخالف فيها شاذ، كما نص عليه ابن حجر حيث قال: "حديث: "ليس على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع". . . وقد أجمعوا على العمل به، إلا من شذ" (¬4) واللَّه تعالى أعلم. [75/ 1] المسألة الخامسة والسبعون: ليس على المنتهب قطع. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف المنتهب: النهْب لغةً: قال ابن منظور: "النَّهْبُ: الغَنيمةُ. . . والنهب: الغارة والسلْب" (¬5). المنتهب اصطلاحًا: المنتهِب في اصطلاح الفقهاء: هو من أخذ المال من صاحبه جهارًا، قهرًا (¬6). • ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت المسألة على شخص بما يوجب القطع، وكانت السرقة عن طريق الانتهاب، فلا قطع. • من نقل الإجماع: قال ابن العربي (543 هـ): "أجمعت الأمة أنه لا قطع ¬
على المختلس والمنتهب" (¬1). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن المختلس والمنتهب والغاصب والخائن على عظم جنايتهم وآثامهم، فإنهم لا قطع على واحد منهم" (¬2)، ونقله عنه ابن قاسم (¬3). وقال ابن حجر (852 هـ): "حديث: "ليس على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع". . . وقد أجمعوا على العمل به" (¬4). وقال ابن الهمام (861 هـ): "ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع". . . وقد حُكي الإجماع على هذه الجملة" (¬5). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "ولأبي داود مرفوعًا: "ليس على المنتهب قطع"، وهو اتفاق" (¬6). • مستند الإجماع: استدل الفقهاء لمسألة الباب: 1 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ليس على خائن، ولا منتهِب، ولا مختلِس قطع) (¬7). 2 - من جهة النظر: لأن السرقة ما أخذ خفية، قال ابن حزم: "لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له" (¬8)، معلوم أن الانتهاب لا يتحقق فيه الأخذ خفية.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[76/ 1] المسألة السادسة والسبعون: لا قطع في سرقة كلب ولا فهد.
[76/ 1] المسألة السادسة والسبعون: لا قطع في سرقة كلب ولا فهد. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الكلب والفهد: الكلب: الكَلْب -بسكون اللام- يطلق في اللغة على معان كثيرة منها: كل سبع عقور، وغلب على الحيوان النابح، وجمعه: أكْلُب، وأكالِب، وكلاب، وكِلابات، ذَكَره: كلب، والأنثى: كلبة. كما يُطلق أيضًا على الأسد، وعلى أول زيادة الماء في الوادي، وعلى حديدة الرحى في رأس القطب، وعلى خشبة يعمد بها الحائط، وعلى نوع من الأسماك، وعلى نوع من النجوم، وعلى طرف الأكَمَة، وعلى المسمار في قائم السيف، وعلى وسير أحمر يجعل بين طرفي الأديم، وعلى جبل باليمامة (¬1). والمراد به في هذا البحث هو نوع من السباع، يسمى صوته بالنباح (¬2). الفهد: قال ابن سيده (¬3): "الفَهْد ضَرْب من السِّباعِ يُتَصَيَّد به، والجمع أفُهُدُ ¬
[77/ 1] المسألة السابعة والسبعون: لو أخذ شاة فذبحها ثم أخرجها مذبوحة لم يقطع.
وفُهُود والأنثى فَهْدةُ" (¬1). • ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان المسروق كلبًا لا يباح اتخاذه، أو فهدًا، فإنه لا قطع على السارق حينئذ. ويتحصل مما سبق أن الكلب إن كان مما يباح اتخاذه ككلب الصيد والماشية والزرع فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "لا قطع في سرقة كلب ولا فهد بالإجماع" (¬2). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن الكلب والفهد مما لا يتمول، وما لا قيمة له شرعًا فلا قطع فيه. وعند من يقول بصحة بيعه وتموله، فإن قوة القول بكونه لا يتمول يورث شبهة في القطع، والحدود تدرأ بالشبهات (¬3).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [77/ 1] المسألة السابعة والسبعون: لو أخذ شاة فذبحها ثم أخرجها مذبوحة لم يقطع. • المراد بالمسألة: لو أتلف السارق المسروق في حرزه، فصار مما لا قطع فيه، إما لأنه نقص عن قيمة النصاب، أو لعلة أخرى جعلته مما لا قطع فيه، ثم ¬
أخرجه من الحرز، فإنه لا قطع؛ إذ العبرة بالمسروق حين إخراجه من الحرز، ومثال ذلك: ما لو وجد شخص شاة تبلغ نصابًا في حرز، فذبحها في الحرز، ونقصت قيمتها عن النصاب بعد ذبحها، ثم أخرجها من الحرز، فلا قطع لأنها لم تبلغ نصابًا، وكذا على قول من يرى أن سرقة ما يتسارع إليه الفساد لا قطع فيه، فإن الشاة بعد ذبحها تكون لحمًا، وسرقة اللحم لا قطع فيه لأنه مما يتسارع إليه الفساد. ومثل هذه المسألة ما لو وجد ثوبًا يبلغ نصابًا، فشقه نصفين، فنقصت قيمته عن النصاب، ثم أخرجه من الحرز. يتبين مما سبق أنه لو أتلف المسروق في حرزه لكنه لم ينقص عن قيمة النصاب، كما لو كانت الشاة تبلغ نصابًا بعد ذبحها، فذلك غير مراد في مسألة الباب (¬1). كذا لو صار المسروق بعد تلفه مما لا قطع فيه، كالشاة مثلًا لو ذبحها ثم أخرجها لحمًا، فعند من يرى أن اللحم لا قطع في سرقته لأنه مما يتسارع إليه الفساد، يكون في هذه الصورة مما لا قطع فيه، لأن العبرة بالمسروق حين إخراجه من الحرز. • من نقل الإجماع: هذه المسألة يُعبر عنها الفقهاء بأن المعتبر في السرقة حين إخراجه من الحرز، لا حين أخذه من الحرز، وقد ذكر الإجماع في المسألة جماعة من أهل العلم: قال السرخسي (483 هـ): "وإذا سرق ثوبًا فشقه في الدار نصفين ثم أخرجه فإن كان لا يساوي عشرة دراهم بعدما شقه لم يقطع بالاتفاق" (¬2). قال الكاساني (587 هـ): "لو أخذ شاة فذبحها، ثم أخرجها مذبوحة ¬
لا يقطع بالإجماع" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "من سرق ثوبًا فشقه في الدار قبل أنا يخرجه من الحرز نصفين ثم أخرجه، وهو يساوي عشرة بعد الشق قطع. . . وإن كان لا يساوي عشرة بعده لم يقطع بالاتفاق" (¬2). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بما يلي: 1 - أن المعتبر كمال النصاب عند تمام السرقة وتمامه بالإخراج من الحرز، فإذا لم تكن قيمته نصابًا عند الإخراج، أو كان مما لا حد فيه، لم يلزمه القطع. 2 - علل فقهاء الحنفية مسألة الشاة بأن الشاة بعد ذبحها يكون المسروق لحمًا، واللحم لا قطع فيه؛ لأنه مما يتسارع إليه الفساد، وعلى هذا الرأي فلا قطع في الشاة المذبوحة ولو بلغت نصابًا (¬3). • المخالفون للإجماع: يتبين مما سبق أن المسألة مبنية على اشتراط الحرز، واشتراط إخراج المسروق من الحرز، أما من لا يرى اشتراط الحرز، أو لا يرى شرطية إخراج المال المسروق من الحرز، كما هو منقول عن عائشة رضي اللَّه عنها، والنخعي، وسعيد بن المسيب، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، والحسن البصري، وهو مذهب الظاهرية، فكل هؤلاء يخالفون في مسألة الباب (¬4). • دليل المخالف: استدل المخالف بأنه لا دليل صريح على اشتراط الحرز، أو اشتراط إخراج المال المسروق من الحرز، وبيَّن ذلك ابن حزم فقال: "لا خلاف بين أحدا من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له، وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الاسم، فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز فقد خالف الإجماع على معنى هذه اللفظة في اللغة، وادعى في الشرع ما لا سبيل له إلى وجوده، ولا دليل على صحته، وأما قول الصحابة فقد أوضحنا أنه لم يأت قط عن أحد منهم اشتراط ¬
[78/ 1] المسألة الثامنة والسبعون: لا قطع فيمن سرق صبيا حرا يعبر عن نفسه.
الحرز أصلًا وإنما جاء عن بعضهم "حتى يخرج من الدار" وقال بعضهم "من البيت" وليس هذا دليلًا على ما ادعوه من الحرز، مع الخلاف الذي ذكرنا عن عائشة، وابن الزبير في ذلك" (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ للخلاف المنقول فيها عن عائشة رضي اللَّه عنها، والنخعي، وسعيد بن المسيب، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، والحسن البصري، وهو مذهب الظاهرية. [78/ 1] المسألة الثامنة والسبعون: لا قطع فيمن سرق صبيًا حرًا يُعبِّر عن نفسه. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الصبي: الصبي لغةً: الصِّبا يطلق في اللغة على ثلاث معان: قال الرازي: "الصَّبْيُّ: الغلام، والجمع: صِبْية، وصِبْيانٌ، ويقال: صبي بيِّن الصِّبَا والصَّبَاءِ -إذا فتحت مددت وإذا كسرت قصرت-، والجارية صَبِيَّةٌ، والجمع الصَّبَايَا، مثل: مطية ومطايا. والصِّبَا أيضًا: من الشوق، يقال منه: تَصَابَى، وصَبَا يصبو صَبْوةً وصُبُّوًّا: أي مال إلى الجهل والفتوة. . . والصَّبَا: ريح، ومهبها المستوي أن تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار، ومقابلتها الدبور" (¬2). • الصبي اصطلاحًا: المراد بالصبي هنا هو الغلام صغير السِّن دون البلوغ، وحدَّه آخرون بأنه من الولادة إلى أن يُفطم (¬3). والقول الأول هو الأقرب -واللَّه أعلم-؛ لأن المسألة هي في الصبي الذي يُعبِّر عن نفسه، والصبي قبل الفطام لا يستطيع أن يُعبر عن نفسه. ¬
• ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وكان المسروق صبيًا حرًا يعبر عن نفسه، فلا قطع، وكذا لو كان حرًا كبيرًا يعبر عن نفسه فهو كذلك من باب أولى (¬1)، إذ العبرة في المسألة أن يكون حرًا، وأن يعبر عن نفسه. ويتبين من هذا أن المسروق لو كان صبيًا حرًا لكنه لا يعبر عن نفسه، وكذا لو كان كبيرًا لكنه لا يعبر عن نفسه لجنون أو زيادة الكبر أو نحو ذلك، أو كان المسروق عبدًا صغيرًا أو كبيرًا، فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "إن كان -أي الحر الصبي- يعبِّر عن نفسه لا يقطع بالإجماع" (¬2). • مستند الإجماع: علل الفقهاء للمسألة بما يلي: 1 - أن من شرط السرقة أن يكن المسروق مالًا متقومًا، والحر ليس بمال. 2 - لأن الذي يعبر عن نفسه لا يمكن سرقته بأخذه من الحرز، وإنما يكون أخذه من باب خداعه (¬3).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. • إلا أن ثمة تنبيهان: الأول: ظاهر إطلاق الحنابلة في كتبهم أن ثمة رواية عن أحمد بوجوب القطع على من سرق الحر الصغير، ولم يقيدوا بكونه مميزًا، أو غير مميز، لكن شمس الدين ابن قدامة لما ذكر المسألة قال: "ظاهر المذهب أنه لا يقطع بسرقة الحر الصغير. . . " عن أحمد رواية ثانية: أنه يقطع بسرقة الصغير، وذكرها ¬
[79/ 1] المسألة التاسعة والسبعون: لا قطع على من سرق الثمر المعلق غير المحرز، وعليه غرامة مثله.
أبو الخطاب وهو قول الحسن، والشعبي، ومالك، وإسحاق؛ لأنه غير مميز أشبه العبد" (¬1)، وهذا التعليل من ابن قدامة يدل على أن مراد الحنابلة بالصغير هو غير المميز. الثاني: أشار ابن حزم إلى وجود الخلاف فقال: "اختلف الناس فيمن سرق عبدًا كبيرًا يتكلم، وفيمن سرق حرًا صغيرًا أو كبيرا" (¬2)، وتعلم أن مذهب المالكية ورواية عند الحنابلة يرون القطع على من سرق صغيرًا، لكنهم يخصونه بغير المميز، فإن كان مراد ابن حزم ذلك الخلاف، فتكون مسألة الباب محل إجماع، لأنها في الحر الصبي المميز الذي يعبر عن نفسه، وإن أراد الصغير مطلقًا حتى غير المميز، فتكون المسألة محل خلاف، لكن لم أجد من قال به، فلعله أراد الأول، واللَّه تعالى أعلم. [79/ 1] المسألة التاسعة والسبعون: لا قطع على من سرق الثمر المعلق غير المحرز، وعليه غرامة مثله. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وكان المسروق ثمرًا معلقًا في الشجر، داخل بستان لا حائط فيه ولا حارس، فهنا لا قطع؛ لأن البستان ليس بحرز. ويتبين من هذا أن الشجرة لو كانت في دار محرزة، أو كانت في بستان عليها باب مغلق أو حارس، فسرق منها نصابًا، فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: مسألة الباب على شقين: الأول: أنه لا قطع في سرقة الثمر المعلق: قال ابن هبيرة (560 هـ): "اختلفوا فيمن سرق تمرًا معلقًا على النخل أو الشجر إذا لم يكن محرزًا بحرز، فقال: أبو حنيفة ومالك والشافعي: يجب عليه قيمته، وقال أحمد: يجب قيمته ¬
دفعتين، وأجمعوا على أنه يسقط القطع عن سارقه" (¬1). الثاني: تغريمه مثل ما أَخذ: قال ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال بعد نقله كلام أهل السلف فيمن في أخذ من الثمر المعلق: "وعلى من استهلكه قيمته في قول جماعة أهل العلم لا أعلمهم اختلفوا في ذلك" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - عن عمرو بن اشعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مِثْليه والعقوبة) (¬3). وللنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كم تقطع اليد؟ قال: (لا تقطع اليد في ثمر معلق، فإذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن، ولا تقطع في حريسة الجبل، فإذا آوى المراح قطعت في ثمن المجن) (¬4). 2 - من النظر: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن الشجر المعلق لم يحرز بعد، فليس فيه القطع. • المخالفون للإجماع: خالف الظاهرية في مسألة الباب، فيرون وجوب القطع على من سرق من الثمر المعلق، إذا أخذه على سبيل الخفية (¬5). • دليل المخالف: أنه لا دليل صحيح صريح في اشتراط الحرز، والأصل هو ¬
[80/ 1] المسألة الثمانون: لا يقطع السيد بسرقته من مال مكاتبه.
القطع حتى يرد دليل بمنع القطع ولا دليل (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق؛ لثبوت الخلاف فيها مع الظاهرية. [80/ 1] المسألة الثمانون: لا يقطع السيد بسرقته من مال مكاتبه. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف المكاتب: المكاتب اسم مفعول من كاتَب يُكاتب، قال الأزهري (¬2): "المكاتبة: لفظة وُضعت لعتق على مالٍ مُنجَّم إلى أوقات معلومة، يحلُّ منجم لوقته المعلوم" (¬3). والمراد بالمكاتب عند الفقهاء هو أن يشتري العبد نفسه ويعتقها، بعقد بين السيد وعبْده على أن يدفع له مالًا على أيام معدودة، يصير بأدائها حرًا (¬4). • ثانيًا: صورة المسألة: لو أن شخصًا لديه عبد كاتبه، فسرق السيد من مال مكاتبه قبل أن يسدد المكاتب ما عليه، فلا قطع على السيد حينئذ. ويتبين من هذا أن المكاتب لو أدى جميع ما عليه ثم سرق السيد منه فليس ¬
[81/ 1] المسألة الحادية والثمانون: لا يقطع في سرقة العبد إذا كان يعبر عن نفسه.
ذلك من مسائل الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "لو سرق المولى من مكاتبه لا يقطع بلا خلاف" (¬1). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب أن للسيد في كسب مكاتبه حق، وهذه شبهة ملك للسيد تدرأ الحد، والحدود تدرأ بالشبهات (¬2).Rلم أجد فى من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة كما قال ابن الهمام بلا خلاف بين أهل العلم. إلا أنَّ ابن حزم لا يأخذ بقاعدة درء الحدود بالشبهات، ويرى في المكاتب أنه حر بقدر ما أدى، وأنه من حين يعقد عقد الكتابة فليس للسيد حق في ماله، ولا أن يأخذ من مال مكاتبه شيء، فقياس قول ابن حزم القطع بسرقة السيد من مال المكاتب، لكنه لم يذكر المسألة في شيء من كتبه، لذا لا يمكن الجزم بخلافه في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [81/ 1] المسألة الحادية والثمانون: لا يقطع في سرقة العبد إذا كان يعبر عن نفسه. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وكان المسروق عبدًا كبيرًا يعبر عن نفسه، فإنه لا قطع. ويتبين من ذلك أن العبد لو كان صغيرًا، أو كان كييرًا لكنه لا يعقل، ولا يعبر عن نفسه، بأن يأخذه حال كونه مجنونًا، أو مغمى عليه، أو نحو ذلك، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "إذا سرق عبدًا صبيًا يعبر عن نفسه، لا يقطع بلا خلاف" (¬3). ¬
[82/ 1] المسألة الثانية والثمانون: الشاهدان إذا شهدا على السارق ثم قطعت يده، ثم جاءا بآخر، فقالا: هذا الذي سرق، وقد أخطأنا بالأول، غرما بالدية، ولا تقبل شهادتهما على الثاني.
• مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن الكبير لا يمكن أخذه عن طريق السرقة، وإنما يكون من باب الخداع، أو الغصب. • المخالفون للإجماع: أشار ابن حزم في المحلى إلى أن المسألة محل خلاف فقال: "اختلف الناس فيمن سرق عبدًا كبيرًا يتكلم"، ثم لم يذكر القائلين به صريحًا، لكن ظاهر كلامه ترجيح القول بالقطع (¬1). • دليل المخالف: 1 - استدل القائلون بوجوب القطع على من سرق العبد الكبير بأن العبد مال، يجب إقامة الحد بسرقته كسائر الأموال، ولا مانع من إقامة الحد على من سرقه؛ إذ لا دليل يدل على المنع من ذلك. 2 - أنه لا دليل على التفريق بين العبد الصغير والكبير، فكلاهما مال، والتفريق يحتاج إلى دليل.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ للخلاف الذي نقله ابن حزم. [82/ 1] المسألة الثانية والثمانون: الشاهدان إذا شهدا على السارق ثم قطعت يده، ثم جاءا بآخر، فقالا: هذا الذي سرق، وقد أخطأنا بالأول، غُرما بالدية، ولا تقبل شهادتهما على الثاني. • المراد بالمسألة: أن يشهد شاهدان على شخص بسرقة ما يوجب القطع، فتقطع يده لذلك، ثم يتراجع الشاهدان، بأنهم قد أخطأوا في شهادتهما، في تعيين ذات السارق، وأن السارق فلان آخر، فإن الشاهدان يغرمان دية يد من قُطعت يده بالشهادة الأولى، ولا تقبل شهادتهما على الثاني. ¬
ويتبين مما سبق أنه لو تعمد الشاهدان الكذب في الشهادة على الأول، فإن هذا ليس من مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن الشاهدين إذا شهدا على سارق فقطعت يده، ثم جاءا بآخر فقالا هذا الذي سرق، وقد أخطأنا الأول، أنهما يغرمان دية اليد، ولا تقبل شهادتهما على الثاني" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما أخرجه البخاري (¬2) في صحيحه حيث قال: "باب: إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب أو يقتص منهم كلهم، وقال مطرف عن الشعبي: في رجلين شهدا على رجل أنه سرق، فقطعه علي، ثم جاءا بآخر وقالا: أخطأنا، فأبطل شهادتهما، وأخذا بدية الأول، وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما" (¬3).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
الفصل السادس مسائل الإجماع فيما يسقط حد السرقة
الفصل السادس مسائل الإجماع فيما يسقط حد السرقة [83/ 1] المسألة الثالثة والثمانون: لا يسقط حد السرقة إذا لم يهبه المسروق منه ما سرق. • المراد بالمسألة: لو سرق شخص ما يوجب القطع، ولم يتملك السارق ما سرقه، بهبة أو نحوه، فإن الأمر إذا بلغ للحاكم وجب القطع (¬1). • من نقل الإجماع: نقل ابن حزم (456 هـ) الاتفاق على أن صاحب المال إذا لم يهب المسروق للسارق فإنه يقطع (¬2). • مستند الإجماع: دليل المسألة ظاهر من حيث أن السارق سرق ما يوجب القطع، وليس ثمة ما يسقط إقامة الحد.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [84/ 1] المسألة الرابعة والثمانون: يسقط حد السرقة بهبة المسروق منه للسارق ما سرق قبل بلوغ الإمام. • المراد بالمسألة: الهبة لغةً: قال أبو البقاء: "الهبة: أصلها من الوهب، بتسكين الهاء وتحريكها، كذلك في كل معتل الفاء، كالوعد والعِدّة، والوعظ والعظة، فكانت من المصادر التي تحذف أوائلها وتعوض في آخرها التاء، ¬
ومعناها إيصال الشيء إلى الغير بما ينفعه، سواء كان مالًا، أو غير مال" (¬1). وقال الفيومي: "وهَبْتُ لزيد مالًا، أهَبُهُ له هِبَةَ: أعطيته بلا عوض" (¬2). • الهبة اصطلاحًا: قال الجرجاني: "الهبة في اللغة: التبرع، وفي الشرع: تمليك العين بلا عوض" (¬3). ويتبيَّن من هذا أن المعنى الاصطلاحي للهبة موافق للمعنى اللغوي. • ثانيًا: صورة المسألة: لو سرق شخص من آخر ما يوجب القطع، وقبل بلوغ الأمر للإمام تملَّك السارق ما سرقه، إما بأن تبرع المسروق منه بهبة المسروق للسارق، وقبل السارق الهبة، أو باعه إياه، أو ورثه، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا قطع حينئذٍ. ويتبين مما سبق أن الإهداء لو كان بعد بلوغ الأمر للحاكم، أو كان السارق لم يتملك تمام الملك، بأن لم يقبل بالهبة مثلًا، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "مُلك السارق المسروق قبل القضاء، نحو ما إذا وهب المسروق منه المسروق من السارق قبل القضاء: وجملة الكلام فيه، أن الأمر لا يخلو: إما أن وهبه منه قبل القضاء، وإما أن وهبه ¬
بعد القضاء قبل الإمضاء. فإن وهبه قبل القضاء: يسقط القطع بلا خلاف" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "إن ملك العين المسروقة بهبة أو بيع أو غير ذلك من أسباب الملك وكان ملكها قبل رفعه إلى الحاكم والمطالبة بها عنده لم يجب القطع، وبهذا قال مالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافًا" (¬2)، ونقله عله عنه ابن مفلح (¬3). وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): "أجمعوا على أنه لو ملكه قبل الخصومة لا يجوز استيفاء القطع" (¬4). • مستند الإجماع: دليل المسألة الأثر والنظر: 1 - عن صفوان بن أمية -رضي اللَّه عنه- أنه: "سُرقت خميصته من تحت رأسه وهو نائم في مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخذ اللص، فجاء به إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر بقطعه، فقال صفوان: أتقطعه؟ قال: (فهلا قبل أن تأتيني به تركته) (¬5). وفي رواية لأبي داود والنسائي بلفظ: "قال صفوان: فأتيته فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهمًا، أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، (قال: فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به) (¬6). وفي رواية لابن ماجه بلفظ: "فقال صفوان: يا رسول اللَّه لم أرد، هذا ردائي عليه صدقة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فهلا قبل أن تأتيني به) (¬7). • وجه الدلالة: سياق الحديث بروايته فيه دلالة صريحة على قبول إسقاط الحد ¬
بهبة المال المسروق قبل رفعه للحاكم، ولذا قال ابن عبد البر بعد سياقه للحديث: "وهذا يدل على أنه لو وهب للسارق رداءه قبل أن يأتيه به لما قطع" (¬1). 2 - من النظر: علل الفقهاء لعدم القطع بأن المطالبة شرط للحكم بالقطع، فإذا تملكه السارق قبل القضاء امتنعت المطالبة (¬2). • المخالفون للإجماع: القول بعدم القطع في مسألة الباب هو مذهب الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، ورواية عن أحمد (¬5). بينما ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب إقامة الحد، وهو مذهب المالكية (¬6)، والرواية الأخرى عن أحمد (¬7) وبه قال ابن أبي ليلى، وحكاه الطحاوي وغيره عن الشافعي (¬8). • دليل المخالف: علل المخالف في مسألة الباب بما يلي: 1 - أن العبرة بحال المسروق حين خروجه من الحرز، بدليل أن المسروق لو نقص بعد إخراجه من الحرز لم يسقط القطع؛ لأن العبرة بالمسروق حين إخراجه من الحرز، فكذلك هنا، ولذا فلا تشترط مطالبة صاحب المال المسروق عند مالك، وأحمد في رواية. 2 - القياس: فإن الزاني بأمة غيره لو وهبت له قبل أن يقام عليه الحد، أو يشتريها قبل أن يقام عليه الحد، فإن ملكه الطارئ لا يزيل عنه الحد، فكذا هنا (¬9).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل ¬
[85/ 1] المسألة الخامسة والثمانون: حد السرقة لا يسقط بالتوبة بعد الرفع.
العلم، بل هي محل خلاف بين المذاهب الأربعة؛ لثبوت الخلاف فيها مع المالكية، وأحمد في رواية، وابن أبي ليلى. ولذا قال، ابن رشد الحفيد في سياق المسألة: "اختلفوا في السارق يسرق ما يجب فيه القطع فيرفع إلى الإمام وقد وهبه صاحب السرقة ما سرقه، أو يهبه له بعد الرفع وقبل القطع" (¬1)، واللَّه تعالى أعلم. [85/ 1] المسألة الخامسة والثمانون: حد السرقة لا يسقط بالتوبة بعد الرفع. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف التوبة لغة واصطلاحًا: التوبة لغة: قال ابن فارس: "التاء والواو والباء كلمةٌ واحدة تدل على الرُّجوع، يقال: تابَ مِنْ ذنبه، أي رَجَعَ عنه" (¬2) • التوبة اصطلاحًا: التوبة في اصطلاح الفقهاء هي الرجوع إلى اللَّه تعالى بترك ما مضى من المعاصي والذنوب (¬3). ولها شروط حاصلها: 1 - الإقلاع عن الذنب. 2 - الندم على ما فعل. 3 - العزم على عدم العودة للذنب (¬4). 4 - أن تكون التوبة قبل فوات وقتها، وذلك بطلوع الشمس من مغربها، أو بلوغ الغرغرة. ¬
5 - رد المظالم إلى أهلها، إن كان الذنب يتعلق بحقوق الآخرين (¬1). • ثانيًا: صورة المسألة: لو شبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وبعد رفعه للإمام تاب السارق من سرقته، فإن القطع لا يسقط حينئذٍ. يتبين مما سبق أن توبته لو كانت قبل ثبوت الأمر للسلطان، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "قد اتفقنا أن التوبة لا تُسقط الحد" (¬2). وقال القرطبي (671 هـ): "لا خلاف فيما أعلمه أن التوبة لا تُسقط حدًا" (¬3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "اتفق العلماء فيما أعلم على أن قاطع الطريق واللص ونحوهما إذا رفعوا إلى ولى الأمر ثم تابوا بعد ذلك لم يسقط الحد عنهم بل تجب إقامته وإن تابوا" (¬4). وقال ابن القيم (751 هـ): "الحدود لا تسقط بالتوبة بعد القدرة اتفاقًا" (¬5). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "ولا يسقط -أي الحد- بالتوبة بعد الرفع إجماعا" (¬6). قال ابن الهمام (861 هـ): "للإجماع على أن التوبة لا تسقط الحد في الدنيا" (¬7). وقال ابن نجيم (970 هـ): "الإجماع على أن التوبة لا تسقط الحد في الدنيا" (¬8). وقال القاري (1014 هـ)، والشوكاني (1250 هـ) مثل قول ابن الهمام تمامًا: "للإجماع على أن التوبة لا تسقط الحد في الدنيا" (¬9). وقال أبو الطيب (1329 هـ): ¬
"أجمع العلماء على أن التوبة لا تسقط حدًا من حدود اللَّه" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬2). • وجه الدلالة: أن الآية عامة، ولم تستثن التائب من غيره. 2 - عن ثعلبة بن سعد الأنصاري -رضي اللَّه عنه- (¬3): "أن عمرو بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس (¬4) جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه إني سرقت جملًا لبني فلان فطهرني، فأرسل إليهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: إنا افتقدنا جملًا لنا، فأمر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقطعت يده، قال ثعلبة: أنا أنظر إليه حين وقعت يده وهو يقول: الحمد للَّه الذي طهرني منك، أردت أن تدخلي جسدي النار" (¬5). • وجه الدلالة: أن عمرو بن سمرة جاء تائباص يطلب الحد، ومع ذلك أقام عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الحد، ولم يسقطه بالتوبة. 3 - القياس على حد الزنى؛ فإن ماعز بن مالك، والغامدية، حين تابا من الزنى، ويلغ أمرهم للإمام، لم يُسقط النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنهم الحد لأجل توبتهم، فكذا السرقة، لا تسقط بالتوبة، إذا بلغت الإمام. ¬
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن التوبة بعد الرفع مسقطة للحد، وهو قول بعض الشافعية كالماوردي، والروياني (¬1)، والمحاملي (¬2) (¬3). وهو قول الشافعي لمَّا كان بالعراق، ثم رجع عنه بمصر (¬4). وهو أيضًا رواية عند الحنابلة اختارها أبو الخطاب (¬5) (¬6). وإن كان ابن تيمية قرر في كتابه الصارم المسلول أن الخلاف هو فيما لو لم يثبت الحد عند الإمام، أما إن ثبت عند الإمام فالمسألة محل إجماع. وقرر أن ما نُقل عن الإمام أحمد في هذه المسألة أن من تاب فلا حد عليه ولو ثبت عليه الحد عند الإمام، ليس بصواب، بل متى أظهر التوبة بعد أن ثبت ¬
عليه الحد عند الإمام بالبينة لم يسقط عنه الحد قولًا واحدًا عن الإمام أحمد، وأما إن تاب قبل أن يقدر عليه -بأن يتوب قبل أخذه وبعد إقراره الذي له أن يرجع عنه-: فهذا الذي فيه روايتان عن أحمد، إذ كان يقول بسقوط الحد ثم رجع عنه، وأيَّد ابن تيمية ذلك بأن هذا ما صرح به غير واحد من أئمة المذهب منهم الشيخ أبو عبد اللَّه بن حامد (¬1). فتحصل مما قرره ابن تيمية أن المسألة عند الإمام أحمد على ثلاث حالات: الحال الأولى: أن يتوب بعد ثبوت الحد عند الإمام، فهنا لا يسقط قولًا واحدًا عن الإمام أحمد. الحال الثانية: أن يتوب قبل أن يقر بالحد، بأن يجيء للإمام تائبًا، فهذه لا حد فيها عند الإمام أحمد. الحال الثالثة: أن يتوب بعد أن يقر، بأن يقر ثم يتوب، ففي هذه الحال روايتان عن أحمد، فكان يقول بسقوط الحد عنه، ثم رجع وقال بعدم سقوط الحد (¬2). • دليل المخالف: استدل القائلون بسقوط الحد عن التائب بقول اللَّه تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)} (¬3). • وجه الدلالة: الآية دليل على أن التائب لا يقام عليه الحد، إذ لو أقيم عليه الحد بعد التوبة لما كان لذكرها فائدة (¬4). ¬
[86/ 1] المسألة السادسة والثمانون: لصاحب المال المسروق أن يعفو عن السارق، وأن عفوه يسقط الحد قبل أن يرفع للإمام.
Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لوجود المخالف من بعض الشافعية وبعض الحنابلة، ولذا لمَّا ساق الصنعاني المسألة قال: "التوبة لا تسقط الحد، وهو أصح القولين عند الشافعية والجمهور" (¬1)، فذكر المسألة على أنها خلافية، وليست إجماعًا محققًا، واللَّه تعالى أعلم. [86/ 1] المسألة السادسة والثمانون: لصاحب المال المسروق أن يعفو عن السارق، وأن عفوه يسقط الحد قبل أن يرفع للإمام. • المراد بالمسألة: لو سرق شخص مالًا يجب فيه الحد، فلصاحب المال المسروق أن يعفو عن السارق قبل أن يرفع الأمر للحاكم، وبالعفو يسقط عن السارق حد القطع. • من نقل الإجماع: قال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفقوا على أن لصاحب السرقة أن يعفو ما لم يرفع ذلك إلى الإمام" (¬2). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "ويسقط بالعفو قبل الرفع إجماعًا" (¬3). وقال الشوكاني (1250 هـ): "القطع يسقط بالعفو قبل الرفع وهو مجمع عليه" (¬4). وقال المطيعي (1404 هـ): "اتفقوا على أن لصاحب السرقة أن يعفو ما لم يرفع ذلك إلى الإمام" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على هذه المسألة الأثر والنظر: 1 - فمن الأثر: عن صفوان بن أمية -رضي اللَّه عنه- أنه: "سُرقت خميصته من تحت رأسه وهو نائم في مسجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخذ اللص، فجاء به إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمر ¬
[87/ 1] المسألة السابعة والثمانون: من أقر على نفسه بسرقة ثم رجع عن إقراره سقط الحد.
بقطعه، فقال صفوان: أتقطعه؟ قال: (فهلا قبل أن تأتيني به تركته) (¬1). وفي رواية لابن ماجة بلفظ: "فقال صفوان: يا رسول اللَّه لم أرد، هذا ردائي عليه صدقة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فهلا قبل أن تأتيني به) (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أشار في الحديث إلى أن العفو إن كان قبل بلوغ الأمر إليه لكان تجاوز صفوان مقبولًا في الشرع، أما بعد الرفع فإن الحد قد وجب ولا يسقطه العفو (¬3). 2 - من النظر: علل الفقهاء لعدم القطع بأن المطالبة شرط للحكم بالقطع، فإذا تملكه إلى سارق قبل القضاء امتنعت المطالبة (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [87/ 1] المسألة السابعة والثمانون: من أقر على نفسه بسرقة ثم رجع عن إقراره سقط الحد. • المراد بالمسألة: لو أقر شخص على نفسه بسرقة ما يوجب القطع، ثم رجع عن إقراره وأكذب نفسه، قبل البدء بإقامة الحد، فإنه يسقط عنه الحد، ولا يقام. ويتحصل مما سبق أنه الحد لو ثبت بالبينة، فمسألة أخرى، وكذا لو شرع في إقامة الحد ثم بدأ بالرجوع، فمسألة أخرى ليست مرادة في الباب، وكذا يتبين أن المسألة هي في إقامة الحد، لا في الضمان؛ لأن ضمان ما أقر به ثم تراجع عنه محل خلاف، وليست هي مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الطحاوي (322 هـ): "قد رأيناهم جميعًا لما رووا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المقر بالزنا لمَّا هرب فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لولا خليتم سبيله) ¬
فكان ذلك عندهم على أن رجوعه مقبول، واستعملوا ذلك في سائر حدود اللَّه عز وجل، فجعلوا من أقر بها ثم رجع، قُبل رجوعه، ولم يخصُّوا الزنا بذلك دون سائر حدود اللَّه" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "ذا أقر بالسرقة ثم رجع فقال لم أسرق بل هو ملكي فإنه لا يقطع بالإجماع" (¬2). وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): "إذا أقر بالسرقة ثم رجع فقال لم أسرق بل هو ملكي فإنه لا يقطع بالإجماع. . . فإن المقر إذا رجع صح، أي إجماعًا" (¬3). وقال دامان (1078 هـ) في باب السرقة: "صحة الرجوع بعد الإقرار: إجماعًا" (¬4). • مستند الإجماع: استدل لهذه المسألة بأدلة منها: 1 - عن أبي أمية -رجل من الأنصار- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي بلص اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما إخالك سرقت) قال: بلى، قال: (اذهبوا به فاقطعوه، ثم جيئوا به، فقطعوه)، ثم جاءوا به، فقال له: (قل: أستغفر اللَّه وأتوب إليه) فقال: أستغفر اللَّه وأتوب إليه، قال: (اللهم تب عليه) (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عرض له ليرجع، ولو لم يسقط الحد برجوعه لم يكن في ذلك فائدة. 2 - من النظر: أن رجوعه عن الإقرار يورث شبهة في إقامة الحد، وقد تقرر عند عامة أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهات (¬6). ¬
3 - من القياس: وهو على نوعين: قياس على أثر، وقياس على نظر: أ - أما القياس على الأثر فما ورد في قصة ماعز حين أقر بالزنا، وأقيم عليه الحد، فلما وجد مس الحجارة، فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل، فضربه به، وضربه الناس، حتى مات، فذكروا ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه فر حين وجد مس الحجارة، ومس الموت، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب اللَّه عليه) (¬1). • وجه الدلالة: دل الحديث على أن ماعزًا لو رجع عن إقراره سقط عنه الحد، وهذا في الزنا، فيقاس عليه الحد في السرقة. ب - وأما القياس على النظر فقال ابن عبد البر: "وقد أجمع العلماء على أن الحد إذا وجب بالشهادة وأقيم بعضه ثم رجع الشهود قبل أن يقام الحد أو قبل أن يتم أنه لا يقام عليه، ولا يتم ما بقي منه بعد رجوع الشهود، فكذلك الإقرار والرجوع" (¬2). ولمجموع هذه الأدلة ذهب الأئمة الأربعة إلى أن من رجع عن إقراره قبل منه رجوعه وسقط عنه الحد (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا يقبل رجوع من أقر على، نفسه بالسرقة، ونسبه ابن حزم إلى الحسن، وسعيد بن ¬
جبير (¬1)، وابن أبي ليلى (¬2) (¬3)، وهو قول في مذهب الشافعي (¬4)، وقول في مذهب أحمد (¬5). وروي عن مالك أنه إن ظهر منه ما يشبه البينة، كظهور بعض المتاع، وهو من أهل التهم فلا يقبل رجوعه. وفي رواية أخرى عن مالك أنه إن اعترف بالسرقة من غير محنة ولا ترويع لم يقبل رجوعه عن إقراره (¬6). وإلى عدم سقوط الحد بالرجوع عن الإقرار بالسرقة ذهب الظاهرية أيضًا، كما قال ابن حزم: "من أقر لآخر، أو للَّه تعالى بحق في مال، أو دم، أو بشرة، وكان المقر عاقلًا بالغًا غير مكره، وأقر إقرارًا تامًا، ولم يصله بما يفسده، فقد لزمه، ولا رجوع له بعد ذلك، فإن رجع لم ينتفع برجوعه، وقد لزمه ما أقر به على نفسه من دم، أو حد، أو مال. ¬
[88/ 1] المسألة الثامنة والثمانون: إذا أدخل اللص يده في الدار وأمكنه الدخول ولم يدخل لم يقطع.
فإن وصل الإقرار بما يفسده بطل كله، ولم يلزمه شيء، لا من مال، ولا قود، ولا حد، مثل أن يقول: لفلان علي مائة دينار، أو يقول: قذفت فلانًا بالزنى، أو يقول: زنيت، أو يقول: قتلت فلانًا، أو نحو ذلك، فقد لزمه، فإن رجع عن ذلك، لم يلتفت، فإن قال: كان لفلان علي مائة دينار وقد قضيته إياها، أو قال: قذفت فلانًا وأنا في غير عقلي، أو قتلت فلانا؛ لأنه أراد قتلي ولم أقدر على دفعه عن نفسي، أو قال: زنيت وأنا في غير عقلي، أو نحو هذا، فإن هذا كله يسقط ولا يلزمه شيء" (¬1). • دليل المخالف: علل ابن حزم لمسألة الباب بما يلي: 1 - بأن المقر قد ثبت في حقه الحد بإقراره، فادعاء سقوطه يحتاج إلى برهان وبينة، فإن لم يكن له بينة حُكم عليه بما أقر أولًا (¬2). 2 - أن من أقر بالسرقة ثم رجع عنها فإيجاب الضمان عليه بغرم ما أقر بسرقته ثم رجوعه عنه باطل؛ لأنه لا يخلو من أحد أمرين: فإما أن يكون سارقًا في الحقيقة، فيكون حينئذٍ قد أُسقط الحد في حقه. وإما أن يكون صادقًا في رجوعه فيكون حينئذٍ إيجاب ضمان ما أقر بسرقته ظلمًا في حقه (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيها. [88/ 1] المسألة الثامنة والثمانون: إذا أدخل اللص يده في الدار وأمكنه الدخول ولم يدخل لم يقطع. • المراد بالمسألة: لو كان ثمة مال محرز في دار معينة، فنقب شخص الدار، وأخرج المتاع منه دون أن يَدخُله، فهل عليه القطع أم لا. ¬
وينبه إلى أن هذه المسألة هي فيما يكون الحرز فيه مما يتصور فيه الدخول، كالدار ونحوه، أما لو كان الحرز مما لا يتصور دخوله كالصندوق، أو جيب الثوب، أو ما أشبهه فَنَقبه وأخذ المال، فإنه غير داخل في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: هذه المسألة ذكرها الكاساني (587 هـ) مذهبًا لأبي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن، واستدل لهما بقوله: "لهما: ما روي عن سيدنا علي رضي اللَّه عنه أنه قال: "إذا كان اللص ظريفًا لم يقطع قيل: وكيف يكون ظريفًا؟ قال: يدخل يده إلى الدار ويمكنه دخولها"، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر فيكون إجماعًا" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - أنه مروي عن علي -رضي اللَّه عنه- كما سبق في نقل الإجماع (¬2). 2 - من النظر: أن هتك الحرز يشترط أن يكون على سبيل الكمال؛ لأن به تتكامل الجناية، ولا يتكامل الهتك فيما يتصور فيه الدخول إلا بالدخول، ولم يوجد، بخلاف الأخذ من الصندوق، والجوالق (¬3): فإنَّ هتكهما بالدخول متعذر، فكان الأخذ بإدخال اليد فيها هتكًا متكاملًا يجب فيه القطع (¬4). ¬
[89/ 1] المسألة التاسعة والثمانون: إذا أقر بالسرقة، ثم رجع فقال: لم أسرق بل هي ملكي، فإنه لا يقطع.
• المخالفون للإجماع: ذهب أبو يوسف من الحنفية (¬1)، وهو مذهب المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4) إلى وجوب قطع من أدخل يده إلى الدار وأخذ المتاع، سواء دخل الدار أو لم يدخل. • دليل المخالف: يدل على مسألة الباب أن هتك الحرز يحصل بنقبه وأخذ المال، أما الدخول فغير معتبر في القطع (¬5). ولم أجد كلامًا لابن حزم في المسألة، إلا أنه على قياس مذهب الظاهرية فإنهم يرون وجوب القطع في مسألة الباب؛ وذلك أن المسألة مبينة على المعتبر في هتك الحرز، فالحنفية يرون من شرط هتك الحرز دخول ما يمكن دخوله، والجمهور مع أبي يوسف يرون المعتبر نقبه وأخذ المتاع، والظاهرية -كما سبق- لا يرون اشتراط الحرز أصلًا، فكان قياس مذهبهم هو مذهب الجمهور في هذه المسألة.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم، وما نقله الكاساني يحتاج إلى تحرير من جهة صحة النقل عن علي -رضي اللَّه عنه-، ومن جهة أخرى النظر في تحقق الإجماع السكوتي في المسألة، واللَّه تعالى أعلم. [89/ 1] المسألة التاسعة والثمانون: إذا أقر بالسرقة، ثم رجع فقال: لم أسرق بل هي ملكي، فإنه لا يُقطع. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان ثبوت السرقة بالإقرار، فادعى السارق أن المسروق ملكه، فإنه لا حد عليه، ولو لم تكن له بينة على دعوى ملكية المال المسروق. ¬
يتبين مما سبق أن الحد لو ثبت ببينة، أو كان للسارق بينة على دعواه ملْك المال المسروق فكل ذلك ليس مرادا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "إذا أقر بالسرقة ثم رجع فقال لم أسرق بل هو ملكي فإنه لا يقطع بالإجماع ولكن يلزمه المال" (¬1)، ونقله عنه الزيلعي (¬2). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب أن ادعاء السارق للملك شبهة يدرأ به الحد، والحدود تدرأ بالشبهات. • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من الفقهاء إلى عدم سقوط الحد في مسألة الباب، وهو قول للمالكية (¬3)، وقول للشافعي (¬4)، ورواية عن الإمام أحمد (¬5). وفي رواية ثالثة عن أحمد أيضًا: أنه لا يقطع إلا إن كان السارق معروفًا بالسرقة (¬6). وقياس مذهب ابن حزم أيضًا هو القول بعدم سقوط الحد، لأنه لا يرى قاعدة درأ الحدود بالشبهات كما سبق بيانه. • دليل المخالف: علل القائلون بالقطع في مسألة الباب أن ادعاء السارق ملك ما سرقة لا يعتر شبهة دارئة للحد.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم، بل ليست محل اتفاق بين أئمة المذاهب الأربعة؛ لوجود الخلاف عن بعض المالكية، وبعض الشافعية، والحنابلة في رواية، ولذا ساق ابن هبيرة "في الإفصاح" المسألة على أنها خلافية (¬7)، وهو الصواب، واللَّه تعالى أعلم. ¬
الفصل السابع مسائل الإجماع في صفة إقامة حد السرقة
الفصل السابع مسائل الإجماع في صفة إقامة حد السرقة [90/ 1] المسألة التسعون: إذا كان السارق سالم اليد اليسرى والرجل اليمنى لا ينقص منها شيء، فيجب عليه الحد. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت السرقة على شخص وكان سليم اليد اليسرى والرجل اليمنى، غير أشل في أحدهما، ولا ناقصة الأصابع في شيء منها، فإنه يجب عليه إقامة الحد. ويتبين مما سبق أنه لو كان أشل اليد اليسرى سليم الرجل اليمنى أو العكس، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أنه من سرق وكان سالم اليد اليسري، وسالم الرجل اليمنى لا ينقص منها شيء فقد وجب عليه حد السرقة" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة عموم قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬2)، وأول من يدخل فيه سليم اليدين والرجلين. وإنما ذكر ابن حزم مسألة الباب لأن جماعة من أهل العلم يرون أن السارق إذا كان أشل الرجل اليمنى واليد اليسرى فإنه لا قطع عليه حينئذ، كما نص عليه الحنفية، والحنابلة في كتبهم (¬3).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[91/ 1] المسألة الحادية والتسعون: حد السارق قطع يده اليمنى.
[91/ 1] المسألة الحادية والتسعون: حد السارق قطع يده اليمنى. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكانت يده اليمنى صحيحة غير شلاء، ولا ناقصة، وكان سليم اليد اليسرى، والرجل اليمنى، ولم يكن السارق أعسرًا، فإن صفة إقامة الحد عليه أن تقطع يده اليمنى، وذلك على سبيل الوجوب. ويتحصل مما سبق أن اليد اليمنى لو كانت شلاء، أو ناقصة، فإن ذلك غير مراد في مسألة الباب، وكذا لو كانت يده اليسرى شلاء أو ناقصة، أو كانت رجله اليمنى كذلك، أو كان أعسرًا، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الجصاص (370 هـ): "لم تختلف الأمة في أن اليد المقطوعة بأول سرقة هي اليمين" (¬1). وقال القاضي أبو محمد (430 هـ): "لا خلاف أنه أول ما يقطع يمنى يديه، ثم يسرى رجليه"، نقله عنه أبو الوليد الباجي (¬2). وقال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن من سرق فقطعت يده اليمنى أنه قد أقيم عليه الحد" (¬3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "اختلف العلماء من السلف والخلف فيما يقطع من السارق إذا قطعت يده اليمنى بسرقة يسرقها، ثم عاد فسرق أخرى، بعد إجماعهم أن اليد اليمنى هي التي تقطع منه أولًا" (¬4). وقال البغوي (510 هـ): "اتفق أهل العلم على أن السارق إذا سرق أول مرة تقطع يده اليمنى" (¬5)، نقله القاري (¬6). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "أجمعوا على أن السارق إذا وجب عليه القطع، وكان ذلك أول سرقة وهو صحيح الأطراف فإنه يبدأ بقطع يده اليمنى من مفصل الكف" (¬7). ¬
وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا خلاف بين أهل العلم في أن السارق أول ما يقطع منه يده اليمنى" (¬1) وقال القرطبي (671 هـ): "لا خلاف أن اليمنى هي التي تقطع أولًا" (¬2). وقال النووي (676 هـ): "أجمعوا على أنه إذا سرق أولًا قطعت يده اليمنى" (¬3). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا خلاف بين أهل العلم في أن السارق أول ما يقطع منه يده اليمنى" (¬4). وقال ابن تيمية (728 هـ): "أما السارق فيجب قطع يده اليمنى بالكتاب، والسنة، والإجماع" (¬5). وقال ابن كثير (774 هـ) في بيان قراءة ابن مسعود لآية السرقة: "عن عامر بن شراحيل الشعبي أن ابن مسعود كان يقرؤها: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما"، وهذه قراءة شاذة، وإن كان الحكم عند جميع العلماء موافقًا لها" (¬6). وقال ابن حجر (852 هـ): "أطلق في الآية اليد وأجمعوا على أن المراد اليمنى إن كانت موجودة" (¬7). وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف بلا خلاف، وفي قراءة ابن مسعود: (فاقطعوا أيمانهما) روي عن أبي بكر وعمر أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع، ولا مخالف لهما في الصحابة" (¬8). وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "قُطع يمينه: أي يده اليمني أولًا، وإن كان أعسر، بالإجماع" (¬9). وقال البهوتي (1051 هـ): "إذا وجب القطع قطعت يده اليمنى لقراءة ابن مسعود "فاقطعوا أيمانهما". . . ¬
ولأنه قول أبي بكر وعمر ولا مخالف لهما من الصحابة" (¬1). وقال الصنعاني (1099 هـ): "الواجب قطع اليمين في السرقة الأولى إجماعًا" (¬2). وقال الخرشي (1101 هـ): "السارق المكلف مسلمًا كان أو كافرًا، حرًا كان أو رقيقًا، ذكرا كان، أو أنثى، إذا سرق، ويمينه صحيحة، فإنها تقطع من كوعها إجماعًا" (¬3). وقال الرحيباني (1243 هـ) (¬4): "إذا أوجب القطع قطعت يده اليمنى؛ لقراءة ابن مسعود: "فاقطعوا أيمانهما". . . ولأنه قول أبي بكر وعمر ولا مخالف لهما من الصحابة" (¬5). وقال الجزيري (1360 هـ): "اتفق الأئمة رحمهم اللَّه تعالى- على أن السارق إذا وجب عليه القطع وكان ذلك أول سرقة له، وأول حد يقام عليه بالسرقة وكان صحيح الأطراف فإنه يبدأ بقطع يده اليمنى من مفصل الكف" (¬6). • مستند الإجماع: احتجوا في ذلك بما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬7). حيث كان ابن مسعود يقرأها: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما" (¬8). ¬
• وجه الدلالة: أن هذه القراءة إما أن تكون صحيحة فتكون من كلام اللَّه سبحانه، وإما حيث أن تكون شاذة فتكون من كلام ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وهي من باب التفسير الذي لا يقال بمجرد الرأي. 2 - ما روي عن أبي بكر الصديق وعمر رضي اللَّه عنهما أنهما قالا: "إذا سرق السارق فاقطعوا يده من الكوع"، ولا مخالف لهما في الصحابة (¬1). 3 - من النظر: أ - أن البطش باليمين أقوى عند غالب الناس، فكانت البداية بها أردع. ب - أن اليمنى هي آلة السرقة غالبًا، فناسب عقوبته بإعدامها (¬2). • المخالفون للإجماع: ذهب ابن حزم إلى أن قطع اليمين ليس بواجب، فيباح قطع اليمين أو الشمال، لكن يستحب أن تكون اليمين، وليس ذلك على سبيل الوجواب (¬3). وكذا ظاهر كلام قتادة في أن قطع الشمال مجزئ مطلقًا، يقتضى أنه لا يتحتم قطع اليمين (¬4). • دليل المخالف: استدل المخالف بما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬5). • وجه الدلالة: أن الآية عامة، ولم تحدد يمينًا من شمال. 2 - أخرج ابن حزم عن نافع مولى ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: "سرق سارق بالعراق في زمان علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، فقدم ليقطع يده، فقدم السارق يده اليسرى -ولم يشعروا- فقطعت، فأخبر علي بن أبي طالب خبره، ¬
[92/ 1] المسألة الثانية والتسعون: محل القطع هو مفصل الكف.
فتركه ولم يقطع يده الأخرى" (¬1). وجه الدلالة: اكتفاء علي -رضي اللَّه عنه- بقطع الشمال عن اليمين، يدل على عدم وجوب اليمين، إذ لو وجب قطع اليمين لما أجزأ عن ذلك قطع الشمال (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم، لثبوت خلاف قتادة، وابن حزم فيها، وقد نفى ابن حزم الإجماع فقال: "قال قائلون: تقطع اليمنى. . . وادعوا إجماعًا، وهو باطل؛ يرده قطع علي الشمال عن اليمين، واكتفاؤه بذلك" (¬3). [92/ 1] المسألة الثانية والتسعون: محل القطع هو مفصل الكف. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف مفصل الكف: المفصل: قال ابن فارس: "الفاء والصاء واللام كلمةٌ صحيحةٌ تدلُّ على تمييز الشَّيء من الشَّيء وإبانته عنه" (¬4). وقال ابن منظور: "الفَصْل: بَوْنُ ما بين الشيئين، والفَصْل من الجسد موضع المَفْصِل. . . والمَفْصِل واحد مَفاصِل الأَعضاء والانْفصال مطاوع فصَل والمَفْصِل كل ملتقى عظمين من الجسد" (¬5). الكف: الكف: هي راحة يد الإنسان مع أصابعه، سميت بذلك لأنها تكُف الأذى عن البدن، وهو مؤنث، قال الفيومي: "وزعم من لا يوثق به أن الكَفَّ مذكر، ولا يعرف تذكيرها من يوثق بعلمه، وأما قولهم كَفَّ خضب: فعلى معنى ساعد مخضب، وجمعها: كُفُوفٌ، وأَكُفٌ" (¬6). مفصل الكف: المراد بمفصل الكف: هو المفصل الفاصل بين الكف ¬
والساعد، وهو ما يُسمى بالرِّسغ. ويعبر عنه آخرون بالكوع، ولا منافاة، فإن الرسغ هو مفصل الكف، وله طرفان، هما عظمان، فالذي يلي الإبهام كوع، والذي يلي الخنصر كرسوع (¬1). • ثانيًا: وصورة المسألة: إذا ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، فإن محل القطع هو مفصل الكف، وهو الرسغ. وهذا الحكم عام سواء في الرجل والمرأة، وفي الحر والعبد. • من نقل الإجماع: قال الجصاص (370 هـ): "ولا خلاف بين السلف من الصدر الأول وفقهاء الأمصار أن القطع من المفصل، وإنما خالف فيه الخوارج وقطعوا من المنكب لوقوع الاسم عليه وهم شذوذ لا يعدون خلافًا" (¬2). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "أجمعوا أن السارق إذا وجب عليه القطع، وكان ذلك أول سرقة وهو صحيح الأطراف فإنه يبدأ بقطع يده اليمنى من مفصل الكف" (¬3)، ونقله عنه ابن قاسم (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ): إلا خلاف بين أهل العلم في أن السارق أول ما يقطع منه، يده اليمنى، من مفصل الكف، وهو الكوع" (¬5)، وحكاه عنه الزركشي (¬6). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا خلاف بين أهل العلم في أن السارق أول ما يقطع منه يده اليمنى، من مفصل الكف، وهو الكوع" (¬7). ¬
وقال الزيلعي (743 هـ): "كل من قطع من الأئمة قطع من الرسغ، فصار إجماعًا فعلًا، فلا يجوز خلافه" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "وأَخرج -أي ابن أبي شيبة- عن عمر وعلي أنهما قطعا من المفصل وانعقد عليه الإجماع" (¬2). وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف بلا خلاف" (¬3)، ونقله عنه البهوتي (¬4)، وابن قاسم (¬5). وقال البهوتي (1051 هـ): "وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف، لقول أبي بكر وعمر: تقطع يمين السارق من الكوع، ولا مخالف لهما من الصحابة" (¬6). وقال الخرشي (1101 هـ): "السارق المكلف مسلمًا كان أو كافرًا، حرًا كان أو رقيقًا، ذكرًا كان أو أنثى، إذا سرق ويمينه صحيحة، فإنها تُقطع من كوعها إجماعًا" (¬7). وقال الجزيري (1360 هـ): "اتفق الأئمة رحمهم اللَّه تعالى- على أن السارق إذا وجب عليه القطع وكان ذلك أول سرقة له، وأول حد يقام عليه بالسرقة وكان صحيح الأطراف فإنه يبدأ بقطع يده اليمنى من مفصل الكف" (¬8). • مستند الإجماع: استدل القائلون بالقطع بما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬9). • وجه الدلالة: في الآية أمر بقطع اليد، واليد تطلق على ما بين المنكب وأطراف الأصابع، وتطلق على ما بين الرسغ إلى أطراف الأصابع، لكن بينت السنة أن المراد هو الثاني. ¬
2 - من الأثر: جاءت آثار بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بقطع السارق من مفصل الكف لكنها لا تخلو من مقال، فمنها: أ - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "قال: كان صفوان بن أمية بن خلف نائمًا في المسجد، ثيابه تحت رأسه، فجاء سارق فأخذها، فأتى به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأقر السارق، فأمر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقطع، فقال صفوان: يا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أيقطع رجل من العرب في ثوبي؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أفلا كان هذا قبل أن تجيء به) ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اشفعوا ما لم يتصل إلى الوالي، فإذا أوصل إلى الوالي فعفا فلا عفا اللَّه عنه) ثم أمر بقطعه من المفصل" (¬1). ب - أخرج البيهقي وابن عدي (¬2) عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه قال: "قطع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سارقًا من المفصل" (¬3). ¬
ج - عن عمرو بن دينار قال: "كان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يقطع السارق من المفصل" (¬1). د - وكذا روي عن علي رضي اللَّه عنه نحوه (¬2). هـ - روي عن أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما أنهما قالا: "إذا سرق السارق فاقطعوا يده من الكوع" (¬3). قال ابن قدامة: "وقد روي عن أبي بكر الصديق وعمر رضي اللَّه عنهما أنهما قالا: إذا سرق السارق، فاقطعوا يمينه من الكوع، ولا مخالف لهما في الصحابة" (¬4). 3 - من النظر: أ - أن البطش بالكف أقوى عند غالب الناس، فكانت البداية بها أردع (¬5). ب - أن الكف هي آلة السرقة غالبًا، فناسب عقوبته بإعدامها (¬6). • المخالفون للإجماع: خالف في المسألة ثلاث طوائف: فذهبت طائفة إلى أن اليد تقطع من المرفق أو المنكب، وهو مروي عن الزهري، ومحكي عن الخوارج. وذهبت طائفة إلى أن القطع من الأصابع فقط، وهو مروي عن علي -رضي اللَّه عنه-. وذهبت طائفة ثالثة إلى أن اليد تقطع من مفصل الكف في الحر، أما العبد ¬
فلا تقطع يده إلا من أطراف أصابعه، وبه قال ابن حزم (¬1). • دليل المخالف: استدل الفريق الأول القائلون بالقطع من المنكب أو المرفق بعموم قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬2)، فإن اليد في لغة العرب تطلق على ما بين المنكب إلى أطراف الأصابع. واستُدل للقول الثاني بكون القطع من الأصابع فقط بأن بطش السارق كان بالأصابع، فتقطع أصابعه ليزول تمكنه من البطش بها، ولأن في قطع يده من المفصل تعطل لمنفعة اليد بالكلية، فتقطع من الأصابع ليبقى شيء من منفعة اليد. أما الفريق الثالث الذين فرقوا بين الحر والعبد فاستدلوا بعموم قول اللَّه تعالى في الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬3)، والمراد بالمحصنات في الآية الحرائر (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم. ولعلَّ من نقل الإجماع في المسألة لم يعتبر قول المخالف وجعله من قبيل الشاذ كما صرح به أبو العباس القرطبي فقال: "قيل: تقطع اليد إلى المرفق، وقيل: إلى المنكب: وهما شاذان" (¬5). وقال ابن الهمام: "ما نُقل عن شذوذ من الاكتفاء بقطع الأصبع؛ لأن بها البطش، وظن الخوارج من أن القطع من المنكب؛ لأن اليد اسم لذلك واللَّه أعلم بصحته، وبتقدير ثبوته هو خرق للإجماع، وهم لم يقدحوا في الإجماع قبل الفتنة" (¬6). ¬
[93/ 1] المسألة الثالثة والتسعون: لا يقام حد السرقة في المسجد.
[93/ 1] المسألة الثالثة والتسعون: لا يقام حد السرقة في المسجد. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، فإن الحد لا يقام على السارق في المسجد الذي تقام في الفروض، بغض النظر عن الإثم. بمعنى أن المراد بالمسألة نقل الإجماع على المنع من إقامة الحد في المسجد، لكن قد يكون هذا المنع على سبيل التحريم، وقد يكون على سبيل الكراهة. ويتبين مما سبق أن الحد لو كان في مصلى معد لغير الفروض، كمصلى الجنائز، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال القرطبي (671 هـ): "لا تقام الحدود فيه -أي المسجد- إجماعًا" (¬1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "ولا يقام حد في مسجد بإجماع الفقهاء" (¬2). • مستند الإجماع: استُدل لمسألة الباب بادلة منها: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقام الحدود في المساجد) (¬3). 2 - عن حكيم بن حزام (¬4) -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تقام الحدود في ¬
المساجد، ولا يستقاد فيها) (¬1). وفي الباب أحاديث أخرى بيَّن ابن حزم ضعفها وأنه لا يصح في الباب شيء مرفوع للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2)، وذكر ابن حجر طرفًا منها مع الإشارة إلى ضعفها (¬3). 3 - آثار عن الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم: حيث أخرج ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وابن حزم عن عمر رضي اللَّه عنه أنه أتي برجل في حد فقال: "أخرجاه من المسجد، ثم اضرباه" (¬4). وكذا جاء نحوه عن علي رضي اللَّه عنه لكن في سنده مقال، كما قاله ابن حجر (¬5). 4 - من جهة النظر: أ - أن في إقامة الحد في المسجد تعريض المسجد للنجاسة، إذ قد يخرج من ¬
[94/ 1] المسألة الرابعة والتسعون: من لم يكن له طرف مستحق للقطع، قطع ما بعده.
المحدود دمًا ينجس المسجد، وهذا مخالف للأمر بتطييب المساجد. ب - أنه لا يؤمن من أن يرفع المحدود صوته في المسجد، وقد نهي عن ذلك (¬1). • المخالفون للإجماع: ذهب ابن أبي ليلى إلى جواز إقامة الحدود في المساجد، وهو مروي عن الحسن البصري، وشريح، والشعبي (¬2). • دليل المخالف: ليس للمخالف دليل من نص شرعي في المسألة، إلا أنه يمكن الاستدلال لهم بأن الأصل هو الإباحة، حتى يرد الدليل على المنع.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لخلاف بعض التابعين فيه. [94/ 1] المسألة الرابعة والتسعون: من لم يكن له طرف مستحق للقطع، قطع ما بعده. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، فإن الواجب قطع اليد اليمنى من السارق، فإن كان السارق مقطوع اليد اليمنى فإن الحد لا يسقط عنه، بل يُقطع طرف آخر منه، على خلاف في تحديد ذلك الطرف الآخر أهو الرجل اليسرى، أم اليد اليسرى، أم غير ذلك، كما سيأتي بيانه (¬3). • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (650 هـ): "أجمعوا على أن من لم يكن له الطرف المستحق قطعه، قطع ما بعده" (¬4). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "أجمعوا على أن من لم يكن له الطرف المستحق قطعه قطع ما بعده" (¬5). • مستند الإجماع: قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً ¬
بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1). • وجه الدلالة: أن الآية عامة، ومن كان العضو الذي قطعه غير موجود، ووُجد العضو الآخر فإنه داخل في هذا العموم. 2 - عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: (جيء بسارق إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه) فقطع، ثم جيء به الثانية فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، فقطع فأتي به الثالثة فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، ثم أتي به الرابعة فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، فأتي به الخامسة قال: (اقتلوه) (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر فيمن سرق ثانيةً أن يُقطع، مع أنه قد قُطعت منه يده اليمني بالسرقة الأولى، فكذلك من كان مقطوع اليد اليمنى أصلًا فإنه يقام عليه الحد كذلك. 3 - إجماع الصحابة وأهل العلم على أن من سرق فقُطِع ثم سرق ثانية أن عليه القطع ثانيةً (¬3)، فكذلك من سرق وهو مقطوع العضو الذي يجب قطعه فإنه يُقطع منه العضو الآخر.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل، إجماع بين أهل العلم. وينبه إلي أنه سبق في مسألة ما "لو أقيم الحد على السارق، ثم سرق ثانية ما يجب فيه القطع، فإنه يقطع ثانية"، أن ثمة قولًا عن عطاء أنه لا يقطع إلا يده ¬
[95/ 1] المسألة الخامسة والتسعون: قطع الرجل في حد السرقة يكون من مفصل الكعب.
اليمنى فقط، ومحصل هذا القول أن اليد اليمنى إن عدمت فإنه لا قطع، وسيأتي تحقيق الكلام في ذلك بأن هذا النقل عن عطاء ليس بمحقق، والصواب ما حققه ابن حزم أن عطاء مع جمهور أهل العلم في أن من سرق ثانية فعليه القطع ثانية، وعليه فلا يكون مخالفًا في مسألة الباب (¬1). [95/ 1] المسألة الخامسة والتسعون: قَطْعُ الرِّجْل في حد السرقة يكون من مفصل الكعب. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، ووجب فيها قطع الرجل، لكونها السرقة الثانية، أو لغير ذلك من الأسباب، فإن قطع الرِّجل يكون من مفصل الكعب. • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "أجمعوا على أنه إذا عاد فسرق ثانيًا ووجب عليه القطع أن تقطع رجله اليسرى، وأنها تقطع من مفصل الكعب" (¬2). • مستند الإجماع: 1 - من الأثر: أنه مروي عن جماعة من الصحابة كعمر وعثمان وعلي رضي اللَّه عنهم (¬3). 2 - من النظر: أنه أحد العضوبن المقطوعين في السرقة، فيقطع من المفصل كاليد (¬4). • المخالفون للإجماع: حكي عن أبي ثور أن الواجب هو قطع الرِّجل معقد لشراك، من نصف القدم (¬5). وذهب ربيعة، وابن حزم، وبعض أصحاب داود إلى أن من سرق ثانية ¬
فالواجب قطع يده الثانية، ولا تُقطع الأرجل في السّرقة (¬1)، وهذا الرأي نقله ابن عبد البر عن عطاء بن أبي رباح (¬2). • دليل المخالف: أما من قال بأن القطع يكون من نصف القدم من معقد الشراك فاستدل بما يلي: 1 - أنه مروي عن علي -رضي اللَّه عنه- (¬3). 2 - من النظر: أن القطع من نصف القدم يدعُ للسارق شيئًا يمشي عليه، فلا تتعطل رجله بالكلية. وأما من ذهب إلى إن الرِّجل لا تقطع في السرقة مُطلقًا، فدليله قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بقطع اليد، ولم يأمر بقطع الرجل، وكذا جميع نصوص السنة إنما دلت على قطع اليد، ولم يصح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيء في قطع الأرجل.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف أبي ثور، وربيعة، وابن حزم، وبعض أصحاب داود، ولذا لمَّا ساق ابن بطال المسألة ذكرها مسألة خلاف، ونسب القول بالقطع لأكثر الفقهاء ولم يجعله إجماعًا، حيث قال: "واختلفوا في اليد والرجل من أين يُقطعان؟ فروي عن عمر وعثمان وعلي أنهم قالوا: من المفصل، وعليه أكثر الفقهاء" (¬5). ¬
[96/ 1] المسألة السادسة والتسعون: من سرق مرة ثانية بعد قطع يده فحده قطع رجله اليسرى.
[96/ 1] المسألة السادسة والتسعون: من سرق مرة ثانية بعد قطع يده فحده قطع رجله اليسرى. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وقطعت يده اليمنى، ثم سرق عينًا أخرى توجب الحد فحده قطع رجله اليسرى. يتبين مما سبق أنه لو سرق نفس العين مرة أخرى فذلك غير مراد من مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن أبي شيبة (235 هـ): "كان علي يقول في السارق: "إذا سرق قطعت يده فإن عاد قطعت رجله، فإن عاد استودعته السجن". وعن حجاج عن سماك عن بعض أصحابه أن عمر استشارهم في سارق، فأجمعوا على مثل قول علي" (¬1). وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب البغدادي (430 هـ): "لا خلاف أنه أول ما يقطع يمنى يديه، ثم يسرى رجليه"، نقله عنه أبو الوليد الباجي (¬2). وقال الماوردي (450 هـ): "تقطع في السرقة الثانية رجله اليسرى، وهو قول الجمهور من الفقهاء. . . ولأنه فعل أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، وليس لهما في الصحابة مخالف، فكان إجماعًا" (¬3). وقال البغوي (510 هـ): "اتفق أهل العلم على أن السارق إذا سرق أول مرة تقطع يده اليمنى، ثم إذا سرق ثانيًا تقطع رجله اليسرى" (¬4)، ونقله القاري (¬5). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "أجمعوا على أنه إذا عاد فسرق ثانيًا، ووجب عليه القطع أن تقطع رجله اليسرى" (¬6)، ونقله ابن قاسم (¬7). وقال الزيلعي (743 هـ): ¬
"ورجله اليسري إن عاد. . . وعليه إجماع المسلمين" (¬1). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "إن ثنَّى فالرجل اليسرى. . . وقال به علي عليه السلام، وأبو بكر، وعمر، ولم يخالفوا" (¬2). وقال ابن الهمام (861 هـ): "وإن سرق ثانيًا قطعت رجله اليسرى بالإجماع" (¬3). وقال إبراهيم (970 هـ): "ورجله اليسرى إن عاد. . . وعليه إجماع المسلمين" (¬4). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "الأصل في قطع الرِّجل في المرة الثانية ما روى أبو هريرة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في السارق: "إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله"، وهو قول أبي بكر وعمر، ولا مخالف لهما من الصحابة فكار، إجماعًا، ولا نزاع في ذلك يعتد به" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أنه المروي عن جماعة من الصحابة كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ويعلى بن أمية (¬6) رضي اللَّه عن الجميع. بل حكي عليه إجماع الصحابة رضوان اللَّه عليهم، كما سبق (¬7). • المخالفون للإجماع: سبق في المسألة الثالثة فيمن سرق فقطعت يده ثم ¬
سرق مرة أخرى فهل يقطع أم لا؟ ، أن ابن حزم أشار إلى أن ثمة خلافًا في المسألة فقال: "واختلفوا فيمن سرق ثانية أيجب عليه القطع أم لا" (¬1). وأشار ابن حزم في الخلاف إلى قول عطاء بن أبي رباح فإنه يرى أن الواجب على السارق قطع يده في السرقة الأولى فقط، ثم لا يقطع منه شيء، كما أخرجه ابن حزم فقال: "عن ابن جريج قلت لعطاء: سرَق الأولى؟ قال: تقطع كفه، قلت: فما قولهم: أصابعه، قال: لم أدرك إلا قطع الكف كلها، قلت لعطاء: سرق الثانية؟ قال: ما أرى أن تقطع إلا في السرقة الأولى اليد فقط، قال اللَّه تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} (¬2)، ولو شاء أمر بالرجل، ولم يكن اللَّه تعالى نسيًا" (¬3). وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء ما يخالف ذلك، فقال في مصنفه: "عن عبد الملك عن عطاء سئل: أيقطع السارق أكثر من يده ورجله؟ قال: لا ولكنه يحبس" (¬4)، وظاهر هذا الأثر أن عطاء يرى الحبس فيما إذا سرق ثالثة، بعد قطع اليد والرجل. وذهب ربيعة (¬5)، وابن حزم، وبعض أصحاب داود إلى أن من سرق ثانية فالواجب قطع يده الثانية، ولا تقطع الأرجل (¬6). ¬
وهذا الرأي نقله ابن عبد البر عن عطاء بن أبي رباح (¬1). وقرر ابن حزم أنه قول ابن عباس فقال في "المحلى": "عن عمرو بن دينار قال: كتب نجدة بن عامر (¬2) إلى ابن عباس: السارق يسرق فتقطع يده، ثم يعود فتقطع يده الأخرى، قال اللَّه تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬3)، قال ابن عباس: بلى، ولكن يده ورجله من خلاف، قال عمرو بن دينار: سمعته من عطاء منذ أربعين سنة". قال أبو محمد رحمه اللَّه: هذا إسناد في غاية الصحة، ويحتمل قول ابن عباس هذا وجهين: أحدهما: بلى، إن اللَّه تعالى قال هذا، ولكن الواجب قطع يده ورجله. ويحتمل أيضًا: بلى، إن اللَّه تعالى قال هذا -وهو الحق- ولكن السلطان يقطع اليد والرجل. وهذا الوجه الثاني- هو الذي لا يجوز أن يحمل قول ابن عباس على غيره البتة؛ لأنه لا يجوز أن يكون ابن عباس يحقق أن هذا قول اللَّه تعالى ثم يخالفه ويعارضه، إذ لا يحل ترك أمر اللَّه تعالى إلا لسنة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ناسخة لما في القرآن، واردة من عند اللَّه تعالى بالوحي إلى نبيه عليه السلام، فمن الباطل الممتنع أن يخالف قول ابن عباس قول اللَّه تعالى برأيه، أو بتقليده لرأي أحد دون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو أبعد الناس من ذلك، وقد دعاهم إلى المباهلة في العول وغيره، وقال في أمر متعة الحج ¬
وفسخ بعمرة: "ما أراكم إلا سيخسف اللَّه بكم الأرض أقول لكم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وتقولون: قال أبو بكر وعمر"؟ ومن المحال أن يكون عنده عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سنة في ذلك ولا يذكرها، وقد أعاذه اللَّه تعالى من ذلك؛ ومن المحال أن يسمعه عطاء ويفهم عنه أن عنده في قطع الرجل سنة ينبغي لها ترك القرآن، ثم يأبى عطاء من قطع الرجل في السرقة ويتمسك بالقرآن في ذلك، ويقول: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (¬1) لو شاء اللَّه تعالى أمر بالرِّجل". فصح يقينًا أن ابن عباس لم يرد بقوله "بلى، ولكن اليد والرجل" إلا لتصحيح قطع اليدين فقط، على حكم اللَّه تعالى في القرآن، وأن قوله "ولكن اليد والرجل" إنما أخبر عن فعل أهل زمانه فقط" (¬2). • دليل المخالف: بقول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بقطع اليد، ولم يأمر بقطع الرجل، وكذا جميع نصوص السنة إنما دلت على قطع اليد، ولم يصح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيء في قطع الأرجل.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل الحلم، لوجود خلاف عن أبي ثور، وربيعة، وابن حزم، ويعض أصحاب داود. ومن نقل الإجماع لعله لم يعتبر قول المخالف، وجعله من قبيل الشاذ، كما وصفه ابن عبد البر فقال: "وشذ قوم عن الجمهور فلم يروا قطع رجل السارق، ولم نعده خلافًا، فتركناهم، روي ذلك عن ربيعة وبه قال أصحاب ¬
[97/ 1] المسألة السابعة والتسعون: من سرق فقطعت يده اليمنى فقد أقيم عليه الحد.
داود" (¬1)، وتبعه على ذلك ابن قدامة فقال: "هذا شذوذ، يخالف قول جماعة فقهاء الأمصار من أهل الفقه والأثر من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم" (¬2). [97/ 1] المسألة السابعة والتسعون: من سرق فقُطِعت يده اليمنى فقد أقيم عليه الحد. • المراد بالمسألة: من وجب عنيه حد السرقة، فأقيم عليه الحد بقطع اليد اليمنى، فقد تم إقامة الحد عليه بالإجماع. والمراد بالمسألة أن قطع اليمنى مجزئ، أما مسألة ما لو قطعت الشمال، سواء عمدًا أو غير عمد، وكذا مسألة هل قطع اليمين على الوجوب أو الاستحباب، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من سرق فقطعت يده اليمنى أنه قد أقيم عليه الحد" (¬3). • مستند الإجماع: احتجوا في ذلك بما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬4)، حيث كان ابن مسعود يقرأها: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما" (¬5). • وجه الدلالة: أن هذه القراءة إما أن تكون صحيحة فتكون من كلام اللَّه سبحانه، وإما في أن تكون شاذة فتكون من كلام ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، وهي من باب التفسير الذي لا يقال بمجرد الرأي. ¬
[98/ 1] المسألة الثامنة والتسعون: لا يزاد على قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في حد السرقة.
2 - ما روي عن أبي بكر الصديق وعمر رضي اللَّه عنهما أنهما قالا: "إذا سرق السارق فاقطعوا يده من الكوع"، ولا مخالف لهما في الصحابة (¬1). 3 - إجماع أهل العلم على أن الواجب في القطع هو اليد اليمنى حيث نقل الإجماع ابن عبد البر (¬2)، وأبو بكر الجصاص (¬3)، وابن قدامة (¬4)، وشمس الدين ابن قدامة (¬5)، والقرطبي (¬6)، والنووي (¬7)، وابن هبيرة (¬8)، وابن تيمية (¬9)، وابن كثير (¬10)، وغيرهم (¬11).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [98/ 1] المسألة الثامنة والتسعون: لا يزاد على قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في حد السرقة. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد فقطعت يده اليمنى، ثم سرق أُخرى ما يوجب الحد فقطعت رجله اليسري، فإذا سرق ثالثة ¬
ما يوجب الحد فإنه لا قطع عليه، ولكن يعزر بضرب أو حبس أو نحوه من العقوبات التعزيرية. • من نقل الإجماع: قال ابن أبي شيبة (235 هـ): "كان علي يقول في السارق إذا سرق: قُطعت يده، فإن عاد قُطعت رجله، فإن عاد استودعته السجن. وعن سماك عن بعض أصحابه: أن عمر استشارهم في سارق، فأجمعوا على مثل قول علي" (¬1). وقال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "وهذا -أي أثر ابن أبي شيبة- يقتضي أن يكون ذلك إجماعًا لا يسع خلافه؛ لأن الذين يستشيرهم عمر هم الذين ينعقد بهم الإجماع" (¬2). وقال ابن فراموز (885 هـ) (¬3): "تقطع يمين السارق. . ثم رجله اليسرى إن عاد، فإن عاد لا -أي لا يقطع-، وحبس حتى يتوب، وعزر أيضًا، وقال الشافعي يقطع في الثالثة يده اليسرى وفي الرابعة رجله اليمنى. . . ولنا: إجماع الصحابة" (¬4). وقال الكاساني (587 هـ): "روي أن سيدنا عمر رضي اللَّه عنه أتي بسارق أقطع اليد والرجل، قد سرق نعالًا، يقال له سدوم، وأراد أن يقطعه فقال له سيدنا علي -رضي اللَّه عنه-: إنما عليه قطع يد ورجل فحبسه سيدنا عمر -رضي اللَّه عنه- ولم يقطعه، وسيدنا عمر وسيدنا علي رضي اللَّه عنهما لم يزيدا في القطع على قطع اليد اليمنى، والرجل اليسرى، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي اللَّه عنهم، ولم ¬
ينقل أنه أنكر عليهما منكر؛ فيكون إجماعا من الصحابة رضي اللَّه عنهم. ولنا أيضًا: دلالة الإجماع، وهي أنا أجمعنا على أن اليد اليمنى إذا كانت مقطوعة لا يعدل إلى اليد اليسرى، بل إلى الرجل اليسرى، ولو كان لليد اليسرى مدخلًا في القطع لكان لا يعدل إلا إليها؛ لأنها منصوص عليها، ولا يعدل عن المنصوص عليه إلى غيره فدل العدول إلى الرجل اليسرى لا إليها على أنه لا مدخل لها في القطع بالسرقة أصلًا" (¬1). وقال دامان (1078 هـ): "إن سرق ثالثًا أو رابعًا لا تقطع اليد اليسرى، والرجل اليمنى عندنا، بل يحبس حتى يتوب. . . وعند الشافعي يقطع في الثالث يده اليسرى، وفي الرابع رجله اليمنى. . . ولنا: الإجماع؛ لأن عليًّا رضي اللَّه تعالى عنه قال: "إني لأستحيي أن لا أدع له يدًا يبطش بها ورجلًا يمشي عليها"، وبهذا حاج بقية الصحابة فحجهم، أي غلبهم، فانعقد إجماعًا" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬3). • وجه الدلالة: أنه جاء بيان المراد بأيديهما أي، اليمين، حيث كان ابن مسعود يقرأها: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما" (¬4)، فلا يجوز الزيادة عليه إلا بنص صريح صحيح، ولم يرد في ذلك شيء، وفي العدول عن قطع اليد اليسرى إلى الرجل اليسرى في السرقة الثانية دليل على أنها لا تقطع أصلًا، لأن الآية نصت على اليدين، فالعدول عن نص الآية إلى الرجل اليسرى دليل ¬
على أنها لا تُقطع (¬1). 2 - أنه مروي عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما، بل حكي عليه إجماع الصحابة، كما سبق، ويؤيده ما نقله ابن حزم عن الزهري أنه قال: "فلم يبلغنا في السنة إلا قطع اليد والرجل، لا يزاد على ذلك" (¬2). 3 - لأن في قطع اليدين تفويت منفعة الجنس، ولو جاز قطع اليدين لقطعت اليسرى في المرة الثانية؛ لأنها آلة البطش كاليمنى، وإنما لم تقطع للمفسدة في قطعها؛ لأن ذلك بمنزلة الإهلاك، إذ لا يمكنه أن يتوضأ، أو يغتسل، أو يستنجي، أو يحترز من نجاسة، ولا يزيلها عنه، أو يدافع عن نفسه، أو يأكل أو، غير ذلك من الأعمال التي قد يكون حث الشرع على فعلها فضلا عن حاجة العبد إليها، وهذه المفسدة حاصلة بقطعها في المرة الثالثة، فوجب أن يمنع من قطعها، كما منع في المرة الثانية (¬3). 4 - أنه لو جاز قطع اليدين لقطعت اليسرى في المرة الثانية، لأنها آلة البطش كاليمنى، وحينما لم تقطع في الثانية دل على أنها لا تقطع في الثالثة كذلك (¬4). 5 - أن المحارب مع عِظم جرمه فإنه لا يزاد على قطع إحدى يديه ورجليه، ولا تقطِع كلتا يديه، وإذا كان هذا في المحارب فالسارق من باب أولى، لأن فعله أخف من فعل الحرابة (¬5). 6 - أن السرقة في الثالثة نادرة الوقوع، فلا يسرق ويده ورجله مقطوعتان إلا ¬
نادرًا، والحد لا يُشرع إلا فيما يغلب وقوع، لأن مقصوده هو الزجر، وذلك يكون فيما يكثر وقوعه ويُخاف منه لا في النادر (¬1). • المخالفون للإجماع: التحقيق أن القول بأن السارق لا يزاد على قطع يده ورجله هو مذهب الحنفية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو مروي عن جماعة من السلف كعمر بن الخطاب، وعلي ابن أبي طالب، والحسن، والنخعي، والشعبي، والزهري، وحماد، والثوري (¬4). والمسألة محل خلاف مشهور بين أهل العلم، فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن السارق تقطع يده اليسرى في الثالثة، ورجله اليمنى في الرابعة، وهو مذهب المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة في رواية (¬7)، وهو مروي عن أبي بكر، وعمر، وقتادة، وأبي ثور، وابن المنذر (¬8). وذهب ربيعة وابن حزم وبعض أصحاب داود إلى أنه لا تقطع الرجل أصلًا، وإنما تقطع اليدان، وعن عطاء إنه لا تقطع إلا يده اليمنى فقط، كما سبق الإشارة إليه (¬9). ¬
• دليل المخالف: استدل القائلون بقطع اليد اليسرى في السرقة الثالثة بما يلي: 1 - قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1). • وجه الدلالة: الآية عامة في اليدين، وجاءت على سبيل التثنية لليدين، فتشمل اليد اليمين واليسار، وقد تقرر قطع الرجل في السرقة الثانية، فبقي أن اليد اليسار تقطع في السرقة الثالثة. 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في السارق: (إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله) (¬2). 3 - فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، حيث فعله أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، وهما من الذين قال فيهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (عليكم بسنتي وسنة الخفاء الراشدين المهديين من بعدي) (¬3). ¬
[99/ 1] المسألة التاسعة والتسعون: لو أخرج السارق يساره، وقال: هذه يميني، فقطع يساره، فلا ضمان على القاطع.
4 - من النظر: أ - أن اليد اليسرى أباح الشرع قتلها قودًا، فكذا لا مانع من إباحة قطعها من باب الحد (¬1). ب - أن عقوبة الحد تتكرر بتكرر وقوعه متى ما كان الموضع قائمًا، كما في الزنا والقصاص، فإذا تكررت السرقة والعضو باق فإنه يقطع (¬2). ج - أن حد السرقة شُرع للزجر، والسرقة تتأتى باليد اليسرى، وفي قطعها زجر لمن أراد فعل ذلك. د - أن السرقة الثالثة أولى بالحد من السرقة الأولى، لتقدم الزاجر فيها، فتكون أولى بشرع الحد فيها (¬3). وأما القائلون بعدم قطع الرجل أصلًا فاستدلوا: بعموم قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً} (¬4) وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى لم يذكر قطع الرجل.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف مشهور بين أهل العلم، لثبوت الخلاف عن المالكية، والشافعية، والحنابلة في رواية، وقتادة، وأبي ثور، وابن المنذر، وربيعة وابن حزم وبعض أصحاب داود. [99/ 1] المسألة التاسعة والتسعون: لو أخرج السارق يساره، وقال: هذه يميني، فقطع يساره، فلا ضمان على القاطع. • المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وأمر الحاكم بقطع يده اليمنى، فأخرج السارق يساره وقال هذه يميني، فقطعها ¬
القاطع، ظنًا منه أنها اليمنى، فإن القاطع لا يضمن يد السارق التي قطعت. ويتحصل مما سبق أن القاطع إن قطع اليسرى قبل أمر الحاكم بالقطع، فذلك غير مراد في المسألة، وكذا إن كان يعلم بأنها اليسار، فغير مراد. • من نقل الإجماع: قال المرغيناني (593 هـ): "لو أخرج السارق يساره وقال: هذه يميني، لا يضمن -أي القاطع- بالاتفاق؛ لأنه قطعه بأمره" (¬1)، وأقره عليها جماعة من شراح هذا المتن من الحنفية، كابن الهمام (¬2)، والزيلعي (¬3). وقال دامان (1078 هـ): "إذا قال أخرج يمينك فأخرج يساره، وقال: هذه يميني، فقطع، لا يضمن إجماعًا، وإن كان عالمًا بأنها يساره" (¬4). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - من الأثر: أنه مروى عن علي -رضي اللَّه عنه- (¬5). 2 - من النظر: أن القاطع قطع اليد بأمر من السارق وإذنه، فلم يكن عليه في ذلك ضمان (¬6). • المخالفون للإجماع: ذهب الحنابلة إلى أن من قطع يد السارق اليسرى خطأً فعليه ديتها (¬7)، ونقل ابن حزم هذا القول عن بعض أصحابه (¬8). وذكر ابن حزم قولًا آخر هو أن على السارق أن تقطع يده اليمنى بعد قطع اليسرى بالخطأ (¬9). • دليل المخالف: علل القائلين بقطع اليمنى بعد قطع اليسرى خطأً بأن الواجب هم قطع اليد اليمنى، فإذا قُطعت اليسرى لم يتحقق الأمر كما أمر ¬
[100/ 1] المسألة المائة: مشروعية حسم يد السارق بعد قطعها.
الشارع، فيجب إعادة القطع بما أمر الشارع (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم. [100/ 1] المسألة المائة: مشروعية حسم يد السارق بعد قطعها. • المراد بالمسألة: أولا: تعريف الحسم: قال ابن سيده: "أصْل الحَسْم: القَطْع، حَسَمته، أَحْسِمُه، وأحْسُمه، حَسْمًا" (¬2). وقال ابن منظور: "حَسَمَ العِرْقَ: قطعه ثم كواه؛ لئلا يسيل دَمُهُ" (¬3). فالحسم: هو أن يقطع العضو ثم يكويه كيلا يسيل الدم (¬4). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا أقيم حد السرقة على شخص، وقطعت يده أو رجله، فإنه يستحب بعد القطع حسم العضو المقطوع، وذلك بأن يكوى الجزء المقطوع بنار أو زيت أو نحوهما، بأن يُغلى الزيت، فإذا قطع غمس عضوه في الزيت؛ لتنسد أفواه العروق؛ لئلا ينزف الدم. ويتحصل مما سبق أن المراد أن الحسم مما هو مستحب، أما الوجوب فمسألة أخرى غير مرادة في الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (650 هـ): "أجمعوا على أن السارق إذا وجب عليه القطع، وكان ذلك أول سرقة وهو صحيح الأطراف فإنه يبدأ بقطع يده اليمنى من مفصل الكف ثم تحسم الكف" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أتي بسارق قد سرق شملة، ¬
[101/ 1] المسألة الأولى بعد المائة: ليس للسارق إقامة الحد على نفسه، فإن فعل ذلك كان عاصيا.
فقالوا: "رسول اللَّه إن هذا سرق، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما إخاله سوق)، فقال السارق: بلى يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اذهبوا به فاقطعوه، ثم احسموه، ثم إيتوني به)، فقطع ثم أتي به، فقال: (تب إلى اللَّه)، فقال: تبت إلى اللَّه، فقال: (تاب اللَّه عليك) (¬1). 2 - أن الحسْم طريق لأن ينكفَّ الدم، وإن استمرار سيلان الدم قد يؤدي إلى التلف، والحد إنما يراد به الزجر لا الإتلاف (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [101/ 1] المسألة الأولى بعد المائة: ليس للسارق إقامة الحد على نفسه، فإن فعل ذلك كان عاصيًا. • المراد بالمسألة: لو سرق شخص ما يوجب الحد، وأراد أن يقيم الحد ¬
على نفسه دون الذهاب إلى الحاكم ليقيم عليه الحد، فإن فعله ذلك خطأ، وهو عاص بذلك. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "أما إقامته الحد على نفسه فحرام عليه ذلك بإجماع الأمة كلها، وأنه لا خلاف في أنه ليس لسارق أن يقطع يد نفسه، بل إن فعل ذلك كان عند الأمة كلها عاصيًا للَّه تعالى" (¬1). ويمكن أن يضاف إليه ما ذكره أبو بكر الجصاص حيث قال: "ثبت باتفاق الجميع أن المأمورين بإقامة هذه الحدود على الأحرار هم الأئمة" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب من الأثر: 1 - ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن محيريز (¬3) قال: "الجمعة والحدود والزكاة والفيء إلى السلطان" (¬4). وأخرج ابن حزم نحوه عن مسلم بن يسار (¬5) عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6). ¬
• وجه الدلالة: في الأثر أن الحدود إلى السلطان، فمن أقامها دون إذن الإمام، فهو مخالف لما ورَد. 2 - من النظر: أن السارق قد لا يكون عالمًا بشروط القطع، فقد تكون سرقته مما لا توجب الحد إما لشبهة فيها، أو لكونها من غير حرز أو لغير ذلك، فيوجب على نفسه حدًّا لم يشرعه اللَّه تعالى.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
الباب الثاني مسائل الإجماع في باب حد الحرابة (قطاع الطريق)
الباب الثاني مسائل الإجماع في باب حد الحرابة (قطاع الطريق) الفصل الأول: مسائل الإجماع العامة في حد قطاع الطريق. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في صفة حد قطاع الطريق. الفصل الثالث: مسائل الإجماع فيما يوجب حد قطاع الطريق. الفصل الرابع: مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد قطاع الطريق. الفصل الخامس: مسائل الإجماع في مسقطات حد قطاع الطريق.
التمهيد
التمهيد المبحث الأول: تعريف الحرابة لغة واصطلاحًا: • أولًا: تعريف الحرابة لغةً: الحرابة -بكسر الحاء- مصدر من حَارَبَ، يُحَارِبُ، مُحَارَبَة، وَحِرَابَةً: أي قاتله وسلبه، والحرب نقيض السلم (¬1). وهذه المادة تطلق في اللغة على ثلاثة أصول، قال ابن فارس: "الحاء والراء والباء أصولٌ ثلاثة: أحدها السّلْب، والآخر دوْيبَّة، والثالث بعضُ المجالس. فالأوَّل: الحَرْب، واشتقاقها من الحَرَب وهو السَّلْب. . . وأما الدوْيبَّة فالحِرباء. . . والثالث: المحراب، وهو صدر المجلس" (¬2). والمراد به في هذا الباب المعنى الأول. وتطلق الحرابة في نصوص الشرع على معنيين: الأول: العداوة، أو القتل. ومنه قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (¬3)، فالحرب هنا بمعنى القتل، كما هو مروي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- وقتادة، وقيل: العداوة (¬4). الثاني: المعصية، أو الكفر، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ¬
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬1). قال ابن كثير: "المحاربة: هي المضادة والمخالفة، وهي صادقة على الكفر، وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل" (¬2). وقال الأزهري: " {يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعني المعصية" (¬3). • ثانيًا: تعريف الحرابة اصطلاحًا: اختلفت المذاهب الفقهية في ضابط الحرابة الشرعية التي توجب الحد على أقوال: فعند الحنفية: قال الكاساني: "هو الخروج على المارة لأخذ المال على سبيل المغالبة، على وجه يمتنع المارة عن المرور، وينقطع الطريق، سواءٌ كان القطع من جماعة، أو من واحد، بعد أن يكون له قوة القطع، وسواء كان القطع بسلاحٍ أو غيره، من العصا، والحجر، والخشب، ونحوها" (¬4). وعند المالكية: قال ابن عرفة "الحرابة: الخروج لإخافة سبيل لأخذ مالٍ محترم بمكابرة قتال، أو خوفه، أو ذهاب عقل، أو قتل خفية، أو لمجرد قطع الطريق، لا لإمرة، ولا نائرة (¬5)، ولا عداوة" (¬6). وعند الشافعية: قال النووي: "هو البروز لأخذ مال، أو لقتل، أو إرعاب، ¬
مكابرة، اعتمادًا على الشوكة، مع البعد عن الغوث" (¬1). وعند الحنابلة: قال الخرقي: "هم الذين يعرضون للناس بالسلاح في الصحراء فيغصبونهم المال مجاهرة" (¬2). ويتبيَّن مما سبق من التعاريف أن ثمة أمورًا تتفق عليها التعاريف وهي: أولًا: المجاهرة من قاطع الطريق اعتمادًا على شوكته ومنعته. ثانيًا: إرهاب الآدميين وترويعهم، سواء صاحب ذلك أخذ مال، أو قتل، أو لم يحصل شيء من هذا. وبهذا يتبين الفرق بين الحرابة والسرقة بأن السرقة أخذ المال خفية، أما الحرابة فهي مجاهرة، كما أن السرقة أخذ مال من الحرز، والحرابة قد لا يكون فيها أخذ للمال أصلًا. والتعريف المختار لدى الباحث أن يقال: هم الذين يترصدون للناس؛ للقتل، أو أخذ المال، أو الإرهاب، بسلاح أو غيره. تنبيهان: الأول: هذا الباب يُطلق عليه بعض الفقهاء "حد الحرابة"، ويُطلق عليه آخرون "حد قطاع الطريق". الثاني: أطلق فقهاء الحنفية على الحرابة اسم السرقة الكبرى، وسموها بذلك؛ لأن قاطع الطريق يأخذ المال سرًا ممن إليه حفظ الطريق وهو الإمام الأعظم، وسميت كبرى؛ لأن ضرر قطع الطريق على أصحاب الأموال وعلى عامة المسلمين بانقطاع الطريق، وقد سبق الإشارة إليه في أول باب السرقة (¬3). ¬
المبحث الثاني الأصل في مشروعية حد الحرابة
المبحث الثاني الأصل في مشروعية حد الحرابة الأصل في مشروعية حد الحرابة الكتاب والسنة والإجماع: • أما الكتاب فقول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬1). • وأما من السنة فما في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه: "أن ناسًا من عرينة (¬2) قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، فاجتووها (¬3)، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها)، ففعلوا، فصحُّوا، ثم مالوا على الرعاة، فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعث في أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم (¬4)، وتركهم في الحرة حتى ماتوا" (¬5). ¬
• وأما الإجماع فقد أجمع أهل العلم على مشروعية حد الحرابة في الجملة، ومن ذلك قول ابن عبد البر: "أجمع العلماء على أن من شق العصا وفارق الجماعة وشهر على المسلمين السلاح وأخاف السبيل وأفسد بالقتل والسلب، فقتلهم وإراقة دمائهم واجب؛ لأن هذا من الفساد العظيم في الأرض والفساد في الأرض موجب لإراقة الدماء بإجماع" (¬1). ¬
المبحث الثالث ماهية الحد الواجب بالحرابة
المبحث الثالث ماهية الحد الواجب بالحرابة من أجلّ نعم اللَّه تعالى على عباده نعمة الأمن، حيث يهنأ الناس في عيشهم، آمنين على أنفسهم، وأهليهم، وأموالهم، يعبدون ربهم بحرية واطمئنان، وقد ذكر اللَّه تعالى أن زوال هذه النعمة من البلاء الذي يحتاج إلى صبر كما قال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)} (¬1). ومن مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ النفس، وحفظ المال، وفي الحرابة إفساد لهذين الأمرين العظيمين. ولحماية هذه النعمة فإن الشريعة وضعت عقوبة من أشد العقوبات لمن يزعزع هذا الأمن، أو حتى من أراد مجرَّد أن يبث الرعب في النفوس، وهذه العقوبة هي حد الحرابة. وعقوبة حد الحرابة بيَّنها اللَّه تعالى في قوله سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬2). فيتبيَّن من هذه الآية أن حد الحرابة على أربعة أنواع: أولًا: القتل. ثانيًا: الصلب مع القتل. والصلب: هو أن تُغرز خشبة في الأرض، ثم يُربط عليها خشبة أخرى ¬
عرضًا فيضع من حُكم عليه بالحد قدميه عليها، ويربط من أعلاها خشبة أخرى ويربط عليها يديه (¬1). ثالثًا: قطع اليد والرجل من خلاف، بأن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى. رابعًا: النفي من الأرض. وسيأتي مزيد بيان لهذه الأحكام ونقل إجماعات أهل العلم فيها في هذا الفصل -إن شاء اللَّه تعالى-. ¬
الفصل الأول مسائل الإجماع العامة في حد قطاع الطريق
الفصل الأول مسائل الإجماع العامة في حد قطاع الطريق [1/ 2] المسألة الأولى: من شهر السلاح وقطع السبيل خارج المدن فهو محارب. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف السبيل: قال ابن الأثير: "السَّبيلُ في الأصل: الطَّريقُ. . . وسبيلُ اللَّه عامٌّ يقعُ على كل عَمل خالِصٍ سُلك به طَريق التقرُّب إلى اللَّه تعالى بأداءِ الفَرَائض، والنَّوافل، وأنْواع التَّطوعُّات، وإذا أُطْلق فهو في الغالِب واقعٌ على الجهَاد، حتى صار لكَثْرة الاسْتِعْمال كأنه مقصورٌ عليه" (¬1). قال الفيومي: "السَّبِيلُ: الطريق، ويُذكَّر ويؤنث. . . والجمع على التأنيث "سُبُولٌ" كما قالوا: عنوق، وعلى التذكير "سُبُلٌ" و"سُبْلٌ" وقيل للمسافر: ابن السبيل؛ لتلبسه به قالوا: والمراد بابن السبيل في الآية من انقطع عن ماله، و"السَّبِيلُ" السبب، ومنه قوله تعالى: {يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} (¬2) أي سببًا وصلة، و"السَّابِلَةُ" الجماعة المختلفة في الطرقات في حوائجهم، و"سَبَّلْتُ" الثمرة -بالتشديد-: جعلتها في "سُبُلِ" الخير وأنواع البرّ" (¬3). والمراد بالسبيل في المسألة: الطريق، وقاطع السبيل هو من من جعل الطريق مخوفًا يخاف أهله من السير عليه؛ لوجود من يتعرض لهم بالقتل أو النهب. • ثانيًا: صورة المسألة: لو أن شخصًا أو جماعة من المسلمين كانوا في حرابتهم حاملين للسلاح، وقطعوا السبيل عليهم، وكان فعلهم ذلك في الصحراء، خارج المدينة، فإن هؤلاء تطبق عليهم حد الحرابة. ¬
ويتبين من هذا أن المراد حمل السلاح معهم سواء أشهروه في وجه من قطعوا عليه الطريق أو لا. كما يتبين أن هذا الفعل لو كان داخل المدينة، أو لم يكونوا مسلمين بل كانوا حربيين أو أهل ذمة فكل ذلك غير مراد فى مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن من برَزَ، وشهر السلاح، مخيفًا للسبيل، خارج المصر، بحيث لا يدركه الغوث، فإنه محارب قاطع للطريق، جارية عليه أحكام المحاربين" (¬1)، ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "فأما الحرابة: فاتفقوا على أنها إشهار السلاح، وقطع السبيل، خارج المصر" (¬3). ومعلوم أن مراد ابن هبيرة وابن رشد بالاتفاق: هو اتفاق الأئمة الأربعة، وموجب تخصيص هذا القول بالاتفاق دون الإجماع أن ثمة خلافًا في المراد بالمحارب في قول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬4). فالجمهور من أهل العلم على أن الآية نزلت في النفر الذين قدموا على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من عكل (¬5) أو عرينة، وقصتهم في الصحيحين، ولفظ مسلم عن ¬
أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: "أن ناسأ من عرينة قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، فاجتووها، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها)، ففعلوا، فصحُّوا، ثم مالوا على الرعاة، فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعث فى أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا" (¬1). وأصحاب هذا الرأي منهم من يرى أن الآية وإن كانت في النفر من عكل وعرينة لكنها عامة في كل من أفسد في الأرض بالحرابة؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند أهل الأصول والتفسير (¬2)، وعلى هذا القول أكثر المفسرين (¬3). ومنهم من يرى أن الآية عامة في كل مرتد أفسد في الأرض بالحرابة، ولا يدخل فيها المسلم. وقيل: نزلت بسبب قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عهد، فنقضوا العهد، وقطعوا السبيل، وأفسدوا في الأرض، وهو مروي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، والضحاك. وعلى القولين الأخيرين تكون الحرابة خاصة بمن أفسد في الأرض من ¬
[2/ 2] المسألة الثانية: حد الحرابة بالصلب والقطع من خلاف خاص بالمحارب، ولا يطبق على المرتد حد الحرابة.
المشركين، أو المرتدين، وممن ذهب إلى ذلك الحسن، وعطاء، وعكرمة (¬1) (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة من حيث الجملة محل إجماع بين أهل العلم، لكن ثمة خلاف في عمومها، فالجمهور على العموم، وذهب طائفة إلى كونها خاصة بأهل الكفر. [2/ 2] المسألة الثانية: حد الحرابة بالصلب والقطع من خلاف خاص بالمحارب، ولا يطبق على المرتد حد الحرابة. • صورة المسألة: أولًا: تعريف الصلب: الصلب لغة: قال ابن فارس: "الصاد واللام والباء أصلان: أحدهما يدلُّ على الشدّة والقوّة، والآخر جنس من الوَدَك (¬3)، فالأوَّل: الصُّلب، وهو الشيء الشَّديد، وكذلك سُمِّيَ الظَّهر صُلْبًا لقوّته. . . وأما الأصل الآخر: فالصَّليب، وهو وَدَك العَظْم، يقال اصطَلَبَ الرجُل، إِذا جَمَع العظامَ فاستخرج وَدَكها ليأتدِم به" (¬4). وقال ابن منظور: "الصَّلْبُ مصدر صَلَبَه يَصْلُبه صَلْبًا، وأَصله من الصَّلِيب، وهو الوَدَكُ. . . وبه سُمِّي المصْلُوب؛ لما يسيل من ودَكه، والصَّلْبُ هذه القِتْلة المعروفة، مشتق من ذلك؛ لأَن ودكه وصديده يسيل، وقد صَلَبه ¬
يَصْلِبُه صَلْبًا" (¬1). • الصلب اصطلاحًا: هو أن تُغرَز خشبة في الأرض، ثم يُربط عليها خشبة أخرى عرضًا فيضع من حكم عليه بالحد قدميه عليها، ويربط من أعلاها خشبة أخرى ويربط عليها يديه (¬2). على خلاف بين الفقهاء فقيل: يُصلب حيًا، ثم يُقتل مصلوبًا بطعنه بحربة؛ وذلك لأن الصلب عقوبة، وإنما يعاقب الحي لا الميت، ولأنه جزاء على المحاربة، فيشرع في الحياة كسائر الجزاءات، وهو مذهب الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4). وقيل: يقتل أولًا ثم يُصلب بعد قتله؛ وذلك لأن اللَّه تعالى قدَّم ذكر القتل على ذكر الصلب، فيلتزم هذا الترتيب حيث اجتمعا، ولأن القتل إذا أُطلق في الشرع كان قتلًا بالسيف، ولأن في قتله بالصلب تعذيبًا له ومثلة، وقد نهى الشرع عن المثلة، وهو مذهب الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). • ثانيًا: صورة المسألة: أن اللَّه تعالى شرع في حد الحرابة أمورًا منها: الصلب، ومنها: القطع من خلاف، وهو قطع أحد اليدين مع أحد الرجلين، وهذا الحكم خاص بالمحارب، أما غيره فلا يأخذ هذا الحكم، ولو كان أشد منه في الجرم؛ كالمرتد مثلًا. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف بين أحد من الأمة ¬
[3/ 2] المسألة الثالثة: التفريق بين البغاة والخوارج.
في أن حكم المرتد المقدور عليه ليس هو الصلب، ولا قطع اليد والرجل، ولا النفي من الأرض" (¬1). وقال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "لا خلاف أن أحدًا لا يستحق قطع اليد والرجل بالكفر" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن اللَّه تعالى ذكر الصلب والقطع من خلاف في حد الحرابة كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬3). أما المرتد فإنما حده السيف، كم سيأتي بيانه (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [3/ 2] المسألة الثالثة: التفريق بين البغاة والخوارج. • المراد بالمسألة: الخوارج الذين خرجوا في زمن الصحابة رضوان اللَّه عليهم، فيهم بغي من حيث أنهم خرجوا على الإمام بتأويل سائغ، كما أن الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم حصل من بعضهم ما يسمى بالبغي حين خرج معاوية وأتباعه على علي -رضي اللَّه عنه- بتأول منه، وصار بينهما قتال الجمل وصفين، وسماها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالفئة الباغية، كما ثبت عن أم سلمة رضي اللَّه عنها أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لعمار -رضي اللَّه عنه- (¬5): . . . ¬
(تقتلك الفئة الباغية) (¬1)، وفي حديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) (¬2)، ولكن بغاة الخوارج لا يُعطون أحكام الصحابة الذين بغوا على علي -رضي اللَّه عنه-، فبينهما فرق. فالمقصود بالمسألة التفريق فيما حصل في زمن الصحابة رضي اللَّه عنهم بين فعل من بغى على علي رضي اللَّه عنه، وفعل الخوارج. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "فليس يختلف أحد في أن حكم الباغي غير حكم المحارب، وبالتفريق بين حكمهما جاء القرآن" (¬3). قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "قتال مانعي الزكاة والخوارج ونحوهم ليس كقتال أهل الجمل وصفين، وهذا هو المنصوص عن جمهور الأئمة المتقدمين، وهو الذي يذكرونه في اعتقاد أهل السنة والجماعة، وهو مذهب أهل المدينة: كمالك وغيره، ومذهب أئمة الحديث كأحمد وغيره، وقد نصوا على الفرق بين هذا وهذا في غير موضع. . . وبالجملة فهذه الطريقة هي الصواب المقطوع به، فإن النص والإجماع فرق بين هذا وهذا، وسيرة علي رضي اللَّه عنه تفرق بين هذا وهذا، فإنه قاتل الخوارج بنص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وفرح بذلك، ولم ينازعه فيه أحد من الصحابة، وأما القتال يوم صفين فقد ظهر منه من كراهته والذم عليه ما ظهر" (¬4). ¬
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن الشارع ندب إلى قتال الخوارج، وحث عليه صاحب الرسالة -صلى اللَّه عليه وسلم- كما في الصحيحين أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في الخوارج: (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وقراءتكم مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد) (¬1)، وفي رواية: (قتل ثمود) (¬2)، وفي رواية: (لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قُضي لهم على لسان نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- لاتَّكلوا عن العمل) (¬3)، وفي رواية: (أينما لقيتوهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة) (¬4). بخلاف قتال الصحابة رضي اللَّه عنهم، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أثنى على الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما (¬5) بكونه يصلح بين ما جرى من قتال بين الصحابة رضوان اللَّه عليهم، كما أخرج ذلك البخاري في صحيحه عن الحسن -رضي اللَّه عنه- قال: لقد سمعت أبا بكرة -رضي اللَّه عنه- (¬6) يقول: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على المنبر والحسن بن ¬
علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى، ويقول: (إن ابني هذا سيد، ولعل اللَّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) (¬1). وقد أجمع الصحابة ومن بعدهم على قتال الخوارج، وإنما اختلف أهل العلم في حكمهم هل يأخذون أحكام المرتدين أم لا، بخلاف واقعة الجمل وصفين، فقد كان الصحابة فيها على ثلاث طوائف، فطائفة مع علي -رضي اللَّه عنه-، وطائفة مع معاوية -رضي اللَّه عنه-، وطائفة اعتزلت، والمقاتلين إنما قاتلوا من باب دفع الصائل، فلا يقتل الأسير، ولا يجهز على الجريح. كما اتفق أهل العلم على أن البغاة يراد من قتالهم كف شرهم فلا يبدؤون بالقتال إذا لم يقاتلوا، بخلاف الخوارج فذهب طائفة منهم ابن قدامة إلى مشروعية بدأهم بالقتال (¬2). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من سوَّى بين قتال الصحابة الذين اقتتلوا بالجمل وصفين وبين قتال ذي الخويصرة التميمي وأمثاله من الخوارج المارقين والحرورية المعتدين كان قولهم من جنس أقوال أهل الجهل والظلم المبين، ولزم صاحب هذا القول أن يصير من جنس الرافضة والمعتزلة الذين يكفرون أو يفسقون المتقاتلين بالجمل وصفين، كما يقال مثل ذلك في الخوارج المارقين، فقد اختلف السلف والأئمة في كفرهم على قولين مشهورين، مع اتفاقهم على الثناء على الصحابة المقتتلين بالجمل وصفين، والإمساك عما شجر بينهم، ¬
[4/ 2] المسألة الرابعة: مشروعية مدافعة قطاع الطريق، ولو بالقتل.
فكيف نسبة هذا بهذا" (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [4/ 2] المسألة الرابعة: مشروعية مدافعة قطاع الطريق، ولو بالقتل. • المراد بالمسألة: لو قطع شخص أو جماعة طريقًا على غيرهم، فلمن اعتدي عليه دفع قاطع الطريق ولو بالقتل، لكن يدفعهم بالأسهل فإن لم يندفع المحارب إلا بالقتل فيقتله ودمه هدر. وينبه إلى أن الكلام على المسألة هو فيمن تحقق عليه إطلاق لفظ قاطع الطريق، فأما إذا لم يتحقق عليه لفظ قاطع الطريق فالمسألة حينئذ لا ترد في مسألة الباب، ومن ذلك ما لو اعتدي عليه نهارًا في داخل المدينة فعند الحنفية وجماعة أن هذا لا يعد قاطعًا للطريق، وعليه فلو قتله في هذه الصورة فذلك غير مراد في مسألة الباب. كما ينبه إلى أن قاطع إذا أمكن دفعه بغير القتل، لكن المعتدى عليه قتله، فذلك غير مراد في مسألة الباب، وإنما المراد أن الواجب دفع الصائل بالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل فله أن يقتله. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "أجمع المسلمون على جواز مقاتلة قطاع الطريق. . . فالقُطَّاع إذا طلبوا مال المعصوم لم يجب عليه أن يعطيهم شيئًا باتفاق الأئمة، بل يدفعهم بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفعوا إلا بالقتال فله أن يقاتلهم، فإن قُتل كان شهيدًا، وإن قَتل واحدًا منهم على هذا الوجه كان دمه هدرًا، وكذلك إذا طلبوا دمه كان له أن يدفعهم ولو بالقتل، إجماعًا" (¬2). ¬
وقال الصنعاني (1182 هـ): "الإجماع على أن من شهر على آخر سلاحًا لقتْله، فدَفع عن نفسه، فقَتَل الشاهر، أنه لا شيء" (¬1). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أَرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه مالك) قال: أَرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله)، قال: أَرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النار) (¬2). 2 - عن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد" (¬3). 3 - عن سعيد بن زيد -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد) (¬4). • وجه الدلالة من الحديثين: أن المحارب صائل، وقد دل الحديثان أن للإنسان دفع الصائل ولو بمقاتلته، وأنه إن قُتل فهو شهيد. • المخالفون للإجماع: نقل المرداوي في الإنصاف وجهًا وهو: أن من قتل الصائل دفاعًا" عن ماله فإنه يقتل به، وإن قتله دفاعًا عن نفسه فلا يقتل به (¬5).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع متحقق بين أهل العلم، لوجود الخلاف عن بعض الحنابلة. ¬
[5/ 2] المسألة الخامسة: تخيير الإمام في المحاربين ليس تخيير شهوة.
[5/ 2] المسألة الخامسة: تخيير الإمام في المحاربين ليس تخيير شهوة. • المراد بالمسألة: إذا ثبت حد الحرابة على شخص، فإن أهل العلم في نوع الحد على خلاف، فقيل: إن قَتل قُتل، وإن قَتل وأخذ المال قُتل وصلب، وإن أخذ المال فقط قطع من خلاف، وإن أخاف السبيل فقط نُفي، وقيل: الإمام مخير فيه بين قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف أو نفيه، وقيل: غير ذلك. إلا أنه على اختلاف الأقوال فليس أحد يقول أن الإمام مخيَّر تخيير شهوة، بل إما أن يكون التخيير بالنص فإن قَتلوا تعين قتلهم، وإن أخذوا المال ولم يقتلوا تعين قطع أيديهم وأرجلهم، من خلاف، وإما أن يكون التخيير راجع لما يراه الإمام مصلحة. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "كان عند جميع العلماء قوله تعالى في المحاربين: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (¬1)، لا يقتضى أن الإمام يخير تخيير مشيئة، ففِعْل هذه الأربع مسائل كلهم متفقون على أنه يتعين هذا في حال، وهذا في حال، ثم أكثرهم يقولون تلك الأحوال مضبوطة بالنص، فإن قتلوا تعين قتلهم، وإن أخذوا المال ولم يقتلوا تعين قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، كما هو مذهب أبى حنيفة، والشافعي، وأحمد، وروي في ذلك حديث مرفوع، ومنهم من يقول التعيين باجتهاد الإمام، كقول مالك، فإذا رأى أن القتل هو المصلحة قتل، وإن لم يكن قد قتل" (¬2). • مستند الإجماع: أما من قال بأن التخيير ثابت بالنص فدليله ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ ¬
[6/ 2] المسألة السادسة: مشروعية قتل المحاربين.
أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} (¬1). حتى ختم الآية فقال: "إذا حارب الرجل وقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف وصلب، وإذا قتل ولم يأخذ المال قتل، وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإذا لم يقتل ولم يأخذ المال نفي" (¬2). وأما من قال بأن التخيير راجع لما يراه الإمام هو الأصلح فاستدل بأن "أو" في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} (¬3). تقتضي التخيير، والتخيير راجع للمصلحة، لأن المراد ردع المحاربين، والإمام راعٍ على رعيته، فيقضي لهم بما هو الأصلح لهم (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [6/ 2] المسألة السادسة: مشروعية قتل المحاربين. • المراد بالمسألة: لو أن جماعة من المحاربين أفسدوا في الأرض بالقتل، وغيره من أنواع الفساد فواجب على الإمام مقاتلتهم، ومن ثَم قتلهم، وإراقة دمائهم. • من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "لا نعلم خلافًا أن رجلًا لو شهر سيفه على رجل ليقتله بغير حق أن على المسلمين قتله" (¬5). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع العلماء على أن من شق العصا، ¬
وفارق الجماعة، وشهر على المسلمين السلاح، وأخاف السبيل، وأفسد بالقتل والسلب، فقتلهم وإراقة دمائهم واجب؛ لأن هذا من الفساد العظيم في الأرض، والفساد في الأرض موجب لإراقة الدماء بإجماع" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على وجوب مقاتلة المحاربين الأثر والنظر: 1 - من الأثر: آية الحرابة التي فرض اللَّه تعالى فيها حد المحاربين في قوله سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل حد الحرابة لمن قدر عليه الإمام، ولا يتحصل ذلك إلا بطلبه ومقاتلته، فإذا قدر عليه وجب قتله، لكونه حد من حدود اللَّه تعالى. 2 - من النظر: يمكن أن يقال: أن في قتل المحاربين إذهاب للفساد في الأرض، وذلك مطلوب شرعًا.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم من حيث الجملة، بمعنى أن الإمام يشرع له قتل المحاربين؛ لإنهاء فسادهم. أما من حيث التفصيل، كمسألة هل إقامة الحد بقتل من قتل منهم واجبة على الإمام أم الأمر لولي المقتول له العفو وله طلب القتل، وهل المحارب إذا لم يقتل فيُقتل أم لا. . . إلى غير ذلك من المسائل فإنها محل بحث آخر، منها هو محل خلاف مشهور، ومنها ما هو محل اتفاق، ومنها ما هو محل إجماع، وسيأتي ذكر شيء منها في ثنايا مسائل الكتاب، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[7/ 2] المسألة السابعة: التعاون على الإثم والعدوان بالمؤاخاة المحرمة غير مشروعة.
[7/ 2] المسألة السابعة: التعاون على الإثم والعدوان بالمؤاخاة المحرمة غير مشروعة. • المراد بالمسألة: إذا بغت طائفة على أخرى، أو كان بين طائفتين قتال فإن معاونة الفئة الباغية ومناصرتها غير مشروعة، حتى لو كان بينها وبين الفئة الباغية أخوة أو قرابة، أو نحوه. • من نقل الإجماع: سئل شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) كما في الفتاوى الكبرى ما نصه: "مسألة: في الأخوَّة التي يفعلها بعض الناس في هذا الزمان والتزام كل منهم بقوله: إن مالي مالك، ودمي دمك، وولدي ولدك، ويقول الآخر كذلك، ويشرب أحدهم دم الآخر، فهل هذا الفعل مشروع أم لا؟ وإذا لم يكن مشروعًا مستحسنًا: فهل هو مباح أم لا؟ وهل يترتب على ذلك شيء من الأحكام الشرعية التي تثبت بالأخوة الحقيقية أم لا؟ وما معنى الأخوة التي آخى بها النبي صلى اللَّه عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار؟ الجواب: الحمد للَّه رب العالمين، هذا الفعل على هذا الوجه المذكور ليس مشروعًا باتفاق المسلمين" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - أن هذه المعاونة معاونة على الإثم والعدوان، وقد نهى اللَّه تعالى عنها في قوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن كثير في تفسير الآية: "أمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وينهاهم عن التناصر على الباطل" (¬3). 2 - عن أنس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) فقال رجل: يا رسول اللَّه أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ¬
[8/ 2] المسألة الثامنة: حكم المرأة في الحرابة حكم الرجل.
ظالما كيف أنصره؟ قال: (تحجزه، أو تمنعه من الظُلم، فإن ذلك نصره) (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حث على أن الظالم يُنصر بكفه عن الظلم، لا بإعانته عليه.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [8/ 2] المسألة الثامنة: حكم المرأة في الحرابة حكم الرجل. • المراد بالمسألة: لو اجتمع نسوة وقمن بالحرابة وقطع الطريق، أو اجتمع رجال ونساء في حرابة، فإنه يقام حد الحرابة على المرأة كالرجل. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "يجب قتلها -أي المرأة- بالإجماع إذا قطعتْ الطريق، وقتلتْ فيه" (¬2). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "إذا كان مع الرجال في قطع الطريق امرأة فقتلت هي وأخذت المال، تُقتل حدًا، وكذا الرقيق، فأي شخص من هؤلاء قتل مكافئًا له قتل إجماعًا" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أدلة منها: 1 - من الأثر: عموم آية الحرابة، إذ ليس فيها ما يدل على تخصيص الرجال دون النساء. 2 - من النظر: أ - الأصل في سائر الحدود أن الرجال والنساء فيه سواء، حتى يرد الدليل على التخصيص، والحرابة من جملة تلك الحدود، ولا نص في خروج المرأة من حد الحرابة. ب - أن المرأة قد يكون لها من القوة والتدبير ما للرجل، أو أشد، والعبرة ¬
[9/ 2] المسألة التاسعة: المملوك إذا قطع الطريق فيقام عليه حد الحرابة
هي الفساد في الأرض وإخافة الناس، فمتى حصل هذا فقد تحققت الحرابة، سواء كان المحارب ذكرًا أو أنثى (¬1). • المخالفون للإجماع: في المسألة خلاف مشهور عن الحنفية، فثمة رواية موافقة لمذهب الجمهور وهي أن المرأة كالرجل في حد الحرابة، وبه قال الطحاوي (¬2). وعن أبي يوسف أنها تقطع ولا تصلب (¬3). والرواية الثالثة عند الحنفية: أن المرأة لا يقام عليها حد الحرابة، وإن وَليَت القتال وأخْذِ المال، وأشار الكاساني أن هذه هي الرواية المشهورة (¬4). • دليل المخالف: أن ركن الحرابة هو الخروج على وجه المحاربة والمغالبة، ولا يتحقق ذلك في النساء غالبًا؛ لضعفهن ورقتهن (¬5).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم، لوجود الخلاف عند الحنفية. [9/ 2] المسألة التاسعة: المملوك إذا قطع الطريق فيقام عليه حد الحرابة (¬6) • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا كلهم مع النص: أن حد المماليك في القتل والصلب كحد الأحرار. . . وصح النص والإجماع أن حد العبد في القتل بالسيف، والصلب: كحد الحر، وكذلك في النفي غير المؤقت" (¬7). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "إذا كان مع الرجال في قطع الطريق امرأة ¬
فقتلت هي وأخذت المال، تُقتل حدًا، وكذا الرقيق، فأي شخص من هؤلاء قتل مكافئًا له قتل إجماعًا" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬2). • وجه الدلالة: أن العبد والأمة داخلان في عموم الآية، وليس ثمة دليل يمنع دخولهم في الآية، أو يدل على خروجهم منها. 2 - يمكن أن يستدل له من النظر: أن العبرة هو قطع الطريق وإخافة السبيل، وتحصيل ذلك من الحر والعبد سواء. • المخالفون للإجماع: سبق أن ثمة رواية عند الحنفية بأن المرأة لا يقام عليها حد الحرابة. وعلى قياس هذا القول فالأمة كذلك من باب أولى (¬3). • دليل المخالف: أن ركن الحرابة هو قطع الطريق، وهذا لا يتحصل من النساء غالبًا لضعفهن في أصل الخلقة (¬4). وقبل بيان نتيجة المسألة أنبِّه إلى أن ابن حزم ذكر قولًا مخالفًا للجمهور في القطع من خلاف، فرأى أن القطع فيه للعبد والأمة على النصف من الحر فتقطع اليد من الأنامل، والقدم من نصفها، وهذا القول عند التحقيق لا يعد خلافًا ¬
[10/ 2] المسألة العاشرة: المحاربون إن تابوا قبل القدرة عليهم فلا تسقط عنهم حقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال إلا أن يعفى لهم عنها.
لمسألة الباب، لأنه يرى وجوب إقامة الحد، وإنما خالف في صفة إقامة الحد (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع في أن العبد يقام عليه حد الحرابة كالحر، أما الأَمة فإقامة حد الحرابة عليها فيه خلاف عن بعض الحنفية. [10/ 2] المسألة العاشرة: المحاربون إن تابوا قبل القدرة عليهم فلا تسقط عنهم حقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال إلا أن يعفى لهم عنها. • المراد بالمسألة: لو أن شخصًا أو جماعة من المحاربين قتلوا أو سرقوا أو أصابوا جراحات، ثم تابوا قبل أن يقدر عليهم الإمام، فإن حقوق بني آدم لا تسقط عنهم، فإن قتلوا فالأمر للأولياء إما أن يعفوا أو الدية أو القصاص، وإن أخذوا المال وجب رد ما أخذوه، وإن جرحوا فعليهم القصاص أو الدية إن كان عمدًا، أو الدية إن كان خطأ، إلا أن يعفوا أصحاب الحق فلهم ذلك. ويتبين من هذا أنهم لو تابوا بعد القدرة عليهم فذلك غير مراد في مسألة الباب، وكذا لو فعلوا في الحرابة فعلًا لا تعلق به بالحرابة كالزنى أو السرقة أو نحو ذلك ثم تابوا من الحرابة، فما فعلوه مما لا تعلق له بالحرابة لا يدخل في مسألة الباب، وكذا حق اللَّه تعالى لا يدخل في مسألة الباب، وكذا لو كان المحاربون ممن لا تتحقق الحرابة في حقهم كالباغي، والخارجي، فكل هذا غير داخل في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن حقوق الآدميين؛ من الأنفس، والأموال، والجراح، يؤخذ بها المحاربون، إلا أن يعفى لهم عنها" (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "فإن تابوا -أي المحاربين- من قبل أن يقدر عليهم، سقطت عنهم حدود اللَّه تعالى، وأخذوا بحقوق الآدميين؛ من الأنفس، والجراح، والأموال، إلا أن يعفى لهم عنها، لا نعلم في هذا ¬
خلافًا بين أهل العلم" (¬1) ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "من تاب قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود اللَّه وأخذ بحقوق الآدميين، إلا أن يعفى له عنها، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬3). وقال ابن قدامة (682 هـ): "ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود اللَّه تعالى من الصلب والقطع والنفي وانحتام القتل، وأخذوا بحقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال، إلا أن يعفى له عنها، لا نعلم في هذا خلافًا" (¬4). • مستند الإجماع: استدل أهل العلم على مسألة الباب بأدلة منها: 1 - عموم قول اللَّه تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} (¬5). 2 - عموم الأحاديث الدالة على وجوب رد الحقوق إلى أهلها، كحديث سمرة بن جندب عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (¬6). • المخالفون للإجماع: حكى ابن جرير عن جماعة من السلف القول بسقوط حقوق بني آدم بتوبة المحارب قبل القدرة عليه، على تفصيل بينهم في ذلك، بناء على خلافهم في المراد بتأويل قول اللَّه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (¬7)، فذهب جماعة منهم إلى أن ¬
الآية في المشرك الذي حارب اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بالفساد في الأرض، ثم تاب وأسلم قبل القدرة عليه، فتسقط عنه حقوق اللَّه تعالى وحقوق العباد، من مال، أو دم، أو عِرض، أما المسلم إذا حارب المسلمين أو المعاهدين، وأتى بعض ما يجب عليه العقوبة، فتوبته قبل القدرة عليه لا تُسقط عنه حق اللَّه تعالى، ولا حقوق العباد. وهذا القول منقول عن ابن عباس، وعكرمة، والضحاك، ومجاهد (¬1)، والحسن البصري، وقتادة. وذهب آخرون إلى أن المراد بالآية المحاربين من أهل الإسلام، فإذا تابوا من حرابتهم قبل القدرة عليهم، ثم طلبوا الأمان فأمنهم الإمام، فليس لأحد مطالبته بحق للَّه أو لآدمي. وكذا المسلم إذا ارتد ولحق بدار الحرب، جاء تائبًا وطلب الأمان فأمنه الإمام، فليس لأحد مطالبته بحق للَّه أو لآدمي. وهذا منقول عن علي بن أبي طالب، ومكحول (¬2). وذهب آخرون إلى أن الآية عامة لكل من جاء تائبًا من الحرابة قبل القُدْرة عليه، سواء أمنه الإمام أو لم يؤمنه. ¬
وهو منقول عن أبي موسى الأشعري، وأبي هريرة رضي اللَّه عنهما، ومالك بن أنس، والليث بن سعد. وذهب آخرون إلى أن الآية خاصة بمن حارب ثم فرَّ إلى دار الكفر، ثم رجع إلى دار الإسلام تائبًا، أما من كان مقيمًا في حرابته في دار الإسلام ثم تاب فلا يسقط عنه شيء من حقوق اللَّه أو حقوق الآدميين. وذهب آخرون إلى أن المراد بالآية من كان محاربًا وله منعة وقوة، كفئة يلجأ إليها تمنعه من السلطان، ثم جاء تائبًا قبل القدرة عليه، فإن توبته تضع عنه كل ما كان من أحْداثه في أيام حِرابته من حقوق اللَّه وحقوق العباد، أما من لم تكن له منعه فلا تسقط عنه حقوق العباد (¬1). وهذا القول هو اختيار ابن جرير حيث قال: "وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قولُ من قال: توبة المحارب الممتنع بنفسه أو بجماعة معه قبل القُدرة عليه، تضع عنه تَبِعات الدنيا التي كانت لزمته في أيام حربه وحرابته، من حدود اللَّه، وغرم لازم، وقود وقصاص، إلا ما كان قائمًا في يده من أموال المسلمين والمعاهدين بعينه، فيرد على أهله؛ لإجماع الجميع على أن ذلك حكم الجماعة الممتنعة المحاربة للَّه ولرسوله، الساعية في الأرض فسادًا على وجه الردة عن الإسلام، فكذلك حكم كل ممتنع سعى في الأرض فسادًا، جماعة كانوا أو واحدًا" (¬2). فهذا محصل ما ذكره ابن جرير من الأقوال المخالفة لمسألة الباب، وبها يتبين أن المسألة محل خلاف قديم بين السلف.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم، لوجود المخالف من بعض الصحابة والتابعين، ومن بعدهم. ¬
[11/ 2] المسألة الحادية عشرة: ما وجد بيد المحارب من مال لغيره مردود لأربابه سواء من المسلمين أم من أهل الذمة.
[11/ 2] المسألة الحادية عشرة: ما وجد بيد المحارب من مال لغيره مردود لأربابه سواء من المسلمين أم من أهل الذمة. • المراد بالمسألة: لو أن شخصًا أو جماعة من المحاربين أخذوا أموالًا، فوجد أصحاب الأموال أموالهم، فعلى الإمام رد الأموال إلى أربابها، سواء أقيم عليهم حد الحرابة أو لم يُقم. ويتبين من هذا أن ما استهلكه المحارب، أو عمل فيه عملًا أخرجه عن صورته فغير داخل في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: حكى ابن عبد البر (363 هـ) الإجماع على أن المحاربين يؤخذ مما في أيديهم من أموال المسلمين وأهل الذمة (¬1). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن ما وجد بيده -أى المحارب- وبيد الباغين المتأولين مردود إلى أربابه" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - عموم ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره) (¬3). ¬
[12/ 2] المسألة الثانية عشرة: ما يأخذه المحارب ممن قطع عليه الطريق هو من الإثم والعدوان.
2 - عن سمرة بن جندب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به) (¬1). 3 - من النظر: أن ذلك المال لم يخرج عن ملك صاحبه بأخذ المحارب له، فوجب رده إليه.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [12/ 2] المسألة الثانية عشرة: ما يأخذه المحارب ممن قطع عليه الطريق هو من الإثم والعدوان. • المراد بالمسألة: لو أن المحارب طلب من الشخص المقطوع عليه الطريق أن يدفع إليه مالًا، فإنَّ دفْع هذا المال هو من الإثم والعدوان بالنسبة لقاطع الطريق. • والمراد بالمسألة: الإجماع على أن ما يأخذه قاطع الطريق من الناس هو من باب الإثم والعدوان المنهي عنه؛ لأنه أخذه ظلمًا بغير حق، أما ما يدفعه المقطوع عليه الطريق هل هو من باب الإثم المحرم الذي لا يجوز له بذله، أو هو من المباح لتخليص نفسه، فمسألة أخرى غير مرادة في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا يخلو أخذ المال بالوجه المذكور من الظلم والغلبة بغير حق من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن يكون برًا وتقوى، أو يكون إثمًا وعدوانًا، ولا خلاف بين أحد من الأمة في أنه ليس برًا ولا تقوى، ولكنه إثم وعدوان بلا خلاف" (¬2). أما من حيث عموم المسألة فسبق ابنَ حزم بذلك ابنُ المنذر (318 هـ) حيث ¬
[13/ 2] المسألة الثالثة عشرة: الفساد في الأرض المقصود في قوله تعالى: أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا هم الذين يحاربون أهل دين الله عز وجل.
نقل الإجماع على تحريم أموال الناس بغير حق فقال: "أجمعوا على تحريم أموال المسلمين ودمائهم إلا حيث أباحه اللَّه" (¬1)، ومعلوم أن ما يأخذه المحارب ليس مما أباحه اللَّه تعالى له، بدليل إيقاع العقوبة عليه. • مستند الإجماع: المسألة ظاهرة من حيث الدليل لأنه أخذ للمال بغير حق، ونصوص الكتاب والسنة مستقرة في تحريم أخذ مال الغير بغير طيب نفس منه، فمن ذلك: قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] (¬2). وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} (¬3). قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: "يعني تعالى ذكره بذلك: ولا يأكل بعضُكم مالَ بعض بالباطل، فجعل تعالى ذكره بذلك آكلَ مال أخيه بالباطل، كالآكل مالَ نفسه بالباطل" (¬4). وسبق إباحة قتال من صال على المال لأخذه، مما يدل على أن ما أخذه الصائل حرام لا يحل له.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [13/ 2] المسألة الثالثة عشرة: الفساد في الأرض المقصود في قوله تعالى: أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا هم الذين يحاربون أهل دين اللَّه عز وجل. • المراد بالمسألة: المراد بالمسألة حصر معنى الفساد في الأرض المذكور في قول اللَّه عز وجل: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا ¬
قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (¬1)، على فعل أهل الحرابة. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "قال عز وجل: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، قال أبو عمر: معناه أو بغير فساد في الأرض، فدل على أن الفساد في الأرض وإن لم يكن قتلًا فهو كالقتل، والفساد المجتمع عليه هنا: قطع الطريق، وسلب المسلمين، وإخافة سبلهم" (¬2). • المخالفون للإجماع: ذكر جماعة من أهل التأويل أقوالًا تخالف القول بأن المراد بالفساد في الآية أهل الحرابة دون غيرهم، حيث أن ثمة قولين آخرين: فقيل: المراد به الشرك. وبه قال مقاتل بن سليمان (¬3) (¬4). وقيل: هو عام لكل إفساد في الأرض ومنه الحرابة. وإلى هذا ذهب البغوي حيث قال: " {أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} يريد بغير نفس، وبغير فساد في الأرض من كفر، أو زنًا، أو قطع طريق، أو نحو ذلك" (¬5). واختاره الرازي (¬6)، والشوكاني (¬7)، وجماعة كثيرة من المفسرين (¬8).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم، لوجود الخلاف فيها. ¬
[14/ 2] المسألة الرابعة عشرة: من فعل المحاربة فإنه ينطبق عليه اسم المحارب الذي يجب عليه الحد، سواء كان في حال فعل الحرابة، أو لم يكن.
[14/ 2] المسألة الرابعة عشرة: من فعل المحاربة فإنه ينطبق عليه اسم المحارب الذي يجب عليه الحد، سواء كان في حال فعل الحرابة، أو لم يكن. • المراد بالمسألة: المحارب إذا فعل الحرابة فإنه يطلق عليه اسم المحارب، ويطبق عليه حد الحرابة، ولو كان حال القبض عليه مسالمًا لا يحارب، إلا إن تاب من فعله الحرابة، قبل القبض عليه، فحينئذ يزول عنه اسم المحارب، ولا يطبق عليه حد الحرابة حال القبض عليه. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "من فعل المحاربة فبلا شك ندري أنه في حال نومه، وأكله، واستراحته، ومرضه أنه محارب، كما كان لم يسقط عنه الاسم الذي وسمه اللَّه تعالى به، وحق عليه الحد به هذا ما لا خلاف فيه" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (¬2). • وجه الدلالة: بيّن اللَّه تعالى أن المحارب إن قُدر عليه بعد التوبة فإنه لا يقام عليه حد الحرابة، وهو يدل بمفهومه أنه لو قدر عليه قبل التوبة فإنه يقام عليه حد الحرابة، وعلى ذلك يطلق عليه اسم المحارب. 2 - من النظر: أن المحارب قد قام بفعل الحرابة، وقام الدليل على كونه محاربًا، ولا يرتفع عنه ذلك إلا بالتوبة عن فعله، أو بدليل ظاهر.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[15/ 2] المسألة الخامسة عشرة: من دخل مستخفيا ليسرق، أو ليزني، ففعل شيئا من ذلك مستخفيا، فإنما هو سارق عليه ما على السارق، أو إنما هو زان عليه ما على الزاني، وليس على أي من هؤلاء حد الحرابة.
[15/ 2] المسألة الخامسة عشرة: من دخل مستخفيًا ليسرق، أو ليزني، ففعل شيئًا من ذلك مستخفيًا، فإنما هو سارق عليه ما على السارق، أو إنما هو زان عليه ما على الزاني، وليس على أي من هؤلاء حد الحرابة. • المراد بالمسألة: لو أن شخصًا أو جماعة دخلوا خفية، فأخذوا مالًا سرقة وخفية، أو اعتدوا على العرض، فإنهم في هذه الحال لا ينطبق عليهم حد الحرابة، ولا يشملهم مفهوم المحاربين؛ لأن من شرط تحقق الحرابة في حقهم ألا يكون أمرهم خفية، بل لا بد من إظهار الحرابة بإشهار السلاح أو نحو ذلك. ويتبين مما سبق أن القتل غير مراد، فلو دخل شخص أو جماعة مستخفين وقتلوا شخصًا غيلة، فذلك غير داخل في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) في معرض ترجيح أن السارق غير مراد في آية المحاربة وأن المراد بها قاطع الطريق فقال: "ولم يقل أحد من أهل الإسلام في أحد من أهل المعاصي إنه المحارب المذكور في الآية، إلا قاطع الطريق المخيف فيها، أو في اللص، فصح أن مُخيف السبيل المفسد فيها هو المحارب المذكور في الآية بلا شك، وبقي أمر اللص. فنظرنا فيه -بعون اللَّه تعالى- فوجدناه إن دخل مستخفيًا ليسرق، أو ليزني، أو ليقتل ففعل شيئًا من ذلك مختفيًا فإنما هو سارق، عليه ما على السارق، لا ما على المحارب بلا خلاف، أو إنما هو زان، فعليه ما على الزاني، لا ما على المحارب بلا خلاف" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على المسألة أن اللَّه تعالى جعل حد الحرابة على فعل معين، وهو السعي بالفساد في الأرض على وجه مخصوص من قطع الطريق، بخلاف السارق والزاني فإن الشرع جعل لهما حدودًا خاصة بهما، فرتب على ¬
[16/ 2] المسألة السادسة عشرة: حكم المحارب يختلف عن حكم الباغي.
الزنى حد معين هو الرجم للمحصن، والجلد لغير المحصن، وأما السارق فرتب الشرع عليه قطع اليد من مفصل الكف، وبذلك توافرت الأدلة من الكتاب والسنة.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [16/ 2] المسألة السادسة عشرة: حكم المحارب يختلف عن حكم الباغي. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت الحرابة على شخص أو جماعة، فإن حكمهم يختلف عن حكم البغاة، في أن للمحاربين حدًا من وجوب قتلهم، أو صلبهم، أو قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو نفيهم من الأرض، وهذا الحكم إنما هو خاص بالمحاربين، ولا يطبق على البغاة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "فليس يختلف أحد في أن حكم الباغي غير حكم المحارب، وبالتفريق بين حكمهما جاء القرآن" (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬2). 2 - قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬3). • وجه الدلالة من الآيتين: أن اللَّه تعالى أوجب على المحاربين حد الحرابة كما في الآية الأولى، بينما في حق البغاة فإن اللَّه تعالى أمر بالصلح أولًا، ثم إن ¬
[17/ 2] المسألة السابعة عشرة: حد الحرابة يقام على المحاربين من أهل الإسلام.
تعذَّر الصلح أوجب سبحانه قتالهم، ودفعهم بالأسهل، حتى ترجع عن بغيها، ولم يوجب عليهم حدًا، فدل على أن لكل منهم حكم يختلف عن الآخر.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [17/ 2] المسألة السابعة عشرة: حد الحرابة يقام على المحاربين من أهل الإسلام. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت الحرابة على شخص أو جماعة مسلمين، فإن حد الحرابة يقام عليهم. وليس المراد تخصيص حد الحرابة بالمسلمين دون غيرهم، وإنما المراد أن المسلمين داخلون في الآية الموجبة لحد الحرابة (¬1). • من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ) بعد ذكره لآية الحرابة: "لا خلاف بين السلف والخلف من فقهاء الأمصار أن هذا الحكم غير مخصوص بأهل الردة، وأنه فيمن قطع الطريق وإن كان من أهل الملة، وحكي عن بعض المتأخرين ممن لا يعتد به أن ذلك مخصوص بالمرتدين، وهو قول ساقط مردود مخالف للآية، وإجماع السلف والخلف" (¬2). وقال ابن عطية (542 هـ) (¬3): "ولا خلاف بين أهل العلم أن حكم هذه الآية ¬
مترتب في المحاربين من أهل الإسلام" (¬1). وقال القرطبي (671 هـ): "لا خلاف بين أهل العلم أن حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام وإن كانت نزلت في المرتدين أو اليهود" (¬2)، ونقله عنه الشوكاني (¬3). وقال أبو حيان الأندلسي (745 هـ) (¬4): "لا خلاف بين أهل العلم أنّ حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على المسألة قول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أسقط على المحاربين الحد إن تابوا من حرابتهم قبل القدرة عليهم، والتوبة إنما تكون للمؤمنين دون أهل الكفر (¬7). • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن آية الحرابة نزلت في أهل الكتاب، حيث كانوا أهل مودَاعةٍ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنقضوا العهد، وأفسدوا في الأرض، فعرَّف اللَّه نبيَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الحكمَ فيهم، فتكون آية الحرابة ¬
مقصورة على ناقضي العهد من أهل الكتاب، وهذا قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. وذهب آخرون: إلى أنها نزلت في العرنيين الذين ارتدوا عن الإسلام، كما في الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: "أن ناسًا من عرينة قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، فاجتووها، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها)، ففعلوا، فصحوا، ثم مالوا على الرعاة، فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعث في أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا" (¬1)، فتكون الحرابة خاصة بالمرتدين. وهذا قول أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، وقتادة. وذهب فريق ثالث: إلى أن آية الحرابة نزلت في المحاربين من أهل الحرب، فبيَّن اللَّه حكمهم عند الظفر بهم بما ذكره في هذه الآية من عقوبتهم، فيكون حكمها مقصورًا على أهل الحرب. وهو قول الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وابن علية (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيها (¬3). ¬
[18/ 2] المسألة الثامنة عشرة: تحريم التستر على المحاربين.
[18/ 2] المسألة الثامنة عشرة: تحريم التستر على المحاربين. • المراد بالمسألة: لو أن جماعة من المحاربين أفسدوا في الأرض، فإنه واجب على كل من علم بهم إبلاغ الإمام أو نائبه؛ ليكفوا عن فسادهم. والستر عليهم ليس مباحًا كالستر على الزاني، أو شارب الخمر، أو غيرهم من أصحاب المعاصي. وهذا فيما لو لم يظهر من المحاربين توبة، أما إن ظهر منهم توبة فغير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لم يقل أحد من أهل الإسلام بإباحة الستر على مسلم في ظُلم ظَلم به مسلمًا، كمن أخذ مال مسلم بحرابة واطلع عليه إنسان، أو غصبه امرأته، أو سرق حرًا، وما أشبهه، فهذا فرض على كل مسلم أن يقوم به حتى يرد الظلامات إلى أهلها" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب قوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ ¬
[19/ 2] المسألة التاسعة عشرة: السلطان ولي من حارب.
وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نهى عن كل ما كان فيه إثم أو عدوان، والتستر على المحارب الذي لم يتب من حرابته فيه ضرر على المسلمين، وإعانة للمحارب على الإفساد في الأرض، وهو من باب التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه، فكان في ترك التستر عنه دفع لشره وهو من باب التعاون على البر والتقوى، ولذا ذهب الفقهاء إلى أن للشهود أن يشهدوا على صاحب الحد دون أن يدعى للشهادة فقال ابن قدامة: "تجوز الشهادة بالحد من غير مدع، لا نعلم فيه اختلافًا" (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [19/ 2] المسألة التاسعة عشرة: السلطان ولي من حارب. • المراد بالمسألة: إذا أقدم المحارب بقتلِ نفس، فإن عقوبة المحارب من القتل، أو القتل والصلب، أو القطع من خلاف، أو النفي للإمام، وليس لولي الدم أن يتولى أمره. وينبه إلى أن المراد بالمسألة هو فيما إذا تم الحكم بحده حرابة، فالإمام هو الذي يتولى أمر العقوبة، من القتل، أو القتل والصلب، أو القطع من خلاف، أو النفي، أما مسألة: هل للولي حق العفو أو لا؟ ومسألة هل لغير الإمام قتله إذا قدر عليه؟ فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن أمر المحارب إلى السلطان، وإن قتل المحارب أخا امرئ أو أباه في حالة المحاربة أن عفو ¬
طالب الدم لا يجوز في حالة المحاربة" (¬1). وقال القرطبي (671 هـ): "أجمع أهل العلم على أن السلطان ولي من حارب، فإن قتل محاربٌ أخا امرئ أو أباه في حال المحاربة، فليس إلى طالب الدم من أمر المحارب شيء، ولا يجوز عفو ولي الدم، والقائم بذلك الإمام" (¬2) ونقله عنه الشوكاني (¬3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "فمن كان من المحاربين قد قَتَل، فإنه يقتله الإمام حدًا لا يجوز العفو عنه بحال بإجماع العلماء. . . ولا يكون أمره إلى ورثة المقتول، بخلاف ما لو قتل رجل رجلًا؛ لعداوة بينهما، أو خصومة، أو نحو ذلك من الأسباب الخاصة، فإن هذا دمه لأولياء المقتول. . . لأنه قتله لغرض خاص، وأما المحاربون فإنما يقتلون لأخذ أموال الناس، فضررهم عام بمنزلة السراق، فكان قتْلهم حد للَّه، وهذا متفق عليه بين الفقهاء" (¬4). • مستند الإجماع: استدل الفقهاء لمسألة الباب من الأثر والنظر: فمن الأثر: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (دين اللَّه أحق أن يقضى) (¬5). 2 - عن عائشة رضي اللَّه عنها -في قصة عتق بريرة رضي اللَّه عنها (¬6) - أن ¬
رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (قضاء اللَّه أحق وشرط اللَّه أوثق) (¬1). • وجه الدلالة من الحديثين: قال ابن حزم: "فلما اجتمع حقان، أحدهما: للَّه، والثاني: لولي المقتول، كان حق اللَّه تعالى أحق بالقضاء، ودينه أولى بالأداء" (¬2). 3 - من النظر: أن الحرابة حد للَّه عز وجل، والحدود إنما يقوم بها الإمام.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
الفصل الثانى مسائل الإجماع في صفة حد قطاع الطريق
الفصل الثانى مسائل الإجماع في صفة حد قطاع الطريق [20/ 2] المسألة العشرون: قاطع الطريق إذا قتل فإنه يقتل حدًا، وقتله متحتم لا يدخله عفو. • المراد بالمسألة: لو أن قاطع الطريق الذي تطبق عليه حكم الحرابة قتل في الحرابة مسلمًا أو معاهدًا، مكافئًا له، وليس بينه وبين القتيل عداوة، فإنه يقتل حدًا، وليس للإمام أو أولياء المقتول العفو. ويتبين مما سبق أن قاطع الطريق لو كان ممن لا ينطبق عليه حكم الحرابة كالحربي، أو الباغي، أو كان قتل في حرابته غير مسلم أو معاهد، أو قتل من ليس مكافئًا له. كأن يكون المحارب حرًا ويقتل عبدًا، أو كان بينه وبين المقتول عداوة، أو كان قتله في حرابته غيلة، فكل ذلك ليس داخلًا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن أمر المحارب إلى السلطان، وإن قتل المحارب أخا امرئ أو أباه في حالة المحاربة أن عفو طالب الدم لا يجوز في حالة المحاربة" (¬1)، ونقله عنه ابن تيمية (¬2)، وابن قاسم (¬3). وقال الطحاوي (321 هـ) بعد أن ساق حديث العرنيين: "لا اختلاف بين أهل العلم فيما يقام على من كان منه مثل الذي كان من أولئك القوم أنه حد اللَّه عز وجل للمحاربة التي كانت، لا حقٌّ للذين حوربوا بها، وأن الذين حوربوا بها لو عفا أولياؤهم عما كان أتى إلى أصحابهم، أن عفوهم باطل" (¬4). وقال ابن العربي (543 هـ): "لا خلاف في أن الحرابة يُقتل فيها من قَتل" (¬5) وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا أن من قتل وأخذ المال منهم وجب عليه إقامة ¬
الحد، وأنَّ عفو ولي المقتول أو المأخوذ منه ماله غير مؤثر في إسقاط الحد" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "إذا قتل وأخذ المال، فإنه يقتل ويصلب، في ظاهر المذهب، وقتله متحتم لا يدخله عفو، أجمع على هذا كل أهل العلم" (¬2). وقال القرطبي (671 هـ): "لا خلاف في أن الحرابة يقتل فيها من قتل" (¬3). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "وإذا قَتل وأخذ المال فإنه يقتل ويصلب في ظاهر المذهب، وقتله متحتم لا يدخله عفو، أجمع على هذا كل أهل العلم" (¬4). وقال ابن تيمية (728 هـ): "فمن كان من المحاربين قد قتل، فإنه يقتله الإمام حدًا، لا يجوز العفو عنه بحال بإجماع العلماء. . . ولا يكون أمره إلى ورثة المقتول، بخلاف ما لو قتل رجل رجلًا لعداوة بينهما أو خصومة أو نحو ذلك من الأسباب الخاصة، فإن هذا دمه لأولياء المقتول. . . لأنه قتله لغرض خاص، وأما المحاربون فإنما يقتلون لأخذ أموال الناس، فضررهم عام بمنزلة السراق فكان قتلهم حد للَّه، وهذا متفق عليه بين الفقهاء" (¬5). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "إذا كان مع الرجال في قطع الطريق امرأة فقتلت هي وأخذت المال تقتل حدًا، وكذا الرقيق، فأي شخص من هؤلاء قتل مكافئًا له قتل إجماعًا" (¬6). • مستند الإجماع: استُدل لهذه المسألة بأدلة منها: 1 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "خرجت جارية عليها أوضاح (¬7) بالمدينة، ¬
فرماها يهودي بحجر، فجيء بها إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وبها رمق، فقال لها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فلان قتلك)؟ فرفعت رأسها، فأعاد عليها، قال: (فلان قتلك)؟ فرفعت رأسها، فقال لها في الثالثة: (فلان قتلك)؟ فخفضت رأسها، فدعا به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقتله بين الحجرين" متفق عليه (¬1). 2 - عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه: "أن ناسًا من عرينة قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، فاجتووها، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها)، ففعلوا، فصحوا، ثم مالوا على الرعاة، فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعث في أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا" (¬2). • وجه الدلالة من الحديثين: أنه ليس في الحديثين ما يدل على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خير أولياء المرأة بين القصاص أو الدية أو العفو. 3 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (دين اللَّه أحق أن يقضى) (¬3). 4 - عن عائشة رضي اللَّه عنها -في قصة عتق بريرة- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (قضاء اللَّه أحق وشرط اللَّه أوثق) (¬4). • وجه الدلالة من الحديثين: ما قاله ابن حزم: "فلما اجتمع حقان أحدهما للَّه، والثاني لولي المقتول كان حق اللَّه تعالى أحق بالقضاء، ودينه أولى بالأداء" (¬5). 5 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم ¬
يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة) (¬1). • وجه الدلالة: الحديث صريح على أن دم الإنسان معصوم إلا إذا أحدث أحد الأمور الثلاثة، وهو عام لقطاع الطريق وغيرهم (¬2). 6 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال في قطاع الطريق: "إذا قتلوا وأخذوا المال قُتلوا وصُلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قُتلوا ولم يُصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قُطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا هربوا طُلبوا حتى يوجدوا فتقام عليهم الحدود، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالًا نُفوا من الأرض" (¬3). 7 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "وادع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا بردة هلال بن عويمر الأسلمي (¬4)، فجاء أناس يريدون الإسلام، فقطع عليهم أصحاب أبي بردة الطريق، فنزل على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جبريل عليه السلام بالحد فيهم أن من قتل وأخذ المال صُلب، ومن قتل ولم يأخذ المال قُتل، ومن أخذ مالًا ولم يقتل قُطعت يده ورجله من خلاف، ومن جاء مسلمًا هَدَم الإسلام من كان في الشرك" (¬5). ¬
8 - من جهة النظر: أ - أن الشرع الحكيم قد خالف بين العقوبات -غلظة وخِفَّة- باختلاف أسبابها الموجبة لها، والقول بالتخيير في آية الحرابة وأن من قتل فقد يأخذ أشد العقوبات، ومن أخاف السبيل فقط قد يأخذ أشد العقوبات، لا يناسب حكمة الشرع وعدله، بل فيه تناقض ظاهر (¬1)، وقد أكد اللَّه تعالى على ذلك بقوله سبحانه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (¬2). ب - أن المستقرئ لكتاب اللَّه تعالى يرى أنه سبحانه يذكر العقوبات بالبداءة بالأغلظ فيما أريد به الترتيب، كما هو الحال في كفارة الظهار، والجماع في نهار رمضان، وغيرها، بخلاف العقوبة التي ترد على وجه التخيير فإنه تُبدأ بالأخف كما هو الحال في كفارة اليمين، وعقوبة الحرابة قد بُدئ فيها بالأغلظ فيكون المراد بها الترتيب (¬3). ج - أن حد الحرابة حق للَّه تعالى، كسائر الحدود، والحدود لا تسقط بالعفو بعد بلوغها للحاكم (¬4). • المخالفون للإجماع: خالف طائفة من السلف فقالوا: الإمام مخير في حد الحرابة، لا يتحتم عليه القتل (¬5). وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، ومجاهد، والحسن، والضحاك (¬6)، . . . ¬
والنخعي، وأبو الزناد (¬1)، وأبو ثور، وداود (¬2). وذهب بعض الشافعية إلى أن المحارب لا يتحتم قتله مطلقًا إذا قَتل، وإنما إن قَتل لأخذ المال تحتم قتله، وإلا فلا (¬3). وذهب ابن حزم إلى أن الولي مخيَّر في دمه وله العفو، وأن قتله هو من باب القصاص (¬4). • دليل المخالف: أما من ذهب إلى أن الإمام مخير لا يتحتم عليه القتل فلأن آية الحرابة جاءت بلفظ "أو" في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬5)، والأصل أن "أو" تأتي للتخيير، لا للترتيب. وأما عفو أولياء دم من قُتل حرابة فاستدل له ابن حزم بعموم ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال لما فتح اللَّه عز وجل على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة قام في الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: (إن اللَّه حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسولها والمؤمنين، وإنها لن تحل لأحد كان قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفَّر صيدها، ولا يختلي شوكها (¬6)، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير ¬
النظرين: إما أن يفدى، وإما أن يقتل) متفق عليه (¬1)، ومعلوم أن الفداء لا يكون إلا بعد العفو.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل اتفاق بين المذاهب الأربعة على وجوب القتل (¬2)، لكنها ليست محل إجماع بين أهل العلم. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
[21/ 2] المسألة الحادية والعشرون: تقديم القتل على الصلب ثابت.
[21/ 2] المسألة الحادية والعشرون: تقديم القتل على الصلب ثابت. • المراد بالمسألة: المراد بمسألة الباب أن اللَّه تعالى بدأ بذكر القتل ثم الصلب في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬1). وليس المراد أن قتل المحارب مقدم على صلبه، فإن مسألة البداءة بالقتل أو الصلب محل خلاف مشهور بين أهل العلم. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "اللَّه تعالى قدَّم القتل على الصلب لفظًا، والترتيب بينهما ثابت بغير خلاف" (¬2). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "اللَّه تعالى قدَّم القتل على الصلب لفظًا، والترتيب بينهما ثابت بغير خلاف" (¬3).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[22/ 2] المسألة الثانية والعشرون: القتل الواجب إنما هو ضرب العنق بالسيف فقط.
[22/ 2] المسألة الثانية والعشرون: القتل الواجب إنما هو ضرب العنق بالسيف فقط. • المراد بالمسألة: لو ثبتت الحرابة على شخص أو جماعة وكان حدهم القتل، فإن قتلهم إنما يكون بضرب عنقهم بالسيف، حتى لو كان قتلهم لغيرهم أيام الحرابة بغير ذلك. ويتبين مما سبق أنه لو كان حد المحاربين الصلب مع القتل فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف على أن القتل الواجب في المحارب إنما هو ضرب العنق بالسيف فقط" (¬1). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأمور منها: 1 - بأن القتل إذا أطلق في كلام الشارع فالأصل أن يراد به القتل بالسيف. 2 - ثم إنه موافق لأمر صاحب الرسالة بإحسان القتلة كما في صحيح مسلم عن شداد بن أوس -رضي اللَّه عنه- (¬2) قال: ثنتان حفظتهما عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن اللَّه كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته) (¬3). • المخالفون للإجماع: نقل شيخ الإسلام ابن تيمية خلافًا في المسألة فقال: "وقد جوز بعض العلماء قتلهم -أي المحاربين- بغير السيف حتى قال: يتركون على المكان العالي حتى يموتوا حتف أنوفهم بلا قتل" (¬4). ¬
[23/ 2] المسألة الثالثة والعشرون: القطع من خلاف يكون في يده اليمنى ورجله اليسرى، إذا كانتا يداه ورجلاه صحيحتين.
• دليل المخالف: استدل المخالف بقصة العرنيين حيث بعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أثرهم، فأتي بهم، "فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا" (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق؛ للخلاف الذى، نقله ابن تيمية في المسألة. [23/ 2] المسألة الثالثة والعشرون: القطع من خلاف يكون في يده اليمنى ورجله اليسرى، إذا كانتا يداه ورجلاه صحيحتين. • المراد بالمسألة: لو ثبتت الحرابة على شخص وكان حكمه القطع من خلاف -سواء كان هذا الحكم على القول بأن من أخذ ولم يقتل فعليه القطع من خلاف، أو على القول بأن الإمام مخير، أو على غيره من الأقوال- فإنه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، إذا كانت يداه ورجلاه صحيحتين. ويتبين من هذا أنه إن كان أشل، أو مقطوع إحدى اليدين أو الرجلين، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "كون المقطوع: اليد اليمنى والرجل اليسرى بالإجماع" (¬2). • مستند الإجماع: أما قطع اليمنى فلأمرين: 1 - أنها آلة البطش. 2 - لأنها اليد التي تقطع من السارق أولًا. وأما الرجل اليسرى فلأمرين: 1 - ليتحقق كون القطع من خلاف كما أمر اللَّه تعالى به. 2 - لأن قطع اليدين أو الرجلين يؤدي إلى تفويت جنس المنفعة، وكذا قطع ¬
[24/ 2] المسألة الرابعة والعشرون: إن كانت يداه صحيحتين ورجله اليسرى مقطوعة، قطعت يمنى يديه، ولم يقطع منه غير ذلك.
اليمين من اليد والرجل، أو اليسار منهما (¬1). • المخالفون للإجماع: أما كون القطع شامل لإحدى اليدين وإحدى الرجلين فلم يخالف فيه أحد، لكن خالف ابن حزم في أي اليدين والرجلين يقطع، ورأى إباحة قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، أو اليد اليسرى والرجل اليمنى، فكل ذلك سواء (¬2). • دليل المخالف: أن اللَّه تعالى أمر بقطع اليد والرجل من خلاف ولم يحدد تبارك وتعالى اليمين من اليسار منها، وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (¬3) (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف ابن حزم في المسألة، وقد نفى ابن حزم الإجماع فقال: "ومن ادعى هاهنا إجماعًا فقد كذب على جميع الأمة، ولا يقدر على أن يوجد ذلك عن أحد من الصحابة أصلًا، وما نعلمه عن أحد من التابعين" (¬5)، واللَّه تعالى أعلم. [24/ 2] المسألة الرابعة والعشرون: إن كانت يداه صحيحتين ورجله اليسرى مقطوعة، قُطعت يمنى يديه، ولم يقطع منه غير ذلك. • المراد بالمسألة: لو ثبتت الحرابة على شخص، وكان ذلك الشخص مقطوع أو أشل الرجل اليسرى، وحُكم عليه بالقطع من خلاف، فإنما يقطع منه يده اليمنى فقط. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "لو كانت يداه صحيحتين ورجله اليسرى مقطوعة قطعت يمنى يديه، ولم يقطع غير ذلك. . . ولا نعلم فيه خلافًا" (¬6). وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): "لو كانت يداه صحيحتين ورجله اليسرى ¬
[25/ 2] المسألة الخامسة والعشرون: قاطع الطريق لا يجوز قطع يديه ورجليه معا.
مقطوعة قطعت يده اليمنى فقط، ولا خلاف فيه" (¬1). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بما يلي: 1 - أنه قد وجد في محل الحد ما يمكن استيفاؤه، فلا ينتقل إلى غيره. 2 - أنه لو قطعت رجله اليمنى لأدى ذلك إلى تفويت جنس المنفعة (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [25/ 2] المسألة الخامسة والعشرون: قاطع الطريق لا يجوز قطع يديه ورجليه معًا. • المراد بالمسألة: لو ثبتت الحرابة على شخص وحكم بقطعه من خلاف، وكان سليم الأعضاء، فإنما تقطع منه يد واحدة ورجل واحدة، ولا يجوز قطع جميع يديه ورجليه. ويتبين مما سبق أن المراد هو القطع في حكم الحرابة للمرة الواحدة، أما لو قطعت إحدى يديه ورجليه، ثم حارب ثانية فقطْع باقي يديه ورجليه محل خلاف، وليست مرادة في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "أما قطعه -أي المحارب- فإن اللَّه تعالى قال: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} (¬3)، فصح بهذا أنه لا يجوز قطع يديه ورجله معًا؛ لأنه لو كان ذلك لم يكن القطع من خلاف، وهذا أيضًا إجماع لا شك فيه" (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يقطع منه غير يد ورجل إذا كانت يداه ورجلاه صحيحتين" (¬5)، ونقله عنه ابن قاسم (¬6). ¬
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "ولا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يقطع منه غير يد ورجل إذا كانت يداه ورجلاه صحيحتين" (¬1). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "ولا خلاف أنه لا يقطع منه إلا يد ورجل، إذا كانتا صحيحتين" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب قول اللَّه تعالى في آية الحرابة: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بقطع المحارب من خلاف، وقطع جميع الأعضاء، أو اليدين مع الرجل، أو الرجلين مع اليد ينافي ذلك (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
الفصل الثالث مسائل الإجماع فيما يوجب حد قطاع الطريق
الفصل الثالث مسائل الإجماع فيما يوجب حد قطاع الطريق [26/ 2] المسألة السادسة والعشرون: من أخذ مال امرئ مسلمٍ أو معاهد بغير حق، غير طيبة به نفسه، وكان أخذه مكابرة بسلاح من صاحبه في الصحراء، سمي محاربًا. • المراد بالمسألة: لو أن شخصًا أو جماعة أخذوا مال مسلم، أو معاهد بغير حق، وكان ذلك عن طريق المكابرة، وإشهار السلاح، وفي الصحراء، فإن هؤلاء ينطبق عليهم حد الحرابة. ويتبين من هذا أن المال لو أخذ من غير المسلم أو المعاهد، كان أُخذ من حربي، أو كان أخْذه بحق، كأن يكون المال لهم أُخذ منهم عن طريق الغصب أو السرقة، أولم يكن ذلك عن طريق المكابرة بل كان عن طريق الخفية والاستتار كالسرقة، وكذا لو لم يكن فيه إشهار السلاح أو لم يكن ذلك في الصحراء بل كان في المدينة، فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن جرير الطبري (310 هـ): "أجمع جميع الخاصة والعامة أن اللَّه عز وجل حرم أخذ مال امرئ مسلم أو معاهد بغير حق، إذا كان المأخوذ منه ماله غير طيب النفس، بأن يؤخذ منه ما أخذ، وأجمعوا جميعًا أن آخذه على السبيل التي وصفنا بفعله آثم، وبأخذه ظالم، وأجمعت الحجة التي وصفناها جميعًا أن آخذه على السبيل التي وصفنا إن كان أخذه من حرز مستخفيًا بأخذه وبلغ المأخوذ ما يجب فيه القطع أنه يسمى بما أخذ سارقًا وإن كان أخذه مكابرة من صاحبه في صحراء أنه يسمى محاربًا" (¬1). ¬
وقال ابن حزم (456 هـ): "وجدنا أن من دخل مستخفيًا ليسرق أو ليزني أو ليقتل، ففعل شيئًا من ذلك مختفيًا، فإنما هو سارقٌ عليه ما على السارق لا ما على المحارب بلا خلاف، أو إنما هو زانٍ فعليه ما على الزاني لا ما على المحارب بلا خلاف" (¬1). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن من برز، وشهر السلاح مخيفًا للسبيل خارج المصر بحيث لا يدركه الغوث فإنه محارب قاطع للطريق، جارية عليه أحكام المحاربين" (¬2)، ونقله عنه ابن قاسم (¬3). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفقوا على أنها -أي الحرابة- إشهار السلاح وقطع السبيل خارج المصر" (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ) في معرض كلامه على شروط من تنطبق عليهم الحرابة: "الشرط الثاني: أن يكون معهم سلاح، فإن لم يكن معهم سلاح، فهم غير محاربين، لأنهم لا يمنعون من يقصدهم، ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬5) وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "شرط الثاني: أن يكون معهم سلاح، فان لم يكن سلاح فليسوا محاربين؛ لأنهم لا يمنعون من يقصدهم، ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬6). • مستند الإجماع: يدل على الإجماع قول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬7). ¬
[27/ 2] المسألة السابعة والعشرون: يشترط في المحارب أن يكون معه سلاح.
• وجه الدلالة: أن من أخذ مال امرئ مسلم أو معاهد بغير حق، غير طيبة به نفسه، وكان أخذه مكابرة بسلاح من صاحبه في الصحراء، فإن هذا الفعل هو من الفساد في الأرض، ومحاربة أهل دين اللَّه تعالى، وبالقيود المذكورة في صورة الباب تخرج غيرها من المسائل التي قد تشتبه بها كالسرقة والغصب.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، مع التنبيه على الخلاف السابق في الحرابة هل هي في حق المشرك، أو المسلم. [27/ 2] المسألة السابعة والعشرون: يشترط في المحارب أن يكون معه سلاح. • المراد بالمسألة: أولا: المراد بالسلاح لغة واصطلاحًا: السلاح لغةً: قال ابن الأثير: "السِّلَاح: ما أعْدَدته للحَرْب من آلة الحديد مما يُقَاتَل به" (¬1). وظاهر كلام ابن الأثير أن السلاح خاص بآلة الحديد ممّا أُعد للحرب، وثمة من خصه بالسيف وحده، وآخرون يرونها عامة في كل ما أعد للحرب من حديد وغيره، قال ابن منظور: "السلاح اسم جامع لآلة الحرب، وخص بعضهم به ما كان من الحديد، يؤنث ويذكر، والتذكير أعلى؛ لأنه يجمع على أسلحة، وهو جمع المذكر، مثل حمار وأحمرة، ورداء وأردية، ويجوز تأنيثه، وربما خص به السيف، قال الأزهري: والسيف وحده يسمى سلاحًا. . . والعصا تسمى سلاحًا. . . والجمع أَسْلِحة وسُلُحُ وسُلْحانٌ" (¬2). والحاصل مما سبق أن السلاح هو اسم جامع لآلة الحرب التي يقاتل بها ¬
في البر، أو البحر، أو الجو، وهذا العموم قاله غير واحد من أهل اللغة، منهم ابن فارس حيث قال: "السين واللام والحاء السلاح، وهو ما يُقَاتَل به" (¬1). وهذا المعنى اللغوي موافق للمعنى الاصطلاحي عند الفقهاء إذ السلاح عندهم شامل لكل أدوات الحرب (¬2). • ثانيًا: صورة المسألة: لو أن شخصًا أو جماعة تعرضوا لغيرهم في الطريق فأخذوا أو قتلوا، فإن من شرط تحقق حد الحرابة عليهم أن يكونوا قد حملوا معهم السلاح في حرابتهم، والمراد بالسلاح هنا هو ما كان يقتل بمحدد أو مثقل، أما العصا والحجارة الصغيرة ونحوهما فليست مرادة في مسألة الباب. وكذا لو كان قتله غيلة عند من يرى أن ذلك من الحرابة فحمل السلاح في هذه الصورة غير داخل في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (625 هـ) في معرض كلامه على شروط من تنطبق عليهم الحرابة: "الشرط الثاني: أن يكون معهم سلاح، فإن لم يكن معهم سلاح، فهم غير محاربين، لأنهم لا يمنعون من يقصدهم، ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬3). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "شرط الثاني: أن يكون معهم سلاح، فان لم يكن سلاح فليسوا محاربين؛ لأنهم لا يمنعون من يقصدهم، ولا نعلم في هذا خلافًا" (¬4). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن المحارب إن لم يكن معه سلاح فإنه لا يتحقق فيه تمام معنى الإفساد في الأرض؛ إذ عديم السلاح يمكن رده والتغلب عليه دون الاستغاثة بأحد (¬5). • المخالفون للإجماع: خالف ابن حزم في المسألة فرأى أن الحرابة هي الإفساد ¬
[28/ 2] المسألة الثامنة والعشرون: قاطع الطريق إذا رفع إلى ولي الأمر، ثم تاب بعد ذلك لم يسقط عنه الحد.
في الأرض وإخافة أهل الطريق، سواء حمل قاطع الطريق معه السلاح أو لا (¬1). وإليه ذهب بعض الحنابلة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية (¬2). ونقله المرداوي في الإنصاف عن بعض الحنابلة فقال: "قال في البلغة وغيرها: لم غصبوهم بأيديهم من غير سلاح كانوا من قطاع الطريق" (¬3). • دليل المخالف: استدل من قال بأن الحرابة لا يُشترط فيها حمل السلاح بما يلي: 1 - عموم ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه) (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عمَّم الحكم بكل من ضرب البر والفاجر، ولم يقيده بالسلاح أو عدمه (¬5). 2 - أن الإفساد حاصل بكل نوع من أنواع القتل والسلب، فكما أن من قاتل المسلمين من الكفار بأي نوع كان من أنواع القتال فهو حربي، ومن قاتل الكفار من المسلمين بسيف، أو رمح، أو سهم، أو حجارة أو عصي، فهو مجاهد في سبيل اللَّه، فكذا القول في المحارب (¬6).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم؛ لخلاف ابن حزم، وابن تيمية، وبعض الحنابلة في المسألة. [28/ 2] المسألة الثامنة والعشرون: قاطع الطريق إذا رفع إلى ولي الأمر، ثم تاب بعد ذلك لم يسقط عنه الحد. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت الحرابة على شخص أو جماعة، وثبتت محاربتهم بالإقرار، ثم تابوا بعد رفع أمرهم للإمام، فإن التوبة لا تسقط عنهم حد الحرابة. ¬
ويتبين مما سبق أن التوبة لو كانت قبل الرفع للإمام، أو كان ثبوت المحاربة بإقرار، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال القرطبي (671 هـ): "لا خلاف فيما أعلمه أن التوبة لا تسقط حدًا" (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "اتفق العلماء فيما أعلم على أن قاطع الطريق واللص ونحوهما إذا رفعوا إلى ولى الأمر ثم تابوا بعد ذلك لم يسقط الحد عنهم بل تجب إقامته وإن تابوا" (¬2)، ونقله عنه ابن قاسم (¬3). وقال ابن القيم (751 هـ): "الحدود لا تسقط بالتوبة بعد القدرة اتفاقًا" (¬4). وقال ابن الهمام (861 هـ): "للإجماع على أن التوبة لا تسقط الحد في الدنيا" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على أن توبة المحارب بعد القدرة عليه لا تدفع عند الحد النص والنظر: 1 - أما النص: فقول اللَّه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (¬6). • وجه الدلالة: أن تقييد التوبة بما إذا كان قبل القدرة عليه، يدل على أن التوبة بعد القدرة لا تدفع الحد، وإلا لما كان للقيد فائدة (¬7). 2 - وأما من النظر: أ - لأن المحارب إذا تاب قبل القدرة فالظاهر أنها توبة إخلاص، أما بعد القدرة عليه فقد تكون تقية من إقامة الحد عليه (¬8). ب - لأن في قبول توبته وإسقاط الحد عنه قبل القدرة ترغيبًا في توبته، ¬
فناسب ذلك الإسقاط عنه، وأما بعدها فلا حاجة إلى ترغيبه؛ لأنه قد عجز عن الفساد والمحاربة (¬1). ج- أن قبول توبة المحارب بعد القدرة عليه يفضي إلى انتهاك المحارم، وسد باب العقوبة؛ من جهة كونه ذريعة لكل مجرم قُبض عليه أن يتظاهر بالتوبة، مما ينتج عنه تعطيل حد اللَّه تعالى في الحرابة (¬2). • المخالفون للإجماع: ثمة قول عند الشافعية أن من تاب بعد القدرة عليه فإن الحد يسقط عنه (¬3). وسبق أن السارق إذا تاب بعد القدرة عليه فعند طائفة من أهل العلم أن الحد يدفع عنهم بالتوبة، وعلى قياس هذا القول فإن توبة المحارب بعد القدرة عليه تدفع الحد. لكن يمكن أن يقال بأن هذا القياس غير لازم، فإن ثمة قولًا عن الإمام أحمد بأن توبة السارق مسقطة لحد السرقة دون الحرابة، فلا يلزم من القول بإسقاط حد السرقة أو غيره من الحدود بالتوبة أن يطرد ذلك في الحرابة. وإذا تقرر هذا فالأصل بقاء المسألة على الأصل المتفق عليه، وهو أن توبة المحارب بعد بلوغ الأمر للحاكم لا تسقط الحد، وهذا هو الظاهر، واللَّه تعالى أعلم. • دليل المخالف: نقل الزركشي دليل القائلين بإسقاط الحد على المحارب إذا تاب بعد القدرة عليه فقال: "وقع في "الوسيط" في باب قطاع الطريق حيث احتج للقول الصائر إلى أنه لو تاب بعد القدرة عليه يسقط عنه الحد، قال: لأنه تعالى خصَّص هذا بقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (¬4)، وأطلق في آية السرقة قوله: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} (¬5) اهـ، وفي هذا حمل المقيد على ¬
[29/ 2] المسألة التاسعة والعشرون: وجوب دفع الصائل على العرض.
المطلق، فإنه حمل آية المحاربة، وقد ورد فيها التقييد، على ما ورد فيه الأمر مطلقًا، وهو السرقة، وهو غريب" (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الشافعية في المسألة، ولذا ساق البغوي المسألة على أنها خلافية فقال: "أما من تاب بعد القدرة عليه فلا يسقط عنه شيء منها، وقيل: كل عقوبة تجب حقًا للَّه عز وجل من عقوبات قطع الطريق، وقطع السرقة، وحد الزنا، والشرب، تسقط بالتوبة بكل حال، والأكثرون على أنها لا تسقط" (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. [29/ 2] المسألة التاسعة والعشرون: وجوب دفع الصائل على العرض. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الصائل: الصائل لغة: قال ابن فارس: "الصاد والواو واللام أصلٌ صحيحٌ، يدلُّ على قَهْرِ وعُلُوّ. يقال: صال عليه يَصُول صَولةً، إذا استطال" (¬3). قال ابن منظور: "صالَ على قِرْنِه، صَوْلًا، وصِيالًا، وصُؤُولًا، وصَوَلانًا، وصَالًا، ومَصالةً: سَطا" (¬4). وشرعًا: هو من سطا عاديًا على غيره يريد نفسه أو عرضه أو ماله (¬5). • ثانيًا: تعريف العرض: العِرْض -بكسر العين- يطلق في اللغة على البدن، والنفس، وما يُمدح ويُذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو سلفه، أو من يلزمه أمره، كما يطلق على الحسب، وعلى الرائحة أيًا كانت طيِّبة أو سيِّئة، ¬
وعلى السحاب العظيم، وعلى الوادي فيه الشجر، ويُجمع على أعراض (¬1). والمراد بالصول على العرض هنا: الاعتداء على الشخص بُغية فعل الفاحشة من زنى أو لواط، أو مقدِّماتها كالقبلة ونحوها. • ثالثًا: صورة المسألة: لو أن المحارب صال على عرض الرجل، فأراده على نفسه، أو على حريمه، فيجب على المصول عليه دفع الصائل، ما لم يخف على نفسه. ويتبين مما سبق أن المحارب لو أراد أخذ المال، أو قتل النفس، أو ما دون النفس، أو كان المصول عليه يخاف على نفسه، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعًا" (¬2). وقال أيضًا: "فإفساد المرأة على زوجها من أعظم الظلم لزوجها وهو عنده أعظم من أخذ ماله، ولهذا يجوز له قتله دفعا عنها باتفاق العلماء إذا لم يندفع إلا بالقتل بالاتفاق" (¬3). وقال ابن حجر (852 هـ): "حكى بن المنذر عن الشافعي قال: من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله الاختيار أن يكلِّمه أو يستغيث، فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله، وإلا فله أن يدفعه عن ذلك، ولو أتى على نفسه، وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة، لكن ليس له عمد قتله، قال ابن المنذر: والذي عليه أهل ¬
الحلم أن للرجل أن يدفع عما ذُكر إذا أُريد ظلمًا بغير تفصيل" (¬1). ونقله أيضًا عن ابن المنذر: الشوكاني (¬2)، والصنعاني (¬3)، والمباركفوري (¬4) (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب الأثر والنظر: 1 - فمن الأثر: عن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قتل دون أهله فهو شهيد" (¬6). وعن سعيد بن زيد -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) (¬7). • وجه الدلالة من الحديث: لما جعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من قاتل دون عرضه شهيدًا دل على أن له القتل والقتال، كما أن من قتله أهل الحرب لما كان شهيدًا كان له القتل والقتال (¬8). ¬
[30/ 3] المسألة الثلاثون: مشروعية مدافعة المحاربين على المال.
2 - عن عبيد بن عمير (¬1) قال: استضاف رجل ناسًا من هذيل، فأرسلوا جارية لهم تحتطب، فأعجبت الضيف، فتبعها، فأرادها على نفسها، فامتنهت، فعاركها ساعة، فانفلتت منه انفلاتة، فرمته بحجر، ففضَّت كبده، فمات، ثم جاءت إلى أهلها فأخبرتهم، فذهب أهلها إلى عمر، فأخبروه، فأرسل عمر فوجد آثارهما، فقال عمر: "قتيل اللَّه لا يؤدى أبدًا" (¬2). • وجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- أهدر دم من صال على العرض. 3 - من النظر: لأن العرض لا يباح بحال، فلا يجوز بذله للصائل بأي حال من الأحوال (¬3). • المخالفون للإجماع: ثمة قول في مذهب الإمام أحمد بأن من صال على حريمه لا يجب عليه دفعه، حيث قال المرداوي: "يلزمه الدفع عن حرمته على الصحيح من المذهب، نص عليه. . . وقيل: لا يلزمه" (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الحنابلة في المسألة. [30/ 3] المسألة الثلاثون: مشروعية مدافعة المحاربين على المال. • المراد بالمسألة: لو قطع شخص أو جماعة طريقًا على غيرهم، فلمن اعتدي عليه دفع قاطع الطريق ولو بالقتل، لكن يدفعهم بالأسهل فإن لم يندفع ¬
المحارب إلا بالقتل فيقتله. وينبه إلى أن الكلام على المسألة هو فيمن تحقق عليه إطلاق لفظ قاطع الطريق، فأما إذا لم يتحقق عليه لفظ قاطع الطريق فالمسألة حينئذ لا ترد في مسألة الباب، ومن ذلك ما لو اعتدي عليه نهارًا في داخل المدينة فعند الحنفية وجماعة أن هذا لا يعد قاطعًا للطريق، وعليه فلو قتله في هذه الصورة فذلك غير مراد في مسألة الباب. كما ينبه إلى أن القاطع إذا أمكن دفعه بغير القتل، لكن المعتدى عليه قتله، فذلك غير مراد في مسألة الباب، وإنما المراد أن الأَولى دفع الصائل بالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل فله أن يقتله. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "السنة والإجماع متفقين على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قُتل، وإن كان المال الذي يأخذه قيراطًا من دينار" (¬1). ونص في موضع آخر على المحارب فقال: "القطاع إذا طلبوا مال المعصوم لم يجب عليه أن يعطيهم شيئًا باتفاق الأئمة، بل يدفعهم بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفعوا إلا بالقتال فله أن يقاتلهم، فإن قُتل كان شهيدًا، وإن قَتل واحدًا منهم على هذا الوجه كان دمه هدرًا" (¬2). وقال ابن حجر (852 هـ): "حكى ابن المنذر عن الشافعي قال: من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله الاختيار أن يكلِّمه أو يستغيث، فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله، وإلا فله أن يدفعه عن ذلك، ولو أتى على نفسه، وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة، لكن ليس له عمد قتله، قال ابن المنذر: والذي عليه أهل ¬
العلم أن للرجل أن يدفع عما ذُكر إذا أُريد ظلمًا بغير تفصيل" (¬1). ونقله أيضًا عن ابن المنذر: الشوكاني (¬2)، والصنعاني (¬3)، والمباركفوري (¬4). • مستند الإجماع: 1 - عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه مالك) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله)، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النار) (¬5). 2 - عن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد) (¬6). وعن سعيد بن زيد -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) (¬7). • وجه الدلالة من الحديثين: أن المحارب صائل، وقد دل الحديثين أن للإنسان دفع الصائل ولو بمقاتلته، وأنه إن قُتل فهو شهيد. • المخالفون للإجماع: نقل المرداوي في الإنصاف وجهًا أن من قتل الصائل دفاعًا عن ماله فإنه يقتل به (¬8). ¬
[31/ 2] المسألة الحادية والثلاثون: الحرابة لا تكون إلا بالمحدد أو المثقل.
Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع متحقق بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الحنابلة في المسألة. [31/ 2] المسألة الحادية والثلاثون: الحرابة لا تكون إلا بالمحدد أو المثقَّل. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف المحدد والمثقل: المحدد: هو ما كان له حد وسِن يخدش الجلد ويجرحه، كسكين ونحوه (¬1). المثقل: هو ما كان يؤذي بسبب ثقله، كخشب، أو عصا كبيرة (¬2). • ثانيًا: صورة المسألة: لو أقيمت دعوى الحرابة على شخص، فإن من شرط تحقق الحرابة أن يكون في حرابته حاملًا لسلاح محدد أو مثقل. ويتبين من هذا أن السلاح إن كان غير مثقل كعصا صغيرة، أو حجارة صغيرة فذلك غير داخل في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: أشار ابن تيمية (728 هـ) إلى أن ثمة من نقل الإجماع فقال: "حكى بعضهم الإجماع على أن المحاربة تكون بالمحدد والمثقل" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على المسألة قول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ¬
وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه أوجب حد الحرابة لمن سعى في الأرض فسادًا، والسعي بالإفساد في الأرض يكون بإخافة المسلمين وقتلهم، وهذا غالبًا لا يكون إلا بحمل سلاح يؤثر في البدن، وهو ما كان محددًا أو مثقلًا. • المخالفون للإجماع: المخالف في المسألة فريقان: أحدهما: من لم يشترط حمل السلاح أصلًا، وبه قال ابن حزم (¬2)، وابن تيمية (¬3)، وحكاه المرداوي عن بعض الحنابلة (¬4). الثاني: من اشترط حمل السلاح المحدد، أما المثقَّل فلا يقام به على صاحبه حد الحرابة، وهذا القول نسبه ابن تيمية لبعض الفقهاء (¬5). وثمة رواية عند الحنفية أن السلاح المثقل إن كان داخل المصر نهارًا، فإنه لا يقام به على صاحبه حد الحرابة، أما إن كان خارج المصر، أو كان داخل المصر ليلًا فتحقق الحرابة سواء كان السلاح محددًا أو مثقلًا (¬6). • دليل المخالف: أما عدم اشتراط حمل السلاح أصلًا فيدل عليه ما يلي: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (من خرج على أمتى، يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذى عهد عهده، فليس مني ولست منه) (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عمَّم الحكم بكل من ضرب البر والفاجر، ولم يقيده بالسلاح أو عدمه (¬8). ¬
[32/ 2] المسألة الثانية والثلاثون: من قتل من المحاربين كان دمه هدرا.
2 - أن الإفساد حاصل بكل نوع من أنواع القتل والسلب، وكما أن من قاتل المسلمين من الكفار بأي نوع كان من أنواع القتال فهو حربي، ومن قاتل الكفار من المسلمين بسيف، أو رمح، أو سمهم، أو حجارة، أو عصي، فهو مجاهد في سبيل اللَّه، فكذا المحارب إذا قاتل بأي نوع من السلاح فهو محارب عليه حد الحرابة (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لخلاف ابن حزم، وابن تيمية، والحنفية في رواية، وجماعة من الفقهاء. بل نسب ابن تيمية القول بعدم اشتراط حمل السلاح للجمهور، فقال: "ولو حاربوا بالعصي والحجارة المقذوفة بالأيدي، أو المقاليع ونحوها، فهم محاربون أيضًا، وقد حكي عن بعض الفقهاء لا محاربة إلا بالمحدد، وحكى بعضهم الإجماع على أن المحاربة تكون بالمحدد والمثقل، وسواء كان فيه خلاف أو لم يكن، فالصواب الذي عليه جماهير المسلمين: أن من قاتل على أخذ المال بأي نوع كان من أنواع القتال فهو محارب قاطع" (¬2)، واللَّه تعالى أعلم. [32/ 2] المسألة الثانية والثلاثون: من قُتل من المحاربين كان دمه هدرًا. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الهدر: قال ابن فارس: "الهاء والدال والراء يدلُّ على سقوطِ شيء وإسقاطه، وعلى جنسٍ من الصَّوت، وهَدَرَ السُّلطانُ دمَ فلانٍ هَدْرًا: أباحَه، وبنو فلان هَدَرَةٌ: أي ساقطون" (¬3). وقال الأزهري: "الهدْر: ما يبطل، تقول: هدَر دمه يهدِر هَدَارًا، وأهدرْته أنا إهدارًا" (¬4). وهذا المعنى اللغوي هو المراد به في المعنى الاصطلاحي؛ إذ المراد بالهدر في المسألة أن دم المحارب مباح، والدية فيه ساقطة لا شيء فيها. ¬
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا صال قطاع الطريق المكلَّف على شخص ولم يستطع الدفع إلا بالقتل، فإن دم القاطع الطريق حال الحرابة هدر، لا قود فيه ولا دية. ويتبين مما سبق أنه الصائل لو كان غير مكلَّف، أو كان مكلفًا لكن قتْله كان بعد فعل الحرابة أو قبلها، فكل ذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "لا نعلم خلافًا أن رجلًا لو شهر سيفه على رجل ليقتله بغير حق أن على المسلمين قتله" (¬1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "أجمع المسلمون على جواز مقاتلة قطاع الطريق. . . فالقطاع إذا طلبوا مال المعصوم لم يجب عليه أن يعطيهم شيئًا باتفاق الأئمة، بل يدفعهم بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفعوا إلا بالقتال فله أن يقاتلهم، فإن قتل كان شهيدًا، وإن قتل واحدًا منهم على هذا الوجه كان دمه هدرًا، وكذلك إذا طلبوا دمه كان له أن يدفعهم ولو بالقتل إجماعًا" (¬2). وقال الصنعاني (1182 هـ): "الإجماع على أن من شهر على آخر سلاحًا لقتله فدفع عن نفسه، فقتل الشاهر أنه لا شيء عليه" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على إهدار دم المحارب الصائل على النفس والعرض: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه مالك) قال: أَرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله)، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النار) (¬4). 2 - عن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قتل دون ماله ¬
فهو شهيد" (¬1). وعن سعيد بن زيد -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) (¬2). • وجه الدلالة من الحديثين: أن المحارب صائل، وقد دل الحديثين أن للإنسان دفع الصائل ولو بمقاتلته، وأنه إن قُتل فهو شهيد. 3 - عن عبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من شهر سيفه ثم وضعه فدمه هدر) (¬3). 4 - عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من حمل علينا السلاح فليس منا) (¬4). • وجه الدلالة من الحديثين: فيه تصريح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن حمل السلاح فإنه ليس من فعل المسلمين، وأن دمه هدر. ¬
[33/ 2] المسألة الثالثة والثلاثون: المحارب المقدور عليه يقام عليه حد الحرابة سواء قدر عليه قبل تمام الحرب أو بعدها.
5 - عن عبيد بن عمير قال: استضاف رجل ناسًا من هذيل، فأرسلوا جارية لهم تحتطب، فأعجبت الضيف، فتبعها، فأرادها على نفسها، فامتنعت، فعاركها ساعة، فانفلتت منه انفلاتة، فرمته بحجر، ففضَّت كبده، فمات، ثم جاءت إلى أهلها فأخبرتهم، فذهب أهلها إلى عمر، فأخبروه، فأرسل عمر فوجد آثارهما، فقال عمر: "قتيل اللَّه لا يؤدى أبدًا" (¬1). • وجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- أهدر دم الصائل، والمحارب فعله أشد من الصائل. • المخالفون للإجماع: نقل المرداوي وجهًا عند الحنابلة أن من قتل الصائل دفاعًا عن ماله فإنه يقتل به، وإن قتله دفاعًا عن نفسه فلا يقتل به (¬2).Rيظهر لي واللَّه أعلم أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الحنابلة في المسألة. [33/ 2] المسألة الثالثة والثلاثون: المحارب المقدور عليه يقام عليه حد الحرابة سواء قُدر عليه قبل تمام الحرب أو بعدها. • المراد بالمسألة: إذا حارب شخص أو جماعة، وقدر الإمام عليهم قبل توبتهم، فإن الإمام يقيم عليهم حد الحرابة، سواء انتهت الحرابة أو ما زالت قائمة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "المحارب المقدور عليه يقتل إن رأى الإمام ذلك قبل تمام الحرب وبعدها بلا خلاف في أن حكمه في كلا الأمرين سواء" (¬3). ¬
[34/ 2] المسألة الرابعة والثلاثون: قاطع الطريق إذا قتل لأجل المال فإنه يتحتم قتله.
• مستند الإجماع: يدل على المسألة قول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب على المحاربين حد الحرابة، ولم يسقطه إلا عن الذين تابوا قبل القدرة عليهم، أما من قدر عليه قبل التوبة فبقي على الأصل من وجوب إقامة الحد، سواء انتهت الحرابة أم كانت لا تزال قائمة.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [34/ 2] المسألة الرابعة والثلاثون: قاطع الطريق إذا قتل لأجل المال فإنه يتحتم قتله. • المراد بالمسألة: لو كان قاطع الطريق قتل في محاربته مسلمًا أو معاهدًا لأجل أخذ ما معه، وكان قاطع الطريق ممن تطبق عليه حكم الحرابة، والمقتول مكافئًا له، وليس بينه وبين القتيل عداوة، فإنه يقتل حدًا، وليس للإمام أو أولياء المقتول العفو. ويتبين مما سبق أن قاطع الطريق لو كان ممن لا ينطبق عليه حكم الحرابة كالحربي، أو الباغي، أو كان قتل في حرابته غير مسلم أو معاهد، أو قتل من ليس مكافئًا له كأن يكون المحارب حرًا ويقتل عبدًا، أو لم يقتله لأجل ماله، بل لعداوة بينهما، أو كان قتله في حرابته غيلة، فكل ذلك ليس داخلًا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "اتفق الفقهاء على أن قاطع الطريق لأخذ المال يقتل حتمًا، وقتله حد للَّه، وليس قتله مفوضًا ¬
إلى أولياء المقتول" (¬1). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأمرين: 1 - أن المحارب لم يقتل المصول عليه لغرض خاص معه، وإنما قتله لأجل المال، فلا فرق عنده بين هذا المقتول وبين غيره، فلذا كان قتله مصلحة عامة، توجب على الإمام إقامته (¬2). 2 - أن قتل المحارب الذي قتل من باب الحدود التي لا تسقط بالعفو. • المخالفون للإجماع: سبق في مسألة المحارب الذي قتل في حرابته أن حده القتل حدًا، ولا يصح العفو عنه، وأن ثمة من خالف في ذلك، حيث نقل ابن قدامة عن طائفة من السلف أن الإمام مخير في حد الحرابة فلا يتحتم القتل على الإمام وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، ومجاهد، والحسن، والضحاك، والنخعي، وأبي الزناد، وأبي ثور، وداود (¬3). وسبق أيضا مذهب الظاهرية أن لأولياء الدم العفو في حد الحرابة، ونسب ابن حزم هذا القول لأبي حنفية والشافعي (¬4). ولم يأت عن أحد من هؤلاء التفصيل بين ما إذا كان القتل لأجل المال أو لا، فقياس قولهم العموم في مسألة الباب. • دليل المخالف: أما من ذهب إلى إن الإمام مخير لا يتحتم عليه القتل فاستدلوا بما يلي: ¬
1 - قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬1). • وجه الدلالة: أن آية الحرابة جاءت بلفظ "أو" والأصل أن "أو" تأتي للتخيير، لا للترتيب، وقد ورد عن عباس -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "كل شيء في القرآن " أو، أو" فهو مخير" (¬2). 2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. . .} الآية (¬3). قال: من شَهَر السلاح في قُبّة الإسلام، وأخاف السبيل، ثم ظُفِر به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار: إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجلَه (¬4). 3 - استدل ابن حزم لمن قال بجواز عفو أولياء دم من قتل حرابة بعموم ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال لما فتح اللَّه عز وجل على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكة قام في الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: (إن اللَّه حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسولها والمؤمنين، وإنها لن تحل لأحد كان ¬
[35/ 2] المسألة الخامسة والثلاثون: المرتد إذا حارب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وسعى في الأرض فسادا فإن حد الحرابة يطبق عليه.
قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وانها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يختلي شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يفدى، وإما أن يقتل) (¬1)، ومعلوم أن الفداء لا يكون إلا بعد العفو.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف سعيد بن المسيب، وعطاء، ومجاهد، والحسن، والضحاك، والنخعي، وأبي الزناد، وأبي ثور، وداود، وغيرهم. [35/ 2] المسألة الخامسة والثلاثون: المرتد إذا حارب اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وسعى في الأرض فسادًا فإن حد الحرابة يطبق عليه. • المراد بالمسألة: لو أن شخصًا كان مسلمًا ثم ارتد، أو كان من أهل الذمة، وثبتت عليه حد الحرابة، فيقام عليه الحد كالمسلم. ويتبين مما سبق أن غير المرتد، غير داخل في مسألة الباب، كالحربي، والمعاهد، والمستأمن ونحوهم. • من نقل الإجماع: قال ابن جرير (310 هـ) بعد نقله لأقوال أهل العلم في معنى قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (¬2): "وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قولُ من قال: توبة المحارب الممتنع بنفسه أو بجماعة معه قبل القُدرة عليه، تضع عنه تَبِعات الدنيا التي كانت لزمته في أيام حربه وحرابته، من حدود اللَّه، وغرم لازم، وقود وقصاص، إلا ما كان قائمًا في يده من أموال المسلمين والمعاهدين بعينه، فيرد على أهله؛ لإجماع الجميع على أن ذلك حكم الجماعة الممتنعة المحاربة للَّه ¬
ولرسوله، الساعية في الأرض فسادًا على وجه الردة عن الإسلام، فكذلك حكم كل ممتنع سعى في الأرض فسادًا، جماعة كانوا أو واحدًا" (¬1). • مستند الإجماع: أما المرتد فدليله حديث العرنيين، كما في الصحيحين، واللفظ لمسلم عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: "أن ناسًا من عرينة قدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، فاجتووها، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها)، ففعلوا، فصحوا، ثم مالوا على الرعاة، فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعث في أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا" (¬2). فإن نزول آية الحرابة كانت بسببهم، وهم قوم ارتدوا بعد إسلامهم كما هو ظاهر الرواية.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
الفصل الرابع مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد قطاع الطريق
الفصل الرابع مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد قطاع الطريق [36/ 2] المسألة السادسة والثلاثون: إن أخاف المحارب السبيل فقط، لم يكن عليه عقاب غير النفي. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف النفي: النفي لغة: قال الزبيدي: "نفاه، ينفيه، نفيًا: نحَّاه وطرده وأبعده" (¬1). النفي اصطلاحًا: اختلف الفقهاء في المراد بالنفي في قوله تعالى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (¬2)، وبناءً عليه وقع الخلاف في المراد بنفي المحارب على أقوال: القول الأول: أن يُحبس في السِّجن، في البلد الذي وقعت فيه الحرابة، وهو مذهب الحنفية (¬3)، وقول عند المالكية (¬4)، ورواية عن أحمد (¬5). وقد استدل له السرخسي بقوله: "لأنه إما أن يكون المراد نفيه من جميع الأرض، وذلك لا يتحقق ما دام حيًا، أو المراد نفيه من بلدته إلى بلدة أخرى، وبه لا يحصل المقصود، وهو دفع أذيَّته عن الناس، أو يكون المراد نفيه عن دار الإسلام إلى دار الحرب، وفيه تعريض له على الردة، فعرفنا أن المراد نفيه من جميع الأرض إلى موضع حبسه، فإن المحبوس يسمى خارجًا من الدنيا" (¬6). القول الثاني: أن يُنفى إلى بلد آخر ويُحبس فيها، وهو قول المالكية (¬7)، ¬
واختاره ابن جرير (¬1). واستدلوا له بأن المفهوم من النفي إذا أُطلق هو الإخراج من البلد، لكنَّ هذا النفي لا يمكن أن يكون من جميع الأرض إلا بسجنه في الأرض التي نُفي إليها (¬2). القول الثالث: هو أن يعزره الإمام بما يراه مناسبًا في ردعه، من سجن أو غيره، وهو مذهب الشافعية (¬3)، ورواية عن أحمد (¬4). واستدلوا عليه بأن هؤلاء ارتكبوا معصية لا حد فيها ولا كفارة (¬5). القول الرابع: هو أن يشرَّدوا فلا يُتركون يأوون في أي بلد، حتى تظهر منهم التوبة، وهو مذهب الحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7)، ومروي عن الحسن والزهري (¬8). واستدلوا بظاهر الآية، فإن النفي هو الطرد والإبعاد، . ولا يتم نفيه من جميع الأرض إلا تشريده وكون نفيه إلى غير مكان معيَّن (¬9). القول الخامس: هو أن يُطلب أبدًا في كل مكان، حتى يُؤخذ فيقام عليه الحد، فيكون دمه هدر، لا يُطالب قاتله بالدم، وهو قول الشافعي (¬10)، ورواية عن أحمد (¬11)، وري عن ابن عباس وأنس بن مالك، والحسن، وقتادة، والزهري، والضحاك (¬12). ¬
القول السادس: المراد بالنفي هو إبعادهم من بلد الإسلام إلى بلد الشرك، وهو قول أنس بن مالك، وري عن الحسن وقتادة، والزهري (¬1). • ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت الحرابة على شخص، وكان المحارب لم يقتل، ولم يأخذ مالًا، وإنما أخاف الناس، فالواجب على الإمام نفيه، وليس له قتله، أو صلبه، أو قطع يده ورجله من خلاف. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "وإن أخاف السبيل فقط لم يكن عليه غير النفي، وروي هذا أيضًا عن بن عباس، ومجاهد، وعطاء، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وهو قول أبي مجالد (¬2)، والضحاك، وسعيد بن جبير، وقتادة، وهو قول أهل العلم" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على المسألة أن "أو" في آية الحرابة للتفصيل، فإن قَتل قُتل، وإن أخذ المال قُتل وصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإن أخاف السبيل فقط لم يكن عليه غير النفي، فقوله: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} هي لمن أخاف السبيل فقط، دون أن يقتل أو يأخذ المال (¬4). عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬5)، قال: "إذا حارب الرجل وقتل وأخذ المال فطعت يده ورجله ¬
[37/ 3] المسألة السابعة والثلاثون: الحربي إذا أسلم لا يضمن ما فعل في حال كفره من قتل أو إتلاف.
من خلاف، وصلب، وإذا قتل ولم يأخذ المال قتل، وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإذا لم يقتل ولم يأخذ المال نُفي" (¬1). • المخالفون للإجماع: خالف المالكية في مسألة الباب فذهبوا إلى أن من أخاف السّبيل فقط فالإمام مخيّر بين قتله، أو صلبه، أو قطعه، أو نفيه، وذلك باعتبار المصلحة، وقد جاء في المدونة: "قال مالك: وإن هو خرج وأخاف السبيل وعلا أمره ولم يأخذ المال، فإن الإمام مخير إن شاء قتله وإن شاء قطع يده ورجله" (¬2). وكذا قياس قول من ذهب إلى أن حد الحرابة على التخيير كما هو منقول عن سعيد بن المسيب، وعطاء، ومجاهد، والحسن، والضحاك، والنخعي، وأبي الزناد، وأبي ثور، وداود، فإن النفي لا يكون لازمًا في مسألة الباب.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لخلاف المالكية في المسألة. [37/ 3] المسألة السابعة والثلاثون: الحربي إذا أسلم لا يضمن ما فعل في حال كفره من قتل أو إتلاف. • المراد بالمسألة: أولا: تعريف الحربي: الحرب في اللغة نقيض السلم (¬3). والحربي في اصطلاح الفقهاء هو من بيننا وبين بلاده حرب. وكل من حارب المسلمين من الكفار، بأي نوع من أنواع القتال فهو حربي (¬4). • ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت الحرابة على شخص أو جماعة، وكان ¬
المحارب فعل حرابته أثناء كونه كافرًا حربيًا، ثم تاب وأسلم، فإنه لا يؤحذ بما فعل حال كفره من حقوق اللَّه، ولا من حقوق بني آدم مما قد أتلفه. ويتبين من هذا أن المسلم، أو الكافر غير الحربي، كأهل الذمة، والمرتد، والمعاهد، والمستأمن، وغيرهم، غير داخلين في مسألة الباب. وكذا ينبه إلى أن ما بقي في يد الحربي بعد ما أسلم ولم يتلف فإنه غير داخل في مسألة الباب. وكذا مسألة الباب خاصة بما أتلفه الحربي من مال المسلم، أما لو أتلف الحربي مال حربي ثم أسلم فضمان ما أتلفه غير مراد. • من نقل الإجماع: قال إسماعيل بن إسحاق (282 هـ) (¬1): "لا أعلم خلافًا بين العلماء في مشركين لو ظهر عليهم وقد قتلوا وأخذوا الأموال فلما صاروا في أيدي المسلمين وهم على حالهم تلك أسلموا قبل أن يحكم عليهم بشيء أنهم لا يحل قتلهم"، نقله عنه ابن بطال (¬2). وقال ابن حزم (456 هـ): "وقد صح النص والإجماع بإسقاطه، وهو ما أصابه أهل الكفر ما داموا في دار الحرب قبل أن يتذمموا أو يسلموا فقط، فهذا خارج بفعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كل من أسلم منهم، فلم يؤاخذهم بشيء مما سلف لهم من قتل، أو زنى، أو قذف، أو شرب خمر، أو سرقة، وصح الإجماع بذلك" (¬3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وقد أجمع علماء المسلمين على أن الكفار ¬
إذا انتهوا وتابوا من كفرهم غفر لهم كل ما سلف، وسقط عنهم كل ما كان لزمهم في حال الكفر، من حقوق اللَّه عز وجل وحقوق المسلمين قبل أن يقدروا عليهم، وبعد أن يقدروا عليهم ويصيروا في أيدي المسلمين فلا يحل قتلهم بإجماع المسلمين، ولا يؤخذ بشيء جنوه في مال أو دم، فدل ذلك على أن الآية تنزل في أهل الشرك والكفر" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا أعلم خلافًا في أن الكافر الحربي، إذا أسلم، أو دخل إلينا بأمان، بعد أن استولى على مال مسلم فأتلفه، أنه لا يلزمه ضمانه" (¬2). وقال القرطبي (671 هـ): "أما الكافر الحربي فلا خلاف في إسقاط ما فعله في حال كفره في دار الحرب" (¬3). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا أعلم خلافًا في أن الكافر الحربي إذا أسلم أو دخل إلينا بأمان بعد أن استولى على مال مسلم فأتلفه أنه لا يلزمه ضمانه" (¬4). وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "أما الحربي الكافر فلا يؤخذ بشيء في كفره إجماعًا" (¬5). وقال المرداوي (885 هـ): "أما الحربي الكافر فلا يؤخذ بشيء في كفره إجماعًا" (¬6). • مستند الإجماع: استدل أهل العلم على المسألة بعموم قول اللَّه عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} (¬7). ¬
قال البغوي في تفسير الآية: "فمن ذهب إلى أن الآية نزلت في الكفار، قال معناه: إلا الذين تابوا من شركهم وأسلموا قبل القدرة عليهم فلا سبيل عليهم بشيء من الحدود ولا تبعة عليهم فيما أصابوا في حال الكفر من دم أو مال" (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
الفصل الخامس مسائل الإجماع في مسقطات حد قطاع الطريق
الفصل الخامس مسائل الإجماع في مسقطات حد قطاع الطريق [38/ 2] المسألة الثامنة والثلاثون: سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم. • المراد بالمسألة: لو أن شخصًا أو جماعة من المحاربين تابوا قبل القدرة عليهم، فإن حد الحرابة يسقط عنهم، بتوبتهم. ويتبين من ذلك أن حق الآدمي غير مراد في مسألة الباب، وكذا حق اللَّه فيما لو تاب بعد القدرة عليهم، كمن زنى أو سرق أو شرب خمرًا، فإن إسقاط الحد عنه أو عدمه في هذه الأشياء إن تاب قبل القدرة عليه غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "صح النص من القرآن وصح الإجماع بأن حد المحاربة تسقطه التوبة قبل القدرة عليهم" (¬1). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا أن من تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حقوق اللَّه تعالى إلا أن أبا إسحاق ذكر في التنبيه عن الشافعي أن في سقط قطع اليد عن قاطع الطريق قولين، أحدهما: يسقط قطع اليد عنه كغيره مما يسقط عنه، والقول الآخر: لا يسقط قطع اليد خاصة عنه" (¬2). وقال القرافي (684 هـ): "الحدود لا تسقط بالتوبة على الصحيح إلا الحرابة والكفر فإنهما يسقط حدهما بالتوبة إجماعًا" (¬3). وقال ابن تيمية (728 هـ): "إن تاب من الزنا، والسرقة، أو شرب الخمر قبل أن يرفع إلى الإمام فالصحيح أن الحد يسقط عنه، كما يسقط عن المحاربين بالإجماع إذا تابوا قبل القدرة" (¬4). • مستند الإجماع: استدل أهل العلم لمسألة الباب بنص قول اللَّه عز وجل ¬
[39/ 2] المسألة التاسعة والثلاثون: حد الحرابة لا يقبل الفداء.
في المحاربين: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (¬1). • المخالفون للإجماع: ثمة وجه عند الشافعية أن المحارب إن أخذ المال في حرابته ثم تاب قبل القدرة فإنه يسقط عنه حد الحرابة المختص بالقتل أو القتل والصلب أو قطع الرجل، أما قطع اليد فإنه لا يسقط، قياسًا على السارق فيما لو تاب قبل القدرة عليه (¬2). وأشار ابن حزم إلى الخلاف في المسألة دون ذِكر الخلاف حيث قال في معرض كلامه على المحاربين: "وَاخْتلفُوا فيم تاب قبل أَن يظفر به، أيسقط عنه الحد أم لا" (¬3). وقد سبق أن ثمة خلافًا في المحارب هل هو خاص بالمشرك، أو هو في المسلم، فإن جماعة من السلف يرون أن المحارب لا يكون إلا من أهل الشرك، وعليه فيرون أن المسلم إذا حارب ثم تاب قبل القدرة عليه فإن التوبة لا تسقط الحد عنه، وقد سبق بيان ذلك في المسألة العاشرة من مسائل قطاع الطريق.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم. [39/ 2] المسألة التاسعة والثلاثون: حد الحرابة لا يقبل الفداء. • المراد بالمسألة: لو ثبتت الحرابة على شخص أو جماعة فواجب على الإمام أن يقيم عليهم حد الحرابة، ولا يصح أن يقبل منهم فداء من مال أو غيره لإسقاط حد الحرابة عنهم. وبه يتبين أن هذا الفداء لو كان لولي المقتول في الحرابة فذلك غير مراد في ¬
مسألة الباب؛ لأنه سبق أن ثمة من ذهب إلى أن الحرابة لولي المقتول له فيها أن يعفو. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "قد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ، أو غيره، لا يجوز، وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني، والسارق، والشارب، والمحارب، وقاطع الطريق ونحو ذلك لتعطيل الحد، مال سحت خبيث" (¬1). وكلام شيخ الإسلام وإن كان ظاهره العموم سواء كان آخذ المال ولي المقتول أو الإمام، لا سيِّما وأنه قد نقل الاتفاق قبل ذلك أنه ليس لولي المقتول بالحرابة العفو، لكن صرفتُه عن ظاهره وجعلتُه خاصًا بالإمام أو نائبه، لتخرج مسألة الخلاف المذكور في ولي المقتول، ويستقيم كلام ابن تيمية رحمه اللَّه. وقال الحافظ ابن حجر (852 هـ): "الحد لا يقبل الفداء، وهو مجمع عليه في الزنا والسرقة والحرابة وشرب المسكر" (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى قول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬3). • وجه الدلالة: الآية تدل على أن الحرابة لحد للَّه عز وجل، وقد تقرر أن من الأمور المجمع عليها أن الحدود لا تسقط إذا بلغت الإمام، كما سبق بيانه في كتاب السرقة (¬4). ¬
Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
الباب الثالث مسائل الإجماع في باب حد البغي
الباب الثالث مسائل الإجماع في باب حد البغي وفيه: تمهيد، وخمسة فصول: الفصل الأول: مسائل الإجماع العامة في حد البغي. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في ضابط البغاة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع فيما يوجب حد البغاة. الفصل الرابع: مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد البغاة. الفصل الخامس: مسائل الإجماع فيما يسقط حد البغاة.
التمهيد
التمهيد المبحث الأول: تعريف البغي لغةً واصطلاحًا: • أولًا: تعريف البغي لغةً: يطلق البغي في اللغة على معان عدة منها: 1 - الطلب: ومنه: بَغَيْتُ الشيء أبْغِيه إذا طلبتَه، وأكثر ما يستعمل في معنى الطلب لفظ: "ابتغى"، لا بغى (¬1). 2 - الظلم والاعتداء، ويُقال: بَغَى على الناس بَغْيًا: أي ظلم واعتدى، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} (¬2). 3 - الفساد والمعصية: يُقال: برئ الجرح على بغي إذا التأم على فساد (¬3)، ويمكن أن يدخل هذا المعنى في الآية السابقة، ومنه قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} (¬4). 4 - المرأة الفاجرة بالزنا: ومنه قوله تعالى {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)} (¬5). 5 - الكِبْر، وتفخيم الكلام، والتشادق فيه (¬6). 6 - الحسد، ومنه قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (¬7). ¬
7 - الخروج على الإمام، ومنه قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمار -رضي اللَّه عنه-: (تقتلك الفئة الباغية) (¬1). وحاصل هذه المعاني -غير المعنى الأول- ترجع إلى معنى الفساد كما ذكره ابن فارس، أو مجاوزة الحد. وجميع هذه المعان السابقة ترجع إلى معنيين أحدهما: طلب الشيء، والثاني: مجاوزة الحد. وقد بيَّن ذلك أهل اللغة فقال ابن فارس: "الباء والغين والياء أصلان: أحدهما: طَلَب الشيء، والثاني: جنسٌ من الفَساد" (¬2)، وقال ابن الأثر: "أصل البغي مجاوزة الحد" (¬3). • ثانيًا: تعريف البغي اصطلاحًا: اختلفت عبارات أهل العلم في ضابط البغاة على أقوال: فعند الحنفية: قال ابن عابدين (¬4): "هم الخارجون عن الإمام بغير حق" (¬5). وعند المالكية: قال ابن عرفة: "البغي: الامتناع من طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية بمغالبة، ولو تأول" (¬6). وعند الشافعية: قال النووي: "هم مخالفوا الإمام بخروج عليه، وترك الانقياد، أو منع حق توجه عليهم، بشرط شوكة لهم، وتأويل، ومطاع فيهم" (¬7). ¬
وعند الحنابلة: قال البهوتي: "هم الخارجون على الإمام، ولو غير عدل، بتأويل سائغ، ولهم شوكة، ولو لم يكن فيهم مطاع" (¬1). ويتحصل مما سبق أن ثمة أمورًا تتفق عليها الأقوال السابقة في ضابط البغاة، وهي أنهم قوم لهم شوكة، خرجوا عن الإمام بتأويل سائغ، ولذا قال القرافي: "البغاة هم الذين يخرجون على الإمام، يبغون خلعه، أو منع الدخول في طاعته، أو تبغي منع حق واجب، بتأويل في ذلك كله، وقاله الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي اللَّه عنهم، وما علمتُ في ذلك خلافًا" (¬2). ويمكن أن نَخلُص إلى تعريف جامع للبغاة في الاصطلاح بأن يقال: "هم قوم لهم شوكة خرجوا على الإمام بتأويل سائغ". ومن خلال هذا التعريف يمكن أن نخرج بفوائد منها: أولًا: أن من لم يكن لهم تأويل سائغ، أو كانوا جمعًا يسيرًا لا شوكة لهم، فهم محاربون لا بغاة. ثانيًا: أن البغاة يتفقون مع المحاربين في أنهم يخرجون على الإمام، إلا أنهم يختلفون عنهم في أمرين: 1 - أن البغاة لهم تأويل سائغ، أي شبهة قوية، وأما المحاربون فهم يخرجون بقصد الإفساد، وليس لهم شبهة، أو لهم شبهة ولكنها واهية. 2 - أن البغاة لهم شوكة، أي قوة ومنعة كالجيش، وأما المحاربون فلا شوكة لهم، ولهذا يتخفُّون في أوساط الناس وليس لهم مكان معروف يتحصنون به. • تنبيه: عرَّف بعض الفقهاء البغاة بأنهم الخوارج، منهم الكاساني حيث قال: "البغاة: هم الخوارج، وهم قوم من رأيهم أن كل ذنب كفر، كبيرة كانت ¬
أو صغيرة، يخرجون على إمام أهل العدل، ويستحلون القتال والدماء والأموال بهذا التأويل، ولهم منعة وقوة" (¬1). وهذا القول تعقَّبه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "أما قول القائل: إن الأئمة اجتمعت على أن لا فرق بينهما -أي البغاة والخوارج- إلا في الاسم، فدعوى باطلة، ومدعيها مجازف، فإن نفي الفرق إنما هو قول طائفة من أهل العلم من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم، مثل كثير من المصنفين في قتال أهل البغي فإنهم قد يجعلون قتال أبي بكر لمانعي الزكاة، وقتال علي الخوارج، وقتاله لأهل الجمل وصفين، إلى غير ذلك من قتال المنتسبين إلى الإسلام من باب قتال أهل البغي، ثم مع ذلك فهم متفقون على أن مثل طلحة والزبير ونحوهما من الصحابة من أهل العدالة؛ لا يجوز أن يحكم عليهم بكفر ولا فسق؛ بل مجتهدون: إما مصيبون، وإما مخطئون، وذنوبهم مغفورة لهم، ويطلقون القول بأن البغاة ليسوا فساقًا، فإذا جعل هؤلاء وأولئك سواء لزم أن تكون الخوارج وسائر من يقاتلهم من أهل الاجتهاد الباقين على العدالة سواء؛ ولهذا قال طائفة بفسق البغاة، ولكن أهل السنة متفقون على عدالة الصحابة، وأما جمهور أهل العلم فيفرقون بين "الخوارج المارقين" وبين "أهل الجمل وصفين" وغير أهل الجمل وصفين، ممن يعد من البغاة المتأولين، وهذا هو المعروف عن الصحابة، وعليه عامة أهل الحديث، والفقهاء، والمتكلمين وعليه نصوص أكثر الأئمة وأتباعهم: من أصحاب مالك، وأحمد، والشافعي، وغيرهم" (¬2). ¬
المبحث الثاني الأصل في مشروعية حد البغاة
المبحث الثاني الأصل في مشروعية حد البغاة • الأصل في مشروعية حد البغاة الكتاب، والأثر، والإجماع: • أولًا: من الكتاب: قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬1). • ثانيًا: من الأثر: فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، فإن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- قاتل مانعي الزكاة كما في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: لما توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- واسْتُخْلِف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قال لا إله إلا اللَّه فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على اللَّه)؟ فقال أبو بكر: واللَّه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: "فواللَّه ما هو إلا أن رأيت اللَّه عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق" (¬2) (¬3). وكذا علي -رضي اللَّه عنه- قاتل ¬
أهل الجمل (¬1)، وصفين (¬2). • ثالثًا: الإجماع: أجمع العلماء على مشروعية قتال البغاة، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن عبد البر (¬3)، والموفق ابن قدامة (¬4)، وبهاء الدين المقدسي (¬5)، والنووي (¬6)، وشمس الدين ابن قدامة (¬7)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (¬8)، وغيرهم (¬9). ¬
المبحث الثالث ماهية الحد الواجب بالبغي
المبحث الثالث ماهية الحد الواجب بالبغي من الأصول المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة وجوب السمع والطاعة لولي أمر المسلمين بالمعروف، إذ لا تجتمع الكلمة، ولا تتحقق المصالح العامة إلا بذلك، بل إن كثيرًا من الشعائر الإسلامية لا تؤدى إلا بإذن إمام المسلمين، كالجهاد، إقامة الحدود، ونصب القضاة وغير ذلك، وفي الخروج على الإمام مفاسد عظيمة في هلاك النفس والمال، ومن مقاصد الشريعة حفظ هذين الأمرين، لذا حرم الإسلام الخروج على الإمام، وأوجب على المسلمين قتالهم، ودفع شرِّهم، فإذا خرج جماعةٌ على إمام المسلمين فيجب على الإمام أولًا مراسلتهم، وإزالة شبههم، وما يدعون من المظالم، فإذا ذكروا مظلمةً أزالها، وإن ذكروا شبهةً كشفها؛ لأن ذلك وسيلة إلى الصلح المأمور به في الآية. فإن رجعوا وإلا لزمه قتالهم؛ عملًا بقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬1). ويجب، على رعية الإمام معونته، فإذا ترك البغاة القتال حرُم قتلهم، وقتْل مدبرهم وجريحهم؛ لأن المقصود قتالهم لا قتلهم، ولا يغنم مالهم ولا تسبى ذراريهم، ويجب رد ذلك إليهم؛ لأن أموالهم كأموال غيرهم من المسلمين، وإنما أبيح قتالهم لردهم إلى الطاعة، ويغسل قتلاهم، ويصلى عليهم؛ لأنهم مسلمون، كما سيأتي بيان ذلك مفصلًا بأدلته (¬2). ¬
ومما سبق يتبين أن قتال البغاة يختلف عن بقية الحدود من جهة أنه لا يعد عقوبة بالمعنى المألوف للعقوبة التي توقع على الأفراد، وإنما هو من باب دفع الصائل، فيعمل الإمام على دفع شرهم بالأسهل فالأسهل، فمتى اندفع شرهم بالموعظة لم يجز قتالهم، وهكذا.
الفصل الأول مسائل الإجماع العامة في حد البغي
الفصل الأول مسائل الإجماع العامة في حد البغي [1/ 3] المسألة الأولى: الخوارج مع ضلالهم فرقة من المسلمين، تجوز مناكحتهم، وأكل ذبائحهم، وأنهم لا يكفرون ما داموا متمسكين بأصل الإسلام. • المراد بالمسألة: الكلام في مسألة الباب على الخوارج الذين خرجوا على علي -رضي اللَّه عنه-، وقالوا بكفر مرتكب الكبيرة، فإنهم مع ضلالهم في الخروج على علي -رضي اللَّه عنه- واستباحتهم لدماء المسلمين، وتكفيرهم إياهم، إلا أنهم مع ذلك لم يخرجوا من دائرة الإسلام، فدماؤهم فأموالهم وأعراضهم معصومة، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، وتجوز مناكحتهم (أي تزويجهم أو الزواج منهم)، وأكل ذبائحهم، وكذا كل من سلك نهجهم ممن بعدهم. أما من اعتقد شيئًا آخر كفريًا زيادة على معتقد الخوارج في زمن علي -رضي اللَّه عنه-، فغيم داخلين في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الخطابي (388 هـ): "أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين، وأجازوا مناكحتهم، وأكل ذبائحهم، وأنهم لا يكفرون ما داموا متمسِّكين بأصل الإسلام"، نقله عنه ابن حجر (¬1)، والمناوي (¬2). . . ¬
(¬1)، والقاري (¬2)، والشوكاني (¬3). وذى ابن الهمام (861 هـ) أن حكم الخوارج عند جمهور الفقهاء وجمهور أهل الحديث حكم البغاة، ثم قال: "وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون لهم حكم المرتدين. . . قال ابن المنذر: "ولا أعلم أحدًا وافق أهل الحديث على تكفيرهم"، وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء" (¬4). • مستند الإجماع: استدل أهل العلم لهذه المسألة: بأن هذا هو ظاهر مذهب الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، فإنهم لم يعملوا في قتال الخوارج بما يشرع في حق الكفار، من السبي، والغنيمة، وأمثال ذلك مما هو مشهور في أحكام المقاتلين من الكفار وأهل الردة، بل أجْرَوا فيهم حكم المسلمين. فلم يجهزوا على الجريح، ولم يتبعوا المدبر، ولم يغنموا منهم. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة، وقتالًا للأمة، وتكفيرًا لها، ولم يكن في الصحابة من يُكفرهم، لا علي بن أبى طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين" (¬5). ومما يبين ذلك أن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- لما قاتل الحرورية -وهم الخوارج- قيل له: أكفارهم؟ قال: "من الكفر فرُّوا", قيل: فمنافقين؟ قال: "إن المنافقين لا يذكرون اللَّه إلا قليلًا وهؤلاء يذكرون اللَّه كثيرًا، قيل: ¬
فما هم؟ قال: قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصمُّوا" (¬1). ولما ضربه عبد الرحمن بن ملجم (¬2) قال علي -رضي اللَّه عنه-: "أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا أولى بدمه عفوًا وقصاصًا، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين" (¬3). فقوله: "وإن حييت فأنا ولي الدم" دليل على أنه لا يرى الخوارج كفارًا؛ لأنه لو كان ابن ملجم كافرًا أو مرتدًا لما كان علي -رضي اللَّه عنه- ولي الدم عفوًا أو قصاصًا، لأن من بدَّل دينه وجب قتله بحد الردة. • المخالفون للإجماع: خالف جماعة في مسألة الباب فذهبوا إلى أن الخوارج الذي قاتلوا عليًا -رضي اللَّه عنه- كفار، فلا تحل ذبائحهم ولا مناكحتهم، وهذا القول ذهب إليه طائفة من المحدثين، ويحكى رواية عن أحمد الإمام رحمه اللَّه تعالى (¬4). وإليه ذهب جماعة من أهل العلم كالقرطبي (¬5)، وابن العربي (¬6)، والسبكي (¬7)، والمرداوي (¬8). قال ابن حجر: "وهو مقتضى صنيع البخاري -أي القول بكفر الخوارج- ¬
حيث قرنهم بالملحدين، وأفرد عنهم المتأولين بترجمة" (¬1). كما نسب ابن حجر هذا القول للقاضي عياض (¬2) (¬3)، إلا أن القاضي عياض وإن كان نص على كفر من أنكر الرجم من الخوارج، وكُفر من كفَّر الصحابة، لكنه بين في موضع آخر أن الصواب عدم كفرهم فقال في معرض كلامه على خلاف الناس في كفر من تأول الصفات عن ظاهرها، بتحريف، أو تعطيل، أو تشبيه، أو تمثيل: "الصواب ترْك إكفارهم، والإعراض عن الحتم عليهم بالخسران وإجراء حكم الإسلام عليهم في قصاصهم، ووراثاتهم، ومناكحاتهم، ودياتهم، والصلوات عليهم، ودفنهم في مقابر المسلمين، وسائر معاملاتهم، لكنهم يغلظ عليهم بوجيع الأدب وشديد الزجر والهجر، حتى يرجعوا عن بدعتهم، وهذه كانت سيرة الصدر الأول فيهم، فقد كان نشأ على زمن الصحابة وبعدهم في التابعين من قال بهذه الأقوال من القدر، ورأي الخوارج، والاعتزال، فما أزاحوا لهم قبرًا، ولا قطعوا لأحد منهم ميراثًا، لكنهم هجروهم، وأدَّبوهم بالضرب، والنفي، والقتل، على قدر أحوالهم؛ ¬
لأنهم فُسَّاق، ضُلًّال، عصاة، أصحاب كبائر عند المحققين وأهل السنة ممن لم يقل بكفرهم منهم، خلافًا لمن رأى غير ذلك" (¬1). • دليل المخالف: استدل القائلون بكفر الخوارج بأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتالهم، ووصفه لهم بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ومن ذلك ما جاء في قصة قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للذهب الذي أتى به علي من اليمن: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا محمد اتق اللَّه، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي اللَّه)، ثم ولَّى الرجل، فقام خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- (¬2)، -وفي بعض الروايات: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وقال: دعني أضرب عنقه يا رسول اللَّه. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعله أن يكون يصلي) قال: وكم من مصلِّ يقول بلسانه ما ليس بقلبه، قال عليه الصلاة والسلام: (إني لم أُومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)، ثم نظر إليه وهو مقف فقال: (إنه يخرج من ضئضئ (¬3) هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وقراءتكم مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ¬
لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد) (¬1)، وفي رواية: (قتل ثمود) (¬2). وفي رواية: (لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- لاتكلوا عن العمل) (¬3). وفي رواية: (أينما لقيتوهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة) (¬4). قال شيخ الإسلام: "قال الإمام أحمد: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه" (¬5).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيه عن طائفة من المحدثين، وابن العربي، والقرطبي، والسبكي، والمرداوي، وهو ظاهر صنيع البخاري، ورواية محكية عن أحمد. لكن ينبه إلى أن جمهور أهل السنة القائلين بأن قتال الخوارج ليس بقتال كفار، لا يريدون بذلك مساواة الخوارج بغيرهم من البغاة، أو مساواتهم بأهل الجمل وصفين (¬6)، كما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فإن الصحابة أجمعوا على ¬
[2/ 3] المسألة الثانية: عدم تكفير أهل البغي.
قتال الخوارج، بخلاف واقعة الجمل، وصفين، فقد كان الصحابة فيها على ثلاث طوائف، فطائفة مع علي -رضي اللَّه عنه-، وطائفة مع معاوية -رضي اللَّه عنه-، وطائفة اعتزلت. [2/ 3] المسألة الثانية: عدم تكفير أهل البغي. • المراد بالمسألة: لو أن جماعة خرجوا على الإمام بتأويل، فقتلوا وأفسدوا فإنهم لا يكفرون بسبب بغيهم. ويتبين من ذلك أن البغاة لو كانت لديهم بدعة مكفرة غير البغي فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "إذا قتل أهل العدل إنسانًا من أهل البغي في حال القتال غُسل وصُلي عليه بلا خلاف" (¬1)، وهذا ظاهر في أنهم مسلمون. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "أما أهل البغي المجرد فلا يكفرون باتفاق أئمة الدين" (¬2). • مستند الإجماع: استدل أهل العلم لمسألة الباب بما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬3). • وجه الدلالة من الآية: أن اللَّه تعالى سماهم مؤمنين، وسماهم إخوة، والمراد الأخوة الإيمانية. 2 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-: (يا ابن ¬
مسعود، أتدري ما حكم اللَّه فيمن بغى من هذه الأمة)؟ قال ابن مسعود: اللَّه ورسوله أعلم، قال: (فإن حكم اللَّه فيهم أن لا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يُذَفَّف (¬1) على جريحهم) (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن قتل المقاتل من أهل البغي إذا هرب، ونهى عن الإجهاز عليه إذا جرح، وهذا يدل على حرمة دمائهم، وأن المقصود من قتالهم دفع شرهم، لا كونهم كفارًا. 3 - عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: "لا يذفف على جريح، ولا يقتل أسير، ولا يتبع مدبر" (¬3). وعن جويبر (¬4) قال: أخبرتني امرأة من بني أسد قالت: سمعت عمارًا ¬
-رضي اللَّه عنه- بعدما فرغ علي من أصحاب الجمل ينادي: "لا تقتلن مدبرًا ولا مقبلًا، ولا تذففوا على جريح، ولا تدخلوا دارًا، ومن ألقى السلاح فهو آمن" (¬1). وعن أبي أمامة -رضي اللَّه عنه- (¬2) قال: "شهدت صفين فكانوا لا يجهزون على جريح، ولا يقتلون موليًا، ولا يسلبون قتيلًا" (¬3). • وجه الدلالة: دلت الآثار السابقة أن فعل الصحابة رضوان اللَّه عليهم عدم قتل مدبر البغاة، أو جريحهم، حتى قال علي -رضي اللَّه عنه- يوم الجمل: "لا تقتلوا أسيرا ولا تجهزوا على جريح ومن ألقى السلاح فهو آمن"، قال أبو بكر الجصاص: "هذا حكم علي في البغاة، ولا نعلم له مخالفًا من السلف" (¬4)، وهو يدل على أن القصد من قتالهم هو دفع شرهم، لا الحكم عليه بالكفر. ¬
[3/ 3] المسألة الثالثة: وجوب نصرة الإمام في قتال أهل البغي.
• المخالفون للإجماع: نقل ابن عبد البر عن طائفة القول بتكفير البغاة، فقال: "أجمع العلماء على أن من شق العصا، وفارق الجماعة، وشهر على المسلمين السلاح، وأخاف السبيل، وأفسد بالقتل، والسلب، فَقَتْلُهُم وإراقة دمائهم واجب؛ لأن هذا من الفساد العظيم في الأرض، والفساد في الأرض موجب لإراقة الدماء بإجماع، إلا أن يتوب فاعل ذلك من قبل أن يقدر عليه، والانهزام عندهم ضرب من التوبة، وكذلك من عجز عن القتال لم يقتل إلا بما وجب عليه قبل ذلك. ومن أهل الحديث طائفة تراهم كفارًا على ظواهر الأحاديث فيهم مثل قوله: (من حمل علينا السلاح فليس منا) (¬1)، ومثل قوله: (يمرقون من الدين) (¬2) " (¬3). فظاهر كلام ابن عبد البر العموم لجميع البغاة، لكن بيَّن جماعة من أهل العلم أن هذا القول من بعض المحدِّثين بالتكفير خاص بالخوارج، أما البغاة غير الخوارج فلا يشملهم ذلك، إلا إذا أتوا بما يكفرهم (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [3/ 3] المسألة الثالثة: وجوب نصرة الإمام في قتال أهل البغي. • المراد بالمسألة: إذا بغت طائفة على إمام عادل متفق على إمامته، فخرجت عليه الطائفة ظلمًا فيجب على أهل العدل نُصرة الإمام بمقاتلة أهل البغي مع الإمام. ويتبين من هذا أن الإمام إذا لم تثبت إمامته وبيعته، أو كان ثبوت إمامته بأن قهر الناس بسيفه حتى أذعنوا له، وصار إمامًا، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. ¬
وكذا لو كان الإمام ظالمًا والباغي عليه عادلًا أو أقل فسقًا من الإمام، أو كان خروج الفئة لحقٍّ طلبوه، كمنع معصية أمر بها الإمام، أو منع ظلم قام به الإمام، فذلك ليس مرادًا في مسألة الباب أيضًا، وكذا إذا لم يخرج على الإمام، وإنما أراد الإمام ظلمه، أو ما أشبه ذلك، فدافع عن نفسه ضد الإمام، فكل ذلك ليس من مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الموفق ابن قدامة (620 هـ): "من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته، ثبتت إمامته، ووجبت معونته، لما ذكرنا من الحديث، والإجماع" (¬1). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "فمن اتفق المسلمون على إمامته وبيعته، ثبتت إمامته، ووجبت معونته؛ لما ذكرنا من الحديث وإجماع الصحابة" (¬2). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامة ووجبت معونته لما ذكرنا من النص، مع الإجماع على ذلك" (¬3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "واختلف الفقهاء أيضًا فيمن يقتل السلطان كقتلة عثمان، وقاتل علي رضي اللَّه عنهما هل هم كالمحاربين فيقتلون حدًا أو يكون أمرهم إلى أولياء الدم. . . وهذا كله إذا قدر عليهم. فأما إذا طلبهم السلطان أو نوابه لإقامة الحد بلا عدوان فامتنعوا عليه فإنه يجب على المسلمين قتالهم باتفاق العلماء حتى يقدر عليهم كلهم" (¬4). وقال ابن حجر (852 هـ): "أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: ¬
[4/ 3] المسألة الرابعة: لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه على أهل البغي والتأويل.
1 - قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} (¬1). • وجه الدلالة من الآية: أن اللَّه تعالى أمر بطاعة ولي الأمر، وقرنه بطاعته وطاعة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن الطاعة مناصرته على من بغى عليه. 2 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر) (¬2). 3 - عن عرفجة -رضي اللَّه عنه- (¬3) قال: دمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إنه ستكون هنَات وهنَات (¬4)، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان) (¬5).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [4/ 3] المسألة الرابعة: لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه على أهل البغي والتأويل. • المراد بالمسألة: لو خرج جماعة على الإمام فأتلف الإمام أو أعوانه على أهل البغي من النفس والمال، لأجل دفع شرهم، فلا ضمان على ما أُتلف حال حرب البغاة. ¬
ويتبين مما سبق أن الإتلاف لو لم يكن أثناء الحرب، بل كان قبل خروجهم، أو بعده، أو كان لأجل الانتقام لا لدفع شرهم، فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن أبي شيبة (235 هـ): "عن الزهري قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متوافرون، فأجمع رأيهم على أنهم لا يقاد ولا يودي ما أصيب على تأويل القرآن، إلا مال يوجد بعينه"" (¬1). ¬
وقال السرخسي (483 هـ): "فأما سقوط الضمان فهو حكم ثبت باتفاق الصحابة بخلاف القياس" (¬1). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على ما يتلفه أهل العدل على أهل البغي فلا ضمان فيه" (¬2). وقال الكاساني (587 هـ): "لا خلاف في أن العادل إذا أصاب من أهل البغي من دم أو جراحة أو مال استهلكه، إنه لا ضمان عليه" (¬3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه على أهل البغي بالتأويل باتفاق العلماء" (¬4). وقال ابن القيم (751 هـ): "أجمع أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أن كل مال أو دم أصيب بتأويل القرآن فهو هدر في قتالهم في الفتنة" (¬5). وقال ابن الهمام (861 هـ): "العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن عندنا ولا يأثم؛ لأنه مأمور بقتالهم دفعًا لشرهم، وهذا بالاتفاق" (¬6). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - أنه فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، كما حكاه الزهري عنهم (¬7). قال القاضي أبو يعلى الحنبلي بعد ذكره لأثر الزهري: "وهذا إجماع منهم مقطوع به" (¬8). وقال الشوكاني: "ظاهره وقوع الإجماع منهم -أي الصحابة- على عدم جواز الاقتصاص ممن وقع منه القتل لغيره في الفتنة، سواء كان باغيًا أو مبغيًا عليه" (¬9). 2 - من النظر: أن أهل العدل فعلوا ما أمروا به شرعًا من طاعة ولى الأمر ¬
وقتال أهل البغي، فأتلفوا ما أذن لهم الشارع بإتلافه، والقاعدة المقررة أن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ولا يشكل على هذا ما ذكره بعض الحنفية من أن العادل يضمن ما أتلفه على الباغي، لأنهم يرون الضمان في صورة ليست من مسألة الباب، كما بينه الزيلعي حيث قال: "العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم -إلى أن قال- وفي "المحيط" (¬2): العادل إذا أتلف مال الباغي يؤخذ بالضمان، لأن مال الباغي معصوم في حقنا، وأمكن إلزام الضمان؛ فكان في إيجابه فائدة، بخلاف ما إذا أتلفوا مال العادل. فعلى هذا ما ذكره في الهداية (¬3) والبدائع (¬4) من عدم وجوب الضمان، محمول على ما إذا أتلفه حالة القتال، بسبب القتال؛ إذ لا يمكنه أن يقتلهم إلا بإتلاف شيء من مالهم، كالخيل والقماش الذي عليهم، وعند إرسال الماء والنار عليهم، وأما إذا أتلفوها في غير هذه الحالة فلا معنى لمنع الضمان؛ لأن مالهم معصوم، واعتقاد الحرمة موجود، فلا مانع من وجوب الضمان والإثم" (¬5). ¬
[5/ 3] المسألة الخامسة: قتل الباغي قبل الإسار مباح.
وخرَّج ابن عابدين القول بضمان ما أتلفه العادل على الباغي بتخريج آخر فقال: "ويظهر لي التوفيق بوجه آخر، وهو حمل الضمان على ما قبل تحيزهم وخروجهم، أو بعد كسرهم، وتفرق جمعهم، أما إذا تحيزوا لقتالنا مجتمعين فإنهم غير معصومين، بدليل حل قتالنا لهم، ويدل عليه تعليل "الهداية" بالأمر بقتالهم؛ إذ لا يؤمر بقتالهم إلا في هذه الحالة، فلو أتلف العادل منهم شيئًا في هذه الحالة لا يضمنه لسقوط العصمة، بخلاف غيرها فإنه يضمن؛ لأنه حينئذٍ معصوم في حقِّنا" (¬1). [5/ 3] المسألة الخامسة: قتل الباغي قبل الإسار مباح. • المراد بالمسألة: لو خرج جماعة بغاة على الإمام، فقُتِل أحد البغاة أثناء حربه، لدفع شره، قبل أسرهم، ولم يمكن دفعه إلا بذلك، فذلك مباح ولا إثم على قاتله. ويتبين من ذلك أن القتل لو كان بعد أسره، أو في أثناء البغي لكن حال قعود البغاة عن الحرب، أو كان يمكن دفعه بلا قتل، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (465 هـ) في معرض نقاشه مع القائلين بجواز قتل الباغي بعد أسره، فذكر جملة من أدلتهم منها قوله: "فإن قالوا: قد كان قتله بلا خلاف مباحًا قبل الإسار، فهو على ذلك بعد الإسار حتى يمنع منه نص، أو إجماع" (¬2). وقال الكاساني (587 هـ): "لا خلاف في أن العادل إذا قتل باغيًا لا يحرم الميراث؛ لأنه لم يوجد قتل نفس بغير حق لسقوط عصمة نفسه" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على المسألة قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ ¬
[6/ 3] المسألة السادسة: سبي ذرية البغاة حرام.
إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أباح مقاتلة الباغي حتى يرجع للحق، فيدل على جواز قتله إن لم يمكن دفع شره إلا بذلك.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. إلا أن هذا الإجماع محلَّه فيما إذا كان قتل الباغي حال الحرب، ولم يمكن دفع شر أهل البغي إلا بالقتل، وهي داخلة في المسألة السابقة، واللَّه تعالى أعلم (¬2). [6/ 3] المسألة السادسة: سبي ذرية البغاة حرام. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف السبي: قال ابن فارس في تعريف السبي: "السين والباء والياء أصلٌ واحد يدلُّ على أخذِ شي من بلد إلى بلد آخر كرْهًا، من ذلك السَّبْيُ، يقال: سَبَى الجارَيةَ يَسبيها سبْيًا فهو سابٍ، والمأخوذة سَبِيَّة" (¬3). وقال ابن الأثير: "السَّبي: النَّهبُ وأخذُ الناس عَبيدًا وإماءً" (¬4). وقال ابن منظور: "السَّبْيُ والسِّباءُ الأَسْر، معروف، سَبَى العدوَّ وغيرَه سَبْيًا وسِباءً إذا أَسَرَه: فهو سَبِيٌّ" (¬5). فالسبي يراد به النهب والأسر، والنقل من بلد إلى آخر. ¬
وفي الاصطلاح: هو أسر أهل الحرب من أهل القتال وذراريهم. • ثانيًا: صورة المسألة: لو أن جماعة من البغاة خرجوا على الإمام، فليس لأهل العدل أن يسبوا أحدًا من نسائهم أو ذراريهم، الذين ليس لهم أمر في الخروج. ويتبين من هذا أن الذرية أو النساء لو كان لهم أمر في الخروج، أو الحرب، أو البغي على الإمام، فسبيهم غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الموفق ابن قدامة (620 هـ): "أما غنيمة أموالهم -أي البغاة-، وسبي ذريتهم، فلا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافًا" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "ولا يغنم لهم مال ولا يسبى لهم ذرية، ولا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافًا" (¬2). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "لا يجوز سبيهم ولا اغتنام ما لم يَجْلِبوا به إجماعًا؛ لبقائهم على الملة" (¬3)، ونقله عنه الشوكاني (¬4). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن البغاة معصوموا الدم في الأصل، وإنما أبيح من دمائهم وأموالهم ما حصل من ضرورة دفعهم وقتالهم، فيبقى ما عداه على الأصل (¬5).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[7/ 3] المسألة السابعة: ما وجد بيد البغاة من مال لغيرهم مردود إلى أصحابه.
[7/ 3] المسألة السابعة: ما وُجِد بيد البغاة من مالٍ لغيرهم مردودٌ إلى أصحابه. • المراد بالمسألة: إذا بغت طائفة على أهل العدل، ثم انتهى بغيهم إما بتوبة منهم، أو بتمكن أهل العدل عليهم، أو بغير ذلك، فإن ما وُجد عند البغاة من مال أهل العدل يُرد إلى أصحابه، ومن وجد ماله بعينه فهو أحق به. • من نقل الإجماع: قال ابن أبي شيبة (235 هـ): "عن الزهري قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متوافرون، فأجمع رأيهم على أنهم لا يقاد ولا يودي ما أصيب على تأويل القرآن إلا مال يوجد بعينه"" (¬1). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن ما وجد بيده -أي المحارب-، وبيد الباغين المتأولين، مردود إلى أربابه" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - عموم الأدلة الدالة على حرمة مال المسلم ووجوب رده إليه، ومن ذلك حديث سمرة بن جندب عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (على اليد ما أخذت حتى تودي) (¬3). 2 - إجماع الصحابة رضي اللَّه عنهم على ذلك كما في رواية ابن أبي شيبة السابقة.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [8/ 3] المسألة الثامنة: الرجل من البغاة إذا أتلف مالًا بتأويل القرآن فإنه لا يغرم. • المراد بالمسألة: لو خرج البغاة على إمام بتأويل سائغ، ولهم مَنَعَةٌ، فإن ¬
ما أتلفوه على أهل العدل حال القتال لا ضمان فيه. ويتبين مما سبق أن البغاة إن لم تكن لهم مَنَعَةٌ، أو لم يكن لهم تأويل سائغ، أو كان ما أتلفوه في غير الحرب، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: المسألة حكاها جمع من أهل العلم على أنها إجماع من الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم: قال ابن أبي شيبة (235 هـ): "عن الزهري قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متوافرون، فأجمع رأيهم على أنهم لا يقاد ولا يودي ما أصيب على تأويل القرآن إلا مال يوجد بعينه"" (¬1). وقال السرخسي (483 هـ): "فأما سقوط الضمان فهو حكم ثبت باتفاق الصحابة بخلاف القياس" (¬2). وقال الكاساني (587 هـ): "الباغي إذا أصاب شيئًا من ذلك -أي الدماء أو الأموال- من أهل العدل فقد اختلفوا فيه، قال أصحابنا: إن ذلك موضوع، وقال الشافعي رحمه اللَّه: إنه مضمون. . . ولنا: ما روي عن الزهري أنه قال: "وقعت الفتنة وأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متوافرون، فاتفقوا أن كل دم استحل بتأويل القرآن فهو موضوع، وكل مال استحل بتأويل القرآن فهو موضوع، وكل فرج استحل بتأويل القرآن فهو موضوع" ومثله لا يكذب، فانعقد الإجماع من الصحابة رضي اللَّه عنهم على ما قلنا" (¬3). وقال المرغيناني (593 هـ): "الباغي إذا قتل العادل لا يجب الضمان عندنا ويأثم. وقال الشافعي رحمه اللَّه في القديم: إنه يجب، وعلى هذا الخلاف إذا تاب المرتد وقد أتلف نفسًا أو مالًا، وله: أنه أتلف مالًا معصومًا، أو قتل نفسًا معصومةً، فيجب الضمان اعتبارًا بما قبل المنعة، ولنا: إجماع الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم، رواه الزهري" (¬4). ¬
وقال الموفق ابن قدامة (625 هـ): "وليس على أهل البغي أيضًا ضمان ما أتلفوه حال الحرب، من نفس ولا مال، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي في أحد قوليه. وفي الآخر: يضمنون ذلك؛ لقول أبي بكر لأهل الردة: "تدون قتلانا، ولا ندي قتلاكم". . . فأما قول أبي بكر -رضي اللَّه عنه- فقد رجع عنه، ولم يُمضه، فإن عمر قال له: أما أن يدوا قتلانا فلا؛ فإن قتلانا قُتلوا في سبيل اللَّه تعالى، على ما أمر اللَّه". فوافقه أبو بكر، ورجع إلى قوله، فصار أيضًا إجماعًا حجة لنا" (¬1). وكذا قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) نفس أحرف ابن قدامة (¬2). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "ما أتلفه أهل البغي المتأولون على أهل العدل من النفوس والأموال هل يضمنون على روايتين: إحداهما: يضمنونه؛ جعلا لهم كالمحاربين، وكقتال العصبية الذي لا تأويل فيه، وهذا نظير من يجعل العقود والقبوض المتأول فيها بمنزلة ما لا تأويل فيه. والثانية: لا يضمنونه، وعلى هذا اتفق السلف" (¬3). وقال ابن القيم (751 هـ): "أجمع أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن كل مال أو دم أصيب بتأويل القرآن فهو هدر في قتالهم في الفتنة" (¬4). • مستند الإجماع: استدل لمسألة الباب بأدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بقتال الفئة الباغية حتى ترجع عن بغيها، ولم يذكر سبحانه ضمان ما أتلف من مال أو نفس (¬6). ¬
2 - أن هذا إجماع الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، فإنهم في قتال الجمل وصفين لم يضمن أحد للًاخر ما قتل، أو أتلف من مال، وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن شهاب الزهري أنه قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متوافرون، فاجتمع رأيهم على أنه لا يقاد، ولا يودى ما أصيب على تأويل القرآن، إلا مال يوجد بعينه" (¬1). وأخرجه البيهقي عن الزهري بلفظ: "كتب إليه سليمان بن هشام يسأله عن امرأة فارقت زوجها وشهدت على قومها بالشرك ولحقت بالحرورية، فتزوجت فيهم ثم جاءت تائبة. قال: فكتب إليه الزهري وأنا شاهد: أما بعد، فإن الفتنة الأولى ثارت وفي أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ممن شهد بدرًا، فرأوا أن يهدم أمر الفتنة، لا يقام فيها حد على أحد في فرج استحله بتأويل القرآن، ولا قصاص في دم استحله بتأويل القرآن، ولا مال استحله بتأويل القرآن، إلا أن يوجد شيء بعينه، وإني أرى أن تردها إلى زوجها وتحد من قذفها" (¬2). 3 - من النظر: أن ترك تغريمهم أدعى لتوبتهم؛ فإن القول بتغريمهم قد يؤدي إلى تنفيرهم عن التوبة والعود إلى الطاعة، ويكون ذلك حاملًا لهم على التمادي فيما هم فيه. • المخالفون للإجماع: خالف جماعة من أهل العلم لمسألة الباب فذهبوا إلى أن الباغي يضمن ما أتلفه على أهل العدل، وهو قول للشافعي (¬3)، ورواية ¬
عن الإمام أحمد (¬1). وبه قال الأوزاعي (¬2) وبعض الظاهرية منهم ابن حزم (¬3). • دليل المخالف: استدل الموجبون للضمان بأدلة منها: 1 - ما أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة ولفظه: "عن طارق بن شهاب (¬4) قال: ¬
جاء وفد بُزاخة أسد وغطفان (¬1) إلى أبى بكر -رضي اللَّه عنه- يسألونه الصلح، فخيرهم أبو بكر -رضي اللَّه عنه- بين الحرب المُجْلِية (¬2) أو السلم المُخْزِية، فقالوا: هذا الحرب المجلية قد عرفنا، فما السلم المخزية، قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: تؤدون الحلَقة (¬3) والكراع (¬4)، وتتركون أقوامًا تتبعون أذناب الإبل، حتى يري اللَّه خليفة نبيه والمسلمين أمرا يعذرونكم به، وتدون قتلانا (¬5) ولا ندي قتلاكم، وقتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وتردون ما أصبتم منا، ونغتم ما أصبنا منكم، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: قد رأيت رأيًا وسنشير عليك، أما أن يؤدوا الحلقة والكراع فنعما رأيت، وأما أن يُتركوا قوما يتبعون أذناب الإبل حتى يُرِي اللَّه خليفة نبيه ¬
[9/ 3] المسألة التاسعة: قبول شهادة البغاة.
والمسلمين أمرا يعذرونهم به فنعما رأيت، وأما أن نغنم ما أصبنا منهم ويردون ما أصابوا منا فنعما رأيت، وأما أن قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة فنعما رأيت، وأما أن يدوا قتلانا فلا، قتلانا قتلوا على أمر اللَّه، فلا ديات لهم، فتتابع الناس على ذلك" (¬1). • وجه الدلالة: قول أبي بكر -رضي اللَّه عنه- في الأثر: "وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم". فقضى أبو بكر رضي اللَّه عنه بأن البغاة عليهم دية من يقتلون من صف أبي بكر -رضي اللَّه عنه-. 2 - من النظر: أن الباغي معتدي فيضمن ما أتلفه، بناء على الأصل، ولا يوجد دليل صحيح في إسقاط الضمان عليه، ثم إن الأولى في حقه التغليظ لا التخفيف (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الشافعي في قول، ورواية عن الإمام أحمد، والأوزاعي، وبعض الظاهرية منهم ابن حزم، ولذا ساق ابن هبيرة المسألة على إنها موضع خلاف بين الأئمة (¬3). [9/ 3] المسألة التاسعة: قبول شهادة البغاة. • المراد بالمسألة: إذا بغت طائفة أو فرد بتأويل ثم وقعت حادثة تستدعي إحضار شاهد، فجاء أحد البغاة ليشهد، فإن شهادته مقبولة. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "البغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع ليسوا بفاسقين. . . ولا أعلم في قبول شهادتهم خلافًا" (¬4). ¬
[10/ 3] المسألة العاشرة: إذا قتل أهل العدل أهل البغي فإن البغاة يغسلون ويصلى عليهم.
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "والبغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع ليسوا بفاسقين، وإنما هم مخطئون في تأويلهم، والإمام وأهل العدل مصيبون في قتالهم. . . ولا أعلم في قبول شهادتهم خلافًا" (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "وقد آل الشر بين السلف إلى الاقتتال، مع اتفاق أهل السنة على أن الطائفتين جميعًا مؤمنتان، وأن الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم؛ لأن المقاتل وإن كان باغيًا فهو متأول، والتأويل يمنع الفسوق" (¬2). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن البغاة وإن كانوا مخطئين إلا أنهم متأولون في فعلهم، فهم مخطئون في التأويل، ولا يحكم عليهم بالفسق فضلًا عن رد شهادتهم. ونقل عن أبي حنيفة أنهم يفسقون، لكن لا ترد شهادتهم؛ لأن فسقهم من جهة الدين (¬3). يمكن أن يستدل له بأن رد الشهادة موجبها خشية الكذب من الشاهد، والباغي ليس ممن يستجيز الكذب.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [10/ 3] المسألة العاشرة: إذا قتل أهلُ العدل أهلَ البغي فإن البغاة يُغسلون ويصلى عليهم. • المراد بالمسألة: من المقرر شرعًا أن المسلم إن مات فإنه يغسَّل ويصلى عليه ثم يُدفن، وهذا الحكم يندرج على البغاة إن قتلهم أهل العدل، لأنهم مسلمون، ولا يخرجون من الإسلام ببغيهم، ولا يأخذون حكم الكفار في قتالهم للمسلمين. ¬
• من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "إذا قتل أهل العدل إنسانًا من أهل البغي في حال القتال، غُسِّل، وصُلي عليه، بلا خلاف" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن البغاة مسلمون، وأنهم لا يكفرونا ببغيهم، كما قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى سماهم مؤمنين، مما يدل على أنهم يُعطون أحكام المسامين من غسل ميتهم والصلاة عليهم، وما إلى ذلك، ولما ذكر ابن عبد البر الخلاف في مسألة الصلاة على البغاة قال: "أجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم وإن كانوا أصحاب كبائر" (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب الحنفية إلى أن أن الباغي لا يغسل ولا يصلى عليه (¬4). • دليل المخالف: استدل الحنفية لذلك بما يلي: 1 - فعل علي -رضي اللَّه عنه- حيث لم يغسل أهل النهروان (¬5)، ولم يصل عليهم (¬6). ¬
[11/ 3] المسألة الحادية عشرة: إذا أخذ الخوارج والبغاة الزكاة أجزأت عن صاحبها.
2 - أن ذلك هو إجماع الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، حيث ذكره الكاساني فقال: "ولا يصلى على البغاة وقطاع الطريق عندنا، وقال الشافعي: يصلى عليهم. . . ولنا: ما روي عن علي "أنه لم يغسل أهل نهروان ولم يصل عليهم، فقيل له: أكفار هم؟ فقال: لا، ولكن هم إخواننا بغوا علينا"، أشار إلى ترك الغسل والصلاة عليهم إهانة لهم ليكون زجرًا لغيرهم، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي اللَّه عنهم، ولم ينكر عليه أحد، فيكون إجماعًا" (¬1).Rيظهر -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف بين مذاهب الأئمة الأربعة؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية، ولعل مراد النووي نفي الخلاف المذهبي عند الشافعية. [11/ 3] المسألة الحادية عشرة: إذا أخذ الخوارج والبغاة الزكاة أجزأت عن صاحبها. • المراد بالمسألة: لو أن قومًا من الخوارج، أو البغاة، ظهروا على بلاد فأخذوا الزكاة من الناس قهرًا، فإن مَن دَفع الزكاة إليهم من الأموال الظاهرة، أو الباطنة التي لا يستطيع إخفاءها، على أنها زكاة، أجزأه ذلك، فإذا ظهر أهل العدل مرة أخرى وطلب الإمام الزكاة فليس عليه أن يخرجها مرة أخرى. ويتحصل مما سبق أنه لو دفع من المال الذي يستطيع إخفاءه، أو كان هو قد دفع المال للخوارج والبغاة من عنده، أو كان دفَع الزكاة إليهم ليس على أنها زكاة، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "إذا أخذ الخوارج والبغاة ¬
الزكاة، أجزأت عن صاحبها. . . وقال أبو عبيد في الخوارج يأخذون الزكاة: على من أخذوا منه الإعادة. . . ولنا: قول الصحابة رضي اللَّه عنهم، من غير خلاف في عصرهم علمناه، فيكون إجماعًا" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "إذا أخذ الخوارج والبغاة الزكاة، أجزأت عن صاحبها. . . وقال أبو عبيد في الخوارج يأخذون الزكاة: على من أخذوا منه الإعادة. . . ولنا: قول الصحابة رضي اللَّه عنهم، من غير خلاف في عصرهم علمناه، فيكون إجماعًا" (¬2). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بما يلي: 1 - أن هذا القول هو المروي عن جماعة من الصحابة كسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وجابر بن عبد اللَّه، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي اللَّه عنهم، ولا مخالف لهم (¬3). 2 - من النظر: أ - أن البغاة لا يؤاخذون بما أصابوا من دم أو مال، فكذلك لا يؤاخذون بما أخذوا من مال صدقة. ب- أن التفريط حاصل من الإمام؛ لأن الواجب حمايتهم وبعث السعاة لأخذ الجباية، فإذا فرَّط في ذلك فليس له أخذها مرة أخرى وقد أُخذت (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب الظاهرية إلى أن ما أخذه البغاة والخوارج من الزكاة التي يقبضها الإمام، فإنه لا يجزئ، وعليه دفعها مرة أخرى للإمام، أما إن لم يكن للقرية أو البلدة إمام فظهر عليهم أهل البغي فدفعوها إليهم أجزأت (¬5). وذكر ابن قدامة عن أبي عبيد القول بأن من دفع الزكاة للخوارج فعليه الإعادة (¬6). ¬
وأما الحنفية فإنهم مع الجمهور في مسألة الباب وأنه لا يجب عليه إخراجها مرة أخرى للإمام لكن قالوا: يفتى فيما بينه وبين اللَّه تعالى بالأداء ثانية؛ لأن البغاة والخوارج لا ياخذون أموالنا على طريق الصدقة بل على طريق الاستحلال، ولا يصرفونها إلى مصارف الصدقة فينبغي لصاحب المال أن يؤدي ما وجب عليه للَّه تعالى (¬1). • دليل المخالف: استدل ابن حزم بوجوب إخراج الزكاة مرة أخرى بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بطاعة الإمام في العسر واليسر، وألا ينازع السلطان في سلطانه، كما في الصحيحين عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: "دعانا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من اللَّه فيه برهان" (¬2). بل أمر بقتل من نازع أمر السلطان كما في صحيح مسلم من حديث عرفجة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إنه ستكون هنَات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان) (¬3). • وجه الدلالة: دلت الأحاديث السابقة أنه لا يحل لأحد أن ينازع السلطان في سلطانه، وأن المنازعين له في الملك أو الرياسة مريدون تفريق جماعة هذه الأمة، فهم عصاة، وحينئذٍ فكل حكم حكموه مما هو إلى الإمام، وكل زكاة قبضوها مما قبْضها إلى الإمام فهو باطل لا يصح؛ لأنه على غير أمر اللَّه تعالى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ¬
[12/ 3] المسألة الثانية عشرة: وجوب نصرة المظلوم.
رد) (¬1)، وفي رواية لمسلم: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) (¬2)، أي مردود لا يقبل (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف أبي عبيد، والظاهرية في المسألة. [12/ 3] المسألة الثانية عشرة: وجوب نصرة المظلوم. • المراد بالمسألة: لو وجد شخص مظلوم، فإنه واجب على من علم كونه مظلومًا أن ينصره ويعينه على ظالمه، فإن كان المظلوم يحتاج لشهادة مثلًا تنصره على الظالم فعلى من عنده علم بالشهادة أن يدلي بشهادته، وإن كان يحتاج لجاهٍ أو قوة أو نحو ذلك فعلى من يملك شيئًا من هذه المقومات أن يبذلها للمظلوم لينتصر على ظالمه. والمراد بالوجوب هنا أنه فرض كفاية فمتى حصل نصر المظلوم سقط الحكم عن الباقين. ونصرة المظلوم في مسألة الباب شاملة لنوعين من الظلم: الأول: ظلم الإنسان لنفسه، وذلك بإهلاكها بالذنوب والمعاصي، كما قال تعالى لما أكل آدم وحواء من الشجرة: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} (¬4). الثاني: ظلم الإنسان لغيره من الخلق، كأكل أموالهم بغير حق، أو الاعتداء عليهم أو ما إلى ذلك. فعلى المسلم أن ينصر أخاه المظلوم في النوع الأول بأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وفي النوع الثاني برد الحق إلى صاحبه. ¬
ويتحصل مما سبق أن المسألة هي في نصرة المظلوم، أما نصرة الظالم بمنعه من ظلمه فمسألة أخرى. كما يُنبّه إلى أن النصرة الواجبة مقيَّدة بما يطيقها المرء، فأما النصرة إن كانت لا يستطيعها المرء، كأن يكون عليه في النصرة ضرر، أو يكون في النصرة مفسدة أشد من مصلحة النصرة، فذلك غير مراد في مسألة الباب. وكذا لو كانت النصرة في فتنة كأن بغت فئة على أخرى فإن نصرة الفئة التي بُغي عليها غير داخلة في مسألة الباب. وكذا لو كان ثمة شخص آخر قد نصر المظلوم، فإن وجوب النصرة حينئذٍ غير مرادة لسقوطها بنصرة غيره. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "نصر المظلوم واجب. . . فإن امتنع هذا العالم به من الإعلام بمكانه جازت عقوبته بالحبس وغيره حتى يخبر به؛ لأنه امتنع من حق واجب عليه لا تدخله النيابة، ولا تجوز عقوبته على ذلك إلا إذا عرف أنه عالم به، وهذا مطرد في ما تتولاه الولاة والقضاة وغيرهم في كل من امتنع من واجب من قول أو فعل، وليس هذا بمطالبة للرجل بحق وجب على غيره، ولا عقوبة على جناية غيره، حتى يدخل في قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬1)، فأما هذا فإنما يعاقب على ذنب نفسه وهو أن يكون قد علم مكان الظالم الذي يطلب حضوره لاستيفاء الحق، أو يعلم مكان المال الذي قد تعلق به حقوق المستحقين فيمتنع من الإعانة والنصرة الواجبة عليه في الكتاب والسنة والإجماع إما محاباة أو حمية لذلك الظالم" (¬2). قال الشوكاني (1250 هـ): "يجب نصر المظلوم ودفع من أراد إذلاله بوجه من الوجوه، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا" (¬3). ¬
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬1). 2 - قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬2). 3 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: "اقتتل غلامان، غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار، فنادى المهاجر أو المهاجرون: يا للمهاجرين، ونادى الأنصاري: يا للأنصار، فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (ما هذا؟ دعوى أهل الجاهلية! ) قالوا: لا يا رسول اللَّه، إلا أن غلامين اقتتلا فكسمع (¬3) أحدهما الآخر, قال: (فلا بأس، ولينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا، إن كان ظالمًا فلينهه، فإنه له نصر، وإن كان مظلومًا فلينصره) (¬4). 4 - عن البراء بن عازب -رضي اللَّه عنه- (¬5) قال: "أمرنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بسبع ونهانا عن سبع، أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، ¬
وإبرار القسم، ورد السلام، وتشميت العاطس، ونهانا عن آنية الفضة، وخاتم الذهب، والحرير، والديباج، والقسي (¬1)، والإستبرق" (¬2). 5 - عن المقدام بن معدي كرب -رضي اللَّه عنه- (¬3) عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أيما مسلم أضاف قومًا فأصبح الضيف محرومًا، فإن حق على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله) (¬4). 6 - عن جابر بن عبد اللَّه وأبا طلحة بن سهل الأنصاري (¬5) قالا: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما من امرئ يخذل امرأ مسلمًا في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله اللَّه في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره ¬
اللَّه في موطن يحب نصرته) (¬1). 7 - ثمة عمومات تدل على ذلك منها ما أخرجه البخاري عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) وشبك أصابعه) (¬2). والأدلة في هذا الباب كثيرة، واللَّه أعلم.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في ضابط البغاة
الفصل الثاني مسائل الإجماع في ضابط البغاة [13/ 3] المسألة الثالثة عشرة: البغي فسوق. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الفسق: الفسق لغةً: أصل الفسق في كلام العرب بمعنى الخروج، يقال: فسقت الرطبة: إذا خرجت من قشرها، وسميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها (¬1). قال الزبيدي: "الفِسْق بالكَسر: التّركُ لأمر اللَّه عز وجلّ، والعِصْيانُ والخُروجُ عن طريق الحق سبحانه. . . قال الأصبهانيُّ: الفِسْق أعمُّ من الكفر، والفسق يقع بالقَليل من الذنوب وبالكثير، ولكن تعورف فيما إذا كان بكَثيره. . . وإذا قيل للكافِر الأصل فاسِق فلأنّه أخَلّ بحُكمِ ما ألزمَه العَقل واقتَضَتْه الفطرة، ومنه قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)} (¬2) أفَمَنْ كانَ مؤمِنًا كمَنْ كان فاسِقًا لا يسْتَوون فقابل به الإيمان، فالفاسق أعمُّ من الكافر، والظالِمُ أعمُّ من الفاسِق" (¬3). وقد حكى ابن فارس عن بعض أهل اللغة أنه لم يسمعْ قَطُّ في كلامِ الجاهليّة ولا في شِعرهم لفظ فاسِقٌ في وصف الإنسان، وإنّما قالوا إذا خَرَجت ¬
الرُّطَبَة من قشرِها: فسَقَت الرُطَبَةُ عن قِشْرِها، وأنه من العجيب أن تكون كلمة عربية لم تأتِ في شِعْرِ جاهليٍّ (¬1). ونقل الزبيدي أيضًا عن بعضِ فُقَهاء اللُّغَة أنّ الفسق من الألفاظ الإسلامية التي لا يعرف إطلاقُها على هذا المَعْنى قبلَ الإسلام، وإن كان أصلُ معْناها الخُروجَ فهي من الحقائق الشرعية التي صارت في معناها حقيقة عرفيَّة في الشّرْع (¬2). • وفي الاصطلاح: قال القرطبي: "الفسق في عرف الاستعمال الشرعي: الخروج من طاعة اللَّه عز وجل، فقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان" (¬3)، ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (¬4)، أي خرج عن أمر ربه وطاعته (¬5). • ثانيًا: صورة المسألة: صورة المسألة لو أن جماعة خرجوا على إمامهم، فإن فعلهم ذلك يعتبر فسقًا، وخروجًا عن طاعة اللَّه تعالى. • من نقل الإجماع: قال ابن المرتضى (840 هـ): "البغي فسق إجماعًا" (¬6) ونقله عنه الشوكاني (¬7). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ ¬
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر، والبغاة خرجوا على الإمام، فعصوا أمر اللَّه في ذلك، فتحقق في فعلهم وصف الفسق، لأن الفسق لغة بمعنى الخروج. 2 - قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بقتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى أمر اللَّه، مما يدل على أن فعلها خروج عن أمره تعالى. • المخالفون للإجماع: جمهور أهل العلم على خلاف الإجماع الذي ذكره ابن المرتضى ونقله عنه الشوكاني، بدليل أنهم نصوا على قبول شهادة أهل البغي، وممن نص على عدم فسق أهل البغي ابن قدامة حيث قال: "البغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع، ليسوا بفاسقين، وإنما هم يخطئون في تأويلهم، والإمام وأهل العدل مصيبون في قتالهم، فهم جميعا كالمجتهدين من الفقهاء في الأحكام، من شهد منهم قبلت شهادته إذا كان عدلًا، وهذا قول الشافعي، ولا أعلم في قبول شهادتهم خلافًا" (¬3). وقال القرطبي: "لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به؛ إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا اللَّه عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا، بالكف عمَّا شجر بينهم، وألَّا نذكرهم إلا بأحسن الذكر، لحرمة الصحبة ولنهي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن سبهم، وأن اللَّه غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم. ¬
هذا مع ما قد ورد من الاخبار من طرق مختلفة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض (¬1). فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصيانًا لم يكن بالقتل فيه شهيدًا. وكذلك لو كان ما خرج إليه خطأ في التأويل وتقصيرًا في الواجب عليه؛ لأن الشهادة لا تكون إلا بقتل في طاعة، فوجب حمل أمرهم على ما بيناه. ومما يدل على ذلك ما قد صح وانتشر من أخبار علي بأن قاتل الزبير في النار، وقوله سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (بشِّر قاتل ابن صفية بالنار) (¬2). وإذا كان كذلك فقد ثبت أن طلحة والزبير غير عاصيين ولا آثمين بالقتال؛ لأن ذلك لو كان كذلك لم يقل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في طلحة: شهيد، ولم يخبر أن قاتل الزبير في النار. وكذلك من قعد: غير مخطئ في التأويل، بل صواب أراهم اللَّه الاجتهاد. ¬
وإذا كان كذلك لم يوجب ذلك لعنهم، والبراءة منهم، وتفسيقهم" (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكل من كان باغيًا، أو ظالمًا، أو معتديًا، أو مرتكبًا ما هو ذنب، فهو قسمان: متأول، وغير متأول. فالمتأول المجتهد كأهل العلم والدين الذين اجتهدوا واعتقد بعضهم حل أمور، واعتقد الآخر تحريمها، كما استحل بعضهم بعض أنواع الأشربة، وبعضهم بعض المعاملات الربوية، وبعضهم بعض عقود التحليل، والمتعة، وأمثال ذلك، فقد جرى ذلك وأمثاله من خيار السلف، فهؤلاء المتأولون المجتهدون غايتهم أنهم مخطئون، وقد قال اللَّه تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (¬2). وقد أخبر سبحانه عن داود وسليمان عليهما السلام أنهما حكما في الحرث، وخص أحدهما بالعلم والحكم مع ثنائه على كل منهما بالعلم والحكم، والعلماء ورثة الأنبياء، فإذا فهم أحدهم من المسألة ما لم يفهمه الآخر، لم يكن بذلك ملومًا ولا مانعًا لما عرف من علمه ودينه، وإن كان ذلك مع العلم بالحكم يكون إثما وظلمًا والإصرار عليه فسقًا، بل متى علم تحريمه ضرورة كان تحليله كفرا، فالبغي هو من هذا الباب. أما إذا كان الباغي مجتهدًا ومتأولًا ولم يتبين له أنه باغ، بل اعتقد أنه على الحق، وإن كان مخطئًا في اعتقاده، لم تكن تسميته باغيًا موجبة لإثمه فضلًا عن أن توجب فسقه. والذين يقولون بقتال البغاة المتأولين يقولون مع الأمر بقتالهم: قتالنا لهم لدفع ضرر بغيهم، لا عقوبة لهم، ويقولون: إنهم باقون على العدالة لا يفسقون" (¬3). ¬
Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم (¬1). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
[14/ 3] المسألة الرابعة عشرة: الممتنع عن شعائر الإسلام يقاتل.
[14/ 3] المسألة الرابعة عشرة: الممتنع عن شعائر الإسلام يقاتل. • المراد بالمسألة: لو وجدت طائفة من أهل بلد أو محلة اتفقت على ترك شيء من شعائر الإسلام الظاهرة الواجبة المجمع عليها، كالصلاة، أو الزكاة، أو الصيام، فإن الإمام يدعوهم لإقامتها، فإن أبوا فللإمام مقاتلة هذه الفئة حتى تؤدي الشغيرة. ويتبين من هذا أن الشعيرة لو كانت تطوع، أو محل خلاف، أو مما يفعل فرادى، وليست ظاهرة، أو كانت ظاهرة وكان تركها من فرادى الناس فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب، وكذا ينبه إلى أن المراد المقاتلة، لا القتل، ولا التكفير. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "أجمع العلماء على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام، فإنه يجب قتالها؛ حتى يكون الدين كله للَّه" (¬1)، ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال أيضًا: "كل ¬
طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين، وإن تكلمت بالشهادتين، فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا على الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا، وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة، وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق، وكذلك إن امتنعوا عن تحريم الفواحش، أو الزنا، أو الميسر، أو الخمر، أو غير ذلك من محرمات الشريعة" (¬1). ونقل اتفاق الصحابة في موضع آخر فقال: "كل طائفة ممتنعة عن إلتزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي اللَّه عنهم مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبى بكر رضي اللَّه عنهما، فاتفق الصحابة رضي اللَّه عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملًا بالكتاب والسنة" (¬2). وقال ابن حجر (852 هـ): "وقد اختلف الصحابة فيهم -أي مانعي الزكاة- بعد الغلبة عليهم هل تغنم أموالهم وتسبى ذراريهم كالكفار أو لا كالبغاة؟ فرأى أبو بكر الأول، وعمل به، وناظره عمر في ذلك، وذهب إلى الثاني ووافقه غيره في خلافته على ذلك، واستقر الإجماع عليه في حق من جحد شيئًا من الفرائض بشبهة فيطالب بالرجوع فإن فصب القتال قوتل، وأقيمت عليه الحجة" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- قاتل الممتنعين عن ¬
[15/ 3] المسألة الخامسة عشرة: البغاة متى خرجوا ظلما على إمام عادل، واجب الطاعة، صحيح الإمامة، وخالفوا رأي الجماعة، وشقوا عصا الطاعة، فقد وجب قتالهم بعدا إنذارهم.
أداء الزكاة كما في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: لما توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- واسْتُخْلِف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف، تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قال لا إله إلا اللَّه فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على اللَّه)؟ فقال أبو بكر: واللَّه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فواللَّه ما هو إلا أن رأيت اللَّه عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [15/ 3] المسألة الخامسة عشرة: البغاة متى خرجوا ظلمًا على إمام عادل، واجب الطاعة، صحيح الإمامة، وخالفوا رأي الجماعة، وشقوا عصا الطاعة، فقد وجب قتالهم بعدا إنذارهم. • المراد بالمسألة: لو أن ثمة طائفة خرجت ظلمًا على الإمام العادل المتفق على إمامته، فيجب على الإمام وأتباعه قتالهم. ويتبين من هذا أن الإمام لو لم يكن عادلًا، أو أن إمامته لم تثبت بالاتفاق، بأن قهرهم بسيفه مثلًا حتى صار إمامًا، فحكم مقاتلة أهل العدل لهم غير مرادة في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع العلماء على أن من شق العصا، وفارق الجماعة، وشهر على المسلمين السلاح، وأخاف السبيل، وأفسد بالقتل والسلب، فقتْلهم وإراقة دمائهم واجب؛ لأن هذا من الفساد ¬
العظيم في الأرض، والفساد في الأرض موجب لإراقة الدماء بإجماع" (¬1) (¬2). وقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع العلماء على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على الإمام، وخالفوا رأى الجماعة، وشقوا العصا، وجب قتالهم بعد إنذارهم والاعتذار إليهم"، نقله عنه العراقي (¬3)، والنووي (¬4)، وابن مفلح (¬5). وقال الموفق ابن قدامة (620 هـ): "أجمعت الصحابة رضي اللَّه عنهم على قتال البغاة" (¬6). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "اجتمعت الصحابة رضوان اللَّه عليهم على قتال البغاة" (¬7). وقال النووي (676 هـ): "قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فإذا لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا) (¬8) هذا تصريح بوجوب قتال الخوارج والبغاة، وهو إجماع العلماء" (¬9). وقال ابن ابن قدامة (682 هـ): "أجمعت الصحابة رضي اللَّه عنهم على قتال البغاة" (¬10). وقال ابن تيمية (728 هـ): "الصحابة والأئمة متفقين على قتال الخوارج المارقين" (¬11). وقال ابن حجر (852 هـ): "أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه" (¬12). ¬
وقال الشربيني (977): "الإجماع منعقد على قتالهم -أي البغاة-" (¬1). وقال الصنعاني (1182 هـ): "جواز قتال البغاة، وهو إجماع" (¬2). وقال الشوكاني (1250 هـ): "قتال البغاة جائز إجماعا" (¬3). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "أجمع الصحابة على قتال الباغي" (¬4). • مستند الإجماع: استدل أهل العلم لمقاتلة البغاة بأدلة منها: 1 - قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬5). • وجه الدلالة من الآية: أن اللَّه أمر بمقاتلة الفئة الباغية حتى ترجع لأمر اللَّه من الطاعة. 2 - عموم الأحاديث الدالة على قتال الخوارج، والتي رويت من عشرة أوجه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن ذلك ما جاء في قصة قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لذهب من اليمن: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يَا محمد اتق اللَّه. قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي اللَّه)؟ ! ثم ولَّى الرجل، فقام خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه-، -وفي وجه في الصحيح: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وقال: دعني أضرب عنقه يا رسول اللَّه. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعله أن يكون يصلي) قال: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس بقلبه، قال عليه الصلاة والسلام: (أني لم أومر أن ¬
[16/ 3] المسألة السادسة عشرة: من قاتل الفئة الباغية ممن له أن يقاتلها، وهي خارجة ظلما على إمام عادل، واجب الطاعة، صحيح الإمامة، فلم يتبع مدبرا، ولا أجهز على جريح منهم، ولا أخذ لهم مالا، أنه قد فعل في القتال ما وجب عليه.
أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)، ثم نظر إليه وهو مقفٍّ فقال: (إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وقراءتكم مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) (¬1)، وفي رواية: (قتل ثمود) (¬2)، وفي رواية: (لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- لاتكلوا عن العمل) (¬3)، وفي رواية: (أينما لقيتوهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة) (¬4). 3 - فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، فإن أبا بكر رضي اللَّه عنه قاتل مانعي الزكاة، وعلي رضي اللَّه عنه قاتل أهل الجمل وصفين (¬5).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [16/ 3] المسألة السادسة عشرة: من قاتل الفئة الباغية ممن له أن يقاتلها، وهي خارجة ظلمًا على إمام عادل، واجب الطاعة، صحيح الإمامة، فلم يتبع مدبرًا، ولا أجهز على جريح منهم، ولا أخذ لهم مالًا، أنه قد فعل في القتال ما وجب عليه. • المراد بالمسألة: إذا خرجت فئة باغية ظلمًا على إمام عادل واجب الطاعة، فقام رجل مع الإمام بمقاتلة الفئة الباغية، وهو في قتاله لا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم، ولا يأخذ منهم مالًا، فإنه قد فعل ما أمر به الشرع في القتال ضد البغاة. ¬
ويتحصل من هذا أن الفئة لو لم تكن خرجت ظلمًا، بل خرجت لطلب حق لها، أو لنهي عن معصية أمر بها الإمام، وكذا لو لم يكن الإمام عادلًا، أو لم تكن إمامته صحيحة متفق عليها، أو كان المقاتل من أهل العدل ممن يتبع مدبر البغاة، أو يقتل جرحهم، أو يأخذ أموالهم، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من قاتل الفئة الباغية ممن له أن يقاتلها، وهي خارجة ظلمًا على إمام عدل، واجب الطاعة صحيح الإمام، فلم يتبع مدبرًا، ولا أجهز على جريح، ولا أخذ لهم مالًا، أنه قد فعل في القتال ما وجب عليه" (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم (¬2). ¬
[17/ 3] المسألة السابعة عشرة: من أريد بظلم من الإمام أو غيره فدفع عن نفسه ذلك، فليس ذلك باغيا.
[17/ 3] المسألة السابعة عشرة: من أُريد بظلم من الإمام أو غيره فدفع عن نفسه ذلك، فليس ذلك باغيًا. • المراد بالمسألة: لو أن شخصًا اعتُدي عليه بظلم، فدفع عن نفسه ذلك الظلم، فإن دفاعه مباح، ولا يعتبر باغيًا، حتى لو كان المعتدي هو الإمام. • من نقل الإجماع: ذكر ابن حزم (456 هـ) هذا القول عن عبد اللَّه بن عمرو، وأنه لا مخالف له من الصحابة، حيث قال: "فهذا عبد اللَّه بن عمرو بن العاص بقية الصحابة وبحضرة سائرهم -رضي اللَّه عنهم- يريد قتال عنبسة بن أبي سفيان عاملُ أخيه معاوية أمير المؤمنين، إذ أمره بقبض الوهط (¬1)، ورأى عبد اللَّه بن عمرو أن أخذه منه غير واجب، وما كان معاوية -رحمه اللَّه- ليأخذ ظلمًا صراحًا، لكن أراد ذلك بوجه تأوله بلا شك، ورأى عبد اللَّه بن عمرو أن ذلك ليس بحق، ولبس السلاح للقتال، ولا مخالف له في ذلك من الصحابة رضي اللَّه عنهم" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ¬
بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى شرع قتال الفئة الباغية، دون التفريق بين سلطان وغيره (¬2). 2 - النصوص الدالة على مشروعية الدفاع عن النفس، ومنها: أ- في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يَا رسول اللَّه أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه مالك) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله)، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النَّار) (¬3). ب- عن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد" (¬4). وعن سعيد بن زيد -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) (¬5). • وجه الدلالة من الأحاديث: أن الشرع أثبت مشروعية الدفاع عن النفس، ولم يفرق بين الحاكم وغيره. قال ابن حزم: "وكذلك قوله عليه السلام: (من قتل دون ماله فهو شهيد) عموم لم يخص معه سلطانًا من غيره، ولا فرق في قرآن، ولا حديث، ¬
ولا إجماع، ولا قياس، بين من أريد ماله، أو أريد دمه، أو أريد فرج امرأته، أو أريد ذلك من جميع المسلمين، وفي الإطلاق على هذا هلاك الدين وأهله، وهذا لا يحل بلا خلاف" (¬1). 3 - أنه مروي عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-، ولم يُنكر عليه أحد من الصحابة، فقد أخرج الإمام أحمد أن معاوية -رضي اللَّه عنه- أراد أن يأخذ أرضًا لعبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- يقال لها الوهط، فأمر عبد اللَّه مواليه، فلبسوا آلتهم وأرادوا القتال، وقال: إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (ما من مسلم يُظلم بمظلمة فيقاتِل فيُقتل إلا قتل شهيدًا) (¬2). وأخرجه عبد الرزاق وابن حزم بلفظ: أرسل معاوية بن أبي سفيان إلى عامل له أن يأخذ الوهط، فبلغ ذلك عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-، فلبس سلاحه هو ومواليه وغلمته وقال: إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (من قتل دون ماله مظلومًا فهو شهيد) (¬3) • وجه الدلالة: أن عبد اللَّه بن عمرو دافع عن نفسه ضد ولي الأمر، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، كما ذكره ابن حزم (¬4) فكان إجماعًا منهم. ¬
• المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الإمام ليس كغيره، فلو اعتدى على أحد من رعيته فلا يجوز مدافعته، ومحاربته (¬1). وذكر ابن المنذر أن هذا القول هو كالإجماع، كما نقله عنه ابن حجر حيث قال: "حكى بن المنذر عن الشافعي قال من أريد ماله، أو نفسه، أو حريمه، فله الاختيار أن يكلمه، أو يستغيث، فإن منع أو أمتنع لم يكن له قتاله، وإلا فله أن يدفعه عن ذلك، ولو أتى على نفسه، وليس عليه عقل، ولا دية، ولا كفارة، لكن ليس له عمد قتله، قال ابن المنذر: والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر، إذا أريد ظلمًا، بغير تفصيل، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان؛ للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره، وترك القيام عليه" (¬2). • دليل المخالف: يدل على عدم مدافعة الإمام ومحاربته وإن بغى ما يلي: 1 - عموم النصوص الدالة على وجوب طاعة ولي الأمر: ومنها: أ- عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من كره من أميره شيئًا فليصبر؛ فإنه من خرج من السلطان شبرًا، مات ميتة جاهلية) (¬3). ب- عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: "دعانا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من اللَّه فيه برهان" (¬4). ¬
ج- في صحيح مسلم أن سلمة بن يزيد الجعفي (¬1) سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا نبي اللَّه أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرَض عنه، ثم سأله, فأعرض عنه، ثم سأله -في الثانية أو في الثالثة-، فجذبه الأشعث بن قيس فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم) (¬2). د- عن حذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنه- قال: قلت: يا رسول اللَّه إنا كنا بشر فجاء اللَّه بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: (نعم)، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: (نعم)، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: (نعم)، قلت: كيف؟ قال: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس)، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول اللَّه إن أدركت ذلك؟ قال: (تسمع، وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع) (¬3). هـ- عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك) (¬4). والأحاديث في هذا الباب كثيرة. ¬
[18/ 3] المسألة الثامنة عشرة: البغاة إذا طلبوا من الإمام هدنة، نظر الإمام في حالهم، وبحث أمرهم، فإن ظهر له أن قصدهم الرجوع إلى الطاعة، ومعرفة الحق، وجب عليه إمهالهم.
2 - أخرج ابن حزم بسنده عن عن أيوب السختياني (¬1): أن رجالًا سألوا ابن سيرين فقالوا: أتينا الحرورية زمان كذا وكذا، لا يسألون عن شيء غير أنهم يقتلون من لقوا؟ فقال ابن سيرين: "ما علمت أن أحدًا كان يتحرج من قتل هؤلاء تأثمًا، ولا من قتل من أراد قتالك، إلا السلطان؛ فإن للسلطان نحوًا" (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ للخلاف الذي ذكره ابن المنذر في المسألة. [18/ 3] المسألة الثامنة عشرة: البغاة إذا طلبوا من الإمام هدنة، نظر الإمام في حالهم، وبحث أمرهم، فإن ظهر له أن قصدهم الرجوع إلى الطاعة، ومعرفة الحق، وجب عليه إمهالهم. • المراد بالمسألة: لو أن طائفة بغت على الإمام، ثم طلبت الهدنة لينظروا فيما خرجوا فيه أحق هو أو باطل، فيجب على الإمام قبول الهدنة إذا تبين له أن قصدهم الرجوع عن البغي. وبهذا يتبين أن الفئة الباغية إن طلبت الهدنة لا لقصد الرجوع، بل للتجهز للحرب، بالتدرب على القتال، أو انتظار مدد، أو مخادعة الإمام لقتاله على غرة وغفلة، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن أهل البغي ¬
إذا سألوا الإمام النظر، ورجا رجوعهم عما هم عليه إلى طريق أهل العدل، فعليه أن يفعل" (¬1) ونقله عنه الموفق ابن قدامة (¬2). وقال الموفق ابن قدامة (620 هـ): "كتاب الصلح: ويتنوع أنواعًا: صلح بين المسلمين وأهل الحرب، وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما، وأجمعت الأمة على جواز الصلح في هذه الأنواع" (¬3). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "الصلح معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين المختلفين ويتنوع أنواعا: صلح بين المسلمين وأهل الحرب، وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما. . . وأجمع العلماء على جواز الصلح في هذه الأنواع التي ذكرنا" (¬4). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - النصوص الدالة على جواز الهدنة مع الكفار (¬5)، ومنها: أ- قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)} (¬6). ب- قول اللَّه تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)} (¬7)، قال ابن كثير: "قوله تعالى: {أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ} هذا خبر معناه الطلب، أي ¬
لا تُمَكِّنوا هؤلاء -إذا قَدَرُتم عليهم- من دخولها إلا تحت الهدنة والجزية" (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أباح الهدنة مع الكفار، فجوازه مع أهل البغي من المسلمين أولى (¬2). 2 - يمكن أن يستدل له من النظر بأمرين: أ- أن المقصود من قتال البغاة دفع شرهم، وكف أذاهم، فإذا كان في طلبهم للهدنة حصول هذا المقصود، فهو أولى من دفع شرهم بالمقاتلة. ب- من القواعد المقررة عند أهل العلم أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، وقد نص على ذلك الشافعي -رحمه اللَّه- حيث نقله عنه جماعة من أهل العلم، منهم بدر الدين الزركشي حيث قال: "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، نص عليه" (¬3). وقال السيوطي (¬4): "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، هذه القاعدة نص عليها الشافعي" (¬5). وعلى هذا فإذا تحققت المصلحة بالهدنة مع أهل البغي، وليس ثمة دليل شرعي يمنع ذلك، فإن الإمام يفعل ما هو في مصلحة رعيته. ¬
Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
الفصل الثالث مسائل الإجماع فيما يوجب حد البغاة
الفصل الثالث مسائل الإجماع فيما يوجب حد البغاة [19/ 3] المسألة التاسعة عشرة: الدم المصاب بتأويل القرآن هدر. • المراد بالمسألة: لو خرج البغاة على إمام بتأويل سائغ، ولهم منعه، فإن من قُتل من أهل العدل حال القتال فدمه هدر لا ضمان فيه. ويتبين مما سبق أن البغاة إن لم تكن لهم منعه، أو لم يكن لهم تأويل سائغ، أو كان الدم الذي أراقوه في غير الحرب، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: المسألة حكاها جمع من أهل العلم على أنها إجماع من الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم: قال الكاساني (587 هـ): "الباغي إذا أصاب شيئًا من ذلك -أي الدماء-، أو الجروح، أو الأموال من أهل العدل فقد اختلفوا فيه، قال أصحابنا: إن ذلك موضوع، وقال الشافعي رحمه اللَّه: إنه مضمون. . . ولنا: ما روي عن الزهري أنه قال: "وقعت الفتنة وأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متوافرون، فاتفقوا أن كل دم استحل بتأويل القرآن فهو موضوع، وكل مال استحل بتأويل القرآن فهو موضوع، وكل فرج استحل بتأويل القرآن فهو موضوع" ومثله لا يكذب، فانعقد الإجماع من الصحابة رضي اللَّه عنهم على ما قلنا" (¬1). وقال الموفق ابن قدامة (620 هـ): "وليس على أهل البغي أيضًا ضمان ما أتلفوه حال الحرب، من نفس ولا مال، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي في أحد قوليه. وفي الآخر: يضمنون ذلك؛ لقول أبي بكر لأهل الردة: تدون قتلانا, ولا ندي قتلاكم. . . فأما قول أبي بكر -رضي اللَّه عنه- فقد رجع عنه، ولم يمضه، فإن عمر قال له: أما أن يدوا ¬
قتلانا فلا، فإن قتلانا قتلوا في سبيل اللَّه تعالى، على ما أمر اللَّه. فوافقه أبو بكر، ورجع إلى قوله، فصار أيضًا إجماعًا حجةً لنا" (¬1). وكذا قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) نفس أحرف ابن قدامة (¬2). • مستند الإجماع: استدل لمسألة الباب بأدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بقتال الفئة الباغية حتى ترجع عن بغيه، ولم يذكر سبحانه ضمان ما أتلف من مال أو نفس. 2 - أن هذا إجماع الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، فإنهم في قتال الجمل وصفين لم يضمن أحد للآخر ما قتل، وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن شهاب الزهري أنه قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متوافرون، فاجتمع رأيهم على أنه لا يقاد، ولا يودى ما أصيب على تأويل القرآن، إلا مال يوجد بعينه" (¬4). وأخرجه البيهقي عن الزهري بلفظ: "كتب إليه سليمان بن هشام يسأله عن امرأة فارقت زوجها وشهدت على قومها بالشرك ولحقت بالحرورية، فتزوجت فيهم ثم جاءت تائبة. قال فكتب إليه الزهري وأنا شاهد: أما بعد، فإن الفتنة الأولى ثارت وفي أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ممن شهد بدرًا، فرأوا أن يهدم أمر الفتنة، لا يقام فيها حد على أحد في فرج استحله بتأويل القرآن، ولا قصاص في دم استحله بتأويل ¬
القرآن، ولا مال استحله بتأويل القرآن، إلا أن يوجد شيء بعينه، وإني أرى أن تردها إلى زوجها وتحد من قذفها" (¬1). 3 - من النظر: أن ترك تضمينهم لما أراقوه أدعى لتوبتهم؛ فإن القول بتضمينهم قد يؤدي إلى تنفيرهم عن التوبة والعود إلى الطاعة، ويكون ذلك حاملًا لهم على التمادي فيما هم فيه (¬2). • المخالفون للإجماع: خالف جماعة من أهل العلم لمسألة الباب فذهبوا إلى أن الباغي يضمن ما أراقه من دماء أهل العدل، وهو قول للشافعي (¬3)، ورواية عن الإمام أحمد (¬4)، وبه قال بعض الظاهرية منهم ابن حزم (¬5). • دليل المخالف: يدل على مسألة الباب الأثر والنظر: 1 - أما الأثر: فما ذكره ابن حزم بأن هذا هو حكم علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- كما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" عن حميد بن هلال (¬6) عن أبيه (¬7) قال: "لقد أتيت الخوارج وإنهم لأحب قوم على وجه الأرض إلي، فلم أزل فيهم حتى اختلفوا، فقيل لعلي بن أبي طالب: قاتلهم، فقال: لا، حتى يَقْتُلوا، ¬
فمر بهم رجل استنكروا هيئته، فثاروا إليه، فإذا هو عبد اللَّه بن خباب، فقالوا: حدثنا ما سمعت أباك يحدث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: سمعته يقول: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، والساعي في النار) قال: فأخذوه وأم ولده فذبحوهما جميعًا على شط النهر، فلقد رأيت دماهما في النهر كأنهما شراكان، فأخبر بذلك علي بن أبي طالب، فقال: أقيدوني من ابن خباب؟ قالوا: كلنا قتلناه، فحينئذ استحل قتالهم، فقتلهم" (¬1). قال ابن حزم بعد نقله لهذا الأثر: "فهذا أثر أصح من أثر الزهري، أو مثله، بأن علي بن أبي طالب رأى القود على الخوارج فيمن قتلوه بتأويل القرآن" (¬2). 2 - ما أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة ولفظه: "عن طارق بن شهاب قال: جاء وفد بُزاخة أسد وغطفان إلى أبي بكر -رضي اللَّه عنه- يسألونه الصلح، فخيرهم أبو بكر رضى اللَّه عنه بين الحرب المُجْلِية أو السلم المُخْزِية، فقالوا: هذا الحرب المجلية قد عرفنا، فما السلم المخزية، قال أبو بكر رضي اللَّه عنه: تؤدون الحلقة والكراع، وتتركون أقوامًا تتبعون أذناب الإبل، حتى يري اللَّه خليفة نبيه والمسلمين أمرًا يعذرونكم به، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم، وقتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وتردون ما أصبتم منا، ونغنم ما أصبنا منكم" (¬3). • وجه الدلالة: قول أبي بكر -رضي اللَّه عنه- في الأثر: "وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم"، حيث قضى أبو بكر رضي اللَّه عنه بأن على البغاة دية قتلاهم. ¬
[20/ 3] المسألة العشرون: مشروعية قتال الخوارج.
2 - أما النظر: فلأن الباغي معتدي، فيضمن ما أتلفه، بناء على الأصل، ولا يوجد دليل صحيح في إسقاط الضمان عليه، ثم إن الأولى في حقه التغليظ لا التخفيف (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لخلاف الشافعي في قول، وأَحمد في رواية, وبعض الظاهرية منهم ابن حزم. [20/ 3] المسألة العشرون: مشروعية قتال الخوارج. • المراد بالمسألة: المراد بالخوارج هم من خرجوا على علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، وكفروه، بل وكفروا صحابة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، واستحلوا دماءهم، بناء على أصلهم الفاسد بكفر مرتكب الكبيرة (¬2). ويدخل في هذا الحكم كل من سار على نهجهم، واعتقد معتقدهم، وخرج على الإمام، فقتاله واجب. ويتبين من هذا أن البغاة غير الخوارج، وهم من خرجوا على الإمام بتأويل سائغ، ولم يعتقدوا كفر الإمام وأتباعه، فهؤلاء غير مرادين في مسألة الباب. وكذا الخوارج غير الخارجين على الإمام، وإنما اعتقدوا معتقدهم، فغير مرادين في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: المسألة حكاها جمع من الأئمة، لكن منهم من ذكرها إجماعًا للصحابة، ومنهم من ذكرها إجماعًا عامًا، ومنهم من جمع وحكاها عن الصحابة ومن بعدهم. فممن نقلها عن الصحابة: قال الموفق ابن قدامة (620 هـ): "أجمعت الصحابة رضي اللَّه عنهم، على قتال البغاة؛ فإن أبا بكر رضي اللَّه عنه قاتل مانعي الزكاة، وعلي رضي اللَّه عنه قاتل أهل الجمل، وصفين، ¬
وأهل النهروان" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "أجمعت الصحابة رضي اللَّه عنهم على قتال البغاة؛ فإن أبا بكر رضي اللَّه أنه قاتل ما نعي الزكاة، وعلي رضي اللَّه عنه قاتل أهل الجمل، وأهل صفين، وأهل النهروان" (¬2). وإن كان هذا الحرف في البغاة لكن الخوارج داخلين ضمنًا في ذلك، فكل خارجي باغ، وليس العكس، ومعلوم أن أهل النهروان كانوا من بغاة الخوارج. • وأما إجماع العلماء عامة: فقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع العلماء على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على الإمام وخالفوا رأى الجماعة وشقوا العصا وجب قتالهم بعد إنذارهم والاعتذار إليهم"، نقله عنه النووي (¬3)، والعراقي (¬4)، وابن مفلح (¬5). وقال النووي (676 هـ): "قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فإذا لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا) (¬6) هذا تصريح بوجوب قتال الخوارج والبغاة، وهو إجماع العلماء" (¬7). • وأما من جمع بين إجماع الصحابة ومن بعدهم: فقال شيخ الإمعلام ابن تيمية (728 هـ): "الصحابة والأئمة متفقين على قتال الخوارج المارقين" (¬8). ويمكن أن يضاف إلى هذه النقولات ما سبق في النقل على جواز قتال البغاة، فإن كل من خرج على الإمام ومعه معتقد الخوارج فهو خارجي باغ، وليس كل باغ خارجي. ¬
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب صريح أحاديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقتال الخوارج، والتي رويت من عشرة أوجه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن ذلك ما جاء في قصة قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لذهب من اليمن: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا محمد اتق اللَّه. قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويلك، أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي اللَّه)؟ ! ثم ولَّى الرجل، فقام خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه-، -وفي وجه في الصحيح: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وقال: دعني أضرب عنقه يا رسول اللَّه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعله أن يكون يصلي) قال: وكم من فصل يقول بلسانه ما ليس بقلبه، قال عليه الصلاة والسلام: (أني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)، ثم نظر إليه وهو مقف فقال: (إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وقراءتكم مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) (¬1)، وفي رواية: (قتل ثمود) (¬2). وفي رواية: (لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- لاتكلوا عن العمل) (¬3). وفي رواية: (أينما لقيتوهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة) (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل، إجماع بين أهل العلم. ¬
[21/ 3] المسألة الحادية والعشرون: وجوب قتال الخوارج ونحوهم إذا فارقوا جماعة المسلمين.
[21/ 3] المسألة الحادية والعشرون: وجوب قتال الخوارج ونحوهم إذا فارقوا جماعة المسلمين. • المراد بالمسألة: إذا وُجدت طائفة خرجت على الإمام، وعلى جماعة المسلمين، وكان خروجهم مبني على أمر عقدي بدعي، كالخوارج، أو الروافض (¬1)، فإنه يجب على الإمام أن يقاتلهم. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "أجمع المسلمون على وجوب قتال الخوارج والروافض ونحوهم، إذا فارقوا جماعة المسلمين، كما قاتلهم علي رضي اللَّه عنه" (¬2). • مستند الإجماع: المسألة ظاهرة من حيث الدليل، فكما يجب قتال البغاة من أهل الإسلام الذين لا بدعة معهم، فغيرهم من أهل البدع أولى، وكل ما سبق من أدلة وجوب قتال البغاة، ووجوب قتال الخوارج، يمكن تضمينها في مسألة الباب.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
الفصل الرابع مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد البغاة
الفصل الرابع مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد البغاة [22/ 3] المسألة الثانية والعشرون: من استباح من البغاة فرجًا حرامًا بتأويل القرآن فإن الحد لا يقام عليه. • المراد بالمسألة: لو خرج البغاة على إمام بتأويل سائغ، ولهم منعة، واستباحوا فروجًا محرمة بتأويل سائغ، فإنه لا يقام عليه حد الزنى باستباحاتهم لتلك الفروج. ويتبين مما سبق أن البغاة إن لم تكن لهم منعة، أو لم يكن لهم تأويل سائغ، فيما استباحوه من الفروج، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: المسألة ذكرها الزهري (124 هـ) إجماعًا للصحابة كما أخرجه البيهقي عن الزهري بلفظ: "كتب إليه سليمان بن هشام يسأله عن امرأة فارقت زوجها وشهدت على قومها بالشرك، ولحقت بالحرورية، فتزوجت فيهم ثم جاءت تائبة. قال: فكتب إليه الزهري وأنا شاهد: أما بعد، فإن الفتنة الأولى ثارت وفي أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ممن شهد بدرًا، فرأوا أن يهدم أمر الفتنة، لا يقام فيها حد على أحد في فرج استحله بتأويل القرآن، ولا قصاص في دم استحله بتأويل القرآن، ولا مال استحله بتأويل القرآن، إلا أن يوجد شيء بعينه، وإني أرى أن تردها إلى زوجها وتحد من قذفها" (¬1). ونقله ابن قدامة (¬2). ¬
• مستند الإجماع: استدل لمسألة الباب بأدلة منها: 1 - قول اللَّه سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بقتال الفئة الباغية حتى ترجع عن بغيها، ولم يذكر سبحانه ضمان ما أتلفوه من مال أو نفس أو عرض. 2 - أن هذا إجماع الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، فإنهم في قتال الجمل وصفين لم يضمن أحد للآخر ما قتل، أو أتلف من مال، وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن شهاب الزهري أنه قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متوافرون، فاجتمع رأيهم على أنه لا يقاد، ولا يودى ما أصيب على تأويل القرآن، إلا مال يوجد بعينه" (¬2). 3 - من النظر: أن ترك إقامة الحد عليهم أدعى لتوبتهم؛ فإن القول بتغريمهم قد يؤدي إلى تنفيرهم عن التوبة والعود إلى الطاعة، ويكون ذلك حاملًا لهم على التمادي فيما هم فيه (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف بعض الظاهرية منهم ابن حزم في مسألة الباب فرأوا أن عليه الحد (¬4). ¬
[23/ 3] المسألة الثالثة والعشرون: الكف عن قتل من يعتقد الخروج على الإمام، وهو لا يكفر باعتقاده، ما لم ينصب لذلك حربا.
• دليل المخالف: علل القائلون بإيجاب إقامة الحد بأن الباغي معتدي فيضمن ما أتلفه، بناء على الأصل، ولا يوجد دليل صحيح في إسقاط الحد عليه، ثم إن الأولى في حقه التغليظ لا التخفيف (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الظاهرية في المسألة. [23/ 3] المسألة الثالثة والعشرون: الكف عن قتل من يعتقد الخروج على الإمام، وهو لا يكفر باعتقاده، ما لم ينصب لذلك حربًا. • المراد بالمسألة: لو وجدت طائفة لا تحمل معتقدًا كفريًا، لكنها تعتقد إباحة الخروج على الإمام، لكنهم لم يخرجوا, ولم يكونوا في دائرة الاستعداد للحرب، أو التجهز له، فليس للإمام قتلهم ولا قتالهم في هذه الحال لمجرد ما رأوه من إباحة الخروج. ويتحصل مما سبق أن الطائفة لو كان لها معتقد كفري، أو كانت تتجهز للحرب، أو تتهيأ له بالتدرب، أو بانتظار مدد، أو غير ذلك، فكل هذا ليس مرادًا في مسألة الباب. وكذا من جاء النص بقتالهم وهم الخوارج، فهؤلاء غير داخلين في مسألة الباب؛ لأن البداءة بقتالهم ولو لم يخرجوا على الإمام مذهب طائفة من أهل العلم، لا لاعتقادهم جواز الخروج، ولكن لما انتحلوه من معتقد الخوارج. كما ينبه أن الإجماع هو في ترك قتالهم، أما مناصحتهم، وتبيين الحق لهم فمسألة أخرى. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن جرير الطبري (310 هـ) فيما نقله عنه ابن حجر حيث قال في شرحه لحديث ذو الخويصرة (¬1) حين قال فيه خالد بن الوليد: دعني أضرب عنقه يا رسول اللَّه، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا لعله أن يكون يصلي) (¬2): "فيه الكف عن قتل من يعتقد الخروج على الإمام ما لم ينصب لذلك حربًا، أو يستعد لذلك؛ لقوله: "فإذا خرجوا فاقتلوهم" وحكى الطبري الإجماع على ذلك في حق من لا يكفر باعتقاد" (¬3). وتبع الشوكاني (1250 هـ) ابن حجر في ذلك فنقل المسألة عن الطبري (¬4). • مستند الإجماع: يمكن أن يستدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - النصوص الشرعية العامة على تحريم قتل النفس بغير حق، ومنها: أ- عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا: يا رسول اللَّه، وما هن؟ قال: (الشِّرك باللَّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) (¬5). ب- عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: سُئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الكبائر، قال: (الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور) (¬6). ¬
[24/ 3] المسألة الرابعة والعشرون: لا يحل تملك شيء من أموال البغاة.
ج - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، المارق من الدين التارك للجماعة) (¬1). 2 - أن اللَّه تعالى لا يؤاخذ العبد بالمعصية ما لم يتكلم أو يعمل بها، كما في الصحيحين واللفظ للبخاري عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه تجاوز لي عن أمتي ما سوَّست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم) (¬2). 3 - يمكن أن يستدل له من النظر: أن قتال البغاة إنما شرع لدفع شرهم، وكف أذاهم، فإذا كانوا لم يعلنوا حربًا، أو يستعدوا له، بالتدرب أو انتظار مدد ونحوه، فليس فيهم شر يُدفع، أو أذى يُكف.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [24/ 3] المسألة الرابعة والعشرون: لا يحل تملك شيء من أموال البغاة. • المراد بالمسألة: إذا بغت طائفة على الإمام فإنه لا يحل للإمام ولا أتباعه من أهل العدل أن يتملك من أموالهم شيء، لا قبل الحرب، ولا في أثنائه، لا بعده، فلا تُغنم أموالهم ولا تُخمس، كما هو الحال في قتال الكفار. ويخرج من ذلك السلاح والخيل وكل ما كان آلة للسلاح يستخدمها البغاة، فإنها محل خلاف ولا تدخل في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أنه لا يحل تملك شيء من أموالهم ما داموا في الحرب" (¬3). وقال الموفق ابن قدامة (620 هـ): "أما ¬
غنيمة أموالهم -أي البغاة-، وسبي ذريتهم، فلا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافًا" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا يغنم لهم مال ولا يسبى لهم ذرية، ولا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافًا" (¬2). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "لا يجوز سبيهم، ولا اغتنام ما لم يجلبوا به، إجماعًا" (¬3)، ونقله عنه الشوكاني (¬4). • مستند الإجماع: استدل الفقهاء لمسألة الباب بما يلي: 1 - عموم الآيات والأحاديث الدالة على تحريم أخذ مال المسلم وهي كثيرة، فمن الكتاب قول اللَّه تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} (¬5). ومن السنة حديث أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- وفيه: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) (¬6). 2 - من النظر: أن البغاة لا يخرجون عن دائرة الإسلام ببغيهم، فهم داخلون ضمن النصوص الشرعية التي تحرم أن يأخذ الرجل مال أخيه المسلم (¬7). • المخالفون للإجماع: نقل ابن حزم عن الحسن بن حَيِّ الخلاف لما عليه الجمهور، وأنه ذهب إلى أن أموال البغاة تغنم وتخمس إذا كانت في ¬
معسكرهم، أما ما في بيوتهم فلا يجوز أخذها أو تملكها (¬1). • دليل المخالف: ما يُستدل لما قاله الحسن بن حَيِّ بما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن عصمة الأسدي -رضي اللَّه عنه- (¬2) قال: "بهش الناس (¬3) إلى علي فقالوا: اقسم بيننا نساءهم وذراريهم؟ فقال علي: عنتني الرجال فعنيتها، وهذه ذرية قوم مسلمين في دارهم، لا سبيل لكم عليهم، ما أوت الدار من مال فهو لهم، وما أجلبوا به عليكم في عسكرهم فهو لكم مغنم (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، والمخالف، فيها قوله شاذ. ¬
الفصل الخامس مسائل الإجماع فيما يسقط حد البغاة
الفصل الخامس مسائل الإجماع فيما يسقط حد البغاة [25/ 3] المسألة الخامسة والعشرون: من ترك من البغاة القتال تائبًا لا يحل قتله. • المراد بالمسألة: لو أن طائفة من البغاة تابوا عن خروجهم، أو تاب فرد منهم، وترَك القتال توبة منه، فإنه لا يحل قتله ولا مقاتلته. ويتبين من هذا أنه لو ترك القتال؛ لغرض يعينه على الحرب، كالاستعداد بالتدرب للقتال، أو انتظار مدد، أو نحو ذلك، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من ترك منهم القتال تائبًا لا يحل قتله" (¬1). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأمرين: 1 - أن مقاتلة الباغي إنما شرعت لأجل دفع ضرره، وكف شره، فإذا تاب الباغي فقد تحصل هذا المقصود. 2 - أن المشروع إنما هو مقاتلة الباغي لا قتله، فإذا كان قتله غير مشروع حال بغيه فبعد توبته من باب أولى (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [26/ 3] المسألة السادسة والعشرون: قتال الطائفتين المسلمتين حرام. • المراد بالمسألة: لو اقتتلت طائفتان مسلمتان، على أمر غير شرعي، كأن يقتتلان لثأر بينهما، أو غير ذلك، ففعلهما محرم، ولو بغت طائفة مسلمة على طائفة أخرى مسلمة، ففِعل الطائفة الباغية محرم. ¬
• من نقل الإجماع: سئل شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) كما في الفتاوى الكبرى: "مسألة: طائفتان يزعمان أنهما من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، تتداعيان بدعوة الجاهلية: كأسد، وهلال، وثعلبة، وحرام، وغير ذلك، وبينهم أحقاد ودماء. . .؟ الجواب: الحمد للَّه: قتال هاتين الطائفتين حرام بالكتاب والسنة والإجماع" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إذا التقي المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) (¬2). 2 - عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إنها ستكون فتن، ألا ثُم تكون فتنة، القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه) فقال رجل: يا رسول اللَّه، أرأيت من لم يكن له إبل، ولا غنم، ولا أرض؟ قال: (يعمد إلى سيفه فيدق على حَدِّه بحجر، ثم لينجُ إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت)، فقال رجل: يا رسول اللَّه أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين، فضربني رجل بسيفه، أو يجيء سهم فيقتلني؟ قال: (يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار) (¬3). 3 - عن جرير البجلي -رضي اللَّه عنه- (¬4) قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع: (لا ترجعوا ¬
[27/ 3] المسألة السابعة والعشرون: جواز الصلح بين أهل العدل والبغاة.
بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض) (¬1). 4 - عموم الأحاديث الدالة على تحريم دماء المسلمين بغير حق، كما في الصحيحين عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) (¬2). أما إن بغت فئة على أخرى فإن الباغية هي التي عليها الإثم، أما العادلة التي، تقاتل الباغية فإنه لا يحرم عليها القتال لأدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (¬3). 2 - من النظر: أن الفئة الباغية معتدية بغير حق، وقتالها هو من باب دفع الصائل.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [27/ 3] المسألة السابعة والعشرون: جواز الصلح بين أهل العدل والبغاة. • المراد بالمسألة: إذا بغت طائفة مسلمة على الإمام، أو على طائفة أخرى، فإن للإمام أو غيره إقامة صلح بين أهل العدل وبين أهل البغي، لكن لا يأخذ على ذلك مالًا. ويتبين من هذا أن الإمام أو غيره إن أخذ مالًا على الصلح فذلك غير داخل في مسألة الباب. ¬
• من نقل الإجماع: قال الموفق ابن قدامة (620 هـ): "الصلح: معاقدة يتوصل بها إلى الإصلاح بين المختلفين، ويتنوع أنواعا: صلح بين المسلمين وأهل الحرب، وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما. . . وأجمعت الأمة على جواز الصلح في هذه الأنواع التي ذكرناها" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "الصلح معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين المختلفين ويتنوع أنواعا: صلح بين المسلمين وأهل الحرب، وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما. . . وأجمع العلماء على جواز الصلح في هذه الأنواع التي ذكرنا" (¬2). • مستند الإجماع: استدل أهل العلم لمسألة الباب من الأثر والنظر، ومنها: 1 - قول اللَّه سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بالإصلاح بين المتقاتلين من المؤمنين. 2 - عن الحسن -رضي اللَّه عنه- قال: "لقد سمعت أبا بكرة -رضي اللَّه عنه- يقول: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى، ويقول: (إن ابني هذا سيد، ولعل اللَّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) (¬4). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أثنى على الحسن بن علي بكونه يصلح بين ما جرى من قتال بين الصحابة رضوان اللَّه عليهم. ¬
3 - عموم النصوص الدالة على مشروعية الصلح، فمنها حديث كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزني (¬1) عن أبيه (¬2) عن جده (¬3) أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا حرم حلالًا، أو أحل حرامًا) (¬4). ¬
[28/ 3] المسألة الثامنة والعشرون: المفارق للجماعة كالخوارج وغيرهم إذا لم يكن محاربا لم يجز قتله إذا أسر.
4 - من النظر: أن أهل البغي داخلون في دائرة الإسلام، والمقصود من قتالهم دفع شرهم، وكف أذاهم، وتحصيل ذلك بالصلح أولى منه بالقتال.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [28/ 3] المسألة الثامنة والعشرون: المفارق للجماعة كالخوارج وغيرهم إذا لم يكن محاربًا لم يجز قتله إذا أسر. • المراد بالمسألة: لو أن طائفة رأت الخروج على الإمام، سواء كانوا خوارج يحملون معتقدًا بدعيًا مع خروجهم، أو كانوا بغاة لا يحملون المعتقد الخارجي، لكن هذه الطائفة مع كونها ترى الخروج لم تخرج، أو خرجت وكان من أفرادها من لم يخرج، فإن من ترك الخروج للحرب لا يجوز قتله، سواء كان قبل أسره، أو بعده. وينبه إلى أن المراد بالمفارق للجماعة هو من فارق جماعة المسلمين بما لا يكون مخرجًا من الملة، أما من فارق المسلمين بكونه مرتدًا فهذا غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حجر (852 هـ): "لو أُسِر -أي المفارق للجماعة- لم يجز قتله صبرًا، اتفاقًا في غير المحاربين" (¬1). ¬
• مستند الإجماع: استدل المانعون من قتل من لم يقاتل مع البغاة بأدلة منها: 1 - عموم قول اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} (¬1). • وجه الدلالة: أن الآية صريحة في تحريم قتل النفس المعصومة، حتى يرد الدليل على إباحة تلك النفس، ولا دليل على إباحة قتل من بغى ولم يقاتل. 2 - عموم الأحاديث الدالة على تحريم قتل المسلم بغير حق، ومنها: أ- ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا: يا رسول اللَّه، وما هن؟ قال: (الشرك باللَّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) (¬2). ب- عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: سُئل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الكبائر، قال: (الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور) (¬3). • وجه الدلالة من الأحاديث: أن الأحاديث نص في تحريم قتل النفس بغير حق، ومن لم يدخل مع البغاة في حربهم فهو داخل ضمن هذه الأحاديث الدالة على تحريم قتل النفس بغير حق؛ فإن الباغي إنما شرع قتاله لدفع شره، ومن لم يقاتل مع البغاة ليس لديه شر يدفع فيبقى على الأصل في تحريم دمه. 3 - من النظر: إذا كان أهل العلم قد حرموا قتل مدبر البغاة، والإجهاز على جريحهم، مع أنهم إنما تركوا القتال عجزًا عنه، ومتى ما قدووا عليه عادوا إليه، فمن لا يقاتل تورعًا عنه مع قدرته عليه، ولا يُخاف منه القتال بعد ذلك أولى (¬4). ¬
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض أهل العلم إلى جواز قتل من حضر القتال ولو لم يقاتل، وهذا الرأي وجه عند الشافعية (¬1)، وهو قول الهادوية (¬2). لكن الظاهر أن مرادهم غير النساء والصبيان والشيوخ الذين نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن قتلهم في حرب الكفار، ممن ليس له في الحرب رأي ولا قتال. • دليل المخالف: استدل أصحاب هذا القول بأثر عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه نهى أصحابه عن قتل محمد بن طلحة السجاد (¬3)، وقال: "إياكم وصاحب البرنس"، فقتله رجل، وأنشأ يقول: وأشعث قوَّام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم هتكت له بالرمح جيب قميصه ... فخر صريعًا لليدين وللفم على غير شيء غير أن ليس تابعًا ... عليًا ومن لم يتبع الحق يظلم يناشدني (حم) والرمح شاجر ... فهلا تلا (حم) قبل التقدم. وكان السجاد حامل راية أبيه، ولم يكن يقاتل، فلم ينكر علي قتله (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الشافعية في المسألة. ¬
الباب الرابع مسائل الإجماع في باب حد الردة
الباب الرابع مسائل الإجماع في باب حد الردة الفصل الأول: مسائل الإجماع العامة في حد الردة. الفصل الثاني: مسائل الإجماع في صفة حد الردة. الفصل الثالث: مسائل الإجماع فيما يوجب حد الردة. الفصل الرابع: مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد الردة.
التمهيد
التمهيد المبحث الأول: تعريف الردة لغة واصطلاحًا: • أولًا: تعريف الردة لغةً: الرِّدة -بكسر الراء المشدَّدة- مصدر للفعل ردَّ يَرُدُّ رَدًّا ورِدَّة، وهو بمعنى الرجوع عن الشيء، والتحول عنه، قال ابن فارس: "الراء والدال أصلٌ واحدٌ مطّردٌ منقاس، وهو رَجْع الشَّيء، تقول: ردَدْتُ الشَّيءَ أرُدُّه ردًّا، وسمِّي المرتدُّ لأنّه ردّ نفسَه إلى كُفْره" (¬1). ومن هذا الباب: إطلاق الرِّدة على عماد الشيء الذي يُرجع إليها، وكذا على امتلاء الضرع من اللبن قبل النتاج، وكأنها لم تكن ذات لبن فرجع إليها لبنها (¬2). • ثانيًا: تعريف الردة اصطلاحًا: تنوعت عبارات الفقهاء في حد الردة، وإن كانوا لا يختلفون كثيرًا في المؤدَّى: فعند الحنفية: قال الكاساني: "الردة عبارة عن الرجوع عن الإيمان" (¬3). وعند المالكية: قال ابن عرفة: "الردة: كفر بعد إسلام" (¬4). وعند الشافعية: قال النووي: "الردة: قطع الإسلام بنية، أو قول كفر، أو فعل، سواء قاله استهزاء، أو عنادًا، أو اعتقادًا" (¬5). وعند الحنابلة: قال البهوتي: "الذي يكفر بعد إسلامه نطقًا، أو اعتقادًا، أو شكًا، أو فعلًا" (¬6). وقبل بيان التعريف المختار للردة أذكر شروط الرّدة عند أهل العلم على ¬
وجه الإجمال، ثم أذكر التعريف الذي يمكن أن يكون شاملًا للتعاريف السابقة. من شروط الردة عند الفقهاء ما يلي: 1 - الإسلام، فالكافر إذا تلفظ بالكفر، لا ينطبق عليه حكم المرتد، وهذا محل اتفاق من جهة اللغة والشرع. 2 - العقل، فالمجنون لا تصح ردته، وهذا محل إجماع بين أهل العلم كما نقله جماعة من أهل العلم منهم: ابن المنذر (¬1)، وابن قدامة (¬2)، وشمس الدين ابن قدامة (¬3)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (¬4)، وابن الهمام (¬5) (¬6). 3 - الاختيار، فالمُكْره لا يحكم بردّته، وحكى عليه الإجماع جماعة من أهل العلم منهم: ابن المنذر (¬7)، وابن بطال (¬8)، وابن حزم (¬9)، وابن العربي (¬10)، والقرطبي (¬11)، وابن تيمية (¬12)، وابن القيم (¬13). ومما سبق يُمكن تعريف الردة اصطلاحًا بأن يقال: "هي قطع الإسلام إلى الكفر، بالقول، أو الفعل، أو الاعتقاد، أو الشك، من مسلم، عاقل، مختار" (¬14). ¬
ويتبيَّن مما سبق أن الكفر يحصل بأحد أربعة أمور: أولًا: الردة بالقول، مثل: الاستهزاء باللَّه أو برسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أو بدينه. ثانيًا: الردة باالفعل، مثل السحر، أو التقرب لغير اللَّه بسجود أو ذبحٍ ونحو ذلك. ثالثًا: الردة بالاعتقاد، مثل: اعتقاد الشريك له تعالى، أو بغض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو بغض شريعته، أوإنكار أمرٍ معلومٍ من الدين بالضرورة؛ كإنكار البعث، أو الجنة، أو النار، وكاستباحة الزنا، أو الخمر، ونحو ذلك. رابعًا: الردة بالشك، ومنها: الشك في ربوبية اللَّه أو ألوهيته، والشك في نبوة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو في الأخبار الواردة في القرآن.
المبحث الثاني الأصل في مشروعية حد الردة
المبحث الثاني الأصل في مشروعية حد الردة دلت نصوص الشريعة من الكتاب والسنة والإجماع على قتل المرتد في الدنيا، وأنه من أصحاب النار في الآخرة، وبيان ذلك فيما يلي: • أولًا: من الكتاب: لم يرِد في القرآن نص صريح ببيان عقوبة المرتد في الدنيا، وإنما جاءت الآيات بالوعيد في حقه، وأنه من أهل الكفر في الآخرة، المستحقين للنار، ومن ذلك: 1 - قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬1). 2 - قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} (¬2). 3 - قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)} (¬3). • ثانيًا: من السنة: عن ابن عباس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (مَنْ بدَّل دينَه فاقْتُلوه) (¬4). 2 - عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: أقبلت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستاك، فكلاهما سأل، فقال: (يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس-)، قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني انظر إلى سواكه تحت شفته ¬
قلصت (¬1)، فقال: (لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس- إلى اليمن)، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: أنزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًا فأسلم، ثم تهوَّد، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل؛ قضاء اللَّه ورسوله، ثلاث مرات، فأَمر به، فقُتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي (¬2). 3 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، المارق من الدين التارك للجماعة) (¬3). والأدلة في الباب كثيرة، يأتي بعضها في الباب الآتي. • ثالثًا: الإجماع: نقل جماعة من أهل العلم الإجماع على وجوب قتل المرتد، على خلاف بينهم هل يُستتاب قبل قتله أم لا. وممن نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬4)، وابن عبد البر (¬5)، وابن هبيرة (¬6)، والكاساني (¬7)، وابن قدامة (¬8)، وبهاء الدين المقدسي (¬9)، ¬
والنووي (¬1)، وشمس الدين ابن قدامة (¬2)، وابن مفلح المقدسي (¬3)، والبهوتي (¬4)، والصنعاني (¬5)، والرحيباني (¬6)، والشوكاني (¬7)، وابن عابدين (¬8)، وغيرهم (¬9). ¬
المبحث الثالث ماهية الحد الواجب بالردة
المبحث الثالث ماهية الحد الواجب بالردة من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ الدين الذي من أجله خلقت البشرية، وبه تتحقق السعادة الحقيقية. ولأجل الحفاظ على هذا الدين شرع اللَّه الوسائل والأحكام التي تقويه وتنميه، وسد الذرائع التي تضعفه وتفنيه، ففي الجانب الأول أمر بالإيمان والعمل الصالح، والتآخي عليه، والصبر على الأذى فيه، والدعوة إليه، والجهاد دفاعًا عنه وإعلاءً لرايته، والهجرة من البلد الذي لا يأمن على دينه فيه. وفي الجانب الثاني نهى عن مخالطة أهل البدع، وحذر من النظر في كتب الإلحاد، ورتب العقوبة الرادعة لمن تلاعب بهذا الدين، فشرع حد الردة وهو القتل؛ حفظًا لدين المرء الذي هو أعز ما يملك، وأغلى ما يحمل في هذه الحياة. وقد جاءت الشريعة ببيان عقوبة المرتد وأنه يشرع أولًا استتابته وهذا محل وفاق بين المذاهب الأربعة (¬1) (¬2). فإن تاب خُلي سبيله وقُبلت توبته، وإن أبي فإنه يُقتل؛ لعموم حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (مَنْ بدَّل دينَه فاقْتُلوه) (¬3)، وهذا محل إجماع في حق الرجل الحُر المرتد، وإنما وقع الخلاف بين أهل العلم في المرأة المرتدة، وفي العبد كما سيأتي بيانه (¬4). ¬
الفصل الأول مسائل الإجماع العامة في حد الردة
الفصل الأول مسائل الإجماع العامة في حد الردة [1/ 4] المسألة الأولى: المرتد إذا تاب لا يمكَّن من ركوب الخيل وحمل السلاح، إلا إذا حسن إسلامه. • المراد بالمسألة: لو وُجد جماعة مرتدون، ثم تابوا من ردتهم، فإنهم يمنعون من آلات الحرب التي يُتمكن بها من القتال، كركوب الخيل، وحمل السلاح، وما إلى ذلك؛ لئلا يكون لهم شوكة ومنعه، حتى يظهر منهم ما يدل على حسن إسلامه، فحينئذ يمكنهم الإمام مما منعوا منه. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "فإن أبا بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- وسائر الصحابة لما ظهروا على أهل الردة وجاؤوا إليه، قال لهم الصديق: اختاروا إما الحرب المُجْلِية وإما السلم المُخْزِية، قالوا: يَا خليفة رسول اللَّه، هذه الحرب المجلية قد عرفناها، فما السلم المخزية، قال: "تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، ونقسم ما أصبنا من أموالكم، وتردون ما أصبتم من أموالنا، وتنزع منكم الحلقة والسلاح، وتمنعون من ركوب الخيل، وتتركون تتبعون أذناب الإبل، حتى يرى اللَّه خليفة رسوله والمؤمنين أمرًا بعد ردتكم" (¬1). فوافقه الصحابة على ذلك إلا في تضمين قتلى المسلمين، فإن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال له: "هؤلاء قتلوا في سبيل اللَّه فأجورهم على اللَّه"، -يعني ¬
[2/ 4] المسألة الثانية: تحريم التنجيم.
هم شهداء فلا دية لهم- فاتفقوا على قول عمر في ذلك. وهذا الذي اتفق الصحابة عليه هو مذهب أئمة العلماء" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن هذا هو فعل أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، ووافقه عليه الصحابة رضوان اللَّه عليهم، والأثر أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي ولفظه: "عن طارق بن شهاب قال: جاء وفد بزاخة أسد وغطفان إلى أبى بكر -رضي اللَّه عنه- يسألونه الصلح، فخيرهم أبو بكر -رضي اللَّه عنه- بين الحرب المجلية أو السلم المخزية، فقالوا: هذا الحرب المجلية قد عرفنا، فما السلم المخزية، قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: تؤدون الحلَقة والكراع، وتتركون أقوامًا تتبعون أذناب الإبل، حتى يري اللَّه خليفة نبيه والمسلمين أمرا يعذرونكم به، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم، وقتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وتردون ما أصبتم منا، ونغتم ما أصبنا منكم، فقال عمر رضي اللَّه عنه: قد رأيت رأيًا وسنشير عليك، أما أن يؤدوا الحلقة والكراع فنعمَّا رأيت، وأما أن يُتركوا قومًا يتبعون أذناب الإبل حتى يُرِي اللَّه خليفة نبيه والمسلمين أمرًا يعذرونهم به فنعما رأيت، وأما أن نغنم ما أصبنا منهم ويردون ما أصابوا منا فنعما رأيت، وأما أن قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة فنعما رأيت، وأما أن يدوا قتلانا فلا، قتلانا قتلوا على أمر اللَّه، فلا ديات لهم، فتتابع الناس على ذلك" (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [2/ 4] المسألة الثانية: تحريم التنجيم. • المراد بالمسألة: التنجيم لغة: التنجيم مصدر "نَجَمَ"، المشتق من النجم، وهو الكوكب. والتنجيم: صنعة المنجِّم، وهو الذي ينظر في النجوم، يحسب ¬
مواقيتها، وسيرها (¬1). • التنجيم اصطلاحًا: التنجيم في الاصطلاح الشرعي ضرب من السحر، وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية (¬2). وهو نوعان: • النوع الأول: علم التيسير، وهذا النوع غير مراد في مسألة الباب، وينقسم إلى قسمين: الأول: أن يستدل بسيرها على المصالح الدينية، كأن يستدل بها على جهة القبلة، وهذا النوع مطلوب شرعًا. الثاني: أن يستدل بسيرها على المصالح الدنيوية، كمعرفة الجهات الأربعة، والفصول الأربعة ونحو ذلك، فهذا محل خلاف بين السلف (¬3). • النوع الثاني: علم التأثير، وهو المراد في مسألة الباب، وأقسامه ثلاثة: القسم الأول: أن يعتقد أن هذه النجوم مؤثرة فاعلة بذاتها، بمعنى أنها هي التي تخلق الحوادث والشرور، فهذا شرك أكبر؛ وهي كفر بالإجماع (¬4)؛ لأن من ادعى أن مع اللَّه خالقًا، فهو مشرك شركًا أكبر، وهذا قد جعل المخلوق المسخَّر خالقًا مسخِّرًا. وهذه الصورة مع الإجماع على تحريمها إلا أنها غير مرادة في مسألة الباب (¬5). القسم الثاني: أن يعتقدها سببًا لحدوث الخير والشر، أي أنه إذا وقع شيء ¬
نسبه إلى النجوم، فهذا القسم وإن كان محرمًا، بل هو شرك أصغر، لكنه غير مراد في مسألة الباب. القسم الثالث: أن يجعلها سببًا يدعي به علم الغيب، فيستدل بحركاتها وتنقلاتها وتغيراتها على أنه سيكون كذا وكذا؛ لأن النجم الفلاني صار كذا وكذا، مثل أن يقول: هذا الإنسان ستكون حياته شقاء؛ لأنه ولد في النجم الفلاني، وهذا حياته ستكون سعيدة لأنه ولد في النجم الفلاني، وصاحب هذه الطريقة هو ما يعرف في الشرع بالمنجِّم أو الكاهن أو العراف، وهذا القسم هو المراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "صناعة التنجيم، وأخذ الأجرة عليها، وبذلها، حرام بإجماع المسلمين" (¬1). وقال أيضًا: "التنجيم كالاستدلال بأحوال الفلك على الحوادث الأرضية هو من السحر، ويحرم إجماعًا" (¬2) ونقله عنه المرداوي (¬3)، ابن مفلح (¬4)، والبهوتي (¬5)، والرحيباني (¬6)، وابن قاسم (¬7). وقال ابن حجر (852 هـ): "حلون الكاهن، وهو حرام بالإجماع، لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل، وفي معناه التنجيم، والضرب بالحصى، وغير ذلك مما يتعاطاه العرافون من استطلاع الغيب" (¬8). ويمكن أن يضاف إلى ذلك ما نقله أهل العلم من الإجماع على تحريم حلوان الكاهن، ومن ذلك: ¬
قال ابن عبد البر (463 هـ): "أما حلوان الكاهن: فمجتمع أيضًا على تحريمه" (¬1) وقال البغوي (516 هـ): "اتفق أهل العلم على تحريم حلوان الكاهن" (¬2)، نقله عنه النووي (¬3). وقال ابن العربي (543 هـ): "وأما حلوان الكاهن. . . فمحرم بإجماع الأمة" (¬4) وقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع العلماء على تحريم حلوان الكاهن"، نقله عنه النووي (¬5). وقال أبو العباس القرطبي (656 هـ): "المهر والحلوان محرمان بالإجماع" (¬6). وقال النووي (676 هـ): "قد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان، وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يعطون من الحلوان، وهو حرام بإجماع المسلمين" (¬7). وقال ابن دقيق العيد (702 هـ) عند كلامه على تحريم حلوان الكاهن ومهر البغي: "والإجماع قائم على تحريم هذين" (¬8). وقال الأبي (827 هـ) (¬9): ¬
"لا خلاف في حرمة ما يأخذه الكاهن" (¬1). وقال ابن حجر (852 هـ): "حلوان الكاهن وهو حرام بالإجماع" (¬2). وقال الصنعاني (1182 هـ): "أجمع العلماء على تحريم حلوان الكاهن" (¬3). وحلوان الكاهن هو ما يعطاه الكاهن على كهانته، فيحرم؛ لأنه أخذ للمال بالباطل، والتنجيم نوع من الكهانة، فهو إشارة إلى تحريم التنجيم، قال ابن القيم: "تحريم حلوان الكاهن تنبيه على تحريم حلوان المنجم، والزاجر، وصاحب القرعة التي هي شقيقة الأزلام، وضاربة الحصا، والعرَّاف، والرمَّال، ونحوهم ممن تطلب منهم الأخبار عن المغيبات" (¬4)، وإذا كان كسبه حرامًا بالإجماع، فالصنعة -أي العمل- محرم كذلك. • مستند الإجماع: من أدلة تحريم التنجيم: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد) (¬5). • وجه الدلالة: الحديث ظاهر في أن التنجيم نوع من السحر، ومعلوم أن السحر حرام كما سيأتي نقل الإجماع في ذلك. 2 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أخاف على أمتي بعدي تكذيب بالقدر، وتصديق بالنجوم) (¬6). ¬
• وجه الدلالة: في الحديث تحذير من التصديق بالنجوم، وأنه من الأمور التي يخاف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منها على أمته مما يدل على ذمه في الشرع. 3 - ما أخرجه مسلم عن بعض أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من أتى عرافًا، فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) (¬1). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من أتى كاهنًا أو عرافًا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-) (¬2). 5 - عن أبي موسى رضي اللَّه عنه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر) (¬3). ¬
[3/ 4] المسألة الثالثة: تحريم الضرب بالحصى.
• وجه الدلالة من الأحاديث الثلاثة: في هذه الأحاديث وعيد لمن جاء إلى المنجمين، أو لمن صدقهم في زعمهم بادعائهم علم الغيب، وهذا الوعيد إذا ثبت في حق من أتاهم، أو صدقهم، فكيف بالمباشرين له. 6 - من النظر: أن المنجمين يدَّعون علم الغيب، وهذا تكذيب لقول اللَّه تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)} (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم (¬2). [3/ 4] المسألة الثالثة: تحريم الضرب بالحصى. • المراد بالمسألة: الضرب بالحصى نوع من الكهانة، يدَّعي بها صاحبها معرفة المغيبات عن طريق الضرب بالحصى، بأن يضرب بالحصى، فإن وقعت في مكان كذا كان خيرًا، وإن وقعت في مكان كذا كان شرًا، فهو جامع بين التكهن والطيرة. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "الضارب بالحصى ونحوهم فما يعطى هؤلاء حرام، وقد حكى الإجماع على تحريمه غير ¬
واحد من العلماء" (¬1). وقال ابن حجر (852 هـ): "حلون الكاهن، وهو حرام بالإجماع. . . وفي معناه التنجيم، والضرب بالحصى، وغير ذلك مما يتعاناه العرافون من استطلاع الغيب" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - عن قبيصة بن مخارق -رضي اللَّه عنه- (¬3) قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (العيافة (¬4)، والطيرة، والطرق من الجبت) (¬5). والطرْق: هو الضرب بالحصى، وأصل الطرق: الضرب، ومنه سميت مطرقة الصائغ والحداد؛ لأنه يطرق بها (¬6). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا عدوى ولا طيرة) (¬7). ¬
[4/ 4] المسألة الرابعة: كفر الردة أغلظ من الكفر الأصلي.
• وجه الدلالة: أن الضرب بالحصى نوع من الطيرة، والحديث دليل على النهي عن الطيرة. 3 - عن عمران بن حصين -رضي اللَّه عنه- (¬1) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ليس منا من تَطير ولا تُطير له، ولا تَكهَّن ولا تُكهن له، أو سَحر أو سُحر له) (¬2). • وجه الدلالة: أن الضرب بالحصى فيه تكهُّن، وتطيُّر، والحديث دليل على النهي عنهما، بالوعيد في قوله: "ليس منا". 4 - الأدلة السابقة في تحريم التنجيم تدل على مسألة الباب؛ لأن كل منهما ضرب من الكهانة، واللَّه تعالى أعلم.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [4/ 4] المسألة الرابعة: كفر الردة أغلظ من الكفر الأصلي. • المراد بالمسألة: لو وجد رجلان أحدهما أسلم ثم ارتد، والآخر كافر أصلي، فكفر المرتد أشد من كفر الكافر الأصلي، وعليه فإن الأحكام الشرعية المترتبة على كفر الكافر المرتد، أشد منها على الكافر الأصلي. ¬
• من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "كفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي" (¬1). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما يلي: 1 - فعل الصحابة رضي اللَّه عنهم، حيث بدؤا بقتال المرتدين قبل قتال الكفار، وقد نقل ابن تيمية اتفاق الصحابة على ذلك حيث قال: "الصديق وسائر الصحابة بدأوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب" (¬2). 2 - من النظر: أ - أن الشريعة فرقت بين أحكام المرتد وأحكام الكافر الأصلي، وجعلت أحكام المرتد أشد تضييقًا عليه، فمن ذلك -مثلًا- أنه يجوز إقرار الذمي على دينه بضوابط مقررة في كتب الفقه، أما المرتد فإما أن يسلم أو يقتل. قد بين بعض تلك الأحكام شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة: منها: أن المرتد يقتل بكل حال، ولا يضرب عليه جزية، ولا تعقد له ذمة، بخلاف الكافر الأصلي. ومنها: أن المرتد يُقتل وإن كان عاجزًا عن القتال، بخلاف الكافر الأصلي الذي ليس هو من أهل القتال، فإنه لا يُقتل عند أكثر العلماء كأبي حنيفة، ومالك، وأحمد. ولهذا كان مذهب الجمهور أن المرتد يقتل كما هو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد. ومنها: أن المرتد لا يَرث، ولا يُناكح، ولا تؤكل ذبيحته، بخلاف الكافر الأصلي، إلى غير ذلك من الأحكام. ¬
[5/ 4] المسألة الخامسة: قبول الله لتوبة المرتد والزنديق في الباطن.
وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين، فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلي عن شرائعه، ولهذا كان كل مؤمن يعرف أحوال التتار ويعلم أن المرتدين الذين فيهم من الفرس والعرب وغيرهم شر من الكفار الأصليين من الترك ونحوهم، وهم بعد أن تكلموا بالشهادتين مع تركهم لكثير من شرائع الدين خير من المرتدين من الفرس والعرب وغيرهم، وبهذا يتبين أن من كان معهم ممن كان مسلم الأصل هو شر من الترك الذين كانوا كفارًا؛ فإن المسلم الأصلي إذا إرتد عن بعض شرائعه كان أسوأ حالًا ممن لم يدخل بعد في تلك الشرائع، مثل مانعي الزكاة، وأمثالهم ممن قاتلهم الصديق" (¬1). ب - علل بعض أهل العلم ذلك بأن المرتد قد ذاق طعم الإيمان, بخلاف الأصلي، فجُعل حكمه أغلظ، قال الشوكاني: "ولا ريب أن ذنب المرتدّ أشدُّ من ذنب من هو باقٍ على الكفر؛ لأن المرتدّ قد عرف الحق، ثم أعرض عنادًا، وتمرُّدًا" (¬2)، وهذا كما فرَّقت الشريعة بين الزاني المحصن من غير المحصن، فإن المحصن لما ذاق طعم الحلال وتمكَّن منه ثم عدل للحرام، جُعل له من الحكم ما هو أشد من الزاني غير المحصن (¬3).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [5/ 4] المسألة الخامسة: قبول اللَّه لتوبة المرتد والزنديق في الباطن. • المراد بالمسألة: المرتد أو الزنديق إن تاب من ردته وزندقته ففي قبول توبته خلاف بين أهل العلم، وهذا الخلاف هو في قبول التوبة ظاهرًا، وإجراء أحكام أهل الإسلام عليه، كترك قتله. أما أحكام الآخرة، فلا خلاف في أن اللَّه تعالى يقبل توبته إن صدق التوبة. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "الخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم -أي المرتدين- في الظاهر من أحكام الدنيا، من ترك قتلهم، وثبوت أحكام الإسلام في حقهم، وأما قبول اللَّه تعالى لها في الباطن، وغفرانه لمن تاب وأقلع ظاهرًا أم باطنًا، فلا خلاف فيه" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "والخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم -أي المرتدين- إنما هو في الظاهر من أحكام الدنيا، من ترك قتلهم، وثبوت أحكام الإسلام في حقهم، فأما قبول اللَّه تعالى لها في الباطن وغفران ذنوبهم لمن تاب، وأقلع ظاهرًا وباطنًا، فلا خلاف فيه" (¬2). وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "الخلاف في قبول توبتهم، إنما هو في الظاهر في أحكام الدنيا، من ترك قتالهم، وثبوت أحكام الإسلام في حقهم، وأما قبولها في الباطن فلا خلاف فيه حيث صدق" (¬3). وقال المرداوي (885 هـ) بعد سياقه أقوال أهل العلم في قبول توبة المرتد: "محل الخلاف المتقدم في عدم قبول توبتهم وقبولها في أحكام الدنيا، من ترك قتلهم، وثبوت أحكام الإسلام، فأما في الآخرة: فإن صدقت توبته، قُبلت، بلا خلاف" (¬4). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "والخلاف في أحكام الدنيا من ترك القتل، وثبوت أحكام الإسلام من توريث وغيره، وأما في الآخرة: فإن صدقت توبته قبلت بلا خلاف" (¬5). • مستند الإجماع: قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} (¬6). ¬
[6/ 4] المسألة السادسة: المرتد الذي أتلف مال غيره يضمن ما أتلفه.
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر عن المنافقين أنهم إن تابوا فإن توبتهم مقبولة، وأنهم يكونوا مع المؤمنين حينئذٍ الذين يحصِّلون الأجر العظيم.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [6/ 4] المسألة السادسة: المرتد الذي أتلف مال غيره يضمن ما أتلفه. • المراد بالمسألة: لو ارتد شخص في بلاد الإسلام، ثم اعتدى على مال غيره فأتلفه، من غير حرابة، وهو في بلاد الإسلام، فإنه ضامن لما أتلف. ويتحصل مما سبق أن المرتد لو لحق بدار الحرب، ثم اعتدى على مال غيره، فذلك غير مراد، وكذا لو كان المرتد من أهل الحرابة، أو كان المرتدون جماعة ممتنعة وأتلفوا مالًا على المسلمين، فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "المرتد الذي أتلف مال غيره وليس بمحارب، بل هو في الظاهر مسلم أو معاهد، فإن هؤلاء يضمنون ما أتلفوه بالإتفاق" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه وتعالى أمرنا أن نعاقب بالمثل، ومن أتلف شيئًا فإن من عقابه بالمثل أن نلزمه بضمان ما أتلفه، فيرد مثله أو قيمته، قال ابن سيرين في قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (¬3): "إن أخذ الرجل منك شيئًا فخذ منه مثله" (¬4). ¬
2 - قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (¬1). 3 - قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (¬2). • وجه الدلالة من الآيتين: أن اللَّه تعالى أباح لمن اعتُدي عليه بشيء أن يأخذ حقه بمثلها، ويدخل في ذلك أن من أتلف شيئًا فله أن يأخذ حقه ممن أتلفه بمثله دون حيف (¬3). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (¬4). ¬
5 - عن سمرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (¬1). • وجه الدلالة الحديثين: أن اللَّه تعالى أوجب رد ما أخذه الشخص بإذن مالكه كأن يكون على سبيل الأمانة أو العارية، فمن أخذ بلا إذن المالك فتلف في يده يكون ضمانه من باب أولى. ¬
[7/ 4] المسألة السابعة: الزنديق إذا تاب، وقتل، لم يكن قتله ظلما.
6 - من النظر: أن المرتد قد أتلف مالًا ليس له، فوجب عليه ضمانه، قياسًا على المسلم والذمي، وردته لا تبيح له إتلاف أموال الآخرين، قال ابن العربي: "لا إشكال في أن من أتلف شيئًا فعليه الضمان" (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [7/ 4] المسألة السابعة: الزنديق إذا تاب، وقُتل، لم يكن قتْله ظلمًا. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الزنديق لغةً واصطلاحًا: الزنديق لغةً: قال ابن منظور: "الزِّنْدِيقُ: القائل ببقاء الدهر، فارسي معرب، وهو بالفارسية زَنْدِ كِرَايْ، يقول بدوام بقاء الدهر، والزَّنْدَقةُ: الضِّيقُ، وقيل: الزِّنْدِيقُ منه؛ لأنه ضيّق على نفسه" (¬2). وقال الفيروزآبادي: "الزِّنديق -بالكسر-: من الثنوية، أو القائل بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان, أو هو معرب: زن دين، أي: دين المرأة، جمعه: زنادقة، أو زناديق" (¬3). الزنديق في اصطلاح الفقهاء: اختلف أهل العلم في المراد بالزنديق على أقوال، أشهرها قولان: أحدها: أنه من أظهر الإسلام وأبطن الكفر، وهو المعروف في عصر النبوة بالمنافق، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء. قال ابن قدامة: "والزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويستسر بالكفر، وهو المنافق كان يسمى في عصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منافقًا ويسمى اليوم زنديقًا" (¬4). ¬
وقال ابن تيمية: "المنافق: هو الزنديق في اصطلاح الفقهاء الذين تكلموا في توبة الزنديق" (¬1). فيكون بين الردة والزندقة عموم وخصوص وجهي يجتمعان في المرتد إذا أخفى كفره وأظهر الإسلام، وينفرد المرتد فيمن ارتد علانية، وينفرد الزنديق فيمن لم يسبق له إسلام صحيح. والثاني: هو من لا دين له، وبه قال بعض الحنفية، كابن الهمام، وبعض الشافعية (¬2). • ثانيًا: صورة المسألة: إذا وُجد مسلم تزندق، على معنى من يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ثم ظهر أمره، فلمَّا استتيب أعلن توبته، فقتله الإمام مع توبته، فإن قتله ليس ظلمًا. • من نقل الإجماع: المسألة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) في معرض على كلامه على الحلاج (¬3)، الذي كان يقول بمقالات كفرية كالحلول والاتحاد، فكان زنديقًا يظهر الإسلام ويبطن الكفر، فلما ظهر أمره حُبِس، فتاب، فقتل مع إعلانه للتوبة، فبيَّن شيخ الإسلام أن قتله مع توبته ليس بظلم فقال: "قول القائل إنه -أي الحلاج- قُتل ظلمًا قول باطل؛ فإن وجوب قتله ¬
على ما أظهره من الإلحاد أمر واجب باتفاق المسلمين، لكن لما كان يظهر الإسلام ويبطن الإلحاد إلى أصحابه صار زنديقًا، فلما أخذ وحبس أظهر التوبة، والفقهاء متنازعون في قبول توبة الزنديق، فأكثرهم لا يقبلها، وهو مذهب مالك وأهل المدينة، ومذهب أحمد في أشهر الروايتين عنه وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة ووجه في مذهب الشافعي، والقول الآخر تقبل توبته، وقد اتفقوا على أنه إذا قتل مثل هذا لا يقال قتل ظلمًا" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يفي: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى شرط مع الإصلاح بيان التوبة، والزنديق لا يمكن تحقق بيان توبته على وجه التمام؛ لأنه في الأصل مظهر للإسلام ومبطن للكفر. 2 - أن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أُتي بناس يزعمون أن مسيلمة نبي، فأرسل إليهم، فجيء بهم، فتابوا، فخلى سبيلهم، إلا رجلًا منهم يقال له ابن النواحة (¬3). • وجه الدلالة: أن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- لم قتل ابن النواحة، ولم يقبل توبتة بناء ¬
على شدة عدائه للإسلام، وأن ظاهر توبته أنها تقية للفلات من العقوبة (¬1). 3 - أن حال الزنديق هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر، فاستتابته لا فائدة منها؛ لأنه سيظهر الإسلام مرة أخرى، كما هو حاله في الأصل (¬2). 4 - إن اللَّه تعالى سن في المحاربين أنهم إن تابوا من قبل القدرة عليهم قُبلت توبتهم، ولا تنفعهم التوبة بعد القدرة عليهم، ومحاربة الزنديق للإسلام بلسانه أعظم من محاربة قاطع الطريق بيده وسنانه؛ فإن فتنة هذا في الأموال والأبدان، وفتنة الزنديق في القلوب والإيمان, فهو أولى ألَّا تقبل توبته بعد القدرة عليه (¬3). 5 - أن الزنديق دأبه إبطان الكفر وإظهار الإسلام، وفي تركه بلا قتل تسليطًا له على بقاء نفسه بالزندقة والإلحاد، وكلما قُدر عليه أظهر الإسلام وعاد إلى ما كان عليه (¬4). • المخالفون للإجماع: خالف في المسألة جماعة من الفقهاء على أقوال: القول الأول: أن الزنديق إن قبضه الإمام ثم أعلن التوبة بعد القبض عليه فيباح قتله، أما إن جاء الزنديق قبل القبض عليه وأعلن التوبة فتقبل توبته ولا يباح قتله، وهو قول عند المالكية (¬5)، والشافعية (¬6). القول الثاني: قبول توبة الزنديق ومنع قتله، وهو مروي عن علي بن أبي ¬
طالب، وابن مسعود رضي اللَّه عنهما (¬1)، وهو الصحيح من مذهب الشافعية (¬2)، ورواية عند الحنابلة (¬3)، اختارها أبو بكر الخلال (¬4)، وهو ظاهر اختيار الخرقي، وابن قدامة (¬5). وذكر المرداوي أنه آخر قولي الإمام أحمد (¬6)، وحكاه الخطابيُّ عن أكثر العلماء (¬7)، ونسبه العراقي للجمهور (¬8). القول الثالث: نقل ابن حزم عن بعض أهل العلم القول بأنه لا قتل على المنافقين، حتى من اشتهر نفاقه منهم (¬9). • دليل المخالف: يظهر مما سبق أن المخالفين على قسمين: الأول: من يرى عدم قتل الزنديق فيما إذا أظهر التوبة، وهو الذي حكاه الخطابي عن أكثر العلماء. الثاني: من لا يرى قتل المنافقين أصلًا، وهو ما نقله ابن حزم عن بعض أهل العلم. ¬
أما القسم الأول فيستدلون بأدلة منها: 1 - قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} (¬1). • وجه الدلالة: الآية صريحة بأن توبة الكافر توجب مغفرة ما سلف من الذنوب، والمنافق كافر، فيدخل في عموم الآية. 2 - قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} (¬2). • وجه الدلالة: الآية صريحة بأن المنافق إن تاب وأصلح فإنه يدخل في زمرة المؤمنين، مما ينتج عنه تحريم دمه. 3 - قال تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)} (¬3). • وجه الدلالة: الآية صريحة بأن هؤلاء منافقون يحلفون للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من باب التقية، ومع ذلك كف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عنهم بما أظهروه من الشهادة، ولم يقاتلهم. 4 - أن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أُتي بناس يزعمون أن مسيلمة نبي، فأرسل إليهم، فجيء بهم، فتابوا، فخلى سبيلهم، إلا رجلًا منهم يقال له ابن النواحة (¬4). أما القسم الثاني فاستدلوا بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعلم أن ثمة منافقين في عهده، وعدَّ بعضهم لحذيفة بن اليمان، ومع ذلك فلم يقتل واحدًا منهم، ولم يأمر بقتلهم (¬5).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين ¬
[8/ 4] المسألة الثامنة: لو طرأت الردة بعد الرمي وقبل الإصابة فإنه لا ضمان لأنه حين جني عليه كان مرتدا.
أهل العلم؛ للخلاف الذي نقله الخطابي وابن حزم في المسألة. [8/ 4] المسألة الثامنة: لو طرأت الردة بعد الرمي وقبل الإصابة فإنه لا ضمان لأنه حين جني عليه كان مرتدًا. • المراد بالمسألة: لو رمى شخص آخر برصاص أو حجر، أو نحوه، فجرحه، أو قتله، وكان المرمَي قد ارتد قبل إصابته، ولو بعد الرمي، فإنه لا ضمان على الرامي. • من نقل الإجماع: قال الخطيب الشربيني (977 هـ): "لو طرأت -أي الردة- بعد الرمي وقبل الإصابة فلا ضمان باتفاق" (¬1). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب أنه حين جني عليه كان مرتدًا والعبرة بالجناية، لا بوقت الرمي، بدليل أن الضمان إنما هو تبع للجناية، لا للرمي، فإذا أصابت نفسًا بعد أن ارتدت، فإنها تكون قد أصابت نفسًا مهدرة، لا ضمان على قاتلها. • المخالفون للإجماع: الصواب أن القول بعدم الضمان في المسألة هو مذهب الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وصاحبي أبي حنيفة (¬4). وخالف في ذلك جماعة من أهل العلم فذهبوا إلى أن من رمى شخصًا مسلمًا، ثم ارتد المسلم قبل إصابته ثم أصيب، فإن على الرامي الدية، وهو مذهب الحنفية (¬5). • دليل المخالف: علل الحنفية لما ذهب إليه أبو حنيفة بأن الضمان إنما يجب بفعل الرامي، وهو الرمي؛ إذ هو الذي يدخل تحت قدرته، دون ¬
[9/ 4] المسألة التاسعة: المرتد إن عاد إلى الإسلام وماله قائم فهو أحق به.
الإصابة، ولا فعل له أصلًا بعد الرمي، فهو في حقيقة الأمر قاتل بالرمي لا بالإصابة، والمرمي كان مسلمًا متقومًا حال الرمي، فيجب ضمانه. ومما يؤيد أن العبرة بالرمي لا بالإصابة أن المسلم لو رمى بسهمه لصيد وهو مسلم، ثم ارتد فأصاب السهم الصيد وهو مرتد، فجرح الصيد ومات، حل أكله. وكان القياس في المسألة وجوب القصاص لا الدية، لكن لما وجدت فيه شبهة سقوط العصمة في حالة التلف وجبت الدية (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم، بل إن المخالفين في المسألة أكثر من الموافقين -كما سبق-، والظاهر أن مراد الشربيني وغيره ممن نقل الاتفاق من الشافعية على مسألة الباب، اتفاق الأصحاب من الشافعية على نفي الضمان في مسألة الباب، وهذا ظاهر في سياق النووي فإنه ذكره اختلاف الأصحاب في المسألة على وجهين، ثم قال: "لو طرأت -أي الردة- بعد الرمي وقبل الإصابة: فلا ضمان باتفاقهم" (¬2)، أي باتفاق الأصحاب، واللَّه تعالى أعلم. [9/ 4] المسألة التاسعة: المرتد إن عاد إلى الإسلام وماله قائم فهو أحق به. • المراد بالمسألة: لو أن مسلمًا في دار الإسلام طرأ عليه طارئ نقله إلى الردة، فأصبح مرتدًا عن الإسلام، ثم بعد ذلك هداه اللَّه وعاد للإسلام من جديد، فإنه أحق بماله القائم من غيره، سواء من ورثته، أو بيت مال المسلمين. وينبه إلى أن المرتد لو كان في جماعة لهم شوكة فما أُخذ من أموالهم، غير داخل في كل مسألة الباب، وكذا ما أخذه المرتد معه من مال إلى دار الحرب، أو كسبه في دار الحرب، ثم ظفر به المسلمون، أو كان المال قد تصرف به ورثته، ¬
ببيع أو غيره، أو تصرف به ولي أمر المسلمين فلم يجد عين ماله، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "الإجماع على أنه -أي المرتد- إن عاد وماله قائم كان أحق به" (¬2). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما يلي: 1 - عموم النصوص الشرعية المستقرة في تحريم أخذ مال الغير بغير حق، ومنها: أ- قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} (¬3). ب- وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} (¬4). ج- عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) (¬5). والنصوص في ذلك كثيرة. • وجه الدلالة مما سبق: دلت النصوص السابقة على تحريم أخذ مال الغير، ¬
[10/ 4] المسألة العاشرة: المجنون إذا ارتد، فقتله آخر عمدا، فإنه عليه القود إذا طلب أولياء المقتول ذلك.
والمرتد قد كان المال له حال إسلامه ثم زال عنه بالردة، فلما رجع إلى الإسلام فالأصل رجوع المال له؛ لأنه مالكه الأصلي، والأمر الذي بسببه زال عنه هذا الملك قد زال، فيرجع له ماله، ويحرم على غيره أخذه بغير حق؛ لأنه من أكْل مال الغير ظلمًا. 2 - إجماع أهل العلم على تحريم أخذ مال الغير بغير طيب نفس منه، حيث قال ابن عبد البر: "الأصل المجتمع عليه أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس" (¬1). وقال القرطبي: "الأصل المتفق عليه تحريم مال الغير إلا بطيب نفس منه" (¬2). والمرتد إذا رجع للإسلام، رجع له ماله؛ لأن زوال ملكه كان بالردة فيرجع بالإسلام؛ إذ الحكم يدور مع علته. وإذ تقرر هذا فلا يحل لأحد أخذه بغير طيب نفس منه. • المخالفون للإجماع: نقل ابن حزم عن طائفة أن المرتد إن ارتد عن الإسلام فإن ملكه يزول عن ماله بمجرد ردته ولا يرجع له ماله سواء رجع إلى الإسلام أو لم يرجع (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيها. [10/ 4] المسألة العاشرة: المجنون إذا ارتد، فقتله آخر عمدًا، فإنه عليه القود إذا طلب أولياء المقتول ذلك. • المراد بالمسألة: لو وجد مسلم معصوم الدم، وكان قد أصابه جنون، أو كان ممن يُجن أحيانًا ويفيق أخرى، وارتد حال جنونه، فإنه لا يحكم بردته، ¬
فإن قتله شخص عمدًا، وطلب أولياء المجنون القصاص، وجب عليه القود. ويتحصل مما سبق أن المرتد لو لم يكن معصوم الدم كأن يكون ثيبًا زانٍ مثلًا، أو كان ارتد حال إفاقته ثم جن، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن المجنون إذا ارتد في حال جنونه: أنه مسلم على ما كان قبل ذلك، ولو قتله عمدًا كان عليه القود إذا طلب أولاده ذلك" (¬1)، ونقله عنه ابن قدامة (¬2)، وبهاء الدين المقدسي (¬3)، وشمس الدين ابن قدامة (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ): "الردة لا تصح إلا من عاقل، فأما من لا عقل له، كالطفل الذي لا عقل له، والمجنون، ومن زال عقله بإغماء، أو نوم، أو مرض، أو شرب دواء يباح شربه، فلا تصح ردته، ولا حكم لكلامه، بغير خلاف" (¬5). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "الردة لا تصح إلا من عاقل، فأما الطفل الذي لا يعقل، والمجنون، ومن زال عقله بنوم أو إغماء أو شرب دواء مباح شربه، فلا تصح ردته، ولا حكم لكلامه، بغير خلاف" (¬6). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "فأما المجنون والطفل الذي لا يميز فأقواله كلها لغو في الشرع، لا يصح منه إيمان، ولا كفر، ولا عقد من العقود، ولا شيء من الأقوال، باتفاق المسلمين" (¬7). وقال ابن الهمام (861 هـ): "المجنون لا يصح ارتداده بالإجماع" (¬8). ¬
[11/ 4] المسألة الحادية عشرة: من ارتد أثناء صومه فعليه القضاء.
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما يلي: 1 - ما رواه الخمسة من حديث علي -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬1). • وجه الدلالة: أن الحديث نص في أن المجنون غير مكلف، وأن من شرط التكليف العقل، فإذا عدم الشرط عدم المشروط، وعليه: فإن المجنون لا يؤاخذ بأقواله ولا أفعاله المتعلقة بالتكليف. إذا تقرر هذا فإن قوله أو فعله لما يوجب الكفر غير معتبر في الحكم عليه، فيرجع إلى حكمه الأصلي قبل الجنون وهو أنه مسلم معصوم الدم، يحرم قتله، فإن قتله آخر فللأولياء حق المطالبة بالدم أو الدية. 2 - أن الردة تفتقر إلى اعتقاد أونية، والمجنون لا يعتقد ما يقوله، بل لا يعقل ما يقوله فضلًا عن أن يعتقده.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [11/ 4] المسألة الحادية عشرة: من ارتد أثناء صومه فعليه القضاء. • المراد بالمسألة: إذا صام المسلم صيامًا واجبًا كرمضان، أو قضائه، أو صوم نذر، فارتد في أثناء صومه، فإن صيامه يبطل وعليه قضاء ذلك اليوم. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم، أنه يفسد صومه، وعليه قضاء ذلك ¬
اليوم إذا عاد إلى الإسلام، سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه، وسواء كانت ردته باعتقاده ما يكفر به، أو شكه فيما يكفر بالشك فيه، أو بالنطق بكلمة الكفر، مستهزئًا أو غير مستهزئ" (¬1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "ومن ارتد عن الإسلام أفطر بغير خلاف نعلمه، إذا ارتد في أثناء الصوم فعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإسلام سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه، وسواء كانت ردته باعتقاد ما يكفر به أو شكه أو النطق بكلمة الكفر مستهزئًا أو غير مستهزئ" (¬2). وقال النووي (676 هـ): "لو حاضت في بعض النهار أو ارتد: بطل صومهما بلا خلاف، وعليهما القضاء" (¬3). وقال ابن مفلح (763 هـ): "الردة تمنع صحة الصوم إجماعًا" (¬4). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} (¬5). 2 - أن الصوم عبادة من شرطها النية، فأبطلتها الردة، كالصلاة والحج. 3 - أن الصيام عبادة محضة، فنفاها الكفر، كالصلاة (¬6). • المخالفون للإجماع: ذهب الحنفية إلى من ارتد أول النهار ثم أسلم قبل الزوال فصيامه صحيح (¬7). وثمة وجه عند الشافعية أن من ارتد أثناء صومه ثم عاد للإسلام فصيامه صحيح وليس عليه قضاء ذلك اليوم (¬8).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين ¬
[12/ 4] المسألة الثانية عشرة: عدم تضمين أهل الردة لقتلى المسلمين.
أهل العلم؛ لخلاف الحنفية، وبعض الشافعية في المسألة. [12/ 4] المسألة الثانية عشرة: عدم تضمين أهل الردة لقتلى المسلمين. • المراد بالمسألة: لو ارتدت جماعة لها منعة، وقاتلوا على ردتهم، ثم تابوا وأرادوا الرجوع للإسلام؛ فإن ما أتلفوه على المسلمين من الأنفس حال الحرب لا يضمنونه. ويتبين مما سبق أن المرتد لو كان فردًا، أو جماعة لا منعة لهم، أو كان ما أتلفوه من غير الأنفس كالأموال ونحوها، أو في غير الحرب، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: المسألة حكاها ابن تيمية (728 هـ) محل اتفاق بين الصحابة رضوان اللَّه عليهم فقال: "فإن أبا بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- وسائر الصحابة لما ظهروا على أهل الردة وجاؤوا إليه، قال لهم الصديق: اختاروا إما الحرب المجلية وإما السلم المخزية، قالوا: يا خليفة رسول اللَّه، هذه الحرب المجلية قد عرفناها، فما السلم المخزية، قال: "تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، ونقسم ما أصبنا من أموالكم، وتردون ما أصبتم من أموالنا، وتنزع منكم الحلقة والسلاح، وتمنعون من ركوب الخيل، وتتركون تتبعون أذناب الإبل، حتى يرى اللَّه خليفة رسوله والمؤمنين أمرًا بعد ردتكم". فوافقه الصحابة على ذلك إلا في تضمين قتلى المسلمين، فإن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال له: هؤلاء قتلوا في سبيل اللَّه فأجورهم على اللَّه، -يعني هم شهداء فلا دية لهم- فاتفقوا على قول عمر في ذلك. وهذا الذي اتفق الصحابة عليه هو مذهب أئمة العلماء" (¬1). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "رجع أبو بكر عن تضمين أهل الردة لقتلى ¬
المسلمين، وأجمعت عليه الصحابة" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم: حيث فعله أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، ووافقه عليه الصحابة. والأثر أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة ولفظه: "عن طارق بن شهاب قال: جاء وفد بزاخة أسد وغطفان إلى أبي بكر -رضي اللَّه عنه- يسألونه الصلح، فخيرهم أبو بكر -رضي اللَّه عنه- بين الحرب المجلية أو السلم المخزية، فقالوا: هذا الحرب المجلية قد عرفنا، فما السلم المخزية، قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: تؤدون الحلقة والكراع، وتتركون أقوامًا تتبعون أذناب الإبل، حتى يري اللَّه خليفة نبيه والمسلمين أمرًا يعذرونكم به، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم، وقتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وتردون ما أصبتم منا، ونغتم ما أصبنا منكم فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: قد رأيت رأيا وسنشير عليك، أما أن يؤدوا الحلقة والكراع فنعما رأيت، وأما أن يُتركوا قومًا يتبعون أذناب الإبل حتى يُري اللَّه خليفة نبيه والمسلمين أمرا يعذرونهم به فنعما رأيت، وأما أن نغنم ما أصبنا منهم ويردون ما أصابوا منا فنعما رأيت، وأما أن قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة فنعما رأيت، وأما أن يدوا قتلانا فلا، قتلانا قتلوا على أمر اللَّه، فلا ديات لهم، فتتابع الناس على ذلك" (¬2). 2 - أن طليحة الأسدي (¬3) قتل عكاشة بن محصن الأسدي ¬
-رضي اللَّه عنه- (¬1)، وثابت بن أقرم -رضي اللَّه عنه- (¬2)، فلم يغرَمْهما (¬3). 3 - أن بني حنيفة (¬4) قتلوا من قتلوا من المسلمين يوم اليمامة (¬5)، فلم ¬
[13/ 4] المسألة الثالثة عشرة: ما ظفر به من مال المرتد فلبيت مال المسلمين.
يغرموا شيئًا (¬1). 4 - من النظر: أن في عدم تضمينهم ترغيبًا لهم في الإسلام، فإن تضمينهم قد يكون من أسباب امتناعهم من الرجوع للحق. • المخالفون للإجماع: خالف طائفة أهل العلم في مسألة الباب فذهبوا إلى أن أهل الردة ممن لهم شوكة ومنعه يضمنون ما أتلفوه من الأنفس، وبه قال جمهور الشافعية (¬2)، وهو مذهب الحنابلة (¬3). • دليل المخالف: أن المرتدين أتلفوا نفسًا معصومة، فيجب ضمانها كما لو أتلفها المسلم، أو الذمي، لا سيما أنه ليس لهم تأويل في ذلك كما هو حال البغاة.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن جمهور الشافعية، والحنابلة. ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند بيان المسألة: "المرتدون الممتنعون إذا قتلوا بعض المسلمين لم يضمنوا دمه إذا عادوا إلى الإسلام عند أكثر العلماء" (¬4)، فجعله قول أكثر العلماء ولم يجعله إجماعًا، واللَّه أعلم. [13/ 4] المسألة الثالثة عشرة: ما ظُفر به من مال المرتد فلبيت مال المسلمين. • المراد بالمسألة: إذا ارتد المسلم ثم لحق بدار الحرب وأخذ معه مالًا، فإن هذا المال إذا ظفر به المسلمون بعد ذلك فإنه يكون فيئًا لبيت المال. وكذا ما اكتسبه المرتد في دار الحرب فإنه إذا ظفر به المسلمون يكون فيئًا. ويتحصل مما سبق أن ما لم يظفر به المسلمون لا يكون داخلًا في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "المرتد مذ يرتد فكل ما ظفر به من ماله فلبيت مال المسلمين، رجع إلى الإسلام أو مات مرتدًا، أو قتل مرتدًا، ¬
[14/ 4] المسألة الرابعة عشرة: كل ما لم يظفر به المسلمون من مال المرتد حتى قتل أو مات مرتدا فلورثته من الكفار.
أو لحق بدار الحرب. . . وهذا حكم القرآن، والسنن، وموجب الإجماع" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "ولم يختلفوا فيما اكتسبه في دار الحرب أو أخرجه من ماله إلى دار الحرب أنه فيء" (¬2). وقال ابن نجيم (970 هـ): "وإن لحق المرتد بمالة فظهر عليه فهو فيء، أي ماله غنيمة يوضع في بيت المال، بالإجماع" (¬3). وقال ابن الهمام (861 هـ): "إذا لحق المرتد بمالة بدار الحرب ثم ظهر المسلمون على ذلك المال فهو فيء بإجماع الأئمة الأربعة" (¬4). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن مال المرتد الذي لحق بمالة إلى دار الحرب أو اكتسبه في دار الحرب يعتبر أنه مال حربي حكمة كسائر أموال أهل الحرب، ولا حق للورثة فيه لتبايق الدارين (¬5).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [14/ 4] المسألة الرابعة عشرة: كل ما لم يظفر به المسلمون من مال المرتد حتى قتل أو مات مرتدًا فلورثته من الكفار. • المراد بالمسألة: إذا ارتد المسلم ثم مات على ردته فماله الذي لم يظفر به المسلمون يكون لوريثه من الكفار، ولا يرثه المسلمون. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "وكل من لم يظفر به من ماله حتى قتل أو مات مرتدًا: فلورثته من الكفار. . . وهذا حكم القرآن، والسنن, وموجب الإجماع" (¬6). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: ¬
1 - ما في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من ترك مالًا فلورثته) (¬1). • وجه الدلالة: أن الحديث عام في كل ميت له مال فإن المال ينتقل إلى ورثته، وهذا يشمل المرتد وغيره، فيرثه أهله الكفار، وأما الوارث المسلم فيمنع من الإرث لما ثبت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) (¬2) (¬3). • المخالفون للإجماع: في المسألة خلاف بين فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم: فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المرتد إذا أبي أن يُسلم وقتل على الردة فإن ماله الذي اكتسبه حال إسلامه يكون فيئًا لبيت المال، وهو مذهب المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، ورواية عند الحنابلة (¬6) وهو مروي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وبه قال زيد بن ثابت، وربيعة، وابن أبي ليلى، وأبو ثور، وابن المنذر (¬7). وذهب الحنفية (¬8)، ورواية عن أحمد (¬9) إلى أن ماله يكون لورثته من المسلمين، وحكى الكاساني أن هذا القول عليه إجماع الصحابة (¬10)، وهو ¬
اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، بل قال: "وهو المعروف عن الصحابة" (¬1). • دليل المخالف: استدل القائلون بأن مال المرتد يكون لورثته من المسلمين بأدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى علق حكم الإرث بوقت هلاك الموروث، والمرتد هالك بردته؛ لأنه ارتكب جريمة استحق بها نفسه فيكون هالكًا. 2 - فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فإن عبد اللَّه بن أبي ابن سلول لما مات جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ماله لورثته المسلمين. 3 - فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم؛ "فإن عليًا -صلى اللَّه عليه وسلم- "قتل المستورد العجلي على الردة، وقسم ماله بين ورثته المسلمين" (¬3)، ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة، بل جاء عن بعض الصحابة كابن مسعود، ومعاذ بن جبل، ما يوافق هذا الفعل، فكان إجماعًا" (¬4). 4 - أما من النظر: فبيَّنه السرخسي حيث قال: "المعنى فيه أنه كان مسلمًا مالكًا لماله، فإذا تم هلاكه يخلفه وارثه في ماله، كما لو مات المسلم. وتحقيق هذا الكلام أن الردة هلاك، فإنه يصير به حربًا، وأهل الحرب في حق المسلمين كالموتى، إلا أن تمام هلاكه حقيقة بالقتل أو الموت، فإذا تم ذلك استند التوريث إلى أول الردة، وقد كان مسلمًا عند ذلك فيخلفه وارثه ¬
المسلم في ماله، ويكون هذا توريث المسلم من المسلم، وهذا لأن الحكم عند تمام سببه يثبت من أول السبب، كالبيع بشرط الخيار إذا أجيز يثبت الملك من وقت العقد حتى يستحق المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة جميعًا، فعلى هذا الطريق يكون فيه توريث المسلم من المسلم" (¬1). أما القائلون بأن ماله يكون فيئًا للمسلمين فعللوا ذلك بأن المرتد كافر فلا يرثه المسلم، للنهي الصريح في حديث أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) (¬2). • وجه الدلالة: أن الحديث صريح في أن المسلم لا يرث الكافر، وهو عام سواء كان كافرًا أصليًا أو مرتدًا. 2 - أن المرتد لا يرثه أهل ملته، كما هو قول عامة أهل العلم، بل حكي الإجماع عليه (¬3). إذا تقرر هذا فإما أن يكون مال المرتد مال محارب لا أمان له فيكون فيئا للمسلمين، أو هو مال ضائع لا صاحب له فيكون لبيت المال كالذمي إذا مات.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست من الإجماع في شيء، بل الجمهور على خلافه، وعبارة ابن حزم أن هذا القول هو موجَب الإجماع، يحتمل أن يريد به أن هذا القول مما يوجِب القول به الإجماع (¬4). ويحتمل مراده أن هذا القول له من الأدلة ما يوجِب أن يكون القول ¬
[15/ 4] المسألة الخامسة عشرة: إن رجع المرتد إلى الإسلام فماله لورثته من المسلمين إن مات مسلما.
إجماعًا، وعلى هذا فلا يكون حكاية ابن حزم للمسألة أنها إجماع، ولعل هذا الأخير أنسب؛ لأن ابن حزم حكى خلاف المذاهب في المسألة، ورد على الجمهور في اختياراتهم، ثم ذكر رأيه، وأنه موجب الإجماع، واللَّه أعلم. [15/ 4] المسألة الخامسة عشرة: إن رجع المرتد إلى الإسلام فماله لورثته من المسلمين إن مات مسلمًا. • المراد بالمسألة: المرتد إن كان معه مال، ثم رجع إلى الإسلام ومعه ذلك المال، أو اكتسب مالًا بعد إسلامه، فإن إن مات على الإسلام فماله لورثته من المسلمين. ويتحصل مما سبق أن مال المرتد الذي اكتسبه قبل الردة، أو حال الردة مما ظفر به المسلمون، فذلك غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "فإن رجع -أي المرتد- إلى الإسلام فهو له، أو لورثته من المسلمين إن مات مسلمًا" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على المسألة أن المرتد قد رجع إلى الإسلام، فيأخذ أحكام أهل الإسلام في كل شيء، ومنها التوارث.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [16/ 4] المسألة السادسة عشرة: المرتد لا يرثه ورثته من الكفار. • المراد بالمسألة: المسلم إذا ارتد عن الإسلام، ومات على الردة، فإن ماله الذي اكتسبه حال إسلامه أو ردته لا يرثه أحد من ورثته الكفار. سواء من ارتد إلى ملتهم، أو من ارتد إلى غير ملتهم. • من نقل الإجماع: قال الطحاوي (322 هـ): "رأيناهم مجمعين أن المرتدين ¬
لا يرث بعضهم بعضًا" (¬1). وقال القرطبي (671 هـ): "وأجمعوا على أن ورثته -أي المرتد- من الكفار لا يرثونه، سوى عمر بن عبد العزيز فإنه قال: يرثونه" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على المسألة ما سبق من الأدلة على أن المرتد إن مات على الردة فإن ماله لورثته من المسلمين، ومن تلك الأدلة: فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم؛ "فإن عليًا -رضي اللَّه عنه- "قتل المستورد العجلي على الردة، وقسم ماله بين ورثته المسلمين" (¬3)، ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة، بل جاء عن بعض الصحابة كابن مسعود، ومعاذ بن جبل، ما يوافق هذا الفعل، فكان إجماعًا" (¬4). • المخالفون للإجماع: ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن المرتد إن مات على الردة فماله لأهل دينه الذي ارتد إليهم. وهو مذهب الظاهرية (¬5)، ورواية عن الإمام أحمد (¬6). وبه قال قتادة، وسعيد بن أبي عروبة (¬7)، وعلقمة (¬8)، وهو ¬
[17/ 4] المسألة السابعة عشرة: المرتد لا يرث المسلم ولا الكافر.
مروي عن عمر بن عبد العزيز (¬1). وذهب ابن حزم إلى أن المرتد مذ يرتد فكل ما ظفر به من ماله فلبيت مال المسلمين، سواء رجع إلى الإسلام، أو مات مرتدًا، أو لحق بدار الحرب، وكل من لم يظفر به من ماله حتى قتل أو مات مرتدًا فلورثته من الكفار (¬2). • دليل المخالف: علل القائلون بأن مال المرتد لورثته من الكفار بأن المرتد كافر، فيرثه من هو على دينه كسائر الكفار (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيه عن قتادة، وسعيد بن أبي عروبة، وعلقمة، والحنابلة في رواية, والظاهرية. [17/ 4] المسألة السابعة عشرة: المرتد لا يرث المسلم ولا الكافر. • المراد بالمسألة: إذا ارتد المسلم عن دينه، فإنه لا يرث أحدًا، لا من المسلمين، ولا من أهل الكفر. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن المرتد لا يرث أحدًا، وهذا قول، مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم" (¬4). وقال النووي (676 هـ): "أما المرتد فلا يرث المسلم بالإجماع" (¬5). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا نعلم خلافًا بين أهل العلم أن المرتد لا يرث أحدًا" (¬6). ¬
وقال الشربيني (977 هـ): "لا يرث مرتد بحال؛ إذ لا سبيل إلى توريثه من مثله، ولا من مسلم للخبر، وإن عاد إلى الإسلام بعد موت مورثه، وما ادعاه ابن الرفعة (¬1) من أنه إذا أسلم بعد موت مورثه أنه يرثه رده السبكي وقال: إنه مصادم للحديث، وخرق للإجماع، قال: وممن نقل الإجماع على أن المرتد لا يرث من المسلم شيئًا وإن أسلم بعد ذلك الأستاذ أبو منصور البغدادي" (¬2). وقال أبو الطيب (1310 هـ): "أما المرتد فلا يرث المسلم بالإجماع" (¬3). • مستند الإجماع: المسألة على قسمين: الأول: عدم توريث المرتد من المسلم: فهذا يدل عليه حديث أسامة بن زيد رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) (¬4). • وجه الدلالة: الحديث صريح أن الكافر لا يرث من المسلم، والمرتد كافر فلا يرث من المسلمين. الثاني: عدم توريث المرتد من الكافر: فهذا علل له الفقهاء بوجود المنافاة بينهما؛ لأن المرتد لا يقر على دينه، بخلاف الكافر الأصلي فإنه يقر، ولهذا فلا يثبت للمرتد أحكام الدين الذي انتقل إليه (¬5).Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن ¬
[18/ 4] المسألة الثامنة عشرة: المرتد لا تؤكل ذبيحته.
المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [18/ 4] المسألة الثامنة عشرة: المرتد لا تؤكل ذبيحته. • المراد بالمسألة: من ثبتت ردته شرعًا عن الإسلام إلى الكفر، فإن ذبيحته حرام لا يحل أكلها، ما لم يكن ارتداده إلى دين أهل الكتاب. ويتحصل مما سبق أن المسلم لو ارتد إلى اليهودية أو النصرانية، فمسألة أخرى هي محل خلاف، وليست مرادة في مسألة الباب (¬1). وكذا لو كانت ردته لم تثبت شرعًا، كما لو ارتد حال جنونه، أو حال كونه لم يبلغ، أو ارتد مكرهًا -على رأي من لا يرى صحة ردة البالغ أو المكره-، أو غير ذلك من الصور. • من نقل الإجماع: حكى ابن حزم (456 هـ) الإجماع على أنه لا تؤكل ذبيحة المرتد، وذلك في معرض الرد على من قال بأن المرتد إذا أسلم فإنه لا يضمن ما أتلفه قياسًا على الكافر، فبيَّن أن بين الكافر والمرتد فرق وقال: "إجماعكم معنا على أن المرتد لا يقر على ردته بخلاف المشرك الكتابي الذي يقر على كفره إذا أدى الجزية صاغرًا وتذمم. . . وأنبما لا تؤكل ذبيحة المرتد بخلاف المشرك الكتابي" (¬2). وحكاها اتفاقًا جماعة من الحنفية منهم السرخسي (483 هـ) (¬3)، والمرغيناني (593 هـ) (¬4)، ودامان (1087) (¬5). ¬
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب قول اللَّه تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى بين إباحة طعام أهل الكتاب، أي ذبائحهم، مما يدل على تحريم ذبيحة غيرهم من غير المسلمين. قال ابن قدامة في بيان الآية: "فمفهومه تحريم طعام غيرهم من الكفار، ولأنهم لا كتاب لهم، فلم تحل ذبائحهم كأهل الأوثان" (¬2). وقال ابن كثير: "فدل بمفهومه -مفهوم المخالفة- على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل" (¬3). ولأن المرتد لا يُقر على دينه الذي ارتد له، فهو في حكم الكافر والمجوسي، وقد استقرت نصوص الشريعة بتحريم ذبيحة غير المسلم، وأهل الكتاب (¬4). • المخالفون للإجماع: نقل ابن حزم خلافًا في المسألة فقال: "وعن بعض الفقهاء: أكل ذبيحته إن ارتد إلى دين صابئ" (¬5). • دليل المخالف: لم أجد من نص على دليل لمن أباح ذبيحة من ارتد، ولعلَّ علة القائلين به أن المرتد كان مسلمًا تحل ذبيحته، فلا يزول الحكم عنه بالردة.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، ¬
[19/ 4] المسألة التاسعة عشرة: الكافر يلزمه الإسلام باختيار، وهو بالغ، عاقل، غير سكران.
والخلاف فيها شاذ. [19/ 4] المسألة التاسعة عشرة: الكافر يلزمه الإسلام باختيار، وهو بالغ، عاقل، غير سكران. • المراد بالمسألة: لو أسلم شخص وهو بالغ عاقل مختار غير سكران، فيلزمه الإسلام، فإن أراد العود للكفر كان حكمه حكم المرتد. ويتبين مما سبق أنه لو أسلم حال كونه فاقدًا لشيء من ذلك كأن يسلم مكرهًا، أو قبل بلوغه، أو حال سكره، أو حال فقدان عقله بجنون، أو إغماء، أو نحوه فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من أسلم وهو بالغ، مختار، عاقل، غير سكران: أنه قد لزمه الإسلام" (¬1). • مستند الإجماع: يمكن إن يستدل للإجماع في مسألة الباب بما يلي: 1 - ما رواه الخمسة من حديث علي -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬2). • وجه الدلالة: الحديث دل على أن البلوغ والعقل شرطان في حصول التكليف، ومن أسلم وهو بالغ، عاقل، غير سكران، فقد تحصلت فيه شروط التكليف حين إسلامه. 2 - أن البالغ العاقل غير السكران تتحصل عنده النية، فإذا أسلم فإنه يكون قد أسلم بنية معتبرة، وليس ثمة ما يمنع قبول إسلامه. ¬
[20/ 4] المسألة العشرون: مال المرتد الذي اكتسبه حال اسلامه لورثته من المسلمين.
Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [20/ 4] المسألة العشرون: مال المرتد الذي اكتسبه حال اسلامه لورثته من المسلمين. • المراد بالمسألة: لو ثبتت الردة على شخص، ثم قتل على ردته، فإن المال الذي كان قد اكتسبه حال كونه مسلمًا، يكون لورثته من المسلمين. ويخرج من المسألة المرتد لو تاب عن الردة، ثم لم يقتل، وكذا لو تاب ثم مات، بأن كان القاضي لا يرى قبول توبة المرتد مثلًا، وكذا ما كسبه بعد الردة، وكذا ما ظفر عليه المسلمون من ماله بعد ردته، فكل ذلك غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لا خلاف بين أصحابنا رضي اللَّه عنهم في أن المال الذي اكتسبه في حالة الإسلام يكون ميراثًا لورثته المسلمين إذا مات أو قتل، قال الشافعي -رحمه اللَّه-: هو فيء، ولنا: ما روي أن سيدنا عليًا -رضي اللَّه عنه- قتل المستورد العجلي بالردة، وقسم ماله بين ورثته المسلمين، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي اللَّه عنهم ولم ينقل أنه أنكر منكر عليه، فيكون إجماعًا من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم" (¬1). • مستند الإجماع: استدل القائلون بأن مال المرتد الذي اكتسبه حال إسلامه لورثته المسلمين، بأدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى علق حكم الإرث بوقت هلاك الموروث، ¬
والمرتد هالك بردته؛ لأنه ارتكب جريمة استحق بها نفسه فيكون هالكًا. 2 - كما استدلوا بفعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فإن عبد اللَّه بن أبي ابن سلول لما مات جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ماله لورثته المسلمين (¬1). 3 - كما استدلوا بأن هذا هو فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، فإن عليًا رضي اللَّه عنه "قتل المستورد العجلي على الردة، وقسم ماله بين ورثته المسلمين" (¬2)، ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة، بل جاء عن بعض الصحابة كابن مسعود، ومعاذ بن جبل، ما يوافق هذا الفعل، فكان إجماعًا (¬3). 4 - أما من النظر: فبينه السرخسي حيث قال: "المعنى فيه أنه كان مسلمًا مالكًا لماله، فإذا تم هلاكه يخلفه وارثه في ماله، كما لو مات المسلم، وتحقيق هذا الكلام أن الردة هلاك، فإنه يصير به حربًا، وأهل الحرب في حق المسلمين كالموتى، إلا أن تمام هلاكه حقيقة بالقتل أو الموت، فإذا تم ذلك استند التوريث إلى أول الردة، وقد كان مسلمًا عند ذلك فيخلفه وارثه المسلم في ماله، ويكون هذا توريث المسلم من المسلم، وهذا لأن الحكم عند تمام سببه يثبت من أول السبب، كالبيع بشرط الخيار إذا أجيز يثبت الملك من وقت العقد حتى يستحق المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة جميعًا، فعلى هذا الطريق يكون فيه توريث المسلم من المسلم" (¬4). • المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المرتد إذا أبي أن يسلم وقتل ¬
على الردة فإن ماله الذي اكتسبه حال إسلامه يكون فيئًا لبيت المال، وهو مذهب المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، ورواية عند الحنابلة (¬3). وهو مروي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه-، وبه قال زيد بن ثابت، وربيعة، وابن أبي ليلى، وأبو ثور، وابن المنذر (¬4). القول الثاني: ذهب آخرون إلى أن المرتد إن مات على الردة فماله لأهل دينه الذي ارتد إليهم، وهو مذهب الظاهرية (¬5)، ورواية عن الإمام أحمد (¬6). وبه قال قتادة، وسعيد بن أبي عروبة، وعلقمة، وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز (¬7). • دليل المخالف: أما الفريق الأول: فعلل القائلون بأن ماله فيء للمسلمين بأن المرتد كافر فلا يرثه المسلم، للنهي الصريح في حديث أسامة بن زيد رضي اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) (¬8). • وجه الدلالة: أن الحديث صريح في أن المسلم لا يرث الكافر، وهو عام سواء كان كافرًا أصليًا أو مرتدًا. 2 - أن المرتد لا يرثه أهل ملته، كما هو قول عامة أهل العلم، بل حكي الإجماع عليه (¬9). ¬
[21/ 4] المسألة الحادية والعشرون: المرتدة لا يزول ملكها عن أموالها.
إذا تقرر هذا فإما أن يكون مال المرتد مال محارب لا أمان له فيكون فيئًا للمسلمين، أو هو مال ضائع لا صاحب له فيكون لبيت المال كالذمي إذا مات. أما الفريق الثاني: الذين جعلوا ماله لورثته من أهل دينه، فاستدلوا عليه بأن المرتد كافر فيرثه من هو على دينه كسائر الكفار (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف مشهور بين أهل العلم، من السلف والخلف، وليست من الإجماع في شيء، حتى قول الكاساني بأنه إجماع الصحابة ليس بمحقق، فإن زيد بن ثابت مخالف في المسألة كما سبق بيانه، ولذا قال ابن عبد البر: "ولا حجة لهم في قول علي؛ لأن زيد بن ثابت يخالفه" (¬2). [21/ 4] المسألة الحادية والعشرون: المرتدة لا يزول ملكها عن أموالها. • المراد بالمسألة: لو ارتدت امرأة في دار الإسلام، ولم تلحق بدار الحرب، فإن ملكها لا يزول عنها، بل لها التصرف في أملاكها كيف شاءت. • من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "وأما المرتدة فلا يزول ملكها عن أموالها بلا خلاف، فتجوز تصرفاتها في مالها بالإجماع" (¬3). • مستند الإجماع: علل الحنفية لهذا القول بأن المرتدة تحبس ولا تقتل، ولذا فإن ردتها لا تكون سببًا لزوال ملكها عن أموالها، بخلاف المرتد (¬4). • المخالفون للإجماع: يتبين من تعليل الحنفية لمسالة الباب أن المسألة مبيَّنة على القول بأن المرتدة لا تقتل، وإنما تحبس، وسيأتي في الفصل الثاني من مسائل الردة أن القول بأن المرتدة لا تقتل إنما هو قول الحنفية، أما الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة فيرون المساواة بين الذكر والأنثى حكم ¬
[22/ 4] المسألة الثانية والعشرون: عصمة دم المرتد وماله بإسلامه بدون حكم حاكم.
الردة، حيث إن هذا هو الأصل، ولا دليل على التفريق، ولذا يقولون: المرتدة تقتل كالمرتد (¬1). وإذا تقرر هذا فإن الجمهور يخالفون في مسألة الباب، ويرون أن المرتدة يزول تصرفها عن ملكها بردتها, ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، وإنما العلة هي الردة، فمتى وجدت وُجد الحكم (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيه عن المالكية، والشافعية، والحنابلة. ولعل مراد الكاساني نقل الإجماع في مذهبه، فإن القول بعدم قتل المرتدة لا خلاف فيه بين الحنفية كما صرح به الكاساني فقال: "المرتدة لا تُقتل، بلا خلاف بين أصحابنا" (¬3). [22/ 4] المسألة الثانية والعشرون: عصمة دم المرتد وماله بإسلامه بدون حكم حاكم. • المراد بالمسألة: لو ارتد شخص عن الإسلام، ثم تاب من ردته، فإنه بتوبته يكون معصوم الدم والمال، ولا يحتاج لثبوت التوبة أن يحكم الحاكم بها وبما يترتب عليها من عصمة الدم والمال. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "الأئمة متفقون على أن المرتد إذا أسلم عصم بإسلامه دمه وماله، وإن لم يحكم بذلك ¬
حاكم" (¬1)، ونقله عنه ابن مفلح (¬2)، وابن مفلح المقدسي (¬3)، وابن قاسم (¬4). • مستند الإجماع: يستدل لهذه المسألة بأدلة منها: 1 - ما أخرجه الشيخان عن أسامة بن زيد رضي اللَّه عنهما قال: "بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الحُرَقَة (¬5)، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا اللَّه، فكف الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا اللَّه) قلت: كان متعوذًا، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم" (¬6). وفي لفظ لمسلم: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأسامة: (أقتلته)؟ قال: نعم، قال: (فكيف تصنع بلا إله إلا اللَّه إذا جاءت يوم القيامة) قال: يا رسول اللَّه استغفر لي، قال: (وكيف تصنع بلا إله إلا اللَّه إذا جاءت يوم القيامة (قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: كيف تصنع بلا إله إلا اللَّه إذا جاءت يوم القيامة) (¬7). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حكم بإسلام الرجل وعصمته، بمجرد تلفظه بالشهادة، دون الرجوع للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك. 2 - عموم الأحاديث الدالة على عصمة دم من أسلم، منها: ¬
[23/ 4] المسألة الثالثة والعشرون: لعن غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يوجب القتل.
أ- عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: لما توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان أبو بكر رضي اللَّه عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللَّه. . .) الحديث (¬1). ب- عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه) (¬2). ج - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه) (¬3). • وجه الدلالة: هذه الأحاديث وما شابهها تدل على عصمة الدم والمال بالإِسلام، وليس فيها ما يدل على اشتراط حكم الحاكم بصحة إسلامه.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [23/ 4] المسألة الثالثة والعشرون: لعن غير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يوجب القتل. • المراد بالمسألة: لو أن شخصًا سب أحدًا من أمة محمد صلى -صلى اللَّه عليه وسلم- غير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه لا يقتل ردَّة. ¬
ويتحصل مما سبق أن سب سائر الأنبياء غير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غير داخل في مسألة الباب، كما أنه لو قُتل من باب التعزيز، فغير مراد أيضًا (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "لا أعلم أحدًا يوجب قتل من سب بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬2)، نقله عنه ابن القطان (¬3)، وابن تيمية (¬4). وقال ابن تيمية (728 هـ): "اتفق الأئمة على أن من سب نبيًا قُتل، ومن سب غير النبي لا يقتل بكل سب سبه" (¬5). • مستند الإجماع: استدل من قال بأنه لا يقتل أحد سب غير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى ميز بين مؤذي اللَّه ورسوله ومؤذي المؤمنين، فجعل الأول ملعونًا في الدنيا والآخرة، وقال في الثاني: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} (¬7)، ومطلق البهتان والإثم ليس بموجب للقتل، وإنما هو موجب للعقوبة في الجملة، فيكون عليه عقوبة مطلقة ولا يلزم من العقوبة جواز القتل (¬8). ¬
2 - عن أبي برزة -رضي اللَّه عنه- (¬1) قال: "أتيت على أبي بكر وقد أغلظ الرجل، فرد عليه، فقلت: ألا أضرب عنقه؟ فانتهرني، فقال: إنها ليست لأحد بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬2). • وجه الدلالة: أن أبا بكر أخبر أنه لا يجوز قتل الرجل الذي رد عليه، وأخبر أن هذا لا يكون إلا في حق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دون غيره، وإذا لم يجز قتل سابِّ أبي بكر رضي اللَّه عنه وهو خير هذه الأمة بعد نبيها -صلى اللَّه عليه وسلم-، فعدم القتل بسب غيره من باب أولى. • المخالفون للإجماع: وقع الخلاف في سب الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، إما أشخاصًا بعينهم، أو الصحابة عمومًا إلى أقوال ثلاثة حاصلها: القول الأول: ذهب طائفة إلى أنهم لا يكفرون وفقًا على مسألة الباب (¬3). القول الثاني: ذهب طائفة إلى كفر من سب الشيخين أو أحدهما فيقتلون ردة. ¬
وهذا قول عند الحنفية (¬1)، ووجه عند الشافعية (¬2). ونسب شيخ الإسلام ابن تيمية القول بقتل من سب الصحابة إلى طائفة من فقهاء أهل الكوفة، كمحمد بن يوسف الفريابي (¬3)، وأحمد بن يونس (¬4)، وأبو بكر الأثرم (¬5)، وعبد اللَّه بن إدريس (¬6). ¬
كما نسب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى بعض الحنابلة القول بكفر من سب جميع الصحابة (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولقد بالغ السلف في الاحتياط بجنابه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى أفتى بعضهم بأن من سب فاطمة وعائشة أن يقتل، وقال: على هذا مضت سيرة أهل العلم. وأفتى بعض الشافعية: أن من سب أبا بكر أو عمر أو عثمان أو عليًا رضى اللَّه عنهم فهو كافر" (¬2). ونسب النووي لبعض المالكية القول بقتل من سب أحدًا من صحابة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬3). والقول الثالث: التوقف (¬4). والقولان الأخيران هما روايتان للإمام أحمد كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "فأما من سب أحدًا من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، من أهل بيته وغيرهم، فقد أطلق الإمام أحمد أنه يضرب نكالًا وتوقف عن قتله وكفره. قال أبو طالب: سألت أحمد عمن شتم أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "القتل أجبن عنه، ولكن أضربه ضربًا نكالًا". وقال عبد اللَّه: سألت أبي عمن شتم أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أرى أن يضرب"، قلت له: حد؟ ، فلم يقف على الحد إلا أنه قال: "يضرب"، وقال: "ما أراه على الإسلام ". . . قال أحمد في رواية أبي طالب في الرجل يشتم عثمان: "هذا زندقة". وقال في رواية المروزي: "من شتم أبا بكر وعمر وعائشة: ما أراه على الإسلام". ¬
قال القاضي أبو يعلى: فقد أطلق القول فيه أنه يكفر بسبه لأحد من الصحابة، وتوقف في رواية عبد اللَّه، وأبي طالب عن قتله، وكمال الحد، وإيجاب التعزير يقتضي أنه لم يحكم بكفره. قال: فيحتمل أن يحمل قوله: "ما أراه على الإسلام" إذا استحل سبهم بأنه يكفر بلا خلاف، ويحمل إسقاط القتل على من لم يستحل ذلك بل فعله مع اعتقاده لتحريمه كمن يأتي المعاصي. قال: ويحتمل قوله: "ما أراه على الإسلام" على سب يطعن في عالتهم، نحو قوله: ظلموا، وفسقوا، بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأخذوا الأمر بغير حق. ويحمل قوله في إسقاط القتل على يسب لا يطعن في دينهم، نحو قوله: كان فيهم قلة علم، وقلة معرفة بالسياسة والشجاعة، وكان فيهم شح، ومحبة للدنيا، ونحو ذلك. قال: ويحتمل أن يحمل كلامه على ظاهره فتكون في سابهم روايتان: إحداهما: يكفر، والثانية: يفسق، وعلى هذا استقر قول القاضي وغيره، حكوا في تكفيرهم روايتان" (¬1). • دليل المخالف: استدل القائلون بقتل سب الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم بأدلة منها: قول اللَّه تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (¬2) (¬3)، قال ¬
ابن كثير: "من هذه الآية انتزع الإمام مالك -رحمه اللَّه- في رواية عنه: بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية" (¬1). وقال ابن تيمية: "قوله تعالى: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} (¬2): تعليق للحكم بوصف مشتق مناسب؛ لأن الكفر مناسب لأن يغاظ صاحبه، فإذا كان هو الموجب لأن يغيظ اللَّه صاحبه بأصحاب محمد فمن غاظه اللَّه بأصحاب محمد فقد وُجد في حقه ذلك، وهو الكفر" (¬3). 2 - أن اللَّه تعالى أثنى على الصحابة رضوان اللَّه عليهم في غير ما آية من كتابه فقال سبحانه: {لَقَدْ رضي اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} (¬4)، وقال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)} (¬5). وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (¬6)، فمن سب الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم فقد كذب خبر اللَّه تعالى في القرآن. 3 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أثنى على أصحابه في أحاديث كثيرة منها: أ- عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه قال: سئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أي الناس خير؟ ¬
قال: (قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) (¬1). ب- عن أبي سعيد الخدري -رضى اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) (¬2). ج- عن البراء -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه اللَّه ومن أبغضهم أبغضه اللَّه) (¬3). د- عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يبغض الأنصار رجل يومن باللَّه واليوم الآخر) (¬4). والأحاديث في هذا الباب كثيرة، فمن سبهم فقد زاد على بغضهم، ويكون كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم- منافقًا لا يؤمن باللَّه ولا باليوم الآخر. 4 - كما استدلوا بأن هذا هو المأثور عن جملة من الصحابة رضوان اللَّه عليهم، كعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن أبزى -رضي اللَّه عنهم- (¬5) (¬6). وقد أخرج اللالكائي: "أن عليًا -رضي اللَّه عنه- لمّا بلغه أن ابن السود (¬7) ينتقص أبا بكر وعمر فدعا به، ودعا بالسيف، وهمَّ بقتله، فكُلم فيه فقال: "لا يساكني ¬
ببلد أنا فيه"، فنفاه إلى الشام (¬1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا يظهر عن علي -رضي اللَّه عنه- أنه يريد قتل رجل إلا وقتله حلال عنده، ويشبه -واللَّه أعلم- أن يكون إنما تركه خوف الفتنة بقتله، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يمسك عن قتل بعض المنافقين؛ فإن الناس تشتتت قلوبهم عقب فتنة عثمان رضي اللَّه عنه وصار في عسكره من أهل الفتنة أقوام لهم عشائر لو أراد الانتصار منهم لغضبت لهم عشائرهم" (¬2).Rظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيه عن بعض الحنفية، وبعض المالكية، وبعض الشافعية، وغيرهم. وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية مسألة سب الصحابة على ثلاثة أقسام فقال: "أما من سبهم سبًا لا يقدح في عدالتهم، ولا في دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك: فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم. وأما من لعن وقبَّح مطلقًا: فهذا محل الخلاف فيهم، لتردد الأمر بين لعن الغيظ، ولعن الاعتقاد. وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام إلا نفرًا قليلًا يبلغون بضعة عشر نفسًا، أو أنهم فسقوا عامتهم: فهذا لا ريب أيضًا في كفره؛ لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم، والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة: أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق" (¬3)، واللَّه تعالى أعلم. ¬
[24/ 4] المسألة الرابعة والعشرون: المرتد إذا مات على ردته حبط عمله.
[24/ 4] المسألة الرابعة والعشرون: المرتد إذا مات على ردته حبط عمله. • المراد بالمسألة: لو ارتد شخص مسلم عن الإسلام، ثم مات وهو مرتد، فإنه يلقى اللَّه تعالى وقد حبطت عنه جميع أعماله الصالحة التي كان عملها في إسلامه، وبعد ردته. ويتحصل مما سبق أنه لو ارتد ثم عاد للإسلام فكون أعماله التي عملها قبل الردة يحبطها اللَّه تعالى أم لا مسألة خلاف ليست مرادة في الباب. • من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "الردة المتصلة بالموت تحبط العبادات بالنص والإجماع" (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "وأما الردة عن الإسلام، بأن يصير الرجل كافرًا، مشركًا، أو كتابيًا، فإنه إذا مات على ذلك حبط عمله باتفاق العلماء" (¬2). وقال قليوبي (¬3) وابن عميرة (¬4): "واعلم أنها -أي الردة- تحبط ثواب الأعمال مطلقًا، وكذا العمل إن اتصلت بالموت إجماعا" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ¬
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} (¬1). 2 - قال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬2). 3 - قال تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)} (¬3). 4 - قال تعالى في حق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} (¬4). 5 - كما يدل عليه عموم النصوص الدالة على أن الكافر لا يقبل منه يوم القيامة عمل، منها: أ- عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه لا يظلم مؤمنًا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها للَّه في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها) (¬5). ب- عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قلت: يا رسول اللَّه ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: (لا ينفعه؛ إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) (¬6). • وجه الدلالة من الأحاديث: هذه أحاديث تدل على أن الكافر لا يقبل منه عمل، والمرتد الذي مات على ردته يكون كافرًا، فيدخل ضمن هذه النصوص، واللَّه أعلم.Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[25/ 4] المسألة الخامسة والعشرون: تعلم السحر وتعليمه وعمله حرام.
[25/ 4] المسألة الخامسة والعشرون: تعلم السحر وتعليمه وعمله حرام. • المراد بالمسألة: أولا: تعريف السحر لغةً واصطلاحًا: السِّحر لغةً: قال ابن فارس: "السين والحاء والراء أصولٌ ثلاثة متباينة: أحدها: عضْوٌ من الأعضاء، والآخر: خَدْعٌ وشِبههُ، والثالث: وقتٌ من الأوقات. فالعُضْو السَّحْر، وهو ما لَصِقَ بالحُلقوم والمَرِيء من أعلى البطن. . . وأمّا الثّاني فالسِّحْر، قال قوم: هو إخراج الباطل في صورة الحقِّ، ويقال هو الخديعة. . . وأما الوقت فالسَّحَر، والسُّحْرة، وهو قَبْل الصُّبْح" (¬1). ويتحصل مما سبق أن هذه المادة على ثلاثة أضرب: الأول: السِّحر -بتشديد السين المكسورة-. والثاني: السَّحْر -بتشديد السين المفتوحة، وسكون الحاء-. والثالث: السَّحَر -بتشديد السين المفتوحة، وفتح الحاء-. والذي يخصُّنا في البحث هو الضرب الأول، قال الخليل بن أحمد: "السِّحر: كل ما كان من الشيطان فيه معونة، والسِّحر: الأخذة التي تأخذ العين، والسِّحر: البيان في الفطنة" (¬2). وقال الجوهري (¬3): "السحر: الأخذة، وكل ما لطف مأخذه ودق فهو ¬
سحر" (¬1). وقال الأزهري: "أصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره" (¬2). ويتحصل مما سبق أن السِّحر في اللغة يطلق على كل ما لطف مأخذه ودق، أي ما كان سببه خفيًا، كما يُطلق على العمل الذي فيه معونة من الشيطان، وعلى صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره -ومنه: الخديعة-، وعلى الفطنة، والبيان، وفصاحة اللسان. • السحر اصطلاحًا: اختلف أهل العلم في حد السحر اصطلاحًا، وذلك لكثرة أنواعه، وعدم تحقق قدر مشترك بين هذه الأنواع يكون جامعًا لها مانعًا عن دخول غيرها، ولذا قال الشافعي: "السحر: اسم جامع لمعان مختلفة" (¬3). وقال ابن جرير الطبري: "تخييل الشيء إلى المرء بخلاف ما هو به في عينه وحقيقته" (¬4). وعرفه ابن العربي بقوله: "كلام مؤلف يعظم به غير اللَّه تعالى، وتنسب إليه فيه المقادير والكائنات" (¬5). وعرفه ابن قدامة بقوله: "هو عقد ورقى وكلام يتكلم به، أو يكتبه، أو يعمل شيئًا في بدن المسحور أو قلبه، أو عقله، من غير مباشرة له، وله حقيقة، فمنه ما يقتل، وما يمرض، ويأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، وما يبغض أحدهما إلى الآخر، أو يحبب بين اثنين" (¬6). • ثانيًا: صورة المسألة: من استعمل السِّحر عن طريق تعظيم غير اللَّه تعالى، أو استعمال الجن بالصرف والعطف، أو ضرر الناس، أو خديعتهم، أو نحو ذلك، فقد ارتكب أمرًا محرمًا شرعًا. ¬
ويُبيَّن أن السحر الذي يعتمد على خفة اليد، أو ما سمي في نصوص الشرع سحرًا من البيان في الكلام، أو النميمة فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال أبو عثمان الصابوني (449 هـ) (¬1): "وإن قال: السحر ليس بحرام، وأنا أعتقد إباحته، وجب قتله؛ لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه" (¬2). قال ابن قدامة (620 هـ): "تعلّم السحر وتعليمه حرام، لا نعلم فيه خلافًا بين أهل العلم" (¬3). وقال أيضًا: "القرآن نطق بتحريمه -أي السحر- وثبت بالنقل المتواتر والإجماع" (¬4). وقال النووي (676 هـ): "عمل السحر حرام، وهو من الكبائر، بالإجماع" (¬5)، ونقله عنه ابن حجر (¬6). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "تعليم السحر وتعلمه حرام، لا نعلم فيه خلافًا بين أهل العلم" (¬7). وقال أيضا: "القرآن نطق بتحريمه -أي السحر- وثبت بالنقل المتواتر والإجماع" (¬8). وقال ابن تيمية (728 هـ): "قد علم أنه -أي السحر- محرم بكتاب اللَّه، وسنة رسوله، وإجماع الأمة" (¬9). وقال ابن الهمام (861 هـ): "تعليم السحر حرام بلا خلاف بين أهل العلم" (¬10). ¬
وقال زكريا الأنصاري (926 هـ): "ويحرم فعله -أي السحر- بالإجماع" (¬1). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "وتعلمه -أي السحر-، وتعليمه، وفعله حرام، بلا نزاع" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى سمى تعليم السحر كفرًا، وجعل من اشتراه ليس له خلاق -أي نصيب- في الآخرة، وجعل تعلم السحر منافيًا للإيمان والتقوى. 2 - قال تعالى: {قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} (¬4). 3 - قال تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)} (¬5). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (اجتنيوا السبع الموبقات) قيل: يا رسول اللَّه وما هن؟ قال: (الشرك باللَّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) (¬6). ¬
5 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئًا وكل إليه) (¬1). 6 - عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إن الرقى، والتمائم، والتولة، شرك) (¬2). والتولة ضرب من السحر يزعمون به أنه يقرب الرجل إلى امرأته (¬3). • المخالفون للإجماع: خالف بعض أهل العلم في بعض صور المسألة فنقل ابن عابدين عن بعض الحنفية استثناء تعلم السحر لرد ساحر أهل الحرب فيجب في هذه الحال، وإنْ تعلمه ليوفق بين زوجين فجائز (¬4). وذهب بعض الشافعية إلى تحريم تعليم السحر، إلا إن كان لتحصيل نفع، أو لدفع ضرر، أو للوقوف على حقيقته (¬5). وأشار إلى هذا القول ابن حجر فقال: "قد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأحد أمرين: إما لتمييز ما فيه كفر من غيره، وإما لأزالته عمن وقع فيه. ¬
فأما الأول فلا محذور فيه إلا من جهة الاعتقاد، فإذا سلم الاعتقاد فمعرفة الشيء بمجرده لا تستلزم منعًا، كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثان للأوثان؛ لأن كيفية ما يعمله الساحر إنما هي حكاية قول أو فعل بخلاف تعاطيه والعمل به" (¬1). وأشد من خالف في المسألة الفخر الرازي حيث نقل اتفاق المحققين على أن تعلم السحر ليس بمحظور، فقال في تفسيره: "العلم بالسحر غير قبيح ولا محظور، اتفق المحققون على ذلك؛ لأن العلم لذاته شريف، وأيضًا لعموم قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} (¬2)، ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجز، والعلم بكون المعجز معجزًا واجب وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب، فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبًا، وما يكون واجبًا كيف يكون حرامًا وقبيحًا" (¬3). ¬
[26/ 4] المسألة السادسة والعشرون: السحر لا يظهر إلا من فاسق.
Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع في الجملة، وإنما الخلاف في بعض الصور، وقول الرازي شاذ لا يُعول عليه. [26/ 4] المسألة السادسة والعشرون: السحر لا يظهر إلا من فاسق. • المراد بالمسألة: لو ثبت السحر المحرم على شخص من الأشخاص، فإنه دليل على فسق ذلك الشخص. ويتبين مما سبق أن السحر الذي ليس بمحرم كالذي يكون باستعمال الأدوية أو يعتمد على خفة الحركة أو ما سمي في نصوص الشرع سحرًا وهو مباح كالبيان والفصاحة، فكل ذلك ليس مرادا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال إمام الحرمين الجويني (478 هـ) (¬1): "ولا يظهر السحر إلا على فاسق، ولا تظهر الكرامة على فاسق، وليس ذلك بمقتضى العقل بل مستفاد من إجماع الأمة"، نقله عنه الشربيني (¬2)، وزكريا الأنصاري (¬3) (¬4)، وابن حجر. . . ¬
[27/ 4] المسألة السابعة والعشرون: السحر ثابت وله حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء.
الهيتمي (¬1). وقال النووي (676 هـ): "إجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر إلا على فاسق" (¬2). وقال الشوكاني (1250 هـ): "إجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر إلا على فاسق" (¬3). • مستند الإجماع: أن السحر المذكور محرم، بل هو من الكبائر كما نقل النووي الإجماع عليه، وقد يكون وسيلة إلى الكفر باللَّه تعالى، ومن ظهر منه ما هذا حكمه فلا ريب في فسقه. • المخالفون للإجماع: لم أجد من نص على خلاف في مسألة الباب، لكن سبق في المسألة السابقة أن ثمة من يرى جواز تعلم السحر لقضايا معينة، ومن لازم قولهم أن من تعلم السحر لهذه الأغراض فإنه تعلم أمرًا مباحًا، ولا يكون بذلك فاسقًا. لكن من المُقرر أن لازم القول لا يكون قولًا لصاحبه، وإنما يدل على قوة القول وضعفه، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [27/ 4] المسألة السابعة والعشرون: السحر ثابت وله حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء. • المراد بالمسألة: المراد بمسألة الباب أن السحر له حقيقة ووجود، يؤثر به الساحر على المسحور. أما مسألة كون الساحر يستطيع قلب الأعيان حقيقة، فهذه مسألة أخرى ليست مرادة في الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "أجمعوا على أن السحر له ¬
حقيقة، إلا أبا حنيفة: فإنه قال لا حقيقة له" (¬1). وقال الشوكاني (1250 هـ): "وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيرًا في نفسه، وحقيقة ثابتة، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة، وأبو حنيفة" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على أن السحر له حقيقة ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (¬3). والمراد بالنفاثات في العقد: السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن، وينفثن عليه، كما فسره بذلك مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والضحاك (¬4). • ووجه الدلالة من الآية: أن اللَّه تعالى أمر بالاستعاذة من السحر، ولولا أن له حقيقة، لما أمر اللَّه تعالى بالاستعاذة منه (¬5). 2 - قول اللَّه تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} (¬6). • وجه الدلالة من الآية: أخبر تعالى أن السحر مما يُتعلم، ويُفرَّق به بين الرجل وزوجه، وهذا لا يكون فيما لا حقيقة له (¬7). ¬
3 - عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، فقال: (يا عائشة أعلمت أن اللَّه قد أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه، قال: لبيد بن أعصم -رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقًا-، قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاقة، قال: وأين؟ قال: في جف طلعة ذكر، تحت راعوفة (¬1)، في بئر ذروان، قالت: فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- البئر حتى استخرجه" (¬2). • وجه الدلالة: الحديث صريح في أن السحر حصل بأشياء أُخذت ودُفنت، ثم أُخرجت وأُتلفت، مما يدل على أن له حقيقة ووجود. 4 - من النظر: واقع الحال، فقد اشتهر بين الناس وجود عقد الرجل عن امرأته، فلا يقدر على إتيانها، وبعد حل عقده يتمكن من إتيانها، وفي ذلك من الأخبار والوقائع المشاهدة ما هو مشهورٌ لا يمكن جحده (¬3). • المخالفون للإجماع: نقل بعض أهل العلم عن أبي حنيفة القول بأن السحر مجرد تخييل، وأنه لا حقيقة له، ولا تأثير على الأبدان (¬4). لكن ثمة تنبيهان: الأول: ما نُقِل عن أبي حنفية من القول بأن السحر تخييل لا حقيقة له محل نظر، والأقرب عدم صحة ذلك عنه، ويؤيده أن أصحابه لم ينقلوا عنه ذلك، بل المنقول في كتب الحنفية هو القول بأن السحر له حقيقة، ومن ذلك: قال ابن الهمام: "قال أصحابنا: للسحر حقيقة وتأثير في إيلام الأجسام، ¬
خلافًا لمن منع ذلك وقال: إنما هو تخييل" (¬1). وقال ابن عابدين: "في شرح الزعفراني: السحر حق عندنا، وجوده، وتصوره، وأثره" (¬2). وكذا نقله غيرهم من أهل العلم، فقال ابن بطال: "قال ابن القصار: ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى أن السحر له حقيقة، وقد يمرض من يفعل ويموت ويتغير عن طبعه" (¬3). الثاني: ذكر بعض أهل العلم كابن جرير (¬4)، وابن حزم (¬5)، والبغوي (¬6) أن الصواب في مسألة السحر أنه تخييل، لكنهم لا يريدون بذلك أن السحر لا حقيقة له ولا تأثير، وإنما أرادوا مسألة أخرى وهي قلب الأعيان، كأن يقلب الساحر الإنسان حمارًا، والصندوق دراهمًا، وما إلى ذلك، فهذا تخييل لا حقيقة له، أما نفس السحر فلم يريدوا أنه تخييل لا حقيقة له، بل نصوا على وجوده حقيقة، كما قال البغوي: "والسحر وجوده حقيقة عند أهل السنة، وعليه أكثر الأمم" (¬7). ويمكن أن يحمل كلام أبي حنيفة إن صح النقل عنه بأن السحر لا حقيقة له، أنه أراد هذا المعنى من قلب الأعيان، وأنه في ذلك تخييل، لا أن السحر لا حقيقة له في ذاته، ولا تأثير، واللَّه أعلم. • دليل المخالف: استدل المخالف بقول اللَّه تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)} (¬8).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، وإن كان المارزي لما ذكر المسألة نسبها ¬
[28/ 4] المسألة الثامنة والعشرون: المرتد أحكامه مردودة.
لجمهور العلماء، فقال: "مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة" (¬1)، ولعله اعتبر خلاف أبي حنيفة في ذلك. [28/ 4] المسألة الثامنة والعشرون: المرتد أحكامه مردودة. • المراد بالمسألة: من المقرر عند الفقهاء من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6) أن الإسلام شرط لتولي منصب القضاء بين المسلمين، فإذا تولى المسلم القضاء بين المسلمين، ثم ارتد حال توليه القضاء، فإن ما حكم به حال ارتداده مردود غير نافذ. ويتبيَّن مما سبق أن ما حَكَم به قبل ارتداده، أو كان حكمه للقضاء بين غير المسلمين، كأهل الذمة، وغيرهم، فكل ذلك غير مراد من مسألة الباب. وينبه أيضًا إلى أن المسألة مقيَّدة بحال الاختيار، أما في حال الضرورة فإن ذلك غير مراد، ومثال الضرورة: كأن يستبد بالسلطة حاكم ظالم ذو بطش وشوكة، فيولى القضاء كافرًا، فهذا قاضي ضرورة ينفذ قضاؤه رغم بطلان توليته؛ حتى لا تتعطل مصالح الناس، إذ وجود القاضي مهم لحل الخصومات، ¬
وترك المكان بلا قاض فيه ضرر بيِّن (¬1). • من نقل الإجماع: قال أبو الوليد الباجي (474 هـ): "وأما اعتبار إسلامه -أي القاضي- فلا خلاف فيه بين المسلمين" (¬2). وقال ابن تيمية (728 هـ): "المرتد أحكامه مردودة باتفاق العلماء" (¬3). وقال ابن فرحون (799) (¬4): "لا تصح -أي ولاية القضاء- من الكافر اتفاقًا" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة بطلان تولي المرتد للقضاء ما يلي: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬6). • وجه الدلالة: الآية دلت بمنطوقها أن من شرط وُلاة الأمر أن يكونوا مؤمنين، وذلك في قوله: {مِنْكُمْ} (¬7). 2 - قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (¬8). • وجه الدلالة: أن تولية غير المسلم القضاء على المسلم يعتبر سبيلًا وسيطرة على المسلم؛ لأن القضاء ولاية، والآية صريحة أنه لا سبيل للكافر على المسلم، وهو من باب الخبر الذي بمعنى النهي (¬9). ¬
3 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)} (¬1). • وجه الدلالة: الآية صريحة في النهي عن اتخاذ بطانة من دون المسلمين، وتولية الكافر القضاء هو نوع من اتخاذه بطانة (¬2). 4 - قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} (¬3). 5 - عن عائذ بن عمرو -رضي اللَّه عنه- (¬4) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه) (¬5). ¬
• وجه الدلالة من الآية والحديث: فيهما دليل على أن حق الكافر الذل والصغار، ومعلوم أن القضاء منصب رفيع فيه إكرام وتعظيم لمن تقلَّده، والكافر لا يستحق التعظيم (¬1). 6 - قياس القضاء على الشهادة بجامع أن كلًا منهما ولاية، فكما لا يجوز شهادة الكافر، وهي ولاية خاصة، فمن باب أولى ألا يصح قضاؤه، لكونه ولاية عامة (¬2). 7 - أن القصد من القضاء تطبيق الأحكام الشرعية، والكافر جاهل بها غالبًا. 8 - أن القضاء منصب عظيم، يحتاج لأمانة ودين فيمن يتولاه، والكافر فاقد لذلك. 9 - قياس الكافر على الفاسق بجامع فقدان شرط العدالة في كل منهما، فإذا كان الفاسق ممنوعًا من تولي القضاء مع كونه خيرًا من الكافر ومع أصل ¬
الإيمان، فمن باب أولى أن يمنع الكافر من تولي القضاء (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم (¬2). ¬
[29/ 4] المسألة التاسعة والعشرون: اتفق العلماء على أن القرآن هو المتلو في الأمصار المكتوب الذي بين أيدينا وهو ما جمعته الدفتان من أول {الحمد لله رب العالمين} إلى آخر سورة الناس.
[29/ 4] المسألة التاسعة والعشرون: اتفق العلماء على أن القرآن هو المتلو في الأمصار المكتوب الذي بين أيدينا وهو ما جمعته الدفتان من أول {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1) إلى آخر سورة الناس. • المراد بالمسألة: القرآن الذي أنزله اللَّه تعالى هو ما بين دفتي المصاحف الموجودة بين أيدينا، من أول سورة الفاتحة وهي قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬2)، إلى آخر سور الناس. لكن يستثنى من ذلك البسملة التي في أول السور، فإن إثبات كونها قرآنًا أو نفيه محل خلاف، سيأتي بيانه إن شاء اللَّه تعالى (¬3)، وكذا يستثنى منه ذكر أسماء السور، والأجزاء، والأحزاب، وتحديد الآيات. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) في باب عقده لجملة من الاعتقادات التي يكفر من خالفها: "اتفقوا أن القرآن المتلو الذي في المصاحف بأيدي الناس، في شرق الأرض وغربها من أول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}، إلى آخر: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} (¬4)، هو كلام اللَّه عز وجل ووحيه، أنزله على نبيه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- مختارًا له من بين الناس" (¬5). وقال القاضي عياض (454 هـ): "أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في ¬
[30/ 4] المسألة الثلاثون: من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنا به ثم ارتد عن الإسلام فلا يكون من الصحابة.
جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدى المسلمين مما جمعه الدفتان من أول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}، إلى آخر: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)}، أنه كلام اللَّه، ووحيه المنزل على نبيه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬1). وقال النووي (676 هـ): "قد أجمع المسلمون على أن القرآن المتلو في الأقطار المكتوب في الصحف الذي بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}، إلى آخر: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)}، كلام اللَّه ووحيه المنزل على نبيه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [30/ 4] المسألة الثلاثون: من لقي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مؤمنًا به ثم ارتد عن الإسلام فلا يكون من الصحابة. • المراد بالمسألة: من المقرر أن الصحابي هو من لقي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مؤمنًا به ومات على ذلك، وإن لم يكن رآه كابن مكتوم. وأن الصحابة كلهم مسلمون عدول، أثنى اللَّه تعالى عليهم في كتابه، وواجب علينا أن نترضى عليهم. فأمَّا من رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مؤمنًا به ثم ارتد ومات على الردة فإنه لا يعد من الصحابة. ويتحصل من ذلك أن من رآه مؤمنًا به ثم ارتد ثم رجع للإسلام فذلك غير مراد. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف بين أحد من الأمة ¬
في أنه لا يحل لمسلم أن يسمي كافرًا معلِنًا بأنه صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا أنه من أصحاب النبي عليه السلام" (¬1). وقال ابن حجر (852 هـ): "من صحبه أو رآه مؤمنًا به ثم ارتد بعد ذلك ولم يعُد إلى الإسلام فإنه ليس صحابيًا اتفاقًا" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على المسألة ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} (¬3). 2 - قول اللَّه تعالى: {لَقَدْ رضي اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} (¬4). 3 - قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬5). 4 - قول اللَّه عز وجل: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (¬6). قال القرطبي في تفسير هذه الآية: "وهذا كله مع علمه تبارك وتعالى ¬
[31/ 4] المسألة الحادية والثلاثون: إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح.
بحالهم ومآل أمرهم" (¬1). 5 - عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) (¬2). 6 - عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) (¬3). • وجه الدلالة من النصوص السابقة: النصوص السابقة من الكتاب والسنة صريحة في الثناء على الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، فبعضها نص على المهاجرين، وفي بعضها على الذين بايعوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيعة الرضوان، وفي بعضها عموم الصحابة، وهذا كله يدل على أنهم مسلمون؛ إذ المرتد لا يستحق الثناء.Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [31/ 4] المسألة الحادية والثلاثون: إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح. • المراد بالمسألة: إذا عقد مسلم على مسلمة ثم ارتد أحد الزوجين قبل الدخول، فإن النكاح ينفسخ بينهما. ويتبين مما سبق أن المسلم لو عقد على كتابية، أو كان الزوجان المسلمان ارتدا معًا، أو ارتد أحدهما بعد الدخول، فكل ذلك غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول: انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم" (¬4). وقال شمس الدين بن قدامة (682 هـ): "إذا ارتد أحد الزوجين قبل ¬
الدخول: انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم" (¬1). وقال الرحيباني: "إن ارتد أحد الزوجين قبل الدخول: انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم" (¬2). وقال ابن مفلح المقدسي: "إن ارتد أحد الزوجين قبل الدخول: انفسخ النكاح في قول عامتهم" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على المسألة ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نفى حليَّة الكافرات للمؤمنين، وحليَّة المؤمنات للكافرين، ونهى أن يمسك المؤمن بعصمته امرأة كافرة. 2 - من النظر: لأن المرتد بارتداده يكون قد اختلف دينه مع زوجه، وهذا الاختلاف يمنع الدخول والإصابة، فأوجب فسخ النكاح، كما لو أسلمت المرأة تحت كافر (¬5). المخالف في المسألة: حكي عن داود أنه لا ينفسخ النكاح بالردة (¬6). • دليل المخالف: استدل القائلون ببقاء النكاح بأن النكاح وقع صحيحًا، ولا يحكم بفسخه إلا بدليل صريح صحيح، ولا يوجد دليل على الفسخ، فبقي الحكم على الأصل من استمرارية النكاح (¬7). ¬
Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، وأما ما حكي عن داود، فإنها حكاية غير مجزوم بها، لا سيما أن ابن حزم حين ذكر المسألة في كتابه "المحلى" لم يذكر هذا القول عن داود (¬1)، وإن ثبت عن داود فإنه يعتبر شاذًا، واللَّه أعلم. ¬
الفصل الثاني مسائل الإجماع في صفة حد الردة
الفصل الثاني مسائل الإجماع في صفة حد الردة [32/ 4] المسألة الثانية والثلاثون: إذا ارتد ثم أسلم فإنه لا يعزر أول مرة. • المراد بالمسألة: لو أن مسلمًا ارتد عن الإسلام، ثم تاب ورجع مسلمًا، فإذا كانت هذه الردة هي الأولى للرجل، فإن الأصل ألا يعزر الإمام من تاب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "لا نعلم أحدًا أوجب على المرتد مرة واحدة أدبًا إذا رجع إلى الإسلام" (¬1). وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "ولا يعزر في المرة الأولى، وحكى ابن يونس الإجماع عليه" (¬2) وقال الرملي (1004 هـ): "ويعزر إن تكرر منه الارتداد، فلا يعزر في المرة الأولى، وقد حكى ابن يونس الإجماع عليه" (¬3). • مستند الإجماع: 1 - قول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} (¬4). • وجه الدلالة: الآية تدل على أن من أسلم فإنه قد غفر له ما سبق فعله في الإسلام، وهي عامة لكل من تاب من الكفر، سواء كان كفره أصلي أو عن ردة، وليس في الآية ما يدل على التعزير لمن انتهى عن الكفر. 2 - عن ابن عمر رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ¬
[33/ 4] المسألة الثالثة والثلاثون: إباحة دم المرتد.
وحسابهم على اللَّه) (¬1). • وجه الدلالة: في الحديث بيان أن من أسلم فإنه لا يجوز التعرض له بشيء، وهو عام فيمن كفره أصلي أو عن ردة، وليس فيه ذكر للتعزير. 3 - من النظر: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن الواجب على المرتد حد القتل، والحد متى استوفي أو سقط لم تجز الزيادة عليه، وقد سقط هنا بالتوبة (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع في الجملة، وإن كان ثمة مسائل وقع فيها الخلاف بين أهل العلم، كمن ارتد بسبب سبه للَّه تعالى، أو بسبب سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو سبَّ نبيًا مجمعًا على نبوته، فإن جماعة من أهل العلم يرون مع قبول توبته وجوب تعزيره، وآخرون يرون مع قبول توبته، وجوب قتله حدًا لا كفرًا. لكن التحقيق في مثل هذه المسائل أن القول بوجوب تعزير الإمام فيها أو القتل حدًا، ليس موجبه الردة بذاتها، وإنما اللفظ أو الفعل الموجب للردة، وحينئذ فيمكن أن يتحقق الإجماع الذي حكاه ابن المنذر. ويُنبَّه إلى أن كلام ابن المنذر منصب على الوجوب، وهذا لا يمنع أن الإمام له أن يعزر من باب الردع، إن رأى المصلحة في ذلك، كأن يتفشى في الناس التهاون في مسألة الردة ثم الإسلام، فيكون التعزير رادعا لهم عن مثل ذلك، وليس ثمة ما يمنع ذلك من نص أو إجماع، واللَّه تعالى أعلم. [33/ 4] المسألة الثالثة والثلاثون: إباحة دم المرتد. • المراد بالمسألة: لو ثبتت الردة على شخص ذكر بما لا يحتمل التأويل، وكان حال ردته صحيحًا، عاقلًا، بالغًا، مختارًا، فإن دم المرتد يكون هدرًا، إذا لم يتب من ردته، وليس على من قتله دية أو قود، والمسألة خاصة بالمرتد الرجل. ¬
ويتحصل مما سبق أن الردة لو كانت من امرأة، أو كان رجلًا لكنه لم يكن عاقلًا، بأن كان مجنونًا، أو معتوهًا، أو سكرانًا، أو نحو ذلك، أو لم يكن بالغًا، أو كان مكرهًا، أو متأولًا، أو تاب من ردته فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن دقيق (702 هـ): "المراد بالجماعة: جماعة المسلمين، وإنما فراقهم بالردة عن الدين، هو سبب لإباحة دمه بالإجماع في حق الرجل" (¬1)، ونقله عنه ابن حجر (¬2). ويضاف للمسألة ما سيأتي من نقل إجماعات أهل العلم في وجوب قتل المرتد، فإنها تدل على هدر دمه (¬3). • مستند الإجماع: استدل أهل العلم لمسألة الباب بما يلي: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من بدل دينه فاقتلوه) (¬4). 2 - عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: أقبلت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستاك، فكلاهما سأل، فقال: (يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس-)، قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني انظر إلى سواكه تحت شفته قَلَصَت، فقال: (لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس- إلى اليمن)، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًا فأسلم، ثم ¬
تهوَّد، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل؛ قضاء اللَّه ورسوله، ثلاث مرات، فأَمر به، فقُتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي (¬1). • وجه الدلالة من الحديثين: في الحديثين دلالة على أن حكم الشارع في المرتد القتل. 3 - الإجماع المنقول على قتل المرتد، حيث نقله جماعة من أهل العلم، قال ابن قدامة: "أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد، وغيرهم، ولم ينكر ذلك، فكان إجماعًا" (¬2). وقال النووي: "أجمعوا على قتله -أي المرتد-" (¬3). وهذا يدل على أن دمه غير معصوم، وأنه ممن قد أباح الشرع قتله، فلا دية على قاتله، ولا دية. • المخالفون للإجماع: نقل ابن حزم عن بعض أهل العلم القول بأنه لا قتل على مرتد (¬4)، ولم ينسبه لأحد من أهل العلم، وأخرج البيهقي وعبد الرزاق عن إبراهيم النخعي أنه قال في المرتد: "يستتاب أبدًا" (¬5)، قال ابن قدامة: "وهذا يفضي إلى أن لا يقتل أبدًا" (¬6). ¬
[34/ 4] المسألة الرابعة والثلاثون: قتل الزنادقة مشروع.
فقد يكون من لازم هذا القول إيجاب الضمان على من قتل المرتد، لأن الشرع لم يبح قتله عندهم. • دليل المخالف: استدل المخالف لمسألة الباب بأدلة منها: 1 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعلم أن ثمة منافقين في عهده، ومع ذلك فلم يقتل واحدًا منهم. 2 - قصة ذي الخويصر الذي اعترض على قسمة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأراد خالد بن الوليد، وفي بعض الروايات عمر بن الخطاب، أن يقتله، فمنع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الفقهاء فيه كما نقله ابن حزم. ويحسن التنبيه إلى أن عامة أهل العلم القائلين بأن دم المرتد هدر، لا يبيحون قتله من عامة الناس، وإنما القتل خاص بالإمام أو نائبه (¬2)، ومن قتله من عامة الناس، فللإمام أن يعزره؛ لافتياته على الإمام، ولضبط الفوضى في الناس. [34/ 4] المسألة الرابعة والثلاثون: قتل الزنادقة مشروع. • المراد بالمسألة: من كان زنديقًا وظهر أمره، ولم يتب، فيشرع للإمام قتله. ويتبين من هذا أن من أظهر الإسلام وأبطن الكفر، ولم يظهر منه خلاف ما أظهر، أو كان قد تاب من زندقته سواءً قبل القدرة عليه أو بعد القدرة عليه، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن الزنديق الذي يُسِر الكفر، ويظهر الإسلام: يُقتل" (¬3). ¬
• مستند الإجماع: يدل على قتل الزنديق ما يلي: 1 - ما أخرجه البخاري عن عكرمة قال: أتي علي -رضي اللَّه عنه- بزنادقة، فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرِّقهم؛ لنهي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تعذبوا بعذاب اللَّه)، ولقَتلْتهم؛ لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من بدل دينه فاقتلوه) (¬1)، فاتفق علي وابن عباس رضي اللَّه عنهما على قتلهم، وإنما اختلفوا في صفة القتل. 2 - أن اللَّه تعالى توعد المنافقين في آيات من كتابه كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} (¬2)، وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} (¬3)، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كفر المنافق. 3 - الإجماع المحكي على كفر المنافقين، حيث قال ابن حزم: "لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن المنافقين كفار" (¬4). وهذا الإجماع يدل على أن المسلم إن تزندق إلى النفاق فإنه يكون بذلك كافرًا، وهذه ردة عن الإسلام للكفر، والمرتد إن لم يتب فحقه القتل. • المخالفون للإجماع: نقل ابن حزم عن بعض أهل العلم القول بأنه لا قتل على المنافقين، حتى من اشتهر نفاقه منهم (¬5). • دليل المخالف: استدل المخالف لمسألة الباب بأدلة منها أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعلم أن ثمة منافقين في عهده، وعدَّ بعضهم لحذيفة بن اليمان، ومع ذلك فلم ¬
[35/ 4] المسألة الخامسة والثلاثون: تقبل شهادة عدلين في الردة.
يقتل واحدا منهم، ولم يأمر بقتلهم (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الفقهاء كما نقله ابن حزم. [35/ 4] المسألة الخامسة والثلاثون: تقبل شهادة عدلين في الردة. • المراد بالمسألة: لو شهد شاهدان على رجل بأنه ارتد بقول أو فعل يدل على الردة، فتقبل دعوى الشهود ضده، ويؤتى بالمشهود عليه فإما أن ينكر، أو يقر. ويتبين مما سبق أن محل الإجماع في المسألة هو في عدد الشهود، أما اشتراط العدالة، أو المذكورة، أو ما إلى ذلك، فكل ذلك ليس مرادا في الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمع أهل العلم على أن شهادة شاهدين يجب قبولها على الارتداد، ويقتل المرء بشهادتهما إن لم يرجع إلى الإسلام، وانفرد الحسن فقال: لا يقبل في القتل إلا شهادة أربعة" (¬2)، ونقله عنه ابن قدامة (¬3). وكذا حكاه ابن الهمام (861 هـ) بنحوه فقال: "تقبل الشهادة بالردة من عدلين، ولا يعلم مخالف إلا الحسن -رحمه اللَّه- قال: لا يقبل في القتل إلا أربعة قياسًا على الزنا" (¬4). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لذلك بقياسها على سائر الشهادات، كالسرقة وغيرها، وإنما خص الزنى بالأربع لعلة الزنى، لا لكون الزاني مما يجب في حد القتل بالرجم، لأنه كذلك في الزاني غير المحصن. فالشرع إنما حدد الأربعة شهود في الزنا لعلة الزنا، فبقي ما دون الزنى على ¬
[36/ 4] المسألة السادسة والثلاثون: يحال بين المرتد وبين الطعام إلا ما يقوم بنفسه، ويحال بينه وبين سعة العيش، والتصرف في أرض الله حتى يراجع دين الله تعالى، أو يأبى ذلك ويمضى فيه حكم الله تعالى.
الأصل وهو شاهدين (¬1). • المخالفون للإجماع: سبق في كلام ابن المنذر أن الحسن خالف في المسألة وذهب إلى وجوب أربعة شهود (¬2). • دليل المخالف: الشهادة على الردة توجب القتل حدًا، فوجب فيها أربعة شهود كحد الزنى (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، وقول المخالف فيه شاذ لم يتابع عليه. [36/ 4] المسألة السادسة والثلاثون: يُحال بين المرتد وبين الطعام إلا ما يقوم بنفسه، ويحال بينه وبين سعة العيش، والتصرف في أرض اللَّه حتى يراجع دين اللَّه تعالى، أو يأبى ذلك ويمضى فيه حكم اللَّه تعالى. • المراد بالمسألة: لو ثبتت الردة على شخص بالغ، صحيح، عاقل، فيشرع للإمام أن يضيق عليه في العيش، ويمنعه من التصرف في ماله، حتى يسلم، أو يطبق عليه حكم اللَّه تعالى في المرتد (¬4). يتبين مما سبق أن المراد هو منع المرتد من التمتع برغد العيش، أما إشعار المرتد بالجوع أو العطش، أو ما أشبه ذلك، فغير مراد في مسألة الباب. كما يتبين أن المسألة ليست محمولة على الوجوب، وإنما هي على المشروعية المحتملة للوجوب أو الاستحباب. • من نقل الإجماع: قال الطحاوي (322 هـ): "أجمع المسلمون جميعًا أن المرتد يحال بينه وبين الطعام إلا ما يقوم بنفسه وأنه يحال بينه وبين سعة ¬
[37/ 4] المسألة السابعة والثلاثون: لا فرق في وجوب القتل بالردة بين الرجل والمرأة.
العيش، والتصرف في أرض اللَّه حتى يراجع دين اللَّه تعالى أو يأبى ذلك فيمضي عليه حكم اللَّه تعالى" (¬1). وقال ابن حزم (456 هـ): "الأمة مجمعة على إكراه المرتد عن دينه، فمن قائل: يكره ولا يقتل، ومن قائل، يكره ويقتل" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على المسألة ما أخرجه مالك وغيره "أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قدم على رجل من قِبل أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه-، فسأله عن الناس، فأخبره، ثم قال له عمر: هل فيكم من مُغَرِّبة خبر (¬3)، فقال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال: فما فعلتم به، قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال عمر: أفلا حبستموه ثلاثًا، وأطعمتموه كل يوم رغيفًا، واستتبتموه؛ لعله يتوب ويراجع أمر اللَّه، ثم قال عمر: اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني" (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [37/ 4] المسألة السابعة والثلاثون: لا فرق في وجوب القتل بالردة بين الرجل والمرأة. • المراد بالمسألة: لو ثبتت الردة شرعًا على شخص، ببينة أو إقرار، ولم يتب، فإنَّه ينفذ فيه حد الردة وهو القتل، سواء كان المرتد رجلًا أو امرأة. ¬
ويتحصل مما سبق أن الردة لو لم تثبت شرعًا بأن كان المرتد غير بالغ، أو غير عاقل، أو كانت بشهادة مردودة، أو نحو ذلك، أو كان المرتد قد تاب من ردته، سواء بعد القدرة عليه أو قبل ذلك، فكل هذا غير داخل في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حجر (852 هـ): "قتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدت، والصحابة متوافرون، فلم ينكر ذلك عليه أحد" (¬1). وقال الشوكاني (1250 هـ): "وقتل أبو بكر الصديق في خلافته امرأة ارتدت، والصحابة متوافرون، فلم ينكر عليه أحد ذلك" (¬2). • مستند الإجماع: استدل القائلون بتسوية الرجل والمرأة في القتل بحد الردة بأدلة منها: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من بدل دينه فاقتلوه) (¬3). 2 - عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: أقبلت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستاك، فكلاهما سأل، فقال: (يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس-)، قال: قلت: والذي ¬
بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني انظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال: (لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس- إلى اليمن)، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًا فأسلم، ثم تهوَّد، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل؛ قضاء اللَّه ورسوله، ثلاث مرات، فأَمر به، فقُتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي (¬1). 3 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، المارق من الدين التارك للجماعة) (¬2). • وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: الأحاديث صريحة بقتل المرتد، والأصل في الأحكام الشرعية أنها عامة للرجال والنساء، لا سيما حديث ابن عباس فإنه بلفظ: (مَن) الشرطية وهي للعموم، والقتل منوط بترك الدين، فمتى حصل ذلك وجب القتل، وليس ثمة دليل يُخرج المرأة من هذا العموم. 4 - ما أخرجه البيهقي والدارقطني (¬3) من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه ¬
عنهما: "أن امرأة يقال لها أم مروان (¬1) ارتدت عن الإسلام، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يعرض عليها الإسلام، فإن رجعت وإلا قتلت" (¬2). 5 - في حديث معاذ -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما أرسله إلى اليمن قال له: (أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه، فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن عادت وإلا فاضرب عنقها) (¬3)، قال ابن حجر: "سنده حسن، وهو نص في موضع النزاع، فيجب المصير إليه" (¬4). 6 - أنه الوارد عن الصحابة رضوان اللَّه عليهم كما قال ابن حجر: "وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدت، والصحابة متوافرون فلم ينكر ذلك عليه أحد، وقد أخرج ذلك كله ابن المنذر، وأخرج الدارقطني أثر أبي بكر من وجه حسن" (¬5). ¬
7 - أن الأصل استواء الرجال والنساء في الحدود، وليس ثمة دليل صريح على التفريق بينهما في حد الردة. • المخالفون للإجماع: خالف في مسألة الباب جماعة من أهل العلم على أقوال: فقيل: يقتل الرجل أما المرأة فتسترق ولا تقتل، وهذا مروي عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، والحسن البصري، وقتادة (¬1). وقيل: يقتل الرجل المرتد، أما المرأة فتحبس، وهو مروي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه-، والحسن البصري، وبه قال عطاء، والثوري (¬2). وهو مذهب الحنفية في الجملة (¬3)، حيث نصوا على أن المرأة إذا ارتدت فإنها تحبس، وتخرج كل يوم ليعرض عليها الإسلام، فإن ثابت وإلا رجعت للحبس، وهكذا حتى تسلم أو تموت، وذكر بعض الحنفية أنها تجلد مع الحبس، تعزيرًا لها، لكن لا تقتل لحد الردة، ولذا قال الكاساني: "المرتدة لا تُقتل، بلا خلاف بين أصحابنا" (¬4). وهذا إذا ارتدت بدار الإسلام، أما إذا لحقت بدار الحرب فإنها تسترق، وعن أبي حنيفة أنها تسترق مطلقًا، ولو ارتدت بدار الإسلام. وقيل: لا تقتل المرأة بل تباع بأرض أخرى، وبه قال عمر بن عبد العزيز. وممن قال بأن المرتدة لا تقتل أبو ثور، وابن علية، وابن شبرمة (¬5) (¬6). ¬
وقيل: لا يقتل المرتد أصلًا، وإنما يستتاب حتى يسلم أو يموت، وهو لازم قول إبراهيم النخعي كما أخرج البيهقي وعبد الرزاق عن إبراهيم النخعي أنه قال في المرتد: "يستتاب أبدا" (¬1). قال ابن قدامة: "وهذا يفضي إلى أن لا يقتل أبدا" (¬2). • دليل المخالف: أما من قال بأن المرأة تسترق ولا تُقتل فدليلهم: فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، وذلك أن أبا بكر استرق نساء بني حنيفة، وذراريهم، وأعطى عليًا منهم امرأة، فولدت له محمد بن الحنفية، وكان هذا بمحضر من الصحابة، ولم ينكر، فكان إجماعًا (¬3). قال ابن تيمية: "المعروف عن الصحابة أنه تسترق منهن المرتدات نساء المرتدين؛ فإن الحنفية التي تسرى بها علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أم ابنه محمد بن الحنفية من سبي بني حنيفة المرتدين الذين قاتلهم أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-" (¬4). أما الحنفية القائلين بأن المرأة المرتدة تُحبس فاستدلوا بما يلي: 1 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- "أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مقتولة، فأنكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قتل النساء والصبيان" (¬5). • وجه الدلالة: في الحديث نهي عن قتل النساء، وذلك عام في المرتدة وغيرها (¬6). ¬
2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: "لا يقتلن النساء إذا هن ارتددن عن الإسلام، ولكن يحبسن، ويدعين إلى الإسلام فيجبرن عليه" (¬1). • وجه الدلالة: فيه تصريح ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- بأن المرتدات لا يُقتلن، وابن عباس هو رواي حديث (من بدل دينه فاقتلوه) (¬2)، وهو أعلم بمعنى ما روى (¬3). 3 - من النظر: أ- قال الكاساني: "لأن القتل إنما شرع وسيلة إلى الإسلام بالدعوة إليه بأعلى الطريقين عند وقوع اليأس عن إجابتها بأدناهما، وهو دعوة اللسان بالاستتابة، بإظهار محاسن الإسلام، والنساء أتباع الرجال في إجابة هذه الدعوة في العادة، فإنهن في العادات الجارية يُسلمن بإسلام أزواجهن، على ما روي أن رجلًا أسلم وكانت تحته خمس نسوة فأسلمن معه، وإذا كان كذلك فلا يقع شرع القتل في حقها وسيلة إلى الإسلام، فلا يفيد، ولهذا لم تقتل الحربية، بخلاف الرجل، فإن الرجل لا يتبع رأي غيره، خصوصًا في أمر الدين، بل يتبع رأي نفسه، فكان رجاء الإسلام منه ثابتًا، فكان شرع القتل مفيدًا، فهو الفرق" (¬4). ب- ذكر بعض الحنفية علة أخرى هي أن الأصل تأخير الأجزية إلى دار الآخرة؛ إذ تعجيلها يخل بمعنى الابتلاء، وإنما عدل عنه دفعًا لشر ناجز وهو الحراب، ولا يتوجه ذلك من النساء؛ لعدم صلاحية البنية، بخلاف ¬
[38/ 4] المسألة الثامنة والثلاثون: لا فرق في القتل بالردة بين العبد والحر.
الرجال، فصارت المرتدة كالأصلية (¬1). ج- أن المرأة ما دامت لا تُقتل بالكفر الأصلي، فإنه من باب أولى أن لا تُقتل بالكفر الطارئ الذي ثبت لها فيه حرمة الإسلام (¬2). د- قال السرخسي: "لأنا لمَّا جعلنا المرتد بمنزلة حربي مقهور، لا أمان له، فكذلك المرتدة بمنزلة حربية مقهورة، لا أمان لها، فتسترق، وإن كانت في دارنا" (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين المذاهب الأربعة، فضلًا عن كونها إجماعًا؛ لخلاف الحنفية، وبعض السلف فيها. [38/ 4] المسألة الثامنة والثلاثون: لا فرق في القتل بالردة بين العبد والحر. • المراد بالمسألة: لو ثبتت الردة شرعًا على شخص، ببينة أو إقرار، ولم يتب، فإنه ينفذ في حق المرتد حد القتل، سواء كان المرتد حرًا، أو عبدًا. ويتحصل مما سبق أن الردة لو لم تثبت شرعًا، بأن كان المرتد غير بالغ أو غير عاقل، أو كانت بشهادة مردودة، أو نحو ذلك، أو كان المرتد قد تاب من ردته سواء بعد القدرة عليه أو قبل ذلك، فكل هذا غير داخل في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمع أهل العلم بأن العبد إذا ارتد فاستتيب فلم يتب قتل ولا أحفظ فيه خلافًا" (¬4). ¬
[39/ 4] المسألة التاسعة والثلاثون: قتل المرتد يتولاه الإمام، سواء أكان المرتد حرا أم عبدا.
وحكى ابن حجر عن ابن التين (611) (¬1) قوله: "الإجماع انعقد على أن العبد والحر في الردة سواء" (¬2). وقال ابن الهمام (861 هـ): "ولا فرق في وجوب قتل المرتد بين كون المرتد حرًا أو عبدًا، وإن كان يتضمن قتله إبطال حق المولى بالإجماع" (¬3). • مستند الإجماع: يدل قتل المرتد حرًا كان أو عبدًا ما رواه البخاري من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من بدل دينه فاقتلوه) (¬4). • وجه الدلالة: أن الحديث عام في كل من بدل دينه، وليس ثمة ما يخص العبد، فيبقى الحديث على إطلاقه (¬5).Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، لكن ينبه إلى أن هذا في العبد، أما الأمة فالخلاف فيها هو كالخلاف في الحرة (¬6)، واللَّه تعالى أعلم. [39/ 4] المسألة التاسعة والثلاثون: قتل المرتد يتولاه الإمام، سواء أكان المرتد حرًا أم عبدًا. • المراد بالمسألة: لو ثبتت الردة شرعًا على عبد، فإنه ليس لأحد أن يتولى قتله، وإنما قتله يتولاه الإمام أو نائبه، سواء كان المرتد حرًا، أو عبدًا. • من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "قتل المرتد إلى الإمام، حرًا كان أو عبدًا، وهذا قول عامة أهل العلم، إلا الشافعي في أحد الوجهين في ¬
العبد، فإن لسيده قتله" (¬1)، ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا يقتله إلا الإمام أو نائبه، حرًا كان المرتد أو عبدًا، وهذا قول عامة أهل العلم إلا الشافعي في أحد الوجهين في العبد أن لسيده قتله" (¬3). وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "ولا يقتله إلا الإمام، أو نائبه، حرًا كان أو عبدًا في قول عامة العلماء" (¬4). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن محيريز قال: "الجمعة والحدود والزكاة والفيء إلى السلطان" (¬5). وأخرج ابن حزم نحوه عن مسلم بن يسار عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬6). • المخالفون للإجماع: ذهب بعض أهل العلم إلى أن للسيد إقامة حد الردة على رقيقه، بشرط أن يكون السيد مسلمًا عدلًا (¬7). وبه قال ابن حزم، وهو وجه عند الشافعية (¬8). وثمة وجه للشافعية بجواز إقامة الحد من السيد الفاسق (¬9). • دليل المخالف: استدل القائلون بأن للسيد إقامة حد القتل على رقيقة بأدلة منها: 1 - عموم ما رواه مسلم أن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- خطب فقال: يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن؛ فإن أمة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (أحسنت) (¬10). 2 - ما أخرجه الإمام مالك: "أن حفصة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قتلت جارية لها ¬
[40/ 4] المسألة الأربعون: وجوب قتل المرتد.
سحرتها، وقد كانت دبرتها، فأمرت بها فقتلت" (¬1). 3 - من النظر: لأنه حق للَّه تعالى، فملك السيد إقامته، كالزاني (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم في حق الحر، أما العبد فالخلاف فيه ظاهر. [40/ 4] المسألة الأربعون: وجوب قتل المرتد. • المراد بالمسألة: لو ثبتت الردة شرعًا على رجل، فإنه يجب على الإمام إقامة حد الردة على ذلك الشخص، إذا لم يتب من ردته. ويتحصل مما سبق أن الردة لو لم تثبت شرعًا بأن كان المرتد غير عاقل، أو غير بالغ، أو كان مكرهًا، أو متأولًا، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب، وكذا لو كان المرتد امرأة حرةً أو أمةً، أو كان قد تاب من ردته سواء كانت توبته بالاستتابة أو بدون استتابة، فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمع أهل العلم بأن العبد إذا ارتد فاستتيب فلم يتب قُتل، ولا أحفظ فيه خلافًا" (¬3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وفقه هذا الحديث (¬4) أن من ارتد عن دينه حل دمه، وضربت عنقه، والأمة مجتمعة على ذلك" (¬5). وقال أيضا: "فالقتل بالردة -على ما ذكرنا- لا خلاف بين المسلمين فيه، ولا اختلفت الرواية والسنة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه، وإنما وقع الاختلاف في الاستتابة" (¬6). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن المرتد عن الإسلام يجب عليه ¬
القتل" (¬1)، ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال الكاساني (587 هـ): "ومنها -أي من أحكام المرتد- حرمة الاسترقاق، فإن المرتد لا يسترق، وإن لحق بدار الحرب؛ لأنه لم يشرع فيه إلا الإسلام أو السيف. . . وكذا الصحابة رضي اللَّه عنهم أجمعوا عليه في زمن سيدنا أبي بكر -رضي اللَّه عنه-" (¬3). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "والمرتد إذا ظُفِرَ به قبل أن يحارب، فاتفقوا على أنه يُقتلُ الرجل" (¬4). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد، وغيرهم، ولم ينكر ذلك، فكان إجماعًا" (¬5). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين" (¬6). وقال النووي (676 هـ): "وأجمعوا على قتله -أي المرتد-" (¬7). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين، روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي عليه السلام، ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد رضي اللَّه عنهم، وغيرهم، فلم ينكر، فكان اجماعًا" (¬8). وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "أجمعوا على وجوب قتل المرتد" (¬9) وقال البهوتي (1051 هـ): "وأجمعوا على وجوب قتل المرتد" (¬10). وقال الصنعاني (1182 هـ): "يجب قتل المرتد، وهو إجماع" (¬11). ¬
وقال الرحيباني (1243 هـ): "وقد أجمع المسلمون على وجوب قتل المرتد" (¬1). وقال الشوكاني (1250 هـ): "قتل المرتد عن الإسلام متفق عليه في الجملة" (¬2). وقال ابن عابدين (1252 هـ): "فإن أسلم وإلا قتل لحديث: (من بدل دينه فاقتلوه) (¬3)، وهذا بالإجماع" (¬4). وقال ابن ضويان (1353 هـ) (¬5): "أجمعوا على وجوب قتله إن لم يتب" (¬6). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "أجمع بالعلماء على وجوب قتل المرتد إن لم يتب" (¬7). وقال المطيعي (1404 هـ): "وقد انعقد الإجماع على قتل المرتد" (¬8). • مستند الإجماع: استدل أهل العلم لمسالة الباب بأدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)} (¬9). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى لم يجعل في الآية إلا الإسلام أو السيف، والقوم الذين وصفوا بأنهم أولوا باس شديد قيل: هم بنو حنيفة، أهل اليمامة أصحاب مسيلمة، وبه قال مقاتل بن سليمان، والزهري، كما قال رافع بن ¬
خديج -رضي اللَّه عنه- (¬1): "واللَّه لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} (¬2)، فلا نعلم من هم حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم" (¬3). 2 - عموم ما رواه البخاري من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من بدل دينه فاقتلوه) (¬4). 3 - عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: أقبلت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستاك، فكلاهما سأل، فقال: (يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس-)، قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال: (لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس- إلى اليمن)، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًا فأسلم، ثم تهوَّد، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل؛ قضاء اللَّه ورسوله، ثلاث مرات، فأَمر به، فقُتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي (¬5). 4 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم ¬
يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، المارق من الدين التارك للجماعة) (¬1). • وجه الدلالة: الحديث صريح بأن المرتد عن الإسلام فإنه يحِل دمه، وينتفي عنه عصمة الدم. • المخالفون للإجماع: قل ابن حزم عن بعض أهل العلم القول بأنه لا قتل على مرتد (¬2)، ولم ينسبه لأحد من أهل العلم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قد يتنازع العلماء في بعض الأمور: هل هو من باب القرب والعبادات، أم لا؟ سواء كان من باب الاعتقادات القولية أو من باب الإرادات العملية، حتى قد يرى أحدهم واجبًا ما يراه الآخر حرامًا، كما يرى بعضهم وجوب قتل المرتد ويرى آخر تحريم ذلك" (¬3). وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن إبراهيم النخعي أنه قال في المرتد: "يستتاب أبدًا" (¬4)، وقد علق عليه ابن قدامة بقوله: "وهذا يفضي إلى أن لا يقتل أبدًا" (¬5) (¬6). ¬
كما نقل ابن حزم عن طائفة من السلف أن المرتد تؤخذ منه الجزية، وأبطل الإجماع في المسألة حيث قال: "فإن ادعوا أن المرتد لا تقبل منه جزية، ولا تؤكل ذبيحته، ولا يسترق إجماعًا، دل ذلك على جهل من ادعى ذلك أو كذبه، فقد صح عن بعض السلف أخذ الجزية منهم، وعن بعض الفقهاء أكل ذبيحته إن ارتد إلى دين صابئ، وأبو حنيفة وأصحابه يقولون: إن المرتدة إذا لحقت بأرض الحرب سبيت واسترقت ولم تقتل" (¬1). وقد نقل ابن حزم القول بأخذ الجزية عن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز (¬2). • دليل المخالف: استدل المخالف لمسألة الباب بأدلة منها: 1 - قصة ذي الخويصر الخارجي الذي اعترض على قسمة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأراد خالد بن الوليد، وفي بعض الروايات عمر بن الخطاب، أن يقتله، فمنع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك (¬3). 2 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعلم أن ثمة منافقين في عهده، ومع ذلك فلم يقتل واحدًا منهم.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ للخلاف فيه عن بعض السلف. ¬
[41/ 4] المسألة الحادية والأربعون: قتال المرتدين أولى من قتال الحربيين.
[41/ 4] المسألة الحادية والأربعون: قتال المرتدين أولى من قتال الحربيين. • المراد بالمسألة: لو وجد جماعة ارتدت عن الإسلام، وقاتلت على ردتها، وجماعة أخرى كافرة كفر أصلى، وكانت تحارب المسلمين، فإن الأولى للإمام أن يقدم قتال المرتدين على قتال الكفار الحربيين. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "الصديق وسائر الصحابة بدءوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب" (¬1). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "وعلى الإمام حرب المرتدين وتقديمهم على الحربيين؛ لإشارة الصحابة على أبي بكر بتأخير جيش أسامة للمرتدين؛ ولم ينكر إشارتهم بتقديمهم" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على المسألة ما يلي: 1 - فعل الصحابة، حيث بدؤا بقتال المرتدين قبل قتال الكفار، وقد نقل ابن تيمية اتفاق الصحابة على ذلك حيث قال: "الصديق وسائر الصحابة بدءوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب" (¬3). 2 - من النظر: قال: "إن جهاد هؤلاء -أي المرتدين- حفظ لِما فُتح من بلاد المسلمين، وأن يدخل فيه من أراد الخروج عنه، وجهاد من لم يقاتلنا من المشركين وأهل الكتاب من زيادة إظهار الدين، وحفظ رأس المال مقدم على الربح، وأيضا فضرر هؤلاء على المسلمين أعظم من ضرر أولئك، بل ضرر هؤلاء من جنس ضرر من يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب، وضررهم في الدين على كثير من الناس أشد من ضرر المحاربين من المشركين وأهل الكتاب" (¬4). ¬
[42/ 4] المسألة الثانية والأربعون: المرتد لا يسبى.
3 - ويمكن أن يقال أيضًا: بأن توحيد الصف الداخلي من توحيد الأمة على إمام واحد، ودحر المتمردين الخارجين عن طاعة ولي الأمر المتربصين به الدوائر المنشقين عن الجماعة أولى من فتح جبهة خارجية بها عدو خارجي.Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [42/ 4] المسألة الثانية والأربعون: المرتد لا يُسبَى. • المراد بالمسألة: لو ارتد شخص أو جماعة عن الإسلام، فقاتلهم الإمام، حتى تمكن منهم فإن الواجب عليه حينئذ استتابتهم، ومن أبى الإسلام فإنه يقتل عند الجمهور، أو يحبس عند بعض أهل العلم، بينما لا يجوز للإمام أن يجعل أحدا منهم سبيا، فيسترقه عبدا عند أحد. وينبه إلى أن هذا ما لم يلحق المرتد بدار الحرب، وكذا سبي ذرية المرتد، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الخطابي (388 هـ): "أهل الردة كانوا أصنافًا: منهم من ارتد عن الملة ودعا إلى نبوة مسيلمة وغيره، ومنهم من ترك الصلاة والزكاة وأنكر الشرائع كلها، وهؤلاء هم الذين سماهم الصحابة كفارًا، ولذلك رأى أبو بكر رضي اللَّه عنه سبي ذراريهم، وساعده على ذلك أكثر الصحابة، واستولد علي بن أبى طالب رضي اللَّه عنه جارية من سبي بني حنيفة، فولدت له محمد الذي يدعى بن الحنفية (¬1)، ثم لم ينقض عصر الصحابة حتى أجمعوا على أن ¬
المرتد لا يسبى" (¬1)، نقله عنه القاضي عياض (¬2)، والنووي (¬3)، والشوكاني (¬4). ونقل ابن حزم (456 هـ) عن بعض أهل العلم الإجماع على أنه لا يسترق المرتد إن سبي، حيث قال: "وبرهان ذلك: إجماعكم معنا على أن المرتد لا يقر على ردته. . . ولا يسترق المرتد إن سبى كما يسترق المشرك إن سبي" (¬5). وقال ابن فراموز (885 هـ): "لا يسترق، صمان لحق بدار الحرب؛ إذ لم يشرع فيه إلا الإسلام أو السيف. . . وكذا الصحابة رضوان اللَّه عليهم أجمعوا عليه في زمن أبي بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-" (¬6). • المخالفون للإجماع: خالف طائفة من أهل العلم في سبي المرأة المرتدة حيث روي عن علي بن أبي طالب، والحسن البصري، وقتادة، وأبي حنيفة القول بأن المرأة المرتدة تسترق (¬7). أما سبي المرتد فخالف فيه أصبغ بن الفرج المالكي (¬8) (¬9). ¬
[43/ 4] المسألة الثالثة والأربعون: إكراه المرتد عن دينه حتى يرجع إلى الإسلام.
• • دليل المخالف: أما من قال بسبي المرتدين بدليله فعل أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، ولم ينكر عليه أحد في عهده (¬1). وأما من قال بسبي المرتدة واسترقاقها فاستدل بإجماع الصحابة. فإن أبا بكر استرق نساء بني حنيفة، وذراريهم، وأعطى عليا منهم امرأة، فولدت له محمد بن الحنفية، وكان هذا بمحضر من الصحابة، ولم ينكر، فكان إجماعًا (¬2). قال ابن تيمية: "المعروف عن الصحابة أنه تسترق منهن المرتدات نساء المرتدين فإن الحنفية التي تسرى بها علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أم ابنه محمد بن الحنفية من سبي بني حنيفة المرتدين الذين قاتلهم أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه-" (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، للخلاف فيه عن أبي حنيفة، وأصبغ، وغيره. ولذا قال أبو العباس القرطي: "قد حكى بعضُ الناس: أنّ الإجماع انعقد بعد أبي بكر على أن المرتدَّ لا يُسْبَى؟ وليس ذلك بصحيح؛ لوجودِ الخلاف في ذلك؛ كما قد حكيناه عن أصبَغَ" (¬4). [43/ 4] المسألة الثالثة والأربعون: إكراه المرتد عن دينه حتى يرجع إلى الإسلام. • المراد بالمسألة: لو ارتد شخص عن الإسلام، فإن للإمام أن يلزمه بالرجوع إلى دين الإسلام، وله إكراهه على ذلك، ولا يدخل في عموم قول اللَّه تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} (¬5). ¬
[44/ 4] المسألة الرابعة والأربعون: مشروعية استتابة المرتد.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "الأمة مجمعة على إكراه المرتد عن دينه، فمن قائل: يكره ولا يقتل، ومن قائل، يكره ويقتل" (¬1). • مستند الإجماع: المسألة من حيث الدليل ظاهره فإن النصوص السابقة التي دلت على وجوب قتل المرتد، وأن المرتد إما أن يسلم أو يقتل، وكذا ما سبق في مسألة أن المرتد يضيق عليه في عيشه أيام استتابته، كل هذه تدل على أن المرتد يكره على دينه، حتى يرجع للإسلام.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [44/ 4] المسألة الرابعة والأربعون: مشروعية استتابة المرتد. • المراد بالمسألة: إذا ثبتت الردة شرعًا على شخص، فإنه يشرع للإمام أن يستتيبه، بأن يجعل له مدة يطلب منه أن يتوب من ردته، فإن تاب رجع للإسلام، وإن لم يتب فيطبق فيه حكم الشرع في المرتد. ويتحصل مما سبق أن الكلام في مشروعية الاستتابة، وذلك شامل للوجوب والاستحباب. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "ولا أعلم بين الصحابة خلافًا في استتابة المرتد" (¬2). وقال النووي (676 هـ): "نقل بن القصار المالكي (¬3) إجماع الصحابة عليه" أي على استتابة المرتد (¬4). ¬
وكذا نقل ابن حجر والشوكاني، عن ابن القصار المالكي الإجماع السكوتي من الصحابة على استتابة المرتد (¬1). وذكر ابن المرتضى (840 هـ) في سياق الأدلة على مشروعية الاستتابة أنه فعل الخلفاء ولم يخالفوا (¬2). • مستند الإجماع: استدل لمسألة الباب بأدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} (¬3). • وجه الدلالة: في الآية عرض التوبة على الكافرين، وهو عام يدخل فيه الاستتابة. 2 - عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما "أن أمرأة يقال لها أم مروان أرتدت عن الإسلام، فأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يعرض عليها الإسلام، فإن رجحت وإلا قتلت" (¬4). 3 - عن أبي بردة قال: "أُتي أبو موسى برجل قد ارتد عن الإسلام، فدعاه عشرين ليلةً أو قريبًا منها، فجاء معاذ فدعاه، فأبى، فضرب عنقه" (¬5). • وجه الدلالة من الحديثين: الحديثان صريحان باستتابة المرتد من أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الأول، وفعل الصحابي في الحديث الثاني. 4 - أخرج الإمام مالك "أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قدم على رجل من قِبل أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه-، فسأله عن الناس، فأخبره، ثم قال له عمر: هل كان ¬
فيكم من مغربة خبر، فقال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال: فما فعلتم به، قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال عمر: أفلا حبستموه ثلاثا، وأطعمتموه كل يوم رغيفًا، واستتبتموه؛ لعله يتوب ويراجع أمر اللَّه، ثم قال عمر: اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني" (¬1). • وجه الدلالة: هذا قضاء عمر -رضي اللَّه عنه- ولم يخالفه أحد من الصحابة فكان إجماعًا سكوتيا منهم على ذلك (¬2). 5 - من النظر: يكون سبب ارتداد المرتد شبهة عرضت له، ففي استتابته إزالة لتلك الشبهة (¬3). • المخالفون للإجماع: نقل ابن حزم عن طائفة من أهل العلم القول بأن المرتد يقتل ولا يستتاب (¬4). وهو محكي عن الحسن البصري، وطاووس، وبعض السلف (¬5). وعن عطاء أن من وُلد مسلمًا فإنه يُستتاب، أما من أسلم ثم كفر فلا يُستتاب (¬6). وعن طائفة أنه إن تاب من نفسه قبلت توبته، وإلَّا قُتل دون استتابة، وهذا القول مروي عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، حيث وإن كان يرى القتل زمانًا، فلما رأى ما يصنع الزنادقة حين يتوبون ثم يعودون قال: "أرى إذا أتيت بزنديق آمر بضرب عنقه ولا أستتيبه، فإن تاب قبل أن أقتله خليته" (¬7). • دليل المخالف: من الأدلة على قتل المرتد دون استتابة: ¬
1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من بدل دينه فاقتلوه) (¬1). • وجه الدلالة: في الحديث أمر بقتل المرتد وليس فيه ذكر الاستتابة. 2 - عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: أقبلت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستاك، فكلاهما سأل، فقال: (يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس-)، قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال: (لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس- إلى اليمن)، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًا فأسلم، ثم تهوَّد، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل؛ قضاء اللَّه ورسوله، ثلاث مرات، فأمر به، فقُتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي (¬2). • وجه الدلالة: أن أبا موسى ومعاذًا كانا يريان قتل المرتد، ولم يسأل أبو موسى معاذًا هل استُتيب أم لا، بل ذكر أن وجوب القتل هو قضاء اللَّه ورسوله، ووافقه أبو موسى على ذلك.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لثبوت الخلاف فيه عن بعض السلف. ولذا لما ذكر شيخ الإسلام المسألة نسبها لعامة أهل العلم (¬3)، وكذا ابن المرتضى نسبها لأكثر أهل العلم ولم يجعلها محل إجماع (¬4). ¬
[45/ 4] المسألة الخامسة والأربعون: الزنديق إذا أظهر الزندقة يستتاب كغير الزنديق.
واستتابة المرتد عند المالكية، والشافعية، والحنابلة، على الوجوب، وعند الحنفية، والظاهرية، على الاستحباب (¬1). [45/ 4] المسألة الخامسة والأربعون: الزنديق إذا أظهر الزندقة يستتاب كغير الزنديق. • المراد بالمسألة: سبق خلاف الفقهاء في المراد بالزنديق على أقوال، أشهرها قولان: أحدها: أنه من أظهر الإسلام وأبطن الكفر، وهو المعروف في عصر النبوة بالمنافق، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء. قال ابن قدامة: "والزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويستسر بالكفر، وهو المنافق كان يسمى في عصر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منافقًا ويسمى اليوم زنديقًا" (¬2). وقال ابن تيمية: "المنافق هو الزنديق في اصطلاح الفقهاء الذين تكلموا في توبة الزنديق" (¬3). فيكون بين الردة والزندقة عموم وخصوص وجهي يجتمعان في المرتد إذا أخفى كفره وأظهر الإسلام، وينفرد المرتد فيمن ارتد علانية، وينفرد الزنديق فيمن لم يسبق له إسلام صحيح. والثاني: هو من لا دين له، وبه قال بعض الحنفية، كابن الهمام، وبعض الشافعية (¬4). • أما صورة المسألة: فلو أن شخصًا تزندق، وظهر للإمام أمره، فإنه يُشرع ¬
للإمام أن يستنيبه حينئذ، فيعرض عليه العودة للإسلام، فإن تاب وإلا طبق فيه حكم الشرع في الزنديق (¬1). هذا على الخلاف الذي سبق بيانه في المراد بالزنديق عند الفقهاء (¬2): فالجمهور على أنه من أظهر الإسلام وأبطن الكفر، وعليه فمتى ظهر للإمام أن هذا الشخص يبطن الكفر، شرع له استتابته، قبل تطبيق حكم اللَّه تعالى فيه. ومن قال بأن الزنديق هو من لا دين له، فكذا يشرع للإمام قبل تطبيق حكم اللَّه تعالى فيه أن يستتيبه. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا أن الزنديق إذا أظهر الزندقة يستتاب كغير الزنديق" (¬3). • مستند الإجماع: استدل القائلون بقبول توبة الزنديق بما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (45) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى ذكر صريحًا قبول توبة المنافقين إذا تابوا وأصلحوا واعتصموا وأخلصوا دينهم للَّه. 2 - قال اللَّه تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (¬5). 3 - قال اللَّه تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬6). ¬
• وجه الدلالة من الآيتين: في الآيتين دليل على أن إظهار الإيمان من المنافق يحصن من القتل، يستتاب لكونه إن أظهر الإسلام عصم ماله بنص الآيتين (¬1). 4 - استدلوا بالأدلة السابقة في استتابة المرتد، فجعلوا الزنديق كالمرتد. • المخالفون للإجماع: المخالف في مسألة على أقوال يجمعهما القول بأن الزنديق لا يستتاب: القول الأول: من لا يرى قتل الزنديق أصلًا، ولا معاقبته بحبس أو غيره، ولذا لا فائدة من الاستتابة، وهذا القول حكاه ابن حزم عن طائفة من أهل العلم (¬2). القول الثاني: من يرى وجوب معاقبة الزنديق بالقتل، لكنه لا يستتاب، وهو الأظهر عند الحنفية (¬3)، وهو مذهب المالكية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وقول عند الشافعية (¬6)، ونسبه شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أكثر أهل العلم (¬7). القول الثالث: أن توبة الزنديق إن كانت أول مرة فتقبل، وإن تكررت فلا تقبل. القول الرابع: إن كان الزنديق داعيًا لضلاله فلا تقبل توبته، وإلا فتقبل. وهذان الأخيران هما وجهان في مذهب الشافعي (¬8). • دليل المخالف: أما أصحاب القول الأول الذين لا يرون قتل الزنديق ولا معاقبته فاستدلوا بأن هذا هو فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعلم أن ثمة منافقين في عهده، وعدَّ بعضهم لحذيفة بن اليمان رضي اللَّه عنه، ومع ذلك فلم يقتل واحدًا منهم، ولم يأمر بقتلهم (¬9). ¬
واستدل أصحاب القول الثاني الذين يرون قتل الزنديق بدون استتابة بأدلة منها: 1 - بقول اللَّه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} (¬1). • وجه الدلالة: أن الزنديق لا يظهر منه ما يبين التوبة؛ لأن حال الزنديق في الأصل إظهار الإسلام وإبطان الكفر، وإذا استتابه الإمام فإنه ولا بد سيُظهر الإسلام، ويلزم من هذا ألَّا يُقتل الزنديق أبدًا (¬2). 2 - أن اللَّه تعالى سن في المحاربين أنهم إن تابوا من قبل القدرة عليهم قبلت توبتهم، ولا تنفعهم التوبة بعد القدرة عليهم، ومحاربة الزنديق للإسلام بلسانه أعظم من محاربة قاطع الطريق بيده وسنانه؛ فإن فتنة هذا في الأموال والأبدان وفتنة الزنديق في القلوب والإيمان، فهو أولى ألا تقبل توبته بعد القدرة عليه. 3 - أن الزنديق هذا دأبه هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر، فلو قبلت توبته كان ذلك إعانة له على بقاء نفسه بالزندقة والإلحاد، وكلما قدر عليه أظهر الإسلام وعاد إلى ما كان عليه، ولا سيما وقد علم أنه أمن بإظهار الإسلام من القتل، فلا يخوفه من المجاهرة بالزندقة والطعن في الدين ومسبة اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا ينكف عدوانه عن الإسلام، إلا بقتله (¬3). أما أصحاب القول الثالث والرابع فلم أجد لهم نصًا في الأدلة لكن يمكن أن يقال في الاستدلال للقول الثالث بأن الزنديق إن كانت توبته لأول مرة فاحتمال صدق توبته كبير، ويدخل في عموم أدلة قبول توبة المرتد، أما إن تكررت ردته فإنه فاحتمال كذبه هو الأغلب ويكون استتابته سبيل لترك قتله لأنه سيظهر الإسلام حتمًا. ¬
[46/ 4] المسألة السادسة والأربعون: دم من يشك في زندقته معصوم ما لم تثبت رندقته ببينة أو إقرار.
أما القول الرابع فيمكن أن يستدل له بأن الزنديق إن كان داعيًا لضلالته فإن شره أعظم من الذي لا يدعو للضلالة، فيقتل بدون استتابة، واللَّه أعلم.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف مشهور بين أهل العلم، وأكثر أهل العلم على خلاف مسألة الباب. [46/ 4] المسألة السادسة والأربعون: دم من يشك في زندقته معصوم ما لم تثبت رندقته ببينة أو إقرار. • المراد بالمسألة: لو وجد شخص زنديق يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وشك الإمام في كونه زنديقًا، فإنه لا يجوز له ولا لغيره قتله، حتى يتحقق من أنه زنديق، إما ببينة شهود يشهدون على أنه زنديق، أو بإقرار الزنديق على نفسه بذلك. وكذا لو وُجد مسلم تلفظ بكلمة تقتضي الكُفر، وشك الإمام هل قالها جهلًا، أو تأويلًا، أو نحو ذلك فإنه لا يجوز قتله إلا بعد التيقُّن بأن قوله يقتضي كفره، ويحل دمه. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) في كلامه على من تلفظ بكلام كفري، ولم يُتيفن هل قاله حقيقة أم لا، وهل كان جاهلًا في تلك المقالة أم لا: "الحكم بعصمة دمه وماله واجب في مذهب الشافعي والجمهور، وإن لم يُقر، بل هو واجب بالإجماع مع عدم البينة والإقرار" (¬1). • مستند الإجماع: يمكن أن يستدل لمسألة الباب بما يلي: 1 - ما جاء في قصة قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للذهب الذي أتى به علي -رضي اللَّه عنه- من اليمن: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا محمد اتق اللَّه. قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي اللَّه)، ثم ولَّى الرجل، ¬
فقام خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه-، -وفي بعض الرويات: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وقال: دعني أضرب عنقه يا رسول اللَّه. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعله أن يكون يصلي) قال: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس بقلبه، قال عليه الصلاة والسلام: (إني لم أُومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم). ثم نظر إليه وهو مقفٍّ فقال: (إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وقراءتكم مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد) (¬1). • وجه الدلالة: في الحديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- امتنع عن قتل ذي الخويصرة؛ لأنه لا يوجد منه ما يدل على كفره صراحةً، بل ظاهره الإسلام، أما أمر الباطن فما دام غير مجزوم بكفره فالأصل أنه مسلم. 2 - أن الأصل في المسلم عصمة دمه، وهذا اليقين لا يزول إلا بيقين مثله، والقاعدة المقررة عند أهل الفقه والأصول أن اليقين لا يزول بالشك. وكذا فإن الأصل في المسلم السلامة، أي سلامته مما نقله عن الإسلام من الزندقة أو الردة أو غيرها، فالأصل بقاء ما كان على ما كان، والأصل هنا أنه مسلم حتى يثبت نقيض ذلك. 3 - الاستصحاب، وهو أنَّنا إذا لم نعرف باطن الشخص فإننا نستصحب حاله قبل الشك، وهو الإسلام. وإذا كان الأصل الإسلام فإن خلاف ذلك دعوى، والدعاوى لا تثبت إلا ببينة، ولا تثبت بمجرد الدعوى كما في الصحيحين عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ¬
[47/ 4] المسألة السابعة والأربعون: مشروعية قتل ساب الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ولكن اليمين على المدعى عليه) (¬1).Rلم أجد مخالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [47/ 4] المسألة السابعة والأربعون: مشروعية قتل ساب الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف السب: السب: أصله القطع، يُقال: سبَّه سبًا: أي قطعه، والمراد به هنا الشتم، وسُمي الشتم سبًا؛ لأنه يقطع ما بينه وبين من شتمه (¬2)، وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية حقيقة السب بأنه: "الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح، ونحوه" (¬3). • ثانيًا: صورة المسألة: لو أن مسلمًا سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صريحًا، بشتم، أو قذف، أو نحو ذلك، وهو عاقل، بالغ، مختار، فإن على الإمام أن يقتله، سواء تاب من السب، أو لم يتب. وكذا الذمي، والمعاهد، إذا سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يسلم. ويتبين مما سبق أنه لو تنقص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بغير السب الصريح، كالتعريض مثلًا، وكذا لو كان السب من حربي مثلًا، أو كان من ذمي أو معاهد لكنه أسلم بعد سبه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكذا لو كان الساب غير عاقل، بأن كان مجنونًا، أو معتوهًا، أو كان غير بالغ، أو كان مكرهًا، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. كما يتبين مما سبق أن المسألة هي في قتله، أما في الحكم بكفره من عدمه فمسألة أخرى غير مرادة في الباب. • من نقل الإجماع: قال إسحاق بن راهوية (238 هـ): "أجمع المسلمون ¬
على أن من سب اللَّه عز وجل، أو سب رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو دفع شيئًا مما أنزل اللَّه تعالى، أو قتل نبيًا من أنبياء اللَّه تعالى، أنه كافر بذلك، وإن كان مقرًا بكل ما أنزل اللَّه" (¬1). وقال محمد بن سحنون (256 هـ) (¬2): "أجمع العلماء على أن شاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والمتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب اللَّه له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر"، نقله عنه القاضي عياض (¬3)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (¬4). وحكى الإجماع على ذلك أبو بكر الفارسي (305 هـ) (¬5)، حيث نقله عنه ابن تيمية (728 هـ) فقال: "وقد حكى أبو بكر الفارسي -من أصحاب الشافعي- إجماع المسلمين على أن حد من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- القتل، كما أن حد من سب غيره الجلد، وهذا الإجماع الذي حكاه هذا محمول على إجماع الصدر الأول من الصحابة والتابعين، أو أنه أراد به إجماعهم على أن ساب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يجب ¬
قتله إذا كان مسلمًا" (¬1)، ونقله عن أبي بكر الفارسي ابن حجر (¬2)، والمطيعي (¬3)، والشوكاني (¬4). وقال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له القتل"، نقله عنه القرطبي (¬5)، وابن حجر (¬6)، وأبو الطيب (¬7)، والشوكاني (¬8). وقال الخطابي (388 هـ): "لا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في وجوب قتله" (¬9)، ونقله عنه القاضي عياض (¬10)، وابن تيمية (¬11)، والمطيعي (¬12)، وابن حجر (¬13). وقال ابن القاسم (191 هـ) (¬14): "من سبه، أو شتمه، أو عابه، أو تنقصه، فإنه يقتل، وحكمه عند الأمة: القتل"، نقله عنه القاضي عياض (¬15). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "روي عن ابن عمر أنه قيل له في راهب سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "لو سمعته لقتلته" ولا مخالف له من الصحابة علمته" (¬16). وقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه" (¬17). ¬
وقال ابن تيمية (728 هـ): "أذى الرسول من أعظم المحرمات؛ فإن من آذاه فقد آذى اللَّه، وقتل سابه واجب باتفاق الأمة" (¬1). وقال أيضًا: "الساب إن كان مسلمًا فإنه يكفر، ويقتل، بغير خلاف" (¬2). وقال ابن القيم (751 هـ) لما ذكر جملة من الأدلة على قتل من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وفي ذلك بضعة عشر حديثًا ما بين صحاح وحسان ومشاهير وهو إجماع الصحابة" (¬3). • مستند الإجماع: من الأدلة على قتل ساب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يلي: 1 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- "أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتشتمه، فأخذ المغول (¬4) فوضعه في بطنها، واتكأ عليها، فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذُكر ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجمع الناس فقال: (أنشد اللَّه رجلًا فعل ما فعل، لي عليه حق إلا قام) فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المِغول، فوضعته في بطنها، واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬
(ألا اشهدوا أن دمها هدر) (¬1). 2 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بقتل كعب بن الأشرف (¬2)؛ لأنه آذى اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما في الصحيحين من حديث جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من لكعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى اللَّه ورسوله)؟ فقال محمد بن مسلمة (¬3): يا رسول اللَّه أتحب أن أقتله، قال: (نعم)، قال: ائذن لي فلْأقل، قال: (قل)، فأتاه فقال له -وذكر ما بينهما- وقال: إن هذا الرجل قد أراد صدقة، وقد عنانا، فلما سمعه قال: وأيضًا واللَّه لتملنه، قال: إنا قد اتبعناه الآن، ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره، قال: وقد أردت أن تسلفني سلفًا، قال: ¬
فما ترهنني، قال: ما تريد، قال: ترهنني نساءكم، قال: أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا؟ قال له: ترهنوني أولادكم، قال: يُسب ابن أحدنا فيقال رُهن في وسقين من تمر، ولكن نرهنك اللْأمة -يعني السلاح-، قال: فنعم، وواعده أن يأتيه بالحارث (¬1)، وأبي عبس بن جبر (¬2)، وعباد بن بشر (¬3)، قال: فجاءوا فدعوه ليلًا، فنزل إليهم، فقالت له امرأته: إني لأسمع صوتًا كأنه صوت دم، قال: إنما هذا محمد بن مسلمة، ورضيعه وأبو نائلة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلًا لأجاب، قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه، فإذا استمكنت منه فدونكم، قال: فلما نزل نزل وهو متوشح (¬4)، ¬
فقالوا: نجد منك ريح الطيب، قال: نعم، تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب، قال: فتأذن لي أن أشُمَّ منه، قال: نعم فشُم، فتناول فشَم ثم قال: أتاذن لي أن أعود، قال: فاستمكن من رأسه ثم قال: دونكم، قال: فقتلوه" (¬1). 3 - عن علي -رضي اللَّه عنه- "أن يهودية كانت تشتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دمها" (¬2). قال ابن تيمية: "فرتَّب علي -رضي اللَّه عنه- إبطال الدم على الشتم بحرف الفاء، فعلم أنه هو الموجب لإبطال دمها؛ لأن تعليق الحكم بالوصف المناسب بحرف الفاء يدل على العلِّية" (¬3). 4 - أنه المروي عن جماعة من الصحابة كأبي بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس رضي اللَّه عنهم، فمن ذلك: أ- عن أبى برزة رضي اللَّه عنه قال: "أتيت على أبي بكر وقد أغلظ لرجل، فرد عليه، فقلت: ألا أضرب عنقه؟ فانتهرني، فقال: إنها ليست لأحد بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬4). ¬
• وجه الدلالة: أن أبا بكر أخبر أنه لا يجوز قتل الرجل الذي رد عليه، وأخبر أن هذا لا يكون إلا في حق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. ب- أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه أصلت (¬1) على راهب سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالسيف، وقال: "إنا لم نصالحكم على شتم نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬2). والأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة، قال ابن القيم: "وفي ذلك بضعة عشر حديثًا، ما بين صحاح، وحسان، ومشاهير، وهو إجماع الصحابة" (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب أبو ثور إلى أن الذمي إن سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فإنه لا ينتقض عهده، ولا يقتل، ولكن يعزر، وهو مذهب الحنفية (¬4). • دليل المخالف: استدل الحنفية بما يلي: 1 - عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أناس من اليهود فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، قال: وعليكم، قالت عائشة: قلت: بل عليكم السام والذام، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يا عائشة، لا تكوني فاحشة) فقالت: ما سمعتَ ما قالوا؟ فقال: (أليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلت: وعليكم) (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علم أن اليهود قد سبوه في السلام، ومع ذلك اكتفى بالرد عليهم، ولم يحكم بقتلهم. ¬
[48/ 4] المسألة الثامنة والأربعون: حد الساحر القتل.
ب- من النظر: أن سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كُفر من الذمي، كما هو ردة من المسلم، والكفر المقارن لعقد الذمة لا يمنع عقد الذمة في الابتداء، فالكفر الطارئ لا يرفعه في حال البقاء بطريق أولى (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسلم إذا سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فإنه يقتل بإجماع أهل العلم. أما الذمي فإن الذي عليه الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم قتل من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منهم، ثم حصل خلاف بعد ذلك، والجمهور على قتله، وقد أشار إلى هذا التحصيل شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "وتحرير القول فيه: أن الساب إن كان مسلمًا فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف. . . وإن كان ذميًا فإنه يقتل أيضًا في مذهب مالك وأهل المدينة. . . وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث" (¬2). [48/ 4] المسألة الثامنة والأربعون: حد الساحر القتل. • المراد بالمسألة: لو ثبت السحر على شخص مسلم، وكان من السحر الذي يكفر به صاحبه، فإنه يشرع للإمام قتل الساحر، ما لم يتب. ويتحصل مما سبق أن الساحر لو لم يكن مسلمًا، بأن كان ذميًا مثلًا، فذلك غير مراد في مسألة الباب. وكذا لو كان السحر من النوع الذي لا يكفر به صاحبه، أو كان الساحر قد تاب من سحره ولو بعد رفعه للإمام فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ) في معرض الاستدلال لترجيح القول بقتل الساحر: "لا مخالف له من الصحابة، إلا عائشة، فإنها لم تر قتل الساحر" (¬1). قال ابن قدامة (620 هـ): "عن بجالة (¬2) قال: كنت كاتبًا لجزء بن معاوية (¬3) عم الأحنف بن قيس (¬4)، إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: "اقتلوا كل ساحر، فقتلنا ثلاث سواحر في يوم" (¬5)، وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعًا" (¬6). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "عن بجالة قال: كنت كاتبًا لجزء بن معاوية -عم الأحنف بن قيس- إذ جاء كتاب عمر قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر، فقتلنا ثلاث سواحر في يوم، وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعًا" (¬7). ¬
• مستند الإجماع: استدل على مسألة الباب بما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْن اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى سمى السحر كفرًا، وجعل تركه إيمانا وتقوى، فهو دليل على أن الساحر ارتد عن الإسلام، وكفر، والمرتد حده القتل. 2 - عن جندب -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (حد الساحر ضربة بالسيف) (¬2). ¬
3 - عن بجالة بن عبدة قال: "كنت كاتبا لجزء بن معاوية -عم الأحنف بن قيس-، إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر، وفرِّقوا بين كل ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة (¬1)، فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر. . . الحديث" (¬2). 4 - أخرج مالك في الموطأ: "أن حفصة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها، فأمرت بها فقتلت" (¬3). 5 - أن القول بقتل الساحر مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين، كعثمان بن عفان، وعبد اللَّه وعبيد اللَّه (¬4) ابنا عمر بن الخطاب، وسالم بن عبد اللَّه (¬5)، ¬
وخالد بن المهاجر (¬1)، وعمر بن عبد العزيز، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب (¬2)، وجماعة (¬3). • المخالفون للإجماع: ذهب ابن حزم إلى أن الساحر لا يقتل لسحره (¬4)، وهو مروي عن عائشة رضي اللَّه عنها (¬5). • دليل المخالف: 1 - عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، فقال: (يا عائشة أعلمت أن اللَّه قد أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه، قال: لبيد بن أعصم -رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقًا-، قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاقة، قال: وأين؟ قال: في جف طلعة ذكر، تحت ¬
راعوفة، في بئر ذروان، قالت: فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- البئر حتى استخرجه" (¬1). • وجه الدلالة: في الحديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سُحر، وعرف اللَّه تعالى نبيَّه بمن سحره، ومع ذلك لم يأمر بقتله. 2 - عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة) (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حرم دم المسلم إلا بإحدى ثلاثة أمور، القتل، والزنى من المحصن، وتارك دينه، والساحر لم يرتكب أحد هذه الأمور الثلاثة فيبقى على الأصل من عصمة دمه (¬3). 3 - أن عدم قتل الساحر مروي عن عائشة رضي اللَّه عنها، حيث أخرج أحمد في مسنده أن عائشة رضي اللَّه عنها اشتكت فطال شكواها، فقدم إنسان المدينة يتطبب، فذهب بنو أخيها يسألونه عن وجعها، فقال: واللَّه إنكم تنعتون نعت امرأة مطبوبة، قال: هذه امرأة مسحورة سحرتها جارية لها، قالت: نعم أردتُ أن تموتي فأُعتق، قال: وكانت مدبَّرة، قالت: "بيعوها في أشد العرب ملكة، واجعلوا ثمنها في مثلها" (¬4). • وجه الدلالة: أن عائشة رضي اللَّه عنها لم تأمر بقتل من سحرتها، ولذا قال ¬
ابن عبد البر بعد سياقه الحديث: "فيه أن الساحر لا يُقتل إذا كان عمله من السحر ما لا يَقتل" (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيه عن ابن حزم، وهو مروي عن عائشة رضي اللَّه عنها. ¬
الفصل [الثالث] مسائل الإجماع فيما يوجب حد الردة
الفصل [الثالث] (*) مسائل الإجماع فيما يوجب حد الردة [49/ 4] المسألة التاسعة والأربعون: الإسلام هو الدين الذي فرضه اللَّه سبحانه وتعالى على الإنس والجن، ولا دين سواه، ومن خالف ذلك كفر. • المراد بالمسألة: الإسلام في نصوص الشريعة يطلق ويراد به أحد معنيين: الأول: الإسلام العام، وهو ما بعث به جميع الأنبياء، من آدم عليه السلام إلى محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، من الدعوة إلى توحيده تعالى في ربوبيته، وإلهيته (¬1)، فهذا دين الأنبياء جميعًا، كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (¬2). الثاني: الإسلام الخاص، وهو دين نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ضابط تحقيق الإسلام: "والإسلام يجمع معنيين: أحدهما: الاستسلام والانقياد، فلا يكون متكبرًا. والثاني: الإخلاص، من قوله تعالى: {وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} (¬3)، فلا يكون مشركًا" (¬4). ¬
والمراد بمسألة الباب المعنى الأول، وهو أن دين الإسلام الذي جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هو الذي يجب اتباعه، على جميع الثقلين الجن والإنس، وحقيقته أن يستسلم الإنسان لربه تعالى بتحقيق توحيده في ربوبيته وإلهيته، فهذا الدين هو الذي بحث به جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأنه هو الدين الصحيح فقط، وما سواه باطل، ومن خالف في ذلك فاعتقد صحة اعتناق اليهودية أو غيرها من الأديان، فإن هذا القول يعتبر قولًا كفريًا خارجًا من الملة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا على أن دين الإسلام هو الدين الذي لا دين للَّه في الأرض سواه، وأن من خالف ذلك ممن بلغه كافر مخلد في النار أبدًا" (¬1). وقال ابن تيمية (728 هـ): "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين، وباتفاق جميع المسلمين: أن من سوَّغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو كافر" (¬2). • مستند الإجماع: المسألة على قسمين: القسم الأول: أن الإسلام هو الدين الذي فرضه اللَّه تعالى على عباده، وأن الأنبياء والرسل كلهم جاءوا بدين الإسلام الذي هو الاستسلام له تعالى بالطاعة والخلوص من الشرك. وهذا النوع أدلته منها الخاصة، ومنها العامة، فمن الأدلة الخاصة على أن الأنبياء والرسل بعثوا بدين الإسلام: 1 - قال اللَّه تعالى عن نوح: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)} (¬3). ¬
2 - قال تعالى في حق إبراهيم: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)} (¬1). 3 - قال تعالى عن يوسف: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)} (¬2). 4 - قال تعالى عن موسى: {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)} (¬3). 5 - قال تعالى عن نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} (¬4). 6 - وقال سبحانه: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)} (¬5)، أي أول المسلمين من أمته -صلى اللَّه عليه وسلم-. • ومن الأدلة العامة ما يلي: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} (¬6). 2 - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} (¬7). 3 - قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ ¬
رَبِّ الْعَالَمِينَ (46)} (¬1). 4 - قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (¬2). 5 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد) (¬3). • القسم الثاني: أن دين الإسلام لا يقبل غيره، وليس للَّه دين سواه. ومن الأدلة على هذا القسم ما يلي: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} (¬4). 2 - قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (¬5). 3 - قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)} (¬6). 4 - قال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} (¬7). 5 - قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)} (¬8). 6 - قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ¬
[50/ 4] المسألة الخمسون: من خالف الإجماع المتيقن بعد علمه بأنه إجماع كفر.
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} (¬1). 7 - قال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)} (¬2). والآيات في تقرير هذه الباب كثيرة، وفيما ذكر كفاية إن شاء اللَّه تعالى. وإذا تقرر هذا من نصوص القرآن المتواترة فإن من أنكر ذلك وزعم أن للَّه ديناَ غير الإسلام فقد كذب القرآن وكفر باللَّه العظيم.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [50/ 4] المسألة الخمسون: من خالف الإجماع المتيقن بعد علمه بأنه إجماع كفر. • المراد بالمسألة: إذا أجمع أهل عصر على مسألة معينة، حتى انقرضوا، وكان الإجماع فيها قطعيًا متيقنًا (¬3)، ولم يكن فيها خلاف سابق، فإن من قال قولًا يخالف هذا الإجماع فإنه يكفر. ويتحصل مما سبق أن الإجماع لو لم يكن متيقنًا، بل كان إجماعًا ظنيًا، بأن كان من الإجماع السكوتي مثلًا، الذي محصله أن ثمة من قال بهذا القول ولم ينكر عليه أحد، أو كان من الإجماع الاستقرائي بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافًا، أو يكون ظاهر نص الشارع على حكم معين ولا يعلم أحدًا قال بغير ظاهره، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. وكذا لو كان الإجماع إنما هو لطائفة من أهل العلم كإجماع الخلفاء الأربعة، أو أهل المدينة، أو كان الإجماع قد حصل بعد خلافٍ قبله، فمخالفة الإجماع حينئذٍ غير مرادة في مسألة الباب. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من خالف الإجماع المتيقن، بعد علمه بأنه إجماع، فإنه كافر" (¬1). وحكاه القاضي عياض (544 هـ) عن طائفة فقال: "ومن الفقهاء والنظار في هذا الباب قالوا بتكفير كل من خالف الإجماع الصحيح الجامع لشروط الإجماع المتفق عليه عمومًا. . . وحكوا الإجماع على تكفير من خالف الإجماع" (¬2). وقال ابن الوزير (840 هـ) (¬3): "إجماع الأمة على تكفير من خالف الدين المعلوم بالضرورة، والحكم بردته إن كان قد دخل فيه قبل خروجه منه" (¬4). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} (¬5) (¬6). • وجه الدلالة: في الآية أن من اتبع غير سبيل المؤمنين، وهو الطريق الذي سلكوه ورأوه، فإنه موعد بالنار، وجعل ذلك في منزلة من شاقق الرسول (¬7). 2 - عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن اللَّه لا يجمع أمتي -أو قال: أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- على ضلالة) (¬8). ¬
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نفى اجتماع أمته على ضلالة، وهذا اللفظ هو نكرة في سياق النفي، وهو يفيد العموم، مما يدل على امتناع اجتماع أمته -صلى اللَّه عليه وسلم- على أي ضلالة، وأن كل ما أجمعوا عليه فإنه حق، ومن خرج عن الإجماع فقد كذب بالحديث، وظن أن الأمة أجمعت على الضلال. 3 - أن القول بأن إنكار الإجماع القطعي يتضمن إنكار نص مقطوع بصحته، مما يلزم منه تكذيب نص شرعي، وهذا موجب للكفر (¬1). • المخالفون للإجماع: تعقب ابن تيمية في كتابه "نقد مراتب الإجماع" ما ذكره ابن حزم حيث قال: "في ذلك نزاع مشهور بين الفقهاء" (¬2). وقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن من أنكر إجماعًا قطعيًا فإنه يفسق، ولا يكفر. وبه قال الرازي (¬3)، وأبو الخطاب، وجمع من الحنابلة (¬4)، ونسبه ابن تيمية والصنعاني للجمهور (¬5). إلا أن هؤلاء يقولون بكفر من خالف الإجماع القطعي إن كان مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كما حرر ذلك غير واحد من أهل العلم، منهم الصنعاني حيث قال: "واعلم أن كون الإجماع حجة قطعية إن روي تواترًا مسألة خلاف وتفصيل، فإن كان مما علم ضرورة كالصلوات الخمس مثلًا وإن كان وجوبها علم من ضرورة الدين لا من باب الإجماع بخصوصه، فمخالف هذا لا خلاف في كفره، وليس من محل النزاع" (¬6). إذا تقرر هذا فإنه لا بد أن يحرَّر مراد ابن حزم في الإجماع فيُقال: ¬
مذهب الظاهرية منهم ابن حزم في الإجماع أنه خاص بإجماع الصحابة فقط، أما من بعدهم فلا يعتبروه إجماعًا، وشرط تحقق الإجماع أن يكون متيقنًا عن الصحابة، وضابطه أن يتيقن أنهم علموا الحكم، وقالوا به، وعملوا به، قال ابن حزم: "أما نحن فليس الإجماع عندنا إلا الذي تيقن أنهم -أي الصحابة- أولهم عن آخرهم قالوا به، وعملوه، وصوَّبوه، دون سكوت من أحد منهم، ولا خلاف من أحد منهم، فهذا حقًا هو الإجماع" (¬1). وقال: "الإجماع هو ما تيقن أن جميع أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عرفوه، وقالوا به، ولم يختلف منهم أحد، كتيقننا أنهم كلهم رضي اللَّه عنهم صلوا معه عليه السلام الصلوات الخمس، أو علموا أنه صام مع الناس رمضان في الحضر، وكذلك سائر الشرائع التي تيقنت مثل هذا اليقين، والتي من لم يقر بها لم يكن من المؤمنين وهذا ما لا يختلف أحد في أنه إجماع. وما صح فيه خلاف من واحد منهم، أو لم يتيقن أن كل واحد منهم رضي اللَّه عنهم عرفه ودان به، فليس إجماعًا" (¬2). وقد قسَّم ابن حزم الإجماع المتيقن إلى قسمين، فقال بعد أن قرر أن الإجماع هو ما كان في عصر الصحابة دون من بعدهم: "الإجماع الذي هو الإجماع المتيقن، ولا إجماع غبره، لا يصح تفسيره ولا ادعاؤه بالدعوى لكن ينقسم قسمين: أحدهما: كل ما لا يشك فيه أحد من أهل الإسلام في أن من لم يقل به فليس مسلمًا، كشهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، وكوجوب الصلوات الخمس، وكصوم شهر رمضان، وكتحريم الميتة، والدم، والخنزير، والإقرار بالقرآن، وجملة الزكاة، فهذه أمور من بلغته فلم يقر بها فليس مسلمًا، ¬
فإذا ذلك كذلك فكل من قال بها فهو مسلم، فقد صح أنها إجماع من جميع أهل الإسلام. والقسم الثاني: شيء شهده جميع الصحابة رضي اللَّه عنهم من فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو تيقن أنه عرفه كل من غاب عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- منهم، كفعله في خيبر إذ أعطاها يهود بنصف ما يخرج منها من زرع أو تمر، ويخرجهم المسلمون إذا شاءوا. فهذا لا شك عند كل أحد في أنه لم يبق مسلم في المدينة إلا شهد الأمر، أو وصل إليه، يقع ذلك الجماعة من النساء والصبيان الضعفاء، ولم يبق بمكة والبلاد النائية مسلم إلا عرفه وسُر به. على أن هذا القسم من الإجماع قد خالفه قوم بعد عصر الصحابة رضي اللَّه عنهم، وهْمًا منهم، وقصدًا إلى الخير، وخطأ باجتهادهم. فهذان قسمان للإجماع ولا سبيل إلى أن يكون الإجماع خارجًا عنهما، ولا أن يعرف إجماع بغير نقل صحيح إليهما. ولا يمكن أحدًا إنكارهما، وما عداهما فدعوى كاذبة، ومن ادعى أنه يعرف إجماعًا خارجًا من هذين النوعين فقد كذب على جميع أهل الإسلام ونعوذ باللَّه العظيم من مثل هذا" (¬1). ويتحصل من كلام ابن حزم السابق أن الإجماع عنده على حالين: الحال الأولى: إما أن يكون على ما عُلم بالضرورة من أمور الدين، واستقرت عليه نصوص الشريعة، كوجوب الصلاة: فهذا القسم من أنكره بعد علمه بالإجماع فيكفر كما قال ابن حزم، لأنه تكذيب للقرآن، ولنصوص السنة الصريحة. وليس موجب التكفير حينئذٍ مخالفة الإجماع، وإنما جحوده ما هو معلوم ¬
من الدين بالضرورة، وإنكاره نصوص الشرع الصريحة، أما مخالفة الإجماع فقط فلا يكفر به، فإن قومًا أنكروا الإجماع جملة ولم ينقل تكفيرهم عن أحد من السلف بموجب إنكارهم الإجماع، كما قال القرافي: "قد جحد أصل الإجماع جماعة كبيرة من الروافض والخوارج كالنظَّام (¬1)، ولم أر أحدًا قال بكفرهم من حيث إنهم جحدوا أصل الإجماع" (¬2). الحال الثانية: أن يكون على أمر فعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واشتهر عند جميع الصحابة، فهذا وقع فيه خلاف مشهور بين أهل العلم، ولا يصح تكفير من خالف فيه. وهذا التقسيم نص عليه ابن تيمية فقال: "فكل مسألة يقطع فيها بالإجماع وبانتفاء المنازع من المؤمنين فإنها مما بين اللَّه فيه الهدى، ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر كما يكفر مخالف النص البيِّن. وأما إذا كان يظن الإجماع ولا يقطع به، فهنا قد لا يقطع أيضًا بأنها مما تبين فيها الهدى من جهة الرسول ومخالف مثل هذا الإجماع قد لا يكفر بل قد يكون ظن الإجماع خطأ، وأن الصواب في خلاف هذا القول، وهذا هو فصل الخطاب فيما يكفر به من مخالفة الإجماع وما لا يكفر" (¬3).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن منكر الإجماع القطعي على قسمين: الأول: أن تكون المسألة مما هي معلومة من الدين بالضرورة، كوجوب ¬
[51/ 4] المسألة الحادية والخمسون: الإسلام ناسخ لجميع الشرائع، ولا ينسخه دين بعده، ومن خالف ذلك كفر.
الصلوات الخمس، فهذا القول بكفر منكره محل إجماع بين أهل العلم. الثاني: أن تكون المسألة ليست مما هي معلوم من الدين بالضرورة، فليست محل إجماع محقق، والنزاع فيها مشهور كما حكاه ابن تيمية. [51/ 4] المسألة الحادية والخمسون: الإسلام ناسخ لجميع الشرائع، ولا ينسخه دين بعده، ومن خالف ذلك كفر. • المراد بالمسألة: المراد بمسألة الباب أن دين محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ناسخ لجميع الأديان السابقة، فلا يسع أحدًا أن يتبع اليهودية، أو النصرانية، أو غيرها من الأديان، بعد بعثة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما أن دينه عليه السلام لا ينسخه شرع آخر، فلا يمكن لأحد أن يدعي النبوة بعد محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويحكم بشرع جديد، حتى أن عيسى عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان فإنه يحكم بشريعة نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "صح الإجماع بأن دين الإسملام نسخ كل دين كان قبله، وأن من التزم ما جاءت به التوراة أو الإنجيل، ولم يتبع القرآن فإنه كافر مشرك" (¬1). وقال في موضع آخر: "اتفقوا أن دين الإسلام ناسخ لجميع الأديان قبله، وأنه لا ينسخه دين بعده أبدًا، وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلد في النار أبدًا" (¬2). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "وليس لأحد ممن أدركه الإسلام أن يقول لمحمد: أني على علم من علم اللَّه علَّمنيه اللَّه لا تعلمه، ومن سوَّغ هذا أو اعتقد أن أحدًا من الخلق الزهاد والعباد أو غيرهم له الخروج عن دعوة محمد ومتابعته، فهو كافر باتفاق المسلمين" (¬3). • مستند الإجماع: أدلة مسألة الباب متوافرة من الكتاب والسنة منها: ¬
1 - قال اللَّه تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} (¬1). 2 - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} (¬2). 3 - قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} (¬3). 4 - قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} (¬4). 5 - قال تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)} (¬5). قال ابن كثير في تفسير الآية: "هذه الآية وأمثالها من أصرح الدلالات على عموم بعثته، صَلوات اللَّه وسلامه عليه إلى جميع الخلق، كما هو معلوم من دينه ضرورة" (¬6). • أما أدلة السنة فمنها: 1 - ما في الصحيحين من حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أُعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي ¬
يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) (¬1). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) (¬2). 3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (فُضِّلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأُرسلت إلى الخلق كافة، وخُتم بي النبيون) (¬3). 4 - عن أبى موسى -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أعطيت خمسًا: بعثت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأحلت لي المغانم ولم تحل لمن كان قبلي. . . الحديث) (¬4). 5 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تسالوا أهل الكتاب عن شيء؛ فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فإنكم إما أن تصدقوا بباطل، أو تكذبوا بحق، فإنه لو كان موسى حيًا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني) (¬5). ¬
6 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فغضب فقال: (أمتهوِّكون (¬1) فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لفد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى -صلى اللَّه عليه وسلم- كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني) (¬2). 7 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء (¬3)، كلَّما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي. . . الحديث) (¬4). 8 - عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- (¬5) أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج إلى تبوك، ¬
واستخلف عليًا، فقال علي رضي اللَّه عنه: أتخلفني في الصبيان والنساء؛ قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي) (¬1). 9 - عن جبير بن مطعم -رضي اللَّه عنه- (¬2) أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي، وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي) (¬3). 10 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (نحن الأخرون، ونحن السابقون يوم القيامة) (¬4). 11 - في صحيح البخاري أن إسماعيل (¬5) قال لابن أبي أوفى (¬6) -رضي اللَّه عنه-: "رأيتَ ¬
[52/ 4] المسألة الثانية والخمسون: من زعم أن للقرآن ظاهرآ وباطنا فقد كفر.
إبراهيم ابن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: مات صغيرًا، ولو قضي أن يكون بعد محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- نبي عاش ابنه، ولكن لا نبي بعده" (¬1). • وجه الدلالة من الآيات والأحاديث السابقة: هذه جملة من الآيات والأحاديث تدل دلالة صريحة على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مبعوث للناس كافة، فدينه ناسخ لجميع الأديان، وأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتم النبيين، فلا نبي بعده، ولا ناسخ لشريعته، وعليه أجمع أهل العلم، حيث قال النووي: "وبإجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة لا تنسخ" (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [52/ 4] المسألة الثانية والخمسون: من زعم أن للقرآن ظاهرآ وباطنًا فقد كفر. • المراد بالمسألة: من زعم أن الأوامر التي ذكرها اللَّه تعالى أو النواهي التي نهى اللَّه تعالى عنها إنما يراد به العامة، أما الخاصة فلهذه الأوامر أو النواهي معان أخرى، فهذا كفر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في توضيح هذا المذهب: "أما الأوامر فإن الناس يعلمون بالاضطرار من دين الإسلام أن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرهم بالصلوات المكتوبة، والزكاة المفروضة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، وأما النواهي فإن اللَّه تعالى حرم عليهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم، والبغي بغير الحق، وأن يشركوا باللَّه ما لم ينزل به سلطانًا، وأن يقولوا على اللَّه ما لا يعلمون، كما حرم الخمر، ونكاح ذوات المحارم، والربا، والميسر، وغير ذلك، فزعم هؤلاء أنه ليس المراد بهذا ما يعرفه المسلمون، ¬
ولكن لهذا باطن يعلمه هؤلاء الأئمة الإسماعيلية (¬1) الذين انتسبوا إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الذين يقولون أنهم معصومون، وأنهم أصحاب العلم الباطن، كقولهم الصلاة معرفة أسرارنا، لا هذه الصلوات ذات الركوع والسجود والقراءة، والصيام كتمان أسرارنا ليس هو الإمساك عن الأكل والشرب، والنكاح والحج زيارة شيوخنا المقدسين، وأمثال ذلك، وهؤلاء المدعون للباطن لا يوجبون هذه العبادات، ولا يحرمون هذه المحرمات، بل يستحلون الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونكاح الأمهات والبنات، وغير ذلك من المنكرات" (¬2). • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "وأما سؤال القائل إنهم أصحاب العلم الباطن فدعواهم التي ادعوها من العلم الباطن هو أعظم حجة ودليل على أنهم زنادقة منافقون لا يؤمنون باللَّه ولا برسوله ولا باليوم الآخر، فإن هذا العلم الباطن الذي ادعوه هو كفر باتفاق المسلمين، واليهود، والنصارى" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على المسألة أن القول بأن للقرآن ظاهر وباطن طريق لإنكار شرائع الإسلام، وسبيل للإلحاد في نصوص الشريعة، وتحريف أخبارها، وأوامرها، ونواهيها. ¬
[53/ 4] المسألة الثالثة والخمسون: الله عز وجل واحد لا شريك له، وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء معه، ومن خالف ذلك فهو كافر.
Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [53/ 4] المسألة الثالثة والخمسون: اللَّه عز وجل واحد لا شريك له، وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء معه، ومن خالف ذلك فهو كافر. • المراد بالمسألة: هذه المسألة على قسمين: الأول: أن اللَّه تعالى واحد في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، فمن أنكر ذلك، وزعم أن ثمة شريكًا للَّه تعالى يستحق أن يكون ربًا أو إلهًا يُعبد فقد كفر. الثاني: أن اللَّه تعالى لم يزل وحده، ولا شيء غيره معه، ثم خلق الأشياء. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "باب من الإجماع في الاعتقادات يكفر من خالفه بإجماع: اتفقوا أن اللَّه عز وجل واحد لا شريك له، خالق كل شيء. وأنه تعالى لم يزل وحده، ولا شيء معه غيره. وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلد في النار أبدًا" (¬1). • مستند الإجماع: أما أن اللَّه تعالى واحد لا شريك له فأدلته مستفيضة، منها: 1 - قال اللَّه تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)} (¬2). 2 - قال اللَّه تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} (¬3). 3 - قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)} (¬4). ¬
4 - قال تعالى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (¬1). بل قد أفرد اللَّه تعالى لذلك سورة وجعلها تعدل ثلث القرآن (¬2)، وهي سورة الإخلاص حيث قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} (¬3). والنصوص في تقرير وحدانيته تعالى في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته متواترة مستقرة، يطول حصرها والمراد الإشارة (¬4). وأما أن اللَّه تعالى لم يزل ولم يكن شيء معه فدليله ما يلي: 1 - عن عمران بن حصين رضي اللَّه عنهما قال: دخلت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم، فقال: (اقبلوا البشرى يا بني تميم) قالوا: قد بشَّرتنا فأعطنا، مرتين، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن، فقال: (اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم) قالوا: قد قبلنا يا رسول اللَّه، قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر، قال: (كان اللَّه ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض) (¬5). وفي رواية أخرى للبخاري بلفظ: (كان اللَّه ولم يكن شيء قبله) (¬6). ¬
وأما لفظ: "لم يكن شيء معه" فليس في شيء من كتب السنة، لكن الحديث مخرجه واحد والقصة متحدة، فلا بد أن يكون أحد اللفظين صحيحًا والآخر روي بالمعنى، ولذا مال جماعة من أهل العلم إلى الرواية الأولى منهم ابن حجر (¬1)، وأن قوله: "ولم يكن شيء غيره"، هي بمعنى لم يكن شيء معه. 2 - عن أبي العقيلي (¬2) قال: قلت: يا رسول اللَّه أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: (كان في عماء، ما تحته هواء وما فوقه هواء، وخلق عرشه على الماء)، قال أحمد بن منيع (¬3) قال يزيد بن هارون (¬4): العماء أي ليس معه شيء (¬5). ¬
قال المباركفوري: "كأنه قال: كان ولم يكن معه شيء، بل كل شيء كان عدمًا عمى لا موجودًا ولا مدركًا، والهواء الفراغ أيضًا العدم، كأنه قال: كان ولا شيء معه، ولا فوق، ولا تحت. انتهى. قلت: إن صحت الرواية عمى -بالقصر- فلا إشكال في هذا الحديث، وهو حينئذٍ في معنى حديث "كان اللَّه ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء"" (¬1). 3 - عن سهيل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول: "اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر" وكان يروي ذلك عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن مسألة أن اللَّه تعالى واحد لا شريك له فالإجماع منعقد في الجملة على تكفير مخالفه، إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع. وأما أنه تعالى لم يزل وحده لا شيء معه، فهذا مما تعقيه شيخ الإسلام ابن تيمية على ابن حزم من جهة أن هذا الحرف لم يأت في نصوص الشريعة، ولا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، فضلًا عن أن يدعى فيها الإجماع، فضلًا عن كفر المخالف. ¬
[54/ 4] المسألة الرابعة والخمسون: الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء، ولا يضل، ولا ينسى، ولا يجهل، ومن أنكر ذلك فقد كفر.
ورجح ابن تيمية أن الصواب في حديث عمران هو لفظ "كان اللَّه ولم يكن شيء قبله"؛ لأنه الموافق لما رواه مسلم: (أنت الأول فليس قبلك شيء) (¬1)، أما لفظ: "كان اللَّه ولم يكن شيء غيره" فروي بالمعنى (¬2). ولم يرد شيخ الإسلام بهذا الكلام مخالفة ابن حزم في أصل المسألة، فإن ابن تيمية يقر بأن اللَّه تعالى خالق، وكل ما سواه فهو مخلوق خلقه اللَّه تعالى، وأنه لا شيء أزلي قديم سوى اللَّه تعالى (¬3)، وإنما أراد ابن تيمية أن ينبه إلى أن نقل الإجماع في مثل هذه المسألة، وتكفير المخالف، ليس بصواب، واللَّه تعالى أعلم. [54/ 4] المسألة الرابعة والخمسون: اللَّه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء، ولا يضل، ولا ينسى، ولا يجهل، ومن أنكر ذلك فقد كفر. • المراد بالمسألة: اللَّه عز وجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فيعلم كل صغيرة، وكبيرة، وهو وتعالى لا يضل فيفوته شيء لا يعلمه، بل علمه محيط بكل شيء، ولا يضل فيهلك كما تهلك المخلوقات وتفنى، ولا يضل فيخطئ في تدبير أمر أو تقديره، وقد اختلفت عبارات أهل التأويل في المراد بنفي الضلال عن اللَّه تعالى في قوله عز وجل: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} فقيل: أي لا يهلك، وقيل: لا يفوته علم شيء، وقيل: لا يُخطئ (¬4)، كما أنه تعالى لا ينسى شيئًا علمه، ومن زعم غير ذلك فقد كفر. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) في جملة من الاعتقادات التي يكفر من خالفها: "اتفقوا أن اللَّه تعالى لا يخفى عليه شيء، ولا يضل، ولا ينسى، ولا يجهل" (¬5). ¬
وقال المازري (536) (¬1): "المعتزلي إذا نفى العلم نفى أن يكون اللَّه تعالى عالمًا، وذلك كفر بالإجماع" (¬2)، نقله عنه النووي (¬3)، والشوكاني (¬4). قال القاضي عياض (544 هـ) في معرض كلامه على صفة العلم للَّه تعالى: "نص أئمتنا على الإجماع على كفر من نفى عنه تعالى الوصف بها وأعراه عنها" (¬5). وقال أيضًا فى القدرية (¬6) الأُول الذين نفوا تقدم علم اللَّه تعالى بالكائنات: "القائل بهذا كافر بلا خلاف" (¬7)، ونقله عنه النووي (¬8). وقال ابن تيمية (728 هـ): "والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير الجهمية (¬9) المحضة الذين ينكرون الصفات. . . وأما القدرية الذين ينفون ¬
الكتابة والعلم فَكفَّروهم" (¬1). وقال ابن جزي (741) (¬2): "لا خلاف في تكفير من نفى الربوبية أو الوحدانية. . . أو اعتقد أن اللَّه غير حي أو غير عليم" (¬3). وقال ابن القيم (751 هـ) في معرض كلامه على مراتب القدر: "المرتبة الأولى: وهي العلم السابق، فقد اتفق عليه الرسل من أولهم إلى خاتمهم، واتفق عليه جميع الصحابة ومن تبعهم من الأمة" (¬4). وقال في موضع آخر: "فقوله: "اللَّه أعلم بما كانوا عاملين" دليل على أن اللَّه يعلم ما يصيرون إليه بعد ولادتهم على الفطرة، هل يبقون عليها فيكونون مؤمنين، أو يغيَّرون فيصيرون كفارًا، فهو دليل على تقدم العلم الذي ينكره غلاة القدرية، واتفق السلف على تكفيرهم بإنكاره" (¬5). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "من جحد صفة من صفاته كالحياة والعلم كفر إجماعًا" (¬6). • مستند الإجماع: النصوص الدالة على عموم علمه تعالى متوافرة فمنها: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5)} (¬7). 2 - قال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)} (¬8). 3 - قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ ¬
وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} (¬1). 4 - قال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)} (¬2). 5 - قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)} (¬3). 6 - قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)} (¬4). 7 - قال سبحانه في قصة فرعون وموسى: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)} (¬5)، وهذا على أن تفسير قوله: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} راجع إلى اللَّه تعالى، لا إلى الكتاب، وأنه كلام مستأنف، لبيان صفتين من صفاته تعالى جيء بها للإخبار بأن اللَّه تعالى قد كتب ذلك لا لحاجة للكتاب، فإنه تعالى من صفاته أنه لا يضل ولا ينسى. إلى غير ذلك من النصوص الدالة على إحاطة عمله تعالى بكل شيء.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[55/ 4] المسألة الخامسة والخمسون: الله تعالى خالق كل شيء كما شاء، فمن خالف ذلك فهو كافر.
[55/ 4] المسألة الخامسة والخمسون: اللَّه تعالى خالق كل شيء كما شاء، فمن خالف ذلك فهو كافر. • المراد بالمسألة: من مراتب الإيمان بالقدر الإيمان بأن اللَّه تعالى خالق كل شيء، بمشيئته، ومن جملة ذلك أنه تعالى خالق لجميع العباد، ولأفعالهم، فأفعال العباد مخلوقة، وهي تحت مشيئة اللَّه تعالى. وليس المراد هنا تقرير أن أفعال العباد مخلوقة للَّه تعالى، ولا أن أفعال العباد لا تكون إلا بمشيئته سبحانه، فإن هاتين المسألتين محل إجماع عند أهل السنة والجماعة، وإنما المراد كفر من خالف ذلك. وقد نقل جماعة من أهل العلم الإجماع على ذلك منهم اللالكائي حيث حكى إجماع الصحابة ومن بعدهم على أن أفعال العباد مخلوقة فقال: "سياق ما فُسر من الآيات في كتاب اللَّه عز وجل، وما روي من سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في إثبات القدر، وما نقل من إجماع الصحابة والتابعين والخالفين لهم من علماء الأمة: أن أفعال العباد كلها مخلوقة للَّه عز وجل، طاعاتها، ومعاصيها" (¬1). ومما نقله ابن القيم على أن كل شيء لا يكون إلا بمشيئته تعالى قوله: "وهذه المرتبة قد دل عليها إجماع الرسل من أولهم إلى آخرهم، وجميع الكتب المنزلة من عند اللَّه، والفطرة التي فطر اللَّه عليها خلقه، وأدلة العقول والعيان، وليس في الوجود موجب ومقتض إلا مشيئة اللَّه وحده، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، هذا عموم التوحيد الذي لا يقوم إلا به" (¬2). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "باب من الإجماع في الاعتقادات يكفر من خالفه بإجماع: اتفقوا أن اللَّه عز وجل وحده لا شريك له، ¬
خالق كل شيء غيره، واتفقوا أن اللَّه عز وجل واحد لا شريك له، خالق كل شيء، وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء معه غيره، وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلد في النار أبدًا" (¬1). • مستند الإجماع: من الأدلة الدالة على عموم خلق اللَّه لجميع الأشياء ما يلي: 1 - قال اللَّه تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} (¬2). 2 - قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} (¬3). 3 - قال اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)} (¬4). 4 - قال اللَّه تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} (¬5). • وجه الدلالة من الآيات: في الآيات دلالة صريحة على أن اللَّه تعالى خالق كل شيء سبحانه، ومن جملة ذلك خلقه لأفعال العباد. 5 - قال اللَّه تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} (¬6). قال ابن الجوزي: "في "ما" وجهان: أحدهما: أن تكون بمعنى المصدر، فيكون المعنى: واللَّه خلقكم وعملكم. والثاني: أن تكون بمعنى الذي، فيكون المعنى: واللَّه خلقكم وخلق الذي تعملونه بأيديكم من الأصنام. ¬
وفي هذه الآية دليل على أن أفعال العباد مخلوقة للَّه" (¬1). أما كون كل شيء بمشيئته تعالى فيدل عليه ما يلي: 1 - قال اللَّه تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)} (¬2). 2 - قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)} (¬3). 3 - قال اللَّه تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)} (¬4). 4 - قال تعالى حكاية عن شعيب: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} (¬5)، وهذا نص في أن المعصية تكون بمشيئته تعالى، فهي تحت إرادته تعالى الكونية لا الشرعية. 5 - قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)} (¬6). 6 - قال تعالى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} (¬7). 7 - قال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)} (¬8). والآيات في تقرير ذلك كثيرة جدًا. ¬
• المخالفون للإجماع: هذه المسألة مما تعقبها شيخ الإسلام ابن تيمية على ابن حزم من جهة أن تكفير منكري المشيئة والخلق محل خلاف مشهور بين السلف، وأن المنصوص عن الأئمة كمالك وأحمد والشافعي عدم تكفير منكري الخلق أو المشيئة. ثم قال ابن تيمية معقبًا على ابن حزم: "ومعلوم أن مثل هذا النقل للإجماع لم ينقله عن معرفته بأقوال الأئمة، لكن لما علم أن القرآن أخبر بأن اللَّه خالق كل شيء، وأن هذا من أظهر الأمور عند الأمة حكى الإجماع على مثل هذا، ثم اعتقد أن من خالف الإجماع كفر بإجماع، فصارت حكايته لهذا الإجماع مبنية على هاتين المقدمتين اللتين ثبت النزاع في كل منهما" (¬1). ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام أحمد روايتان في كفر القدرية المقرين بالعلم والمنكرين للخلق والمشيئة، ثم قال: "مع أن الغالب عليه التوقف عن تكفير القدرية المقرين بالعلم" (¬2). وأما ما جاء عن الإمام مالك في القدرية أنه لا يُصلَّى عليهم ويستتابون، كما جاء في المدونة: "قال مالك: في القدرية والإباضية (¬3) لا يصلى على موتاهم، ولا يتبع جنائزهم، ولا تعاد مرضاهم، فإذا قتلوا فذلك أحرى عندي أن لا يصلى عليهم" (¬4)، فإن جماعة من المالكية منهم سحنون (¬5) وابن عبد البر حملوا ذلك على أنه من باب الأدب لا التكفير، وترك الصلاة عليهم هو من ¬
الإمام وأهل الفضل، لا من عموم الناس. قال ابن عبد البر: "وأما أن تترك الصلاة عليهم جملة إذا ماتوا فلا، بل السنة المجتمع عليها أن يصلى على كل من قال لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، مبتدعًا كان أو مرتكبًا للكبائر. ولا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار أئمة الفتوى يقول في ذلك بقول مالك" (¬1). بل ذكر ابن حزم في كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل" أنه لا يكفر من خالف أهل السنة في اعتقاداتهم إذا كانوا مجتهدين في تحصيل الحق، ثم أخذ يرد على من كفر القدرية، ويضعف الأحاديث الواردة في كونهم مجوس هذ الأمة (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم في مسألة التكفير، للخلاف الذي حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية. ولذا قال ابن رجب: "وقد قال كثير من أئمة السلف: ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقروا به خُصموا، وإن جحدوه فقد كفروا، يريدون: أن من أنكر العلم القديم السابق بأفعال العباد، وأن اللَّه قسمهم قبل خلقهم إلى شقي وسعيد، وكتب ذلك عنده في كتاب حفيظ، فقد كذب بالقرآن، فيكفر بذلك، وإن أقروا بذلك، وأنكروا أن اللَّه خلق أفعال عباده، وشاءها، وأرادها منهم إرادة كونية قدرية، فقد خصموا؛ لأن ما أقروا به حجة عليهم فيما أنكروه، وفي تكفير هؤلاء نزاع مشهور بين العلماء" (¬3). ¬
[56/ 4] المسألة السادسة والخمسون: من خالف الحديث المنقول نقل الكافة وعلم ذلك كفر.
[56/ 4] المسألة السادسة والخمسون: من خالف الحديث المنقول نقل الكافة وعلم ذلك كفر. • المراد بالمسألة: إذا صح الحديث المنقول عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بنقل جماعة عن جماعة، فإن من تعمد مخالفة الحديث بلا تأويل أو شبهة فإنه يكفر. ويتبين من ذلك أن الحديث إن لم يكن صحيحًا، أو لم يكن من رواية الجماعة عن الجماعة، بل كان من رواية الآحاد، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. وكذا من خالف الحديث من غير تعمد المخالفة، إما لتأويل أو شبهة، أو نحو ذلك فكل ذلك غير مراد في الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن نقل الكافة حق، فمن خالفه بعد علمه أنه نقل كافة، كفر" (¬1). وقد بين ابن حزم مراده بنقل الكافة فقال: "دين الإسلام اللازم لكل أحد لا يؤخذ إلا من القرآن، أو مما صح عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إما برواية جميع علماء الأمة عنه عليه الصلاة والسلام وهو الإجماع، وإما بنقل جماعة عنه عليه الصلاة والسلام وهو نقل الكافة، وإما برواية الثقات واحدًا عن واحد حتى يبلغ إليه عليه الصلاة والسلام" (¬2). • مستند الإجماع: يدل لمسألة الباب: 1 - قول اللَّه تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (¬3). 2 - أن حقيقة من رد الحديث الصحيح مع علمه بذلك فقد أنكر شيئًا مما جاء به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.Rالظاهر أن هذا من جملة ما ذكره ابن تيمية عن ابن حزم أنه قد ¬
[57/ 4] المسألة السابعة والخمسون: من استجاز الصلاة إلى غير القبلة كفر.
ينقل في هذا الباب أقوالًا بالتكفير بناء على أنه من الأمور المشهورة عند أئمة المسلمين، فمخالفه كافر، لا بناء عن نقولات من السلف، وإلا فمن المعلوم أن من خالف نص الحديث الصريح الصحيح في مسألة معينة فإنه لا يكفر، فالحاكم مثلًا إن جاءه سارق وهو يعلم شرع اللَّه تعالى في قطع يده، لكنه تركه رحمة به أو مراعاة لنسب بينهما أو نحو ذلك فلا يقال بكفر مثل هذا. والمقصود أن ما ذكره ابن حزم ليس بدقيق، واللَّه تعالى أعلم. [57/ 4] المسألة السابعة والخمسون: من استجاز الصلاة إلى غير القبلة كَفَر. • المراد بالمسألة: من أجاز صلاة الفريضة إلى جهة مخالفة لجهة القبلة لغير عذر، فقد كفر باللَّه تعالى، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. ويتبين مما سبق أنه لو أجاز صلاة النافلة، أو أجاز الصلاة إلى الجهة ولم يشترط عين القبلة، أو أجاز الصلاة إلى القبلة مع الانحراف اليسير عن عينها، أو استجاز الصلاة لغير القبلة لعذر كصلاة الخوف مثلًا، أو للجهل، أو نحوهما، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. كما ينبه إلى أن مجرد الصلاة إلى غير القبلة عامدًا، غير مراد في مسألة الباب، وإنما المراد من فعل ذلك مجيزًا ومستحلًا له. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف بين أحد من الأمة في أن امرءًا لو كان بمكة بحيث يقدر على استقبال الكعبة في صلاته فصرف وجهه عامدًا عنها إلى أبعاض المسجد الحرام من خارجه أو من داخله فإن صلاته باطلة، وأنه إن استجاز ذلك كافر" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على وجوب استقبال القبلة في الصلاة نصوص متوافرة من الكتاب والسنة والإجماع وكذا عمل الناس على وجوب استقبال القبلة فمنها: ¬
• أولًا: من الكتاب: يدل عليه من القرآن قول اللَّه تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بالصلاة إلى المسجد الحرام وهي الكعبة، قال القرطبي: "قوله تعالى: {فَوَلِّ} أمر، {وَجْهَكَ شَطْرَ} أي ناحية، {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} يعني الكعبة، ولا خلاف في هذا" (¬2). • ثانيًا: من السنة: يدل عليه من السنة أدلة منها: 1 - عن البراء بن عازب -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده -أو قال أخواله- من الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد باللَّه لقد صليت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلمَّا ولَّى وجهه قِبَل البيت أنكروا ذلك (¬3). 2 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة اللَّه وذمة رسوله، فلا تخفروا اللَّه في ذمته) (¬4). 3 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي على راحلته ¬
حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة" (¬1). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رجلًا دخل المسجد ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالس في ناحية المسجد، فصلى، ثم جاء فسلم عليه، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (عليك السلام ارجع فصل، فإنك لم تصل) فرجع فصلى، ثم جاء فسلم، فقال: (وعليك السلام، فارجع فصل فإنك لم تصل) فقال في الثانية أو في التي بعدها: علمني يا رسول اللَّه، فقال: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر، ثم اقرأ بما تبسر معك من القرآن. . . الحديث) (¬2). • ثالثًا: من الإجماع: أجمع أهل العلم على فرضية استقبال القبلة لصلاة الفرض، كما نقله غير واحد من أهل العلم، قال ابن عبد البر: "وأجمعوا على أنه فرض واجب على من عاينها وشاهدها استقبالها بعينها، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها فلا صلاة له" (¬3). • وجه الدلالة من هذه الأدلة على مسألة الباب: إذا تقرر هذا فإن من خالف وأجاز الصلاة لغير القبلة فقد خالف صريح الكتاب والسنة والإجماع، في أمر هو معلوم من الدين بالضرورة، وإنكار ما هو معلوم في الدين الضرورة كفر كما نقله غير واحد من أهل العلم، منهم ابن تيمية حيث قال: "فإن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة هو من أعظم أصول الإيمان وقواعد الدين، والجاحد لها كافر بالاتفاق" (¬4). وقال القاري: "إنكار وجوب المجمع عليه إذا كان معلومًا من الدين بالضرورة كفر اتفاقًا" (¬5). ¬
[58/ 4] المسألة الثامنة والخمسون: من حجد صفة القدرة لله عز وجل كفر.
Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [58/ 4] المسألة الثامنة والخمسون: من حجد صفة القدرة للَّه عز وجل كفر. • المراد بالمسألة: من المقرر عند أهل السنة والجماعة أن اللَّه تعالى موصوف بما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه به نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل، ولا تكييف، وقد وصف تعالى نفسه بأنه على كل شيء قدير، فأثبتها أهل السنة والجماعة على ما يليق به سبحانه صفة له تعالى، فمن علم بهذه الصفة من نصوص الشريعة، وخالف هذا الاعتقاد فإنه كافر، إذا قامت الحجة عليه. ويتبين مما سبق أنه ليس المراد نفي كون اللَّه قادر، وإنما المراد نفي كون القدرة صفة له تعالى، أما نفي القدرة عنه تعالى جملة فمسألة أخرى. • من نقل الإجماع: حكى ابن الجوزي (597 هـ) الاتفاق في المسألة، كما نقله عنه ابن حجر بقوله: "قال ابن قتيبة: قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين، فلا يكفرون بذلك، وردَّه ابن الجوزي وقال: جحده صفة القدرة كفر اتفاقًا" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬2). 2 - قال تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (¬3). 3 - قال تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)} (¬4). ¬
وغيرها من الآيات الدالة على قدرته تعالى وهي كثيرة يطول حصرها. • وجه الدلالة: أن هاتين الآيتين وغيرهما من الآيات الدالة على القدرة صريحة بأنه تعالى قدير. 4 - في صحيح مسلم في قصة آخر من يخرج من النار وآخر من يدخل الجنة، وفيه: (فيقول اللَّه تعالى: يا ابن آدم ما يُصْريني (¬1) منك، أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ ) فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: مم تضحك يا رسول اللَّه؟ قال: (من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر) (¬2). • وجه الدلالة: الحديث صريح بأنه تعالى قادر، وأن ذلك من صفاته. 5 - إجماع أهل العلم على أن اللَّه تعالى قدير، كما حكاه غير واحد من أهل العلم، منهم أبو الحسن الأشعري حيث قال: "أجمعوا على أنه تعالى لم يزل موجودًا، حيًا، قادرًا، عالمًا، مريدًا" (¬3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من المعلوم باتفاق المسلمين أن اللَّه حي حقيقة، عليم حقيقة، قدير حقيقة، سميع حقيقة، بصير حقيقة" (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع عند أهل السنة على أن من أنكر صفة القدرة للَّه تعالى كفر. ¬
[59/ 4] المسألة التاسعة والخمسون: من استحل وطء المحارم كفر.
لكن ينبه إلى أن كفر المقالة لا يلزم منها تكفير القائل، كما قرره جماعة من أهل العلم، فإن مذهب المعتزلة مما هو مقرر في مذهبهم نفي صفة القدرة عن اللَّه تعالى فيقولون عنه سبحانه: قادر بلا قدرة، لكن مع ذلك فإن جمهور أهل السنة لم يكفروا أعيان المعتزلة بهذه المقالة، وإن كانت المقالة في ذاتها قد تكون كفرًا، ولذا قال النووي: "مذهب الشافعي جماهير أصحابه العلماء أن الخوارج لا يكفرون، وكذلك القدرية، وجماهير المعتزلة، وسائر أهل الأهواء" (¬1). [59/ 4] المسألة التاسعة والخمسون: من استحل وطء المحارم كفر. • المراد بالمسألة: من المستقر في نصوص الكتاب والسنة أن الإنسان محرم عليه أن ينكح محارمه إما بسبب نسب أو رضاع أو صهر، فمن استحل وطء من تحرم عليه كأمه من النسب أو الرضاع، أو أخته، أو ابنته، أو غيرهم ممن نص القرآن على تحريمهم، وأجمع عليه أهل العلم، سواء استحل ذلك بزنى، أو بنكاح، أو بملك يمين فقد كفر، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. وينبه إلى أن هذا فيمن ثبت فيه النسب شرعًا، أما لم يثبت فيه النسب شرعًا كبنت الزاني، فغير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: ذكر ابن حزم (456 هـ) أن من استحل نكاح عمته أو خالته أو ذوات محارمه فإنه يكفر بلا خلاف (¬2). قال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل، أو شرب الخمر، أو الزنا، مما حرم اللَّه بعد علمه بتحريمه" (¬3). وقال ابن تيمية (728 هـ): "من فعل المحارم مستحلًا لها فهو كافر بالاتفاق" (¬4). ¬
وقال القاري (1014 هـ): "إنكار وجوب المجمع عليه إذا كان معلومًا من الدين بالضرورة كفر اتفاقًا" (¬1). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "من جحد الزنا، أو جحد شيئًا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها -أي على تحريمها-، أو جحد حل خبز، ونحوه، مما لا خلاف فيه، أو جحد وجوب عبادة من الخمس، أو حكمًا ظاهرًا مجمعًا عليه إجماعًا قطعيًا، بجهل، عُرِّف ذلك، وإن أصر أو كان مثله لا يجهل كفر، ولا نزاع في كفره" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)} (¬3). • وجه الدلالة: الآية صريحة في تحريم نكاح المحارم، قال ابن كثير في تفسير الآية: "أجمع المسلمون على أن معنى قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ. . .} إلى آخر الآية، أن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء" (¬4). 2 - إجماع أهل العلم على تحريم نكاح المحارم كما نقله ابن قدامة وغيره (¬5).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[60/ 4] المسألة الستون: سب الله تعالى كفر.
[60/ 4] المسألة الستون: سب اللَّه تعالى كفر. • المراد بالمسألة: المسلم إذا سب اللَّه تعالى صريحًا فإنه يكفر، سواء كان جادًا في كلامه، أو هازلًا، فإنه يكفر، ويأخذ أحكام المرتد عن الإسلام. ويتبين مما سبق أنه لو قال مقالة يلزم منها سب اللَّه تعالى، كمن سب الدهر، مع أن اللَّه تعالى قال في الحديث القدسي: "وأنا الدهر"، أو نحو ذلك، فإن هذا غير داخل في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال إسحاق بن راهويه (238 هـ): "أجمع المسلمون على أن من سب اللَّه تعالى، أو سب رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو دفع شيئًا مما أنزل اللَّه تعالى، أو قتل نبيًا من أنبياء اللَّه عز وجل، أنه كافر بذلك، وإن كان مقرًا بكل ما أنزل اللَّه"، نقله عنه ابن عبد البر (¬1)، وابن تيمية (¬2). وقال ابن حزم (456 هـ): "أما سب اللَّه تعالى: فما على ظهر الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد" (¬3). وقال القاضي عياض (544 هـ): "ولا خلاف في قتل من سب اللَّه" (¬4). وقال ابن تيمية (728 هـ): "فصل: فيمن سب اللَّه تعالى: . . . فإن كان مسلمًا وجب قتله بالإجماع؛ لأنه بذلك كافر مرتد" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أثبت الكفر لمن استهزء باللَّه تعالى، وسب اللَّه ¬
تعالى من جملة الاستهزاء، قال ابن تيمية: "هذا نص في أن الاسهتزاء باللَّه، وبآياته، وبرسوله، كُفر، فالسب المقصود بطريق الأولى" (¬1). 2 - قال تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)} (¬2). • وجه الدلالة: قال ابن كثير: "وإن نكث هؤلاء المشركون الذين عاهدتموهم على مدة معينة أيمانهم، أي: عهودهم ومواثيقهم، {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ} أي: عابوه وانتقصوه، ومن هاهنا أخذ قتل من سب الرسول -صلوات اللَّه وسلامه عليه-، أو من طعن في دين الإسلام، أو ذكره بتنقص" (¬3). 3 - قال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نهى عن سب آلهة المشركين وأصنامهم حتى لا يقعوا في سب اللَّه تعالى، وهو يدل على أن السب محذور، وهو أغلظ من الكفر باللَّه (¬5). 4 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى توعد من آذاه بالعذاب المهين، والسب من الأذية الظاهرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولم يجئ إعداد العذاب المهين في القرآن إلا في حق الكفار" (¬7). ¬
[61/ 4] المسألة الحادية والستون: من لم يؤمن بالله تعالى، وبرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبكل ما أتى به عليه الصلاة والسلام مما نقل عنه نقلا متواترا كفر.
Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [61/ 4] المسألة الحادية والستون: من لم يؤمن باللَّه تعالى، وبرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبكل ما أتى به عليه الصلاة والسلام مما نقل عنه نقلًا متواترًا كفر. • المراد بالمسألة: إذا لم يؤمن المسلم بربه تعالى وذلك يتضمن الإيمان بوجوده سبحانه، والإيمان بألوهيته، وربوبيته، وبكل ما أخبر به تعالى. أو لم يؤمن بنبيه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وذلك يتضمن الإيمان بأنه نبي اللَّه تعالى، ويتضمن التصديق بوجوب طاعته فيما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد اللَّه إلا بما شرعه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أو لم يؤمن بكل ما صح من حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مما كان من الأحاديث المتواترة التي نقلها الكافة عن الكافة، فإنه يكفر إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، ويأخذ المكذب أحكام المرتد حينئذٍ. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من لم يؤمن باللَّه تعالى، وبرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبكل ما أتى عليه السلام مما نقل عنه نقل الكافة، فإنه كافر مشرك" (¬1). وقال ابن تيمية (728 هـ): "وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن من بلغته رسالة النبي فلم يؤمن به فهو كافر" (¬2). • مستند الإجماع: أدلة الباب كثيرة جدا فمنها: • أولا: من الكتاب: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (¬3). 2 - قال اللَّه تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ ¬
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} (¬1). 3 - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} (¬2). 4 - قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} (¬3). 5 - قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} (¬4). 6 - قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13)} (¬5). • أما أدلة السنة فمنها: 1 - ما في الصحيحين من حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) (¬6). 2 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (والذي نفس محمد بيده: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) (¬7). 3 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (فضلت على الأنبياء بست: ¬
[62/ 4] المسألة الثانية والستون: من شك في التوحيد كفر.
أُعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) (¬1). 4 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء؛ فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فإنكم إما أن تصدقوا بباطل، أو تكذبوا بحق، فإنه لو كان موسى حيًا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني) (¬2). • وجه الدلالة من الآيات والأحاديث السابقة: هذه جملة من الآيات والأحاديث تدل دلالة صريحة على وجوب الإيمان باللَّه تعالى، وبنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبكل ما أخبر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مما صح سنده نقلًا متواترًا.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم في كل ما سبق. لكن ينبه إلى أنه مع الجزم بأن تصديق ما أخبر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مما تواتر عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- مما يجب على المسلم، وتكذيبه كفر، لكن ليس كل من أنكر حديثًا صحيحًا يحكم بكفره، بل لا بد من قيام الحجة على ذلك، كما أن تأويل الحديث الصحيح المتواتر عن ظاهره لا يلزم منه القول بتكذيب الحديث أو ردِّه؛ فإن الأفهام تختلف، وقد يكون للمجتهد شبهة تجعله يؤول الحديث عن ظاهره المراد، واللَّه تعالى أعلم. [62/ 4] المسألة الثانية والستون: من شك في التوحيد كفر. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الشك: قال الفيومي: "شَكَّ الأمر يَشُكُّ شَكًّا: إذا التبس وشَكَكْتُ فيه، قال أئمة اللغة: الشَّكُّ: خلاف اليقين، فقولهم: "خلاف اليقين": هو التردد بين شيئين، سواء استوى طرفاه، أو رجع أحدهما ¬
على الآخر" (¬1). قال الجرجاني: "الشك هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك" (¬2). • ثانيًا: صورة المسألة: المراد بالتوحيد في مسألة الباب هو توحيد الربوبية: وهو الإيمان بكل ما يتعلق بأفعال اللَّه تعالى، فيؤمن بأن اللَّه هو الخالق والرازق والمدبر، إلى غير ذلك. وتوحيد الألوهية: وهو ما يتعلق بأفعال العباد، من الذبح، والنذر، وسائر أنواع العبادات، فلا تكون إلا للَّه تعالى. إذا تبين هذا فمن شك في ألوهية اللَّه تعالى أو ربوبية فقد كفر (¬3). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من شك في التوحيد فإنه كافر مشرك" (¬4). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن نصوص الكتاب والسنة متوافرة على توحيده عز وجل، والرسل إنما بعثت لتقرير التوحيد، حتى ذكر أهل العلم أن القرآن ثلثه إنما جاء في توحيد اللَّه تعالى، ولذا كانت سورة الإخلاص ثلث القرآن؛ لأنها خالصة في توحيده عز وجل، فمن شك في هذا الركن العظيم فقد شك في ثلث القرآن، ومقصود الرسالة. واستقصاء الآيات والأحاديث في مثل هذه المسألة مما يطول ذكره.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن ¬
المسألة محل إجماع بين أهل العلم، لكن ثمة تنبيهان: الأول: أن ثمة مسائل مُفردة لا يمكن القول فيها بتكفير المقالة فضلًا عن تكفير القائل، كصفات اختلف في إثباتها للَّه تعالى أو نفيها، كما أن ثمة مسائل يقال فيها بكفر المقالة أما كفر القائل فيتوقف فيه لاحتمال شبهة أو تأويل، كإنكار بعض الصفات دون بعض، وهذا مقام يطول البحث فيه، وله فروع وقواعد محلها كتب العقيدة، وإنما المراد الإشارة والتنبيه. الثاني: أن ابن حزم الذي حكى الإجماع في المسألة له تخبُّط جلي في باب الأسماء والصفات يُقارب مذهب الجهمية والمعتزلة، ولذا لم أذكر توحيد الأسماء والصفات في صورة المسألة. ولتوضيح قول ابن حزم في الصفات على سبيل الاختصار فإنه ينفي الصفات عن اللَّه تعالى، وإنما يثبت أسماءً مجردة ذات معنى واحد، وقد صرح بذلك في غير موضع، ومن ذلك قوله: "وأما إطلاق لفظ الصفات للَّه عزّ وجل فمحال لا يجوز؛ لأن اللَّه تعالى لم ينص قط في كلامه المنزّل على لفظ الصفات، ولا على لفظ الصفة، ولا جاء قط عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن للَّه تعالى صفة أو صفات. . . ولو قلنا إن الإجماع قد تيقّن على ترك هذا اللفظة لصدقنا، فلا يجوز القول بلفظ الصفات ولا اعتقاده، بل ذلك كله بدعة منكرة" (¬1). وقال أيضًا: "وصح أن أسماءه تعالى أسماء أعلام ليست أوصافًا ولا مشتقة أصلًا" (¬2). وقال أيضًا: "إن اللَّه يسمع ويرى ويدرك كل ذلك بمعنى واحد وهو معنى يعلم ولا فرق" (¬3). ¬
وقال أيضًا: "اللَّه سميع بصير، ولا نقول بسمع ولا ببصر؛ لأن اللَّه تعالى لم يقله ولكن سميع بذاته، بصير بذاته" (¬1). وهذا ظاهر في أن ابن حزم لا يفرق بين أسمائه سبحانه في المعنى، بل يجعلها أعلامًا محضة مترادفة (¬2)، والعجب أنه حكى القول بأن أسماء اللَّه لا يشتق منها الصفات عن الشافعي وداود (¬3)، -وهو غلط عليهما بلا شك-. وقول ابن حزم بأن إنكار إطلاق الصفة للَّه تعالى يقارب الإجماع، خطأ ظاهر، فإن الكلام في إثبات الصفات بهذا المسمّى معروف في كلام أئمة السلف الكبار كما هو مذكور في الكتب المصنّفة في هذا كالسنة لعبد اللَّه بن أحمد (¬4)، والسنة للخلال، والسنة لابن أبي عاصم (¬5)، وخلق أفعال العباد للبخاري، وشرح أصول أهل السنة للالكائي، والإبانة لابن بطة (¬6)، والرد على ¬
الجهمية للدارمي (¬1)، والنقض على بشر المريسي للدارمي كذلك، والرد على الزنادقة لأحمد بن حنبل، والشريعة للآجري (¬2)، وغيرها، ولم ينقل عن أحد من الأئمة أنه أنكر هذه اللفظة، أو قال إنها من كلام المعتزلة، بل إن ابن حزم نفسه المنكِر لإطلاق الصفة في حق اللَّه تعالى قد أطلقها في مواضع من كتبه فمن ذلك قوله: "كلام اللَّه تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به ولا تبين منه؛ لأنه لم يزل متكلمًا كما أن قدرته لا تبين منه؛ لأن الكلام لا يكون إلا من متكلّم ولا تكون القدرة إلا من قدير" (¬3)، وقال أيضًا: "وأما وصفنا الباري تعالى بأنّه أول حي خالق. . . " (¬4). وهذا الفعل من ابن حزم يدل على اضطرابه في مسألة الصفات، وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية خطأ ابن حزم في باب الأسماء والصفات فقال: "وكذلك أبو محمد بن حزم مع معرفته بالحديث، وانتصاره لطريقة داود وأمثاله من نفاة القياس أصحاب الظاهر، قد بالغ في نفي الصفات، وردها إلى العلم، مع أنه لا يثبت علمًا هو صفة" (¬5). وقال أيضًا: "من قال من متكلمة الظاهرية -كابن حزم-: أن أسماءه ¬
الحسنى كالحي والعليم والقدير بمنزلة أسماء الأعلام التي لا تدل على حياة ولا علم ولا قدرة، وقال: لا فرق بين الحي وبين العليم وبين القدير في المعنى أصلًا، ومعلوم أن مثل هذه المقالات سفسطة في العقليات (¬1) وقرمطة في السمعيات (¬2)، فإنّا نعلم بالاضطرار الفرق بين الحي، والقدير، والعليم، والملك، والقدوس، والغفور. . . ومعلوم أن الأسماء إذا كانت أعلامًا وجامدات لا تدل على معنى لم يكن فرق فيها بين اسم واسم، فلا يلحد في اسم دون، اسم ولا ينكر عاقل اسمًا دون اسم، بل قد يمتنع عن تسميته مطلقًا. . . فهذا ونحوه قرمطة ظاهرة من هؤلاء الظاهرية الذين يدعون الوقوف مع الظاهر، وقد قالوا بنحو مقالة القرامطة الباطنية (¬3) في باب توحيد اللَّه وأسمائه ¬
[63/ 4] المسألة الثالثة والستون: من جحد أو شك في محمد -صلى الله عليه وسلم- كفر.
وصفاته مع ادعائهم الحديث ومذهب السلف، وإنكارهم على الأشعري وأصحابه أعظم إنكار، ومعلوم أن الأشعري وأصحابه أقرب إلى السلف والأئمة ومذهب أهل الحديث في هذا الباب من هؤلاء بكثير" (¬1). [63/ 4] المسألة الثالثة والستون: من جحد أو شك في محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- كفر. • المراد بالمسألة: من المتقرر أن اللَّه تعالى خلق نبيًا لهذه الأمة اسمه محمد، فمن حجد وجوده عليه الصلاة والسلام، أو صفاته التي وصفه اللَّه تعالى من كريم خُلُقه، أو جحد صدقه، أو شك في شيء من ذلك فقد كفر. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من آمن باللَّه تعالى وبرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبكل ما أتى به عليه السلام مما نقل عنه نقل الكافة، أو شك في التوحيد أو في النبوة أو في محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . فإن من جحد شيئًا مما ذكرنا، أو شك في شيء منه، ومات على ذلك، فإنه كافر مشرك، مخلد في النار أبدًا" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب الأثر والنظر: • أولًا: من الأثر: 1 - قال اللَّه تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} (¬3). 2 - قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} (¬4). 3 - قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} (¬5). • وجه الدلالة من الآيات الثلاث السابقة: الآيات صريحة بأن محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬
رسول من عند اللَّه، وأنه من أنبياءه الذين يجب الإيمان بهم. 4 - ما في الصحيحين من حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي ببعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) (¬1). 5 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) (¬2). 6 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (فضلت على الأنبباء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) (¬3). 7 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي. . . الحديث) (¬4). 8 - عن سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج إلى تبوك، واستخلف عليًا، فقال علي -رضي اللَّه عنه-: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي) (¬5). 8 - عن جبير بن مطعم -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي، ¬
[64/ 4] المسألة الرابعة والستون: من جحد أو شك في نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- كفر.
وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي) (¬1). • وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: هذه جملة من الأحاديث تدل دلالة صريحة على نبوة نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمن حجده عليه الصلاة والسلام أو الشك فيه يلزم منه تكذيب القرآن الذي نزل عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وصرح بنبوته في أكثر من آية. • ثانيًا: من النظر: أن جحد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو الشك فيه طريق إلى تكذيب جميع أحاديث السنة، مما يلزم منه تكذيب الشريعة بأكملها، وليس بعد هذا كفر. وكذا لو شك في شيء من كريم صفاته عليه الصلاة والسلام فإنه تكذيب لقول اللَّه تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)} (¬2). وهو قدح في القرآن وفي الشريعة من جهة أنه عليه السلام هو المبلغ عن ربه.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [64/ 4] المسألة الرابعة والستون: من جحد أو شك في نبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- كفر. • المراد بالمسألة: هذه المسألة قريبة من التي قبلها لكنها أخص من جهة الشك في نبوته -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلو أقر شخص بأن محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- خلقه اللَّه تعالى، وجعل له عظيم الأخلاق، وأوحى إليه ما أوحى، لكنه مع ذلك جاحد أو شاك في أنه نبي من أنبياء اللَّه تعالى أرسله اللَّه بشيرًا ونذيرًا لأمته، وجعل يشك أو يقرر أنه مجرد رجل صالح أعطاه اللَّه الحكمة كلقمان، أو ذي القرنين، فإنه بذلك كافر. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من آمن باللَّه تعالى وبرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبكل ما أتى به عليه السلام مما نقل عنه نقل الكافة، أو شك في التوحيد أو في النبوة أو في محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . فإنه من جحد شيئًا مما ذكرنا، أو شك في شيء منه، ومات على ذلك، فإنه كافر مشرك، مخلد في النار أبدًا" (¬3). ¬
وقال العيني (855 هـ): "من جحد نبوة محمد -مثلًا- كان كافرًا، ولو لم يجعل مع اللَّه إلهًا آخر، والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن من شك أو جحد نبوته عليه السلام فقد كذب القرآن في آيات كثيرة من كتابه تعالى، منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. . .} الآية (¬2). 2 - قول اللَّه تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} (¬3). 3 - قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)} (¬4). 4 - قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} (¬5). 5 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)} (¬6). • وجه الدلالة من الآيات: في هذا الآيات دلالة صريحة على أن نصوص الكتاب والسنة متوافرة على تقرير نبوة نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمن حجد ذلك أو شك فيه فقد شك في جملة من الآيات والأحاديث الصريحة الصحيحة، وذلك كفر مخرج من الملة. 6 - قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ ¬
[65/ 4] المسألة الخامسة والستون: من جحد أو شك في حرف واحد مما أتى به محمد -صلى الله عليه وسلم- كفر.
مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} (¬1). • وجه الدلالة من الآية: من بلغته هذه الآية فإما أن يكذب به، وهذا كفر، وإما أن يزعم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأت بعد وسيأتي اللَّه بنبي يحكم بشريعة جديدة، وهذا أشد كفرًا، إذ يلزم منه تكذيب أحاديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جملة، أو على الأقل تكذيب ما أخبر بها أنه نبي، أو أنه خاتم الأنبياء، أو نحو ذلك، وهي أحاديث متوافرة مشتهرة، صحيحة صريحة، لا مجال لإنكارها، وقد سبق جملة منها قريبًا (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [65/ 4] المسألة الخامسة والستون: من جحد أو شك في حرف واحد مما أتى به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- كفر. • المراد بالمسألة: هذه المسألة قريبة من سابقتيها لكنها أخص من جهة أنها إنكار لما جاء به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو بعضه، فلو أن شخصًا أقر بمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنه نبي أرسله اللَّه تعالى، فقد أقر بالمسألتين السابقتين، لكنه مع هذا الإقرار كان جاحدًا لبعض ما ثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، بأن جحد أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قاله مع علمه بأنه كاذب فيما زعمه، أو جحد صدق ما قاله -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو كان شاكًا في ذلك، فإنه كافر بذلك الجحود والشك، ولو كان المجحود حرفا واحدًا. ويتبين مما سبق أنه لو شك أو جحد ثبوته عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مجتهدًا في ذلك، أو متاولًا، فإن هذه مسألة أخرى غير مرادة في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من آمن باللَّه تعالى ¬
[66/ 4] المسألة السادسة والستون: من جحد أو شك في شريعة أتى بها محمد -صلى الله عليه وسلم- مما نقل عنه نقل كافة فإنه كفر.
وبرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبكل ما أتى به عليه السلام مما نقل عنه نقل الكافة، أو شك في التوحيد. . . أو في حرف مما أتى به عليه السلام أو في شريعة أتى بها عليه السلام مما نقل عنه نقل كافة، فإن من جحد شيئًا مما ذكرنا، أو شك في شيء منه، ومات على ذلك، فإنه كافر مشرك، مخلد في النار أبدًا" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: قول اللَّه تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا ينطق إلا عن وحي منه تعالى، قال ابن كثير في تفسيره: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)} أي: ما يقول قولا عن هوى وغرض، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} أي: إنما يقول ما أمر به، يبلغه إلى الناس كاملًا موفَّرًا من غير زيادة ولا نقصان" (¬3)، فتكذيب حرف مما أتى به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تكذيب لما أوحي إليه، وهو تكذيب للَّه تعالى، وطريق لتكذيب الشرع أيضًا، وكفى به كفرًا.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [66/ 4] المسألة السادسة والستون: من جحد أو شك في شريعة أتى بها محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- مما نقل عنه نقل كافة فإنه كفر. • المراد بالمسألة: هذه المسألة داخلة ضمنًا في المسألة التي قبلها، إلا أن المسألة السابقة خاصة بإنكار شيء من أقواله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذه المسألة فيها عموم من جهة أن فيها إنكار لشريعة شرعها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، سواء بقول أو فعل أو تقرير. فإن من الشرائع ما لم يرد فيها نص حرفي عن المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكن ثبتت ¬
الشريعة من فعله عليه الصلاة والسلام، كتشريع صلاة الظهر أو العصر بأربع ركعات مثلًا، فليس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن الظهر أو العصر أربعًا، وأن الزيادة أو النقصان عن ذلك لا يصح، لكن هذا مما ثبت بفعله عليه الصلاة والسلام، فكان يصلي أربعًا، ولما صلى مرة خمسًا سجد للسهو، وكذا صلى مرة ركعتين ثم سلم، فلما علم بذلك قام فأتم أربعًا وسجد للسهو، فعلمنا من كل ذلك أن الصلاة أربعًا لا تصح الزيادة عليه ولا النقصان. فمن شك في شريعة أتى بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو جحدها، وقد صح بها الخبر متواترًا بنقل الجماعة عن الجماعة، كالصلاة، أو الزكاة، أو رجم الزاني، أو قطع يد السارق، أو غير ذلك من الشرائع، فإنه يكفر كفرًا مخرجًا من الملة، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. ويتحصل مما سبق أن إنكار الشريعة المعينة، أو الشك فيها إن كان مبناها على أن الحديث لم يصح، أو في صحته تردد فإن ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم: (456 هـ) "اتفقوا أن من آمن باللَّه تعالى وبرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبكل ما أتى به عليه السلام مما نقل عنه نقل الكافة، أو شك في التوحيد. . . أو في شريعة أتى بها عليه السلام مما نُقل عنه نقل كافر، فإن من جحد شيئًا مما ذكرنا، أو شك في شيء منه، ومات على ذلك، فإنه كافر مشرك، مخلد في النار أبدًا" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على المسألة أن تكذيب شريعة أتى بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تكذيب للقرآن، ولصريح السنة، وهو طريق لإنكار الشرع.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[67/ 4] المسألة السابعة والستون: المتعمد للنطق بما يوجب الكفر يكفر وإن لم يعتقد.
[67/ 4] المسألة السابعة والستون: المتعمد للنطق بما يوجب الكفر يكفر وإن لم يعتقد. • المراد بالمسألة: لو تعمد الإنسان المكلف التلفظ بكلمة تحكم على قائلها بالكفر، لكنه لم يكن يعتقد ما قاله، كأن يكون تلفظ من باب الهزل أو إرادة إضحاك الغير، أو نحو ذلك، فإنه يكفر بمجرد التلفظ، إن توفرت الشروط وانتفت الموانع. وينبه إلى أنه إن كان معذورًا في مقالته تلك كأن يكون قالها مكرهًا، أو تلفظ بها وهو لا يدري معناها، أو لم يتعمد التلفظ بها بل كانت من سبق لسانه، أو نحو ذلك من الأعذار فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب. وكذا لو كانت الكلمة ليست كفرًا صريحًا، لكن يلزم منها القول بالكفر، أو كان الكفر من باب الأفعال لا الأقوال كالسجود مثلًا، أو كانت مقالته للكفر من باب الحكاية عن شخص آخر تلفظ بها، فكل ذلك غير مراد في الباب أيضًا. • من نقل الإجماع: قال ابن العربي (543 هـ): "الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة" (¬1)، ونقله عنه القرطبي (¬2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم، أنه يفسد صومه، وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإسلام، سواء أسلم في أثناء اليوم، أو بعد انقضائه، وسواء كانت ردته باعتقاده ما يكفر به، أو شكه فيما يكفر بالشك فيه، أو بالنطق بكلمة الكفر، مستهزئا أو غير مستهزئ" (¬3). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "ومن ارتد عن الإسلام أفطر بغير خلاف نعلمه، إذا ارتد في أثناء الصوم فعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإسلام سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه، وسواء كانت ردته باعتقاد ¬
ما يكفر به، أو شكه، أو النطق بكلمة الكفر مستهزئا أو غير مستهزئ" (¬1). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "يكفر المتعمد للنطق وإن لم يعتقد، إجماعًا" (¬2). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "من أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين كفر إجماعًا" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب قول اللَّه تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حكم عليهم بالكفر بمجرد تلفظهم بما قالوه؛ لأنه من باب الاستخفاف بالدين، قال ابن تيمية: "أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم، مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب، وبيَّن أن الاستهزاء بآيات اللَّه كفر" (¬5). وقد ذكر البزدوي في أصوله كلامًا حاصله أنه ليس موجب تكفير من نطق هازلًا بكلمة كفر اعتقاده ما نطق به، بل يحكم بكفره باعتبار أن نفس الهزل بالكفر كفر؛ لأن الهازل -وإن لم يكن راضيًا بحكم ما هزل به لكونه هازلًا فيه- فهو جاد في نفس التكلم به، مختار للسبب، راضٍ به، فإذا سب النبي عليه السلام هازلًا، أو دعا للَّه تعالى شريكًا هازلًا، أو نحو ذلك، فهو راضٍ بالتكلم به، مختار لذلك. والمقصود أنه إن لم يكن معتقدًا لما يدل عليه كلامه فإن التكلم بمثل هذه الكلمة هازلًا استخفاف بالدين الحق، وهو كفر كما قال سبحانه: {وَلَئِنْ ¬
[68/ 4] المسألة الثامنة والستون: من يقول بقدم العالم كفر.
سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} (¬1)، فصار المتكلم بالكفر بطريق الهزل مرتدًا بعين الهزل لاستخفافه بالدين الحق، لا باعتقاد ما هزل به (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [68/ 4] المسألة الثامنة والستون: من يقول بقدم العالم كفر. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف القديم: القديم لغةً: قال ابن منظور: "القِدَمُ: نَقِيضُ الحُدوث، قَدُمَ يَقْدُم قِدَمًا وقَدامةً، وتَقادَمَ، وهو قدِيم، والجمع: قُدماء، وقُدامى، وشيء قُدَامٌ: كقَدِيم" (¬3). قال الخليل: "القِدَم: مصدر القديم من كل شيء" (¬4). وقال الفيومي: "قَدُم: الشيء بالضمْ "قِدَمًا" -وِزان عنب-: خلاف حدث، فهو قديم، وعيب قديم: أي سابق زمانه متقدم الوقوع على وقته" (¬5). فالقِدَم: مصدر القديم، وهو بمعنى الحادث، أو المتقدم على غيره. • القديم في اصطلاح الشرع: قال ابن تيمية: "أما لفظ القديم فهو في اللغة المشهورة، التي خاطبنا بها الأنبياء: يراد به ما كان متقدمًا على غيره تقدمًا زمانيًا، سواء سبقه عدم، أو لم يسبقه" (¬6). ¬
وقال أيضًا: "اللغة التي نزل بها القرآن فالقديم فيها خلاف المحدث، وهما من الأمور النسبية، فالشيء المتقدم على غيره قديم بالنسبة إلى ذلك المحدث، والمتأخر محدث بالنسبة إلى ذلك القديم، وإن كانا كلاهما محدثين بالنسبة إلى من تقدمهما، وقديمين بالنسبة إلى من تقدماه، ولم يوجد في لغة القرآن لفظ القديم مستعملًا إلا فيما يقدم على غيره، وإن كان موجودًا بعد عدمه" (¬1). • القديم في اصطلاح المتكلمين: قال ابن تيمية: "القديم في اصطلاح المتكلمين: هو ما لا أول لوجوده، وما لم يسبقه عدم، فكل ما كان بعد العدم فهو عندهم محدث، وكل ما كان لوجوده ابتداء فهو عندهم محدث، ثم تنازعوا فيما تقدم على غيره، هل يسمى قديمًا حقيقة أو مجازًا؛ على قولين لهم" (¬2). ويتحصل مما سبق أن لفظ القديم قد يراد به أحد معنيين: الأول: قديم باعتبار الذات، وحاصله: الذي ما زال موجودًا ليس لوجوده أول، المتقدم على غيره مطلقًا دون أن يسبقه عدم. الثاني: قديم باعتبار الزمان: وهو المتقدم على غيره، مع وجود غير آخر متقدم عليه، وهذا يكون مسبوقًا بالعدم. وقد بيَّن هذا التقسيم ابن تيمية فقال: "ولفظ القديم والأزلي فيه إجمال؛ فقد يراد بالقديم الشيء المعين، الذي ما زال موجودًا ليس لوجوده أول. ويراد بالقديم الشيء الذي يكون شيئًا بعد شيء، فنوعه المتوالي قديم وليس شيء منه بعينه قديمًا، ولا مجموعه قديم، ولكن هو في نفسه قديم بهذا الاعتبار" (¬3). والمراد بمسألة الباب هو النوع الأول، بأن العالم لا أول لوجوده، وأنه لم ¬
يُسبق بعدم، وهو قول الملاحدة الفلاسفة الذين يسمون الخالق سبحانه وتعالى العلةَ الأولى، أو مبدأَ الوجود، ويقولون إنه علة تامة للموجودات، والعلة التامة تستلزم معلولها، فهذا العالم قديم بقدم علته، أي أن وجوده لم يُسبق بعدم. وأول من ابتدع هذا القول أرسطو طاليس (¬1)، ثم نشرها أبو نصر الفارابي (¬2) (¬3). • ثانيًا: صورة المسألة: فمن قال بأن ذات السماوات، أو الأرض، أو أي فلك من الأفلاك، أي غير ذلك من العالم، أنه قديم بذاته لا أول لوجوده، ولم يسبقه عدم فقوله ذلك كفر. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) في فصل عقده لجملة من الاعتقادات التي يكفر فيها المخالف قوله: "اتفقوا. . . أن العالم كله مخلوق" (¬4). وقال ابن جزي (741): "لا خلاف في تكفير من نفى الربوبية أو الوحدانية. . . أو قال بقدم العالم" (¬5). وقال القاضي عياض (544 هـ): "من اعترف بإلهية اللَّه ووحدانيته، ولكنه اعتقد أنه غير حي، أو غير قديم، وأنه محدث، أو ¬
مصور، أو ادعى له ولدًا، أو صاحبة، أو والدًا، أو متولدًا من شيء، أو كائنًا عنه، أو أن معه في الأزل شيئًا قديمًا غيره، أو أنّ ثم صانعًا للعالم سواه، أو مدبرًا غيره، فذلك كله كفر بإجماع المسلمين" (¬1)، ونقله عنه ابن حجر (¬2)، وأبو زيد القيرواني (¬3). وحكى ابن تيمية (727 هـ) القول بقدم العالم ثم قال: "وهذا كفر باتفاق أهل الملل: المسلمين، واليهود، والنصارى" (¬4). وقال البهوتي (1051 هـ): "فمن أشرك باللَّه. . . أو اعتقد قدم العالم، وهو ما سوى اللَّه، أو اعتقد حدوث الصانع جل وعلا، فهو كافر؛ لتكذيبه للكتاب والسنة وإجماع الأمة" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (¬6). 2 - قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (¬7). ونحوها من الآيات الدالة على خلق السماوات والأرض. • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أن السماوات والأرض مخلوقتان بعد أن لم تكونا موجودتين. 3 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (كتب اللَّه مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، -قال-: وعرشه على الماء) (¬8). ¬
4 - عن عمران بن حصين رضي اللَّه عنهما قال: دخلت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم، فقال: (اقبلوا البشرى يا بني تميم) قالوا: قد بشرتنا فأعطنا، مرتين، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن، فقال: (اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم) قالوا: قد قبلنا يا رسول اللَّه، قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر، قال: (كان اللَّه ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض) (¬1). وفي رواية أخرى للبخاري بلفظ: (كان اللَّه ولم يكن شيء قبله) (¬2). وأما لفظ: "لم يكن شيء معه" فليس في شيء من كتب السنة، لكن الحديث مخرجه واحد والقصة متحدة، فلا بد أن يكون أحد اللفظين صحيحًا والآخر روي بالمعنى، فمن أهل العلم من مال إلى الرواية الأولى منهم ابن حجر (¬3)، وأن قوله: "ولم يكن شيء غيره"، هي بمعنى لم يكن شيء معه. 5 - عن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول اللَّه أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: (كان في عماء، ما تحته هواء وما فوقه هواء، وخلق عرشه على الماء)، قال أحمد بن منيع قال يزيد بن هارون: العماء أي ليس معه شيء (¬4). قال المباركفوري: "كأنه قال: كان ولم يكن معه شيء، بل كل شيء كان عدمًا، عمى، لا موجودًا، ولا مدركًا، والهواء الفراغ أيضًا العدم، كأنه قال: كان ولا شيء معه ولا فوق ولا تحت انتهى. قلت: إن صحت الرواية "عمى" -بالقصر- فلا إشكال في هذا الحديث، وهو حينئذ في معنى حديث "كان اللَّه ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه ¬
على الماء"" (¬1). 6 - عن سهيل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول: "اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر"، وكان يروي ذلك عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). 7 - أن هذا القول يرده العقل، قال ابن تيمية: "إن هؤلاء يقولون بقدم الأفلاك، وأن ذلك لم يزل قديمًا أزليًا، وما كان قديمًا أزليًا امتنع أن يكون مفعولًا بوجه من الوجوه، ولا يكون مفعولًا إلا ما كان حادثًا، وهذه قضية بدهية عند جماهير العقلاء، وعليها الأولون والآخرون من الفلاسفة، وسائر الأمم، ولهذا كان جماهير الأمم يقولون كل ممكن أن يوجد، وأن لا يوجد، فلا يكون إلا حادثًا" (¬3). 8 - الإجماع الحاصل على حدوث العالم، قال أبو الحسن الأشعري: "اعلموا أرشدكم اللَّه أن مما أجمعوا -رحمة اللَّه عليهم- على اعتقاده مما دعاهم النبي إليه ونبههم بما ذكرناه على صحته: أن العالم بما فيه من أجسامه وأعراضه محدث، لم يكن ثم كان، وأن لجميعه محدِثًا واحدًا، اخترع أجناسه وأحدث جواهره وأعراضه، وخالف بين أجناسه" (¬4). وقال عبد القاهر البغدادي: "أما الركن الثاني -وهو الكلام في حدوث العالم-: فقد أجمعوا على أن العالم كل شئ هو غير اللَّه عز وجل، وعلى أن ¬
كل ما هو غير اللَّه تعالى وغير صفاته الأزلية مخلوق مصنوع، وعلى أن صانعه ليس بمخلوق ولا مصنوع، ولا هو من جنس العالم ولا من جنس شيء من أجزاء العالم" (¬1). وقال ابن دقيق العيد: "حدوث العالم من قبيل ما اجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل عن صاحب الشريعة" (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل السنة والجماعة (¬3). ¬
[69/ 4] المسألة التاسعة والستون: من شك في براءة عائشة رضي الله عنها مما رميت به كفر.
[69/ 4] المسألة التاسعة والستون: من شك في براءة عائشة رضي اللَّه عنها مما رميت به كفر. • المراد بالمسألة: عائشة بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- رميت بالزنى في حياتها، فبرأها اللَّه تعالى بآيات قرآنية، فمن رمى عائشة بالزنى بعد نزول هذه الآيات، أو شك في براءتها من الزنى فإنه كافر. يتحصل مما سبق أن من سب عائشة بغير القذف بالزنى فإن ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "براءة عائشة رضي اللَّه عنها من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز، فلو تشكك فيها إنسان -والعياذ ¬
باللَّه- صار كافرًا مرتدًا بإجماع المسلمين" (¬1). وقال ابن تيمية (728 هـ): "قال القاضي أبو يعلى: من قذف عائشة بما برأها اللَّه منه كفر بلا خلاف، وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد، وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم" (¬2). وقال الزركشي (773 هـ): "الطاعن في عائشة رضي اللَّه عنها بالقذف كافر إجماعا" (¬3). وقال ابن كثير (774 هـ): "وقد أجمع العلماء، رحمهم اللَّه، قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية، فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن" (¬4). وقال العراقي (806 هـ): "براءة عائشة رضي اللَّه عنها من الإفك براءة قطعية بنص القرآن، فلو شك فيها إنسان -والعياذ باللَّه تعالى- صار كافرًا، مرتدًا، بإجماع المسلمين" (¬5). وقال الحجاوي (960 هـ): "من قذف عائشة رضي اللَّه عنها بما برأها اللَّه منه: كفَر بلا خلاف" (¬6). وقال البهوتي (1051 هـ): "قذف عائشة رضي اللَّه عنها بما برأها اللَّه منه كفر بلا خلاف" (¬7). وقال الرحيباني (1243 هـ): "قذف عائشة رضي اللَّه عنها بما برأها اللَّه منه كفر بلا خلاف" (¬8). وقال ابن ضويان (1353 هـ): "من قذف عائشة بما برأها اللَّه منه كفر بلا خلاف" (¬9). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ¬
لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)} (¬1). • وجه الدلالة: أن القرآن صرح ببراءة أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها، فمن شك في براءتها أو أنكر ذلك فقد شك في القرآن، فإن قوله تعالى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} يعني في قذف عائشة رضي اللَّه عنها (¬2). 2 - قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل الخبيثات للخبيثين، والطيبات للطيبين، فإن كانت عائشة زانية فهي خبيثة، ويقتضي ذلك أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خبيثًا -والعياذ باللَّه-، وذلك كفر (¬4). 3 - أخرج البخاري ومسلم قصة الإفك وبراءة عائشة مما رميت به في ¬
حديث طويل ولفظ مسلم فيه: أن عائشة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- معه، قالت عائشة فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذلك بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا، حتى إذا فرغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من غزوه وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافًا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه، ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش، فادلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، وواللَّه ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد اللَّه بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرًا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو
يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيسلم ثم يقول كيف تيكم، فذاك يريبني، ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع -وهو متبرزنا- ولا نخرج إلا ليلًا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا، وأمْرُنا أمر العرب الأول في التنزه، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح -وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب- فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قِبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلًا قد شهد بدرًا، قالت: أي هنتاه، أوَلم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضًا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي، فدخل علي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسلم، ثم قال: كيف تيكم؟ قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي، قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجئت أبوي فقلت لأمي يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ فقالت: يا بنية هوني عليك، فواللَّه لقلَّما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثَّرن عليها. قالت: قلت: سبحان اللَّه، وقد تحدث الناس بهذا؟ ! قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، ودعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال يا رسول اللَّه: هم أهلك ولا نعلم إلا خيرًا، وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق اللَّه عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول اللَّه
-صلى اللَّه عليه وسلم- بريرة، فقال: (أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة) قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرًا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله، قالت: فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على المنبر فاستعذر من عبد اللَّه بن أبي ابن سلول، قالت: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو على المنبر: (يا معشر المسلمين: من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي، فواللَّه ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي) فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول اللَّه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج وكان رجلًا صالحًا، ولكن اجتملته الحمية-، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر اللَّه لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال: لسعد بن عبادة كذبت، لعمر اللَّه لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج، حتى همُّوا أن يقتتلوا، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائم على المنبر، فلم يزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخفضهم حتى سكتوا، وسكت، قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي، قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فتشهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين جلس، ثم قال: (أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللَّه، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري اللَّه وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب اللَّه عليه).
قالت: فلما قضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما قال، فقال: واللَّه ما أدري ما أقول لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: واللَّه ما أدري ما أقول لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت -وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن-: إني واللَّه لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به، فإن قلت لكم إني بريئة واللَّه يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر واللَّه يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني واللَّه ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (¬1)، قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا واللَّه حينئذ أعلم أني بريئة، وأن اللَّه مبرئي ببراءتي، ولكن واللَّه ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم اللَّه عز وجل في بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في النوم رؤيا يبرئني اللَّه بها، قالت: فواللَّه ما رام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل اللَّه عز وجل على نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشات، من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سُري عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: (أبشري يا عائشة أما اللَّه فقد برأك) فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: واللَّه لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا اللَّه، هو الذي أنزل براءتي، قالت: فأنزل اللَّه عز وجل: عشر آيات فأنزل اللَّه عز وجل هؤلاء الآيات براءتي. . . الحديث (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم ¬
[70/ 4] المسألة السبعون: من أوجب حكما من غير دليل، أو نقص من الدين شيئا، أو بدل شيئا منه مكان آخر، كفر.
من السنة والجماعة. وإن كان بعض أهل العلم كابن العربي وغيره حكى عن الشافعية قولًا بأن من قذف عائشة فإنه لا يكفر، وهذا ليس بدقيق، وإنما الذي حكاه بعض الشافيعة قولان هو في مسألة من سب عائشة رضي اللَّه عنها، لا فى مسألة القذف، واللَّه تعالى أعلم (¬1). [70/ 4] المسألة السبعون: من أوجب حكمًا من غير دليل، أو نقص من الدين شيئًا، أو بدل شيئًا منه مكان آخر، كفر. • المراد بالمسألة: إذا أوجب شخص حكمًا لم يوجبه اللَّه تعالى، ولم يكن له في الإيجاب دليل من كتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قياس، أو تأويل، من استحسان، أو اعتبار مصلحة، أو نحو ذلك، فإنه يكفر بذلك، ومثله من أنقص شيئًا من أحكام الشريعة المجمع عليها كإنكار قطع يد السارق، وكذا من بدل حكمًا مكان حكم آخر، بأن جعل القصاص على من سرق، أو الاكتفاء بالجلد على من زنى وهو محصن، فكل من فعل ذلك بلا شبهة أو تأويل فإنه كافر، إذا توفرت الشروط انتفت الموانع. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أنه مذ مات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقد انقطع الوحي، وكمل الدين واستقر، وأنه لا يحل لأحد أن يزيد شيئًا من رأيه بغير استدلال منه، ولا أن ينقص منه شيئًا، ولا أن يبدل شيئًا مكان شيء، وأن من فعل ذلك كافر" (¬2). ¬
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الأثر والنظر: • أولًا: من الأثر: 1 - قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (¬1). 2 - قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)} (¬2). • وجه الدلالة: في الآيتين السابقتين دلالة على أن اللَّه عز وجل قد أتم الشريعة، ولم يمت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى أكمل اللَّه به الدين. قال ابن رجب: "فأما العبادات، فما كان منها خارجًا عن حكم اللَّه ورسوله بالكلية، فهو مردود على عامله، وعامله يدخل تحت قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (¬3)، فمن تقرَّب إلى اللَّه بعمل لم يجعله اللَّه ورسولُه قربة إلى اللَّه، فعمله باطلٌ مردودٌ عليه، وهو شبيهٌ بحالِ الذين كانت صلاتُهم عندَ البيت مُكاء وتصدية، وهذا كمن تقرَّب إلى اللَّه تعالى بسماع الملاهي، أو بالرَّقص، أو بكشف الرَّأس في غير الإحرام، وما أشبه ذلك من المحدثات التي لم يشرع اللَّه ورسولُه التقرُّب بها بالكلية" (¬4). 3 - عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) (¬5). وفي رواية لمسلم: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) (¬6). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر أن كل عمل ليس عليه أمر اللَّه ورسوله فإنه مردود، غير مقبول. ¬
[71/ 4] المسألة الحادية والسبعون: من قال: أنا لا آخذ عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقال: آخذ عن قلبي عن ربي، كفر.
• ثانيًا: من النظر: يمكن أن يعلل بأن تبديل الشرع بالزيادة أو النقص سبيل لإبطال الشرع بأكمله.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [71/ 4] المسألة الحادية والسبعون: من قال: أنا لا آخذ عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقال: آخذ عن قلبي عن ربي، كفر. • المراد بالمسألة: من أنكر أخذ الشرائع عن أنبياء اللَّه تعالى، وزعم أنه يتلقى الوحي عن ربه مباشرة، بأن يلقي اللَّه في قبله الأحكام فيعلم ذلك الشخص بأن هذا الذي وقع في قلبه هي من الأحكام التي أنزلها اللَّه له، فيعمل بمقتضاها، ثم يسند ذلك قائلا: حدثني قلبي عن ربي بكذا، ويستغني بذلك عن الكتاب والسنة، أو عن جملة منها، فكل ذلك كفر مخرج من الملة. • من نقل الإجماع: قال ابن حجر (852 هـ): "وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال: أنا لا آخذ عن الموتى، وإنما آخذ عن الحي الذي لا يموت، وكذا قال آخر: أنا آخذ عن قلبي عن ربي، وكل ذلك كفر باتفاق أهل الشرائع" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه عز وجل أخبر بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مبلغ عن ربه، وقد سبق تقرير أن الشرع قد تم وكمُل بوفاة نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمن لم يأخذ عن الأنبياء فقد قدح فيهم، وقدح في نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- من جهة أن فيه تهمة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنه لم يبلغ جميع الشرع. ¬
2 - قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)} (¬1). • وجه الدلالة من الآية والتي قبلها: أن اللَّه عز وجل أمر بطاعته وطاعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يأمر بطاعة غيره. 4 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه عز وجل جعل طاعة أولى الأمر -وهم الأمراء والعلماء كما اختاره الإمام أحمد، وابن تيمية، وابن كثير، وغيرهم (¬3) - تابعة لطاعة اللَّه تعالى وطاعة نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولذا لم يفرد لها لفظ: "أطيعوا" لكونها تابعة غير مستقلة. فمن زعم أن له أن يشرع بما يلقى في قلبه وتجب طاعته في ذلك فقد كذب الآية. 5 - قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه عز وجل أخبر أن الدين قد كمل بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالشرع كله مقرر في الكتاب والسنة. 6 - عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول: (قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم) (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أنه أخبر عن عمر أنه إن كان ثمة محدث فإن عمر -رضي اللَّه عنه- منهم، إلا أنه -رضي اللَّه عنه- لم يكن يحدث عن قلبه في شرائع الإسلام بدون الرجوع لحكم الكتاب والسنة -بخلاف الاجتهاد في مسألة لم يرد بها نص شرعي فهذا باب آخر-. ولم يكن عمر -رضي اللَّه عنه- مصيبًا في كل ما يقوله، ويجتهد فيه، ولذا تجد أن ثمة ¬
مسائل فيها خلاف بين عمر وأبي بكر، أو عمر وابن عباس -رضي اللَّه عن الجميع-، ولا يلزم أن يكون الحق مع عمر في كل خلاف، بل تارة يصيب فيحصِّل أجرين، وتارة يخطئ فيحصل أجرًا واحدًا. ويتضح في هذا الحديث جزْم بأنه كان في الأمم قبلنا ملهمون، بينما علق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجودهم في هذه الأمة بـ (إن) الشرطية مع أنها أفضل الأمم؛ وذلك لاحتياج الأمم قبلنا إليهم، واستغناء هذه الأمة عنهم بكمال شرع نبيها ورسالته، فلم يحوج اللَّه الأمة بعده إلى محدث ولا ملهم ولا صاحب كشف ولا منام، فكان هذا التعليق لكمال الأمة واستغنائها لا لنقصها. 7 - أن في ادعاء تلقي الشرع مما يلقى في القلب استغناءٌ عن الكتاب والسنة؛ اكتفاء بما يزعم أنه ألقي في قلبه، وهذا مما لا شك في كفره، قال ابن القيم: "ومن ظن أنه يستغني عما جاء به الرسول بما يلقى في قلبه من الخواطر والهواجس، فهو من أعظم الناس كفرًا، وكذلك إن ظن أنه يكتفي بهذا تارة وبهذا تارة، فما يلقي في القلوب لا عبرة به ولا التفات إليه إن لم يعرض على ما جاء به الرسول ويشهد له بالموافقة، وإلا فهو من إلقاء النفس والشيطان" (¬1). 8 - أن ادّعاء تلقي الشرع عن طريق القلب سبيل لإنكار شرائع الأنبياء، وتشريع أحكام لم ينزلها اللَّه تعالى، ونفي شرائع أمر اللَّه تعالى بها، وهو سبيل إلى إثبات نبوة بعد نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكل ذلك كفر لا ريب فيه، كما سبق بيانه في المسائل السابقة.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[72/ 4] المسألة الثانية والسبعون: نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- مبعوث إلى جميع الجن والإنس إلى يوم القيامة، ومن قال بغير ذلك كفر.
[72/ 4] المسألة الثانية والسبعون: نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- مبعوث إلى جميع الجن والإنس إلى يوم القيامة، ومن قال بغير ذلك كفر. • المراد بالمسألة: أرسل اللَّه عز وجل أنبياء يبلغون عنه رسالاته، فكان كل نبي يبعث إلى قومه، بينما أرسل اللَّه عز وجل محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- لأمة بأكملها، من الثقلين الجن والإنس، ولم يُبعث إلى قومه خاصة، فكل من كان من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وجب عليه الإيمان به، سواء كان من العرب أو العجم، أبيضًا أو أسودًا، إنسيًا أو جنيًا، فلا ملة بعد بعثة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا ملة الإسلام بما شرعه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن قال بغير ذلك، فزعم مثلًا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يبعث إلى النصارى، أو اليهود، أو غيرهم، فقد كفر. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) في فصل عقده لجملة من الاعتقادات التي يكفر مخالفها: "اتفقوا أن محمد بن عبد اللَّه القرشي الهاشمي، المبعوث بمكة، المهاجر إلى المدينة، رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى جميع الجن والإنس إلى يوم القيامة" (¬1). • مستند الإجماع: أما كون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أرسل إلى الجن مع الإنس فيدل عليه أدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)} (¬2). ¬
2 - قال تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)} (¬1). 3 - قال تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)} (¬2). 4 - أن اللَّه عز وجل أنزل في ذلك سورة كاملة ابتدأها بقوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)} الآيات (¬3). وأما كون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد بعث إلى جميع الخلق إلى يوم القيامة فيدل عليه أدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} (¬4). 2 - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} (¬5). 3 - قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} (¬6). 4 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أعطيت خمسًا لم يُعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل ¬
لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) (¬1). 5 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) (¬2). 6 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) (¬3). 7 - عن أبى موسى -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أعطيت خمسًا: بعثت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأحلت لي المغانم ولم تحل لمن كان قبلي. . . الحديث) (¬4). 8 - عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء؛ فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فإنكم إما أن تصدقوا بباطل، أو تكذبوا بحق، فإنه لو كان موسى حيًا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني) (¬5). 9 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فغضب فقال: (أمتهوكون فيها يا بن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى -صلى اللَّه عليه وسلم- كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني) (¬6). ¬
[73/ 4] المسألة الثالثة والسبعون: من اعتقد أن الله اتخذ صاحبة أو ولدا فقد كفر.
فهذه جملة من الآيات والأحاديث الدالة على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مبعوث للناس كافة، وهي صريحة في هذا الباب، فمن أنكر ذلك فقد كذب القرآن، وصريح السنة الصحيحة، وذلك كفر.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [73/ 4] المسألة الثالثة والسبعون: من اعتقد أن اللَّه اتخذ صاحبة أو ولدًا فقد كفر. • المراد بالمسألة: إذا اعتقد المسلم أن اللَّه تعالى ولدًا، سواء ذكرًا أو أنثى، أو أن للَّه تعالى صاحبة فقد كفر. • من نقل الإجماع: ذكر ابن قاسم (1392 هـ) أن من اعتقد أن اللَّه "اتخذ تعالى صاحبة أو ولدًا كفر إجماعًا" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)} (¬2). 2 - قال تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)} (¬3). 3 - قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)} (¬4). 4 - قال تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) ¬
[74/ 4] المسألة الرابعة والسبعون: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر.
أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154)} (¬1). 5 - قال تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)} (¬2). 6 - قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)} (¬3). 7 - قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} (¬4). 8 - عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (قال اللَّه: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي: فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي: فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبةً أو ولدًا) (¬5). إلى غير ذلك من النصوص الدالة على وحدانية اللَّه تعالى، وهي كثيرة جدًا.Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [74/ 4] المسألة الرابعة والسبعون: من جعل بينه وبين اللَّه وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر. • المراد بالمسألة: إذا اتخذ المسلم بينه وبين اللَّه واسطة من الأحياء، أو الأموات، سواء كان وليًا، أو ملكًا، أو نبيًا، أو حجرًا، أو شجرًا، أو غير ¬
[75/ 4] المسألة الخامسة والسبعون: من آذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفر.
ذلك، يجعلهم واسطة فيما بينه وبين اللَّه تعالى، ويصرف إليه أنواعًا من العبادة كالدعاء أو التوكل، فإن ذلك كفر. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "من جعل بينه وبين اللَّه وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم: كفر إجماعًا"، نقله عنه ابن مفلح (¬1)، والمرداوي (¬2)، والبهوتي (¬3)، والرحيباني (¬4)، وابن قاسم (¬5). • مستند الإجماع: يدل على المسألة أن اتخاذ الوسائط هو من فعل المشركين الذين حكى اللَّه تعالى كفرهم بقوله سبحانه: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)} (¬6).Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [75/ 4] المسألة الخامسة والسبعون: من آذى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كفر. • المراد بالمسألة: حرَّم اللَّه تعالى أذية نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمن تعمد إيذاءه بقول أو فعل فقد كفر، فالأقوال كاتهامه بأنه ساحر أو كاهن أو مجنون، ومن الأفعال كسر رباعيته، وشج وجهه، والاستهزاء به برسومات معيَّنة، إلى غير ذلك من أنواع الأذى. • من نقل الإجماع: قال القاضي عياض (544 هـ): "من أضاف إلى نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- تعمد الكذب فيما بلغه وأخبر به، أو شك في صدقه، أو سبه، أو قال إنه لم يبلغ، أو استخف به، أو بأحد من الأنبياء، أو أزرى عليهم، أو آذاهم، أو قتل ¬
نبيًا، أو حاربه، فهو كافر بإجماع" (¬1)، ونقله عنه المواق (¬2)، وابن عليش (¬3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) في كلامه على سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الساب إن كان مسلمًا فإنه يكفر، ويقتل، بغير خلاف" (¬4). قال ابن حجر (852 هـ): "أذى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حرام اتفاقًا، قليله وكثيره" (¬5). ويضاف إليها من نقل الإجماع على قتل من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن القتل مبني على أنه ارتد بالسب، وممن نقل الإجماع على ذلك: قال إسحاق بن راهوية (238 هـ): "أجمع المسلمون على أن من سب اللَّه عز وجل، أو سب رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو دفع شيئًا مما أنزل اللَّه تعالى، أو قتل نبيًا من أنبياء اللَّه تعالى، أنه كافر بذلك، وإن كان مقرًا بكل ما أنزل اللَّه" (¬6). وقال محمد بن سحنون (256 هـ): "أجمع العلماء على أن شاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والمتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب اللَّه له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر"، نقله عنه القاضي عياض (¬7)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (¬8). وحكى الإجماع على ذلك أبو بكر الفارسي (305 هـ)، حيث نقله عنه ابن تيمية (728 هـ) فقال: "وقد حكى أبو بكر الفارسي -من أصحاب الشافعي- إجماع المسلمين على أن حد من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- القتل، كما أن حد من سب غيره الجلد، وهذا الإجماع الذي حكاه هذا محمول على إجماع الصدر الأول من الصحابة والتابعين، أو أنه أراد به إجماعهم على أن ساب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يجب ¬
قتله إذا كان مسلمًا" (¬1)، ونقله عن أبي بكر الفارسي ابن حجر (¬2)، والمطيعي (¬3)، والشوكاني (¬4). وقال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن من يسب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له القتل"، نقله عنه القرطبي (¬5)، وابن حجر (¬6)، وأبو الطيب (¬7)، والشوكاني (¬8). وقال الخطابي (388 هـ): "لا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في وجوب قتله" (¬9)، ونقله عنه القاضي عياض (¬10) وابن تيمية (¬11)، والمطيعي (¬12)، وابن حجر (¬13). وقال ابن القاسم (191 هـ): "من سبه، أو شتمه، أو عابه، أو تنقصه، فإنه يقتل، وحكمه عند الأمة: القتل"، نقله عنه القاضي عياض (¬14). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "روي عن ابن عمر أنه قيل له في راهب سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "لو سمعته لقتلته" ولا مخالف له من الصحابة علمته" (¬15). وقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه" (¬16). وقال ابن تيمية (728 هـ): "أذى الرسول من أعظم المحرمات؛ فإن من آذاه فقد آذى اللَّه، وقتل سابه واجب باتفاق الأمة" (¬17). وقال ابن القيم (751 هـ) لما ¬
ذكر جملة من الأدلة على قتل من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وفي ذلك بضعة عشر حديثا ما بين صحاح وحسان ومشاهير وهو إجماع الصحابة" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)} (¬2). • وجه الدلالة: أخبر تعالى أن أذية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- محادة للَّه ولرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتوعد ذلك بالعذاب الأليم، وبالخلود في النار، والخلود لا يكون إلا للكافر. 2 - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى توعد من آذاه بالعذاب المهين، قال ابن تيمية: "ولم يجئ إعداد العذاب المهين في القرآن إلا في حق الكفار" (¬4). 3 - لما أراد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قتل كعب بن الأشرف قال: (من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى اللَّه ورسوله) (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل علة إباحة قتل كعب، هو أذيته للَّه ولرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-. 4 - قول أسيد بن الحضير -رضي اللَّه عنه- في قصة الإفك: "إن كان من الأوس قتلناه" (¬6). • وجه الدلالة: أن أسيد أخبر أن القائل بأن عائشة زنت، حقه أن يقتل، ولم ¬
[76/ 4] المسألة السادسة والسبعون: الكلمة الواحدة في هجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- موجبة للكفر.
يَرُد عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قوله ذلك (¬1). وقد سبقت الأدلة في قتل من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي تصلح دليلًا هنا، لأن قتله كان بموجب الحكم عليه بالردة في أذيته للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالسب (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، لكن هذا الإجماع إنما هو في أصل المسألة، وإن كانوا يختلفون في ضابط أذيته -صلى اللَّه عليه وسلم- التي يحكم فيها بالكفر، فمِن ذلك خلافهم في سب أزواجه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال بعضهم هو كفر باعتبار أنه أذية للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال آخرون ليس بكفر، ولم يعتبروا فيه معنى الأذية للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وكذا كل ذنب فهو مؤذ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يمكن القول بأن كل ذنب كفر فإن هذا معتقد الوعيدية، فلا بد من ضابط لمسألة الباب كما نبه على ذلك السبكي فقال: "إيذاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر عظيم إلا أنه ينبغي ضابط فيه، فإنه قد يقال: إن فعل المعاصي كلها يؤذي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬3). وقد ذكر شيخ الإسلام في ذلك ضابطًا فقال: "الفعل إذا آذى النبي من غير أن يعلم صاحبه أنه يؤذيه، ولم يقصد صاحبه أذاه، فإنه ينهى عنه ويكون معصية، كرفع الصوت فوق صوته، فأما إذا قصد أذاه وكان مما يؤذيه وصاحبه يعلم أنه يؤذيه، وأقدم عليه مع استحضار هذا العلم، فهذا الذي يوجب الكفر وحبوط العمل" (¬4)، واللَّه أعلم. [76/ 4] المسألة السادسة والسبعون: الكلمة الواحدة في هجاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- موجبة للكفر. • المراد بالمسألة: مما أمر اللَّه تعالى به توقير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمن تكلم عليه بقدح أو هجاء، سواء كان الهجاء في صفة خلْقه، أو أخلاقه، من الصدق، ¬
والكرم، ونحو ذلك، فكل ذلك كفر مخرج من الملة. • من نقل الإجماع: قال القاضي عياض (544 هـ): "من أضاف إلى نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- تعمد الكذب فيما بلغه وأخبر به، أو شك في صدقه، أو سبه، أو قال: إنه لم يبلِّغ، أو استخف به، أو بأحد من الأنبياء، أو أزرى عليهم، أو آذاهم، أو قتل نبيًا، أو حاربه، فهو كافر بإجماع" (¬1). وقال النووي (676 هـ): "أجمع المسلمون على أن الكلمة الواحدة من هجاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- موجبة للكفر" (¬2) وقال ابن تيمية (728 هـ): "أذى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- من أعظم المحرمات؛ فإنّ من آذاه فقد آذى اللَّه، وقتل سابّه واجب باتفاق الأمّة" (¬3). ويضاف إليه النقولات في قتل ساب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب الأثر والنظر: • أولًا: من الأثر: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)} (¬5). 2 - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} (¬6). • وجه الدلالة: في الآية وعيد من اللَّه تعالى لمن آذى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالعذاب المهين، وهجاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أذية له. ¬
[77/ 4] المسألة السابعة والسبعون: من أوجب شيئا من النكال على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو وصفه وقطع عليه بالفسق، أو بجرحه في شهادته، فهو كافر.
قال ابن تيمية: "ولم يجئ إعداد العذاب المهين في القرآن إلا في حق الكفار" (¬1). 3 - قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} (¬2). • وجه الدلالة: في الآية ثناء اللَّه تعالى على خُلق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهجاؤه -صلى اللَّه عليه وسلم- تكذيب لهذه الآية. 4 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما أراد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قتل كعب بن الأشرف قال: (من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى اللَّه ورسوله) (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل علة إباحة قتل كعب، هو أذيته للَّه ولرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-. 5 - في قصة الإفك لما ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لقومه رأيهم فيمن آذاه قال أسد بن الحضير -رضي اللَّه عنه-: "إن كان من الأوس قتلناه" (¬4). • وجه الدلالة: أن أسيدًا أخبر أن القائل بأن عائشة زنت، حقه أن يقتل، ولم يرُد عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قوله ذلك (¬5). • ثانيًا: من النظر أن هجاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مسلك من مسالك أذيته عليه الصلاة والسلام، وهو نوع من سبه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد سبق تقرير الإجماع على أن سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- موجب للكفر، وسبق بيان الأدلة عليه في موضعه.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [77/ 4] المسألة السابعة والسبعون: من أوجب شيئًا من النكال على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو وصَفه وقطع عليه بالفسق، أو بجرحه في شهادته، فهو كافر. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف النكال: أصل النكال المنع والحبس، قال ¬
ابن فارس: "النون والكاف واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على مَنعٍ وامتناع، وإليه يرجع فروعه، ونَكَل عنه نُكولًا يَنكِل، وأصل ذلك النِّكْل: القَيْد، وجمعه أنكال" (¬1). والمراد به العقوبة كما قال ابن الأثير: "النكال: العقوبة" (¬2)، وقد يطلق على العقوبة الغليظة كما قال ابن سيدة: "نكَّل بفلان: إذا صنع به صنيعا يحَذِّر غيره منه إذا رآه" (¬3). • ثانيًا: صورة المسألة: من المقرر في الشريعة أن ثمة محرمات من ارتكبها فقد أوجب عليه الشرع في ذلك عقابًا، إما من باب الحدود، أو القصاص، أو التعزير، وأن مرتكب مثل هذه المحرمات يحكم عليه بالفسق، فيكون ذلك سببًا في جرح عدالته، وعدم قبول شهادته في بعض القضايا. فمن اتهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنه يجب عليه شيء من العقوبة، أو أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد ارتكب من المحرمات ما يصح أن نطلق عليه اسم الفسق، أو أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- مجروح في عدالته، فكل ذلك موجب للكفر. من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "من أوجب شيئًا من النكال على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو وصَفه وقطع عليه بالفسق، أو بجرحه في شهادته، فهو كافر، مشرك، مرتد، كاليهود والنصارى، حلال الدم والمال، بلا خلاف من أحد من المسلمين" (¬4). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - أن اتهام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بشيء من ذلك هو من باب سبه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأذيته، وقد سبق أن ذلك موجب للكفر، وسبق بيان الألة من النصوص الشرعية في موضعه. ¬
[78/ 4] المسألة الثامنة والسبعون: قتل أي نبي من أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام كفر.
2 - أن هذا تكذيب ورد لصريح القرآن في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬1). 3 - أن فيه قدح في النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، مما ينتُج عنه قدح في الشريعة كلها.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [78/ 4] المسألة الثامنة والسبعون: قتل أي نبيٍّ من أنبياء اللَّه تعالى عليهم الصلاة والسلام كُفر. • المراد بالمسألة: مما قررته الشريعة أن للَّه تعالى أنبياء أرسلهم اللَّه تعالى إلى أقوامهم مبشرين ومنذرين، وكان بعض هؤلاء الأنبياء قد قتله قومه كيحيى وزكريا عليهما السلام، فمن قتل نبيًا من أنبياء اللَّه تعالى، فإنه كافر. • من نقل الإجماع: قال إسحاق بن راهويه (238 هـ): "أجمع المسلمون على أن من سب اللَّه عز وجل، أو سب رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو دفع شيئًا مما أنزل اللَّه تعالى، أو قتل نبيًا من أنبياء اللَّه تعالى، أنه كافر بذلك، وإن كان مقرًا بكل ما أنزل اللَّه"، نقله عنه ابن عبد البر (¬2)، وابن تيمية (¬3). وقال القاضي عياض (544 هـ): "من أضاف إلى نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- تعمد الكذب فيما بلغه وأخبر به، أو شك في صدقه، أو سبه، أو قال إنه لم يبلِّغ، أو استخف به، أو بأحد من الأنبياء، أو أزرى عليهم، أو آذاهم، أو قتل نبيًا، أو حاربه، فهو كافر بإجماع" (¬4). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أدلة منها: 1 - قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ ¬
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أنكر على أهل الكتاب قتل أنبيائهم، وجعله علامة على عدم إيمانهم به، إذ لو كانوا يؤمنون بهم لما قتلوهم. قال الرازي في تفسير الآية: "أنه سبحانه وتعالى بيَّن من جهة أخرى أن دعواهم كونهم مؤمنين بالتوراة متناقضة من وجوه أخر، وذلك لأن التوراة دلت على أن المعجزة تدل على الصدق، ودلت على أن من كان صادقًا في ادعاء النبوة فإن قتله كفر، وإذا كان الأمر كذلك كان السعي في قتل يحيى وزكريا وعيسى عليهم السلام كفرًا، فلِم سعيتم في ذلك إن صدقتم في ادعائكم كونكم مؤمنين بالتوراة" (¬2). 2 - قال تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183)} (¬3). 3 - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أن قتل الأنبياء موجب لإحباط جميع الأعمال. ولا يشكل على الاستدلال بالآية أن اللَّه تعالى فرق بين الكفر بآيات اللَّه، ¬
[79/ 4] المسألة التاسعة والسبعون: من اتخذ أربابا من دون الله كفر.
وبين قتل الأنبياء، فإن هذا الإشكال أجاب عنه الرازي بقوله: "قوله تعالى: {يَكْفُرُونَ} دخل تحته قتل الأنبياء، فلِم أعاد ذكره مرة أخرى؟ الجواب: المذكور ههنا الكفر بآيات اللَّه، وذلك هو الجهل والجحد بآياته فلا يدخل تحته قتل الأنبياء" (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [79/ 4] المسألة التاسعة والسبعون: من اتخذ أربابًا من دون اللَّه كفر. • المراد بالمسألة: من اتخذ ربًا غير اللَّه تعالى، أو اتخذ شريكًا للَّه تعالى، فيتبعه في كل ما شرع، دون الرجوع للكتاب والسنة، بل كل ما أحله ذلك المتَّخَذ ربًا فهو حلال، وكل ما حرمه فهو حرام، سواء وافق النص الشرعي أو خالفه، فإنه يكفر بذلك. ويدخل في المسألة أيضًا من اتخذ ربًا يعتقد أنه هو الخالق الرازق، أو جعل عبادته له، فيصرف إليه أنواعًا من العبادات، كالدعاء، أو الذبح، أو نحو ذلك، سواء كلان ذلك الرجل من الأولياء، أو الأنبياء، أو الملائكة، أو غيرهم، لكن هذا النوع سبق الكلام عليه مستقلًا، والمراد بمسألة الباب اتباعهم في التشريع من التحليل والتحريم. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "من اتخذ الملائكة والنبيين أربابًا فقد كفر بعد إسلامه باتفاق المسلمين" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن نصوص الشريعة مستقرة في وجوب اتباع الكتاب والسنة، وكفر من أتى بشرع جديد غير شرع محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما سبق بيانه. ¬
وقد نص القرآن على كفر من اتخذ أربابًا من دون اللَّه تعالى في آيات من كتابه منها: 1 - قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)} (¬1). 2 - قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} (¬2). حيث أخرج الترمذي عن عدي بن حاتم -رضي اللَّه عنه- قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: (يا عدي اطرح عنك هذا الوثن) وسمعته يقرأ في سورة براءة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} (¬3)، قال: (أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموه) (¬4). 3 - قال تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)} (¬5). ¬
[80/ 4] المسألة الثمانون: استحلال مباشرة الأمرد والنظر إليه بشهوة زعما أن ذلك سبيل إلى محبة الله كفر.
قال ابن كثير في تفسير الآية: "أي: ولا يأمركم بعبادة أحد غير اللَّه، لا نبي مرسل ولا ملك مُقَرَّب، {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أي: لا يَفْعَل ذلك؛ لأنَّ من دعا إلى عبادة غير اللَّه فقد دعا إلى الكفر، والأنبياء إنما يأمرون بالإيمان، وهو عبادة اللَّه وحده لا شريك له" (¬1). 4 - قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} (¬2). قال القرطبي في تفسير الآية: "قوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} أي في تحليل الميتة {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}، فدلت الآية على أن من استحل شيئًا مما حرم اللَّه تعالى صار به مشركًا، وقد حرم اللَّه سبحانه الميتة نصًا، فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك" (¬3).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [80/ 4] المسألة الثمانون: استحلال مباشرة الأمرد والنظر إليه بشهوة زعمًا أن ذلك سبيل إلى محبة اللَّه كفر. • المراد بالمسألة: المراد بالأمرد هنا هو الشاب الوسيم، ذو الوجه الحسن. قال ابن منظور: "المَرَدُ: نَقاءُ الخدين من الشعر، ونَقاء الغُصْن من الوَرَق، والأَمْرَدُ الشابُّ الذي بلغَ خروج لِحْيته، وطَرَّ شاربه، ولم تبد لحيته" (¬4). فمن المعلوم ضرورة إباحة نظر الرجل للرجل، لكن هذا مقيد بألا يكون النظر لشهوة، فإن كان لشهوة فهو حرام، ومن استحل النظر للأمرد بشهوة، وزعم أن هذا النظر من الأعمال التي تقرب إلى اللَّه تعالى، فإنه يكفر بذلك، ¬
بخلاف من فعل ذلك دون استحلال فإن ذلك معصية لا تصل للكفر. ويتبين مما سبق أن من كرر النظر للأمرد لا لشهوة، فإن ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "ومن هؤلاء من يستحل بعض الفواحش، كاستحلال مؤاخاة النساء الأجانب، والخلو بهن؛ زعمًا منه أنه يحصل لهن البركة بما يفعله معهن، وإن كان محرمًا في الشريعة. وكذلك من يستحل ذلك من المردان، ويزعم أن التمتع بالنظر إليهم ومباشرتهم هو طريق لبعض السالكين، حتى يترقى من محبة المخلوق إلى محبة الخالق، ويأمرون بمقدمات الفاحشة الكبرى، وقد يستحلون الفاحشة الكبرى، كما يستحلها من يقول إن التلوط مباح بملك اليمين، فهؤلاء كلهم كفار باتفاق المسلمين" (¬1). وقال في موضع آخر: "وأما من نظر إلى المردان ظانًا أنه ينظر إلى مظاهر الجمال الإلهي، وجعل هذا طريقًا له إلى اللَّه، كما يفعله طوائف من المدعين للمعرفة، فقوله هذا أعظم كفرًا من قول عباد الأصنام، ومن كفر قوم لوط. فهؤلاء من شر الزنادقة المرتدين الذين يجب قتلهم بإجماع كل أمة" (¬2)، ونقله عنه المرداوي (¬3)، والسفاريني (¬4) (¬5). ¬
وقال ابن مفلح: "ويحرم النظر بشهوة -أي إلى الأمرد-، ومن استحله كفر إجماعًا" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - أن النظر إلى الأمرد بشهوة طريق للوقوع في فاحشة اللواط، وإذا كان اللَّه تعالى نهى عما يقرب للزنى في قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (¬2)، فتحريم ما يدعوا للواط من باب أولى؛ لأن اللواط أقبح منه (¬3). 2 - أن النظر للأمرد بشهوة داخل ضمن قول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} (¬4). 3 - الإجماع على تحريم النظر للأمرد بشهوة، كما نص عليه جماعة من أهل العلم منهم: ابن الحاج (¬5) (¬6)، والنفراوي (¬7)، والشربيني (¬8)، والرملي (¬9)، وابن حجر الهيتمي (¬10)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (¬11)، وجماعة (¬12). ¬
[81/ 4] المسألة الحادية والثمانون: استحلال مؤاخاة النساء الأجانب والخلوة بهن؛ لتحصيل البركة كفر.
وإذا تقرر هذا فمن استحل النظر للأمرد فقد رد الشرع والإجماع، وذلك كفر (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [81/ 4] المسألة الحادية والثمانون: استحلال مؤاخاة النساء الأجانب والخلوة بهن؛ لتحصيل البركة كفر. • المراد بالمسألة: من المقرر في نصوص الشريعة تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية التي ليست محرمًا له، والمراد هنا: أن من فعل ذلك مستحلًا له فقد كفر، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، بخلاف من فعل ذلك معتقدًا للحرمة، فإنها معصية لا تبلغ الكفر. • من نقل الإجماع: شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "ومن هؤلاء من يستحل بعض الفواحش، كاستحلال مؤاخاة النساء الأجانب، والخلو بهن، زعمًا منه أنه يحصل لهن البركة بما يفعله معهن، وإن كان محرمًا في الشريعة، وكذلك من يستحل ذلك من المردان، ويزعم أن التمتع بالنظر إليهم ومباشرتهم هو طريق لبعض السالكين، حتى يترقى من محبة المخلوق إلى محبة الخالق، ¬
ويأمرون بمقدمات الفاحشة الكبرى، وقد يستحلون الفاحشة الكبرى، كما يستحلها من يقول إن التلوط مباح بملك اليمين، فهؤلاء كلهم كفار باتفاق المسلمين" (¬1)، ونقله عنه المرداوي (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن الكتاب والسنة والإجماع: • أولًا: من الكتاب: قول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بغض البصر عما حرمه تعالى، ومنه النظر إلى غير المحرم، ومؤاخاة الأجانب الخلوة بهن هو سبيل لتحصيل النظر. • ثانيًا: من السنة: 1 - عن عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إياكم والدخول على النساء)، فقال رجل من الأنصار: يا رسول اللَّه أفرأيت الحمو (¬4)؟ قال: (الحمو الموت) (¬5). • وجه الدلالة من الحديث: أن اللَّه تعالى حرم الخلوة بالنساء، ثم بيَّن أن ذلك في كل امرأة غير محرم حتى لو كانت امرأة الأخ، وأن ذلك بمنزلة الموت، مما دل على خطورة ذلك الأمر وتحريمه. 2 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)، فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه امرأتي خرجت حاجة، واكتتبت في ¬
غزوة كذا وكذا؟ قال: (ارجع فحج مع امرأتك) (¬1). 3 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب، إلا أن يكون ناكحًا، أو ذا محرم) (¬2). 4 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - ر ضي اللَّه عنه-: أن نفرًا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق -وهي تحته يومئذ- فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: لم أر إلا خيرًا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه قد برأها من ذلك) ثم قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على المنبر فقال: (لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان) (¬3). 5 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا تلجوا على المغيبات (¬4)؛ فإن الشيطان يجرى من أحدكم مجرى الدم)، قلنا: ومنك؟ قال: (ومني، ولكن اللَّه أعانني عليه فأسلم) (¬5). 6 - عن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قام فينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مقامي فيكم فقال: (استوصوا بأصحابي خيرًا، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى إن الرجل ليبتدئ بالشهادة قبل أن يسألها، فمن أراد منكم بحبحة الجنة فليلزم الجماعة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون أحدكم بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما) (¬6). ¬
[82/ 4] المسألة الثانية والثمانون: من استحل التلوط بملك اليمين كفر.
• وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صرح بتحريم الخلوة بغير المحارم، وأرجع الرجل من الجهاد ليرافق امرأته، وذلك لا يكون إلا لأمر واجب. • ثالثًا: الإجماع: أجمع أهل العلم على تحريم الخلوة بالأجنبية، حيث نقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم منهم القرطبي (¬1)، وابن تيمية (¬2)، والنووي (¬3)، وابن حجر (¬4)، والصنعاني (¬5). فإذا تقرر هذا فإن من استحل الخلوة بالأجانب فقد استحل ما حرمه الشارع بالنصوص الصريحة، واستحل ما تحقق الإجماع على تحريمه، وهذا كفر؛ لأنه رد لصريح النصوص الشرعية.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [82/ 4] المسألة الثانية والثمانون: من استحل التلوط بملك اليمين كفر. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف اللواط: اللواط لغةً: قال ابن فارس: "اللام والواو والطاء كلمةٌ تدل على اللُّصوق" (¬6). قال ابن منظور: "لاط الحوْضَ بالطين لَوْطًا طَيَّنه. . . وكل شيء لَصِق بشيء فقد لاطَ به يَلوط لَوْطًا ويَليطُ لَيْطًا ولِياطًا. . . ولاط بحقه ذهب به، واللَّوْطُ الرِّداء. . . ولاطَ الرجلُ لِواطًا ولاوطَ أَي عَمِل عَمَل قومِ لُوطٍ. . . واللِّياطُ الرِّبا وجمعه: لِيطٌ". اللواط شرعًا: إتيان الذَّكر الذَّكر بإيلاج الحشفة أو قدرها في دبره (¬7)، هو ¬
عمل قوم لوط عليه السلام. • ثانيًا: صورة المسألة: مما استقرت عليه نصوص الشريعة تحريم اللواط، وهو إتيان الرجل الرجل، وأنه من كبائر الذنوب. فمن استحل إتيان اللواط بملك اليمين الذكر فقد كفر، إذا توفرت الشروط، وانتفت الموانع. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "ومن هؤلاء من يستحل بعض الفواحش "كاستحلال مؤاخاة النساء الأجانب، والخلو بهن، زعمًا منه أنه يحصل لهن البركة بما يفعله معهن، وإن كان محرمًا في الشريعة، وكذلك من يستحل ذلك من المردان، ويزعم أن التمتع بالنظر إليهم ومباشرتهم هو طريق لبعض السالكين، حتى يترقى من محبة المخلوق إلى محبة الخالق، ويأمرون بمقدمات الفاحشة الكبرى، وقد يستحلون الفاحشة الكبرى، كما يستحلها من يقول إن التلوط مباح بملك اليمين، فهؤلاء كلهم كفار باتفاق المسلمين" (¬1). وقال في موضع آخر: "وقد اتفق المسلمون على أن من استحلها -أي فاحشة اللواط- بمملوك أو غير مملوك فهو كافر مرتد" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن اللواط مما جاءت الشريعة بتحريمه صريحًا، فمن ذلك: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)} (¬3). ¬
2 - قال تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)} (¬1). 3 - قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)} (¬2). • وجه الدلالة من الآيات: الآيات صريحة في تحريم اللواط، وأنه سبب لعقوبته تعالى على قوم لوط، وقد سماه تعالى في الآيات السابقة إسرافًا، واعتداءً، وجهلًا، قال القرطبي: " {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} إما أمر التحريم أو العقوبة" (¬3). 4 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ملعون من عمل عمل قوم لوط) (¬4). • وجه الدلالة: الحديث صريح أن اللواط مما يوجب استحقاق لعن ¬
صاحبه، مما يدل على تحريمه، وأنه من الكبائر. 5 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط) (¬1). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاف على أمته من عمل قوم لوط، وذلك يدل على نبذه شرعًا. 6 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) (¬2). 7 - عن أبى هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في الذي يعمل عمل قوم لوط: (ارجموا الأعلى والأسفل، ارجموهما جميعا) (¬3). ¬
[83/ 4] المسألة الثالثة والثمانون: من استحل النظر للأجنبية بشهوة كفر.
• وجه الدلالة من الحديثين: في الحديثين بيان عقوبة شرعية لمن عمل اللواط، وذلك يدل صراحةً على تحريمه، وأنه من الكبائر. 8 - أجمع أهل العلم على تحريم اللواط كما نقله جماعة من أهل العلم منهم ابن حزم (¬1)، ابن قدامة (¬2)، والقرطبي (¬3). 9 - من النظر: إذا كان الشرع حرم النظر إلى الأمرد بشهوة وقام الإجماع على ذلك كما سبق؛ لأنه ذريعة وطريق للفاحشة، فكيف بتحريم اللواط.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [83/ 4] المسألة الثالثة والثمانون: من استحل النظر للأجنبية بشهوة كفر. • المراد بالمسألة: مما حرمه اللَّه تعالى النظر إلى النساء الأجنبيات، فمن استحل النظر إليهن بشهوة فذلك كفر. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "ويحرم النظر بشهوة إلى النساء، والمراد أن من استحله كفر إجماعًا" (¬4)، ونقله عنه ابن مفلح (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن النصوص قد دلت على تحريم النظر للأجنبية، فمن ذلك: 1 - قول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ ¬
[84/ 4] المسألة الرابعة والثمانون: استحلال الفواحش كفر.
يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} (¬1). 2 - عن جرير بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: "سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن نظر الفجاءة؟ فأمرني أن أصرف بصري" (¬2). 3 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) (¬3). 4 - نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم على تحريم النظر للأجنبية بشهوة، كما قال ابن حجر: "وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة" (¬4). ونقل الإجماع أيضًا ابن حجر الهيتمي (¬5)، والرملي (¬6)، وغيرهم (¬7). إذا تقرر هذا فإن من استحل النظر للأجنبية بشهوة فقد كذب الكتاب، والسنة، والإجماع، وذلك كفر.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [84/ 4] المسألة الرابعة والثمانون: استحلال الفواحش كفر. • المراد بالمسألة: الفاحشة لغة: الفاحشة في لغة العرب تطلق على كل ما قبُح من الأقوال والأفعال (¬8)، قال الأزهري: "وكل شيء جاوز حده وقدره ¬
فهو فاحش" (¬1). • أما في الاصطلاح: فترد الفاحشة في نصوص الشارع ويراد بها كل ما اشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، كشرب الخمر، والقتل بغير الحق، وكثيرًا ما ترد الفاحشة في النص الشرعي بمعنى الزنا أو اللواط (¬2). والفواحش المرادة هنا في مسألة الباب فاحشة الزنا واللواط. فمن استحل شيئًا من ذلك فقد كفر، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "من لم يعتقد وجوب الصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، ولا يحرِّم ما حرم اللَّه ورسوله، من الفواحش، والظلم، والشرك، والإفك، فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل باتفاق أئمة المسلمين، ولا يغني عنه التكلم بالشهادتين" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)} (¬4). 2 - قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} (¬5). 3 - قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} (¬6). 4 - قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا ¬
[85/ 4] المسألة الخامسة والثمانون: من سب نبيا قتل.
تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} (¬1). 5 - قال تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)} (¬2). 6 - قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)} (¬3). 7 - عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا أحد أغير من اللَّه، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحب إليه المدح من اللَّه، ولذلك مدح نفسه) (¬4). • وجه الدلالة من النصوص السابقة: أن نصوص السابقة جاءت صريحة بتحريم الفواحش، فمن استحلها، فقد استحل ما حرمه اللَّه تعالى.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [85/ 4] المسألة الخامسة والثمانون: من سب نبيًا قُتل. • المراد بالمسألة: مما استقرت عليه نصوص الشريعة أن للَّه تعالى أنبياء أرسلهم اللَّه تعالى يبلغون رسالات ربهم، وقد سمى اللَّه بعضهم مع ذكر قصصهم، وسمى آخرين دون ذكر قصصهم، وثمة أنبياء آخرين لم يسمهم اللَّه تعالى، ومما حكمت به هذه الشريعة وجوب الإيمان بكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن آدم إلى نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن سب واحدًا منهم ممن أُجمع ¬
على نبوته فيجب قتله ردة، إلا إن تاب. ويتحصل مما سبق أنه لو كان ممن في نبوته خلاف كلقمان، أو كان من سبه قد تاب، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب، وكذا لو حكم الحاكم بقتله من باب التعزير لا من باب الردة فتلك مسألة مخالفة لمسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال إسحاق بن راهويه (238 هـ): "أجمع المسلمون على أن من سب اللَّه عز وجل، أو سب رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو دفع شيئًا مما أنزل اللَّه تعالى، أو قتل نبيًا من أنبياء اللَّه تعالى، أنه كافر بذلك، وإن كان مقرًا بكل ما أنزل اللَّه"، نقله عنه ابن عبد البر (¬1) وابن تيمية (¬2). وقال محمد بن سحنون (256 هـ): "أجمع العلماء أن شاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المنتقص له كافر، والوعيد جارٍ عليه بعذاب اللَّه له، وحكمه عند الأمة: القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر"، نقله عنه القاضي عياض (¬3). وقال القاضي عياض (544 هـ). "من أضاف إلى نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- تعمد الكذب فيما بلغه، وأخبر به، أو شك في صدقه، أو سبه، أو قال إنه لم يبلغ، أو استخف به، أو بأحد من الأنبياء، أو أزرى عليهم، أو آذاهم، أو قتل نبيًا، أو حاربه، فهو كافر بإجماع" (¬4). وذكر النووي (676 هـ) أن تنقيص الأنبياء "كفر بلا خلاف" (¬5). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "من سب نبيًا من الأنبياء فهو كافر يجب قتله باتفاق العلماء" (¬6). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: ¬
1 - قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)} (¬1). 2 - قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} (¬2). 3 - قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)} (¬3). 4 - قال تعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)} (¬4). 5 - قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ. . .} الآية (¬5). 6 - قال تعالى بعد ذكره لجملة من الأنبياء: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ¬
وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)} (¬1). 7 - وقال تعالى: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)} (¬2)، أي كذب بأنبياء اللَّه تعالى كما قاله القرطبي (¬3). • وجه الدلالة من الآيات السابقة: في الآيات السابقة دلالة صريحة على وجوب الإيمان بجميع الرسل، وأن الإيمان ببعض دون ببعض كفر بهم جميعًا. • المخالفون للإجماع: نقل ابن حزم خلافًا في مسألة الباب فقال: "اختلف الناس فيمن سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو نبيًا من الأنبياء ممن يقول أنه مسلم، فقالت طائفة: ليس ذلك كفرًا، وقالت طائفة: هو كفر، وتوقف آخرون في ذلك" (¬4). وهذا الخلاف وإن كان في قتل من سب نبيًا لا في كفره، إلا أن مسألة الباب مبينة على أن القتل من باب الردة. • دليل المخالف: استدل القائلون بأن من سب نبيًا فإنه لا يقتل ردة بما في الصحيحين من حديث عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: لما كان يوم حنين آثر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أناسًا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: واللَّه إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه اللَّه، فقلت: واللَّه لأخبرن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتيته، فأخبرته، فقال: (فمن يعدل إذا لم يعدل اللَّه ورسوله، رحم اللَّه موسى؛ قد أوذي بأكثر من هذا فصبر) (¬5). ¬
[86/ 4] المسألة السادسة والثمانون: الدروز كفار.
Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ للخلاف الذي حكاه ابن حزم في المسألة. [86/ 4] المسألة السادسة والثمانون: الدروز كفار. • المراد بالمسألة: الدروزية طائفة ذات معتقد باطل، بيَّنه شيخ الإسلام فقال: "أما الدرزية فأتباع هشتكين الدرزي، وكان من موالي الحاكم، أرسله إلى أهل وادي تيم اللَّه بن ثعلبة، فدعاهم إلى إلاهية الحاكم، ويسمونه الباري العلام، ويحلفون به، وهم من الإسماعيلية القائلين بأن محمد بن إسماعيل نسخ شريعة محمد بن عبد اللَّه، وهم أعظم كفرًا من الغالية، يقولون بقدم العالم، وإنكار المعاد، وإنكار واجبات الإسلام ومحرماته، وهم من القرامطة الباطنية الذين هم أكفر من اليهود والنصارى ومشركي العرب، وغايتهم أن يكونوا فلاسفة على مذهب أرسطو وأمثاله، أو مجوسًا، وقولهم مركب من قول الفلاسفة والمجوس، ويظهروا التشيع نفاقًا" (¬1)، فكل مسلم انتحل هذا المعتقد فإنه كافر، يعامل معاملة المرتد عن الإسلام. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "الدرزية والنصيرية (¬2) كفار ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
باتفاق المسلمين" (¬1). وقال في موضع آخر ردا على بعض طوائف الدروز: "كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على كفر الدرزية كفر معتقدهم الفاسد، كادعاء نسخ الشريعة المحمدية، أو جحد واجبات الإسلام، أو إنكار محرماته، وغير ذلك مما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم، وكل تلك المعتقدات كفر، كما هو مبين في ثنايا هذا الفصل بتفصيل الأقوال والأدلة.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[87/ 4] المسألة السابعة والثمانون: تكفير القائلين بوحدة الأديان.
[87/ 4] المسألة السابعة والثمانون: تكفير القائلين بوحدة الأديان. • المراد بالمسألة: مما هو معلوم أن الدين السماوي (¬1) الذي أنزله اللَّه تعالى على أنبياءه كله حق يجب الإيمان به، سواء أنزل على موسى، أو عيسى، أو على نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو على غيره من الأنبياء، وشرائعهم كلها حق يجب الإيمان بها، فيؤمن كل قوم بشريعة من أنزل إليه، حتى بعث اللَّه نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فصار دينه وشرعه ناسخًا لجميع تلك الشرائع، فلا يقبل غير شريعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن زعم أن الشرائع السماوية كلها سواء، فالإيمان بشريعة نبي من الأنبياء يكفي عن الإيمان بغيره، فقد كفر. فإذا ادعى أحد إن اليهودي إذا آمن بدين موسى عليه السلام وشرعه، فهو على حق، ولا يلزمه الإيمان بشريعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو أن النصراني إذا آمن بدين عيسى عليه السلام فهو على حق، ولا يلزمه الإيمان بشريعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ اكتفاء بالشريعة السماوية التي معه، فكل ذلك كفر مخرج من الملة. ومسألة الباب منهم من يسميها بـ "التقريب بين الأديان"، ويسميها آخرون بـ "التآخي بين الأديان"، وكلها مصطلحات لمعنى واحد، محصلها أن شرائع الأنبياء كلها من عند اللَّه تعالى، والإيمان بواحد منها يكفي عن غيرها، ويتحصل صاحبها على عصمة الدم والمال، وشريعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ليست ناسخة للشرائع السابقة. ¬
ويتبين مما سبق أن مسألة اعتقاد أن الأنبياء جميعا دينهم واحد، ليست مرادة في مسألة الباب، فإن هذا معلوم في الشرع، ومستقر في نصوص الكتاب والسنة أن جميع الرسل بعثوا بدين واحد محصله عبادة اللَّه تعالى وحده لا شريك له، وقد أجمع أهل العلم على ذلك، بل أجمعوا على كفر من أنكره، كما بُين في أول مسائل هذا الفصل. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين، وباتفاق جميع المسلمين، أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو كافر" (¬1). وقال أيضًا: "وقول القائل: المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن: إما كون الشريعة النصرانية أو اليهودية المبدلين المنسوخين موصلة إلى اللَّه، وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين اللَّه أو التدين بذلك، أو غير ذلك مما هو كفر باللَّه ورسوله وبالقرآن وبالإسلام بلا خلاف بين الأمة" (¬2). • مستند الإجماع: مما يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال اللَّه تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} (¬3). • وجه الدلالة: بين اللَّه تعالى أن ثمة صراط مستقيم، ثم بين أن دين اليهود والنصارى خارج عن هذا الصراط، فهم إما مغضوب عليهم، أو ضالين. 2 - قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬4). • وجه الدلالة: الآية صريحة بكفر النصارى القائلين بأن اللَّه ثالث ثلاثة، ¬
والقول بوحدة الأديان أن فيه كف ألسنة المسلمين عن تكفير اليهود والنصارى، وهذا مخالف للنصوص الصريحة بتكفيرهم. 3 - أن في هذا القول إبطال للجهاد، أو إبطال للجزية التي فرضها اللَّه تعالى على أهل الكتاب، وقد قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} (¬1). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) (¬2). 5 - أن اليهود والنصارى قد ارتكبوا ما استقرت عليه نصوص الشريعة، وأجمع أهل العلم على أنه كفر، كقول اليهود بأن عزيرًا ابن اللَّه، وقول النصارى المسيح ابن اللَّه، وكتكذيب كلا الطائفتين بما جاء به نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتكذيبهم بالقرآن الكريم، إلى غير ذلك مما هو كفر صريح. 6 - أن نصوص الشريعة صريحة في أن الإسلام ناسخ لجميع الشرائع السابقة، بل أجمع أهل العلم على كفر من أنكر ذلك، كما سبق بيانه (¬3). والأدلة في هذه المسألة يطول استقصاؤها (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[88/ 4] المسألة الثامنة والثمانون: استحلال الحرام وتحريم الحلال كفر.
[88/ 4] المسألة الثامنة والثمانون: استحلال الحرام وتحريم الحلال كفر. • المراد بالمسألة: من استحل ما هو معلوم من الدين بالضرورة، مما ثبت تحريمه في نصوص الشرع مما هو قطعي الدلالة، وأجمع عليه أهل العلم، كاستحلال الربا، أو الزنا، فإنه يكفر بذلك إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. وكذا في تحريم الحلال، كأن يحرم النكاح، أو البيع، فإنه يكفر بذلك إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. • من نقل الإجماع: قال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل، أو شرب الخمر، أو الزنا، مما حرم اللَّه بعد علمه بتحريمه" (¬1). وقال ابن تيمية (728 هـ): "فإن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة: هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدين، والجاحد لها كافر بالاتفاق" (¬2). وقال القاري (1014 هـ): "إنكار وجوب المجمع عليه إذا كان معلومًا من الدين بالضرورة كفر اتفاقًا" (¬3). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "من جحد الزنا، أو جحد شيئًا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها -أي على تحريمها-، أو جحد حل خبز، ونحوه مما لا خلاف فبه، أو جحد وجوب عبادة من الخمس، أو حكمًا ظاهرًا مجمعًا عليه إجماعًا قطعيًا بجهل، عرِّف ذلك، وإن أصر أو كان مثله لا يجهل كفر، ولا نزاع في كفره" (¬4). ¬
• مستند الإجماع: يدل علي مسألة الباب ما يلي: 1 - قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} (¬1). 2 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (¬2). 3 - قال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} (¬3). 4 - قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)} (¬4). 5 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)} (¬5). 6 - قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)} (¬6). 7 - قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} (¬7). 8 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (¬8). 9 - قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬9). ¬
[89/ 4] المسألة: التاسعة والثمانون: السجود للعلماء ولو كانوا محدثين حرام.
• وجه الدلالة من هذه الآيات: في هذه الآيات أوجب اللَّه تعالى على عباده اتباع أمر اللَّه تعالى وأمر رسوله، وطاعة اللَّه ورسوله، وحقيقة استحلال ما حرمه اللَّه أو تحريم ما أحله اللَّه ينافي هذا الاتباع. 10 - من النظر: أن المستحل لما حرمه الشرع، أو المحرم لما أباحه الشرع هو في حقيقة فعله مكذب للقرآن أو السنة، ومكذب بشرع محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل هو يزعم بهذا الفعل جواز التشريع بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتبديل شرع محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا كفر مخرج من الملة؛ لأن اللَّه تعالى قد أخبر بأنه أكمل لنا الدين فقال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (¬1)، ونهى عليه الصلاة والسلام إحداث شيء في الشرع بلا دليل، كما في الصحيحين عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) (¬2). وفي رواية لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) (¬3).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [89/ 4] المسألة: التاسعة والثمانون: السجود للعلماء ولو كانوا محدثين حرام. • المراد بالمسألة: إذا سجد الإنسان لشخص من باب تعظيمه سجود تعظيم، فإن ذلك حرام، كما لو سجد لعالم من العلماء، أو سجد لوالده، أو سجدت المرأة لزوجها، أو العبد لسيده، أو غير ذلك، فكله حرام منهي عنه في الشرع. ويتبين مما سبق أنه لو سجد سجود عبادة، أي: بنية العبادة، فمسألة أخرى ليست مرادة في الباب. ¬
• من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "أما ما يفعله عوام الفقراء وشبههم من سجودهم بين يدي المشايخ، وربما كانوا محدثين، فهو حرام بإجماع المسلمين" (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "أجمع المسلمون على أن السجود لغير اللَّه محرم" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن السجود لغير اللَّه تعالى في أحاديث منها: 1 - عن معاذ -رضي اللَّه عنه- أنه قدم اليمن -أو قال الشام- فرأى النصارى تسجد لبطارقتها (¬3) وأساقفتها (¬4)، فرأى في نفسه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحق أن يعظم، فلما قدم قال: يا رسول اللَّه رأيت النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فرأيت في نفسي أنك أحق أن تعظم، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدي المرأة حق اللَّه عز وجل عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله) (¬5). ¬
2 - عن قيس بن سعد قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان (¬1) لهم، فقلت: رسول اللَّه أحق أن يسجد له، قال: فأتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت يا رسول اللَّه أحق أن نسجد لك؛ قال: (أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له)، قال: قلت: لا، قال: (فلا تفعلوا؛ لوكنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن؛ لما جعل اللَّه لهم عليهن من الحق) (¬2). 3 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رجل: يا رسول اللَّه الرجل منَّا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: (لا)، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: (لا)، قال أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: (نعم) (¬3). 4 - من النظر: لأن اللَّه تعالى جعل السجود أحد أنواع العبادة التي يتقرب بها إليه تعالى، ولا ويجوز صرف شيء من العبادات لغيره سبحانه. ¬
[90/ 4] المسألة التسعون: السجود لغير الله بنية العبادة كفر.
Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [90/ 4] المسألة التسعون: السجود لغير اللَّه بنية العبادة كفر. • المراد بالمسألة: إذا سجد الإنسان المسلم البالغ المكلف المختار لأي شيء غير اللَّه تعالى، ناويًا أن ذلك السجود عبادة، فإن ذلك الفعل كفر مخرج من الملة، سواء سجد لصنم، أو لشمس، أو ولي، أو رسول، أو ملَك، أو نحو ذلك، ويحكم على فاعله بالردة، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. ويتبين مما سبق أن السجود لو لم يكن بنيَّة العبادة، بل كان من باب التعظيم، أو التحية، أو نحو ذلك فمسألة أخرى غير مرادة في الباب. • من نقل الإجماع: قال القرافي (684 هـ): "اتفق الناس على أن السجود للصنم على وجه التذلل والتعظيم له كفر" (¬1). وقال السبكي (771 هـ): "يحكم على من سجد للصنم أو ألقى المصحف في القاذورات بالكفر، وإن لم يجحد بقلبه لقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك" (¬2)، ونقله عنه الشوكاني (¬3). وقال الرحيباني (1243 هـ): "السجود للحكام والموتى بقصد العبادة كفر، قولًا واحدًا، باتفاق المسلمين" (¬4). قال ابن المرتضى (840 هـ): "الركوع والسجود لغير اللَّه تعالى بنية العبادة كفر إجماعًا" (¬5). وقال اين قاسم (1392 هـ): "لو سجد لكوكب شمس أو قمر، أو نجم، ونحو ذلك، كصنم، كفر إجماعًا" (¬6). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن السجود لغير اللَّه تعالى فيه ¬
صرف نوع من العبادات لغيره عز وجل، وهذا كفر مخرج من الملة، وقد أمر تعالى بصرف الدعاء له وحده في آيات من كتابه منها: 1 - قال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)} (¬1). 2 - قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} (¬2). 3 - قال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} (¬3). 4 - قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} (¬4)، والمساجد في الآية قيل: هي أعضاء السجود، كما قاله سعيد بن جبير وغيره (¬5). 5 - قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} (¬6)، فقدم ما حقه التأخير لإفادة حصر العبادة له وحده. • وجه الدلالة من الآيات السابقة: أن اللَّه تعالى أمر بصرف العبادة له تعالى وحده، ومن صرف العبادة لغيره فهو مشرك، والسجود عبادة، فصرفها لغير اللَّه شرك.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل السنة والجماعة. ¬
[91/ 4] المسألة الحادية والتسعون: القائل بالحلول كافر.
[91/ 4] المسألة الحادية والتسعون: القائل بالحلول كافر. • المراد بالمسألة: الحلولية طائفة تزعم أن اللَّه تعالى حال بذاته في كل مكان، وفي كل شيء، ولا ينزه عنه مكان، وهم أقسام، بينهم شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "الحلولية والاتحادية، وهم صنفان: قوم يخصونه بالحلول أو الاتحاد في بعض الأشياء، كما يقوله النصارى في المسيح عليه السلام، والغالية في علي رضي اللَّه عنه ونحوه. وقوم في أنواع من المشايخ، وقوم في بعض الملوك، وقوم في بعض الصور الجميلة، إلى غير ذلك من الأقوال التي هي شر من مقالة النصارى. وصنف يعممون فيقولون بحلوله أو اتحاده في جميع الموجودات حتى الكلاب والخنازير والنجاسات وغيرها" (¬1). وقال ابن القيم: "وهذه الفرقة طائفتان: إحداهما تزعم أنه سبحانه يحل في الصورة الجميلة المستحسنة، والثانية تزعم أنه سبحانه يحل في الكمل من الناس وهم الذين تجردت نفوسهم عن الشهوات واتصفوا بالفضائل وتنزهوا عن الرذائل" (¬2). • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "لا خلاف بين الأمة أن من قال بحلول اللَّه في البشر، واتحاده به، وأن البشر يكون إلهًا وهذا من الآلهة، فهو كافر مباح الدم، وعلى هذا قُتل الحلاج، ومن قال: إن اللَّه نطق على لسان الحلاج وأن الكلام المسموع من الحلاج كان كلام اللَّه، وكان اللَّه هو القائل على لسانه: أنا اللَّه، فهو كافر باتفاق المسلمين" (¬3). وقال أيضًا في القائلين بوحدة الوجود: "قد علم المسلمون، واليهود، ¬
والنصارى، بالإضطرار من دين المرسلين، أن من قال عن أحد من البشر: أنه جزء من اللَّه، فإنه كافر في جميع الملل" (¬1). وقال ابن جزي (741): "لا خلاف في تكفير من نفى الربوبية أو الوحدانية. . . أو قال بالحلول" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - الأدلة المتواتر التي تثبت علو اللَّه تعالى، وهي متوافرة من الكتاب والسنة، ومنها: أ- قول اللَّه تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} (¬3). ب- قول اللَّه تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (¬4). ج- قول اللَّه تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (¬5). د- قول اللَّه تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)} (¬6). هـ- في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي -رضي اللَّه عنه- (¬7) أنه كانت له جارية وأنه لطمها وأراد أن يُعتقها كفارة لذلك فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ائتني بها) فأتاه بها، فقال لها -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أين اللَّه؟ ) قالت: في السماء، قال: (من أنا؟ ) قالت: أنت رسول اللَّه، قال: (أعتقها فإنها مؤمنة) (¬8). والأدلة في هذا كثيرة جدًا من الكتاب، والسنة، والعقل، الفطرة، وقد ¬
أجمع السلف رضي اللَّه تعالى عنهم على إثبات هذه الصفة، بل ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في "درء التعارض" هذا الإجماع عن بضعة عشر إمامًا من كبار أئمة السنة والجماعة (¬1). فهذه الصفة متواترة في القرآن والسنة، بل إن بعض أصحاب الإمام الشافعي ذكر أن الدلائل القرآنية والسنة النبوية على علو الرب سبحانه وتعالى تبلغ ألف دليل، وقال بعض أصحاب الشافعي أيضًا بأنها تبلغ ثلاثمائة دليل" (¬2)، وعن بعض السلف: "أن في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مئين أو ألوفًا" (¬3)، وقال ابن القيم: "ولو شئنا لأتينا على هذه المسألة بألف دليل" (¬4). • وجه الدلالة من الآيات السابقة: أن القول بالحلول وأن اللَّه تعالى حال في كل مكان تكذيب لما تواتر من النصوص في إثبات العلو. 2 - قول اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (¬5). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حكى كفر النصارى القائلين بأن المسيح هو اللَّه تعالى، فالقائلين بأنه تعالى حل في جميع الأشخاص أعظم كفرًا من مقالة النصارى. 3 - إجماع أهل العلم على أن اللَّه تعالى بائن من مخلوقاته، قال ابن بطة: "أجمع المسلمون من الصحابة، والتابعين، وجميع أهل العلم من المؤمنين، أن اللَّه تبارك وتعالى على عرشه، فوق سماواته، بائن من خلقه، وعلمه محيط بجميع ¬
[92/ 4] المسألة الثانية والتسعون: من لم يعتقد وجوب الصلاة كفر.
خلقه، لا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية" (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فكل من قال: إن اللَّه بذاته في كل مكان، فهو مخالف للكتاب، والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها، مع مخالفته لما فطر اللَّه عليه عباده؛ ولصريح المعقول" (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [92/ 4] المسألة الثانية والتسعون: من لم يعتقد وجوب الصلاة كفر. • المراد بالمسألة: المسلم إذا أنكر وجوب الصلوات الخمس المفروضة، وأنها مما فرضه اللَّه تعالى، ولم يكن لذلك الإنكار عذر مسوغ فإنه يكون كافرًا، وحكمه حكم المرتد. ويتحصل مما سبق أن من جحد وجوب الصلوات الخمس المفروضة بعذر مسوِّغ ككونه حديث عهد بإسلام مثلًا، فإن ذلك غير داخل في مسألة الباب، وكذا من حجد وجوب غير الصلوات الخمس، كصلاة العيدين، أو الكسوف، أو الوتر، أو غيرها من الصلوات، فكل ذلك غير مراد في المسألة. • من نقل الإجماع: قال الخطابي (388 هـ): "التروك على ضروب: منها ترك جحد للصلاة، وهو كفر بإجماع الأمة" (¬3). وقال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف من أحد من الأمة في أن الصلوات الخمس فرض، ومن خالف ذلك فكافر" (¬4). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر، يقتل إن لم يتب من كفره ذلك" (¬5). ¬
وقال ابن رشد الجد (520) (¬1): "فمن جحد الصلاة فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل. . . بإجماع أهل العلم، لا اختلاف بينهم فيه" (¬2). وقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع المسلمون على قتل الممتنع عن أداء الصلاة والزكاة، مكذبًا بهما" (¬3). وقال ابن الأثير (606 هـ): "من أنكر فرضية أحد أركان الإسلام كان كافرًا بالإجماع" (¬4)، ونقله عنه ابن منظور (¬5). وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا خلاف بين أهل العلم في كفر من تركها جاحدًا لوجوبها، إذا كان ممن لا يجهل مثله ذلك" (¬6). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "فمن جحد وجوبها لجهله عُرِّف ذلك، وإن جحدها عنادًا كفر بالإجماع" (¬7). وقال القرطبي (671 هـ): "ولا خلاف بين المسلمين أن من ترك الصلاة وسائر الفرائض مستحلًا كفر" (¬8). وقال النووي (676 هـ): "أما تارك الصلاة فإن كان منكرًا لوجوبها فهو كافر لإجماع المسلمين خارج من ملة الإسلام" (¬9). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا خلاف بين أهل العلم في كفر من ترك الصلاة جاحدًا لوجوبها، إذا كان ممن لا يجهل مثله" (¬10). ¬
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "من لم يعتقد وجوبها على كل عاقل، بالغ، إلا الحائض والنفساء، فهو كافر، مرتد، باتفاق أئمة المسلمين" (¬1). وقال أيضًا: "أما إذا جحد وجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين" (¬2). وقال ابن مفلح (763 هـ): "من جحد وجوبها كفر إجماعًا" (¬3). وقال البابرتي (786 هـ): "أجمعت الأمة من لدن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا هذا على فرضيتها -أي الصلوات الخمس- من غير نكير منكر، ولا رد راد، فمن أنكر شرعيتها كفر بلا خلاف" (¬4)، وبنفس هذا الحرف ذكره دامان الحنفي (¬5). وقال ابن فرحون (799 هـ): "جاحد الصلاة كافر باتفاق" (¬6). وقال ابن مفلح المقدسي (844 هـ): "من جحد وجوبها كفر إذا كان ممن لا يجهله كالناشئ بين المسلمين في الأمصار. . . ويصير مرتدًا بغير خلاف نعلمه" (¬7)، نقله عنه البهوتي (¬8)، وشمس الدين ابن قدامة (¬9). وقال العيني (855 هـ): "أما الصلاة فمذهب الجماعة أن من تركها جاحدًا فهو مرتدد" (¬10). وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ): "إن ترك مكلف الصلاة المكتوبة التي هي إحدى الخمس، جاحدًا وجوبها، كفر إجماعًا" (¬11). وقال الشوكاني (1250 هـ): "لا خلاف بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكرًا لوجوبها" (¬12). ¬
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن نصوص الشارع متوافرة على وجوب الصلاة فمن ذلك: 1 - قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (¬1). 2 - قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)} (¬2). 3 - قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} (¬3). 4 - قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} (¬4). والآيات في هذا الباب كثيرة. 5 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان) (¬5). 6 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بارزًا يوما للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: (أن تؤمن باللَّه، وملائكته، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث)، قال: ما الإسلام؟ قال: (الإسلام أن تعبد اللَّه ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. . . الحديث) (¬6). 7 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى ¬
يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه) (¬1). 8 - عن جندب بن جنادة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما رأى في منامه أنه يأتي على رجل يُثلغ (¬2) رأسه بالحجارة، فأخبره جبريل عن ذلك بأنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة (¬3). 9 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن اللَّه قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن اللَّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين اللَّه حجاب) (¬4). 10 - عن طلحة -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أهل نجد، ثائر الرأس، يُسمع دوي صوته، ولا يُفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (خمس صلوات في اليوم والليلة)، فقال: هل على غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع)، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (وصيام رمضان)، قال: هل على غيره؟ قال: (لا، إلا أن تطوع)، قال: وذكر له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الزكاة، قال: هل على غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع)، قال: ¬
[93/ 4] المسألة الثالثة والتسعون: من استخف بالمصحف، أو بشيء منه، أو ألقاه في القاذورات وهو عالم بذلك، كفر.
فأدبر الرجل وهو يقول: واللَّه لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أفلح إن صدق) (¬1). 11 - أن هذا القول هو المأثور عن جمع من الصحابة فعن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، وعن علي رضي اللَّه عنه قال: "من لم يصل فهو كافر"، وعن عبد اللَّه بن مسعود قال: "من لم يصل فلا دين له" (¬2). 12 - أجماع أهل العلم على وجوب الصلاة، كما سبق ببيانه في نقل الإجماع على المسألة. إذا تقرر هذا فمن أنكر وجوب الصلاة فقد رد صريح الكتاب والسنة، وإجماع أهل العلم، وذلك كفر.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [93/ 4] المسألة الثالثة والتسعون: من استخف بالمصحف، أو بشيء منه، أو ألقاه في القاذورات وهو عالم بذلك، كفر. • المراد بالمسألة: المصحف -بضم الميم وكسرها- يطلق في لغة العرب على كل ما كان أوراقًا مجموعة بين دفتين، وغالب إطلاق المصحف هو على القرآن الكريم (¬3)، وهذا الإطلاق هو المراد به هنا، فمن استخف بالقرآن الكريم، أو بشيء منه ولو آية، إما بالقول، أو بالفعل، أو فعل ما يدل على ¬
الاستخفاف بالقرآن كإلقائه في القاذورات، أو ضعه تحت قدمه، أو جعله مكانا يجلس عليه، أو نحو ذلك من الأفعال، فهو كافر. • من نقل الإجماع: قال القاضي عياض (544 هـ): "اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف، أو بشيء منه، أو سبهما، أو جحده، أو حرفًا منه، أو آية، أو كذَّب به، أو بشيء منه، أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك، فهو كافر عند أهل العلم بإجماع" (¬1). وقال النووي (676 هـ): "أجمعوا على أن من استخف بالقرآن، أو بشيء منه، أو بالمصحف، أو ألقاه في قاذورة: كفر" (¬2). وقال ابن تيمية (728 هـ): "اتفق المسلمون على أن من استخف بالمصحف؛ مثل أن يلقيه فى الحش، أو يركضه برجله إهانة له، أنه كافر مباح الدم" (¬3). وقال السبكي (771 هـ): "يحكم على من سجد للصنم، أو ألقى المصحف في القاذورات بالكفر، وإن لم يجحد بقلبه؛ لقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك" (¬4) ونقله عنه الشوكاني (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل الاستهزاء به أو بآياته أو برسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- يكفر، ¬
[94/ 4] المسألة الرابعة والتسعون: من كذب بشيء مما جاء به القرآن من حكم، أو خبر، أو نفى ما أثبته، أو أثبت ما نفاه، أو شك في ذلك كفر.
والاستخفاف بالقرآن هو استخفاف بآياته صريحا، استهزاء باللَّه ورسوله ضمنًا. 2 - قال تعالى: {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى توعد من اتخذ آياته هزوًا بالعذاب المهين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولم يجئ إعداد العذاب المهين في القرآن إلا في حق الكفار" (¬2). 3 - قال تعالى: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى توعد المستهزئين بآياته بالنار، وأنهم خالدين فيهم لا يخرجون منها، وهذا لا يكون إلا في حق الكفار. 5 - من النظر: أن الاستخفاف بالقرآن استخفاف باللَّه تعالى؛ لأنه المتكلم به.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [94/ 4] المسألة الرابعة والتسعون: من كذب بشيء مما جاء به القرآن من حكم، أو خبر، أو نفى ما أثبته، أو أثبت ما نفاه، أو شك في ذلك كفر. • المراد بالمسألة: من كذب بشيء من القرآن كان أنكر حكمًا من أحكامه فأباح محرمًا أو حرم مباحًا، أو كذب بشيء من أخباره، كأن أنكر قصة أحد الأنبياء الذين قصهم اللَّه في كتابه، أو نفى شيئًا أثبته اللَّه تعالى، كأن نفى قدرة اللَّه تعالى، أو أثبت ما نفاه تعالى، كأن أثبت أن للَّه تعالى ولدًا، أو شك في شيء من القرآن، فكل ذلك كفر مخرج من الملة، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. ¬
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) في معرض ذِكره لجملة من الاعتقادات التي أجمع أهل العلم على كفر من خالفها: "اتفقوا أن كل ما ورد في القرآن من خبر ما مضى، أو ما يأتي، حق صحيح، وصدق لا شك فيه" (¬1). وقال القاضي عياض (544 هـ): "من استخف بالقرآن أو المصحف، أو بشيء منه، أو سبَّهما، أو جحده، أو حرفًا منه، أو آية، أو كذب به، أو بشيء منه، أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك، فهو كافر عند أهل العلم بإجماع" (¬2). وقال النووي (676 هـ): "أجمعوا أن من كذب بشيء مما جاء به من حكم أو خبر، أونفى ما أثبته أو أثبت ما نفاه أو شك في شيء من ذلك، وهو عالم به كفر" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)} (¬4). 2 - قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)} (¬5). • وجه الدلالة من الآيتين: أن اللَّه تعالى أكد على أن كلامه هو الحق القاطع، وقد توعد من كذب بالقرآن بالنار والعذاب الأليم. 3 - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} (¬6). ¬
[95/ 4] المسألة الخامسة والتسعون: من زاد حرفا غير القراءات المروية المنقولة نقل الكافة، أو نقص منه حرفا، أو بدل منه حرفا مكان حرف، وقد قامت عليه الحجة كفر.
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر بأن القرآن حق، وليس فيه شيء باطل، ومن كذَّب بشيء من القرآن فقد خالف صريح الآية (¬1). 4 - قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر بان القرآن منزل من عنده وأنه محفوظ من التبديل أو التغيير، وتكذيب القرآن إن كان بحجة أنه محرف أو أنه زيد فيه وأنقص تكذيب لهذه الآية (¬3). 5 - تكذيب شيء من القرآن الكريم، تكذيب للَّه تعالى، ونوع من السب له عز وجل، وتكذيب للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في التمسك بكتاب اللَّه تعالى.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [95/ 4] المسألة الخامسة والتسعون: من زاد حرفًا غير القراءات المروية المنقولة نقل الكافة، أو نقص منه حرفًا، أو بدل منه حرفًا مكان حرف، وقد قامت عليه الحجة كفر. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من زاد فيه حرفًا من غير القراءات المروية المحفوظة المنقولة نقل الكافة، أو نقص منه حرفًا، أو بدل منه حرفًا مكان حرف، وقد قامت عليه الحجة، أنه من القرآن، فتمادى متعمدًا لكل ذلك، عالمًا بأنه بخلاف ما فعل، فإنه كافر" (¬4). وقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع المسلمون أن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفًا قاصدًا لذلك، أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفًا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأجمع على أنه ليس من القرآن، ¬
عامدًا لكل هذا، أنه كافر" (¬1). وقال النووي (676 هـ): "أجمعوا على أن من جحد منه حرفًا مجمعًا عليه، أو زاد حرفًا لم يقرأ به أحد، وهو عالم بذلك، فهو كافر" (¬2). وقال ابن جزي (741): "لا خلاف في تكفير من نفى الربوبية أو الوحدانية. . . أو جحد حرفًا فأكثر من القرآن، أو زاده، أو غيَّره" (¬3). وقال العراقي (806 هـ): "قد أجمعوا على أن من جحد حرفًا مجمعًا عليه من القرآن فهو كافر تجري عليه أحكام المرتدين" (¬4). وقال الشوكاني (1250 هـ): "لو نفى حرفًا مجمعًا عليه، أو أثبت ما لم يقل به أحد فإنه كفر بالإجماع" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أنه تولى حفظ كتابه من الزيادة أو النقص أو التبديل، فلم يزل كذلك محفوظا، بخلاف كتب أهل الكتاب فإن اللَّه تعالى قال فيها: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} (¬7)، فوكَّل حفظه إليهم، فغيروه وبدلوه. 2 - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} (¬8). • وجه الدلالة: أخبر تعالى أن كتابه لا يدخل فيه الباطل، ومعلوم أن الزيادة ¬
[96/ 4] المسألة السادسة والتسعون: من استحل القتل كفر.
في القرآن أو النقص أو التبديل كله من الباطل الذي أخبر تعالى أن ذلك لا يدخل على كتابه العزيز. 3 - قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} (¬1). 4 - قال تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)} (¬2). 5 - قال تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)} (¬3). 6 - قال تعالى: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)} (¬4). • وجه الدلالة: أخبر اللَّه عز وجل أن آياته محكمة، قال القرطبي: "والسورة المحكمة: الممنوعة من التغيير وكل التبديل، وأن يلحق بها ما يخرج عنها، ويزاد عليها ما ليس منها" (¬5). والمقصود أن القرآن الموجود الآن هو الذي أنزله عز وجل على نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لم يدخله تغيير ولا وتبديل من لدن محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا هذا، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة كما أخبر اللَّه عز وجل بذلك بكونه حافظًا له، فمن ادعى نقصه، أو الزيادة فيه، وأراد تبديله أو تبديل بعضه فقد كذب بهذه الآيات القرآنية. وهو طويق إلى تبديل الشرع، وهذا كفر مخرج من الملة.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [96/ 4] المسألة السادسة والتسعون: من استحل القتل كفر. • المراد بالمسألة: مما قررته الشريعة الإسلامية عصمة دم المسلم، فمن قتل مسلمًا معصومًا، متعمدًا، مستحلًا لذلك، بغير تأويل، فإنه يحكم بكفره ردة. • من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "فإن قتل عمدًا، مستحلًا له، ¬
بغير حق، ولا تأويل، فهو كافر مرتد، يخلد به في جهنم بالإجماع" (¬1)، ونقله عنه الشوكاني (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن نصوص الشارع متوافرة على تحريم الدماء، فمنها: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} (¬3). 2 - عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، المارق من الدين التارك للجماعة) (¬4). 3 - عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) (¬5). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه) (¬6). وغيرها من النصوص الكثيرة في تحريم دم المسلم، والحكم بعصمته دمه بالإسلام.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[97/ 4] المسألة السابعة والتسعون: المرتد إذا أسلم فإنه يقبل إسلامه ويكون من الفائزين.
[97/ 4] المسألة السابعة والتسعون: المرتد إذا أسلم فإنه يقبل إسلامه ويكون من الفائزين. • المراد بالمسألة: المسلم إذا ارتد فإنه يكون من الخاسرين الخالدين في جهنم، فإن عاد للإسلام صار مسلمًا من الفائزن الرابحين، بنجاته من الخلود في النار، وكونه من أهل الإيمان الموعودين بالجنة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف بين أحد من الأمة في أن المرتد إذا راجع الإسلام ليس من الخاسرين، بل من المربحين المفلحين الفائزين" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} (¬2). • وجه الدلالة: دلت الآية على أن من أشرك فإنه يكون من الخاسرين، مما يدل على أن المؤمن ليس من الخاسرين، وأنه من الرابحين (¬3).Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [98/ 4] المسألة الثامنة والتسعون: تارك الصلاة كافر. • المراد بالمسألة: إذا ترك شخص الصلاة بالكلية، فلا يصلي الجمعة، ولا غيرها من الصلوات، مع اعتقاده بوجوبها (¬4) فإنه يكون كافرًا. ويتبين مما سبق أن الشخص إن كان يصلي أحيانًا ويترك أحيانًا فإنه لا يدخل في مسألة الباب. ¬
• من نقل الإجماع: قال عبد اللَّه بن شقيق (108 هـ) (¬1): "لم يكن أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة" (¬2)، ممن نقله ابن تيمية (¬3). وقال أيوب السختياني (131 هـ): "ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه" (¬4). وقال إسحاق بن راهوية (238 هـ): "كان رأي أهل العلم من لدن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر، وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر" (¬5)، وممن نقله ابن عبد البر (¬6). وقال ابن القيم (751 هـ): "دل على كفر تارك الصلاة: الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة" (¬7). • مستند الإجماع: يدل على كفر تارك الصلاة ما يلي: على وجوب الصلاة فمن ذلك: 1 - قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ¬
فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (¬1). 2 - قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)} (¬2). • وجه الدلالة من الآيتين: أن اللَّه علق أُخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة، فإذا لم يفعلوا لم يكونوا إخوة المؤمنين. 3 - قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬3). • وجه الدلالة: أنه سبحانه علق حصول الرحمة لهم بفعل هذه الأمور، فلو كان ترك الصلاة لا يوجب تكفيرهم وخلودهم في النار، لكانوا مرحومين بدون فعل الصلاة، والرب تعالى إنما جعلهم على رجاء الرحمة إذا فعلوها (¬4). 4 - قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} (¬5). • وجه الدلالة: دلت الآية على كفر تارك الصلاة من وجهين: الأول: أن اللَّه تعالى وعد تارك الصلاة بالغي، والغي هو بئر في قعر جهنم، كما هو مروي عن جماعة من الصحابة كابن مسعود وعائشة وغيرهما (¬6)، واختاره القرطبي (¬7)، ولو كان هذا الوعيد لعصاة المسلمين لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار، لا في أسفلها. الثاني: قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} فدل على أنهم حين إضاعتهم ¬
للصلاة لم يكونوا مؤمنين، فلو كان مضيع الصلاة مؤمنًا لم يشترط في توبته الإيمان، وإلا لكان تحصيل حاصل (¬1). 5 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) (¬2). 6 - عن بريده بن الحصيب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) (¬3). • وجه الدلالة من الحديثين: الحديثان صريحان بأن ترك الصلاة كفر، وأن الصلاة هي الفارق بين الإسلام والكفر. 7 - عن أم سلمة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن نكر سلم، ولكن من رضي وتابع) قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: (لا، ما صلوا) (¬4). • وجه الدلالة من الحديث: الحديث في منابذة الولاة وقتالهم بالسيف إذا لم يقيموا الصلاة، وقد ثبت أنه لا تجوز منازعة الولاة وقتالهم إلا إذا أتوا كفرًا صريحًا، عندنا فيه برهان من اللَّه تعالى فعن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: ¬
"دعانا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فبايعناه فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحًا عندكم من اللَّه فيه برهان" (¬1). وعلى هذا فيكون تركهم للصلاة الذي علق عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، منابذتهم وقتالهم بالسيف كفرًا بواحًا عندنا فيه من اللَّه برهان. 8 - ما جاء في قصة قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للذهب الذي أتى به علي -رضي اللَّه عنه- من اليمن: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا محمد اتق اللَّه. قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي اللَّه)، ثم ولَّى الرجل، فقام خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه-، -وفي بعض الروايات: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وقال: دعني أضرب عنقه يا رسول اللَّه. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعله أن يكون يصلي) قال: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس بقلبه، قال عليه الصلاة والسلام: (إني لم أُومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم. . . الحديث) (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علل امتناع قتل ذي الخويصرة بكونه ممن يصلي، فدل على أن لفعل الصلاة أثر في إباحة الدم من عصمتها، وإلا لم يكن لتعليله -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصلاة فائدة. 9 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: لما توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قالها ¬
فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللَّه. . .) الحديث (¬1). • وجه الدلالة: أن الصديق احتج على قتال المرتدين بإباحة قتال تاركي الصلاة، وتقدير كلامه أنه قال: ألستم متفقين على قتال تارك الصلاة، فكذلك أقاتل تارك الزكاة، ولا فرق. 10 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه) (¬2). 11 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على اللَّه) (¬3). • وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل من أسباب عصمة الدم والمال إقامة الصلاة، فدل على أن تركها كفر يبيح ذلك. 12 - عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: (من حافظ عليها كانت له نورًا، وبرهانًا، ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور، ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأبي بن خلف) (¬4). ¬
• وجه الدلالة: الحديث صريح بكفر تارك الصلاة، بكونه مع قارون وفرعون أمي بن خلف، وقد تحقق أن هؤلاء من أهل النار. 13 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع، فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك) (¬1) • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علَّق الفلاح والخسران يوم القيامة بالصلاة، وجعلها سببًا في الحكم بمصير العبد يوم القيامة، وعلَّق الخسران بتركها. • المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم عدم كفر تارك الصلاة، وبه قال محمد بن شهاب الزهري، ومكحول، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وهو رواية عن الإمام أحمد (¬2). ونسب العراقي هذا القول للجمهور حيث قال: "ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يكفر بترك الصلاة إذا كان غير جاحد لوجوبها" (¬3). ¬
بل حكى جماعة من أهل العلم الإجماع على عدم كفر تاركها ومن ذلك: قال ابن عبد البر في صلاة الجمعة: "أجمعوا أنه من تركها وهو قادر على إتيانها ممن تجب عليه أنه غير كافر بفعله ذلك، إلا أن يكون جاحدًا لها مستكبرًا عنها" (¬1). وقال النووي: "ولم يزل المسلمون يورثون تارك الصلاة، ويورثون عنه، ولو كان كافرًا لم يغفر له، ولم يرث، ولم يورث" (¬2). وقال ابن قدامة في ترجيح القول بعدم كفر تارك الصلاة: "ذلك إجماع المسلمين؛ فإنَّا لا نعلم في عصر من الأعصار عن أحد من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه" (¬3). • دليل المخالف: استدل القائلون بعدم كفر تارك الصلاة بما يلي: 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: لما توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللَّه. . .) الحديث (¬4). • وجه الدلالة: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علق عصمة الدم والمال على قول "لا إله إلا اللَّه"، فمن قالها تحققت في حقه العصمة، ولم يشترط النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصلاة في ذلك. 2 - عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة) (¬5). ¬
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أباح دم المسلم بثلاث خصال، وترك الصلاة ليس واحدًا من هذه الخصال، مما يدل على عصمة دم من ترك الصلاة، وأنه مسلم. 3 - عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: قال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كيف أنت إذا كنت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها) قلت: فما تأمرني؟ قال: (صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّ، فإنها لك نافلة) (¬1). • وجه الدلالة: أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن هؤلاء الأمراء يفوتون الصلاة عن وقتها، ومع ذلك لم يكفروا بتركها حتى يخرج الوقت، ولو كان ترك الصلاة إلى خروج وقتها كفرًا لَما أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصلاة خلف هؤلاء الأئمة؛ لأن الكافر لا تصح الصلاة خلفه لا فرضًا ولا نفلًا (¬2). 4 - من النظر: أ - أن من ثبت إسلامه بيقين، فلا يزول عنه الإسلام إلا بيقين، وليس ثمة دليل صريح صحيح على كفر من ترك الصلاة. ب- أن الصلاة من الشرائع العملية، فلا يقتل بتركها، كالصيام، والزكاة، والحج (¬3). 5 - عمل المسلمين على ذلك بغير نكير، كما نقله النووي وابن قدامة (¬4).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف مشهور بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيه عن الزهري، ومكحول، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وهو رواية عن الإمام أحمد، بل نُسب للجمهور، وحُكي الإجماع على ذلك. ¬
[99/ 4] المسألة التاسعة والتسعون: تحسين دين المشركين كفر.
وما حكي من الإجماع في كفر تارك الصلاة فهو من قبيل الإجماع السكوتي الظني، واللَّه أعلم (¬1). [99/ 4] المسألة التاسعة والتسعون: تحسين دين المشركين كفر. • المراد بالمسألة: الشرك في اللغة: هو المقارنة، وخلاف الانفراد، ويطلق على المخالطة، والمصاحبة، والمشاركة (¬2). وفي الاصطلاح: أن يجعل العبد للَّه تعالى شريكًا، في ربوبيته تعالى، أو في ألوهيته، أو في أسمائه وصفاته (¬3). سبق فيما مضى أن اللَّه تعالى بعث الرسل لتقرير الإسلام الذي محصله توحيده تعالى، فمن اعتقد أن غير دين الإسلام يحسن اتباعه، وأن له منافع ليست في دين الإسلام، فذلك كفر مخرج من الملة. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "منهم من يصنف في دين المشركين والردة عن الإسلام كما صنف الرازي كتابه في عبادة الكواكب، والأصنام، وأقام الأدلة على حسن ذلك، ومنفعته، ورغب فيه، وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين" (¬4). ¬
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} (¬1). 2 - قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} (¬2). 3 - قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} (¬3). • وجه الدلالة من الآيات السابقة: أن القرآن نص على أن دين الإسلام هو أحسن الأديان قاطبة، وأنه ليس ثمة دين أحسن منه على الإطلاق. 4 - قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (¬4). • وجه الدلالة: أخبر تعالى أنه ارتضى دين الإسلام لعباده، لا غيره من الأديان، وهو سبحانه لا يرتضى لعباده إلا الأحسن. 5 - قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)} (¬5). • وجه الدلالة: في الآية دليل على أن اتخاذ غير دين الإسلام من السفه، مما يدل على أن فاعل لك قد ترك الأفضل واختار المفضول. 6 - قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬6). • وجه الدلالة: في الآية أن من أخذ غير دين الإسلام فإن ذلك يكون خسارة عليه، ولن يقبله تعالى. ¬
[100/ 4] المسألة المائة: من استحل الخمر قتل.
5 - أن النصوص الشرعية مستفيضة بوجوب اتباع دين الإسلام، واتباع شريعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وترك ما سوى ذلك.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [100/ 4] المسألة المائة: من استحل الخمر قُتل. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الخمر لغةً واصطلاحًا: الخمر لغة: والخمر لفظ يُذكر ويؤنث، فيقال: هو الخمر، وهي الخمر، والتأنيث أشهر (¬1)، أصل هذه المادة بمعنى التغطية والمخالطة، قال ابن فارس: "الخاء والميم والراء أصلٌ واحد يدلُّ على التغطية، والمخالطةِ في سَتْر" (¬2). ومنه الخمار: وهو ما يُغطي وجه المرأة، والمخامرة، ومنه أيضًا: يُقال: رجل خَمر: أي خالطه داء. والخمر: كل ما أسكر العقل، وقيل: هو ما أسكر من عصير العنب خاصة، قال الفيروزآبادي: "الخمر: ما أسكر من عصير العنب، أو عام، والعموم أصح" (¬3). سميت الخمر خمرًا؛ لأنها تخامر العقل، أي تخالطه، وتُخمِّره: أي تغطيه وتستره (¬4). الخمر اصطلاحًا: اختلف الفقهاء في حقيقة الخمر الشرعية، بناء على اختلافهم في حقيقتها اللغوية، على قولين: القول الأول: أن الخمر هو اسم للنيء من ماء العنب إذا صار مسكرًا، وذلك ¬
إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، وهو مذهب الحنفية (¬1)، وبه قال بعض الشافعية (¬2). القول الثاني: أن الخمر هو كل ما أسكر من كل شراب، سواء أكان من عصير العنب، أو البلح، أو الزبيب، أو القمح، أو الشعير، أو الأرز، وغيره، سواء أسكر قليله أو كثيره، وهو مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم (¬3). • ثمرة الخلاف بين القولين: هذا الخلاف له أثر كبير، فالحنفية فرقوا بين الخمر والمسكر، فالخمر يُحد بشرب القدر المسكر منها وغير المسكر، وهو خاص بعصير العنب، وأما ما عداها من الأشربة فلا يُحد إلا بشرب القدر المسكر منها. أما الجمهور فلم يذهبوا إلى هذه التفرقة، فما أسكر كثيره، فالقليل منه حرام، ويجب به الحد. • الترجيح: يظهر -واللَّه أعلم- أن قول الجمهور هو الصواب، لعموم حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) (¬4). وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت عمر -رضي اللَّه عنه- على منبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أما بعد، أيها الناس: إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة، من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل" (¬5). ¬
وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: "نزل تحريم الخمر، وإن في المدينة يومئذ لخمسة أشربة، ما فيها شراب العنب" (¬1). • ثانيًا: صورة المسألة: مما هو مستقر في نصوص الشرع تحريم الخمر، فمن استحله فقد استحل ما حرمه اللَّه تعالى ورسوله وأجمعت عليه الأمة، فيحكم بقتله ردة إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، إلا إن تاب من ذلك وأقر بتحريمه. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا أن مستحل خمر العنب المسكر كافر، راد على اللَّه عز وجل خبره في كتابه، مرتد، يستتاب، فإن تاب ورجع عن قوله، وإلا استبيح دمه" (¬2). وقال ابن تيمية (728 هـ): "لمَّا شرب الخمر بعض الصحابة مجموع واعتقدوا أنها تحل للخاصة تأول قوله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)} (¬3)، اتفق الصحابة مثل عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وغيرهما، على أنهم إن أقروا بالتحريم جُلدوا، وإن أصروا على استحلال قتلوا" (¬4). ويمكن أن يضاف إلى هذا نقل الإجماع على كفر مستحل الخمر: قال عبد القاهر البغدادي (429 هـ): "وقد أجمع فقهاء الأمة على تكفير من أنكر حد الخمر" (¬5). ونقل ابن حزم (456 هـ) الاتفاق على كفر مستحل الخمر (¬6). وقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل أو شرب الخمر أو الزنا مما حرم اللَّه بعد علمه بتحريمه" (¬7). ¬
وقال العيني (855 هـ): "لو اعتقد حل بعض المحرمات المعلومة من الدين ضرورة كالخمر كفر بلا خلاف" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن الشريعة قد بيَّنت تحريم الخمر حتى صار تحريمه مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فمن الأدلة على ذلك: 1 - قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى بين أن الخمر رجس وأنه من عمل الشيطان، وأمر باجتنابه (¬3). 2 - قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى بيَّن أن في الخمر إثم، والإثم محرم كما صرح اللَّه به فى قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} (¬5). 3 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كنت ساقي القوم فى منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ (¬6)، فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مناديًا ينادي: "ألا أن الخمر قد حُرمت"، فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم: قد قتل قوم وهي في بطونهم، فأنزل اللَّه: ¬
{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)} (¬1) " (¬2). 4 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت عمر -رضي اللَّه عنه- على منبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أما بعد، أيها الناس: إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل" (¬3). 5 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: "نزل تحريم الخمر، وإن في المدينة يومئذٍ لخمسة أشربة، ما فيها شراب العنب" (¬4). 6 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رجلًا أهدى لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- راوية (¬5) خمر، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هل علمت أن اللَّه قد حرمها)، قال: لا، فسار إنسانًا، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (بم ساررته)؟ فقال. أمرته ببيعها، فقال: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، قال: فَفَتح المزادة حتى ذهب ما فيها (¬6). 7 - عن جابر -رضي اللَّه عنه-: أن رجلا قدم من جيشان -وجيشان من اليمن- فسأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له المِزْر، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أوَمسكر هو)؟ قال: نعم، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كل مسكر حرام، إن على اللَّه عز وجل عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)، قالوا: يا رسول اللَّه وما طينة الخبال؟ قال: (عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار) (¬7). ¬
[101/ 4] المسألة الأولى بعد المائة: ظن السوء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كفر.
8 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: "لعن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له" (¬1). إلى غير ذلك من الأحاديث التي يطول المقام بحصرها. 9 - انعقاد الإجماع على تحريمه، حيث نقله جمع من أهل العلم منهم ابن المنذر (¬2)، وابن حزم (¬3)، وابن عبد البر (¬4)، وابن قدامة (¬5)، والقرطبي (¬6)، والنووي (¬7)، وابن حجر (¬8). فمن خالف هذه النصوص الصريحة واستباح الخمر فقد كذب كلام اللَّه تعالى ورسوله، وأتى بشرع غير شرع محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا كفر مخرج من الملة.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [101/ 4] المسألة الأولى بعد المائة: ظن السوء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كُفر. • المراد بالمسألة: أولًا: تعريف ظن السوء: الظن: قال ابن فارس: "الظاء والنون أُصَيْل صحيحٌ يدلُّ على معنيينِ مختلفين: يقين، وشكّ" (¬9). ¬
قال الزبيدي: "الظَّن: التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم" (¬1). والحاصل أن الظن هو التردد بين أمرين، الراجح منهما يسمى ظنًا. وقد يطلق الظن على اليقين (¬2)، ومنه قول اللَّه تعالى في صفة المؤمنين الخاشعين: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)} (¬3)، وقوله تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)} (¬4) أي أيقن الفراق (¬5). السوء: قال الفيروزآبادي: "ساءه سوءًا وسواءً وسواءةً وسوايةً وسوائيةً ومساءةً ومسائيةً ومساية ومساء ومسائية: فعل به ما يكره فاستاء هو، والسُّوء -بالضم-: الاسم منه" (¬6). ¬
ويطلق السوء على آفة ومرض، والمراد به هنا هو كل ما يغُم الإنسان، ويقبح (¬1). • ثانيًا: صورة المسألة: من ظن بنبي من أنبياء اللَّه تعالى المجمع على نبوتهم سوءًا، كأن يظن فيه الكذب، أو خيانة الرسالة، أو أنه صاحب فواحش، أو غير ذلك، فإن ذلك كفر مخرج من الملة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من آمن باللَّه تعالى وبرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبكل ما أتى به عليه السلام مما نقل عنه نقل الكافة، أو شك في التوحيد أو في النبوة أو في محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . . فإنه من جحد شيئًا مما ذكرنا، أو شك في شيء منه، ومات على ذلك، فإنه كافر مشرك، مخلد في النار أبدًا" (¬2) وقال النووي (676 هـ): "ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع" (¬3) وقال العيني (855 هـ): "ظن السوء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كفر بالإجماع" (¬4) • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن اللَّه تعالى أثنى على أنبياءه في كتابه فتارة يجمل وتارة يفصل، ومن ذلك: 1 - قول اللَّه تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)} (¬5). 2 - قول اللَّه تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)} (¬6). 3 - قول اللَّه تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا ¬
وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)} (¬1). 4 - قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (¬2). 5 - قال تعالى في يوسف عليه الصلاة والسلام: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (¬3). 6 - قال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)} (¬4). 7 - قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)} (¬5). 8 - قال تعالى في أيوب: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)} (¬6). 9 - قال تعالى في زكريا ويحيى عليهما السلام: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)} (¬7). 10 - قال تعالى في يونس عليه السلام: {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)} (¬8). 11 - قال تعالى: {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ¬
[102/ 4] المسألة الثانية بعد المائة: لله أنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كثر منهم من سماه الله تعالى في القرآن، ومنهم من لم يسم لنا، ومن خالف ذلك كفر.
الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)} (¬1). إلى غير ذلك من الآيات الدالة على فضلهم، وصلاحهم، وأنهم من خيرة الخلق، فمن ظن بهم سوء فقد كذَّب بمثل هذه النصوص، وتكذيب شيء من القرآن كفر مخرج من الملة. 12 - من النظر: أن في ظن السوء بهم قدح في رسالتهم، وما بلغوه لأمتهم عن ربهم، وقدح في اللَّه تعالى إذ كيف يصطفي لرسالته من ليس بكفء لها. • المخالفون للإجماع: ذكر ابن حزم خلافًا في مسألة من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو غيره من الأنبياء فقالت طائفة أنه لا يكفر، وتوقف آخرون (¬2).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل أجماع محقق بين أهل العلم؛ للخلاف الذي نقله ابن حزم في المسألة. [102/ 4] المسألة الثانية بعد المائة: للَّه أنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كُثر منهم من سماه اللَّه تعالى في القرآن، ومنهم من لم يسم لنا، ومن خالف ذلك كفر. • المراد بالمسألة: مما أخبر اللَّه تعالى في كتابه أن له عز وجل أنبياء منهم من قص علينا خبرهم، ومنهم من لم يَقُص علينا خبرهم، فمن أنكر ذلك، وزعم أن الأنبياء إنما هم من سماهم اللَّه في كتابه، وليس ثمة أنبياءآخرين فقد كفر. وبهذا يتبين أن ذِكْر اللَّه تعالى لأنبياءه في القرآن على ثلاث حالات: الأولى: منهم من ذكرهم اللَّه تعالى بقصتهم مع أقوامهم، كنوح، وصالح، وهود. الثانية: منهم من ذكر اللَّه تعالى أسماءهم، دون ذكر قصصهم مع قومهم، لحكمة أرادها، كاليسع، وذا الكفل. الثالثة: منهم من لم يذكر اللَّه تعالوا أسماءهم، وهؤلاء قد لا يذكر اللَّه تعالى شيء من قصصهم، وقد يذكر تعالى قصصهم مع قومهم دون ذكر ¬
أسمائهم، كما في قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)} (¬1). فمن كذب بذلك وأنكر أن للَّه رسلًا لم يسمهم فقد كفر، إذا توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) في فصل عقده لبيان المعتقدات التي يكفر من خالفها: "اتفقوا أن النبوة حق، وأنه كان أنبياء كثير، منهم من سمى اللَّه تعالى في القرآن، ومنهم من لم يسم لنا" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن نصوص الشرع صرحت أن ثمة رسلًا لم يقص اللَّه تعالى خبرهم، فمن ذلك: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)} (¬3). 2 - قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)} (¬4). ¬
• وجه الدلالة من الآيتين: في الآيتين تصريح بأن من الأنبياء من سماه اللَّه تعالى، ومنهم من لم يسمه تعالى، وإنكار ذلك تكذيب لصريح القرآن. 3 - عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: قلت: يا رسول اللَّه أي الأنبياء كان أول؟ قال: (آدم) قلت: يا رسول اللَّه ونبي كان؟ قال: (نعم، نبي مكلم) قال: قلت: يا رسول اللَّه كم المرسلون؟ قال: (ثلاث مائة وبضعة عشر جما غفيرًا)، -وقال مرة: خمسة عشر- (¬1). 4 - عن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إني خاتم ألف نبي وكثر، ما بعث نبي يتبع إلا قد حذر أمته الدجال، وأني قد بُين لي من أمره ما لم يبين لأحد، وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور) (¬2). فمن أنكر أن للَّه أنبياء لم يسمهم اللَّه تعالى فقد كذب نصوص الشريعة ¬
[103/ 4] المسألة الثالثة بعد المائة: النار حق وهي مخلوقة، ومن خالف ذلك كفر.
الصحيحة، وذلك كفر مخرج من الملة.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [103/ 4] المسألة الثالثة بعد المائة: النار حق وهي مخلوقة، ومن خالف ذلك كفر. • المراد بالمسألة: مما قُرر في نصوص القرآن وكلام صاحب الرسالة -صلى اللَّه عليه وسلم- أن من جملة الإيمان بالغيب الإيمان بأن ثمة نارًا خلقها اللَّه تعالى، يجب الإيمان بها، وأنها الآن مخلوقة موجودة، فمن أنكر ذلك فقد كفر. • من نقل الإجماع: قال الطحاوي (321 هـ): "اتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن" (¬1). وقال الآجري (360 هـ): "اعلموا رحمنا اللَّه وإياكم أن القرآن شاهد أن اللَّه عز وجل خلق الجنة والنار قبل أن يخلق آدم عليه الصلاة والسلام، وخلق للجنة أهلًا، وللنار أهلًا، قبل أن يخرجهم إلى الدنيا، لا يختلف في هذا من شمله الإسلام" (¬2). قال ابن حزم (456 هـ) في معرض كلامه على بعض الاعتقادات المجمع عليها والتي كفر بها المخالف بإجماع فقال: "اتفقوا أن النار حق" (¬3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "الذي عليه جماعة أهل السنة والأثر أن الجنة والنار مخلوقتان لا تبيدان" (¬4). وقال أيضًا: "الجنة والنار مخلوقتان، وهو قول جماعة أهل السنة أهل الفقه والحديث" (¬5). وقال النووي (676 هـ): "الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم. . . وهذا كله مذهب أصحابنا، وسائر أهل السنة" (¬6). وقال العراقي (806 هـ): "النار ¬
مخلوقة الآن موجودة، وهذا إجماع ممن يعتد به" (¬1). وقال ابن القيم (751 هـ): "لم يزل أصحاب رسول اللَّه والتابعون وتابعوهم وأهل السنة والحديث قاطبة وفقهاء الإسلام وأهل التصوف والزهد على اعتقاد ذلك -وجود الجنة الآن- وإثباته مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة وما علم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم فإنهم دعوا الأمم إليها وأخبروا بها" (¬2). • مستند الإجماع: مسألة الباب على شقين: الأول: أن النار حق. الثاني: أنها الآن مخلوقة موجودة. أما الأدلة على أن النار حق فنصوص الشريعة متواترة في إثبات ذلك، منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} (¬3). 2 - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} (¬4). 3 - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)} (¬5). 4 - قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)} (¬6). والآيات في هذا الباب كثيرة. 5 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: (اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد ¬
أنت قيام السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وأخرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت) (¬1). 6 - عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (من شهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد اللَّه ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله اللَّه الجنة على ما كان من العمل) (¬2). والأحاديث في إثبات النار، وصفتها، والشفاعة في الخروج منها، كثيرة متواترة يطول ذكرها. أما كون النار مخلوقة وهي الآن موجودة فدليله ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)} (¬3). 2 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)} (¬4). 3 - قال تعالى عن فرعون وقومه: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} (¬5). ¬
4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبربن، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم، قال اللَّه تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: انما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله، فتقول: قط، قط، فهنالك تمتلئ، ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم اللَّه عز وجل من خلقه أحدًا، وأما الجنة فإن اللَّه عز وجل ينشئ لها خلقًا) (¬1). 5 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- حين كسفت الشمس على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فصلى بهم صلاة الكسوف ثم قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا اللَّه) قالوا: يا رسول اللَّه، رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا، ثم رأيناك كففت، فقال: (إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرًا قط، ورأيت أكثر أهلها النساء)، قالوا: بم يا رسول اللَّه؟ قال: (بكفرهن)، قيل: أيكفرن باللَّه؟ قال: (بكفر العشير، وبكفر الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط) (¬2). 6 - عن عمران بن حصين أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء) (¬3). 7 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان ¬
[104/ 4] المسألة الرابعة بعد المائة: النار أعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام، ولمن خالف الأنبياء السالفين قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبلغ خبره إليه، ومن خالف ذلك كفر.
من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك اللَّه يوم القيامة) (¬1). 8 - عن ابن عمر أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم) (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم من السنة والجماعة (¬3). [104/ 4] المسألة الرابعة بعد المائة: النار أعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام، ولمن خالف الأنبياء السالفين قبل مبعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبلغ خبره إليه، ومن خالف ذلك كفر. • المراد بالمسألة: تقرر في المسألة السابقة أن اللَّه تعالى خلق نارًا، وأوجب الإيمان بها، وهنا نقرر تواتر على أن هذه النار أعدها اللَّه تعالى للكافرين، الذين كفروا باللَّه تعالى أو برسله، فمن أنكر ذلك فهو كافر كفر يخرج من الملة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (465 هـ) في معرض كلامه على بعض الاعتقادات المجمع عليها والتي كفر بها المخالف بإجماع: "اتفقوا أنها -أي النار- أعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام، ولمن خالف الأنبياء السالفين قيل مبعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبلوغ خبره إليه" (¬4). • مستند الإجماع: أدلة الباب كثيرة، لكن سقتُ طرفًا منها في المسألة السابقة، بما يغني عن إعادته هنا.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[105/ 4] المسألة الخامسة بعد المائة: النار دار عذاب أبدا لا تفنى ولا يفنى أهلها أبدا، ومن خالف في ذلك كفر.
[105/ 4] المسألة الخامسة بعد المائة: النار دار عذاب أبدًا لا تفنى ولا يفنى أهلها أبدًا، ومن خالف في ذلك كفر. • المراد بالمسألة: يراد بمسألة الباب أن النار دار أعدها اللَّه تعالى للكافرين، وليس لهذه النار فناء، فمن حكم عليه بالخلود في النار فإنه معذب فيها أبد الآبدين، فلا تفنى النار، فيتخلص من العذاب، ولا هو يفنى أو يموت فينجو من النار. ويتبين مما سبق أن أصحاب الكبائر الذين جاءت النصوص بأنهم يدخلون النار ثم يخرجون إلى الجنة لا يرادون بمسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال أبو زرعة (264) (¬1) وأبو حاتم (277 هـ) (¬2): "أدركنا العلماء في جميع الأمصار، حجازًا، وعراقًا، وشامًا، ويمنًا، فكان من مذهبهم. . . الجنة حق، والنار حق، وهما مخلوقتان، لا يفنيان أبدًا" (¬3). وقال ابن حزم (465 هـ) في معرض كلامه على بعض الاعتقادات المجمع عليها والتي كفر بها المخالف بإجماع فقال: "اتفقوا أن النار حق، وأنها دار ¬
عذاب أبدًا، لا تفنى، ولا يفنى أهلها أبدًا" (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "الذي عليه جماعة أهل السنة والأثر أن الجنة والنار مخلوقتان لا تبيدان" (¬2). وقال ابن تيمية (728 هـ): "اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنة، والنار، والعرش، وغير ذلك" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب، الكتاب، والسنة، والإجماع: • أولًا: من الكتاب: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)} (¬4). 2 - قال تعالى: {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)} (¬5). 3 - قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)} (¬6). 4 - قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} (¬7). 5 - قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ¬
هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} (¬1). 6 - قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)} (¬2). 7 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)} (¬3). 8 - قال تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)} (¬4). قال ابن كثير: " {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} أي: ساعة واحدة، {وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي: آيسون من كل خير" (¬5). 9 - قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)} (¬6)، قال ابن كثير: "غرامًا: أي: ملازمًا دائمًا" (¬7). 10 - قال تعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)} (¬8). • وجه الدلالة من الآيات السابقة: هذه الآيات دالة على استمرارية عذاب الكافرين. • ثانيًا: من السنة: 1 - عن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون) (¬9). ¬
2 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وصار أهل النار إلى النار، أتي بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ يا: أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، وبزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم) (¬1). وأحاديث الشفاعة متواترة في خروج الموحدين من أهل الكبائر، دون الكافرين مما يدل على بقائهم في النار، وليس في النصوص ما يشير إلى خروجهم منها، أو فنائهم. • ثالثًا: من الإجماع: نقل غير واحد من أهل العلم إجماع أهل السنة على ابقاء النار وأنها لا تفنى، فقال ابن حزم: "اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة، ولا لنعيمها، ولا للنار، ولا لعذابها" (¬2). وقال القرطبي بعد ذكره لبعض الأحاديث الدالة على دوام النار: "هذه الأحاديث مع صحتها نص في خلود أهل النار فيها لا إلى غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد، من غير موت ولا حياة، ولا راحة، ولا نجاة. . . فمن قال: إنهم يخرجون منها، وأن النار تبقى خالية، وبجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى وتزول، فهو خارج عن مقتضى المعقول، ومخالف لما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول" (¬3). • المخالفون للإجماع: ذكر ابن القيم مسألة فناء النار في كتابه "حادي الأرواح" وذكر القول بفناء النار عن جملة من الصحابة والتابعين كعمر بن الخطاب، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وحماد بن سلمة وجماعة (¬4). ¬
وقد انتصر ابن القيم في "حادي الأرواح" للقول بفناء النار، من جهة أنه ذكر أدلة القائلين بعدم فناء النار، وأجاب عن تلك الأدلة، وقوى أدلة القائلين بالفناء، حتى أن القارئ قد يلمح منه ترجيح القول به، وإن لم يكن مصرحًا بذلك. لكن له كلام آخر في "الوابل الصيب" يتبيَّن منه أن مراده بفناء النار فناء طبقة الموحدين بعد خروجهم منها، لا فناء النار مطلقًا، حيث قال: "الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة؛ فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد؛ فإنهم إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقى إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض" (¬1). وذكر نحو هذا القول في "زاد المعاد" (¬2). بل إنه نسب القول بفناء النار مطلقًا للجهمية كما في "النونية" (¬3). فيتحصل من هذا أن ابن القيم مع جمهور أهل السنة والجماعة في الجملة بالقول بأن النار لا تفنى. كما أن القول بفناء النار منسوب أيضًا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، وموجب هذه النسبة أن ثمة رسالة منسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية ملخصها أن شيخ الإسلام ابن تيمية سُئل عن مسألة فناء الجنة والنار، فأجاب ابن تيمية عن ذلك بذكر آراء أهل العلم في المسألة، فقال: "وقد تنازع الناس في ذلك على ثلاثة أقوال: فقيل: ببقائهما، وقيل: بفنائهما، وقيل: ببقاء الجنة دون النار. ¬
أما القول بفنائهما: فما رأينا أحدًا حكاه عن أحد من السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وإنما حكوه عن الجهم بن صفوان (¬1) وأتباعه الجهمية" (¬2)، ثم بسط أدلة بقائهما، ثم قال: "وأما القول بفناء النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف، والنزاع في ذلك معروف عن التابعين، ومن بعدهم" (¬3). ثم ذكر أدلة القائلين بفناء النار، وتعقَّب أدلة القائلين بأنها تبقى، ومن جملة ما تعقبه أن من الناس من ظن القول ببقاء النار محل إجماع بين أهل العلم، فتعقبه بقوله: "أما الإجماع فهو أولًا: غير معلوم، فإن هذه المسائل لا يقطع فيها بالإجماع، نعم: قد يُظن فيها الإجماع، وذلك قبل أن يعرف النزاع، وقد عرف النزاع قديمًا وحديثًا، بل إلى الساعة لم أعلم أحدًا من الصحابة قال: إنها تفنى، ¬
وإنما المنقول عنهم ضد ذلك، ولكن التابعون نقل عنهم هذا وهذا" (¬1). ثم ذكر مسألة الفرق بين بقاء الجنة والنار، وختم بها الكتاب، دون التصريح باختيار أحد القولين. وبسبب هذه الرسالة، اختلف أهل العلم في نسبة القول بفناء النار لابن تيمية على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن شيخ الإسلام يقول بفناء النار. وبهذا قال السبكي وألَّف فيه رسالة بعنوان: "الاعتبار ببقاء الجنة والنار"؛ واحتج بالرسالة السابقة المنسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية. القول الثاني: أن شيخ الإسلام لا يرى القول بفناء النار مطلقًا. والحجة في ذلك عدم الجزم بصحة نسبة الرسالة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، ولأنه ليس في الرسالة ترجيح للقول بفناء النار، ولأنه ليس في شيء من كتبه -غير هذه الرسالة- التصريح بهذا القول، بل المنقول في كتبه القول بأنها لا تفنى، ومن ذلك قوله: "اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، لم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم وهذا قول باطل يخالف كتاب اللَّه وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها" (¬2). وصرح بنسبة القول بفناء النار للجمهية حيث قال: "هذا الذي يذكره كثير من أهل الكلام الجهمة ونحوهم في الابتداء (¬3) نظير ما يذكرونه في الانتهاء من ¬
أنه تفنى أجسام العالم حتى الجنة والنار" (¬1). القول الثالث: أن شيخ الإسلام يميل إلى القول بفناء النار. وبهذا قال ابن حجر (¬2)، والسفاريني (¬3)، وصديق حسن خان (¬4) (¬5)، والألوسي (¬6) (¬7). وذلك لما في الرسالة من تقوية القول بفناء النار، وتعقب أدلة القائلين بأنها لا تفنى. والذي يظهر -واللَّه أعلم- أنه لا يصح الجزم بنسبة القول بفناء النار إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، لتصريحه بفناءها -كما سبق نقله-، ولأنه ليس في الرسالة المنسوبة إليه التصريح باختيار القول بفناء النار. ¬
والذي يظهر واللَّه أعلم أحد أمرين: الأول: إما أن شيخ الإسلام يميل إلى القول بفناء النار دون الجزم به. الثاني: أن شيخ الإسلام لا يرى القول بفناء النار ولا يميل له أيضًا، وإنما أراد بذكر الخلاف في المسألة وتقوية أدلة القائلين بفناء النار أن يُبيِّن أن المسألة محل خلاف معتبر، وأن المخالف فيها لا يُضلل، ولا يُبدع؛ إذ الخلاف فيها مأثور عن السلف، لا سيما وأن سبب الرسالة أن تلميذه ابن القيم سأل شيخه ابن تيمية عن مسألة فناء النار، وأنها من المسائل المشكلة (¬1)، فبَين له شيخ الإسلام الجواب باستقصاء أدلة الفريقين، مع الموازنة في الأدلة، حتى ظن من ظن بأنه يقول بفناء النار أو يميل إليه. وهذا الثاني هو الأظهر في نظر الباحث، واللَّه أعلم (¬2). ¬
• دليل المخالف: من أدلة القول بفناء النار ما يلي: 1 - قال تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (¬1). 2 - قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} (¬2). • وجه الدلالة من الآيتين: أن الثه تعالى ذكر استثناء في خلود أهل النار فيها بقوله سبحانه: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، بخلاف أهل الجنة حيث صرَّح سبحانه بدوامها فقال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}. 3 - قال تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} (¬3). • وجه الدلالة: أخبر تعالى بأن أهل النار يلبثون فيها أحقابًا، والحقب يطلق على مدة من الزمان ثم تنقضي، قال ابن كثير: " {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} أي: ماكثين فيها أحقابًا، وهي جمع "حقُب"، وهو: المدة من الزمان" (¬4). ¬
4 - أنه مروي عن جماعة من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم، ومن ذلك: عن الحسن بن البصري قال: قال عمر -رضي اللَّه عنه-: "لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج (¬1)، لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه" (¬2). كما أنه مروي عن ابن مسعود (¬3)، وأبي هريرة (¬4)، وأبي سعيد (¬5)، ¬
وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص (¬1) رضي اللَّه عن الجميع.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم. لكن ينبه إلى أن هذه المسألة لا ينبغي أن تكون من المشكلات على طالب العلم؛ من جهة أن المخالف فيها لا يُعد خارجًا عن جملة أهل السنة والجماعة فضلًا عن خروجه عن الدين بالكلية؛ لِما ذكره ابن القيم من الآثار في ذلك عن بعض الصحابة رضوان اللَّه عليهم، وإن كانت هذه الآثار غير مسلَّمة من جهة السند، لكن فيها إشارة إلى أن المسألة ليست من الأصول التي يضلل فيها المخالف، ولذا لما ذكر السبكي المسألة وجعل القول بفناء النار من أقوال أهل البدع والضلال تعقبه ابن القيم حيث قال: "فقولكم إنه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم، وآرائهم، واختلافهم" (¬2). وفي ذلك يقول الشيخ صالح الفوزان -حفظه اللَّه-: "وغاية ما يقال إنه قول خطأ، أو رأي غير صواب، ولا يقال: بدعة، وليس قصدي الدفاع عن هذا القول ولكن قصدي بيان أنه ليس بدعة ولا ينطبق عليه ضابط البدعة" (¬3). وحاصل الكلام أن من قدح في شيخ الإسلام أو ابن القيم بسبب هذه المسألة فجوابه من وجهين: ¬
[106/ 4] المسألة السادسة بعد المائة: من خالف في رفعة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وقدرهم فليس مسلما.
الأول: أنه لا يُجزم بنسبة القول بفناء النار لهما. الثاني: أن المسألة ليست من مسائل الأصول التي يضلل فيها المخالف ويُبَدَّع؛ إذ الخلاف فيها مأثور عن السلف، واللَّه تعالى أعلم. [106/ 4] المسألة السادسة بعد المائة: من خالف في رفعة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وقدرهم فليس مسلمًا. • المراد بالمسألة: الأنبياء الذين اصطفاهم اللَّه تعالى لرسالاته هم خير البشرية، فليس لأحد أن يجعل أحدًا من الأولياء في مقام نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومن خالف في مكانة الأنبياء ورفعتهم عند اللَّه تعالى فقد كفر كفرًا مخرجًا من الملة. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف بين المسلمين في أن الأنبياء عليهم السلام أرفع قدرا ودرجة، وأتم فضيلة عند اللَّه عز وجل وأعلى كرامة من كل من دونهم، ومن خالف في هذا فليس مسلمًا" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن اللَّه تعالى قد أخبر عن رفعة أنبيائه، ووصفهم بكريم الأخلاق، كما سبق ذكره من الأدلة في المسألة السابقة، فمن خالف ذلك فقد كذب القرآن.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [107/ 4] المسألة السابعة بعد المائة: من جحد الزكاة ارتد. • المراد بالمسألة: من المسائل المقررة شرعًا أن الزكاة فرض، فمن أنكر ذلك وقال لا زكاة في الإسلام فذلك كفر مخرج من الملة، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. ¬
• من نقل الإجماع: قال الإمام أحمد (241 هـ) في حكم تارك الزكاة: "إن كان تركه لها جاحدًا لوجوبها، منكرًا لها، فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل كفرًا إجماعًا" (¬1). وقال الخطابي (388 هـ): ""من أنكر فرض الزكاة في هذا الزمان كان كافرًا بإجماع المسلمين" (¬2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "من منعها -أي الزكاة- جاحدا لها فهي ردة بإجماع" (¬3). وقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع المسلمون على قتل الممتنع عن أداء الصلاة والزكاة، مكذبًا بهما" (¬4). وقال ابن الأثير (606 هـ): "من أنكر فرضية أحد أركان الإسلام كان كافرًا بالإجماع" (¬5)، ونقله عنه ابن منظور (¬6). وقال النووي (676 هـ): "من أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافرًا بإجماع المسلمين" (¬7). وقال ابن تيمية (728 هـ): "من لم يعتقد وجوب الصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق. . . فهو كافر مرتد، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل باتفاق أئمة المسلمين" (¬8)، وقال ابن فرحون المالكي (799 هـ): "من جحد وجوب الزكاة فهو كافر باتفاق" (¬9). وقال البهوتي (1051 هـ): "فإن جحد وجوبها، أي الزكاة، جهلًا به، ومثله يجهله، كقريب عهد بإسلام، أو نشوئه ببادية بعيدة بحيث يخفى عليه وجوب الزكاة، عرف ذلك، أي وجوبها، ونهي عن المعاودة لجحد وجوبها لزوال عذره، فإن أصر على جحد الوجوب بعد أن عرف، أو كان عالمًا ¬
بوجوبها كفر إجماعًا" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسالة الباب أن وجوب الزكاة قد دل عليها صريح الكتاب والسنة والإجماع، فمن ذلك: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)} (¬2). 2 - قول اللَّه تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (¬3). والآيات في هذا الباب كثيرة. 3 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن اللَّه قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن اللَّه قد فرض عليهم صدقة توخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين اللَّه حجاب) (¬4). 4 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: "لما توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على اللَّه)، فقال: واللَّه لأقاتلنَّ من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عناقًا ¬
كانوا يؤدونها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها، قال عمر -رضي اللَّه عنه-: فواللَّه ما هو إلا أن قد شرح اللَّه صدر أبي بكر -رضي اللَّه عنه- فعرفت أنه الحق" (¬1). 5 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على اللَّه) (¬2). والأحاديث الدالة على وجوب الزكاة كثيرة جدًا. 5 - إجماع أهل العلم على أن الزكاة واجبة. وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم منهم: ابن حزم (¬3)، وابن قدامة (¬4)، والقرطبي (¬5)، والنووي (¬6). كما أجمع الصحابة رضوان اللَّه تعالى على قتال مانعي الزكاة كما نقله ابن قدامة (¬7)، والنووي (¬8)، وابن تيمية (¬9)، وابن حجر (¬10)، وجماعة (¬11). إذا تقرر هذا فإن من جحد وجوب الزكاة فإن قد رد صريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة.Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[108/ 4] المسألة الثامنة بعد المائة: من أنكر البعث فقد كفر.
[108/ 4] المسألة الثامنة بعد المائة: من أنكر البعث فقد كفر. • المراد بالمسألة: مما تواترت به نصوص الشريعة، واتفقت عليه جميع الملل، بل هو أحد أركان الإيمان، أن اللَّه تعالى يبعث عباده يوم القيامة ليجازيهم على أعمالهم، فإما إلى الجنة، أو إلى النار، فمن أنكر ذلك فقد كفر كفرا مخرج من الملة. • من نقل الإجماع: قال القاضي عياض (544 هـ): "من أنكر الجنة، أو النار، أو البعث، أو الحساب، أو القيامة: فهو كافر بإجماع؛ للنص عليه، وإجماع الأمة على صحة نقله متواترًا" (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع المسلمون على أن من أنكر البعث بعد الموت فليس بمؤمن ولا مسلم، ولا ينفعه ما شهد به" (¬2). وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1206 هـ) (¬3): "جحد البعث كفر بالإجماع" (¬4). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن نصوص الشريعة متواترة في تقرير بعث العباد يوم القيامة فمنها: 1 - قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ¬
ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} (¬1). 2 - قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)} (¬2). 3 - قال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (103)} (¬3). 4 - قال تعالى: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)} (¬4). 5 - قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} (¬5). 6 - قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)} (¬6). ¬
7 - قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} (¬1). 8 - قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)} (¬2). 9 - أخبر تعالى في آيات من كتابه أن إنكار البعث من أقوال الكافرين، فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67)} (¬3). 10 - قال تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)} (¬4). 11 - قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)} (¬5). • وجه الدلالة من الآيات: الآيات صريحة في إثبات البعث، وأن إنكار البعث هو من قول الكافرين. 12 - أحاديث السنة المتواترة في تقرير البعث، بل جعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أحد أركان الإيمان كما في حديث جبريل المشهور من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بارزًا يومًا للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: (الإيمان أن تؤمن باللَّه، وملائكته، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث) (¬6). فإنكار البعث إنكار لأحد أركان الإيمان الستة، وهو إنكار لما بعده من الحشر، والحوض، والميزان، والصراط، والجنة، والنار، وغير ذلك من أمور الآخرة، وهذا بلا شك تكذيب لصريح القرآن والسنة، وصاحبه يكفر ¬
[109/ 4] المسألة التاسعة بعد المائة: الزنديق كافر.
كفرًا مخرجًا من الملة. 13 - إجماع أهل العلم على البعث بعد الموت كما حكاه جماعة من أهل العلم منهم أبو الحسن الأشعري حيث قال: "أجمعوا على أن الأجساد التي أطاعتا وعصت هي التي تبعث يوم القيامة" (¬1). وقال ابن حزم: "اتفق جميع أهل القبلة على تنابذ فرقهم على القول بالبعث في القيامة" (¬2). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومعاد الأبدان متفق عليه عند المسلمين واليهود والنصارى" (¬3).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [109/ 4] المسألة التاسعة بعد المائة: الزنديق كافر. • المراد بالمسألة: سبق خلاف أهل العلم في المراد بالزنديق فالجمهور على أنه من أظهر الإسلام وأبطن الكفر، وهو ما يعرف بالمنافق، وذهب بعض الحنفية وبعض الشافعية إلى أن الزنديق هو من لا دين له، وعلى كلا القولين فإن الزنديق كافر يعاقب في الآخرة بالخلود في النار كما هو حال الكافرين. وينبه إلى أنه لا يراد بمسألة الباب إعطاء الزنديق أحكام الكفر أو الإسلام في الدنيا؛ لأن لهذه المسألة موضع آخر (¬4). ¬
• من نقل الإجماع: قال محمد بن نصر المروزي (294) (¬1): "المنافق الذي ينافق في التوحيد هو كافر عند اللَّه في كتابه لا اختلاف بين الأمة في ذلك" (¬2). وقال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن المنافقين كفار" (¬3). وقال النووي (676 هـ): "إجماع الأمة على إكفار المنافقين وإن كانوا قد أظهروا الشهادتين" (¬4). وقال ابن تيمية (728 هـ): "فأما الزنديق الذي تكلم الفقهاء في قبول توبته في الظاهر فالمراد به عندهم المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وإن كان مع ذلك يصلي، ويصوم، ويحج، ويقرأ القرآن، وسواء كان في باطنه يهوديًا أو نصرانيًا أو مشركًا أو وثنيًا، وسواء كان معطلًا للصانع وللنبوة، أو للنبوة فقط، أو لنبوة نبينا فقط، فهذا زنديق وهو منافق، وما في القرآن والسنة من ذكر المنافقين يتناول مثل هذا بإجماع المسلمين. . . ومثل هؤلاء المنافقين كفار في الباطن باتفاق المسلمين" (¬5) ونقله عنه الرحيباني (¬6). وقال العيني (855 هـ): "الإجماع على كفر المنافقين وإن كانوا قد أظهروا الشهادتين" (¬7). ¬
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (¬1). 2 - قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} (¬2). • وجه الدلالة من الآيتين: أن اللَّه تعالى توعد المنافقين في آيات من كتابه بالنار، والخلود فيها، والآيات في هذا الباب كثيرة. 3 - قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر عن المنافقين أنهم يظهرون الإيمان، ثم نفاه عنهم، وأخبر بأهم ليسوا بمؤمنين، وهذا صريح في كونهم كفارًا. 4 - قال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} (¬4). • وجه الدلالة: الآية في سياق المنافقين، وقد أخبر تعالى عدم قبول صدقاتهم، وعلل ذلك بكونهم كفارًا. 5 - قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)} (¬5). • وجه الدلالة: الآية في سياق المنافقين، وقد أخبر تعالى صريحًا أنهم كفار. 6 - قال تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)} (¬6). • وجه الدلالة: الآية في سياق المنافقين، وهي صريحة بأنهم كفار، وأن ¬
[110/ 4] المسألة العاشرة بعد المائة: الغالية الذين يعتقدون الإلهية والنبوة في علي -رضي الله عنه- وغيره يقتلون.
الدعاء لهم بالمغفرة بعد موتهم غير نافع، لأن الكافر لا يُغفر له. 7 - قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} (¬1). • وجه الدلالة: قال القرطبي: "هذا إعلام من اللَّه تعالى بأن المنافق كافر، أي أقروا باللسان ثم كفروا بالقلب" (¬2). 8 - في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أن عبد اللَّه بن أُبي لما توفى جاء ابنه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له، فأعطاه النبي قميصه فقال: (آذني أصلى عليه)، فآذنه، فلما أراد أن يصلى عليه جذبه عمر -رضي اللَّه عنه- فقال أليس اللَّه نهاك أن تصلى على المنافقين فقال: (أنا بين خيرتين) قال: "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللَّه لهم"، فصلى عليه فنزلت: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} (¬3) (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [110/ 4] المسألة العاشرة بعد المائة: الغالية الذين يعتقدون الإلهية والنبوة في علي -رضي اللَّه عنه- وغيره يقتلون. • المراد بالمسألة: ذكر المصنفون لفِرق المقالات كابن حزم أن الشيعة على طوائف منها الغالية، سموا بالغالية لغلوهم في علي -رضي اللَّه عنه-، حتى اعتقدوا فيه الإلهية أو النبوة، كما قال ابن حزم: "أما الغالية من الشيعة فهم قسمان: قسم أوجبت النبوة بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لغيره. والقسم الثاني: أوجبوا الإلهية لغير اللَّه عز وجل، فلحقوا بالنصارى ¬
واليهود، وكفروا أشنع الكفر" (¬1)، وهذا المعتقد كفر مخرج من الملة. وكذا كل من اعتقد أن ثمة إلها غير اللَّه تعالى، أو أن ثمة نبيًا من هذه الأمة غير محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقد كفر كفرًا مخرجا من الملة. • من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "الغالية يُقتلون باتفاق المسلمين، وهم الذين يعتقدون الإلهية والنبوة في علي وغيره" (¬2). وقال أيضا: "أما الغالية في علي -رضي اللَّه عنه- فقد اتفق الصحابة وسائر المسلمين على كفرهم" (¬3). • مستند الإجماع: المسألة جلية من حيث الدليل، فأما كفر من ادعى الإلهية فإن النصوص مستفيضة في تقرير ذلك، بل إن أصل دعوة جميع الرسل كانت لتقرير هذا الأمر ومنه: 1 - قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)} (¬4). 2 - قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)} (¬5). 3 - قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)} (¬6). 4 - قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)} (¬7). ¬
[111/ 4] المسألة الحادية عشرة بعد المائة: من سب الله وجب قتله.
5 - قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)} (¬1). 6 - قال تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} (¬2). 7 - قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} (¬3). 8 - قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65)} (¬4). والآيات في هذا الباب كثيرة. وأما ادعاء النبوة لغير محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسبق في أول الفصل بيان الأدلة من الكتاب والسنة على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خاتم النبيين، وأنه لا نبي بعده، وكفر من خالف ذلك.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [111/ 4] المسألة الحادية عشرة بعد المائة: من سب اللَّه وجب قتله. • المراد بالمسألة: إذا سب المسلم ربه عز وجل فإنه يكون مرتدًا بذلك، سواءً كان جادًا في سبه أو هازلًا، ويجب قتله، ما لم يتب. ويتبين مما سبق أنه لو تاب فقتله حينئذ محل خلاف، وهو غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال القاضي عياض (544 هـ): "لا خلاف أن ساب اللَّه تعالى من المسلمين كافر حلال الدم" (¬5) وقال ابن تيمية (728 هـ): "فصل: فيمن ¬
[112/ 4] المسألة الثانية عشرة بعد المائة: اعتقاد أن السحرة أولياء كفر.
سب اللَّه تعالى: . . . فإن كان مسلمًا وجب قتله بالإجماع؛ لأنه بذلك كافر مرتد" (¬1). ويضاف إلى ذلك من نقل الإجماع على كفر من سب اللَّه تعالى، إذ يلزم من كفره أن يأخذ حكم المرتد، فإذا لم يتب ويسلم فإنه يقتل. وممن نقل الإجماع في كفر من سب اللَّه تعالى: قال إسحاق بن راهويه (238 هـ): "أجمع المسلمون على أن من سب اللَّه تعالى، أو سب رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو دفع شيئًا مما أنزل اللَّه تعالى، أو قتل نبيًا من أنبياء اللَّه عز وجل، أنه كافر بذلك، وإن كان مقرًا بكل ما أنزل اللَّه" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أن الاستهزاء باللَّه تعالى كفر، وسبه تعالى نوع من الاستهزاء به، فهو كفر، يوجب القتل ردة. 2 - إجماع أهل العلم على كفر من سب اللَّه تعالى، مما ينتج عنه أنه يأخذ حكم المرتد بوجوب القتل.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [112/ 4] المسألة الثانية عشرة بعد المائة: اعتقاد أن السحرة أولياء كُفر. • المراد بالمسألة: من اعتقد أن السحرة أولياء للَّه تعالى، وأن ما يفعلونه من التخييل سببه ولايتهم للَّه تعالى، فإن ذلك كفر. ¬
[113/ 4] المسألة الثالثة عشرة بعد المائة: ولد المرتدين يكون كافرا.
• من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "فمن اعتقد أن هؤلاء -أي السحرة- أولياء فهو كافر مرتد عن الإسلام باتفاق أئمة الإسلام" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن الولاية لا تكون إلا لمن جمع الإيمان والتقوى، كما قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)} (¬2)، وقد دل القرآن على أن السحر كفر مخرج من الملة كما قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)} (¬3). والنصوص من الكتاب والسنة مستفيضة على تحريم السحر، وأن تعلمه كفر، وعلى هذا أجمع أهل العلم كما سبق بيانه (¬4)، ومن اعتقد أو السحرة أولياء للَّه تعالى فقد كذب القرآن والسنة، وذلك كفر.Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [113/ 4] المسألة الثالثة عشرة بعد المائة: ولد المرتدين يكون كافرًا. • المراد بالمسألة: لو ارتد الأبوان، وكان أصولهما كفارًا، ثم بعد ردتهما حملت المرأة وأتت بمولود أو أكثر، فإن هذا المولود يكون كافرًا، وكذا كل ¬
مولود يأتي بعد ذلك فإنه يكون كافرًا كفرًا أصليًا، ويعامل معاملة الكافر الأصلي. ويتحصل مما سبق أن الولد لو كان موجودًا وقت الردة، أو كان جنينًا في بطن أمه، وكذا لو كانت الردة من أحد الأبوين دون الآخر، وكذا لو كان أحد أصول الجنين على الإسلام، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال النووي (656 هـ): "وولد المرتد إن انعقد قبلها أو بعدها، وأحد أبويه مسلم فمسلم، أو مرتدان فمسلم، وفي قول مرتد، وفي قول كافر أصلي قلت: الأظهر مرتد، ونقل العراقيون الاتفاق على كفره" (¬1). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن المولود قد ولد بين أبوين كافرين، فيحكم بكفره كما لو ولد بين أبوين كافرين في الأصل (¬2). • المخالف للإجماع: ذهب الشافعية في المنصوص (¬3) إلى أنه يكون مسلمًا، وفي قول آخر للشافعية أنه مرتد (¬4). • دليل المخالف: أما من قال بأنه مسلم؛ فعلته بقاء علقة الإسلام في أبويه. وأما من قال بأنه يكون مرتدًا؛ فعلته أن يكون تبعًا لأبويه (¬5).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، وما نقله العراقيون من الاتفاق فيه يُراد به في المذهب الشافعي القديم حين كان في العراق (¬6). ¬
[114/ 4] المسألة الرابعة عشرة بعد المائة: من أشرك بالله تعالى فقد كفر
[114/ 4] المسألة الرابعة عشرة بعد المائة: من أشرك باللَّه تعالى فقد كفر (¬1). • المراد بالمسألة: من جعل للَّه تعالى شريكًا في ربوبيته، بأن زعم أن مع اللَّه خالقأ، أو رازقًا، أو غير ذلك من أمور ربوبيته، أو أشرك باللَّه تعالى في ألوهيته، بأن صرف لغير اللَّه تعالى شيئًا من أنواع العبادة، كالدعاء، أو النذر، أو الذبح، أو غيرها، فكل ذلك كفر (¬2). • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "ومن الشرك أن يدعو العبد غير اللَّه كمن يستغيث في المخاوف، والأمراض، والفاقات، بالأموات والغائبين، فيقول: يا سيدي الشيخ فلان، لشيخ ميت أو غائب، فيستغيث به، ويستوصيه، ويطلب منه ما يطلب من اللَّه، من النصر والعافية؛ فإن هذا من الشرك الذي حرمه اللَّه ورسوله باتفاق المسلمين" (¬3). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "من أشرك باللَّه تعالى كفر إجماعًا" (¬4). ¬
• مستند الإجماع: الأدلة على مسالة الباب متضافرة من الكتاب والسنة، فمن ذلك: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} (¬1). 2 - قول اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} (¬2). 3 - بيَّن تعالى أنه لم ينكر توحيد الربوبية إلا نزر من المكابرين المعاندين، المنكرين لما هو متقرر في فطرهم؛ ومن أشهر من عرف بذلك فرعون الذي قال لقومه كما أخبر اللَّه عنه: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)} (¬3)، وقال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (¬4)، وكان كلامه هذا مكابرة ومعاندة مع قرارة نفسه بربوبيته تعالى، كما قال سبحانه على لسان موسى عليه السلام: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)} (¬5)، وقال سبحانه وتعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (¬6). 4 - قد بين تعالى أن شرك المشركين إنما كان في توحيد الألوهية دون الربوبية، حيث كانوا يقرون بأن اللَّه تعالى هو الخالق، الرازق، المحيي، المميت، ولم ينفعهم ذلك؛ لإشراكهم معه غيره في حقوقه جل وعلا، ومن تلك الآيات ما يلي: أ- قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ ¬
الْعَلِيمُ (9)} (¬1). ب- قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)} (¬2). ج- قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)} (¬3). د- قال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (¬4)، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذا المعنى. 5 - أن اللَّه تعالى أمر لإخلاص العبادات له في أكثر من آية ومنها: أ- قوله تعالى: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)} (¬5). ب- قوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)} (¬6). ج- قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} (¬7). د- قوله تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (¬8).Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[115/ 4] المسألة الخامسة عشرة بعد المائة: من زعم أن الأرواح بعد موتها تنتقل إلى أجساد أخرى فهو كافر.
[115/ 4] المسألة الخامسة عشرة بعد المائة: من زعم أن الأرواح بعد موتها تنتقل إلى أجساد أخرى فهو كافر. • المراد بالمسألة: من المقرر شرعًا الإنسان إذا مات فإن روحه إما إلى نعيم أو عذاب، وثمة طائفة تنكر ذلك وترى أن الإنسان إذا مات انتقلت روحه إلى كائن آخر، وذلك كفر. وهذا يُعرف عند أهل العلم بتناسخ الأرواح: وهي عقيدة شاع أمرها بين الهنود وغيرهم من الأمم القديمة، مؤداها أن روح الميت تنتقل إلى حيوان أعلى أو أقل منزلة؛ لتنعم أو تعذب، جزاء على سلوك صاحبها الذي مات، وأصحاب هذه العقيدة لا يقولون بالبعث، ويسمى أيضًا: "تقمص الروح" (¬1). • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "أما من زعم أن الأرواح تنقل إلى أجساد أخر فهو قول أصحاب التناسخ، وهو كفر عند جميع أهل الإسلام" (¬2). وقال ابن جزي (741): "لا خلاف في تكفير من نفى الربوبية أو الوحدانية. . . أو قال بالحلول، أو التناسخ" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: أن القول بالتناسخ يستند إلى الإيمان بخلود الروح، وإنكار البعث، وإنكار ¬
[116/ 4] المسألة السادسة عشرة بعد المائة: من اعتقد أنه يسعه الخروج عن شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك كفر مخرج من الملة.
ثواب الآخرة وعقابها من عذاب القبر ونعيمه، الجنة والنار، وغير ذلك مما يتعلق بأمور الآخرة وذلك كفر كما قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)} (¬1). وقد دل الكتاب والسنة والإجماع أن الإيمان بالبعث واليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة، فإنكارها كفر مخرج من الملة، كما سبق بيانه (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [116/ 4] المسألة السادسة عشرة بعد المائة: من اعتقد أنه يسعه الخروج عن شريعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذلك كفر مخرج من الملة. • المراد بالمسألة: الواجب على المسلم اتباع شرع محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، أما من اعتقد أنه يمكنه الخروج عن شريعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيكون على دين اليهودية، أو النصرانية، أو غيرها من الأديان، أو يشرع لنفسه شرعًا جديدًا، فكل ذلك كفر مخرج من الملة، ولو كان فاعله يشهد بأنه لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، فإن تلك الشهادة غير كافية في الدخول في الإسلام. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أنه يقاتل من خرج عن شريعة الإسلام، وإن تكلم بالشهادتين" (¬3). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} (¬4). ¬
[117/ 4] المسألة السابعة عشرة بعد المائة: من أنكر الإسلام، أو الشهادتين، أو أحدهما كفر.
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أن من سلك غير ما شرعه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فإنه باطل لا يقبل. 2 - قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (¬1). • وجه الدلالة: أخبر تعالى أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أكمل الدين، وأن هذا الدين هو الذي رضيه اللَّه تعالى لنا، فالخروج عنه خروج عمَّا رضيه اللَّه لأمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-. 3 - عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) (¬2). وفي لفظ لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) (¬3). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن إحداث شيء في الشرع بلا دليل، وأن كل محدث ليس من شرع محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو مردود لا يُقبل، والخروج عن شريعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- من أشد الأمور المحدثة التي لم يأت بها الشرع. 4 - من النظر: أن في تجويز الخروج عن شريعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سبيل لإبطال الشرع، وذلك كفر.Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [117/ 4] المسألة السابعة عشرة بعد المائة: من أنكر الإسلام، أو الشهادتين، أو أحدهما كفر. • المراد بالمسألة: من أنكر الشهادة بأنه لا إله إلا اللَّه، أو أنكر شهادة أن محمد رسول اللَّه، فقد كفر باللَّه تعالى. ¬
• من نقل الإجماع: قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "فمن أقر بالإسلام ثم أنكره، وأنكر الشهادتين، أو أحداهما، كفر بغير خلاف" (¬1)، ونقله عنه ابن قاسم (¬2). وقال القاري (1014 هـ): "كلمة التوحيد وهي لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه؛ للإجماع على أنه لا يعتد في الإسلام بتلك وحدها" (¬3). وكذا قاله المباركفوري بنفس أحرف القاري (¬4). • مستند الإجماع: أما من أنكر شهادة أنه لا إله إلا اللَّه فيدل على كفره ما يلي: 1 - قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} (¬5). والآيات الدالة على أن اللَّه تعالى أرسل الرسل لتحقيق هذه الشهادة، كثيرة جدًا. 2 - قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} (¬6). 3 - قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} (¬7). أما شهادة أن محمد رسول اللَّه فيدل عليها ما يلي: 1 - قول اللَّه تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} (¬8). 2 - قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ¬
[118/ 4] المسألة الثامنة عشرة بعد المائة: من بلغته رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- يؤمن به فهو كافر.
وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} (¬1). 3 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)} (¬2). ونصوص الشريعة متواترة على وجوب الشهادتين، ولذا كان الإقرار بالشهادتين واجب بالإجماع، بل هو أول الواجبات، خلافًا لما عليه بعض أهل المقالات من الأشاعرة ونحوهم، قال ابن أبي العز (¬3): "أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقيب بلوغه، بل يؤمر بالطهارة، والصلاة، إذا بلغ أو ميز عند من يرى ذلك، ولم يوجب أحد منهم على وليه أن يخاطبه حينئذ بتجديد الشهادتين، وإن كان الإقرار بالشهادتين واجبًا باتفاق المسلمين" (¬4).Rلم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [118/ 4] المسألة الثامنة عشرة بعد المائة: من بلغته رسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يؤمن به فهو كافر. • المراد بالمسألة: من بلغه أن اللَّه تعالى أرسل رسولًا لهذه الأمة يجب اتباعه، لكنه لم يؤمن بذلك فإن هذا كفر. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "ثبت بالكتاب ¬
[119/ 4] المسألة التاسعة عشرة بعد المائة: من استحل محاربة الله تعالى ومحاربة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر.
والسنة والإجماع أن من بلغته رسالة النبي فلم يؤمن به فهو كافر، لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) (¬2). كما تدل عليه النصوص الدالة على أن شريعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ناسخة لجميع الشرائع (¬3).Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [119/ 4] المسألة التاسعة عشرة بعد المائة: من استحل محاربة اللَّه تعالى ومحاربة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو كافر. • المراد بالمسألة: لو أن شخصًا حارب اللَّه تعالى ورسوله بأي نوع من أنواع المعاصي المجمع عليها كالسرقة، أو الزنى، أو شرب الخمر، أو أكل الربا، أو نحو ذلك، وهو مستحل لذلك من غير تأويل سائغ، فإن فعله ذلك كفر. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "أما قول ابن جريج: "ما نعلم أحدًا حارب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا أشرك" فإن محاربة اللَّه تعالى ومحاربة رسوله -عليه السلام- تكون على وجهين: ¬
أحدهما: من مستحل لذلك، فهو كافر بإجماع الأمة كلها، لا خلاف في ذلك إلا ممن لا يعتد به في الإسلام. وتكون من فاسق عاص معترف بجرمه، فلا يكون بذلك كافرًا" (¬1). • مستند الإجماع: مما يدل على كفر من استحل ما حرمه تعالى أدلة منها: 1 - قول اللَّه عز وجل: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (¬2). قال القرطبي: "دلت الآية على أن من استحل شيئًا مما حرم اللَّه تعالى صار به مشركًا" (¬3). 2 - قول اللَّه تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} (¬4). وليس المراد بالآية أنهم كانوا يعبدون أحبارهم ورهبانهم، ولكنهم كانوا إذا أحل رهبانهم شيئًا استحلوا، وإذا حرموا شيئًا حرموه، فتلك عبادتهم لهم، كما جاء ذلك مبينًا عند الترمذي فيما أخرجه عن عدى بن حاتم قال: أتيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وفى عنقي صليب من ذهب، فقال: (يا عدي اطرح عنك هذا الوثن)، وسمعته يقرأ في سورة براءة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (¬5)، قال: (أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموه) (¬6).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
[120/ 4] المسألة العشرون بعد المائة: من شك في كفر الكافر كفر.
[120/ 4] المسألة العشرون بعد المائة: من شك في كفر الكافر كفر. • صورة المسألة: جاءت نصوص الشريعة بالنص على كفر أشخاص وأنهم من أهل النار كفرعون وهامان، فمن نص الشرع على كفره وجب الجزم بأنه كافر من أهل النار، ومن شك في كفره فإنه كافر إذا توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع. وينبه هنا إلى أن من قام فيه موجب الكفر بعمل أو قول كفري، فإن عدم تكفير ذلك الشخص أو الشك في كفره غير مراد في مسألة الباب (¬1). • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "كُفْر فرعون، وموته كافرا، وكونه من أهل النار هو مما علم بالاضطرار من دين المسلمين، بل ومن دين اليهود والنصارى، فإن أهل الملل الثلاثة متفقون على أنه من أعظم الخلق كفرًا، ولهذا لم يذكر اللَّه تعالى في القرآن قصة كافر كما ذكر قصته في بسطها وتثنيتها، ولا ذكر عن كافر من الكفر أعظم مما ذكر من كفره واجترائه وكونه أشد الناس عذابًا يوم القيامة. ولهذا كان المسلمون متفقين على أن من توقف في كفره وكونه من أهل النار فإنه يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرًا مرتدًا" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن نصوص الشريعة جاءت بالنص على كفر جملة من أعيان الناس ومن ذلك: 1 - قول اللَّه تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} (¬3). 2 - قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ ¬
وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نص على كفر أبي لهب (¬2) وامرأته (¬3) في الدليل الأول، وفي الدليل الثاني نص على كفر فرعون وهامان وقارون، فمن شك في كفر هؤلاء فقد شك في القرآن. 3 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بقتل كعب بن الأشرف؛ لأنه آذى اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما في الصحيحين من حديث جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى اللَّه ورسوله)؟ فقال محمد بن مسلمة: يا رسول اللَّه أتحب أن أقتله، قال: (نعم)، قال: ائذن لي فلْأقل، قال: (قل)، فأتاه فقال له -وذكر ما بينهما- وقال: إن هذا الرجل قد أراد صدقة، وقد عنانا، فلما سمعه قال: وأيضًا واللَّه لتملنه، قال: إنا قد اتبعناه الآن، ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره، قال: وقد أردت أن تسلفني سلفًا، قال: فما ترهنني، قال: ما تريد، قال: ترهنني نساءكم، قال: أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا؟ قال له: ترهنوني أولادكم، قال: يُسب ابن أحدنا فيقال رُهن ¬
في وسقين من تمر، ولكن نرهنك اللْأمة -يعني السلاح-، قال: فنعم، وواعده أن يأتيه بالحارث، وأبي عبس بن جبر، وعباد بن بشر، قال: فجاءوا فدعوه ليلًا، فنزل إليهم، فقالت له امرأته: إني لأسمع صوتًا كأنه صوت دم، قال: إنما هذا محمد بن مسلمة، ورضيعه وأبو نائلة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلًا لأجاب، قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه، فإذا استمكنت منه فدونكم، قال: فلما نزل نزل وهو متوشح، فقالوا: نجد منك ريح الطيب، قال: نعم، تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب، قال: فتأذن لي أن أشم منه، قال: نعم فشُم، فتناول فشَم ثم قال: أتأذن لي أن أعود، قال: فاستمكن من رأسه ثم قال: دونكم، قال: فقتلوه" (¬1). 4 - سعيد بن المسيب عن أبيه (¬2) أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب (¬3) الوفاة، جاءه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجد عنده أبا جهل بن هشام (¬4)، وعبد اللَّه بن أمية بن ¬
المغيرة (¬1)، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي طالب: (يا عم قل لا إله إلا اللَّه كلمة أشهد لك بها عند اللَّه) فقال أبو جهل وعبد اللَّه بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعرضها عليه، ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا اللَّه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أما واللَّه لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) فأنزل اللَّه تعالى فيه: {مَا كَاَنَ لِلنِبيِّ. . .} [التوبة: 113] الآية (¬2). • وجه الدلالة: الأحاديث جاءت صريحة صحيحة بكفر أناس معيَّنين، فالحديث الأول نص على كفر كعب بن الأشرف، والحديث الأول نص على كفر أبي طالب، فمن شك في كفر هؤلاء فقد شك الأحاديث الصحيحة، وهذا قدح في الشرع، وتكذيب له.Rلم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي واللَّه أعلم أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. ¬
الفصل الرابع مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد الردة
الفصل الرابع مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد الردة [121/ 4] المسألة الحادية والعشرون بعد المائة: من أسلم أبواه، وهو صغير في حجرهما لم ييلغ، فإنه مسلم بإسلامهما. • المراد بالمسألة: إذا وجد أبوان على غير دين الإسلام، من يهودية، أو نصرانية، أو مجوسية، أو غير ذلك، ولهما أولاد لم يبلغوا الحلم، فإنه إذا أسلم الأبوان حكم بإسلام الأولاد، الذين في حجرهم، فيتوارثون فيما بينهم، ويدفنون في مقابر المسلمين، إلى غير ذلك من أحكام الإسلام. ويتبين من هذا أنه لو أسلم أحد الأبوين، أو كان إسلام الأبوين بعد بلوغ الولد، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب، وكذا لو لم يكن الولد في حجرهم، بأن سبي الوالدان مثلًا، ثم أسلما في سبيهما، فإن الحكم لإسلام ولدهما الذي ليس في حجرهما، أو عدم إسلامه، ليس من مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من أسلم أبواه، وهو صغير في حجرهما لم يبلغ، أنه مسلم بإسلامهما" (¬1). • مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن الولد لا بد أن يكون له دين يُعرف، حتى تقام في حقه الأحكام الشرعية التي تختلف من المسلم للكافر، كمكان دفنه إذا مات، وكإرثه من غيره، وإرث غيره منه. . . إلخ، إلى غير ذلك من المسائل، وأقرب من يلتحق بدينهما أبويه (¬2).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، لكن ينبه إلى أنه لا يلزم من الحكم ¬
[122/ 4] المسألة الثانية والعشرون بعد المائة: حاكي الكفر لا يكفر.
بإسلامه أنه لو بلغ واختار غير دين الإسلام أنه يأخذ ذلك حكم المرتد، فإن هذه مسألة خلافية ليست مقصودة في الباب، وقد نبه عليه ابن حزم فقال: "اختلفوا أيُقتل إن أبى الإسلام بعد بلوغه وقد أسلم قبل ذلك أبواه معًا أم لا يُقتل" (¬1). [122/ 4] المسألة الثانية والعشرون بعد المائة: حاكي الكفر لا يكفر. • المراد بالمسألة: لو قال أحد الأشخاص مقالة حكاها عن غيره، كأن يكون فيها استهزاء بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان قالها على وجه الشهادة عليه بأنه قال ذلك، أو على وجه تنقص القائل، وكشف أمره، أو لغير ذلك من الأغراض الشرعية إن حاكي المقولة لا يكفر. ويتبين من ذلك أنه إن حكاها عن غيره على وجه التفكه، والتسلي، والتنقص من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن مفلح (763 هـ): "ولا يكفر من حكى كفرًا سمعه ولا يعتقده، ولعل هذا إجماع" (¬2)، ونقله عنه البهوتي (¬3)، وابن قاسم (¬4). وقال ابن المرتضى (840 هـ) فقال: "لا يكفر حاكي الكفر إجماعًا" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا ¬
[123/ 4] المسألة الثالثة والعشرون بعد المائة: التكفير المطلق لا يلزم منه تكفير المعين إي إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع.
هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حكى عن اليهود والنصارى قول الكفر، واستعمال هذا في القرآن كثير، مما يدل على جواز مثل ذلك. 2 - ما في الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (للَّه أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) (¬2). • وجه الدلالة: بين القاضي عياض وجه الدلالة من ذلك فقال: "في قوله: "قال من شدة الفرح. . . إلى آخره" فيه أن ما قاله الإنسان من قبيل هذا من دهش وذهول غير مؤاخذ به وكذلك حكايته عنه على طريق علمي، وفائدة شرعية، لا على الهزء والمحاكاة والعيب لحكاية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إياه، ولو كان منكرًا ما حكاه" (¬3). 3 - أن حاكي القول لا ينسب القول إليه، بل القول منسوب إلى القائل الأصلي، لا إلى الحاكي.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [123/ 4] المسألة الثالثة والعشرون بعد المائة: التكفير المطلق لا يلزم منه تكفير المعين إي إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. • المراد بالمسألة: تقرر في الشريعة الإسلامية أن ثمة أمورًا ينتقض بها ¬
الإسلام، ويُحكم على صاحبها بالكفر، إلا أن الحكم بالتكفير المطلق لا يلزم منه تكفير المعين الذي فعل ما يوجب الكفر إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه. فمثلًا: القول بالحلول كفر (¬1)، لكن من قال بالحلول فإنه لا يُحكم بكفره إلا إذا توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع. أما شروط التكفير وموانعه فهو مما يطول الكلام فيه، لكن أذكره على سبيل الإجمال فيما يلي: • أولًا: توفر الشروط: لا يتحقق في الشخص المعيَّن أنه كافر بعينه على إذا توفرت فيه شرط التكفير، بلوغ الحجة إليه بأن ذلك الفعل كفر مخرج من الملة. فيشترط لتكفير المعين قيام الحجة عليه بأن تكون قد بلغته الرسالة، والأدلة على شرطية بلوغ الرسالة كثيرة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (¬2). 2 - قول اللَّه تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)} (¬3). 3 - قول اللَّه تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} (¬4). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الكتاب والسنة قد دلا على أن اللَّه لا يعذب أحدًا إلا بعد إبلاغ الرسالة، فمن لم تبلغه جملة لم يعذبه رأسًا، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل لم يعذبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية. . . فمن قد آمن باللَّه ورسوله، ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول، فلم يؤمن به تفصيلًا، أما ¬
أنه لم يسمعه، أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنى آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به، فهذا قد جعل فيه من الإيمان باللَّه ورسوله ما يوجب أن اللَّه عليه، وما لم يؤمن به لم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها" (¬1). • ثانيًا: انتفاء الموانع: لا يُحكم على شخص بالكفر المعيَّن إلا إذا انتفت منه موانع التكفير وهي: • أولًا: الجهل، فمن كان حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية، وفعل فعلًا كفريًا مما معلوم من الدين بالضرورة كأن استحل الزنى، فهذا يُعذر الجهل، ولا يُحكم بكفره لقيام المانع فيه، قد حكى ابن تيمية اتفاق الأئمة على ذلك حيث قال: "وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث اللَّه به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيرًا مما بعث اللَّه به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول، ولهذا جاء في الحديث: (يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا زكاة) (¬2) " (¬3). ¬
ولذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية في مناظراته يقول: "كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاه الذين نفوا أن اللَّه تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافرًا، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال" (¬1). وحكى ابن حزم أنه لا خلاف أن المرء يعذر بالجهل حيث قال: "ولا خلاف في أن امرءًا لو أسلم، ولم يعلم شرائع الإسلام، فاعتقد أن الخمر حلال، وأن ليس على الإنسان صلاة، وهو لم يبلغه حكم اللَّه تعالى لم يكن كافرًا بلا خلاف يعتد به، حتى إذا قامت عليه الحجة، فتمادى، حينئذ بإجماع الأمة فهو كافر" (¬2). ومن أدلة العذر بالجهل: 1 - ما في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أسرف رجل على نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم اذروني في الريح في البحر؛ فواللَّه لئن قدر علي ربي ليعذِّبني عذابًا ما عذبه به أحد، قال: ففعلوا ذلك به، فقال للأرض: أدِّي ما أخذت، فإذا هو قائم، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتك يا رب -أو قال: مخافتك- فغفر له بذلك) (¬3). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهذا الرجل ظن أن اللَّه لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك، وكل واحد من إنكار قدرة اللَّه تعالى، وإنكار معاد الأبدان وإن تفرقت كفر، لكنه كان مع إيمانه باللَّه وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلًا بذلك، ضالًا في هذا الظن مخطئًا، فغفر اللَّه له ذلك، والحديث صريح في أن الرجل طمع أن لا يعيده إذا فعل ذلك، وأدنى هذا أن يكون شاكًا في ¬
المعاد، وذلك كفر إذا قامت حجة النبوة على منكره حكم بكفره. . . " (¬1). وقال في موضع آخر: "فهذا الرجل كان قد وقع له الشك، والجهل في قدرة اللَّه تعالى على إعادة ابن آدم بعدما أحرق وذري، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك، وهذان أصلان عظيمان: "أحدهما" متعلق باللَّه تعالى، وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير. "والثاني": متعلق باليوم الآخر، وهو الإيمان بأن اللَّه يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله، ومع هذا فلما كان مؤمنًا باللَّه في الجملة، ومؤمنًا باليوم الآخر في الجملة، وهو أن اللَّه يثيب ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملًا صالحًا -وهو خوفه من اللَّه أن يعاقبه على ذنوبه- غفر اللَّه له بما كان فيه من الإيمان باللَّه واليوم الآخر والعمل الصالح" (¬2). وقال الخطابي: "قد يستشكل هذا فيقال: كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى؟ والجواب أنه لم ينكر البعث دائما جهل فظن أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب، وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية اللَّه" (¬3). وقال ابن عبد البر: "وأما جهل هذا الرجل المذكور في هذا الحديث بصفة من صفات اللَّه في علمه وقدرته، فليس ذلك بمخرجه من الإيمان. . . " ثم استدل على ذلك بسؤال الصحابة رضي اللَّه عنهم عن القدر ثم قال: "ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك وهم جاهلون به، وغير جائز عند أحد من المسلمين أن يكونوا بسؤالهم عن ذلك كافرين، . . . ولم يضرهم جهلهم به قبل أن يعلموه" (¬4). وقال ابن حزم بعدما ذكر الحديث: "فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن اللَّه ¬
عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه، وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله" (¬1). وقال ابن القيم في معرض حديثه عن حكم من جحد فرضًا من فرائض الإسلام: "وأما من جحد ذلك جهلًا، أو تأويلًا يعذر فيه صاحبه: فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة اللَّه عليه، وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، ومع هذا فقد غفر اللَّه له، ورحمه لجهله، إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه ولم يجحد قدرة اللَّه على إعادته عنادًا أو تكذيبًا" (¬2). وقال ابن الوزير: "وإنما أدركته الرحمة لجهله وإيمانه باللَّه والمعاد ولذلك خاف العقاب، وأما جهله بقدرة اللَّه تعالى على ما ظنه محالًا فلا يكون كفرًا إلا لو علم أن الأنبياء جاءوا بذلك وأنه ممكن مقدور ثم كذبهم أو أحدًا منهم لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (¬3)، وهذا أرجى حديث لأهل الخطأ في التأويل" (¬4). 2 - ومن الأدلة أيضًا على العذر بالجهل عن أبي واقد الليثي -رضي اللَّه عنه- (¬5) قال: خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى حنين ونحن حديثو عهد بكفر -وكانوا أسلموا يوم الفتح- قال: فمررنا بشجرة قلنا: يا رسول اللَّه اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط (¬6)، وكان للكفار سدرة يعفكون حولها ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط فلما قلنا ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اللَّه أكبر قلتم ¬
والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (¬1) لتركبن سنن من كان قبلكم) (¬2). قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب: "لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا، وهذا هو المطلوب، ولكن القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك وهو لا يدري عنها فتفيد لزوم التعلم والتحرز. . . وتفيد أيضًا أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬3). • ثانيًا: الخطأ والنسيان، فمن فعل فعلًا كفريًا خطأ أو نسيانًا فإنه لا يُحكم بكفره لقيام المانع، ويدل على ذلك أدلة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (¬4). وثبت في صحيح مسلم أن اللَّه سبحانه استجاب لهذا الدعاء فقال سبحانه: فقد فعلت (¬5). 2 - عن أبي ذر الغفاري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) (¬6). 3 - عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (للَّه أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، ¬
وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) (¬1). • ثالثًا: الإكراه، فمن أُكره على الكفر فإنه لا يُحكم بكفره لقيام المانع، ويدل على ذلك قول اللَّه تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} (¬2) (¬3). • رابعًا: التأويل، المراد بالتأويل هنا التأويل السائغ الذي له وجه في لسان العرب، كما قال ابن حجر: "قال العلماء: كل متأول معذور بتأويله ليس بآثم، إذا كان تأويله سائغًا في لسان العرب، وكان له وجه في العلم" (¬4). فمن اعتقد ما هو كفر بتأويل سائغ، فإنه لا يحكم بكفره، لقيام المانع، وهذا كمن ينكر الصفات ويتأول نصوص الشرع بتأويلات لها احتمالها في اللغة مثلًا، كمن يؤول صفة اليد بالنعمة، وصفة الغضب بإرادة الانتقام، ونحو ذلك. قال ابن حزم: "ومن بلغه الأمر عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من طريق ثابتة، وهو مسلم، فتأول في خلافه إياه، أو ردّ ما بلغه بنص آخر، فما لم تقم عليه الحجة في خطئه في ترك ما ترك، وفي الأخذ بما أخذ، فهو مأجور معذور، لقصده إلى الحق، وجهله به، وإن قامت عليه الحجة في ذلك، فعاند، فلا تأويل بعد قيام الحجة" (¬5). ¬
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيبًا لما قاله الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئًا" (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيبًا لما قاله الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئًا" (¬2). وقال ابن الوزير: "قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} (¬3) ويؤيد أن المتأولين غير كفار؛ لأن صدورهم لم تنشرح بالكفر قطعًا، أو ظنًا، أو تجويزًا، أو احتمالًا" (¬4). أما التأويل غير السائغ كتأويلات الباطنية لنصوص الشرع فهذا لا يُعذر صاحبه لأنه تكذيب بالشرع جملة، وهي تأويلات ليس لها مسوِّغ من جهة الشرع أو اللغة، كمن يتأوَّل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (¬5) بأن المراد بالبقرة هي عائشة رضي اللَّه عنها. • من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "ثُم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم ¬
يجز الاستغفار لهم؛ فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، وإن اللَّه لا يرى في الآخرة، وقد نُقل عن أحمد ما يدل على أنه كفر به قومًا معينين، فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر، أو يحمل الأمر على التفصيل فيقال: من كفره بعينه؛ فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه. ومن لم يكفره بعينه؛ فلانتفاء ذلك في حقه، هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم. والدليل على هذا الأصل: الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار" (¬1). • مستند الإجماع: يدل على عدم تكفير المعين إلا بتوفر الشروط وانتفاء الموانع ما سبق ذكره من الأدلة في شرط تكفير المعين، والموانع التي بموجبها لا يكفر المعين. ويضاف إليها أن هذا هو فعل السلف رضي اللَّه عنهم كما بيَّنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "وأيضًا فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل واتفقوا على عدم التكفير بذلك، مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي، وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة، وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه. . . وكان القاضي شريح ينكر قراءة من قرأ: {بَلْ عَجِبْتَ}. ويقول: إن اللَّه لا يعجب؛ فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال: إنما شريح شاعر يعجبه علمه، كان عبد اللَّه أفقه منه فكان يقول: {بَلْ عَجِبْتَ}. فهذا قد أنكر قراءة ثابتة وأنكر صفة دل عليها الكتاب والسنة واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة. ¬
[124/ 4] المسألة الرابعة والعشرون بعد المائة: مرتكب الكبيرة والحدود لا يكفر إلا بالشرك.
وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروف القرآن مثل إنكار بعضهم قوله: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} (¬1)، وقال: إنما هي: أو لم يتبين الذين آمنوا، وإنكار الآخر قراءة قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (¬2)، وقال: إنما هي: ووصى ربك، وبعضهم كان حذف المعوذتين، وآخر يكتب سورة القنوت، وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر، ومع هذا فلما لم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا، وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة بالنقل المتواتر" (¬3).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [124/ 4] المسألة الرابعة والعشرون بعد المائة: مرتكب الكبيرة والحدود لا يكفر إلا بالشرك. • المراد بالمسألة: المسلم إذا ارتكب ذنبًا من الصغائر، أو الكبائر التي عليها حدود، أو التي لا حدود عليها، فإنه لا يكفر بمجرد ارتكابه المعصية، سواء تاب منها أو لم يتب، ما لم تكن المعصية من الشرك الأكبر المخرج عن الملة. ويتحصل مما سبق أن المعصية إن لم تكن مجرد فعل بأن كان معها اعتقاد استحلال، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال الترمذي (279 هـ): "لا نعلم أحدًا كفَّر أحدًا بالزنا، أو السرقة، وشرب الخمر" (¬4). وقال أبو الحسن الأشعري (324 هـ): "وأجمعوا على أن المؤمن باللَّه تعالى وسائر ما دعاه النبي إلى الإيمان به لا يخرجه عنه شيء من المعاصي، ولا يحبط إيمانه إلا الكفر، وأن العصاة من أهل القبلة ¬
مأمورين بسائر الشرائع، غير خارجين عن الإيمان بمعاصيهم" (¬1). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم، وإن كانوا أصحاب كبائر" (¬2). وقال النووي (676 هـ): "إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك، بل هم المؤمنون ناقصوا الإيمان، إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة، فإن شأن اللَّه تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولًا، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة" (¬3)، ونقله عنه العراقي (¬4)، المباركفوري (¬5). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "أئمة المسلمين أهل المذاهب الأربعة وغيرهم مع جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان متفقون على أن المؤمن لا يكفر بمجرد الذنب" (¬6). وقال ابن أبي العز الحنفي (792 هـ): "أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرًا ينقل عن الملة بالكلية" (¬7). وقال ابن حجر (852 هـ): "إجماع أهل السنة على أن مرتكب الكبائر لا يكفر إلا بالشرك" (¬8). • مستند الإجماع: أما أدلة مسألة الباب فكثيرة منها: 1 - قول اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ ¬
يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} (¬1). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أن ما دون الشرك من المعاصي فإنه تحت مشيئته سبحانه، إن شاء غفر، وإن شاء عاقب، فلو كانت الكبائر كفرًا وصاحبها كافرًا ما كان أهلًا للمغفرة؛ لأنه قد تقرر أن الكفر لا يغفره اللَّه تعالى، ولا يصح حمل الآية على التائب؛ لأن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وما دونه من المعاصي (¬2). 2 - قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)} (¬3). • وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى خاطب المؤمنين في الآية وبين سبحانه أن القاتل عمدًا، وولي المقتول أخوان، والأخوة ليست إلا لمن معه إيمان، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬4) (¬5). 3 - قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)} (¬6). • وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه جعل المعاصي ضروبًا، منها الكفر، ومنها الفسوق، ومنها العصيان، فعلم تغايرها وإلا لم يكن للعطف فائدة (¬7)، وفي ذلك يقول محمد بن نصر المروزي: "لما كانت المعاصي بعضها كفرًا وبعضها ¬
ليس بكفر، فرق بينهما، فجعلها ثلاثة أنواع: نوع منها كفر، ونوع فسق وليس بكفر، ونوع عصيان وليس بكفر ولا فسوق، وأخبر أنه كرهها كلها إلى المؤمنين، ولما كانت الطاعات كلها داخلة في الإيمان وليس شيء منها خارجًا منه لم يفرق بينهما فيقول: حبب الإيمان والفرائض وسائر الطاعات، بل أجمل ذلك فقال: حبب إليكم الإيمان" (¬1). 4 - قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} (¬2). • وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه بين أن الطائفة الباغية على الأخرى مؤمنة مع بغيها واعتدائها (¬3). 5 - قال اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} (¬4). • وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه أمر من يرمي زوجته بالزنا باللعان، مما يدل على أن الرمي والزنا ليس كفرًا، إذ لو كان كفرًا لبانت منه عند رميه؛ لأنه إما أن تكون زانية أو بريئة، فإن كانت زانية كفرت، وتبين منه، وإن كانت بريئة كفر هو برميها وبانت منه لكفره (¬5). ¬
6 - إيجاب حد القطع على السارق في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬1). وكذا حد الجلد في الزاني غير المحصن، كما في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} (¬2). وحد القذف على القاذف في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (¬3). • وجه الدلالة: أن كل واحد من السارق، والزاني، والقاذف قد أتى بكبيرة، ولو كانت السرقة، أو الزنى، أو القذف كفرًا، لأمَر تعالى بقتل أصحابها ردة، ولم يكتف فيه بالجلد أو القطع (¬4). والآيات في الباب كثيرة. 7 - عن عمر بن الخطاب أن رجلًا على عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان اسمه عبد اللَّه، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تلعنوه؛ فواللَّه ما علمت إنه يحب اللَّه ورسوله) (¬5). 8 - عن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مجلس فقال: (تبايعوني على أن لا تشركوا باللَّه شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على اللَّه، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك ¬
فستره اللَّه عليه فأمره إلى اللَّه، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه) (¬1). • وجه الدلالة: بين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن من أصاب معصية وستره اللَّه فأمره إليه، وهو تحت المشيئة، فقد يعفو اللَّه عنه، وقد يعاقبه عليه، وقد تقرر أنه سبحانه لا يعفو عن الكفر (¬2). 9 - أحاديث الشفاعة وهي من الأحاديث المتواترة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمن ذلك ما رواه مسلم من حديث عن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم -أو قال: بخطاياهم- فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحمًا أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر (¬3)، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل) (¬4). والأدلة في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكر تحصيل للمقصود، واللَّه تعالى أعلم.Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل السنة والجماعة، لكن ينبه إلى أن هذا الإجماع في الجملة، وإلا فثمة كبائر الخلاف في تكفير صاحبها مشهور بين أهل العلم، كالحكم بكفر تارك الصلاة. لكن من الفقه أن يعلم بأن الخلاف بين أهل السنة في كفر تارك الصلاة، أو في غيره من الكبائر، مبني على أدلة خاصة تدل على ذلك هي محل نظر واجتهاد لأهل العلم في دلالتها على كفر صاحبها أو لا، أمَّا كون التكفير مرتبط بفعل الكبيرة فهذا الذي أجمع أهل السنة على عدم القول به، وإنما قال به الوعيدية ¬
[125/ 4] المسألة الخامسة والعشرون بعد المائة: لا يكفر من أثبت البسملة في أوائل السور غير سورة براءة، ولا من نفاها.
من الخوارج، القائلين بكفر مرتكب الكبيرة، والمعتزلة، القائلين بأنه منزلة بين المنزلتين، وفي الآخرة هو في النار، وحقيقة هذا القول يؤول إلى قول الخوارج، واللَّه تعالى أعلم. [125/ 4] المسألة الخامسة والعشرون بعد المائة: لا يكفر من أثبت البسملة في أوائل السور غير سورة براءة، ولا من نفاها. • المراد بالمسألة: البسملة الموجودة في أوائل سور القرآن اختلف أهل العلم هل هي آية مستقلة تأتي للفصل بين كل سورتين كما هو مذهب الحنفية والحنابلة، أو هي آية من سورة الفاتحة فقط، ثم هي آية مستقلة في باقي السور كما هو مذهب الشافعية، أو ليست بآية في الفاتحة ولا في غيرها من السور كما هو مذهب المالكية (¬1). وبناء على هذا الخلاف المشهور بين السلف من الصحابة، والتابعين، وأئمة المذاهب الأربعة فإن من قال بأحد هذه الأقوال فأثبت أن البسملة آية من كل سورة، أو قال بأنها ليست آية مطلقًا فكل ذلك من مسائل الاجتهاد في فروع الفقه التي لا يفسق فيها المخالف فضلًا عن أن يكفر. ويتحصل مما سبق أمران: الأول: أن البسملة المرادة في الباب هي المذكورة في أوائل السور، أما البسملة التي في سورة النمل في قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)} (¬2)، فإنها غير داخلة في مسألة الباب؛ إذ لا خلاف بين أهل العلم أنها آية من سورة النمل، وعلى ذلك أجمع أهل العلم كما حكاه ابن ¬
العربي (¬1)، والقرطبي (¬2)، والنووي (¬3)، وغيرهم (¬4). بل قرر النووي أن جحْدها أو نفيها أو جحْد بعضها يدخل ضمن من جحد شيئًا من القرآن (¬5). الثاني: أن سورة براءة ليست داخلة في مسألة الباب، فإن انتفاء البسملة منها محل إجماع بين أهل العلم كما حكاه النووي (¬6). • من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "أجمعت الأمة على أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها" (¬7). وقال الشوكاني (1250 هـ): "الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها؛ لاختلاف العلماء فيها" (¬8). • مستند الإجماع: علة عدم التكفير في مسألة الباب أنها من مسائل فروع الفقه التي يسوغ فيها الاجتهاد، والأدلة فيها محتلمة، وأشار إلى كونها محل اجتهاد جماعة من أهل العلم، منهم القرطبي حيث قال فيها: "المسألة مسألة اجتهادية لا قطعية، كما ظنه بعض الجهال من المتفقهة الذي يلزم على قوله تكفير المسلمين، وليس كما ظن لوجود الاختلاف" (¬9). وقال ابن تيمية: "سواء قيل بالقطع في النفي أو الإثبات، فذلك لا يمنع كونها من موارد الاجتهاد التي لا تكفير ولا تفسيق فيها للنافي ولا للمثبت" (¬10). ¬
[126/ 4] المسألة السادسة والعشرون بعد المائة: لا تصح الردة من سكران لا يعقل.
فالخلاف في مسألة الباب داخل ضمن قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا حكم الحاكم فاجتهد وأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) (¬1).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، وإن كان ثمة طائفة شددت في المسألة وجعلوها مما يقارب مسائل العقائد، وكان من لازم قولهم القول بتكفير المخالف، كما أشار إلى ذلك القرطبي في كلامه السابق، وهذا بلا ريب مسلك غلط، بل نبه شيخ الإسلام ابن تيمية على أنه ليس للمخالف في المسألة أن يخطئ من خالفه فضلًا عن تضليله، فقال: "من قال من الفقهاء أنها واجبة على قراءة من أثبتها، أو مكروهة على قراءة من لم يثبتها، فقد غلط. . . وبهذا يتبين أن من أنكر كونها من القرآن بالكلية إلا في سورة النمل، وقطع بخطأ من أثبتها بناء على أن القرآن لا تثبت إلا بالقطع، فهو مخطئ في ذلك" (¬2). والظاهر أن موجب الاعتناء بمسألة الباب وتشديد من شدد فيها ما يترتب عليها من صحة الصلاة وفسادها، فإن الشافعية ورواية عند الحنابلة يرون وجوب قراءة البسملة مع الفاتحة في الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بذلك (¬3). [126/ 4] المسألة السادسة والعشرون بعد المائة: لا تصح الردة من سكران لا يعقل. • المراد بالمسألة: لو أن ثمة شخص ارتد حال ذهاب عقله بالسكر، فإنه لا يحكم بردته، سواء سكِر باختياره، أو مكرهًا، لحاجة، أو لغير حاجة. ويتبين مما سبق أن السكران إن ارتد حل سكره الذي لا يذهب عقله، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال السرخسي (483 هـ): "السكران لو ارتد لم تصح ¬
ردته بالاتفاق" (¬1). قال القرطبي (671 هـ): "أما السكران الذي لا يعرف الأرض من السماء، ولا الرجل من المرأة، فلا اختلاف في أنه كالمجنون في جميع أفعال وأحواله فيما بينه وبين الناس، وفيما بينه وبين اللَّه تعالى أيضًا" (¬2). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - ما في الصحيحين في حديث طويل في قصة حمزة بن عبد المطلب -رضي اللَّه عنه- (¬3) حينما عقر بعيرَي علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، فشكا عليٌ ذلك إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى دخل على حمزة، فجعل يلومه على ما فعل "فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم صعد النظر، فنظر إلى ركبته، ثم صعد النظر فنظر إلى سرته، ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة: "هل أنتم إلا عبيدٌ لأَبي"، فعرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قد ثمل (¬4)، فنكص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على عقبيه القهقرى، وخرجنا معه" (¬5). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يؤاخذ حمزة -رضي اللَّه عنه- بمقالته: "هل أنتم إلا عبيد لأبي"، مع أنها كفر في ظاهرها؛ إذ هي قدح في النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فترك النبي ¬
-صلى اللَّه عليه وسلم- مؤاخذته لكونه كان قد ذهب عقله بالسكر. 2 - أن السكران داخل في عموم ما رواه الخمسة من حديث علي -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬1). • وجه الدلالة: أن السكران بمنزلة المجنون، إذ كلاهما قد ذهب عقله، فلا يكون مكلفًا (¬2). 3 - علل القائلون بعدم صحة ردة السكران أن الردة تفتقر إلى اعتقاد ونية، والسكران لا يعتقد ما يقوله، بل ربما لا يعقل ما يقوله فضلًا عن أن يعتقده. • المخالفون للإجماع: ذهب بعض أهل العلم إلى أن السكران المتعدي بسكره مؤاخذ بأقواله، وبنوا عليه القول بأن ردة السكران صحيحة، وهو مؤاخذ بردته. وهو مذهب الشافعية (¬3)، ورواية عن الإمام أحمد، هي الصحيحة في مذهبه (¬4). • دليل المخالف: استدل القائلون بردة السكران بما يلي: 1 - أن الصحابة أجمعوا على مؤاخذة السكران بالقذف، وهو دليل على أن أقواله معتبرة. 2 - أن السكران مكلف، وعقله لا يزول كليًا، فهو أشبه بالناعس منه بالنائم أو المجنون (¬5). ¬
[127/ 4] المسألة السابعة والعشرون بعد المائة: من نطق بلفظ لا يدري معناه، وكان معناه كفرا، فلا يؤاخذ به.
Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل اتفاق بين المذاهب الأربعة، فضلًا عن أن تكون محل إجماع؛ للخلاف الثابت فيه عن الشافعية، والحنابلة في رواية. [127/ 4] المسألة السابعة والعشرون بعد المائة: من نطق بلفظ لا يدري معناه، وكان معناه كفرًا، فلا يؤاخذ به. • المراد بالمسألة: إذا تلفظ المسلم بكلمة كفرية فيها معنى يكفر بها صاحبها، لكنه لم يفقه معنى ما يتلفظ به، كأعجمي تلفظ بكلمة عربية كفرية لكنه لا يعلم معناها، أو عربي تلفظ بكلمة أعجمية معناها الكفر، وهو لا يدري، أو نحو ذلك، فإنه لا يحكم بكفره لمجرد من تلفظ به. يتبين مما سبق أنه لو كان يعلم معنى ما يقوله لكنه لم يكن يعتقده، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لم يختلف أحد من الأمة في أن امرأ لو نطق بلفظ لا يدري معناه، وكان معناه كفرًا، أو قذفًا، أو طلاقًا، فإنه لا يؤاخذ بشيء من ذلك" (¬1). • مستند الإجماع: استدل أهل العلم لمسألة الباب: 1 - أن هذا التلفظ من الخطأ الداخل في عموم قول اللَّه تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (¬2). وقد ثبت في صحيح مسلم أن اللَّه تعالى قد أجاب ذلك لأمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما جاء عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: لما نزلت هذه الآية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} (¬3)، قال: دخل قلوبهم منها شيء لم ¬
[128/ 4] المسألة الثامنة والعشرون بعد المائة: إجراء الأحكام الظاهرة على من أظهر الإسلام ولو أسر الكفر.
يدخل قلوبهم من شيء، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (قولوا سمعنا وأطعنا وسلَّمنا) قال: فألقى اللَّه الإيمان في قلوبهم، فأنزل اللَّه تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (¬1)، قال: "قد فعلت"، (¬2) {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، قال: "قد فعلت"، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (¬3)، قال: "قد فعلت" (¬4). 2 - عموم حديث أبي ذر الغفاري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (¬5).Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [128/ 4] المسألة الثامنة والعشرون بعد المائة: إجراء الأحكام الظاهرة على من أظهر الإسلام ولو أسر الكفر. • المراد بالمسألة: وأن شخصًا يدَّعي أنه مسلم، وكان ملتزمًا بأحكام الإسلام الظاهرة، وكان في ظاهره مبطنًا للكفر، وهو ما يسمى بالمنافق، فإنه تجرى عليه الأحكام الظاهرة للمسلم، من عصمة ماله ودمه، وكونه يرث من المسلم، ويرث منه المسلم، ويُغسَّل إذا مات، ويكفَّن، ويصلى عليه، وما إلى ذلك من أحكام المسلم، ما لم يظهر منه ما يدل على كفره. ويتبين مما سبق أنه لو كان مظهرًا ما هو كفر في مسألة ما، وكان ملتزمًا ببقية شرائع الإسلام الظاهرة فذلك غير مراد في مسألة الباب، وكذا لو كُشف ¬
أمره وظهر منه ما هو كفر، ثم أراد التوبة فأظهر الإسلام وأبطن الكفر فمسألة أخرى يذكرها الفقهاء في استتابة الزنديق وتوبته. كما يتبين مما سبق أن الكلام هو في إجراء الأحكام الظاهرة في الدنيا، أما في الآخرة فأمره إلى اللَّه. • من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا أن أحكام الدنيا على الظاهر وإلى اللَّه عز وجل السرائر" (¬1). وقال القرطبي (671 هـ): "أجمع العلماء أن أحكام الدنيا على الظاهر، وأن السرائر إلى اللَّه عز وجل" (¬2). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "وقد اتفق العلماء على أن اسم المسلمين في الظاهر يجري على المنافقين؛ لأنهم استسلموا ظاهرًا، وأتوا بما أتوا به من الأعمال الظاهرة، بالصلاة الظاهرة، والزكاة الظاهرة، والحج الظاهر، والجهاد الظاهر، كما كان النبي يجري عليهم أحكام الإسلام الظاهر" (¬3). وقال ابن حجر (852 هـ): "من أظهر الإسلام أجريت عليه أحكامه الظاهرة، ولو أسر الكفر في نفس الأمر، ومحل الخلاف إنما هو فيمن اطلع على معتقده الفاسد فأظهر الرجوع هل يقبل منه أو لا، وأما من جهل أمره فلا خلاف في إجراء الأحكام الظاهرة عليه" (¬4). وقال أيضًا: "أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر واللَّه يتولى السرائر" (¬5). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي: 1 - ما أخرجه الشيخان عن أسامة بن زيد رضي اللَّه عنهما قال: "بعثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الحُرَقَة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا اللَّه، فكف الأنصاري، ¬
فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا اللَّه) قلت: كان متعوذًا، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم" (¬1). وفي لفظ لمسلم: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأسامة: (اقتلته)؟ قال: نعم، قال: (فكيف تصنع بلا إله إلا اللَّه إذا جاءت يوم القيامة) قال: يا رسول اللَّه استغفر لي، قال: (وكيف تصنع بلا إله إلا اللَّه إذا جاءت يوم القيامة) قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: (كيف تصنع بلا إله إلا اللَّه إذا جاءت يوم القيامة) (¬2). • وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عاتب أسامة على قتله لمن تلفظ بالشهادة، وجعله ذنبًا، مما يدل على حرمة دمه، مع أن ذاك قاله إلا حين رُفع عليه السلاح لقتله، وهو موضع فيه احتمال شديد على أنه ما قاله إلا خوفًا من السلاح. 2 - عن المقداد بن عمرو الكندي -رضي اللَّه عنه- (¬3) أنه قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار، فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت للَّه، أقتله يا رسول اللَّه بعد أن قالها؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقتله)، فقال: يا رسول اللَّه إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد ما قطعها؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تقتله، فإن قتلته: فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) (¬4). ¬
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى المقداد عن قتل الكافر الذي أعلن إسلامه، مع أن ظاهر حاله أنه ما أسلم على خوفًا من القتل، لكن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجرى عليه حكم الظاهر. 3 - ما جاء في قصة قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للذهب الذي أتى به علي -رضي اللَّه عنه- من اليمن: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا محمد اتق اللَّه! قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي اللَّه)، ثم ولَّى الرجل، فقام خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه-، وفي بعض الرويات: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وقال: دعني أضرب عنقه يا رسول اللَّه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعله أن يكون يصلي) قال: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس بقلبه، قال عليه الصلاة والسلام: (إني لم أُومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)، ثم نظر إليه وهو مقف فقال: (إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وقراءتكم مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد) (¬1). • وجه الدلالة: في الحديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- امتنع عن قتل ذي الخويصرة؛ لأنه لا يوجد منه ما يدل على كفره صراحةً، بل ظاهره الإسلام، أما أمر الباطن فما دام غير مجزوم بكفره فالأصل أنه مسلم. 4 - ما أخرجه البخاري عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: "إن أناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا أمِنُّاه وقرَّبناه، وليس إلينا من سريرته شيء، اللَّه يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءًا لم ¬
[129/ 4] المسألة التاسعة والعشرون بعد المائة: لا يكفر من تكلم بالكفر مكرها.
نأمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة" (¬1). • وجه الدلالة: أن عمر -رضي اللَّه عنه- بيَّن أنه إنما يجري الأحكام بناء على الظاهر، وهو من الخلفاء الراشدين المهديين الذين أُمرنا باتباعه. 5 - أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عامل المنافقين في عهده بناء على الظاهر، مع أنه كان يعلم بواطنهم بطريق الوحي. 6 - أن الأصل بقاء المسلم على ما هو عليه من الإسلام، حتى يظهر منه الرجوع للكفر، كما أن الأصل في الكافر إذا مات إجراء الأحكام الظاهرة عليه حتى يظهر منه ما يدل على الإسلام.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [129/ 4] المسألة التاسعة والعشرون بعد المائة: لا يكفر من تكلم بالكفر مكرهًا. • المراد بالمسألة: لو أكره المسلم على كلمة الكفر، فقالها وهو كاره لها، غير معتقد لما دلت عليه الكلمة، فإنه لا يكفر بمجرد التلفظ. ويتحصل من هذا أنه لو تلفظ بها معتقدا لهًا، أو راضيًا بها، فذلك غير مراد في مسألة الباب، ولو كان مكرهًا. وكذا لو أكره على فعل كفري، فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر، وقلبه مطمئن بالإيمان، أنه لا يحكم عليه بالكفر، ولا تبين منه زوجته، إلا محمد بن الحسن فقال: إذا أظهر الكفر صار مرتدًا، وبانت منه امرأته، ولو كان في الباطن مسلمًا" (¬2). وقال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر حتى ¬
خشى على نفسه القتل أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر" (¬1)، ونقله عنه ابن حجر (¬2). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا على أن المكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان أنه لا يلزمه شيء من الكفر عند اللَّه تعالى، واختلفوا في إلزامه أحكام الكفر" (¬3). وقال ابن العربي (543 هـ): "أما الكفر باللَّه فذلك جائز له -أي للمكرَه- بغير خلاف على شرط أن يلفظ بلسانه، وقلبه منشرح بالإيمان" (¬4). وقال القرطبي (671 هـ): "أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر" (¬5). وقال ابن تيمية (728 هـ): "لا يكفر من تكلم بالكفر مكرهًا بالنص والإجماع" (¬6). وقال ابن القيم (751 هـ): "لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الإذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض، إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالإيمان" (¬7). • مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب: 1 - قول اللَّه تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} (¬8). وهذه الآية نزلت في عمار بن ياسر -رضي اللَّه عنه- حين أكره على كلمة الكفر، فقالها ¬
مكرهًا، مريدًا الخلاص من أيدي المشركين، فلما أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأخبره الخبر، قال عليه الصلاة والسلام: (كيف نجد قلبك)، قال: مطمئن بالإيمان، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فإن عادوا فعد) (¬1). فقيل: المراد إن عادوا إلى إكراهك للكفر فعد أنت إلى ما طلبوا منك مع الطمأنينة بالإيمان. وقيل: المراد إن عادوا للإكراه فعد أنت إلى الطمأنينة، وليس فيها حث على العودة بإجابة ما طلبه المشركون (¬2). 2 - عن أبي ذر الغفاري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (¬3). • المخالفون للإجماع: نقل ابن المنذر والقرطبي وابن قدامة وغيرهم عن محمد بن الحسن القول بأن المكرَه إذا نطق بالكفر فإنه يكون مرتدًا في الظاهر، وفيما بينه وبين اللَّه تعالى على الإسلام، وتبين منه امرأته ولا يصلى عليه إن مات، ولا يرث أباه إن مات مسلمًا (¬4). وحكاه ابن المرتضى عن أبي حنفية، وأبي يوسف (¬5). والتحقيق في مذهب الحنفية أنهم يعذرون بالإكراه، لكنهم يخصونه بأن ¬
[130/ 4] المسألة الثلاثون بعد المائة: لا تصح الردة من المجنون.
يكون الإكراه مما يخاف فيه على النفس أو الأطراف، لا مجرد الإكراه، وهذه مسألة أخرى تتعلق بضابط الإكراه، وليست مرادة في الباب. كما يخصونه بما إذا لم يخطر بباله تأويل لكلمة الكفر، فإذا خطر بباله تأويل، كان يقول كفرت بمحمد، وهو ينوي محمدًا من الناس غير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكنه لم يعمل بالتأويل فإنه يحكم بكفره، وتبين منه امرأته، أما إذا عمل بالتأويل، أو كان لم يخطر بباله التأويل فتكلم بالكفر وقبله مطمئن بالإيمان فذلك لا يحكم بكفره (¬1). • دليل المخالف: أن الدين أمره عظيم، ولا يعذر فيه الإنسان لمجرد الإكراه، وآية الإكراه فيها تقديم وتأخير، وتقديره: من كفر باللَّه من بعد إيمانه، وشرح بالكفر صدرًا، فعليهم غضب من اللَّه، ولهم عذاب عظيم، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، فاللَّه تعالى ما أباح إجراء كلمة الكفر على لسانهم حالة الإكراه، وإنما وضع عنهم العذاب والغضب (¬2).Rيتحصل مما سبق أن المسألة على شقين: الأول: حكمه فيما عند اللَّه تعالى، وهذا الإجماع فيه محقق أنه على الإسلام. الثاني: حكمه في الظاهر، فهذه حكي فيه خلاف، وهذا التقسيم موافق لما نقله ابن حزم، واللَّه تعالى أعلم. [130/ 4] المسألة الثلاثون بعد المائة: لا تصح الردة من المجنون. • المراد بالمسألة: لو وجد شخص مجنون جنونًا مطلقًا، أو كان يفيق أحيانًا ويُجن أحيانًا، فارتد بقول أو فعل حال جنونه، فإنه لا عبرة بذلك، وكذا كل من لا عقل له، كالطفل الذي لا يعقل، والمغمى عليه، والنائم الذي لا يعقل ما يقول. ¬
ويتبيَّن مما سبق أن المجنون لو كان ممن يفيق أحيانًا، وارتد حال إفاقته فذلك غير مراد في مسألة الباب. • من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن المجنون إذا ارتد في حال جنونه أنه مسلم على ما كان قبل ذلك" (¬1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "الردة لا تصح إلا من عاقل، فأما من لا عقل له، كالطفل الذي لا عقل له، والمجنون، ومن زال عقله بإغماء، أو نوم، أو مرض، أو شرب دواء يباح شربه، فلا تصح ردته، ولا حكم لكلامه، بغير خلاف" (¬2). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "الردة لا تصح إلا من عاقل، فأما الطفل الذي لا يعقل، والمجنون، ومن زال عقله بنوم، أو إغماء، أو شرب دواء مباح شربه، فلا تصح ردته ولا حكم لكلامه، بغير خلاف" (¬3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "فأما المجنون والطفل الذي لا يميز فأقواله كلها لغو في الشرع، لا يصح منه إيمان، ولا كفر، ولا عقد من العقود، ولا شيء من الأقوال، باتفاق المسلمين" (¬4). وقال ابن الهمام (861 هـ): "المجنون لا يصح ارتداده بالإجماع" (¬5). • مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما يلي: 1 - عن علي -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (¬6). ¬
[131/ 4] المسألة الحادية والثلاثون بعد المائة: لا يجوز ترك الصلاة على من مات من المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم وإن كانوا من أصحاب الكبائر.
• وجه الدلالة: الحديث صريح أن المجنون غير مكلف، وأن من شرط التكليف العقل، فإذا عدم الشرط عدم المشروط، وعليه: فإن المجنون لا يؤاخذ بأقواله ولا أفعاله المتعلقة بالتكليف. 2 - أن الردة تفتقر إلى اعتقاد أونية، والمجنون لا يعتقد ما يقوله، بل لا يعقل ما يقوله فضلًا عن أن يعتقده.Rلم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم. [131/ 4] المسألة الحادية والثلاثون بعد المائة: لا يجوز ترك الصلاة على من مات من المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم وإن كانوا من أصحاب الكبائر. • المراد بالمسألة: لو وُجد شخص من أصحاب الكبائر من زنى، أو سرقة، أو غيرها من كبائر الذنوب غير الشرك الأكبر، فإنه إذا مات يجب الصلاة عليه من عامة المسلمين، ولا يجوز ترك الصلاة عليه من أجل كبيرته. ويتبين مما سبق أن الذنب إن كان من الشرك المخرج من الملة فذلك غير مراد في مسألة الباب، ويتخرج على ذلك أن من قال بكفر تارك الصلاة أو تارك الزكاة أو نحو ذلك، فإن الحكم بترك الصلاة عليه لا تدخل في مسألة الباب، لأن ترك الصلاة عليه مبني على القول بكفره، ومسألة الباب هي فيمن مات من أهل الإسلام فإنه لا تترك الصلاة عليه ما دام أنه محكوم بإسلامه. كما يتبين أن الإمام أو أهل الفضل إن تركوا الصلاة على أحد من أهل القبلة من باب التغليظ، فإن ذلك غير داخل في مسألة الباب وإنما المراد ترك الصلاة عليه مطلقًا. وكذا إذا تركت الصلاة لبدعة كالبغاة الخوارج، أو الروافض أو ما أشبه ذلك، فذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن سيرين (110 هـ) (¬1): "ما أعلم أن أحدًا من أهل العلم من الصحابة ولا التابعين ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثمًا" (¬2). وقال قتادة (117 هـ): "لا أعلم أحدًا من أهل العلم اجتنب الصلاة على من قال لا إله إلا اللَّه" (¬3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم وإن كانوا أصحاب كبائر" (¬4). • مستند الإجماع: يدل على المسألة ما يلي: 1 - ما رواه الدارقطني من حديث مكحول عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا على كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر) (¬5). ¬
وفي الباب أحاديث تحث على الصلاة على كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى كل من قال لا إله إلا اللَّه، لكن كلها لا تخلو من مقال، بل صرح بعض الأئمة أنه لا يثبت في هذا الباب شيء، منهم الدارقطني في سننه (¬1). 2 - أن هؤلاء وإن كانوا أصحاب كبائر لكنهم من جملة المسلمين فهم داخلون في عموم الأحاديث الدالة على الصلاة على المسلم، وليس ثمة في ليل يمنع من الصلاة عليهم، فنبقى على الأصل حتى يرد الدليل المانع من ذلك. • المخالفون للإجماع: خالف بعض أهل العلم في جملة من صور الباب، فذهب الحنفية إلى أنه لا يصلى على البغاة وقطاع الطريق إذا قُتِلا حال المحاربة (¬2). ونقل النووي في "المجموع" عن قتادة القول بأن ولد الزنا لا يصلى عليه (¬3). وأما ما حكاه ابن قدامة عن مالك من القول بترك الصلاة على من قتل في حد حيث قال: "قال مالك: لا يصلى على من قتل في حد" (¬4)، فهذا الحرف فيه توسع في العبارة، فإن مذهب المالكية الصلاة على من قتل في حد أو قصاص، أو مظهر لكبيرة، لكن لا يصلى عليه الإمام وأهل الفضل من باب الردع، أما عموم الناس فيصلون عليهم (¬5). • دليل المخالف: استدل الحنفية على ترك الصلاة على البغاة وقطاع الطريق ¬
بأن عليًّا -رضي اللَّه عنه- لم يغسل أهل النهروان ولم يصل عليهم، وكان ذلك بمحضر الصحابة ولم ينكر عليه أحد، فكان كالإجماع، وإذا ثبت هذا في البغاة الذين أفسدوا بتأويل فيلحق بهم قطاع الطريق من باب أولى، لأنهم أفسدوا بلا تأويل (¬1).Rيظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ للخلاف فيه عن قتادة، والحنفية. ¬
الخاتمة
الخاتمة الحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق اللَّه أجميعن، وبعد: فقد تم -بحمد اللَّه وتوفيقه- الانتهاء من جمع وتحقيق مسائل هذه الرسالة التي تناولت فيها جمع المسائل الإجماعية التي حُكيت في أبواب حد السرقة والحرابة والبغي والردة، وتحقيق الإجماع فيها. وقد خلُص للباحث نتائج وتوصيات في ختامها أذكرها على سبيل الإجمال: أولًا: النتائج: أهم النتائج التي توصلتُ إليها هي: 1 - أن مجموع المسائل التي تحقق الإجماع فيها لدى الباحث هي (196) مسألة من أصل (299)، وهي على النحو التالي: أ- ما يتعلق بباب السرقة: تحقق لدى الباحث في باب السرقة الإجماع في (50) مسألة من أصل (101) مسألة، وهي على النحو التالي: - السارق يقال له فاسق، فاجر، ما لم يظهر منه خشوع التوبة مما ركب من المعصية. - لو كان السارقون جماعة لم يسقط القطع عن واحد. - إن وُجدت العين المسروقة بذاتها لم تتغير، ولا غيَّرها السارق، ولا أحدث فيها عملًا، ولا باعها، فإنها ترد إلى المسروق منه. - إنْ فَعل السارق سرقته مستخفيًا عن كل من حضر فهو سارق وعليه القطع. - حد السرقة لا يقبل الفداء. - من سرق فأقيم عليه الحد، ثم تاب وأصلح، فإنه تقبل شهادته. - السارق إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه.
يقطع المسلم بسرقة مال المسلم والذمي، ويقطع الذمي بسرقة مالهما. إلا أنه يستثنى من هذه المسألة قطع المسلم بسرقة مال الذمي فإن الإجماع فيها غير متحقق. - من سرق ثوبًا فصبغه أحمرًا يُقطع. - حد السرقة لا يقبل الصلح. - رد المسروق بعد رفعه للإمام لا يسقط الحد. إلا أن الإجماع في هذه المسألة فيما رد المسروق بلا توبة، أما معه التوبة فمحل خلاف. - على الإمام إقامة الحد على السارق، ولو كان السارق والدًا للإمام. - يجب القطع إن كانت السرقة في غير دار الحرب. - من سرق وهو سليم العقل غير سكران فإنه يُحد. - من سرق مختارًا غير مكره، وجب عليه القطع، - من سرق وهو غير مضطر بجوع فعليه القطع. - إذا وصف الشاهدان السرقة والحوز وجنس المال المسروق وقدره، أقيم الحد على السارق. - إذا شهد الشهود على شخص بالسرقة قبل مضي الشهر من السرقة، فيجب إقامة الحد. - إذا ثبتا القطع في السرقة ولم يدع السارق ملك ما سرق وجب إقامة الحد. - إذا أخرج السارق المسروق بيده وجب القطع. - حكم المرأة في حد السرقة حكم الرجل. - حد العبد والأمة في السرقة سواء كالحر والحرة. - حد السرقة لا يقبل الإبراء.
- من شروط إقامة حد السرقة أن يكون السارق بالغًا. - من شروط إقامة حد السرقة أن يكون السارق عاقلًا. - سارق ربع دينار وسارق أكثر من ذلك سواء في الحد. - لا يشترط لإقامة الحد مطالبة صاحب المال المسروق بالحد. - يثبت حد السرقة بالشهادة إذا لم يختلف الشاهدان أو يتراجعا عن شهادتهما. لكن ينبه إلى أن هذه المسألة محل إجماع بين أهل العلم، في أنه لو اتفقت شهادتهما ولم يتراجعا فيجب القطع، أما مسألة اختلاف الشاهدان فاشتراط الاتفاق في تعيين السارق محل إجماع بين أهل العلم، في أنه لو اتفقت شهادتهما ولم يتراجعا فيجب القطع، أما مسألة اختلاف الشاهدان فاشتراط الاتفاق في تعيين السارق محل إجماع، أما اشتراط اتفاق الشهود في الزمان، أو المكان، أو جنس المسروق، فذلك ليس بمحل إجماع. - السرقة تثبت بالإقرار. - باب البيت وغلقه حرز. - من سرق تبرًا فضرب دراهم أو دنانير فإنه يُقطع. - إذا كانت العين المسروقة تبلغ نصابًا ثم نقصت بعد إخراجها من الحرز، فلا قطع. - من سرق من ذي رحم غير محْرَم فإنه يُقطع. - يقطع في سرقة الحِنْطة والسُّكَّر. - إذا أحرز المضارب مال المضاربة، أو الوديع أو المستعير العارية، أو المال الذي وكل فيه الوكيل، فسرقه أجنبي من هؤلاء، فعليه القطع. - المسلم إذا سرق من أخيه المسلم خمرًا لا قطع عليه. - لا قطع في سرقة إنسان حر كبير.
ب - ما يتعلق بباب قطاع الطريق
- لا تقطع يد المختلس. - ليس على المنتهب قطع. - لا قطع في سرقة كلب ولا فهد. - لا قطع فيمن سرق صبيًا حرًا يُعبِّر عن نفسه. - لا يقطع السيد بسرقته من مال مكاتبه. - الشاهدان إذا شهدا على السارق ثم قطعت يده، ثم جاء آخر، فقالا: هذا الذي سرق، وقد أخطأنا بالأول، غُرما بالدية، ولا تقبل شهادتهما على الثاني. - لا يسقط حد السرقة إذا لم يهبه المسروق منه ما سرق. - لصاحب المال المسروق أن يعفو عن السارق، وأن عفوه يسقط الحد قبل أن يرفع للإمام. - إذا كان السارق سالم اليد اليسرى والرجل اليمنى لا ينقص منها شيء، فيجب عليه الحد. - من لم يكن له طرف مستحق للقطع، قطع ما بعده. - من سرق فقُطِعت يده اليمنى فقد أقيم عليه الحد. - مشروعية حسم يد السارق بعد قطعها. - ليس للسارق إقامة الحد على نفسه، فإن فعل ذلك كان عاصيًا. ب - ما يتعلق بباب قطاع الطريق: تحقق الإجماع لدى الباحث في (22) مسألة من أصل (39) مسألة، وهي على النحو التالي: - من شهر السلاح وقطع السبيل خارج المدن فهو محارب. - حد الحرابة بالصلب والقطع من خلاف خاص بالمحارب، ولا يطبق على
المرتد حد الحرابة. - التفريق بين البغاة والخوارج. - تخيير الإمام في المحاربين ليس تخيير شهوة. - مشروعية قتل المحاربين. - التعاون على الإثم والعدوان بالمؤاخاة المحرمة غير مشروعة. - المملوك إذا قطع الطريق فيُقام عليه حد الحرابة. لكن هذه المسألة هي محل إجماع في أن العبد يقام عليه حد الحرابة كالحر، أما الأمة فإقامة حد الحرابة عليها فيه خلاف عن بعض الحنفية. - ما وجد بيد المحارب من مال لغيره مردود لأربابه سواء من المسلمين أم من أهل الذمة. - ما يأخذه المحارب ممن قطع عليه الطريق هو من الإثم والعدوان. - من فعل المحاربة فإنه ينطبق عليه اسم المحارب الذي يجب عليه الحد، سواء كان في حال فعل الحرابة، أو لم يكن. - من دخل مستخفيًا ليسرق، أو ليزني، ففعل شيئًا من ذلك مستخفيًا، فإنما هو سارق عليه ما على السارق، أو إنما هو زان عليه ما على الزاني، وليس على أي من هؤلاء حد الحرابة. - حكم المحارب يختلف عن حكم الباغي. - تحريم التستر على المحاربين. - السلطان ولي من حارب. - تقديم القتل على الصلب ثابت. - إن كانت يداه صحيحتين ورجله اليسرى مقطوعة قطعت يمنى يديه ولم يقطع منه غير ذلك.
ج - ما يتعلق بباب حد البغاة
- لا يجوز قطع يديه ورجليه معًا. - من أخذ مال امرئ مسلم أو معاهد بغير حق، غير طيبة به نفسه، وكان أخذه مكابرة بسلاح من صاحبه في الصحراء، سمي محاربًا. - المحارب المقدور عليه يقام عليه حد الحرابة سواء قُدر عليه قبل تمام الحرب أو بعدها. - المرتد إذا حارب اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وسعى في الأرض فسادًا فإن حد الحرابة يطبق عليه. - الحربي إذا أسلم لا يضمن ما فعل في حال كفره من قتل أو إتلاف. - حد الحرابة لا يقبل الفداء. ج - ما يتعلق بباب حد البغاة: تحقق لدى الباحث أن المسائل الإجماعية (19) مسألة من أصل (28) مسألة، وهي على التالي: - عدم تكفير أهل البغي. - وجوب نصرة الإمام في قتال أهل البغي. - لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه على أهل البغي والتأويل. - قتل الباغي قبل الإسار مباح. - سبي ذرية البغاة حرام. - ما وُجِد بيد البغاة من مالِ لغيرهم مردودٌ إلى أصحابه. - قبول شهادة البغاة. - وجوب نصرة المظلوم. - الممتنع عن شعائر الإسلام يقاتل. - البغاة متى خرجوا ظلمًا على إمام عادل واجب الطاعة صحيح الإمامة
د- ما يتعلق بباب الردة
وخالفوا رأي الجماعة وشقوا عصا الطاعة فقد وجب قتالهم بعد إنذارهم. - من قاتل الفئة الباغية ممن له أن يقاتلها وهي خارجة ظلمًا على إمام عادل واجب الطاعة صحيح الإمامة، فلم يتبع مدبرًا ولا أجهز على جريح منهم، ولا أخذ لهم مالًا، أنه قد فعل في القتال ما وجب عليه. - البغاة إذا طلبوا من الإمام هدنة نظر الإمام في حالهم وبحث أمرهم فإن ظهر له أن قصدهم الرجوع إلى الطاعة، ومعرفة الحق وجب عليه إمهالهم. - مشروعية قتال الخوارج. - وجوب قتال الخوارج ونحوهم إذا فارقوا جماعة المسلمين. - الكف عن قتل من يعتقد الخروج على الإمام وهو لا يكفر باعتقاده ما لم ينصب لذلك حربًا. - لا يحل تملك شيء من أموال البغاة. - من ترك من البغاة القتال تائبًا لا يحل قتله. - قتال الطائفتين المسلمتين حرام. - جواز الصلح بين أهل العدل والبغاة. د- ما يتعلق بباب الردة: تحقق لدى الباحث في هذا الباب (105) مسألة من أصل (129) مسألة، وهي على النحو التالي: - المرتد إذا تاب لا يمكَّن من ركوب الخيل وحمل السلاح إلا إذا حسن إسلامه. - تحريم التنجيم. - تحريم الضرب بالحصى. - كفر الردة أغلظ من الكفر الأصلي.
- قبول اللَّه لتوبة المرتد والزنديق في الباطن. - المرتد الذي أتلف مال غيره يضمن ما أتلفه. - المجنون إذا ارتد فقتله آخر عمدًا فإنه عليه القود إذا طلب أولياء المقتول ذلك. - ما ظُفر به من مال المرتد فلبيت مال المسلمين. - إن رجع المرتد إلى الإسلام فماله لورثته من المسلمين إن مات مسلمًا. - المرتد لا يرث المسلم ولا الكافر. - المرتد لا تؤكل ذبيحته. - الكافر يلزمه الإسلام باختيار وهو بالغ عاقل غير سكران. - عصمة دم المرتد وماله بإسلامه بدون حكم حاكم. - المرتد إذا مات على ردته حبط عمله. - تعلم السحر وتعليمه وعمله حرام. - السحر لا يظهر إلا من فاسق. - السحر ثابت وله حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء. - المرتد أحكامه مردودة. - اتفق العلماء على أن القرآن هو المتلو في الأمصار المكتوب الذي بين أيدينا وهو ما جمعته الدفتان من أول {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} (¬1)، إلى آخر سورة الناس. - من لقي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مؤمنًا به ثم ارتد عن الإسلام فلا يكون من الصحابة. - إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح. - إذا ارتد ثم أسلم فإنه لا يُعزر أول مرة. ¬
- تقبل شهادة عدلين في الردة. - يحال بين المرتد وبين الطعام إلا ما يقوم بنفسه، ويحال بينه وبين سعة العيش، والتصرف في أرض اللَّه حتى يراجع دين اللَّه تعالى أو يأبى ذلك، ويمضى فيه حكم اللَّه تعالى. - لا فرق في القتل بالردة بين العبد والحر. - قتل المرتد يتولاه الإمام سواء أكان المرتد حرًا أم عبدًا. إلا أن الإجماع في هذه المسألة هو في الحر، أما العبد فمحل خلاف. - قتال المرتدين أولى من قتال الحربيين. - إكراه المرتد عن دينه حتى يرجع إلى الإسلام. - دم من يشك في زندقته معصوم ما لم تثبت زندقته ببينة أو إقرار. - مشروعية قتل ساب الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-. إلا أن الإجماع في هذه المسألة في حق المسلم الذي يسب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أما الكافر والذمي فمحل خلاف. - الإسلام هو الدين الذي فرضه اللَّه سبحانه وتعالى على الإنس والجن، ولا دين سواه، ومن خالف ذلك كفر. - من خالف الإجماع المتيقن بعد علمه بأنه إجماع كفر. إلا أن هذا في الإجماع هو في المسائل التي هي معلومة في الدين بالضرورة، والإجماع فيها قطعي التحقيق، كوجوب المباني الخمسة. - الإسلام ناسخ لجميع الشرائع ولا ينسخه دين بعده ومن خالف ذلك كفر. - من زعم أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا فقد كفر. - اللَّه عز وجل واحد لا شريك له، وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء معه، ومن خالف ذلك فهو كافر.
- اللَّه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء، ولا يضل، ولا ينسى، ولا يجهل، ومن أنكر ذلك فقد كفر. - من استجاز الصلاة إلى غير القبلة كفر. - من حجد صفة القدرة للَّه عز وجل كفر. - من استحل وطء المحارم كفر. - سب اللَّه تعالى كفر. - من لم يؤمن باللَّه تعالى وبرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وبكل ما أتى به عليه الصلاة والسلام مما نقل عنه نقلًا متواترًا كفر. - من شك في التوحيد كفر. - من جحد أو شك في محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- كفر. - من جحد أو شك في نبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- كفر. - من جحد أو شك في حرف واحد مما أتى به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- كفر. - من حجد أو شك في شريعة أتى بها محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- مما نقل عنه نقل كافة فإنه كفر. - المتعمد للنطق بما يوجب الكفر يكفر وإن لم يعتقد. - من يقول بقدم العالم كفر. - من شك في براءة عائشة رضي اللَّه عنها مما رميت به كفر. - من أوجب حكمًا من غير دليل، أو نقص من الدين شيئًا، أو بدل شيئًا منه مكان آخر، كفر. - من قال: أنا لا آخذ عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقال: آخذ عن قلبي عن ربي، كفر. - نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- مبعوث إلى جميع الجن والإنس إلى يوم القيامة، ومن قال بغير ذلك كفر.
- من اعتقد أن اللَّه اتخذ صاحبةً أو ولدًا فقد كفر. - من جعل بينه وبين اللَّه وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر. - من آذى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كفر. - الكلمة الواحدة في هجاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- موجبة للكفر. - من أوجب شيئًا من النكال على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو وصَفه وقطع عليه بالفسق، أو بجرحه في شهادته، فهو كافر. - قتلُ أي نبيٍّ من أنبياء اللَّه تعالى عليهم الصلاة والسلام كفر. - من اتخذا أربابًا من دون اللَّه كفر. - استحلال مباشرة الأمرد والنظر إليه بشهوة زعمًا أن ذلك سبيل إلى محبة اللَّه كفر. - استحلال مؤاخاة النساء الأجانب والخلوة بهن؛ لتحصيل البركة كفر. - من استحل التلوط بملك اليمين كفر. - من استحل النظر للأجنبية بشهوة كفر. - استحلال الفواحش كفر. - الدرور كفَّار. - تكفير القائلين بوحدة الأديان. - استحلال الحرام وتحريم الحلال كفر. - السجود للعلماء ولو كانوا محدِّثين حرام. - السجود لغير اللَّه بنية العبادة كفر. - القائل بالحلول كافر. - من لم يعتقد وجوب الصلاة كفر. - من استخف، بالمصحف، أو بشيء منه، أو ألقاه في القاذورات وهو عالم بذلك، كفر.
- من كذب بشيء مما جاء به القرآن من حكم، أو خبر، أو نفى ما أثبته، أو أثبت ما نفاه، أو شك في ذلك كفر. - من زاد حرفًا غير القراءات المروية المنقولة نقل الكافة، أو نقص منه حرفًا، أو بدل منه حرفًا مكان حرف، وقد قامت عليه الحجة كفر. - من استحل القتل كفر. - المرتد إذا أسلم فإنه يُقبل إسلامه ويكون من الفائزين. - تحسين دين المشركين كفر. - من استحل الخمر قُتل. - للَّه أنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كُثر منهم من سماه اللَّه تعالى في القرآن، ومنهم من لم يسم لنا، ومن خالف ذلك كفر. - النار حق وهي مخلوقة، ومن خالف ذلك كفر. - النار أعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام، ولمن خالف الأنبياء السالفين قبل مبعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبلوغ خبره إليه، ومن خالف ذلك كفر. - من خالف في رفعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقدرهم فليس مسلمًا. - من جحد الزكاة ارتد. - من أنكر البعث فقد كفر. - الزنديق كافر. - الغالية الدين يعتقدون الإلهية والنبوة في علي -رضي اللَّه عنه- وغيره يقتلون. - من سب اللَّه وجب قتله. - اعتقاد أن السحرة أولياء كُفْر. - ولد المرتدين يكون كافرًا. - من أشرك باللَّه تعالى كفر إجماعًا. - من زعم أن الأرواح بعد موتها تنتقل إلى أجساد أخرى فهو كافر.
- من اعتقد أنه يسعه الخروج عن شريعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فذلك كفر مخرج من الملة. - من أنكر الإسلام، أو الشهادتين أو أحدهما كفر. - من بلغته رسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يؤمن به فهو كافر. - من استحل محاربة اللَّه تعالى ومحاربة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو كافر. - من شك في كفر الكافر كفر. - من أسلم أبواه وهو صغير في حجرهما لم يبلغ فإنه مسلم بإسلامهما. - حاكي الكفر لا يكفر. - التكفير المطلق لا يلزم منه تكفير المعين إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. - مرتكب الكبيرة والحدود لا يكفر إلا بالشرك. - لا يكفر من أثبت البسملة في أوائل السور غير سورة براءة، ولا من نفاها. - من نطق بلفظ لا يدري معناه، وكان معناه كفرًا فلا يؤاخذ به. - إجراء الأحكام الظاهرة على من أظهر الإسلام ولو أسرَّ الكفر. - لا يكفر من تكلم بالكفر مُكرهًا. والإجماع في هذه المسألة هو في حكمه فيما عند اللَّه تعالى، فالإجماع فيه متحقق بعدم كفره، أما في حكمه في الظاهر، فهو محل خلاف. - لا تصح الردة من المجنون. 2 - أن الإجماع لا يلزم لتحققه أن يكون له أدلة مستفيضة من نصوص الكتاب أو السنة، فمن الإجماعات ما يكون له دليل واحد فقط، وجملة منها ليس له نص ظاهر من كتاب أو سنة وإنما يعلل له أهل العلم بتعليلات فقهية. 3 - أن العلماء يختلفون في لفظ حكاية الإجماع ومدلوله، ولكل لفظ مدلوله الخاص به، ومن ذلك تجد أن الموفق ابن قدامة ينقل الإجماع الصريح القطعي في مواضع، وفي مواضع أخرى يكتفي بنقل ابن المنذر للإجماع،
وفي مواضع يذكر المسألة على أنها إجماع سكوتي، من جهة أنه أمر قد فعله بعض الصحابة ولم ينكر عليه أحد، وفي موضع آخرى ينفي علمه بالخلاف في المسألة، وفي كل موضع له مدلول خاص فإذا حكى الإجماع صراحة ففي الغالب يكون الإجماع متحققًا وإن كان ثمة خلاف فيه فهو شاذ عنده، وأما إن ذكره من باب الإجماع السكوتي فهو يريد به توقية الدليل لهذا القول، لا حكاية الإجماع بين أهل العلم، فإن الخلاف في المسألة قد يكون مشهورًا بين الأئمة الأربعة، أما إن ذكر نفيه للعلم بالخلاف في المسألة فهذا يحتمل تحقق الإجماع وعدمه، لكن مع الجزم على أن عامة أهل العلم عليه، وإن كان ثمة خلاف فهو إما خلاف لنزر من أهل العلم، أو ممن أظهره ابن حزم. 4 - أن العالم الواحد قد يكون له عدة مدلولات على لفظ واحد، مثل أن يحكي القول بأنه لا خلاف في المسألة، ثم هذا الإطلاق تارة يعني به نفي الخلاف عمومًا، وتارة نفي الخلاف المذهبي، إلا أن الإطلاق الذي يُراد به نفي المذهب غالبًا ما يكون معلومًا بقرائن تدل عليه، كأن يصرح العالم بأن ذلك خاص في المذهب بقوله: "بلا خلاف بين أصحابنا"، أو "لا خلاف عندنا" أو نحو ذلك. ومن القرائن أن يذكر الإجماع في المسألة ثم يذكر بعدهما خلاف أهل العلم. 5 - أن العلماء المتقدمين الذين اعتنوا بحكاية الإجماع قليلون بالنسبة لكثرتهم في العلم، والذي كان له قدم السبق في هذا المجال هو ابن المنذر في كتبه "الإشراف"، و"الأوسط"، وغيرهما، ثم انتشر الاهتمام بذلك من أهل العلم من مستقل ومستكثر، وبرز أئمة أكثروا من ذلك كابن عبد البر، وابن تيمية، وغيرهم.
6 - أن أكثر من يحكي الإجماع من المتأخرين إنما يحكي إجماعًا قد سبقه غيره بحكاية ذلك الإجماع، إلا نزر يسير من أهل العلم كان له استقراء وتقصي لكلام أهل العلم وينفرد بذكر الإجماع المتحقق كشيخ الإسلام ابن تيمية، لا سيما فيما يتعلق بباب الاعتقاد. 7 - المسائل المتعلقة بجانب العقيدة ظهر فيها جهد شيخ الإسلام ابن تيمية في حكاية الإجماع مع مستنداته من الكتاب والسنة، ثم تبعه على ذلك تلميذه ابن القيم. المسائل الإجماعية المتعلقة بأصل العقيدة هي محل إجماع بين أهل العلم، مما يدل على اتفاق أهل السنة والجماعة في أصول المسائل، والخلاف إنما هو في الفروع التي لا يضلل فيها المخالف كمسألة فناء النار. 8 - أن أهل العلم في حكاية الإجماع على مسالك: فمنهم من يكثر من حكاية الإجماع بالتتبع والاستقراء، ويكون هو أول من يحكي الإجماع في المسألة، وهذا قليل في أهل العلم، والإمام فيها هو ابن المنذر، ثم يأتي بعده غيره من أهل العلم كابن عبد البر، وأبي بكر الجصاص. وهذا المسلك غالبًا يقع فيه شيء من التساهل في حكاية الإجماع، لكثرته ولكونه لم يسبق بغيره. ومنهم: من يحكي الإجماع بالاستقراء، ويكون هو أول من يحكي الإجماع في المسألة، لكنه لا يُكثر من ذلك، ومن أمثلتهم: ابن جرير الطبري، والمروزي. ومنهم: من يحكي الإجماع بالنقل عن أئمة آخرين، ولا يبتدئ هو بالنقل إلا في مواضع نادرة، فتارة يصرح بأن نقْله للإجماع قد أخذه من عالم قبله، وتارة لا يصرح بذلك، لكن بالتتبع يظهر أنه إنما نقل الإجماع من عالم آخر من
ثانيا: التوصيات
جهة أنه يذكر نص الإجماع والكلام الذي قبله والذي بعده بنفس أحرف العالم الآخر. وهذا النوع في نقل الإجماع يقع كثيرًا في كتب أهل العلم، فإن شمس الدين ابن قدامة في "الشرح الكبير" يأخذ غالب نقولاته من الموفق ابن قدامة في كتابه "المغني"، ابن دقيق العيد يأخذ من شرح النووي على صحيح مسلم، وابن الملقن يأخد من شرحي ابن دقيق وابن الملقن، والشوكاني في "نيل الأوطار" والصنعاني في "سبل السلام" يأخذان من "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني، وكذا العيني في "عمدة القاري" يأخذ كثيرًا من ابن حجر في "فتح الباري" ويتعقبه في بعض المواضع، والعراقي في "طرح التثريب" يأخذ من مصادر شتى فينقل كلام ابن عبد البر والنووي وابن حزم وغيرهم، ويصرح بالأخذ منهم في مواضع كثيرة. ولذا فإن غالب ما يحكيه المتأخرون من مسائل الإجماع يكون مسبوقًا، وكثيرًا ما يكون النقل هو بنفس الأحرف. ومنهم: من ينقل عن غيره إجماعات، ويحكي هو إجماعات أخرى، ومن أمثلة أهل العلم الذين لهم هذا المسلك الموفق ابن قدامة، والقرافي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم. ثانيًا: التوصيات: ثمة توصيات يراها الباحث بعد تجواله في مسائل هذه الرسالة أهمها: 1 - إضافة بعض الكتب التي لها أهيمة في بناء هذا المشروع وإثرائه بالنقولات الإجماعية، وذلك ومن ذلك: أ - الكتب التي تعتني بحكاية الإجماع، كـ "الإشراف" لابن المنذر، و"الإقناع في مسائل الإجماع" لابن القطان.
ب - الكتب التي لأئمة متقدمين ولها عناية بنقل الإجماعات، كـ "أحكام القرآن" لأبي بكر الجصاص. ج - الكتب التي لها انتشار وعناية بين طلبة العلم كـ "معالم السنن" في شرح سنن أبي داود لأبي سليمان الخطابي، و"شرح النووي على صحيح مسلم" للنووي، و"حاشية ابن القيم" في شرح سنن أبي داود. لا سيما وأن بعض هذه الكتب ربما كانت معتمدة لدى بعض الباحثين المعاصرين كما هو في "موسوعة الإجماع" لسعدي أبو حبيب. 2 - الاستمرار في إنهاء المشروع على جميع أبواب الفقه، لما فيه من الفوائد الجمة ومنها: أ- تحرير مواضع الإجماع من عدمه في كتب الفقه، وهذا له آثاره العظيمة منها معرفة العالم بمواضع الإجماع المتحقق التي يمنع خلافها، وتمييزها عن المواضع التي يحكى فيها الإجماع لكن التحقيق أن الخلاف فيها حاصل بل يمكن أن يكون هو الراجح من جهة ظاهر الأدلة. ب- جمع الإجماعات المحكية من مختلف أهل العلم في كتاب واحد، على سبيل التقصي والاستقراء، مما يسهل على العالم أو الباحث في المسألة المعينة ويوفر عليه جهد كبير لجمع هذه النقولات. ج- تحصيل الملكة العلمية لدى الباحث، وذلك أنه ينظر في كتب الفقهاء من مختلف المذاهب لتحصيل من نقل الإجماع، ومرادهم بالألفاظ التي يطلقونها من المعاني الدالة على الإجماع. 3 - بعد الانتهاء من مشروع الكتاب يتم الاعتناء به من جهة نخبة من العلماء ووضع منهجية موحدة له في جميع الأبواب، ومن ثم تبويبه تبويبًا فقهيًا، وتدريسه في الجامعات، أو المعاهد، حتى يكون طالب العالم على دراية بالمواضع التي تحقق إجماع أهل العلم فيها، والبعد عن الأقوال الشاذة
التي قد يكون لها دليل إلا أن الإجماع على خلافه. وبعد نهاية هذا البحث أحمد اللَّه تعالى الذي بنعمته تتم الصالحات على الإعانة في إتمام هذا البحث، وله الحمد أوله وآخره، ظاهره وباطنه، ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، فسبحانه تعالى رب العزة عما يصفه المشركون، وسلام على المرسلين، والحمد للَّه رب العالمين. وصلى اللَّه على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهرس المصادر والمراجع
فهرس المصادر والمراجع - القرآن الكريم. - الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، لأبي عبد اللَّه عبيد اللَّه بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي، تحقيق: د. عثمان عبد اللَّه آدم الأثيوبي، دار الراية، الرياض، الطبعة: الثانية، 1418 هـ. - الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان، لبكر أبو زيد، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1417 هـ. - الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي، لعلي بن عبد الكافي السبكي، تحقيق: جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1404 هـ. - إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، لأحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري، طبعة دار الوطن، 1420 هـ - 1999 م. - الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام، لمحمد بن أحمد الفاسي "ميارة"، دار المعرفة. - اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، أبو عبد اللَّه، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1404 هـ، 1984 م. - الإجماع، لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، تحقيق: د. فؤاد عبد المنعم أحمد، دار الدعوة، الإسكندرية، الطبعة: الثالثة، 1402 هـ. - إجمال الإصابة في أقوال الصحابة، خليل بن كيكلدي العلائي، تحقيق: د. محمد سليمان الأشقر الكويت، جمعية إحياء للتراث الإسلامي، الطبعة: الأولى، 1407 هـ.
- إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، محمد بن علي تقي الدين ابن دقيق، مطبعة السنة المحمدية، د، ط، د، ت. - أحكام أهل الذمة، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعى أبو عبد اللَّه، تحقيق، يوسف أحمد البكري - شاكر توفيق العاروري، رمادي للنشر، دار ابن حزم، الدمام، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م. - الإحكام في أصول الأحكام، علي بن أحمد بن حزم الأندلسي أبو محمد، دار الحديث، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1404 هـ. - الإحكام في أصول الأحكام، علي بن محمد الآمدي، تحقيق: د. سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1404 هـ. - أحكام القرآن، أبو بكر بن علي الرازي (الجصاص)، دار الفكر، د، ط، 1414 هـ، 1393 م. - أحكام القرآن الكريم، محمد بن عبد اللَّه الأندلسي (ابن العربي)، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، د، ت. - أخبار العلماء بأخبار الحكماء، للقفطي، ط دار الآثار، بيروت. - أخبار القضاة، لأَبي بكر محمد بن خلف بن حيان بن صدقة الضبي البغدادي، تحقيق: عبد العزيز مصطفى المراغي، المكتبة التجارية الكبرى، بشارع محمد علي بمصر لصاحبها: مصطفى محمد، الطبعة: الأولى، 1366 هـ، 1947 م. - اختلاف الفقهاء، لمحمد ابن جرير الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. - أدب المفتي والمستفتي، لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوي، تحقيق: د. موفق عبد اللَّه عبد القادر، لبنان، بيروت، مكتبة العلوم والحكم، عالم الكتب، الطبعة: الأولى، 1407 هـ.
- الأدب المفرد، لمحمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1409 هـ - 1989 م. - الآداب الشرعية والمنح المرعية، محمد بن مفلح بن محمد المقدسي، عالم الكتب، د، ط، د، ت. - إرسال الشواظ على من تتبع الشواذ، لصالح بن علي الشمراني، دار المنهاج، الرياض، الطبعة: الأولى، 1428 هـ. - إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، المحقق: الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق، كَفَر بطنا، دار الكتاب العربي، الطبعة: الأولى، 1419 هـ، 1999 م. - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، إشراف، زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الثانية، 1405 هـ - 1985 م. - أساس البلاغة، لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، 1991 م. - الاستذكار، يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر النمري، تحقيق، سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ, 2000 م. - الاستقامة، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، أبو العباس، تحقيق: محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1403 هـ. - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمد ابن عبد البر، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، مطبوع بهامش الإصابة، الطبعة: الأولى.
- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير، علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. - إسعاف المبطأ برجال الموطأ لعبد الرحمن ابن أبي بكر أبو الفضل السيوطي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، 1389 هـ، 1969 م. - أسنى المطالب شرح روض الطالب، زكريا بن محمد زكريا الأنصاري، مع حاشية عليه لأحمد الرملي، دار الكتاب الإسلامي، د، ط، د ت. - الأشباه والنظائر، لتاج الدين عبد الوهاب بن علي ابن عبد الكافي السبكي، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1411 هـ، 1991 م. - الأشباه والنظائر، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1403 هـ، 1983 م. - الإشراف على مذاهب العلماء، لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق: صغير أحمد الأنصاري، الإمارات، رأس الخيمة، مكتبة مكة الثقافية، الطبعة الأولى، 1425 هـ، 2004 م. - الإصابة في تمييز الصحابة، لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، تحقيق: علي محمد البجاوي، بيروت، دار الجيل، الطبعة: الأولى، 1412 هـ. - أصول البزدوي، "كنز الوصول إلى معرفة الأصول"، علي بن محمد البزدوي الحنفي، مطبعة جاويد بريس، كراتشي. - أصول السرخسي، لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي، تحقيق: أبو الوفاء الأفغانى، لجنة إحياء المعارف النعمانية بحيدر أباد، ودار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة: الأولى 1414 هـ، 1993 م. - أصول السرخسي، لمحمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي أبو بكر، المكتبة الأحمدية.
- أصول الشاشي، أحمد بن محمد بن إسحاق الشاشي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1402 هـ. - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، لبنان، 1415 هـ، 1995 م. - الاعتبار ببقاء الجنة والنار، علي بن عبد الكافي السبكي، مطبعة الترقي، دمشق، 1347 هـ. - اعتقاد أئمة الحديث، أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن الخميس، دار العاصمة، الرياض، الطبعة: الأولى، 1412 هـ. - الأعلام، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة: الخامسة، 1980 م. - إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، أبو عبد اللَّه، تحقيق، طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973 م. - أعلام النساء، لعلي محمد علي دخيل التوفر، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى، 2001 م. - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد اللَّه، تحقيق، محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة: الثانية، 1395 هـ، 1975 م. - الأفراد، لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين، تحقيق: بدر البدر، دار ابن الأثير، الكويت، الطبعة: الأولى 1415 هـ، 1994 م. - الإفصاح عن معاني الصحاح في الفقه على المذاهب الأربعة، لأبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، لبنان، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1417 هـ، 1996 م.
- الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، لمحمد الشربيني الخطيب، تحقيق مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، بيروت، 1415 هـ. - الإقناع في مسائل الإجماع، لابي الحسن ابن القطان، تحقيق: حسن فوزي الصعيدي، مصر، القاهرة، دار الفاروق، 1424 هـ، 2004 م. - إكمال الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب، لابن ماكولا، دار الكتاب الإسلامي الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة. - إكمال إكمال المعلم، أبو عبد اللَّه، محمد بن خليفة الأبي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. - الإكمال بمن في مسند أحمد من الرجال سوى من ذكر في تهذيب الكمال، لشمس الدين محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني. - إكمال تهذيب الكمال الجزء الأول والثاني، لعلاء الدين مغلطاي بن قليج الحنفي، تحقيق: عادل بن محمد وأبو محمد أسامة بن إبراهيم، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة: الأولى 1422 هـ، 2001 م. - إكمال المعلم بفوائد مسلم، لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض الحمصي، تحقيق: يحيى إسماعيل، الطبعة: الأولى، 1419 هـ، 1998 م. - الإلمام بأحاديث الأحكام، تقي الدين محمد بن أبي الحسن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري المصري، تحقيق، حسين إسماعيل الجمل، دار المعراج الدولية، بيروت، دار ابن حزم، الطبعة: الثانية، 1423 هـ - 2002 م. - الأم، محمد بن إدريس الشافعي، دار الفكر، بيروت، الطبعة: الأولى، 1400 هـ، 1980 م، والطبعة: الثانية، 1403 هـ، 1983 م.
- إنباء الغمر بأبناء العمر في التاريخ، لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: د. محمد عبد المعيد خان، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: الثانية، 1406 هـ، 1986 م. - الأنساب، لأبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني، تقديم وتعليق: عبد اللَّه عمر البارودي، مركز الخدمات والأبحاث الثقافية، دار الجنان. - الإنصاف، علي بن سليمان بن أحمد المروداوي، تحقيق، محمد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، د، ت. - أنوار البروق في أنواع الفروق، أحمد بن إدريس القرافي، عالم الكتب، د، ط، د، ت. - أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، لقاسم بن عبد اللَّه بن أمير علي القونوي، تحقيق: د. أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي، جدة، دار الوفاء، الطبعة: الأولى، 1406 هـ. - الإيثار بمعرفة رواة الآثار، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 هـ. - إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد، لمحمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي، المشهور بابن الوزير، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة: الثانية، 1987 م. - الإيمان الكبير، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، أبو العباس، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الأردن، عمان، الطبعة: الخامسة، 1416 هـ - 1996 م.
- بحار الأنوار، للمجلسي، طبعة: كمباني. - البحر الزخار، أحمد بن يحيى بن المرتضى، دار الكتاب العربي، د، ط، د، ت. - البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن إبراهيم بن نجيم، وعليه حاشية عبد اللَّه بن أحمد النسفي، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية، د، ت. - البحر المحيط في أصول الفقه، بدر الدين بن محمد بهادر الزركشي، دار الكتبي، الطبعة: الأولى، 1414 هـ، 1994 م. - البحر المحيط في أصول الفقه، بدر الدين محمد بن عبد اللَّه بن بهادر الزركشي، تحقيق: محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1421 هـ، 2000 م. - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مسعود بن أحمد الكاساني، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1406 هـ، 1986 م. - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، الشهير بابن رشد الحفيد، أبو الوليد، مطبعة مصر، مصطفى البابي الحلبي، الطبعة: الرابعة، 1395 هـ - 1975 م. - البداية والنهاية، لإسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء، مكتبة المعارف، بيروت. - البدر الطالع في محاسن القرن السابع، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: محمد حسن حلاق، سورية، دمشق، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 1427 هـ, 2006 م. - البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، لسراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي، ابن الملقن، تحقيق: مصطفى أبو الغيط، وعبد اللَّه بن سليمان، وياسر بن كمال، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، الطبعة: الأولى، 1425 هـ، 2004 م.
- البرهان في أصول الفقه، لعبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجويني، تحقيق: صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1418 هـ، 1997 م. - بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، أبو العباس، تحقيق، موسى سليمان الدويش، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة: الأولى، 1408 هـ. - بلغة السالك لأقرب المسالك (حاشية الصاوي على الشرح الصغير)، أحمد بن محمد الصاوي، أبو العباس، دار المعرفة، د، ط، د، ت. - البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة، لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي، تحقيق: محمد المصري، جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت، الطبعة: الأولى، 1407 هـ. - بلوغ المرام من أدلة الأحكام، لأحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، مكتبة دار الفيحاء، دمشق، 1414 هـ، 1993 م. - البناية في شرح الهداية، لأبي محمد محمود بن أحمد العيني، دار الفكر، د: ت. - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، تحقيق: د محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988 م. - بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني، أبو العباس، تحقيق، محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1392 هـ. - بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام، لعلي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، بن القطان، تحقيق: د. الحسين آيت سعيد، دار طيبة، الرياض، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م.
- تاج التراجم، لأبي الفداء زين الدين قاسم بن قطلوبغا السودوني، تحقيق: محمد خير رمضان، الطبعة: الأولى، دار القلم، دمشق، سوريا، 1413 هـ، 1992 م. - تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية. - التاج والإكليل شرح مختصر خليل، محمد بن يوسف العبدري (المواق)، دار الكتب العلمية، د، ط، د، ت. - تاريخ ابن الوردي، لزين الدين عمر بن مظفر الشهير بابن الوردي، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، 1417 هـ - 1996 م. - تاريخ الأزهر في ألف عام، لسنية قراعة، مكتب الصحافة الدولي للصحافة والنشر، القاهرة، 1968 م. - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، لمحمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: بشار بن عواد معروف الناشر، جامعة بغداد، الطبعة: الثانية، 1397 هـ. - تاريخ الأمم والرسل والملوك، محمد بن جرير الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1407 هـ. - تاريخ بغداد، لأحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادى، دار الكتب العلمية، بيروت. - تاريخ دمشق، لابن عساكر، دار الفكر، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1419 هـ، 1998 م. - تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، لعبد الرحمن الجبرتي، الطبعة: الأولى، دار الكتب العلمية، 2005 هـ.
- تاريخ الفلسفة العربية، لجميل صليبا، دار الكتاب اللبناني. - التاريخ الكبير، لمحمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي، أبو عبد اللَّه، تحقيق، السيد هاشم الندوي، دار الفكر، بيروت، د، ط، د، ت. - تأويل مختلف الحديث، لعبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري، تحقيق: محمد زهري النجار، لبنان، بيروت، دار الجيل، 1393 هـ - 1972 م. - تاريخ واسط، لأسلم بن سهل الرزار الواسطي، تحقيق: كوركيس عواد، عالم الكتب، الطبعة: الأولى، 1406 هـ. - تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، إبراهيم بن علي بن فرحون اليعمري المالكي، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1406 هـ، 1986 م. - التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، طاهر بن محمد الإسفراييني، تحقيق: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، بيروت، الطبعة: الأولى، 1983 م. - التبصرة في أصول الدين على مذهب الإمام الجليل ناصر السنة وقامع البدعة أحمد بن حنبل، لأبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي، تحقيق: إبراهيم بن محمد الدوسري، رسالة ماجستير في قسم العقيدة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مطبوع على الآلة الكاتبة. - التبيان في آداب حملة القرآن، يحيى بن شرف الدين النووي، أبو زكريا، الوكالة العامة للتوزيع، دمشق، الطبعة: الأولى، 1403 هـ - 1983 م. - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، لعثمان بن علي الزيلعي، وعليه حاشية أحمد بن يونس الشلبي، دار الكتاب الإسلامي، د، ط، د، ت. - تذكرة الحفاظ، لشمس الدين أبي عبد اللَّه محمد الذهبي، بيروت، لبنان، دار إحياء التراث العربي.
- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، أبو عبد اللَّه، مكتبة مشكاة الإسلامية، الطبعة: العاشرة. - تحرير ألفاظ التنبيه، ليحيى بن شرف بن مري النووي، تحقيق: عبد الغني الدق، دار القلم، دمشق، الطبعة: الأولى، 1408 هـ. - التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، لبنان، بيروت، مؤسسة التاريخ العربي، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م. - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، أبو العلا، دار الكتب العلمية، بيروت. - تحفة الحبيب على شرح الخطيب (البجيرمي على الخطيب)، لسليمان بن محمد بن عمر البجيرمي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م. - تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب، لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق: عبد الغني بن حميد بن محمود الكبيسى، مكة المكرمة، دار حراء، 1406 هـ. - تحفة المحتاج في شرح المنهاج، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، دار إحياء التراث العربي، د، ط، د، ت. - التحقيق في أحاديث الخلاف، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج، تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 هـ. - تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج، ابن الملقن لسراج الدين عمر بن علي بن أحمد الشافعي، المحقق: حمدي عبد المجيد السلفي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1994 هـ.
- تذكرة الموضوعات، لمحمد طاهر بن علي الهندي الفتني. - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، أبو محمد، تحقيق، إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1417 هـ. - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، لأحمد بن علي بن حجو العسقلاني، تحقيق: إكرام اللَّه إمداد الحق، لبنان، بيروت، دار الكتاب العربي، الطبعة: الأولى. - التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، لسليمان بن خلف بن سعد أبو الوليد الباجي، تحقيق: د. أبو لبابة حسين دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة: الأولى، 1406 هـ، 1986 م. - تعظيم قدر الصلاة، محمد بن نصر بن الحجاج المروزي، أبو عبد اللَّه، تحقيق: د. عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، المدينة المنورة، مكتبة الدار، الطبعة: الأولى، 1406 هـ. - التعريفات، لعلي بن محمد بن علي الجرجاني، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1405 هـ. - تغليق التعليق على صحيح البخاري، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: سعيد عبد الرحمن موسى القزقي، المكتب الإسلامي، دار عمار، بيروت، الطبعة: الأولى، 1405 هـ. - تفسير أبي السعود "إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم"، محمد بن محمد العمادي، ، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - تفسير البيضاوى، للبيضاوي، دار الفكر، بيروت. - تفسير الخازن المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل، علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي الشهير بالخازن، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1399 هـ، 1979 م.
- تفسير روح البيان، إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي، دار إحياء التراث العربي. - تفسير الفخر الرازي، محمد بن عمر بن الحسين الرازي الشافعي المعروف بالفخر الرازي، دار إحياء التراث العربي. - تفسير القرآن، لعبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: د. مصطفى مسلم محمد، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة: الأولى، 1410 هـ. - تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، ت، سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1420 هـ, 1999 م. - تفسير القمي، للقمي، طبعة: إيران. - تفسير اللباب، لعمر بن على ابن عادل الدمشقي الحنبلي، دار الكتب العلمية، بيروت. - تفسير المظهري، مظهري محمد ثناء اللَّه، تحقيق: غلام نبي تونسي، مكتبة رشديه، باكستان، 1412 هـ. - تفسير مقاتل بن سليمان، لمقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بالولاء البلخي، تحقيق: أحمد فريد، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، الطبعة: الأولى، 1424 هـ، 2003 م. - تقريب التهذيب، لأحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: صغير بن أحمج شاغف الباكستاني، دار العاصمة، الرياض، الطبعة: الأولى، 1416 هـ. - التقرير والتحبير في شرح التحرير، محمد بن محمد بن محمد ابن أمير الحاج، دار الكتب العلمية، الطبعة: الثالثة، 1403 هـ، 1983 م. - التقرير والتحبير في شرح التحرير، محمد بن محمد ابن أمير الحاج، تحقيق: عبد اللَّه محمود محمد عمر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1419 هـ, 1999 م.
- تكملة الإكمال؛ لمحمد بن عبد الغني البغدادي أبو بكر، تحقيق: د. عبد القيوم عبد رب النبي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1410 هـ. - التلخيص الحبير، أحمد بن علي بن حجر، أبو الفضل العسقلاني، مؤسسة قرطبة، دار المشكاة، الطبعة: الأولى، 1416 هـ، 1995 م. - تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني، تحقيق: السيد عبد اللَّه هاشم اليماني المدني، المدينة المنورة، 1384 هـ، 1964 م. - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر النمري، تحقيق، مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 1387 هـ. - تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، تحقيق: مصطفى أبو الغيط عبد الحي عجيب، دار الوطن، الرياض، الطبعة: الأولى، 1421 هـ، 2000 م. - تنقيح تحقيق أحاديث التعليق، شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق: سامي بن محمد بن جاد اللَّه، وعبد العزيز بن ناصر الخباني، أضواء السلف، الرياض، الطبعة: الأولى، 1428 هـ، 2007 م. - تنقيح تحقيق أحاديث التعليق، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق: أيمن صالح شعبان، دار الكتب العلمية، بيروت، 1998 م. - تهذيب الآثار وتفصيل معاني الثابت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأخبار، لمحمد بن جرير الطبري، تحقيق: ناصر سعد الرشيد وعبد القيوم عبد رب النبي، مكة المكرمة، مطابع الصفا، 1403 هـ.
- تهذيب الأسماء واللغات، محيي الدين يحيى شرف الدين النووي، دار الكتب العلمية للنشر، لبنان، 2007 م. - تهذيب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار الفكر، بيروت، الطبعة: الأولى، 1404 هـ، 1984 م. - تهذيب الكمال، ليوسف بن الزكي عبد الرحمن أبو الحجاج المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: الأولى، 1400 هـ, 1980 م. - تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: الأولى، 2001 م. - توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم، أحمد بن إبراهيم بن عيسى، تحقيق: زهير الشاويش، بيروت، المكتب الإسلامي، الطبعة: الثالثة، 1406 هـ. - تيسير التحرير، لمحمد أمين المعروف بأمير بادشاه، دار الفكر. - تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، سليمان بن عبد اللَّه بن محمد ين عبد الوهاب، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض. - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ، 2000 م. - الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب، محمد ناصر الدين الألباني، غراس للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى. - الثقات، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، تحقيق، السيد شرف الدين أحمد، دار الفكر، الطبعة: الأولى، 1395 هـ، 1975 م.
- الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، أبو عبد اللَّه، تحقيق: أحمد البردوني، وإبراهيم أطفيش، القاهرة، دار الكتب المصرية، الطبعة: الثانية، 1384 هـ - 1964 م. - جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م. - جامع التحصيل في أحكام المراسيل، لأبي سعيد بن خليل بن كيكلدي أبو سعيد العلائي، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، بيروت، عالم الكتب، الطبعة: الثانية، 1407 هـ - 1986 م. - جامع الرسائل، لأبي العَباس أحمد بن عبد الحليم بن ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، الرياض، دار العطاء، الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2001 م. - الجامع الصحيح، سنن الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، تحقيق، أحمد محمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - الجامع الصحيح المختصر، محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، أبو عبد اللَّه، تحقيق، مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1407 هـ، 1987 م. - جامع العلوم والحكم، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة: الأولى، 1408 هـ. - جامع المسائل، لأبي العَباس أحمد بن عبد الحليم بن ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، تحقيق: محمد عزير شمس، إشراف: بكر بن عبد اللَّه أبو زيد، دار عالم الفوائد، الطبعة: الأولى، 1422 هـ.
- الجرح والتعديل، لعبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس أبو محمد الرازي التميمي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1271 هـ، 1952 م. - جزء من حديث ابن شاهين جمع أبي الحسين بن المهتدي، لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين، بحقيق: بدر البدر، الكويت، دار ابن الأثير - الكويت، الطبعة: الأولى، 1415 هـ، 1994 م. - جغرافية البحار والمحيطات، دراسة جغرافية في النشأة والتكوين، لطلعت أحمد عبده وحورية محمد حسين جاد اللَّه، الرياض, دار الخريجي، الطبعة الثانية، 1418 هـ، 1997 م. - جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، نعمان خير الدين الألوسي، تقديم: علي السيد صبح المدني، مطبعة المدني، 1401 هـ، 1981 م. - جمهرة أنساب العرب، لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1424 هـ - 2003 م. - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، أبو العباس، تحقيق: د. علي حسن ناصر، د. عبد العزيز إبراهيم العسكر، د. حمدان محمد، دار العاصمة، الرياض، الطبعة: الأولى، 1414 هـ. - الجوهر النقي، لعلاء الدين بن علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني، دار الفكر. - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، أبو عبد اللَّه، دار الكتب العلمية، بيروت. - حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب، سليمان بن عمر بن محمد البجيرمي، المكتبة الإسلامية، ديار بكر، تركيا.
- حاشية الجمل على المنهج، لسليمان الجمل، لبنان، بيروت، دار الفكر. - حاشية العطار على جمع الجوامع، لحسن العطار، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 هـ، 1999 م. - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، دار إحياء الكتب العربية، د، ط، د، ت. - حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي، الطبعة: الرابعة، 1410 هـ. - حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي، علي الصعيدي العدوي، دار الفكر، 1414 هـ، 1994 م. - حاشيتا القليوبي وعميرة، أحمد سلامة القليوبي، وأحمد الرلسي عميرة، إحياء الكتاب العربي، د، ط، 1415 هـ، 1995 م. - حاشية كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي، الطبعة الثالثة، 1408 هـ. - الحاوى الكبير، أبو الحسن الماوردي، دار النشر، دار الفكر، بيروت. - حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار، لمحمد بن عمر بحرق الحضرمي الشافعي، تحقيق محمد غسان نصوح عزقول، دار الحاوي، بيروت، 1998 م. - الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، لزكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري، تحقيق: د. مازن المبارك، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة: الأولى، 1411 هـ. - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصبهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة: الرابعة، 1405 هـ.
- حياة الحيوان الكبرى، لكمال الدين محمد بن موسى بن عيسى الدميري، تحقيق: أحمد حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: الثانية، 1424 هـ - 2003 م. - الحيوان، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1416 هـ - 1996 م. - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، لمحمد أمين فضل اللَّه المحبي، تحقيق: محمد حسن محمد إسماعيل، لبنان، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1427 هـ، 2006 م. - دراسات في النيل، لصلاح الدين الشامي، مصر، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1967 م. - الدارس في تاريخ المدارس، لعبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1410 هـ, 1990 م. - درء تعارض العقل والنقل، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، أبو العباس، تحقيق، محمد رشاد سالم، دار الكنوز الأدبية، الرياض، 1391 هـ. - درر الحكام شرح غرر الأحكام، محمد بن فرموزا (منلاخسرو)، دار إحياء الكتب العربية، د، ط، د، ت. - الدرر في اختصار المغازي والسير، لأبي عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، تحقيق: الدكتور شوقي ضيف، وزارة الأوقاف المصري، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1415 هـ، 1995 م.
- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، للحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، تحقيق: محمد عبد المعيد ضان، مجلس دائرة المعارف العثمانية، صيدر أباد، الهند، 1392 هـ، 1972 م. - الدر المنثور في التفسير بالمأثور، لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: مركز هجر للبحوث، دار هجر، مصر، 1424 هـ، 2003 م. - الدرة فيما يجب اعتقاده، لأبي محمد ابن حزم، تحقيق: أحمد الحمد وسعيد القزق، مكتبة التراث، الطبعة: الأولى. - دستور العلماء أو جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، للقاضي عبد رب النبي بن عبد رب الرسول الأحمد نكري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2000 م. - دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (شرح منتهى الإرادات)، منصور بن يونس البهوتي، عالم الكتب، د، ط، د، ت. - دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: محمد السيد الجليند، دمشق، مؤسسة علوم القرآن، الطبعة الثانية، 1404 هـ. - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لابن فرحون، دراسة وتحقيق: مأمون بن محيي الدين الجنّان، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، سنة 1417 هـ، 1996 م. - الذخيرة، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: محمد حجي، بيروت، دار الغرب، 1994 م. - ذيل تذكرة الحفاظ، لأبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن الحسيني الدمشقي، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1419 هـ، 1998 م.
- ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد، لمحمد بن أحمد بن علي، تقي الدين، أبو الطيب المكي الحسني الفاسي، المحقق: كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1410 هـ، 1990 م. - ذيل طبقات الحنابلة، لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق: محمد حامد فقي، مطبعة السنة المحمدية، 1372 هـ، 1952 م. - رجال صحيح مسلم، لأبي بكر، أحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني، تحقيق: عبد اللَّه الليثي، دار المعرفة، بيروت، 1407 هـ. - رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر (ابن عابدين)، دار الكتب العلمية، د، ط، 1412 هـ، 1992 م. - الرد على البكري "تلخيص كتاب الاستغاثة"، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، تحقيق: محمد علي عجال، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1417 هـ. - رسالة إلى أهل الثغر، علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل الأشعري، تحقيق، عبد اللَّه شاكر محمد الجنيدي، مكتبة العلوم والحكم، دمشق، الطبعة: الأولى، 1988 هـ. - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، لمحمود الألوسي أبو الفضل، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، لعبد الرحمن السهيلي، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل، دار الكتب الإسلامية، الطبعة: الأولى، 1387 هـ، 1967 م. - الروض المعطار في خبر الأقطار، محمد بن عبد المنعم الحِميري، تحقيق: إحسان عباس، مؤسسة ناصر للثقافة، بيروت، الطبعة: الثانية، 1980 م.
- روضة الطالبين وعمدة المفتين، لمحيي الدين النووي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية. - روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ابن قدامة المقدسي، مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1423 هـ. - رياض الصالحين، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت. - زاد المسير في علم التفسير، عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1404 هـ. - زاد المعاد في هدي خير العباد، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، أبو عبد اللَّه، تحقيق، شعيب الأرناؤوط، عبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار الإسلامية، بيروت، الطبعة الرابعة عشر، 1407 هـ، 1986 م. - الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري الهروي أبو منصور، تحقيق: د. محمد جبر الألفي، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، الطبعة: الأولى، 1399 م. - سبل السلام، محمد بن إسماعيل الكحلاني الصنعاني، دار الحديث، د، ط، د، ت. - سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، 1415 هـ، 1995 م. - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني، دار المعارف، الرياض، الطبعة: الأولى، 1412 هـ، 1992 م.
- سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، لمحمد خليل المرادي، دار ابن حزم، بيروت. - سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد أبو عبد اللَّه القزويني، تحقيق، محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، د، ط، د، ت. - سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، تحقيق، محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، د، ط، د، ت. - سنن البيهقي الكبرى، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكة المكرمة، مكتبة دار الباز، 1414 هـ - 1994 م. - سنن الدارقطني، علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، تحقيق، السيد عبد اللَّه هاشم يماني المدني، دار المعرفة، بيروت، 1386 هـ - 1966 م. - سنن الدارمي، عبد اللَّه بن عبد الرحمن أبو محمد الدارمي، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، خالد السبع العلمي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1407 هـ. - السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، مكتبة ابن تيمية. - سير أعلام النبلاء، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وجماعة، الرياض، مؤسسة الرسالة، 1401 هـ. - السيرة النبوية، لأبي الفداء إسماعيل ابن كثير، الطبعة: الأولى، دار الكتب العلمية. - السيرة النبوية، لعبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، بيروت، دار الجيل، 1411 هـ.
- السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار ابن حزم، الطبعة: الأولى. - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد مخلوف، القاهرة، المكتبة السلفية، 1349 هـ. - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي، ابن العماد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، هبة اللَّه بن الحسن بن منصور اللالكائي، أبو القاسم، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان، دار طيبة، الرياض، 1402 هـ. - شرح تنقيح الفصول، لشهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي، إعداد: ناصر بن علي بن ناصر الغامدي، 1421 هـ، 2000 م. - شرح حدود ابن عرف، محمد بن قاسم الرصاع، دار الكتب العلمية، 1350 هـ. - شرح الزركشي على مختصر الخرقي، شمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الزركشي المصري الحنبلي، تحقيق: عبد المنعم خليل إبراهيم، لبنان، بيروت، دار الكتب العلمية، 1423 هـ - 2002 م. - شرح السنة، لحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، الطبعة: الثانية، 1403 هـ، 1983 م. - شرح صحيح البخاري، علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، أبو الحسين، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، الرياض، مكتبة الرشد، الطبعة: الثانية، 1423 هـ - 2003 م.
- شرح العقيدة الأصفهانية، لابن تيمية، تقديم حسين مخلوف، دار الكتب الحديثة. - شرح العقيدة الطحاوية، صدر الدين محمد بن علاء الدين عليّ بن محمد ابن أبي العز الحنفي، الأذرعي الصالحي الدمشقي، تحقيق: أحمد شاكر، الرياض، وزارة الشؤون الإسلامية، والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة: الأولى، 1418 هـ. - شرح الكوكب المنير، لأبي البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي (ابن النجار)، تحقيق: محمد الزحيلي ونزيه حماد، المملكة العربية السعودية، مكتبة العبيكان، الطبعة الثانية، 1418 هـ - 1997 م. - شرح فتح القدير، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي، دار الفكر، بيروت. - شرح مختصر الروضة، سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع، المحقق: عبد اللَّه بن عبد المحسن التركى، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1407 هـ، 1987 م. - شرح معاني الآثار، أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، دار المعرفة، الطبعة الأولى، 1399 هـ، 1979 م. - الشرح الكبير، شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار الكتاب العربي. - الشريعة، لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري، تحقيق: عبد اللَّه بن عمر بن سليمان الدميجي، دار الوطن، الرياض. - الشفاء بالنباتات والأعشاب والطب الطبيعي من القانون في الطب، لأبي علي الحسين بن عبد اللَّه بن سينا، تحقيق: محمد أمين الضناوي، لبنان، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1426 هـ، 2005 م.
- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، محمد بن أبي بكر الزرعي، ابن قيم الجوزية، تحقيق، محمد بدر الدين أبو فراس النعساني الحلبي، دار الفكر، بيروت، 1398 هـ، 1978 م. - الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي، عليه حاشية لـ، أحمد بن محمد بن محمد الشمني. - الصارم المسلول على شاتم الرسول، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، تحقيق، محمد عبد اللَّه عمر الحلواني، محمد كبير أحمد شودري، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، 1417 هـ. - الصحاح؛ تاج اللغة وصحاح العربية، لإسماعيل بن حماد الجوهري، دار العلم، بيروت، الطبعة: الرابعة، يناير 1990 م. - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، لمحمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1414 هـ - 1993 م. - صحيح أبي داود، لمحمد ناصر الدين الألباني، مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2002 م. - صحيح الترغيب والترهيب، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة: الخامسة. - صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير)، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1408 هـ - 1988 م. - صحيح سنن أبي داود، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة: الأولى، 1419 هـ، 1998 م. - صحيح سنن الترمذي، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة: الأولى، 1420 هـ، 2000 م.
- صحيح سنن النسائي، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة: الأولى، 1419 هـ، 1998 م. - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، تحقيق، محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - الصفدية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، أبو العباس، تحقيق، د. محمد رشاد سالم، الطبعة. الثانية، 1406 هـ. - صفة الصفوة، لعبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج، تحقيق: محمود فاخوري، د. محمد رواس قلعجي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة: الثانية، 1399 هـ - 1979 م. - الصلاة وحكم تاركها وسياق صلاة النبي من حين كان يكبر إلى أن يفرغ منها، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، تحقيق: بسام عبد الوهاب الجابي، دار ابن حزم، قبرص، بيروت، الطبعة: الأولى، 1416 هـ، 1996 م. - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، تحقيق: د. علي بن محمد الدخيل اللَّه، دار العاصمة، الرياض، الطبعة: الثالثة، 1418 هـ، 1998 م. - الضعفاء الصغير، لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، سورية، حلب، دار الوعي، الطبعة الأولى، 1396 هـ. - الضعفاء والمتروكين، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج، تحقيق: عبد اللَّه القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406 هـ. - الضعفاء والمتروكين، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، تحقيق: محمود إبراهيم زاي، دار الوعي، حلب، الطبعة: الأولى، 1369 هـ.
- ضعيف الترغيب والترهيب، محمد ناصر الدين الألبانى، مكتبة المعارف، الرياض. - ضعيف الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير)، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1408 هـ، 1988 م. - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، دار الجيل، الطبعة: الأولى، 1412 هـ، 1992 م. - الطبقات، لخليفة بن خياط، أبو عمر الليثي العصفري، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثانية، 1402 هـ، 1982 م. - طبقات الحفاظ، لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي أبو الفضل، دار الكتب العلمية، ببيروت، الطبعة: الأولى، 1403 هـ. - طبقات الحنابلة، لأبي الحسين محمد بن محمد ابن أبي يعلى، المحقق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت. - الطبقات السنية في تراجم الحنفية، لعبد القادر التميمي الغزي المصري، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو، الرياض، دار الرفاعي، الطبعة الأولى، 1403 هـ، 1983 م. - طبقات الشافعية، لأبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة، تحقيق: د. الحافظ عبد العليم خان، عالم الكتب، بيروت، الطبعة: الأولى، 1407 هـ. - طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي، د. عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1413 هـ.
- طبقات الفقهاء، لأبي إسحاق الشيرازي، تهذيب: محمد بن جلال الدين المكرم ابن منظور، تحقيق: إحسان عباس، الطبعة: الأولى، دار الرائد العربي، بيروت، لبنان، 1970 م. - الطبقات الكبرى، لأبي عبد اللَّه محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، الطبعة: الأولى، 1968 م. - طبقات المفسرين، لأحمد بن محمد الأدنروي، تحقيق: سليمان بن صالح الخزي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1997 م. - طبقات المفسرين، لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: علي محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1396 هـ. - طرح التثريب، عبد الرحمن بن الحسين العراقي، دار إحياء الكتب العربية، د، ط، د، ت. - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد اللَّه، تحقيق: د. محمد جميل غازي، مطبعة المدني، القاهرة. - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، لنجم الدين بن حفص النسفي، دار القلم، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1406 هـ. - طوائف لبنان والمشي فوق الألغام، لنهى قاطرجي. - ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1413 هـ، 1993 م. - عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي، أبو بكر محمد بن عبد اللَّه بن العربي، تحقيق: جمال المرعشلي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1418 هـ.
- العبر في خبر من غبر، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: د. صلاح الدين المنجد، الناشر مطبعة حكومة الكويت، الكويت، 1984 م. - العدة في أصول الفقه، القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء، تحقيق: د أحمد بن علي بن سير المباركي، الطبعة: الثانية، 1410 هـ، 1990 م. - العدة شرح العمدة، عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد، أبو محمد بهاء الدين المقدسي، تحقيق: صلاح بن محمد عويضة، دار الكتب العلمية، الطبعة: الثانية، 1426 هـ - 2005 م. - العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن قدامة المقدسي، أبو عبد اللَّه، تحقيق، محمد حامد الفقي، دار الكاتب العربي، بيروت. - عقيدة السلف وأصحاب الحديث، لأبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، تحقيق: د: ناصر الجديع، الرياض، دار العاصمة، الطبعة: الأولى، 1415 هـ. - علل الحديث، لابن أبي حاتم: أبو محمد عَبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن مهران الرازي، تحقيق: الدكتور سعد بن عبد اللَّه الحميد. - علل الترمذي الكبير، لأبي طالب القاضي، تحقيق: صبحي السامرائي، أبو المعاطي النوري، محمود الصعيدي، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1409 هـ. - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق، خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ.
- العلل الواردة في الأحاديث النبوية، لأبي الحسن علي بن عُمَر ابن أحمد بن مهدي الدارقطني، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين اللَّه دار طيبة، الرياض، الطبعة: الأولى، 1405 هـ، 1985 م. - العلل ومعرفة الرجال، أحمد بن حنبل أبو عبد اللَّه الشيباني، تحقيق، وصي اللَّه بن محمد عباس، المكتب الإسلامي، دار الخانى، بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ - 1988 م. - علماء نجد خلال ستة قرون، لعبد اللَّه بن عبد الرحمن البسام، الطبعة الأولى، 1398 هـ. - العلو للعلي الغفار، أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، تحقيق، أبو محمد أشرف بن عبد المقصود، مكتبة أضواء السلف، الرياض، الطبعة: الأولى، 1995 م. - عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين محمود بن أحمد العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - العناية شرح الهداية، محمد بن محمد بن محمود البابرتي، دار الفكر. - عنوان المجد في تاريخ نجد، لعثمان بن عبد اللَّه بن بشر، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، من مطبوعات دارة الملك عبد العزيز، الطبعة الرابعة، 1403 هـ. - عون المعبود شرح سنن أبي داود، محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1415 هـ. - العين، لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال. - غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، أحمد بن محمد بن سالم السفاريني، مؤسسة قرطبة، الطبعة: الثانية، 1414 هـ، 1993 م.
- الغرر البهية شرح البهجة الوردية، زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري، المطبعة الميمنية، د، ط، د، ت. - غريب الحديث، حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي أبو سليمان، تحقيق، عبد الكريم إبراهيم العزباوي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1402 هـ. - غريب الحديث، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي ابن عبيد اللَّه بن حمادي بن أحمد بن جعفر بن الجوزي، أبو الفرج، تحقيق، د. عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1985 م. - غريب الحديث، عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري أبو محمد، تحقيق، د. عبد اللَّه الجبوري، مطبعة العاني، بغداد، الطبعة: الأولى، 1397 هـ. - غريب الحديث، القاسم بن سلام الهروي أبو عبيد، تحقيق، د. محمد عبد المعيد خان، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1396 هـ. - غريب الحديث لابن سلام، طبع بإعانة: وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية، الطبعة: الأولى، بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، الدكن، 1384 هـ، 1964 م. - فتاوى السبكي، علي بن عبد الكافي السبكي، دار المعارف، د، ط، د، ت. - الفتاوى الكبرى، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1408 هـ، 1987 م. - الفتاوى الهندية، لجنة علماء برئاسة نظام الدين البلخي، دار الفكر، د، ط، 1411 هـ, 1991 م. - فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ، جَمع وترتيب وتحقيق: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1399 هـ.
- فتح الباري، زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن شهاب الدين البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب، تحقيق: أبو معاذ طارق بن عوض اللَّه بن محمد، دار ابن الجوزي، الدمام، السعودية، الطبعة: الثانية، 1422 هـ. - فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، 1379 هـ. - فتح القدير، كمال الدين بن عبد الواحد بن الهمام، دار الفكر، د، ت، د، ط. - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، مصر، دار الوفاء، الطبعة: الثانية، 1418 هـ، 1997 م. - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار الفكر، بيروت. - الفتح المبين في طبقات الأصوليين، لعبد اللَّه مصطفى المراغي، مطبعة أنصار السنة المحمدية، مصر، 1366 هـ، 1947 م. - الفتنة ووقعة الجمل، سيف بن عمر الضبي الأسدي، تحقيق: أحمد راتب عرموش، دار النفائس، بيروت، الطبعة: الأولى، 1931 م. - الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي، بيروت، دار الآفاق الجديدة، الطبعة: الثانية، 1977 م. - الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، مكتبة محمد علي صبيح. - الفروع، محمد بن مفلح بن محمد المقدسي، عالم الكتب، الطبعة: الرابعة، 1405 هـ، 1985 م.
- الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم، تحقيق: محمد إبراهيم نصر، عبد الرحمن عميرة، شركة مكتبات عكاظ، جدة، الرياض، الطبعة: الأولى، 1402 هـ - 1982 م. - الفصول في الأصول، لأحمد بن علي الرازي الجصاص، تحقيق: د. عجيل جاسم النشمي، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، دولة الكويت، الطبعة: الأولى، الجزء 1 - 2، 1405 هـ، الطبعة: الثانية، الجزء 3، 1408 هـ، الجزء 4، 1414 هـ. - الفقه على المذاهب الأربعة، لعبد الرحمن الجزيري، دار الفكر، 1406 هـ، 1986 م. - الفقيه والمتفقه، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، المعروف بالخطيب البغدادي، المحقق: عادل بن يوسف العزازي، دار ابن الجوزي، السعودية، 1417 هـ. - الفلزات الخفيفة وسبائكها، لمحمد عز الدهشان، الرياض، جامعة الملك سعود، الطبعة الأولى، 1418 هـ، 1997 م. - الفوائد البهية في تراجم الحنفية، لمحمد عبد الحي اللكنوي الهندي، تحقيق: أحمد الزعبي، دار الأرقم للطباعة، الطبعة: الأولى. - فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر الكتبي، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1973 م، الطبعة: الأولى. - الفواكه الدواني شرح رسالة أبي زيد القيرواني، أحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي، دار الفكر، د، ط، 1415 هـ، 1995 م. - فيض القدير شرح الجامع الصغير، لمحمد عبد الرؤوف المناوي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة: الأولى، 1356 هـ.
- فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير، لمحمد عبد الرؤوف المناوي، ضبطه وصححه. أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1994 م. - القاموس الفقهي لغة واصطلاحا، لسعدي أبو جيب، دمشق، دار الفكر، الطبعة: الثانية، 1408 هـ، 1988 م. - قاموس الغذاء والتداوي بالنبات، لأحمد قدامة، لبنان، بيروت، دار النفائس، الطبعة الخامسة، 1405 هـ، 1985 م. - القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت. - قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن. - القصيدة النونية، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة: الثانية، 1417 هـ. - قواعد الأحكام في مصالح الأنام، لأبي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، تحقيق: محمود بن التلاميد الشنقيطي، دار المعارف، بيروت، لبنان. - القواعد لابن رجب، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، دار الكتب العلمية، د، ط، د، ت. - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، حمد بن أحمد الذهبي الدمشقي، أبو عبد اللَّه، تحقيق، محمد عوامة، جدة، دار القبلة للثقافة الإسلامية، مؤسسة علو، الطبعة: الأولى، 1413 هـ، 1992 م. - الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل، عبد اللَّه بن قدامة المقدسي، أبو محمد، لبنان، دار الفكر، 1412 هـ، 1992 م.
- الكامل فى التاريخ، لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني، تحقيق: عبد اللَّه القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1415 هـ. - الكامل في ضعفاء الرجال، عبد اللَّه بن عدي الجرجاني، أبو أحمد، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م. - الكامل في ضعفاء الرجال، عبد اللَّه بن عدي بن عبد اللَّه بن محمد أبو أحمد الجرجاني، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، دار الفكر، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1409 هـ، 1988 م. - كتاب التوحيد، لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق: عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة: الخامسة، 1414 هـ - 1994 م. - كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي، دار الفكر، 1402 هـ, 1982 م. - كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، لمحمد على التهانوى، بيروت، مكتبة لبنان، 1996 م. - كشف الأسرار شرح أصول البروذي، عبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري، دار الكتاب الإسلامي، د، ط، د، ت. - كشف الشبهات، لمحمد بن عبد الوهاب، الناشر، شرح العلامة محمد بن صالح العثيمين، الرياض، دار الثريا، الطبعة الثانية، 1417 هـ، 1996 م. - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لمصطفى بن عبد اللَّه القسطنطيني الرومي الحنفي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 هـ، 1992 م.
- كشف المشكل من حديث الصحيحين، لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن، الرياض، 1418 هـ - 1997 م. - الكشف والبيان، لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1422 هـ. - الكليات، لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفومي، تحقيق: عدنان درويش، محمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1419 هـ - 1998 م. - الكيمياء الطريفة، لنصرت بيرقدار، سورية، دمشق، دار علاء الدين، الطبعة الأولى، 2008 م. - اللباب في تهذيب الأنساب، لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني الجزري، دار صادر، بيروت، لبنان، 1400 هـ، 1980 م. - اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، لأبي محمد على بن زكريا المَنْبَجي، تحقيق: محمد فضل عبد العزيز المراد، دمشق، دار القلم، الطبعة الثانية، 1414 هـ - 1994 م. - لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر، بيروت، الطبعة: الأولى. - لسان الميزان؛ لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، تحقيق: دائرة المعرف النظامية، الهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1406 هـ، 1986 م. - لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، لشمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي، مؤسسة الخافقين ومكتبتها، دمشق، الطبعة: الثانية، 1402 هـ - 1982 م.
- المؤتلف والمختلف للدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي، تحقيق: موفق بن عبد اللَّه بن عبد القادر، دار الغرب الإسلام. - المبدع شرح المقنع، إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، الرياض، دار عالم الكتب، 1423 هـ، 2003 م. - المبسوط، محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، دار المعرفة، د، ط، 1409 هـ، 1989 م. - المجتبى من السنن، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، تحقيق، عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة: الثانية، 1406 هـ، 1986 م. - المجروحين، أبو حاتم محمد بن حبان البستي، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب. - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن شيخي زاده (ابن دامان)، دار إحياء التراث العربي، د، ط، د، ت. - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الفكر، بيروت، 1412 هـ. - مجموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق: أنور الباز، وعامر الجزار، دار الوفاء، الطبعة: الثالثة، 1426 هـ, 2005 م. - المجموع شرح المهذب، يحيى بن شرف النووي، مطبعة المنيرية، د، ط، د, ت. - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة: الأولى، 1413 هـ، 1993 م.
- المحصول في علم أصول الفقه، القاضي أبو بكر بن العربي المعافري المالكي، تحقيق: حسين علي اليدري، دار البيارق - الأردن، الطبعة: الأولى، 1420 هـ، 1999 م. - المحصول في علم الأصول، محمد بن عمر بن الحسين الرازي، تحقيق: طه جابر فياض العلواني جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، الطبعة: الأولى، 1400 هـ. - المحلى بالآثار، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، دار الفكر، د، ط، د، ت. - المحكم والمحيط الأعظم، لعلي بن إسماعيل بن سيده، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 2000 م. - المحكم والمحيط الأعظم، لعلي بن إسماعيل بن سيده، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج، معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، الطبعة الأولى، 1377 هـ. - المحيط في اللغة، لأبي القاسم إسماعيل ابن عباد بن العباس بن أحمد بن إدريس الطالقاني، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، بيروت، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1414 هـ - 1994 م. - مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، تحقيق، محمود خاطر، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، طبعة جديدة، 1415 هـ - 1995 م. - مختصر اختلاف العلماء، أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، تحقيق: د. عبد اللَّه نذير أحمد، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة: الثانية، 1417 هـ. - مختصر الفتاوى المصرية، لأبي عبد اللَّه محمد بن علي الحنبلي البعلي، تحقيق: محمد حامد الفقي، المملكة العربية السعودية، الدمام، دار ابن القيم، 1406 هـ - 1986 م.
- المخصص، لأبي الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي المعروف بابن سيده، تحقيق: خليل إبراهيم جفال، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1417 هـ، 1996 م. - مذاهب الإسلاميين، لعبد الرحمن بدوي، ط دار العلم للملايين، بيروت 1971 م. - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن القيم، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد اللَّه، تحقيق، محمد حامد الفقي، بيروت، دار الكتاب العربي، الطبعة: الثانية، 1393 هـ، 1973 م. - المدخل، محمد بن محمد العبدري (ابن الحاج)، دار التراث، د، ط، د، ت. - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، عبد القادر بن بدران الدمشقي، تحقيق: د. عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: الثانية، 1401 هـ. - المدونة، للإمام مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415 هـ، 1995 م. - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي بن سلطان محمد القاري، تحقيق: جمال عيتاني، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، الطبعة: الأولى، 1422 هـ، 2001 م. - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، بعناية: حسن أحمد إسبر، بيروت، دار ابن حزم، الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م. - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، دار الكتب العلمية، بيروت.
- مسائل الإجماع في عقود المعاوضات المالية، لعلي بن عبد العزيز بن أحمد الخضيري، رسالة لنيل درجة الدكتوراة قسم الفقه وأصوله قسم الثقافة الإسلامية بكلية التربية جامعة الملك سعود، عام 1428 هـ، 1429 هـ. - المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع جمعًا ودراسة، لخالد الجعيد وعلي العلياني وناصر الجهني، المملكة العربية السعودية، دار الفضيلة، الطبعة الأولى، 1428 هـ، 2007 م. - مسند إسحاق بن راهويه، إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، تحقيق: د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1412 هـ، 1991 م. - مسائل الإمام أحمد، لابن هاني، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، 1400 هـ. - المستدرك، الحاكم، تحقيق، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ - 1990 م. - المستصفى في علم الأصول، محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1413 هـ. - مسند أبي يعلى، أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، الطبعة: الأولى، 1404 هـ، 1984 م. - مسند البزار (البحر الزخار)، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، تحقيق: محفوظ الرحمن زين اللَّه، وعادل بن سعد، وصبري عبد الخالق الشافعي، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة: الأولى، 1988 م.
- مسند الروياني، لمحمد بن هارون الروياني أبو بكر، تحقيق: أيمن علي أبو يماني، مؤسسة قرطبة، القاهرة، 1416 هـ. - مسند الشافعي، محمد بن إدريس الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت. - المسودة في أصول الفقه، لآل تيمية، حيث بدأ بتصنيفهما الجدّ: مجد الدين عبد السلام بن تيمية، ثم أضاف إليها الأب: عبد الحليم بن تيمية، ثم أكملها الابن الحفيد: أحمد بن تيمية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المدني، القاهرة. - مشارق الأنوار على صحاح الآثار، للقاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي، المكتبة العتيقة ودار التراث، د، ت. - مشاهير علماء الأمصار، لمحمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، تحقيق م. فلايشهمر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1959 م. - مشاهير علماء نجد وغيرهم، لعبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد اللَّه آل الشيخ، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الطبعة: الأولى، 1392 هـ - 1972 م. - مشكاة المصابيح، محمد بن عبد اللَّه الخطيب التبريزي، تحقيق: تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1405 هـ, 1985 م. - مشكل الآثار, أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1333 هـ. - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني، تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي، بيروت، دار العربية، 1403 هـ.
- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المكتبة العلمية، بيروت. - المصنف، عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة، دار الفكر، د، ط، 1414 هـ، 1994 م. - مصنف عبد الرزاق، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق، حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 هـ. - مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد بن عبدة الرحيباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1414 هـ، 1993 م. - المطلع على أبواب الفقه، لمحمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي، تحقيق: محمد بشير الأدلبي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1401 هـ - 1981 م. - معالم التنزيل، الحسين بن مسعود البغوي، أبو محمد، حققه وخرج أحاديثه، محمد عبد اللَّه النمر، عثمان جمعة ضميرية، سليمان مسلم الحرش، دار طيبة للنشر التوزيع، الطبعة: الرابعة، 1417 هـ، 1997 م. - معالم السنن "شرح سنن أبي داود"، أبو سليمان أحمد بن محمد الخطابي البستي، المطبعة العلمية، حلب، الطبعة: الأولى، 1351 هـ، 1932 م. - المعتمد في أصول الفقه، محمد بن علي بن الطيب البصري أبو الحسين، تحقيق: خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1403 هـ. - المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد الطبراني، أبو القاسم، تحقيق: طارق بن عوض اللَّه بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، 1415 هـ.
- معجم البلدان، ياقوت بن عبد اللَّه الحموي أبو عبد اللَّه، دار الفكر، بيروت. - معجم الصحابة، لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع البغدادي، تحقيق: خليل إبراهيم قوتلاي، مطبعة: نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الرياض، الطبعة: الأولى. - معجم قبائل العرب، لعمر حكالة، بيروت، دار العلم، 1388 هـ، 1968 م. - معجم الفروق اللغوية، لأبي هلال العسكري، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، الطبعة: الأولى، 1412 هـ. - المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، تحقيق، حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، الطبعة: الثانية، 1404 هـ، 1983 م. - معجم الكيمياء التعريفات العلمية، لميرفانا ياسر سلامة، الأردن، عمان، دار صفاء، الطبعة الأولى، 1430 هـ، 2009 م. - معجم لغة الفقهاء، لمحمد قلعجي، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، بيروت، الطبعة: الأولى، 1405 هـ - 1985 م. - معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، عبد اللَّه بن عبد العزيز البكري الأندلسي، تحقيق: مصطفى السقا، عالم الكتب، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1403 هـ. - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، مكتبة المثنى، بيروت دار إحياء التراث العربي، بيروت. - معجم المحدثين، لمحمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، تحقيق: محمد الحبيب الهيلة، المملكة العربية السعودية، الطائف، مكتبة الصديق، الطبعة الأولى، 1408 هـ.
- المعجم الوسيط، لإبراهيم مصطفى، وأحمد الزيات، وحامد عبد القادر، ومحمد النجار، دار الدعوة، تحقيق: مجمع اللغة العربية. - معجم المطبوعات العربية والمعرَّبة، ليوسف إليان سركيس، مطبعة سركيس، مصر، 1346 هـ، 1928 م. - المعلم بفوائد مسلم، لمحمد بن علي المازري، تحقيق: محمد الشاذلي، المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات، بيت الحكمة، الدار التونسية للنشر، تونس، الطبعة: الثانية، 1987 م. - معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام، لعلاء الدين علي بن خليل الطرابلسي الحنفي، مصر، مطبعة مصطفى البابي وأولاده، الطبعة الثانية، 1393 هـ، 1973 م. - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر القرطبي، دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب، دمشق، وبيروت، الطبعة: الأولى، 1417 هـ، 1996 م. - معرفة الصحابة، لأبي نعيم أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة: الأولى، 1419 هـ، 1998 م. - المغني شرح مختصر الخرقي، موفق الدين عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1405 هـ، 1985 م. - مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، لشمس الدين محمد بن أحمد الشربيني الخطيب، دار الكتب العلمية. - مفاتيح العلوم، لمحمد بن أحمد الخوارزمي، مكتبة الكليات الأزهرية، ط 2, 1401 هـ.
- مفاتيح الغيب، فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1421 هـ، 2000 م. - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، لعبد الرحمن السخاوي، دار الكتاب العربي. - المقدمات المهمات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات، والتحصيلات المحكمات، لأبي الوليد محمد بن رشد، مكتبة المثنى، بغداد. - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، عبد الرحمن السخاوي، دار الكتاب العربي. - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، علي بن إسماعيل الأشعري، أبو الحسن، تحقيق: هلموت ريتر، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة: الثالثة. - مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا، تحقيق، عبد السَّلام محمد هَارُون، اتحاد الكتاب العرب، 1423 هـ، 2002 م. - ملتقى أهل التأويل. www.attaweel.com - ملتقى أهل الحديث. www.ahlalhadeeth.com - الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، بيروت، دار المعرفة، 1404 هـ. - منار السبيل في شرح الدليل، إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان، تحقيق: عصام القلعجي، مكتبة المعارف، الرياض، 1405 هـ. - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم؛ لعبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج، دار صادر، بيروت، الطبعة: الأولى، 1358 هـ.
- المنجد في الكيمياء شرح وتفسير التعابير والمصطلحات الكيميائية، لبوسيف ويفيموف، ترجمة: عيسى مسوح، موسكو، دار مير، 1978 م. - منح الجليل شرح مختصر خليل، محمد بن أحمد بن محمد (عليش)، دار الفكر، د، ط، 1409 هـ، 1989 م. - المنتخب من كتاب ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعيه، لأبى جعفر محمد بن جرير الطبري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان. - المنتقى شرح الموطأ، لسليمان بن خلف الباجي، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة: الثانية، د: ت. - المنثور في القواعد الفقهية، بدر الدين بن محمد بهادر الزركشي، وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة: الثانية، 1405 هـ، 1985 م. - منهاج السنة النبوية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، أبو العباس، تحقيق، محمد رشاد سالم، مؤسسة قرطبة، الطبعة: الأولى، 1406 هـ. - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1392 هـ. - الموافقات، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي، تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1997 م. - موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، لسعدي أبو جيب. - الموسوعة العربية العالمية، قرص إلكتروني لم يُطبع، لمجموعة من العلماء من شتى الفنون. - الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، وزارة الأوقاف الكويتية.
- موسوعة في علم الكيمياء، لأحمد مدحت سالم، مصر، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، 1427 هـ، 2007 م. - موطأ الإمام مالك، مالك بن أنس أبو عبد اللَّه الأصبحي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، مصر. - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، أبو عبد اللَّه، تحقيق: علي محمد البجاوي، لبنان، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر. - النبذة الكافية في أحكام أصول الدين، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد، تحقيق: محمد أحمد عبد العزيز، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1405 هـ. - نسب قريش؛ لأبي عبد اللَّه المصعب بن عبد اللَّه بن المصعب الزبيري، تحقيق: ليفي بروفسال، دار المعارف، القاهرة. - نصب الراية لأحاديث الهداية، لجمال الدين أبو محمد عبد اللَّه بن يوسف بن محمد الزيلعي، تحقيق: محمد عوامة، لبنان، بيروت، مؤسسة الريان للطباعة والنشر، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م. - نظم العقيان في أعيان الأعيان؛ لجلال الدين السيوطي، دار النشر، المكتبة العلمية، بيروت. - نظرات وتعقيبات على ما في كتاب السلفية من الهفوات، لمحمد سعيد رمضان. - نقد مراتب الإجماع، تقي الدين أبو العَباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد اللَّه بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، بعناية: حسن أحمد إسبر، بيروت، دار ابن حزم، الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م.
- نهاية السول شرح منهاج الوصول، لجمال الدين عبد الرحيم الإسنوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1420 هـ، 1999 م. - النهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، تحقيق، طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، 1399 هـ - 1979 م. - النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، المكتبة العلمية، بيروت، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، 1399 هـ، 1979 م. - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، محمد بن شهاب الدين الرملي، دار الفكر، طبعة أخيرة، 1404 هـ، 1984 م. - نيل الأوطار، محمد بن علي الشوكاني، دار الحديث، الطبعة الأولى، 1413 هـ، 1993 م. - الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه، لأبي محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي، القرطبي، المالكي، تحقيق: مجموعة رسائل جامعية بكلية الدراسات العليا والبحث العلمى، جامعة الشارقة، الطبعة: الأولى، 1429 هـ، 2008 م. - الهداية شرح بداية المبتدي، لأبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغياني، المكتبة الإسلامية. - الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد؛ لأحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن، أبو نصر البخاري الكلاباذي، تحقيق: عبد اللَّه الليثي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة: الأولى، 1407 هـ.
- هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، لإسماعيل باشا البغدادي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، سنة 1951 م. - الوابل الصيب من الكلم الطيب، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، أبو عبد اللَّه، تحقيق، محمد عبد الرحمن عوض، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1405 هـ، 1985 م. - الوفيات، للحافظ الخطيب البغدادي، تحقيق سعد الدين فرج الحاوي، مؤسسة صوت القلم العربي للنشر والتوزيع. - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان؛ لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت. - وقعة صفين، لنصر بن مزاحم المنقري، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الطبعة: الثانية، 1382 هـ. - يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار، صديق حسن خان، تحقيق: د. أحمد حجازي السقا، مكتبة عاطف بجوار الأزهر.